الأساس في السنة وفقهها - العقائد الإسلامية

سعيد حوَّى

سعيد حوى الأساس في السنة وفقهها المجلد الأول القسم الثاني العقائد الإسلامية دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة

الأساس في السنة وفقهها العقائد الإسلامية

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلاَةُ وَالسّلامُ عَلَىَ رَسُولِ اللهِ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا، إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ راجع هذا القسم ودققه فضيلة الشيخ عبد الحميد الأحدب حفظه الله

مقدمة

مقدمة كان القسم الأول من هذا الكتاب في السيرة وقد حاولنا في ذلك القسم أن نعطي تصوراً عن السيرة النبوية، وعما هو ألصق بها، واعتبرنا ذلك هو المدخل لبقية أقسام هذا الكتاب، وجعلنا الأقسام اللاحقة في: العقائد، والعبادات، والحياتيات، وتحرير الرقيق، والحكم. فالقسم الثاني إذن في العقائد، هي أهم مضمونات الرسالة النبوية. لقد بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بالتوحيد، والقيام بحقوق الربوبية، وبمسؤولية الإنسان أمام الله عز وجل. فالإله واحد؛ وعلى الإنسان أن يقوم بواجب التعبد له، والعبودية له، وذلك هو المظهر الأول لقبول التوحيد، فمن قَبِل التوحيد والعبادة والعبودية فإنه مجازى بالجنة، ومن رفض ذلك فإنه مجازى بالنار. ويدخل في التوحيد: توحيد الذات، والصفات، والأفعال، وأن الرب واحد، وأنه هو صاحب الحق في التشريع، والأمر والحكم؛ وهذا يقتضي عبادةً وتسليماً. ويدخل في العبادات: ما اشتهر أنه عبادة من صلاة وزكاة، ويدخل فيها التسليم له سبحانه في كل ما شرع، وطاعته في كل ما افترض وأوجب، سواء في ذلك ما كان علماً على عبادته، أو ما كان من أعلام شريعته، وهذه هي العبودية. وقد جعلنا ما هو أدخل في العقائد في هذا القسم، وما هو أدخل في العبادة في القسم الثالث، وما هو أدخل في العبودية في القسمين الرابع، والخامس. والأقسام كلها في النهاية توحيد وعبادة وعبودية، وسوابق لذلك أو لواحق له، ولكن تسهيل العرض جعلنا نضع ما هو أخص بقسم من الأقسام الخمسة بجانب بعضه. وبالله نستعين ونبدأ الكلام من قسم العقائد. * * *

لم تكن كلمة العقائد مستعملة زمن النبوة، فهي اسم مستحدث للتعبير عما يعتقد عليه القلب فيعتقده ويجزم به، فإذا أخذنا هذا الاصطلاح، وبنينا عليه، فإننا نستطيع أن نقول: هناك العقائد الإسلامية في وضعها الفطري في زمن النبوة، وهناك العقائد كما استقر عليها التأليف، فالعقائد في وضعها الفطري زمن النبوة كانت الأساس الذي يكلمه العمل بالإسلام، ويدخل فيها جانبان: الجانب الأول في الرسالة، والجانب الثاني هو الذي له علاقة بالغيبيات التي أخبرنا عنها الوحي الصادق، ويتداخل الجانبان أحياناً ويتكاملان، ورمز ذلك كله النطق بالشهادتين. أما العقائد كما استقر عليها التأليف، فقد شملت هذه الأمور، وزادت عليها، بأن دخل فيها ما اضطرته عملية الصراع بين أهل الإسلام وأهل الأديان، وبين أهل الحق والصواب من جهة، وأهل الباطل والخطأ من غير أهل السنة والجماعة من جهة أخرى، ومن ههنا أدخلوا في بحث العقائد- كما استقر التأليف فيها- وصف الإسلام والإيمان، وما يدخل في كلٍ، ومباحث الإلهيات، والنبويات، والسمعيات، وما يدخل في كلٍ، ويأخذ الكلام عن الحقائق الغيبية التي لا يدركها الإنسان إلا عن طريق الوحي حيزاً كبيراً من هذا العلم، ويدخل في هذا العلم الحديث عن التصورات الكلية في الشريعة والتكليف. والناس بالنسبة للإسلام والإيمان والشريعة: إما مسلم مؤمن ملتزم، وإما مسلم مؤمن مقصَّر مذنب، فالأول تقي، والثاني عاصٍ أو فاسق، وهناك متظاهر بالإسلام غير مؤمن به فذلك المنافق، وهناك الكافر، وهناك المسلم المخطئ في الفهم أو في العمل، فذلك المبتدع، وقد تصل البدعة إلى الكفر، وقد لا تصل، فالأول مرتد، والثاني ضال، وقد يرتد مسلم عن الإسلام أصلاً، أو قد يقول أو يفعل ما هو رِدّة، ومن ثم دخل في أبحاث العقائد نواقض الإسلام. ومن وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة ستحدث أحداث أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإيمان بها جزء من الإيمان بنبوته، وبعض هذه الأمور وقع، وبعضها لم يقع بعد، وبعضها يكون قبيل الساعة بقليل، وبعضها يسبقها بزمن، ومن ثم تدخل هذه الأمور في باب العقائد.

وفي مسرى تاريخ الأمة الإسلامية وجدت فرق إسلامية انشقت عن جسمها، وخرجت عن الفهم الفطري للنصوص، وطرحت هذه الفرق آراء شاذةً أو كافرة، وتنبت مواقف خاطئة، وأصبح الحديث عن آرائها ومواقفها جزءاً من علم العقائد. وهناك تصورات خاطئة، وتصورات يترتب على السكوت عنها لوازم ضارة، يُتحدث عنها عادة في علم العقائد كذلك، ومبنى الحديث في العقائد على النصوص، ولكن للحكم العقلي والعادي محلاً في شريعتنا، فاقتضى ذلك كلاماً عن الاثنين في أبحاث العقائد؛ لمعرفة محل التجارب البشرية، والأحكام العقلية في هذا الدين، وهكذا دخل في أبحاث العقائد الكلام عن الحكم العقلي والشرعي، والعادي، وأنها لا تتناقض. هذه كلها مباحث تجدها مع غيرها في كتب العقائد، وقد أصبحت بطون هذه الكتب هي موطن البحث فيها. * * * وفي العادة فإن البشر يصلون إلى كثير من المعاني عن طريق التأمل والتجربة والممارسة، والله عز وجل وصف الكافرين بقوله: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (1). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "أنتم أعلم بأمر دنياكم" (2) مثل هذه الأمور دور الشريعة فيها التوجيه والتسديد والترشيد، لكن هناك أموراً تعرف، أولا تستقيم، أو لا تتأكد إلا من خلال الوحي، وتبيان مثل هذه الأمور هي الوظيفة الكبرى للرسل عليهم الصلاة والسلام، ومن ذلك ما افترضه الله على عباده وكلفهم به. ومن ذلك وضع الأمور في مواضعها على مقتضى الحكم؛ فلا تنحرف الحياة الإنسانية عن المسار الصحيح؛ كترشيد الإنسان في استثمار الكون، والحياة الاقتصادية، والعلاقات الجنسية، والعلاقات الاجتماعية، ومن ذلك الحقائق التي لا يمكن للإنسان أن يعرفها إلا عن طريق الوحي؛ كالمغيبات، وما أعده الله للمؤمنين والكافرين.

_ (1) الروم: 8. (2) رواه مسلم (4/ 1836) 43 - كتاب الفضائل 38 - باب وجوب امتثال ما قاله شرعاً عن عائشة وأنس.

تفصيل هذه المعاني وأمثالها هي الوظيفة الكبرى للرسل عليهم الصلاة والسلام، نجد مصداق ذلك في قوله تعالى: - {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا}: فمعرفة آيات الله التي تدل على ذاته مما جاء به الوحي. {وَيُزَكِّيكُمْ}: فتزكية الأنفس على ما تقتضيه معرفة الله والعبودية له مما جاء به الوحي ... {وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ}: الذي أنزله: ويتضمن ما افترضه الله على خلقه، وذلك مضمون القرآن والكتب السماوية- {وَالْحِكْمَةَ}: وهي وضع الأمور في مواضعها على مقتضى الكتاب، وهذا الجانب تكفل به الكتاب والسنة ... {وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} (1): أي مما لا تستطيعون معرفته إلا عن طريق الوحي. ومن ههنا كان التعرف على الآيات، وعلى ما تزكو به الأنفس، وعلى الفرائض والمكتوبات، وعلى الحكمة في الكون، أو في التصرفات، أو في التصورات، أو في العلاقات، أو في السياسات، وكان التعرف على ما لا يعرفه الإنسان إلا من طريق الوحي، كل ذلك يدخل في مباحث العقائد، بل إنه لهو الأهم، وهو الذي ينبغي أن يشتغل به الدعاة؛ لأن أعظم ما في الدين هو هذا: آيات الله، والواجبات، والحكمة، وما لا يعرف إلا عن طريق الوحي. ومن ههنا تعلم خطأ بعض من يدعون إلى الإسلام فيغفلون التركيز على هذه الأمور، ويتحدثون عن نواحٍ أخرى لا تصبُّ في هذا البحر. * * * وإذا كان كل ما في الإسلام مبناه على الاعتقاد الحق، فالاعتقاد الحق مبناه على الإيمان الجازم بالله وبالرسول صلى الله عليه وسلم، ومبنى الإيمان بالله: يقوم على معرفة آثاره وآياته التي تدل عليه، ومبنى الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم: يقوم على معرفة الدلائل التي تدل على أنه رسول حقاً، وقد دخل ذلك في أبحاث العقائد، وقد جرت عادة كتاب العقائد- كما ذكرنا من قبل- أم يركزوا ما جرى فيه خلاف فيه أهل السنة والجماعة، وبقية الفرق الإسلامية، ومن

_ (1) البقرة: 151.

ههنا فقد حكم التأليف في العقائد ذكرُ وجهات النظر المطروحة؛ كأثر عن هوى، أو الرد على هوى، فقد وجدت آراء مبتدعة وأهواء متفرقة، فاقتضى ذلكم ردوداً ومناقشات، وغلب ذلك كله على التأليف، تأمل صحيح البخاري مثلاً، فإنك تجد الكثير من عناوين كتابه لها علاقة بقضية هي محل بحث في عصره، والكتب التي خصت العقائد في التأليف غلب عليها هذا الحال، ومع هذا التوسع في موضوعات كتب العقائد فقد أخرج الأقدمون من دائرة أبحاثهم قضايا اعتبروها ألصق بعلوم أخرى كبحث الحاكمية، وأنها لله وحدة، فقد ربطت بعلم أصول الفقه الذي لا يدرسه إلا الخاصة، ومن ههنا وجد الكتاب الإسلاميون المعاصرون شيئاً من الفراغ حاولوا أن يملأوه؛ فوجد ما يسمى- في جيلنا- بكتب التصورات الإسلامية. وإذا كنت أعتبر أن دراسة العقائد كما استقر عليها التأليف لابد منه للمسلم، فقد جعلني هذا أركز في هذا القسم على ما كان محل تركيز في عصر النبوة، وإن كان القسم مليئاً بما اعتاد عليه كتاب العقائد قديماً وحديثاً أن يدخلوه في كتبهم، بل لا تكاد مسألة رئيسية من مسائل العقائد إلا وفي هذا القسم حديث عنها، ومع ذلك فإنني أنصح إخواني المسلمين أن يدرسوا العقائد في كتبها، فإن هذا الكتاب ركَّز على المسائل الاعتقادية التي كانت محل التركيز الأقوى في الهدي النبوي. كان التركيز الأقوى في عصره عليه الصلاة والسلام على توحيد الله، وعلى الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى الإيمان باليوم الآخر، وعلى الإيمان بالغيب، وعلى التسليم لله ورسوله صلى الله عليه وسلم بالإسلام. وكان عنوان الدخول في الإسلام بقبول الشهادتين، والنطق بها، والقيام بأعمال الإسلام، والكينونة مع الجماعة، وكان يقف في مقابل ذلك: كفر، ونفاق، وجاهلية؛ ولذلك فإنني سأخص هذا وأمثاله مما هو محل تركيز في عصر النبوة بمزيد عناية، وقد جعلت هذا القسم في ثلاثة أبواب: الباب الأول: معالم عقدية. الباب الثاني: الإيمان بالغيب.

الباب الثالث: مباحث عقدية. وأدخلت في الإيمان بالغيب: أركان الإيمان الستة؛ وما يعتبر من الغيوب، وأدخلت في الباب الأول: المعالم الكبرى التي تعتبر نقاط علام في موضوع العقائد، وأدخلت في الباب الثالث: بعض الأبحاث التي هي ألصق بالجانب الاعتقادي. * * *

الباب الأول معالم عقدية

الباب الأول معالم عقدية وفيه: تمهيد وفصول

تمهيد

تمهيد الإنسان في هذا العالم الكبير لا ينقضي منه العجب، وما خفي منه فذلك أعجب، والعالم الذي يعيش فيه الإنسان أكثر عجباً، ومع أنه أكثر عجباً فإنه خلق من أجل هذا الإنسان: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} (1). {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} (2) فكان الإنسان بهذا التسخير قطب دائرة الوجود. اقرأ عن الكون تدخل في دائرة الدهشة، مليارات السنين الضوئية، أعداد هائلة من المجرات، مجموعات شمسية كبيرة، أنواع من الإشعاعات، وأنماط من توضعات الكهارب الصغيرة، وإشارات فضائية متنوعة، وخصائص عجيبة لكل نجم، ولكل كوكب، ولكل مذَّنب، وهذه الأرض في محلها لا ينقضي منها العجب، ولا ينقضي مما فيها العجب وكل ذلك مسخَّر للإنسان. واقرأ عن هذا الإنسان تجد كتب علم نفس تبلغ الآلاف، وهي تشمل ملاحظات مجردة عن نفس الإنسان دون أن تعرف كنهها، واقرأ عن التشريح تجد آلاف الصفحات، وهي تسجل حقائق وملاحظات عن جسم الإنسان وأعضاء الإنسان وغدد الإنسان، واقرأ ثبت الأمراض المعروفة تجد الآلاف، حتى إنه شخص حتى الآن من أمراض الوراثة وحدها حوالي ألف وخمسمائة، واقرأ تأثير الأغذية والأدوية تجد ما لا تستطيع له إحصاءً، واقرأ عن أخلاق الإنسان، وعلاقات الإنسان، واجتماعيات الإنسان، وأديان الإنسان، والأنظمة التي اخترعها الإنسان، والحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية مما له علاقة بالإنسان تجد عجباً، أما إذا وصلت إلى حياة الإنسان، وروح الإنسان، وقلب الإنسان، ومشاعر الإنسان، فتلك عوالم مجهولة مع كثرة آثارها. فكما أن الذات الإلهية تعرف بآثارها، ولا يحاط بها علماً، فهذه النفخة التي خلقها الله

_ (1) البقرة: 29. (2) لقمان: 20.

سبحانه وبثها في الإنسان تعرف بآثارها، ولا تدرك ولا يحاط بها: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} (1). أبعد ذلك كله يعجب الإنسان أن يرسل الله لهداية الإنسان؟! {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} (2). {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} (3). أفبعد هذا التركيب المدهش للإنسان يعجب الإنسان أن يكلفه الله، ويحمله مسؤولية، ويجعل له حياة أخرى، وقد خلقه هذا الخلق، وخلق له هذا الخلق: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} (4). {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} (5). إن من تأمل لم يعجب، فإذا جاء الواقع يصدق التأمل لم يبق إلا التسليم، فهذه قوافل الرسل تترى: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ} (6). ولقد كذب من لا عقل له ولا إنصاف ولا تدبر، فإن أهل العقول آمنوا، وحملوا رسالات الله عز وجل: {أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} (7). وعلى فترة من الرسل وبعد مرحلة من التيه والضياع، وبعد تصميم على الضلال عند كل فرقة من فرق الضالين بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم: - {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ

_ (1) الحجر: 29. (2) النجم: 59 - 61. (3) يونس: 2. (4) القيامة: 36. (5) المؤمنون: 115، 116. (6) المؤمنون: 44. (7) الأنعام: 89.

عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ} (1). لقد بُعث محمدٌ- صلى الله عليه وسلم- في مرحلة لا أمل أن ينبثق من الضلال الذي وقعت فيه الأمم هدى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ * رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} (2). فالجميع مستمرون على الضلال، فكان لا بد من رسول يوقف هذا الاستمرار، ويعطي للناس الهداية. لقد أُمر كل رسول الله بإقامة الدين وعدم التفرق فيه: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} (3). وعند بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم- لم يكن دين قائم؛ فالتوحيد رأس الدين تغير، ولم تعد نتيجة لذلك عبادة في الأرض، ولا عبودية، والتفرق حاصل: {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} (4). ومن سنة الله عز وجل ألا يستأصل المختلفين في الدين: {وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} (5). وهكذا ضاع الدين، وحدث التفرق، ولم يبق يقين: {وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ} (6). لقد ضاع الدين واليقين، وفي هذه الأجواء بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم وأمره: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ

_ (1) المائدة: 19. (2) البينة: 1 - 3. (3) الشورى: 12. (4) الشورى: 14. (5) الشورى: 2. (6) الشورى. 14.

كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15)} (1). فمن حاج بعد ذلك فحجته مرفوضة ومهزومة: {وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} (2). وإذا جعل الله عز وجل كتاب هذا الدين محفوظاً فلا حجة لأحد ألا يقيم الدين، ولا حجة لأحد يتفرق في الدين، والأمر واضح، وعلينا أن نفهم هذا الدين فلا نتفرق، فبدون علم نزيغ، وبدون قلب سليم نتفرق. وهذا الكتاب الذي بين يدينا فيه كل ما يحتاجه فهم الدين الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم. والسنة شارحة ومفصلة: - فقد بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم، دينه الذي لا يقبل ديناً غيره، وأنزل عليه القرآن كتاباً لهذا الدين، مبيناً له ومفصلاً فيه، وجعل الله رسول الله صلى الله عليه وسلم مبيناً لهذا القرآن، وشارحاً بالقدوة والحال، والكلمة والفعال، ومن ثم كان الكتاب والسنة هما أصلي هذا الدين. - وقد جاءت نصوص الكتاب والسنة لتصف هذا الدين وما يدخل فيه وما يخرج منه على الكمال والتمام، وجاءت نصوص هي بمثابة المعالم الكبرى في الإسلام؛ ليعلم من يريد الإسلام ما يعني انتماؤه للإسلام؛ وما هي المطالب الكبرى فيه: من توحيد، وصلاة وزكاة، وصوم، وحج، وجهاد، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وما هي المحظورات الكبرى فيه: من شرك، وزنى، وشرب خمر، ... - وجعل الله دينه منسجماً مع العقل والقلب والروح، واحتياجات الجسد في الأمر والنهي، والتكليف، فكان هذا الدين هو دين الفطرة، الدين الذي ينسجم مع حكمة الخلق، ومع تركيب الإنسان.

_ (1) الشورى: 15. (2) الشورى: 16.

- وقبل بعض الناس هذا الدين فكان من المسلمين، وبتصديقه بهذا الدين وقبوله له أصبح من المؤمنين، الذين دخلوا في دائرة الخطاب بوصف الإيمان؛ ومن ثم جاءت النصوص لتوضح ماذا يدخل في دائرة الإيمان، وماذا يطالب به أهل الإيمان من عقائد، وأعمال، وتكاليف، ومقامات، فكان هذا النوع من النصوص مكملاً للنصوص التي وصفت الإسلام، وجاءت نصوص تصف الإيمان مطابقة للنصوص التي وصفت الإسلام؛ لأن الإيمان والإسلام يتطابقان أحياناً، ويدل كل منهما على مفهوم يكمل الآخر أحياناً. - فالإسلام بمعناه الكامل: هو إسلام القلب، والجوارح، لله تعالى بهذا الدين، بنصوصه، وبعقائده، وتكالفيه، والإيمان بمعناه الكامل: هو تصديق القلب بنصوص هذا الدين، وتصديق السلوك لهذا التصديق، فالإسلام والإيمان من هذه الحيثية متطابقان. - وأحياناً يراد بالإسلام: عمل الجوارح بالطاعة، وبالإيمان: التصديق القلبي، وانشراح الصدر بنور الإيمان؛ حتى يرى القلب الأشياء بنور هذا الدين، فههنا الإسلام والإيمان يتكاملان، فالإسلام بهذا المعنى أثر الإيمان العقلي، ويوصل إلى الإيمان القلبي: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} (1). - إنه بمجرد أن يقبل الإنسان الإسلام ويدخل في عداد المؤمنين به فإنه يطالب بأمر ونهي، أو بفعل وترك، ومجموع ما يطالب به مباشرة كفرائض ونوافل حوالي سبعين شيئاً هي ما يسمى بشعب الإيمان، وكثير من الشعب تعني المطالبة بها: الكف عما يناقضها، فالمطالبة بالتوحيد تعني الكف عن الشرك، وليس كل ما نهي عنه يقابل شيئاً مأموراً به، وهكذا تتوسع دائرة المنهيات حتى تشمل أموراً كثيرة، منها ما يسمى كبيراً من الذنوب، ومنها ما يسمى صغيراً من الذنوب. - ودوائر التكليف الرباني أوسع من هذا الذي ذكرناه، فقد يقوم الإنسان بكل شعب الإيمان وينتهي عن الكبائر والصغائر، ومع ذلك يكون مقصراً في التكليف، لأن دوائر التكليف أوسع من مجرد هذا وهذا.

_ (1) الحجرات: 14.

- وكأثر عن القيام بالتكليف يتحقق الإنسان بالصفات العليا التي أثنى الله على أصحابها: التقوى، والإحسان، والإيمان، والإسلام، والشكر، والتوكل، والصبر ... - وبرفض الإسلام، أو بالتقصير في تكاليفه، أو بعدم التحقق بمقاماته، أو بالانحراف الاعتقادي أو العملي عنه، أو باعتقاد ما ليس منه على أنه منه، أو بعمل ما يتناقض معه على أنه منه: يستحق الإنسان وصفاً قبيحاً على حسب بشاعة الجرم: الكفر، النفاق، الضلال، العصيان، الفسوق، الابتداع، المروق من الدين، الردة، الزندقة، وعلى حسب القيام بالتكليف يكون للمؤمن وزنه ودرجته ورتبته: من صديقية، وشهادة، وصلاح، وربانية، وربِّيَّة، وللمؤمن ما يستحقه بفضل الله وكرمه، وما يتكرم به الله عز وجل أعظم، وللآخرين ما يستحقونه من عقاب معنوي ومادي ودنيوي وأخروي. - وشيء عادي- والرسول صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الإسلام فيصفه أو يربي على الإيمان فيفصله- أن تتعدد النصوص، فأحوال المدعوين متعددة، وأحوال المؤمنين ليست واحدة، فهذا عرف شيئاً فأتقنه، وغاب عنه شيء فجهله، فهذا يعرف على المجهول، ومجهول إنسان قد يختلف عن مجهول آخر، وما وصل إليه الصف الإسلامي اليوم غير ما وصل إليه بالأمس، والتكليف في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم كان متدرجاً، كل ذلك يجعلنا أمام نصوص كثيرة، تصب كلها في بحر واحد، وتنبثق عن نور واحد، ولكنها تلاحظ حالات شتى بعضها متشابه، وبعضها متداخل، وبعضها متكامل، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يواجه جاهلية متعددة الصور، ذات عقائد خاطئة، فينبثق عنها عبادات وسلوكيات خاطئة، فصحح المسار، وقطع الطريق على العودة إلى الجاهلية. وفي الباب معالم عقدية تتحدث عن بعض ما ذكرناه وغيره معه. وقد جعلنا الفصل الأول في: العقل، والجسد، والقلب، والروح، والنفس، وهي المعالم الكبرى في الإنسان، وإثباتها هو الأساس في التكليف؛ فلا تكليف إلا بعقل، الجسد بما حوى هو المكلف، وللقلب تكليفه، وللنفس تكليفها، وللروح أحوالها، وقد اقتصرنا في هذا الفصل على ذكر النصوص التي تثبت هذه العوالم وتفصل في معاني إطلاقها. * * *

فصول الباب الأول الفصل الأول: في الجسد والروح والعقل والقلب والنفس. الفصل الثاني: في التكليف ومسؤولية الإنسان أمام الله عز وجل. الفصل الثالث: في مباحث في الإسلام والإيمان. الفصل الرابع: في فضل الانتساب إلى الأمة الإسلامية. الفصل الخامس: في فضل الإيمان وفي فضل المؤمن. الصفل السادس: في أمثال مثل بها لدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وللمستجيبين له. الفصل السابع: في الإسلام وأسهمه وأركانه ومقاماته وبعض أعماله. الفصل الثامن: في بعض شعب الإيمان. الفصل التاسع: في بعض الموازين التي يزن بها المؤمن إيمانه وإسلامه. الفصل العاشر: في فضل الشهادتين وكلمة التوحيد هي أصل الإيمان. الفصل الحادي عشر: في الإيمان الذوقي وما يقابله. الفصل الثاني عشر: في الجيل الأرقى تحققاً. الفصل الثالث عشر: في الوساوس العارضة وفي خفوت نور الإيمان وزيادته وتجديده وإقلاعه. الفصل الرابع عشر: في الفطرة وحقيقة الإيمان والكفر والنفاق. الفصل الخامس عشر: في الكفر والشرك والكبائر. الفصل السادس عشر: في النفاق وعلاماته وشعبه. الفصل السابع عشر: في نواقض الشهادتين.

الفصل الثامن عشر: في الاعتصام بالكتاب والسنة. الفصل التاسع عشر: في التمسك بالسنة وفي التحذير من البدعة وأهلها. الفصل العشرون: في البدعة. الفصل الحادي والعشرون: في افتراق هذه الأمة افتراق اليهود والنصارى وزيادة، وفي وجوب الكينونة مع الفرقة الناجية وهم أهل السنة والجماعة واعتزال فرق الضلال. الفصل الثاني والعشرون: في التحذير من مواطأة الأمم في انحرافاتها. الفصل الثالث والعشرون: في التحذير من الفتن.

الفصل الأول في: الجسد والروح والعقل والقلب والنفس

الفصل الأول في: الجسد والروح والعقل والقلب والنفس وفيه: مقدمة وفقرات الفقرة الأولى: نصُوص في الجسد. الفقرة الثانية: نصُوص في الروح. الفقرة الثالثة: نصُوص في العقل. الفقرة الرابعة: نصُوص في القلب. الفقرة الخامسة: نصُوص في النفس.

مقدمة الفصل

مقدمة الفصل في الإنسان جانب غيبي أخبرتنا عنه نصوص الكتاب والسنة، وهذا الجانب الغيبي يعرفه الإنسان من آثاره، وبعضه يحس به إحساساً، حتى إن إنكاره يكون إنكاراً للمحسوس، فالإنسان يميز به بين العاقل وغير العاقل، ويحس بمطالب النفس والجسد، ويحس في قلبه الذي في صدره بكثير من المعاني، وأهل الإيمان لهم إحساستهم القلبية النامية، وهناك فارق بين حياة الجنين قبل نفخ الروح، وبعد نفخ الروح فيه، فمتى نفخت الروح فيه تبدأ الحركة، هذه القضايا التي نرى آثارها جاءت نصوص كثيرة تتحدث عنها، فأصبحت من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة، مما لا يسع مسلماً أو مسلمة أن ينكرها، وإن كان يسع المسلم أن يجهل تفصيلات فيها، أو تحديدات لمعانٍ دقيقة للنصوص في شأنها. وإنها لإحدى معارك عصرنا الإيمانية: الصراع مع الذين يفسرون كل ما في الإنسان، وكل ما يجري للإنسان أو على الإنسان، بالمادة والمادية، فكل شيء عندهم في الإنسان مرتبط بآلية المادة، وإفرازاتها، وقد سرى ذلك إلى بعض أبناء المسلمين؛ فصاروا يفسرون القلب بأنه الدماغ، وهم بذلك ينكرون أن يكون للمسلم قلب مرتبط بالقلب الحسي، له وظائفه الإيمانية، وهو محل الإلهام، ومحل الإشراق، وهو محل الكفر والنفاق، وأصبح هؤلاء يميلون إلى تأويل ما ورد عن الجانب الغيبي في الإنسان بأنواع من التأويلات. والإسلام يعطي للتجربة البشرية مداها، وللبحث العلمي مداه، ولكن هل استطاع الإنسان أن يجيب جواباً جازماً على كل الأسئلة التي لها علاقة في الإنسان، أو أن الإنسان لا زال مجهولاً. وفي كل الأحوال فنصوص الإسلام القطعية الثبوت، القطعية الدلالة، لا يمكن أن تتناقض مع حقيقة علمية فالأصل الأصيل أن يسلم المسلم للنصوص كلها، فكيف إذا كانت النصوص في أمور غيبية تشهد لها آثارها؟! إنه لمن فساد التصورات، ومن المكفرات، إنكار الروح، أو القلب، أو النفس، أو العقل، أو الجسد، ثم إن هذا الإنكار يترتب عليه فساد عريض، فالتربية التي لا تلحظ

القلب، أو العقل، أو الجسد، أو النفس، أو الروح، تربية فاشلة، ومن ههنا يكون لهذا البحث أهمية كبرى في العقائد والسلوك. إن الإنسان جسد وروح قال تعالى: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} (1). نرى ذلك واضحاً عند الموت حيث تفارق الروح الجسد فيتوقف كل شيء، هذه الروح إذا خالطت الجسد تسمى نفساً فقد قال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} (2). فالروح التي تقبض حين الوفاة سماها الله عز وجل نفساً، وتطلق كلمة النفس على أكثر من معنى كما سنرى. وفي هذا الإنسان المؤلف من الروح والجسد، أو من النفس والجسد، شيئان لهما الأهمية الكبرى هما: العقل، والقلب، فالعقل: هو محل إدراك الخطاب فحيثما وجد كان التكليف، والقلب: هو محل القبول للتكليف، فهو صاحب القرار في القبول والرفض. والظاهر من التجربة، ومن النصوص، ومن الإحساسات، ومن الأذواق، أن العقل الذي هو محل إدراك الخطاب مقره الدماغ، وأن القلب الذي هو محل القرار في القبول والرفض مقره الصدرن فله تعلق بالقلب الصنوبري الذي يضخ الدم: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (3)، {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} (4). وللدماغ تكليفه: وهو أن يفكر فيربط الأسباب بمسبباتها، ويربط الأدلة بمدلولاتها؛ ليصل إلى الحقيقة، وللقلب تكليفه: وهو أن يقبل الإسلام الذي أوصل إليه العقل، وأن يستنير بنور الإسلام، وللنفس تكاليفها في التزكية {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} (5). والتكليف في النهاية للإنسان المؤلف من الروح والجسد، فهو المكلف أن يجعل جسمه ونفسه وعقله وقلبه على مقتضى أمر الله عز وجل. * * *

_ (1) الحجر: 29. (2) الزمر: 42. (3) الحج: 46. (4) الزمر: 22. (5) الشمس: 7 - 10.

إن النصوص تتحدث عن جسد: "إن لجسدك عليك حقا" (1). وعن روح: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} (2) وتتحدث عن نفس: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} (3). وتتحدث عن قلب. "إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله إلا وهي القلب" (4). وتتحدث عن عقل: {أَفَلَا تَعْقِلُونَ}. وأحيانا تتحدث النصوص عن النفس وتريد بها الذات كلها: الجسم والعقل والقلب والروح: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ} (5). وأحياناً تتحدث عن القلب وأنه محل العقل: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} (6). وأحياناً تشعر النصوص بأن المراد بالنفس الذات متلبسة بحالة قلبية: {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} (7) {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (8). والإنسان يحس بأن محل التفكير الدماغ، والدرسات المعاصرة وقفت بالنسبة للإنسان أمام مجهولات كثيرة، فلقد تبين أنه لو فقد الإنسان قسماً كبيراً من مخه فإنه لا يفتقد ذاكرته، ولم تزل أبحاث الذاكرة في دائرة المجهول، والماديون ينكرون الروح أصلاً، والكافرون لا يحسون بقلوبهم التي هي محل الكفر والإيمان، فهم يتكلمون بعيدين عن الجانب الغيبي في الإنسان، وكما ذكرنا من قبل فقد تأثر بعض المسلمين بأفكار غير إسلامية، حتى زعم بعضهم أن المراد بالقلب في الاصطلاح الشرعي هو الدماغ، وهذا شيء له خطورته في العقيدة والتربية والسلوك، فهو إنكار لشيء تتوطأ عليه النصوص، محددة له أنه في الصدر: {وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (9) {يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} (10)، (أفمن شرح الله صدره للإسلام) (11). كل ذلك يقتضي كلاماً ضمن الحدود التي لا بد منها، فالمؤمن مكلف بالإيمان بأن له عقلاً هو محل إدراك الخطاب، وبهذا العقل تقوم عليه الحجة، ومكلف أن يؤمن بأن له قلباً عليه أن

_ (1) أخرجه البخاري ومسلم. (2) الإسراء: 85. (3) الشمس: 7. (4) رواه مسلم. (5) الكهف: 74. (6) الحج: 46. (7) الفجر: 27. (8) الرعد: 28. (9) الحج: 46. (10) الأنعام: 125. (11) الزمر: 22.

يصدق به وأن ينوره، وأن له نفساً عليه أن يزكيها، وأن له روحاً ركّبها الله عز وجل بهذا الجسد: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} (1)، ونصوص الكتاب والسنة متعاضدة متضافرة على تأكيد هذه المعاني، ولكن التداخل في الوظائف والتكليف يجعل أحياناً الكلام عن هذه المعاني متداخلاً في النصوص وفي كلام الناس، والمسلم مكلّف بالجملة بالإثبات، ولا يكلف كل مسلم بمعرفة كل النصوص، وحمل كل نص على المراد الدقيق منه. إن الإيمان بالقلب والنفس لهما آثارهما في التربية والسلوك، فبينما ينبغي أن يكون مركز اهتمام المسلم قلبه ونفسه، وإذا به في حالة الإنكار يتوجه إلى الفكر والدماغ، وبينما يحس المؤمن إحساساً ذوقياً بقلبه ومقاماته فمن توكّل وخوف ورجاء ومحبة، إذا بهذا المُنْكِر يفقد هذا كله. * * * إن عصرنا جعل أكثر الناس علماً هم أكثر الناس تواضعاً؛ فمن عرف ضآلة بعض الإفرازات في الجسد، وضخامة تأثيرها، ومن عرف ضآلة حجم بعض الأشياء في الدماغ، وضخامة تأثيرها. ومن عرف أنه لو جمعنا كل أجهزة العالم من (التليفون والتلغراف والرادار والتلفزيون) ثم صَغّرناها إلى مثل حجم الدماغ فإنها لا تبلغ بمجموعها أن تؤدي وظائف الدماغ، ومن عرف فكرة التسجيلات والمسجّلات والطاقة الكهربائية والذرية ينبغي أن يزداد تواضعاً؛ فيسلم لمن يعلم ومن أعلم من الله!! {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ} (2). {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} (3). وعوالم القلب والروح والعقل والجسد والنفس ليس مثل المسلم على بصيرة فيها. ونحن سنستعرض في هذا الفصل بعض نصوص الكتاب والسنة، وفيها العلم الذي يحكم على كل علم. وفيما بين يدي ذلك تقول:

_ (1) الحجر: 29. (2) الكهف: 51. (3) الإسراء: 85.

تطلق كلمة القلب على معنيين: القلب الحسي الذي يشترك فيه الإنسان والحيوان، وعلى قلب آخره مقرُّه ذلك القلب، وهو مرتبط به نوع ارتباط، وهو محل الإيمان والكفر والنفاق، ومركز ظهور العواطف، وهو بالنسبة للإنسان محل القرار والإرادة، فهو محل التردد، والشك، والإقدام، والإحجام. وللإنسان دماغ هو محل التفكر، والمحاكمات، وقد يكون محل خزن المعلومات، وهو محل إدراك الخطاب، وهو مخزن الحواس ومركز الإحساس، ومنظم الجملة العصبية إلى غير ذلك من المهام، وهناك الروح التي تعطي الجسد والقلب والدماغ. * * * عندما يكون الإنسان جنيناً في بطن أمه في المرحلة الأولى فإن حياته تكون تبعاً لحياة أمه، وإنما تكون له شخصيته المستقلة منذ نفخ الروح فيه، فعندما تُنفخ الروح عندئذ تكون له حياته المستقلة نوع استقلال، والروح في أصل خلقتها عارفة بالله، منطبعة بها البدهيات، والقلب الغيبي حين نفخ الروح في الجسد يكون على الفطرة، فهو نور خالص، والدماغ يكون جاهزاً للتلقي وتخزين المعلومات، هكذا حال الطفل أول ولادته. * * * عندما تحل الروح في الجسد تصبح أسيرة هذا الجسد، وبالتالي تتحكم فيها مطالب الجسد، وتفكير الدماغ وقرار القلب والبيئة، كما أن القلب تتحكم فيه مطالب الجسد، وتفكير الدماغ، وتأثير النفس بمطالب الجسد، والروح بعد التلبس بالجسد تسمى نفساً، وبقدر ما تسيطر عليها الشهوات يصبح القلب أسيراً لها، وبقدر ما يستنير القلب يمكن أن يؤثر في النفس، فيستقيم أمر الجسد، ومن ههنا فإن هناك صراعاً بين الخير والشر في ذات الإنسان، إما أن يسيطر العقل أو القلب أو الروح أو النفس أو الجسد، وبين ذلك صور فإذا تطهر القلب وتنور فعندئذ تكون الروح في وضعها الأول وضع العبودية؛ فتظهر فيها الأخلاق العليا كلها، وإلا فإنها تنتكس.

ومن العوامل المضلة المؤثرة: أولاً: التلقين. ثانياً: جواذب الدنيا. ثالثاً: مطالب الجسد وغرائزه. رابعاً: الشيطان ووساوسه. ومن العوامل الهادية: أولاً: الإيمان بالله ورسله والتلقي عنهما. ثانياً: الفكر الاستدلالي والبناء عليه. ثالثاً: الذكر. رابعاً: العلم والمعرفة الصحيحان. خامساً: بذل الجهد ومجاهدة النفس. سادساً: البيئة المساعدة. والعقل هو مناط التكليف، وهو الجهة التي يدرك فيها الإنسان فحوى الخطاب، وهو وسيلة الإنسان للمعرفة وهو مفطور على معانٍ، فعنده بدهيات مستقرة، وله قوانين مغروسة، وهو يصل إلى المعرفة من خلال التعليم والاستقراء أو الاستنتاج، ومن ههنا وجد علم المنطق الاستقرائي والاستنتاجي، فأن يتعرف الإنسان على علم المنطق للتعرف على قوانين العقل، وعلى ما هو بدهي، وعلى ضوابط الاستنتاج الصحيح، والاستقرار الصحيح، فهذا القدر لا حرج فيه. وحملةُ بعض العلماء على نوع من المنطق لا يدخل فيها ما ذكرناه. وهذا النوع يوجد عند الجن من لحظة الولادة، فهم مكفلون من تلك اللحظة، أما عند الإنسان فإنه يتكامل شيئاً فشيئاً، ومن ههنا فلا تكليف يحاسب عليه الإنسان إلا بعد البلوغ، أما ما قبل ذلك فله أحكامه. * * *

ويطلق العقل في الشريعة على شيئين: أولاً: على ما هو مناط فهم الخطاب، وإذا وجد فقد أصبح الإنسان مكلفاً ضمن شروط. ثانياً: على قبول خطاب الشارع والعمل به وذلك هو العقل الشرعي. وعلى هذا يحمل قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (1). {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ} (2) {لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا} (3). والقلب يطلق في الشريعة: على العقل الشرعي، وعلى القلب الحسي، وعلى القلب المرتبط بالقلب الحسي، وهو محل الإيمان والكفر، وعليه يحمل قوله تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} (4) {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} (5) {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (6). والنفس تطلق في الشريعة: على الذات كلها جسداً وروحاً، وتطلق على الروح وحدها، وتطلق على الدم، وتطلق على مطالب الروح المتأثرة بمطالب الجسد المذمومة. وتسمى الروح إذا خالطت الجسد نفساً، وها نحن نذكر لك بعد هذا البيان بعض النصوص التي تناسب عنوان هذا الفصل، ومضمونه الذي تحدثنا عنه في هذه المقدمة، مبتدئين بذكر بعض النصوص التي تتحدث عن الجسد، للإشعار ببعض الواجبات الجسدية، وببعض حقوق الجسد، ومن مثل ذلك يعرف وضع الجسد في الإسلام: حقوقه، وواجباته، وكمالاته، وضرورة رعايته، لا كما تحاول ملل أخرى أن تعذبة أو تحرمه من ضرورات مباحة.

_ (1) الملك: 10. (2) الحشر: 14. (3) الأعراف: 179. (4) البقرة: 10. (5) البقرة: 7. (6) الحج: 46.

الفقرة الأولى: نصوص في الجسد

الفقرة الأولى: نصوص في الجسد قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} (1) {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} (2). 1 - * روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الله ألم أخبر أنك تصوم النهار، وتقومُ الليل؟ " فقلت: بلى يا رسول الله، قال: "فلا تفعل، صُم وأفطر، وقم ونم، فإنَّ لجسدك عليك حقاً، وإن لبدنك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً، وإن لزورك عليك حقاً، وإن بحسبك أن تصوم كل شهر ثلاثة أيام، فإن لك بكل حسنةٍ عشر أمثالها، فإذن ذلك صيامُ الدهر، فشددت فشدد عليَّ، قلت: يا رسول الله: إني أجد قوة، قال: "فصم صيام نبي الله داود عليه السلام ولا تزد عليه". قلتُ: وما كان صيام نبي الله داود عليه السلام؟ قال: "نصف الدَّهر"، فكان عبدُ الله يقول بعد ما كبر: يا ليتني قبلت رخصة النبي صلى الله عليه وسلم. 2 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أول ما يسأل عنه يوم القيامة- يعني: العبد- من النعيم، أن يُقال: ألم نصح لك جسمك؟ ونروك من الماء البارد؟ "

_ (1) البقرة: 248. (2) المنافقون: 4. 1 - البخاري (4/ 17) 30 - كتاب الصوم 55 - باب حق الجسم في الصوم. ومسلم (2/ 812) 13 - كتاب الصوم 35 - باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به. إن لزورك عليك حقاً. أي لزوارك وضيوفك. والزور: الزائر وهو في الأصل مصدر وضع موضع الاسم. وقد يكون الزور جمع زائر. 2 - الترمذي (5/ 448) 48 - كتاب تفسير القرآن 89 - باب ومن سورة التكاثر. وقال: هذا حديث غريب. وإسناد قوي. وابن حبان- الإحسان (9/ 228).

3 - * روى الترمذي عن عبيد الله بن محصن رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أصبح منكم آمناً في سربه، مُعافىً في جسده، عندهُ قوت يومه، فكأنما حيزت لهُ الدنيا بحذافيرها". 4 - * روى الترمذي عن أبي بززة الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسئل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقهُ، وعن جسمه فيما أبلاه". 5 - * روى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناهُ من بعدهم، فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله، فغداً لليهود، وبعد غدٍ للنصارى" فسكت ثم قال "حق على كل مسلمٍ أن يغتسل في كل سبعة أيامٍ يوماًيغسلُ فيه رأسهُ وجسده". 6 - * روى الترمذي عن بلالٍ، وأبي أمامة، رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عليكم بقيام الليل، فإنه دأبُ الصالحين قبلكم، وإنَّ قيام الليل قربةٌ إلى الله، ومنهاةً عن الإثم، وتكفيرٌ للسيئات، ومطردة للدَّاء عن الجسد".

_ 3 - الترمذي (4/ 574) 7 - كتاب الزهد باب 34 - وقال. هذا حديث حسن غريب، ورواه أيضاً ابن حبان في صحيحه. واختلف في تحسينه والراجح أنه حسن. (آمنا في مربه) أي: في نفسه: يقال: فلان واسع السرب أي: رخي البال وروي بفتح السين، وهو المسلك والمذهب. (الحذافير): عالي الشيء ونواحيه، يقال: أعطاه الدنيا بحذافيرها، أي: بأسرها، الواحد حذفار. 4 - الترمذي (4/ 612) 38 - كتاب صفة القيامة 1 - باب في القيامة. وقال: هذا حديث حسن صحيح. وهو كما قال. 5 - البخاري (2/ 382) 11 - كتاب الجمعة 12 - باب هل على من لم شهد الجمعة غسل من النساء والصبيان وغيرهم؟. 6 - الترمذي (5/ 552) 49 - كتاب الدعوات 102 - باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم. والمستدرك (1/ 208) وصححه ووافقه الذهبي. وهو حديث حسن. ورواه أحمد والبيهقي.

7 - * روى الترمذي عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم عافني في جسدي، وعافني في بصري، واجعله الوارث مني، لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين". 8 - * روى مسلم عن عثان بن أبي العاصي الثقفي الطائفي رضي الله عنه أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعاً يجده في جسده منذ أسلم، فقال له: "ضع يدك على الذي يألم من جسدك، وقل: باسم الله، ثلاث مرات، وقُل سبع مراتٍ: أعوذُ بالله وقدرته من شر ما أجدُ وأحاذزُ". وعند الموطاً (3) "بعزة الله وقدرته من شر ما أجد" قال: فقلت ذلك، فأذهب الله ما كان بي، فلم أزل آمُرُ بها أهلي وغيرهم. 9 - * روى البخاري عن عروة عن عائشة، "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ فيهما {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ثم يمسح بها ما استطاع من جسده، يبدأ بها على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مراتٍ 10 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة، قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تحاسدوا، ولا تناجشوا ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولايبع بعضكم على

_ 7 - الترمذي (5/ 518) 49 - كتاب الدعوات 67 - باب منه. وقال: هذا حديث حسن غريب. قال: سمعت محمداً يقول: حبيب ابن أبي ثابتٍ لم يسمع من عروة بن الزبير شيئاً، والله أعلم. وقال محقق الجامع: لهذا الحديث شواهد بالمعنى يقوي بها، منها حديث أبي داود رقم 509 بإسناد حسن. (واجعله الوارث مني) أي: أبقه صحيحاً سليماً. 8 - (4/ 1728) 39 - كتاب السلام 24 - باب استحباب وضع يده على موضع الألم مع الدعاء. (3) الموطأ (2/ 942) 50 - كتاب العين 4 - باب التعوذ والرقية في المرض. 9 - البخاري (9/ 62) 66 - كتاب فضائل القرآن 14 - باب فضل المعوذات. 10 - البخاري طرفاً منه في (10/ 481) 78 - كتاب الأدب 57 - باب ما ينهي عن التحاسد والتدابر. ومسلم (4/ 1986) 45 - كتاب البر والصلة والآداب 10 - باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله.

بيع بعض. وكونوا، عباد الله إخوانا. المسلم أخو المسلم. لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره. التقوى ها هنا" ويشير إلى صدره ثلاثٍ مراتٍ "بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام. دمه وماله وعرضه". 11 - * روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة: بدأ فغسل يديه، ثم يتوضاً كا يتوضأ للصلاة ثم يدخل أصابعه في الماء، فيخلل بها أطول شعره، ثم يصب الماء على رأسه ثلاث غرفٍ بيديه، ثم يفيض الماء على جلده كله. وفي رواية (2) ثم يخلل بيديه شعره، حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته، أفاض الماء عليه ثلاث مرات، ثم غسل سائر جسده. وقالت: كنت أغتسلُ أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، نغترف منه جميعاً (3). 12 - * روى مسل عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من توضأ فأحسن الوضوء، خرجت خطاياه من جسده ثم تخرج من تحت أظفاره". 13 - * روى أبو داود عن جابر بن عبد الله رضي الله عنها، قال: خرجنا في سفرٍ، فأصاب رجلاً منا حجر فشجه في رأسه، فاحتلم، فسأل أصحابه: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رُخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على

_ 11 - البخاري (1/ 360) 5 - كتاب الغسل 1 - باب الوضوء قبل الغسل. ومسلم (1/ 253) 3 - كتاب الحيض 9 - باب صفة غسل الجناية. البخاري (1/ 382) 5 - كتاب الغسل 15 - باب تخليل الشعر. (2) البخاري: الموضع السابق. (3) البخاري: الموضع السابق. 12 - مسلم (1/ 216) 2 - كتاب الطهارة 11 - باب خروج الخطايا مع ماء الوضوء. 13 - أبو داود (1/ 93) كتاب الطهارة باب في المجروح يتيم. وهو حديث حسن وله شواهد. فشجه: شج رأسه: إذا ضربه بشيء فكسره وفتحه.

رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر بذلك، قال: "قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذا لم يعلموا، فإنما شفاء العيِّ السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر- أو يعصب، شك موسى- على جرحه خرقة، ثم يمسح عليها، ويغسل سائر جسده". * * *

الفقرة الثانية: نصوص في الروح

الفقرة الثانية: نصوص في الروح قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} (1) {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ} (2) {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} (3) والراد: روح خلقها ونسبها الي ذاته تشريفاً كما نقول: بيت الله. ومن نصوص السنة في الروح: 14 - * روى مالك عن كعب بن مالك رضي الله عنه كان يحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما نسمة المؤمن طير يعلق في شجر الجنة، حتى يرجعه الله في جسده يوم يبعثه". قال القرطبي وغيره: هي روح المؤمن الشهيد. وقال بعضهم: المراد بالحديث أعم من أن يكون المراد بذلك أرواح الشهداء وحدهم فقد يعطي الله عز وجل هذه الخصوصية لغيرهم. 15 - * روى أحمد وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أحدٍ يسلم عليَّ إلا رد الله تبارك وتعالى عليَّ روحي حتى أرُدَّ عليه السلام".

_ (1) الإسراء: 85. (2) الحجر: 29. (3) السجدة: 9. 14 - الموطأ (1/ 240) 16 - كتاب الجنائز 16 - باب جامع الجنائز. والنسائي (4/ 108) 21 - كتاب الجنائز 117 - باب أرواح المؤمنين. وابن ماجة (2/ 1428) 37 - كتاب الزهد 32 - باب ذكر القبر والبلى. وإسناده صحيح. النسمة: الروح والنفس، و"يعلق": أي يأكل. 15 - أحمد في مسنده (2/ 527). وأبو داود (2/ 218) كتاب المناسك باب زيارة القبور. وإسناده حسن.

16 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف". وفي رواية (2) يرفعه قال: "الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، والأرواح جنود مجندة .... الحديث". 17 - * روى البخاري ومسلم عن ربعي بن حراشٍ؛ أن حذيفة حدتهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تلقت الملائكة روح رجلٍ ممن كان قبلكم فقالوا: أعملت من الخير شيئاً؟ قال: لا. قالوا: تذكر. قال: كنت أدين الناس. فآمر فتياني أن ينظروا المعسر ويتجوزوا عن الموسر. قال: قال الله عز وجلَّ: تجوزوا عنه". 18 - * روى أحمد وأبو داود عن عليِّ بن شماخ- وقيل: شماس، قال: شهدت مروان يسأل أبا هريرة: "كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الجنازة؟ قال أبو هريرة: سمعته يقول: "اللهم أنت ربُّها، وأنت خلقتها، وأنت هديتها إلى الإسلام وأنت قبضت روحها، وأنت أعلمُ بسرها وعلانيتها، جئنا شفعاء، فاغفر لها". 19 - * روى أحمد وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله

_ 16 - البخاري (6/ 369) 60 - كتاب الأنبياء 2 - باب الأرواح جنود مجندة. ومسلم (4/ 2031) 45 - كتاب البر والصلة والآداب 49 - باب الأرواح جنود مجندة. (2) مسلم في نفس الموضع السابق. 17 - البخاري (4/ 307) 34 - كتاب البيوع 17 - باب من أنظر موسراً. ومسلم (3/ 1194) 22 - كتاب المساقاة 6 - باب فضل إنظار المعسر. (وأنظر): الإنظار الإمهال والتأخير. (الجواز): في الشيء: المساهلة والتجاوز فيه. 18 - أحمد في مسنده (2/ 256). وأبو داود (3/ 210) كتاب الجنائز باب الدعاء للميت. وذكره الحافظ ابن حجر في أمالي الأذكار وقال: هذا حديث حسن. 19 - أحمد في مسنده (2/ 323) وأبو داود (4/ 275) كتاب الأدب باب في النهي عن البغي. وإسناده حسن. أوبقت: أوبقه يوبقه إذا أهلكه.

صلى الله عليه وسلم، يقول: "كان في بني إسرائيل رجلان متواخيان، أحدهما مذنب والآخر في العبادة مجتهدٌ، فكان المجتهد لا يزال يرى الآخر على ذنب، فيقول: أقصر، فوجده يوماً على ذنب، فقال: أقصر، فقال: خلني وربي أبعثت عليَّ رقيباً؟ فقال له: والله لا يغفر الله لك- أو قال: لا يُدخلك الجنة- فقبض الله أرواحهما، فاجتمعا عند ربِّ العالمين، فقال الرب تعالى للمجتهد: أكنت على ما في يدي قادراً؟ وقال للمُذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر: اذهبوا به إلى النار، قال أبو هريرة: تكلم والله بكلمةٍ أوبقت دنياه وآخرته". 20 - * روى مسلم عن مسروق رحمه الله، قال: سألنا عبد الله بن مسعودٍ عن هذه الآية {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (2) فقال: أما إنا قد سألنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: "أرواحهم في جوف طيرٍ خضر، لها قناديل معلقةٌ بالعرش، تشرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل فاطلع إليهم ربهم اطلاعةً، فقال: هل تشتهون شيئاً؟ قالوا: أي شيءٍ نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا؟ ففعل ذلك بهم ثلاث مراتٍ، فلما رأوا أنهم لم يتركوا من أن يسألوا، قالوا: يا رب، نريد أن تردَّ علينا أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجةٌ تركوا". أقول: إن كينونة أرواحهم في أجواف الطيور من زيادة الإكرام، فالطيور بالنسبة لهم كالسيارة أو الطائرة لراكبها. 21 - * روى مسلم عن أبي هريرة. قال: "إذا خرجت روح المؤمن تلقاقا ملكان يصعدانها قال حماد: فذكر من طيب ريحها، وذكر المسك.

_ 20 - مسلم (3/ 1502) 33 - كتاب الإمارة 33 - باب بيان أن أرواح الشهداء في الجنة. (2) آل عمران 169. 21 - مسلم (4/ 2202) 51 - كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها 17 - باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، وإثبات عذاب القبر، والتعوذ منه. (ريطة): الريطة ثوب رقيق. وقيل: هي الملاءة. وكان سبب ردها على الأنف بسبب ما ذكر من نتن ريح روح الكافر.

قال: ويقول أهل السماء: روحٌ طيبةٌ جاءت من قبل الأرض. صلي الله عليك وعلى جسد كنت تعمرينه. فينطلق به إلى ربه عز وجل. ثم يقول: انطلقوا به إلى آخر الأجل. قال: وإن الكافر إذا خرجت روحة- قال حماد وذكر من نتنها، وذكر لعنا- ويقول أهل السماء: روح خبيثة جاءت من قبل الأرض. قال فيقالُ: انطلقوا به إلى آخر الأجل. قال أبو هريرة: فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم ريطة، كانت عليه، على أنفه، هكذا. 22 - * روى مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة- وقد شق بصرهُ- فأغمضه، ثم قال: "إنَّ الروح إذا قبض تبعه البصر" فضجَّ ناسُّ من أهله، فقال: "لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فإنَّ الملائكة يؤمنون على ماتقولون" ثم قال: "اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجتهُ في المهديين، واخلفة في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره، ونور له فيه". 23 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قالوا: يا رسول الله متى وجبت لك النبوةُ؟ قال: "وآدم بين الروح والجسد"، والمراد: أن آدم عليه السلام كان بعد تراباً لم يصور ولم يخلق. 24 - * روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: حدَّثنا

_ 22 - مسلم (2/ 634) 11 - كتاب الجنائز 4 - باب في إغماض الميت والدعاء له، إذا أُحضر. وأبو داود (3/ 191) كتاب الجنائز- باب تغميض الميت. 23 - الترمذي (5/ 585) 50 - كتاب المناقب 1 - باب في فضل النبي صلى الله عليه وسلم. وقال: حسن صحيح غريب. 24 - البخاري (11/ 477) 82 - كتاب القدر باب: 1. ومسلم (4/ 2036) 46 - كتاب القدر 1 - باب كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه. وأبو داود (4/ 228) كتاب السنة 17 - باب في القدر. والترمذي (4/ 446) 33 - كتاب القدر 4 - باب ما جاء أن الأعمال بالخواتيم. وقال: حسن صحيح.

رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: "إن خلق أحدكم يجمعُ في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مُضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه ملكاً بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله، وشقيٌّ أو سعيدٌ، ثم ينفخ فيه الروح، فوالذي لا إله غيرهُ، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعٌ، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعٌ، فيسبق عليه الكتابُ فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخُلُها". * * *

الفقرة الثالثة: نصوص في العقل

الفقرة الثالثة: نصوص في العقل قال تعالى {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ} (1). المراد بالعقل هنا العقل الذي هو محل إدراك الخطاب. {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (2). {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} (3). {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ} (4). {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} (5). المراد بالعقل بالنصوص الأربعة الأخيرة العقل الشرعي ومقره القلب. ومن نصوص السنة في العقل: 25 - * روى البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى- أو فطر- إلى المصلى، فمرَّ على النساء، فقال: "يا معشر النساء، تصدَّقن، فإني أريتكنَّ أكثر أهل النار" فقلن: لم يا رسول الله؟ قال: "تكثرن اللَّعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودينٍ أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن" قُلن: وما نقصان عقلنا وديننا يا رسول الله؟ قال: "أليس شهادةُ المرأة منكن مثل نصف شهادة الرجل؟ " قلن: بلى؟ قال: "فذلك من نقصان عقلها أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصم"؟ قلن: بلى، قال: "فذلك من نقصان دينها".

_ (1) البقرة: 75. (2) الملك: 10. (3) العنكبوت: 43. (4) يونس: 42. (5) الحج: 46. 25 - البخاري (1/ 405) 6 - كتاب الحيض 6 - باب ترك الحائض الصوم. تكفرن العشير: تجحدن إحسان أزواجكن.

فائدة: المرأة بالنسبة للعقل التكليفي الذي هو محل إدراك الخطاب كالرجل، إلا أنها تختلف عن الرجل في مقدار التكليف وفي طبيعته نوع اختلاف بسبب تركيبها الذي يتناسب مع دورها الحياتي، فهي من هذه الحيثية ينقص دينها وعقلها عن دين الرجل وعقله. 26 - * روى الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعيدُ * * *

_ 26 - الترمذي (5/ 600) 50 - كتاب المناقب 9 - باب في كلام النبي صلى الله عليه وسلم وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، وهو كما قال.

الفقرة الرابعة: نصوص في القلب

الفقرة الرابعة: نصوص في القلب 1 - في أن القلب الإيماني محله الصدر. قال تعالى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (1). {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} (2). {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} (3). {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} (4). {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} (5). {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ} (6). ومن نصوص السنة النبوية: 27 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والظنَّ، فإنَّ الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخواناً كما أمركم، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى ها هنا، التقوى ها هنا، التقوى ها هنا- ويشير الي صدره- بحسب امرئ من الشَّرِّ: أن يحقر أخاه المسلم، كلُّ المسلم على المسلم حرامٌ: دمُه، وعرضُه،

_ (1) الحج: 46. (2) الزمر: 22. (3) الأنعام: 125. (4) الأحزاب: 10. (5) الأحزاب: 4. (6) غافر: 18. 27 - البخاري (10 - 481) 78 - كتاب الآداب 57 - باب ما ينهي عن التحاسد والتدابر. ومسلم (4/ 1986) 45 - كتاب البر والصلة 10 - باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله.

نصوص الكتاب في القلب

وماله، إن الله لا ينظر إلى أجسادكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم". 2 - في بعض نصوص تتحدث عن القلب من نصوص الكتاب في القلب: قال تعالى: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} (1). {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} (2). {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} (3). {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (4). {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (5). {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} (6). {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا} (7). {وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً} (8). {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} (9). {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} (10). {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} (11) {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (12).

_ (1) الشعراء: 88، 89. (2) الفتح: 4. (3) الصافات: 83، 84. (4) الحديد: 27. (5) ق: 33. (6) الحجرات: 7. (7) ق: 37. (8) الأنفال: 3. (9) التغابن: 11. (10) الأنفال: 63. (11) الحج: 32. (12) الرعد: 28.

{فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} (1). {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} (2). {ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (3). {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} (4). {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} (5). وقال تعالى {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} (6). {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (7). {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} (8). {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} (9). {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (10). وقال تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ} (11). {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} (12).

_ (1) الحج: 54. (2) محمد: 24. (3) المؤمنون: 60. (4) البقرة: 7. (5) الزمر: 23. (6) البقرة: 10. (7) الحديد: 16. (8) المطففين: 14. (9) المجادلة: 22. (10) البقرة: 97. (11) آل عمران: 151. (12) الشعراء: 193، 194.

نصوص السنة في القلوب

ومن نصوص السنة في القلوب 28 - * روى مسلم عن الأغر المزني رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنه ليغان على قلبي، حتى أستغفر الله في اليوم مائة مرة". قال ابن الأثير: ليغانُ على قلبي: أي: ليغطى ويغشى، والمراد به، السهوُ، لأنه كان صلى الله عليه وسلم لا يزال في مزيدٍ من الذكر والقربة ودوام المراقبة، فإذا سها عن شيء منها في بعض الأوقات، أو نسي، عده ذنباً على نفسه ففزع إلى الاستغفار. أقول: "قال بعضهم مفسراً هذا الحديث ناسباً هذا التفسير إلى رؤيا رأى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام "أنه غين أنوار لا أغيار" ولا شك أن نوع الغين الذي يقع لقلب- رسول الله صلى الله عليه وسلم غير ما يمكن أن يتوهمه بعض الناس من كون هذه الحالة حالة نقص في حقه عليه الصلاة والسلام، إلا أن في الحديث تحريضاً للمؤمنين أن يراعو قلوبهم ويكثروا من الاستغفار لجلائها". 29 - * روى البخاري ومسلم عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين، قد رأيت أحدهما، وأنا أنتظر الآخر، حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن، ثم نزل القرآن، وعلموا من السنة. ثم حدثنا عن رفع الأمانة، فقال: ينام الرجل النومة، فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر الوكت، ثم ينام النومة، فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر المجل، كجمرٍ

_ 28 - مسلم (4/ 2075) 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار 12 - باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه. 29 - البخاري (11/ 333) 81 - كتاب الرقاق 35 - باب رفع الأمانة. ومسلم (1/ 126) 1 - كتاب الإيمان 64 - باب رفع الأمانة والإيمان من بعض القلوب. (جذر): الشيء، بفتح الجيم وكسرها: أصله. (الوكت): النقطة في الشيء من غير لونه. (المجل): غلظ الجلد من أثر العمل، وقيل: إنما هي النفاطات في الجلد.=

دحرجته على رجلك فنفط، فتراه منتبراً، وليس فيه شيءٌ- ثم أخذ حصى فدحرجه على رجله- فيصبح الناس يتبايعون، فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة، حتى يقال: إن في بني فلان رجلاً أميناً، حتى يقال للرجل: ما أجلده، ما أظرفه، ما أعلقه، وما في قلبه مثقال حبةٍ من خردل من إيمان، ولقد أتى عليَّ زمانٌ وما أبالي أيكم بايعت لئن كان مسلماً ليردنه عليَّ دينُهُ، وإن كان نصرانياً أو يهودياً ليردنه عليَّ ساعيه، وأما اليوم فما كنت أبايع منكم إلا فلاناً وفلاناً. قال ابن التين: الأمانة: كل ما يخفى ولا يعلمه إلا الله من المكلف، وعن ابن عباس: هي الفرائض التي أمروا بها ونهوا عنها، وقال أبو بكر بن العربي: المراد بالأمانة في هذا الحديث الإيمان، وتحقيق ذلك فيما ذكر من رفعها أن الأعمال السيئة لا تزال تضعف الإيمان حتى إذا تناهى الضعف لم يبق إلا أثر الإيمان وهو التلفظ باللسان والاعتقاد الضعيف في ظاهر القلب، فشبهه بالأثر في ظاهر البدن، وكنى عن ضعف الإيمان بالنوم، وضرب مثلاً لزهوق الإيمان عن القلب حالاً بزهوق الحجر عن الرجل حتى يقع بالأرض. (م). قال صاحب التحرير: معنى الحديث أن الأمانة تزول عن القلوب شيئاً فشيئاً فإذا زال أول جزء منها زال نورها وخلفته ظلمة كالوكت- وهو اعتراض لون مخالف للون الذي قبله- فإذا زال شيء آخر صار كالمجل- وهو أثر محكم لا يكاد يزول إلا بعد مدة- وهذه الظلمة فوق التي قبلها، ثم شبه زوال ذلك النور بعد وقوعه في القلب وخروجه بعد استقراره فيه واعتقاب الظلمة إياه بحجر على رجله حتى يؤثر فيها ثم يزول الحجر ويبقى التنفط. (1)

_ = (فنفط): يقال: نفطت يده نفطاً، من باب تعب، ونفيطاً إذا صار بين الجلد واللحم ماء. (منتبراً) المنتبر: المنتفخ وليس فيه شيء، وكل شيء رفع شيئاً، فقد نبره ومنه اشتق المنبر. (ساعيه) الساعي: واحد السعاة، وهم الولاة على القوم، يعني أن المسلمين كانوا مهتمين بالإسلام، فيحتفظون بالصدق والأمانة، والملوك ذوو عدل، فما كنت أبالي من أعامل: إن كان مسلماً رده إلي بالخروج عن الحق عمله بمقتضي الإسلام، وإن كان غير مسلم أنصفني منه عامله.

30 - * روى البخاري ومسلم عن علي بن الحسين رضي الله عنهما أن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفاً، فأتيته أزوره ليلاً، فحدثته، ثم قمت لأنقلب، فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "على رسلكما، إنها صفية بنت حيي". فقالا: سبحان الله، فقال: "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً"- أو قال: شيئاً-. 31 - * روى الترمذي عن ثوبان رضي الله عنه قال: لما نزلت: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (3) كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، فقال بعض أصحابه: أنزلت في الذهب والفضة، فلو علمنا: أي المال خير فنتخذه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضله: لسانٌ ذاكرٌ، وقلبٌ شاكرٌ، وزوجةٌ صالحةٌ تُعينه علي إيمانه". 32 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنهما: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا، مدرك ذلك لا محالة، فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه".

_ 30 - البخاري (4/ 278) 33 - كتاب الاعتكاف 8 - باب هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد. ومسلم (4/ 1712) 39 - كتاب السلام 9 - باب بيان أنه يستحب لمن رؤى خالياً بامرأة ... أن يقول هذه فلانة ... 31 - الترمذي (5/ 277) 48 - كتاب تفسير القرآن 10 - باب ومن سورة التوبة وقال: هذا حديث حسن. (3) التوبة: 34. 32 - البخاري (11/ 552) 82 - كتاب القدر 9 - باب (وحرام على قرية أهلكناها). ومسلم (4/ 2046) 46 - كتاب القدر 5 - باب قدر على ابن آدم حظه من الزنى وغيره.

33 - * روى أحمد والترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن العبد إذا أخطأ خطيئة، نكتت في قلبه نكتة، فإذا هو نزع واستغفر وتاب، صقل قلبه، وإن عاد، زيد فيها، حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكره الله" {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (2). 34 - * روى أبو داود والحاكم، عن عبد الله، قال: كنا لا ندري ما نقول إذا جلسنا في الصلاة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم، فذكر نحوه، قال شريك: وحدثنا جامع- يعني ابن شداد- عن أبي وائل عن عبد الله، بمثله، قال: وكان يعلمنا كلمات ولم يكن يعلمناهن كما يعلمنا التشهد: اللهم ألف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، وأهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وبارك لنا في أسماعنا، وأبصارنا، وقلوبنا، وأزواجنا، وذرياتنا، وتب علينا؛ إنك أنت التواب الرحيم، واجعلنا شاكرين لنعمتك، مثنين بها، قابليها وأتمها علينا. 35 - * روى الترمذي عن شهر بن حوشبٍ، قال: قلت لأم سلمة رضي الله عنها: يا أم المؤمنين، ما كان أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان عندك؟ قالت: كان أكثر دعائه: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، قالت: فقلت له: يا رسول الله، ما أكثر دعاءك بهذا؟ قال: "يا أم سلمة، إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع الله، فمن شاء أقام، ومن شاء أزاغ".

_ 33 - أحمد في مسنده (2/ 297). والترمذي (5/ 434) 48 - كتاب تفسير القرآن 75 - باب "ومن سورة المطففين" وقال: حديث حسن صحيح. وابن ماجه (2/ 1418) 37 - كتاب الزهد 29 - باب ذكر الذنوب. (نكت) النكت: الأثر في الشيء. (الران) ران على قلبه، أي: غطى، وقيل: غلب. (2) المطففين: 14. 34 - أبو داود (1/ 254) كتاب الصلاة باب التشهد. والمستدرك (265) وقال: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. 35 - الترمذي (4/ 448) 33 - كتاب القدر 7 - باب ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن وقال: حديث حسن صحيح. أزاغ: الزيغ: الميل عن الاعتدال.

36 - * روى البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: أكثر ما كان النبي صلى الله عليه وسلم: لا، ومقلب القلوب. 37 - * روى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاصى رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحدٍ، يصرفه حيث يشاء" ثم قال رسول صلى الله عليه وسلم: "اللهم مصرف القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك". 38 - * روى النسائي عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم أغسل خطاياي بماء الثلج والبرد، ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس". 39 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر، فنادى بصوت رفيع، فقال: "يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين، ولا تعيروهم، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله" قال نافع، ونظر ابن عمر يوماً إلى الكعبة، فقال: ما أعظمك وأعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك. 40 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى جعل الحقَّ على لسان عمر وقلبه". قال: وقال ابن عمر: ما نزل بالناس أمر قط، فقالوا فيه عمر- أو قال: ابن الخطاب شك خارجة- إلا نزل

_ 36 - البخاري (11/ 513) 82 - كتاب القدر 14 - باب يحول بين المرء وقلبه. 37 - مسلم (4/ 2045) 46 - كتاب القدر 3 - باب تصريف الله تعالى القلوب كيف شاء. 38 - النسائي (1/ 51) 1 - كتاب الطهارة 49 - باب الوضوء بماء الثلج- وإسناده حسن. (بماء الثلج والبرد): تخصيص الثلج والبرد تأكيد للتطهير ومبالغة فيه، لأن الثلج والبرد ماءان مفطوران على خلقتهما، لم يُستعملا ولم تنلهما الأيدي، ولم تخضهما الأرجل. 39 - الترمذي (4/ 378) 28 - كتاب البر والصلة 85 - باب ما جاء في تعظيم المؤمن وقال: حسن غريب. وإسناده حسن. وابن حبان: الإحسان (7/ 506) وأبو يعلى بإسناد حسن. 40 - الترمذي (5/ 617) 50 - كتاب المناقب 18 - باب في مناقب عمر بن الخطاب. وقال: حديث حسن غريب من هذا الوجه.

فيه القرآن على نحو ما قال عمر. 41 - * روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله: "يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان" قال أبو سعيد: فمن شك فليقرأ {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} (2). 42 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله من أسعد الناس بشافعتك يوم القيامة؟ قال: "لقد ظننت أن لا يسألني عن هذا أول منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله، خالصاً مخلصاً من قلبه". 43 - * روى النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "لا يجتمع غبارٌ في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبدٍ أبداً، ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبدٍ أبداً". وفي أخرى "في قلب مسلمٍ" في الموضعين. 44 - * روى مسلم عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: كنا عند عمر فقال: أيكم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن؟ فقال قوم: نحن سمعناه، فقال: لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وجاره؟ قالوا: أجل، قال: تلك يكفرها الصلاة والصيام والصدقة، ولكن أيكم سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر التي موج البحر؟ قال حذيفة: فأسكت القوم، فقلت: أنا، قال: أنت لله أبوك، قال حذيفة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول: "تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأي قلبٍ أشربها نكت فيه نكتة

_ 41 - الترمذي (4/ 714) 40 - كتاب صفة جهنم 10 - باب منه. وقال: هذا حديث حسن صحيح. وإسناده صحيح. (2) النساء: 40. 42 - البخاري (1/ 193) 3 - كتاب العلم 33 - باب الحرص على الحديث. 43 - النسائي (6/ 13) 35 - كتاب الجهاد 8 - فضل من عمل في سبيل الله على قدمه. والترمذي (4/ 171) 23 - كتاب فضائل الجهاد 8 - باب ما جاء في فضل الغبار في سبيل الله. وقال: حديث حسن صحيح وهو كما قال. 44 - مسلم (1/ 128) 1 - كتاب الإيمان 65 - باب بيان أن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً. أشربها: أشرب القلب هذا الأمر: إذا دخل فيه وقبله وسكن إليه كأنه قد شربه.=

سوداء؟ وأيُّ قلب أنكرها نكت فيه نكتةً بيضاء، حتى تصير على قلبين: أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنةٌ، ما دامت السموات والأرض، والآخر: أسود مرباداً، كالكوز مجخياً، لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً، إلا ما أشرب من هواه" قال وحدثته: أن بينك وبينها بابا مغلقاً، يوشك أن يكسر قال عمر: أكسرا؟ لا أبالك، فلو أنه فتح؟ لعله كان يعاد، قال: لا، بل يكسر، وحدثته أن ذلك الباب رجل يقتل أو يموت، حديثاً ليس بالأغاليط. قال ربعيٌ: فقلت: يا أبا مالك- هو سعد بن طارق- ما أسود مرباداً؟ قال: شدة البياض في سوادٍ، قلت: فما الكوز مجخياً؟ قال: منكوسا. (كالحصير عوداً عوداً) قال الحميدي: في بعض الراويات "عرض الحصير" والمعني فيها: أنها تحيط بالقلوب كالمحصور المحبوس، يقال: حصره القوم: إذا أحاطوا به، وضيقوا عليه، قال: وقال الليث: حصير الجنب: عرق يمتد معترضاً على الجنب إلى ناحية البطن، شبه إحاطتها بالقلب بإحاطة هذا العرق بالبطن، وقوله "عوداً عوداً": أي مرة بعد مرة، يقول: عاد يعود عودة وعوداً. أقول: هناك روايات تذكر بدل العَود العُودَ ويترتب على ذلك اختلاف في شرح الحصير وسمير معنا الحديث مرة أخرى. 45 - * روى البخاري ومسلم عن أبي إدريس الخولاني، أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد

_ = نكت فيه نكت سوداء: أي أثر فيه أثراً أسود، وهو دليل السخط ولذلك قال في حالة الرضى: نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير القلوب على قلبين. أي على قسمين. مربادا: المرباد والمربد: الذي في لونه ربدة، وهي بين السواد والغبرة. كالكوز مجخياً: المجخي: المائل عن الاستقامة والاعتدال هاهنا، وجحي الرجل في جلوسه، إذا جلس مستوفر، وجخي في صلاته: إذا جافى عضديه عن جوفه ورفع جوفه عن الأرض وخوى. 45 - البخاري (13/ 35) 92 - كتاب الفتن 11 - باب كيف الأمر إذا لم تكن جماعة.=

هذا الخير من شر؟ قال: "نعم". قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: "نعم وفيه دخن". قلت وما دخنه؟ قال: "قوم يهدون بغير هدبي، تعرف منهم وتنكر"، قلت: فهل بعد بعد ذلك الخير من شر؟ قال: "نعم، دعاةٌ على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها". قلت: يا رسول الله، صفهم لنا، قال: "هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا". قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم" قلت: فإن لم يكن لهم جماعةٌ ولا إمام؟ قال: "فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعضَّ بأصل شجرة حتى يدركك الموتُ وأنت على ذلك". ولمسلم (1) نحوه، وفيه قلت: "ما دخنه؟ قال: "قوم لا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجالٌ قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس"، قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: "تسمع وتُطيع، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك، فاسمع وأطع". 46 - * روى الترمذي عن أبي هريرة، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم، قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يكون في آخر الزمان رجالٌ يختلون الدنيا بالدين، يلبسون للناس جلود الضأن من الين، ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم الذئاب، يقول الله تعالى: أبي يغترون، أم علي يجترئون؟ في حلفت، لأبعثن على أولئك منهم فتنة تدع الحليم حيران". ورواية ابن عمر أخصر من هذه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله قال: لقد خلفت خلقاً ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمر من الصبر، في حلفت: لأتيحنهم فتنة تدع الحليم منهم حيران، فبي يغترون، أم عليَّ يجترئون"؟.

_ = ومسلم (3/ 1475) 33 - كتاب الإمارة 13 - باب وجوب ملازمة جماعة للمسلمين. مسلم (3/ 1476) في نفس الموضع السابق. 46 - الترمذي (4/ 604) 37 - كتاب الزهد 59 - باب حدثنا سويد ... وقال حسن غريب. وهو حديث حسن. (يختلون): الختل: الخدع. (يجترئون): الاجتراء: الجسارة على الشيء. (لأتيحنهم): أتاح الله لفلان كذا، أي: قدره له.=

47 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله: "غلظ القلوب والجفاءُ: في المشرق، والإيمان في أهل الحجاز". 48 - * روى مسلم عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة، ويقول: "استووا، ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، ليلني منكم أولو الأحلام والنهي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم". قال أبو مسعود: فأنتم اليوم أشدُّ اختلافاً. 49 - * روى أبو داود والنسائي عن أبي الجعد الضمري رضي الله عنه، وكانت له صحبةٌ: أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: "من ترك ثلاث جمع تهاونا بها طبع الله على قلبه". وعند الترمذي (4) "من ترك الجمعة ثلاث مرات تهاونا بها طبع الله على قلبه". 50 - * روى مسلم عن أبي إدريس الخولاني رحمه الله، عن أبي ذر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فيما روي عن الله تبارك وتعالى أنه قال: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا، يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته، فأستهدوني أهدكم، يا عبادي، كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي، كلكم عار إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي، إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني،

_ 47 - مسلم (1/ 73) 1 - كتاب الإيمان 21 - باب تفاضل أهل الإيمان فيه ورجحان أهل اليمن فيه. 48 - مسلم (1/ 323) 4 - كتاب الصلاة 28 - باب تسوية الصفوف وإقامتها. 49 - أبو داود (1/ 277) كتاب الصلاة باب التشديد في ترك الجمعة. والنسائي (3/ 88) 14 - كتاب الجمعة 2 - باب التشديد في التخلف عن الجمعة. وإسناده حسن، حسنه الرمذي وغيره، وصححه جماعة، وهو حديث صحيح بشواهده. (4) الترمذي (2/ 373) كتاب الصلاة باب ما جاء في ترك الجمعة من غير عذر. (طبع الله على قلبه: الطبع والختم واحد، والمراد: أنه بتركه الجمعة قد أغلق قلبه وختم عليه، فلا يصل إليه شيء من الخير. 50 - مسلم (4/ 1994) 45 - البر والصلة 15 - باب تحريم الظلم.

يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، كانوا على أتقي قلب رجل واحدٍ منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، [كانوا] على أفجر قلب رجلٍ واحد منكم، ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، قاموا في صعيدٍ واحدٍ، فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي، إنما أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه". 51 - * روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: دخلنا مع رسول الله صلى عليه وسلم على أبي سيف القين، وكان ظئراً لإبراهيم، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنه إبراهيم، فقلبه وشمه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك، وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلت عيناً رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان، فقال ابن عوف: وأنت يا رسول الله، فقال: "يا ابن عوف، إنها رحمةٌ" ثم أتبعها بأخرى، فقال: "إن العين تدمع، والقلب يخشع، ولا تقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم محزونون". 52 - * روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، فلما دخل عليه وجده في غشية، فقال: قد قضى؟ فقالوا: لا، يا رسول الله، فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى القوم بكاء النبي صلى الله عليه وسلم بكوا، قال "ألا تسمعون؟ إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا- وأشار لسانه- أو يرحم".

_ 51 - البخاري (3/ 172) 23 - كتاب الجنائز 43 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم إنا بك لمحزونون. ومسلم (4/ 1807) 43 - كتاب الفضائل 15 - باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال وتواضعه وفضل ذلك. (الظئر): المرأة التي ترضع ولد غيرها بالأجرة، وزوج المرضعة يسمى ظئراً. (يجود بنفسه): جاد المريض بنفسه: إذا قارب الموت، فكأنه سمح بخروج روحه. 52 - البخاري (3/ 175) 23 - كتاب الجنائز 44 - باب البكاء عند المريض. ومسلم (2/ 636) 11 - كتاب الجنائز 6 - باب البكاء على الميت.

53 - * روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها، قالت: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إنكم تقبلون الصبيان، ولا نقبلهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أو أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك؟ ". 54 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً لأصحابه: "من يأخذ [عني] هؤلاء الكلمات فيعمل بهن، أو يعلم من يعمل بهن؟ " قال أبو أبو هريرة، قلت: أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي وعد خمساً، فقال "اتق المحارم تكن أعبد الناس، وأرض بما قسم لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمناً، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلماً، ولا تكثر الضحك، فإن كثرة الضحك، تميت القلب". 55 - * روى البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول- وأهوى النعمان بإصبعيه إلى أذنيه- "إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهاتٌ، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات، استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يرتع فيه، ألا ولكل ملكٍ حمي، ألا وإن حمى الله محارمة، ألا وإن في الجسد مضغةً، إذا صلحت صلح الجسد كلُّه، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب". 56 - * روى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال طارق بن شهاب: أول من بدأ بالخطبة يوم العبد قبل الصلاة مروان، فقام إليه رجلٌ فقال: الصلاة قبل الخطبة، قال: قد ترك ما هنالك، فقال أبو سعيد، أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت

_ 53 - البخاري (10/ 426) 78 - كتاب الأدب 18 - باب رحمة الولد وتقبيله. ومسلم (4/ 1808) 43 - كتاب الفضائل 15 - باب رحمة النبي صلى الله عليه وسلم الصبيان. 54 - الترمذي (4/ 551) 37 - كتاب الزهد 2 - باب من اتقى المحارم فهو أعبد الناس. وقال: هذا حديث غريب. وهو حديث حسن. 55 - البخاري (1/ 126) 2 - كتاب الإيمان 39 - باب من استبرأ لدينه. ومسلم (3/ 1219) 22 - كتاب المساقاة 20 - باب أخذ الحلال وترك الشبهات. 56 - مسلم (1/ 69) 1 - كتاب الإيمان 20 - باب بيان كون النهي عن النهي عن المنكر من الإيمان.

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان". 57 - * روى مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي، إلا كان له من أمته حواريون، وأصحاب يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون مالا يفعلون، ويفعلون مالا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل". 58 - * روى البخاري ومسلم عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فقوموا عنه". 59 - * روى مسلم والترمذي عن حنظلة الأسيدي قال: وكان من كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لقيني أبو بكرٍ فقال: كيف أنت؟ يا حنظلة أنت؟ يا حنظلة! قال قلت: نافق حنظلة. قال: سبحان الله! ما تقول؟ قال قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: يذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأى عين. فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: عافشنا الأزواج والأولاد والضيعات؟ فنسينا كثيراً. قال أبو بكر: فوالله! إنا لنلقى مثل هذا. فانطلقت أنا وأبو بكر، حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: نافق حنظلة. يا رسول الله!

_ 57 - مسلم في نفس الموضع السابق. (الحواريون): جمع حواري وهم الخاصة والأصحاب والناصرون. (الخلوف): جمع خلف: وهو القرن من الناس. وقد جرت العادة أن تطلق كلمة خلف على من يخلف غيره بسوءٍ. وبعضهم يقول: خلف صدق بالتحريك ويسكن الآخر في السوء للتفريق. وبعضهم جعلها سواء في التحريك والتسكين. 58 - البخاري (9/ 101) 66 - كتاب فضائل القرآن، 37 - باب اقراؤا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم. ومسلم: (4/ 2053) 47 - كتاب العلم، 1 باب النهي عن متشابه القرآن. 59 - مسلم (4/ 2106) 49 - كتاب التوبة 3 - باب فضل دوام الذكر والفكر. والترمذي (4/ 666) 38 - كتاب صفة القيامة 59 - باب حدثنا بشر بن هلال ... =

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "وما ذاك؟ " قلت: يا رسول الله! نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة. حتى كأنا رأي عينٍ. فإذا خرجنا من عندك، عافشنا. الأزواج والأولاد والضيعات. نسينا كثيراً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "والذي نفسي بيده! إن لو تدومون على تكونون عندي، وفي الذكر، لصافحتهم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم. ولكن، يا حنظلة! ساعة وساعة" ثلاث مراتٍ. وفي رواية لمسلم (1) عن حنظلة. قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. فوعظنا فذكر النار. قال: ثم جئت إلى البيت فضاحكت الصبيان ولاعبت المرأة. قال فخرجت فلقيت أبا بكر. فذكرت ذلك له. فقال: وأنا قد فعلت مثل ما تذكر. فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: يا رسول الله! نافق حنظلة. فقال "مه" فحدثته بالحديث. فقال أبو بكر: وأنا قد فعلت مثل ما فعل فقال: "يا حنظلة! ساعة وساعة. ولو كانت تكون قلوبكم كما تكون عند الذكر، لصافحتكم الملائكة، حتى تسلم عليكم في الطرق". 60 - * روى أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كثر همة فليقل: اللهم إني عبدك وابن عبدك، وابن أمتك، وفي قبضتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت بن نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في مكنون الغيب عندك: أن تجعل القرآن ربيع قلبي، وجلاء همي وغمي، ما قالها عبدٌ قط إلا أذهب الله غمه، وأبدله به فرجاً". 61 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما قال

_ = (المعافسة): المعالجة والممارسة والملاعبة. (الضيعات): المعايش. (1) مسلم في نفس الموضع السابق. 60 - أحمد في مسنده (1/ 391) وذكره رزين وصححه ابن حبان. وهو حديث صحيح. المستدرك (1/ 509) وقال: صحيح. ووافقه الذهبي. 61 - الترمذي (5/ 575) 49 - كتاب الدعوات 127 - باب ودعاء أم سلمة وقال حديث حسن.

عبدٌ: لا إله إلا الله، مخلصاً من قلبه، إلا فتحت له أبواب السماء، حتى يفضي إلى العرش ما اجتنب الكبائر". 62 - * روى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه، فليطعه ما استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا رقبة الآخر". قلت: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: سمعته أذناي، ووعاه قلبي، قلت: هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نفعل ونفعل؟ قال: أطعه في طاعة الله، واعصه في معصية الله. أقول: (المراد بالبيعة هنا التي تعطي لأمير المؤمنين، ولأهل العدل من السلاطين، وليست المراد بذلك البيعات التي تعورف عند الشيخ وأمثالهم ممن ليس لهم سلطان نافذ على الرعية). 63 - * روى البخاري ومسلم عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، قال: لما جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، جئت أهب نفسي لك، فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصعد النظر فيها وصوبه، ثم طأطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئاً جلست، فقام رجلٌ من أصحابه، فقال: يا رسول الله، إن لم يكن لك بها حاجةٌ فزوجنيها، فقال: "فهل عندك من شيء؟ " فقال: لا والله

_ 62 - مسلم (3/ 1372) 33 - كتاب الإمارة 10 - باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالأول. وأبو داود (4/ 96) كتاب الفتن باب ذكر الفتن ودلائلها. (صفقة يده): كناية عن البيعة والعهد، وذلك: أن العادة في التبايع والبيعة: أن يطرح المشتري يده في يد البائع، وكذلك عند البيعة، ويصفق أحدهما يده على الآخر، هذا هو الأصل. (ثمرة قلبه): كناية عن الإخلاص فيما عاهده عليه والتزمه له. 63 - البخاري (9/ 131) 67 - كتاب النكاح 14 - باب تزويج المعسر. ومسلم (2/ 1040) 16 - كتاب النكاح 13 - باب الصداق. والموطأ (2/ 526) 28 - كتاب النكاح 3 - باب ما جاء في الصداق والحياء. وأبو داود (2/ 236) كتاب النكاح- باب التزويج على العمل يعمل. والترمذي (3/ 431) 9 - كتاب النكاح 22 - باب ما جاء في مهور النساء .. وقال: حسن صحيح.

يا رسول الله، فقال: "اذهب إلى أهلك فانظر: هل تجد شيئاً؟ " فذهب، ثم رجع، فقال: لا والله، ما وجدت شيئاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انظر ولو خاتماً من حديد" فذهب، ثم رجع فقال: لا، والله يا رسول الله، ولا خاتماً من حديد، ولكن هذا إزاري- قال سهل: ماله رداء- فلها نصفه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما تصنعُ بإزارك؟ إن لبسته لم يكن عليها منه شيء، وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء" فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسة قام، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مولياً، فأمر به فدعي، فلما جاء قال: "ماذا معك من القرآن؟ " قال: معي سورة كذا، وسورة كذا- عددها- قال: "تقرؤهن عن ظهر قلبك؟ " قال: نعم، قال: "اذهب، فقد ملكتكها بما معك من القرآن". 64 - * روى الترمذي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لما كان يوم الحديبية خرج إلينا ناس من المشركين، منهم سهيل بن عمرو، وأناس من رؤساء المشركين، فقالوا: يا رسول الله، قد خرج إليك ناس من أبنائنا وإخواننا وأرقائنا، وليس بهم فقه في الدين، وإنما خرجوا فراراً من أموالنا وضياعنا، فارددهم إلينا، فإن لم يكن لهم فقه في الدين، وإنما خرجوا فراراً من أموالنا وضياعنا، فارددهم إلينا، فإن لم يكن لهم فقةً في الدين سنفقههم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر قريش، لتنتهن أو ليبعثن الله عليكم من يضرب رقابكم بالسيف على الدين، قد امتحن الله قلوبهم على الإيمان" قال أبو بكر وعمر: من هو يا رسول الله؟ قال: "خاصف النعل" وكان قد أعطى عليا نعله يخصفها، ثم التفت إلينا علي فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كذب علي متعمداً فليتبوأ من النار". 65 - * روى البخاري ومسلم عن أبي ظبيان حصين بن جندب قال: سمت أسامة بن زيد يقول: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية، فصبحنا الحرقات من جهينة، فأدركت

_ 64 - الترمذي (5/ 634) 50 - كتاب المناقب 20 - باب مناقب علي بن أبي طالب. وقال: هذا حديث صحيح غريب. (يخصفها): خطف النعل يخصفها: إذا خرزها. 65 - البخاري (12/ 191) 87 - كتاب الديات 2 - باب قول الله ومن أحياها. مسلم (1/ 96) 1 - كتاب الإيمان 41 - باب نحريم قتل الكافر بعد أن قال: لا إله إلا الله.

رجلاً، فقال: لا إله إلا الله، فطعنته، فوقع في نفسي من ذلك، فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أقال لا إله الله وقتلته؟ قال وقلت: يا رسول الله، إنما قالها خوفاً من السلاح، قال: "أفلا شققت عن قلبه، حتى تعلم أقالها، أم لا؟ " فما زال يكررها علي، حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ، قال: فقال سعدٌ: وأنا والله لا أقتل مسلماً حتى يقتله ذو البطين- يعني-: أسامة- قال: فقال رجل: ألم يقل الله: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} (1)؟ فقال سعد: قد قتلنا حتى لا تكون فتنة، وأنت وأصحابك تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة. 66 - * روى أبو داود عن علي أبي طالب رضي الله عنه، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضياً، فقلت: يا رسول الله، ترسلني وأنا حدث السن، ولا علم لي بالقضاء؟ فقال: "إن الله سيهدي قلبك، ويثبت لسانك، فإذا جلس بين يديك الخصمان، فلا تقضين حتى تسمع من الآخر، كما سمعت من الأول، فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء" قال: فما زلت قاضياً، أو ما شككت في قضاء بعد. وأخرجه الترمذي (3)، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا تقاض إليك رجلان فلا تقض للأول ... " وذكر الحديث. 67 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر" واقرؤوا إن شئتم: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ

_ (1) الأنفال: 39. 66 - أبو داود (3/ 301) كتاب الأقضية باب كيف القضاء. وأخرجه الترمذي. قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا تقاضى إليك رجلان، فلا تقضي للأول ... " وذكر الحديث وقال: هذا حديث حسن وهو كما قال. (3) الترمذي (3/ 618) 13 - كتاب الأحكام 5 - باب ما جاء في القاضي لا يقضي بين الخصمين حتى يسمع كلامهما. وقال: حسن. وهو كما قال. 67 - البخاري (13/ 465) 97 - كتاب التوحيد 35 - باب قول الله تعالى (يريدون أن يبدلوا كلام الله). ومسلم (4/ 2174) 51 - كتاب الجنة. والترمذي (5/ 246) 48 - كتاب التفسير 33 - باب ومن سورة السجدة. وقال: حسن صحيح.

مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} (1). 68 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أول زمرةٍ تلج الجنة صورهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون فيها، ولا يمتخطون، ولا يتغوطون، آنيتهم فيها الذهب، أمشاطهم من الذهب والفضة، ومجامرهم الألوة، ورشحهم المسك، ولكل واحدٍ منهم زوجتان، يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن، لا أختلاف بينهم، ولا تباغض، قلوبهم قلب واحد، يسبحون الله بكرة وعشياً". تعليق: أكثرنا من الأحاديث، وأكثرنا من ذكر النصوص التي تتعلق بالقلب لأننا نرى أن علم إصلاح القلب على مقتضى الهدي النبوي قد طوى الكثيرون بساطه، وقل العارفون به، فكثرت أمراض القلوب وظهرت كثير من القلوب المريضة التي تتحدثت عنها النصوص من مثل قلوب الشياطين وقلوب الذئاب والقلوب التي هي أمر من الصبر، كما أن قضية القلب في المفهوم الفطري للنصوص قد طرأ عليها ما طرأ، وهذا كله يستدعي علاجاً وذكراً وتذكيراً وحسن تطيب ولذلك أكثرنا النقل عن القلوب ثم إن أشياء كثيرة ستمر معنا لها صلة بموضوع القلب فاقتضى ذلك التنويه بهذا الموضوع في أوائل قسم العقائد. وكما أننا أكثرنا من النصوص في موضوع القلب فسنذكر الكثير منها في موضوع النفس لأن تزكية الأنفس على مقتضى الشريعة من أهم ما بعث به الرسل عليهم الصلاة والسلام. * * *

_ (1) السجدة: 17. 68 - البخاري (6/ 362) 60 - كتاب أحاديث الأنبياء 1 - باب خلق آدم وذريته. مسلم (4/ 2180) 51 - كتاب الجنة 7 - باب في صفات الجنة وأهلها. (مجامرهم): جمع مجمر وهو ما يتبخر به. (الألوة): العود. أي يتبخرون بالعود الطيب الرائحة.

الفقرة الخامسة: نصوص في النفس

الفقرة الخامسة: نصوص في النفس تطلق كلمة النفس في اصطلاحات الشارع وفي خطابات الناس وفي كلام المؤلفين على معان متعددة، ويلتبس نتيجة لذلك على كثير من الناس المراد بالنفس حينما تستعمل. ونحن يهمنا في هذا الكتاب أن نلفت النظر إلى المرادات الرئيسية لكلمة النفس في اصطلاحات النصوص. ومن ها هنا فسنذكر النصوص التي وردت في النفس تحت العناوين التالية: 1 - نصوص في النفس ويراد بها الذات. 2 - نصوص في النفس ويراد بها الروح. 3 - نصوص في النفس ويراد بها الروح بها الروح بعد تلبسها بالجسد وطاعتها للأهواء. 4 - نصوص في النفس ويراد بها القلب.

1 - نصوص في النفس ويراد بها الذات

1 - نصوص في النفس ويراد بها الذات قال تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} (1). {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا} (2). {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} (3). {أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} (4). ومن النصوص النبوية: 69 - * روى ابن ماجه عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل روقها وأجلها. 70 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله، فقد عصم مني نفسه وماله إلا بحقه، وحسابه على الله". وفي راوية: "حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي، وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله".

_ (1) البقرة: 48، 123. (2) آل عمران: 30. (3) النساء: 1. (4) المائدة: 32. 69 - ابن ماجه (2/ 725) 12 - كتاب التجارات 2 - باب الاقتصاد في طلب المعيشة. وقال في الزوائد: إسناده ضعيف، لأن فيه الوليد بن مسلم وابن جريج وكل منهما كان يدلس، وكذلك أبو الزبير. وقد عنعنوه. لكن لم ينفرد المصنف من حديث أبي الزبير عن جابر. فقد رواه ابن حبان في صحيحه بإسنادين عن جابر ا. هـ. ذكره رزين وأخرجه ابن حبان والحاكم وهو حديث صحيح. (روح القدس): جبريل عليه السلام. (الروع): القلب والعقل. (نفث في روعي): أي نفث في خلدي وبالي. 70 - البخاري (13/ 250) 96 - كتاب الاعتصام باكتاب والسنة 2 - باب الاقتداء بسنن الرسول صلى الله عليه وسلم. مسلم (1/ 52) 1 - كتاب الإيمان 8 - باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله. النسائي (5/ 14) 23 - كتاب الزكاة 3 - باب مانع الزكاة.

71 - * روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها، قالت: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن مظعون: "أرغبت عن سنتي؟ " فقال: لا، والله يا رسول الله، ولكن سنتك أطلب، قال: "فإني أنام، وأصلي، وأصوم، وأفطر، وأنكح النساء، فاتق الله يا عثمان، فإن لأهلك عليك حقاً، وإن لنفسك عليك حقاًن فصم وأفطر، وصل ونم". 72 - * روى مسلم عن محمد بن عمرو بن عطاء رحمه الله قال: سميت ابنتي برة، فقالت لي زينب بنت أبي سلمة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا الاسم، وسميت برة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزكوا أنفسكم أعلم بأهل البر منكم" فقالوا: بم نسميها؟ فقال: "سموها زينب". 73 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة، في نفسه وولده وماله، حتى يلقى الله وما عليه من خطيئة". 74 - * روى البخاري عن عبد الله بن هشام رضي الله عنه، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذٌ بيد عم بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحب من كل شيء، إلا نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك" فقال له عمر: فإنه الآن، [والله] لأنت أحب إلى من نفسي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "الآن يا عمر".

_ 71 - أبو داود (2/ 48) كتاب الصلاة باب ما يؤمر به من القصد في الصلاة. ورجاله ثقات إلا أن فيه عنعنة ابن إسحاق، لكن يشهد له أحاديث صحاح. 72 - مسلم (3/ 1688) 38 - كتاب الآداب 3 - باب استحباب تغيير الاسم القبيح إلى حسن. وأبو داود (4/ 288) كتاب الآداب 71 - باب في تغيير الاسم القبيح. 73 - الترمذي (4/ 602) 27 - كتاب الزهد 56 - باب ما جاء في الصبر على البلاء. وقال: هذا حديث حسن صحيح وهو كما قال. 74 - البخاري (11/ 523) 83 - كتاب الأيمان والنذور 3 - باب كيف كان يمين النبي صلى الله عليه وسلم.

75 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل الله الله عز وجل: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} قال: "يا معشر قريشٍ- أو كلمة نحوها- اشتروا أنفسكم، لا أغنى عنكم من الله شيئاً يا بني عبد مناف، لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا عباس بن عبد المطلب، لا أغني عنك من الله شيئاً. ويا صفية عمة رسول الله، لا أغني عنك من الله شيئاً. ويا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي، لا أغني عنك من الله شيئاً". وفي رواية نحوه (2)، ولم يذكر فيه "يا بني عبد مناف" وذكر بدله: "بني عبد المطلب". 76 - * روي الترمذي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد سئل: بأي شيء بعثت في الحجة؟ قال: بعثت بأربعٍ: لا يطوفن بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد، فهو إلى مدته، ومن لم يكن له عهد، فأجله أربعة أشهرٍ، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنةٌ، ولا يجتمع المشركون والمؤمنون بعد عامهم هذا". 77 - * روي أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الشيطان حساسٌ لحاسٌ، فأحذروه على أنفسكم، من بات وفي يده ريح غمرٍ فأصابه شي فلا يلومن إلا نفسه".

_ 75 - البخاري (5/ 382) 55 - كتاب الوصايا 11 - باب هل يدخل النساء والولد في الأقارب. مسلم (1/ 192) 1 - كتاب الإيمان 89 - باب قوله تعالى (وأنذر عشيرتك الأقربين). (2) مسلم في الموضع السابق. 76 - الترمذي (3/ 222) 7 - كتاب الحج 44 - باب ما جاء في كراهية الطواف عريانا. وقال: حديث حسن صحيح. وإسناده قوي. 77 - أبو داود (3/ 366) كتاب الأطعمة 53 - باب في غسل اليد من الطعام. والترمذي (4/ 289) 26 - كتاب الأطعمة 48 - باب ما جاء في كراهية البيتوتة وفي يده ريح غمر. وابن ماجه (4/ 1096) 29 - كتاب الأطعمة 22 - باب من بات وفي يده ريح غمر. ورواه الطبراني في الأوسط من حديث أبي سعيد الخدري. مجمع الزوائد (5/ 30) وهو حديث حسن بشواهده. وعزاه الهيثمي من رواية ابن عباس إلى البزار والطبراني في الأوسط بأسانيد رجال أحدهما رجال الصحيح خلا الزبير بن بكار وهو ثقة وقد تفرد به كما قال الطبراني. (حساس): كثير الحس والإدراك. (لحاس): كثير اللحس لما يصل إليه. (غمر): الغمر: ريح اللحم وزهومته. والزهومة: دسم اللحم.

78 - * روى أبو داود عن ثوبان رضي الله عنه، قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: "ثلاث لا تحل لأحد أن يفعلن: لا يؤمن رجل قوماً فيخض نفسه بالدعاء دونهم، فإن فعل فقد خانهم، ولا ينظر في قعر بيت قبل أن يستأذن، فإن فعل فقد خانهم، ولا يصلي وهو حقن، حتى يتخفف". 79 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم يوماً، ثم انصرف، فقال: "يا فلان"، ألا تحسن صلاتك؟ ألا ينظر المصلى إذا صلى كيف يصلي؟ فإنما يصلي لنفسه، إني لأبصر من ورائي كما أبصر من بين يدي". 80 - * روى أبو داود عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: " لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله عز وجل ساعة نيل، فيها عطاء، فيستجيب لكم" 81 - * روى مسلم عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله، ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكي ثم قال: "يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها". وفي رواية قال له: "يا أبا ذر، إني آراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيمٍ".

_ 78 - أبو داود (1/ 22) كتاب الطهارة 43 - باب أيصلي الرجل وهو حاقن. ورواه بنحوه أحمد (5/ 280)، والترمذي (2/ 189) كتاب الصلاة- باب ما جاء في كراهية أن يخص الإمام نفسه بالدعاء. وهو حديث حسن. 79 - مسلم (1/ 319) 4 - كتاب الصلاة 24 - باب الأمر بتحسين الصلاة وإتمامها والخشوع فيها. والنسائي (1/ 119) كتاب الإمامة 63 - باب الركوع دون الصف. 80 - أبو داود (2/ 88) كتاب الصلاة- باب النهي عن أن يدعو الإنسان على أهله وماله. وهو قطعه من حديث جابر الطويل عند مسلم (4/ 2301) 53 - كتاب الزهد والرقاق 18 - باب حديث جابر الطويل، وقصة أبي اليسر. ورواه ايضاً ابن حبان في صحيحه- الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (4/ 16). 81 - مسلم (3/ 1457) 33 - كتاب الإمارة 4 - باب كراهة الإمام بغير ضرورة. وروى أبو داود الرواية الثانية (3/ 114) كتاب الوصايا- باب ما جاء في الدخول في الوصايا.

82 - * روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس من نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، لأنه سن القتل أولاً". 83 - * روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاثٍ: الثيب الزاني، والنفس والتارك لدينه، المفارق للجماعة". 84 - * روى مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه، قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمشاقص، فلم يصل عليه. أقول: أجاز الفقهاء الصلاة على من قتل نفسه، ولعل الرسول صلى الله عليه وسلم لم يصل عليه زجراً للناس أن يفعلوا مثل فعله. 85 - * روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضحك، فقال: "هل تدرون مم أضحك؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: "من مخاطبة العبد ربه، فيقول: يارب ألم تجرني من الظلم؟ [قال]: يقول بلى:

_ 82 - البخاري (6/ 364) 60 - كتاب أحاديث الأنبياء 1 - باب خلق آدم وذريته. ومسلم (3/ 1304) 28 - كتاب القسامة 7 - باب بيان إثم من سن القتل. والترمذي (5/ 42) 42 - كتاب العلم 14 - باب ما جاء الدال على الخير كفاعله. والنسائي (7/ 83) 37 - كتاب تحريم الدم 1 - باب تحريم الدم. 83 - البخاري (12/ 201) 87 - كتاب الديات 6 - باب قول الله تعالى (أن النفس بالنفس ...). ومسلم (3/ 1302) 28 - كتاب القسامة 6 - باب ما يباح به دم المسلم. وأبو داود (3/ 126) كتاب الحدود- باب الحكم فيمن ارتد. والترمذي (4/ 49) 15 - كتاب الحدود 15 - باب ما جاء من شرب الخمر فاجلدوه ... والنسائي (7/ 90) 37 - كتاب تحريم الدم 5 - ذكر ما يحل به دم المسلم. 84 - مسلم (2/ 672) 11 - كتاب الجنائز 37 - باب ترك الصلاة على القاتل نفسه. والنسائي (4/ 66) 21 - كتاب الجنائز 68 - باب ترك الصلاة على من قتل نفسه. وأخرجه الترمذي (3/ 380) 8 - كتاب الجنائز 68 - باب ما جاء فيمن قتل نفسه. ولم يذكر المشاقص. (بمشاقص): المشاقص، جمع مشقص، وهو من النصال ما طال وعرض، وقيل: هو سهم له نصل عريض. 85 - مسلم (4/ 2280) 53 - كتاب الزهد والرقائق.

فيقول: فإني لا أجيز اليوم على نفسي إلا مني، فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً، والكرام الكاتبين شهوداً، قال: فيختم على فيه، ويقال لأركانه: انطقي، فتنطق بأعماله، ثم يخلي بينه وبين الكلام، فيقول: بعدا لكن وسحقاً، فعنكن كنت أناضل". 86 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينما رجلٌ يمشي في حلةٍ تعجبه نفسه، مرجل رأسه، يختال في مشيته إذ خسف الله به، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة". 87 - * روى الترمذي عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يكن أحدكم إمعةً يقول: أنا مع الناس، إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساءوا أسأت، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا أن لا تظلموا".

_ = فيختم على فيه: أي على فمه. 86 - البخاري (10/ 258) 77 - كتاب اللباس 5 - باب من جر ثوبه من الخيلاء. مسلم (3/ 1653) 37 - كتاب اللباس والزينة 10 - باب تحريم التبختر في المشي، مع إعجابه بثيابه. (مرجل): شعر مرجل: أي مسرح. 87 - الترمذي (4/ 364) 28 - كتاب البر والصلة 63 - باب ما جاء في الإحسان والعفو. وقال: هذا حديث حسن غريب. (الإمعة): هو الذي لا رأى له، فيواتي الناس بالخير والشر.

2 - نصوص في النفس ويراد بها الروح

2 - نصوص في النفس ويراد بها الروح قال تعالى: {أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} (1). {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} (2). {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} (3). 88 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره، فإنه لا يدري ما خلفة عليه، ثم يقول: باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فأحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين". في رواية للترمذي (5): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قام أحدكم عن فراشه، ثم رجع [إليه] فلينفضه بصنفة ثوبه، ثلاث مرات، وليقل: باسمك ربي وضعت جنبي [إليه] فلينفضه بصنفة بصنفة ثوبه، ثلاث مرات، وليقل: باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه .. " الحديث- وزاد في آخره: "فإذا استيقظ فليقل: الحمد لله الذي عافاني في جسدي ورد علي روحي، وأذن لي بذكره". 89 - * روى الجماعة إلا الترمذي عن عائشة رضي الله عنها، أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أمي أفتلتت نفسها، وأظنها لو تكلمت تصدقت، فهل لها أجرٌ إن تصدقت عنها؟

_ (1) سورة الأنعام: 93. (2) سورة الأعراف: 172. (3) سورة الزمر: 42. 88 - البخاري (11/ 126) 80 - كتاب الدعوات 12 - باب التعوذ والقراءة عند المنام. ومسلم (4/ 2084) 48 - كتاب الذكر 17 - باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع. الترمذي (5/ 472) 49 - كتاب الدعوات 20 - باب منه. (داخلة): الإزار: طرفه. وصنفته: طرفه أيضاً من جانب هدبه وقيل: من جانب حاشيته. (خلفه عليه): خلف فلان فلاناً: إذا قام مقامه. والمراد: ما يكون قد دب على فراشه بعد مفارقته له. 89 - البخاري (3/ 254) 23 - كتاب الجنائز 95 - باب موت الفجاءة، البغتة. (4) ومسلم (2/ 696) 12 - كتاب الزكاة 15 - باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه.=

قال: "نعم". وفي رواية: افتلتت نفسها ولم ترص ... وذكر نحوه. 90 - * روى النسائي عن عبد الرحمن بن أبي عميرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من نفسٍ مسلمةٍ يقبضها ربها تحب أن ترجع إليكم وأن لها الدنيا وما فيها، غير الشهيد". قال ابن أبي عميرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن أقتل في سبيل الله أحب إليَّ من أن يكون لي أهل الوبر والمدر" 91 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله تعالى: من عادى لي ولياً، فقد آذنته بجرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ من أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطشن بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني أعطيته، وإن استعاذ بي أعذته، وما ترددت عن شيء أنا فاعله، ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته". قال الحافظ في الفتح حول هذا الحديث: قال الخطابي: التردد في حق الله غير جائز والبداء عليه في الأمور سائغ. ولكن له تأويلان: أحدهما أن العبد قد يشرف على الهلاك في أيام عمره من داء يصيبه وفاقة تنزل به فيدعو الله فيشفيه منها ويدفع عنه مكروهها، فيكون ذلك من فعله كتردد من يريد أمراً ثم يبدو له فيه فيتركه ويعرض عنه ولابد له من لقائه إذا بلغ الكتاب أجله لأن الله قد كتب الفناء على خلقه واستأثر بالبقاء

_ =وأبو داود (3/ 118) كتاب الوصايا- باب ما جاء فيمن مات من غير وصية يتصدق عنه. والنسائي (6/ 250) 30 - كتاب الوصايا 7 - باب إذا مات الفجأة هل يستحب لأهله أن يتصدقوا عنه. (افتلتت نفسها): افتلتت نفس فلان: أي مات فجاة كأن نفسه أخذت فجأة. 90 - النسائي (6/ 33) 25 - كتاب الجهاد 30 - باب تمني القتل في سبيل الله تعالى. وأحمد (4/ 216). وسنده حسن. (أهل الوبر): أي أهل الخيام. أي البدو. (أهل المدر): أي أهل الحجارة والطين. أي أهل المدن. 91 - البخاري (11/ 340) 81 - كتاب الرقاق 38 - باب التواضع.

لنفسه. والثاني أن يكون معناه ما رددت رسلي في شيء أنا فاعله كترديدي إياهم في نفس المؤمن، كا روي في قصة موسى وما كان من لطمه عين ملك الموت وتردده إليه مرة بعد أخرى، قال: وحقيقة المعنى على الوجهين عطف الله على العبد ولطفه به وشفقته عليه. وقال الكلاباذي ما حاصله إنه عبر عن صفة الفعل بصفة الذات، أي عن الترديد بالتردد، وجعل متعلق الترديد اختلاف أحوال العبد من ضعف ونصب إلى أن تنتقل محبته في الحياة إلى محبته للموت فيقبض على ذلك. قال: وقد يحدث الله في قلب عبده من الرغبة فيما عنده والشوق إليه والمحبة للفائه ما يشتاق معه إلى الموت فضلا عن إزالة الكراهة عنه، فأخبر أنه يكره الموت ويسوؤه ويكره الله مساءته فيزيل عنه كراهية الموت لما يورده عليه من الأحوال، فيأتيه الموت وهو له مؤثر وإليه مشتاق. قال: وقد ورد تفعل بمعنى فعل مثل تفكر وفكر وتدبر ودبر وتهدد وهدد والله أعلم. وعبر ابن الجوزي عن الثاني بأن التردد للملائكة الذين يقبضون الروح وأضاف الحق ذلك لنفسه لأن ترددهم عن أمره، قال: وهذا التردد ينشأ عن إظهار الكراهة. فإن قيل: إذا أمر الملك بالقبض كيف يقع منه التردد؟ فالجواب أنه يتردد فيما لم يحد له فيه الوقت: كأن يقال لا تقبض روحه إلا إذا رضي. ثم ذكر جواباً ثالثاً وهو احتمال أن يكون معنى التردد اللطف به كأن الملك يؤخر القبض، فإنه إذا نظر إلى قدر المؤمن وعظم المنفعة به لأهل الدنيا احترمه فلم يبسط يده إليه، فإذا ذكر أمر ربه لم يجد بداً من امتثاله. وجواباً رابعاً وهو أن يكون هذا خطاباً لنا بما نعقل والرب منزه عن حقيقته، بل هو من جنس قوله "ومن أتاني يمشي أتيته هرولة" فكما أن أحدنا يريد أن يضرب ولده تأديباً فتمنعه المحبة وتبعثه الشفقة فيتردد بينهما ولو كان غير الوالد كالمعلم لم يتردد بل كان يبادر إلى ضربه لتأديبه فأريد تفهيمنا تحقيق المحبة للولي بذكر التردد، وجوز الكرماني احتمالا آخر وهو أن المراد أنه يقبض روح المؤمن بالتأني والتدريج، بخلاف سائر الأمور فإنها تحصل بمجرد قول كن سريعاً دفعة اهـ.

92 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه". * * *

_ 92 - الترمذي (3/ 390) 8 - كتاب الجنائز 76 - باب ما جاء عن النبي ... ألخ. وإسناده حسن. قال الترمذي: هذا حديث حسن.

3 - نصوص في النفس ويراد بها الروح بعد تلبسها بالجسد

3 - نصوص في النفس ويراد بها الروح بعد تلبسها بالجسد قال تعالى: {وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} (1). {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} (2). {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} (3). {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} (4). {وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} (5). {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ} (6). {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} (7). {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} (8). {لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} (9). {كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ} (10). {لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا} (11). ومن نصوص السنة:

_ (1) القيامة: 2. (2) النازعات: 40. (3) الفجر: 27، 28. (4) الشمس: 7، 8. (5) ق: 16. (6) الحشر: 9. (7) يوسف: 53. (8) يوسف: 18. (9) البقرة: 109. (10) المائدة: 70. (11) الفرقان: 11.

93 - * روى البخاري عن ابن عباسٍ رضي الله عنها، قال: ما رأيتُ شيئاً أشبه باللمم مما قال أبو هريرة إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العينين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذللث أو يكذبه". 94 - * روى الجاعة إلا الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يفقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقدٍ، يضرب على كل عقدةٍ مكانها، عليك ليلٌ طويلٌ فارقد، فان استيقظ فذكر الله انحلت عقدةٌ، فإن توضأ انحلت عقدةٌ، فإن صلى انحلت عقده كلها، فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان". 95 - * روى مسلم عن زيد بن أرقم رضي الله عنه، قال: - وقد سئل عما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجين والبخل والهرم، وعذاب القبر، اللهم آت نفسي تقواها، ورزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهمَّ إني أعوذ بك من علم لا ينفعُ، ومن قلبٍ لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا تُستجاب". 96 - * روى الترمذي عن فضالة بن عبيدٍ رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المجاهد من جاهد نفسه".

_ 93 - البخاري (11/ 503) 82 - كتاب القدر 9 - باب {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا ...}. ومسلم (4/ 2046) 46 - كتاب القدر 5 - باب قدر على ابن آدم حظه من الزنى وغيره. وأبو داود (2/ 246) كتاب النكاح 43 - باب ما يؤمر به من غض البصر. 94 - البخاري (3/ 24) 19 - كتاب التهجد 12 - باب عقد الشيطان على قافية الرأس إذا لم يصل بالليل. ومسلم (1/ 538) 6 - كتاب صلاة المسافرين 28 - باب ما روي فيمن نام الليل أجمع حتى أصبح. وأبو داود (2/ 32) أبواب التطوع 18 - باب قيام الليل. والنسائي (3/ 203) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 55 - باب الترغيب في قيام الليل. ومالك (1/ 176) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر 25 - باب جامع الترغيب في الصلاة. 95 - مسلم (4/ 2088) 48 - كتاب الذكر والدعاء 18 - باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل. 96 - الترمذي (4/ 165) 23 - كتاب فضائل الجهاد 2 - باب ما جاء في فضل من مات مرابطاً، وقال حديث حسن صحيح. وأحمد (6/ 20، 22). وإسناده حسن.

97 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأي امرأة، فأتى امرأته زينب، وهي تمعس منيئة [له]، فقضى حاجته منها، ثم خرج إلى أصحابه، فقال: "إن المرأة تُقبل في صورة شيطان، وتُدبرُ في صورة شيطانٍ، فإذا أبصر أحدُكم امرأة فليأت أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه". 98 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس الغني عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس". 99 - * روى البخاري ومسلم عن سهل بن حنيف رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقولن أحدكم: خبُثت نفسي، ولكن ليقل: لقست نفسي".

_ 97 - مسلم (2/ 1021) 16 - كتاب النكاح 2 - باب ندب من رأى امرأة فوقعت في نفسه ... ألخ. (تمعس منيئة): تدبغ إهاباً. ويقال: منيئة ما دام في الدباغ، وأصل المعس: المعك والدلك. 98 - البخاري (11/ 271) 81 - كتاب الرقاق 15 - باب الغنى غنى النفس. ومسلم (2/ 276) 12 - كتاب الزكاة 40 - باب ليس الغنى عن كثرة العرض. والترمذي (4/ 586) 37 - كتاب الزهذ 40 - باب ما جاء أن الغنى غنى النفس. 99 - البخاري (10/ 563) 78 - كتاب الأدب 100 - باب لا يقل خبثت نفسي. ومسلم (4/ 1765) 40 - كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها 4 - باب كراهة قول الإنسان خبثت نفسي. (لقست نفسي من الشيء تلقس): إذا غثث، واللقس: الغثيان، وإنما كره "خبثت" هرباً من لفظ الخبث.

4 - نصوص في النفس ويراد بها القلب

4 - نصوص في النفس ويراد بها القلب قال الله تعالى: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} (1). {فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ} (2). {يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ} (3). {ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (4). {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} (5). من النصوص النبوية: 100 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا نودي الصلاة أدبر الشيطان له ضُراط حتى لا يسمع التأذين، حتى إذا قضي التثويب، أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول: اذكر كذا، واذكر كذا، لما لم يكن يذكر من قبل، حتى يظل الرجل ما يدري كم صلى". 101 - * روى أبو داود عن أبي رافع رضي الله عنه، قال: بعثني قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ألقي في قلبي الإسلام، فقلت: يا رسول الله، إني والله لا أرجع إليهم أبداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لا أخيس بالعهد، ولا أحبس البرد، ولكن ارجع، فإن كان في نفسك الذي في نفسك الآن فارجع". قال: فذهبت، ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلمت.

_ (1) الأحزاب: 37. (2) يوسف: 77. (3) آل عمران: 154. (4) النساء: 65. (5) النمل: 14. 100 - البخاري (2/ 84) 10 - متاب الأذان 4 - باب فضل التأذين. ومسلم (1/ 391) 4 - كتاب الصلاة 8 - باب فضل الأذان وهرب الشيطان عند سماعه. 101 - أبو داود (3/ 82) كتاب الجهاد 151 - باب في الإمام يستجن به في العهود. وإسناده صحيح.

قال أبو داود: وكان أبو رافع قبطياً، قال: وإنما كانوا يردون أول الزمان، وأما الآن فلا يصلح. 102 - * روى مسلم وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مات ولم يغز، ولم يحدث به نفسه، مات على شعبة من النفاق". قال ابن المبارك فنرى أن ذلك كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. 103 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، وإن تقرب إلى شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إلي ذراعاً اقتربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة". قال الحافظ في الفتح: قوله: (ذراعاً تقربت منه باعاً، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة) قال ابن بطال: وصف سبحانه نفسه بأنه يتقرب إلى عبده ووصف العبد بالتقرب إليه ووصفه بالإتيان والهرولة كل ذلك يحتمل الحقيقة والمجاز فحملها على الحقيقة يقتضي قطع المسافات وتداني الأجسام وذلك في حقه تعالى محال، فلما استحالت الحقيقة تعين المجاز لشهرته في كلام العرب، فيكون وصف العبد بالتقرب إليه شبراً وذراعاً وإتيانه ومشيه معناه التقرب إليه بطاعته وأداء مفترضاته ونوافله ويكون تقربه سبحانه من عبده وإتيانه والمشي عبارة عن إثباته على طاعته وتقربه من رحمته، ويكون قوله أتيته هرولة أي أتاه ثوابي مسرعا، وثقل عن

_ 102 - مسلم (3/ 1517) 33 - كتاب الإمارة 47 - باب ذم من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو. وأبو داود (2/ 10) كتاب الجهاد 17 - باب كراهية ترك الغزو. وعنده: "شعبة نفاق". والنسائي (6/ 8) 25 - كتاب الجهاد 2 باب التشديد في ترك الجهاد. 103 - البخاري (13/ 384) 97 - كتاب التوحيد 15 - باب قول الله تعالى (ويحذركم الله نفسه). ومسلم (4/ 2061) 48 - كتاب الذكر 1 - باب الحث على ذكر الله تعالى. والترمذي (5/ 581) 49 - كتاب الدعوات 132 - باب في حسن الظن بالله عز وجل. (الملأ): أشراف الناس، ورؤساؤهم الذين يرجعون إلى أقوالهم.

الطبري أنه إنما مثل القليل من الطاعة بالشبر منه والضعف من الكرامة والثواب بالذراع فجعل ذلك دليلاً على مبلغ كرامته لمن أدمن على طاعته أن ثواب عمله له على عمله الضعف وأن الكرامة مجاوزة حده إلى ما يثيبه الله تعالى، وقال ابن التين: القرب هنا نظير ما تقدم في قوله تعالى {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} فإن المراد به قرب التربة وتوفير الكرامة، والهرولة كناية عن سرعة الرحمة إليه ورضا الله عن العبد وتضعيف الأجر، قال: والهرولة ضرب من المشي السريع وهي دون العدو. وقال صاحب المشارق: المراد بما جاء في هذا الحديث سرعة قبول توبة الله للعبد أو تيسير طاعته وتقويته عليه وتمام هدايته وتوفيقه والله أعلم بمراده. ا. هـ. 104 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول "والذي نفسي بيده، لولا أن رجالاً من المؤمنين لا تطيب أنفسهم بأن يتخلفوا عني، ولا أجد ما أحملهم عليه، ما تخلفت عن سرية. تغزو في سبيل الله، ولوددت أني أقتل في سبيل الله. ثم أحيا، ثم أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل". 105 - * روى أبو داود عن معاذ ابن جبل رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قاتل في سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة، ومن سأل الله القتل في سبيل الله صادقاً من نفسه، ثم مات أو قتل: كان له أجر شهيد، ومن جرح جرحاً في سبيل الله، أو نكب نكبة، فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت، لونها لون الزعفران، وريحها ريح المسك، ومن خرج به خراج في سبيل الله، فإن عليه طابع الشهداء".

_ 104 - البخاري (6/ 16) 56 - كتاب الجهاد 7 - باب تمني الشهادة. 105 - أبو داود (3/ 21) كتاب الجهاد 40 - باب فيمن سأل الله تعالى الشهادة. الترمذي (4/ 183، 185) 23 - كتاب فضائل الجهاد 19 - باب ما جاء فيمن سأل الشهادة، و 21 - باب ما جاء فيمن يكلم في سبيل الله وقال: هذا حديث حسن صحيح. النسائي (6/ 25) 25 - كتاب الجهاد 25 - كتاب ثواب من قاتل في سبيل الله فواق ناقة. ابن ماجه (2/ 933) 24 - كتاب الجهاد 15 - باب القتال في سبيل الله سبحانه وتعالى. وأخرجه ابن حبان - الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (7/ 67). والحاكم في المستدرك (2/ 77) وصححه.

وبعد: فهذه نصوص في الجسد والعقل والقلب والروح والنفس بدأنا بها قسم العقائد لأن لها صلة بها، ثم إن لها صلة بالتكليف الذي هو الفصل الثاني من هذا الباب: فهناك تكاليف للذات وهناك تكاليف جسدية، والنية وأصل الإيمان لابد منهما لقبولها، وهناك تكاليف للنفس، ومن تكاليفها أن تزكى من الأمراض كالحسد والعجب والكبر. وهناك تكاليف للقلب أن يؤمن وأن ينور، وللروح ارتباط بهذا كله فهي المكلفة بالعبودية لله، وكل ما كلف به الإنسان إنما هو تحقيق لما كلفت له الروح من العبودية لله رب العالمين، لهذه الأسباب وغيرها قدمنا هذا الفصل، فقد رأينا أن بعض الناس يغلطون في فهم هذه المصطلحات الشرعية ويترتب على الغلط فيها شر كبير وانحراف خطير، وها نحن ننتقل إلى الفصل الثاني لنعرف بالتكليف وماهيته وشروطه ثم ننتقل إلى الحديث عن الإسلام والإيمان اللذين كلف الله بهما عباده. * * *

الفصل الثاني في التكليف ومسؤولية الإنسان أمام الله عز وجل

الفصل الثاني في التكليف ومسؤولية الإنسان أمام الله عز وجل وفيه: مقدمة نصوص ونقول ومسائل

المقدمة

المقدمة جعل الله عز وجل الإنس والجن مسؤولين أمامه، مكلفين بالعبادة والعبودية له ومحاسبين على ذلك ومجازين عليه في الدنيا وفي الآخرة. قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1). {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا} (2). فالإنسان من المخلوقات المحسوسة هو المكلف الوحيد، والجن من المخلوقات المغيبة هم المكلفون الوحيدون. والتكليف الشرعي في الاصطلاح هو طلب الله عز وجل من المكلفين ما فيه كلفة في الفعل أو الترك، ويدخل في الفعل الفريضة والواجب والمندوب، ويدخل في الترك الحرمة والكراهة. قال البغدادي: التكليف في اللغة مأخوذ من الكلفة وهي التعب والمشقة ثم أطلق التكليف في الشرع الأمر والنهي. والتكليف منوط بالعقل وببلوغ الدعوة، وبالبلوغ وبوجود ما به يدرك الخطاب من الحواس، فمن ولد أعمى أصم أو أصابه العمى والصم قبل أن يعقل الخطاب لا يعتبر مكلفاً لأن شرط التكليف فهم الخطاب، أما إذا كان سميعاً أعمى أو أصم مبصراً يستطيع الفهم فهو مكلف بقدر ما يفهم، أما العقل فلا تكليف إلا به، ألا ترى أن الله عز وجل خاطب الناس بقوله {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (3) فمن لا عقل له لا حجة عليه، وأما بلوغ الرسالة فهو شرط من شروط التكليف فمن لم تبلغه الرسالة لا يكون مكلفاً. قال تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} (4).

_ (1) الذاريات: 56. (2) الأنعام: 130. (3) البقرة: 44. (4) النساء: 165.

{كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (1). {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (2). ومن رحمه الله عز وجل أنه لم يجعل الإنسان مكلفا قبل البلوغ وذلك لقصور عقله من استيعاب التكليف والقيام بحقوقه قبل ذلك لكن الشارع كلف أهل الولاية عليه أن يؤدبوه ليؤهلوه للقيام بالتكليف بعد البلوغ. وإذا أردنا أن نعرف التكليف باختصار فإننا نصفه بأنه معرفة الله والرسول صلى الله عليه وسلم والإسلام والقيام لله عز وجل بحقوق العبادة والعبودية وبإقامة ما يطلب من المكلف من الإسلام. * * * إن مسئولية الإنسان أمام الله عز وجل من أخطر القضايا تأثيراً على السلوك البشري ومن أعظم القضايا التي يجب على الإنسان أن يعرفها، فالإنسان الذي لا يستشعر مسئوليته أمام الله عز وجل يجب أن ينطلق بلا حدود، ومن ها هنا تأتي فكرة حيوانية الإنسان وما يترتب عليه من فوضى شاملة، وتأتي فكرة إتباع الأهواء وما يترتب عليها من خراب شامل، قال تعالى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} (3). أما إذا أقر الإنسان بمسئوليته أمام الله عز وجل، واعترف بذلك واعتنق دينه الحق الإسلام، وعرف أنه مجازي على ذلك أمامه في حياة أخرى، فإن ذلك أمامه في حياة أخرى، فإن ذلك ينبثق عنه كل خير. قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} (4).

_ (1) الإسراء: 165. (2) الأنعام: 19. (3) المؤمنون: 71. (4) إبراهيم: 24، 25.

ولقد جعل الله عز وجل مسئولية الإنسان في رسالة الخاتمة تنحصر بالتسليم له بالإسلام الذي أنزله على محمد عليه الصلاة والسلام. وإن فهم الإسلام والتكاليف التي يطالب به كل إنسان وهو ما يسمى بالمطلوبات العينية وفهم ما تطالب به الأمة الإسلامية ومما يطلق عليه اسم المطلوبات الكفائية، من أوجب الواجبات على كل مسلم، وقد فصلنا ذلك في كتاب: "كي لا نمضي بعيداً عن احتياجات العصر". وذكرنا هناك تفصيلات للمطلوبات العينية والكفائية، وذكرنا أن المسلم لو استهدى بتفصيلات هذه الشئون لكفاه ذلك للوصول إلى سيادة العالم بإذن الله، ولنال بذلك الخلود الأبدي في نعيم الله وجنته، ومن رحمة الله أن جعل التكليف بالإسلام في دائرة اليسر ورفع الحرج، وجعله متوطاً بالطاقة، فكل ما لا يدخل في دائرة الوسع أو يدخل الإنسان في دائرة الحرج فقد خفف الله عز وجل فيه. وتفصيلات هذا الأمر أكبر من أن يحاط بها ولذلك فإننا ها هنا سنقتصر على لباب من النقول وعلى أصول من النصوص نردك فيها الكثير مما ذكرناه في مقدمة هذا الفصل. * * *

1 - نصوص ونقول في التكليف

1 - نصوص ونقول في التكليف قال تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} (1). {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (2). {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (3). {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (4). {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (5). {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (6). ومن نصوص السنة المتعلقة بالتكليف: 106 - * روى الجماعة إلا الموطأ عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن اله تعالى تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها، وما لم يعملوا به أو يتكلموا". ولفظ أبي داود: "إن الله تجاوز لأمتي ما لم تكلم به أو تعمل به، وما حدثت به أنفسها".

_ (1) القيامة: 36. (2) البقرة: 19. (3) البقرة: 185. (4) الأنعام: 19. (5) الإسراء: 15. (6) الإسراء: 26. 106 - البخاري (11/ 548) - كتاب الأبمان والنذور، 15 - باب إذا حنث ناسيا في الأيمان. مسلم (1/ 116، 117) 1 - كتاب الإيمان، 58 - باب تجاوز الله عن حديث النفس ... الخ. أبو داود (2/ 264) كتاب الطلاق، 15 - باب في الوسوسة بالطلاق. الترمذي (3/ 489) 11 - كتاب الطلاق، 8 - باب ما جاء فيمن يحدث بطلاق امرأته. النسائي (6/ 156) 27 - كتاب الطلاق، 22 - باب من طلق في نفسه.

107 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: أتى عمر بمجنونة قد زنت، فاستشار فيها أناساً، فأمر بها أن ترجم، فمر بها علي بن أبي طالب، فقال: ما شأن هذه؟ قالوا: مجنونة بني فلان زنت، فأمر لها [عمر] أن ترجم، فقال: ارجعوا بها، ثم أتاه، فقال: يا أمير المؤمنين، أما علمت أن القلم قد رفع عن ثلاثة: عن المجنون حتى يبرأ؟ - وفي رواية: يفيق -، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يعقل؟ فقال: بلى، قال: فما بال هذه؟ قال: لا شيء، [فأرسلها]، قال: فأرسلها عمر، قال: فجعل يكبر. وفي أخرى: قال له أو ما تذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم"؟ قال: صدقت فخلى عنها. وفي أخرى قال: أتى عمر بامرأة قد فجرت، فأمر برجمها، فمر علي، فأخذها، فخلى سبيلها، فاخبر عمر، فقال: ادعوا لي عليا، فجاء علي، فقال: يا أمير المؤمنين، لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المعتوه حتى يبرأ". وإن هذه معتوهة بني فلان، لعل الذي أتاها أتاها في بلائها. 108 - * روى مسلم عن أبي هريرة، رفعه: "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار". (الأمة): هنا: أمة الدعوة وهم المكلفون من الإنس والجن، وإذا كان اليهود

_ 107 - أبو داود (4/ 140) كتاب الحدود، 16 - باب في المجنون يسرق أو يصيب حداً. قال محقق الجامع: وإسناده حسن وهو حديث صحيح بطرقه. (فجرت): الفجور: الزنا. (المعتوه): المجنون المصاب في عقله. 108 - مسلم (1/ 134) 1 - كتاب الإيمان، 70 - باب وجوب الإيمان برسالة نبينا صلى الله عليه وسلم.

والنصارى يستحقون النار إذا لم يؤمنوا به وهم أهل دين سماوي في الأصل فمن باب أولى غيرهم. وهل مجرد السماع بمحمد صلى الله عليه وسلم يوجب على من سمع به أن يبحث ثم يؤمن أو أنه السماع الذي تقوم به الحجة كأن يسمع من مسلم مباشرة أو بالواسطة؟ قولان للعلماء: فالغزالي يرى أن بلوغ الدعوة الذي تقوم به الحجة هو ما كان عن طريق مسلم بشكل مباشر كالكلام المباشر، أو بشكل غير مباشر كالكتاب والخطاب، وفي عصرنا تكاد الحجة أن تكون قد قامت على كل إنسان، فما من إنسان إلا وقد سمع عن الإسلام ورسوله بواسطة المذياع أو التلفاز أو المجلة أو المحاضرات أو الدعوة المباشرة أو الخلطة لمسلم. وكان شيخنا الحامد (رحمه الله) يرى أالحجة في عصرنا قد قامت على كل إنسان بما شاع واستفاض عن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم مما يوجب على الإنسان البحث والسؤال، فإذا لم يفعل فهو المقصر. وهل هناك مخففات في حق بعض الناس؟ وهل هذه المخففات تعفي من العقاب والحساب فتسقط التكليف أو أنها تقتضي تكليفاً آخر يوم القيامة؟ إن الحديث اللاحق يجيب على هذا: 109 - * روى أحمد عن الأسود بن سريع، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "أربعة يحتجون يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع شيئاً ورجل أحمق ورجل هرم ورجل مات في فترةٍ: فأما الأصم فيقول لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئاً، وأما الأحمق: فيقول

_ 109 - أحمد (4/ 24). والطبراني (1/ 287). قال في مجمع الزوائد (7/ 216): رواه أحمد والبزار إلا أنه قال يعرض على الله الأصم الذي لا يسمع شيئاً والأحمق والهرم ورجل مات في الفترة. رواه الطبراني بنحوه وذكر بعده إسناداً إلى أبي هريرة قال مثل هذا الحديث غير أنه قال في آخره فمن دخلها كانت عليها برداً وسلاماً ومن لم يدخلها يسحب إليها. هذا لفظ أحمد ورجاله في طريق الأسود بن سريع وأبي هريرة رجال=

يارب لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفونني بالبعر، وأما الهرم فيقول يارب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئاً. وأما الذي مات في فترة فيقول: ما أتاني لك رسول فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه فيرسل إليهم أن ادخلوا النار. فو الذي نفسي بيده لو دخلوها كانت عليهم برداً وسلاماً". وفي الحديث: إشارة إلى ثقل التكليف بالإيمان بالغيب، فإنه لا يعدل ذلك إلا أن يمتحن الإنسان بعد أن ينكشف الغيب بأن يؤمر في دخول النار، وما أشده امتحان؟ وما أثقل الإيمان بالغيب في الميزان؟؟؟ قلنا إن شروط التكليف: العقل والبلوغ وبلوغ الدعوة ووجود الحواس التي يتأتى بها فهم الخطاب، ولفهم الموضوع البلوغ نذكر ما قاله أبو زهرة في كتابه أصول الفقه: "ولكن ما هو حد البلوغ الذي يخرج بع الغلام من دور الصبا إلى دور الرجولة المكلفة المتحملة للتبعات؟ قالوا إنه يكون ببلوغه النكاح، فالجارية برؤيتها الحيض، والغلام بالاحتلام، وذلك لأن القرآن حد البلوغ يبلغ النكاح، أي الصلاحية لاستيفاء حقوق ذلك العقد، إذ يقول تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} وإن الأمارات الحسية هي التي تدل على بلوغ النكاح، والشارع يعتبر الأمور مغيرة للأحكام بأمارات حسية. وإذا لم تظهر هذه الأمارات الحسية في إبان المراهقة، اعتبر البلوغ بالسن، وجمهور الفقهاء يعتبرون سن البلوغ خمسة عشر عاما" ا. هـ. أقول: والحمل في حق المرأة ينوب مناب الحيض، والإنزال بالنسبة للرجل ينوب مناب الاحتلام، والمراد بالبلوغ في السن: السنون القمرية، وهاتان روايتان حول البلوغ بغير السن: (1)

_ = الصحيح وكذلك رجال البزار فيها. ا. هـ. (البعر): جمع بعرة: رجيع ذوات الحف وذوات الظلف إلا البقر الأهلي.

110 - * روى البخاري معلقاً عن الحسن بن صالح، قال: أدركت جارة لما جدة، بنت إحدى وعشرين سنة. 111 - * أخرج البخاري تعليقا عن المغيرة بن مقسم الضبي رحمه الله، قال: احتلمت وأنا ابن ثنتي عشرة سنة. وبعد إذ أخذنا تصوراً عن شروط التكليف وعرفنا أنه بالعقل والبلوغ والتبليغ وجود الحاسة التي يفهم بها التبليغ تقوم الحجة على الإنسان فيكون مكلفاً بالإسلام، فإنه من المناسب أن نذكر أن الإنسان في دار الإسلام يعتبر مكلفاً حكماً، وأما خارج دار الإسلام فلا يعتبر مبلغاً إلا إذا جاءه التبليغ من مسلم بشكل مباشر أو غير مباشر (على رأي الغزالي كما ذكرنا) سواء كان ذلك باللسان أو بالكتاب أو بوسيلة من وسائل الإعلام، أما إذا بلغته الصورة مشوشة عن كافر ولم يصل إليه الإسلام بواسطة صحيحة من الوسائط فقد ذهب الغزالي إلى أن التبليغ لم يحص له وهذا في غير دار الإسلام. وقال البغدادي في أصول الدين: "وقد أصبحنا إن الواجبات كلها معلوم وجوبها بالشرع. وقالوا فيمن كان وراء السد أو في قطر من الأرض ولم تبلغه دعوة الإسلام ينظر فيه فإن اعتقد الحق في العدل والتوحيد وجهل شرائع الأحكام والرسل فحكمه حكم المسلمين وهو معذور فيما جهله من الأحكام لأنه لم يقم به الحجة عليه. ومن اعتقد منهم الإلحاد والكفر والتعطيل فهو كافر بالاعتقاد وينظر فيه فإن كان قد انتهت إليه دعوة بعض الأنبياء عليهم السلام فإن يؤمن بها كان مستحقا للوعيد على التأييد. وإن لم تبلغه دعوة شريعة بحال لم يكن مكلفا ولم يكن له في الآخرة ثواب ولا عقاب فإن عذبه الله في الآخرة كان ذلك عدلا منه ولم يكن عقاباً له كما أن إيلام

_ 110 - البخاري (5/ 276) 520 كتاب الشهادات 18 - باب بلوغ الصبيان وشهادتهم. قال الحافظ في "الفتح": وقد رويناه موصولاً في "المجالسة" للدينوري من طريق يحيي بن آدم نحوه، وأقل أوقات الحمل تسع سنين. 111 - البخاري (5/ 276) 52 - كتاب الشهادات 18 - باب بلوغ الصبيان وشهادتهم. قال الحافظ في "الفتح": جاء مثله عن عمرو بن العاص، فإنهم ذكروا أنه لم يكن بينه وبين ابنه عبد الله بن عمرو في السن سوى اثنتى عشرة سنة.

الأطفال والبهائم في الدنيا عدل من الله تعالى وليس بعقاب لهم على شيء. وإن نعم عليه في الآخرة فهو فضل منه وليس بثواب له على الطاعة، كما أن إدخاله ذراري المسلمين الجنة فضل منه وليس بثواب على طاعة. وإن كان هذا الذي لم تبلغه دعوة الإسلام غير معتقد كفراً ولا توحيداً فليس بمؤمن ولا كافر فإن شاء الله عذبه في الآخرة عدلا وإن شاء عليه فضلا" ا. هـ. * * *

مباحث في العذر بالجهل

مباحث في العذر بالجهل ولعلمائنا مباحث تصل إلى موضوعنا بسبب: يبحثونها عادة تحت عنوان الجهل بالأحكام متى يعتبر عذراً، وقد لخص الشيخ أبو زهرة في كتابه أصول الفقه: هذه الأبحاث وهذه مستخلصات من كلامه: الأحكام الشرعية المقررة في الكتاب والسنة، والأمور التي انعقد الإجماع عليها لا يسع أحدا أن يخالفها بدعوى الجهل بها، فلا يعد هذا الجهل عذراً مسوغاً، وذلك لمن يقيم في الديار الإسلامية. وهذا النوع من العلم هو الذي يسميه الشافعي رضي الله عنه [علم] عامة لا يسع أحداً أن يجهله. وذلك لأن العلم قسمان، تولى النص بيانها، ولنترك الكلمة للإمام العظيم، فهو يقول في رسالة الأصول: "العلم علمان: علم عامة لا يسع أحداً غير مغلوب على عقله جهله، مثل الصلوات الخمس، وأن لله على الناس صوم رمضان وحج البيت إذا استطاع، وزكاة أموالهم، وأنه حرم عليهم القتل والزنى والسرقة وأموالهم، وأن يكفوا عما حرم عليهم منه، وهذا الصنف كله من العلم موجود نصاً في كتاب الله تعالى، وموجود عاما عند أهل الإسلام ينقله عوامهم عمن مضى من عوامهم، يحكونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يتنازعون في حكايته ولا وجوبه، وهذا العلم هو الذي لا يمكن الغلط فيه من الخبر ولا التأويل ولا يجوز التنازع فيه". وبهذا يتبين أن هذا العلم هو المأخوذ من صريح الكتاب والسنة المتواترة، والمشهور من الأحاديث الذي انعقد على أحكامه إجماع المسلمين. أما القسم الثاني فقد بينه الشافعي في الرسالة أيضاً، وسماه علم الخاصة، وهو ما ينوب العباد من فروع الفرائض، ولم يرد فيه نص صريح من كتاب أو سنة ولم ينعقد عليه إجماع.

وإن هذا النوع من العلم يختص به الفقهاء الذين عكفوا على الدراسات الفقهية، وهو درجة عالية يسع العامة أن يجهلوه ولا يسع الفقهاء أن يهملوه. وبهذا يتبين أن الأصول العامة للمحرمات والفرائض تعتبر كل مقيم في الديار الإسلامية على علم بها، ولا يعذر بالجهل به، إلا في حال الاشتباه ولا يستثنى من ذلك الذميون الذين يقيمون في الديار الإسلامية. فلا يعذرون في الجهل بالحد والقصاص والديات وموجباتها، وغير ذلك مما يطبق عليهم من عقوبات تطبق على المسلمين، وذلك لأنهم يقيمون في الديار الإسلامية فيفترض فيهم مثلاً العلم بما يعلمه عامتهم من أن: الزنى يوجب الحد، وغير ذلك من العقوبات مع موجباتها، ولأنهم يقيمون مع المسلمين على أساس أن لهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم. وإن الأحكام التفصيلية التي تؤخذ بالاستنباط بالأقيصة وغيرها من طرق الرأي لا يعرفها كما ذكرنا إلا الخاصة من علماء الشرع المتخصصين. هذا وإن الجهل بأحكام النصوص منه ما يكون عذراً، ومنه ما لا عذر فيه، ولقد ضبط علماء الأصول ذلك في أقسام أربعة: القسم الأول - جهل لا يعذر فيه صاحبه، ولا شبهة فيه كالردة بعد إيمان، وارتكاب ما نص القرآن نصاُ قاطعاً القرآن نصاً قاطعاً على تحريمه معتقداً حلة، وكذلك ما تواتر وثبت بالإجماع، فإن الجهل بهذا إثم، والإثم لا يبرر الإثم. وقد ذكر علماء الأصول من ذلك جهل غير للسلم بالوحدانية، وجهله بالرسالة المحمدية إذا بلغ الدعوة الإسلامية على الوجه الصحيح. وأقيمت الأدلة القاطعة بصدقها، فإنهم قالوا إن ذلك جهل لا يعذر صاحبه. القسم الثاني - جهل يعذر فيه الشخص لأنه موضع اشتباه من حيث الدليل، وذلك يكون في الجهل بالمسائل التي يحتاج فهمها إلى ضرب من التأويل والتفسير، وتكون هي محتملة للتأويل، والحق فيها لا يتبين إلا بعد الفحص والتأمل .... القسم الثالث - الجهل في مواضع الاجتهاد، والجهل الذي لا تتوافر فيه أسباب العلم

توافراً تاماً، أو يكون الجهل معه شبهة أسقطت العقاب .... القسم الرابع - الجهل بالأحكام الإسلامية في غير الديار الإسلامية وهو جهل قوي إلى درجة أن جمهور الفقهاء قال إنه تسقط عنه التكليفات الشرعية، حتى إنه لو أسلم رجل في دار الحرب، ولم يهاجر إلى الديار الإسلامية، ولم يعلم أنه عليه الصلاة والصوم والزكاة، ولم يؤد فرضاً من هذه الفرائض. فإنه لا يؤديها قضاء إذا علم، ووجهه انه بقبوله الإسلام صار ملتزماً أحكامه وعليه أداؤها، ويعذر إذا لم يؤدها في وقتها، ولكن إذا علم فحكم الالتزام ثابت، ويجب عليه قضاء ما التزم. ووجهة جمهور الفقهاء، أن دار الحرب ليست موضع بالأحكام الشرعية، فلم تستفض فيها مصادر الأحكام، ولم تشتهر، فكان الجهل جهلاً بالدليل، والجهل بالدليل يسقط التكليف، إذ لم يتوجه الخطاب. وعلى ذلك يتميز هذا القسم عن بقية الأقسام السابقة، بأن الجهل هنا ليس عذراً فقط، بل إنه مسقط للخطاب. ويجب أن نقرر هنا أنه إذا كان الجهل ليس موضوعه أمراً من الأمور التي تعد من أصول الإسلام الثابتة بالكتاب والسنة، بل كان أمراً هو موضوع اجتهاد واختلف فيه الفقهاء، واختار ولي الأمر الأخذ بأقوال بعض الأئمة، وأعلن ولي الأمر الأخذ به، فإن ذلك يكون موضوع عذر، حتى يشيع الإعلان بحيث لا يسع أحداً أن يجهله" ا. هـ. كلام أبي زهرة. أقول: هناك أمور معلومة من الدين بالضرورة، فهذه لا يعذر أحد بالجهل بها في دار الإسلام، فمن أنكرها أو جهلها كفر وبالتالي: لا يعتبر مسلماً بسبب الجهل أو الإنكار، وفقهاء الحنفية يحكمون بكفره قبل أن يقر بها، فإذا أقر بها بعد البيان فكأنه أسلم من جديدي ويرتبون على ذلك فساد نكاحه وبطلان حجه، وأما الشافعية فيقولون: لا يكفر بالجهل إلا بعد البيان فإذا أصر بعد البيان حكم بكفره. وأما الجهل بالأحكام التي تعتبر معرفتها فريضة عينية على كل مسلم مما ليس من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة فهذه الجهل بها في دار الإسلام فوق، والفتوى هي التي تحكم

التقصير في العمل من وجوب التوبة وحدها أو وجوبها مع غيرها. أما الجهل في غير دار الإسلام فإنه يعتبر عذراً ما لم يكن تقصير، فلو افترضنا أن إنساناً جاهلاً حدث إنساناً كافراً في غير دار الإسلام في الشهادتين فنطق بها ذلك المبلغ مؤمناً بها ولم يعلمه الآخر شيئاً آخر ولا يستطيع هو أن يتعلم من مسلم آخر أو كان يجهل وسيلة تصل به إلى العلم فالعذر في حقه قائم. * * * ومن رحمة الله عز وجل بالمكلف أنه جعل التكليف ضمن الوسع والطاقة وجعل دينه الإسلام ميسراً فرفع فيه الحرج والتكاليف الشاقة. قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (1). {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} (2). {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (3). {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (4). {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} (5). ومن مظاهر التخفيف في التكليف ما تحدث عنه هذان النصان: 112 - * عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمك "تجاوز الله عن آمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".

_ (1) البقرة: 286. (2) الطلاق: 7. (3) الحج: 78. (4) البقرة: 185. (5) الأعراف: 157. 112 - الحاكم (2/ 198) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ورواه ابن ماجه (1/ 659) 10 - كتاب الطلاق 16 - باب طلاق المكره والتناسي عن أبي ذر.

التكليف بما يشق

113 - * روى الجماعة إلا الموطأ عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها، ما لم يعلموا به أو يتكلموا". وفي رواية: "ما وسوست به صدورها". ولفظ أبي داود: "إن الله تجاوز لأمتي ما لم تكلم به أو تعمل به، وما حدثت به أنفسها". وبمناسبة الكلام عن اليسر ورفع الحرج والتكاليف بقدر الوسع لابد من تصحيح مفهوم خطائ يقع فيه بعض الناس وهو أن بعضهم يتصور أن التكليف موافق للهوى أو للراحة الجسمية، والأمر ليس كذلك فالإسلام جاء بمخالفة الهوى، والتكليف هو طلب ما فيه كلفة في الأصل، فالمنفي هو التكليف المعنت المرهق الذي لا تستطيعه النفس باستمرار، وللشيخ أبي زهرة تحقيق لطيف بهذه المناسبة نستخلص منه بعضه. قال رحمه الله: التكليف بما يشق: إن المشقة قسمان: أولهما - مشقة يمكن احتمالها والاستمرار عليها، وهذه يمكن فيها التكليف ويمكن المؤاخذة عليها، كالصوم والحج، فإنها مشقات يمكن احتمالها، ويمكن الاستمرار على أدائها وما من تكليف إلا وفيه مشقة محتملة، أدناها رياضة النفس على ترك الممنوع، والأخذ بالمشروع، إذ كل ممنوع متبوع، ولذلك ورد في الحديث الشريف "حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات" فإن أسباب العصيان دائماً إتباع للهوى والشهوة، والسير في سبيلها إلى أقصى الغاية من غير تحرج ولا تأثم، وأسباب

_ 113 - البخاري (11/ 548) 83 - كتاب الأيمان والنذور 15 - باب إذا حنث ناسياً في الأيمان. ومسل م (1/ 116، 117) 1 - كتاب الإيمان 58 - باب تجاوز الله عن حديث النفس ... الخ. وأبو داود (2/ 264) كتاب الطلاق 15 - باب في الوسوسة بالطلاق. والترمذي (3/ 489) 11 - كتاب الطلاق 8 - باب ما جاء فمن يحدث نفسه بطلاق امرأته. والنسائي (6/ 156) 27 - كتاب الطلاق 22 - باب ما طلق في نفسه. (أنفسها): قال النووي رحمه الله: ضبطه العلماء بالنصب والرفع، وهما ظاهران، إلا أن النصب أشهر وأظهر. قال القاضي عيان: "أنفسها" بالنصب، ويدل عليه قوله "إن أحدنا يحدث نفسه" قال: قال الطحاوي: وأهل اللغة يقولون: "أنفسها" بالرفع، يريدون بغير اختيارها، كما قال الله تعالى: {وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ}.

الطاعات فطن للنفس عن كثير من الشهوات أو وقوف بها عند حد، وهذا في ذاته فيه مشقة على النفس التي لم تتعود الضبط، والوقوف بها عند حد محدود حده الشارع، ولو كانت كل التكليفات يسراً خالصاً مخالفون ولا عصاة، ولو كانت التكليفات تسير مع الأهواء جنباً لجنب ما وجد اعتداء ولا ظلم، ولكن الله تعالى اختبر الإنسان فجعل فيه داعي الطاعة وداعي المعصية ينبعثان من جنبيه، كما قال تعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} وكما قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}. القسم الثاني: المشتقات التي يصعب الاستمرار على أدائها أو لا تحتمل إلا ببذل أقصى الطاقة. [من ذلك الجهاد في سبيل الله تعالى]، وكذلك الصبر عند الإكراه على النطق بكلمة الكفر هو موضع ثواب عند الله مع أنه مشقة فوق الاحتمال العادي، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر منزلته يوم القيامة بجوار منزلته. ومن ذلك الجهر بكلمة الحق في وقت يسود فيه الظلم، ولذا قال عليه السلام: "أفضل الجهاد كلمة حق لسلطان جائز" وقال عليه السلام: "سيد الشهداء حمزة ابن عبد المطلب، ورجل قال كلمة حق عند سلطان جائز فقتله" ولذا كان التكليف في المشقة التي لا تحتمل إلا بأقصى الطاقة جائزاً في تلك الدائرة المحدودة. وننتهي من هذا إلى أن التكليفات التي تكون فيها مشتقات غير معتادة ثابتة في إحدى أحوال ثلاثة: (أ) - في الفروض الكفائية كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عندما يعرض الأمر نفسه إلى التلف. (ب) - في الصور التي لا يتحقق نفع عام كامل إلا ببذل أقصى البذل في النفس والنفيس. [كالجهاد]. (جـ) - في الأحوال التي يكون فيها اعتداء على حق من حقوق الله تعالى، أو حقوق العباد، فإن الصبر في هذه الحال مطلوب وإن كان شاقاً مشقة فوق المعتادة كمن يكره بالقتل لينفذ الاعتداء بالعمل على قتل غيره، فإنه يجب عليه أن يصبر ولا يقتل غيره.

[بل إن فعل يكون آثما ولا يعتبر عذره بحال]. ففي هذه الصور وأشباهها يكون العمل الذي فيه مشقة غير معتادة مطلوباً. ويلاحظ في هذه الصور أن المشقة ليست مقصودة لذاتها، فليست المشقة في ذاتها أمراً يتعبد به، أن تعذيب الجسم، لتطهير الروح ليس من مقاصد الإسلام، إنما المشقة غير المعتادة تطلب، لأنها تكون دفعاً لضرر أشد، أو جلباً لنفع أسمى. فهي تكون تحقيقاً لمقصد من المقاصد الإسلامية العليا، على أنها وسيلة متعينة له، وليست مقصودة لذاتها. واليسر هو الأصل في الشريعة الإسلامية، ولذلك تقول السيدة عائشة رضي عنها في وصف النبي صلى الله عليه وسلم: ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لك يكن إثماً. لذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم من نذر أن يصوم قائماً في الشمس أن يستمر قائماً في الشمس وآمره أن يتم صومه وقال عليه السلام "هؤلاء المتنطعون" وبذلك يكون أمره بما هو طاعة في ذاته وهو الصيام، ونهاه عما ليس طاعة وهو القيام في الشمس، وذلك النهي تقرر أن القيام صلى الله عليه وسلم: "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصى الله فلا يعصه" ولقد روي أن بعض الصحابة أخذ نفسه بقيام الليل وصوم النهار، وبعضهم أخذ نفسه باعتزال النساء، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم جميعاً، فقال عليه السلام "ما بال أقوام قالوا كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء. فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم جميعاً، فقال عليه السلام "ما بال أقوام قالوا كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم الله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء. فمن رغب عن سنتي فليس مني". وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على ألا يلتزم الشخص عبادات ليست فرضاً، ولا يطيق الاستمرار عليه، وكان يجب العبادة الدائمة التي لا صعوبة فيها على العبادة الشاقة التي لا يمكن الاستمرار عليها، ولذا كان يقوم صلى الله عليه وسلم "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل" (1). وكان يقول: "إن الله يحب الديمة من الأعمال" وكان يقول صلى الله عليه وسلم "لن يشاد أحد هذا الدين إلا غلبه، ولكن سددوا وقاربوا". ا. هـ. كلام أبي زهرة.

_ (1) أخرجه الشيخان.

وقال عبد القاهر البغدادي في بيان أنواع التكليف: اختلف أصحابنا في أقسام التكليف: فمنهم من قال إن التكليف مقصور على ثلاثة أوجه: أمر ونهي وخبر. فالتكليف بالأمر. كقوله: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} ونحوه والتكليف بالنهي كقوله: {لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}. والتكليف بالخبر على ضربين: أحدهما فيم معنى الأمر كقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}. والثاني خبر في معنى النهي كقوله تعالى {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} ومنهم من قصر التكليف على الأمر والنهي. فأما الخبر عن وجوب شيء أو عن تحريمه فإنما حمل على معناه: بأمر الله تعالى أن يحمل عليه. ومنهم من قصر التكليف على معنى الأمر وقال إن النهي إنما صار تكليفا لأنه أمر بترك المنهي وترك ضد المأمور بفعله. فهذا بيان أقسام التكليف في الجملة. وتفصيله أن التكليف على خمسة أقسام: أحدها موجب وثانيها محرم وثالثها دليل على أن ما ورد به سنة ورابعها دليل على أن ما ورد به مكروه وخامسا دليل على إباحة ما ورد به من غير وجول ولا حظر ولا كراهية ولا استحباب. وحقيقة الواجب ما يستحق بتركه العقاب والحرام ما يستحق بفعله العقاب ا. هـ من كتاب أصول الدين. وبمناسبة الكلام عن التكليف يثير أصوليو العقائد وأصوليو الفقه عدداً من المسائل بعضها لا يتوقف عنده وهناك بعض مسائلهم المهمة:

2 - مسائل في التكليف

2 - مسائل في التكليف المسألة الأولى في أهل الفترة: أهل الفترة هم من كانوا في زمن رسل لم يبعثوا إليهم أو كانوا بقية أمل أرسل لأسلافهم رسول ثم اندثر هديه أو حرف وذلك كذرية إسماعيل عليه الصلاة والسلام بعد اندثار هديه فهؤلاء في القول الراجح ناجون لأنه لم تبلغهم رسالة رسول بطريق صحيح عن أهل ذلك فلم تقم عليهم بسبب ذلك حجة، وواضح مما مر معنا أنه ما دامت الرسالة الرسول باقية في إطارها الصحيح وبلغت عن طريق صحيح لمن هو مكلف بها فقد قامت عليه الحجة. وعلى هذا نقول: إنه ما دامت رسالة إبراهيم وإسماعيل تصل بطريق صحيح إلى الذين بعثا إليهم فهم مكلفون ومؤاخذون على النكول والتقصير، أما بعد أن ضاعت ولم يبق أحد يبلغها على وجهها الصحيح فإن الناس وقتذاك يكونون أهل فترة، وهم على القول الراجح ناجون، وبناء عليه فإننا نحمل الأحاديث الواردة في عذاب بعض أهل الجاهلية على أنه وصلهم دين إبراهيم وإسماعيل صحيحا ثم حرفوا وبدلوا كما فعل عمرو بن لحي الذي أدخل الأصنام إلى جزيرة العرب، وعلى ضوء هذه القواعد نقول: إن أبوي رسول الله صلى الله عليه وسلم ناجيان لأنهما رسالة سابقة ولم يدركا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ورد خلاف ذلك فإنه إما مؤول، وإما أنه محمول على توهم عند بعض الرواة فإن روايات صحيحة تعارض ذلك. فحديث مسلم الذي يقول "إن أبي وأباك في النار" قد ورد في صيغة أخرى بإسناد على شرط الشيخين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعد أن ذكر أن أبا السائل في النار: "حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار". كما أن الحديث يحتمل التأويل، فالأب في اللغة يطلق على الأب المباشر والجد ومن قله من الجدد. ومما يدل على وجود فترة: الحديث الذي سبق معانا وفيه: عن الأسود بن سريع، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أربعة يحتجون يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع شيئاً، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في

المسألة الثانية

قبره .... ، .... وأما الذي مات في فترة فيقول ما أتاني لك رسول" (1). ومما يدل على أنهم ناجون قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (1). وأما قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} (2): لا يعني عدم وجود أناس لم يصلهم دين صحيح، فأمة العرب خلا فيهم إبراهيم، وإسماعيل، ولكن دينهم حرف وبدل فمن لم يصله منهم الدين الصحيح لا يؤاخذ ويعتبر من أهل الفترة إلى أن بعث محمد صلى الله عليه وسلم. المسألة الثانية: الماتريدية يرون أن الإنسان مكلف بمعرفة الله عز وجل ولو لم يرسل إليه رسول، والمعتزلة يقولون بان الإنسان مكلف بفعل كل ما يصل إلى حسنه ويترك كل ما يصل العقل إلى حسنه وبترك كل ما يصل العقل إلى قبحه ولو لم يكن رسل، والأشاعرة يرون أنه لا تكليف بأصول أو فروع إلا إذا بعث رسول وتشهد لهم نصوص: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (3). {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (4). {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} (5). {قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى} (6). {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ} (7).

_ (1) الإسراء: 15. (2) فاطر: 24. (3) الإسراء: 15. (4) الأنعام: 19. (5) النساء: 165. (6) غافر: 50. (7) الأنعام: 154، 155، 156.

المسألة الثالثة

المسألة الثالثة: المجنون ليس مكلفا إن بلغ مجنونا واستمر على ذلك حتى مات بخلاف ما لو بلغ عاقلا ثم جن وكان كذلك فهو غير ناج وهو محاسب بعد البلوغ على الفترة التي عقل فيها. المسألة الرابعة: اتفق الأصوليون على أن العبد لا يؤاخذ إلا بما هو في طاقته فلا يؤاخذ بما لا يمكنه فعله ولا يكلف أصلا بأمر مستحيل الوقوع عقلا أو عادة كالجمع بين الضدين. المسألة الخامسة: هل الكفار مخاطبون بالأصول والفروع ومكلفون بها ومحاسبون على الجميع، أو أنهم مكلفون بالأصول فإذا آمنوا كلفوا بالفروع؟ قولان للعلماء، وجمهور العلماء: أن الكفار غير مكلفين بالفروع إلا بعد الإيمان. والمراد بالأصول: أصول العقائد من إيمان بالله وبالرسول وباليوم الآخر إلى غير ذلك، والمراد بالفروع ما ينبثق عن الأصول من أحكام الشريعة كأداء الصلاة والزكاة والصوم والحج وغير ذلك. المسألة السادسة: في مسئولية الطفل والمجنون مالياً: "ولكن يلاحظ أن المجنون وهو فاقد التمييز، والصبي غير المميز مثله تتعلق بهما تكليفات مالية، فإذا أتلف أحدهما شيئاً وجب في ماله، وإذا جنى أحدهما جناية وجبت الدية في مالهما، وقد قرر جمهور الفقهاء أن الزكاة تجب في مالهما، [والحنفية لا يرون ذلك]. وقرر الفقهاء بالإجماع أن زكاة الزرع والثمار تجب من زرعها وثمارهما" أ. هـ. [أصول الفقه - أبو زهرة]. المسألة السابعة: في أولاد المسلمين والمشركين: رأينا أن مما يناط به التكليف: البلوغ، وعلى هذا فما لم يبلغ الإنسان لا يعتبر مكلفا، فإذا مات قبل البلوغ فالمرجو أن يكون ناجياً عند الله، غير أن الشارع أدبنا أن نسكت

عن هذا الموضوع وأن نفوض الأمر فيه لله عز وجل لأن في السكوت عنه مدعاة لبذل الجهد في الدعوة للصغار وتربيتهم. وفي شأن الصغار ورد عدد من الآثار يلحظ في بعضها ما ذكرناه. وهذه بعض النصوص في ذلك: 114 - * روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها، قالت: توفي صبي، فقلت: طوبي له، عصفور من عصافير الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أولا تدرين أن الله خلق الجنة، وخلق النار، فخلق لهذه أهلاً ولهذه أهلا". وفي رواية: قالت: دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنازة صبي من الأنصار، فقلت: يا رسول الله، طوبي لهذا، عصفور من عصافير الجنة، لم يعمل السوء، ولم يدركه، فقال: "أو غير ذلك يا عائشة، إن الله خلق للجنة أهلاً، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلاً، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم". وأخرج أبو داود والنسائي الثانية، وقالا فيه: طوبي لهذا، لم يعلم سوءاً ولم يدر به (2). هذا نموذج على ما أدبنا به الشارع في التفويض في أمر الذين يموتون وهم صغار للحكم التي ذكرناها مع أن القواعد تفيد أنهم ناجون ويشهد لذلك الحديث اللاحق: 115 - * روى البزار عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم عمن في الجنة؟ فقال: "النبي في الجنة والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة والمؤودة في الجنة".

_ 114 - مسلم (4/ 2050) 46 - كتاب القدر 6 - باب معنى كل مولود يولد على الفطرة. (2) أبو داود (4/ 229) كتاب السنة - باب في ذراري المشركين. النسائي (4/ 57) 21 - كتاب الجنائز 58 - باب الصلاة على الصبيان. (طوبي): فعلى من الطيب، وقيل: هو اسم الجنة، وقيل: هو اسم شجرة فيها. 115 - كشف الأستار (3/ 31). مجمع الزوائد (7/ 219). وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن معاوية بن مالج وهو ثقة. ورواه أحمد وأبو داود من طريق حسناء بنت معاوية عن عمها وحسنه الحافظ في الفتح ورمز السيوطي لصحته، وضعفه بعضهم وفي كل الأحوال فإن معناه صحيح. المسند (5/ 58).

116 - * روى الشيخان وأبو داود والنسائي عن ابن عباس، سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين فقال: "الله إذ خلقهم أعلم بما كانوا عاملين". وهذان النصان يؤكدان فكرة تأديب الشارع للمسلم أن يفوض في أمر الصغار لما يترتب على ذلك من حكم، ومن أمثال هذا أخذ العلماء فكرة أدب الوعظ وأدب العلم، فأدب الواعظ ألا يدخل في تفصيلات تخفف من قوة التأثير والتأثر أو تؤدي إلى إثارة أسئلة عند العامة أو تؤدي إلى تشويش عقائد العامة أو تستدرجهم لمواطن فتنة في الرأي أو في العمل، وأدب العالم مع طلاب العلم أن يدرجهم في التعليم حتى يوصلهم إلى أن يفهموا دقائق العلوم وعويصات المسائل. فأدب الواعظ: ليس كل ما يعلم يقال، وأدب العالم مع طلاب العلم الذين يؤهلون للإمامة في الدين أن يقول لهم كل شيء مع ملاحظة التدرج، وتشهد لذلك كثير من نصوص السنة. كما أخذ العلماء من الأحاديث فكرة الحكم العقلي والحكم الشرعي، والواجب العقلي لله، والواجب الشرعي، فمثلاُ: قالوا: إن قدرة الله صالحة أن تعذب الكافر والمؤمن، فالواجب العقلي أن نعتقد أنه يجوز على الله أن يعذب الكافر والمؤمن، ولكن إذ ورد الشرع أن الله لا يعذب مؤمناً، فقد أصبح الواجب الشرعي أن نؤمن بأن الله لا يعذب مؤمناً ولا يترك كافراً، والأحاديث التي بين أيدينا تدل على هذا المذهب الذي هو مذهب أهل السنة والجماعة، وخالفهم فيها المعتزلة، وهذه من عويصات المسائل التي لا يدركها إلا العلماء المحققون. ويتفرع عنها مسائل كثيرة تذكر في كتاب العقائد. ولنعد إلى موضوعنا: فمن أقوال العلماء في أطفال المشركين ما يلي:

_ 116 - البخاري (3/ 345) 23 - كتاب الجنائز 92 - باب ما قيل في أولاد المشركين. مسلم (4/ 2049) 46 - كتاب القدر 6 - باب معنى كل مولود يولد على الفطرة. أبو داود (4/ 229) كتاب السنة 18 - باب في ذراري المشركين. النسائي (4/ 95) 21 - كتاب الجنائز 60 - باب أولاد المشركين. شرح السنة (1/ 155).

قال البغوي: "لا يحكم لهم بجنة ولا نار بل أمرهم موكول إلى علم الله فيهم كما أفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم". وقال ابن القيم: في الاستدلال هذا نظر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجب فيهم بالوقف ولمن وكل علم ما كانوا يعلمون إلى الله سبحانه، والمعنى: الله أعلم بما كانوا يعملون لو عاشوا فيعلم القابل المهدي والعامل به والقابل منهم للكفر المؤثر له .... وأنه يعلم منهم ما هم عاملون بتقدير حياتهم". وقال النووي: أجمع من يعتد به من علماء المسلمين على أن من مات من أطفال المسلمين فهو في الجنة". أ. هـ. واخرج البخاري بسنده عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث (1) إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم". أقول: أفلا يكون الأولاد في الجنة خاصة وقد وردت نصوص أنهم يشفعون لآبائهم وأمهاتهم. وقال المحقق الأستاذ شعيب الأرناؤوط في تعليقه على شرح السنة: إن المذهب الصحيح الذهب ذهب إليه المحققون من العلماء وارتضاه جمع من المفسرين والمتكلمين هو أنهم في الجنة واحتجوا بما رواه البخاري في صحيحه من حديث سمرة بن جندب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يكثر أن يقول لأصحابه: هل رأى أحد منكم رؤيا؟. قال فيقص عليه ما شاء الله أن يقص، وأنه قال لنا ذات غداة: "أتاني الليلة آتيان" .... فذكر حديث، وفيه ... "وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم وأما الولدان الذين حوله: فكل مولود مات على الفطرة" قال؟: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأولاد المشركين".

_ (1) الحنث: الإدراك والبلوغ.

المسألة الثامنة

ثم نقل آيات تؤكد أن الإنسان لا يعذب إلا كان بالغاً عاقلاً ومختاراً مبلغا: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}. {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ}. والأحاديث التي سبق ذكرها (1). المسألة الثامنة: قرر علماء المسلمين أن المطلوبات على نوعين: مطلوبات عينية، ومطلوبات كفائية. فالكفائبة تطالب بها الأمة بمجموعها، والعينية يطالب بها كل فرد على حدة، وتحديد المطلوبات الكفائية والمطلوبات العينية من أهم ما يجب أن يعرفه المسلم، وقد كتبنا في ذلك رسالة ضمناها كتاب (كي لا نمضي بعيداً عن احتياجات العصر) وفي الحقيقة فإن المطلوبات العينية والكفائية هي الجانب العملي في التكليف. * * *

_ (1) شرح السنة (1/ 155).

الفصل الثالث في: مباحث في الإسلام والإيمان

الفصل الثالث في: مباحث في الإسلام والإيمان

الإيمان والإسلام

الإيمان والإسلام الإيمان في اللغة: هو التصديق. قال تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} (1) أي وما أنت بمصدقٍ لنا. والإسلام في اللغة معناه التسليم والاستسلام والإذعان. قال تعالى {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} (2) والمطلوب من المكلف أن يكون مؤمناً مسلماً في قلبه ابتداءً، أي مصدقاً بقلبه مذعناً بقلبه ليدخل في أصل الإيمان وأصل الإسلام، فلا إيمان بلا إذعان ولا إذعان بلا تصديق لصحة اسم الإيمان والإسلام، ثم الإيمان الكامل يقتضي تطابقاً بين تصديق الجنان وإقرار اللسان وعمل الجوارح بالأركان، والإسلام الكامل يقتضي إسلام القلب كله لله رب العالمين بالتصديق والتسليم، وإسلام اللسان بالإقرار وعمل الجوارح بالأحكام، ومن ههنا كان الإسلام والإيمان في حدهما الأدنى متطابقين وفي حدهما الأعلى متطابقين. ولذلك نجد نصوصاً تذكر هذا التطابق من مثل قوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (3). {يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} (4). فالمؤمن الحق هو المسلم الحق وهو من آمن بالكتاب والسنة وآمن بالأحكام والأوامر والنواهي المنبثقة عن الكتاب والسنة وأذعن لذلك وصدقت أقواله وأفعاله تصديقه وإذعانه. ولكن من الناحية العملية الناس يتفاوتون، ومن ها هنا تتوضع مباحث شتى حول تعريف الإيمان والإسلام وحقيقة الإيمان والإسلام، وما هو القدر المنجي عند الله من الإيمان والإسلام. ومتى يتطابق الإيمان والإسلام؟ ومتى يتداخلان؟ ومتى بتكاملان؟ وماذا.

_ (1) يوسف: 17. (2) الحجرات: 14. (3) الذاريات: 35، 36. (4) يونس: 84.

يدخل في الإيمان والإسلام؟ وما هي شروط قبول الإيمان والإسلام؟ وإذا كان العمل في الإسلام يتفاوت بين آحاد المتكلفين، فهل التصديق القلبي يتفاوت؟ وهل النور القلبي يتفاوت؟ وهكذا يتوضع حول موضوعي الإيمان والإسلام مسائل شتى منها محل اتفاق بين أهل السنة والجماعة وغيرهم من فريق منشقة عن الجماعة، ومنها ما هو محل اختلاف لفظي، ومنها ما هو محل اختلاف بين أهل السنة والجماعة ونحن إذ تطالب كل مسلم أن يدرس عقائد أهل السنة والجماعة في كتبها وعلى أهلها لا نرغب أن نتوسع في هذه المسائل حتى لا يخرج هذا الكتاب عن مقصوده، ولذلك فإننا نكتفي في ذكر أمهات من المسائل: - المعتزلة يقولون أن الإيمان هو العمل والنطق والاعتقاد، فمن ترك العمل فليس بمؤمن لأنه فقد جزء الإيمان وليس بكافر لوجود التصديق، فهم عندهم بين الكافر والمؤمن ويخلد في النار ويعذب بأقل من عذاب الكافر، والخوارج يكفرون مرتكب الكبائر، وأهل السنة يقولون: من وجد منه التصديق المعهود شرعاً، وهو تصديق النبي بكل ما جاء به، وعلم من الدين بالضرورة مع الإذعان القلبي فقد ثبت له أصل الإيمان ولو لم يرافقه عمل ومآله إلى الجنة وهو في المشيئة إن شاء الله أن يعذبه على نقصان العمل عذبه وإن شاء عفا. قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1). وهناك بعض التفصيلات هي محل خلاف بين أهل السنة والجماعة. ومن أدلة محققي أهل السنة والجماعة لهذا المذهب قوله تعالى: {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ} (2). {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} (3). {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} (4).

_ (1) النساء: 116. (2) المجادلة: 22. (3) الحجرات: 14. (4) النحل: 106.

{وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} (1). والشروط غير المشروط فدل ذلك على أن الإيمان خير العمل: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} (2). أثبت أصل الإيمان ولو حدثت مخالفة، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} (3). عطف العمل الصالح على الإيمان والعطف يقتضي المغايرة، ثم إن الله خاطب أهل الإيمان بالعمل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ} (4). فأثبت لهم أصل الإيمان ثم طالبهم بالعمل، فدل ذلك على أن الإيمان غير العمل. والخلاف بين أهل السنة والجماعة وغيرهم أو بين المحققين من أهل السنة من غيرهم يرجع إلى الاستيعاب والاستشراق، ووضع كل نص في محله في الهيكل العام لمضمون الإيمان والإسلام، فهناك الحقيقة والمجاز والنقص، والحد الأدنى والحد الأعلى. - إذا وجد التصديق القلبي دون الإذعان فإن ذلك لا ينفع صاحبه عند الله عز وجل، فقد وصف بعض الكافرين بقوله: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} (5). {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (6).

_ (1) طه: 112. (2) الحجرات: 9. (3) مريم: 96. (4) البقرة: 183. (5) النمل: 14. (6) البقرة: 146.

- إذا وجد التصديق والإذعان والقبول ولم ينطق الإنسان بالشهادتين سواء باللغة العربية أو بغيرها من اللغات فإن كل ذلك لمانع كالخرس أو لوجود الموت المفاجئ بعد الإيمان فصاحبه ناج عند الله، وإن اتفق له عدم النطق دون عناد أو إباء فهناك خلاف، فبعضهم قال: لا ينجو عند الله. وبعضهم قال: هو عاصٍ فقط وهو ناجٍ، وكلهم أجمعوا على أننا لا نعامله معاملة المسلمين في الدنيا فلا نزوجه ولا ندفنه في مقابر المسلمين، أما من نطق الشهادتين نفاقاً دون تصديق وإذعان قلبي فذلك لا ينفعه عند الله لأنه منافق، ولكنا نعامله معاملة المسلمين في الأحكام الدنيوية وأما من أبى النطق بالشهادتين عناداً وإباء ولو كان مصدقاً فهو كافر إجماعاً. ومن مباحث كتاب العقائد: زيادة الإيمان ونقصه، وهو خلاف لفظي في النهاية وفي بعض دقائق الموضوع، لأنهم كلهم متفقون بأن أعمال الإسلام يتفاوت الناس فيها، فليست طاعات الأفراد واحدة، والطاعة أثر من آثار الإيمان وكلهم يتفقون على أن ما يرافق هذه الأعمال من معان قلبية متفاوت، ولذلك علاقة بالإيمان والإسلام، وكلهم متفقون بأن إيمان الصديقين أرقى من إيمان غيرهم، وكلهم متفقون على أن نور الإيمان في القلوب يختلف من مكلف لمكلف، ُم إن الفهم الفطري للنصوص يدل على أن الإيمان يزيد. قال تعالى: (وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً) (1). {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} (2). {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} (3). {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} (4). {وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} (5).

_ (1) الأنفال: 2. (2) الفتح: 4. (3) المدثر: 31. (4) التوبة: 124. (5) الأحزاب: 22.

{قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} (1). ومن نصوص السنة في هذا الشأن ما يلي: 117 - * روى البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقول الله تعالى "أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان". 118 - * روى الترمذي عن أنس قوله صلى الله عليه وسلم: "يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من إيمان، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من إيمان، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه ذرة من إيمان". وذلك يدل على تفاوت الإيمان في القلوب، فالذرة دون البرة، والبرة دون الشعيرة. - إذا أراد كافر أن يدخل في الإسلام، فباب الدخول هو النطق بالشهادتين، وهل يشترط التلفظ بكلمة (أشهد) في الشهادتين أو مرادفه، قولان للعلماء، والاحتياط النطق بهما. - قد يصل بعض الكفار إلى التوحيد وأصل الرسالة مع بقائهما على معتقدٍ كفري كالقول بعدم العالم أو كالقول بخصوصية الرسالة المحمدية للعرب، أو كالقول أن التكليف بالإسلام كله للجيل الأول فقط، فهذا وأمثاله لا يخرج الإنسان عن الكفر ولو نطق بالشهادتين. - هناك من يدعي الإسلام وعنده نواقض للشهادتين يتستر عليها، كطوائف الباطنية والزنادقة والوجوديين والماديين وأمثال هؤلاء فهؤلاء إذا تابوا وأرادوا الدخول في الإسلام

_ (1) البقرة: 260. 117 - البخاري (1/ 72) 2 - كتاب الإيمان 15 - باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال. مسلم (1/ 167) 1 - كتاب الإيمان 81 - باب معرفة طريق الرؤية. النسائي (8/ 112) 47 - كتاب الإيمان 18 - باب زيادة الإيمان. 118 - الترمذي (4/ 711) 40 - كتاب صفة جهنم 9 - باب ما جاء أن للنار نفسين ... الخ. وقال: هذا حديث حسن صحيح.

حقاً فلابد أن يتبرأوا من معتقداتهم هذه. إذا عرفت ما مر أدركت بعض جوانب ما يجب عليك من إيمان وإسلام، ثم من تصديق اللسان والأعمال للإيمان والإسلام، ثم التحقق لكمال الإسلام والإيمان والقلبيين والعلميين، وفي عصرنا المليء بالفتن لابد أن تحذر من الكفر ونواقض الشهادتين، وهذا كله يقتضي علماً ليعرف المكلف أن يضع كل شيء في محله، فبدون العلم المحيط بنصوص الكتاب والسنة والعلوم التي انبثقت عنها كعلوم أصول الفقه والعقائد والفقه والسلوك، فإن الإنسان قد يهجم على المكفرات وهو لا يدري، وقد يهجم على تكفير الناس وهم مؤمنون، وقد يثبت لهم الإيمان وهم كافرون، وقد يستحل دمائهم وهي معصومة، وقد يرى عصمة دمائهم وحكمهم القتل، فالعلم العلم على أصول أهل السنة والجماعة ومذاهبهم فإنه باب النجاة. * * *

تحقيقات للعلماء في الإسلام والإيمان

تحقيقات للعلماء في الإسلام والإيمان: وإليك ما قاله العلماء في تحقيق بعض ما مر معنا: قال النووي: فأما الزهري فقال: الإسلام الكلمة، والإيمان العمل، واحتج بقوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}. وذهب غيره إلى أن الإسلام والإيمان شيء واحد واحتج بقوله تعالى {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} قال الخطابي: وقد تكلم في هذا الباب رجلان من كبراء أهل العلم وصار كل واحد منهما إلى قول من هذين، ورد الآخر منهما على المتقدم وصنف عليه كتاباً يبلغ عدد أوراقه المئتين. قال الخطابي: والصحيح من ذلك أن يقيد الكلام في هذا ولا يطلق، وذلك أن المسلم قد يكون مؤمناً في بعض الأحوال ولا يقيد الكلام في هذا ولا يطلق، وذلك أن المسلم قد يكون مؤمناً في بعض الأحوال ولا يكون مؤمناً في بعضها، والمؤمن مسلم في جميع الأحوال فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمناً، وإذا حملت الأمر على هذا استقام لك تأويل الآيات واعتدل القوم فيها ولم يختلف شيء منها. وأصل الإيمان التصديق وأصل الإسلام الاستسلام والانقياد فقد يكون المرء مستسلماً في الظاهر غير منقاد في الباطن وقد يكون صادقاً في الباطن غير منقاد في الظاهر. وقال الخطابي أيضاً في قول النبي صلى الله عليه وسلم "الإيمان بضع وسبعون شعبة": في هذا الحديث بيان أن الإيمان الشرعي اسم لمعنى ذي شعب وأجزاء له أدنى وأعلى، والاسم يتعلق ببعضها كما يتعلق بكلها، والحقيقة تقتضي جميع أجزائها وتستوفي جملة أجزائه كالصلاة الشرعية لها شعب وأجزاء والاسم يتعلق ببعضها والحقيقة تقتضي جميع أجزائها وتستوفيها، ويدل عليه قول صلى الله عليه وسلم "الحياء شعبة من الإيمان" وفيه إثبات التفاضل في الإيمان وتباين المؤمنين في درجاته. هذا آخر كلام الخطابي. وقال الإمام أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي الشافعي رحمه الله في حديث سؤال جبريل صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام وجوابه قال: جعل النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام اسماً لما ظهر من الأعمال وجعل الإيمان اسماً لما بطن من الاعتقاد وليس ذلك لأن الأعمال ليست من الإيمان والتصديق بالقلب ليس من الإسلام بل ذلك تفصيل لجملة هي كلها شيء واحد وجماعها الدين وذلك

قال صلى الله عليه وسلم "ذاك جبريل أتاكم يعلمكم دينكم" والتصديق والعمل يتناولهما اسم الإيمان والإسلام جميعاً يدل عليه قوله سبحانه وتعالى {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} فأخبر سبحانه وتعالى أن الذين الذي رضيه ويقبله من عباده هو الإسلام ولا يكون الدين في محل القبول والرضا إلا بانضمام التصديق إلى العمل. أ. هـ. وقال للنووي أيضاً: وفي كتاب التحرير في شرح صحيح مسلم لأبي عبد الله التميمي: الإيمان في اللغة هو التصديق فإن عنى به ذلك فلا يزيد ولا ينقص لأن التصدق ليس شيئاً يتجزأ حتى يتصور كماله مرة ونقصه أخرى، والإيمان في لسان الشرع هو التصديق بالقلب والعمل بالأركان. وإذا فسر بهذا تطرق إليه الزيادة والنقص وهو مذهب أهل السنة. قال: فالخلاف في هذا على التحقيق إنما هو أن المصدق بقلبه إذا لم يجمع إلى تصديق العمل بمواجب الإيمان هل يسمى مؤمناً مطلقاً أم لا؟ والمختار عندنا أنه لا يسمر به قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" لأنه لم يعمل بموجب الإيمان فيستحق هذا الإطلاق. هذا آخر كلام صاحب التحرير. وقال الإمام أبو الحسن علي بن خلف بن بطال المالكي في شرح صحيح البخاري: مذهب جماعة أهل السنة من سلف الأمة وخلفها أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، والحجة على زيادته ونقصانه ما أورده البخاري من الآيات يعني قوله عز وجل {لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} وقوله تعالى {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} وقوله تعالى {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} وقوله تعالى {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى} وقوله تعالى {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} وقوله تعالى {أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} وقوله تعالى {فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا} وقوله تعالى {وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} قال ابن بطال فإيمان من لم تحصل له الزيادة نقص. قال: فإن قيل الإيمان في اللغة التصديق فالجواب أن التصديق يكمل بالطاعات كلها فما ازداد المؤمن من أعمال البر كان إيمانه أكمل وبهذه الجملة يزيد الإيمان وينقصانها ينقص، فمتى نقصت أعمال البر نقص كمال الإيمان ومتى زادت زاد الإيمان كمالاً. هذا توسط القول في الإيمان وأما التصديق بالله تعالى ورسول صلى الله عليه وسلم فلا ينقص

ولذلك توقف مالك رحمه الله في بعض الروايات عن القول بالنقصا، إذ لا يجوز نقصان التصديق لأنه إذا نقص صار شكا وخرج عن اسم الإيمان. وقال بعضهم إذا توقف مالك عن القول بنقصان الإيمان خشية أن يتأول عليه موافقة الخوارج الذين يكفرون أهل المعاصي من المؤمنين بالذنوب وقد قال مالك بنقصان الإيمان مثل قول جماعة أهل السنة. قال عبد الرازق: سمعت من أدركت من شيوخنا وأصحابنا سفيان الثوري ومالك بن أنس وعبيد الله بن عمر والأوزاعي ومعمر بن راشد وابن جريح وسفيان بن عيينه يقولون الإيمان قول وعمل يزيد وينقص وهذا قول ابن مسعود وحذيفة والنخعي والحسن البصري وعطاء وطاووس ومجاهد وعبد الله بن المبارك. فالمعنى الذي يستحق به العبد المدح والولاية من المؤمنين هو إتيانه بهذه الأمور الثلاثة التصديق بالقلب والإقرار باللسان والعمل بالجوارح وذلك أنه لا خلاف بين الجميع أنه لو أقر وعمل على غير علم منه ومعرفة بربه لا يستحق اسم مؤمن ولو عرفه وعمل وجحد بلسانه وكذب ما عرف من التوحيد لا يستحق اسم مؤمن، وكذلك إذا أقر بالله تعالى وبرسله سلوت الله وسلامه عليهم أجمعين ولا يعمل بالفرائض لا يسمى مؤمناً بالإطلاق وإن كان في كلام العرب يسمى مؤمناً بالتصديق فذلك غير مستحق في كلام الله تعالى لقوله عز وجل {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} فأخبرنا سبحانه وتعالى أن المؤمن من كانت هذه صفته. وقال ابن بطال في باب من قال الإيمان هو العمل: فإن قيل قد قدمتم أن الإيمان هو التصديق قيل: التصديق هو أول منازل الإيمان، ويوجب للمصدق الدخول فيه، ولا يوجب له استكمال منازله، ولا يسمى مؤمناً مطلقاً. هذا مذهب جماعة أهل السنة أن الإيمان قول وعمل. قال أبو عبيد: وهو قول مالك والثوري والأوزاعي ومن بعدهم من أرباب العلم والسنة الذين كانوا مصابيح الهدى وأئمة الدين من أهل الحجاز العراق والشام وغيرهم. قال بن بطال: وهذا المعنى أراد البخاري رحمه الله إثباته في كتاب الإيمان وعليه بوب

أبوابه كلها، فقال: باب أمور الإيمان وباب الصلاة من الإيمان وباب الزكاة من الإيمان وباب الجهاد من الإيمان وسائر أبوابه وإنما أراد الرد على المرجئة في قولهم إن الإيمان قول بلا عمل وتبيين غلطهم وسوء اعتقادهم ومخالفتهم للكتاب والسنة ومذاهب الأئمة. ثم قال ابن بطال في باب آخر: قال المهلب: الإسلام على الحقيقة هو الإيمان الذي هو عقد القلب المصدق لإقرار اللسان الذي لا ينفع عند الله تعالى غيره. وقالت الكرامية وبعض المرجئة: الإيمان هو الإقرار باللسان دون عقد القلب. ومن أقوى ما يرد به عليهم إجماع الأمة على إكفار المنافقين وإن كانوا قد أظهروا الشهادتين. قال الله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} إلى قوله تعالى {وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} هذا آخر كلام ابن بطال. وقال الشيخ الإمام أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً والإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره قال هذا بيان لأصل الإيمان وهو التصديق الباطن وبيان لأصل الإسلام وهو الاستسلام والانقياد الظاهر وحكم الإسلام في الظاهر ثبت بالشهادتين ثبت بالشهادتين وإنما أضاف إليهما الصلاة والزكاة والحج والصوم لكونها أظهر شعائر الإسلام وأعظمها وبقيامه بها يتم استسلامه وتركه لهل يشعر بانحلال قيد انقياده أو اختلاله ثم إن اسم الإيمان يتناول ما فسر به الإسلام في هذا الحديث وسائر الطاعات لكونها ثمرات التصديق الباطن الذي هو أصل الإيمان ومقويات ومتممات وحافظات له ولهذا فسر صلى الله عليه وسلم الإيمان في حديث وفد عبد القيس بالشهادتين والصلاة والزكاة وصوم رمضان وإعطاء الخمس من المغنم ولهذا لا يقع اسم المؤمن المطلق على من ارتكب كبيرة أو بدل فريضة لأن اسم الشيء مطلقاً يقع على الكامل منه ولا يستعمل في الناقص ظاهراً ولذلك جاز إطلاقه نفيه عنه في قوله صلى الله عليه وسلم "لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن" واسم الإسلام يتناول أيضاً ما هو أصل الإيمان وهو التصديق الباطن ويتناول الطاعات فإن ذلك كله استسلام قال: فخرج مما

ذكرناه وحققنا أن الإيمان والإسلام يجتمعان ويفترقان، وأن كل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمناً. قال: وهذا تحقيق وافر بالتوفيق بين متفرقات نصوص الكتاب والسنة الواردة في الإيمان والإسلام التي طالما غلط فيها الخائضون وما حققناه من ذلك موافق لجماهير العلماء من أهل الحديث وغيرهم. هذا آخر كلام الشيخ أبي عمرو بن الصلاح. فإذا تقرر ما ذكرناه من مذاهب السلف وأئمة الخلف فهي متظاهرة متطابقة على كون الإيمان يزيد وينقص، وهذا مذهب السلف والمحدثين وجماعة من المتكلمين وأنكر أكثر المتكلمين زيادته ونقصانه، وقالوا: متى قبل الزيادة كان شكا وكفرا. قال المحققون من أصحابنا المتكلمين: نفس التصديق لا يزيد ولا ينقص، والإيمان الشرعي يزيد وينقص بزيادة ثمراته وهي الأعمال ونقصانها. قالوا: وفي هذا توفيق بين ظواهر النصوص التي جاءت بالزيادة وأقاويل السلف وبين أصل وضعه في اللغة وما عليه المتكلمون. وهذا الذي قاله هؤلاء وإن كان ظاهراًً حسناً فالأظهر والله أعلم أن نفس التصديق يزيد بكثرة النظر وتظاهر الأدلة، ولهذا يكون إيمان الصديقين أقوى من إيمان غيرهم بحيث لا تعتريهم الشبه ولا يتزلزل إيمانهم بعارض، بل لا تزال قلوبهم منشرحة نيرة وإن اختلف عليهم الأحوال، وأما غيرهم من المؤلفة ومن قاربهم ونحوهم فليسوا كذا فهذا مما لا يمكن إنكاره، ولا يتشكك عاقل في أن نفس تصديق أبي بكر الصديق رضي الله عنه لا يساويه تصديق آحاد الناس. ولهذا قال البخاري في صحيحه: قال ابن أبي ملكية: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه ما تنهم أحد يقول إنه على إيمان جبريل وميكائيل والله أعلم. وأما إطلاق اسم الإيمان على الأعمال فمتفق عليه عند أهل الحق ودلائله في الكتاب والسنة أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تشهر، قال الله تعالى {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} أجمعوا على أن المراد صلاتكم. واتفق أهل السنة من المحدثين والفقهاء والمتكلمين على أن المؤمن الذي يحكم بأنه من أهل القبلة ولا يخلد في النار لا يكون إلا من اعتقد بقلبه دين الإسلام اعتقاداً جازماً خالياً من الشكوك، ونطق بالشهادتين، فإن اقتصر على إحداهما لم يكن من أهل القبلة أصلا إلا إذا

عجز عن النطق لخلل في لسانه أو لعدم التمكن منه لمعاجلة المنية أو لغير ذلك فإنه يكون مؤمناً، أما إذا أتى بالشهادتين فلا يشترط معهما أن يقول وأنا بريء من كل دين خالف الإسلام إلا إذا كان من الكفار الذين يعتقدون اختصاص رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم إلى العرب فإنه لا يحكم بإسلامه إلا بأن يتبرأ. ومن أصحابنا - أصحاب الشافعي رحمه الله - من شرط أن يتبرأ مطلقاً، وليس بشيء أما إذا اقتصر على قوله لا إله إلا الله ولم يقل محمد رسول الله فالمشهور من مذهبنا ومذاهب العلماء أنه لا يكون مسلماً ومن أصحابنا من قال يكون مسلماً ويطالب بالشهادة الأخرى فإن أبى جعل مرتداً ويحتج لهذا القول بقوله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا ذلك عصموا من دماءهم وأموالهم". وهذا محمول عند الجماهير على قول الشهادتين واستغنى إحداهما عن الأخرى لارتباطهما وشهرتها والله أعلم. أما إذا أقر بوجوب الصلاة أو الصوم أو غيرهما من أركان الإسلام وهو على خلاف ملته التي كان عليها فهل يجعل بذلك مسلماً؟ فيه وجهان لأصحابنا، فمن جعله مسلماً قال: كل ما يكفر المسلم بإنكاره يصير الكافر بالإقرار به مسلماً وفيه وجهان لأصحابنا: الصحيح منهما أنه يصير مسلماً لوجود الإقرار. وهذا الوجه هو الحق ولا يظهر للآخر وجه وقد بينت ذلك مستقضى في شرح المذهب والله أعلم. واختلف العلماء من السلف وغيرهم في إطلاق الإنسان قوله أنا مؤمن: فقالت طائفة: لا يقول أنا مؤمن مقتصراً عليه، بل يقول أنا مؤمن إن شاء الله. وحكى هذا الذهب بعض أصحابنا عن أكثر أصحابنا المتكلمين وذهب آخرون إلى جواز الإطلاق وأنه لا يقول إن شاء الله. وهذا هو المختار، وقول أهل التحقيق. وذهب الأوزاعي وغيره إلى جواز الأمرين والكل صحيح باعتبارات مختلفة، فمن أطلق نظر إلى الحال وأحكام الإيمان جارية عليه في الحال، ومن قال إن شاء الله فقالوا فيه: هو إما للتبرك وإما لاعتبار العاقبة وما قدر الله تعالى، فلا يدري أيثبت على الإيمان أم يصرف عنه، والقول بالتخيير جسن صحيح نظراً إلى مأخذ القولين ورفعاً لحقيقة الخلاف.

واعلم أن مذهب أهل الحق أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة بذنب، ولا يكفر أهل الأهواء والبدع، وأن من جحد ما يعلم من دين الإسلام ضرورة حكم بردته وكفره، إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية ونحوه ممن يخفي عليه فيعرف ذلك، فإن استمر حكم بكفره، وكذا حكم من استحل الزنا أو الخمر أو القتل أو غير ذلك من المخرمات التي يعلم تحريمها ضرورة. أ. هـ. * * *

الفصل الرابع في فضل الانتساب إلى الأمة الإسلامية

الفصل الرابع في فضل الانتساب إلى الأمة الإسلامية وفيه: مقدمة ونصوص

المقدمة

المقدمة ليس هناك من نسب أعلى وأعظم وأرفع وأشرف من الانتساب للأمة الإسلامية، لأنه الانتساب إلى الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، ثم هو الانتساب لسيد الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو انتماء للإسلام وأهله، وأي انتماء أعظم من الانتماء لدين الله عز وجل. ولقد خالط الانتماء لأمة الإسلام في عصرنا أنواع من الانتماءات بعضها جائز مباح لولا ما رافقها من غلو، وبعضها فوق، وبعضها ضلال، وبعضها ردة فاقتضى ذلك أن ندخل بعض النصوص الحديثية في فضل الانتماء للأمة الإسلامية في قسم العقائد بعد أن أدخلناه في قسم السيرة النبوية. فقد حدث غلو في فكرة الانتماء للإنسانية أو للقومية أو للوطنية أو لحزب من الأحزاب مما أضعف انتماء المسلم للأمة الإسلامية أو عكر عليه أو أماته أحيانا بأن أوقع المسلم في الردة. وكل ما ورد في شرف الأمة الإسلامية وكرامتها إنما يرد في حق من لا زال من أبناء هذه الأمة، أما المرتدون وذراريهم الذين هم على طريقتهم فليس لهم شيء من هذا الشرف أو الفضل. وليس لأحد لم يؤمن بمحمد صلى الله عليه بعد بعثته وبلوغه دعوته فضل هذه النسبة ولو كان يدعي النسب لأحد من الرسل الذين بعثوا قبل محمد صلى الله عليه وسلم. * * *

النصوص

النصوص قال تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (1). {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} (2). {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (3). {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} (4). {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (5). {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (6). وهذه بعض النصوص الحديثية في شرف هذه الأمة وشرف الانتساب إليها: 119 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} قال: خير الناس للناس يأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام.

_ (1) الأنبياء: 92. (2) المؤمنون: 52. (3) فصلت: 33. (4) الحج: 78. (5) البقرة: 143. (6) آل عمران: 110. 119 - البخاري (8/ 334) 65 - كتاب التفسير 7 - باب (كنتم خير أمة أخرجت للناس). موقوفاً. وقد أخرجه موفوعاً بنحوه (6/ 145) 56 - كتاب الجهاد 144 - باب الأسارى في السلاسل. قال ابن حجر: (خير الناس للناس): أي خير بعض الناس لبعضهم: أي أنفعهم لهم، وإنما كان كذلك لكونهم كانوا سبباً في إسلامهم. وقال الحافظ: رواه البخاري من غير هذا الوجه مرفوعاً. وقال ابن كثير وغيره: والصحيح أن هذه عامة في جميع الأمة كل قرن بحسبه.

120 - * رواه الترمذي عن بهز بن حكيم رضي الله عنه، عن أبيه عن جده، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} قال: "أنتم تتمون سبعين أمة، أنتم خيرها، وأكرمها على الله". 121 - مروى الترمذي عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أمتي يوم القيامة غر من السجود، محجلون من الوضوء". 122 - * روى مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يموت رجل مسلم إلا أدخل الله مكانه النار يهودياً، أو نصرانياً". قال: فاستحلف عمر بن عبد العزيز أبا بردة بالذي لا إله إلا هو ثلاث مرات: أن أباه حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فحلف له، فلم يحدثني سعيد - هو ابن أبي بردة - أنه استحلفه، ولم ينكر على عون - هو ابن عتبة - قوله. وفي رواية "إذا كان يوم القيامة دفع اله إلى كل مسلم يهودياً أو نصرانياً فيقول: هذا فكاكك من النار". 123 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتيناه من بعدهم، فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه، فهدانا الله [له] فغداً لليهود، وبعد غدٍ للنصارى" فسكت، ثم قال: "حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوماً، يغسل فيه رأسه وجسده". ليس فيه عند مسلم ذكر الغسل.

_ 120 - الترمذي (5/ 226) 48 - كتاب تفسير القرآن 4 - باب من سورة آل عمران. وقال حديث حسن وحسنه الحكام وغيرهما. قال الحافظ عنه: حديث حسن صحيح. 121 - الترمذي (2/ 506) كتاب الصلاة 427 - باب ذكر من سيما هذه الأمة ... إلخ. وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وهو حديث صحيح. 122 - مسلم (4/ 2119) 49 - كتاب التوبة 8 - باب قبول توبة القاتل، وإن كثر قتله. قال النووي: (الفكاك): الخلاص والغداء. وقال معناه: أن لكل أحد منزلاً في الجنة ومنزلاً في النار كما في الحديث، فالمؤمن إذا دخل الجنة خلفه الكافر في النار لاستحقاقه ذلك بكفره.

وفي رواية نحوه (1)، وفيه ذكر الغسل. وفي رواية للبخاري (2) "نحن الآخرون السابقون ... " لم يزد. وفي أخرى لمسلم (3) "نحن الآخرون الأولون يوم القيامة، ونحن أول من يدخل الجنة ... " وذكر نحوه. وفي أخرى له (4) قال: "أضل الله عز وجل عن الجمعة من كان قبلنا فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا، فهدانا الله ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة، المقضي [لهم] قبل الخلائق". وفي رواية (5) للبخاري ومسلم والنسائي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "نحن الآخرون السابقون، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم، فاختلفوا فيه فهدانا الله له". زاد النسائي: "يعني يوم الجمعة، ثم اتفقوا، فالناس لنا تبع، اليهود غداً، والنصار بعد غدٍ".

_ البخاري (2/ 282) 11 - كتاب الجمعة 12 - باب هل على من لم يشهد الجمعة غسل ... الخ. ومسلم (3/ 585) 7 - كتاب الجمعة 6 - باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة. والنسائي (3/ 85) 14 - كتاب الجمعة 1 - باب إيجاب الجمعة. (1) مسلم (3/ 583) 7 - كتاب الجمعة 2 - باب الطيب والسواك يوم الجمعة. (2) البخاري (1/ 345) 4 - كتاب الوضوء 68 - باب البول في الماء الدائم. (3) مسلم (3/ 585) الموضع السابق. (4) مسلم (3/ 586) الموضع السابق. (5) البخاري (6/ 515) 60 - كتاب أحاديث الأنبياء. ومسلم (الموضع السابق). والنسائي (الموضع السابق). (بيد أنهم): بيد بمعنى غير، تقول: هو كثير المال، بيد أنه بخيل أي: غير أنه بخيل.

124 - * روى ابن ماجه عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "نحن آخر الأمم وأول من يحاسب يقال أن الأمة الأمية ونبيها فنحن الآخرون الأولون". 125 - * روى البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفاً - أو سبعمائة ألفٍ - سماطين آخذ بعضهم ببعض، حتى يدخل أولهم وآخرهم ووجوههم على صورة القمر ليلة البدر". 126 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يدخل الجنة من أمتي زمرة - هم سبعون ألفاً - تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر" قال أبو هريرة: فقام عكاشة بن محصن الأسدي فرفع نمرة عليه، فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اجعله منهم" ثم قام رجل من الأنصار، فقال: يا رسول الله، ادع الله عز وجل أن يجعلني منهم، فقال: "سبقك [بها] عكاشة". ولمسلم (4): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفاً بغير حساب" فقال رجل: يا رسول الله، ادع الله لنا أن يجعلني منهم، فقال: "اللهم اجعله منهم" ثم قام آخر، فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، قال: "سبقك بها عكاشة".

_ 124 - ابن ماجه (3/ 1434) - كتاب الزهد 34 - باب صفة أمة محمد صلى الله عليه وسلم. وفي الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات. 125 - البخاري (11/ 416) 81 - كتاب الرقاق 51 - باب صفة الجنة والنار. (سماطين): السماطان من النخل ومن الناس: الجانبان، يقال: مشى بين السماطين: إذا مشى بين صفين من الناس، قال محقق الجامع: بالنصب على الحال، ويجوز فيه: سماطان، وفي نسخ البخاري المطبوعة: متماسكين، وفي بعض الروايات: متماسكون. 126 - البخاري (11/ 406) 81 - كتاب الرقاق 50 - باب يدخل الجنة سبعون ألفا بغير حساب. ومسلم (1/ 197) 1 - كتاب الإيمان 94 - باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة ... الخ. (4) مسلم الموضع السابق.=

وفي أخرى (1) قال: "يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً، زمرة واحدة منهم على صورة القمر". 127 - * روى الترمذي عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً لا حساب عليهم ولا عذاب، ومع كل ألف سبعون ألفاً، وثلاث حثياتٍ من حثياتِ ربي". 128 - * روى أحمد، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يجيء النبي ومعه الرجلان ويجيء النبي ومعه الثلاثة وأكثر من ذلك وأقل فيقال له هل بلغت قومك فيقول: نعم فيدعى قومه فيقال: هل بلغكم فيقولون: لا، فيقال: من شهد لك؟ فيقول محمد وأمته، فتدعي أمة محمد فيقال: هل بلغ هذا، فيقولون نعم فيقول: وما علمكم بذلك؟ فيقولون أخبرنا نبينا بذلك أن الرسل قد بلغوا فصدقناه، قال: فذلكم قوله تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}. 129 - * روى الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل {فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} قال: مع أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأمته شهدوا له بالبلاغ وشهدوا للرسل أنهم قد بلغوا.

_ = (1) مسلم الموضع السابق. (زمرة): الزمرة: الطائفة من الناس والجماعة منهم. (ثمرة): الثمرة، جمعها: أثمار. وهي ثوب مخطط. 127 - الترمذي (4/ 626) 38 - كتاب صفة القيامة 12 - باب منه حدثنا الحسن بن عرفة ... الخ. وإسناده حسن، ورواه ابن حبان في صحيحه والطبراني، وقاله الترمذي: هذا حديث حسن غريب. (حثيات): الحثيات جمع حثية، وهي الغرفة بالكف، يقال: حثا يحثو ويحثي. 128 - أحمد (3/ 58). وهو حديث صحيح. ابن ماجه (2/ 1422) 37 - كتاب الزهد 24 - باب صفة أمة محمد صلى الله عليه وسلم. 129 - المستدرك (2/ 313). وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي.

130 - * روى أحمد والترمذي عن بريدة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أهل الجنة عشرون ومائة صف، ثمانون منها من هذه الأمة، وأربعون من سائر الأمم". 131 - * روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال" كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في قبة نحواً من أربعين، فقال: "أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ " قلنا: نعم، قال: "أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ " فلنا: نعم، قال: "أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ " قلنا: نعم، قال: "والذي نفس محمد بيده، إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة، وذلك: أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة، وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر". وفي رواية الترمذي (3) مثله، إلا أنه قال: "أترضون أن تكونوا شطر أهل الجنة؟ إن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة ... " وذكره. 132 - * روى الترمذي عن عمران بن حصين رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما نزلت {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} إلى الآية {عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} وهو في سفر، فقال: "أتدرون أي يوم ذاك؟ " قالوا: الله ورسول أعلم قال: "ذلك يوم يقول الله لآدم: ابعث بعث النار، قال: يارب، وما بعث النار؟ قال: تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار، وواحد إلى الجنة" فأنشأ المسلمون يبكون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "قاربوا وسددوا، فإنه لم تكن نبوة قط إلا كان

_ 130 - أحمد (5/ 347 - 355). وإسناده الحديث صحيح. والترمذي (4/ 683) 39 - كتاب صفة الجنة 13 - باب ما جاء في صفة أهل الجنة. وقال: هذا حديث حسن. 131 - البخاري (11/ 3) 81 - كتاب الرقاق 45 - باب الحشر. ومسلم (1/ 300) 1 - كتاب الإيمان 95 - باب كون هذه الأمة نصنف أهل الجنة. (3) الترمذي (4/ 684) 39 - كتاب صفة الجنة 13 - باب ما جاء في صف أهل الجنة. 132 - الترمذي (5/ 222) 48 - كتاب تفسير القرآن 33 - باب ومن سورة الحج. وقال: حسن صحيح. (قاربوا وسددوا): المقاربة في الفعل: القصد والعدل، والسداد: الصواب من القول والفعل، أي: اطلبوا القصد والصواب، واتركوا الغلو والإفراط.

بين يديها جاهلية، فتؤخذ العدة من الجاهلية، فإن تمت وإلا كملت من المنافقين، وما مثلكم ومثل الأمم إلا كمثل الرقمة في ذراع الدابة، أو كالشامة في جنب البعير" ثم قال: "إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة"، فكبروا، ثم قال: "إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة" فكبروا، ثم قال: "إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة" فكبروا، قال: ولا أدري: أقال الثلثين أم لا؟ وفي رواية قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فتفاوت أصحابه في السير، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته بهاتين الآيتين {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} - إلى قوله - {عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} فلما سمع ذلك أصحابه حثوا للطي، وعرفوا أنه عند قول يقوله، فقال: "أتدرون أي يوم ذلك؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "ذلك يوم ينادي الله فيه آدم، فيناديه ربه، فيقول: يا آدم، ابعث بعث النار، فيقول: أي رب وما بعث النار؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار، وواحد إلى الجنة" فيئس القوم حتى ما أبدوا بضاحكة، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بأصحابه، قال: "اعملوا وأبشروا، فو الذي نفس محمد بيده، إنكم لمع خليقتين، ما كانتا مع شيء إلا كثرتاه: يأجوج ومأجوج، ومن مات من نبي آدم، ومن بني إبليس". فسري عن القوم بعض الذي يجدون، قال: "اعملوا وابشروا، فو الذي نفس محمد بيده، ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير، أو كالرقمة في ذراع الدابة".

_ = (الرقمة): الهنة التي تكون في باطن عضدي الحمار، وهما رقمتان في غضديه. (حثوا): حث الدابة: الإسراع بها في السير، وحملها عليه. (المطي): جمع مطية، وهي الإبل. (أبدوا بضاحكة): يقال: ما أبدي القوم بضاحكة، أي: ما تبسموا حتى تبدوا منها السن الضاحكة، فإن من تبسم أدنى تبسم بدت أسنانه. ويقال في المبالغة: ضحك حتى بدت نواجذه، وهي أواخر الأضراس. (كثرتاه): تقول: كاثرته فكثرته: إذا غلبته بالكثرة، وكنت أكثر منه. (فسرى): سري عن الحزين والمغموم ونحوهما: إذا كشف عنه ما به وزال.

133 - * روى أحمد عن علي بن خالد أن أبا إمامة الباهلي مر على خالد بن يزيد بن معاوية فسأله عن ألين كلمة سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كلكم في الجنة ألا من شرد على الله شراد البعير على أهله". 134 - * روى الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لتدخلن الجنة كلكم إلا من أبى أوشرد على الله شراد البعير" قيل يا رسول الله ومن أبي أن يدخل الجنة؟ فقال: "من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني دخل النار". 135 - * روى أحمد وأبو داود عن زيد بن أرقم، رضي الله عنه، كما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلنا منزلاً، فقال: "ما أنتك جزء من مائة ألف جزء ممن يرد على الحوض" قيل: كم كنتم يومئذ؟ قال: سبعمائة، أو ثمانمائةٍ. 136 - * روى أحمد عن أبي كعبٍ رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بشر هذه الأمة - وروي: بشر الأئمة - بالسناء والنصر والتمكين، ومن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا، لم يكن له في الآخرة نصيب".

_ 133 - أحمد (5/ 258). مجمع الزوائد (10/ 70) وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير علي بن خالد وهو ثقة. والمستدرك (4/ 247) وسكت عنه. 134 - مجمع الزوائد 10/ 70) وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. 135 - أحمد (4/ 267، 369، 371، 372). أبو داود (4/ 237) كتاب السنة 26 - باب في الحوض. المستدرك (1/ 76) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. 136 - المسند (5/ 134). مجمع الزوائد (10/ 220) وقال: رواه أحمد وابنه من طرق ورجال أحمد الصحيح. والحاكم (4/ 311) وقال: صحيح الإسناد ول يخرجاه ووافقه الذهبي. الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (1/ 311). وهو حديث صحيح.

137 - * أخرج الحاكم عن قتادة في قوله تعالى {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ} فقال، قال أنس: ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقيت النقمة ولم ير الله نبيه صلى الله عليه وسلم في أمته شيئا يكرهه حتى مضى ولم يكن نبي إلا وقد رأى العقوبة في أمته إلا نبيكم صلى الله عليه وسلم. 138 - * روى البزار عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنا حظكم من الأنبياء وأنتم حظي من الأمم". 139 - * روى أحمد عن أبي الدرداء قال: سمعت أبا القاسم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله عز وجل يقول يا عيسى إني باعث بعدك أمة إن أصابهم ما يحبون حمدوا وشكروا وإن أصابهم ما يكرهون احتسبوا وصبروا ولا حلم ولا علم قال يارب كيف لهم ولا حلم ولا علم قال أعطيهم من حلمي وعلمي". 140 - * روى الحاكم عن عوف بن مالك الأشجعي قال: نزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاستيقظت من الليل فإذا لا أرى في العسكر شيئاً أطول من موخرة رحلي لقد لصق كل إنسان وبعيره بالأرض فقمت أتخلل الناس حتى دفعت إلى مضجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا ليس فيه فوضعت يدي على الفراش فإذا هو بارد فخرجت أتخلل الناس أقول إنا إليه راجعون ذهب برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى خرجت من العسكر كله فنظرت سواداً فرميت بحجر فمضيت إلى السواد فإذا معاذ بن جبل وأبو عبيدة بن الجراح وإذا بين أيدينا صوت كدوى الرحا أو كصوت الحصباء حين يصيبها

_ 137 - المستدرك (2/ 447) وصححه ووافقه الذهبي. 138 - مجمع الزوائد (10/ 68). وقال: رواه البزار ورجاله الصحيح غير أن حبيبة الطائي وقد صحح له الترمذي حديثاً وذكره ابن حبان في الثقات. وله شاهد عند أحمد (3/ 471) وهي جزء من حديث طويل. 139 - المسند (6/ 450) ومجمع الزوائد (10/ 67). وقال: رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط. ورجاله أحمد رجال الصحيح غير الحسن بن سوار وأبي حلبس يزيد بن ميسرة وهما ثقتان. المستدرك (1/ 14، 67). 140 - المستدرك (1/ 67). وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ورواته كلهم ثقات على شرطها =

الريح فقال بعضنا لبعض: يا قوم اثبتوا حتى تصبحوا أو يأتيكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: فلبثنا ما شاء الله ثم نادى" أثم معاذ بن جبل وأبو عبيدة بن الجراح وعوف ابن مالك" فقلنا: أي نعم فأقبل إلينا فخرجنا نمشي معه لا نسأله عن شيء ولا نخبره بشيء فقعد على فراشه فقال: "أتدرون ما خيرني به ربي الليلة" فقلنا: الله ورسوله أعلم قال: "فإنه خيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة فاخترت الشفاعة" قلنا: يا رسول الله ادع الله أن يجعلنا من أهلها قال: "هي لكل مسلم". 141 - * روى أحمد عن أبي جمعة قال: تغدينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا أبو عبيدة بن الجراح فقال: يا رسول الله: أحد أفضل منا أسلمنا معك وجاهدنا معك. قال: "نعم قوم يكونون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني". الأفضلية هنا من حيثية أن هؤلاء آمنوا ولم يشاهدوه فلهم فضل على الصحابة من هذه الحيثية، أما فضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيثية الصحبة فلا يلحقهم أحد. 142 - * روى البزار عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أي الحلق أعجب إيماناً" قالوا الملائكة قال: "الملائكة كيف لا يؤمنون" قالوا النبيون قال: "النبيون يوحى إليهم فكيف لا يؤمنون" قالوا: الصحابة قال: "الصحابة مع الأنبياء فكيف لا يؤمنون ولكن أعجب الناس إيماناً قوم يجيئون من بعدكم فيجدون كتاباُ من الوحي فيؤمنون به ويتبعونه فهم أعجب الناس إيماناً أو الخلق إيماناً".

_ = جميعاً وليس له علة وليس في سائر أخبار الشفاعة وهي لكل مسلم. وقال الذهبي: على شرط مسلم. 141 - أحمد (4/ 106). ومجمع الزوائد (10/ 66). وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني بأسانيد وأحد أسانيد أحمد رجاله ثقات. 142 - مجمع الزوائد (10/ 65). وقال: رواه البزار وقاله غريب من حديث أنس. قال الهيثمي: فيه سعيد بن بشير وقد اختلف فيه فوثقه قوم وضعفه آخرون، وبقية رجاله ثقات. وأخرجه الدارمي والحكام وصححه ووافقه الذهبي.

أقول: الخصوصية لا تقتضي الأفضلية المطلقة إلا إذا كانت كذلك، فخصوصية هؤلاء بالفضل من هذه الحيثية التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن الفضل بإطلاق إنما هو للنبيين ثم الصديقين ثم الشهداء ثم الصالحين والله أعلم، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أفضل الخلق بعد النبيين لحيثية الصحبة. 143 - * روى الطبراني عن سهل بن سعد قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن في أصلاب أصلاب أصلاب رجالٍ من أصحابي رجالاً ونساءً يدخلون الجنة بغير حساب" ثم قرأ {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}. 144 - * روى الطبراني والبزار على رفاعة بن عرابة، قال: صدرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل أناس يستأذنون رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يأذن لهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بال شق الشجرة التي تلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبغض إليكم من الشق الآخر" فلا ترى من القوم إلا باكياً، فقال أبو بكر: إن الذي يستأذنك في نفسي بعدها لسفية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثني عليه وقال: "أشهد عند الله - وكان إذا حلف قال: والذي نفس محمد بيده - ما منكم من أحدٍ يؤمن بالله ثم يسدد إلا سلك الجنة ولقد وعدني ربي أن يدخل من أمتي الجنة سبعين ألفاً لا حساب عليهم ولا عذاب وإني لأرجو أن لا يدخلوها حتى تبوأوا أنتم ومن صلح من أزواجكم وذراريكم مساكن في الجنة ثم قال: إذا مضى شطر الليل أو قال ثلثاه ينزل الله عز وجل إلى سماء الدنيا فيقول: لا أسأل عن عبادي غيري، من ذا الذي يسألني أعطيه؟ من ذا الذي يدعوني أستجيب له؟ من ذا الذي يستغفرني أغفر له؟ حتى ينصدع الفجر".

_ 143 - المعجم الكبير (6/ 201). ومجمع الزوائد (10/ 48) وقال: رواه الطبراني وإسناده جيد. 144 - المعجم الكبير (5/ 49 - 51). مجمع الزوائد (10/ 48) وقال: رواه الطبراني والبزار بأسانيد ورجال بعضها عند الطبراني والبزار رجال الصحيح.

في هذا الحديث دليل على فضل الصحبة، وأن الصحابة مقدمون في دخول الجنة على غيرهم. والسبعون ألفاً المذكرون في هذا الحديث ممن يأتون بعد الصحابة، فهم غير السبعين ألفاً الذين سيكون منعهم عكاشة بن محصن. والله أعلم. 145 - * روى البزار والطبراتي في الأوسط بن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره". 146 - * روى أحمد بن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مثل أمتي مثل المطر: لا يدرى آخره خير، أم أخره؟ ". 147 - * روى الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مثل أمتي مثل المطر: لا يدرى آخره خير، أم أوله؟ ". 148 - * روى أحمد عن أبي عبد الرحمن الجهني قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم طلع راكبان فلما رآهما قال "كنديان مذحجيان" حتى إذا أتياه قال: فدنا أحدهما إليه ليبايغه قال: فلما اخذ بيده قال: يا رسول الله: أرأيت من رآك وآمن بك وصدقك واتبعك ماذا له قال: "طوبى له" فمسح على يده وانصرف ثم أقبل الآخر حتى أخذ بيده ليبايعه قال: أرأيت يا رسول الله من آمن بك وصدقك واتبعك ولم يرك قال: "طوبى له ثم طوبى له" قال فمسح على يده وانصرف.

_ 145 - مجمع الزوائد (10/ 68). قال الهيثمي: رواه البزار والطبراني في الأوسط، وفي إسناد البزار حسن، وقال: لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد أحسن من هذا. 146 - أحمد (4/ 319). مجمع الزوائد (10/ 68). قال الهيثمي: رواه أحمد والبزار والطبراني ورجال البزار رجال الصحيح غير الحسن بن قزعة وعبيد ببن سليكان الأغر وهما ثقتان وفي عبيد خلاف لا يضر. 147 - الترمذي (5/ 152). وقال: هذا حديث حسن. 148 - أحمد (4/ 152). مجمع الزوائد (10/ 67). وقال: رواه أحمد ورجاله الصحيح غير محمد بن إسحاق وقد صرح بالسماع.

149 - * روى أحمد والطبراني عن أبي إمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طوبي لمن رآني وآمن بي، وطوبي لمن آمن بي ولم يرني" سبع مرات. 150 - * روى ابن خزيمة في صحيحه عن حذيفة بن اليمان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فضلنا على الناس بثلاث، جعلت لنا الأرض كلها مسجداً، وجعل ترابها لنا طهوراً إذا لم نجد الماء، وجعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وأوتيت هؤلاء الآيات من آخر سورة البقرة من بيت كنز تحت العرش لم يعط منه أحد قبلي ولا أحد بعدي". * * * وبعد: فإن ما فضلت به هذه الأمة وفضل به رسولها صلى الله عليه وسلم أكثر مما يحصى، وخاصة هذا القرآن العظيم المعجزة المتجددة الخالدة، وإنما ذكرنا بعضاً من الأحاديث في فضل هذه الأمة سابقها ولاحقها هنا حتى لا يخلو قسم العقائد من مثل هذا الموضوع، فالإيمان بفضل هذه الأمة على غيرها من المعلومات من الدين بالضرورة، وقد جرت عادة المؤلفين في العقائد أن يدخلوا في كتبهم موضوع الفاضل والأفضل من الرجال والأعمال والأمم، واكتفينا هنا بذكر فضل هذه الأمة ليحرص المسلم على الانتماء ويستشعر شرف ذلك {وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}. * * *

_ 149 - أحمد (5/ 248). المعجم الكبير (8/ 311). مجمع الزوائد (10/ 67) وقال: رواه أحمد والطبراني بأسانيد ورجالها رجال الصحيح غير أيمن من مالك الأشعري وهو ثقة. كذا في المجمع، والحديث بطرقه صحيح. 150 - صحيح ابن خزيمة (1/ 132). وأحمد (5/ 383). ومسلم (1/ 371) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة. وهو عند أحمد ومسلم باختلاف يسير.

الفصل الخامس في: فصل الإيمان وفي فضل المؤمن

الفصل الخامس في: فصل الإيمان وفي فضل المؤمن وفيه: ومقدمة ونصوص

المقدمة

المقدمة ليس هناك شيء أعظم ولا أفضل من الإيمان، وليس هناك أحد من الناس يكرم عند الله إلا بالإيمان، وإنما يتفاوت الناس عند الله بمقدار إيمانهم: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (1) ولا يعرف عظمة الإيمان إلا من آمن باليوم الآخر وعرف ما أعده الله عز وجل للمؤمنين وللكافرين، إن من عرف أن هناك جنة وناراً عرف فضل الإيمان {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} (2). فإذا كان الإنسان يخرج من النار بسبب ذرة إيمان في قلبه عرف أهمية ذرة الإيمان هذه، وعرف فضل الإيمان بذلك، ومن عرف أن الحكمة في كل ما خلق الله أن يوجد المؤمن، عرف فضل المؤمن: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (3). {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (4). ومن عرف فضل الإيمان المؤمن عرف منة الله على عباده بإرساله محمداً صلى الله عليه وسلم {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (5) ومن ههنا كان أهم ما يحرص عليه المؤمن تحصيل أصل الإيمان، وتحصيل المزيد منه بالعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر بالمذاكرة مع أهل الإيمان وبالاجتماع مع أهل القرآن، وبتحمل ما ينتج عن حمل الحق: وما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة ... (6).

_ (1) الحجرات: 13. (2) الأنعام: 93. (3) تبارك: 2. (4) الأعراف: 33. (5) الأنبياء: 107. (6) رواه مسلم (4/ 3074) 48 - كتاب الذكر والدعاء 11 - باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن ... الخ.

ومن آثار تنزل السكينة زيادة الإيمان {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} (1). وكان عبد الله بن رواحة إذا لقي الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تعال نؤمن بربنا ساعة). أخرجه أحمد، وأخرج البخاري تعليقاً قال: قال معاذ (اجلس نؤمن ساعة). قال ابن حجر: وصله أحمد بسند صحيح ... * * *

_ (1) الفتح: 4. أحمد (3/ 35). البخاري (1/ 45) 3 - كتاب الإيمان 1 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس.

النصوص الحديثة

النصوص الحديثة 151 - * روى البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، ثم يقول الله تعالى أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، فيخرجون منها قد اسودوا فيلقون في نهر الحيا - أو الحياة، شك مالك - فينبتون كما تنبت الحبة في جانب السيل، ألم تر أنها تخرج صفراء ملتوية"؟!. 152 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: "إيمان بالله ورسوله" قيل ثم ماذا؟ قال: "الجهاد في سبيل الله"، قيل: "حج مبرور". وفي أخرى للنسائي (3): أي الأعمال أفضل؟ قال: "الإيمان بالله ورسوله" لم يزد. وفي رواية الترمذي (4)، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال خير؟ .. وذكر الحديث وفيه قال: "الجهاد سنام العمل".

_ 151 - البخاري (1/ 72) 2 - كتاب الإيمان 15 - باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال. وأخرجه مسلم بنحوه (1/ 172) 1 - كتاب الإيمان 82 - باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار. (الحبة): قال النووي: الحبة هي بزر البقول والعشب تنبت في البراري وجوانب السيول. وجمعها: حبب. وقال ابن حجر: بكسر أوله، وهي جمع بزور النبات. واحدتها، حبة بالفتح، وأما الحب: فهو الحنطة والشعير، واحدتها: حبة بالفتح أيضاً، وإنما افترقا في الجمع ا. هـ. وقيل: الحبة بزور الصحراء مما ليس بقوت. 152 - البخاري (1/ 77) 2 - كتاب الإيمان 18 - باب من قال إن الإيمان هو العمل. ومسلم (1/ 88) 1 - كتاب الإيمان 36 - باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال. والنسائي (5/ 113) 24 - كتاب المناسك 4 - فضل الحج. (3) النسائي (8/ 93) 42 - كتاب الإيمان 1 - ذكر أفضل الأعمال. (4) الترمذي (4/ 185) 23 - كتاب فضل الجهاد 22 - باب ما جاء أي الأعمال أفضل.

153 - * روى البخاري ومسلم عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه؛ قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: "الإيمان بالله، والجهاد في سبيله"، قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: "أغلاها ثمناً، وأنفسها عند أهلها"، قلت: فإن لم أفعل؟ قال: "تعين ضائعاً، أو تصنع لأخرق" قلت: يا رسول الله أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال: "تكف شرك عن الناس، فإنه صدقة تتصدق بها على نفسك". وفي رواية النسائي (2): أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: "أي العمل خير؟ قال: إيمان بالله، وجهاده في سبيل الله" لم يزد. 154 - * روى أحمد عن ماعز، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل: أي الأعمال أفضل قال: "إيمان بالله وحده ثم الجهاد ثم حجة برة تفضل سائر الأعمال كما بين مطلع الشمس إلى مغربها". 155 - * روى أحمد عن سعد بن أبي وقاص: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عجبت من قضاء الله عز وجل للمؤمن إن أصابه خير حمد ربه وشكر وإن أصابته مصيبة حمد ربه وصبر، المؤمن يؤجر في كل شيء".

_ 153 - البخاري (5/ 148) 49 - كتاب العتق 2 - باب أي الرقاب أفضل. مسلم (1/ 89) 1 - كتاب الإيمان 36 - باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال. (2) النسائي (6/ 19) 25 - كتاب الجهاد 17 - باب ما يعدل الجهاد في سبيل الله. (أنفسها): الشيء النفيس: الجيد من كل شيء، المرغوب فيه، وحقيقته: الشيء الذي يتنافس فيه. (تعين ضائعاً): أي: ذا ضياع من فقر أو عيال. أو حال قصر عن القيام بها. (لأخرق): الخرق: ضد الرفق والكياسة والتعقل، والرجل أخرق، والمرأة خرقاء. 154 - أحمد (4/ 342). المعجم الكبير (30/ 344). مجمع الزوائد (3/ 207). وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله أحمد رجال الصحيح. 155 - أحمد (1/ 173). مجمع الزوائد (10/ 95). وقال: رواه أحمد بأسانيد والطبراني في الأوسط وزاد في كل يؤجر المؤمن حتى في أكلته يرفعها إلى فيه، والبزار/ قال: يؤجر في كل أمره حتى اللقمة يرفعها إلى في امرأته، وأسانيد أحمد ورجالها رجال الصحيح وكذلك بعض أسانيد البزار.

156 - * روى مسلم عن صهيب، رفعه: "عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً". 157 - * روى الشيخان عن أبي سعيد مرفوعاً: "يخرج من النار من كان قلبه مثقال ذرة من الإيمان" قال: أبو سعيد فمن شك فليقرأ {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ}. 158 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود؛ قال: إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله يؤتي المال من يحب ومن لا يحب ولا يؤتي الإيمان إلا من أحب، فإذا أحب الله عبداً أعطاه الإيمان فن ضن بالمال أن ينفقه وهاب العدو أن يجاهده والليل أن يكابده فليكثر من قول لا إله إلا الله والله أكير والحمد لله وسبحان الله. 159 - * روى الحاكم عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب". 160 - * روى الطبراني عن عبادة بن الصامت قال: بينما أن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءه رجل فقال: يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال: "إيمان بالله وجهاد في سبيله

_ 156 - مسلم (4/ 2295) 53 - كتاب الزهد والرقائق 13 - باب المؤمن أمره كله خير. 157 - البخاري (13/ 420: 422) 97 - كتاب التوحيد 24 - باب قول الله تعالى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}. مسلم (1/ 171: 167) 1 - كتاب الإيمان 81 - باب معرفة طريق الرؤيا. الترمذي (4/ 714) 40 - كتاب صفة جهنم 10 - باب منه حدثنا هناد ... الخ. 158 - المعجم الكبير (9/ 329). مجمع الزوائد (10/ 90) وقال: رواه الطبراني موقوفاً ورجاله رجال الصحيح أ. هـ. وقد صعفه بعضهم، ويشهد لبعضه الحديث التالي. 159 - المستدرك: (2/ 447) قال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. 160 - مجمع الزوائد (5/ 278). وقال: رواه الطبراني في أحدهما ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه ضعف، وفي الآخر سويد بن إبراهيم، وثقه ابن معين في روايتين، وضعفه النسائي وبقية رجالها ثقات.

وحج مبرور" فلما ولى الرجل قال: "وأهون عليك من ذلك إطعام الطعام ولين الكلام وحسن الخلق" فلما ولى قال: "وأهون عليك من ذلك لا تتهم الله على شيء قضاة عليك"، وفي رواية إن الرجل هو الذي قال يا رسول الله أريد أهون من ذلك، قال: "السماحة والصبر". 161 - * روى أحمد والطبراني عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: بينما نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سمع القوم وهم يقولون: أي الأعمال أفضل يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إيمان بالله وجهاد في سبيل الله وحج مبرور" ثم سمع نداء في الوادي يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأنا أشهد وأشهد ألا يشهد بها أحد إلا برئ من الشرك". 162 - * روى أحمد بن عبد الله بن عمرو أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "والذي نفسي بيده إن مثل المؤمن كمثل النحلة أكلت طيباً ووقعت فلم تكسر ولم تفسد". 163 - * روى أحمد عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله عز وجل يقول إن عبدي المؤمن عندي بمنزلة كل خير يحمدني وأنا أنزع نفسه من بين جنبيه". * * *

_ 161 - أحمد (4/ 451). مجمع الزوائد (1/ 59) وقال: رواه أحمد والطبراني والكبير ورجال أحمد موثقون. كذا في المجمع ولبعضه شواهد. 162 - أحمد (2/ 199). مجمع الزوائد (10/ 295) وقال: رواه أحمد في حديث طويل تقدم ورجاله رجال الصحيح غير أن أبي سيرة وقد وثقه ابن حبان. 163 - أحمد (2/ 341). مجمع الزوائد (10/ 96) وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

الفصل السادس في أمثال مثل بها لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وللمستجيبين له

الفصل السادس في أمثال مثل بها لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وللمستجيبين له

النصوص

النصوص قال تعالى: {وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ} (1). {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} (2). {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} (3). فضرب الأمثال أسلوب جاء به القرآن، وقد تأدب به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يكثر من ضرب الأمثال، والعالم وحده هو الذي يدرك حقيقة المثل، قد يفهم الإنسان العادي المثل، ولكن الفهم شيء وإدراك حقيقة المثل شيء آخر، وقد مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم لدعوته أمثلة كثيرة. وهذه نماذج من ذلك: 164 - * روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن مثل ما بعثني الله من الهدى والعلم، كمثل غيث أصاب أرضاً، فكانت منها طائفة طيبة، قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا منها، وسقوا ورعوا، وأصاب طائفة منها أخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله عز وجل، ونفعه ما بعثتي الله به، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به". قال النووي في شرح مسلم، أما الغيث: فهو المطر، وأما العشب والكلأ والحشيش، فكلها أسماء للنبات، لكن الحشيش مختص باليابس. والعشب والخلا - مقصوراً - مختصان بالرطب، و"الكلأ" بالهمز يقع على اليابس والرطب. "والأجادب" بالجيم والدال المهملة، وهي التي لا تنبت كلأ.

_ (1) إبراهيم: 35. (2) البقرة: 26. (3) العنكبوت: 43. 164 - البخاري (1/ 175) 3 - كتاب العلم 20 - باب فضل من علم وعلم. مسلم (4/ 1787) 43 - كتاب الفضائل 5 - باب بيان مثل ما بعث النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم.

وقد جاء في "الفتح": قال القرطبي وغيره: ضرب النبي صلى الله عليه وسلم، لما جاء به من الدين مثلاً بالغيث العام الذي يأتي الناس في حال حاجتهم إليه، وكذا حال الناس قبل مبعثه، فكما أن الغيث يحيي البلد الميت، فكذا علوم الدين تحيي القلب الميت، ثم شبه السامعين له بالأرض المختلفة التي ينزلها بها الغيث، فمنهم العالم العامل المعلم، فهو بمنزلة الأرض الطيبة شربت فانتفعت في نفسها وأنبتت فنفعت غيرها، ومنهم الجامع للعلم المستغرق لزمانه، غير أنه لم يعلم بنوافله، أو لم يتفقه فيها جمع لكنه أداء لغيره، فهو بمنزلة الأرض التي يستقر فيها الماء فينتفع الناس به، وهو المشار إليه بقوله "نضر الله امرءاً سمع مقالتي فأداها كما سمعها"، ومنهم من يسمع فلا يحفظه ولا يعمل به، ولا ينقله لغيره، فهو بمنزلة الأرض السبخة أو الملساء التي لا تقبل الماء أو تفسده غيرها، وإنما جمع في المثل بين الطائفتين الأوليين المحمودتين لاشتراكهما في الانتفاع بهما، وأفراد الطائفة الثالثة المذمومة لعدم النفع بها، والله أعلم. أقول: الأرض الجدباء هنا هي الأرض التي لا تنبت لكنها تحفظ الماء على ظهرها، والمراد بالقاع هنا الأرض التي لا تنبت ولا تحفظ الماء على ظهرها. لقد جاء محمد صلى الله عليه وسلم متمثلاً بالكتاب والسنة، والكتاب والسنة للقلوب بمثابة المطر للأرض، والمسلمون أقسام: فقسم لا يقرأ ولا يسمع كتاباً وسنة ولو سمع وقرأها ما أفاد ولا استفاد قلوبهم كالصحاري، وناس يقرؤون فيستفيدون فيعلمون ويفيدون فهؤلاء بساتين هذه العالم وناس يحفظون ويعلمون فهؤلاء أحواض يشرب منها الناس، إن الذين يسمعون فلا يحفظون ولا يعلمون هم غرابيل الناس. وعلى كل فلا شيء يكشف طبيعة القلوب مثل عرض الكتاب والسنة عليها، وهذه مهمة الربانيين: اقرأ على الناس الكتاب والسنة فتظهر قلوبهم، وعلى من لم يكن قلبه بستاناً أن يجاهد نفسه. فالله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} (1).

_ (1) العنكبوت: 69.

165 - * روى الترمذي عن النواس بن سمعان، رفعه: "إن الله ضرب مثلاً صراطاً مستقيماً، على كنفي الصراط داران لهما أبواب مفتحة، على الأبواب ستورٌ، وداع يدعو على رأس الصراط وداع يدعو فوقه، {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} والأبواب التي على كنفي الصراط حدود الله، فلا يقع أحد في حدود الله، حتى يكشف الستر والذي يدعو من فوقه واعظ ربه". في الحديث: إشارة إلى: إسلام وقرآن وفطرة: فالإسلام هو دين الله وهو الصراط المستقيم، ومما يثبت على الصراط القرآن وواعظ الله في القلب المؤمن، فمن كان له تلاوة في القرآن، ومن كانت في قلبه بقية من حياة وفطرة، فجرى به أن يستقيم، وعوامل الانحراف كثيرة وأبوابها كثيرة والشيطان ودعاة الضلال يدفعون نحو هذه الأبواب فالشهوات الحسية والمعنوية والضلالات والشبهات كل من أفرادها باب من دخله ضل إلا أن يرجع. وأهل الصراط المستقيم هم المطيعون من أهل السنة والجامعة، وإذن هم من اجتمع لهم اعتقد صحيح وعمل صحيح، أما من سوى ذلك من المكلفين فهم بين داخل في طريق كفري أو في ضلال أو معصية: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} (1). {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} (2).

_ 165 - الترمذي (5/ 144) 45 - كتاب الأمثال 1 - باب ما جاء في مثل الله لعباده. وقال: حسن غريب. وأحمد (4/ 182، 183). وأخرجه الحكام وصححه وأقره الذهبي. (ذارزان): جدران. وفي بعض الروايات سوران. (كنفي): جانبي. (1) الانعام: 159. (2) الأنعام: 153.

166 - * روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن مثلي ومثل ما بعثني الله به، كمثل رجل أتي قومه فقال: إني رأيت الجيش بعيني، و [إني] أنا النذير العريان. فالنجاء، النجاء، فأطاعه طائفة من قومه، فأدلجوا، فانطلقوا على مهلهم فنجوا، وكذبت طائفة منهم، فأصبحوا مكانهم، فصبحهم الجيش فأهلكهم، واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني، واتبع ما جئت به، ومثل من عصاني، وكذب ما جئت به من الحق". 167 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما مثلي ومثل الناس، كمثل رجل استوقد ناراً، فلما أضاءت ما حوله، جعل الفراش وهذي الدواب، التي تقع في النار، تقع فيها، فجعل ينزعهن ويغلبنه، فيتقحمن فيها، فأنا آخذ بحجزكم عن النار، وأنتم تقحمون فيها". 168 - * روى مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذكر أحاديث منها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثلي كمثل رجل استوقد ناراً، فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب التي في النار يقعن فيها وجعل يحجزهن ويغلبنه فيتقحمن فيها. قال فذلكم مثلي ومثلكم. أنا آخذ بحجزكم عن النار هلم عن النار هلم عن النار، فتغلبوني وتقحمون فيها". وأخرجه الترمذي بنحوه (4).

_ 166 - البخاري (11/ 316) 81 - كتاب الرقاق 26 - باب الانتهاء عن المعاصي. مسلم (4/ 1788) 43 - كتاب الفضائل 6 - باب شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته .. الخ. (النجاء) أي: اطلبوا الخلاص، وأنجوا أنفسكم وخلصوها. (فاجتاحهم) استأصلهم، وهو من الجائحة التي تهلك الأشياء. (النذير العريان) الذي لا ثوب عليه، وخص العريان، لأنه أبين في العين، وأصل هذا: أن الرجل منهم كان إذا أنذر قومه، وجاء من بلد بعيد انسلخ من ثيابه، ليكون أبين للعين. (أدلجوا) إذا خفف - من أدلج يدلج - كان بمعنى؟: سار الليل كله، وإذا ثقل - من ادلج - كان إذا سار آخر الليل. 167 - البخاري (11/ 316) 81 - كتاب الرقاق 26 - باب الانتهاء عن المعاصي. وهذه رواية البخاري. 168 - مسلم (4/ 1789) 43 - كتاب الفضائل 6 - باب شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته ومبالغته في تحذيرهم مما يضرهم. (4) الترمذي (5/ 154) 45 - كتاب الأمثال 7 - باب ما جاء في مثل ابن آدم وأجله وأمله. =

169 - * روى مسلم عن جابر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً، فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها، وهو يذبهن عنها، وأنا آخذ بحجزكم عن النار، وأنتم تفلتون من يدي". 170 - * روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمن كمثل شجرة خضراء، لا يسقط ورقها، ولا يتحات". فقال القوم كذا، هي شجرة كذا، فأردت أن أقول: هي النخلة، وأنا غلام شاب، فاستحييت، فقال: "هي النخلة". 171 - * روى البخاري عن جابر بن عبد الله؛ قال: جاءت ملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو نائم، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم، إن العين نائمة، والقلب يقظان فقالوا: إن لصاحبكم هذا مثلاً، فاضربوا له مثلا، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة، والقلب يقظان. فقالوا: مثله كمثل رجل بنى داراً، وجعل فيها مأدبة، وبعث داعياً، فمن أجاب الداعي، دخل الدار، وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعي، لم يدخل الدار، ولم يأكل من المأدبة.

_ = (الحجز): جمع حجزة، وهي مقعد الإزاز، وحجزة السراويل معروفة. (التقحم): الإقدام والوقوع في الأمور الشاقة من غير تشبث. 169 - مسلم (4/ 1790) 43 - كتاب الفضائل 6 - باب شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته ومبالغته في تحذيرهم ... (الجنادب) جمع جندب، وهو طائر كالجراد، يصر في الحر. (تفلتون): التفلت والانفلات: التخلص من اليد. وأما "تفلتون" فروي بوجهين: يقال: أفلت مني وتفلت: إذا نازعك الغلبة والهرب، ثم غلب وهرب، ومقصود الحديث: أنه صلى الله عليه وسلم، أرسله الله ليمنع بقدر طاقته تساقط الجاهلين بشركهم وبمعاصيهم وشهواتهم في غضب الله وعذابه في الدنيا. وفي نار الآخرة، وهم حريصون بهمى بصائرهم وجاهليتهم على الوقوع في ذلك منعه إياهم وقبضه على مواضع المنع منهم، فهم يتساقطون في الفساد تساقط الفراش في النار، لهواهم وضعف تمييزهم، فكلاهما حريص على هلاك نفسه، ساع في ذلك. 170 - البخاري (10/ 523) 78 - كتاب الأدب - 79 - باب مالا يستحيا من الحق، للتفقه في الدين. مسلم (4/ 2164) 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم 15 - باب مثل المؤمن مثل النخلة. (يتحات): تحات ورق الشجر: إذا انتثر وتساقط بنفسه. 171 - البخاري (13/ 249) 96 - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة 2 - باب الاقتداء بسنن الرسول صلى الله عليه وسلم.

فقالوا: أولوها له يفقها، قال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة، والقلب يقظان، فقالوا: فالدار: الجنة، والداعي: محمد، فمن أطاع محمداً، فقد أطاع الله، ومن عصى محمداً، فقد عصى الله، ومحمد فرق بين الناس. * * *

الفصل السابع في: الإسلام وأسهمه وأركانه ومقاماته وبعض أعماله

الفصل السابع في: الإسلام وأسهمه وأركانه ومقاماته وبعض أعماله وفيه: مقدمة وفقرات الفقرة الأولى: في أسهم الإسلام. الفقرة الثانية: في أركان الإسلام. الفقرة الثالثة: في مقامات الإسلام. الفقرة الرابعة: في أمهات من أعمال الإسلام.

المقدمة

المقدمة قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (1). قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} (2). إن كلمة الإسلام تطلق على معنى أعم وهو الدين الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم والذي القرآن كتابه والسنة شارحة لهذا القرآن، وهو بهذا المعنى فيه كل شيء تحتاجه هداية الإنس والجنس {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (3) والمسلم من قبل الإسلام قبول تصديق ورضا وتسليم، فآمن بالكتاب والسنة واستسلم لهما وأسلم فيهما اعتقاداً وعملاً. وتأتي كلمة الإسلام بمعنى خاص فهي تطلق ويراد بها أسهم الإسلام أو أركان الإسلام أو أعمال من الإسلام، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يطالب الداخلين في الإسلام بأعمال تطلب منهم مباشرة بسبب دخولهم الإسلام، وكل ذلك يعتبر أجزاءً من الإسلام. ومن أساليب العرب في الخطاب أنها تعرف الكل بالجزء لإظهار أهمية الجزء وهو أسلوب استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن لم يعرف أساليب العرب في الخطاب ومن لم يعرف أسلوب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن فاتته المعرفة الكلية للإسلام وفاته وضع كل جزء من الإسلام في محله ضمن البناء العام الذي يصف أعمال الإسلام، وقد كتبنا كتابنا الإسلام لتوضيح بناء الإسلام أركاناً ومناهج حياة ومؤيدات، وكتبنا كتابنا تربيتنا الروحية لتعرف مقامات السير في دين الله عز وجل، فالإسلام بمعناه الأعم تصورات وأعمال وأحكام وعقائد وعبادات ومناهج حياة ومؤيدات ومقامات تنبثق عن الكتاب والسنة وعما يستنبط بشكل صحيح من الكتاب والسنة، فالأمر واسع ونحن ههنا سنتحدث عن أسهم الإسلام، عن أركان الإسلام، وعن مقامات الإسلام، وعن أعمال أساسية في الإسلام كان يأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم الداخلين الجدد في الإسلام، أو يعلمها لمن يريد تفقها في الإسلام، فأسهم الإسلام

_ (1) آل عمران: 19. (2) آل عمران: 85. (3) النحل: 89.

ثمانية كما سنرى، وهذه لها وضع خاص بالنسبة للإسلام. وأركان الإسلام خمسة وهي من أسهم الإسلام، ولكن لها صفة الركنية بالنسبة لبناء الإسلام فلا يقوم الإسلام إلا بها جميعاً. ومقامات الإسلام: تصديق، فعمل فتحقق، فالتزام، فشكر. أو تقول: إيمان، فإسلام بالمعنى الأخص وهو العمل بما تطالب به من الإسلام فإحسان، فتقوى، فشكر. فالمطلوب الأول: الإيمان بالإسلام، وعلامة ذلك: إعلان الشهادتين، والإيمان بالكتاب والسنة، وبما جاء فيهما. والمطلوب الثاني: العمل بما افترض الله عليك وترك ما نهاك عنه- وهو الإسلام بالمعنى الأخص فهو العمل- فإذا فعلت ذلك وداومت عليه أوصلك ذلك إلى حقيقة الإيمان. {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} (1) أي هو على وشك الدخول بسبب القيام بأعمال الإسلام، فإذا ما دخل نور الإيمان واستنار القلب وصل الإنسان إلى مقام الإحسان، وذلك هو حقيقة الإيمان، فإذا ما وصل إلى الإحسان كمل التزامه بالكتاب والسنة وذلك هو التقوى {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (2). فإذا ما كثر التزامه فأدى شكر ما أنعم الله به عليه فقد وصل إلى مقام الشكر وهو أرقى المقامات، قال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} (3) وإنما الطريق للشكر هو التقوى، قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (4) وسيد الشاكرين رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم: "أفلا أكون عبداً شكوراً". وأمهات أعمال الإسلام: أداء الأركان الخمسة، وأخذ الحظ من الأسهم الثمانية بما في ذلك

_ (1) الحجرات: 14. (2) البقرة: 21. (3) سبأ: 13. (4) آل عمران: 123.

الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعدم موادة المشركين، وموالاة المسلمين، وأداء السلام وإطعام الطعام، والذكر، وترك الخمر، وحفظ اللسان فلا يؤذي مسلما، وترك الشرك والسرقة والزنى وقتل النفس، ويجب السمع والطاعة لأمراء العدل، وعدم منازعة الأمر أهله، وطيب الكلام والصبر والسماحة وحسن الخلق، وترك ما نهى الله عنه، وإعطاء الأمن للناس، وترك الربا وإعطاء الزوجة حقها في المطعم، والملبس، وتولي الله تعالى، والستر على المسلم حيث يجب الستر، وترك الحرام، وعدم إيذاء الجار، وترك الكبائر السبع. وهذه نصوص تتحدث عن أسهم الإسلام، ثم عن أركانه، ثم عن مقاماته، ثم عن أمهات من الأعمال فيه، وكل ذلك لتعرف الإسلام بالمعنى الأخص، أما الإسلام بالمعنى الأعم فإنك تعرفه من خلال استيعاب الكتاب والسنة وما يخدمهما وما ينبثق عنهما. * * *

الفقرة الأولى: أسهم الإسلام

الفقرة الأولى: أسهم الإسلام السهم في اللغة يأتي بمعنى النصيب، فالأصل أن على المسلم أن يأخذ نصيبه من الإسلام بإقامة الأسهم الثمانية المذكورة في حديث حذيفة رضي الله عنه، وإذا فاته سهم من السهام الآتية فهو على شفا خيبة: 172 - * روى البراز عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الإسلام ثمانية سهم: الإسلام سهم، والصلاة سهم، والصيام سهم، والزكاة سهم، وحج البيت سهم، والأمر بالمعروف سهم، والنهي عن المنكر سهم، والجهاد في سبيل الله سهم، وقد خاب من لا سهم له". أقول: مثل هذا الحديث لا يقال من جهة الرأي، فهو وإن كان الأصح أنه موقوف فإن له حكم الرفع. وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث آخر تذكر فيه الأسهم مما يقوي الحديث وهو: 173 - * روى الحاكم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن للإسلام صُوى ومناراً كمنار الطريق، منها أن تؤمن بالله ولا تشرك به شيئاً، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وأن تسلم على أهلك إذا دخلت عليهم، وأن تسلم على القوم إذا مررت بهم، فمن ترك من ذلك شيئاً، فقد ترك سهماً من الإسلام، ومن تركهن [كلهن] فقد

_ 172 - كشف الأستار (1/ 415) وقال: لا نعلم أسنده إلا يزيد بن عطاء, وقد رواه شعبة عن أبي إسحاق فوقفه على حذيفة. ا. هـ. ومجمع الزوائد (1/ 38، 3/ 62) وقال: رواه البزار وفيه يزيد بن عطاء وثقه أحمد وضعفه جماعة وبقية رجاله ثقات. ا. هـ. فهو عند أحمد حسن. قال ابن رجب في جامع العلوم (ص 23): وصح من حديث أبي إسحاق عن صلة بن زفر عن حذيفة رضي الله عنه: (الإسلام ثمانية أسهم ... وساق الحديث موقوفا ... ثم قال: (وخرجه البزار مرفوعا والموقوف أصح. ورواه بعضهم عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي (ص) خرجه أبو يعلى الموصلي وغيره، والموقوف على حذيفة أصح، قال الدارقطني وغيره) ا. هـ. 173 - المستدرك (1/ 21)، مختصرا. وهو صحيح بطرقه وشواهده. (الصوى): جمع صوة وهي: أعلام من الحجارة تنصب في المنارة يستدل بها على الطريق.

ولى الإسلام ظهره". المراد بالسهم الأول- في الحديث الأول: حديث حذيفة- الذي عبر عنه بالإسلام: قبول الإسلام والإيمان به، ورمز ذلك النطق بالشهادتين، وهذا الحديث له أهمية خاصة، فالله عز وجل أخبر عن اليهود بقوله: {فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} (1) أي- نصيباً- {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} (2) والحديث الذي بين أيدينا يذكر أسهم الإسلام: أن أنصباءه أي حظوظه، فإذا ترك أبناء الأمة الإسلامية واحدا من هذه السهام فإنهم يستحقون إلقاء العداوة والبغضاء فيما بينهم، وإن كانت الآية تشير إلى هذه السهام وغيرها مما أنزله الله عز وجل من وحي، ولكن هذه السهام لها وضع هام في هذا الشأن، ولما كان من أساليب العرب أن تذكر جزءا وتعبر به عن الكل لتبيان أهمية الجزء فالحديث اللاحق يخص ثلاثة من أسهم الإسلام الثمانية بالذكر تبيانا لأهميتها، وفي السياق يذكر الحديث أهمية تولي الله للعبد ليحرص المسلم على هذه المعاني مجتمعة: 174 - * روى أحمد عن عائشة رفعه، "ثلاث أحلف عليهن، لا يجعل الله من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له، وأسهم الإسلام الثلاثة الصلاة، والصوم، والزكاة، ولا يتولى الله عبداً في الدنيا فيوليه غيره يوم القيامة ولا يحب رجل قوماً إلا جعله معهم والرابعة لو حلفت عليها رجوت أن لا آثم لا يستر الله عبداً في الدنيا إلا ستره يوم القيامة".

_ (1) المائدة: 12. (2) المائدة: 14. 174 - مسند أحمد (6/ 145). مجمع الزوائد (1/ 22). وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات ورواه أبو يعلى أيضا.

الفقرة الثانية: أركان الإسلام

الفقرة الثانية: أركان الإسلام تطلق كلمة أركان الإسلام على الشهادتين والصلاة والزكاة والصوم والحج بنص الحديث النبوي لأن كلا منها ركن في جانب من جوانب الإسلام، فالشهادتان ركن العقائد، والصلاة ركن العبادات المباشرة، والصوم ركن الأعمال التي تضبط النفس على أمر الله، والزكاة ركن الحياة الاقتصادية، والحج ركن الحياة السياسية وغيرها: 175 - * روى مسلم عن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان". وفي أخرى: "بني الإسلام على خمسة: على أن يوحد الله، وأقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، والحج" فقال رجل: الحج وصيام رمضان؟ قال: لا صيام رمضان والحج" هكذا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي أخرى: "بني الإسلام على خمس: [على] أن يعبد الله ويكفر بما دونه، وأقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان". عندما يقال: بني هذا البيت على أساس متين فهذا يعني: أن هناك أساساً فوقه بيت، وهكذا هنا: فالإسلام بني على خمس فهذا أساسه وفوق ذلك بناؤه والبناء بشمل أحكام الله في كل شيء في السياسية والاقتصاد والاجتماع والأخلاق وغير ذلك، والإسلام عقائد وعبادات ومناهج حياة وشرائع وشعائر وأخبار وأوامر ونواه وغيب وشهادة ... وأركان ذلك كله هذه الخمسة.

_ 175 - مسلم (1/ 45) 1 - كتاب الإيمان 5 - باب بيان أركان الإسلام ودعائمه. بجميع طرقه، وهو عند البخاري والنسائي والترمذي، ببعضها. البخاري (1/ 49) 2 - كتاب الإيمان 2 - باب دعاؤكم إيمانكم. النسائي (5/ 108) 47 - كتاب الإيمان 13 - باب على كم بني الإسلام. الترمذي (5/ 5) 41 - كتاب الإيمان 3 - باب ما جاء بني الإسلام على خمس.

176 - * روى أبو يعلى عن ابن عباس، قال حماد بن زيد لا أعلمه إلا رفعه: "عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة عليهم أسس الإسلام، من ترك واحدة منهن فهو بها كافر حلال الدم: شهادة أن لا إله إلا الله، والصلاة المكتوبة، وصوم رمضان" ثم قال ابن عباس تجده كثير مال لا يزكي فلا يزال بذلك كافراً، ولا يحل دمه وتجده كثير المال لم يحج فلا يزال بذلك كافراً ولا يحل دمه. هذا الحديث يبين أهمية الأركان الثلاثة: الشهادتين والصوم والصلاة من بين الأركان الخمسة والذي عليه الأكثرون أن عدم قبول الشهادتين أو ارتكاب ناقض للشهادتين هو الذي يكون به صاحبه كافراً حلال الدم بالكفر، واستحلال ترك الصلاة أو الزكاة أو الصوم أو الحج على من كان مكلفاً هو الذي يكون به صاحبه كافراً حلال الدم، والمعروف أن مذهب أحمد: تكفير تارك الصلاة ولو كسلا واستحقاقه بذلك القتل كفراً، ولكن عامة الفقهاء على أن تارك الصلاة كسلا يستحق العقوبة التي قد تصل إلى حد القتل، ولكن مذهب ابن عباس كما نفهمه من ظاهر الرواية أن تارك الصلاة وتارك الصوم كافران مباحا الدم. والحديث يركز على أهمية الشهادتين والصلاة والصوم، فإذا كان أهم ما في الإسلام أركانه الخمسة فأهم هذه الأركان هي هذه الثلاثة. * * *

_ 176 - مجمع الزوائد (1/ 47، 48). وقال: رواه أبو يعلى بتمامه ورواه الطبراني في الكبير بلفظ بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله والصلاة، وصيام رمضان فمن ترك واحدة منهن كان كافرا حلال الدم. فاقتصر على ثلاثة منها ولم يذكر كلام ابن عباس الموقوف وإسناده حسن. أ. هـ. والحديث صححه بعضهم وحسنه آخرون.

الفقرة الثالثة: مقامات الإسلام

الفقرة الثالثة: مقامات الإسلام قال تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} (1) فالعمل بالإسلام يوصل إلى الإيمان القلبي وذلك يوصل إلى الإحسان الذي هو أحد مقامات الصديقين. قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ} (2) والإحسان هو المقام الأرقى في العبادة، والعبادة توصل إلى التقوى. {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (3) والتقوى توصل إلى الشكر {فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (4) فهذه مقامات الإسلام. وهذه نصوص: 177 - * روى مسلم عن يحيى بن يعمر، قال: كان أول من قال في القدر بالبصرة: معبد الجهني، فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجبين، أو معتمرين، فقلنا: لو لقينا أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر؟ فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه داخلاً المسجد، فاكتنفته أنا وصاحبي، أحدنا عن يمينه، والآخر عن شماله، فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلى، فقلت: أبا عبد الرحمن! إنه قد ظهر قبلنا أناس يقرؤون القرآن، ويتقفرون العلم، وذكر من شأنهم، وأنهم يزعمون أن لا قدر، وأن الأمر أنف، فقال: إذا لقيت أولئك فأخبرهم: أني بريء منهم، وأنهم براء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر: لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه، ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر، ثم قال: حدثني أبي عمر بن الخطاب، قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذا طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه اثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي

_ (1) الحجرات: 14. (2) الحديد: 19. (3) البقرة: 21. (4) آل عمران: 123. 177 - مسلم (1/ 26: 40) 1 - كتاب الإيمان 1 - باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان ... إلخ. وأبو داود. (4/ 222) كتاب السنة 17. باب في القدر. والترمذي (5/ 6) 41 - كتاب الإيمان 4 - باب ما جاء في وصف جبريل للنبي (ص) الإيمان والإسلام.=

صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه وقال: يا محمد، أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا" قال: صدقت، قال: فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: "أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خير وشره" قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان، قال: "أن تعبد الله كأنك تراه، فأن لم تكن تراه، فإنه يراك" قال: فأخبرني عن الساعة؟ قال: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل" قال: فأخبرني عن أماراتها؟ قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة، العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان" قال: ثم انطلق، فلبث مليا ثم قال لي: "يا عمر، أتدري من السائل؟ " قلت الله ورسوله أعلم، قال: "فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم". وأخرجه أبو داود بنحوه (1)، وفيه "فلبث ثلاثاً". وفي أخرى له (2): قال: فما الإسلام؟ قال: "أقام الصلاة، وإيتاء الزكاة وحج البيت، وصوم شهر رمضان، والاغتسال من الجنابة". 178 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة وأبي ذر رضي الله عنهما، قالا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بارزاً للناس، فأتاه رجل فقال: يا رسول الله، ما الإيمان؟ قال: "أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتابه ولقائه، ورسله، وتؤمن بالبعث الآخر". قال: يا رسول الله ما الإسلام؟ قال: "الإسلام أن تعبد الله، لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان" قال:

_ والنسائي (8/ 97) 47 - كتاب الإيمان 5 - باب نعت الإسلام. وابن ماجه (1/ 22) المقدمة 9 - باب في الإيمان. (1) أبو داود الموضع السابق. (2) أبو داود الموضع السابق. 178 - البخاري (1/ 114) 2 - كتاب الإيمان - 37. باب سؤال جبريل النبي (ص) عن الإيمان والإسلام ... إلخ. مسلم (1/ 39) 1 - كتاب الإيمان 1 - باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان .. إلخ. كلاهما رواه عن أبي هريرة وحده.

يا رسول الله ما الإحسان؟ قال: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإنك إن لم تره فإنه يراك" قال: يا رسول الله، متى الساعة؟ قال: "ما المسؤول عنه بأعلم من السائل، ولكن سأحدثك عن أشراطها: إذا ولدت الأمة ربتها، فذاك من أشراطها، وإذا كانت العراة الحفاة رؤوس الناس، فذاك من أشرطها، وإذا تطاول رعاء البهم في البنيان، فذاك من أشراطها، في خمس لا يعلمهن إلا الله، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (1). قال: ثم أدبر الرجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلمك "ردوا على الرجل"، فأخذوا ليرده، فلم يروا شيئان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا جبريل جاء ليعلم الناس دينهم". وفي أخرى نحوه، في أوله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سلوني فهابوه أن يسأله، فجاء رجل، فجلس عند ركبتيه، فقال: يا رسول الله، ما الإسلام؟ وذكر نحوه- وزاد: أنه قال له في آخر كل سؤال منها: صدقت- وقال في الإحسان: "أن تخشى الله كأنك تراه" وقال فيها: "إذا رأيت الحفاة العراة الصم البكم ملوك الأرض، فذاك من أشراطها" وفي آخرها- "هذا جبريل أراد أن تعلموا، إذ لم تسألوا". 179 - * وعند الطبراني في الكبير من رواية ابن عمر: "ما جاءني [أي جبريل] في صورة قط ألا عرفته إلا في هذه الصورة".

_ = ونحوه عند النسائي وأبي داود عنهما. النسائي (8/ 101) 47 - كتاب الإيمان 6 - باب صفة الإيمان والإسلام. أبو داود (4/ 225) كتاب السنة 17 - باب في القدر. (1) لقمان: 34. 179 - المعجم الكبير (12/ 430). مجمع الزوائد (1/ 40). وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون.

لفت رسول الله صلى الله عليه وسلم النظر في هذا الحديث إلى أركان الإسلام، وإلى أركان الإيمان، وإلى الدرجة العليا في العبادة وهي مقام الإحسان، وهذا الحديث أصل من الأصول: فهو يتحدث عن ثلاثة مقامات من مقامات الدين الإسلامي، فالإنسان يسلم فيقيم المطلوب منه من أركان الإسلام، وهذا يصل به إلى حقيقة الإيمان، وحقيقة الإيمان تصل له إلى مقام الإحسان، ومقام الإحسان يوصله إلى حقيقة التقوى، وحقيقة التقوى توصله إلى حقيقة الشكر، وهذه مقامات الإسلام والنصوص تشهد لذلك كما مر معنا. وهذا حديث في المقام الرابع وهو التقوى: 180 - * روى أحمد وأبو يعلي عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الإسلام علانية، والإيمان في القلب" قال: ثم يشير بيده إلى صدره ثلاث مرات. قال: ثم يقول: "التقوى ههنا التقوى ههنا" لقد فصلنا في موضوع التقوى في كتابنا (جند الله ثقافة وأخلاقاً) تفصيلاً واسعاً. وهاهنا نكتفي بذكر بعض النصوص القرآنية، ونشير إلى بعض ما تفيده: قال تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} (1). فالهداية أثر الإيمان والمجاهدة: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} (2). {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} (3).

_ 180 - مسند أحمد (3/ 134). كشف الأستار (1/ 19) مختصرا وقال: تفرد به علي بن مسعدة. مجمع الزوائد (1/ 52). وقال: رواه أحمد وأبو يعلى بتمامه والبزار باختصار ورجاله رجال الصحيح ما خلا علي ابن مسعدة وقد وثقه ابن حبان وأبو داود الطيالسي وأبو حاتم وابن معين وضعفه آخرون. أ. هـ. وقال في التقريب (405) بتحقيق محمد عوامة: صدوق له أوهام. وقوله: (التقوى هاهنا) أخرجه البخاري وغيره عن أبي هريرة بغير هذا السياق. (1) محمد: 17. (2) التغابن: 11. (3) العنكبوت: 69.

والهداية توصل إلى التقوى بفضل الله، فالتقوى عطية من الله وهدية، والتقوى توصل إلى الشكر. قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (1). والشكر أرقى المقامات، قال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} (2). لأن الشكر أن تستعمل كل ما أعطاك الله عز وجل في الأحب إلى الله، وهذا نص في الشكر: 181 - * روى البخاري ومسلم عن المغيرة بن شعبة، رضي الله عنه، قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه، فقيل له: قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: "أفلا أكون عبداً شكوراً؟ ". وفي رواية (3)، إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليقوم- أو ليصلي- حتى ترم قدماه- أو ساقاه- فيقال له، فيقول: "أفلا أكون عبداً شكوراً؟ ". وفي أخرى: حتى ترم أو تنتفخ (4). وفي أخرى (5)، أنه صلى حتى انتفخت قدماه، فقيل له: أتكلف هذا، وقد غفر لك؟ فقال .. وذكره. * * *

_ (1) آل عمران: 123. (2) سبأ: 12. (3) البخاري (3/ 14) 19 - كتاب التهجد، 6 - باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم الليل. (4) البخاري (11/ 303) 81 - كتاب الرقاق 20 - باب الصبر عن محارم الله (5) مسلم الموضع السابق.

الفقرة الرابعة: في أمهات من أعمال الإسلام

الفقرة الرابعة: في أمهات من أعمال الإسلام إنه بمجرد أن يدخل الإنسان في الإسلام تترتب عليه تكاليف وأعمال منها ما مر معنا في هذا الفصل بمناسبة الكلام عن أسهم الإسلام وأركانه ومقاماته، ولكي نأخذ صورة متكاملة عما كان يلقنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن يدخل في الإسلام أو لمن يريد أن يتفقه في أعمال الإسلام فإننا نذكر هذه الفقرة لنوى فيها طرائق الرسول صلى الله عليه وسلم في التوجيه وفي تعامله مع المبتدئين أو مع المجتهدين، فذلك كله من سياسات النبوة التي ينبغي أن براعيها المربون، عدا عن كون العرض لهذه الأشياء يذكرنا ببعض دقائق من أعمال الإسلام ينبغي أن يلتزم بها السالكون، وهذه نصوص: 182 - * روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، إذ دخل رجل على جمل، ثم أناخه في المسجد، ثم عقله، ثم قال [لهم] أيكم محمد؟ والنبي صلى الله عليه وسلم متكئ بين ظهرانيهم، فقلنا: هذا الرجل الأبيض المتكئ فقال له [الرجل] ابن عبد المطلب؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "قد أجبتك" فقال الرجل [للنبي] إن سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجد على في نفسك، قال: "سل عما بدا لك" فقال أسألك بربك ورب من قبلك، الله أرسلك إلى الناس كلهم؟ قال: "اللهم نعم" قال أنشدك بالله: الله أمرك أن تصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟ قال: "اللهم نعم" قال: أنشدك بالله، الله أمرك أن تصوم هذا الشهر من السنة؟ قال: " [اللهم نعم] " قال: أنشدك بالله، الله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا، فتقسمها على فقرائنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم "اللهم نعم" قال الرجل: آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من قومي، وأن ضمام بن ثعلبة، أخو بني سعد بن بكر. وأخرجه مسلم (1)، وهذا لفظه، قال أنس رضي الله عنه: نهينا في القرآن أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل، فيسأله

_ 182 - البخاري (1/ 148) 3 - كتاب العلم 6 - باب ما جاء في العلم. (1) مسلم (1/ 41) كتاب الإيمان 2 - باب السؤال عن أركان الإسلام.

ونحن نسمع، فجاء رجل من أهل البادية، فقال: يا محمد، أتانا رسولك، فزعم لنا أن تزعم أن الله أرسلك، فقال: "صدق" قال: فمن خلق السماء؟ قال: "الله" قال فمن خلق الأرض؟ قال: "الله" قال. فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل" قال: "الله" قال: فبالذي خلق السماء وخلق الأرض، ونصب هذه الجبال، الله أرسلك؟ قال: "نعم" قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا؟ قال: "صدق" قال: فبالذي أرسلك، الله أمرك بهذا؟ قال: "نعم" قال: وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا؟ قال: "صدق" قال: فبالذي أرسلك، الله أمرك بهذا؟ قال: "نعم" قال: وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا؟ قال: "صدق" قال: فبالذي أرسلك، الله أمرك بهذا؟ قال: "نعم" قال: وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلاً؟ قال: "صدق" قال: فبالذي أرسلك الله أمرك بهذا؟ قال: "نعم" قال: ثم ولي، وقال: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن، ولا أنقص منهن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لئن صدق ليدخلن الجنة". وعند أحمد والطبراني (1): وكان ضمام رجلاً أشعر ذا غديرتين قال: أنشدك بالله إلهك وإله من قبلك وإله من هو كائن بعدك في السؤالات كلها وقال" الله أمرك أن تأمرنا أن نعبده ولا نشرك به شيئا وأن نخلع هذه الأنداد التي كان آباؤنا يعبدون معه؟ قال: "اللهم نعم" وقال وسأؤدي هذه الفرائض وأجتنب ما نهيتني عنه لا أزيد ولا أنقص، وقال صلى الله عليه وسلم حين ولي "إن صدق ذو العقيصتين يدخل الحنة" ثم خرج حتى قدم على قومه فاجتمعوا إليه فكان أول ما تكلم به أن قال: بئست اللات والعزى قالوا: مه يا ضمام: اتق البرص والجذام اتق الجنون قال ويلكم إنهما والله ما يضران ولا ينفعان. إن الله تعالى قد بعث رسولاً وأنزل كتاباً أستنقذكم به مما كنتم فيه، وإني أشهد أن لا إله إلا الله لا شريك له أشهد أن محمداً عبده ورسوله قد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه. فوالله ما أمسى في ذلك اليوم وفي حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلماً. يقول ابن عباس: فما سمعنا بوافد قوم يقول أفضل من ضمامٍ.

_ (1) أحمد (1/ 250، 264/ 265). الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 289) وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجال أحمد موثقون.

183 - * روى البخاري ومسلم عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أهل نجد، ثائر الرأس، نسمع دوي صوته، ولا نفقه ما يقول، حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو يسأل عن الإسلام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خمس صلوات في اليوم والليلة" فقال: هل علي غيرهن؟ قال: "لا، إلا أن تطوع" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وصيام رمضان" فقال: هل علي غيره؟ قال: "لا، إلا أن تطوع" قال: وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة، فقال: هل علي غيرها! قال: "لا، إلا أن تطوع" قال: فأدبر الرجل، وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفلح إن صدق، أو دخل الجنة إن صدق". 184 - * روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أتته امرأة تسأله عن نبيذ الجر، فقال: أن وفد عبد القيس أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من الوفد؟ أو من القوم؟ قالوا: ربيعة، قال: "مرحبا بالقوم، أو بالوفد، غير خزايا، ولا ندامى"- قال: فقالوا: يا رسول الله، إنا نأتيك من شقة بعيدة، وإن بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، وإنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام،

_ 183 - البخاري (1/ 106) 2 - كتاب الإيمان 34 - باب الزكاة من الإسلام. ومسلم (1/ 41) 1 - كتاب الإيمان 2 - باب الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام. ورواه مالك في الموطأ (1/ 175) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر 25 - باب جامع الترغيب في الصلاة. وأبو داود (1/ 106) أول كتاب الصلاة. والنسائي (1/ 226) 5 - كتاب الصلاة 4 - باب كم فرضت في اليوم والليلة. (الثائر الرأس): الشعث الشعر، البعيد العهد بالغسل والتسريح والدهن. (الدوي): كصوت النحل وغيره. (نفقه): الفقه: الفهم والعلم، أي: لا يفهم كلامه. 184 - البخاري (1/ 121) 1 - كتاب الإيمان 40 - باب أداء الخمس من الإيمان. ومسلم (1/ 47) 1 - كتاب الإيمان 6 - باب الأمر بالإيمان بالله تعالى .. إلخ. ورواه أيضا أبو داود (3/ 330) كتاب الأشربة -باب في الأوعية. والنسائي (8/ 120) 47 - كتاب الإيمان 25 - باب أداء الخمس. (الجر): والجرار، جمع جرة، وهو من الخزف، معروف وقيل: هو ما كان منه مدهونا. (خزايا): جمع خزيان، من الخزاية. وهي الاستحياء، وكذلك ندامى جمع ندمان، وهو فعلان من الندم. وهذا البناء من أبنية المبالغة. (شقة): يقال: بيني وبينك شقة بعيدة، أي: مسافة بعيدة، والشقة: السفر البعيد.=

فمرنا بأمر فصل، نخبر به من وراءنا، وندخل به الجنة. قال فأمرهم بأربع، ونهاهم عن أربع، قال: أمرهم بالإيمان بالله وحده، قال: "هل تدرون ما الإيمان؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأقام الصلاة، وإيتاء الزكاة وصوم رمضان، وأن تؤدوا خمساً من المغنم" ونهاهم عن الدباء والحنتم، والمزفت، والنقير- قال شعبة: وربما قال: المقير -وقال: "احفظوه وأخبروا به من وراءكم؟ وزاد في رواية (1) قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأشج- أشج عبد القيس- "إن فيك خصلتين يحبها الله تعالى: الحلم والأناة" 185 - * روى الترمذي عن معاذ: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأصبحت يوماً قريبا منه ونحن نسير فقلت يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار، قال "لقد سألتني عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله: تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال: "ألا أدلك على أبواب الخير؟ " قلت: بلي يا رسول الله: قال: "الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل شعار الصالحين" ثم تلا قوله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} الآية: ثم قال: "ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده وذروة سنامه؟ "

_ = (فصل): أمر فصل، أي فاصل قاطع، لا رجعة فيه، ولا مرد له. (الدياء): القرع واحدها: ذباءة (الحنتم): جرار خضر كانوا يخزنون فيها الخمر. (النقير) أصل خشبه تنقر، وقيل: أصل نخلة. (المزفت): الوعاء المطلي بالزفت من داخل، وكذلك المقير. أقول: وهذه أوعية حرم ابتداء الانتباذ بها، لأن الانتباذ بها يسرع إليه الإسكار فيختلط فيختلط ثم استقر الأمر على تحريم المكر دون النظر إلى الآنية. (1) مسلم في الموضع السابق. 185 - الترمذي (5/ 11) 41 - كتاب الإيمان 8 - باب ما جاء في حرمة الصلاة (بمعنى: شرف الصلاة وكرامتها) وقال: حديث حسن صحيح. (الجنة): الوقاية والستر من النار. (شعار الصالحين): علامتهم. (ذروة سنامه): أعلى موضع في الإسلام وأشرفه.

قلت: بلي يا رسول الله. قال: "رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد" ثم قال: "ألا أخبرك بملاك ذلك كله." قلت: بلى يا رسول الله: قال: "كف عليك هذا وأشار إلى لسانه" قلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: "ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم- أو قال (على مناخرهم) إلا حصائد ألسنتهم". 186 - * روى الترمذي عن علي رفعه: "بعث الله يحي بن زكريا إلى بني إسرائيل بخمس كلمات، فلما بعث الله عيسى قال تعالى: يا عيسى قل ليحيى بن زكريا: إما أن يبلغ (ما أرسل) به إلى بني إسرائيل وإما أن تبلغهم. فخرج يحيى حتى صار إلى بني إسرائيل فقال: إن الله تعالى يأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، ومثل ذلك كمثل رجل أعتق رجلا وأحسن إليه وأعطاه فانطلق وكفر نعمته ووالي إلى غيره. وإن الله يأمركم أن تقيموا الصلاة، ومثل ذلك كمثل رجل أسره العدو فأرادوا قتله فقال: لا تقتلوني فإن لي كنزا وأنا أفدي نفسي فأعطاهم كنزه ونجا بنفسه. وإن الله يأمركم أن تصدقوا، ومثل ذلك كمثل رجل مشى إلى عدوه وقد أخذ للقتال جنة فلا يبالي من حيث أتى. وإن الله يأمركم أن تقرءوا الكتاب ومثل ذلك كمثل قوم في حصنهم صار إليهم عدوهم وقد أعدوا في كل ناحية من نواحي الحصن قوماً فليس يأتيهم عدوهم من ناحية من نواحي الحصن إلا وبين يديهم من يدرؤهم عن الحصن. فذلك مثل من يقرأ القرآن لا يزال في أحصن حصن". 187 - * روى أبو داود والنسائي عن أبي سعيد الخدري، رفعه: "من قال رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولاً وجبت له الجنة".

_ = (ملاك ذلك): قوامه وما يتم به. (ثكلتك أمك): فقدتك. وليس المراد ظاهره وإنما هو أسلوب من أساليب العرب في الخطاب. 186 - الترمذي (5/ 148) 45 - كتاب الأمثال 3 - باب ما جاء في مثل الصلاة والصيام. وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب - وروى البزار نحوه. 187 - أبو داود (2/ 88) كتاب الصلاة - باب في الاستغفار. والنسائي (6/ 19) 25 - كتاب الجهاد -18 - باب درجة المجاهد في سبيل الله عز وجل. ومسلم نحوه (3/ 1501) 22 - كتاب الإمارة -21 - باب بيان ما أعده الله تعالى للمجاهد في الجنة من الدرجات.

188 - * روى النسائي عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه: قلت: يا نبي الله، ما أتيتك حتى حلفت أكثر من عددهن- لأصابع يديه-: أن لا آتيك، لا آتي دينك، وإني كنت امرءاً لا أعقل شيئاً، إلا ما علمني الله ورسوله، وإني سألتك بوجه الله، بم بعثك الله إلينا؟ قال: "بالإسلام" قال: وما آيات الإسلام؟ قال: "أن تقول: أسلمت وجهي الله، وتخليت، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة". زاد في أخرى "كل مسلم على مسلم محرم. أخوان نصيران، لا يقبل عن مشرك بعد ما أسلم عمل؛ أو يفارق المشاركين إلى المسلمين". 189 - * روى مسلم عن (سفيان بن عبد الله الثقفي) قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك؟ قال: "قل آمنت بالله ثم استقم". 190 - * روى النسائي عن أنس رفعه: "من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلكم المسلم". 191 - * روى الترمذي والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن: من أمنة الناس على دمائهم وأموالهم". 192 - * روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المسلم: من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهاه الله عنه".

_ 188 - النسائي (5/ 83) 23 - كتاب الزكاة -73 - باب من سأل بوجه الله عز وجل. وسنده حسن. 189 - مسلم (1/ 65) 1 - كتاب الإيمان 12 - باب جامع أوصاف الإسلام. 190 - النسائي (8/ 105) 47 - كتاب الإيمان 1 - باب صفة المسلم. والحديث سنده حسن. 191 - الترمذي (5/ 17) 41 - كتاب الإيمان 12 - باب ما جاء في أن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي (8/ 105) 47 - كتاب الإيمان 8 - باب صفة المؤمن. وسنده قوي (م). 192 - البخاري (1/ 53) 2 - كتاب الإيمان 4 - باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. وأبو داود (2/ 4) كتاب الجهاد- باب في الهجرة هل انقطعت. =

إلا أن النسائي (1) قال: "من هجر ما حرم الله عليه" وأخرجه مسلم (2) فقال: إن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي المسلمين خير؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده" 193 - * روى البخاري ومسلم النسائي عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنها أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: أي الإسلام خير؟ قال: "تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف" 194 - * روى ابن حبان عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمن من أمنة الناس، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر السوء، والذي نفس محمد بيده، لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه" 195 - * روى الطبراني وأحمد بن عمرو بن عبسة قلت: يا رسول الله من معك على هذا الأمر؟ قال "حر وعبد" قلت ما الإسلام؟ قال: "طيب الكلام وإطعام الطعام" قلت ما الإيمان؟ قال: "الصبر والسماحة" قلت أي الإسلام أفضل؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده" قلت أي الإيمان أفضل؟ قال: "خلق حسن" قلت أي الصلاة أفضل؟ قال: "أن تهجر ما كره ربك"

_ = والنسائي (8/ 105) 47 - كتاب الإيمان 1 - باب صفة المسلم. (1) النسائي في الموضع السابق. (2) مسلم (1/ 65) 1 - كتاب الإيمان 14 - باب بيان تفاضل الإسلام وأي أموره أفضل. 193 - البخاري (1/ 55) 2 - كتاب الإيمان 6 - باب إطعام الطعام من الإسلام. ومسلم (1/ 65) 1 - كتاب الإيمان 14 - باب بيان تفاضل الإسلام وأي أموره أفضل. والنسائي (8/ 107) 47 - كتاب الإيمان 12 - باب أي الإسلام خير. 194 - الإحسان (1/ 264). (بوائقه) غوائله وشروره. 195 - أحمد (4/ 285). الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 60) باب أي العمل أفضل وأي الدين أحب إلى الله، وقال: فيه شهر بن حوشب، أ. هـ قد حسن بعضهم إسناد الطبراني وأحمد.

196 - * روى الطبراني عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل أي الإسلام أفضل؟ قال: "من سلم لناس من لسانه ويده" قبل فأي الجهاد أفضل؟ قال: "من عقر جواده وأهريق دمه" قيل: فأي الصلاة أفضل؟ قال: "طوت القنوت". 197 - * روى النسائي عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "والذي نفسي بيده" ثلاث مرات، ثم أكب، فأكب كل رجل منا يبكي، لا يدري، على ماذا حلف، ثم رفع رأسه وفي وجهه البشري، فكانت أحب إلينا من حمر النعم، قال: "ما من عبد يصلي الصلوات الخمس، ويصوم رمضان ويخرج الزكاة، ويجتنب الكبائر السبع، إلا فتحت له أبواب الجنة، وقيل له: ادخل بسلام" 198 - * روى النسائي عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أقام الصلاة، وآتي الزكاة، ومات لا يشرك بالله شيئا، كان حقا على الله أن يغفر له، هاجر أو مات في مولده" فقلنا: يا رسول الله، ألا نخبر بها الناس فيستبشروا بها؟ قال: "إن في الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، أعدها الله للمجاهدين في سبيله، ولولا أن أشق على المؤمنين، ولا أجد ما أحملهم عليه، ولا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا بعدي، ما قعدت خلف سرية، ولوددت أني أقتل، ثم أحيا ثم أقتل" قوله: (هاجر أو مات في مولده) محمول على الحالة التي لا تكون فيها الهجرة فريضة عينية أو على من لا يستطيعها وهي كذلك، والظاهر أن الحديث قد قيل بعد فتح مكة حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية". 199 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن أعرابيا جاء إلى رسول

_ 196 - الهيثمي في نفس الموضع والباب السابقين وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون. 197 - النسائي (5/ 8) 23 - كتاب الزكاة 1 - باب وجوب الزكاة. وهو حديث حسن. 198 - النسائي (6/ 20) 25 - كتاب الجهاد 18 - باب درجة المجاهد في سبيل الله عز وجل وإسناده حسن. 199 - البخاري (2/ 261) 24 - كتاب الزكاة 1 - باب وجوب الزكاة.

الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة، وقال: "تعبد الله، ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان" قال: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا شيئاً، ولا أنقص منه، فلما ولي قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة، فلينظر إلى هذا". 200 - * روى مسلم عن جابر رضي الله عنه، قال: قال النعمان بن قوقل: يا رسول الله أرأيت إذا صليت المكتوبة، وحرمت الحرام، وأحللت الحلال، ولم أزد على ذلك شيئا، أدخل الجنة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "نعم" وفي رواية (1): أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت إذا صليت المكتوبة وصمت رمضان، وأحللت الحلال، وحرمت الحرام، ولم أزد على ذلك شيئا، أدخل الجنة؟ قال "نعم" قال: والله لا أزيد على ذلك شيئاً. 201 - *روى الترمذي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان، وصلى الصلوات، وحج البيت" لا أدري أذكر الزكاة أم لا- "كان حقاً على الله أن يغفر له، إن هاجر في سبيل الله، أو مكث بأرضه التي ولد فيها" قال معاذ: ألا أخبر بها الناس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذر الناس يعملون فإن في الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، والفردوس أعلى الجنة أوسطها، وفوق ذلك عرش الرحمن، ومنها تفجر أنهار الجنة، فإذا سألتم الله، فاسألوه الفردوس

_ مسلم (1/ 44) 1 - كتاب الإيمان - 4 - باب بيان الإيمان الذي يدخل به الجنة وأن من تمسك بما أمر به دخل الجنة. 200 - مسلم (1/ 44) 1 - كتاب الإيمان 4 - باب بيان الإيمان الذي يدخل به الجنة وأن من تمسك بما أمر به دخل الجنة. (1) نفس الكتاب والباب السابقين. 201 - الترمذي (4/ 675) 39 - كتاب صفة الجنة 4 - باب ما جاء في صفة درجات الجنة وهو حديث حسن بشواهده.

202 - * روى البخاري ومسلم عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال" أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني من النار، فقال القوم: ماله؟ ماله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أرب ماله؟ تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم" زاد (1) في رواية. فما أدبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن تمسك بما أمرته به دخل الجنة" وفي أخرى (2) أن أعرابياً عرض للنبي وهو في سفر، فأخذ بخطام ناقته- أو بزمامها- ثم قال: يا رسول الله- أو يا محمد- أخبرني بما يقربني من الجنة، ويباعدني من النار، قال: فكف النبي صلى الله عليه وسلم، ثم نظر في أصحابه، ثم قال: "لقد وفق- أو لقد هدى" قال: "كيف قلت:. "قال: فأعاد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "تعبد الله ... وذكر الحديث، وقال في آخره: دع الناقة". 203 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال: "الصلاة على ميقاتها" قلت ثم ماذا يا رسول الله؟ قال: "أن يسلم الناس من لسانك". 204 - * روى أحمد عن ابن مسعود رفعه: "إن الله عز وجل قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الدين إلا من أحب فمن أعطاه الدين فقد أحبه. والذي نفسي بيده لا يسلم عبد

_ 202 - البخاري (2/ 261) 24 - كتاب الزكاة 1 - باب وجوب الزكاة. مسلم (1/ 42) 1 - كتاب الإيمان 4 - باب بيان الإيمان الذي يدخل به الجنة وأن من تمسك بما أمر به دخل الجنة. (1) مسلم: الموضع السابق (2) مسلم: الموضع السابق أرب ماله: أي حاجة ماله، وفي أرب عدة رواياتٍ. 203 - الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 301). وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير عمرو بن عبد الله النخعي وهو ثقة. 204 - أحمد (1/ 387).

حتى يسلم قلبه ولسانه، ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه" قلت وما بوائقه يا رسول الله؛ قال: "غشمه وظلمه ولا يكسب مالا من حرام فينفق منه فيبارك له في ولا يتصدق به فيقبل منه ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار. إن الله لا يمحو السيئ ولكنه يمحو السيئ بالحسن، إن الخبيث لا يمحو الخبيث". من هذا الحديث وأمثاله أخذ فقهاء الحنفية أن من كان عنده مال حرام فلينفقه بنية التخلص منه، فإذا نوى أن يتصدق فيه فإنه بذلك يكفر لأن من المعلومات من الدين بالضرورة أن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، والحرام ليس بطيب، انظر الهدية العلائية. 205 - * روى البخاري ومسلم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس، فقال: "تبايعوني على ألا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق". وفي رواية (1) "ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوني في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب شيئاً من ذلك فستره الله عليه، فأمره إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه". قال: فبايعناه على ذلك. 206 - * روى البخاري ومسلم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، في العسر واليسر، والمنشط، والمكره وعلى أثرة علينا، وعلى

_ = (البوائق): جمع بائقة، وهي الداهية. والبوائق: الظلم والغشم. وقال الكسائي: الغوائل والشرور. (الغشم): الظلم. 205 - البخاري (13/ 203) 93 - كتاب الأحكام 49 - باب بيعة النساء. مسلم (3/ 1333) 29 - كتاب الحدود 10 - باب الحدود كفارات لأهلها. (1) البخاري: الموضع السابق. 206 - البخاري (13/ 192 - 93 - كتاب الأحكام 43 - باب كيف يبايع الإمام الناس. =

ألا ننازع الأمر أهله، وعلى أن تقول بالحق أينما كنا، لا نخاف في الله لومة لاثم. وفي رواية (1) بمعناه، وفيه "ولا ننازع الأمر أهله". قال: "إلا أن تروا كفرا بواحاً، عندكم فيه من الله برهان". 207 - * روى مالك والنسائي والترمذي عن أميمة بنت رقيقة رضي الله عنها قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة من الأنصار، نبايعه على الإسلام، فقلنا: نبايعك على ألا نشرك بالله شيئاً، ولا نسرق، ولا نزني ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيك في معروف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فيما استطعتن وأطقتن". فقلنا: الله ورسوله أرحم بنا منا بأنفسنا؛ هلم نبايعك يا رسول الله، فقال: "إني لا أصافح النساء؛ إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة؟ 208 - * روى مسلم عن عوف بن ملك الأشجعي، قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة أو ثمانية أو سبعة. فقال: "ألا تبايعون رسول الله؟ " وكنا حديثي عهد ببيعة. فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله ثم قال: "ألا تبايعون رسول الله؟ " فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله! ثم قال: "ألا تبايعون رسول الله؟ " قال: فبسطنا أيدينا

_ = ومسلم (3/ 1470) 33 - كتاب الإمارة 8 - باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية حديث 41. ومالك (2/ 445) 21 كتاب الجهاد. 1 - باب الترغيب في الجهاد. والنسائي (7/ 127) 31 - كتاب البيعة 1 - باب البيعة على السمع والطاعة. (1) النسائي الموضع السابق. (المنشط): الأمر الذي تنشط له، وتخف إليه، وتؤثر فعله. (المكره): الأمر الذي نكرهه، وتتثاقل عنه. (الأثرة) الاستئثار بالشيء والانفراد به، والمراد في الحديث: إن منبعنا حقنا من الغنائم والفيء. وأعطى غيرنا، نصبر على ذلك. (كفراً بواحاً) الكفر البواح: الجهار. (البرهان) الحجة والدليل. 207 - مالك (2/ 982) 55 - كتاب البيعة 1 - باب ما جاء في البيعة. النسائي (7/ 149) 29 - كتاب البيعة 18 - باب بيعة النساء. الترمذي (4/ 151) 22 - كتاب السير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 27 - باب ما جاء في بيعة النساء وإسناده صحيح. 208 - مسلم (2/ 721) 12 - كتاب الزكاة 35 - باب كراهة المسألة للناس.=

وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله! فعلا نبايعك؟ قال: "على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً. والصلوات الخمس. وتطيعوا" (وأسر كلمة خفية) "ولا تسألوا الناس شيئاً" فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم. فما يسأل أحداً يناوله إياه. 209 - * روى الترمذي عن سليمان بن عمرو بن الأحوص رحمة الله، قال: حدثني أي: أنه شهد حجة الوداع مع رسول صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه، وذكر ووعظ، ثم قال: "أي يوم أحرم؟ أي يوم أحرم؟ أي يوم أحرم؟ " قال: فقال الناس: يوم الحج الأكبر يا رسول الله، قال: "فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، وفي شهركم هذا، ألا لا يجني جان إلا على نفسه، ولا يجني والد على ولده، ولا يجني ولده على والده، ألا إن المسلم أخو المسلم، فليس يحل لمسلم من أخيه شيء إلا ما أحل من نفسه، ألا وأن كل ربا في الجاهلية موضوع لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون، غير ربا العباس، فإنه موضوع كلخ، ألا وإن كل دم كان في الجاهلية موضوع، وأول دم أضع من دم الجاهلية: دم الحارث بن عبد المطلب، وكان مسترضعا في بني ليث، فقتلته هذيل، ألا واستوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عوان عندكم، ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن ذلك

_ = أبو داود (2/ 121) كتاب الزكاة- باب كراهية المسألة النسائي (1/ 231) 5 - كتاب الصلاة 5 - باب البيعة على الصلوات الخمس 209 - الترمذي (5/ 273) 48 - كتاب تفسير القرآن 10 - باب "ومن سورة التوبة" وقال: هذا حديث حسن صحيح. (الحج الأكبر): هو يوم النحر، وقيل: يوم عرفة، وإنما سمي الحج الأكبر، لأنهم يسمون العمرة: الحج الأصغر (وأعراضكم): الأعراض: جمع عرض، وهو النفس، وقيل: الحسب. (لا يجني جان): الجنابة/ الذنب، وما يفعله الإنسان مما يوجب عليه لجزاء إما في الدنيا وإما في الآخرة، فقوله صلى الله عليه وسلم، "لا يجني جان إلا على نفسه "يريد" أنه لا يطالب بجنايته غيره، ومن أقاربه وأباعده. (عنوان) جمع عانية وهي الأسيرة، والمعاني: الأسير. (الفاحشة المبينة): النشوز وسوء العشرة. والمبينة: الواضحة الظاهرة.=

فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً، ألا وإن لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقا، فأما حقكم على نسائكم، فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وإن حقهن عليكم: أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن". وفي رواية (1) قال: سمعت رسول لله صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع للناس "أي يوم هذا؟ " قالوا: يوم الحج الأكبر، قال: "فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا، ألا يجني جان على ولده، ولا مولود على والده، ألا وإن الشيطان قد أيس أن يعبد في بلدكم هذا أبداً، ولكن سيكون له طاعة فيما تحتقرون من أعمالكم فسيرضى به". (فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون). المراد بذلك ما ذكره صاحب دليل الفالحين: لا يأذن لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم والجلوس في منازلكم سواء كان المأذون له رجلاً أجنبياً أو امرأة أو أحد محارم الزوجة، فالنهي يتناول جميع ذلك. قلت: ولذا عقب بقوله (ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون) أي تكرهون دخوله لمنزلكم من أنثى وذكر وهذا حكم المسألة عند الفقهاء أنه لا يحل لها أن تأذن لرجل ولا امرأة لا محرم ولا غيره في دخول منزل الزوج إلا من علمت أو ظنت أن الزوج لا يكرهه، لأن الأصل تحريم دخول منزل الإنسان حتى يوجد الإذن منه في ذلك أو ممن أذن له في الإذن في ذلك أو عرف رضاه به بأطراد العرف بذلك ونحوه، ومتى حصل الشك في الرضا ولم يترجح شيء ولا وجدت قرينة لا يحل الدخول ولا الإذن"أ. هـ. 210 - * روى البخاري ومسلم عن أبي بكرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن

_ = (الضرب المبرح): الشاق الشديد. (1) الترمذي (4/ 461) 24 - كتاب الفتن 2 - باب ما جاء دماؤكم وأموالكم عليكم جرام وقال: هذا حديث حسن صحيح. 210 - البخاري (10/ 7) 72 - كتاب الأضاحي 5 - باب من قال: الأضحى يوم النحر.=

الزمان قد استدار كهيأته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا منها: أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادي وشعبان، أي شهر هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: "أليس ذا الحجة؟ " قلنا: بلى؛ قال: "أي بلد هذا؟ " قلنا: الله ورسوله اعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: "أليس البلدة الحرام" قلنا: بلى، قال: "فأي يوم هذا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: "أليس يوم النحر"؟ قلنا: بلى، قال: "فإذن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي كفاراً، يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا ليبلغ الشاهد الغائب، فلعل بعض من يبلغه ان يكون أوعى من بعض من سمعه" ثم قال: "ألا هل بلغت؟ ألا هل بلغت؟ "قلنا: "اللهم اشهد" وفي رواية (1) "أن النبي صلى الله عليه وسلم قعد على بعيره، وأمسك إنسان بخطامه، أو بزمامه، فقال: "أي شهر هذا؟ " وذكر نحوه مختصراً. وزاد مسلم في رواية (2) "ثم انكفأ إلى كبشين أملحين، فذبحهما، وإلى جُزيعةٍ من الغنم فقسمها بيننا".

_ = مسلم (3/ 1205) 28 - كتاب القسامة 9 - باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال. (1) مسلم (3/ 1206) 28 - كتاب القسامة 9 - باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال. (2) مسلم نفس الموضع السابق. قوله: (ثم انكفأ إلى كبشين أملحين فذبحهما) انكفأ: رجع ومال. (أملحين): الأملح من الغنم: النقي البياض، وقيل: هو المختلط سواده وبياضه، إلا أن البياض فيه أكثر. (جزيعة من غنم): القطعة من الغنم.

211 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حسن إسلام المرء: تركه ما لا يعنيه". 212 - * روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رجل: ي رسول الله، أنؤاخذ بما عملناه في الجاهلية؟ قال: "من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر". * * *

_ 211 - الترمذي (4/ 558) 37 - كتاب الزهد 11 - باب حدثنا سليمان بن عبد الجبار البغدادي. وقال حديث غريب لا نعرفه من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه، وأرسله عن علي بن الحسين. ورواه أيضاً مالك (2/ 903) 47 - كتاب حسن الخلق 1 - باب ما جاء في حسن الخلق. وهو عنده مرسل عن علي بن الحسين أيضا. وهو حديث حسن وأصل عظيم من أصول الأدب. 212 - البخاري (12/ 265) 88 - كتاب استتابة المرتدين 1 - باب إثم من أشرك بالله وعقوبته في الدنيا والآخرة. مسلم (1/ 111) 1 - كتاب الإيمان 53 - باب هل يؤاخذ بأعمال الجاهلية. أحمد (1/ 271).

الفصل الثامن بعض شعب الإيمان

الفصل الثامن بعض شعب الإيمان وفيه مقدمة وفقرتان الفقرة الأول: نصوص من الكتاب في بعض شعب الإيمان الفقرة الثانية: نصوص من السنة في بعض شعب الإيمان

مقدمة

مقدمة قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} (1). إنه كما أن الشجر المثمر يخرج ثمرة كل حين، كذلك شجرة الإيمان تخرج ثمارها الطيبة بشكل مستمر، ومن ههنا كان للإيمان شعب، وقد حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها بضعة وسبعون شعبة وفي رواية البخاري بضع وستون ورجحها بضعهم. وانبثاق هذه الشعب عن الإيمان القلبي إنما يكون إذا اكتمل الإيمان في القلب وأصبح نوراً خالصاً وكان مع ذلك علم بهذه الشهب، وللوصول إلى هذا الكمال لابد من بذل الجهد بالأوراد وقراءة القرآن والعلم والإقبال على الله، وكثيرون من الناس يحاولون معالجة الفرع ويتركون الأصل، أما أهل المعرفة في الله فإنهم يركزون على الأصل ولا يغفلون الفرع. إن دخول الإنسان في الإسلام يعني التزامه بالأوامر والنواهي التي وردت في الكتاب والسنة، والأوامر منها: الفرائض والنوافل والآداب، والنواهي منها: المحرمات والمكروهات وخلاف الأولى. وما مر معنا في فصل أعمال الإسلام أمهات مما يطالب به من دخل في الإسلام فهي الشعب الأولى للإيمان والإسلام، ولكن الإيمان له بضع وسبعون شعبة، وإقامة بعض هذه الشعب يعني الكفء عما يقابلها، فكلمة التوحيد شعب من شعب الإيمان يقابلها الشرك وهو منهي عنه وكثير من شعب الإيمان يقابلها معاص، والمعاصي منها ما هو مكفر وكبيرة، ومنها ما هو كبيرة وليست كفراً. ومنها ما هو من الصفائر. والصفائر منها اللمم، ومنها ما يعتبر الإصرار عليه والاستمرار فيه كبيرة. إنه بمجرد ما يدخل الإنسان في دائرة الإيمان عليه أن يعمل وأن يترك، ودائرة العمل تشمل ابتداء شعب الإيمان، ودائرة الترك تشمل ابتداء المنهيات كلها وأولها الكبائر.

_ (1) إبراهيم: 24، 25.

وبعض شعب الإيمان يدخل فيها فروع كثيرة، فحفظ اللسان يدخل فيه أكثر من عشرين فرعا، وحفظ الفروج يدخل فيه حفظها عن الزنا واللواط وهكذا يتوضع حول شعب الإيمان فكرة الطاعات والمعاصي، فالطاعات والأعمال الصالحة أثر عن الإيمان وما يقابلها أثر عن كفر أو ضلال أو فوق. إن الأعمال الصالحة تغذي الإيمان، وكلما قوي الإيمان انبثق عنه ثمرات، وهكذا نجد بين شعب الإيمان والأعمال الصالحة صلة. قال النووي: قال ابن الصلاح: وقد صنفت في ذلك مصنفات ومن أغزرها فوائد كتاب المنهاج لأبي عبد الله الحيمي إمام الشافعيين ببخاري وكان من رفعاء أئمة المسلمين وحذا حذوه الحافظ أبو بكر البيهقي رحمه الله في كتابه الجليل الحفيل كتاب شعب الإيمان أ. هـ. وقال النووي: قال القاضي عياض رحمه الله: وقد تقدم أن أصل الإيمان في اللغة التصديق، وفي الشرع تصديق القلب واللسان، وظواهر الشرع تطلقه على الأعمال كما وقع هنا أفضلها لا إله إلا الله وآخرها إماطة الأذى عن الطريق وقد قدمنا أن كمال الإيمان بالأعمال وتمامه بالطاعات، وأن التزام الطاعات وضم هذه الشعب من جملة التصديق ودلائل عليه، وأنه خلق أهل التصديق، فليست خارجة عن اسم الإيمان الشرعي ولا اللغوي، وقد نبه صلى الله عليه وسلم على أن أفضلها الوحيد المتعين على كل أحد، والذي لا يصح شيء من الشعب إلا بعد صحته وأدناها ما يتوقع ضرره بالمسلمين من إماطة الأذى عن طريقهم، وبقي بين هذين الطرفين أعداد لو تكلف المجتهد تحصيلها بغلبة الظن وشدة التتبع لأمكنه، وقد فعل ذلك بعض من تقدم وفي الحكم بن ذلك مراد النبي صلى الله عليه وسلم صعوبة، ثم إنه لا يلزم معرفة أعيانها ولا يقدح جهل ذلك في الإيمان إذا أصول الإيمان وفروعه معلومة محققة، والإيمان بأنها هذا العدد واجب في الجملة. هذا كلام القاضي رحمه الله. وقال الإمام الحافظ أبو حاتم بن حبان- بكسر الحاء- تتبعت معنى هذا الحديث مدة وعددت الطاعات فإذا هي تزيد على هذا العدد شيئاً كثيراً فرجعت إلى السنن فعددت كل طاعة عدها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإيمان فإذا هي تنقص عن البضع والسبعين فرجعت إلى

كتاب الله تعالى فقرأته بالتدبر وعددت كل طاعة عدها الله تعالى من الإيمان فإذا هي تنقص عن البضع والسبعين فضمت الكتاب إلى السنن وأسقطت المعاد فإذا كل شيء عده الله تعالى ونبيه صلى الله عليه وسلم من الإيمان تسع وسبعون شعبة لا تزيد عليها ولا تنقص. فعلمت أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا العدد في الكتاب والسنن. وذكر أبو حاتم رحمه الله جميع ذلك في كتاب وصف الإيمان وشعبه، وذكر أن رواية من روى بضع وستون شعبة أيضا صحيحة فإن العرب قد تذكر للشيء عددا ولا تريد نفي ما سواه. وله نظائر أوردها في كتابه منها في أحاديث الإيمان والإسلام والله تعالى أعلم أ. هـ. شرح صحيح مسلم/ كتاب الإيمان. وها نحن سنعرض شعب الإيمان في الكتاب ثم في السنة:

الفقرة الأولى: نصوص من الكتاب في بعض شعب الإيمان

الفقرة الأولى: نصوص من الكتاب في بعض شعب الإيمان ذكر الله عز وجل في القرآن شعبا كثيرة للإيمان في معارض شتى وبمناسبات كثيرة، ففي معرض الحديث عن البر تذكر شعب وفي معرض الكلام عن التقوى تذكر شعب، فكلمة التقوى هي: لا إله إلا الله، وبمناسبة الكلام عن حزبه جل جلاله تذكر شعب، وبعض الشعب تذكر وهي تفصيل لشعب جامعة/ ولكي نستكمل صورة شعب الإيمان فنحن نذكر بعض ما ورد في القرآن ونمطي لكل شعبة نذكرها رقما متسلسلاً، وما يتكرر ما لا يعطي تفصيلا لا نعطيه رقما. قال تعالى: 1 - {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} (1). 2 - {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}. 3 - {وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ}. 4 - {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (2). 5 - {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ}. 6 - {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} (3). 7 - {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا}. 8 - {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ} (4). 9 - {وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} (5).

_ (1) البقرة: 2. (2) البقرة: 3. (3) البقرة: 4. (4) البقرة: 177. (5) البقرة: 285

10 - {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ}. 11 - {وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ}. 12 - {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} (1). 13 - {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ}. 14 - {وَنَصَرُوهُ}. 15 - {وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ} (2). 16 - {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}. 17 - {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا}. 18 - {وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (3). 19 - {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ * وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ}. 20 - {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ}. 21 - {وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} (4). 22 - {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} (5). 23 - {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ}. 24 - {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ} (6).

_ (1) آل عمران: 17. (2) الأعراف: 157. (3) الأنفال: 2. (4) الرعد: 18 - 21. (5) الرعد: 23. (6) الرعد: 27 - 28.

25 - {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} (1). 26 - {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} (2). 27 - {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} (3). 28 - {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} (4). 29 - {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} (5). 30 - {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} (6). 31 - {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} (7). 32 - {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} (8). 33 - {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا}. 34 - {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} (9). 35 - {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} (10). 36 - {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ}. 37 - {وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} (11).

_ (1) الحج: 23. (2) المؤمنون: 1. (3) المؤمنون: 2. (4) المؤمنون: 4/ 5. (5) المؤمنون: 6، 7، 8. (6) المؤمنون: 60. (7) النور: 51. (8) النور: 62. (9) الفرقان: 63. (10) الفرقان: 64. (11) الفرقان: 68.

38 - {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} (1). 39 - {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ...} (2). 40 - {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ}. 41 - {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} (3). 42 - {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ}. 43 - {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (4). 44 - {يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} (5). 45 - {يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ}. 46 - {وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (6). 47 - {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}. 48 - {فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ ...} (7). 49 - {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ}. 50 - {الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ} (8). 51 - {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} (9). 52 - {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}.

_ (1) الفرقان: 72. (2) الفرقان: 74. (3) آل عمران: 133، 134. (4) آل عمران: 125. (5) آل عمران: 113. (6) آل عمران: 114. (7) التوبة: 111. (8) التوبة: 112. (9) البقرة: 165.

53 - {أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}. 54 - {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} (1). 55 - {... إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} (2). 56 - {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ} (3). 57 - {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} (4). 58 - {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} (5). 59 - {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (6). 60 - {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} (7). 61 - {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (8). 62 - {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} (9). 63 - {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} (10). 64 - {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} (11). 65 - {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} (12). 66 - {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} (13).

_ (1) المائدة: 54. (2) المائدة: 55. (3) النساء: 36. (4) البقرة: 83. (5) الإسراء: 36. (6) الإسراء: 34. (7) الإسراء: 35. (8) الإسراء: 36. (9) الإسراء: 37. (10) لقمان: 18. (11) لقمان: 19. (12) السجدة: 15. (13) السجدة: 16.

67 - {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} (1). 68 - {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} (2) {إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ} (3). 69 - {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ} (4). 70 - {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (5). 71 - {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} (6). 72 - {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} (7). 73 - {قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} (8). 74 - {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (9). 75 - {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ...} (10). 76 - {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} (11). هذه نماذج من القرآن على شعب الإيمان، والأمر واسع، لأن بعض شعب الإيمان المأمور بها يقابلها ترك وكف ونهي، فلو أدخلنا المأمورات وما يقابلها من المنهيات لزادت شعب الإيمان عن البضعة والسبعين، ومن تتبع الأمر على ما ذكرناه تأكد من ذلك، وإنما نحن هنا نعطي نماذج وإلا فقد خصت الشعب بالتأليف وخص ما يقابلها من معاص بالتأليف، ولنعر بعض ما ورد في السنة من شعب:

_ (1) الأحزاب: 35. (2) ص: 83. (3) ص: 46. (4) الشورى: 37. (5) الشورى: 38. (6) الشورى: 39. (7) الحجرات: 15. (8) الطور: 36. (9) المجادلة: 11. (10) المجادلة: 22. (11) المنافقون: 8.

الفقرة الثانية: نصوص في بعض شعب الإيمان في السنة

الفقرة الثانية: نصوص في بعض شعب الإيمان في السنة 213 - * روى الجماعة إلا مالكا عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإيمان بضع وسبعون شعبة". وفي رواية: "بضع وستون، والحياء شعبة من الإيمان". زاد في رواية: "وأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق". 214 - * روى الطبراني عن علقمة قال: قال عبد الله: الصبر نصف الإيمان واليقين الإيمان كله. 215 - * روى أحمد عن أنس، رفعه"لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن

_ 213 - البخاري (1/ 51) 2 - كتاب الإيمان 3 - باب أمور الإيمان. ومسلم (1/ 63) 1 - كتاب الإيمان 12 - باب بيان عدد وشعب الإيمان وأفلها وأدناها ... إلخ. وأبو داود (4/ 211) كتاب السنة -باب في رد الإرجاء. والترمذي (5/ 10) 41 - كتاب الإيمان 6 - باب ما جاء في استكمال الإيمان وزيادته ونقصانه. والنسائي (8/ 110) 47 - كتاب الإيمان 16 - باب ذكر شعب الإيمان. وابن ماجه (1/ 22) المقدمة 9 - باب في الإيمان. (بضع) البضع القطعة من الشيء، وهو في العدد ما بين الثلاث إلى التسع، لأنه قطعة من العدد. (الحياء من الإيمان): جعل الحياء- وهو غريزة- من الإيمان وهو اكتساب لأن المستحي ينقطع باستحيائه عن المعاصي، وإن لم يكن له تقية، فصار كالإيمان الذي يقطع بينها وبينه، وإنما جعله بعضا من الإيمان، لأن الإيمان بمجموعة ينقسم إلى ائتمار بما أمر الله به، وانتهاء عما نهى الله عنه، فإذا حصل الانتهاء بالحياء كان بعضه. (الشعبة): الطائفة من كل شيء، والقطعة منه. (إماطة الأذى): أماط الشيء: إذا أزاله عنه، وأذهبه، والأذى في هذا الحديث، نحو الشوك والحجر وما أشبه. 214 - المعجم للكبير (9/ 107). مجمع الزوائد (1/ 57)، وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. 215 - المسند (3/ 135، 154/ 210/ 251). مجمع الزوائد (1/ 96) وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والبراز والطبراني في الأوسط وفيه أبو هلال وتقه ابن معين وغيره وضعفه النسائي وغيره أ. هـ. قال البغوي في شرح السنة (1/ 75): هذا حديث حسن أ. هـ. وقال محققه شعيب الأرناؤوط: حديث جيد قوي.

216 - * روى مسلم عن أبي مالك الأشعري؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"الطهور شطر الإيمان. والحمد لله تملأ الميزان. وسبحان الله والحمد لله تملآن (أو تملأ) ما بين السماوات والأرض. والصلاة نور. والصدقة برهان. والصبر ضياء. والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبايع نفسه. فمعتقها أو موبقها". 217 - * روى مسلم عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه. ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه" فقلت: يا نبي الله! أكراهية الموت؟ فكلنا نكره الموت. فقال: "ليس كذلك. ولكم المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته أحب لقاء الله، فأحب الله لقاءه. وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه، كره لقاء الله وكره الله لقاءه".

_ 216 - مسلم (1/ 203) 3 - كتاب الطهارة 1 - باب فضل الوضوء. (الطهور): قال جمهور أهل اللغة: يقال: الوضوء. والطهور، بضم أولهما إذا أريد به الفعل الذي هو المصدر ويقال: الوضوء والطهور، بفتح أولهما، إذا أريد به الماء الذي يتطهر به. (شطر) أصل الشرط النصف. (الصلاة نور): فمعناه أنها تمنع من المعاصي وتنهي عن الفحشاء والمنكر وتهدي إلى الصواب. كما أن النور يستضاء به. (والصدقة برهان) قال صاحب التحرير: معناه يفزع إليها كل يفزع إلى البراهين. كأن العبد إذا سئل يوم القيامة عن مصرف ماله كانت صدقاته براهين في جواب هذا السؤال، فيقول: تصدقت به. (والصبر ضياء): فمعناه الصبر المحبوب في الشرع. وهو الصبر على طاعة الله والصبر عن معصيته. والصبر أيضا على النائبات وأنواع المكاره في الدنيا. والمراد أن الصبر محمود. ولا يزال صاحبه مستضيئاً مهتدياً مستمراً على الصواب. (والقرآن حجة لك أو عليك): معناه ظاهر. أي تنتفع به إن تلوته وعملت به وإلا فهو حجة عليك. (كل الناس يغدو إلخ): فمعناه كل إنسان يسعى بنفسه. فمنهم من يبيعها لله بطاعته فيعتقها من العذاب. ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى باتباعها فيوبقها. أي يهلكها. 217 - مسلم (4/ 2065، 2066، 2067) 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار 5 - باب من أحب لقاء الله. إلخ. (كره الله لقاءه): هذا الحديث يفسر أخره أوله. ويبين المراد بباقي الأحاديث المطلقة: من أحب لقاء الله. ومن كره لقاء الله. ومعنى الحديث أن الكراهة المعتبرة هي التي تكون عند النزع في حالة لا تقبل نوته ولا غيرها. فحينئذ يبشر كل إنسان بما هو صائر إليه وما أعد له ويكشف له عن ذلك. فأهل السعادة يحبون الموت ولقاء الله لينتقلوا إلى ما أعد لهم ويحب الله لقاءهم أي فيجزل لهم العطاء والكرامة، وأهل الشقاوة يكرهون لقاءه، لما علموا من سوء ما ينتقلون إليه، ويكره الله لقاءهم، أي يبعدهم عن رحمته وكرامته، ولا يريد ذلك بهم وهذا معنى كراهته سبحانه لقاءهم.

218 - * روى مسلم عن العباس بن عبد المطلب: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "ذاق طعم الإيمان، من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولاً" 219 - * روى البخاري ومسلم عن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً". 220 - * روى الترمذي عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع حتى يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله بعثني بالحق وحتى يؤمن بالبعث بعد الموت وحتى يؤمن بالقدر". 221 - * روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يؤمن أحدكم، حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين". 222 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أشد أمتي لي حباً ناس يكونون بعدي يود أحدكم لو رآني بأهله وماله" 223 - * روى البخاري عن عمار، قال: ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان:

_ 218 - مسلم (1/ 62) 1 - كتاب الإيمان 11 - باب الدليل على أن من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا .. إلخ. 219 - البخاري (1/ 565) 8 - كتاب الصلاة 88 - باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره. ومسلم (4/ 1999) 45 - كتاب البر والصلة والآداب 17 - باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم. وأحمد (4/ 404/ 405) والترمذي (4/ 225) 28 - كتاب البر والصلة 18 - باب ما جاء في شفقة المسلم على المسلم. 220 - الترمذي (4/ 453) وإسناده صحيح وأخرجه ابن ماجه (1/ 32) المقدمة 10 - باب في القدر. والحاكم (1/ 32، 33) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. 221 - البخاري (1/ 58) 2 - كتاب الإيمان 8 - باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان. ومسلم (1/ 67) 1 - كتاب الإيمان 16 - باب وجوب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ... إلخ. والنسائي (8/ 114) 47 - كتاب الإيمان 19 - باب علامة الإيمان. 222 - مسلم (4/ 2178) 51 - كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها. 4 - باب فيمن يود رؤية النبي صلى الله عليه وسلم بأهله وماله. 223 - البخاري (1/ 82) 2 - كتاب الإيمان 20 - باب إفشاء السلام من الإسلام. وأخرجه البغوي في شرح السنة (1/ 52).=

الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من الإقتار. أخرجه البخاري تعليقاً عن عمار بصيغة الجزم فهو صحيح النسبة له، ومثله لا يقال من جهة السمع فإذا ما اجتمع إلى ذلك رواية البراز التي ترفعه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فذلك يجعله حديثا صحيحاً. 224 - * روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي اله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد، فاشهدوا له بالإيمان، فإن الله عز وجل يقول: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ....} الآية: [التوبة: 17] 225 - * روى البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم: مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو: تداعى له سائل الجسد بالسهر والحمى" وفي رواية (3): "المؤمنون كرجل واحد، إذا اشتكى رأسه تداعى له سائل الجسد بالسهر والحمى". ولمسلم (4): "المسلمون كرجل واحد، إن اشتكى عينه اشتكى كله وإن اشتكى رأسه اشتكى كله".

_ = والبراز- كشف الأستار (1/ 25). مجمع الزوائد (1/ 56، 57). وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح إلا أن شيخ البراز لم أر من ذكره وهو الحسن بن عبد الله الكوفي. وقال: رواه الطبراني في الكبير وفيه القاسم أبو عبد الرحمن وهو ضعيف. 224 - الترمذي (5/ 277) 48 - كتاب تفسير القرآن 10 - باب ومن سورة التوبة. وقال: هذا حديث حسن غريب. (1) ورواه أحمد (3/ 68، 76). (2) وابن ماجه (2/ 263). 225 - البخاري (10/ 438) 78 - كتاب الأدب 27 - باب رحمة الناس والبهائم. ومسلم (4/ 1999، 2000) 45 - كتاب البر والصلة والآداب 17 - باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم. (3) مسلم (الموضع السابق). (4) مسلم (الموضع السابق) (تداعى له): تداعى البناء: إذا تبغ بعضه بعض في الانهدام، كأن أجزاءه قد دعا بعضها بعضا.

226 - * روى أبو داود عن أوسٍ بن أوسٍ رضي الله عنه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، في خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي" فقالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ قال: يقولون: بليت-[قال]: "إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء". 227 - * روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ولا يدخل رجل الجنة لا يأمن جاره بوائقه". 228 - * روى مسلم عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه". 229 - * روى مسلم عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه". 230 - * روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه" (أو قال لجاره) "ما يحب لنفسه".

_ 226 - أبو داود (1/ 275) كتاب الصلاة- باب تفريع أبواب الجمعة. والنسائي (3/ 91) 14 - كتاب الجمعة 5 - إكثار الصلاة على النبي صلى الله عيه وسلم يوم الجمعة. والحديث إسناده صحيح. (الصعقة): الغشي والموت. (ارم الميت): ورم إذا بلى والرمة: العظم البالي، والفعل الماضي منه للمتكلم، أرممت: بإظهار التضعيف. 227 - مسند أحمد (3/ 198). 228 - مسلم (1/ 68) 1 - كتاب الإيمان 8 - باب تحريم إيذاء الجار. 229 - مسلم (1/ 68) 1 - كتاب الإيمان 9 - باب الحث على إكرام الجار والضيف ولزوم الصمت ... إلخ. 230 - البخاري (1/ 56) 2 - كتاب الإيمان 7 - باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه. ومسلم (1/ 67) 2 - كتاب الإيمان 7 - باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ... إلخ. والترمذي (4/ 667) 38 - كتاب صفة القيامة 59 - باب حدثنا بشر بن هلال ... إلخ. والنسائي (8/ 114) 47 - كتاب الإيمان 19 - باب علامة الإيمان.

231 - * روى الترمذي عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا الفاحش البذيء". 232 - * روى مسلم عن طارق بن شهاب، قال: أول من بدأ بالخطبة، يوم العيد قبل الصلاة، مروان. فقام إليه رجل. فقال: الصلاة قبل الخطبة فقال: قد تُرك ما هنالك. فقال أبو سعيدٍ: أما هذا فقد قضى ما عليه. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده. فإن لم يستطيع فبلسانه. فإن لم يستطع فبقلبه. وذلك أضعف الإيمان". 233 - * روى مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ما من نبي بعثه الله في أُمة قبلي، إلا كان له من أمته حواريون، وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره. ثم إنها تخلفُ من بعدهم خلوفٌ. يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون. فمن جاهدهم بيده فهو مؤمنٌ. ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمنٌ. ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن. وليس وراء ذلك من الإيمان حبةُ خردلٍ". 234 - * روى البخاري ومسلم عن عديّ بن ثابت قال: سمعت البراء بن عازبٍ قال:

_ 231 - الترمذي (4/ 250) 28 - كتاب البر والصلة 48 - باب ما جاء في اللعنة. وقال: هذا حديث حسن غريب، وقد روي عن عبد الله من غير هذا الوجه. (الطعان): الذي يطعن في أعراض الناس. (اللعان): كثير الشتمِ والسبْ. (الفاحش): ذو الفحش في كلامه وفِعَاله. (البذيء): الفاحش في القول. 232 - مسلم (1/ 69) 1 - كتاب الإيمان 20 - باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان ... إلخ. 233 - مسلم (1/ 70) الكتاب والباب السابقان. (الحواريون): جمع حواري وهم الخاصة والأصحاب والناصرون. (الخلوف): جمع خلف: وهو القرن من الناس. وقد جرت العادة أن تطلق كلمة خَلف على من يخالف غيره بسوءٍ. وبعضهم يقول: خلف صدقٍ بالتحريك ويسكن الآخر في السوء للتفريق. وبعضهم جعلها سواء في التحريك والتسكين. 234 - البخاري (7/ 113) 62 - كتاب مناقب الأنصار 4 - باب حب الأنصار من الإيمان.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يحب الأنصار إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافقٌ من أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله". 235 - * روى مسلم عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يُبغضُ الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر". 236 - * روى مسلم عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا. أولا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم". 237 - * روى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أدى العبد حق الله وحق مواليه كان له أجران" قال: فحدثتها كعبا. فقال كعبٌ: ليس عليه حسابٌ. ولا على مؤمن مُزهد. 238 - * روى البخاري عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعملُ به كالأترُجة طعمها طيبٌ وريحها طيب. والمؤمنُ الذي لا يقرأ القرآن ويعمل به كالتمرة طعمها طيب ولا ريح لها، ومثلُ المنافق الذي يقرأُ القرآن كالريحانة ريحُها طيبٌ وطعمها مرٌّ ومثلُ المنافق الذي لا يقرأ القرآن كالحنظلة طعمها مُرٌّ أو خبيث وريحها مرٌّ". 239 - * روى أحمد والبخاري ومسلم عن النعمان بن بشير يخطبُ يقول: سمعتُ رسول

_ = مسلم (1/ 85) 1 - كتاب الإيمان 33 - باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي رضي الله عنهم من الإيمان ... إلخ. 235 - مسلم (الموضع السابق). 236 - مسلم (1/ 74) 1 - كتاب الإيمان 22 - باب بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون ... إلخ. 237 - مسلم (3/ 1285) 27 - كتاب الأيمان 11 - ببا ثواب العبد وأجره إذا نصح لسيده وأحسن عبادة ربه. 238 - البخاري (9/ 100) 66 - كتاب فضائل القرآن 26 - باب إثم من راءى بقراءة القرآن أو تأكل به أو فجر به. 239 - مسند أحمد (4/ 270) بالسياق المذكور. وهو عند البخاري ومسلم حديثان: الأول أخرجه البخاري (10/ 438) 78 - كتاب الأدب 27 - باب رحمة الناس والبهائم.

الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مثلُ المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد إذا اشتكى منه شيءٌ تداعى له سائرُ الجسد بالسهر والحمى". وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الحلال بينٌ والحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ فيه لدينه وعرضه ومن واقعها واقع الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يُوشكُ أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملكٍ حمى وإن حمى الله ما حرَّم ألا وإن في الإنسان مُضغةً إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب". 240 - * ورووا أيضاً عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يسرقُ سارقٌ حين يسرقُ وهو مؤمن ولا يزني زانٍ حين يزني وهو مؤمن ولا يشربُ الشارب حين يشرب وهو مؤمنٌ - يعني الخمر- والذي نفس محمد بيده ولا ينتهب أحدكم نُهبة ذات شرف ويرفع إليه المؤمنون أعينهم فيها وهو حين ينتهبها مؤمنولا يغُل أحدكم حين يغلُّ وهو مؤمن فإياكم إياكم". 241 - * روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك قال: كان عبد الله بنُ رواحة إذا لقي الرجل من أصحابه يقول: تعال نؤمن بربنا ساعةً فقال ذات يوم لرجلٍ فغضب الرجل فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ألا ترى إلى ابن رواحة يرغبُ عن إيمانك إلى إيمان ساعة فقال النبي صلى الله عليه وسلم "يرحم الله ابن رواحة إنه يُحب المجالس التي تباهي بها الملائكة عليهم السلام".

_ = ومسلم (4/ 1999) 45 - كتاب البر والصلاة والآداب 17 - باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم. والثاني أخرجه البخاري (1/ 126) 2 - كتاب الإيمان 39 - باب فضل من استبرأ لدينه. ومسلم (3/ 1219) 22 - كتاب المساقاة 20 - باب أخذ الحلال وترك الشبهات. (مُضغة): قطعة لحم. 240 - البخاري (5/ 119) 46 - كتاب المظالم 20 - باب النهي بغير إذن صاحبه. مسلم (1/ 76) 1 - كتاب الإيمان 24 - باب بيان نقصان الإيمان بالمعاصي ... إلخ. أحمد (2/ 317) 241 - مسند أحمد (2/ 265). بإسناد حسن.

242 - * روى البزار عن أنس رضي الله عنه، قال: قالوا: يا رسول الله إنا نكون عندك على حالٍ، حتى إذا فارقناك نكون على غيره قال: كيف أنتم ونبيكم". قالوا أنت نبينا في السر والعلانية قال: "ليس ذاك النفاق". 243 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقولون الكرمُ وإنما الكرم قلبُ المؤمن". أقول: المراد بالحديث أن الذي يستحق التسمية بالكرم هو قلب المؤمن وحده، ولا يستحق ذلك شجر العنب. 244 - * روى مسلم عن عبد الله بن سفيان عن أبيه قال: يا رسول الله أخبرني أمراً في الإسلام لا أسأل عنه أحداً بعدك قال: "قل آمنتُ بالله ثم استقم" قال يا رسول الله: فأي شيء أتقي؟ قال: فأشار بيده إلى لسانه. 245 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يغارُ والمؤمن يغارُ، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرَّم عليه". 246 - * روى أحمد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن يغار، المؤمن يغارُ والله أشد غيراً".

_ 242 - كشف الأستار (1/ 34). مجمع الزوائد (1/ 34) وقال: رواه أبو يعلى والبزار إلا أن البزار قال: كيف أنتم وربكم قالوا الله ربنا في السر والعلانية. ورجال أبي يعلى رجال الصحيح. 243 - البخاري (10/ 566) 78 - كتاب الأدب 102 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "إنما الكرم قلب المؤمن". ومسلم (4/ 1763) 40 - كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها 2 - باب كراهة تسمية العنب كرماً. ومسند أحمد (2/ 239). 244 - مسلم (1/ 65) 1 - كتاب الإيمان 12 - باب جامع أوصاف الإسلام. مسند أحمد (3/ 413). 245 - البخاري (9/ 319) 67 - كتاب النكاح 107 - باب الغيرة. ومسلم (4/ 20114) 49 - كتاب التوبة 6 - باب غيرة الله تعالى، وتحريم الفواحش. والترمذي (3/ 471) 10 - كتاب الرضاع 14 - باب ما جاء في الغيرة. 246 - مسند أحمد (2/ 225). وعند مسلم بنحوه في الموضع السابق.

247 - * روى الإمام أحمد عن ابن أبي المعلى عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوماً فقال: "إن رجلاً خيره ربه عز وجل بين أن يعيش في الدنيا ما شاء أن يعيش فيها ويأكل في الدنيا ما شاء أن يأكل فيها وبين لقاء ربه فاختار لقاء ربه" قال فبكى أبو بكر فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تعجبون من هذا الشيخ أن ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً صالحاً خيره ربه عز وجل بين لقاء ربه وبين الدنيا فاختار لقاء ربه وكان أبو بكر أعلمهم بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر بل نفديك يا رسول الله بأموالنا وأبنائنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من الناس أحد أمن علينا في صحبته وذات يده من ابن أبي قحافة ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت ابن أبي قحافة ولكن ود وإخاء إيمان ولكن ود وإخاء إيمانٍ- مرتين- وإن صاحبكم خليل الله عز وجل". 248 - * روى البخاري ومسلم عن أنسٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان؛ من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله، وأن يكره أن يعود في الكفرٍ بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار". 249 - * روى البخاري ومسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجلٍ من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "دعه فإن الحياء من الإيمان". 250 - * روى أحمد وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

_ 247 - أحمد (3/ 478). واللفظ له. وأخرجه البخاري (7/ 227) 63 - كتاب مناقب الأنصار 45 - باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة. ومسلم (4/ 1854) 44 - كتاب فضائل الصحابة 1 - باب من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه. كلاهما عن أبي سعيد مع مغايرة في اللفظ. 248 - البخاري (1/ 60) 2 - كتاب الإيمان 9 - باب حلاوة الإيمان. مسلم (1/ 66) 1 - كتاب الإيمان 15 - باب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان. 249 - البخاري (1/ 74) 2 - كتاب الإيمان 16 - باب الحياء من الإيمان. مسلم (1/ 63) 1 - كتاب الإيمان 12 - باب بيان عدد شعب الإيمان ... إلخ. 250 - أحمد (2/ 274). أبو داود (4/ 220) كتاب السنة - باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه. مختصراً.

"أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخيارهم خيارهم لنسائهم". 251 - * روى أحمد والترمذي عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن من أكمل المؤمنين أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله". 252 - * روى البزار عن أنسٍ رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أكمل الناس إيماناً أحسنهم خلقاً وإن حسن الخلق ليبلغ درجة الصوم والصلاة". 253 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يلدغ المؤمن من جحرٍ واحدٍ مرتين". 254 - * روى أحمد ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}. 255 - * روى أحمد ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمن يأكل في معى واحدٍ والكافر يأكل في سبعة أمعاءٍ". 256 - * روى مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كان يؤمن بالله واليوم

_ = الترمذي (3/ 466) 10 - كتاب الرضاع 11 - باب ما جاء في حق المرأة على زوجها. وقال: حديث حسن صحيح. 251 - أحمد (6/ 47). الترمذي (5/ 9) 41 - كتاب الإيمان 6 - باب ما جاء في استكمال الإيمان وزيادته ونقصانه. وقال هذا حديث صحيح. 252 - كشف الأستار (1/ 27). مجمع الزوائد (1/ 58) وقال: رواه البزار ورجاله ثقات. 253 - البخاري (10/ 529) 78 - كتاب الأدب 83 - باب لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين. مسلم (4/ 2295) 53 - كتاب الزهد والرقائق 12 - باب لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين. 254 - أحمد (2/ 328). مسلم (2/ 703) 12 - كتاب الزكاة 19 - باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها. 255 - أحمد (2/ 21). مسلم (3/ 1631) 36 - كتاب الأشربة 34 - باب المؤمن يأكل في معى واحد ... إلخ. 256 - مسلم (3/ 1091) 17 - كتاب الرضاع 18 - باب الوصية بالنساء.

الآخر، فإذا شهد أمرًا فليتكلم بخيرٍ أو ليسكت. واستوصوا بالنساء. فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه إن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج، استوصوا بالنساء خيرًا". 257 - * روى أحمد ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من فارق الجماعة وخرج من الطاعة فمات فميتته جاهلية ومن خرج على أمتي بسيفه يضرب برها وفاجرها لا يحاشي مؤمناً لإيمانه ولا يفي لذي عهد بعهده فليس من أمتي". 258 - * روى الإمام أحمد عن الحسن؛ قال: جاء رجل إلى الزبير بن العوام فقال: أقتل لك عليا؟ قال: لا وكيف تقتله ومعه الجنود؟ قال: ألحق به فأفتك به قال: لا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الإيمان قيد الفتك لا يفتك مؤمن". 259 - * روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن العرباض بن سارية، قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب قلنا يا رسول الله إن هذه لموعظة مودع فماذا تعهد إلينا قال: "قال تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها يعدي إلا هالك، ومن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً. فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين وعليكم بالطاعة وإن

_ 257 - أحمد (2/ 306). واللفظ له. مسلم (3/ 1476) 33 - كتاب الإمارة 13 - باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين ... الخ. النسائي (7/ 123) 37 - كتاب تحريم الدم 28 - باب التغليظ فيمن قاتل تحت راية عمية. 258 - أحمد (1/ 166). وأخرجه أبو داود (3/ 87) كتاب الجهاد- باب العدو يؤتي على غرة ويتشبه بهم. عن أبي هريرة مقتصراً على لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم فقط. وهو حديث حسن بشواهده. 259 - أحمد (4/ 136). أبو داود (4/ 200) كتاب السنة- باب في لزوم السنة. الترمذي (5/ 44) 42 - كتاب العلم 16 - باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع. ابن ماجه (1/ 15، 16) المقدمة 6 - باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين. وهو حديث صحيح.

عبدًا حبشيًا عضوا عليها بالنواجذ فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما انقيد انقاد". 260 - * روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المؤمن غر كريم، وإن الفاجر خب لئيم". 261 - * روى الترمذي عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه" قالوا وكيف يذل نفسه؟ قال: "يتعرض من البلاء لما لا يطيق". وبعد: فهذه مختارات من شعب الإيمان عطرنا بها الكتاب، وسيرى القارئ كثيراً من الشعب في أمكنة كثيرة من هذا الكتاب. * * *

_ (النواجذ): الضواحك. والمراد هنا: تمسكوا بالطاعة كما يتمسك العاض بجميع أسنانه. (الجمل الأنف): الجمل الطائع لا يمتنع على قائده. وقيل: الأنف: الذلول. 260 - أحمد (2/ 294). أبو داود (4/ 251) كتاب الأدب- باب في حسن العشرة. الترمذي (4/ 344) 28 - كتاب البر والصلة 41 - باب ما جاء في البخيل. وقال: هذا حديث حسن غريب. (غر): ليس بذي نكر ولا خداع. (خب): خداع. (لئيم): الدني الأصل الشحيح النفس. 261 - الترمذي (4/ 523) 34 - كتاب الفتن 67 - باب حدثنا محمد بن بشار ... إلخ. وقال: هذا حديث حسن غريب.

الفصل التاسع في: بعض الموازين التي يزن بها المؤمن إيمانه وإسلامه

الفصل التاسع في: بعض الموازين التي يزن بها المؤمن إيمانه وإسلامه

مقدمة

مقدمة ليس هناك هم عند المسلم أعظم من همه أن يكون مؤمناً مسلماً مقبولاً عند الله. وتحقيق ذلك يقتضي من المسلم أن يكون دائم التفتيش عما إذا كان كذلك، ولا شيء يساعده على معرفة ما إذا كان سائراً في الطريق الصحيح من أن يعرض نفسه على الموازين التي وردت في الكتاب والسنة والتي تحدد صفات أهل الإيمان. من ذلك في القرآن الكريم: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} (1). {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)} (2). ومن ذلك في السنة: نصوص 262 - * روى مسلم عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت الرجل يعمل من الخير، ويحمده الناس عليه؟ قال: "تلك عاجل بشرى المؤمن". 263 - * روى ابن ماجه عن عبد الله بن مسعود قال: قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله كيف لي أن أعلم إذا أحسنت وإذا أسأت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعت جيرانك يقولون قد أحسنت فقد أحسنت، وإذا سمعتهم يقولون قد أسأت فقد أسأت".

_ (1) الأنفال: 2، 3، 4. (2) الحجرات: 15. 262 - مسلم (4/ 2034) 45 - كتاب البر والصلة والآداب 51 - باب إذا أثني على الصالح فهي بشرى ولا تضره. 263 - ابن ماجه (2/ 1412) 37 - كتاب الزهد 35 - باب الثناء الحسن. ورواه الإمام أحمد (1/ 402). وابن حيان في صحيحه- موارد الظمآن (503) باب شهادة الجيران. مجمع الزوائد (10/ 271) وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. وهو في المعجم الكبير (10/ 238).

264 - * روى أحمد عن أبي أمامة، قال رجل: يا رسول الله ما الإيمان؟ قال: "إذا سرتك حسنتك وساءتك سيئتك فأنت مؤمن". 265 - * روى الطبراني عن أبي أمامة قال: قال رجل: ما الإثم يا رسول الله؟ قال: "ما حاك في صدرك فدعه" قال: فما الإيمان؟ قال: "من ساءته سيئته وسرته حسنته فهو مؤمن". 266 - * روى الطبراني في الأوسط عن ابن عمر قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبلٍ وأبا موسى إلى اليمن فقال: "تساندا وتطاوعا وبشرا ولا تنفرا" فخطب الناس معاذ فحثهم على الإسلام والتفقه والقرآن وقال أخبركم بأهل الجنة وأهل النار، إذا ذكر الرجل بخير فهو من أهل الجنة وإذا ذكر بشر فهو من أهل النار. 267 - * روى ابن ماجه عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أهل الجنة من ملأ الله أذنيه من ثناء الناس خيراً وهو يسمع، وأهل النار من ملأ أذنيه من ثناء الناس شرا وهو يسمع". 268 - * روى البزار عن أنسٍ قال: قيل: يا رسول الله من أهل الجنة؟ قال: "من لا يموت حتى يملأ الله مسامعه مما يحب" قيل فمن أهل النار؟ قال: "من لا يموت حتى يملأ الله مسامعه مما يكره".

_ 264 - مسند أحمد (5/ 252). أخرجه أيضاً ابن حبان والحاكم والبيهقي والضياء في المختارة. قال الحاكم: على شرطهما وأقره الذهبي، قال العراقي في أماليه: حديث صحيح. وقال الهيثمي: رجال الطبراني رجال الصحيح إلا أن فيه يحيى بن أبي كثير مدلس وإن كان من رجاله. ورواه أحمد أيضاً عن أبي موسى بإسناد رجاله ثقات لكن فيه انقطاع بلفظ من عمل حسنة فسر بها ومن عمل سيئة فساءته فهو مؤمن. 265 - المعجم الكبير (8/ 137). مجمع الزوائد (10/ 294). وقال: رواه الطبراني وأحمد باختصار عنه ورجال الطبراني رجال الصحيح. 266 - مجمع الزوائد (1/ 165). وقال رواه الطبراني في الأوسط ورجاله موثقون. 267 - ابن ماجه (2/ 1412). قال محققه: في الزوائد إسناده صحيح، ورجاله ثقات. 268 - مجمع الزوائد (10/ 272). وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير العباس بن جعفر وهو ثقة.

269 - * روى البزار عن سعد بن أبي وقاص، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنباة أو بالنبأ يقول: "يوشك أن تعرفوا أهل الجنة من أهل النار" قالوا: بما يا رسول الله؟ قال: "بالثناء الحسن والثناء السيئ". 270 - * روى أحمد والطبراني عن عقبة بن عامرٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل ليعجب من الشاب ليست له صبوة". 271 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أحب الله العبد نادى جبريل: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض". وفي رواية مسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله إذا أحب عبداً دعا جبريل، فقال: إني أحب فلاناً فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء، فيقول: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذ أبغض عبداً دعا جبريل عليه السلام، فيقول: إني أبغض فلاناً فأبغضه، قال: فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، ثم توضع له البغضاء في الأرض". وفي رواية له (1) عن سهيل بن أبي صالح، قال: كنا بعرفة، فمر عمر بن عبد العزيز وهو على الموسم، فقام الناس ينظرون إليه، فقلت لأبي: يا أبت، إني أرى الله يحب عمر ابن عبد العزيز، قال: وما ذاك؟ قلت: لما له من الحب في قلوب الناس، قال:

_ 269 - مجمع الزوائد (10/ 271). وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير الحسن بن عرفة وهو ثقة. (النباوة أو النبأة): ما ارتفع من الأرض، والمراد بها هنا منطقة في الطائف. 270 - مسند أحمد (4/ 151). المعجم الكبير (17/ 309). مجمع الزوائد (10/ 270). وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني وإسناده حسن. 271 - البخاري (6/ 303) 59 - كتاب بدء الخلق 6 - باب ذكر الملائكة. مسلم (4/ 2030) 45 - كتاب البر والصلة والآداب 8 - باب إذا أحب الله عبداً حببه إلى عباده. (1) مسلم في الموضع السابق.

فأنبئك؟ إني سمعت أبا هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ثم ذكر الحديث. وأخرجه الموطأ مثل الرواية الأولى (1)، وقال: ولا أحسبه إلا قال في البغض مثل ذلك. وأخرجه الترمذي (2) مثل مسلم، وزاد في حديثه في ذكر المحبة فذاك قول الله {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96]. 272 - * روى أحمد والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على ناس جلوس، فقال: "ألا أخبركم بخيركم من شركم"؟ قال: فسكتوا فقال ذلك ثلاث مرات، فقال رجل: بلى يا رسول الله، أخبرنا بخيرنا من شرنا، فقال: "خيركم من يرجى خيره، ويؤمن شره، وشركم من لا يرجى خيره، ولا يؤمن شره". فائدة: لقد رأينا أن مما يعرف به الخير في الإنسان ثناء أهل الصلاح عليه ومحبتهم له، هذا لا يتنافى مع ما أدبنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الاحتياط في الثناء على الإنسان وخاصة إذا خشيت عليه الفتنة من سماعه الثناء عليه. وقد ورد في ذلك: 273 - * روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يثني على رجلٍ، ويطريه في المدحة فقال: "أهلكتم- أو قطعتم- ظهر الرجل". 274 - * روى البخاري ومسلم عن أبي بكرة رضي الله عنه، قال: أثنى رجلٍ على

_ (1) الموطأ (2/ 953) 51 - كتاب الشعر 5 - باب ما جاء في المتحابين في الله. (2) الترمذي (5/ 317) 48 - كتاب تفسير القرآن 20 - باب ومن سورة مريم. 272 - الترمذي (4/ 258) 34 - كتاب الفتن 76 - باب حدثنا قتيبة ... إلخ وقال: هذا حديث حسن صحيح. مسند أحمد (2/ 368). ورواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي في شعب الإيمان. 273 - البخاري (10/ 476) 78 - كتاب الأدب 54 - باب ما يكره من التمادح. مسلم (4/ 2297) 53 - كتاب الزهد والرقائق 14 - باب النهي عن المدح إذا كان فيه إفراط ... إلخ. 274 - البخاري في الموضع السابق. مسلم (4/ 2296) نفس الكتاب والباب. أبو داود (4/ 254) كتاب الأدب- باب في كراهية التمادح.=

رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "ويلك، قطعت عنق صاحبك"- ثلاثاً- ثم قال: "من كان منكم مادحًا أخاه لا محالة، فليقل: أحسب فلاناً، والله حسيبه ولا يزكي على الله أحداً، أحسب كذا وكذا إن كان يعلم ذلك منه". وفي رواية لمسلم (1): أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عنده رجل، فقال رجل: يا رسول الله، ما من رجلٍ بعد رسول الله أفضل منه في كذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ويحك قطعت عنق صاحبك"- مراراً يقول ذلك- ثم ذكر الحديث نحوه. 275 - * روى أحمد والطبراني عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن المقة من الله عز وجل- قال شريك هي المحبة- والصيت من السماء فإذا أحب الله عبداً قال لجبريل إني أحب فلاناً فأحبوه قال فتنزل له المحبة في الأرض، وإذا أبغض عبداً قال لجبريل: إني أبغض فلاناً فأبغضوه قال فينادي جبريل إن ربكم يبغض فلاناً فأبغضوه قال فيجري له البغض في الأرض". 276 - * روى الطبراني في الأوسط عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن العبد ليلتمس مرضاة الله عز وجل فلا يزال كذلك فيقول يا جبريل إن عبدي فلاناً يلتمس أن يرضيني برضائي عليه. قال فيقول جبريل صلى الله عليه وسلم رحمة الله على فلان وتقول حملة العرش ويقول الذين يلونهم حتى يقول أهل السموات السبع ثم يهبط إلى الأرض ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهي الآية التي أنزل الله عليكم في كتابه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} وإن العبد ليلتمس سخط الله فيقول الله عز وجل يا جبريل إن فلاناً يستسخطني ألا وإن

_ = (قطعت عنق صاحبك): أي: أهلكته بالإطراء والمدح الزائد، وتعظيمك شأنه عند نفسه، فإنه يعجب بنفسه، فيهلك، كأنك قد قطعت عنقه. (1) مسلم في الموضع السابق. 275 - مسند أحمد (5/ 263). المعجم الكبير (8/ 141). مجمع الزوائد (10/ 271) وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط ورجاله وثقوا. أقول: العبرة بحب الصالحين وبغض الصالحين. 276 - مجمع الزوائد (10/ 272) وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات.

غضبي عليه. فيقول جبريل غضب الله على فلان وتقول حملة العرش ويقول من دونهم حتى يقوله أهل السموات السبع ثم يهبط إلى الأرض". 277 - * روى ابن ماجه عن أسماء بنت يزيد، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ألا أنبئكم بخياركم؟ " قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "خياركم الذين إذا رووا ذكر الله عز وجل". 278 - * روى أبو داود عن الشريد بن سويد الثقفي رضي الله عنه، قال: إن أمه أوصته أن يعتق عنها رقبة مؤمنة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن أمي أوصت أن أعتق عنها رقبة مؤمنة. وعندي جارية سوداء نوبية، أفأعتقها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ادع بها". فدعوتها، فجاءت. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "من ربك؟ " قالت: الله، قال: "فمن أنا؟ " قالت: رسول الله، قال: "أعتقها، فإنها مؤمنة". 279 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مثل المؤمن مثل الزرع، لا تزال الريح تميله، ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء، ومثل المنافق. كمثل شجرة الأرز لا تهتز حتى تستحصد". 280 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

_ 277 - ابن ماجه (2/ 1379) 37 - كتاب الزهد 4 - باب من لا يؤبه له. قال محققه: في الزوائد هذا إسناد حسن وشهر بن حوشب وسويد بن سعيد مختلف فيهما وباقي رجال الإسناد ثقات. 278 - أبو داود (3/ 230) كتاب الأيمان والنذور- باب في الرقبة المؤمنة. وإسناده حسن. والنسائي (6/ 252) 30 - كتاب الوصايا 8 - باب فضل الصدقة عن الميت. وإسناد الحديث حسن. 279 - البخاري (13/ 446) 97 - كتاب التوحيد 31 - باب في المشيئة والإرادة. ومسلم (4/ 2163) 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم 14 - باب مثل المؤمن كالزرع ومثل الكافر كشجر الأرز. والترمذي (5/ 150) 44 - كتاب الأمثال 4 - ما جاء في مثل المؤمن ... إلخ وقال: هذا حديث حسن صحيح. 280 - البخاري (10/ 529) 78 - كتاب الأدب 83 - باب لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين.

"المؤمن لا يلسع من جحرٍ واحدٍ مرتين". وفي رواية "لا يلدغ المؤمن من جحرٍ مرتين". (لا يلدغ المؤمن من جحرٍ مرتين) قال الخطابي: يروى بضم الغين وكسرها، فالضم على وجه الخبر، ومعناه: أن المؤمن هو الكيس الحازم الذي لا يؤتى من جهة الغفلة، فيخدع مرة بعد أخرى وهو لا يفطن بذلك ولا يشعر به، والمراد به: الخداع في أمر الدين، لا في أمر الدنيا، وأما [الرواية] بالكسر: فعلى وجه النهي، يقول: لا يخدعن المؤمن، ولا يؤتين من ناحية الغفلة فيقع في مكروه أو شر وهو لا يشعر به، وليكن فطناً حذراً، وهذا التأويل يصلح أن يكون لأمر الدين والدنيا معاً. 281 - * روى الطبراني عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله". 282 - * روى البزار عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله عباداً يعرفون الناس بالتوسم".

_ = ومسلم (4/ 2295) 53 - كتاب الزهد والرقائق 12 - باب لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين. وأبو داود (4/ 266) كتاب الأدب- باب في الحذر من الناس. 281 - المعجم الكبير (8/ 121). مجمع الزوائد (10/ 268) وقال: رواه الطبراني وإسناده حسن. 282 - مجمع الزوائد (10/ 268) وقال: رواه البزار والطبراني في الأوسط وإسناده حسن.

الفصل العاشر في: فضل الشهادتين وكلمة التوحيد التي هي أصل الإيمان

الفصل العاشر في: فضل الشهادتين وكلمة التوحيد التي هي أصل الإيمان وفيه: مقدمة ونصوص وتعليقات ومسائل

المقدمة

المقدمة التوحيد هو البداية والنهاية والوسط فمن لم يعرف التوحيد لم يعرف الإسلام، وإنما حظ المسلم من إسلامه بقدر حظه من كلمة التوحيد. ويدخل في التوحيد الاعتراف لله تعالى بالوحدانية فهو واحد في ذاته واحد في صفاته واحد في أفعاله، ويدخل في التوحيد اعتقاد أن الله وحده هو أهل العبادة، والتوجه له بذلك، ويدخل في التوحيد اعتقاد أن الله عز وجل أهل الطاعة، والتوجه إليه في ذلك فيما شرع وفي أحكامه كلها، وعلى هذا ذكر أهل السلوك إلى الله فكرة الإيمان بالأفعال وفكرة الإيمان بالأحكام. فالأول شعور بأنه هو الفاعل الخالق، والثاني استسلام ظاهري وباطني لشريعته. ومن آثار التوحيد التوكل عليه والشكر له والاستسلام لقضائه وقدره، فعلى هذا فالتوحيد يحكم ظاهر الإنسان وباطنه في تصرفاته كلها. والتوحيد هو أن يشهد المؤمن أن لا إله إلا الله ولا تعرف معاني لا إله إلا الله ومستلزماتها إلا بالإقرار أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ثم كانت الشهادتان هما باب الولوج في الإسلام، لأن المسلم إذا نطق بالشهادتين فقد أقر بأركان الإيمان، الإيمان بالله والإيمان بالرسل والإيمان بالواسطة بين الله والرسل، والإيمان بالوحي الذي أنزل على الرسل. والإيمان باليوم الآخر وبالقدر إنما هما فرعان عن هذا كله، ومن آمن بالوحي آمن بالكتاب والسنة ومن آمن بالكتاب والسنة آمن بالإسلام كله، وما يستلزمه الإيمان بالإسلام ومن ههنا كانت الشهادتان هما البداية وهما النهاية وهما الوسط ولذلك نجد التركيز على ذلك في الكتاب والسنة. وكلمة التوحيد هي كلمة التقوى وهي الشجرة الطيبة فبقدر استقرارها وإشراق القلب بها تخرج ثمراتها وإنما شرعت الأذكار كلها والعبادات من أجل تنوير القلب بها، والقرآن كله تنوير للقلب بكلمة التوحيد.

قال تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ} (1). فالوحي كله من أجل توحيد الله وتقواه. ولا يعرف التوحيد والتقوى إلا بواسطة الرسل لذلك تجب طاعتهم: قال تعالى: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} (2). وهذه نصوص وردت في فضل كلمة التوحيد. * * *

_ (1) النحل: 2. (2) نوح: 3.

النصوص

النصوص 283 - * روى البخاري ومسلم عن عبادة بن الصامت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من شهد أن لا إله الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل". وفي رواية (2): "أدخله الله من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء". وللترمذي (3): "من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله حرم الله عليه النار". 284 - * روى أحمد عن سهيل بن البيضاء رفعه: "من شهد أن لا إله إلا الله حرمه الله على النار وأوجب له الجنة". 285 - * روى مسلم عن أبي هريرة كنا قعودًا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا أبو بكر وعمر في نفر، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين أظهرنا فأبطأ علينا، وخشينا أن يقتطع دوننا ففزعنا فقمنا، فكنت أول من فزع فخرجت أبتغي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتيت حائطًا للأنصار لبني النجار، فدرت هل أجد له بابا فلم أجد، فإذا ربيع يدخل في جوف حائطٍ

_ 283 - البخاري (6/ 474) - 60 - كتاب الأنبياء- 47 - باب قوله تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ}. مسلم (1/ 57) - 1 - كتاب الإيمان- 10 - باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا. (2) مسلم، الموضع السابق. (3) الترمذي (5/ 23) - 41 - كتاب الإيمان- 17 - باب ما جاء فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله. أحمد (5/ 218). مسلم (1/ 58)، في الموضع السابق. 284 - مسند أحمد (3/ 451). مجمع الزوائد (1/ 15) وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير، ومداره على سعيد بن الصلت. قال ابن أبي حاتم: قد روي عن سهل بن بيضاء مرسلا، وابن عباس متصلا. 285 - مسلم (1/ 59، 60)، في الموضع السابق. ربيع: ساقية ماء. حائط: بستان.=

من بئر خارجة فاحتفزت فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أبو هريرة؟ " فقلت: نعم يا رسول الله. قال "ما شأنك"؟ قلت: كنت بين أظهرنا فقمت فأبطأت علينا، فخشينا أن تقتطع دوننا ففزعنا، فكنت أول من فزع فأتيت هذا الحائط فاحتفزت كما يحتفز الثعلب فدخلت وهؤلاء الناس ورائي فقال: "يا أبا هريرة". وأعطاني نعليه فقال: "اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة". فكان أول من لقيني عمر فقال: ما هاتان النعلان يا أبا هريرة؟ قلت: هاتان نعلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني بهما: من لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه بالجنة. فضربني عمر بين ثديي فخررت لاستي، فقال: ارجع يا أبا هريرة. فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجهشت بالبكاء، وركبني عمر وإذا هو على أثرى فقال رسول الله: "مالك يا أبا هريرة"؟ قلت: لقيت عمر فأخبرته بالذي بعثني به، فضرب بين ثديي ضربة خررت لاستي، فقال: ارجع. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عمر ما حملك على ما فعلت؟ " قال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه بشره بالجنة؟ قال: "نعم". قال: فلا تفعل فإني أخشى أن يتكل الناس عليها فخلهم يعملون. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فخلهم". 286 - * روى أحمد عن أبي موسى قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ومعي نفر من قومي فقال: "أبشروا وبشروا من وراءكم أنه من شهد أن لا إله إلا الله صادقًا بها دخل الجنة". فخرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نبشر الناس فاستقبلنا عمر فرجع بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: يا رسول الله إذا يتكل الناس. فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

_ = فاحتفزت: استعجلت. فخررت لاستي: أي سقطت على مقعدتي. 286 - مسند أحمد (4/ 402). مجمع الزوائد (1/ 16) وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله ثقات. ورمز السيوطي لصحته: فيض القدير (1/ 77).

287 - * روى البخاري ومسلم عن معاذ بن جبل: كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له عقير فقال: "يا معاذ هل تدري ما حق الله على عباده وما حق العباد على الله؟ " قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئًا". فقلت: يا رسول الله فلا أبشر الناس؟ قال: "لا تبشرهم فيتكلوا". قال أنس: فأخبر بها معاذ عند موته تأثمًا. 288 - * روى مسلم عن جابر رفعه: "ثنتان موجبتان". قال رجل: يا رسول الله ما الموجبتان؟ قال: "من مات يشرك شيئًا دخل النار، ومن مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة". 289 - * روى البخاري ومسلم عن ابن شهاب قال أخبرني محمود بن الربيع أنه عقل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقل مجةً مجها في وجهه من بئرٍ كانت في دارهم، وزعم أنه سمع عتبان بن مالك الأنصاري وكان ممن شهد بدرًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كنت أصلي لقومي بني سالم وكان يحول بيني وبينهم وادٍ إذا جاءت الأمطار يشق علي اجتيازه قبل مسجدهم، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: إني أنكرت بصري وإن الوادي بيني وبين قومي يسيل إذا جاءت الأمطار فيشق علي اجتيازه فوددت أنك تأتي فتصلي في بيتي مكانًا أتخذه مصلى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سأفعل" فغدا علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بعد ما اشتد النهار فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذنت له، فلم يجلس حتى قال: "أين تحب أن أصلي من بيتك؟ " فأشرت إلى المكان الذي أحب أن يصلي فيه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر فصففنا وراءه فصلى ركعتين ثم سلم وسلمنا حين سلم، فحبسته على خزير يصنع له، فسمع أهل

_ 287 - البخاري (10/ 397) - 77 - كتاب اللباس- 101 - باب إرداف الرجل خلف الرجل. مسلم (1/ 58) - 1 - كتاب الإيمان- 10 باب الدليل على أن من مات على التةحيد دخل الجنة قطعا. 288 - مسلم (1، 94) - 1 - كتاب الإيمان- 40 - باب من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ... 289 - البخاري (3/ 60، 61) - 19 - كتاب التهجد- 36 - باب صلاة النوافل جماعة. مسلم (1/ 455، 456) - 5 - كتاب المساجد- 47 - باب الرخصة في التخلف عن الجماعة بعذر. عقل: عرف وتذكر. ... مج مجة: دفعة من ماء صبها في وجهه من فيه. خزير: طعام يصنع من قطع اللحم مع الماء الكثير، فإذا نضج ذر عليه الدقيق.=

الدار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي فثاب رجال منهم حتى كثر الرجال في البيت، فقال رجل: ما فعل مالك لا أراه. فقال رجل منهم: ذلك منافق لا يحب الله ورسوله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقل ذلك، ألا تراه قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله". فقال: الله أعلم ورسوله، أما نحن فوالله ما نرى وده ولا حديثه إلا إلى المنافقين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله ينبغي بذلك وجه الله". قال محمود: فحدثتها قومًا فيهم أبو أيوب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوته التي توفي فيها، ويزيد بن معاوية عليهم بأرض الروم، فأنكرها علي أبو أيوب وقال: والله ما أظن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما قلت قط. فكبر ذلك علي فجعلت لله علي إن سلمني الله حتى أقفل عن غزوتي أن أسأل عنها عتبان بن مالك إن وجدته حيا في مسجد قومه. فقفلت فأهلك بحجةٍ أو عمرةٍ ثم سرت حتى قدمت المدينة، فأتيت بني سالم فإذا عتبان شيخ أعمى يصلي لقومه، فلما سلم من الصلاة سلمت عليه وأخبرته من أنا، ثم سألته من ذلك الحديث فحدثنيه كما حدثنيه أول مرة. 290 - * روى البخاري عن أبي هريرة، قلت: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال: "لقد ظننت أن لا يسألني عن هذا أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث. أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصًا مخلصًا من قلبه". 291 - * روى البخاري عن وهب بن منبه، قيل له: أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة؟ قال: بلى، ولكن ليس مفتاح إلا له أسنان فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح لك. 292 - * روى أحمد عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مفاتيح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله".

_ = قفل: رجع. 290 - البخاري (1/ 193) - 3 - كتاب العلم- 33 - باب الحرص على الحديث. 291 - البخاري (3/ 109) - 23 - كتاب الجنائز- 1 - باب في الجنائز، ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله. 292 - أحمد (5/ 242). =

293 - * روى الطبراني عن جرير رفعه: "من مات لم يشرك بالله شيئًا ولم يتند بدم حرامٍ أدخل من أي أبواب الجنة شاء". 294 - * روى أحمد عن رفاعة الجهني: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بالكديد- أو قال بقديد- فجعل رجال يستأذنون إلى أهليهم فيؤذن لهم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "ما بال رجال يكون شق الشجرة التي تلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبغض إليه من الشق الآخر". فلم ير عند ذلك من القوم إلا باكيا، فقال رجل: إن الذي يستأذن بعد هذا لسيفه فحمد الله وقال خيرًا وقال: "أشهد عند الله لا يموت عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله صدقًا من قلبه ثم يسدد إلا سلك في الجنة". قال: "وقد وعدني ربي عز وجل أن يدخل من أمتي الجنة سبعين ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب وإني لأرجو أن لا يدخلوها حتى تتبوؤا أنتم ومن صلح من آبائكم وأزواجكم وذرياتكم مساكن في الجنة". 295 - * روى الترمذي عن ابن عمرو بن العاص رفعه: "إن الله سيخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعةً وتسعين سجلاً، كل

_ = كشف الأستار (1/ 9). مجمع الزوائد (1/ 16). وقال: رواه أحمد والبزار وفيه انقطاع بين شهر ومعاذ، وإسماعيل بن عياش روايته عن أهل الحجاز ضعيفة وهذا منها. اهـ. ولكن يشهد للحديث ما سبق. 293 - المعجم الكبير (2/ 309). مجمع الزوائد (1/ 9). وقال: رجاله موثقون. (لم يتند بدم حرام): لم يصب منه شيئاً، ولم ينله منه شيء. 294 - أحمد (4/ 16). ابن ماجه (2/ 1432) - 37 - كتاب الزهد- 34 - باب صفة أمة محمد صلى الله عليه وسلم. مجمع الزوائد (1/ 30). وقال: رجاله موثقون. كديد: أو قديد: موضع بين مكة والمدينة. ... تتبوؤا: تنزلوا منازل، وهنا: تسكنوا مساكن الجنة. 295 - الترمذي (5/ 34) - 41 - كتاب الإيمان- 17 - باب ما جاء فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله. وقال: هذا حديث حسن غريب. أحمد (2/ 213). ابن ماجه (2/ 1437) - 37 - كتاب الزهد- 35 - باب ما يرجى من رحمة الله يوم القيامة. موارد الظمآن (625) - 40 - كتاب الزهد- 32 - باب في الخوف والرجاء. المستدرك (1/ 6). وقال: هو صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. السجل: الكتاب الكبير، وجمعه سجلات.

سجل مثل مد البصر ثم يقول: أتنكر من هذا شيئًا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب. فيقول: أفلك عذر؟ فيقول: لا يا رب. فيقول تعالى: بلى، إن لك عندنا حسنة فإنه لا ظلم عليك اليوم. فيخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. فيقول: احضر وزنك. فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ قال: فإنك لا تظلم فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ولا يثقل مع اسم الله تعالى شيء". 296 - * روى البخاري ومسلم عن أبي أيوب رفعه: "من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير، عشرًا، كانت له عدل أربع رقابٍ من ولد إسماعيل". 297 - * روى مسلم عن والد أبي مالكٍ الأشجعي، يرفعه "من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه، وحسابه على الله عز وجل". 298 - * روى البخاري ومسلم عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: خرجت ليلةً من الليالي، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وحده، ليس معه إنسان. قال: فظننت أنه يكره أن يمشي معه أحد. قال: فجعلت أمشي في ظل القمر، فالتفت فرآني، فقال: "من هذا؟ " فقلت: أبو ذر، جعلني الله فداك. قال: "يا أبا ذر، تعاله" قال: فمشيت معه ساعةً، فقال: "إن المكثرين هم المقلون يوم القيامة إلا من أعطاه الله خيرًا، فنفح فيه

_ 296 - البخاري (11/ 201) - 80 - كتاب- 64 - باب فضل التهليل. ومسلم (4/ 2071) - 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار- 10 - باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء. 297 - مسلم (1/ 53) - 1 - كتاب الإيمان- 8 - باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله .... أحمد (3/ 472). والد أبي مالك هو: طارق بن أشيم بن مسعود الأشجعي، صحابي له أحاديث. 298 - البخاري (11/ 260) - 81 - كتاب الرقاق- 13 - باب المكثرون هم المقلون. ومسلم (2/ 688) - 12 - كتاب الزكاة- 9 - باب الترغيب في الصدقة. (تعاله) تعال، أي: أدن، والهاء لبيان حركة اللام، وتسمى هاء السكت. (فنفخ) نفخ بيده: إذا أشار بها إلى جهة، والمراد به هاهنا: أنه فرق المال بيديه يميناً وشمالاً. =

عن يمينه، وشماله، وبين يديه، ووراءه، وعمل فيه خيرًا". قال: فمشيت معه ساعة، فقال لي: "اجلس هاهنا، حتى أرجع إليك". قال: فأجلسني في قاع حوله حجارةً، فقال لي: "اجلس هاهنا، حتى أرجع إليك" قال: فانطلق في الحرة حتى لا أراه، فلبث عني، فأطال اللبث ثم إني سمعته يقول وهو مقبل: "وإن سرق، وإن زنى؟ " قال: فلما جاء لم أصبر، فقلت: يا نبي الله جعلني الله فداك، من تكلم في جانب الحرة، ما سمعت أحدًا يرجع إليك شيئًا؟ قال: "ذاك جبريل، عرض لي في جانب الحرة: بشر أمتك أنه من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة. فقلت: يا جبريل، وإن سرق، وإن زنى؟ قال نعم. قلت يا رسول الله وإن سرق وإن زنى؟ قال: "نعم". قال: قلت: وإن سرق وإن زنى؟ قال: "نعم وإن شرب الخمر". 299 - * روى أحمد عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقًا من قلبه إلا حرم على النار". قال عمر بن الخطاب: ألا أحدثك ما هي، هي كلمة الإخلاص التي ألزمها الله تبارك وتعالى محمدًا وأصحابه، وهي كلمة التقوى التي ألاص عليها نبي الله صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالبٍ عند الموت شهادة أن لا إله إلا الله.

_ = (القاع): الأرض المستوية. 299 - مسند أحمد (1/ 63). مجمع الزوائد (1/ 15). وقال: لعمر حديث رواه ابن ماجه بغير هذا السياق ورجاله ثقات، رواه أحمد. (الأص) ألاصه على الشيء: أداره عليه وأراده منه.

تعليقات

تعليقات إذا عرفت أهمية كلمة التوحيد فإن عليك أن تعرف ماذا يدخل فيها: إن أول ما يدخل في كلمة التوحيد أن نعتقد أن الله واحد في ذاته وصفاته وأفعاله فلا ذاته تشبه الذوات ولا صفاته تشبه الصفات ولا أفعاله تشبه الأفعال وأن نعتقد أنه وحده المستحق للعبادة فلا يستحق العبادة غيره وبالتالي فلا يتوجه بأي نوع من أنواع العبادات إلا له. فمن عرف الله عز وجل حق المعرفة بمعرفة ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله ومن عرف له حقوقه جل جلاله بالعبادة والعبودية فقد اجتمع له التوحيد. أما من أعطى غيره حق العبادة فليس موحدًا، ومن لم يعطه العبودية كاملة بأن عرف له حق التشريع وحق الأمر فليس موحدًا، هذه القضايا هي أول ما يدخل في التوحيد بداهة، وقد عبر بعضهم عن هذه القضايا تعبيرات كثيرة. إن هناك أقوالاً وأفعالاً هي من باب العبادات فإذا توجه الإنسان بها لغير الله فقد أشرك: الصلاة والركوع والسجود والطواف والدعاء والنذر والذبح لغير الله بنية القربى. {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} (1)، {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (2) وهناك أفعال وأقوال هي مظنة نوع من الشرك مثل: ما شاء الله وشاء فلان. وهناك اعتقادات تجعل الإنسان مشركًا من مثل إعطائه ما هو من خصائص الألوهية والربوبية لغير الله، كاعتقاد أن أحدًا ما أو جهة ما لها حق التشريع المطلق، أو اعتقاد أن شيئًا له تأثير في الأمور بغير إرادة الله. وهناك معانٍ عقلية إذا أخل الإنسان بها يخشى عليه من الشرك، أما الجانب العاطفي الجبلي منها فله أحكامه، فالتوكل والمحبة والخوف والرجاء والشكر والولاية والتقوى والطاعة

_ (1) البقرة: 21. (2) النحل: 36.

كل ذلك يجب أن يعتقد المسلم أنها من حق الله أما إذا غلب على قلبه شيء من الاعتماد على المخلوق مع الاعتقاد الصحيح فذلك يكون أحيانًا مباحًا وأحيانًا إثما، ومن منافيات التوحيد الإخلال بمقام العبودية، والعبودية تقتضي تسليمًا واستسلامًا في الأمر والنهي والقضاء والقدر: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} (1). {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (2). {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (3). {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} (4) {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (5) {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا} (6)، {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ} (7). {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (8)، {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (9)، {فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} (10). إذا عرفت هذا أدركت محل الشهادتين في الإسلام، وأن الإسلام كله ينبثق منهما، كما أنهما تتضمنان الإسلام كله والإيمان كله. فشهادة الإسلام تتضمن الإيمان بالله وبالرسل صراحة، ومن آمن بالرسل آمن بالوحي فآمن بالملائكة وآمن بالكتب، والإيمان بالقدر فرع الإيمان بالله، ومن عرف الله وعرف عدله وعرف الرسل والكتب عرف التكليف وعرف مسؤولية الإنسان فعرف اليوم الآخر. ومن عرف كلمة الإله وما يدخل فيها من معاني العبادة والاستعاذة والتوكل والمحبة والربوبية والمالكية وعرف أن هذه الحقوق لله عز وجل إنما تعرف بواسطة الرسول صلى الله عليه وسلم، عرف ماذا ينبثق عن الشهادتين وعرف أن الالتزام بذلك والتسليم فيه

_ (1) الأعراف: 54. (2) الفاتحة: 2. (3) الجاثية: 36. (4) الأنعام: 71. (5) الأنعام: 162. (6) الأنعام: 14. (7) الأنعام: 14. (8) يونس: 106. (9) المائدة: 23. (10) النحل: 51.

وترك ما ينافيه كل ذلك أنه أثر عن الشهادتين. ومن عرف أن كلمة أشهد: تأتي من الشهادة ومن المشاهدة وتأتي بمعنى أحلف وأن بين ذلك ترابطًا أدرك أن عليه أن يكون جازمًا بالشهادة، وأن يحاول الارتقاء من الشهود العقلي إلى الشهود القلبي لـ"لا إله إلا الله"، وأن الشهود القلبي متوقف على كثرة العمل الصالح وكثرة الذكر، وعلى كثر العلم، ومن مثل هذا نعرف لماذا كانت الشهادتان لهما هذا الفضل، ولماذا كانت المدخل إلى الإسلام.

مسائل وفوائد حول الشهادتين وكلمة التوحيد

مسائل وفوائد حول الشهادتين وكلمة التوحيد 1 - مما يوصف به الإسلام أنه دين الوحدة والتوحيد والوحدانية، وهذه الكلمات القليلة يدخل فيها ما لا يحصى من المعاني: فنحن نثبت لله عز وجل الوحدة والوحدانية في ذاته وصفاته وأفعاله ونثبت أن الخلق كلهم عبيد لواحدٍ هو الله عز وجل، وأن الذات الإنسانية ينبغي أن تتوجه بالعبادة والعبودية والطاعة لواحدٍ هو الله عز وجل، ونثبت أن الذات البشرية ينبغي أن تكون موحدة في توجهاتها نحو الخالق، وأن البشرية كلها ينبغي أن تكون واحدة في هذا التوجه وفي الخضوع وفي الطاعة وفي الاستسلام لله في دينه، وإذا لم تتوحد البشرية على ذلك فالمستجيبون ينبغي أن يكونوا أمة واحدة وجسدًا واحدًا. 2 - مما يخدش جناب التوحيد عند أهل السنة والجماعة: القول بالقوة المودعة ولذلك قال صاحب الخريدة: ومن يقل بالقوة المودعة ... فذاك بدعي فلا تلتفت فالقول بالقوة المودعة تعطيل لنصوص كثيرة، وهو يخدش الفهم الصحيح لأحدية الذات الإلهية وصمديتها وقيوميتها، فمن عرف أحدية الذات الإلهية وصمديتها وقيوميتها كما ورد ذلك في نصوص الكتاب والسنة نفى القوة المودعة، ونفى القوة المودعة يقتضي منا أن نعتقد أن كل شيء ابتداء وحالاً واستقبالاً بعلم الله وإرادته وقدرته وإمداده وأنه لا تأثير لشيء من الكائنات في أثرٍ ما إلا بالله، ومن قال غير ذلك فقد نفى افتقار كل شيء إلى الله، ويدخل في نفي القوة المودعة اعتقاد أن شيئًا من الأشياء يؤثر بطبعه دون أن يكون للقدرة الإلهية دخل مباشر في ذلك فكل شيء في الماضي والحاضر والمستقبل مفتقر إلى إيجاده وإمداده، وهذه المسألة من أهم المسائل التي وقع فيها خلاف بين أهل السنة والجماعة من جهة وبين المعتزلة من جهة أخرى وهي المسألة المشهورة بمسألة خلق الأفعال. فالنصوص متضافرة على أن كل شيء بفعل الله ابتداءً وانتهاءً. قال تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} (1)، {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} (2)، {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} (3)، {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} (4)، {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ

_ (1) الزمر: 62. (2) الرحمن: 29. (3) الصافات: 96. (4) الواقعة: 58 - 59.

أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} (1)، {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} (2)، {مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ} (3)، {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} (4)، {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} (5)، {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ} (6)، {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} (7)، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (8). وهذا لا ينفي أن الله عز وجل جعل قوانين وأسبابًا، ولكن لو قلنا: إن هذه القوانين والأسباب تعمل بالقوة المودعة دون تدخل مباشر للذات الإلهية فكأننا نقول: إن الله لا دخل له بما يجري في هذا الكون وإنما هي أسباب توصل إلى أسباب، وأين هذا من قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ ...} (9)، {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ} (10). وفي الحديث الذي رواه الحاكم (11) "إن الله خالق كل صانع وصنعته"، فإذا قال قائل كيف نوفق بين التكليف والمحاسبة وبين أن كل شيء فعل الله؟ قلنا: إن قدرة الله تخلق على وفق الإرادة، والإرادة تخصص على وفق العلم، والعلم كاشف لا مخبر فالله لم يعط أحدًا القدرة على الفعل المستقل وذلك مقتضى كماله، ولكن أجرى أعمال الإنسان على علم منه بما سيختاره، ويحاسبه على اختياره المحسوس الذي يحس به كل مكلف فلا منافاة. وهذا الموضوع مفصل في كتب العقائد والتفسير وشروح السنة، ويغلط فيه الكثيرون لتأثرهم بالحس ونسيانهم النصوص وعدم دراستهم لعقيدة أهل السنة والجماعة في كتبها، مع أن دراستها حفظ للمسلم من الوقوع في ما ذهبت إليه الفرق الضالة. 3 - ومن أراد الدخول في الإسلام فإنه يفترض عليه النطق بالشهادتين بنية الدخول في الإسلام باللغة العربية أو بأي لغة، أما من نشأ في الإسلام وكان يعتقد بالشهادتين فلا يفترض عليه النطق بهما بنية الدخول في الإسلام لكنه يفترض عليه أن ينطق بهما في كل

_ (1) الواقعة: 63 - 64. (2) الأنفال: 17. (3) الكهف: 39. (4) الشعراء: 80. (5) الزمر: 42. (6) الأعراف: 155. (7) التوبة: 14. (8) الفاتحة: 5. (9) آل عمران: 6. (10) آل عمران: 160 (11) المستدرك (1/ 31). وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

صلاة أو يسن على خلافٍ بين الفقهاء في فرضية قراءة (التحيات) أو وجوبها أو سنيتها في الصلاة. ويدخل في شهادة لا إله إلا الله الاعتراف باللسان والاعتقاد بالقلب أنه لا معبود إلا الله. ويدخل في شهادة أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم الاعتراف باللسان والإذعان بالقلب أن محمدًا صلى الله عليه وسلم مرسل من عند الله إلى الأنس جميعًا والجن جميعًا وأنه صادق في كل ما بلغه عن الله عز وجل، ولا يعتبر مسلمًا إلا من جمع الشهادتين وأقر بهما وكل من ليس مسلمًا فإنه كافر، ومن شك في كفره أو توقف فهو كافر وقد رأينا فيما مضى حال من لم تبلغه الدعوة أو كان غير عاقلٍ أو غير بالغٍ أو فقد منذ الصغر وقبل التبليغ من الحواس مالا يستطيع معه إدراك الخطاب. إنه لا إيمان ولا إسلام ولا قبول للأعمال الصالحة إلا بالشهادتين، وليعلم أن مما يخدش جناب التوحيد التوجه بشيء مما هو من حقوق الربوبية لغير الله، وأن مما يخدش جوانب التوحيد عدم التأدب مع الذات الإلهية بما ينقض الشهادتين. وهذا بحث سيأتي معنا. * * *

الفصل الحادي عشر في: الإيمان الذوقي وما يقابله

الفصل الحادي عشر في: الإيمان الذوقي وما يقابله وفيه: مقدمة ونصوص ومسائل وفوائد

المقدمة

المقدمة قال تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} (1) ههنا صورة هي: أن الإيمان لم يدخل بعد إلى القلوب ولكنه على وشك الدخول. وهناك صورة ستتكرر معنا فيما يأتي: صورة الإيمان الذي لا يجاوز الحناجر وسنرى هذه الصورة تفصيلاً أثناء الكلام عن الخوارج. وهناك صورة أخرى وردت في السنة هي صورة أخذ القرآن بلا إيمان. ولكل من هذه الصور علامات يعرف بها أصحابها: فالإيمان الذي لا يجاوز الحناجر علامته: سفاهة العقول، وعدم التمكن في أخلاق الإيمان. أخذ القرآن بلا إيمان علامته: عدم تدبر القرآن والتأثر به وانسجام السلوك معه. ومن ههنا كان التركيز على الإيمان الذي يباشر القلوب مهما، ومن كلام هرقل كما في الصحيح: (وكذلك الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب) (2). أما علامات الإيمان القلبي فإنها: الرضى بربوبية الله ورسالة الرسول صلى الله عليه وسلم وبالإسلام دينًا والتوحيد والعبادة ودفع الزكاة ومحبة الله ورسوله أكثر من أي شيء آخر والإخاء في الله وكراهية العودة إلى الكفر، وفي هذا كله وفيما سبق نقرأ النصوص التالية:

_ (1) الحجرات: 14. (2) البخاري (1/ 31) 1 - كتاب بدء الوحي- الحديث 7.

النصوص

النصوص 300 - * روى مسلم عن العباس رفعه: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولاً". 301 - * روى أبو داود عن عبد الله بن معاوية الغاضري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من فعلهن فقد طَعِمَ طَعْم الإيمان: من عبد الله وحده، وعلم أنه لا إله إلا الله، وأعطى زكاة ماله طيبةً بها نفسه رافدة عليه كل عامٍ، ولم يعط الهرمة، ولا الدرنة ولا المريضة، ولا الشرط اللئيمة ولكن من وسط أموالكم، فإن الله لم يسألكم خيره، ولم يأمركم بشره". 302 - * روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه وجد بهن طعم الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن أحب عبدا لا يحبه إلا لله، ومن يكره أن يعود في الكفر- بعد أن أنقذه الله منه- كما يكره أن يلقى في النار".

_ 300 - مسلم (1/ 62) - 1 - كتاب الإيمان- 11 - باب الدليل على أن من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا فهو مؤمن .... والترمذي (5/ 14) - 41 - كتاب الإيمان- 10 - باب حدثنا قتيبة ... وأحمد (1/ 208). 301 - أبو داود (2/ 103) - كتاب الزكاة- باب في زكاة السائمة. قال الحافظ في التخليص: رواه الطبراني وجود إسناده. (رافدة عليه) الرافدة: الفاعلة من الرفد، وهي العطاء والإعانة، أي: معينة له على أداء الزكاة، غير محدثةٍ نفسه بمنعها، فهي ترفده وتعينه. (الهرمة): المسنة الكبيرة السن من كل حيوان. (الدرنة) أراد بها الرديئة، فجعل الرداءة درنا، والدرن: الوسخ. (الشرط): الرذيلة من المال كالصغيرة والمسنة والعجفاء ونحو ذلك. (اللئيمة) أردأ المال وأرذله. 302 - البخاري (1/ 72) - 2 - كتاب الإيمان- 14 - باب من كره أن يعود في الكفر ... مسلم (1/ 66) - 1 - كتاب الإيمان- 10 - باب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان. الترمذي (5/ 15) - 41 - كتاب الإيمان- 10 - باب حدثنا قتيبة. وقال: هذا حديث حسن صحيح. ... =

وفي أخرى (1): "من كان أن يلقى في النار أحب إليه من أن يرجع يهوديًّا أو نصرانيًّا". قال البيضاوي: المراد بالحب هنا، الحب العقلي الذي هو إيثار ما يقتضي العقل السليم رجحانه إن كان على خلاف هوى النفس، كالمريض يعاف الدواء بطبعه، فينفر عنه، ويميل إليه بمقتضى عقله فيهوى تناوله، فإذا تأمل المرء أن الشارع لا يأمر ولا ينهى إلا بما فيه إصلاح عاجل، أو خلاص آجل، والعقل يقتضي رجحان جانب ذلك، تمرن على الائتمار بأمره يصير هواه تبعًا له ويلتذ بذلك التذاذا عقليًّا، إذ الالتذاذ العقلي إدراك ما هو كمال وخير من حيث هو كذلك. ومن النصوص التي تتحدث عما يقابل الإيمان الذوقي هذه النصوص: 303 - * روى الطبراني عن ابن عمر: قال: لقد عشت برهة من دهري وإن أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن وتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فنتعلم حلالها وحرامها وما ينبغي أن تقف عنده منها كما تعلمون أنتم القرآن، ثم لقد رأيت رجالاً يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ ما بيت فاتحة الكتاب إلى خاتمته ما يدري ما آمره ولا زاجره وما ينبغي أن يقف عنده، وينثره نثر الدقل (هو أردأ أنواع التمر). 304 - * روى مسلم عن زيد بن وهبٍ الجهني رضي الله عنه أنه كان في الجيش الذين كانوا مع علي، الذين ساروا إلى الخوارج، فقال علي: أيها الناس، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يخرج قوم من أمتي، يقرؤون القرآن، ليس قراءتكم إلى قراءتهم

_ = النسائي (8/ 94) - 47 - كتاب الإيمان وشرائعه- 2 - باب طعم الإيمان. (1) مسلم (1/ 67)، في الموضع السابق. 303 - مجمع الزوائد (1/ 65) وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. المستدرك (1/ 35). وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولا أعرف له علة ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. (ينثره نثر الدقل): يلفظه دون اهتمام. (والدقل): التمر الرديء. 304 - مسلم (2/ 748) - 12 - كتاب الزكاة- 48 - باب التحريض على قتل الخوارج. وأبو داود (4/ 244) - كتاب السنة- باب في قتال الخوارج.

بشيء، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء، يقرؤون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ... ".

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد أدنى درجات الإيمان إيمان المقلدين وهم الذين يأخذون بقول الغير دون دليل فمن كان هذا شأنه في العقائد ووافق إيمانه التقليدي الجق فما هو حكمه؟ بعض علماء العقائد لا يعتبر هذا الإيمان شيئاً، وبعضهم يعتبره إذا كان جازماً وكان المقلد معصوماً كالرسل أو كان جازمًا حتى لو رجع المقلد عن العقيدة لم يرجع المقلد، وهؤلاء أنفسهم يعتبرون المقلد الذي أخذ الاعتقاد الحق دون أن يعرف برهانه ولو إجماليًّا يعتبرونه فاسقًا لأنه مقصر فيما هو من فروض الأعيان. والدرجة الثانية في مراتب الإيمان هي الإيمان العقلي القائم على الدليل فهذا إيمان معتبر، ولكن إذا لم يصل إلى القلب فيتنور القلب بنور الإيمان فإن صاحب هذا الإيمان مقصر ويدخل في دائرة الفسوق لأن من تكليفات الإنسان أن يعمل على سلامة قلبه بتنويره بالإيمان وتخليصه من أمراضه وتحقيقه بما كلف به، ومن ههنا كانت الدرجة الثالثة في مراتب الإيمان هي الإيمان الذوقي القلبي، وهذا النوع من الإيمان يتفاوت الناس فيه، فقلوب الصديقين ليست واحدة. ويدخل في هذا النوع من الإيمان إيمان المراقبة وإيمان المشاهدة وذلك كله أثر من آثار حياة القلب ويقظته: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (1) والمرجو من فضل الله أن من توجه لتنوير قلبه وإصلاحه أن يكرمه بذلك أو بالعفو إن مات قبل الوصول فالقلوب بيد الله.

_ (1) ق: 27.

الفصل الثاني عشر في: الجيل الأرقى تحققا

الفصل الثاني عشر في: الجيل الأرقى تحققًا وفيه: مقدمة ونصوص

المقدمة

المقدمة إنه من المناسب بعد أن تحدثنا عن أعمال الإسلام وشعب الإيمان أن نذكر بالجيل الأرقى تحققًا، والأعلى مقاماً والأكثر أجرًا وهو: جيل الصحابة رضوان الله عنهم. مع أننا تحدثنا عن فضل الصحابة في القسم الأول بمناسبة الكلام عن دوائر شرف حول الرسول صلى الله عليه وسلم. وسيمر معنا الكثير عن فضل الصحابة إلا إنه من المناسب أن نشير إلى هذا الموضوع هنا بمناسبة ما مر وبمناسبة ما سيمر عن أن من أسباب الضلال وافتراق الأمة: الموقف من الصحابة رضوان الله عنهم. لقد وصف الله عز وجل أصحاب رسوله صلى الله عليه وسلم بخير الصفات ونعتهم بخير النعوت، فقال تعالى في أوائل سورة الأنفال {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} (1). وقد جاء في أواخر السورة قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} (2). فدل ذلك على أن الصحابة قد تحققوا بالإيمان تحققاً كاملاً بشهادة الله لهم، وقال تعالى {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} (3) فهذه شهادة أخرى من الله للصحابة بكمال التحقق. وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (4).

_ (1) الأنفال: 2 - 4. (2) الأنفال: 74. (3) الفتح: 26. (4) الفتح: 29.

وقال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} (1). وقال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} (2). والآيات في فضل الصحابة كثيرة وكلها تدل على أنهم الجيل الأرقى مقاماً لأنهم أخذوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة. وهم الجيل الأكثر أجراً لن من بعدهم في صحائفهم، وهم ومن بعدهم في صحيفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالدال على الخير كفاعله. وهم الأكثر تحققاً، فقد كانوا أكثر خلق الله قياماً بواجبٍ، ألا ترى قبورهم منتشرة في الأرض وهم يجاهدون لإعلاء كلمة الله، ولذلك حكم علماء الجرح والتعديل للصحابة بأنهم عدول كلهم ولم يبالوا بالقلة النادرة المكشوفة المعروفة لدى بعض الصحابة بالنفاق، ولا بالذين التحقوا بالإسلام أخيراً، فارتد بعضهم فإما قتل أو تاب، فهؤلاء لا يمثلون خلاصة الصحابة رضوان الله عنهم. ومع ذلك فإن من ارتد من الحواشي ثم عاد، فإن أمره إلى خير، ولقد اختلف الصحابة فيما بينهم واقتتلوا وأمرهم إلى خير لأنهم كانوا مجتهدين، ولكنه قد هلك بهم أناس كثيرون، فضلوا وأضلوا بسبب الموقف من الصحابة فنشأت فرق ضالة يكفر بعضها بعضاً ويكفر كل من هؤلاء بعض الصحابة، بل استحل بعضهم دماء بعض الصحابة الكبار، فيا ويلهم فيما فعلوا. ونحن هنا لا نريد أن نستقصي الكلام عن الصحابة، فالكلام عنهم مفرق في هذا الكتاب بمناسباته وإنما أردنا الإشارة كي لا يخلو هذا الباب من الحديث عنهم خاصة وسيأتي فصل نتحدث به عن فرق الضلالة التي ضل بعضها بسبب الموقف من الصحابة وتمشياً مع مبدئنا في هذا الفصل بأن نشير ولا نستوعب لأننا توسعنا في أمكنة أخرى في هذا الكتاب، فههنا نذكر بعض الأحاديث النبوية التي تذكر للأجيال الأولى فضلها، رغم كل ما حدث فيها وفيما بينها، لأنها هي التي حملت الإسلام وأوصلته إلينا، وقامت بحق الله فيه، ولقلة الشاذين والمنحرفين بعد جيل الصحابة بالنسبة لمجموع الأمة.

_ (1) الفتح: 18. (2) التوبة: 100.

النصوص

النصوص 305 - * روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس، فيقولون: فيكم من صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون لهم: نعم فيفتح لهم. ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال: فيكم من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون: نعم فيفتح لهم. ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من صاحب من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون نعم فيفتح لهم". وفي رواية (2) عن جابر، قال: زعم أبو سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأتي على الناس زمان يبعث منهم البعث فيقولون: انظروا هل تجدون فيكم أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيوجد الرجل، فيفتح لهم به. ثم يبعث البعث الثاني فيقولون: هل فيهم من رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيفتح لهم به ثم يبعث البعث الثالث فيقال: انظروا هل ترون فيهم من رأى من رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ ثم يكون البعث الرابع فيقال: انظروا هل ترون فيهم أحداً رأى من رأى أحد رأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ فيوجد الرجل، فيفتح لهم به". 306 - * روى البخاري ومسلم عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم- قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثا- ثم إن بعدكم قومًا يشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يفون، ويظهر فيهم السمن".

_ 305 - البخاري (6/ 88) - 56 - كتاب الجهاد- 76 - باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب. مسلم (4/ 1962) - 44 - كتاب فضائل الصحابة- 52 - باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم. (فئام): أي جماعة. (2) مسلم (4/ 1962)، في الموضع السابق. 306 - البخاري (5/ 258) - 52 - كتاب الشهادات- 9 - باب لا يشهد على شهادة زور إذا أشهد. مسلم (4/ 1964)، في الموضع السابق.

قال الحافظ في الفتح: قوله: "خير أمتي قرني" أي أهل قرني، والقرن أهل زمان واحد متقارب اشتركوا في أمر من الأمور المقصودة، ويقال إن ذلك مخصوص بما إذا اجتمعوا في زمن نبي أو رئيس يجمعهم على ملة أو مذهب أو عمل، ويطلق القرن على مدة من الزمان، واختلفوا في تحديدها من عشرة أعوام إلى مائة وعشرين ... [وهناك] ما يدل على أن القرن مائة وهو المشهود ... والمراد بقرن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحابة. ا. هـ. قوله: "يخونون ولا يؤتمنون"؛ قال النووي: ومعناه يخونون خيانة ظاهرة بحيث لا يبقى معها أمانة. بخلاف من خاف بحقير مرة واحدة، فإنه يصدق عليه أنه خان، ولا يخرج به عن الأمانة في بعض المواطن. ا. هـ. قوله: "يظهر فيهم السمن"؛ قال النووي: قال جمهور العلماء في هذا الحديث: المراد بالسمن، هنا، كثرة اللحم. ومعناه أنه يكثر ذلك فيهم. وليس معناه أن يتمحضوا سمانا. قالوا: والمذموم منه من يستكسبه. وأما من هو فيه خلقة فلا يدخل في هذا، والمتكسب له هو المتوسع في المأكول والمشروب زائدا على المعتاد. ا. هـ. وفي رواية (1) عن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته". قال: قال إبراهيم: وكانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار. قوله: (تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته): قال النووي في شرح صحيح مسلم: هذا ذم لمن يشهد ويحلف مع شهادته، ومعنى الحديث أنه يجمع بين اليمين والشهادة فتارة تسبق هذه وتارة هذه. ا. هـ. قال الحافظ في الفتح: قوله (قال إبراهيم) ... وإبراهيم هو النخعي.

_ (1) البخاري (5/ 259) - 52 - كتاب الشهادات- 9 - باب لا يشهد على جور إذا أشهد. ومسلم (4/ 1962) - 44 - كتاب فضائل الصحابة- 52 - باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.=

قوله (كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد) ... قال أبو عمر بن عبد البر: معناه عندهم النهي عن مبادرة الرجل بقوله أشهد بالله وعلي عهد الله لقد كان كذا ونحو ذلك. وإنما كانوا يضربونهم على ذلك حتى لا يصير لهم به عادة فيحلفوا في كل ما يصلح وما لا يصلح. ا. هـ. وفي رواية (1) عن عائشة قالت: سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس خير؟ قال: "القرن الذي أنا فيه، ثم الثاني، ثم الثالث". 307 - * روى مسلم عن أبي بردة، عن أبيه، قال: صلينا المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قلنا: لو جلسنا حتى نصلى معه العشاء! قال فجلسنا، فخرج علينا، فقال "مازلتم ههنا؟ " قلنا: يا رسول الله! صلينا معك المغرب، ثم قلنا: نجلس حتى نصلي معك العشاء. قال "أحسنتم" أو "أصبتم". قال: فرفع رأسه إلى السماء، وكان كثيراً مما يرفع رأسه إلى السماء، فقال: "النجوم أمنة للسماء. فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد. وأنا أمنة لأصحابي. فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون. وأصحابي أمنة لأمتي. فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون". 308 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله قال: أخبرتني أم مبشر؛ أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول، عند حفصة: "لا يدخل النار، إن شاء الله، من أصحاب الشجرة، أحد. الذين بايعوا تحتها". قالت: بلى يا رسول الله! فأنتهرها فقالت حفصة:

_ = (1) مسلم (4/ 1965)، في الموضع السابق. (أمنة للسماء) قال العلماء: الأمنة والأمن والأمان بمعنى. ومعنى الحديث أن النجوم مادامت باقية فالسماء باقية فإذا انكدرت النجوم وتناثرت في القيامة، وهنت السماء فانفطرت وانشقت وذهبت. (وأنا أمنة لأصحابي) أي من الفتن والحروب وارتداد من ارتد من الأعراب، واختلاف القلوب، ونحو ذلك مما أنذر به صريحا. وقد وقع كل ذلك. (فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون): معناه من ظهور البدع والحوادث في الدين والفتن فيه، وطلوع قرن الشيطان وظهور الروم وغيرهم عليهم وانتهاك المدينة ومكة، وغير ذلك. وهذه كلها من معجزاته صلى الله عليه وسلم. 307 - مسلم (4/ 1961) - 44 - كتاب فضائل الصحابة- 51 - باب بيان أن بقاء النبي صلى الله عليه وسلم أمان لأصحابه وبقاء أصحابه أمان للأمة. 308 - مسلم (4/ 1942) - 44 - كتاب فضائل الصحابة- 37 - باب من فضائل أصحاب أهل بيعة الرضوان رضي الله عنهم.=

{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} (1) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "قد قال الله عز وجل: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} (2). 309 - * روى البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحدٍ ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه". 310 - * روى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده! لو أن أحدكم أنفق مثل أحدٍ ذهبًا، ما أدرك مد أحدهم، ولا نصيفه". قال الحافظ في الفتح: قوله (فلو أن أحدكم) فيه إشعار بأن المراد بقوله أولا "أصحابي" أصحاب مخصوصون، وإلا فالخطاب كان للصحابة، وقد قال: "لو أن أحدكم أنفق"، وهذا كقوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} (5) الآية، ومع ذلك فنهي بعض من أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وخاطبه بذلك عن سب من سبقه يقتضي زجر من لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يخاطبه عن سب من سبقه من باب الأولى، وغفل من قال إن الخطاب بذلك لغير الصحابة وإنما المراد من سيوجد من المسلمين المفروضين في العقل تنزيلا لمن سيوجد منزلة الموجود للقطع بوقوعه، ووجه التعقب عليه وقوع التصريح في نفس الخبر بأن المخاطب بذلك خالد بن الوليد وهو من الصحابة الموجودين إذ ذاك بالاتفاق. [وقد ذكر الحافظ أنه في روايات أخرى ذكر سبب لهذا الحديث وهو ما وقع في أوله قال: كان بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف شيء، فسبه خالد، فذكر الحديث].

_ (1) مريم: 71. (2) مريم: 72. 309 - البخاري (7/ 21) - 62 - كتاب فضائل الصحابة- 5 - باب قوله النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخذًا خليلا". 310 - مسلم (4/ 1967) - 44 - كتاب فضائل الصحابة- 54 - باب تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم. (5) الحديد: 10.

قوله (مد أحدهم ولا نصيفه) أي المد من كل شيء، والنصيف بوزن رغيف هو النصف ... وقيل النصيف مكيال دون المد، والمد بضم الميم مكيال معروف ... [ويساوي 675 غراماً]. قال: والمراد به الفضل والطول ... قال البيضاوي: معنى الحديث لا ينال أحدكم بإنفاق مثل أحد ذهبا من الفضل والأجر ما ينال أحدهم بإنفاق مد الطعام أو نصيفه. وسبب التفاوت ما يقارن الأفضل من مزيد الإخلاص وصدق النية. قلت: [أي ابن حجر] وأعظم من ذلك في سبب الأفضلية عظم موقع ذلك لشدة الاحتياج إليه. ا. هـ. 311 - * روى مسلم عن هشام بن عروة، عن أبيه عروة، قال: قالت لي عائشة يا ابن أختي، أمروا أن يستغفروا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسبوهم. ومن أقوال العلماء في الصحابة: قال ابن الوزير في الروض الباسم: (إن الأدلة دلت على ما ذهب إليه أهل الحديث وغيرهم من قبول الصحابة رضي الله عنهم، المعروف منهم بالعدالة، والمجهول الحال، والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة كثيرة).ا. هـ. وقال الإمام ابن حبان في كتاب المجروحين: فإن قال قائل: فكيف جرحت من بعد الصحابة، وأبيت ذلك في الصحابة، والسهو والخطأ موجود في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما وجد فيمن بعدهم من المحدثين؟ يقال له: إن الله -عز وجل- نزه أقدار أصحاب رسوله، عن ثلب قادح، وصان أقدارهم عن وقيعة متنقص، وجعلهم كالنجوم يقتدى بهم، وقد قال الله -جل وعلا-: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} (2)

_ 311 - مسلم (4/ 2317) - 54 - كتاب التفسير- حديث (15). (2) آل عمران: 68.

ثم قال: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} (1) فمن أخبر الله أنه لا يخزيه يوم القيامة، وقد شهد له بإتباع ملة إبراهيم حنيفاً، لا يجوز أن يجرح بالكذب، لأنه يستحيل أن يقول الله -جل وعلا-: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} ثم يقول النبي (2) صلى الله عليه وسلم: "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار". فيطلق النبي صلى الله عليه وسلم إيجاب النار لمن أخبر الله -جل وعلا- أنه لا يخزيه في القيامة، بل الخطاب وقع على من بعد الصحابة، وأما من شهد التنزيل، وصحب الرسول صلى الله عليه وسلم، فالثلب لهم غير حلال، والقدح فيهم ضد الإيمان، والتنقيص لأحدهم نفس النفاق، لأنهم خير الناس قرنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بحكم من لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحى يوحى صلى الله عليه وسلم. وإن من تولى رسول الله صلى الله عليه وسلم إيداعهم ما ولاه الله بيانه للناس، لبالحري من أن لا يجرح لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يودع أصحابه الرسالة، وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب، إلا وهم عنده صادقون جائزو الشهادة، ولو لم يكونوا كذلك، لم يأمرهم بتبليغ من بعدهم ما شهدوا منه لأنه لو كان كذلك، لكان فيه قدح في الرسالة. وكفى بمن عدله رسول الله صلى الله عليه وسلم شرفاً، وإن من بعد الصحابة ليسوا كذلك، لأن الصحابي إذا أدى إلى من بعده، يحتمل أن يكون المبلغ إليه منافقاً، أو مبتدعاً ضالاً ينقص من الخبر أو يزيد فيه، ليضل به العالم من الناس، فمن أجله فرقنا بينهم وبين الصحابة، إذ صان الله -عز وجل- أقدار الصحابة عند البدع والضلال. جمعنا الله وإياهم في مستقر رحمته ا. هـ. وقال الخطيب البغدادي -رحمه الله- في الكفاية: كل حديث اتصل إسناده بين من رواه، وبين النبي صلى الله عليه وسلم لم يلزم العمل به إلا بعد ثبوت عدالة رجاله ويجب النظر في أحوالهم سوى الصحابي الذي رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن عدالة الصحابة ثابتة، معلومة بتعديل الله لهم، وإخباره عن طهارتهم، واختياره لهم في نص القرآن.

_ (1) التحريم: 8. (2) مسلم (1/ 10) - المقدمة- 2 - باب تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال أبو زرعة: إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعلم أن زنديق، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا، ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة. ا. هـ. وقال ابن الصلاح في علوم الحديث: ثم إن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة، ومن لابس الفتن منهم فكذلك بإجماع العلماء الذين يعتد بهم في الإجماع، إحسانًا للظن بهم، ونظرًا إلى ما تمهد لهم من المآثر وكأن الله سبحانه وتعالى أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشريعة. ا. هـ. قال أبو عمر بن عبد البر في الاستيعاب: قد كفينا البحث عن أحوالهم لإجماع أهل الحق من المسلمين وهم أهل السنة والجماعة على أنهم كلهم عدول. وقال الخطيب في الكفاية: هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتد بقوله من الفقهاء. ونقل الإجماع محمد بن الوزير اليماني عن أل السنة وعن الزيدية والمعتزلة أيضًا وكذا الصنعاني في توضيح الأفكار. ا. هـ. * * *

الفصل الثالث عشر في: الوساوس العارضة وفي خفوت نور الإيمان وزيادته وتجديده وإقلاعه

الفصل الثالث عشر في: الوساوس العارضة وفي خفوت نور الإيمان وزيادته وتجديده وإقلاعه وفيه: مقدمة ونصوص

المقدمة

المقدمة هناك وساوس تعرض للقلوب في مراحل حياتية، هذا النوع من الوساوس لا قيمة ل ما دام القلب يكرهه ويرفضه لأنه شيء خارجي فهو أشبه بأن يأتيك إنسان ويدعوك إلى شر وأنت ترفض. وهناك وساوس يتجاوب معها القلب وتؤثر فيه وتحدث تشكيكات وشبهات فهذه خطرة، وعلى الإنسان أن يجاهدها بالذكر ومجالسة العلماء العاملين ومذاكرتهم: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (1). "لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة". أخرجه مسلم (2). وهناك وساوس طارئة بسبب موقفٍ ما كما في حادثة أبي بن كعب التي رواها مسلم (3): "فسقط في قلبي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية". وكما قال ربنا عز وجل: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} (4) فهذه علاجها الكينونة مع الصادقين. وهناك حالات من ذبول نور الإيمان سببها الاستغراق بالعمل والانشغال عن الذكر، وكل هذه القضايا تحتاج إلى علاج، ومن ألزم نفسه بالأوراد اليومية وقراءة القرآن ومجالسة العلماء والصالحين وحضر مجالس الذكر والعلم فالمرجو أن يكون إيمانه في تجدد دائم.

_ (1) الرعد: 28. (2) مسلم (4/ 2106) -49 - كتاب التوبة -2 - باب فضل دوام الذكر والفكر في أمور الآخرة والمراقبة، وجواز ترك ذلك ... (3) مسلم (1/ 562) -6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها -48 - باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه. (4) الأحزاب: 10.

وهناك إيمان عقلي قائم على الأدلة القطعية فهذا الذي لا ينبغي أن ينقص لأن نقصان شك والشك كفر، وهناك الإيمان القلبي الذوقي فهذا يزيد بزيادة نور القلب ويزيد بزيادة الطاعة المخلصة وينقص بنقص الطاعة أو بالوقوع في المعصية، هذا فهمنا لقضية زيادة الإيمان ونقصه، فقد قال أبو حنيفة: الإيمان لا يزيد ولا ينقص. وحمل مثل قوله تعالى: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} (1) على زيادة المؤمن به. وفهمي: أنه يريد الإيمان العقلي لأنه ينبغي أن يكون جازمًا، وأن الذين قالوا بزيادة الإيمان أخذًا من النصوص أرادوا زيادة الإيمان القلبي وذلك شيء محس. وفي أجواء هذه المعاني ننقل النصوص التالية:

_ (1) الأنفال: 2.

النصوص

النصوص 312 - * روى أحمد عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أحدكم يأتيه الشيطان فيقول: من خلقك؟ فيقول: الله. فيقول من خلق الله؟ فإذا وجد أحدكم ذلك فليقل: آمنت بالله ورسوله. فإن ذلك يذهب عنه". 313 - * روى البزار عن عمارة بن أبي الحسن أو ابن حسن عن عمه أن الناس سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة التي يجدها أحدهم لأن يسقط من عند الثريا أحب إليه من أن يتكلم به. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ذاك صريح الإيمان؛ إن الشيطان يأتي العبد فيما دون ذلك فإذا عصم منه وقع فيما هنالك". 314 - * روى مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة؟ فقال: "تلك محض الإيمان". وفي رواية (1) عن أبي هريرة، قال: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به قال: "وقد وجدتموه؟ " قالوا: نعم. قال: "ذاك صريح الإيمان". 315 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله، إن أحدنا يجد في نفسه -يعرض بالشيء-

_ 312 - أحمد (6/ 257). كشف الأستار (1/ 34). مجمع الزوائد (1/ 22). وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار ورجاله ثقات. 313 - كشف الأستار (1/ 33). مجمع الزوائد (1/ 34). وقال: رواه البزار ورجاله ثقات أثمة. 314 - أخرجه مسلم (1/ 119) 1 - كتاب الإيمان -60 - باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله من وجدها. الوسوسة: حديث النفس. ... محض الإيمان: خالصه. يخر: خر يخر: إذا وقع من موضع عال. أقول: وإنما كانت هذه الحالة محض الإيمان لأنه قد صاحبتها قمة الكراهية للوسوسة ومضمونها. (1) مسلم (1/ 119)، في الموضع السابق. 315 - أبو داود (4/ 221) -كتاب الأدب- باب في رد الوسوسة.

لأن يكون حممة أحب إليه من أن يتكلم به. فقال: "الله أكبر، الله أكبر، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة". وفي روايةٍ (1) قال أبو زميل: قلت لابن عباس: ما شيء أجده في صدري؟ قال: ما هو؟ قلت: والله لا أتكلم به. فقال لي: شيء من شك؟ وضحك، ثم قال: ما نجا من ذلك أحد حتى أنزل الله: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} (2) ثم قال: إذا وجدت شيئًا من ذلك في نفسك، فقل: هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، وهو بكل شيءٍ عليم. 316 - * روى مسلم عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: كنت في المسجد، فدخل رجل يصلي، فقرأ قراءة أنكرتها، ثم دخل آخر، فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلما قضينا الصلاة، دخلنا جميعًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، فدخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه، فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ، فحسن النبي صلى الله عليه وسلم شأنها، فسقط في نفسي من التكذيب، ولا إذ كنت في الجاهلية، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد غشيني، ضرب في صدري، ففضت عرقًا، وكأنما انظر إلى الله عز وجل فرقًا، فقال لي: "يا أبي، أرسل إلي، أن اقرأ القرآن على حرفٍ فرددت إليه: أن ون على أمتي، فرد إلي الثانية: أن اقرأه على حرفين، فرددت إليه: أن هون على أمتي، فرد إلي الثالثة: أن اقرأه على سبعة أحرفٍ، ولك بكل ردةٍ رددتكها مسألة تسألينها، فقلت: اللهم اغفر لأمتي، اللهم اغفر لأمتي وأخرت الثالثة ليومٍ يرغب إلي الخلق كلهم حتى إبراهيم".

_ = حممة: الفحمة وجمعها: حمم. والمعنى لأن يصير فحما. (1) أبو داود (4/ 229) -كتاب الأدب- باب في رد الوسوسة. وإسناده حسن. (2) يونس: 94. 316 - مسلم (1/ 563) -6 - كتاب المسافرين وقصرها -48 - باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه. والنسائي (2/ 152) -11 - كتاب الافتتاح -37 - جامع ما جاء في القرآن. والترمذي (5/ 193) -47 - كتاب القراءات -11 - باب ما جاء أنزل القرآن على سبعة أحرف. وقال: هذا حديث حسن صحيح. ولكن رواه عن عمر بلفظ قريب.

أقول: في الحديث نموذج على ما يعرض للقلب من وساوس عارضة بسبب شبهة كما أن فيه ما يدل على الحال الموروث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يكون عند أهل القلوب. فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل أبيًا بضربة على صدره من حال الوسوسة إلى أعلى درجات اليقين، وأما الأحرف السبعة فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يراعي فيها لهجات العرب ثم أجمعت الأمة على الرسم العثماني للمصحف وعلى القراءات العشر، فالقراءات العشر كلها متفقة على الرسم العثماني وهو على لغة قريش. والاختلافات في الأداء فيها هي في فهمي بقية الأحرف السبعة وليست هذ القراءات هي الأحرف السبعة. 317 - * روى مسلم عن أبي ربعي حنظلة بن الربيع الأسيدي الكاتب، أحد كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لقيني أبو بكرٍ رضي الله عنه فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قلت: نافق حنظلة. قال سبحان الله؟!! ما تقول؟ قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالجنة والنار، كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرًا. قال أبو بكر رضي الله عنه: فوالله إنا لنلقى مثل هذا. فانطلقت أنا وأبو بكرٍ حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: نافق حنظلة يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما ذاك؟ " قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كأنا رأي العين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة". ثلاث مراتٍ. أقول: في الحديث إشارة إلى ترقي الإيمان بمجالسة الصالحين وبالذكر، وفيه إشارة إلى إمكانية الكشف لشيء من عالم الغيب كالملائكة، وفيه إشارة إلى تغير حال القلب من حال إلى حال، وفيه إشارة إلى الحال النبوي الذي كان يسوي إلى الأصحاب بمجالسته والأخذ

_ 317 - مسلم (4/ 2106) -49 - كتاب التوبة -2 - باب فضل دوام الذكر والفكر في أمور الآخرة والمراقبة ......

عنه، ولذلك كان للصحابة من الفضل ما لا يلحقهم بهم أحد. 318 - * روى أحمد عن أبي هريرة رفعه: "جددوا إيمانكم". قيل: يا رسول الله كيف نجدد إيماننا؟ قال: "أكثروا من قول لا إله إلا الله". 319 - * روى الحاكم عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم". أقول في الحديثين إشارة إلى خفوت نور الإيمان وضعفه وطروء أسباب الضعف عليه، وأن علاج ذلك بالدعاء والإكثار من النطق بكلمة التوحيد التي ينبغي أن تكون جزءًا من أوراد المسلم اليومية كما سنرى في جزء الأذكار. 320 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان، وكان عليه كالظلة، فإذا أقلع رجع إليه الإيمان".

_ 318 - أحمد (2/ 359). مجمع الزوائد (1/ 52). وقال: رواه أحمد وإسناده جيد، وفيه سمير بن نهار وثقه ابن حبان. وقال (10/ 82): رجاله ثقات. وفي موضع آخر (2/ 211): وقال البزار: لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد. قلت: ومداره على صدقة بن موسى الدقيقي، ضعفه ابن معين وغيره، وقال مسلم بن إبراهيم: حدثنا صدقة الدقيقي وكان صدوقا. اهـ من مجمع الزوائد. وقال صاحب فيض القدير (3/ 345): قال الحاكم: صحيح. فاعترضه الذهبي بأن فيه صدقة بن موسى؛ ضعفوه. اهـ. وقال المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 415): رواه أحمد والطبراني، وإسناد أحمد حسن. اهـ. قلت: قال في التقريب (1/ 366): صدقة بن موسى صدوق له أوهام. وذكر في تعجيل المنفعة (169): أن سمير بن نهار هو شتير. وقال عنه في التقريب (1/ 333): صدوق. فالحديث حسن إن شاء الله. ويشهد لمعناه الحديث الذي بعده. 319 - المستدرك (1/ 4). وقال: رواته ثقات. ووافقه الذهبي. مجمع الزوائد (1/ 52). وقال: رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن. 320 - أبو داود (4/ 222) -كتاب السنة- باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه. المستدرك (1/ 22). وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.

وفي رواية (1) "خرج منه الإيمان؛ وكان فوق رأسه كالظلة فإذا خرج من ذلك العمل عاد إليه الإيمان". قال محمد الباقر: تفسيره: يخرج من الإيمان إلى الإسلام. 321 - * روى البخاري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن". قال ابن عباس (2): تفسيره: ينزع منه الإيمان، لأن الإيمان نزه، فإذا أذنب العبد فارقه، فإذا نزع عاد إليه هكذا. وشبك بين أصابعه، ثم فرقها. وفي رواية للنسائي (3): "ولا يقتل وهو مؤمن". 322 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن". قال -يعني أبا بكر الراوي عن أبي هريرة: وكان أبو هريرة يلحق معهن "ولا ينتهب نهبة ذات شرفٍ يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن". وزاد مسلم (4) "ولا يغل أحدكم حين يغل وهو مؤمن فإياكم إياكم".

_ (1) الترمذي (5/ 15) -41 - كتاب الإيمان -11 - باب ما جاء لا يزني الزاني وهو مؤمن. 321 - البخاي (12/ 81) -86 - كتاب الحدود -6 - باب السارق حين يسرق. (2) البخاري (12/ 114) -86 - كتاب الحدود -20 - باب إثم الزناة. (3) النسائي (8/ 63، 64) -45 - كتاب القسامة -48 - باب تأويل قول الله عز وجل: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا}. نزع عن الأمر: إذا أقلع عنه وفارقه. 322 - البخاري (10/ 30) -74 - كتاب الأشربة -1 - باب قول الله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ}. مسلم (1/ 76) -1 - كتاب الإيمان -24 - باب بيان نقصان الإيمان بالمعاصي ... (4) مسلم (1/ 77)، في الموضع السابق.

وفي رواية (1) للترمذي قال: "لا يزني الزاني وهو مؤمن، ولا يسرق وهو مؤمن، ولكن التوبة معروضة". وفي رواية للنسائي (2) قال: "لا يزني الزاني وهو مؤمن، ولا يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر وهو مؤمن" -وذكر رابعة فنسيتها -"فإذا فعل ذلك فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، فإن تاب تاب الله عليه". 323 - * روى البخاري ومسلم عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين، قد رأيت أحدهما، وأنا انتظر الآخر، حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال. ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن، وعلموا من السنة. ثم حدثنا عن رفع الأمانة، فقال: "ينام الرجل النومة، فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر الوكت، ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل أثر المجل، كجمرٍ دحرجته على رجلك فنفط، فتراه منتبرا، وليس فيه شيء" -ثم أخذ حصى فدحرجه على رجله- "فيصبح الناس يتبايعون، فلا يكاد أحد يؤدي

_ (1) الترمذي (5/ 15) -41 - كتاب الإيمان -11 - باب ما جاء لا يزني الزاني وهو مؤمن. (2) النسائي (8/ 65) -46 - كتاب قطع السارق -1 - باب تعظيم السرقة. لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن: قيل: معناه: لا يزني وهو كامل الإيمان، وقيل معناه: إن الهوى يغطي الإيمان، فصاحب الهوى لا يرى إلا هواه، ولا ينظر إلى إيمانه الناهي له عن ارتكاب الفاحشة، فكأن الإيمان في تلك الحالة قد عدم. وقال ابن عباس: الإيمان نزة، فإذا أذنب العبد فارقه، فإذا نزع عاد إليه. نهية ذات شرفٍ: أي: ذات قدر، فيرفع الناس أبصارهم إليها ينظرونها لعظم قدرها. ربقة الإسلام: يريد بها عصمته وحكمه، وأصل الربقة: العروة تكون في الحبل، يشد فيها الجدي إذا ولد، فكأن المسلم الملتزم أحكام الدين قد جعل عروة الإسلام في عنقه، فإذا فعل فعلاً يخرج به عن الإسلام، فكأنه قد خلع تلك العروة عن رقبته. 323 - البخاري (11/ 223) -81 - كتاب الرقاق -35 - باب رفع الأمانة. مسلم (1/ 126) -1 - كتاب الإيمان -64 - باب رفع الأمانة والإيمان من بعض القلوب ... الترمذي (4/ 474) -24 - كتاب الفتن -17 - باب ما جاء في رفع الأمانة. جذر الشيء، بفتح الجيم وكسرها: أصله. الوكت: النقطة في الشيء من غير لونه. المجل: غلظ الجلد من أثر العمل، وقيل: إنما هي التقاطات في الجلد. منتبراً: المنتبر: المنتفخ وليس فيه شيء، وكل شيء رفع شيئًا فقد نبره. ومنه اشتق المنبر. ... =

الأمانة، حتى يقال: إن في بني فلان رجلاً أمينًا. حتى يقال للرجل: ما أجلده، ما أظرفه، ما أعقله، وما في قلبه مثقال حبةٍ من خردلٍ من إيمان". ولقد أتى علي زمان وما أبالي أيكم بايعت، لئن كان مسلمًا ليردن عليَّ دينه، وإن كان نصرانيًا أو يهوديًا ليردنه عليَّ ساعيه، وأما اليوم فما كنت أبايع منكم إلا فلانًا وفلانًا.

_ = ساهيه: الساعي: واحد السعاة، وهم الولاة على القوم، يعني أن المسلمين كانوا مهتمين بالإسلام، فيحتفظون بالصدق والأمانة، والملوك ذوو عدلٍ، فما كنت أبالي من أعامل: إن كان مسلمًا رده إلي بالخروج عن الحق عمل بمقتضى الإسلام، وإن كان غير مسلم أنصفني منه عامله.

الفصل الرابع عشر في: الفطرة وحقيقة الإيمان والكفر والنفاق

الفصل الرابع عشر في: الفطرة وحقيقة الإيمان والكفر والنفاق وفيه: مقدمة ونصوص

المقدمة

المقدمة قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} (1)، فالفطرة هي أصل الخلقة، وأصل خلقة الإنسان أنه مفطور على العبودية لله، وبقدر بعد الإنسان عن العبودية يبتعد عن الفطرة: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} (2) وما دام الإنسان على الفطرة فهو على هداية، وإذا جانب الفطرة ضل، والهداية نور في القلب -الله أعلم به- يدل على ذلك الحديث (3): "خلق الله الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل". فمن سلم له نوره كان هداية، وما لم ينطفئ نور الفطرة فالأمل في هداية الإنسان لا يزال قائمًا، ومتى انطفأ أصبح منافقًا خالصًا أو كافرًا لا أمل في هدايته. وإنما يزداد نور الفطرة بالعمل بالشريعة فكلما ازداد العمل مع الإخلاص ازداد النور حتى يصبح الإنسان كله نورًا، ولذلك ورد في الدعاء على لسان رسولنا صلى الله عليه وسلم (4): "واجعلني نورًا". وكثيرون من الناس يظنون أن مثل هذه الأمور من باب المجاز وهذا غلط فهذه حقائق يتذوقها المؤمنون.

_ (1) الروم: 30 - 32. (2) الأعراف: 172. (3) أحمد (2/ 176). الترمذي (5/ 36) -41 - كتاب الإيمان -18 - باب ما جاء في افتراق هذه الأمة. وقال: هذا حديث حسن. المستدرك: (1/ 30). (4) مسلم (1/ 529) -6 - كتاب صلاة المسافرين -26 - باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه.

إن هناك شيئًا مغيبًا عنا موجودًا في القلب هو نور الفطرة، وإن هناك أنوارًا تدخل القلب هي أثر الهبة الإلهية الخالصة أو أثر العمل الصالح، وكأثر عن ذلك كله يبصر الإنسان الأشياء على حقيقتها، فلا يرى الزنى على أنه شيء مبهج بل يراه قذرًا مظلمًا ويرى الدنيا أنها فتنة، وإذا ادلهمت الأمور على غيره فهو يرى طريقه بنور الله عز وجل. المهم أن نعلم أن هذه حقائق لها وجودها الحقيقي: انظر إلى قوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} (1). قال القرطبي: وقيل البينة: معرفة الله التي أشرقت لها القلوب، والشاهد الذي يتلوه: العقل الذي ركب في دماغه وأشرق صدره بنوره، وانظر إلى قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} (2) قال القرطبي: وكان أبي وابن مسعود يفسرانها: مثل نوره في قلب المؤمن كمشكاة. هذا النور في قلب المؤمن تمده شريعة الله: {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ} قال القرطبي: والشجرة المباركة هي الوحي. وإذن فهناك نور حقيقي في القلب المؤمن وهناك مدد نوراني يصل إلى القلب كأثر عن العمل الصالح وكأثر عن هذا يتحدد سلوك الإنسان: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} (3). {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} (4). {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} (5). {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} (6). {وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} (7).

_ (1) هود: 17. (2) النور: 35. (3) الزمر: 22. (4) الأنعام: 122. (5) العنكبوت: 69. (6) الأنفال: 29. (7) الحديد: 28.

ومن ههنا استعمل أهل السلوك إلى الله فكرة الوارد الذي ينصب في القلب كأثر عن الأوراد والأعمال الصالحة: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} (1) فإذا أصبح القلب نورًا خالصًا فصاحبه هو المؤمن الخالص، وإذا كان في القلب ظلمة ونور فصاحبه عنده إيمان ونفاق، وإذا لم يبق في القلب نور مع تظاهر صاحبه في الإسلام فذلك المنافق الخالص، وإذا لم يكن متظاهرًا في الإسلام بل معلنًا للكفر فهو الكافر الخالص، والإيمان ينبثق عنه السلوك، مظهره شعب الإيمان كما رأيناها، والنفاق ينبثق عنه سلوك، مظهره شعب النفاق كما سنراها، والكفر له سلوكياته. ومن سلوكيات الكفر التي فصلها القرآن عدم قبول الإنذار، والانخراط في اللهو واللعب وإتيان الشهوات واستغراق في الدنيا. وكفر اليهود والنصارى خص بمزيد تفصيل في القرآن لانبثاق أنواع من السلوكيات عن هذا وهذا، وأما النفاق فشعبه كثيرة، أهمها الكذب والغدر والفجور في الخصومة ومخالفة الظاهر للباطن في شر والخداع وموالاة الكفر والسعي بالفساد فمتى وجد النفاق فهذه الأشياء تنبثق بشكل تلقائي عنه فإذا ما وجدناها فعلينا أن نعالجها وأن نعالج الأصل. وهذه الأمور من أهم ما وقعت فيه الغفلة في عصرنا، وقد نقل القرطبي عند قوله تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} ما يلي: روى مرة عن ابن مسعود (2) قال: قلنا يا رسول الله، قوله تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} كيف انشرح صدره؟ قال: "إذا دخل النور القلب انشرح وانفتح". قلنا: يا رسول الله وما علامة ذلك؟. قال: "الإنابة إلى

_ (1) محمد: 17. (2) الحديث له طرق عديدة عن ابن مسعود وعن ابن عباس، وأرسله الحسن البصري وأبو جعفر المدائني، هذا وقد سكت عن العراقي في تخريجه على الإحياء. وقال السيوطي في الدر المنشور: أخرجه ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا وابن جرير والحاكم والبيهقي في الشعب وغيرهم ... وقال ابن كثير عنه: فهذه طرق للحديث مرسلة ومتصلة بشد بعضها بعضًا، ومثل هذا قال ابن القيم ووافق ابن كثير الشوكاني وجزم به الألوسي. فالحديث يرتقي للحسن والله أعلم، وقد ضعفه آخرون.

دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزوله"، وأخرجه الترمذي الحكيم في "نوادر الأصول" من حديث ابن عمر (1): أن رجلاً قال يا رسول الله أي المؤمنين أكيس؟ قال: "أكثرهم للموت ذكرا وأحسنهم له استعدادًا وإذا دخل النور في القلب انفسح واستوسع" قالوا: فما آية ذلك يا نبي الله؟ قال: "الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزول الموت". ومن ها هنا نفهم أن السلوك هو أثر ما في القلب وأن الإنسان عليه أن يجاهد نفسه سلوكيًا ليستقيم قلبه، فإذا استقام قلبه استقامت الأطراف: "إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب" (2). والنصوص التالية نفهم منها حقيقة الكفر والنفاق والإيمان والفطرة:

_ (1) روى ابن ماجه بعضه: (2/ 1423) -37 - كتاب الزهد -31 - باب ذكر الموت والاستعداد له. (2) مسلم (3/ 1219) 22 - كتاب المساقاة -20 - باب أخذ الحلال وترك المتشابهات.

النصوص

النصوص 324 - * روى الإمام أحمد عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "القلوب أربعة: قلب أجرد فيه مثل السراج يزهر، وقلب أغلف مربوط على غلافه، وقلب منكوس، وقلب مصفح، فأما القلب الأجرد، فقلب المؤمن فسراجه فيه نوره، وأما القلب الأغلف، فقلب الكافر، وأما القلب المنكوس فقلب المنافق الخالص عرف ثم أنكر، وأما القلب المصفح فقلب فيه إيمان ونفاق، ومثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب، ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القيح والدم فأي المدتين غلبت على الأخرى غلبت عليه". وهذا الحديث الصحيح المعنى يشهد لصحة معناه العشرون آية الأولى في سورة البقرة كما ذكرنا ذلك في تفسيرنا وهو أصل عظيم في معرفة القلوب وطريق إصلاحها وكيفية فسادها، وهو دليل لأهل السلوك على فكرة الواردات القلبية التي تنصب في القلب كأثر عن الأعمال الصالحات والمجاهدات. {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} (2). قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الحسن: "والمجاهد من جاهد في ذات الله" (3). 325 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مولودٍ إلا يولد على الفطرة". ثم يقول: اقرؤوا: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا

_ 324 - مسند أحمد (3/ 17). مجمع الزوائد (1/ 63). وقال: رواه أحمد والطبراني في الصغير وفي إسناده ليث بن أبي سليم ا. هـ. وقال ابن كثير: رواه الإمام أحمد بإسناد جيد حسن. القلب الأجرد: مفسر بالحديث، ومعنى الأجرد ليس فيه غل ولا غش فهو على أصل الفطرة. القلب الأغلف: مفسر بالحديث، والمراد بالأغلف: الذي عليه غشاء عن سماع الحق وقبوله. القلب المنكوس: مفسر بالحديثن والمراد بالمنكوس: المقلوب. القلب المصفح: مفسر بالحديث، ومن آثار القلب للصفح أنه: يلقى أهل الكفر يوجه وأهل الإيمان بوجه. (2) العنكبوت: 69. (3) أحمد (6/ 20). الترمذي (4/ 165) -23 - كتاب فضائل الجهاد -2 - باب ما جاء في فضل من مات مرابطا. 325 - مسلم (2047، 2048) -46 - كتاب القدر -6 - باب معنى كل مولود يولد على الفطرة، وحكم موت أطفال الكفار ...

لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} (1). وزاد البخاري (2): "فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء". وفي رواية (3) قال: "ما من مولودٍ إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه، كما تنتجون الإبل، فهل تجدون فيها جدعاء، حتى تكونوا أنتم تجدعونها". قالوا: يا رسول الله، أفرأيت من يموت صغيرًا؟ قال: "الله أعلم بما كانوا عاملين". قوله (ما من مولود إلا يولد على الفطرة): قال ابن الأثير: "من" زائدة، "ومولود": مبتدأ، "ويولد" خبره، وتقديره: ما مولود يولد على أمر إلا على الفطرة، وهي لغة: الخلقة -والمراد بها في أشهر الأقوال: الإسلام، قال ابن عبد البر: وهو المعروف عند عامة السلف، وأجمع أهل العلم بالتأويل على أن المراد بقوله تعالى: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} (4) الإسلام. ا. هـ. أقول يولد الإنسان وقلبه نور خالص، فإذا وجد في بيئة إيمانية خالصة وتجاوب معها فإن قلبه يبقى نورًا خالصًا وإلا فإنه يتأثر ببيئته فيخرج إما كافرًا خالصًا أو منافقًا خالصًا أو يخرج وقلبه فيه إيمان ونفاق، فإذا بلغ فأصبح مسؤولاً عن نفسه فعليه أن يصل إلى الإيمان الخالص وبذلك يكون قد أعاد قلبه إلى أصل الفطرة.

_ (1) الروم: 30. (2) البخاري (3/ 219) -23 - كتاب الجنائز -79 - باب إذا أسلم الصبي ل يصلى عليه. تنتهج البهيمة: تلد. الجمعاء: الجمعاء من البهائم وغيرها: التي لم يذهب من بدنها شيء. الجدعاء: المقطوعة الأذن أو الأنف أو الشفة أو اليد وغير ذلك. (3) البخاري (11/ 493) -82 - كتاب القدر -3 - باب الله أعلم بما كانوا عاملين. ومسلم (4/ 3048)، في الموضع السابق. (4) الروم: 30.

وأما قوله عليه الصلاة والسلام عمن يموت من أبناء الكافرين: "الله أعلم بما كانوا عاملين": فقد مر معنا من قبل وأن الشارع في هذا المقام علمنا التفويض في هذا الشأن وأدبنا إليه وترك لنا نصوصًا أخرى تحدد مستقبل هؤلاء الأخروي، ومن القواعد العامة في الشريعة تعرف أنهم ناجون لأنه لا تكليف قبل البلوغ. * * *

الفصل الخامس عشر في الكفر والشرك والكبائر

الفصل الخامس عشر في الكفر والشرك والكبائر وفيه: مقدمة ونصوص وتحقيقات

المقدمة

المقدمة إذا كان الخير كله انبثاقًا عن كلمة التوحيد فإن الشر كله أثر من آثار الشرك {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ} (1). فالشرك ليس له جذور في أعماق النفس البشرية ولا يخرج عنه إلا الشر الخبيث، ويدخل في الشرك أن يتوجه الإنسان لغير الله بمعنى من معاني العبادة، ويدخل في الشرك أن يعطي لغير الله ما هو خالص لله، ويدخل في الشرك أن يعتقد الإنسان أن لغير الله تأثيرًا في الخلق، وبالجملة: فكل ما يتنافى مع التوحيد فهو شرك، وهو نوعان: شرك خفي وشرك جلي، فالشرك الخفي هو أن يتحرك الإنسان حركة مما يقصد به وجه الله لغير الله، ولقد جاء الإسلام لينفي الشرك الخفي والجلي من روح الإنسان ومن قلبه ومن تصرفاته وأحواله، والشرك أحد أنواع الكفر بل يكاد يدخل في كل نوع منها، وللكفر وللشرك وللإلحاد سلوكيات وأخلاق فصلها القرآن الكريم، وكثيرًا ما تذكر في النصوص الكبائر والفواحش بجانب الشرك أن أجرأ الناس على الفواحش والكبائر هم الكافرون والمشركون، وإن كان المسلم قد يتلبس ببعض الكبائر من غير الشرك، وللصلة بين الكفر والفواحش أدخلنا هذه المعاني في فصل واحد، وأمهات الفواحش ي ما يطلق عليها الموبقات، وتسمى أحيانًا بالكبائر، ومع أن الكبائر كثيرة لكن خص بعضها بالذكر أفحشها أو من أفحشها، فقد ذكر الكل وأريد به الجزء إشعارًا بأهمية هذا الجزء، وكل ما سوى الكفر يمكن التجاوز عنه إذا تعلقت مشيئة الله عز وجل بذلك. قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (2). (فمذهب أهل السنة عدم تكفير أحد من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله أو يكن من نواقض الشهادتين. بينما مذهب الخوارج تكفير المسلمين بكل ذنب تمسكًا بظواهر بعض النصوص -وقد رده علماؤنا- ووجدت المرجئة التي تقول لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله كما لا ينفع مع الكفر طاعة. ووجد المعتزلة الذين يقولون يحبط إيمانه كله بالكبيرة ولكن قالوا بالمنزلة بين المنزلتين: فمرتكب الكبيرة يخرج من الإيمان ولا يدخل في الكفر وحكموا لأهل الكبائر بالخلود بالنار. والخوارج قالوا يخرج من الإيمان

_ (1) إبراهيم: 26. (2) النساء: 48.

ويدخل في الكفر، أما أهل السنة فمتفقون على أن مرتكب الكبيرة لا يكفر ولا يخرج من الإيمان والإسلام ولا يدخل في الكفر ولا يستحق الخلود مع الكافرين. وقد تواترت النصوص الدالة على أنه يخرج من النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان سبق ذكر بعضها) (1) ا. هـ. وكذلك دلت النصوص على ثبوت الإيمان قبل الأوامر والنواهي وعلى أن الإيمان والعمل الصالح يتغايران لأنه قد عطف العمل الصالح على الإيمان، والعطف يقتضي التغاير، والأصل أن يجتمعا، كقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} (2) فإنه يفيد ثبوت الإيمان قبل الأمر بالصوم، وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} (3) فإن أصل العطف للمغايرة، وكقوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} (4) بناء على أن المراد من الظلم المعصية، فقد اقتضى بمفهومه اجتماع الإيمان مع المعاصي، وقيل: إن المراد بالظلم الشرك، لما روي أن الآية لما نزلت شق ذلك على الصحابة، وقالوا أينا لم يظلم نفسه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "ليس كما تظنون، إنما هو كما قال لقمان لابنه: {يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (5). وعليه فمفهوم الآية من باب {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (6) فيكون المراد بالإيمان مطلق التصديق. وكقوله {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} (7) فأثبت الإيمان للقاتل وكذلك: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا}، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ...} (8) فأثبت الإيمان والأخوة وهي أخوة الإيمان لا ريب. وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (9) هي الآية الأم في هذا الباب وعلى ضوئها تحمل النصوص المخالفة في ظاهرها.

_ (1) شرح الطحاوية بتصرف يوضح المعنى. (2) البقرة: 82. (3) البقرة: 277. (4) الأنعام: 182. (5) البخاري (6/ 465) -60 - كتاب الأنبياء -41 - باب قول الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ ...}. (6) يوسف: 106. (7) البقرة: 178. (8) الحجرات: 9، 10. (9) النساء: 48.

النصوص

النصوص 326 - * روى أبو داود عن أم الدرداء رضي الله عنها قالت: سمعت أبا الدرداء يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "كل ذنبٍ عسى أن يغفره الله" -أو قال: "عسى الله أن يغفره- إلا من مات مشركًا، أو مؤمن قتل مؤمنا متعمدًا". 327 - * روى البزار عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركًا أو قتل مؤمنًا متعمدًا". هذا الحديث في ظاهره يدل على أنه لا يغفر للمؤمن الذي قتل مؤمنًا متعمدًا وعليه يدل ظاهر قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} (3). وهذا مذهب ابن عباس، لكن جمهور السلف وجميع أهل السنة حملوا ما ورد من ذلك على من استحل القتل أو على الزجر والتغليظ والتنفير إذ ما عدا الشرك من الكبائر يجوز أن يغفر وإن مات صاحبه بلا توبة. وصحح أهل السنة قبول توبة القاتل كغيره وحملوا قوله {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} أي إن شاء أن يجازيه، تمسكًا بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (4) واستدلالاً بحديث الإسرائيلي الذي قتل تسعة وتسعين ثم أتم المائة بقتل الراهب، فإذا ثبت ذلك لمن قبل هذه الأمة فمثله لهذه الأمة أولى لما خفف الله عليها من الأثقال هذا مع تضافر النصوص على ذلك (5). أقول: التحقيق أن في القتل ثلاثة حقوق: حق الله وحق القتيل، وحق أهل القتيل: فالتوبة والقصاص، أو التوبة والدية يسقطان حق الله إن شاء وحق أهل القتيل، ويبقى حق القتيل، فإن شاء الله أرضاه وإن شاء عذب قاتله إلى أجل.

_ 326 - أبو داود (4/ 103) -كتاب الفتن والملاحم- باب في تعظيم قتل المؤمن- وإسناده حسن. أحمد (4/ 99). المستدرك (4/ 351). وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. النسائي (7/ 81) -37 - كتاب تحريم الدم -1 - باب أخبرنا هارون بن محمد ... وهو في الثلاثة الأخيرة عن معاوية بن أبي سفيان. 327 - كشف الأستار (4/ 124). ورجاله ثقات. (1) النساء: 93. (2) راجع عون المعبود (4/ 167). (3) النساء: 48.

328 - * روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس". وفي رواية (2): أن أعرابيًا جاء إلى النبي صلى الله عليه سلم فقال: يا رسول الله، ما الكبائر؟ قال: "الإشراك بالله". قال: ثم ماذا؟ قال: "اليمين الغموس". قلت: وما اليمين الغموس؟ قال: "الذي يقتطع مال امرئ مسلم"- يعني: بيمين هو فيها كاذب. 329 - * روى البخاري ومسلم عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر" -ثلاثًا- قلنا: بلى يا رسول الله. قال "الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، ألا وشهادة الزور، وقول الزور" وكان متكئًا فجلس -فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت. 330 - * روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر، فقال: "الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس -وقال: - ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قول الزور- أو قال: شهادة الزور". وفي رواية (5): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "في الكبائر: الشرك بالله، وعقوق

_ 328 - البخاري (11/ 555) -83 - كتاب الإيمان والنذور -16 - باب اليمين الغموس. الترمذي (5/ 226) -48 - كتاب تفسير القرآن -5 - باب (ومن سورة النساء). النسائي (7/ 81) -27 - كتاب تحريم الدم -3 - باب ذكر الكبائر. (2) البخاري (12/ 264) -88 - كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم -1 - باب إثم من أشرك بالله ... (الغموس) اليمين الغموس: هي اليمين الكاذبة التي تغمس حالفها في الإثم. (يقتطع) الاقتطاع: الأخذ والانفراد بالشيء. 329 - البخاري (5/ 261) -52 - كتاب الشهادات -10 - باب ما قيل في شهادة الزور. مسلم (1/ 91) -1 - كتاب الإيمان -38 - باب بيان الكبائر وأكبرها. الترمذي (5/ 235) -48 - كتاب تفسير القرآن -5 - باب (ومن سورة النساء). (الكبائر) جمع كبيرة، وهي الذنوب العظام. 330 - البخاري (10/ 405) 87 - كتاب الأدب 6 - باب عقوق الوالدين من الكبائر. مسلم (1/ 92) الموضع السابق. (5) الترمذي (5/ 235) الموضع السابق. النسائي (7/ 89) -37 - كتاب تحريم الدم -2 - باب ذكر الكبائر.

الوالدين، وقتل النفس، وشهادة الزور". 321 - * روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: "أن تجعل لله ندًا وهو خلقك". قلت: إن ذلك لعظيم، ثم أي؟ قال: "أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك". قلت: ثم أي؟ قال: "أن تزاني حليلة جارك". وفي رواية (2): وتلا هذه الآية {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} (3). 332 - * روى النسائي عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من جاء يعبد الله ولا يشرك به شيئًا، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويجتنب الكبائر: كان له الجنة". فسألوه عن الكبائر؟ فقال: "الإشراك بالله، وقتل النفس المسلمة، والفرار يوم الزحف". 333 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

_ 331 - البخاري (8/ 163) -65 - كتاب التفسير -3 - باب قوله تعالى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}. مسلم (1/ 90) -1 - كتاب الإيمان -27 - باب كون الشرك أقبح الذنوب وبيان أعظمها بعده. الترمذي (5/ 339) 48 - كتاب تفسير القرآن -26 - باب (ومن سورة الفرقان). النسائي (7/ 89) 27 - كتاب تحريم الدم -4 - باب ذكر أعظم الذنب. (2) الترمذي (5/ 337) في الموضع السابق. النسائي (7/ 90)، الموضع السابق. ندا: الند: المثل. حليلة جارك: حليلة الرجل: زوجته، والرجل حليل امرأته. آثامًا: الآثام: الإثم، وقيل: هو العذاب. (3) الفرقان: 68، 69. 332 - أخرجه النسائي (7/ 88) -37 - كتاب تحريم الدم -3 - ذكر الكبائر. وإسناده حسن. 333 - البخاري (5/ 393) -55 - كتاب الوصايا -23 - باب قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا ...}.=

"اجتنبوا السبع الموبقات". قيل يا رسول الله، وما هن؟ قال: "الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات". 334 - * روى الطبراني في الأوسط عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "أبايعكم على أن لا تشركوا بالله شيئًا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تزنوا ولا تسرقوا ولا تشربوا مسكرًا فمن فعل من ذلك شيئًا فأقيم عليه حده فهو كفارة ومن ستر الله عليه فحسابه على الله عز وجل ومن لم يفعل من ذلك شيئًا ضمنت له على الله الجنة". 335 - * روى البزار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الكبائر أولهن الإشراك بالله وقتل النفس بغير حقها وأكل الربا وأكل مال اليتيم وفرار يوم الزحف ورمي المحصنات والانتقال إلى الأعراب بعد هجرته". 336 - * روى الطبراني في الأوسط عن عبد الل بن أنيس الجهني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أكبر الكبائر الشرك بالله واليمين الغموس". 337 - * روى الطبراني عن سلمة بن قيس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنما هي

_ = مسلم (1/ 92) -1 - كتاب الإيمان -38 - باب بيان الكبائر وأكبرها. أبو داود (3/ 115) -كتاب الوصايا- باب ما جاء في التشديد في أكل مال اليتيم. النسائي (6/ 257) -30 - كتاب الوصايا -12 - اجتناب أكل مال اليتيم. الموبقات: جميع موبقة، وهي: الخصلة المهلكة. قذف المحصنات: المحصنات: جمع محصنة، وهن العفائف ذوات الأزواج، وقذفهن: رميهن بالزنا. ولفظ المحصنات هنا عام في العفيفات متزوجات وغير متزوجات. 334 - مجمع الزوائد (1/ 104). وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله موثقون إلا أنه من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، اهـ من المجمع. وقد حسنها المحققون. 335 - كشف الأستار (1/ 72). مجمع الزوائد (1/ 103). وقال: رواه البزار وفيه عمر بن أبي سلمة ضعفه شعبة وغيره ووثقه أبو حاتم وابن حسان وغيرهما اهـ من المجمع. وروى الطبراني نحوه عن سهل بن أبي حثمة عن أبيه (المعجم الكبير: 6/ 103) وفيه ابن لهيعة. 336 - مجمع الزوائد (1/ 105). وقال رواه الطبراني في الأوسط ورجاله موثقون. اهـ من المجمع. وروى نحوه الترمذي (5/ 236). والبخاري (11/ 555) ولكن عنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص. 337 - المعجم الكبير (7/ 29).=

أربع" فما أنا بأشح مني عليهن يوم سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تشركوا بالله شيئًا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تزنوا ولا تسرقوا". 338 - * روى البزار عن ابن عباس أن رجلاً قال: يا رسول الله ما الكبائر؟ قال: "الشرك بالله والإياس من روح الله والقنوط من رحمة الله". 339 - * روى الطبراني عن ابن مسعود قال: الكبائر الإشراك بالله والأمن من مكر الله والقنوط من رحمة الله واليأس من روح الله. وفي رواية: أكبر الكبائر. 340 - * روى الطبراني عن عبد الله بن يزيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يا نعايا العرب يا نعايا العرب إن أخوف ما أخاف عليكم الزنا والشوة الخفية". 341 - * روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن من الكبائر: شتم الرجل والديه". قال: وهل يشتم الرجل والديه؟ قال؛ "نعم، يسب الرجل أبا الرجل وأمه، فيسب أباه وأمه". وفي رواية (5): "إن من أكبر الكبائر: أن يلعن الرجل والديه .. " وذكر الحديث.

_ = قال في المجمع (1/ 104): رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. 338 - كشف الأستار (1/ 71). قال في المجمع (1/ 104): رواه البزار والطبراني ورجاله موثقون. 339 - المعجم الكبير (9/ 171). كشف الأستار (1/ 71). قال في المجمع (1/ 104): إسناده صحيح. وهو حديث حسن. 340 - مجمع الزوائد (6/ 255) وقال: رواه الطبراني بإسنادين، رجال أحدهما رجال الصحيح غير عبد الله بن بديل بن ورقاء وهو ثقة. يا نعايا العرب: نداء للتوبيخ وللتشهير، ومنه (نعى على قوم شهوتهم) أي عاب عليهم. الشهوة الخفية: شهوة النساء. 341 - البخاري (10/ 403) -78 - كتاب الأدب -4 - باب لا يسب الرجل والديه. مسلم (1/ 92) -1 - كتاب الإيمان -38 - باب بيان الكبائر وأكبرها. والترمذي (4/ 312) -28 - كتاب البر والصلة -4 - باب ما جاء في عقوق الوالدين ولكن عنده عن عبد الرحمن ابن عمرو بن العاص. (1) أبو داود (4/ 336) -كتاب الأدب- باب في بر الوالدين.

342 - * روى البزار عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الشيطان قد يئس أن يعبد في جزيرة العرب ولكن قد رضي بمحقراتٍ". 343 - * روى البزار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان قد أيس أن يعبد بأرضكم هذه ولكن قد رضي منكم بالمحقرات". 344 - * روى أحمد عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنا فإذا فشا فيهم ولد الزنا فأوشك أن يعمهم الله بعذاب". ولفظ الطبراني: "لا تزال أمتي بخير متماسك أمرها ما لم يظهر فيهم ولد لزنا، فإذا ظهروا خشيت أن يعمهم الله بعقاب". 345 - * روى الطبراني في الصغير والأوسط عن أنس بن مالكٍ قال: ذكر في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم خسف قبل المشرق، فقال رجل: يا رسول يخسف بأرض فيها المسلمون؟ فقال: "نعم إذا كان أكثر أهلها الخبث". ما ذكر في النصوص السابقة نماذج على الكبائر، وعرف بعضهم الكبائر بأنها كل معصية رتب عليها حد أو توعد عليها بالنار واللعنة والغضب وهذا مذهب ابن عباس والحسن البصري.

_ 342 - كشف الأستار (3/ 333). قال في المجمع (10/ 54): رواه البزار وإسناده حسن. 343 - كشف الأستار، الموضع السابق. قال في المجمع (10/ 54) رواه البزار: ورجاله رجال الصحيح. 344 - أحمد (6/ 333). المعجم الكبير (24/ 23). قال في المجمع (6/ 257): رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني، وفيه محمد بن عبد الرحمن بن لبيبة وثقه ابن حبان وضعفه ابن معين، ومحمد بن إسحاق قد صرح بالسماع فالحديث صحيح أو حسن. 345 - الروض الداني (1/ 83). قال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 269)، رواه الطبراني في الصغير والأوسط ورجاله رجال الصحيح.

تحقيقات

تحقيقات وفيما يلي تحقيقات لبعض العلماء في موضوع الكبائر: قال النووي: وقال أبو حامد الغزالي في البسيط: والضابط الشامل المعنوي في ضبط الكبيرة أن كل معصية يقدم المرء عليها من غير استشعار خوف وحذار ندم كالمتهاون بارتكابها والمتجرئ عليه اعتيادًا، فما أشعر بهذا الاستخفاف والتهاون فهو كبيرة وما يحمل على فلتات النفس أو اللسان وفترة مراقبة التقوى ولا ينفك عن تندم يمتزج به تنغيص التلذذ بالمعصية فهذا لا يمنع العدالة وليس هو بكبيرة. وقال الشيخ الإمام أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله في فتاويه: الكبيرة كل ذنب كبر وعظم عظمًا يصح معه أن يطلق عليه اسم الكبير ووصف بكونه عظيمًا على الإطلاق. قال: فهذا حد الكبيرة ثم لها أمارات منها إيجاب الحد ومنها الإيعاد عليها بالعذاب بالنار ونحوها في الكتاب أو السنة ومنها وصف فاعلها بالفسق نصًا ومنها اللعن كلعن الله سبحان من غير منار الأرض ... قال العلماء رحمهم الله: والإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة، وروي عن عمر وابن عباس وغيرهما رضي الله عنهم: لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار. معناه أن الكبيرة تمحى بالاستغفار، والصغيرة تصير كبيرة بالإصرار. قال الشيخ أبو محمد بن عبد السلام في حد الإصرار: هو أن تتكرر منه الصغيرة تكرارًا يشعر بقلة مبالاته بدينه إشعار ارتكاب الكبيرة بذلك. قال: وكذلك إذا اجتمعت صغائر مختلفة الأنواع بحيث يشعر مجموعها بما يشعر به أصغر الكبائر ا. هـ (1). وقد حاول سلطان العلماء العز بن عبد السلام أن يعطيك ميزانًا تتعرف من خلاله على الصغائر والكبائر فقال: إذا أردت معرفة الفرق بين الصغائر والكبائر فاعرض مفسدة الذنب على مفاسد الكبائر المنصوص عليها، فإن تقصت عن أقل مفاسد الكبائر -أي المنصوص عليها فهي من

_ (1) النووي في شرحه على صحيح مسلم.

الصغائر، وإن ساوت أدنى مفاسد الكبائر، أو أربت عليها، في من الكبائر، فمن شتم الرب أو الرسول صلى الله عليه وسلم، أو استهان بالرسل أو كذب واحدًا منهم ... أو ألقى المصحف في القاذورات فهذا من أكبر الكبائر، ولم يصرح الشرع بأنها كبيرة. وكذلك لو أمسك امرأة محصنة لمن يزني بها، أو مسلمًا لمن يقتله، فلا شك أن مفسدة ذلك أعظم من مفسدة أكل مال اليتيم مع كونه من الكبائر. وكذلك لو دل الكفار على عورة المسلمين مع علمه بأنهم يستأصلونهم بدلالته، ويسبون حرمهم وأطفالهم ويغتنمون أموالم ويزنون بنسائهم ويخربون ديارهم، فإن تسببه إلى هذه المفاسد أعظم من توليه يوم الزحف بغير عذر مع كونه من الكبائر. وقد نص الشارع على أن شهادة الزور وأكل مال اليتيم من الكبائر، فإن وقعا في مال خطير فهذا ظاهر، وإن وقعا في مال حقير، فيجوز أن يجعل من الكبائر فطالما عن هذه المفاسد، كما جعل شرب قطرة من الخمر من جملة الكبائر، وإن لم يتحقق المفسدة فيه ... والوقوف على تساوي المفاسد وتفاوت عزة ولا يهتدي إليها إلا من وفقه الله تعالى، والوقوف على التساوي أعز من الوقوف على التفاوت، ولا يمكن ضبط المصالح والمفاسد إلا بالتقريب ثم قال: وقد ضبط بعض العلماء الكبائر بأن قال: كل ذنب قرن ب وعيد أو حد أو لعن فو من الكبائر ... فقتل المؤمن كبيرة، لأنه اقترن به الوعيد واللعن. والمحاربة والزنا والسرقة والقذف كبائر، لاقتران الحدود بها. وعلى هذا كل ذنب علم أن مفسدته كمفسدة ما قرن به الوعيد أو اللعن أو الحد، أو أكبر من مفسدته فهو كبيرة ا. هـ (1). وللغزالي اتجاه في أن بعض الصغائر تصبح كبائر بملابستها لمعان كالتهاون بها والاستمرار عليها دون مبالاة، كل هذا جعل العلماء يحاولون بناء على القياس والموازنات أن يكتبوا في الكبائر مضيفين إلى المنصوص عليه ما كان من أمثاله في الفحش من خلال استقراء واسع لنصوص الشريعة، وممن كتب في الكبائر فخصها بالتأليف: الذهبي في كتابه: "الكبائر" فذكر سبعين كبيرة، وابن حجر الهيثمي في كتابه: "الزواجر عن اقتراف الكبائر" وقد أوصلها إلى أربعمائة وسبع وستين كبيرة، منها ما هو محل إجماع بين العلماء، ومنها ما هو متردد بين كونه صغيرة أو كبيرة، ومنها ما أصبح ذنبًا بحيثياته، والمسلم إذا عرف الطاعات

_ (1) قواعد الأحكام جـ 1 ص 23 - 24.

والمعاصي فاجتنب المعاصي وأتى بالفرائض وبما استطاع من النوافل فإنه على أبواب الولاية بإذن الله. والسبب في توسيع دائرة الكبائر أو تصغيرها يرجع إلى اعتبارات متعددة، ففي الشريعة أوامر ونواه وطاعات ومعاص، فترك الأوامر والطاعات معاص يصل بعضها إلى أن يكون كبيرة. والمعاصي منها الظاهر ومنها الباطن، فمن قاس على ما ورد من كبائر من حيث الخطورة وفداحة الآثار أدخل كثيرًا من النواهي والمعاصي في الكبائر، وذا الكتاب سيتعرض للطاعات وللمعاصي إذا جاءت مناسبتها فلا نتوسع في هذا الأمر. وليبق على ذكرٍ منا قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1). فأهل السنة والجماعة خالفهم المعتزلة الذين يقولون بوجوب إنفاذ الوعيد، وأن مرتكب المعصية كائن في النار لا محالة وهو بمنزلة بين المنزلتين فلا هو كافر ولا هو مؤمن. وأهل السنة والجماعة خالفهم الخوارج الذين يكفرون مرتكبي المعاصي. إن أهل السنة والجماعة قالوا: إن لله أن يعفو عمن لا يشرك به، ولكن ليس هذا واجبًا عليه بل هذا شأنه، وقالوا إن وعيده لأهل المعاصي لابد واقع على بعضهم على حسب المشيئة وذلك شأنه في المعاملة بالعدل أو بالفضل وذلك شأنه أن يعفو عن بعض أهل المعاصي لقبول حسناتهم أو لوجود خصوصيات لم تخفف عنهم الحساب، والأمر إليه. قال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم (2): وأما حكمه صلى الله عليه وسلم على من مات يشرك بدخول النار، ومن مات غير مشرك بدخول الجنة فقد أجمع عليه المسلمون. فأما دخول المشرك النار فهو على عمومه، فيدخلها ويخلد فيها، ولا فرق فيه بين الكتابي اليهودي والنصراني، وبين عبدة الأوثان وسائر الكفرة. ولا فرق

_ (1) النساء: 48. (2) صحيح مسلم بشرح النووي جـ 2 ص 97.

عند أهل الحق بين الكافر عنادًا وغيره، ولا بين من خالف ملة الإسلام، وبين من انتسب إليها ثم حكم بكفره بجحده وغير ذلك. وأما دخول من مات غير مشرك الجنة فهو مقطوع له به، لكن إن لم يكن صاحب كبيرة مات مصرا عليها دخل الجنة أولا. وإن كان صاحب كبيرة مات مصرًا عليها فهو تحت المشيئة، فإن عفي عنه دخل أولاً، وإلا عذب ثم أخرج من النار وخلد في الجنة وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "وإن زنى وإن سرق" فهو حجة لمذهب أهل السنة أن أصحاب الكبائر لا يقطع لهم بالنار وأنهم إن دخلوها أخرجوا منها وختم لم بالخلود في الجنة. ا. هـ. * * *

الفصل السادس عشر في: النفاق وعلاماته وشعبه

الفصل السادس عشر في: النفاق وعلاماته وشعبه وفيه: مقدمة ونصوص

المقدمة

المقدمة النفاق في الأصل: إظهار الإسلام وإبطان الكفر، وقد يكون ابتداءً، وقد يحدث بعد إيمان، وقد يكون سببه الشك في الإسلام، وهناك النفاق الخالص، وهناك القلوب التي فيها إيمان ونفاق. وللنفاق علاماته وآثاره في السلوك، وقد أكثر الله عز وجل من ذكر علاماته وآثاره في القرآن لخطورة هذا المرض وجاءت السنة لتزيد الأمر تفصيلاً. وقد ذكر بعض العلماء نوعين من النفاق، نفاق الاعتقاد ونفاق العمل، وعلى هذا التقسيم فإن هناك صورًا للنفاق، فالصورة الأخبث هي نفاق الاعتقاد الذي تصحبه علاماته من كذب وخلف بالوعد ونقض للعهد، وفجور بالخصومة وإفساد في الأرض، ومودة للكافرين وولاء لهم إلى غير ذلك. وهناك صورة أخرى وهي ألا يكون هناك شك في الإسلام ولكن تظهر أخلاقيات النفاق في سلوكيات بعض الناس كأثر عن فساد نية أو فساد بيئة أو جهل أو ظلمة جزئية في القلب. وهناك صورة أخرى وهي وجود الشك والنفاق في القلب، ولكن يتكلف له صاحبه فلا تظهر على سلوكياته آثار النفاق إلا لمامًا. وأيًا كان الأمر فإن علينا أن نظر قلوبنا وأعمالنا من النفاق وآثاره، وإذا رأينا النفاق عند أهله فلنحذر ولنعالج، أما الحكم على إنسان بأنه منافق فهذا الذي ينبغي أن يتأنى فيه إلا إذا وضحت الأمور وقامت بينة. وأكثر صور النفاق في عصرنا تتمثل بموالاة الكافرين الاختيارية ظاهرًا وباطنًا، وأخطر مظهر لذلك الانتساب الطوعي المتفاعل لحزب من الأحزاب الكافرة التي لا تؤمن بالإسلام ولا تلتزم به أهدافًا وسلوكًأ، أمثال ؤلاء نستطيع أن نحكم عليهم بالنفاق أو بالردة على حسب ما يظهر من أقوالهم وأفعالهم، وبالتالي فلا نصلي عليه إذا مات ولا نتعامل معه كما نتعامل مع أهل الإيمان.

والأمور في عصرنا مختلطة فهناك اجتماعات تخطر لمسلمين عاديين فيرون أن مصلحة الإسلام أن يكونوا في حزبٍ ما، ويرون أن الوضع العالمي المعقد يحتاج إلى نوع من المواقف، والعبرة للتقوى البصيرة من أهلها، فمن أفتاه إمام من أئمة الفتوى بعد أن يعرض عليه كل شيء ويستكتمه فله أن يفعل على ضوء الفتوى، ولكن هذه فتوى استثنائية، وإلا فالأصل أن يكون الإنسان قلبًا وقالبًا مع الصف المسلم ومع أهل الإيمان، هذا مع صحة اعتقادٍ، وسلامة عملٍ، فذلك هو الإيمان الخالص. ومن أراد استكمال صورة النفاق والمنافقين فلابد أن يتتبعها في نصوص القرآن وقد أبرزنا هذه الصورة في تفسيرنا وفي كتابنا (جند الله ثقافة وأخلاقًا) ولذلك نقتصر هنا على بعض ما ورد في السنة:

النصوص

النصوص 346 - * روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت في خصلة منهن كانت في خصلة من النفاق، حتى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر". وفي رواية (1) -عوض "إذا ائتمن خان": "إذا وعد أخلف". قال الترمذي: معنى هذا عند أهل العلم: نفاق العمل، وإنما كان نفاق التكذيب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. أقول وقد ظهر نفاق التكذيب بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرات وكرات وبصورٍ شتى، فمثلاً ظهر بالزنادقة والباطنيين وفي كثير من العاملين في الحقل السياسي في عصرنا إلى غير ذلك. 347 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آية المنافق ثلاث" -زاد مسلم: "وإن صام، وصلى، وزعم أنه مسلم"- ثم اتفقا- "إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وفي رواية ثالثة (2): "إذا ائتمن خان".

_ 346 - البخاري (1/ 89) -2 - كتاب الإيمان -24 - باب علامة المنافق. مسلم (1/ 87) -1 - كتاب الإيمان -25 - باب بيان خصال المنافق. أبو داود (4/ 221) -كتاب السنة- باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه. الترمذي (5/ 19) -41 - كتاب الإيمان -14 - باب ما جاء في علامة المنافق. (1) النسائي (8/ 116) -47 - كتاب الإيمان -20 - باب علامة المنافق. الفجور: الكذب والفسق ونحوهما، والمراد به هاهنا: قول الفحش. 347 - البخاري، الموضع السابق. مسلم، الموضع السابق. (2) مسلم، الموضع السابق. الآية: العلامة.

348 - * روى الطبراني عن ابن مسعود قال: اعتبروا المنافقين بثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا عاهد غدر فأنزل الله عز وجل تصديق ذلك في كتابه {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ} إلى آخر الآية. والآيات المشار إليها في الأثر: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} (2). 349 - * روى البزار عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث من كن فيه فهو منافق وإن كان في خصلة ففيه خصلة من النفاق إذا حدث كذب وإذا ائتمن خان وإذا وعد أخلف". 350 - * روى النسائي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ثلاث من كن فيه، فهو منافق: إذا حدث كذب، وإذا ائتمن خان، وإذا وعد أخلف، فمن كانت فيه واحدة منهن، لم تزل فيه خصلة من النفاق حتى يتركها. 351 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خصلتان لا تجتمعان في منافق: حسن سمتٍ، ولا فقه في الدين".

_ 348 - المعجم الكبير (9/ 252). قال في المجمع (1/ 108): رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. (2) التوبة: 75 - 77. 349 - كشف الأستار (1/ 62). مجمع الزوائد (1/ 108) وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. 350 - النسائي (8/ 117) -47 - كتاب الإيمان -20 - باب علامة المنافق. وإسناده صحيح. 351 - الترمذي (5/ 49، 50) -42 - كتاب العلم -19 - باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة. وإسناده حسن. السمت: الطريقة والسجية التي تكون للإنسان من خير أو شر، وهي الهدي والدَّل بمعنى.

352 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تجدون من شر الناس عند الله تعالى يوم القيامة ذا الوجهين: الذي يأتي هؤلاء بوجهٍ، وهؤلاء بوجهٍ". وفي رواية (2) قال: سمعته يقول: "إن شر الناس ذو الوجهين .. " الحديث. 353 - * روى مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل المنافق كالشاة العائرة بين الغنمين، تعير إلى هذه مرة، وإلى هذه مرة". وزاد النسائي (4): "لا تدري: أيها تتبع". 354 - * روى البخاري عن زيد بن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال ناس لابن عمر: إنا لندخل إلى سلطاننا أو أمرائنا، فنقول لهم بخلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم. فقال: كنا نعد هذا نفاقًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. 355 - * روى البخاري عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: إنما كان النفاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما اليوم، فإنه هو الكفر بعد الإيمان وفي أخرى (7): [فإنما هو] الكفر أو الإيمان. وفي أخرى (8) قال: إن المنافقين اليوم هم شر منهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا يومئذ يسرون، واليوم يجهرون.

_ 352 - البخاري (10/ 474) -87 - كتاب الادب -52 - باب ما قيل في ذي الوجهين. مسلم (4/ 2011) -45 - كتاب البر والصلة والآداب -26 - باب ذم ذي الوجهين وتحريم فعله. الموطأ (2/ 991) -56 - كتاب الكلام -8 - باب ما جاء في إضاعة المال وذي الوجهين. (1) مسلم، الموضع السابق. 353 - مسلم (4/ 2146) -50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم -الحديث السابع عشر. (2) النسائي (8/ 124) -47 - كتاب الإيمان -31 - باب مثل المنافق. العائرة: عارت الشاة تعير، إذا ذهبت كذا وكذا مترددة. 354 - البخاري (13/ 170) -93 - كتاب الأحكام -27 - باب ما يكره من ثناه السلطان وإذا خرج قال غير ذلك. 355 - البخاري (13/ 68) -92 - كتاب الفتن -21 - باب إذا قال عند قوم شيئًا ثم خرج فقال بخلافه. (3) البخاري، الموضع السابق. (4) البخاري، الموضع السابق.

356 - * روى أحمد عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا في ظل حجرته قد كان يقلص منه الظل فقال لأصحابه: "يجيئكم رجل ينظر إليكم بعيني شيطان فإذا رأيتموه فلا تكلموه". قال: فجاء رجل أزرق فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم دعاه قال: "علام تشتمني أنت وأصحابك"؟ قال: كما أنت حتى آتيك بهم. فذهب فجاء بهم يحلفون بالله ما قالوا ولا فعلوا، وأنزل الله عز وجل {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ} إلى آخر الآية. وفي رواية الطبراني (1) قال: فجعلوا يحلفون بالله ما قالوا وما فعلوا حتى تجاوز عنهم. وفي رواية (2) "يدخل عليكم رجل ينظر بعيني شيطان". قال: فدخل رجل أزرق فقال: يا محمد علام تسبني؟ أو: تشتمني؟ أو نحو هذا قال: وجعل يحلف. قال: ونزلت هذه الآية في المجادلة {وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} والآية الأخرى. 357 - * روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أظن فلانا وفلانا يعرفان من ديننا شيئًا". قال الليث: كانا رجلين من المنافقين. وفي رواية (3) قالت: دخل النبي صلى الله عليه وسلم يومًا، وقال: "يا عائشة، ما أظن فلانًا وفلانًا يعرفان ديننا الذي نحن عليه". أقول: يبدو أن هذين ممن قال الله عز وجل فيهم:

_ 356 - أحمد (1/ 350). كشف الأستار (3/ 74). (1) المعجم الكبير (12/ 7). وباقي رواية الطبراني بنحو ما عند أحمد. قال في المجمع (7/ 122): ورجال الجميع رجال الصحيح. (2) مجمع الزوائد، الموضع السابق. 357 - البخاري (10/ 485) -87 - كتاب الأدب -59 - باب ما يجوز من الظن. (3) البخاري الموضع السابق.

{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} (1). 358 - * روى مسلم عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: عُدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً موعوكاً. قال: فوضعتُ يدي عليه، فقلت: والله ما رأيت كاليوم رجلاً أشد حراً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بأشد حراً منه يوم القيامة؟ هذينك الرجلين الراكبين المقفيين". لرجلين حينئذٍ من أصحابه. 359 - * روى البخاري عن الأسود بن يزيد النخعي قال: كنا في حلقة عبد الله بن مسعودٍ، فجاء حذيفة، حتى قام علينا، فسلم، ثم قال: لقد أنزل النفاق على قومٍ خيرٍ منكم. فقلنا: سبحان الله فإن الله عز وجل يقول: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} (2) فتسم عبد الله، وجلس حذيفة في ناحية المسجد، فقام عبد الله وتفرق أصحابه، فرماني بالحصباء، فأتيته، فقال حذيفة: عجبتُ من ضحكه، وقد علم ما قلت، لقد أنزل النفاق على قوم كانوا خيراً منكم، ثم تابوا فتاب الله عليهم. قال ابن الأثير: (الدرك الأسفل): الطبق الأسفل من النار، والنار دركاتٌ، لأنها مطبقة بعضها فوق بعض. لقد أُنزِل النفاق على قوم خير منكم، ثم تابوا، فتاب الله عليهم: مقصوده أن جماعة من المنافقين صلحوا واستقاموا، وكانوا خيراً من أولئك التابعين الذين كان يخاطبهم، لمكان

_ (1) محمد: 16. 358 - مسلم (4/ 2146) - 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم -الحديث السادس عشر. الوعك: الحمى، وقيل: ألمها، والمراد به المرض. رجل مُقل: إذا ولاك ظهره وقفاه ذاهباً. قال النووي في "شرح مسلم": سماها "من أصحابه" لإظهارهما الإسلام والصحبة، لا أنها من نال فضيلة الصحبة. 359 - البخاري (8/ 266) -65 - كتاب التفسير -4 - سورة النساء، 25 - باب إن المنافقين في الدرك الأسفل. (2) النساء: 145.

الصحبة والصلاح، فممن كان منافقاً وصلح أمره واستقام: مُجمع، ويزيد، ابنا جارية بن عامر، فكأنه أشار بالحديث إلى تقلُّب القلوب. 360 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: "من يصعد الثنية ثنية المُرار، فإنه يُحط عنه ما حُط عن بني إسرائيل". قال: فكان أول من صعِدها خيلنا، خيلُ بني الخزرج، ثم تتام الناس. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وكلكم مغفور له، إلا صاحب الجمل الأحمر". فأتيناه، فقلنا: تعال، يستغفر لك رسول الله. فقال: والله، لأن أجد ضالتي أحب إليَّ من أن يستغفر لي صاحبُكم. قال: وغذا هو ينشدُ ضالة له. 361 - * روى أبو داود عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقولوا للمنافق سيد، فإنه إن يك سيداً فقد أسخطتم الله عز وجل". 362 - * روى الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن أُبي بن سلول وهو في ظلٍّ فقال: قد غَبْرَ علينا ابن أبي كبشة. فقال ابنه عبد الله [أي لرسول الله]: والذي أكرمك وأنزل عليك الكتاب لئن شئت لأتيتك برأسه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ولكن برَّ أباك وأحسن صحبته".

_ 360 - مسلم (4/ 2144) -50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم- الحديث الثاني عشر. تتام الناس: أي: تتابعوا واحداً بعد واحدٍ، وقيل: تتاموا، أي: جاءوا كلهم وتموا، وهو تفاعلوا من التمام. 361 - أبو داود (4/ 295) -كتاب الأدب- باب لا يقول المملوك: "ربي" و"ربتي". وإسناده صحيح. قوله: (فإنه إن يك سيداً فقد اسخطتم الله عز وجل) أي: إن يكن سيداً في قومه فقد أفضتم الله لأنه يكون تعظيماً للمنافق، وهو ممن لا يستحق التعظيم، فكيف إن لم يكن سيداً بأحد المعاني؟ فإنه يكون مع ذلك كذباً ونفاقاً. وقيل: إن يكن سيداً فتجب عليكم طاعته فإذا أطعتموه فقد أسخطتم ربكم- (عون المعبود: 4/ 453). 362 - مجمع الزوائد (1/ 109). وقال: رواه الطبراني في الأوسط وقال: تفرد به زيد بن بشر الحضرمي. قلت: وثقه ابن حبان وبقية رجاله ثقات. أهـ من المجمع.

363 - * روى أحمد عن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن للمنافقين علامات يُعرفون بها: تحيتُهم لعنةٌ وطعامهم نُهبةٌ وغنيمتهم غُلولٌ، لا يقربون المساجد إلا هجراً ولا يأتون الصلاة إلا دُبراً مستكبرين لا يألفون ولا يؤلفون خُشبٌ بالليل صُخبٌ بالنهار" وقال يزيد مرة: "سخب بالنهار". 364 - * روى البزار عن ابن عباس قال: يقول أحدهم: أبي صَحِبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولنعلٌ خلق خيرٌ من أبيه. أقول هذا الحديث محمول على المنافقين ممن ظاهرهم الصحبة وباطنهم الكفر، وهم قلة وقد عرَّف رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة عليهم حتى يكشف حالهم إذا قاموا مقاماً يخشى منهم على الإسلام، ولذلك فالقول بعدالة الصحابة لا يقدح فيه أن يوجد مثل هؤلاء لهذا الاحتياط الذي احتاطه رسول الله صلى الله عليه وسلم. 365 - * روى أبو يعلى عن أنس بن مالك قال: غدا أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله هلكنا ورب الكعبة. قال "وما ذاك" قالوا: النفاقُ النفاقُ. قال: "ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله". قالوا: بلى. قال: "ليس ذلك النفاق" قال: ثم عادوا الثانية فقالوا: يا رسول الله هلكنا ورب الكعبة. قال: "وما ذاك". قالوا: النفاق النفاق. قال: "ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله". قالوا: بلى. قال: "ليس ذاك النفاق". قال: ثم عادوا الثالثة فقالوا: يا رسول الله هلكنا

_ 363 - أحمد (2/ 293). كشف الأستار (1/ 61). قال في المجمع (1/ 102): رواه أحمد والبزار وفيه عبد الملك بن قدامة الجمحي وثقه يحيى بن معين وغيره، وضعفه الدارقطني وغيره. أهـ من المجمع. فالحديث حسن على مذهب يحيى. صخب: أي صياحون فيه متجادلون. 364 - كشف الأستار، الموضع السابق. قال في المجمع (1/ 113): رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. 365 - مجمع الزوائد (10/ 360). وقال: رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير غسان بن برزين وهو ثقة أ. هـ. قال في التقريب (2/ 105): صدوق ربما أخطأ.

ورب الكعبة. قال "وما ذاك. قالوا: النفاق. قالوا: إنا إذا كنا عندك كنا على حال وإذا خرجنا من عندك همتنا الدنيا وأهلونا. قال: "لو أنكم إذا خرجتم من عندي تكونون على ما أنتم عليه لصافحتكم الملائكة بطرق المدينة". 366 - * روى البزار عن حُذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما أتخوف عليكم رجلاً قرأ القرآن حتى إذا رُئي عليه بهجته وكان رديء الإسلام اعتزل إلى ما شاء الله وخرج على جاره بسيفه ورماه بالشرك. 367 - * روى أحمد عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أكثر منافقي أمتي قراؤها". أقول: هذا الحديث محمول على من اشترى بآيات الله ثمناً قليلاً وعلى من يلبس الحق بالباطل ويكتم الحق، ويوالي الظالمين والكافرين فظاهره عالِم وباطنه منافق. 368 - * روى أحمد عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خَلْفٌ بعد الستين أضاعوا الصلوات واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ثم يكونُ خلفٌ يقرؤون القرآن لا يعدو تراقيهم ويقرأ القرآن ثلاثةٌ: مؤمنٌ ومنافقٌ وفاجر". قال بشير فقلت للوليد ما هؤلاء الثلاثةُ؟ قال: المنافق كافر به والفاجر يتأكل به والمؤمن يؤمن به. 369 - * روى الطبراني عن عِمران بن حُصَينٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن

_ 366 - كشف الأستار (1/ 99). مجمع الزوائد (1/ 187). وقال: إسناده حسن. 367 - أحمد (2/ 175). مجمع الزوائد (6/ 229). وقال: رواه أحمد والطبراني ورجاله ثقات، وكذلك رجال أحد إسنادي أحمد ثقات. ورواه أحمد عن عقبة بن عامر بإسناد رجاله ثقات أثبات. 368 - أحمد (3/ 28). مجمع الزوائد (6/ 231). وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات ورواه الطبراني في الأوسط كذلك. 369 - المعجم الكبير (18/ 237). كشف الأستار (1/ 97). قال في المجمع (1/ 187): رواه الطبراني في الكبير والبزار ورجاله رجال الصحيح.

أخوف ما أخافُ عليكم بعدي كل منافقٍ عليم اللسان". 370 - * روى أحمد عن عمر بن الخطاب قال: حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كل منافقٍ عليم اللسان. أقول: في هذه النصوص الخمسة الأخيرة تحذير أي تحذير لمن يحمل الإسلام ويقرأ القرآن ويكون من المنافقين وهو لا يشعر {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ} (1). وقد أعطانا الحديث الثالث علامة هي: يقرأون القرآن لا يعدو تراقيهم" فهو لا يصل إلى قلوبهم فيتدبرون ويتأثرون: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (2). 371 - * روى مسلم عن قيس بن عُبادٍ رضي الله عنه قال: قلت لعمار: أرأيتم صنيعكم هذا الذي صنعتم في أمر عليٍّ، أرأياً رأيتموه، أم شيئاً عهده إليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً لم يعهده إلى الناس كافةً، ولكن أخبرني حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه اثني عشر منافقاً، منهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجملُ في سمِّ الخياط. وأربعةٌ لم أحفظ ما قال [شُعبة] فيهم. وفي رواية (3): "ثمانية [منهم] تكفيكهم الدبيلةُ- سراجٌ من النار يظهر في أكتافهم- حتى ينجم في صدورهم". 372 - * روى مسلم عن أبي الطفيل رضي الله عنه قال: كان بين رجل من أهل العقبة

_ 370 - أحمد (2/ 22) كشف الأستار (1/ 97). قال في المجمع (1/ 187) رواه البزار وأحمد وأبو يعلي ورجاله موثقون. (1) البقرة: 11، 12. (2) محمد: 24. 371 - مسلم (4/ 2143) -50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم- الحديث التاسع. (3) مسلم (4/ 2144)، الموضع السابق: الحديث العاشر. ينجمُ: نجم الشيء ينجم بالضم، نجوماً: ظهر وطلع. 372 - مسلم (4/ 2144) -50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم- الحديث الحادي عشر. الحرة: الأرض التي يكون فيها حجارة سودٌ.

وبين حذيفة بعض ما يكونُ بين الناس، فقال: أنشدُك الله، كم كان أصحابُ العقبة؟ قال: فقال له القومُ: أخبره إذ سألك. فقال: كنا نخبرُ أنهم أربعة عشر، فإن كنت منهم فقد كان القومُ خمسة عشر، وأشهدُ بالله: أن اثني عشر منهم حربٌ لله ولرسوله في الحياة الدنيا، ويوم يقومُ الأشهاد، وعذر ثلاثةٌ، قالوا: ما سمعنا مُنادي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا علمنا بما أراد القومُ، وقد كان في حَرَّةٍ، فمشى، فقال: "إن الماء قليلٌ، فلا يسبقني إليه أحدٌ" فوجد قوماً قد سبقوه، فلعنهم يومئذٍ. قال ابن الأثير: قد يظن بعض من لا علم عنده، أن أصحاب العقبة المذكورين في هذا الحديث: هم أصحابُ العقبة الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام، وحاشاهم من ذلك، إنما هؤلاء قوم عَرضُوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في عقبة صعِدَها لما قَفَل مِن غزوة تبوك، وقد كان أمر منادياً، فنادى: لا يطلع العقبة أحدٌ. فلما أخذها النبي صلى الله عليه وسلم عرضوا له وهم متلثمون، لئلا يُعرفوا، أرادوا به سوءاً، فلم يُقدرهم الله تعالى. 373 - * روى أحمد عن أبي الطفيل، قال: لما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أمر منادياً فنادى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذٌ العقبة فلا يأخذها أحدٌ، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوده عمار ويسوقه حُذيفةُ إذ أقبل رهط متلثمون على الرواحل، حتى غَشوا عماراً وهو يسوقُ برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبل عمار يضرب وجوه الرواحل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحذيفة: "قُدْ قُدْ". حتى هبط رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما هبط رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل، ورجع عمارٌ، فقال: "يا عمارُ هل عرفت القوم". قال: قد عرفت عامة الرواحل، والقومُ متلثمون. قال: "هل تدري ما أرادوا". قال: الله ورسوله أعلم. قال: "أرادوا أن ينفروا برسول الله صلى الله عليه وسلم ويطرحوه". قال: فساب عمارٌ رضي الله عنه رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: نشدتُك بالله ما كان أصحابُ العقبة؟ قال: أربعة عشر. فقال: إن كنت فيهم فقد كانوا خمسة عشر فعد رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ثلاثة قالوا: والله ما

_ = وقصة أهل العقبة هؤلاء ذكرها الهيثمي بسياق أتم. 373 - أحمد (5/ 452). قال في المجمع (6/ 195): رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

سمعنا منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما علمنا ما أراد القوم. فقال عمار: أشهد أن الاثني عشر الباقين منهم حربٌ لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهادُ. قال أبو الوليد: وذكر أبو الطفيل في تلك الغزوة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للناس، وذكر له أن في الماء قلة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم منادياً فنادى لا يرد الماء أحدٌ قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فورده رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد رهطاً قد وردوه قبله، فلعنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ. 374 - * روى أحمد عن أبي سعيد رفعه: "لو أن أحدكم يعمل في صخرةٍ صماء، ليس لها باب ولا كُوة، يخرجُ عمله للناس كائناً ما كان". 375 - * روى البخاري تعليقاً: قال إبراهيم التيمي: ما عرضت قولي على عملي إلا خشيتُ أن أكون مكذباً. وقال ابن أبي مُليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخافُ النفاق على نفسه [ولا يأمن المكر على دينه] ما منهم أحدٌ يقول إنه على إيمان جبريل وميكائيل، ويُذكر عن الحسن: ما خافهُ إلا مؤمنٌ، ولا أمنهُ إلا منافقٌ. وما يُحذرُ من الإصرار على النفاق والعصيان من غير توبةٍ، لقول الله تعالى: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (1). قوله: (وما يحذر من الإصرار): بعد أن بَيَّن الحسن أن النفاق لا يخافه إلا مؤمن ولا يحذره إلا مؤمن، بيّن أن حال المؤمن الخوف والحذر من النفاق والخوف من الإصرار على العصيان من دون توبة. 376 - * روى البخاري عن شُعبة قال أخبرني عبدُ الله بنُ عبد الله بن جبر قال: سمعتُ أنساً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "آية الإيمان حب الأنصار، وآيةُ النفاق بُغضُ الأنصار".

_ 374 - أحمد (3/ 38). المستدرك (4/ 314). وقال: هذا حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. مجمع الزوائد (10/ 225). وقال: رواه أحمد وأبو يعلى وإسنادهما حسن. 375 - البخاري (1/ 109) -2 - كتاب الإيمان -36 - باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر. (1) آل عمران: 135. 376 - البخاري (1/ 62) -2 - كتاب الإيمان -10 - باب علامة الإيمان حب الأنصار.

377 - * روى البخاري ومسلم عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمن: كمثل الخامة من الزرع، تُفيئها الريحُ، تصرعُها مرةً، وتعدلها أخرى، حتى تهيج". وفي أخرى (2) "حتى يأتيه أجله، ومثل المنافق: مثل الأرزة المجذية على أصلها، لا يُفيئها شيءٌ، حتى يكون انجعافُها مرةً واحدةً". 378 - * روى مسلم عن أبي هريرة رفعه: "من مات ولم يغزُ ولم يُحدثْ به نفسه مات على شعبة من النفاق". 379 - * روى الطبراني عن ابن عمر قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء حرملة بن زيد فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله الإيمان ههنا - وأشار إلى لسانه- والنفاق ههنا - وأشار إلى صدره- ولا يذكر الله إلا قليلاً. فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم فردد ذلك عليه حرملةُ، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بطرف لسان حرملة فقال: "اللهم اجعل له لساناً صادقاً وقلباً شاكراً وارزقه حُبي وحب من يحبني وصيِّرْ أمره إلى الخير". فقال حرملة: يا رسول الله إن لي إخواناً منافقين كنت فيهم رأساً ألا أدلك عليهم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من جاءنا كما جئتنا استغفرنا له كما استغفرنا لك ومن أصر على ذنبه فالله أولى به، ولا نخرقُ على أحد سترا".

_ 377 - البخاري (10/ 103) -75 - كتاب الرضى -1 - باب ما جاء في كفارة المرض. مسلم (4/ 2163) -50) كتاب صفات المنافقين وأحكامهم -14 - باب مثل المؤمن كالزرع ومثل الكافر كشجر الأرز. (2) مسلم (4/ 2164)، الموضع السابق. تصرعها: أي ترميها وتُلقيها، من المصارعة. تهيج: هاج النبات هيجا: إذا أُخذ في الجفاف والاصفرار، بعد الغضاضة والاخضرار. المجذية: الثابتة، يقال: جذا يجذو، وأجذى يجذي، لغتان. انجعافها: الانجعاف: الانقلاع، وهو مطاوع: جعفت الشيء: إذا قلعته. 378 - مسلم (3/ 1517) -33 كتاب الإمارة -47 - باب ذم من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو. أبو داود (3/ 10) -كتاب الجهاد -باب كراهية ترك الغزو. النسائي (6/ 8) -25 - كتاب الجهاد -2 - باب التشديد في ترك الجهاد. 379 - المعجم الكبير (4/ 5). قال في المجمع (9/ 410) ورجاله رجال الصحيح.

الفصل السابع عشر في: نواقض الشهادتين

الفصل السابع عشر في: نواقض الشهادتين وفيه: مقدمة ونصوص ومسائل وفوائد

المقدمة

المقدمة قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} (1)، فمن بلغه الإسلام من أهل الأديان وغيرهم فقد تحتم عليهم أن يدخلوا فيه، ومن لم يدخل في الإسلام فهو الكافر الأصلي، وأما من دخل في الإسلام في الظاهر ولم يسلم قلبه فهو المنافق وهو من شر أنوع الكفار: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} (2) أما من دخل في الإسلام ثم أتى بناقض من نواقض الشهادتين فهو المرتد، وحكمه أن عليه أن يتوب مما أتاه، وإلا فإنه يستحق القتل. ونواقض الشهادتين منها القولي، ومنها النظري، ومنها الفعلي؛ فالقولي كأني تبرأ من الإسلام، أو يذكر أنه كافر، أو يسب الإسلام أو القرآن. والنظري مثل أن يستحل محرماً قطعياً، أو ينفي المعلوم من الدين بالضرورة. والفعلي كأن يسجد لصنم، أو يصلي صلاة الكافرين، أو يلقي القرآن في نجاسة. ويعطي بعض المرتدين فرصة فيناقشون حتى تقوم عليهم الحجة، وبالتالي يعطون فرصة التوبة والأوبة ويُعفى عنهم، إلا إذا شاء ولي الأمر تعزيرهم، ولكن هناك صوراً لها أحكامها الخاصة، كأن تتكرر منها الردة، أو تكون ردته من نوع خاص أو يجتمع مع الردة حق آخر كأن سبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا ليس أمامه إلا القتل. وعلى كل الأحوال فقد رتب الشارع أحكاماً بالنسبة للكفار الأصليين، وبالنسبة للمنافقين، وبالنسبة للمرتدين، فالمرتد يستحق القتل إن لم يتب، ويفرق بينه وبين زوجته، ولا تحل ذبيحته ولا إنكاحه. وهناك قضايا محل إجماع بين أهل العلم، وهناك قضايا محل اختلاف، وقضية الردة من أعقد قضايا العصر، فهناك الآن ذراري المرتدين الذين ارتد آباؤهم وهم على مذاهب هؤلاء الآباء، فهؤلاء لهم أحكام خاصة، وهناك المرتدون بسبب وجهات نظر سياسية،

_ (1) سبأ: 28. (2) النساء: 145.

وهناك المرتدون بسبب وجهات نظر فلسفية، والإسلام الآن ضعيف، والعمل الإسلامي الدعوي البحت لا يشكل عليه أمر التعامل مع هؤلاء جميعاً، ولكن إذا وصلنا إلى العمل السياسي من خلال السلطة أو من خارجها فالأمر يصبح في غاية التعقيد، ولذلك فإن للفتوى من أهلها محلاً في بعض الصور. ومن تتبع نصوص الكتاب والسنة وجد الكثير مما له علاقة بنواقض الشهادتين، ومن تتبع كلام العلماء في أبحاث الردة أو في الكتب المؤلفة خاصة في هذا الموضوع وجد مئات المسائل، لأن الجهلة في كل زمان ومكان يغلب على بعضهم تصورات أو تصرفات أو أقوال أو أفعال هي من قبيل الردة التي تنقض الشهادتين ولكل جيل في قطر مسائله، فإذا جمعت مسائل الأقطار والأجيال والأزمان وجدت الكثير من هذه النواقض، ولعصرنا خصوصياته التي اختص بها لذلك كان الأمر في غاية الخطورة، فعلى كل مسلم أن يحرر نفسه وأن يحاسبها على كلماته وتصرفاته وأفعاله، وكان بعض شيوخنا كثيراً ما يستشهدنا على تجديد نكاحه بعد أن يأخذ وكالة من زوجته خشية أن يكون قد خرج على لسانه أو تصرف تصرفاً وهو لم يشعر بخطورته، ويكفي أن نتملى الحديث الشريف الصحيح لنزيد في مراقبة أنفسنا ومحاسبتها: "إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقى لها بالاً يهوي بها في نار جهنم سبعين خريفاً" (1). فأول ما يدخل في هذا الحديث مثل هذه المعاني التي نتحدث عنها، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} (2) وقال تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} (3) وقال تعالى {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (4).

_ (1) البخاري (11/ 208) -81 - كتاب الرقاق -23 - باب حفظ اللسان. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت. مسلم (4/ 2290) -53 - كتاب الزهد والرقائق -6 - باب التكلم بالكلمة يهوي بها في النار. الترمذي (4/ 557) -37 - كتاب الزهد -10 - باب فيمن تكلم بكلمة يضحك بها الناس. (2) آل عمران: 90. (3) الصف: 5. (4) البقرة: 26، 37.

وسنذكر في هذا الفصل بعض نصوص السنة التي تذكر أصل هذا الموضوع وهو نواقض الشهادتين، ثم نذكر بعض هذه النواقض بإيجاز.

النصوص

النصوص 380 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة، فقال: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددتُ أنَّا قد رأينا إخواننا". قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: "أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتي بعد". قالوا: كيف تعرفُ من لم يأت بعدُ من أمتك يا رسول الله؟ قال: "أرأيت لو أن رجلاً له خيلٌ غُرٌ مُحجلةٌ بين ظهري خيلٍ دُهمٍ بُهمٍ، ألا يعرف خيله". قالوا: بلى يا رسول الله. قال: "فإنهم يأتون غُرًّا محجلين من الوضوء، وأنا فرطُهم على الحوض، فليُذادن رجالٌ عن حوضي، كما يُذادُ البعير الضال، أُناديهم: ألا هضلُم. فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك؟ فأقول: سُحقاً، سُحقاً". أقول (التبديل): تحتمل ههنا البدعة وتحتمل الفسوق العملي وتحتمل الردة، والنص ههنا: في الأمة المحمدية عامة وفي هذه الأمة وُجد مبتدعة وفساق ومرتدون. 381 - * روى البخاري ومسلم عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني على الحوض أنظُر من يرد عليَّ منكم، وسيؤخذُ ناس دُوني، فأقول: يا رب، مني ومن أُمتي". وفي رواية (1) "فأقول: أصحابي. فيقال: هل شعرت ما عملوا بعدك؟ والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم". أقول: هناك ناس ارتدوا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وقتلوا أو ماتوا على الردة، فالمراد

_ 380 - مسلم (1/ 218) -2 - كتاب الطهارة -12 - باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الضوء. يهم: البُهم: جمع بهيم، وهو اللون الواحدُ الذي لا يشاركه فيه لون آخر، أسود كان أو غيره. ليذادن: ذدتُ فلاناً عن كذا: إذا دفعتُه عنه، أذوده ذوداً. سُحقاً: تقول: سحقاً لفلان، أي: بعداً له، والسحق: البعد. 381 - البخاري (11/ 466) -81 - كتاب الرقاق -53 - باب في الحوض. وقول الله تعالى {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}. مسلم (4/ 1794) -43 - كتاب الفضائل -9 - باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته. (1) البخاري ومسلم، الموضع السابق.

بالنص هؤلاء، والله أعلم. ولم يرتد من الصحابة الحقيقيين أحد، وإنما ارتد بعض جفاة الأعراب، ومع ذلك فقد رجع قسم كبير منهم إلى الإسلام فتابوا وحسنت توبتهم، وذهب بعض العلماء إلى أن المراد بالرجوع: القهقري، أي إن البعض تأخر عما كان عليه في زمن الرسول عليه الصلاة والسلام، فواقع بعض الناس ما لا يستأهلون معه الورود إلى الحوض. 382 - * روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو بين ظهراني أصحابه: "إني على الحوض أنتظر من يردُ عليَّ منكم، فوالله ليقطعن دوني رجالٌ، فلأقولن: أي ربِّ، مني ومن أُمتي. فيقول: إنك لا تدري ما عَمِلوا بعدك، ما زالوا يرجعون على أعقابهم". 383 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يردُ عليَّ يوم القيامة رهطٌ من أصحابي"- أو قال: "من أمتي - فيحلؤون عن الحوض، فأقول: يارب، أصحابي. فيقول: إنه لا عِلم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقري". وفي رواية (1): "فيُجلون". الظاهر من هذا النص أن بعض الروايات فيمن يرد عن الحوض رواها بعضهم بالمعنى، فذكر أحياناً الأمة، وأحياناً الصحابة، ورجح بعضهم من خلال الاستقراء أن المراد بهذه النصوص كلها الأمة ولكن تشبث زائغو القلوب بكلمة الأصحاب والصحابة ليطعنوا بالصحابة رضوان الله عنهم، ونحن نعتقد أن الصحابة كلهم عدول، وعلى فرض أن المراد ببعض النصوص الصحابة فهؤلاء لا تتوافر فيهم شروط الصحبة في الاصطلاح؛ لأن من شرط ثبوت الصحبة أن يجتمع برسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ويموت على ذلك، ومن ارتد فمات كافراً لا يعتبر من الصحابة، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام في الموقف يسميهم صحابة بالنسبة لمعرفته لذلك في الدنيا.

_ 382 - مسلم، الموضع السابق. ليقتطعن: الاقتطاع: أخذ طائفة من الشيء، تقول: اقتطعت طائفة، من أصحابه: إذا أخذتهم دونه. 383 - البخاري (11/ 465)، الموضع السابق. (1) البخاري (11/ 464)، الموضع السابق.

وإنما أوردنا هذه النصوص في بحث نواقض الشهادتين للإشعار بأن هناك ناساً يدخلون الإسلام ثم يرتكبون ناقضاً من نواقض الشهادتين. وللبخاري (1): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينا أنا قائم على الحوض: إذا زُمرةً، حتى عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلمَّ فقلتُ: إلى أين؟ فقال: إلى النار والله. فقلتُ: ما شأنُهم؟ فقال: إنهم قد ارتدوا على أدبارهم القهقري. ثم إذا زُمرةٌ أخرى، حتى إذا عرفتُهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال لهم: هلم. قلتُ: إلى أين؟ قال: إلى النار والله. قلتُ: ما شأنُهم؟ قال: إنهم قد ارتدوا على أدبارهم. فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم". ولمسلم (2): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تَردُ عليَّ أمتي الحوض، وأنا أذُودُ الناس عنه، كما يذود الرجلُ إبل الرجلِ عن إبله". قالوا: يا نبيَّ الله تعرفُنا؟ قال: "نعم، لكم سيما ليست لأحد غيركم، تردون غراً مُحجلين من آثار الوضوء وليصدن عني طائفةٌ منكم، فلا يصلون، فأقول: يا ربِّ، هؤلاء من أصحابي، فيجيبني ملكٌ، فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك؟ ". وفي أخرى (3) قال: "إن حوضي أبعدُ من أيلةَ من عدنٍ، لهو أشد بياضاً من الثلج، وأحلى من العسل باللبن، ولآنيته أكثر من عدد النجوم، وإني لأصدُ الناس [عنه] كما يصد الرجلُ إبلَ الناس عن حوضه". قالوا: يا رسول الله، أتعرفنا يومئذٍ؟ قال: نعم، لكم سيما ليست لأحدٍ من الأمم، تردُون عليَّ غُراً محجلين

_ (1) البخاري (11/ 465)، الموضع السابق. (2) مسلم (1/ 217) -2 - كتاب الطهارة -12 - باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء. (3) مسلم، الموضع السابق. فيحلؤون: أي: يُدفعون عن الماء، ويُطردون عن وروده، ومن رواه "فيجلون" بالجيم، فهو من الجلاء: النفي عن الوطن، وهو راجع إلى الطرد. زمرة الزمرة: الجماعة من الناس. هَمَل النعم النْعَمِ الهمَل: الإبل الضالة، والمعنى: أن الناجي منها قليل كهَمَل النْعم. لأسد الصد: المنع. سيما السيَّما: العلامة.

من أثر الوضوء". 384 - * روى البخاري ومسلم عن أبي قلابة أن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أخبره أنه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف على يمينٍ بملةٍ غير الإسلام كاذباً متعمداً، فهو كما قال، ومن قتل نفسه بشيء عُذِب به يوم القيامة، وليس على الرجل نذرٌ فيما لا يملك". وزاد في رواية (1): "ولعنُ المؤمن كقتله، ومن رمى مؤمناً بكفرٍ فهو كقتله، ومن ذبح نفسهُ بشيء ذُبح به يوم القيامة". وزاد في أخرى (2): "ومن ادَّعى دعوى كاذبةً ليتكثر بها، لم يزده الله إلا قلة". وفي رواية الترمذي (3): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس على المرء نذر فيما لا يملك، ولاعِنُ المؤمن كقاتله، ومن قذف مؤمناً بكفر فهو كقاتله، ومن قتل نفسه بشيء عذَّبه الله بما قتل [به] نفسهُ يوم القيامة". 385 - * روى البزار عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قال الرجل لأخيه يا كافرُ فهو كقتله". 386 - * روى البخاري عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يرمي رجلٌ رجلاً بالفسوق أو بالكفر، إلا ارتدَّت عليه إن لم يكنْ

_ 384 - البخاري (10/ 464) -78 - كتاب الأدب -44 - باب ما ينهى عن السباب واللعن. مسلم (1/ 104) -1 - كتاب الإيمان -47 - باب غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه. (1) البخاري (10/ 514) -78 - كتاب الأدب -73 - باب من أكفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال. (2) مسلم، الموضع السابق. (3) الترمذي (5/ 22) 41 - كتاب الإيمان 16 - باب ما جاء فيمن رمى أخاه بكفر. وقال: هذا حديث حسن صحيح. 385 - كشف الأستار (2/ 431). قال في المجمع (8/ 73): رواه البزار ورجاله ثقات. 386 - البخاري (10/ 464) -78 - كتاب الأدب -44 - باب ما ينهى عن السباب واللعن.

صاحبه كذلك". 387 - * روى أحمد عن أبي ذر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتديت عليه إن لم يكن صاحبُه كذلك". 388 - * روى البخاري عن ابن عباسٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بدَّل دينهُ فاقتلوهُ". 389 - * روى أبو داود عن عبد الله بن بُريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال إني بريء من الإسلام فإن كان كاذباً فهو كما قال، وإن كان صادقاً لم يعد إليه الإسلامُ سالماً". 390 - * روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حمل علينا السلاح فليس منا". وسيمر معنا في حد الردة في القسم الخامس نصوص تتعلق بالردة وأحكامها.

_ 387 - أحمد (5/ 181). كشف الأستار (2/ 421). قال في المجمع (8/ 73): رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح. 388 - البخاري (6/ 149) -56 - كتاب الجهاد -149 - باب لا يُعذب بعذاب الله. أحمد (1/ 217). ابن ماجه (2/ 848) -20 - كتاب الحدود -2 - باب المرتد عن دينه. 389 - أبو داود (3/ 224، 225) - كتاب الأيمان والنذور- باب ما جاء في الحلف بالبراءة وبملة غير الإسلام. ابن ماجه (1/ 679) -11 - كتاب الكفارات -3 - باب من حلف بملة غير الإسلام. المستدرك (4/ 298). وإسناده لا بأس به. 390 - البخاري (13/ 23) -92 - كتاب الفتن -7 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من حمل علينا السلاح فليس منا". مسلم (1/ 98) -1 - كتاب الإيمان -42 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من حمل علينا السلاح فليس منا". الترمذي (4/ 59، 60) -15 - كتاب الحدود -26 - باب ما جاء فيمن شهر السلاح. ابن ماجه (2/ 860) -20 - كتاب الحدود -19 - باب من شهر السلاح. وهو عند ابن ماجه بلفظ: "من شَهَرَ".

مسائل وفوائد في نواقض الشهادتين وتعداد بعضها

مسائل وفوائد في نواقض الشهادتين وتعداد بعضها 1 - لقد كُتبتْ الكتب الكثيرة في المكفرات وفي موجبات الردة، وندر أن يوجد كتاب فقهي جامع إلا وفيه كلام طويل عن الردة وأحكامها وما يؤدي إلى الردة، وذكرنا في كتابنا: "الإسلام" حوالي عشرين ناقضاً من نواقض الشهادتين، وقد اشتطَّ ناسٌ في موضوع التكفير حتى تجاوزوا الحدود العلمية والفقهية في هذا الشأن، فاقتضى ذلك تنبيهاً؛ لأن المسارعة إلى التكفير ليست خلق أهل السنة والجماعة، فأهل السنة والجماعة لا يكفرون إلا بما يوجب التكفير قطعاً، فالهجوم على التكفير خطر، إلا فيما كان واضحاً وضوح الشمس لا يحتمل تأويلاً أو ما حكم فيه أهل الفتوى أنه ردة. ولما كان الإيمان التصديق بجميع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم بدليل قاطع، كان الكفر نقيض الإيمان، فالكفر إذن هو عدم التصديق ولو بشيء مما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ووصل إلينا بطريق يقيني. قال الرازي في تفسيره: (الكفر عدم تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم بشيء مما علم بالضرورة مجيئه). 2 - نواقض الشهادتين على أنواع، فمنها الاعتقادي ومنها الفعلي ومنها القولي. فمن النواقض الاعتقادية مما يدخل في باب الألوهيات: إنكار الخالق سبحانه وتعالى، وإنكار صفة من صفات الكمال، أو وصفه بما هو منزه عنه؛ كوصفه بأنه ثالث ثلاثة، أو أنه جسد، أو أنه غير محيط علماً بكل شيء، أو وصفه بأن له ولداً أو صاحبةً، وشريكاً أو معاوناً، أو وصفه بصفة من صفات النقص كالجهل والعجز والتعب، تعالى عن ذلك علواً كبيراً. ومن النواقض الاعتقادية فيما يتصل بالنبؤات: إنكار الأنبياء الذين ورد الخبر القاطع بالإعلام بهم أو إنكار أحدهم، أو إنكار عموم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأنه خاتم النبيين.

ومما يدخل في النواقض الاعتقادية مما يتصل بالسمعيات: إنكار البعث والقيامة بالروح والجسد، أو اعتقاد أن النعيم والعذاب روحاني لا صلة للجسم بذلك، وأيضاً إنكار الملائكة والجن والكتب السماوية إجمالاً، أو إنكار القرآن ولو آية من آياته. ومما يتصل بالنواقض الاعتقادية إنكار الأركان الخمسة من الصلاة والزكاة. 3 - ومن صور نواقض الشهادتين جحود أمر معلوم من ديننا بالضرورة وهو ما يعرفه عوام المسلمين وخواصهم، وهو ما يثبت بالقرآن الكريم وكان قطعي الدلالة، أو بالسنة المتواترة القطعية الدلالة وليس فيه شبهة، وبإجماع جميع الصحابة المتواتر إجماعاً قطعياً قولياً غير سكوتي، وكذلك إذا استباح محرماً مجمعاً على تحريمه معلوماً من الدين بالضرورة. يقول الإمام النووي: وكذلك الأمر في كل من أنكر شيئاً مما أجمعت الأمة عليه من أمور الدين إذا كان علمه منتشراً كالصلوات الخمس، وصوم شهر رمضان، والاغتسال من الجنابة، وتحريم الزنا والخمر، ونكاح ذوات المحارم ونحوها من الأحكام، إلا أن يكون حديث عهد بالإسلام ولا يعرف حدوده، فإنه إذا أنكر شيئاً منه جهلاً به لم يكفر .. فأما ما كان الإجماع فيه معلوماً من طريق علم الخاصة، كتحريم نكاح المرأة وعمتها وخالتها، وأن القاتل عمداً لا يرث، وأن للجدة السدس، وما أشبه ذلك من الأحكام فإن من أنكرها لا يكفر بل يعذر فيها لعدم استفاضة علمها في العامة. 4 - ومن المكفرات القولية أن يقول ما لا يجوز مما يستحيل على الله عز وجل، كالوصف بالجهل وغير ذلك، أو الاستهزاء بشيء من أركان الإيمان أو الإسلام أو أن يقول إنه غير مقتنع بجدوى الزكاة أو يقول إنه غير مقتنع بأن الإسلام فيه السعادة للإنسان وأنه يكفي لإقامة الحياة، وكذلك الاعتراف بالعقائد الكافرة، وكذلك الاعتراض على عدل الله وقضائه وقدره واتهامه بالجور سبحانه وتعالى. 5 - ومن المكفرات الفعلية: تعليق شعار الكفر على نفسه من غير اضطرار مع الاستحباب، أو تمزيق المصحف للإهانة أو رميه في القاذورات أو السجود لصنم.

6 - ومما ينقض دعوى الشهادتين: أ- التوكل والاعتماد على غير الله إذا أخذ طابع الاعتقاد: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (1). ب- عدم اعتراف الإنسان بأن كل نعمة هو فيها ظاهرة وباطنة حسية ومعنوية هي من فضل الله، وأن ما يصيبنا هو من الله وأنه المانع والمعطي. ج- إعطاء غير الله حق الأمر والنهي المطلقين والتحليل والتحريم وحق التشريع المطلق: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} (2)، {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} (3). د- ومما ينقضها: استحباب الحياة الدنيا على الآخرة وجعل الدنيا هدفه الوحيد إن كان ذلك عن كفر بالآخرة: {وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ * الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ} (4). هـ- ومما ينقض دعوى الشهادتين تحليل ما حرم الله أو استحلاله، وتحريم ما أحل الله مما لا خلاف بين أئمة الاجتهاد في حله: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ...} (5). و- ومما ينقض دعوى الشهادتين موالاة الكفار وأهل النفاق وكراهية أهل الإيمان والتوحيد {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ....} (6). 7 - ومن صور نقض الشهادتين الحكم بغير ما أنزل الله على تفصيلاتٍ للفقهاء في ذلك، قال ابن أبي العز الحنفي في شرحه للعقيدة الطحاوية: وذلك بحسب حال الحاكم فإنه إن اعتقد أن الحكم بما أنزل الله غير واجب وأنه مخير فيه أو استهان به مع تيقنه أنه حكم الله

_ (1) المائدة: 23. (2) الأعراف: 54. (3) يوسف: 67. (4) إبراهيم: 2، 3. (5) النحل: 116. (6) المائدة: 51.

فهذا كفر أكبر وقال ابن كثير عند تفسير قوله تعالى {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} (1): ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال، بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكز خان الذي وضع لهم (الياسق)، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعاً متبعاً يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن فعل ذلك منهم، فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير أ. هـ. وموضوع نواقض الشهادتين واسع لو أردنا أن نتوسع فيه لاقتضى ذلك منا مجلداً ضخماً، ولذلك نكتفي بهذه الإشارات، وطالب العلم عليه أن يتتبع هذا الشأن ويتوسع فيه ليستطيع تصحيح عبارات الناس وأفعالهم واعتقاداتهم، وما أقل من يمتلك الدقة العلمية في الاعتقادات والتصرفات والأقوال في عصرنا، حتى إنك لتجد خطباء ومحاضرين ومدرسين ودعاة يغلب عليهم الخطأ، وأحياناً يكون الخطأ اعتقادياً، نسأل الله الحفظ والسلامة، وكذلك لا بد من دراسة كتب العقائد كما استقر عليه التأليف عند أهل السنة والجماعة. * * *

_ (1) المائدة: 50.

الفصل الثامن عشر في: الاعتصام بالكتاب والسنة

الفصل الثامن عشر في: الاعتصام بالكتاب والسنة وفيه: مقدمة ونصوص

المقدمة

المقدمة الكتاب والسنة أصلاً الإسلام والإيمان، فهما ركن من أركان الإيمان، فمن كفر بالكتاب أو بالسنة فقد كفر بالإسلام كله، فعلى كل مسلم أن يؤمن بالكتاب والسنة وأن يعظمهما ويجلهما ويخدمهما، قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} (1) فإذا كان هذا شأن تعظيم الشعائر فكيف بكلام الله؟ فكيف بوحي الله؟ كما أنه يفترض على كل مسلم أن يعتقد وجوب التزام الكتاب والسنة، ومن لم ير ذلك فهو كافر، ولكن السنة منها المتواتر ومنها ما سوى ذلك، ومنها ما هو قطعي الثبوت وما هو ظني الثبوت، ومنها ما هو قطعي الدلالة ظني الثبوت، وظني الدلالة قطعي الثبوت، وظني الثبوت ظني الدلالة، والقرآن كله قطعي الثبوت، ولكن منه ما هو قطعي الدلالة، ومنه ما هو ظني الدلالة، فالحكم بالكفر إنما هو على من أنكر وجوب الالتزام بالكتاب أو السنة أصلاً، ومن أنكر ما هو قطعي الثبوت قطعي الدلالة، ثم بعد ذلك توجد تفصيلات ولذلك تقول: إن تفصيل مدلول الالتزام بالكتاب والسنة بالنسبة لكل نص على حدة منوط بتفسير أهل الحق من أئمة الاجتهاد وأئمة العقائد وأئمة التفسير والسنة، فهم الذين أعطوا هذا المعنى مضمونه التفصيلي، ومن تكلم في هذا الشأن من غيرهم أو مخالفاً لاجتهاداتهم فإنه يَسِف أو يَضِل أو يُخطئ على حسب نوع الكلام الذي يقوله وحكمهم عليه. وقد توزعت أقوال الأئمة المرتبطة بموضوع الالتزام بالكتاب والسنة في كتب العقائد والفقه وأصول الفقه وأصول علم التفسير وأصول علم الحديث، والعالِم المحيط بهذه العلوم هو الذي يدرك تفصيلات المراد بالتزامٍ بالكتاب والسنة، فالالتزام بالكتاب والسنة يعني الالتزام بالإجماع والقياس والعرف الصالح والمصالح المرسلة والاستحسان والاستصحاب، وهناك قواعد تضبط الفهم وتضبط كيفية استنباط الحكم، وهناك قواعد للترجيح بين الأدلة، وهذا وغيره من كلام الأئمة كله تفصيل دقيق للمراد بالتزام الكتاب والسنة.

_ (1) الحج: 32.

ولقد رفع الخوارج شعار "لا حكم إلا لله"، وهو شعار صحيح، ثم وصلوا منه إلى ضلال، وهناك ناس يرفعون شعار العودة إلى الكتاب والسنة، ولكن رافق دعوة غلاتهم من الخطأ ما يلغي التراث الفقهي والعلمي، ويشكك بالأمة والأئمة، فاقتضى ذلك التنبيه. وقد حضت نصوص كثيرة في الكتاب والسنة على الالتزام بهما، فمن آيات القرآن في ذلك: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (1)، {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} (2)، {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (3)، {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (4)، {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ} (5)، {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} (6)، {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} (7). قال الحسن: تدبُّر آياته: اتباعه والعمل بعلمه. وقال مجاهد في قوله تعالى: {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ} (8) يعملون به حق عمل به. ومن قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} (9)، قيل معناه: من يعرض عن ذكر القرآن وما فيه من الحكم إلى أقاويل المضلين وأباطيلهم نعاقبه بشيطان نقيضه له حتى يضله ويلازمه قريناً له وقوله {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ...} (10). (شرح السنة). فالإسلام في البداية والنهاية هو التسليم للكتاب والسنة، والكتاب والسنة فيهما بيان كل شيء مما يحتاجه المكلف، قال تعالى عن القرآن: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} (11)، {وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ} (12). فالكتاب والسنة وما انبثق عنهما من فهومٍ

_ (1) النساء: 59. (2) آل عمران: 32. (3) الحشر: 7. (4) آل عمران: 103. (5) المائدة: 15، 16. (6) الزمر: 55. (7) ص: 29. (8) البقرة: 121. (9) الزخرف: 31. (10) الأحزاب: 26. (11) النحل: 89. (12) يوسف: 111.

صحيحة، وما استنبط منهما بطريقٍ صحيحٍ كل ذلك إسلام، فالإسلام واسع لأنه ما من قضية من قضايا الحياة إلا ولله فيها حكم، فالإسلام هو الحياة بكل ما فيها: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} (1)، وكان ولا يزال رمز الدخول في الإسلام هو الشهادتين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل الداخلين في الإسلام على معالم كبرى من هذا ليبدأوا عهدهم بالإسلام فيها، ثم لتكون هي البداية في السير على ضوء الكتاب والسنة، وقد غلط من فهم أن مثل هذه النصوص هي الدين كله، فَذِكْرَ الخاص وإرادةُ العام أو ذِكْرَ العام وإرادةُ الخاص، وذِكرُ الجزء وإرادةُ الكل وذِكرُ الكل وإرادةُ الجزء هي بعض أساليب الخطاب التي تعرفها العرب بفطرتها، والراسخون في العلم يضعون الأمور في مواضعها، وهذه بعض النصوص التي تحض على التزام الكتاب والسنة.

_ (1) الأنفال: 24.

النصوص

النصوص 391 - * روى البخاري عن ابن مسعودٍ قال: أحسن الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هديُ محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وإن ما توعدون لآتٍ وما أنتم بمعجزين. 392 - * روى الترمذي عن المقدام بن معد يكرب رفعه: "ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني وهو متكئ على أريكته فيقول: بيننا وبينكم كتابُ الله، فما وجدنا فيه حلالاً استحللناه، وما وجدنا فيه حراماً حرمناه. وإن ما حرَّم رسول الله كما حرم الله". ولأبي داود (1): "ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته". 393 - * روى ابن ماجه عن أبي الدرداء رفعه: "وايمُ الله لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلُها ونهارها سواءٌ". 394 - * روى مالك بن أنس رحمه الله أنه بلغه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تركتُ فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله، وسنة رسوله".

_ 391 - البخاري (13/ 249) -96 - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة -2 - باب الاقتداء بسنن الرسول صلى الله عليه وسلم، وقول الله تعالى: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}. 392 - الترمذي (5/ 38) -42 - كتاب العلم -10 - باب ما نُهِي عنه أن يقال عند حديث النبي صلى الله عليه وسلم. وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. (1) أبو داود (4/ 200) -كتاب السنة- باب في لزوم السنة. بنحو ما عند الترمذي. ابن ماجه (1/ 6) المقدمة -2 - باب تعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والتغليظ على من عارضه. ورواية أبي داود أتم من رواية الترمذي وابن ماجه. 393 - ابن ماجه (1/ 4) -المقدمة -1 - باب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورجاله ثقات. 394 - الموطأ (2/ 899) -46 - كتاب القدر -1 - باب النهي عن القول بالقدر. ويشهد له حديث ابن عباس عن الحاكم (1/ 93) بسند حسن فيتقوى به.

395 - * روى الترمذي عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إني تاركٌ فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظمُ من الآخر، وهو كتابُ الله، حبلٌ ممدودٌ من السماء إلى الأرض، وعِترتي أهل بيتي، لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فهيما؟ ". 396 - * روى أبو داود عن عبد الرحمن بن عمرو السُّلمي وحُجر بن حُجر؛ أتينا العرباض بن سارية رضي الله عنه، وهو ممن نزل فيه {وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} (3) فسلمنا، وقُلنا: أتيناك زائرين، وعائدين، ومقتبسين، فقال العِرباض: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ، ثم أقبل علينا بوجهه، فوعظنا موعظةً بليغةً، ذرفت منها العيون، ووجِلت منها القلوب، فقال رجل: يا رسول الله، كأن هذه موعظةٌ مودع، فماذا تعهدُ إلينا؟ قال: "أوصيكم بتقوى الله. والسمع والطاعة، وإن عبداً حبشياً، فإنه من يعش منكم فسيري اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها، وعضُّوا عليها بالنواجذ،

_ 395 - الترمذي (5/ 663) -50 - كتاب المناقب -32 - باب مناقب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم. وقال: هذا حديث حسن غريب. 396 - أبو داود (4/ 201) -كتاب السنة- باب في لزوم السنة. الترمذي (5/ 44) -42 كتاب العلم -16 - باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع. وفي آخره تقديم وتأخير. ورواه أيضاً أحمد (4/ 126، 127). وإسناده صحيح. (1) التوبة: 92. مقتبسين: الاقتباس في الأصل: أخذ القبس من النار، وأراد به: الأخذ من العلم والأدب. ذرفت: العين تذرفُ: إذا دمعت. وجلت: وجل القلب يوجلُ: إذا خاف وفزع، والوجل: الفزع. تعهد: عهد إليه بكذا يعهد: إذا أوصى إليه. وإن عبداً حبشياً: أي: أطع صاحب الأمر، واسمع له، وإن كان عبداً حبشياً، فحذف "كان" وهي مرادة. الراشدين: الراشد: اسم فاعل من رَشِدَ يَرْشَدُ، ورشد يرْشُد رشداً، وهو خلاف الغي، وأرشدتُه أنا: إذا هديته. المهديين: المهدي: الذي قد هداه الله إلى الحق، هداه يهديه فهو مهديٌّ، والله هاديه. وعضوا عليها بالنواجذ: الأضراس التي بعد الناب، جمع ناجذ، وهذا مثلُ في شدة الاستمساك بالأمر، لأن العض بالنواجذ عض بمعظم الأسنان التي قبلها والتي بعدها. =

وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعةً، وكل بدعةٍ ضلالة". 397 - * روى البزار عن ابن مسعود قال: عليكم بهذا القرآن فإنه مأدبةُ الله فمن استطاع منكم أن يأخذ مأدبة الله فليفعل فإنما العلم بالتعلم. 398 - * روى الطبراني عن معقل بن يسار رفعه: "اعلموا بالقرآن، وأحلوا حلاله وحرموا حرامه، واقتدوا به ولا تكفروا بشيء منه، وما تشابه عليكم فردوه إلى الله وإلى لي الأمر من بعدي كيما يُخبركم، وآمنوا بالتوارة والإنجيل والزبور وما أوتي النبيون من ربهم، وليشفيكم القرآن وما فيه من البيان فإنه شافع مُشفعٌ وما حِلٌ مصدق ولكل آية منه نور إلى يوم القيامة، أما إني أُعطيتُ سورة البقرة من الذكر، وأُعطيت هـ والطور من ألواح موسى، وأعطيتُ فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة من كنزٍ تحت العرش، وأُعطيتُ المفصل نافلةً". وفي رواية (1): "فما اشتبه عليكم منه فاسألوا عنه أهل العلم يخبروكم". 399 - * روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما مثلي ومثلُ ما بعثني الله به كمثل رجلٍ أتى قوماً، فقال: يا قوم إني رأيت الجيش بعيني، وإني أنا النذير العريان، فالنجاء، فأطاعه طائفةٌ من قومه، فأدلجوا، فانطلقوا على مهلهم، فنجوا، وكذبت طائفة منهم، فأصبحوا مكانهم، فصبحهم الجيش، فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثل من أطاعني، فاتبع ما جئت به، ومثل من عصاني، وكذَّب بما جئتُ به من الحق".

_ = محدثات الأمور: ما لم يكن معروفاً في كتاب ولا سنة ولا إجماع. 397 - كشف الأستار (1/ 92). قال في المجمع (1/ 128): رجاله موثقون. 398 - المعجم الكبير (20/ 225). (1) مجمع الزوائد (1/ 170). وقال: رواه الطبراني في الكبير، وفيه عبيد الله بن أبي حميد أجمعوا على ضغطه. أ. هـ من المجمع. وهو حسن لتعدد رواياته. 399 - البخاري (12/ 250) -96 - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة -2 - باب الاقتداء بسنن الرسول صلى الله عليه وسلم، وقول الله تعالى: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}. مسلم (4/ 1788) - 43 - كتاب الفضائل - 6 - باب شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته، ومبالغته في تحذيرهم مما يضرهم.

400 - * روى أحمد عن يحيى بن ميمون الحضرمي أن أبا موسى الغافقي سمع عقبة بن عامر الجهني يحدث على المنبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث، فقال أبو موسى: إن صاحبكم هذا لحافظٌ أو هالك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان آخر ما عهد إلينا أن قال: "عليكم بكتاب الله، وسترجعون إلى قوم يُحبون الحديث عني، فمن قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار ومن حفظ شيئاً فليحدِّث به". 401 - * روى البزار عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أحلَّ الله في كتابه فهو حلالٌ، وما حَرَّم فهو حرامٌ، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإ، الله لم يكن لينسى شيئاً". ثم تلا {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} (3). 402 - * روى مالك عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يرضى لكم ثلاثاً ويسخط لكم ثلاثاً، يرضى لكم: أن تعبدوه ولا تُشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً، وأن تُناصحوا من ولى الله أمركم. ويسخط لكم: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال". 403 - * روى الطبراني عن أبي أيوب الأنصاري، قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مرعوبٌ فقال: "أطيعوني ما كنت بين أظهركم وعليكم بكتاب الله أحلوا حلاله وحرموا حرامه".

_ 400 - أحمد (4/ 224). كشف الأستار (1/ 117). قال في المجمع (1/ 143، 144): رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير ورجاله ثقات. 401 - كشف الأستار (2/ 58). قال في المجمع (1/ 171): رواه البزار والطبراني في الكبير وإسناده حسن ورجاله موثقون. (3) مريم: 64. 402 - الموطأ (2/ 990) -56 - كتاب الكلام -8 - باب ما جاء في إضاعة المال وذي الوجهين. وروى مسلم نحوه (2/ 1240) -20 - كتاب الأقضية -5 - باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة. 403 - مجمع الزوائد (1/ 170). وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون.

404 - * روى الطبراني عن ابن شريح الخزاعي قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله" قالوا: بلى. قال: "إن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبداً". * * *

_ 404 - مجمع الزوائد (1/ 169). وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح.

الفصل التاسع عشر في التمسك بالسنة

الفصل التاسع عشر في التمسك بالسنة وفيه التحذير من البدعة وأهلها

النصوص

النصوص 405 - * روى البخاري ومسلم عن عائشة، رفعته: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". 406 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعودٍ قال: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفيتم. 407 - * روى الطبراني عن ابن عباس قال: ما أتى على الناس عامٌ إلا أحدثوا فيه بدعة وأماتوا فيه سُنةً، حتى تحيا البدع وتموت السنن. 408 - * روى الطبراني في الأوسط عن أنس بن مالكٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله حجب التوبة عن كل صاحبِ بدعة". أقول: أي إن صاحب البدعة لا تقبل توبته حتى يتوب من بدعته. 409 - * روى أحمد عن ابن مسعودٍ قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً خطاً، ثم قال: "هذا سبيلُ الله". ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن شماله ثم قال: "هذه سُبُلٌ على كل سبيلٍ منها شيطان يدعو إليه". ثم تلا: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}.

_ 405 - البخاري (5/ 301) -53 - كتاب الصلح -5 - باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود. مسلم (3/ 1343) -30 - كتاب الأقضية -8 - باب نقض الأحكام الباطلة، ورد محدثات الأمور. أبو داود (4/ 200) -كتاب السنة -باب في لزوم السنة. رد: أي مردود من قبلنا وعلى صاحبه، وكل ما أجازه الأئمة المجتهدون أو أحدهم لا يُعتبرُ بدعةً، وما عليه الراسخون في العلمِ من فهْمٍ لنصوص الكتاب والسنة لا يُعتبرُ بدعة. 406 - المعجم الكبير (9/ 168). قال في المجمع (1/ 181): رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. 407 - المعجم الكبير (10/ 319). قال في المجمع (1/ 188): رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون. 408 - مجمع الزوائد (10/ 189). وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح غير هارون بن موسى الفروي وهو ثقة. 409 - أحمد (1/ 465). مجمع الزوائد (7/ 22). وقال: رواه أحمد والبزار وفيه عاصم بن بهدلة وهو ثقة وفيه ضعف. المستدرك (2/ 318). وصححه. ووافقه الذهبي.

410 - * روى أحمد عن مجاهدٍ قال: كنا مع ابن عمر في سفر فمر بمكان فحاد عنه فسئل: لم فعلت؟ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فَعل هذا ففعلته. 411 - * روى البزار عن مجاهد أن ابن عمر رضي الله عنه كان يأتي شجرة بين مكة والمدينة فَيَقيل تحتها، ويُخبرُ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك. 412 - * روى أبو داود عن معاذٍ: إن وراءكم فتناً يكثرُ فيها المال، ويُفتح فيها القرآن حتى يأخذه المؤمنُ والمنافق، والرجلُ والمرأة، والعبدُ والحر، والصغير والكبير، فيوشك قائلٌ أن يقول: ما للناس لا يتبعوني وقد قرأتُ القرآن؟ وما هم بمتبعيَّ حتى أبتدع لهم غيره، فإياكم وما ابتدع، فإنما ابتدع ضلالةٌ، وأحذركم زَيغة الحكيم، فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحق، قال: قلت لمعاذٍ: وما تدري رحمك الله أن الحكيم قد يقول كلمة الضلالة، وأن المنافق يقول كلمة الحق؟ قال: بلى: اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات التي يقال: ما هذه؟ ولا يثنينك ذلك عنه، فإنه لعلهُ يراجع، وتلق الحق إذا سمعته، فإن على الحق نوراً. 413 - * روى أحمد عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين".

_ 410 - أحمد (2/ 22). كشف الأستار (1/ 81). وإسناده جيد. قال في المجمع (1/ 174). رواه أحمد والبزار ورجاله موثقون. 411 - كشف الأستار، الموضع السابق. وإسناده لا بأس به. قال في المجمع (1/ 175): رواه البزار ورجاله موثقون. 412 - أبو داود (4/ 202) -كتاب السنة- باب لزوم السنة. وإسناده صحيح. زيغة الحكيم: الزيغُ، وأراد به: الميل عن الحق. والحكيم: العالم العارف، أراد به: الزلل والخطأ الذي يعرض للعالم العارف، أو يتعمده لقلة دينه. 413 - أحمد (5/ 278). قال في المجمع (5/ 239): رواه أحمد ورجاله ثقات. الترمذي (4/ 504) -34 - كتاب الفتن -51 - باب ما جاء في الأئمة المضلين. وقال: هذا حديث حسن صحيح. وقال عنه السيوطي: حسن.

414 - * روى الطبراني في الصغير عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: "يا عائشةُ {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} (2) هم أصحابُ البدعِ وأصحابُ الأهواء ليس لهم توبة أنا منهم بريء وهم مني براء". 415 - * روى الدارمي عن الحسن وابن سيرين أنهما قالا: لا تجالسوا أصحاب الأهواء ولا تجادلوهم ولا تسمعوا منهم. 416 - * روى الدارمي عن عُمر بن عبد العزيز قال: سأله رجل عن شيء من الأهواء، فقال: عليك بدين الأعرابي والغلام في الكُتَّاب والهُ عما سوى ذلك. قال أبو محمد: كَثُر تنقله أي ينتقل من رأي إلى رأي. 417 - * روى الدارمي عن أبي صادق الأزدي عن ربيعة بن ناجذ قال: قال علي: كونوا في الناس كالنحلة في طيرانها ليس من الطير شيء إلا وهو يستضعفها ولو يعلم الطير ما في أجوافها من البركة لم يفعلوا ذلك بها. خالطوا الناس بألسنتكم وأجسادكم وزايلوهم بأعمالكم وقلوبكم فإن للمرء ما اكتسب وهو يوم القيامة مع من أحب. * * *

_ 414 - الروض الداني (1/ 338). وإسناده جيد. قال في المجمع (1/ 188): رواه الطبراني في الصغير وفيه بقية، ومجالد بن سعيد، وكلاهما ضعيف. (2) الأنعام: 159. 415 - الدارمي (1/ 110) - المقدمة- باب اجتناب أهل الأهواء والبدع والخصومة. وإسناده حسن. 416 - الدارمي (1/ 91) -المقدمة- باب من قال العلم الخشية وتقوى الله. وإسناده صحيح. قوله: كثُر تنقله: أي من استمع إلى أهل الأهواء فإنه لا يسلم من أن ينتقل من مذهب باطل إلى مذهب باطل آخر. 417 - الدارمي (1/ 92) -المقدمة- باب في اجتناب الأهواء. ولا بأس بإسناده.

الفصل العشرون في: البدعة

الفصل العشرون في: البدعة

من بدهيات الإسلام التمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف لا والله عز وجل يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (1). ومن بدهيات الإسلام الحذر من البدعة وكراهيتها، ولكن هذين الموضوعين يلبس بهما أهل الجهل على المسلمين فاقتضى ذلك تبيينهما. فيما يدخل في التمسك بالسنة: الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم بالكليات والجزئيات، وذلك يقتضي فهم سيرته ومعرفة سننه، ولكن درجات الإلزام في ذلك يحددها أئمة الاجتهاد والفتوى الصحيحة من أهلها، فهناك سنة عادة وسنة عبادة وسنة دائمة وتشريع مؤقت، وما دام المسلم على فتوى إمام مجتهد أو عالم معتمد فهو على إسلام وعلى سنة وعلى اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في حده الأدنى أو حده الأعلى، وما دام المسلم على العقائد الإسلامية كما هي في صريح الكتاب والسنة وما دام على فهم الراسخين في العلم من الأئمة في المتشابهات فهو على سنة، وبالتالي لا يعتبر مبتدعاً من من كان في المحكمات على الكتاب والسنة وفي المتشابهات والمشتبهات على مذاهب الراسخين في العلم من أئمة أهل السنة والجماعة، ومن ضلل من تابع الأئمة في مثل هذين الأخيرين فقد ضل لأنه يريد أن يلقي بالأمة في أحضان الجاهلية وأن يتهم الأئمة وحاشاهم. وأخطر أنواع البدع بدع الاعتقاد التي تخرج الإنسان عن كونه من الفرقة الناجية إلى أن يدخل في الفرق الثنتين والسبعين التي نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على استحقاقها النار، ويدخل في الابتداع ابتداع العمل، ولكن لا نحكم على إنسان في العقائد أنه مبتدع ما دام على فهم الراسخين في العلم للمتشابهات، قال تعالى {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} (2) فالقراءة التي تقف على قوله تعالى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} تفيد إفادة صريحة كما ذكرناه، ولا نحكم على عمل أنه بدعة، أما إذا اختلفوا في بدعيته وتحريمه فالأمر واسع بالنسبة للعامي، وهو أضيق في

_ (1) الأحزاب: 21. (2) آل عمران: 7.

حق من يعرف مسالك الدليل، فمن ترجح لديه أن الدليل الأقوى يوصل إلى البدعية فعليه أن يجتنب، ولكنه لا يحق له أن يشتد في الإنكار على من يتابع أئمة الاجتهاد أو أئمة الفتوى في مثل هذه الحالة، فالسير على اجتهاد إمام من أئمة الاجتهاد، أو على فتوى إمام من الأئمة المعتبرين في الفتوى يخرج صاحبه من إثم الابتداع المحرم أو المكروه، إلا إذا كان من أهل العلم الذين يعرفون مسالك الأدلة فالأمر في حق مثل هؤلاء أشد، ولا يصح لواحد منهم أن يشتد على من خالفه ما دام على رأي إمام معتمد. 418 - * روى البخاري ومسلم عن أبي عبد الله النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الحلال بيِّن، وإن الحرام بينٌ وبينهما أمورٌ مشتبهاتٌ لا يعلمهن كثيرٌ من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعِرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يُوشكُ أن يرتع فيه. ألا وإن لكلِّ ملكٍ حمى، ألا وإن حمى الله محارمُهُ. ألا وإن في الجسد مُضغةً إذا صلحت صلح الجسدُ كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله: ألا وهي القلب". دل هذا الحديث على أن بعض مسائل الحرام والحلال مشتبهة لا يعلمها الكثير، وإذن فالقليل يعلمها وهم الأئمة المجتهدون المستشرفون لنصوص الكتاب والسنة والقادرون على

_ 418 - البخاري (1/ 126) -2 - كتاب الإيمان -29 - باب فضل من استبرأ لدينه. مسلم (3/ 1219) -22 - كتاب المساقاة -20 - أخذ الحلال وترك الشبهات. بين: ظاهر، وهو ما نص الله ورسوله أو أجمع المسلمون على تحليله بعينه. وكذلك بالنسبة للحرام. مشتبهات: مشكلات، لما فيها من عدم الوضوح في الحل والحرمة بسبب تنازع الأدلة فتشبه مرة الحلال ومرة الحرام. اتقي الشبهات: أي ابتعد عن المشكلات واجتنبها. فقد استبرأ لدينه وعرضه: أي طلب البراءة، أو حصل عليها، لحفظ دينه من الذم الشرعي، وعرضه يصونه عن كلام الناس بما يعيبه. وقع في الشبهات: أي تجرأ عليها وفعلها. وهذا ربما يؤدي به إلى تساهل وجرأةٍ يحملانه عادةً على فعل الحرام الظاهر. الحمى: أي المحمي. وهو المحظور على غير مالكه. وقيل: هو الكلأ الذي يمنعه الحاكم ويتوعد من يرعى فيه. محارمه: معاصيه التي حرمها الله تعالى، وهي الجناية على النفس والعرض والمال وغيرها. كالقتل والسرقة والزنا ... إلخ.

الاستنباط منهما، وعلى هذا فإذا كان أحد العلماء مظنة الاجتهاد وقال قولاً لا يخالف صريح كتاب أو سنة قطعية الثبوت قطعية الدلالة ليس لها معارض، فللمسلم أن يتابعه ولا حرج، ولا يكون بذلك مبتدعاً، فالمبتدع هو من سار في أمر العقائد على غير أقوال الراسخين في العلم، وفي الفروع على غير أقوال الأئمة المجتهدين، نفهم ذلك من هذا الحديث في قضايا الحلال والحرام، ومن قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} (1). وقد قال الإمام أحمد (2) عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} إلى قوله: {أُولُو الْأَلْبَابِ} فقال: "إذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهمن الذين عنى اللهُ فاحذروهم". وفي البخاري (3) ومسلم وأبي داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} إلى قوله: {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمَّى الله فاحذورهم". ويدخل في ذلك كل من اتبع المتشابه وترك المحكم. ويدخل في ذلك فرق الضلال كلها، كما سنرى في مباحث لاحقة. أما من تابع الراسخين في العلم من أهل السنة والجماعة الذين يحملون المتشابه على المحكم فحاشاهم من الابتداع.

_ (1) آل عمران: 7. (2) أحمد (6/ 48). (3) البخاري (8/ 209) -65 - كتاب التفسير -1 باب {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ}. مسلم (4/ 2053) -47 - كتاب العلم -1 - باب النهي عن اتباع متشابه القرآن والتحذير من متبعيه ... أبو داود (4/ 198) -كتاب السنة - باب مجانبة أهل الأهواء.

وقد تشدد قوم في موضوع البدعة نتيجة لسوء الفهم، فحكموا على أشياء أجازها أئمة الاجتهاد أو بعضهم على أنها بدع ضالة وضللوا أهلها، وليس لهم ذلك وفهمهمن للحديث (1): "كلُ ما ليس عليه أمرنا فهو رد" فهو مغلوطٌ في هذه الحالة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ما وافق الكتاب والسنة، وما أحال عليه الكتاب والسنة من مسالك الاجتهاد كالقياس والإجماع والاستحسان -عند القائلين به- وتحكيم العرف حيث سكت النص- عند القائلين به- وكل ذلك داخل في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن لا يحسن كل أحد أن يستنبط ما يوافق أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من وصل إلى رتبة الاجتهاد أو وصل إلى الإمامة في الفتوى، أمثال هؤلاء يستطيعون أن يميزوا بين ما وافق أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من اعتقادات وأعمال وما لا يوافق، وبالتالي ففتوى هؤلاء أو أحدهم بالموافقة يُخرِج من أخذ بفتواه من أن يكون من أهل الابتداع، وهذا الذي قلناه تشهد له أعمال الصاحبة، فكثيراً ما حدث أن الصحابي كان يقول أو يفعل الفعل بناء على فهمه لشريعة الله، دون أن يكون هناك نص خاصٌ في عمله أو في قوله، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه ذلك إن وافق فعلاً أمره، وإلا صحح وسدد، وهذا الذي كان يفعله الصحابة فهماً من النصوص، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرّه ويعجبه هو الذي يجعلنا نقول: إن كثيراً من الاجتهادات التي حدثت بعده عليه الصلاة والسلام قد توافق أمره وقد تخالفه، فمن الذي يحكم عليها؟ لا شك أن أئمة الاجتهاد وأئمة الفتوى المؤهلين للتمييز بين ما يوافق الأمر وما يخالفه، فإذا أجمعوا فذلك الذي لا يسع مسلماً أن يخالفه، وإذا افترقوا فالأمر واسع، وأحياناً يحدث فيما بينهم نقاش ثم يستقر عند الأمة على شيءٍ متفق عليه، فبعد الاتفاق واستقرار أمر الأمة على شيء فههنا كذاك لا ينبغي أن يخالف، ومن خالف كان مبتدعاً. وقد تتبع بعضهم ما فعله الصحابة ابتداءٌ دون أمر خاص وأقرهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- عليه،

_ (1) البخاري (5/ 301) -53 - كتاب الصلح -5 - باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود. مسلم (3/ 1343) -30 كتاب الأقضية -8 - باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور. أبو داود (4/ 200) - كتاب السنة -باب في لزوم السنة. ابن ماجه (1/ 7) - المقدمة -2 - باب تعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والتغليظ على من عارضه.

وذلك كله يشهد لما ذكرناه، فذكر من ذلك المسائل التالية: 419 - * الحديث الأول: ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لبلالٍ عند صلاة الفجر: "يا بلالُ حدثني بأرجى عملٍ عملته في الإسلام فإني سمعت دَف نعليك في الجنة". قال: ما عملتُ عملاً أرجى عندي أني لم أتطهر طهوراً في ساعة من ليل أو نهار إلا صليتُ بذلك الطهور ما كُتب لي. وفي حديث الترمذي (2) قاله لبلال: "بم سبقتني إلى الجنة"؟ قال: ما أذنتُ قط إلا صليت ركعتين، وما أصابني حدث قط إلا توضأت ورأيت أن لله علي ركعتين. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "بها نِلت". أي تلك المنزلة. قال الحافظ ابن حجرٍ في الفتح: يُستفاد منه جوازُ الاجتهاد في توقيتِ العبادة؛ لأن بلالاً توصل إلى ذكره بالاستنباط فصوبه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (3) ومثلُ هذا حديثُ خبيب في البخاري وفيه: وهو أول من سن الصلاة لكلِّ مقتول صبراً ركعتين (4). فهذه الأحاديث صريحةً في أن بلالاً وخبيباً اجتهدا في توقيت العبادة، ولم يسبق من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أمرٌ ولا فعلٌ إلا الطلبُ العام. وإن الصلاة خيرٌ موضوعٌ فأقلل منها أو استكثر كما في الحديث، فلو أن أحداً أراد إيقاعها في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها لكانت بدعة عند من يرى عمووم النهي، وغير بدعةٍ عند من يرى تخصيص النهي بالنفل المطلق، ومع أن الشافعية رحمهم الله يرون تخصيص النهي بغير المؤقت بذي السبب، فإنهم اختلفوا في سنة الوضوء فالإمام الغزالي يمنع فِعلها فيه، ويقول: يتوضأ

_ 419 - البخاري (3/ 33، 34) -19 - كتاب التهجد -17 - باب فضل الطهور بالليل والنهار، وفضل الصلاة بعد الوضوء بالليل والنهار. مسلم (4/ 1910) -44 - كتاب فضائل الصحابة -21 - باب من فضائل بلال رضي الله عنه. أحمد (2/ 333). (1) الترمذي (5/ 620) -50 - كتاب المناقب -18 - باب في مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقال: هذا حديث صحيح غريب. المستدرك (3/ 285). وقال: صحيح على شرطهما. وأقره الذهبي. (2) فتح الباري ج 3 ص 34. (3) فتح الباري: ج 7 ص 379.

ليصلي وليس يصلي لأنه توضأ. فليست بذات سبب، ولكلٍّ نهجهُ وفهمهُ واستدراكه، رضوان الله عليهم أجمعين. 420 - * الحديث الثاني ما رواه البخاري عن رفاعة بن رافع قال: كنا نصلي وراء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما رفع رأسه من الركعة قال: "سمع الله لمن حمده". قال رجل وراءه ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه. فلما انصرف قال: "من المتكلم؟ " قال: أنا. قال: رأيت بضعةً وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها". قال الحافظ في الفتح: يُستدلُّ به على جواز إحداث ذكرٍ في الصلاة مأثور إذا كان غير مخالفٍ للمأثور، وعلى جواز رفع الصوت بالذكر ما لم يشوش. ومثله ما رواه الصنعاني عبد الرزاق في المصنف (2) عن ابن عمر قال إن رجلاً والناس في الصلاة فقال حين وصل إلى الصف: الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرةً وأصيلاً. فلما قضى النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاته قال: "من صاحبُ الكلمات؟ " قال الرجل: أنا يا رسول الله، والله ما أردتُ بهن إلا الخير. قال: "لقد رأيت أبواب السماء فتحت لهن". قال ابن عمر. فما تركتهن منذ سمعتُهن. ورواه النسائي (3) إلا أنه قال: "لقد ابتدرها اثنا عشر ملكاً". وفي رواية أخرى فيه (4) قال: "عجبت لها". وذكر كلمةً معناها: "فتحت لها أبواب السماء". وفيه قال ابن عمر: ما تركته منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقوله.

_ 420 - البخاري (2/ 284) -10 - كتاب الأذان -126 - باب حدثنا معاذ بن فضالة. (1) المصنف (2/ 76). (2) النسائي (2/ 225) -11 - كتاب الافتتاح -8 - باب القول الذي يفتتح به الصلاة. (3) النسائي، الموضع السابق. والحديث في مسلم والنسائي وأبي داود عن أنس، وحديث رفاعة بن رافع الزرقي عند أبي داود أيضاً. وفي أبي داود عن عبد الله بن عامر عن أبيه قال: "عطس شاب من الأنصار خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في الصلاة فقال: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه حتى يرضى ربنا من أمر الدنيا والآخرة فلما انصرف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من القائل الكلمة". وفيه: فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "فما تناهت دون عرش الرحمن تبارك وتعالى".

فانظر- وفقنا الله وإياك إلى الحق- كيف أقر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم زيادة ذكر لم يؤثر عنه في افتتاح الصلاة، وأقر فاعليها بأعلى درجات الإقرار والرضاء، وذلك لأن الموضعين من مواضع الثناء على الله في الصلاة. والمقصود أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أقر الصحابيين على إحداث أذكار في الصلاة لم تكن مأثورة عنه، وهذا موضع الاستدلال كما سبق، وأنه كان اجتهاداً واستنباطاً منهما. 421 - * الحديث الثالث ما رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قُباء كلما قرأ افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به ثم افتتح بقل هو الله أحد حتى يفرغ منها، ثم يقرأ سورة أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كل ركعة، فكلمة أصحابهُ فقالوا: إنك تفتتحُ بهذه السورة ثم لا ترى أنها تُجزئُكَ حتى تقرأ بأخرى، فإما أن تقرأ بها، وإما أن تدعها وتقرأ بأخرى. فقال: ما أنا بتاركها، وإن أحببتم أن أؤمكم فعلت، وإن كرهتم تركتكم. وكانوا يرون أنه من أفضلهم، وكرهوا أن يؤمهم غيره، فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبروه فقال: "يا فلان ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك، وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة"؟ فقال: إني أحبها. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "حبك إياها أدخلك الجنة". قال الحافظ في الفتح: (قوله: ما يمنعُك وما يحملك. سأله عن أمرين فأجابه بقوله: إني أحبها. وهو جواب عن السؤال الثاني مستلزمٌ للأول بانضمام شيء آخر إليه وهو إقامة السنة المعهودة في الصلاة. فالمانعُ مركب في المحبة والأمر المعهود والحاملُ له على الفعل المحبةُ وحدها، ويوحي إلى أن في فعله زيادةً على فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فدل تبشيره بالجنة على الرضاء بفعله. قال ناصر الدين ابن المنير في هذا الحديث: "إن المقاصد تغيِّرُ أحكام الفعل لأن الرجل لو قال: إن الحامل له على إعادتها أنه لم يحفظ غيرها. مثلاً، لأمكن أن يأمره بحفظ غيرها لكنه اعتل بحبها فظهرت صحة قصده فصوبه".

_ 421 - البخاري (2/ 255) -10 - كتاب الأذان -106 - باب الجمع بين السورتين في الركعة.

قال: وفيه دليل على جواز تخصيص بعض القرآن بميل النفس إليه والاستكثار منه ولا يُعدُّ ذلك هجراناً لغيره، ومع هذا التقرير من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وتبشير الرسول صلى الله عليه وآله وسلم له بالجنة لم نجد من العلماء ولا من الصحابة قبلهم من يقول بأن فعله هذا سنة ثابتة، ذلك لأ، ما واظب عليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي تنبغي المحافظة عليه، ولكنه يُعطينا الدليل على أن مثل هذا وإن كان في صورته مخالفةٌ لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم في الجملة فإن الأمر واسع لا كما يظن البعض ما دام الفعل في إطار المشروع والمطلوب، [ويدخل في عمومات الشريعة]). 422 - الحديث الرابع روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث رجلاً على سريةٍ، وكان يقرأ لأصحابه في صلاته فيختمُ بقل هو الله أحد فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: "سلوه لأي شيء يصنع ذلك". فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقر بها فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "أخبروه أن الله يحبه". قال الحافظ في الفتح: قال ابن دقيق العيد: هذا يدل على أنه كان يقرأ بغيرها ثم يقرأها في كل ركعة وهذا هو الظاهر. ويحتمل أن يكون المراد أنه يختم بها آخر قراءته فيختص بالركعة الأخيرة أ. هـ (1). أي وكلا الأمرين لم يُعهد فعلُهُ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومع ذلك أقره بأعلى درجات الإقرار وهو التبشيرُ بمحبةِ الله له. ومع كل هذا فلم نعلم أن أحداً من العلماء قال باستحباب ذلك افتتاحاً كالحديث السابقن ولا اختتاماً كما هنا، لأن ما واظب عليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو الأفضل، ولكن إقراره لمثل هذا يُوضحُ سُنتهُ صلى الله عليه وآله وسلم في قبول ما كان مثل ذلك من أوجه الطاعات والعبادات، ولا يُعتبرُ مثلهُ حدثاً مذموماً كما يتسابق المتشددون إلى

_ 422 - البخاري (13/ 347) -97 - كتاب التوحيد -1 - باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى. مسلم (1/ 557) -6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها -45 - باب فضل قراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}. (1) فتح الباري (13/ 356).

التبديع والتضليل في أفعاله. هذا وظاهرٌ من سياق الحديثين (هذا والذي قبله) أنهما قضيتان، فحديث أنس الأول فيه أن الفاعل لتخصيص هذه السورة إمام قومه في مسجد قباء، وفي حديث عائشة كان أمير سريةٍ. وأن هذا كان يختتم بقل هو الله أحد، وذاك كان يفتتح بها. وهذا بشره الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بحب الله له، وذاك بشره بالجنة. فالتعدد فيهما واضح لا يحتمل الجمع ولا التأويل. والأحاديث التي مرت كلها في الصلاة كما ترى، وهي أهم أعمال العبادات البدنية وفيها قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (1): "صلوا كما رأيتموني أصلي". ومع ذلك قَبِلَ هذه الاجتهادات لأنها لا تخرجُ عن الهيئة التي حدَّدها الشارعُ. [ولأنها داخلة في العمومات التي ندب إلى أصلها الشارع]. فكلُّ حدٍّ لابد من الالتزام به، وما عدا ذلك فالأمر مُسعٌ ما دام داخلاً في الأصل المطلوب. هذه هي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وطريقته. وهذا في غاية الوضوح. ويؤخذُ منها ما أصَّله العلماء أن كل عمل يشهدُ له الشرع من الطلب ولم يصادم نصاً ولا تترتب عليه مفسدةٌ فليس داخلاً في حدود البدعة، بل هو من السنة وإن كان غيره أفضل: فالعبادات فيها المفضول وفيها الفاضل، ولا يعاب ولا يُبدعُ من استروح شيئاً منها ما دام الأصلُ عبادةً. والآن نأتي على شيء من الاجتهادات التي أقرها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في غير الصلاة، لترى كيف أقرها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. 423 - الحديث الخامس: حديثُ الرُّقية. وقد رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رهطاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم انطلقوا في سَفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب فاستضافوهم، فأبوا أن يضيفهم، فلُدغَ سيدُ ذلك الحي فسعوا له بكل شيء، لا ينفعه شيءٌ. فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذي نزل بكم لعله أن يكون عند بعضهم شيءٌ فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط إن سيدنا لُدغ فسعينا له

_ (1) البخاري (2/ 111) -10 - كتاب الأذان -18 - باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة .. أحمد (5/ 53). الدارمي (1/ 286) -كتاب الصلاة- باب من أحق بالإقامة. 423 - البخاري (10/ 209) -76 - كتاب الطب -39 - باب النفث في الرقية.

بكل شيء فهل عند أحدٍ منكم شيءٌ؟ فقال بعضهم: نعم والله إني لراقٍ ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براقٍ لكم حتى تجعلوا لنا جُعلاً فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانلق فجعل يتفُلُ ويقرأ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. حتى لكأنما نَشِطَ من عِقالٍ فانطلق يمشي ما به قَلبةٌ. فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقسموا. وقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فَنَذكُر له الذي كان فننظر ما يأمرنا. فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكروا له فقال: "وما يُدريك أنها رُقيةٌ. أصبتم اقسموا واضربوا لي معكم بسهمٍ". قال الحافظ في الفتح في كتاب الإجارة (1): قوله "وما يدريك" إلخ هي كلمة تقال عند التعجب من الشيء، وتستعملُ في تعظيم الشيء أيضاً، وهو لائق هنا. زاد شعبةُ في روايته: ولم يذكر نهياً. أي من النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وزاد سليمان بن قتة في روايته بعد قوله: "وما يدريك أنها رُقية"؟ قلت ألقي في روعي أهـ. وهذا صريح في أن الصحابي لم يكن عنده علم متقدم بمشروعية الرُّقية بالفاتحة، ولكنه شيء فعله باجتهاده، ولما لم يكن فيه مخالفةٌ للمشروع أقره الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن هذه سنته وطريقته في إقرار ما كان من الخير ولا تترتبُ عليه مفسدةٌ، وإن لم يكن من عمل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نصاً. وقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "قد أصبتم اقسموا واضربوا لي معكم بسهم". كأنه أراد المبالغة في تأنيسهم كما قال الحافظ. 424 - * الحديث السادس: وقد وقعت للصحابة قصة أخرى في رجل مُصاب في عقله فقرأ عليه بعضُهم فاتحةَ الكتابِ فبرأ. روى أبو داود من طريق خارجة بن الصلت عن عمه: أنه مر بقوم وعندهم رجل مجنون

_ = الجعل: هو ما جعل للإنسان من أجر في مقابل شيء. ما به قلبةٌ: أي ما به أثر من مرض. (1) فتح الباري (4/ 457). 424 - أبو داود (4/ 14) -كتاب الطب- باب كيف الرقي؟ وانظر فتح الباري (4/ 455).

موثق في الحديد، فقالوا: إنك جئت من عند هذا بخير، فارق لنا هذا الرجل. فرقاه بها. 425 - * الحديث السابع: روى أبو يعلى عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قرأ على مبتلى في أذنه فأفاق، فقال له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "ما قرأت"؟ قال: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} إلى آخر السورة. فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "لو أن رجلًا موفقًا قرأ بها على جبل لزال". وفي الحديث تقرير النبي صلى الله عليه وآله وسلم لابن مسعود في قراءته الآيات من آخر سورة المؤمنون على المبتلى، ولم يكن قد سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنما هو شيء استنبطه باجتهاده. ولما كان من الخير الذي لا يعارض المشروع أقره كصاحب الرقية عند البخاري، والتي عند أصحاب السنن، وهما قضيتان إحداهما لأبي سعيد الخدري، والثانية لعم خارجة بن الصلت، وهذه الثالثة لابن مسعود، وهناك رابعة عند ابن حبان لعلاقة بن صحار وهي الحديث الثامن. 426 - * الحديث الثامن: روى ابن حبان عن علاقة بن صحار السليطي التميمي أنه أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم أقبل راجعًا من عنده فمر على قوم عندهم رجل موثق بالحديد، فقال أهله: إنه قد حدثنا أن صاحبكم قد جاء بخير. فهل عندك شيء ترقيه؟ فرقيته بفاتحة الكتاب فبرأ فأعطوني مائة شاة فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "خذها فلعمري لمن أكل برقية باطل فقد أكلته برقية حق". 427 - * الحديث التاسع: روى البخاري عن أبي سعيد الخدري أن رجلًا سمع رجلًا يقرأ بقل هو الله أحد يرددها، فلما أصبح جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكر له

_ 425 - مجمع الزوائد (5/ 115). وقال: رواه أبو يعلى وفيه ابن لهيعة وفيه ضعف وحديثه حسن وبقية رجاله رجال الصحيح، أهـ من المجمع. ومثله في المطالب العالية للحافظ ابن حجر. 426 - الإحسان بترتيب ابن حبان (7/ 636) - كتاب الرقاء والتمائم- باب ذكر بإباحة أخذ الراقي الأجرة على رقيته التي وصفناها. 427 - البخاري (9/ 58، 59) - 16 كتاب فضائل القرآن- 13 - باب فضل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}.

ذلك وكأن الرجل يتقالها، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن". قال الحافظ في الفتح: القارئ هو قتادة بن النعمان. أخرجه أحمد بن طريف بن الهيثم عن أبي سعيد، قال: بات قتادة بن النعمان يقرأ من الليل كله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} لا يزيد عليها. والذي سمعه لعله أخوه لأمه أبو سعيد، وكانا متجاورين، وبذلك جزم ابن عبد البر. وقد خرج الدارقطني من طريق إسحاق بن الطباع عن مالك في هذا الحديث بلفظ إن لي جارًا يقوم بالليل فمل يقرأ إلا بقل هو الله أحد. أهـ (1). وفي الحديث إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم له على هذا التخصيص والاقتصار على هذه السورة في قيام الليل، مع ما فيه من التخصيص الذي لم يكن من عمله صلى الله عليه وآله وسلم. وفيه ما في سابقيه برقم 3، 4 من الدلالة على جواز تخصيص بعض القرآن بميل النفس إليه والاستكثار منه، ولا يعد ذلك هجرانا لغيره. ومع كل هذا فلم نجد من العلماء من قال بأفضلية قيام الليل بها وحدها، لأن ما كان عليه عمل الرسول صلى الله عليه وسلم من القراءة بالقرآن كله أفضل من ذلك، ولكن عمله وما يشبهه داخل في نطاق السنة، وليس فيه ما يذم؛ بل هو محمود على كل حال. وفيه رد على المبدعين [بالباطل] كالأحاديث السابقة والتي ستأتي. 428 - * الحديث العاشر: روى ابن حبان عن ابن بريدة عن أبيه قال دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المسجد فإذا رجل يصلي يدعو: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا

_ (1) فتح الباري (9/ 59، 60). 428 - ابن حبان (2/ 125) - كتاب الرقائق- باب ذكر البيان بأن دعاء بما وصفنا إنما هو دعاؤه باسم الله الأعظم الذي لا يخيب من سأل ربه به. أحمد (5/ 349). أبو داود (2/ 79) - كتاب الصلاة- باب الدعاء. الترمذي (5/ 515) - 49 - كتاب الدعوات- 64 - باب جامع الدعوات عن النبي صلى الله عليه وسلم. ابن ماجه (2/ 1267) - 34 - كتاب الدعاء- 9 - باب اسم الله الأعظم. ورواه أيضًا النسائي في الكبرى في كتاب التفسير.

أحد. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم "والذي نفسي بيده لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب" أهـ وهذا دعاء أنشأه الصحابي فيما يظهر، ولما كان مطابقًا للمطلوب أقره صلى الله عليه وآله وسلم بأعلى درجات الإقرار والرضاء، ولم يعلم أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم علمه إياه، فنصوص الشريعة فيها العام المخصوص، والعام الذي أريد به الخصوص، وفيها الحقيقة والمجاز وما يجب أن يصار إليه عند التعارض، إلى غير ذلك من القواعد الأصولية حتى قالوا: (ما من عام إلا وخصص)، ولا يمنع وجود (كل) من التخصيص كما هو في آيات الكتاب الكريم. فدل هذا كله على أن إنشاء أمر ما يدخل ضمن عمومات الشرع، أو يعتبر تفريعًا لأصل من أصوله، أو يعتبر انبثاقًا عنه، أو استنباطًا من الكتاب والسنة لا يعتبر بدعة، ولكن يخشى أن يكون هذا الإنشاء غير مستند استنادًا صحيحًا إلى عام يدخل فيه هذا الخاص إلى هذا النوع ولا يعتبر انبثاقًا صحيحًا من الأصول أو أن هذا الاستنباط خاطئ ولذلك قلنا لابد من موافقة أهل الاجتهاد أو بعضهم لهذا الإنشاء حتى يخرج من البدعة السيئة ليدخل في السنة الحسنة. لقد غلط أناس كثيرون في أمر البدعة، وإذا صحت نية بعضهم فهم مأجورون ونخشى على بعضهم أن يدخلوا في دائرة الهالكين، ونخشى على بعضهم أن يدخلوا في دائرة الضالين. فهناك من هو على بدعة في الاعتقاد أجمع على بدعيتها الراسخون في العلم ولا يتردد في بدعيتها. وهناك من هو على بدعة في العمل أجمع على بدعيتها الراسخون في العلم ولا يتردد في بدعيتها. وهناك من يعتبر بعض القضايا بدعة ضالة، وهي مما أجمع على جوازه الراسخون في العلم. وهناك من يعتبر بعض القضايا بدعة ضالة، ويشتد على أهلها مع إجازة بعض أئمة الاجتهاد أو الفتوى لها، وكل ذلك غلط كبير إلا في الأخيرة فلا حرج في الإنكار ولكن

دون شدة وغلظة بل بالبيان الرفيق وذكر الدليل وذكر من أفتى بذلك من أئمة الفتوى. إن ما ذكرناه هو الأمر الجامع وهو الذي ينسجم مع النصوص ومع فعل الصحابة وإجماع أهل الفتوى المعتبرين: ألا ترى إلى إجماع الصحابة على جمع عمر الناس في صلاة التراويح على إمام واحد وجعلها عشرين، وقول عمر (نعمت البدعة هذه) وكل ذلك قد صح عن عمر وعن الصحابة (1). ألا ترى أن الذين يضللون عمر والصحابة بسبب ذلك قد دخلوا في دائرة الضلال، فعمر من الخلفاء الراشدين المهديين الذين أمرنا بالاقتداء بهم والاقتداء بهديهم، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم عدول وهم أعمق الناس فهمًا لكتاب الله، ولم تزل الأمة تفعل ما فعله دون نكير إلا من دخل في دائرة الغلو ولم يستطع الخروج منها. وهذه نقول عن العلماء توضح ما ذكرناه وتؤكده: قال الإمام الشافعي: البدعة بدعتان محمودة ومذمومة، فما وافق السنة فهو محمود وما خالفها فهو مذموم. ويشهد لهذا المعنى حديث جرير عند مسلم (2) "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء" ومثل هذه الأحاديث أحاديث أخرى تدور حولها منها: حديث ابن مسعود عند مسلم (3): "من دل على خير فله مثل أجر فاعله". وحديث أبي هريرة عند مسلم (4): "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم ... ". إن ما يحدث يجب أن يعرض على قواعد الشريعة ونصوصها فما شهدت له الشريعة بالحسن فهو حسن مقبول وما شهدت له الشريعة بالمخالفة والقبح فهو المردود وهو البدعة

_ (1) راجع شرح السنة (4/ 116 - 125) بتحقيق الأستاذ شعيب الأرناؤوط. (2) مسلم (4/ 2059) 47 - كتاب العلم. 6 - باب من سن سنة حسنة أو سيئة، ومن دعا إلى هدى أو ضلالة. (3) مسلم (3/ 1506) 33 - كتاب الإمارة. 38 - باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب وغيره وخلافته في أهله بخير. (4) مسلم (4/ 2059) 47 - كتاب العلم. 6 - باب من سن سنة حسنة أو سيئة، ومن دعا إلى هدى أو ضلالة.

المذمومة. وقد يسمون الأول (بدعة حسنة) من حيث اللغة باعتباره محدثًا وإلا فهو في الواقع ليس ببدعة شرعية بل هو (سنة مستنبطة) ما دامت شواهد الشريعة تشهد لها بالقبول. وعلى هذه البدعة اللغوية يحمل قول سيدنا عمر رضي الله عنه في صلاة التراويح (نعمت البدعة). إن ما شهد له شاهد من الشرع بالطلب خاصا أو عاما ليس من البدعة وإن لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعله بخصوصه أو أمر به أمرًا خاصًا. قال النووي: (1) في قوله صلى الله عليه وآله وسلم (2): "وكل بدعة ضلالة" هذا عام مخصوص المراد به المحدثات التي ليس في الشريعة ما يشهد لها بالصحة فهي المرادة بالبدع. وقال الحافظ أبو بكر بن العربي في شرحه على سنن الترمذي: - (السابعة) (3): "وإياكم ومحدثات الأمور" اعلموا علمكم الله أن المحدث على قسمين: محدث ليس له أصل إلا الشهوة والعمل بمقتضى الإرادة فهذا باطل قطعًا (أي) وهو البدعة الضلالة. ومحدث يحمل النظير على النظير فهذه سنة الخلفاء والأئمة الفضلاء. قال وليس المحدث والبدعة مذمومين .. [لمجرد النظر إليهما] (محدث وبدعة) ولا لمعناها فقد قال الله تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} (4) وقال عمر (5) (نعمت البدعة) وإنما يذم من البدعة ما خالف السنة ويذم من المحدث ما دعا إلى ضلالة أ. هـ. وهكذا نجد الأئمة الذين جاءوا بعد الشافعي مثل سلطان العلماء العز بن عبد السلام من الشافعية والإمام النووي وابن الأثير من الشافعية وابن العربي والقرافي من المالكية

_ (1) راجع حاشية السيوطي على سنن النسائي ص 234 جـ 2. (2) أحمد (4/ 126). مسلم (2/ 592) 7 - كتاب الجمعة. 13 - باب تخفيف الصلاة والخطبة. أبو داود (4/ 201) كتاب السنة- باب في لزوم السنة. الترمذي (5/ 44) 42 - كتاب العلم. 16 - باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع. وقال: هذا حديث حسن صحيح. (3) المواضع السابقة. (4) الأنبياء: 2. (5) البخاري (4/ 250) 31 - كتاب صلاة التراويح. 1 - باب فضل من قام رمضان.

وغيرهم كثير آخرهم الحافظ ابن حجر العسقلاني كلهم أقروا تقسيم المحدث إلى محمود ومذموم وأنه قد تعتريه الأحكام الخمسة بحسب الأصل الذي يبنى عليه والشواهد التي تشهد له أو عليه أو لما يترتب عليه من المصالح أو المفاسد أو مصادمة الشرع أو موافقته. ومع كل هذا فإن لهم تقسيمًا آخر: البدعة المكفرة والبدعة المحرمة والبدعة المكروهة تحريمًا والبدعة المكروهة تنزيهًا. وهناك جمهور من العلماء قرروا هذا التقسيم منهم النووي وابن العربي وخاتمة الحفاظ ابن حجر. ... إن البدعة المضلة الواردة في الحديث الشريف هي المنافية لأمر الشرع والتي ليست هي مما طلبه الشرع بدليل خاص أو عام. وإن كل ما كان من الشرع وشهد له بالطلب دليل خاص أو عام فليس هو بالبدعة الشرعية المرادة في الحديث وإن سمي بدعة باعتباره اللغوي الشامل للحسن والقبيح. عن عبد الله بن مسعود (1) قال إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه فما رأى المسلمون حسنا فهو عند الله حسن وما رأوا سيئًا فهو عند الله سيئ. ولابن تيمية كلمة جاءت في سياق كلام في كتابه: (جواب أهل العلم) تدل على أن ابن تيمية يرى أن كلام السلف من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين إذا قالوا قولًا فذلك يكون حجة يخرج أصحابه من الابتداع. قال رحمه الله: والمقصود أن هذين القولين لا يقدر أحد أن ينقل واحدا منها عن أحد من السلف أعني الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر أئمة المسلمين المشهورين بالعلم والورع في الدين الذين لهم في الأمة لسان صدق لا في زمن أحمد بن حنبل

_ (1) أحمد (1/ 379). قال في المجمع (1/ 177): رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله موثقون.

ولا زمن الشافعي ولا زمن أبي حنيفة ولا قبلهم. أ. هـ (1). وقد تحدث الإمام العز بن عبد السلام في مقدمة رده على ابن الصلاح بخصوص صلاة الرغائب- عن البدعة وأقسامها فقال: إن البدعة ثلاثة أضرب: 1 - ما كان مباحًا كالتوسع في المأكل والمشارب والملابس والمناكح فلا بأس بشيء من ذلك. 2 - ما كان حسنًا، وهو كل مبتدع موافق لقواعد الشريعة غير مخالف لشيء منها كصلاة التراويح، وبناء الربط والخانات والمدارس، وغير ذلك من أنواع البر التي لم تعهد في الصدر الأول، فإنه موافق لما جاءت به الشريعة من اصطناع المعروف والمعاونة على البر والتقوى، وكذلك الاشتغال بالعربية فإنه مبتدع، ولكن لا يتأتى تدبر القرآن، وفهم معانيه إلا بمعرفة ذلك فكان ابتداعه موافقًا لما أمرنا به من تدبر آيات القرآن وفهم معانيه، وكذلك الأحاديث وتدوينها وتقسيمها إلى الحسن والصحيح والموضوع والضعيف، مبتدع حسن، لما فيه من حفظ كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدخله ما ليس فيه، أو يخرج منه ما هو فيه، وكذلك تأسيس قواعد الفقه وأصوله وكل ذلك مبتدع حسن، موافق لأصول الشرع غير مخالف لشيء منها. 3 - ما كان مخالفًا للشرع، أو ملتزمًا لمخالفة الشرع. أهـ (2). وقد كان الإمام حسن البنا رحمه الله يحذر أتباعه من الانشغال بمحاربة البدع الإضافية لأن في محاربة البدع الحقيقية شغلًا ويريد بالبدع الحقيقية ما خالف الدين من المنكرات التي لا خلاف بين العلماء في واحد منها وضررها على الدين وما أكثرها وأخطرها بين المسلمين ومراده بالبدع الإضافية ما اندرج تحت أصل عام في الطلب ولكن صورته غير مأثورة كسائر المسائل المستنبطة، والمختلف فيها بين الفقهاء وهذا منه إدراك الخطورة البدع الحقيقية وخطورة السكوت عنها والانشغال بغيرها. أما الخلافات المذهبية فهي أمر ضروري

_ (1) انظر ص 23 في كتاب جواب أهل العلم. (2) من كتاب "العز بن عبد السلام وأثره في الفقه الإسلامي" للدكتور علي الفقير.

والإجماع على أمر فرعي متعذر. فعلينا أن نعتقد الحق فيما بلغنا ونلتمس العذر كل العذر لمن يخالفوننا في بعض الفرعيات ولا يكون حائلًا بين ترابط القلوب وتبادل الحب والتعاون على الخير (1). وإليك نقولًا عن أهل العلم تزيد ما قلناه تأكيدًا وتعطيك تصورًا أكمل عما يعتبرونه بدعة: البدعة في اللغة: كل شيء أحدث على غير مثال سابق كان محمودًا أو مذمومًا. والبدع: الأمر الذي يكون أولًا ومنه قوله تعالى {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} (2) أي لست أول من جاء بالوحي ... أو ما كنت مبتدعًا فيما أقوله. ومن أسمائه تعالى البديع: لإبداعه الأشياء وإحداثه إياها فيكون بمعنى مبدع أو من بدع الخلق أي بدأه. وغالبًا ما تدور مادة بدع على الإحداث والاختراع. البدعة في الاصطلاح: اختلفت أنظار العلماء فيها فمنهم من توسع في تحديدها ومنهم من ضيقها: 1 - الإمام الشافعي- رحمه الله: يقسم البدعة إلى حسنة وسيئة، أو محمودة ومذمومة. وهي على هذا تشمل كل حادث بعد عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وعصر الخلفاء الراشدين: عن حرملة بن يحيى قال: سمعت الشافعي رحمه الله تعالى يقول: البدعة بدعتان: بدعة محمودة، وبدعة مذمومة .. فما وافق السنة فهو محمود، وما خالف السنة فهو مذموم (3).

_ (1) من مراجع هذا البحث، كتاب للسيد عبد الله بن محفوظ باعلوي الحسيني الحضرمي رئيس القضاء الشرعي في حضرموت سابقًا. (2) الأحقاف: 9. (3) الباعث لأبي شامة ص 13، وفتح الباري جـ 17 ص 10، وقال أخرجه أبو نعيم بمعناه من طريق إبراهيم بن الجنيد عنه.

وقال الربيع: قال الشافعي رحمه الله تعالى: المحدثات من الأمور ضربان: أحدهما ما أحدث يخالف كتابا أو سنة أو إجماعًا أو أثرًا، فهذه البدعة الضلالة. والثاني: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا، فهي محدثة غير مذمومة (1). وقد استند في كلا التعبيرين إلى قول عمر رضي الله عنه، في صلاة التراويح: نعمت البدعة هذه (2). 2 - وابن حزم رحمه الله يقول: البدعة في الدين: كل ما لم يأت في القرآن، ولا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن منها ما يؤجر عليه صاحبه ويعذر بما قصد إليه من الخير، ومنها ما يؤجر عليه صاحبه ويكون حسنًا، وهو ما كان أصله الإباحة، كما روي عن عمر رضي الله عنه: نعمت البدعة هذه (3)، وهو ما كان فعل خير جاء النص بعموم استحبابه وإن لم يقرر عمله في النص. ومنها ما يكون مذمومًا ولا يعذر صاحبه، وهو ما قامت الحجة على فساده، فتمادى القائل به. 3 - والإمام الغزالي رحمه الله يقول في إحيائه عن الأكل على السفرة: وما يقال إنه أبدع بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس كل ما أبدع منهيًا عنه بل المنهي- عنه- بدعة تضاد سنة ثابتة وترفع أمرًا من الشرع مع بقاء علته، بل الإبداع قد يجب في بعض الأحوال إذا تغيرت الأسباب (4). 4 - وابن الأثير رحمه الله، يقول: البدعة بدعتان: بدعة هدى وبدعة ضلال .. فما كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهو في حيز الذم والإنكار، وما كان واقعًا تحت عموم ما ندب الله إليه وحض عليه أو

_ (1) المصدران السابقات، وذكره السيوطي في الحاوي جـ 1 ص 539. (2) البخاري (4/ 250) 31 - كتاب صلاة التراويح 10 - باب فضل من قام رمضان. (3) الموضع السابق. (4) الإحياء جـ 2 ص 3 ط. عيسى الحلبي.

رسوله صلى الله عليه وسلم فهو حيز المدح، وما لم يكن له مثال موجود كنوع من السخاء والجود وفعل المعروف فهو من الأفعال المحمودة، ولا يجوز أن يكون ذلك في خلاف ما ورد في الشرع به، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل له في ذلك ثوابا فقال "من سن سنة حسنة كان له أجره وأجر من عمل بها" (1) وقال في ضده "من سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها" (2) .. وذلك إذا كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم. ومثل البدعة الحسنة يقول عمر في صلاة التراويح: نعمت البدعة. ثم قال: وهي على الحقيقة سنة لقوله صلى الله عليه وسلم (3): "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين" وقوله (4): "اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر". وعلى هذا التأويل يحمل الحديث الآخر "كل محدثة بدعة" (5) على ما خالف أصول الشريعة ولم يوافق السنة (6). 5 - وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي في شرح المشكاة: اعلم أن كل ما ظهر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعة، وكل ما وافق أصول سنته وقواعدها أو قيس عليها فهو بدعة حسنة، وكل ما خالفها فهو بدعة سيئة وضلالة، وإلى هذا الاتجاه مال الشيخ عز الدين بن عبد السلام والنووي وأبو شامة (7).

_ (1) مسلم (4/ 2059) 47 - كتاب العلم- 6 - باب من سن سنة حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى أو ضلالة. (2) مسلم: الموضع السابق. (3) أبو داود (4/ 201) كتاب السنة- باب في لزوم السنة. (4) أحمد (5/ 385). الترمذي (5/ 609) 50 - كتاب المناقب 160 - باب في مناقب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما كليهما. وقال: حديث حسن. (5) أحمد (4/ 126). مسلم (2/ 592) 7 - كتاب الجمعة. 13 - باب تخفيف الصلاة والخطبة. أبو داود (4/ 201) كتاب السنة- باب في لزوم السنة. الترمذي (5/ 44) 42 - كتاب العلم- 16 - باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع. وقال: هذا حديث حسن صحيح. (6) النهاية جـ 1 ص 79؟ (7) كشاف اصطلاحات الفنون جـ 1.

6 - ابن رجب الحنبلي يقول: والمراد بالبدعة: ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه، أما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعًا، وإن كان بدعة لغة 7 - ويقول ابن حجر العسقلاني: والبدعة: أصلها ما أحدث على غير مثال سابق. وتطلق في الشرع في مقابل السنة فتكون مذمومة .. ويقول في موضع آخر: والمحدثات جمع محدثة- والمراد بها- أي في حديث "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" (2) ما أحدث وليس له أصل في الشرع- ويسمى في عرف الشرع بدعة، وما كان له أصل يدل عليه الشرع فليس ببدعة. 8 - ويقول ابن حجر الهيثمي: وهي- أي البدعة- لغة: ما كان مخترعًا ... . وشرعًا: ما أحدث على خلاف أمر الشرع ودليله الخاص والعام (3). 9 - وقال الزركشي: البدعة في الشرع موضوعة للحادث المذموم (4). 10 - وقال الشيخ محمد نجيب في رسالته عن البدعة: إن البدعة الشرعية هي التي تكون ضلالة ومذمومة، وأما البدعة التي قسمها العلماء إلى واجب وحرام ... إلخ فهي البدعة اللغوية، وهي أعم من الشرعية لأن الشرعية قسم منها.

_ (1) جامع العلوم والحكم. (2) البخاري (5/ 301) 53 - كتاب الصلح. 5 - باب إد اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود. مسلم (2/ 1242) 20 - كتاب الأقضية 8 - باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور. أبو داود (4/ 200) كتاب السنة- باب في لزوم السنة. (3) التبيين بشرح الأربعين ص 221. (4) الإبداع ص 22.

11 - وقال الدكتور دراز ما مضمونه: صارت كلمة البدعة في الاستعمال الشرعي إلى معنى أخص من معناها في الاستعمال اللغوي، فلا تتناول على حقيقتها الشرعية في الصدر الأول إلا ما هو باطل، وهو تلك الطرائق المخترعة التي ليس لها مستند من كتاب أو سنة أو ما استنبط منهما (1).

_ (1) الميزان بين السنة والبدعة ص 5.

تقسيمات البدعة

تقسيمات البدعة للبدعة تقسيمات متعددة باعتبارات متنوعة: أولًا: تقسيم البدعة إلى عادية وتعبدية: الأمر العادي شرعًا ما يجري بين الناس من التصرفات والمحاولات التي هي وسيلة لاستغلال الدنيا وتحقيق المصلحة فيها: كتنظيم أمور الزراعة والصناعة وشتى أنواع العلاقات الدنيوية بين الناس، وإن كانت النية الخالصة تحول مثل هذه الأمور إلى عبادات لها ثواب. الأمر التعبدي: ما وضع بالأصل للتقرب إلى الله تعالى بصرف النظر عما يعرض له من عوارض قد تخرج به عما وضع له بالأصل كالذكر والصلاة والحج. ولا خلاف بين العلماء أن الابتداع يدخل في الأمور التعبدية سواء أكانت من أمور الاعتقاد أو أعمال القلب أو أعمال الجوارح، واختلف في وقوع الابتداع في الأمور العادية. ثانيًا: تقسيم البدعة إلى حقيقية وإضافية: قسم الشاطبي البدعة إلى قسمين: حقيقية وإضافية. وعرف الحقيقية بأنها ما لم يدل عليها دليل شرعي لا من كتاب ولا من سنة ولا من إجماع ولا استدلال معتبر عند أهل العلم لا في الجملة ولا في التفصيل، وإن ادعى مبتدعها من تابعه أنها داخلة فيما استنبط من الأدلة، لأن ما استند إليه شبه واهية لا قيمة لها. فكأنها هي البدعة حقيقة وما عداها على المجاز ومن أمثلتها: تحريم الحلال أو تحليل الحرام استنادًا إلى شبه واهية وبدون عذر شرعي أو قصد صحيح واختراع عبادات وإنكار حجية السنة ... وعرف البدعة الإضافية بأنها ما لها شائبتان: إحداهما: لها من الأدلة متعلق فلا تكون من تلك الجهة بدعة.

ثالثا: تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة

والأخرى: ليس لها متعلق إلا مثل ما للبدعة الحقيقية، أي أنها بالنسبة لإحدى الجهتين سنة لاستنادها إلى دليل، وبالنسبة للجهة الأخرى بدعة، لأنها مستندة إلى شبهة لا إلى دليل، أو لأنها غير مستندة إلى شيء. وسميت إضافية لأنها لم تتخلص لأحد الطرفين "المخالفة الصريحة" أو "الموافقة الصريحة". وقسم الشاطبي- البدعة الإضافية- إلى قسمين: أحدهما: ما يقرب من الحقيقية حتى تكاد البدعة تعد بدعة حقيقية. والآخر: ما يبعد منها حتى يكاد يعد سنة محضة (1). ثالثًا: تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة: للبدعة كما قدمنا مفهومان: لغوي وشرعي. أما على مفهومها اللغوي فتشمل كل حادث محمودًا كان أو مذمومًا، حدث قبل عصر النبوة الكريم أو بعدها .. وأما على مفهومها الشرعي فقد اختلف العلماء كما قدمنا: فعلى رأي الشافعي ومن وافقه، تشمل البدعة كل ما حدث بعد عصر الرسول صلى الله عليه وسلم حسنًا كان أو سيئًا .. وقيدها بعضهم بما حدث بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وخالف سنته. وقيدها الشاطبي بقصد مضاهاة الشارع فضلًا عن كونها محدثة بل ومخالفة للشارع. وبالنظر إلى هذه المفاهيم والآراء نتبين أن تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة إنما يتمشى مع المعنى اللغوي للفظ البدعة، ومع ما رآه الشافعي ومن وافقه في معنى البدعة في نظر الشرع.

_ (1) الاعتصام للشاطبي جـ 1 ص 179.

وعلى أساس هذا المعنى اللغوي تنقسم البدعة إلى خمسة أقسام: (1) واجبة: وهي ما تناولتها قواعد الوجوب وأدلته من الشريعة، وتشمل كل ما يرجع لحفظ الدين أو بيان أحكامه ونحو ذلك، ومن أمثلتها: جمع المصحف وقصر الناس عليه، ومواجهة كل محاولات أعداء الدين لتحريف القرآن والقضاء عليها أولًا بأول. (2) محرمة: وهي ما تناولتها قواعد التحريم وأدلته من الشريعة، وأمثلتها كثيرة، وهي البدعة الحقيقية التي اتفق العلماء على أنها مرادة بأدلة التنفير من البدع، ومن أمثلتها: - المذاهب والأهواء الفاسدة المخالفة للقرآن والسنة كمذهب الخوارج، وبعض آراء المعتزلة، والقول بالتجسيم والتشبيه، ونحو ذلك. (3) مندوبة: وهي ما تناولتها قواعد الندب وأدلته من الشريعة، ومن أمثلتها: أ- صلاة التراويح جماعة بالمسجد في رمضان. ب- كل إحسان لم يعهد في العصر الأول وليس مخالفًا للمشروع كتخطيط الطرق، وتيسير الحياة ببناء المباني المتينة الواسعة ومدها بالمياه والكهرباء وغيره من مرافق الحياة. جـ- تنظيم التعليم الديني، واستخدام الوسائل الملائمة لاختيار الأصلح، كنظام الامتحانات وغير ذلك. (4) مكروهة: وهي ما تناولتها قواعد الكراهة وأدلتها من الشريعة، ومن أمثلتها: الزيادة في المندوبات المحددة شرعًا: كزيادة التسبيح والتحميد والتكبير عقب الصلاة عن ثلاث وثلاثين لكل واحدة بدون قصد الاستظهار على الشارع والرغبة عن السنة، لأن في ذلك خروجًا عما حدده الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو بقصد حسن وهو أمر مكروه، لأن شأن العظماء إذا حددوا شيئًا أن يتوقف عنده ولا ينبغي تجاوزه.

رابعا: تقسيم البدعة إلى فعلية وتركية

(5) البدعة المباحة: وهي ما تناولتها قواعد الإباحة وأدلتها من الشريعة، ومن أمثلتها: - التوسع في الطيبات بما لا يخرج بها إلى حدود المكروه أو الحرام، كأكل ما تستلذه النفس وتستطيبه من المطاعم، واستعمال ما يروق لها من الملابس والمساكن ونحو ذلك. والقاعدة في ذلك كما قال القرافي: أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة وأدلتها، فأي شيء تناولها من القواعد ألحقت به من إيجاب أو تحريم أو غيرهما (1). رابعًا: تقسيم البدعة إلى فعلية وتركية: والبدعة كما تشمل الفعل المخالف للسنة تشمل الترك المخالف للسنة كذلك؛ فإذا ما عزم المسلم على ترك مباح من الطيبات لغير سبب مقبول كمرض يزيد بتناوله أو ضرر ينتج عنه، أو شبهة عرضت له في اكتسابه، فإن كان تركه لذلك على غير وجه التحريم بحيث لو رغب فيه لتناوله فلا شيء فيه لأن المباح يستوي فيه الفعل والترك. وإن حرمه على نفسه، أو نذر ترك تناوله مطلقًا أو لمدة محدودة، فهو مبتدع بهذا التحريم، وبهذا النذر، وهو داخل فيمن رغب عن السنة، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لمن هم أن يصوم فلا يفطر، ومن هم أن يقوم فلا يفتر، ومن هم أن يمتنع عن النساء: "فمن رغب عن سنتي فليس مني" (2). وموقفه في ذلك التحريم، أو نذر الترك، هو موقف أبي إسرائيل، الذي أمره الرسول صلى الله عليه وسلم بترك ما هو عليه من معصية بنذره ترك المباح، ووفائه بهذا النذر، والبقاء على ما هو عليه من طاعة بالصوم وفاء للنذر. ومن أظهر مظاهر البدع التركية في عصرنا هذا ترك العمل بأحكام الدين والحكم تبعا لنصوصه، وترك المسلمين لستر العورة، وتركهم إخراج الزكاة وترك الحكام جبايتها وتعيين العاملين عليها.

_ (1) الفروق للقرافي جـ 4 ص 191. (2) البخاري (9/ 104) 67 - كتاب النكاح. 1 - باب الترغيب في النكاح. مسلم (2/ 1020) 16 - كتاب النكاح. 1 - باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنة، واشتغال من عجز عن المؤن بالصوم.

خامسا- تقسيم البدعة إلى اعتقادية وقولية وعملية

هذا فضلًا عن تركهم لكثير من السنن واستبدالهم بها غيرها من البدع. أما عن البدعة الفعلية فهي كثيرة، ومنها اختراع أحاديث مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والزيادة في شرع الله ما ليس منه، كمن يزيد في الصلاة ركعة، أو يزيد في وقت الصيام المحدد من اليوم، أو يصلي في أوقات النهي عن الصلاة، أو يصوم في أوقات النهي عن الصيام، أو يدخل في الدين ما ليس منه من الآراء أو الأفعال. خامسًا- تقسيم البدعة إلى اعتقادية وقولية وعملية: تنقسم البدعة إلى بدعة في الاعتقاد: إذا كانت اعتقادًا للشيء على خلاف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم كبدعة المجسمة والخوارج ونحوها. وإلى بدعة في القول: إذا كانت تغييرًا لما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم من الأقوال، أو كانت قولا مخالفًا للسنة، كقول المبتدعة في أكثر الفرق المشهورة، مما هو ظاهر الفساد والقبح. وإلى بدعة في العمل: العمل الظاهر كصلاة تخالف ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك، أو العمل الباطن: كمعاملة المؤمنين بالنفاق أو بما ينافي أخوة الإيمان من الحب والإخلاص ونحو ذلك. ومما تجدر الإشارة إليه أن بدعة الاعتقاد هي أخطر أنواع البدع، وغالب إطلاقات الشرع في ذم البدعة منصب عليها، وهي المتبادرة في السبق إلى الذهن من إطلاق اسم البدعة شرعًا، والمبتدع، وأهل الأهواء. سادسًا: تقسيم البدعة إلى كلية وجزئية: تتفاوت البدع فيما بينها من ناحية آثارها، ومن ناحية الخلل الواقع بسببها في الشريعة. إذا كانت البدعة لا يقتصر أثرها على المبتدع بل يتعداه إلى غيره، كانت كلية لسريانها في كثير من الأمور أو بين الكثيرين من الأفراد، كبدعة التحسين والتقبيح بالعقل بدلًا من الشرع وبدعة إنكار حجية خبر الآحاد أو إنكار وجوب العمل بما يقتضيه، ونحو ذلك.

سابعا: تقسيم البدعة إلى بسيطة ومركبة

أما إذا كانت البدعة قاصرة على المبتدع لا تتعداه إلى غيره فهي بدعة جزئية كرجل التزم مخالفة للسنة على أنها من الأمور الحسنة في نظر الشرع، ولا يمتد أثر هذه المخالفة لغيره لكونه لا يؤبه له، وليس ممن يقتدى بهم فيما يرون من آراء أو يؤدون من أعمال. سابعًا: تقسيم البدعة إلى بسيطة ومركبة: وتكون البدعة بسيطة إذا كانت مجرد مخالفة بسيطة لا تستتبع مخالفات أخرى. وتكون مركبة إذا اشتملت على عدة بدع تداخلت وصارت كأنها وحدة واحدة. ونحن إذ توسعنا في بحث البدعة (1) لإخماد حدة بعض المتنطعين فإننا ندعو دائمًا إلى التحقيق على ضوء الكتاب والسنة وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. ونختم الفصل- تأكيدًا لما ذكرناه ههنا- بهذه النصوص: كان ابن عباس إذا سئل عن الأمر وكان في القرآن، أخبر به، فإن لم يكن وكان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخبر به، فإن لم يكن فعن أبي بكر وعمر، فإن لم يكن قال فيه برأيه (2). وقال أبي بن كعب: إن اقتصادًا في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة. ومثله عن ابن مسعود. وقال ابن عون: ثلاث أحب لنفسي ولإخواني: هذه السنة أن يتعلموها، ويسألوا عنها، والقرآن أن يتفهموه، ويسألوا عنه، ويدعوا الناس إلا من خير. وقال الأوزاعي: خمس كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: لزوم الجماعة، واتباع السنة، وعمارة المسجد، وتلاوة القرآن، وجهاد في سبيل الله. ...

_ (1) من مراجع تعريف البدعة وتقسيمها كتاب: البدعة تحديدها وموقف الإسلام منها. للدكتور عزت على عطية. (2) الدارمي (1/ 59) المقدمة- 19 - باب الفتيا وما فيه من الشدة.

الفصل الحادي والعشرون في: افتراق هذه الأمة افتراق اليهود والنصارى وزيادة في: وجوب الكينونة مع الفرقة الناجية وهم أهل السنة والجماعة واعتزال فرق الضلال

الفصل الحادي والعشرون في: افتراق هذه الأمة افتراق اليهود والنصارى وزيادة في: وجوب الكينونة مع الفرقة الناجية وهم أهل السنة والجماعة واعتزال فرق الضلال وفيه: نصوص ووصول

النصوص

النصوص 429 - * روى أبو داود عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ألا إن من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملةً، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة". زاد في رواية: "وإنه سيخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم الأهواء، كما يتجارى الكلب بصاحبه، لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله". 430 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، أو اثنتين وسبعين، والنصارى مثل ذلك، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة". وفي رواية أبي داود (3) قال: "وتفرقت النصارى على إحدى وسبعين، أو اثنتين وسبعين فرقة" .. وذكر الحديث. 431 - * روى الطبراني في الأوسط والكبير عن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تفرقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على

_ 429 - أبو داود (4/ 198). كتاب السنة، باب شرح السنة. وأحمد في مسنده (4/ 102). وإسناده صحيح. (يتجارى الكلب) التجاري، تفاعل من الجري، وهو الوقوع في الأهواء الفاسدة، والتداعي فيها، تشبيها يجري الفرس. والكلب داء معروف يعرض للكلب، إذا عض حيوانًا عرض له أعراض رديئة فاسدة قاتلة، فإذا تجارى بالإنسان وتمادى هلك. 430 - الترمذي (5/ 25) 41 - كتاب الإيمان، 18 - باب: ما جاء في افتراق هذه الأمة. قال الترمذي: حديث أبي هريرة حسن صحيح. قال محقق الجامع: وهو كما قال، وفي الباب عن سعد، وعبد الله ابن عمرو، وعوف بن مالك. (3) أبو داود (4/ 198). كتاب السنة، باب شرح السنة. 431 - المعجم الكبير (8/ 321). أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 258) وقال: رواه الطبراني في الأوسط والكبير بنحوه وفيه أبو غالب وثقه ابن معين وغيره، وبقية رجال الأوسط ثقات وكذلك أحد إسنادي الكبير.

اثنتين وسبعين فرقة، وأمتي تزيد عليهم فرقة كلهم في النار إلا السواد الأعظم". أقول: بناءً على هذه النصوص فسنعقد الوصول التالية: الوصل الأول: في أشهر فرق اليهود. الوصل الثاني: في أشهر فرق النصارى. الوصل الثالث: في افتراق الأمة الإسلامية. * * *

الوصل الأول في: أشهر فرق اليهود

الوصل الأول في: أشهر فرق اليهود

أشهر فرق اليهود

أشهر فرق اليهود باتفاق المؤرخين ويشهد لذلك كتب اليهود أنفسهم أن التوراة قد ضاعت ثم كتبت أسفار موسى الخمسة بعد الأسر البابلي، ولذلك نجد الآن عند يهود السامرة ما يسمونه توراة تختلف عن أسفار موسى الخمسة التي يعتبرها يهود اليوم والنصارى توراتهم، وتذكر أسفار العهد القديم أنه من قبل ضاع سفر التثنية أهم الأسفار، بل هو مظنة أن يكون بعضه هو التوراة المنزلة على موسى، وعثر عليه بعد مئات السنين، وتذكر أسفار العهد القديم كثرة وجود الأنبياء الكذبة وتذكر تسلل عبادات البلدان المجاورة إلى الشعب اليهودي، وهذا يستتبع كثرة الفرق، ثم كان التشتت العالمي لليهود وتأثرهم في البيئات التي عاشوا فيها، وقد أثر هذا على كثرة فرقهم، ويظهر ذلك في عصرنا إذ نجد كثيرًا من الجاليات اليهودية المهاجرة إلى فلسطين تختلف مع الأخرى نوع اختلاف، وكنموذج على تأثر اليهود بالشعوب وجود فرقة "الدونمة" في البلاد العثمانية وفرقة "الفلاشا" في الحبشة، والعرض التاريخي للفرق اليهودية والفوارق فيما بينها ليس من غرض هذا الكتاب، لأن الروايات في هذه الشؤون تحتاج إلى تمحيص وتحقيق، إن كتب العهد الجديد تذكر مثلًا كيف أن اليهود الذين واجهوا عيسى عليه السلام كانوا منقسمين إلى "صدوقيين" و "فريسيين"، والمدققون في أسفار العهد القديم يذكرون أنها كتبت على مراحل وبأقلام مختلفة، ومن خلال الروايات الشفهية، وكل ذلك يستتبع خلافات وتمزقات، ويذكر مالك بن نبي في كتابه (الظاهرة القرآنية) عن بعض المؤرخين أنه لا يوجد سوى سفر "أرميا" يمكن أن يقبل اعتماده، وأرميا نفسه يلعن أقلام النساخ الكذبة. ومن الأسباب التي أدت إلى كثرة فرق اليهود الموقف من التلمود ومحله بالنسبة للتوراة، فبعضهم يعتبره أفضل، وبعضهم يعتبره دون التوراة، وهكذا نجد عوامل كثيرة أثرت في تفرق اليهود، وهذه نقول من كتاب الدكتور شلبي عن اليهودية تعرض لبعض الفرق أو تذكر بعض أسباب التفرق: يقول: وبسبب كثرة الكتاب الذين اشتركوا في تدوين العهد القديم، كثرت الأخطاء فيه، ويمكننا أن نعطي منها بعض نماذج:

- لم يكن مدلول دقيق في أسفار العهد القديم، فقد ورد في سفر الخروج أن إقامة بني إسرائيل في مصر كانت 430 سنة، وهي في الحقيقة 215 سنة، وقد اعترف مفسرو العهد القديم بوقوع الخطأ في هذا الرقم، وعدد الرجال الذين بلغوا سن العشرين قبيل خروج موسى من مصر كما ورد في سفر العدد لا يمكن عقلا أن يكون صحيحا، فقد كان عدد بني إسرائيل عند دخولهم مصر سبعين، ومحال أن يصيروا في مدى قرنين آلافًا كثيرة أو ملايين. وهكذا. - ورد في أسفار التوراة ما يقرر أن الأبناء يؤخذون بذنب الآباء حتى الجيل الثالث والرابع، وهاك نص العبارة: "مفتقد إثم الآباء في الأبناء وفي أبناء الأبناء حتى الجيل الثالث والرابع". وفي سفر حزقيال ما يعارض هذا الاتجاه، فقد جاء به: "النفس التي تخطئ هي تموت، الابن لا يحمل من إثم الأب، والأب لا يحمل من إثم الابن، بر البار عليه يكون، وشر الشرير عليه يكون" وهذا تناقض واضح. - تختلف الأحكام اختلافًا واضحًا وصريحًا من سفر إلى آخر، ويبدو ذلك بمقارنة الإصحاح الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من سفر العدد، بالإصحاح الخامس والأربعين والسادس والأربعين من سفر حزقيال. - في سفر أخبار الأيام الثاني وردت الفقرة التالية " ... لأن الرب ذلل يهوذا بسبب آحاذ ملك إسرائيل"، ولفظ إسرائيل غلط يقينًا لأن آحاذ كان ملكًا ليهوذا لا لإسرائيل، ومثل هذا الخطأ وقع في الإصحاح الأخير من هذا السفر، فقد ورد به أن نبوخذ نصر عزل يهوياكين وملك بدله صدقيا أخاه، والحقيقة أن صدقيا كان عم يهوياكين لا أخاه، ولذلك صحح مترجمو العهد القديم هاتين الكلمتين لتتفق الفكرتان مع الحق والتاريخ. - تنص الفقرات السابقة على أن نبوخذ نصر أسر يهوياكين إلى بابل، ولكن الحقيقة التاريخية أن قتله في أورشليم، وأمر أن تلقى جثته خارج السور ومنع من دفنها كما ذكر المؤلف اليهودي "يوسيفس". - وقع في الفقرة الثامنة والعشرين من الزبور الخامس بعد المائة في النسخة العبرانية

الفريسيون

العبارة التالية "لم يعصوا كلامه". وفي النسخة اليونانية جاءت هذه العبارة هكذا: "قد عصوا كلامه". وأحدهما خطأ يقينًا وقد اعترف بذلك مفسرو العهد القديم من الغربيين. هذه نماذج قليلة مما في العهد القديم من ... [تناقض] لم نقصد بها الحصر وإنما قصدنا مجرد التمثيل. فإن العلماء مجمعون على أن أقدم ما كتب من أسفار التوراة هو سفر التكوين، وقد كتب بعضه في يهوذا وبعضه في إسرائيل ثم تم التوافق بين ما كتب هنا وهناك بعد سقوط دولتي اليهود، والرأي الغالب أن سفر التثنية من كتابة عزرا، ويبدو أن أسفار التوراة الخمسة قد اتخذت صورتها الحاضرة حوالي عام 300 ق. م ... يقرر Wells أن أسفار العهد القديم جمعت لأول مرة في بابل وظهرت في القرن الخامس قبل الميلاد ... ذلك موجز القول عن ظروف تدوين الأسفار، أما كتابها فكثيرون، ويبرز من بين الكتاب اسم الكاهن عزرا، مرتبطًا بتدوين التوراة، ويذكر Hosmer أن عزرا هو الذي- في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد- قاد جماعة من اليهود إلى فلسطين، حيث استعاد بها الحياة اليهودية، وهو الذي أبرز أجزاء كثيرة مما سمي فيما بعد بالعهد القديم، وقد أكمل الكهنة الذين جاءوا بعد عزرا ما بدأه هذا الكاهن، وفي عهد المكابين كانت أجزاء العهد القديم قد وجدت تقريبًا، ولكنها لم تكن وضعت في نظامها المعروف الآن ... تكثر الفرق في اليهودية كثرة بالغة، وتختلف هذه الفرق في مبادئها وأسس حياتها ونظرتها إلى الكون، وإلى ما وراء الكون، وسنتكلم هنا عن أهم الفرق في اليهودية، شارحين أبرز نقاط الاتفاق والاختلاف بينهما: (الفريسيون): أعلن الفريسيون أن للخامات سلطة عليا، وأنهم معصومون، وأن أقوالهم صادرة عن الله، وأن مخافتهم هي مخافة الله، ومن قولهم في ذلك: "ويلزم المؤمن أن يعتبر أقوال

الصدقيون

الحاخامات كالشريعة لأن أقوالهم هي قول الله الحي، فإذا قال الحاخام إن يدك اليمنى هي اليسرى وبالعكس، فصدق قوله ولا تجادله ... " وتبعًا لذلك ليس هناك اجتهاد عند الفريسيين، وما الحاجة للاجتهاد إذا كان الحاخام مقدسًا ومعصومًا؟ وعنده لكل سؤال جواب ... ويقول القس "بوكس": لقد أسس الفريسيون نظام الفردية في الدين، ووضعوا طقوسًا روحية بحتة، وتعمقوا في الاعتقاد في الآخرة، ودافعوا عن قضية العلمانية أمام الكهنوت المتطرف ... (الصدقيون): يرى بعض الباحثين أن هذه التسمية نسبة إلى صادوق الكاهن الأعظم في عهد سليمان، أو إلى كاهن آخر بهذا الاسم وجد في القرن الثالث قبل الميلاد ... وهم ينكرون البعث والحياة الأخرى والحساب والجنة والنار، ويرون أن جزاء الإنسان يتم في الدنيا، فالعمل الصالح ينتج الخير والبركة لصاحبه، والعمل السيئ يسبب لصاحبه الأزمات والمتاعب. وينكر الصدوقيون كذلك التعاليم الشفوية "التلمود"، وحتى التوراة لا يرون أنها مقدسة قدسية مطلقة، وينكرون الخلود الفردي، كما ينكرون وجود الملائكة والشياطين، ولا يقولون بالقضاء والقدر ويؤمنون بحرية الاختيار، ويرون أن الأفعال مخلوقة للإنسان لا لله، وينكرون كذلك المسيح المنتظر ولا يترقبونه ... (القراءون): كان القراءون يمثلون القلة بين اليهود، فلما تدهور شأن الفريسيين، نما فريق القرائين وورث أتباع الفريسيين ونفوذهم. والقراءون لا يعترفون إلا بالعهد القديم كتابًا مقدسًا، وليست عندهم روايات شفوية كالتي قيل إن الحاخامات توارثوها الواحد بعد الآخر، وبالتالي لا يعترف القراءون بالتلمود.

الكتبة

ويقول القراءون بالاجتهاد، فإذا تبين الخلف خطأ السلف كالخطأ الذي لاحظوه في المحرمات في الزواج، فإن للخلف تصحيح هذا الخطأ، ومن هذه الأخطاء التي لاحظها المتأخرون وصححوها، خطأ تحليل بنت امرأة الأب مع وضوح تحريمها بنص الآية الخامسة من آيات المحارم. (الكتبة): تطلق هذه التسمية على مجموعة من اليهود كانت معتمدة كتابة الشريعة لمن يطلبها، فهم أشبه شيء بالنساخ ... وكانوا يسمون أحيانًا بالحكماء، وأحيانًا السادة " Rabbis" كما كان الواحد منهم ينادى بلقب "أب" عند المخاطبة، وقد برز الكتبة كحملة للواء الشريعة عندما جذب النفوذ السياسي غيرهم من رجال الدين إلى مجاله، فأصبح هؤلاء حلفاء للحكام الأجانب من فرس وإغريق ورومان، وأخلوا المجال الديني للكتبة، فاحتلوه. وجاءت خطوة ثانية رفعت من شأن الكتبة وأعلت من قدرهم، هي أن كل واحد منهم عني بإنشاء مدرسة أصبح هو راعيًا لها ومعلمًا بها، وكان له مريدون يسمعون تعليماته ويذيعونها ... (المتعصبون): فرقة أخرى من الفرق اليهودية خصص لها (Guignebert) حديثا، نورد فيما يلي ترجمة أبرز فقراته: كان في فلسطين بين الفرق الأخرى فريق وثيق الصلة بالفريسيين، يتفق معهم في أكثر عقائدهم، كالقول بالمسيح المنتظر، وكالحماسة الوطنية والميل للعبادة، ولكن هذا الفريق امتاز بعدم التسامح، بل بالعدوانية ضد المواطنين الذين اتهموا باللادينية، أو بقبول الخضوع لغير اليهود .... ففي بلدة "شيرين" ظهر رجل من اليهود في القرن الثامن الميلادي، وادعى أنه المسيح المنتظر، ووعد بأنه سيحقق معجزة استعادة فلسطين، وفي نفس القرن ظهر فارسي

آخر في بلدة "أصفهان" اسمه أبو عيسى وادعى أنه المسيح، وقال إن عودة فلسطين لن تتم إلا على أسنة الرماح، وأعد جيشًا قوامه عشرة آلاف جندي من اليهود، وواتته فترة الاضطرابات التي كان يعانيها العالم الإسلامي عند سقوط الدولة الأموية وقيام دولة بني العباس، فعاشت حركة أبي عيسى فترة لأن أبا العباس السفاح انشغل عنها بما صادفه من مشكلات في مطلع الدولة العباسية، فلما آل السلطان للخليفة المنصور اتجه بضربة قاصمة إلى جيش اليهود فهزمه، وفر أبو عيسى تجاه الشمال، ذاكرًا أنه سيتقابل هناك مع أحد قادة اليهود المختفين ليتعاون معه على استعادة فلسطين. وفي القرن السابع عشر ظهر في "سالونيك" يهودي اسمه سبتاي زيفي، كان واسع الاطلاع على الثقافة اليهودية مما جعله على صلة بأقوال اليهود حول المسيح المنتظر، ورأى زيفي ما عاناه اليهود في حرب الثلاثين بأوربا، فقد أمضى طفولته وشبابه وهذه الحرب مشتعلة، حيث كان اليهود وقودًا لها، وساورته نفسه أن يعلن أنه المسيح المنتظر، فعكف على الصلاة والصوم، وأخذ يطوف البلاد هنا وهناك، ويدعو لنفسه ويعلن قرب ظهور المسيح المبارك، ولما حلت سنة 1666 أعلن زيفي أول رسالة لليهود، واختار لإعلانها يومًا يمضيه اليهود في صوم وحزن لأنه يرتبط بذكريات أليمة عندهم، وفي هذه الرسالة يقول: "من أول ابن لله سبتاي زيفي، المسيح، مخلص شعب إسرائيل، إلى جميع أبناء إسرائيل .... السلام .... لما كان قد قدر لكم أن تكونوا جديرين برؤية اليوم العظيم وإنجاز وعد الله إلى أبنائه، فلابد أن تغيروا أحزانكم فرحًا وصومكم مرحًا، لأنكم لن تبكوا بعد الآن، فاستمتعوا وغنوا واستبدلوا باليوم الذي كان من قبل يقضى في حزن وآلام، يوم عيد، لأني ظهرت ... ". وراح سبتاي في حماسة ظاهرة ينتقل هنا وهناك ويواصل دعوته، ولم يستطع الربانيون أن يوقفوا حركته التي أخذت تنتشر في كل مكان بين اليهود، حتى أصبح له أتباع في أمستردام وهامبورج ولندن بالإضافة إلى أتباعه بالشرق. وقد بلغ تصديقه مبلغًا عظيمًا حتى إن أتباعه راحوا يبيعون ممتلكاتهم، ويجمعون ثروتهم، ويعدون أنفسهم للعودة من المهجر إلى فلسطين خلف "سبتاي"، وفي فارس توقف العمال اليهود عن طاعة ساداتهم، ورفضوا أن

يستمروا في فلاحة الأرض، وبدأ اليهود في كل مكان وكأنما مسهم طائف من الجنون وأصبحوا عبيداً للأمل الذي جددته دعوة "زيفي". وانتشى "زيفي" بالنصر الذي حققه، فراح يُدخل تعديلات جريئة في التقاليد والنظم اليهودية، فغير وقت الصوم ومواعيد الأعياد كما جاء في رسالته التي ذكرناها آنفاً، ووصلت به النشوة إلى أن تخيل نفسه صاحب سلطان شامل، فأخذ يوزع التيجان على إخوته وأصدقائه المقربين؛ بعد أن عين كلا منهم ملكاً على منطقة من المناطق التي رأى أن سلطانه سيزحف عليها، واحتفظ لنفسه بقلب "ملك الملوك". ووصل "زيفي" في تجواله إلى القسطنطينية حيث عاصمة الخلافة العثماينة، ويلاحظ أن الخليفة المسلم لم يتعرض له في المدة السابقة؛ لأنه فيما يبدو لم يُرد أن يواجه الحماس والصخب الذي أحاط باسم "سبتاي" في أول أمره، وهذا التصرف من الخليفة المسلم شجع سبتاي إلى أن يدخل عاصمة الخلافة؛ وهناك ألقى الخليفة القبض عليه، وأحكم قيده، وألقى به في قلعة الدردنيل، واكتفى الخليفة المسلم بذلك فترة نعم خلالها "سبتاي" بالكرم والحفاوة، وزحف كثير من اليهود إلى القسطنطينية ليروا مصير قائدهم، ولكن أحد اليهود الربانيين البولنديين أعلن أن "سبتاي" كاذب، وأن حركته تهدد الأمن والسلام، وانتهز السلطان محمد الرابع هذا الخلاف، فأحضر "سبتاي" أمامه في جمع حافل؛ وأعدّ بعض الجند المهرة لقتله، ثم أعلن هذا السلطان استعداده ليتحول إلى اليهودية إذا استطاع "سبتاي" ابنُ الله، والمسيح المنقذ كما يدعي، أن يمنع الرصاص من الانطلاق، وفي نفس الوقت منح الخلفية فرصة "لسبتاي" ليُعلن أنه كاذب مُدَّعٍ، وأن يدخل الإسلام إن كان يعرف أنه لن يستطيع إيقاف الرصاص من الانطلاق، وسرعان ما اختار "سبتاي" السلامة، وأعلن أنه كاذب، واعتنق الإسلام أو لم يجد مناصاً من ذلك، وسُمِّي محمد أفندي؛ وانتهت بذلك هذه الزوبعة التي أثارها هذا المدعي، ولا يزال اليهود حتى الآن ينتظرون المسيح. اهـ شلبي. * * *

الوصل الثاني في: أشهر فرق النصارى

الوصل الثاني في: أشهر فرق النصارى

أشهر فرق النصارى

أشهر فرق النصارى أشهر فرق النصارى في عصرنا الكاثوليك والأرثوذكس والبروتستانت، وكلها تتبنى الأناجيل الأربعة، فهي من آثار مدرسة بولس الذي حرف دين المسيح، وتعتبر البروتستانتية احتجاجاً على الكنيستين الأخريين، وكل من الكاثوليك أو الأرثوذكس أو البروتستانت توجد بين كل واحدة من هذه الفرق فرق كثيرة، ومن قبل أن تستقر المسيحية على أربعة أناجيل كانت هناك أناجيل كثيرة كما سنرى، وكل فرقة تتبع إنجيلاً، ولكثرة الخلافات بين فرق المسيحية الأولى عقد مجمع "نيقية"، ولكثرة الخلافات بين فرق المسيحية الثانية عقدت مجامع أخرى، وها نحن ننقل لك من كتاب الدكتور شلبي عن النصرانية ومجامعها لتعرف من خلالها كيف كثرت الخلافات بين المسيحيين، وكيف كان الاضطهاد والقهر ومن قبل أعداء المسيحية ابتداء وبين المسيحيين أنفسهم انتهاء عوامل أوجدت فرقاً كثيرة ثم وقفت على فرق كثيرة: "المجامع": والمجامع قسمان: مجامع مسكونية (أي عالمية وكلمة مسكونية نسبة إلى الأرض المسكونة). ومجامع محلية أو مكانية، وقد عُقدت المجامع المسكونية عدة مرات في القرون الأولى، وشهدها ممثلو الكنائس من جميع الأقطار وكان السبب الرئيسي لعقدها ظهور مذاهب دينية غريبة ينبغي فحصها وإصدار قرارات بشأنها وشأن مبتدعيها، وقد عقد من المجامع المسكونية ثمانية، من أهمها: مجمع نيقية ومجمع القسطنطينية الأول، وفيهما تقررت العقائد الرئيسية للمسيحية التي تلتقي حولها جميع الفرق والمذاهب المسيحية، (ألوهية المسيح وألوهية روح القدس واستكمال عقيدة التثليث بذلك). وأما المجامع المكانية فكثيرة. وكانت الكنائس ولا تزال تعقدها في حيزها الخاص لإقرار عقائد معينة، أو رفض بعض العقائد، أو للنظر في بعض الشئون المحلية. ولعل من الخير ونحن على ذكر بكثير من المجامع أن نلم إلمامة قصيرة شاملة بأهم المجامع

المسيحية، مسكونية أو محلية، وأن نبين ما اتخذته من قرارات، وفيما يلي هذا الحديث: 1 - مجمع نيقية Nicaea سنة 325 وكان عقدُه رداً على الوحدانية التي تزعم "أريوس" القول بها، ويعد مؤتمر نيقية أهم المجامع المسيحية، إذ اتخذت فيه أخطر القرارات، وكان عقده بأمر الإمبراطور قسطنطين الكبير وقد حضره من الآباء الروحانيين 2048 وإن الخلاف اشتد بينهم حول القول بألوهية المسيح، ووصل الخلاف إلى المعارك، وتبنت الأغلبية الساحقة رأي "أريوس"، فأصدر الإمبراطور قراره بفض الاجتماع، ثم أعيد عقد الاجتماع عقب ذلك ولم يحضره إلا الأعضاء القائلون بالتثليث وبألوهية المسيح وعددهم 318 وحضر الإمبراطور نفسه الاجتماع، واتخذت فيه قرارات خطيرة وضعت الأساس للمسيحية التي لا تزال تتبعها الكنائس، وأهم هذه القرارات ما يلي: (أ) القول بألوهية المسيح ونزوله ليصلب تكفيراً عن خطيئة البشر. (ب) عدم التصريح لمن يترمل من الكهنة بأن يتزوج مرة أخرى. كي يكون كل منهم كما قال بولس الرسول: (بعل امرأة واحدة). (جـ) اختار المجمع الكتب المقدسة التي لا تتعارض مع القرارات السابقة وقرر تدمير ما عداها من الرسائل والأناجيل. أقول: وهكذا انتصرت البوليسية على هدي حواري المسيح، وحكمت بالإعدام على الهدي الصحيح للمسيح، ومع قوة التوحيد وقتذاك فإنه آل أمر أتباعه إلى العكوف الذات أو تحمل الاضطهاد بعد أن تبنت الدولة الرومانية رسمياً ضلالات بولس. 2 - مجمع صور الإقليمي الذي عقد بعد ذلك ببضع سنوات وقرر وحدانية الله وأن المسيح رسوله، فكان بذلك تجديداً لرأي أريوس القائل بالوحدانية، وهذا المجمع لم يُعترف به. 3 - مجمع القسطنطينية الأول سنة 381 م وقد قرر هذا المجمع أن روح القدس إله. 4 - مجمع إفسس الأول Ephesus سنة 431 الذي تقرر فيه أن المسيح طبيعة واحدة ومشيئة واحدة، وأن العذراء ولدت إلها وتدعى لذلك أم الإله، وكان ذلك رداً على نسطور.

5 - مجمع إفسس الثاني سنة 449، وقد دعا لعقده بطريرك الإسكندرية "ديسقورس" للرد على إحياء آراء "نسطور" التي نادى بها "ثاذوريثوس" أسقف كورش وإيرينا وأسقف صور، واتخذت فيه قرارات بحرمان هذين الأسقفين. ولم تعترف كنيسة روما بهذا المجمع. 6 - مجمع خلقيدونية Chalecodon سنة 451 م، وقد أيد هذا المجمع قرار مجمع إفسس الأول ورفض قرار مجمع إفسس الثاني، ولعن نسطور وديسقورس وأتباعهما، وكام هذا المجمع قد عقد أولاً في القسطنطينية ثم انتقل إلى خلقيدونية، وقد حضره أساقفة روما، كما حضره البابا ديسقورس بطريرك الإسكندرية ومعه أساقفته. وقد اشتد الخلاف بين الفريقين في اليوم الأول، حتى إذا كان اليوم الثاني منع البابا ديسقورس وأساقفته بالقوة من حضور الجلسة، واتخذ المجتمعون قراراً يقول بالطبيعتين والمشيئتين، ورفض ديسقورس طلب الإمبراطور الموافقة على هذا القرار، فنفاه الإمبراطور بعيداً عن مصر حيث مات في منفاه، وقد ظل أقباط مصر حتى الآن يرفضون قرارات هذا المجمع ويدينون بالولاء لبطريرك الإسكندرية. 7 - مجمع القسطنطينية الثاني سنة 553 م، وقد أيد قرارات مجمع نيقية ومجمع القسطنيطينية الأول ومجمع خلقيدونية، ولعن وطرد أصحاب الفكرة التي شاعت حينئذ عن تناسخ الأرواح، وأن شخص المسيح لم يكن حقيقة بل خيالاً. 8 - مجمع القسطنطينية الثالث سنة 680 وقد قرر هذا المجمع أن للمسيح طبيعتين ومشيئتين، وكان ذلك رداً على المذهب الماروني الذي كان يقول بطبيعتين ومشيئة واحدة. 9 - مجمع رومة سنة 869 وفي هذا المجمع تقرر: (أ) اعتبار الروح القدس منبثقاً من الأب والابن. (ب) من يريد المحاكمة في أمر يتعلق بالمسيحية يرفع دعوى إلى كنيسة روما. (جـ) المسيحيون في جميع بلاد العالم يخضعون لقرارات رئيس كنيسة روما.

البروتستانتية

10 - مجمع القسطنيطينية الذي عقد سنة 879 برياسة فوسيوس بطريرك كنيسة القسطنطينية، وفيه تقرر أن انبثاق الروح القدس من الأب فقط، وبهذا المجمع وسابقه تم انقسام الكنيسة إلى غربية وشرقية، وأصبحت المجامع خاصة بإحداهما وتُبطل قرارات الأخرى ولا تعترف بها. 11 - مجمع رومة الذي عقد سنة 1225، وفيه تقرر أن الكنيسة البابوية تملك الغفران وتمنحه لمن تشاء. 12 - مجمع رومة سنة 1868 وفيه أن البابا معصوم. اهـ شلبي. * * * ولكي ندرك كثرة الفرق المسيحية يكفي أن ننقل لك ما ذكره فريد وجدي في دائرة معارفه عن المقدمات التي أوصلت إلى حركة لوثر الذي تعتبر فرقته أكبر فرق البروتستانت: البروتستانتية: هو المذهب المسيحي الذي ظهر في القرن الخامس عشر إصلاحاً للكاثوليكية. فكلمة البروتستانتية تعني عند أهلها مجموع العقائد والفرق الدينية التي نجمت من حركة الإصلاح الديني في القرن السادس عشر، سواء تكونت هذه الفرق من الكاثوليك الذين احتجوا (عملوا بروتستو) في ذلك العصر على الكنيسة الرومانية باسم الإنجيل والعقل، أو التي تألفت بعد ذلك في قلب الجماعات البروتستانتة ذاتها. كانت أوروبا تتهيأ لحركة إصلاح ديني عام ضد أفراط الكنيسة الرومانية منذ القرن الثاني عشر. فكانت الكنيسة كلما أمعنت في الحجر على حرية العقول، تكون رأي جديد مؤداه أن المسيحية ليست إلا مجموع رسوم صورية تقليدية مجردة عن معانيها الروحية والأخلاقية، وكانت كلما أغرقت في حفظ سلطانها الدنيوي على الأشباح، وقهرت الشعوب ودوختهم لصيانة سطوتها الحسية نجمت نواجم التمرد عليها تنازعها الحرية، وتجاذبها الغلبة، وهي لا تدري أنها تنحط أمام نظر الأمم من أوج سلطتها الروحانية، إلى حضيض

المنازعات المادية. هذه الحركة الفكرية ضد الكنيسة الرومانية لم تكن بنت عالم من العلماء أو جماعة منهم، بل نشأت في البيئات المختلفة في وقت واحد مما يدل على أن الروح السائقة إليها كانت روحاً عامة، فنبغ العالم (امالريك دوبين) وتلميذه (داود دو دينان) وحاولا نشر مذهب وحدة الوجود في مدارس باريس. وظهرت في الوقت عينه بين العامة جماعات دينية، ذات وجهات مختلفة كلها متأثرة بروح الانشقاق على الكنيسة الرومانية نعد منها جماعة "الكانار" التي ظهرت في إيطاليا في القرن الثاني عشر واتخذت لها كنيسة مستقلة وامتدت إلى جنوب فرنسا أيضاً. وجماعة "تاتشيلم" الذي ادعى أنه إله مساوٍ لعيسى في الدرجة، فاتبعه خلق كثير فتألبت عليه الحكومة والكنيسة وأمسك في مدينة أنفير وقتل سنة 1124. وجماعة "أودون" الذي ادعى أنه هو عيسى نفسه قد ظهر يرد الناس عن غوايتهم، ويبصرهم ن عمايتهم، فقبض عليه سنة 1148 م، وأودع السجن حتى مات فيه. وجماعة "بييرو دو برويس" الذي قبض عليه وأحرق بالنار حياً في مدينة تولوز من فرنسا سنة 1124، لأنه كان لا يقر على التعميد ولا يقول بعقيدة حضور الله بذاته الكنيسة، ويرفض الرهبنة والصلاة على الموتى، وعبادة الصليب، وأموراً أخرى لا محل لذكرها هنا. وجماعة "الهنريسيان" الذين كانوا يضمرون لرجال الكنيسة حقدا يصل لحد الجنون، وتلتحق بهم جماعة الباتاران. ودون هذه الجماعات فرق البوبليكان والرجال الأطهار إلخ إلخ. ا. هـ فريد وجدي. * * *

الوصل الثالث في: افتراق الأمة الإسلامية وفي: أشهر الفرق الضالة التي نشأت في بيئات إسلامية وفي: الفرق الناجية

الوصل الثالث في: افتراق الأمة الإسلامية وفي: أشهر الفرق الضالة التي نشأت في بيئات إسلامية وفي: الفرق الناجية وفيه: مقدمة وفقرات ونقول

المقدمة في: أسباب انشقاق الفرق الضالة

المقدمة في: أسباب انشقاق الفرق الضالة (1) مرت معنا بعض النصوص التي تتحدث عن افتراق اليهود والنصارى إلى فرق تزيد على السبعين، وأن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، ولا يهمنا كثيراً أن نعرف فرق اليهود والنصارى فهذه تلزم المتتبعين، أما من ناحية الجانب العلمي في ذلك فقد ذكر القرآن الكريم ما فيه الكفاية عن ضلال من ضل من اليهود والنصارى ليجنب ما وقعوا فيه، وهذا هو الجانب العلمي والمهم في الموضوع، أن المسلم غير مكلف بأن يتتبع ماهية فرق النصارى وآراء كل فرقة منهم من مثل اليعاقبة والديصانية والأريوسية والكاثوليكية والأرثوذكسية والبروتستانتية والإنكليكانية وغيرها، وما تشبعت عن كل واحدة منها، وكذلك بالنسبة لليهود، وإنما هو مكلف أن يتجنب ما وقع فيه هؤلاء من ضلال، وقد بين القرآن ذلك أوضح بيان. ولكن المهم بالنسبة للمسلم أن يعرف فرق الضلالة من هذه الأمة كي لا يواطئ واحدة منها على ضلالة، وإن كان ذلك لا يلزم كفريضة عينية إلا بقدر، لكنه مكلف أن يعرف من عقائد أهل السنة والجماعة ومن الكتاب والسنة ما يحفظه بإذن الله عن أن يقع في أسر فرقة ضالة، وإنما تدخل المعرفة التفصيلية لهذه الفرق وأسباب ضلالها في باب فروض الكفايات، وعلى العالمين بمسارات الفرق الضالة أن يحصنوا المسلمين حيثما كانوا بكل ما يحفظهم من أن يقعوا في أسر دعوة ضالة يخالطون أهلها أو يسمعون من أهلها بشكل مباشر أو غير ماشر، ويدخل هذا في فروض العين ويختلف من بيئة لبيئة، ومن زمان لزمان، ولعل مهمة العلماء في عصرنا أكثر صعوبة من أي عصر سابق. والمسلمون يواجهون بقايا فرق ضالة أو يواجهون دعوات ضالة في عالم يموج بالمذاهب والفلسفات والأديان مع تقدم وسائل الإعلام والقدرة على الإيهام والتضليل، وعلى هذا فواجب علماء المسلمين أن يحصنوا المسلم

بالعقيدة الصحيحة، وأن يحصنوه من الوقوع في أسر مذهب أو فلسفة أو دين أو فرقة ضالة، هذا عدا عن واجبات أخرى تلزم العلماء. ومن ههنا نقول: إن فروض الكفاية تختلف سعة وعدداً وكمية وقائمين بها من زمن لزمن، ومن مكان لمكان كما أن فروض العين العلمية والعملية في حق المسلم تختلف من زمن لزمن، ومن مكان لمكان، بل من شخص لشخص. والموضوع الذي نحن فيه من أهم الموضعات التي ينبغي أن تكون محل اهتمام: وذلك هو افتراق الأمة الإسلامية إلى فرق، فرقة واحدة منها ناجية والباقية هالكة أخرويا، على تفاوت في الهلاك الأخروي على حسب بعد أو قرب هذه الفرق من الاعتقاد الحق. ما هي أسباب الضلال؟ ما هي الفرق التي ذكرتها النصوص بأعيانها؟ ما هي أهم هذه الفرق التي كثرت فيها النصوص؟ ما هي الفرق التي أجمع أهل السنة والجماعة على على تضليلها أو تكفيرها؟ وما هي أهم مقولاتها؟ وبعض هذه الفرق قد انقرض ولكنه قابل للظهور وبعضها لا زال موجوداً، والأمة تعاني منه، وبعضها قديم الظهور وبعضها حديث الظهور، وبعضها يتجدد ظهوره في كل جيل وليس مثل العلم بعد هداية الله عاصماً للإنسان، والكتب في هذا كله كثيرة منها القديم ومنها الحديث ومنها ما يخص فرقاً ولا يخلو كتاب بعد القرآن ولا يخلو كلام بعد كلام الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مما يمكن أن يؤخذ عليه، ومن أشهر الكتب القديمة في هذه الشؤون: مقالات الإسلاميين لأبي الحسن الأشعري، والفرق بين الفرق لعبد القاهر البغدادي، والملل والنحل للشهرستاني، ومثله لابن حزم، وقد كتب المحدثون عن فرق ظهرت حديثاً كالقرتية نسبة إلى قرة العين الإيرانية الإباحية، والبهائية، والقاديانية، وهذا الوصل يضعك على لبابٍ من الأمر. * * * (2) في تأملات شاملة لما وقعت به الأمم من قبل وخاصة اليهود والنصارى الذين قص الله علينا من أخبارهم نجد أن من أبواب الضلال الكبيرة:

أولاً: أمراض القلب وما يتفرع عنها من بغي وحسد واتباع هوى يجر إلى مواقف ظالمة {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} (1). ثانياً: الغلو في الأشخاص والأعمال والمواقف: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} (2). {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا} (3). ثالثاً: التأويل الجاهل ونسيان بعض الحق: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} (4). رابعاً: جعل ما ليس من الوحي وحياً: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ} (5). خامساً: ترك المجمع عليه والدخول فيما يناقضه: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ * وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (6). سادساً: الجهل بالله ووصفه بما لا يليق بذاته: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} (7). {الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} (8). وقد وعت أمتنا فيما وقعت به الأمم السابقة وقد ذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك من معجزاته عليه الصلاة والسلام، فوجد عندنا من يغلو بغير الأنبياء فيثبت لهم العصمة حتى

_ (1) الشورى: 14. (2) التوبة: 31. (3) المائدة: 77. (4) المائدة: 13. (5) آل عمران: 87. (6) البينة: 4، 5. (7) المائدة: 64. (8) آل عمران: 181.

فيما خالفوا به النص كما فعلت طوائف من الشيعة، ووجد من يؤلمهُ البشر كما فعل النصيرية والدروز والإسماعيليون، ووجد من يدعي النبوة ويُتابع كغلام أحمد القادياني ومسيلمة الكذاب، ووجد التأويل الجاهل كما فعل المعتزلة، ووجد التشبيه كما فعل المشبهة، ووجدت المواقف الغالية كما فعل الخوارج، ووجد تعطيل العمل كما فعل المرجئة، ووجد الإباحيون الذين يستحلون المحرمات، ووجد المعطلون للشريعة كما يفعل العلمانيون. وسر الأسرار في الزيغ والضلال اتباع المتشابه وترك المحكم. والمتشابه في هذا المقام نسبي، فكثير من المتشابهات التي ضل بها أقوام إنما هي متشابهات بالنسبة لمحكمٍ معين، وهذه القضية من أخطر القضايا ولا بد أن تفهم: فالقرآن الكريم في حيثية من حيثياته كله محكم. قال تعالى: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} (1). فالإحكام قدر مشترك في القرآن. والقرآن من حيثية أخرى كله متشابه: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا} (2). فالقرآن يشبه بعضه بعضاً من حيث كونه حقاً ومعجزاً إلى غير ذلك، ولكن نصوص القرآن منها ما هو قطعي الدلالة، فهذا محمم بالنسبة لغيره ومنه ما يحتمل أكثر من معنى، ومن ههنا ذكر الأصوليون أن النصوص أقسام فمنها: المؤول وهو ما يحتمل أكثر من وجه أحدهما صحيح، والباقي غير صحيح، ومن المؤول المتشابه. ومنها: النص وهو اللفظ الذي ظهرت دلالته على المعنى الذي سيق له مع احتمال التخصيص إن كان عاماً، والتأويل إن كان خاصاً.

_ (1) هود: 1. (2) الزمر: 23.

ومنها: الظاهر وهو اللفظ الذي ظهرت دلالته على المعنى الذي لم يسق له واحتمل غيره احتمالاً مرجوحاً. ومنها: المفسر وهو اللفظ الذي ظهرت دلالته على معناه الوضعي مع احتمال النسخ وحده. ومنها: المحكم وهو اللفظ الذي ظهرت دلالته على معناه الوضعي بدون احتمال شيء. ومن ههنا وجد ما يسمى متشابهاً عند العلماء. ولكن هناك نصوصاً هي متشابهة في حق الجهلة وبسبب من ذلك ضل من ضل، فمثلاً يوجد من يأخذ من قوله تعالى: {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ ...} (1) أن الأرض لا تملك لأنها لجميع بني البشر وبالتالي فلا ملكية في الأض لأحد، فهؤلاء تركوا المحكم في الشريعة الذي يجيز تملك الأرض وبنوا على متشابه، ولكن هذا المتشابه متشابه في حقهم وليس هو في الأصل متشابهٌ عند العلماء ومن ههنا تقول: إن أكثر من ضل عن الحق من هذه الأمة إنما ضل بسبب متابعته المتشابه وحمل المحكم عليه، سواء كان متشابهاً في الأصل في اصطلاح الفقهاء أو متشابهاً بسبب من الجهل أو الهوي، والأصل أن يتابع المسلم المحكم ويحمل المتشابه عليه سواء كان متشابهاً في الأصل لا يدركه إلا الراسخون في العلم أو متشابهاً في توهم بعض الناس، ومن ههنا نفرق بن فرقة ضلت في فهم المتشابه في اصطلاح العلماء كالمعتزلة، وبين فرقة ضلت لمتابعة الجهل في قضية لبست عليهم كالخوارج والمرجئة وبعض فرق الباطنية. وهناك ناس كفروا أصلاً، وحاولوا أن يكفروا المسلمين ولكن من خلال التلبيس عليهم ببعض النصوص المتشابهة فهؤلاء كفار يتعمدون الكفر والتكفير. * * *

_ (1) الرحمن: 10.

(3) والعاصم من الوقوع في الضلال: الاعتصام بالكتاب والسنة وما عليه سلفنا الصالح والعلم الصحيح وما عليه السواد الأعظم من علماء الأمة الإسلامية خلال العصور، ومتابعة الراسخين في العلم من هذا السواد الأعظم، ولم تخل الأمة في كل عصر من أهل رسوخ في العلم: كالأئمة الأربعة والنووي وابن حجر العسقلاني والسيوطي والعز بن عبد السلام وأمثال هؤلاء. * * * (4) وهناك إجماع عند الراسخين في العلم على أن هناك فرقاً دخلت في دائرة الضلال وفرقاً دخلت في دائرة الكفر، ومن أمهات القضايا التي ضلت بسببها بعض الفرق: 1 - إدعاء أن للقرآن باطناً يخالف الظاهر. 2 - الموقف من نصوص السنة أصلاً ثم من إلزاميتها. 3 - التشبيه. 4 - التأويل الجاهل. 5 - التكفير بالمعصية. 6 - الموقف من الإمامة والخلافة. 7 - التشكيك في الصحابة، أو سبب بعضهم أو تكفيره. 8 - نفي القدر. 9 - الجبر. 10 - الغلو. * * *

(5) ونحب أن نقف وقفة عند الغلو: فلم يزل الغلو باباً من أبواب الضلال والانحراف عن هدي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قال تعالى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} (1)، {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ...} (2). وللغلو مظاهر منها: الغلو في الأشخاص: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} (3). ومنها الغلو في تطبيق الدين: وذلك بالتشديد فيه بتحريم الحلال واعتقاد فرضية ما ليس فرضاً. ومنها: التسرع في التكفير، ومنها الغلو في العمل حتى تحمل النفس فوق طاقتها كالترهب وقد عالج الكتاب والسنة الغلو كله. 432 - * روى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ... وإياكم والغلو في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو بالدين". 433 - * روى الطبراني عن أبي أمامة رفعه: "صنفان من أمتي لن تنالهما شفاعتي: إمام ظلوم غشوم وكل غالٍ مارق". * * *

_ (1) المائدة: 77. (2) النساء: 171. (3) التوبة: 31. 432 - مسند أحمد (1/ 215، 347). والنسائي (5/ 268) 24 - كتاب المناسك، 217 - باب التقاط الحصى. وابن ماجه (2/ 1008) 25 - كتاب المناسك، 63 - باب قدر حصى الرمي- وإسناده صحيح. 433 - أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 235). وهو حسن. غال: من الغلو وهو مجاوزة الحد ببدعة أو كفر.

(6) ومع وضوح النصوص التي تبين الهدى من الضلال، بحيث لا تغيب عن عالم منصف ماهية الهدى من الضلال، فقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم ما يحدث في أمته من بعده، ومن جملة ذلك الاختلاف والتفرق والقتال، كما ذكر أن الأمة ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة، واحدة منها ناجية والباقيات في النار، وقد أعطانا القرآن الميزان الذي نعرف به فرق الضلالة وذلك هو اتباعهم المتشابه وحمل المحكم عليه بدلاً من اتباع المحكم وحمل المتشابه عليه، وهذه هي ميزة الفرقة الناجية أنها تعمل بالمحكم وتؤمن بالمتشابه وتحمله على المحكم، وبهذا الميزان يعرف الإنسان أن أهل السنة والجماعة على حق. * * * (7) وقد حدث قتال بين الصحابة بين علي بن جهة وبين معاوية من جهة أخرى، وبين علي من جهة وبين عائشة وطلحة والزبير من جهة أخرى، والجميع من أهل السنة والجماعة بشهادة النصوص، لكن عليا كان على حق وصواب، والآخرون كانوا على خطأ، ولضيق هذا المقام وللخوف على العامة أن يسبق إلى إلى قلوبهم ما تزيغ به فقد نهى العلماء عن الخوض في ذلك إذ إن في كلٍ من الفريقين مبشرين بالجنة وإنهم كانوا متأولين، وكلهم يعتقد أنه على الحق، وحدث قتال بين علي والخوارج، والنصوص واضحة أن علياًّ على الحق والصواب، والخوارج كانوا على خطأ وضلال بسبب ما اعتقدوه من تكفير علي وعثمان. واعتقد ناس أن الحق في الخلافة لآل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم ونشأ بسب من ذلك التشيع، لكن شيعة آل البيت افترقوا فمنهم غالٍ ومنهم مقتصدٌ، والنصوص المحكمة حكم على الجميع، وقد ورد عن علي بن أبي طالب قال: دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن فيك مثلاً من عيسى أبغضته اليهود حتى بهتوا أمه وأحبته النصارى حتى أنزلوه بالمنزل الذي ليس به"، ألا وإنه يهلك في اثنان محب مفرط يقرظني بما ليس فيَّ ومبغض يحمله شنآني على أن يبهتني، ألا وإني لست بنبي، ولا يوحى إلي، ولكني أعمل بكتاب الله

وسنة نبيه ما استطعت فما أمرتكم من طاعة الله فحق عليكم فيما أحببتم وكرهتم (1). وهكذا وجدت فرقتان رئيسيتان منذ الصدر الأول تفرعت عنهما فرق كثيرة، وبسبب من التباس الأمر على بعض الناس في الخلاف بين علي وخصومه فقد وجد الإرجاء، وكان بسيطًا ثم تفلسف وانحرف، وبسبب من الجنوح في التأويل وجد الاعتزال، وهكذا وجدت أربع فرق رئيسية ضالة منذ الصدر الأول: الشيعة والخوارج والمعتزلة والمرجئة. وتفرع عن كل فرق، ثم ظهرت فرق أخرى كالذين يعتمدون القرآن دون السنة ... أو الذين يرون سقوط التكاليف كبعض الصوفية، ولم تزل الأيام تلد فرقًا جديدة فهذا القرن الماضي ولدت فيه القاديانية والبهائية، ولا يخفى على العالم البصير ولا على الذين يخالطون أهل الحق ويقرؤون القرآن أن يدكوا الضلال بسرعة ويعرفوا أهله، والملاحظ أن النصوص في شأن الخوارج كانت أكثر من النصوص التي ذكرت فرقًا أخرى وذلك لحكم: أولاً: لأنهم أول الفرق ظهورًا والناس لا زالوا على ذكرٍ بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم. ثانيًا: لأنهم يغرون العامة بسبب تشددهم وغلوهم. ثالثًا: لأنهم يجتذبون أعدادًا كبيرة من الناس بسبب استعداد العامة للخروج على السلطان. والخروج على السلطان أنواع، والبغاة هم الخارجون على الإمام الحق بغير الحق، أما سواهم فقد يكونون أهل حق وقد يكونون ظالمين بخروجهم. * * * (8) وأخيرًا نقول: هناك فرق ضالة أو كافرة مشهورة معروفة عند العامة والخاصة من أهل السنة والجماعة، وهناك أئمة ضلال معروفون عند أل العلم خاصة، وبالتالي فقد لا يعرف

_ (1) أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 133) وقال: رواه عبد الله والبزار باختصار وأبو يعلى أتم منه، وفي إسناد عبد الله وأبي يعلى الحكم بن عبد الملك وهو ضعيف. وفي إسناد البزار محمد بن كثير القرشي الكوفي وهو ضعيف. ا. هـ قلت: ومع أن في الحديث ما رأيناه من ضعف فإن الحديث صحيح معناه وقد وقع.

غير المختص من المقصود بهؤلاء، وهناك فرق تذكر وهي تندرج في فرقة تعتبر أما لهم: فالشيخ عبد القاهرة البغدادي أوصل الخوارج إلى عشرين فرقة وكلهم فرقة واحدة، وأوصل المعتزلة إلى عشرين فرقة وكلهم فرقة واحدة، ونتيجة لذلك فإن بعضم ذكر في كتب الفرق المؤلفة قديمًا أكثر من سبعين فرقة مع أنه قد وجدت بعد ذلك فرق أخرى ونحن نرى أن الفرق الاثنتين والسبعين الضالة التي ستوجد في هذه الأمة ليس شرطًا أن تكون قد وجدت كلها، فقد تأتي العصور اللاحقة بجديد، فالرسول صلى الله عليه وسلم تحدث عن ثلاثين مدعيًا للنبوة سيكونون في هذه الأمة وذكر دجالين كثرًا وقد يكون بعض هؤلاء لم يظهروا بعد، ولذلك فنحن سنعرف في هذا الفصل على بعض الفرق مما أجمع أهل السنة والجماعة على تضليل أهلها أو تكفيرهم. وبعض هذه الفرق لا زالت موجودة وبعضها قد انقرض، والموجودون في عصرنا على أنواع فمنهم من تستطيع تكفيره دون تردد ما دام يؤمن بما هو المعروف عن فرقته، وبعضهم يمكن أن تتوقف في الحكم عليه حتى تعرف حدود أخذه عن فرقته. وسنذكر في هذا الوصل الفقرات التالية: الفقرة الأولى: في ضرورة التعرف على فرق الضلال وفي بعض الملاحظات حول ذلك. الفقرة الثانية: في نصوص تتحدث عن أعلام في الضلال. الفقرة الثالثة: في أشهر الفرق التي نشأت في بيئات إسلامية وهي ليست من أهل السنة والجماعة. الفقرة الرابعة: في الخوارج خاصة. الفقرة الخامسة: في ضرورة لزوم الجماعة وفي التعرف على الفرقة الناجية. * * *

الفقرة الأولى في: ضرورة التعرف على فرق الضلال وبعض الملاحظات حول ذلك

الفقرة الأولى في: ضرورة التعرف على فرق الضلال وبعض الملاحظات حول ذلك لقد حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه عن قائد كل فتنة يبلغ من معه ثلاثمائة فصاعدًا كما ورد عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: والله ما أدري أنسي أصحابي أم تناسوا؟ والله ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قائد فتنة إلى انقضاء الدنيا، يبلغ من معه ثلاثمائة فصاعدًا، إلا قد سماه لنا باسمه واسم أبيه واسم قبيلته (1). فدل ذلك على أن التعرف على أئمة الضلال مما ينبغي أن يعرفه المسلم، وأن التعريف على أئمة الضلالة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ثم كان قسم كبير من هذا الوصل في هذا الشأن. * * * الفرق التي خرجت عن الاعتقاد الحق على أنواع، فمنها: ما خرج من الإسلام بالكلية وإن كانت أصوله إسلامية وادعى أنه يبني على فهمٍ لنصوصٍ، وهل مثل هذه الفرق داخلة في الفرق الثنتين والسبعين أو لا؟ الراجح أنه داخلة بها قياسًا على فرق اليهود والنصارى، وبعض الفرق لم يصل إلى حد الكفر المطلق، وإنما هم ضلال مبتدعون، وبعضهم أكثر ضلالاً من بعضهم الآخر، وبعضهم تعتبر بدعته خفيفة وبعضهم تعتبر بدعته شديدة، وأفظع أنواع الابتداع ابتداع الاعتقاد، أما بدع الأعمال فهذه على أنواع، فمنها: ما يكره، ومنها: ما يحرم، ومنها: ما يجوز. والعبرة فيها للفتوى من أهلها. * * * وهناك فرق بدأ ضلالها من غلو في فكرة صحيحة في الأصل ثم تشعبت من هذه الفرق

_ (1) أبو داود (4/ 95). كتاب الفتن والملاحم، باب ذكر الفتن ودلائلها. وإسناده صحيح.

فرق أشد غلوًا، وهكذا من غلو أخف إلى غلو أشد وصلت بعض التوجهات إلى مداها المكفر، فحب آل البيت ابتداء شيء مطلوب شرعًا، واعتقاد أن عليًا هو خليفة راشد وأن الحق والصواب كانا معه مدة خلافته، كل هذه أفكار صحيحة، فإذا قال قائل بعد ذلك: إنه الأحق بالخلافة من الأئمة الثلاثة الذين كانوا قبله مع التسليم بخلافتهم فهذه بدعة خفيفة مع أنها تخالف ما التقى عليه الصحابة، فإذا ما رفض آخرون أن يسلموا بإمامة الشيوخ الثلاثة فقد دخلوا في بدعة ضلالة، فإذا كفروا الأئمة الثلاثة فقد وصلوا إلى الكفر كما ذكر الشيخ عبد القاهر البغدادي: "فإذا ما غلوا بعلي وآل بيته حتى أعطوهم صفة الألوهية فذلك إيغال في الكفر، فإذا ما اجتمع إلى هذا آراء كفرية أخرى كالقول بالتناسخ وأن للقرآن باطنًا يخالف الظاهر، وأن الباطن يستقل بفهمه الإمام، فإذا بلغهم عمن يدعي الإمامة ما ينقض الشريعة تابعوه فذلك كفر على كفر وظلمات بعضها فوق بعض". وكثيرًا ما حدث في تاريخ الفرق أن غلوًا خفيفًا أوصل إلى غلو غليظ، وأحيانًا يحدث العكس غلو شديد يعدل إلى غلو أخف، فالمعتزلة مثلا عدلوا القول بنفي القدر بالجملة، وعلى كل فإنه تتولد عن فرقة أم فرق مختلفة، ومن الفرق التي لها وجود فعلي في الأمة: الشيعة الإثنا عشرية، والإسماعيليون، والدروز، والنصيرية، والجارودية، واليزيدية عباد الشيطان، فلهم بقية في سورية والعراق، والمعتزلة فلم تزل بعض عقائدهم تتسلل إلى كثير من الناس، والقاديانية، والبهائية، والقائلون بإسقاط التكليف، والمشبهة، والقائلون بوحدة الوجود، والعلمانيون القائلون بفصل الدين عن الدولة وهم المرتدون الذين يشكلون تيارًا عريضًا. * * * أما أحكام الفرق الثنتين والسبعين فتختلف من فرقة إلى فرقة، فبعض الفرق الثنتين والسبعين لهم أحكام المسلمين الدنيوية كاملة، وبعض أهل هذه الفرق لهم بعض أحكام المسلمين الدنيوية لا كلها، وبعض هذه الفرق ليس لها أحكام المسلمين أصلاً بل ولا أحكام أهل الكتاب لأنهم مرتدون أو استمرار للمرتدين، فلهم بذلك أحكام خاصة لأنهم ورثوا الردة، فهؤلاء المرتدون ومن تابعهم على ردتهم لا يجوز تزويجهم ولا التزوج منهم ولا أكل

ذبائحهم ولا دفنهم في مقابر المسلمين ولا الصلاة عليهم. قال عبد القاهر البغدادي: [فإن كان على بدعة الباطنية، أو البيانية، أو المغيرية، أو الخطابية الذين يعتقدون إلهية الأئمة أو إلهية بعض الأئمة، أو كان على مذاهب الحلول، أو على بعض مذاهب أهل التناسخ، أو على مذهب الميمونة من الخوارج الذين أباحوا نكاح بنات البنات وبنات البنين، أو على مذهب اليزيدية من الإباضية في قولها بأن شريعة الإسلام تنسخ في آخر الزمان، أو أباح ما نص القرآن على تحريمه، أو حرم ما أباحه القرآن نصًا لا يحتمل التأويل: فليس هو من أمة الإسلام ولا كرامة له. وإن كانت بدعته من جنس بدع المعتزلة، أو الخوارج، أو الرافضة الإمامية، أو الزيدية، أو من بدع النجارية، أو الجهمية، أو الضرارية، أو المجسمة فهو من الأمة في بعض الأحكام، وهو جواز دفنه في مقابر المسلمين، وفي أن لا يمنع حظه من الفيء والغنيمة إن غزا مع المسلمين، وفي أن لا يمنع من الصلاة في المساجد، وليس من الأمة في أحكام سواها، وذلك أن لا تجوز الصلاة عليه ولا خلفه، ولا تحل ذبيحته ولا نكاحه لامرأة سنية، ولا يحل للسني أن يتزوج المرأة منهم إذا كانت على اعتقادهم. وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه الخوارج: علينا ثلاث: لا نبدؤكم بقتال، ولا نمنعكم مساجد الله أن تذكرا فيها اسم الله، ولا نمنعكم من الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا]. ا. هـ (الفرق بين الفرق). والمسألة لها تفصيلات كثيرة، وللفقهاء اجتهادات متعددة، وبعض من انتب في الفرقة قد لا يؤمن بكل ما عليه فرقته فله حكم خاص، والعبرة في حق كل شخص بما هو عليه، والفتوى البصيرة من أهلها هي محل العمل. * * * وإذ لم يكن هذا الكتاب ملتزمًا بالتفصيل إلا فيما تمس إليه الحاجة، وإذ كان الكلام عن الفرق يحتاج إلى كتب خاصة بذلك، فإننا نكتفي بإشارات مع ملاحظة أننا اعتمدنا في التعريف على بعض الفرق على كلام عبد القاهر البغدادي، وقد كتب كتابه (الفرق بين

الفرق) في القرن الخامس الهجري وبعض من كتب عنهم واستمروا بعده، قد يكونون بقوا على ما كانوا عليه وقد يكونون ازدادوا غلوًا وقد يكونون قد خف غلوهم. * * *

الفقرة الثانية في: نصوص تتحدث عن أعلام في الضلال

الفقرة الثانية في: نصوص تتحدث عن أعلام في الضلال منذ الصدر الأول ظهرت أربع فرق رئيسية في الأمة الإسلامية هي: الخوارج والتشيع الغالي والإرجاء والاعتزال. فالخارجية غلت في التكفير، والتشيع الغالي قام على الغلو بعلي وبآل بيته رضي الله عنهم، وعلى بغض الكثيرين من الصحابة، والإرجاء أنواع والضالون من أهله هم الذين يقولون: لا تضر مع الإيمان معصية. والاعتزال يقوم على عدم إعطاء موضوع الإيمان بالقدر مداه الذي ذكرته النصوص. ولأن هذه الفرق الأربع ظهورها متجدد في الأمة الإسلامية، ولأنها ستظهر قريبًا من عهد النبوة فقد خصت بالذكر في نصوص. وسنذكر في هذه الفقرة بعض النصوص التي ذكرت هذه الفرق، ولأن أعظم ضلال في عصرنا هو الانطلاق من فكرة العلمانية بمعنى اللادينية وإقامة ذلك على فكرة الموضوعية بمعنى البحث العقلي المجرد فنذكر نصًا في ذلك، ولأن بعض أنواع من الضلال ينتشر بسبب تبني من له السلطان فسنذكر نصًا يحدد موقف أهل الهدى من ذلك، وللتفريق بين ما هو فتنة قائمة على اجتهاد خاطئ وبين ما هو اجتهاد ضال فسنذكر نصين. وهذه هي النصوص: 434 - * روى الطبراني، عن عوف بن مالك، عن النبي صلى الله عليه سلم قال: "تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة. أعظمها فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم فيحلون الحرام ويخرمون الحلال".

_ 434 - المعجم الكبير (18/ 50). أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 179). وقال: ورجاله رجال الصحيح.

الشريف، ولكن قد تمر على الأمة الإسلامية موجات عاتية بسببٍ من هؤلاء، وأعتى موجتين هما: الموجة التي أنهاها الغزالي في كتابه: تهافت الفلاسفة، والموجة التي شاهدها عصرنا في القرن الثالث عشر والرابع عشر الهجريين، إذ ظهرت في هذه الموجة أفكار التقدمية والرجعية واليمين واليسار والعلمانية والعقلانية والموضوعية والعاطفية، والتفريق بين الدين والدولة، ومحاولة إظهار العلم والعقل كمتعارضين مع الدين، وتأثرت الأمة الإسلامية بهذه الأفكار كثيرًا ولكن أخذت هذه الأفكار تنحسر شيئًا فشيئًا، وها نحن نشهد في بداية القرن الخامس عشر الهجري بداية النهاية لهذه الأفكار. وليس المراد من هذا الحديث ما يفهمه منه بعض الجهلة من نفي القياس الشرعي المتعارف عليه في أصول الفقه، فذلك من الدين، وهو مما تبنى عليه الأحكام الشرعية. 435 - * روى الطبراني عن ابن مسعودٍ قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا ابن مسعود" فقلت: لبيك يا رسول الله. قالها ثلاثًا. قال: "تدري أي الناس أفضل؟ " قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "فإن أفضل الناس أفضلهم عملاً إذا فقهوا في دينهم". ثم قال: "يا ابن مسعود". قلت: لبيك يا رسول الله. قال: "تدري أي الناس أعلم؟ " قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "إن أعلم الناس أبصرهم بالحق إذا اختلف الناس، وإن كان مقصرًا في العمل وإن كان يزحف على استه زحفًا. واختلف من كان قبلي على ثنتين وسبعين فرقة نجا منها ثلاثة وهلك سائرهن، فرقة وازت الملوك وقاتلوهم على دينهم ودين عيسى بن مريم، وأخذوهم [أي: أخذ الملوك هؤلاء] وقتلوهم وقطعوهم بالمناشير. وفرقة لم يكن لهم طاقة بموازاة الملوك ولا بأن يقيموا بين ظهرانيهم فيدعوهم إلى الله ودين عيسى بن مريم فساحوا في البلاد وترهبوا" قال: "وهم الذين قال الله عز وجل {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ} " الآية. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من آمن بي

_ 435 - أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 360). وقال: رواه الطبراني بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح غير بكير بن معروف وثقة أحمد وفيه ضعف. ا. هـ. وأخرج نحوه ابن أبي حاتم وابن جرير. قال ابن حجر: بكير بن معروف صدوق فيه لين. ا. هـ.

وصدقني واتبعني فقد رعاها حق رعايتها، ومن لم يتبعني فأولئك هم الهالكون". وفي رواية "فرقة أقامت في الملوك والجبابرة فدعت إلى دين عيسى فأخذت وقتلت بالمناشير، وحرقت بالنيران فصبرت حتى لحقت بالله". والباقي بنحوه. الملاحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر ثلاث فرق تنجو، ثم فصل فلم يذكر إلا فرقتين، فرقة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر للملوك والجبابرة، وفرقة الرهبان. والظاهر أن الفرقة الثالثة هم الذين تمسكوا بالحق ولم يكن لهم طاقة على هذا وهذا، وهم المغيرون للمنكر بقلوبهم. وبالنسبة لأمتنا جعل الناس على ثلاثة أنحاء كلهم ناجوح؛ المغيرون للمنكر بأيديهم إن استطاعوا، والمغيرون بألسنتهم إن لم يستطيعوا إلا ذلك، والمغيرون بقلوبهم إن لم يستطيعوا إلا ذلك. 436 - * روى الطبراني في الأوسط عن أنس بن مالكٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "القدرية والمرجئة مجوس هذه الأمة، فإن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم". المراد بالجلوس في الحديث عباد النار من الفرس ومن تابعهم، وهؤلاء يقولون بوجود إله النور وإله الظلمة فيثبتون فاعلين، والقدرية يثبتون فاعلاً مع الله ولذلك شابهوهم، والمجوس يعطون للشيطان نوع طاعة، والمرجئة يطعيون الشيطان بترك التكليف فشابهوهم. 437 - * روى الترمذي عن ابن عباس وجابر بن عبد الله قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب أهل الإرجاء وأهل القدر".

_ 436 - الهيثمي (7/ 205) وقال: رواه في الأوسط ورجاله رجال الصحيح غير هارون بن موسى القروي، وهو ثقة. ا. هـ ورواه عن ابن عمر دون ذكر المرجئة أبو داود (4/ 222) كتاب السنة، باب في القدر. المستدرك (1/ 85). وهو حسن. 437 - الترمذي (4/ 454) 23 - كتاب القدر، 13 - باب من جاء في القدرية. ابن ماجه (1/ 28) المقدمة، 6 - باب في الإيمان.

438 - * روى الترمذي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صنفان من هذه الأمة ليس لهما في الإسلام نصيب المرجئة والقدرية". 439 - * روى الطبراني عن ابن عباس قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وعنده علي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا علي سيكون في أمتي قوم ينتحلون حب أهل البيت لهم نبز يسمون الرافضة قاتلوهم فإنهم مشركون". 440 - * روى الحاكم عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال له ولابنه علي: انطلقا إلى أبي سعيد فاسمعا منه حديثه في شأن الخوارج. فانطلقا فإذا هو في حائط له يصلح، فلما رآنا أخذ رداءه ثم احتبى، ثم أنشأ يحدثنا عن علا ذكره في المسجد، فقال: كنا نحمل لبنة لبنة، وعمار يحمل لبنتين لبنتين، فرآه النبي صلى الله عليه وآله سلم، فجعل ينفض التراب عن رأسه، ويقول: "يا عمار ألا تحمل لبنة لبنة كما يحمل أصحابك". قال: إني أريد الأجر عند الله. قال: فجعل ينفض ويقول: "ويح عمارٍ تقتله الفئة الباغية". قال: ويقول عمار: أعوذ بالله من الفتن. فلقد قتلت عمارًا فئة معاوية، فدل ذلك على أن فئة معاوية كانت باغية على علي رضي الله عنه، وكان عمار مع علي، فدل ذلك على أن عليًا هو أهل الحق والصواب، ومع هذا فإننا نحكم لمعاوية وجنده ولعائشة ومن معها على أنهم من أهل السنة والجماعة، فههنا اجتهاد

_ 438 - الترمذي (4/ 454) 33 - كتاب القدر، 12 - باب ما جاء في القدرية. ابن ماجه (1/ 24) المقدمة، 9 - باب في الإيمان. وقال الترمذي: غريب حسن صحيح. وضعفه والذي قبله بعض العلماء. 439 - المعجم الكبير (12/ 242). أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 22) وقال: إسناده حسن. تبز: التبز اللقب. 440 - المستدرك (2/ 149). وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه بهذه السياقة، وأخرج نحوه البخاري في الجهاد 6/ 20. (في حائط له): أي في بستان. (يحدثنا حتى علا ذكره في المسجد): يظهر أن (في) ههنا بمعنى: (عن) لأن الحديث كان في البستان، وكأن المراد أنه حدثهما عن بناء المسجد النبوي وما كان يفعله عمار وماذا قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم.

خاطئ لا يجعل أهله من الفرق الضالة، ومن ههنا نقول: إنه إذا وجد الاعتقاد الصحيح فقد وجد أهل السنة والجماعة، وإن حدث اجتهاد خاطئ ترتب عليه عمل خاطئ بل حتى لو وجدت معاصٍ لا تكفر ولا تضلل. سنرى في فقرة لاحقة من هم الخوارج وأنهم فرقة ضالة، والملاحظ أن ابن عباس أرسل عكرمة وابنه للسؤال عن الخوارج فكان حديث أبي سعيد عن عمار وقتله من قبل الفئة الباغية، وقد قتلته فئة معاوية، والبغاة هم الخارجون على الإمام الحق بغير الحق وهم نوعان: خارجون كأثر عن اعتقاد خاطئ، وخارجون عن اجتهاد خاطئ، فالأولون هم الخوارج والآخرون بغاة، وقد يكونون آثمين، وقد يكونون مأجورين على حسب نوع اجتهادهم ومبررات خروجهم. 441 - * روى مسلم عن يحيى بن يعمر؛ قال: كان أول من قال في القدر بالبصرة لقد لقينا أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر. فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلاً المسجد. فاكتنفته أنا وصاحبي. أحدنا عن يمينه

_ 441 - مسلم (1/ 26) -كتاب الإيمان 1 - باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان ... إلخ. قال النووي: (أول من قال بالقدر): معناه أل من قال بنفي القدر فابتدع وخالف الصواب الذي عليه أهل الحق. ويقال القدر والقدر، لغتان مشهورتان. واعلم أن مذهب أهل الحق إثبات القدر. ومعناه أن الله تبارك وتعالى قدر الأشياء في القدم، وعلم سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده سبحانه وتعالى وعلى صفات مخصوصة. فهي تقع على حسب ما قدرها سبحانه وتعالى. (فوفق لنا): معناه جعل وفقا لنا. وهو من الموافقة التي هي كالالتحام. يقال أتانا ليتفاق الهلال وميفاقه، أي حين أهل، لا قبله ولا بعده. وهي لفظة تدل على صدق الاجتماع والالتئام. (فاكتنفته أنا وصاحبي): يعني صرنا في ناحيتيه. وكنفا الطائر: جناحاه. (ويتقفزون العلم): ومعناه يطلبونه ويتتبعونه. وقيل معناه يجمعونه. (وذكر من شأنهم): هذا الكلام من كلام بعض الرواة الذين دون يحيى بن يعمر. يعني وذكر ابن يعمر من حال هؤلاء، ووصفهم بالفضيلة في العلم والاجتهاد في تحصيله والاعتناء به. (وإن الأمر آنف): أي مستأنف، لم يستبق به قدر ولا علم من الله تعالى. وإنما يعلمه بعد وقوعه. ا. هـ النووي.

تعليق

والآخر عن شماله. فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي. فقلت: أبا عبد الرحمن! إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم (وذكر من شأنهم) وأنهم يزعمون أن لا قدر. وأن الأمر أنف. قال: فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم برآء مني. والذي يحلف به عبد الله بن عمر! لو أن لأحدهم مثل أحدٍ ذهبا فأنفقه، ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر. تعليق: تطلق كلمة القدرية على نفاة القدر، والقدرية قدريتان: فالأولى: هي ما ذكرته هذه الرواية، فهؤلاء ينفون القدر جملة وتفصيلاً، والظاهر أنهم اندثروا بعد ملاحقة حكام المسلمين لأئمتهم. وأما القدرية الثانية: فيطلقها أهل السنة والجماعة على المعتزلة القائلين بإثبات القوة المودعة، والقائلين بأن الإنسان يخلق أفعال نفسه مما يلزم من قولهم أن ما يجرى في هذا العالم: أسبابًا ومسبباتٍ لا دخل مباشرة للإرادة الإلهية أو القدرة الإلهية فيها، وذلك نوع نفي للقدر. فالقدر هو الإيمان بأن كل شيء بعلم الله وإرادته وقدرته، وأن ما حدث وما يحدث مسجل في اللوح المحفوظ. وسنرى تفصيلات ذلك في الباب الثاني من هذا القسم. * * *

الفقرة الثالثة في أشهر الفرق التي نشأت في بيئات إسلامية وليست من أهل السنة والجماعة

الفقرة الثالثة في أشهر الفرق التي نشأت في بيئات إسلامية وليست من أهل السنة والجماعة لقد رأينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أن هناك ثنتين وسبعين فرقة من فرق الضلال ستظهر في أمته وهناك فرقة واحدة هي الفرقة الناجية وهي ما يطلق عليه اسم: أهل السنة والجماعة. وقد ظهر في تاريخ المسلمين فرق كثيرة لم يحكم عليها أهل السنة والجماعة بالكفر، وهناك فرق أجمع على كفرها أهل السنة والجماعة، وهناك أناس أصولهم إسلامية تابعوا مدعي نبوة كذبة وقد أخبر عليه الصلاة والسلام عن ظهور من سيدعي النبوة في أمته، وهناك ناس تابعوا مدعي ألوهية فكل الفرق الكافرة هذه تدخل في الثنتين والسبعين فرقة، أو أن المراد بالاثنتين والسبعين فرقة فرق لا زال لها من الإسلام نصيب على ضلال بقرب أو ببعد عن الحق، وبعض الفرق الرئيسية التي أجمع أهل السنة والجماعة على ضلالها افترقت على فرق كثيرة كالخوارج والمعتزلة، فهل تعتبر كل شعبة من هذه الفرق فرقة برأسها، أو أن الجميع يعتبرون فرقة واحدة. لهذه النقاط تجد كتاب الفرق القدماء يوصلون الفرق التي ظهرت حتى عصرهم إلى حوالي السبعين، على أنه قد ظهرت فرق أخرى بعد ذلك، ولو أردنا تتبع من ادعى الألوهية أو ادعى النبوة وأسماء أئمة الضلالة وبماذا ضلوا لوجدنا الكثير، ولطال بنا المقام، ولخرج البحث عن الحدود التي يحتملها هذا الكتاب، ومن أراد التتبع فالكتب المؤلفة قديمًا وحديثًا في هذا الشأن كثيرة، وذكر بعض الأسماء من نافلة القول كمن ادعى النبوة في الصدر الأول كمسيلمة الكذاب وسجاح والأسود العنسي. وتعداد الفرق التي توالت عن أصل واحد محل الكتب المطولة، وبعض الفرق قد اندثرت وبعضها لازال موجودًا، ونحن ههنا ذاكرون ما يعتبر نموذجًا أو ما يمكن أن تتسلل أفكاره الضالة من جديد أو ما يقتضيه تحصين المسلم من ضلال قديم أو جديد يأخذ طابعًا دينيًا، أما ما يعطل الأديان أصلاً أو يلغيها كالشيوعية أو العلمانية فأمره معروف ولن نتعرض له.

ومن تتبع أصول الضلال أو الكفر وجدها إما في ادعاء ألوهية أو نبوة، أو في متابعة أهل الأديان الكافرة على تلق من نحلهم، أو في غلو آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو تأويل غير عليم، أو في تشبيه الله عز وجل بخلقه، أو في غلو في اعتقاد أو عمل يبعد عن مذاهب أهل السنة والجماعة في الاعتقاد أو في الفقه أو في السلوك، والذي يعرض للفرق مضطر أحيانًا لأن يعرضها من خلال أفكارها أو من خلال أسماء بعض أئمة الضلال، وأحيانًا يتكرر العرض بمناسبة ذكر إمام ضلالة، ثم بمناسبة عرضٍ لأفكار فرقةٍ أخذت بعضًا أو كلا منه، نقول هذا اعتذارًا بين يدي ما سنعرضه عن أهم الفرق التي نشأت في بيئات إسلامية. وهناك ملاحظة أننا قد نذكر بمناسبة تولد فرقة ضلالة عن فرقة هدى اسم الفرقتين، فليلاحظ ذلك، كحديثنا عن زيد بن علي وأتباعه مع أنه مع أئمة الهدى، فإنه قد تفرعت بعض الفرق الغالية عن شيعته. والفرقة التي لا زال لها وجود واسع من فرق الخوارج هي الإباضية ومؤسس مذهبهم عبد الله ابن إباض التميمي المتوفى عام 80 هـ. "من آرائهم أنهم لا يرون مخالفيهم من المسلمين مشركين وإنما كفار نعمة، ويحرمون دماء مخالفيهم في السر [أي من خالفهم في السر يسكتون عنه] لا في العلانية، ودارهم [دار مخالفيهم] دار توحيد إلام معسكر السلطان ولا يحل من غنائم مخالفيهم إلا الخيل والسلاح وكل ما فيه قوة في الحروب، وتجوز شهادة المخالفين ومناكحتهم والتوارث معهم، وما تزال هذه الفرقة قائمة في بلاد طرابلس الغرب، وفي زنجيار وعمان. وعمدة كتبهم في الفقه: "شرح النيل وشفاء الغليل" للشيخ محمد بن يوسف بن أطفيش، في عشرة مجلدات، المطبعة السلفية بمصر 1343 هـ. ومصادر فقههم: القرآن والسنة والإجماع والقياس، إلا أن المراد بالإجماع عندهم هو إجماع طائفتهم، ومن مخالفاتهم [لأهل السنة والجماعة]: إنكارهم حد الرجم للزاني المحصن وقولهم بجواز الوصية للوارث، وقولهم بجواز الجمع بين المرأة وعمتها لعدم ذكره في القرآن، وبأن المحرم من الرضاع هو الأم والأخت فقط. ويقولون بتخليد العصاة في النار: لأن الإيمان عندهم قول وعمل، وهم الآن يرفضون تسميتهم بالخوارج" من كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي. 1 -

1 - فرق الخوارج

1 - فرق الخوارج قال عبد القاهر البغدادي في كتابه: (الفَرْقُ بين الفِرَق): وأما الخوارج فإنها لما اختلفت صارت عشرين فرقة، وهذه أسماؤها: المحكمة الأولى، والأزارقة، ثم النجدات، ثم الصفرية؛ ثم العجاردة. وقد افترقت العجاردة فيما بينها فرقا كثيرة، منها الخازمية، والشعبية، والمعلومية، والمجهولية، والمعبدية، والرشيدية، والمكرمية، والحمزية، والإبراهيمية، والواقفة. وافترقت الإباضية منها فرقًا: حفصية، وحارثية، ويزيدية، وأصحاب طاعة لا يراد الله بها. واليزيدية منهم: أتباع يزيد بن أبي أنيسة، ليست من فرق الإسلام لقولها بأن شريعة الإسلام تنسخ في آخر الزمان بني يبعث من العجم. وكذلك في جملة العجاردة فرقة يقال لها "الميمونية" ليست من فرق الإسلام، لأنها أباحت نكاح بنات البنات وبنات البنين كما أباحته المجوس .. وقد اختلفوا فيما يجمع الخوارج على افتراق مذاهبها، فذكر الكعبي في مقالاته أن الذي يجمع الخوارج -على افتراق مذاهبها- إكفار علي، وعثمان، والحكمين، وأصحاب الجمل، وكل من رضي بتحكيم الحكمين، والإكفار بارتكاب الذنوب، ووجوب الخروج على الإمام الجائر. وقال شيخنا أبو الحسن: الذي يجمعها إكفار علي، وعثمان، وأصحاب الجمل، والحكمين، ومن رضي بالتحكيم وصوب الحكمين أو أحدهما، والخروج على السلطان الجائر، ولم يرض ما حكاه الكعبي من إجماعهم على تكفير مرتكبي الذنوب، والصواب ما حكاه شيخنا أبو السحن عنهم، وقد أخطأ الكعبي في دعواه إجماع الخوارج على تكفير مرتكبي الذنوب منهم. وذلك أن النجدات من الخوارج لا يكفرون أصحاب الحدود من موافقيهم. وقد قال قوم من الخوارج: إن التكفير إنما يكون بالذنوب التي ليس فيها وعيد

مخصوص، فأما الذي فيه حد أو وعيد في القرآن فلا يزاد صاحبه على الاسم الذي ورد فيه، مثل تسميته زانيًا، وسارقًا، ونحو ذلك. وقد قالت النجدات: إن صاحب الكبيرة من موافقيهم كافر نعمةٍ، وليس فيه كفر دينٍ. وفي هذا بيان خطأ الكعبي في حكايته عن جميع الخوارج تكفير أصحاب الذنوب كلهم منهم ومن غيرهم. وإنما الصواب فيما يجمع الخوارج كلها ما حكاه شيخنا أبو الحسن رحمه الله من تكفيرهم عليا، وعثمان، وأصحاب الجمل، والحكمين، ومن صوبها أو صوب أحدهما، أو رضي بالتحكيم. ا. هـ. * * *

2 - المعتزلة

2 - المعتزلة قال عبد القاهر البغدادي: وأما القدرية المعتزلة عن الحق فقد افترقت عشرين فرقة كل فرقة منها تكفر سائرها، وهذه أسماء فرقها: الواصلية، والعمروية، والهذلية، والنظامية، والمردارية، والمعمرية، والثمامية، والجاحظية، والخابطية، والحمارية، والخياطية، والشحامية، وأصحاب صالح قبة، والمريسية، والكعبية، والجبائية، والبهشيمة المنسوبة إلى أبي هاشم بن الجبائي، فهي ثنتان وعشرون فرقة، ثنتان منها ليستا من فرق الإسلام، وهما: الخابطية، والحمارية ... يجمعها كلها في بدعتها أمور؛ منها: نفيها كلها عن الله عز وجل صفاته الأزلية، وقولها بأنه ليس لله عز وجل علم، ولا قدرة، ولا حياة، ولا سمع، ولا بصر، ولا صفة أزلية، وزادوا على هذا بقولهم: إن الله تعالى لم يكن له في الأزل اسم ولا صفة. ومنها: قولهم باستحالة رؤية الله عز وجل بالأبصار، وزعموا أنه لا يرى نفسه، ولا يراه غيره، واختلفوا فيه: هل هو راءٍ لغيره أم لا؟ فأجازه قوم منهم، وأباه قوم آخرون منهم. ومنها: اتفاقهم على القول مجدوث كلام الله عز وجل، وحدوث أمره ونهيه وخبره، وكلهم يزعمون أن كلام الله عز وجل حادث، وأكثرهم اليوم يسمون كلامه مخلوقًا. ومنها: قولهم جميعًا بأن الله تعالى غير خالقٍ لأكساب الناس ولا لشيء من أعمال الحيوانات، وقد زعموا أن الناس هم الذين يقدرون على أكسابهم، وأنه ليس لله عز وجل في أكسابهم ولا في أعمال سائر الحيوانات صنع وتقدير ولأجل هذا القول سماهم المسلمون قدرية. ومنها: اتفاقهم على دعواهم في الفاسق من أمة الإسلام بالمنزلة بين المنزلتين، وهي أنه فاسق، لا مؤمن ولا كافر، ولأجل هذا سماهم المسلمون "معتزلة" لاعتزالهم قول الأمة بأسرها. ومنها: قولهم إن كل ما لم يأمر الله تعالى به أو نهى عنه من أعمال العباد لم يشأ الله شيئًا منها. ا. هـ. * * *

3 - المرجئة

3 - المرجئة قال عبد القاهر البغدادي: وأما المرجئة فثلاثة أصناف: صنف منهم قالوا بالإرجاء في الإيمان، وبالقدر على مذاهب القدرية، فهم معدودون في القدرية والمرجئة، كأبي شمرٍ المرجئ، ومحمد بن شبيب البصري، والخالدي. وصنف منهم قالوا بالإرجاء في الإيمان، ومالوا إلى قول جهم في الأعمال والأكساب، فهم من جملة الجهمية والمرجئة. وصنف منهم خالصة في الإرجاء من غير قدر، وهم خمس فرق: يونسية، وغسانية، وثوبانية، وتومنية، ومريسية. - وأما النجارية فإنها اليوم بالري [في عصر البغدادي] أكثر من عشر فرق، ومرجعها في الأصل إلى ثلاث فرق: برغوثية، وزعفرانية، ومستدركة. - وأما البكرية والضرارية فكل واحدة منهما فرقة واحدة ليس لها تبع كثير، والجهمية أيضًا فرقة واحدة. - والكرامية بخراسان ثلاث فرق: حقائقية، وطرائقية، وإسحاقية، لكن هذه الفرق الثلاث منها لا يكفر بعضها بعضًا، فعددناها كلها فرقة واحدة. والمرجئة ثلاث أصناف: صنف منهم قالوا بالإرجاء في الإيمان وبالقدر على مذاهب القدرية المعتزلة، كغيلان، وأبي شمر، ومحمد بن شبيب البصري، وهؤلاء داخلون في مضمون الخبر الوارد في لعن القدرية، والمرجئة يستحقون اللعنة من وجهين، وصنف منهم قالوا بالإرجاء بالإيمان، وبالجبر في الأعمال، على مذهب جهم بن صفوان، ثم إذا من جملة الجهمية، والصنف الثالث منهم خارجون عن الجبرية والقدرية، وهم فيما بينهم خمس فرق: اليونسية، والغسانية، والثوبانية، والتومنية، والمريسية، وإنما سموا مرجئة لأنهم أخروا العمل عن الإيمان، الإرجاء بمعنى التأخير، يقال: أرجيته، وأرجأته، إذا أخرته. وروي

عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لعنت المرجئة على لسان سبعين نبيًا" قيل: من المرجئة يا رسول الله؟ قال: "الذين يقولون الإيمان كلام". يعني الذي زعموا أن الإيمان هو الإقرار وحده دون غيره ا. هـ. أقول: هناك مرجئة أرجأت الحكم فيمن اقتتل من الصحابة فهذا إرجاء سني، ولم يتعرض له الشيخ عبد القاهر رحمه الله لأنه لا يدخل في المذموم، والمشهور عن المرجئة المذمومة أنهم يقولون إنه لا يضر مع الإيمان ترك العمل ولا فعل المعصية، بل ذهب بعضهم إلى أن الإيمان قول فقط ولو لم يرافقه تصديق قلبي. فهؤلاء والذين قبلهم كفروا بهذين المذهبين. * * *

4 - بعض الفرق الشاذة من الزيدية

4 - بعض الفرق الشاذة من الزيدية وقد ذكر عبد القاهر البغدادي من فرقهم الغالية: الجارودية والسليمانية أو الجريرية والبترية. قال عبد القاهر: هؤلاء: البترية، والسيلمانية، من الزيدية كلهم يكفرون الجارودية من الزيدية لإقرار الجارودية على تكفير أبي بكر وعمر، والجارودية يكفرون السليمانية والبترية؛ لتركهما تكفير أبي بكر وعمر. وحكى شيخنا أبو الحسن الأشعري في مقالته عن قوم من الزيدية يقال لهم اليعقوبية أتباع رجل اسمه يعقوب أنهم كانوا يتولون أبا بكر عمر، ولكنهم لا يتبرءون ممن تبرأ منهما. إنما قيل لهذه الفرق الثلاث وأتباعها "زيدية" لقولهم بإمامة زيد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب في وقته وإمامة ابنه يحيى بن زيد بعد زيد. وكان زيد بن علي قد بايعه على إمامته خمسة عشر ألف رجلٍ من أهل الكوفة، وخرج بهم على والي العراق وهو يوسف بن عمر الثقفي قالوا له: إنا ننصرك على أعدائك بعد أن تخبرنا برأيك في أبي بكر وعمر اللذين ظلما جدك علي بن أبي طالب، فقال زيد: إني لا أقول فيهما إلا خيرًا، وما سمعت أبي يقول فيهما إلا خيرًا وإنما خرجت على بني أمية الذين قتلوا جدي الحسين، وأغاروا على المدينة يوم الحرة، ثم رموا بيت الله بحجر المنجنيق والنار. ففارقوه عند ذلك حتى قال لهم "رفضتموني" ومن يومئذٍ سموا رافضة، وثبت معه نضر بن خزيمة العنسي، ومعاوية بن إسحاق بن يزيد بن حارثة في مقدار مائتي رجل، وقاتلوا جند يوسف بن عمر الثقفي حتى قتلوا عن آخرهم، وقتل زيد، ثم نبش من قبره وصلب، ثم أحرق بعد ذلك. وهرب ابنه يحيى بن زيد إلى خراسان، وخرج بناحية الجوزجان على نصر بن سيار والي خراسان، فبعث نصر بن سيار إليه سلم بن أحوز المازني في ثلاثة آلاف رجلٍ، فقتلوا يحيى بن زيد، ومشهده بجوزجان معروف. ا. هـ.

5 - فرق الكيسانية

5 - فرق الكيسانية قال عبد القاهر: هؤلاء أتباع المختار بن أبي عبيد الثقفي الذي قام بثأر الحسين بن علي بن أبي طالب، وقتل أكثر الذين قتلوا حسينا بكربلاء، وكان المختار يقال له كيسان. وقيل: إنه أخذ مقالته عن مولى لعلي رضي الله عنه كان اسمه كيسان وافترقت الكيسانية. وافترقت الكسيانية فرقًا يجمعها شيئان: أحدهما: قولهم بإمامة محمد بن الحنفية وإليه كان يدعو المختار بن أبي عبيد. والثاني: قولهم بجزاء البداء على الله عز وجل. ا. هـ. أقول: المراد بالبداء على الله عز وجل: أن الله عز وجل يبدو له الشيء فيكون، وهذا ينقص العلم القديم، وفيه تشبيه الله بخلقه، إذ يظهر لهم الشيء بعد الشيء فيتبعون ما بدا لهم. * * *

6 - فرق النجارية

6 - فرق النجارية قال عبد القاهر: هؤلاء أتباع الحسين بن محمد النجار وقد وافقوا أصحابنا في أصولٍ ووافقوا القدرية في أصولٍ، وانفردوا بأصول لهم. وأما الذي وافقوا فيه القدرية فنفي علم الله تعالى، وقدرته، وحياته، وسائر صفاته الأزلية وإحالة رؤيته بالأبصار، والقول بحدوث كلام الله تعالى. وأكفرتهم القدرية فيما وافقوا فيه أصحابنا، وأكفرهم أصحابنا فيما وافقوا فيه القدرية. وزعم النجار أن الجسم أعراض مجتمعة، وهي الأعراض التي لا ينفك الجسم عنها، كاللون، والطعم والرائحة، وسائر ما لا يخلو الجسم منه ومن ضده، فأما الذي يخلو الجسم منه ومن ضده كالعلم والجهل ونحوهما فليس شيء منها بعضًا للجسم. وزعم أيضًا أن كلام الله تعالى عرض إذا قرئ، وجسم إذا كتب، وأنه لو كتب بالدم صار ذلك الدم المقطع تقطيع حروف الكلام كلامًا لله تعالى بعد أن لم يكن كلامًا حين كان دمًا مسفوحًا؛ فهذه أصول النجارية. وافترقوا بعد هذا فيما بينهم في العبارة عن خلق القرآن وفي حكم أقوال مخالفيهم فرقًا كثيرة كل فرقةٍ منها تكفر سائرها، والمشهورون منها ثلاث فرق، وهي: البرغوثية، والزعفرانية، والمستدركة من الزعفرانية. ا. هـ. * * *

7 - فرق الكرامية

7 - فرق الكرامية قال عبد القاهر: الكرامية بخرسان ثلاثة أصناف: حقائقية، وطرائقية وإسحاقية. وهذه الفرق الثلاث لا يكفر بعضها بعضًا وإن أكفرها سائر الفرق؛ فلهذا عددناها فرقة واحدة. وزعيمها المعروف محمد بن كرام كان مطرودًا من سجستان إلى غرجستان، وضلالات أتباعه اليوم متنوعة أنواعًا لا نعدها أرباعًا ولا أسباعًا: فمنها: أن ابن كرام دعا أتباعه إلى تجسيم معبودة. زعم ابن كرام وأتباعه أن معبودهم محل للحوادث. ومن جهالاتهم في باب النبوة والرسالة قولهم بأن النبوة والرسالة صفتان حالتان في النبي والرسول، سوى الوحي إليه، وسوى معجزاته، وسوى عصمته عن المعصية. وزعموا أن من فعل فيه تلك الصفة وجب على الله تعالى إرساله، وفرقوا بين الرسول والمرسل بأن الرسول من قامت به تلك الصفة، والمرسل هو المأمور بأداء الرسالة. ثم إنهم خاضوا في باب عصمة الأنبياء عليهم السلام، فقالوا: كل ذنبٍ أسقط العدالة أو أوجب حدًا فهم معصومون منه، وغير معصومين مما دون ذلك. ثم إن ابن كرام أبدع في الفقه حماقاتٍ لم يسبق إليها. منها: قوله في صلاة المسافر: إنه يكفيه تكبيرتان، من غير ركوع ولا سجود ولا قيام ولا قعود ولا تشهد ولا سلام. ا. هـ. * * *

8 - الإمامية

8 - الإمامية قال عبد القاهر: هؤلاء الإمامية المخالفة للزيدية والكيسانية والغلاة: خمس عشرة فرقة: الكاملية، والمحمدية، والباقرية، والناووسية، والشميطية، والعمارية، والإسماعيلية، والمباركية، والموسومية، والقطعية، والاثنا عشرية، والهشامية، والزرارية، واليونسية، والشيطانية. اهـ. أقول: وقد غلب اسم الإمامية في النهاية على الاثنا عشرية، وأكثر شيعة العالم في عصرنا منهم، وهم يعتقدون أن الإمام الثاني عشر قد دخل في سرداب في سامراء وهم ينتظرون خروجه ليملأ العالم عدلاً وقسطًا بعد أن ملئ ظلمًا وجورًا، ويسميهم عبد القاهر: القطعية. يقول عنهم: هؤلاء ساقوا الإمامة من جعفر الصادق إلى ابنه موسى، وقطعوا بموت موسى، وزعموا أن الإمام بعده سبط محمد بن الحسن الذي هو سبط علي بن موسى الرضا. ويقال لهم "الاثنا عشرية" أيضًا؛ لدعواهم أن الإمام المنتظر هو الثاني عشر من نسبه إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، واختلفوا في سن هذا الثاني عشر عند موته، فمنهم من قال: كان ابن أربع سنين، ومنهم من قال: كان ابن ثماني سنين، واختلفوا في حكمه في ذلك الوقت؛ فمنهم من زعم أنه في ذلك الوقت كان إمامًا عالمًا بجميع ما يجب أن يعلمه الإمام، وكان مفروض الطاعة على الناس، ومنهم من قال: كان في ذلك الوقت إمامًا على معنى أن الإمام لا يكون غيره، وكانت الأحكام يومئذ إلى العلماء من أهل مذهبه إلى أوان بلوغه، فلما بلغ تحققت إمامته، ووجبت طاعته، وهو الآن الإمام الواجب طاعته وإن كان غائبًا. اهـ. ومن مبادئهم الرئيسية ما ذكره الشيخ حسن أيوب في: رسالة عن (رسل الله وكتبه واليوم الآخر) قال:

مبادئ الشيعة: 1 - إن الإمامة ليست من المصالح العامة التي تفوض إلى نظر الأمة. بل هي ركن الدين وقاعدة الإسلام، ولا يجوز لنبي إغفالها؛ بل يجب عليه تعيين الإمام لهم ويكون معصومًا من الكبائر والصغائر. 2 - عين رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًا للخلافة بنصوص ينقلونها ويؤولونها، لا يعرفها نقلة الشريعة وأهل الحديث. ومن هنا نشأت فكرة الوصية ولقب علي بالوصي، فهو إمام بالنص لا بالانتخاب، وقد أوصى علي لمن بعده وهكذا كل إمام وصي من قبله. 3 - عليٌّ أفضل الخلق في الدنيا والآخرة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن عاداه أو حاربه فهو عدو الله إلا إن ثبتت توبته ومات على حبه. اهـ. ومن عقائدهم القول بعصمة الأئمة والتقية. أقول: وقد نبش المحدثون كبتهم المعتمدة لديهم فوجدوا فيها مكفرات كثيرة مما دعاهم إلى أن يقولوا: من علم هذه المكفرات واعتقدها منهم فهو كافر، ومن كان على مذهبهم ولم يعلمها ولم يعتقدها وإنما ألحقه بهم حب آل البيت فأمره إلى الله. * * *

9 - فرق الباطنية

9 - فرق الباطنية قال عبد القاهر: اعلموا -أسعدكم الله- أن ضرر الباطنية على فرق المسلمين أعظم من ضرر اليهود والنصارى والمجوس عليهم، بل أعظم من مضرة الدهرية وسائر أصناف الكفرة عليهم، بل أعظم من ضرر الدجال الذي يظهر في آخر الزمان؛ لأن الذين ضلوا عن الدين بدعوة الباطنية من وقت ظهور دعوتهم إلى يومنا أكثر من الذين يضلون بالدجال في وقت ظهوره؛ لأن فتنة الدجال لا تزيد مدتها على أربعين يومًا، وفضائح الباطنية أكثر من عدد الرمل والقطر. ا. هـ. والأصل الأصيل عند جميع فرق الباطنية قولهم إن للقرآن باطنًا يخالف الظاهر وينقضه، ومن أشهر فرقهم التي لا زال لها في عصرنا وجود: 1 - النصيرية. 2 - الإسماعيلية. 3 - الدروز. من عقائد النصيرية: ذكر الدكتور عبد الرحمن بدوي في كتابه (مذاهب الإسلاميين) عقائد النصيرية، وهي: 1 - علي بن أبي طالب إله، أو حلت فيه الألوهية، وهي يسكن السحاب، والرعد صوته والبرق ضحكه، وهم لهذا يعظمون السحاب، وهو أساس الدور السابع، ويوصف بأنه "المعنى" غير أننا نعرف أن النصيرية ينقسمون إلى قسمين: الشمالية، وهم الذين يسكنون السواحل في لواء اللاذقية. والكلازية، وهم الذين يسكنون الجبال. والشمالية يقولون إن عليًا حال في القمر. والكلازية يذهبون إلى أنه حال في الشمس. 2 - سلمان الفارسي هو رسول علي. وكلمة السر عندهم ثلاثة أحرف وهي: ع (=

علي). م (= محمد). س (= سلمان الفارسي). 3 - وهم يخفون مقالتهم، ومن أذاعها فقد أخطأ عندهم. ويرون أنهم على الحق. وأن مقالتهم مقالة أهل التحقيق. ومن أنكر ذلك فقد أخطأ. 4 - "ولهم (اعتقاد) في تعظيم الخمر. ويرون أنها من النور ولزمهم من ذلك أن عظموا شجرة العنب التي هي أصل الخمر حتى استعظموا قلعها". 5 - ويحبون ابن ملجم. قاتل علي رضي الله عنه. ويقولون إنه خلص اللاهوت من الناسوت ويخطئون من يلعنه. 6 - وقسمهم يبين عن معتقداتهم: وقد أورد نصه ابن فضل الله العمري في "التعريف بالمصطلح الشريف" ونقله عنه القلقشندي في "صبح الأعشى" (جـ 13 ص 250 - 251) وهذا نصه: "إنني وحق العلي الأعلى، وما أعتقده في المظهر الأسني. وحق النور وما نشأ منه. والسحاب وساكنه وإلا برئت من مولاي "علي" العلي العظيم. وولائي له. ومظاهر الحق. وكشفت حجاب سلمان بغير إذن، وبرئت من دعوة الحجة "نصير" وخضت مع الخائضين في لعنة ابن ملجم، وكفرت بالخطاب، وأذعت السر المصون، وأنكرت دعوى أهل التحقيق. وإلا قلعت أصل شجرة العنب من الأرض بيدي حتى أجتث أصولها وأمنع سبيلها. وكنت مع قابيل على هابيل، ومع النمرود على إبراهيم. وهكذا مع كل فرعون قام على صاحبه. إلى أن ألقى العلي العظيم وهو علي ساخط وأبرأ من قول قنبر وأقول إنه بالنار ما تطهر". وهذا القسم إذا حللناه وجدنا: أأن علي بن أبي طالب يلقب بلقب "العلي العظيم. وهما من أسماء الله. وإن كان لا يتحدث عن "عبادة" بل عن "ولاء" لعلي. وعلى هذا تكون العلاقة هي علاقة المولى بمن يتولاه. أو بالعبد. ب أن سلمان الفارسي هو صاحب الحجاب. أي الباب الذي يفضي إلى العلم والحكمة وأسرار الباطن وباطن الأسرار.

ج- أن الخطاب هو الديانة والدعوة والبلاغ. د- أن مبادئ النصيرية سر مصون لا يجوز إذاعته. هـ- أن شجرة العنب مقدسة عندهم بحيث لا يجوز اقتلاعها. لأن من ثمرها تصنع الخمر وهم يعظمون الخمر كما رأينا. و- وقوله: أبرأ من قول "قنبر" يشير إلى ما قاله علي بن أبي طالب: لما رأيت الأمر أمرًا منكرًا ... أججت نساري ودعوت قنبرًا ا. هـ. ومن كلام ابن تيمية في وصف مذهبهم: فمن حقيقة الخطاب عندهم والدين: أن يعلم أن عليًا هو الرب، ومحمد هو الحجاب. وسلمان هو الباب -وذلك على الترتيب. لم يزل ولا يزال. ومن شعر بعض ضلالهم -وكلهم ضلال- المشهور عنه قوله الملعون: أشهد أن لا إله إلا ... علي الأنزع البطين ولا حجاب عليه إلا ... محمد الصادق الأمين ولا طريق إليه إلا ... سلمان ذو القوة المتين ا. هـ. من عقائد الدروز: 1 - قولهم: بألوهية الحاكم بأمر الله الفاطمي. 2 - قولهم: بالتناسخ والتقمص والحلول، وهذه العقيدة تسللت إلى بعض الفرق الباطنية عن الديانة البرهمية. من عقائد الإسماعلية: والإسماعيليون على أنواع، ومن أشد فرقهم غلوًا الفرقة القائلة بألوهية الإنسان وبالتناسخ.

وقد عقد الدكتور محمد أحمد الخطيب مقارنة بين عقائد الدروز النصيرية والإسماعيلية في كتابه الحركات الباطنية في العالم الإسلامي ذكر فيها: "من خلال الاستعراض السابق الذي استكملنا فيه دراسة عقائد وأفكار الحركات الباطنية المتواجدة في العالم الإسلامي، يمكننا أن نرى كثيرًا من أوجه الشبه أو الاختلافات بين عقائد هذه الحركات. إلا أنه في الوقت نفسه، يجب أن لا يغيب عن أذهاننا أن الحركة الإسماعيلية كانت المغذي الرئيسي لكثير من هذه الحركات، ولن نتعدى الصواب إذا قلنا: إن الأفكار الرئيسية الموجودة في عقائد الإسماعيلية، لا تختلف إلا في بعض التفاصيل عن عقائد الفرق الأخرى. فكافة هذه الفرق اتخذت من الفلسفات الوثنية من إغريقية وإسكندرانية أداة لها في إثبات صحة مزاعمها، وبالتالي في تشكيك الناس بدينهم وعقيدتهم. وينبغي أن نلاحظ أن أتباع كل فرقة من هذه الفرق يعتبرون أنفسهم هم (الموحدون)، أما غيرهم -على حسب زعمهم- فالمسافة شاسعة بينهم وبين التوحيد، لذلك فالدروز يطلقون على مذهبهم (مسلك التوحيد) باعتبار أنهم وحدهم سلكوا هذا المسلك؟! من الأمثلة الواضحة على أن الإسماعيلية كانت الرائدة في فلسفة كافة الفرق، نظرية الفيض الأفلاطونية، فقد كانت الإسماعيلية أول من حاول فرض هذه النظرية على العقائد الإسلامية، لذا أصبحت علما في هذا الاتجاه. وإذا تتبعنا أوجه الاتفاق بين الفرق الباطنية، فإننا نرى أن نظرتهم للألوهية والتوحيد متشابهة رغم بعض الاختلافات في الأسماء والمسميات، وذلك لانبثاقها عن نظرية الفيض، فالإسماعيلية -حسب زعمها- ترى أن الخالق الحقيقي للكون هما (العقل الكلي والنفس الكلية)، وأنها من جملة الحدود في العالم العلوي، وهذان الحدان يقابلهما -على حسب قاعدة المثل والممثول- في العالم السفلي حد النبي وحد الإمام أو الوصي، لذا فإن كل

الألقاب التي تطلق على الله تطلق أيضًا على الوصي والإمام بصفتهما ممثلي العقل الكلي. وهذه القاعدة تقول بها جميع الفرق الإسماعيلية الأخرى على اختلاف أسمائها. ولكن الدروز رغم انشقاقهم عن الإسماعيلية، وأخذهم الكثير من عقائدها، إلا أنهم رفضوا نظرية المثل والممثول التي تقول بها الإسماعيلية، وقرروا أن الحدود العلوية الموجودة في العالم العلوي هي ذاتها الموجودة في العالم السفلي ولا اختلاف بينها. وبما أن الدروز انشقوا عن الإسماعيلية لإظهارهم -الزعم- بألوهية الإمام الإسماعيلي (وهي العقيدة التي حاولت الإسماعيلية إخفاءها خوفًا وتقية)، فقد أعلنوا جوهر هذه العقيدة وهي: أن الله يتخذ على مر العصور والأزمان حجابًا أو صورة ناسوتية يتجلى فيها لخلقه -تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا-، وأن الحجاب الأخير الذي ظهر فيه كان بصورة الحاكم بأمر الله العبيدي، وبذلك أظهروا عقيدة كانت الإسماعيلية تخفيها ولا تعلنها. وفي الوقت نفسه أخذوا عن الإسماعيلية نظرية العقول السبعة وطبقوها على ظهورات الله بالصورة الناسوتية، وزعموا أن عدد هذه الظهورات كانت سبعًا، آخرها الحاكم. أما النصيرية، فتعتبر أن الذات الإلهية متشخصة بالمعنى وهو (علي بن أبي طالب) -تعالى الله عن ذلك-، ولكنها في الوقت نفسه لم تتجاهل نظرية الفيض التي قالت بها الإسماعيلية والدروز، فزعمت أن العقل الكلي هو (الميم) أي محمد صلى الله عليه وسلم، وأن النفس الكلية هي (السين) أي سلمان الفارسي، وهو حسب زعمهم الذي خلق السموات والأرض والأيتام الخمسة كذلك. وجميع الصفات الإلهية التي وصف الله بها نفسه في القرآن الكريم لا تعترف بها كافة الفرق الباطنية، فهم ينفون نفيًا مطلقًا هذه الصفات، إيجابية كانت أم سلبية، لأنه تعالى -على حسب زعمهم- فوق متناول العقل، والعقل عاجز عن إدراك كنهه، فإثبات هذه الصفات، حسب زعمهم- يعني عدم التوحيد. ولذلك فهم يزعمون أن هذه الصفات تليق فقط بحدوده وخاصة العقل والنفس، باعتبارهما من فيضه ومبدعاته. وثمة وجه آخر من أوجه الشبه بين هذه الفرق، وهي عقيدة التناسخ، ورغم أن

الإسماعيلية لا تجاهر أو تصارح بالقول بها، إلا أن المتتبع لآراء الإسماعيلية يجزم أنها تؤمن بها شأنها شأن الفرق الأخرى، ولكن هناك بعض الاختلافات بين هذه الفرق، فالإسماعيلية والتنصيرية تؤمنان بوجود عالم روحاني تسكنه الملائكة، وعالم سفلي هو عالم الكون والفساد. وهم إضافة إلى ذلك يعتقدون بأن الأجساد مصدر الشقاء والآلام، وأن المؤمن حين موته تذهب نفسه إلى العالم العلوي، وأما الكافر فينقلب في الأجساد البشرية وغير البشرية عقاباً له على ما قدم، وعلى هذا فالإسماعيلية والنصيرية تؤمنان بالمسخ، أي أن تأتي نفس الكافر عقاباً لها - على حسب زعمهم - بقمصان رديئة كالحيوانات، أو أن تأتي بصورة جامدة من معدن أو حجر فتذوق بذلك عذاب جهنم؟! وهذا الاعتقاد بالنسخ والمسخ، يخالف اعتقاد الدروز، الذين ينحصر التناسخ عندهم في الصور البشرية فقط، ولا يكون في البهائم أو الجمادات، ولذلك فقد عبروا عن التناسخ بكلمة التقمص، لأن في انتقال النفس إلى جسم حيوان ظلم لها، فالثواب والعقاب بني - حسب زعمهم - على قاعدة العدل الإلهي في محاسبة الأرواح بعد مرورها في القمصان البشرية. وهناك عقيدة أخرى لا يختلفون فيها أبداً، وهي عقيدة التقية، فالتستر والكتمان عند جميع هذه الفرق فرض لا يجوز التهاون فيه، لأن البوح بأسرار اعتقاداتها إلى غير أهلها تدنيس لها، لذا فقد طالبت الإسماعيلية والدرزية والنصيرية أتباعها بالاستتار وعدم التظاهر بما يبطنون، وهكذا فقد أصبحت هذه العقيدة عادة مستحكمة عند جميع أتباع هذه الفرق، لأنها تعني التظاهر بشيء آخر، وبالتالي فقد جعلت هذه العقيدة من أتباعها بؤرة للنفاق والخداع يتصفون به جميعهم، وهذا واضح في تاريخهم. ويمكن أن يضاف إلى عقيدة التقية أمر آخر مرتبط بها، وهو أن جميع هذه الحركات تطلب من المستجيبين لها عهوداً وأيماناً غليظة يجب أن يؤديها حتى يوثق به، ومع ذلك فإنهم لا يسلمونه كل الأسرار دفعة واحدة، بل على التدرج وكما هو واضح عند الدروز والنصيرية. وهناك أيضاً عقائد بين الدروز والنصيرية أهمها:

"قضية العاقل والجاهل، فالعقال يسترون دينهم عن الجهال منهم، وإذا أراد أحد الجهال أن يدخل في أمور دينهم، فلا يسلمون الديانة له إلا بالتدريج بعد أن يتتلمذ على أحد المشايخ دينهم ويتخذه والدا دينيا، ويتفقون معهم أيضاً بقدمية العالم، وأن العالم قد خلق على ما هو عليه الآن، وأن عدد البشر كان كما هو الآن لا يزيد ولا ينقص". وهم ينفقون كذلك بالإضافة إلى الإسماعيلية في تأويل آيات القرآن حسب معتقداتهم، وأن له ظاهراً وباطناً حتى يثبتوا صحة معتقداتهم المناقضة للقرآن الكريم. ونستنتج مما سبق، أن نقطة الخلاف والالتقاء الرئيسية بين الإسماعيلية والدروز والنصيرية هي عقيدة الألوهية، فجميعهم يقرون بإمكانية تجسد الألوهية في صورة إنسان، ولكن الإسماعيلية تراها في الأئمة الإسماعيليين جميعاً، بينما الدروز والنصيرية جعلتا لتجسد الألوهية ظهوراً أخيراً، فكان عند الدروز بشخص الحاكم، وعند النصيرية بشخص على بن أبي طالب - تعالى الله عن ذلك - أما بقية العقائد فقد يلتقون في سيء منها، ويختلفون في شيء آخر، ولكنهم متفقون في جوهرها. أ. هـ. أقول: إن من درس واقع الثلاث في عصرنا يجد زيادات كثيرة على ما ذكر فيما مضى، فالألوهية عند النصيرية والإسماعيلية لا تزال تتجسد برجال، ولا يزال يظهر عند النصيرية أنبياء، والمرأة عند النصيرية لا دين لها، وقد أسقط أئمة الإسماعيلية في هذا القرن تكاليف الاستتار عن المرأة، وحاول بعض فلاسفة الدروز المحدثون أن يدخلوا الجديد على العقيدة الدرزية، والملاحظ أن أبناء هذه الفرق هم أشد الناس غلواً في فصل الدين عن الدولة، وكثيرون من رجالهم يقومون بأدوار سياسية خطرة على الإسلام والمسلمين. * * *

10 - في بعض فرق المشبهة

10 - في بعض فرق المشبهة قال عبد القاهر في كتابه الفَرق بين الفِرق: [اعلموا - أسعدكم الله - أن المشبهة صنفان: صنف شبهوا ذات الباري بذات غيره، وصنف آخر شبهوا صفاته بصفات غيره، وكل صنف من هذين الصنفين مفترقون على أصناف شتى]. والمشبهة الذين ضلوا في تشبيه ذاته بغيره أصناف مختلفة. وأول ظهور التشبيه صادر عن أصناف من الروافض الغلاة. فمنهم: السيئية الذين سموا عليها إلهاً، وشبهوه بذات الإله. ولما أحرق قوماً منهم قالوا له" الآن علمنا أنك إله: لأن النار لا يعذب بها إلا الله. ومنهم: البيانية أتباع بيان بن سمعان الذي زعم أن معبوده إنسان من نور على صورة الإنسان في أعضائه على صورة حروف الهجاء. ومنهم المنصورية: أتباع أبي منصور العجلي الذي شبه نفسه بربه، وزعم أنه صعد إلى السماء، وزعم أيضاً أن الله مسح يده على رأسه، وقال له: يا بني بلغ عني. ومنهم: الخطابية الذي قالوا بإلهية أبي الخطاب الأسدي. ومنهم: الذين قالوا بإلهية عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر. ومنهم: الحلولية الذين قالوا بحلول الله في أشخاص الأئمة وعبدوا الأئمة لأجل ذلك. ومنهم: الحلولية الحلمانية المنسوبة إلى أبي حلمان الدمشقي الذي زعم أن الإله يحل في كل صورة حسنة، وكان يجسد لكل صورة حسنة. ومنهم: المقنعية المبيضة بما وراء نهر جيحون في دعواهم أن المقنع كان إلهاً، وأنه مصور

في كل زمان بصورة مخصوصة. ومنهم: العذافرة الذين قالوا بإلهية ابن أبي العذافر المقتول ببغداد. وهؤلاء الذين ذكرناهم في هذا الفصل كلهم خارجون عن دين الإسلام وإن انتبوا في الظاهر إليه. وبعد هذا فرق من المشبهة عدهم المتكلمون في فرق الملة لإقرارهم بلزوم أحكام القرآن، وإقرارهم بوجوب أركان شريعة الإسلام من الصلاة والزكاة والصيام والحج عليهم، وإقرارهم بتحريم المحرمات عليهم، وإن ضلوا وكفروا في بعض الأصول العقلية. ومن هذا الصنف هشامية منتسبة إلى هشام بن الحكم الرافضي الذي شبه معبوده بالإنسان، وزعم لأجل ذلك أنه سبعة أشبار بشبر نفسه، وأنه جسم ذو حد ونهاية، وأنه طويل، عريض، عميق، وذو لون، وطعم، ورائحة، وقد روي عنه أن معبوده كسبيكة الفضة، وكاللؤلؤة المستديرة، وروي عنه أنه أشار إلى أن جبل أبي قبيس أعظم منه، وروي عنه أنه زعم أن الشعاع من معبوده متصل بما يراه، ومقالته في هذا التشبيه على التفصيل الذي ذكرناه في تفصيل أقوال الإمامية قبل هذا. ومنهم: الهشامية المنسوبة إلى هشام بن سالم الجواليقي الذي زعم أنه معبوده على صورة الإنسان، وأن نصفه الأعلى مجوف ونصفه الأسفل مصمت، وأن له شعرة سوداء وقلبا تنبع من الحكمة. ومنهم: اليونسية المنسوبة إلى يونس بن عبد الرحمن القمي الذي زعم أن الله تعالى يحمله حملة عرشه، وإن كان هو أقوى منهم، كما أن الكركي تحمله رجلاه، وهو أقوى من رجليه. ومنهم: المشبهه المنسوبة إلى داود الجواربي الذي وصف معبوده بأن له جميع أعضاء الإسنان إلا الفرج واللحية. ومنهم: الإبراهيمية المنسوبة إلى إبراهيم بن أبي يحيي الأسامي وكان من جملة رواة الأخبار

غير أن ضل في التشبيه ونسب إلى الكذب في كثير من رواياته. ومنهم: الخابطية من القدرية، وهو منسوبون إلى أحمد بن خابط وكان من المعتزلة المنتسبة إلى النظام، ثم إنه شبه عيسى بن مريم بربه، وزعم أنه الإله الثاني، وأنه هو الذي يحاسب الخلق في القيامة. ومنهم: الكرامية في دعواها أن الله تعالى جسم له وحد ونهاية وأنه محل الحوادث، وأنه مماس لعرشه، وقد بينا تفصيل مقالاتهم قبل هذا بما فيه كفاية. فهؤلاء مشبهة لله تعالى بخلقه في ذاته. - فأما المشبهة لصفاته بصفات المخلوقين فأصناف: منهم: الذين شبهوا إرادة الله تعالى بإرادة خلقه، وهذا قول المعتزلة البصرية الذين زعموا أن الله عز وجل يريد مراده بإرادة حادثة، وزعموا أن إرادته من جنس إرادتنا، ثم ناقضوا هذه الدعوى بأن قالوا: يجوز حدوث إرادة الله عز وجل لا في محل، ولا يصح حدوث إرادتنا إلا في محل، وهذا ينقض قولهم: إن إرادته من جنس إرادتنا؛ لأن الشيئين إذا كانا متماثلين ومن جنس واحد جاز على كل واحد منهما ما يجوز على الآخر، واستحال من كل واحد منهما ما يستحيل على الآخر. وزادت الكرامية على المعتزلة البصرية في تشبيه إرادة الله تعالى بإرادات عباده، وزعموا أن إرادته من جنس إرادتنا، وأنها حادثة فيه كما تحدث أرادتنا فينا، وزعموا - لأجل ذلك - أن الله تعالى محل للحوادث، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. ومنهم: الذين شبهوا كلام الله عز وجل بكلام خلقه، فزعموا أن كلام الله تعالى أصوات وحروف من جنس الأصوات والحروف المنسوبة إلى العباد، وقالوا بحدوث كلامه، وأحال جمهوربهم - سوى الجبائي - بقاء كلام الله تعالى، وقال النظام منهم: ليس في نظم كلام الله سبحانه إعجاز، كما ليس في نظم كلام العباد إعجاز، وزعم أكثر المعتزلة أن الزنج، والترك، والخزر قادرون على الإتيان بمثل نظم القرآن وبما هو أفصح منه، وإنما عدموا العلم بتأليف نظمه، وذلك العلم مما يصح أن يكون مقدوراً لهم.

وشاركت الكرامية المعتزلة في دعواها حدوث قول الله عز وجل في ذاته، بناء على أصلهم في جواز كون الإله محلا للحوادث. ومنهم: الزراية أتباع زرارة بن أعين الرافضي حدوث جميع صفات الله عز وجل، وأنها من جنس صفاتنا، وزعموا أن الله تعالى لم يكن في الأزل حياً، ولا عالماً، ولا قادراً، ولا مريداً، ولا سميعاً، ولا بصيراً، وإنما استحق هذه الأوصاف حين أحدث لنفسه حياة، وقدرة، وعلماً، وإرادة، وسمعاً، وبصراً، كما أن الواحد منا يصير حياً، قادراً، سميعاً، بصيراً، مريداً عند حدوث الحياة، والقدرة، والإرادة، والعلم، والسمع، والبصر فيه. ومنهم: الذين قالوا من الروافض بأن الله تعالى لا يعلم الشيء حتى يكون. فأوجبوا حدوث علمه كما يجب حدوث علم العالم منا. ا. هـ. * * *

11 - في الجاهلية وهم في الجبرية

11 - في الجاهلية وهم في الجبرية قال عبد القاهر عنهم: أتباع جهم بن صفوان، الذي قال بالإجبار والاضطرار إلى الأعمال، وأنكر الاستطاعات كلها، وزعم أن الجنة والنار تبيدان وتفنيان. وزعم أيضاً أن الإيمان هو المعرفة بالله تعالى فقط، وأن الكفر هو الجهل به فقط، وقال: لا فعل ولا عمل لأحد غير الله تعالى، وإنما تنسب الأعمال إلى المخلوقين على المجاز، كما يقال: زالت الشمس، ودارت الرحى، من غير أن يكونا فاعلين أو مستطيعين لما وصفتا به. وزعم أيضاً أن علم الله تعالى حادث، وامتنع من وصف الله تعالى بأنه شيء أو حي أو عالم أو مريد. وقال: لأ أصفه بوصف يجوز إطلاقه على غيره كشيء، وموجود، وحي، وعالم، ومريد. نحو ذلك. ووصفه بأنه قادر، وموجد، وفاعل، وخالق، ومحيي، ومميت، لأن هذه الأوصاف مختصة به وحده، وقال بحدوث كلام الله تعالى كما قالته القدرية، ولم يسم الله تعالى متكلماً به. وأكفره أصحابنا في جميع ضلاته، وأكفرته القدرية في قول بأن الله تعالى خالق أعمال العباد، فاتفق أصناف الأمة على تكفيره. وكان جهنم - مع ضلالاته التي ذكرناها - يحمل السلاح ويقاتل السلطان، وخرج مع سريج بن الحارث على نصر بن يسار، وقتله سلم بن أحوز المازني في آخر زمان بني مروان ا. هـ. * * *

12 - الحلوليون والإباحيون

12 - الحلوليون والإباحيون الحلوليون هم الذين يقولون بحلول الله عز وجل في الإنسان - تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً - والإباحيون هم الذين يقولون بأنه لا تكليف على الإنسان فكل شيء مباح له، ومنهم من يقول: إن الإنسان يصل إلى حالة يسقط عنه التكليف وتباح له المحرمات. قال عبد القاهر عن الحلولية: الحلولية في الجملة عشر فرق كلها كانت في دولة الإسلام، وغرض جميعها القصد إلى إفساد القول بتوحيد الصانع. وتفصيل فرقها في الأكثر يرجع إلى غلاة الروافض. ا. هـ. وقال عن الإباحيين: فهؤلاء صنفان: صنف منهم كانوا قبل دولة الإسلام كالمزدكية الذين استباحوا المحرمات، وزعموا أن الناس شركاء في الأموال والنساء، ودامت فتنة هؤلاء إلى أن قتلهم أنو شروان في زمانه. والصنف الثاني: الخرمدينية، ظهروا في دولة الإسلام، وهم فريقان بابكية، ومازبارية، وكلتاهما معروفة بالمحمرة. ا. هـ. أقول: وبعض غلاة الصوفية يقولون بسقوط التكليف إذا وصل الإنسان إلى الله، وقد ظهروا في عصر الجنيد وقال عنهم: (وصلوا إلى سقر) ولا زالت لهم بقايا حتى اليوم، وما أعظم فريتهم، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا أعظم العارفين بالله وبقوا محافظين على القيام بحق الله، قال تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} (1) واليقين هنا: الموت. * * *

_ (1) الحجر: 99.

13 - القائلون بوحدة الوجود

13 - القائلون بوحدة الوجود بمعنى أن الكون جزء من الذات الإلهية، وهنا كفر صريح، وقال تعالى {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ} (1) وقد كان بعض شيوخنا يفرق بين هؤلاء وبين آخرين يذكرون كلمة وحدة الوجود ويريدون بها أن هذا الكون قائم بأمر الله غير مستغن عنه، فهؤلاء لا يدخلون في الأولين. أقول: إن على علماء المسلمين أن يصفوا العقائد وأن ينقوها وأن يبتعدوا بأنفسهم عن كل ملتبس، وأن يقدموا العقائد للناس واضحة جلية، وذلك أدب الإسلام في كل شيء، فقد نهينا عن التعمق والتفيهق وقد كان شيخنا رحمه الله لا يترك عبارة أو بيت شعر يمكن أن تلتبس على العامة إلا وعدلها وأصلحها أو فسرها التفسير الصحيح، والمغرمون بالمعميات والألغاز لا يصلحون لإمامة الناس إذا أصبح هذا دأبهم وعادتهم، فالناس يحتاجون إلى البيان الواضح الجلي قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (2). * * *

_ (1) الزخرف: 15. (2) النحل: 44.

14 - البابية

14 - البابية ظهرت في القرن الثالث عشر الهجري، وهي في الحقيقة دين كفري لا صلة له بالإسلام. وقد تحدث عنها فريد وجدي في دائرة معارفه. فقال: "البابية" هي الديانة التي أسسها الباب، والباب هو الميرزا علي محمد الشيرازي المولود حوالي سنة 1824 مؤسس الفرقة المعتزلة في بلاد الفرس وغيرها، بدأ يدعو لمذهبه سنة 1943 وهو ابن تسع عشرة سنة متلقياً بالسيد إشارة إلى أنه من الأسرة النبوية الكريمة. قال المسيو "جوبينو" في كتابه المسمى (الديانات والفلاسفة في آسيا الوسطى) المطبوع بباريس سنة 1866 ما يأتي: "كان الميرزا علي محمد مقصورا على حاله، مشتغلاً بالعبادة بسيطاً للغاية في أخلاقه، حلو الشمائل جذاباً، وكان بحداثة سنة ووسامة وجهه مكسباً هذه المواهب رونقاً فيه. ولقد ان يؤكد الذين عرفوه أنه لم يحرك شفته حتى يحرك أقصى جهة من فؤاده وكان إذا تكلم عن النبي والأئمة تكلم باحترام عظيم يسر أشد المتعلقين الحادة القلقة إذا لم تصادف فيه أقل خشونة في بث آرائه، فكانت أحاديثه تفتح لهم كل هذه الآفاق المتنوعة السرية التي لا نهاية لها المبعثرة هنا وهناك تطير بها التصورات ثملا في تلك البلاد". قصد الميرزا علي محمد الحج ثم زار مسجد الكوفة وبدا له بعد ذلك تأسيس دين جديد يخلف الإسلام في بلاده، وهناك وضع كتابين أحدهما في تفسير سورة يوسف والآخر في وصف رحلته. فذهب في تفسيره مذهباً جديداً في النظر واستنتج من آيات تلك السورة أصولاً لم يستنتجها أحد قبله فطار ذكره بين الناس وإحتاط به الخلق يسمعون منه، فكان يخطب الناس في المساجد ويوجه أشد الملاك والتأنيب إلى قادة الدين، فأحدث كلامه تأثيراً سيئاً فيهم وتألبوا عليه لإحباط مساعيه، فلم ينجحوا لأنه كان يقرعهم بحجة القرآن، فزاد ذلك في شهرته وانضم إليه رجال من أنصاره فأفضى إليه بمذهبه الجديد، فكانوا أشد الناس

نصرة له. وإذ ذاك سمى نفسه بالباب مشيرًا إلى أنه الباب الوحيد الذي يدخل منه الطالب ليصل إلى حضرة الخالق عز وجل، فأطلق عليه أشياعه لقبًا جديدًا وهو (حضرة العلي) فلم يسع رجال الدين إلا رفع أمره إلى حكومة طهران لكفه عن نشر مذهبه بالقوة. وفي هذا الوقت أعلن الباب أنه (النقطة) أي منبثق الحق وروح الله ومظهر قدرته وجلاله، وتنازل عن لقب الباب لأحد أشياعه المدعو حسين بسرويه من أهل خراسان وهو الذي طبع البابية بطابع عملي قلبه إلى حزب سياسي شديد الخطورة. نهض حسين بسرويه هذا لنشر البابية في أرجاء فارس فأوجد لها أشياعًا في أصفهان وكاشان ثم نزل إلى طهران ولكن الحكومة أعلنته بعدم البقاء فيها. وفي الوقت نفسه كان رجلان من البابية يطوفان البلاد لنشر الدعوة أحدهما الحاج محمد علي بلفروسي اختص بمقاطعة مازنداران والأخرى امرأة تدعى (زرين تاج) ثم تلقبت (بقرة العين) وكانت هذه من مدهشات العصر في علمها وحماستها الدينية وفصاحتها المتدفقة وجمالها البارع. فلما طرد حسين بسرويه من طهران قصد خراسان وكانت الدعوة قد أثرت فيها بعض التأثير. وبعد حوادث يطول ذكرها قصد حسين المذكور مازنداران ومعه جم غفير من أنصاره المسلحين حتى انتهوا إلى قرية (بدخت) وهنالك اجتمع جميع قادة البابية على هيئة مؤتمر وكان من الحاضرين الميرزا يحيى الذي سيخلف (حضرة العلي) في رئاسة المذهب، وقرة العين فخطبت هذه خطبة بديعة في ذلك المؤتمر كانت سببًا في تقاطر الناس على هذا المذهب الجديد، فلم يسع حسين بسرويه إلا أن ابتنى له حصنا منيعًا في جبال مازندارات وغاباتها واجتمع حوله خلق كثير ليس فيهم واحد يضن بآخر قطرة من حياته في نصرة الدين الجديد فهال هذا الحال حكومة الفرس فأرسلت بعثة عسكرية فحدث بينها وبين أنصار المذهب الجديد قتال أفضى إلى هزيمتها وفقدها كثيرًا من رجالها فعادت بخفي حنين لم تنل منهم منالا فزاد هذا الأمر الحكومة قلقًا فأرسلت إليهم حملة تحت قيادة البرنس مهدي

كولي ميرزا من بيت الملك في فارس، فلقيت هذه الحملة ما لقيته سابقتها بعد قتال عنيف فعززتها الحكومة بحملة ثالثة فلم تكن أسعد حظا من سابقتيها ولكن أصاب حسين بسرويه جرح مميت في هذه الموقعة مات منه، فلم يثن ذلك من همة البابية بل استمروا يقاتلون بجلد وصبر عظيمين فلم يسع الحكومة إلا إرسال حملة رابعة معها مدافع ومدمرات من كل نوع فقاومها البابيون مقاومة عنيفة مدة أربعة أشهر حتى فني رجالهم ونفدت ذخائرهم، فدخلت جنود الشاه إلى معقلهم فأسروا 214 نفسا من البابيين بين رجال وأطفال ونساء ورغما عن تأمينهم على حياتهم أوغل الجنود فيهم فتكا فبقروا بطونهم وسلوا ألسنتهم ومثلوا بهم أقبح تمثيل. ولكن كل هذا لم يصد تيار البابية بل زاد في حماستهم وجعلهم يقاومون الحكومة في جهات أخرى مقاومات عنيفة. فثارت (زندان) عاصمة مقاطعة كامسيه وكان قائد هذه الحركة مشرع مشهور اسمه محمد علي زنجاني فأرسلت الحكومة إليه جنودًا فدحرها وقاوم كل ما أرسل إليه من القوى الحربية أكبر مقاومة ثم انتهى الأمر بعد جهد جهيد بإطفاء هذه الثائرة. ولكن ذلك كله لم يعطل من حركة البابية بل زادها قوة وزاد أشياعها على المناضلة شدة فلم تدر الحكومة ماذا تصنع فعزمت على قتل زعيم البابية الأكبر (حضرة العلي) رغما عن تظاهره بالسكون وعدم التداخل في حركات عدائية ضد الحكومة، ولكن أنى للحكومة أن تجد مسوغًا لقتله؟ تذرعت الحكومة لنيل غرضها منه باستدعائه وسؤاله عن أمر دينه الجديد وبنت حكمها بإعدامه على خروجه عن مذهب الجماعة فأمرت بقتله فصلبوه هو وتلميذ له على حائط طويل فسمع الناس تلميذه يقول له على مسمع منهم: "ألست ممتنا مني أيها الأستاذ" فلم يكد يتمها حتى صوب إليه جندي من الجنود الموكلين بقتلهما رصاصة فقتله، فانقطع الحبل وسقط الباب على الأرض فنهض مهرولا واندس في فصيلة من الجنود ففتكوا به. قتل (حضرة العلي) فلم يؤثر ذلك بشيء في حركة مذهبه بل زاده أشياعًا وأنصارًا،

وولى القوم خليفة له الميرزا يحيى ولقبوه (حضرة الأزل) فرأى الرئيس الجديد أن يترك عاصمة البلاد هربًا من الاضطهاد ويتجول في الجهات ليثبت أشياعه في الإيمان. ولكن البابيين لم ينسوا ثار رئيسهم الأكبر فأرادوا أن يغتالوا به الملك نفسه. فلما كان سنة 1852 هجم ثلاثة منهم على الشاه بقصد اغتياله فلم يتمكنوا إلا من جرحه فقبض عليهم الجنود وأذاقوهم ألوان العذاب فاحتملوا كل ذلك بصبر خير الألباب، ثم أوغلت الحكومة في القبض على البابية فأمسكت قرة العين وأمرت بإحراقها حية. ثم أمرت الحكومة بتعذيب من قبض عليهم من الرجال والنساء والولدان. وحملت الحماسة بعض رجال البلاط الملوكي على قتل بعض المقبوض عليه بأيديهم بطرق فظيعة يقشعر منها جلد الإنسان. ورأى الناس في سوق طهران منظرًا يفتت الأكباد، ويذيب الأفئدة، رأوا أسرابا من الرجال والنساء والأطفال مقودين بالحبال أجسادهم مجروحة وقد وضع الجلادون في كل جرح فتيلة ملتهبة، وهم كيوم ولدتهم أمهاتهم يتلون جميعًا بصوت مرتفع قوله تعالى: (إنا لله وإنا إليه راجعون) والجنود خلفهم يضربون من يتأخر أو من يقع منهم بالسياط فإذا مات طفل في الطريق ألقوه تحت أرجل أبويه فكانا يمران عليه غير ملتفتين إليه. ثم لاح لأحد الجلادين أن يأتي بطفلين لأحدهم فيذبحهما على صدره ففعل ولم يزدد الأب إلا صبرًا وثباتًا، وقد أظهر الطفلان من آيات البطولة ما خلد ذكرهما في التاريخ إذ كانا يتسابقان إلى ورد الموت، ويتزاحمان على حوضه المرير ليقتل أحدهما قبل الآخر. ثم رميت الجثث بالأرض تسيل دماؤها وتجرى مهجاتها، والكلاب تنوشها وترتع في أشلائها. هذه الحركة أثرت على البابية تأثيرًا ما فأضعفت صوتها العلني، ولكنها لم تبطل حركتها السرية، فانقلبت إلى مذهب سري سرى في كثير من الناس واعتنقه من كان لا يظن فيه أن يصبأ إليه. (ما هي عقائد البابيين): عقائد البابيين موجودة في كتبهم وأخصها كتاب البيان الذي وضعه باللغة العربية الباب نفسه، ولم نعثر نحن عليه لننقل منه للقراء فنستدرك هذا

النقص بترجمة عقائدهم عن الفرنسية كما وردت في دائرة معارف القرن التاسع عشر. في مذهب البابية الخلق مظهر الله ذاته، فالخالق في الإسلام يخلق لأنه أراد أن يخلق. وعند البابية هو يخلق لأنه لا يدرك حيًا مؤثرًا إلا بالخلق. وقد صرح البيان بأن مجموع الكائنات هو الله نفسه فإن فيه ما ترجمته: "الحق، يا مخلوقاتي أنك أنا" فإذا قامت القيامة رجع الخلق إلى الله وفنوا في وحدته التي صدروا عنها، فيتلاشى إذ ذاك كل شيء إلا الطبيعة الإلهية. فيرى الرائي من هذا أن أساس البابية مذهب وحدة الوجود بعينه. أما نظرية البابية في خلق الكون فهي: لله سبعة أحرف مقدسة تمثل صفاته الإلهية وهي القوة والقدرة والإرادة والتأثير والكبرياء والوحي، ولله خصائص أخرى لا تتناهى ولكن هذه الخصائص السبع هي التي استخدمها في خلق الكون المرئي لنا. فالتمثيل المزدوج لهذه الخصائص السبعة القول والكتابة وهي التي منحتنا الخلقة المزدوجة من روح ومادة فباعتبارها قولا هي منبع الأشياء العقلية، وباعتبارها أحرفا هي مصدر كل الأشياء المادية التي لولاها لم توجد المادة. فالعدد سبعة هو العدد المقدس عند البابية. ولكن يوجد عدد آخر أكبر شأنا عند البابية وهو 19. وذلك أنه فوق العبارات الخالقة يجب وضع كلمة (حي) لأن الحياة هي مصدر وثمرة السبع خصائص المتقدمة في آن واحد. فإذا حسبنا كلمة حي بحساب الجمل وجدنا الحاء بثمانية والياء بعضرة فيكون المجموع 18 فيضم إليها 1 لتكون الكلمة (أحي) فيكون المجموع 19 هذا العدد قال عنه الباب نفسه إنه المظهر العددي لله ذاته. قال ولا يجوز الشك في ذلك، فإن كلمة (واحد) التي يعبر بها الله عن نفسه في القرآن لتدل على وحدانيته هي بحساب الجمل (19) أيضًا فالواو ستة والألف واحد والحاء ثمانية والدال أربعة فيكون المجموع 19 وعليه فالعدد 19 معناه (الواحد الذي يمنح الحياة) أي الله الواحد الخالق ثم إن هذا العدد يحصر العدد سبعة الذي هو جملة الخصائص الإلهية التي خلقت هذا الكون من العدم. أما الصلاة عند البابية فيكتفى منها بمرة واحدة في كل شهر كما ورد في البيان كتابها المقدس. ولم تعترف بالنجاسة المعنوية التي يرفعها الوضوء فلم تعطه إلا جهة الفائدة العائدة

منه على النظافة والتجمل وأبطلت وجوب القبلة متمسكة بقوله تعالى (أينما تولوا فثم وجه الله). أما من الوجهة الأخلاقية فالبابية تهتم قبل كل شيء بتهذيب العواطف النفسية الجميلة كالسخاء ولطف المعاشرة والأدب، ولا يوجد في عقوبتها المقررة عقوبة الإعدام ولا التعذيب بالضرب ونحوه، فقد قال البيان في هذا ما ترجمته: "إن الله قد حرم استخدام الشدة حتى ولو ضربك ضارب بيده على الكتف". أما العقوبات المستعملة عند البابيين للتأديب فهي نوعان (أولا) التغريم على حسب شدة الجريمة (ثانيًا) الابتعاد عن مقاربة النساء مدة مناسبة للذنب المقترف أ. هـ. أقول: إن العرض الذي عرضه فريد وجدي ناقلًا إياه من المصادر الأوروبية كان فيه كثير من الحرارة التي تحوي في طياتها الدفاع عن فكرة المريض المنتن يصل إلى الإباحية في بعض صوره حتى إن قرة العين لم تقتل حتى أباحت المحرمات إلا أن العاطفة الأوروبية تكون دائمًا مع حرية الاعتقاد فتميل للدفاع الحار عن المضطهدين إلا إذا كانوا مسلمين، لاحظ العبارات الحارة التي مرت معنا في وصف ما حدث للبابية ثم ابحث عن مثلها إذا اضطهد المسلمون فإنك لا تجد إلا صمتًا. * * *

15 - البهائية

15 - البهائية البهائية هي البابية بعد تطويرها. وقد لخص حسن أيوب مذهبهم في رسالة عن (رسل الله وكتبه واليوم الآخر) فقال: البهائية: هم أتباع الميرزا حسين علي الذي لقب نفسه بالبهاء المولود في بلدة نور من ضواحي مازندران سنة 1223 هـ قام في أول مرة بخلافة الباب ثم يدرج إلى المهدوية ثم النبوية والرسالة ثم الربوبية والألوهية. وقد عهد بالخلافة من بعده إلى ابنه عباس المسمى عبد البهاء وقد دان البهائيون لكل خليفة بعد البهاء وقدسوه وعبدوه مثل عبادتهم للبهاء. وقد نزل خليفتهم بمصر سنة 1892 م وأسس فيها الدعوة للبهائيين وهلك البهاء في مدينة عكا سنة 1309 هـ 1892 م. دين البابية والبهائية (1) إن للوحي تأويلات سامية ومفاهيم خفية لا يجليها إلا ربها (الباب) أو البهاء (وما يعلم تأويله إلا الله أي الباب أو البهاء). (2) ادعى البهاء المهدوية ثم الرسالة وأنه نزل عليه كتاب الأقدس الذي نسخ جميع ما تقدمه من الكتب السماوية ثم ادعى الألوهية وأمر بعبادة البشر. (3) القول بموت عيسى صلبًا وعدم عودته بنفسه وإنما تحل روحه في غيره. والغير هنا رئيس المذهب الباب ثم البهاء. (4) إنكار معجزات الأنبياء والبعث والحشر والوعد والوعيد والجنة والنار ولهذا ارتكبوا تأويل النصوص الدالة عليها بما يتنافى مع اللغة والدين. (5) نسخ جميع الأديان ورسوم عبادتها والحدود الواردة فيها لعدم صلاحيتها للعالم في عصر التقدم ولهذا جاء البهاء بدينه الجديد للأحمر والأسود وقد ورد في أحكامه:

إن الصلاة تسع ركعات في البكور والزوال والاصال. وقد بطلت صلاة الجماعة. والقبلة عكا والحج إليها للرجال دون النساء. وتحريم الحجاب وإباحة السفور والاختلاط وجعل الحدود عقوبات مادية وغير ذلك من مفترياتهم وكذبهم أ. هـ. وكل عقيدة من العقائد السابقة مكفرة بنفسها فكيف وهي مجتمعة. * * *

16 - القاديانية

16 - القاديانية وقد لخص مذهبهم الشيخ حسن أيوب في رسالة عن (رسل الله وكتبه واليوم الآخر) فقال: هم أتباع غلام أحمد المولود في (قاديان) مركز بنجاب مديرية كورداسور بالهند سنة 1252 هـ. وقد ظلوا فرقة واحدة مدة حياته وأيام خليفته نور الدين. وفي آخر حياة نور الدين ابتدأ الخلاف وكان من أثره انقسامهم بعد وفاته إلى شعبتين: (1) شعبة قاديان: ورئيسهم محمود بن غلام أحمد. (2) شعبة لاهور: وزعيمهم محمد علي الذي ترجم القرآن إلى اللغة الإنجليزية. والشعبة الأولى تدين بنبوة أحمد، والثانية تعتقد أنه مصلح وهذا خلاف ما ورد في كتاب مبتدع النحلة من أنه مهدي ثم نبي مرسل ثم عيسى الموعود به، وتوفي أحمد بعد حياة حافلة بنبوة تحرم الجهاد وتدعو إلى مساعدة الإنجليز لأنهم أرباب نعمته وأصحاب الفضل عليه في حمايته ونشر دعوته. مبادئ القاديانية: (1) القول بعدم ختم النبوة وتأويل ما يدل على ختمها. (2) غلام أحمد هو المهدي والنبي المؤيد لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم وهو المسيح الموعود به. (3) باب الوحي مفتوح للناس وقد نزل عليه ويسمعه بعض أتباعه. (4) تحريم الجهاد والدعوة لطاعة ولاة الأمر والإنجليز. (5) قاديان ومسجدها تماثل مكة ومسجدها، والحج إليها مثل الحج إلى مكة فهي ثالث الأماكن المقدسة. (6) تكفير من لا يصدق به من المسلمين وتمثيلهم باليهود الذين كذبوا المسيح (يعني نفسه) في السلسلة المحمدية.

(7) تفضيله وتفضيل أتباعه على جميع الأنبياء وأتباعهم (8) ادعاؤهم أن المعنى المقصود من الآيات لا يدركها إلا المسيح القادياني، وإنكارهم أن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم أصل في التشريع وهم يدعون الناس عن طريق أنهم مسلمون مصلحون. والقاديانية والبهائية أخطر أصحاب المذاهب على الأمم الإسلامية وأشد كفرًا من اليهود والنصارى والمجوس، ويبطل دعوتهم ما قدمناه من ثبوت عموم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وختمها للرسالات، وهم منتشرون في البلاد الإسلامية ويعاونهم الاستعمار بسلطانه الخفي وماله؛ لأنهم أعوانه وأداته في إشاعة الفساد بين المسلمين. أ. هـ. * * *

الفقرة الرابعة في: الخوارج خاصة

الفقرة الرابعة في: الخوارج خاصة وفيها: مقدمة ونصوص المقدمة الخارجية اعتقاد وخلق وسلوك، والخارجية أخطر ما يفرزه المجتمع الإسلامي بشكل مستمر وأقوالها وأفعالها تلتبس لأنها في ظاهرها التطبيق الأرقى للإسلام بسبب من تشددها في المواقف وغلوها في العمل، لذلك كان من أهم واجبات دعاة الإسلام أن ينبهوا على الخارجية. والسلوك الخارجي يقوم على المسارعة في التكفير، والخلق الخارجي يتمثل بكثرة العبادة دون أن يصل أثرها إلى القلوب ويتمثل بسفاهة العقول وتصرفات أحداث الأسنان ولو كبر أهله. أما العقيدة الخارجية كما استقرت عليه فلها مبادئ: من مثل تكفير علي وعثمان رضي الله عنهما، ومن مثل اعتقاد وجوب الخروج على الولاة الذين يخالفونهم في وجهات النظر بصرف النظر عن الموازنات، ومن مثل تكفير مرتكب الذنب سواء كان صغيرة أو كبيرة، ومن مثل استحلال دماء وأموال وأعراض من خالفهم. قد تكون العقيدة الخارجية الآن ليست موجودة إلا في دوائر ضيقة ولكن الخلق والسلوك الخارجي يظهران في كثيرين. لقد ذكرنا من قبل أن للنفاق صورًا شتى: فهناك صورة النفاق الاعتقادي الذي ينبثق عنه سلوكه، وهناك النفاق العملي. وكذلك الخارجية: فهناك خارجية الاعتقاد، وهناك خارجية السلوك وعلى العلماء والمربين أن يحرروا المسلم من كل. ولذلك فإن النصوص الآتية ينبغي أن ينظر إليها لا على أنها تصف قضية تاريخية، بل على أنها تتحدث عن ظاهرة متجددة. والملاحظ: أن النصوص في الخوارج كثيرة، وقد عللنا لذلك في بدايات الفصل فليراجع.

النصوص

النصوص 442 - * روى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق". 443 - * روى البخاري ومسلم عن سويد بن غفلة، قال: قال علي رضي الله عنه: إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا، فوالله لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أكذب عليه. وفي رواية (3): من أن أقول عليه ما لم يقل، وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم، فإن الحرب خدعة، وإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "سيخرج قوم في آخر الزمان حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية، يقرؤون القرآن، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة". 444 - * روى مسلم عن عبيدة بن عمرو السلماني، عن علي رضي الله عنه، أنه ذكر الخوارج فقال: فيهم رجل مخدج اليد، أو مثدون اليد، أو مودن اليد، لولا أن تبطروا

_ 442 - مسلم (2/ 745) 12 - كتاب الزكاة 47 - باب ذكر الخوارج وصفاتهم. وأبو داود (4/ 217) كتاب السنة 13 - باب ما يدل على ترك الكلام في الفتنة. (تمرق مارقة): مرق السهم في الهدف: إذا نفذ منه وخرج، والمراد: أنه تخرج طائفة من الناس على المسلمين فتحاربهم، والمارق: الخارج عن الطاعة المفارق للجماعة وهم الخوارج، وفي الحديث شهادة لعلي رضي الله عنه أنه على الحق. وذلك من معجزاته صلى الله عليه وسلم. 443 - البخاري (12/ 283) 88 - كتاب استتابة المرتدين 6 - باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم. مسلم (2/ 746) 12 - كتاب الزكاة 48 - باب التحريض على قتل الخوارج. أبو داود (4/ 244) كتاب السنة- باب في قتال الخوارج. (3) مسلم: الموضع السابق. (أخر): خر من السطح يخر: إذا وقع، وكل من سقط من موضع عال فقد خر. (حدثاء الأسنان): أي شباب لم يكبروا حتى يعرفوا الحق، وقد يكبرون سنًا، ويبقون وكأنهم أحداث في تصرفاتهم. (سفهاء الأحلام): الأحلام: العقول. السفه: الخفة في العقل والجهل. 444 - مسلم (2/ 747) 12 - كتاب الزكاة 48 - باب التحريض على قتل الخوارج. (مثدون اليد): روي "مثدون اليد" و "مثدن اليد" ومعناهما: صغير اليد مجتمعها، بمنزلة ثندوة الثدي، وأصله: مثند، فقدمت الدال على النون. (أو مودن اليد): رجل مودن ومودون اليد، أي صغيرها وناقصها.

لحدثتكم بما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم. قال: فقلت: أنت سمعت هذا من محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال: إي، ورب الكعبة- قالها ثلاثًا-. 445 - * روى مسلم عن عبيد الله بن رافع- مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الحرورية لما خرجت على علي بن أبي طالب، فقالوا: لا حكم إلا الله، قال علي: كلمة حق أريد بها باطل، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف لنا ناسًا، إني لأعرف صفتهم في هؤلاء، يقولون الحق بألسنتهم، لا يجاوز هذا منهم- وأشار إلى حلقه- من أبغض خلق الله إليه، منهم أسود، في إحدى يديه طبي شاة، أو حلمة ثدي. فلما قتلهم علي بن أبي طالب، قال: انظروا. فنظروا، فلم يجدوا شيئًا، فقال: ارجعوا، فوالله ما كذبت ولا كذبت- مرتين أو ثلاثًا- ثم وجدوه في خربة فأتوا به، حتى وضعوه بين يديه، قال عبيد الله: وأنا حاضر ذلك من أمرهم وقول علي فيهم. زاد في رواية (1): قال ابن حنين: رأيت ذلك الأسود. 446 - * روى مسلم عن زيد بن وهب الجهني، رضي الله عنه، أنه كان في الجيش الذين كانوا مع علي، الذين ساروا إلى الخوارج، فقال علي: أيها الناس، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يخرج قوم من أمتي، يقرؤون القرآن، ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء، يقرؤون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية" لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضي لهم على لسان نبيهم صلى الله عليه وسلم لنكلوا عن العمل، وآية ذلك: أن فيهم رجلًا له عضد، ليس له ذراع، على عضده، مثل حامة الثدي، عليه شعرات بيض، فتذهبون إلى معاوية

_ 445 - مسلم (2/ 749) 12 - كتاب الزكاة 48 - باب التحريص على قتل الخوارج. (1) مسلم: الموضع السابق. (الطبي): لذوات الحافر والسباع كالضرع لغيرها، وقد يكون لذوات الخف. 446 - مسلم (2/ 748) 12 - كتاب الزكاة 48 - باب التحريض على قتل الخوارج. وأبو داود (4/ 244) كتاب السنة- باب قتال الخوارج. (تراقيهم): التراقي: جمع ترقوة، وهي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق. (الرمية): ما يرمى من صيد أو نحوه. (نكلت): عن العمل أنكل: إذا فترت عنه وجبنت عن فعله. (وآية ذلك): الآية: العلامة التي يستدل بها.

وأهل الشام، وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم؟ والله إني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم، فإنهم قد سفكوا الدم الحرام، وأغاروا في سرح الناس، فسيروا. قال سلمة بن كهيل: فنزلني زيد بن وهب منزلًا، حتى قال: مررنا على قنطرة، فلما التقينا- وعلى الخوارج يومئذ: عبد الله بن وهب الراسبي- فقال لهم: ألقوا الرماح، وسلوا سيوفكم من جفونها، فإني أخاف أن يناشدوكم، كما ناشدوكم يوم حروراء، فرجعوا فوحشوا برماحهم وسلوا السيوف، وشجرهم الناس برماحهم، قال: وقتل بعضهم على بعض، وما أصيب من الناس يومئذ إلا رجلان، فقال علي: التمسوا فيهم المخدج.، فالتمسوا، فلم يجدوه، فقام علي بنفسه، حتى أتى ناسا، قد قتل بعضهم على بعض، قال: أخروهم، فوجدوه مما يلي الأرض، فكبر ثم قال: صدق الله، وبلغ رسوله، قال: فقام إليه عبيدة السلماني، فقال: يا أمير المؤمنين، الله الذي لا إله إلا هو، لسمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: إي والله الذي لا إله إلا هو، حتى استحلفه ثلاثًا وهو يحلف له. وفي أخرى لأبي داود (1) عن أبي الوضيء قال: قال علي: اطلبوا المخدج ... فذكر الحديث، واستخرجوه من تحت قتلى في الطين، قال أبو الوضيء: فكأني أنظر إليه، حبشي عليه قريطق له، إحدى يديه مثل ثدي المرأة، عليها شعيرات مثل الشعيرات التي تكون على ذنب اليربوع. قال أبو مريم: إن كان ذلك المخدج لمعنا يومئذ في المسجد، نجالسه بالليل والنهار، وكان فقيرًا، ورأيته مع المساكين يشهد طعام علي مع الناس، وقد كسوته برنسا لي. قال أبو مريم: وكان المخدج يسمى نافعًا، ذا الثدية، وكان في يده مثل ثدي المرأة، على رأسه حلمة مثل حلمة الثدي، عليه شعيرات مثل سبالة السنور.

_ = (جفون السيوف): أغمادها. (وحشت بسلاحي): وبثوبي: إذا رميت به وألقيته من يدك. (التشاجر بالرماح): التطاعن بها، وشجره برمحه: إذا طعنه. (المخدج): الناقص، والخداج: النقص. (قريطق): تصغير قرطق، وهو شبيه بالقباء، فارسي معرب. (ذو الثدية): تصغير الثندوة. (السبالة): الشارب والجمع السبال، والهاء في "سبالة" لتأنيث اللفظة. (1) أبو داود في الموضع السابق.

قال الخطابي: قد أجمع علماء المسلمين على أن الخوارج على ضلالتهم فرقة من فرق المسلمين، ورأوا مناكحتهم وأكل ذبائحهم، وأجازوا شهادتهم، وسئل عنهم علي بن أبي طالب، فقيل: أكفارهم؟ قال: من الكفر فروا، فقيل: فمنافقون هم؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلًا، وهؤلاء يذكرون الله بكرة وأصيلا، قيل: من هم؟ قال: قوم أصابتهم فتنة فعموا وصموا. قال الخطابي: فمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: "يمرقون من الدين" أراد بالدين: أنهم يخرجون من طاعة الإمام المفترض الطاعة، وينسلخون منها، والله أعلم. أقول: هؤلاء ثوم دخلوا في الإسلام وخرجوا منه سريعًا، ومظهر ذلك أن يقبلوه ثم لا يلتزموا بأحكامه. أقول: يلاحظ أنه ورد في هذه الرواية (لا تجاوز صلاتهم تراقيهم) وفي رواية سويد بن غفلة (لا يجاوز إيمانهم حناجرهم) وفي رواية عبيد الله بن أبي رافع: (يقولون الحق لا يجاوز هذا منهم- وأشار إلى حلقه) فهذه كلها علامات عليهم، ومن ثم فإن على المربين في الأمة الإسلامية أن يلحظوا هذا فيركزوا على الإيمان القلبي وعلى الخشوع القلبي في الصلاة وعلى أن يوافق القول العمل، وفي الرواية اللاحقة سنرى رواية أبي سعيد الخدري: (يقرأون القرآن لا يجاوز حلوقهم أو حناجرهم). فقراءة القرآن وتأثر القلب بها علامة على أن الإنسان ليس من هؤلاء وإلا فالخطر كبير. 447 - * روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، من رواية أبي سلمة وعطاء بن يسار، أنهما أتيا أبا سعيد الخدري فسألاه عن الحرورية، هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها؟ قال: لا أدري من الحرورية؟ ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

_ 447 - البخاري (10/ 551) - 78 - كتاب الأدب 95 - باب ما جاء في قول الرجل "ويلك". مسلم (2/ 743) 12 - كتاب الزكاة 47 - باب ذكر الخوارج وصفاتهم. ... =

"يخرج في هذه الأمة- ولم يقل: منها- قوم، تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، يقرؤون القرآن، لا يجاوز حلوقهم- أو حناجرهم- يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، فينظر الرامي إلى سهمه، إلى نصله، إلى رصافه، فيتمارى في الفوقة: هل علق بها من الدم شيء؟ ". وفي رواية أبي سلمة والضحاك الهمداني (1): أن أبا سعيد الخدري قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسمًا، أتاه ذو الخويصرة- وهو رجل من بني تميم- فقال: يا رسول الله، اعدل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل"؟ - زاد في رواية: "قد خبت وخسرت إن لم أعدل" فقال عمر بن الخطاب: ائذن لي فيه فأضرب عنقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعه، فإن له أصحابًا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم" زاد في رواية: "يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام". وفي رواية: "من الدين- كما يمرق السهم من الرمية، ينظر أحدهم إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نضيه فلا يوجد فيه شيء- وهو القدح- ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء، سبق الفرث والدم، آيتهم: رجل أسود، إحدى عضديه- وفي رواية: إحدى يديه- مثل البضعة تدردر، يخرجون على حين فرقة من الناس" قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل، فالتمس فوجد، فأتي به حتى نظرت إليه

_ = (الرصاف): العقب الذي يكون فوق مدخل النصل في السهم، واحدها: رصفة، بالتحريك. (التمارى): تفاعل من المرية: الشك، والمراد: الجدال. (1) مسلم (2/ 744) الكتاب والباب السابقان. (النضي): بالضاد المعجمة .. بوزن النقي: القدح أول ما يكون قبل أن يعمل، ونضي السهم: ما بين الريش والنصل، ونضو السهم: قدحه، وهو ما جاوز الريش إلى النصل، وقيل: النضي: نصل السهم، والمراد به في الحديث: ما بين الريش والنصل. (قدح): القدح: السهم قبل أن يعمل فيه الريش والنصل، وقبل أن يبرى. (الفرث): السرجين وما يكون في الكرش. (البضعة): القطعة من اللحم. (تدردر): التدردر: التحرك والترجرج مارًا وجائياً ... =

على نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نعت. وفي أخرى (1)، قال أبو سعيد: بعث علي رضي الله عنه وهو باليمن إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة في تربتها، فقسمها بين أربعة: الأقرع بن حابس الحنظلي: ثم أحد بني مجاشع، وبين عيينة بن بدر الفزاري، وبين علقمة بن علاثة العامري، ثم أحد بني كلاب، وبين زيد الخيل الطائي، ثم أحد بني نبهان، فتغضبت قريش والأنصار، فقالوا: يعطيه صناديد أهل نجد ويدعنا؟ قال [رسول الله صلى الله عليه وسلم]: "إنما أتألفهم" فأقبل رجل غائر العينين، ناتئ الجبين كث اللحية، مشرف الوجنتين، محلوق الرأس، فقال: يا محمد، اتق الله، فقال: "فمن يطيع الله، إذا عصيته؟ أفيأمنني على أهل الأرض، ولا تأمنوني؟ " فسأل رجل من القوم قتله- أراه خالد بن الوليد- فمنعه، فلما ولى، قال: "إن من ضئضئ هذا قومًا يقرؤون القرآن، لا يجتوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد". ولمسلم نحوه بزيادة ألفاظ (2)، وفيها: بذهيبة في أديم مقروظ، لم تحصل من ترابها- وفيها- والرابع: إما علقمة بن علاثة، وإما عامر بن الطفيل- وفيها- "ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحًا ومساءً"- وفيها- فقال: يا رسول الله، اتق الله، فقال: "ويلك! أولست أحق أهل الأرض أن يتقي الله؟ " قال: ثم ولى الرجل، فقال خالد بن الوليد: يا رسول الله: ألا أضرب عنقه؟ فقال: "لا، لعله أن يكون يصلي" قال خالد: وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه، فقال

_ (1) مسلم (2/ 742) الكتاب والباب السابقان. (الصناديد): جع صنديد، وهو السيد الشريف. (التألف): الإيناس والتحبب، والمراد: لأحبب إليهم الإسلام وأزيل نفورهم منه. (2) مسلم: الموضع السابق. (الذهيبة): تصغير الذهب، وهو في الأصل مؤنث، والقطعة منه ذهبة، فلما صغر أضيف إليه الهاء، كما يقال في تصغير قوس: قوية، وفي تصغير قدر قديرة. (الأديم): المقروظ المدبوغ بالقرظ. ... =

رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس، ولا أشق بطونهم"، قال: ثم نظر إليه وهو مقف، فقال: "إنه يخرج من ضئضئ هؤلاء قوم يتلون كتاب الله رطبًا، لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية" قال: أظنه قال: "لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود". وفي رواية (1): فقام إليه عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله، ألا أضرب عنقه؟ قال: "لا" فقام إليه خالد سيف الله، فقال: يا رسول الله، ألا أضرب عنقه؟ قال: "لا". وفي رواية البخاري (2) أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعملكم مع عملهم، ويقرؤون القرآن، لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر في النصل فلا يرى شيئًا، وينظر في القدح فلا يرى شيئًا، وينظر في الريش فلا يرى شيئًا، ويتمارى في الفوق". وللبخاري (3) طرف منه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يخرج ناس من قبيل المشرق يقرؤون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم إلى فوقه" قيل: ما سيماهم؟ قال: "سيماهم التحليق- أو قال: التسبيد-". ولمسلم في أخرى (4): أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر قومًا يكونون في أمته، يخرجون في فرقة من

_ = (أنقب): التنقيب: التفتيش. (مقف): قفى الرجل الرجل يقفي، فهو مقف: إذا أعطاك قفاه وولى. (الضئضئي): بالهمزة: الأصل، والمراد: يخرج من صلبه ونسله. (1) مسلم (2/ 743) الكتاب والباب السابقان. (2) البخاري (9/ 99) 66 - كتاب فضائل القرآن 36 - باب إثم من راءى بقراءة القرآن ... إلخ. (3) البخاري (13/ 535) 97 - كتاب التوحيد 57 - باب قراءة الفاجر والمنافق ... إلخ. (التحليق) والتحالق: حلق الشعر، وهو تفاعل منه، كأن بعضهم يحلق بعضًا. (التسبيد): حلق الشعر واستئصاله. (4) مسلم (2/ 745) الكتاب والباب السابقان.=

الناس، سيماهم التحالق، قال: "هم شر الخلق- أو من أشر الخلق- يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق". قال فضرب النبي صلى الله عليه وسلم لهم مثلًا- أو قال قولًا- "الرجل يرمي الرمية- أو قال: الغرض- فينظر في النصل فلا يرى بصيرة، وينظر في الفوق فلا يرى بصيرة". قال أبو سعيد: وأنتم قتلتموهم يا أهل العراق. أقول: الرمية الصيد ومروق السهم منها دون أثر عليه يشير إلى الدخول فيها والخروج منها بسرعة دون أن يظهر أثر ضئيل عليه فهؤلاء دخلوا في الإسلام ولم يلبثوا أن خرجوا منه باعتقاداتهم الفاسدة يقرؤون القرآن يحسبونه لهم وهو عليهم، وأخشى أن ينطبق هذا على بعض مسلمي عصرنا فليحاسب الإنسان نفسه. 448 - * روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أنه ذكر الحرورية؛ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية". 449 - * روى البخاري ومسلم عن يسير بن عمرو رضي الله عنه، قال: قلت لسهل بن حنيف: هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الخوارج شيئًا؟ قال: سمعته يقول: - وأهوى بيده قبل العراق- "يخرج منه قوم يقرؤون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية". وفي رواية (3) قال: "يتيه قوم قبل المشرق، محلقة رؤوسهم". 450 - * روى النسائي عن شريك بن شهاب، قال: كنت أتمنى أن ألقى رجلا من

_ = (الغرض): الهدف. (البصيرة): الدليل والحجة الذي يستدل به لأن الدليل يوضح المعنى ويحققه، فكأن صاحبه يبصر به، والبصيرة: هو شيء من الدم يستدل به على الرمية. 448 - البخاري (12/ 283) 88 - كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم 6 - باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم. 449 - البخاري (12/ 290) 88 - كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم 7 - باب ترك قتال الخوارج للتألف ... إلخ. مسلم (2/ 750) 12 - كتاب الزكاة 49 - باب الخوارج شر الخلق والخليقة. (3) مسلم في الموضع السابق. 450 - النسائي (7/ 119) 37 - كتاب تحريم الدم 26 - باب من شهر سيفه ثم وضعه في الناس. =

أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، آسأله عن الخوارج، فلقيت أبا بررة في يوم عيد في نفر من أصحابه، فقلت له: هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الخوارج؟ قال: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذني، ورأيته بعيني، أتي رسول الله بمال، فقسمه، فأعطى من عن يمينه، ومن عن شماله، ولم يعط من وراءه شيئًا، فقام رجل من ورائه، فقال: يا محمد، ما عدلت في القسمة- رجل أسود مطموم الشعر، عليه ثوبان أبيضان- فغضب رسول الله غضبًا شديدًا وقال: "والله لا تجدون بعدي رجلًا هو أعدل مني" ثم قال: "يخرج في آخر الزمان قوم، كأن هذا منهم، يقرؤون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، سيماهم التحليق، لا يزالون يخرجون حتى يخرج آخرهم مع المسيح الدجال، فإذا لقيتموهم هم شر الخلق والخليقة". قال ابن الأثير: (مطموم الشعر): كثيره، قد طم رأسه، أي: غطاه، والطم: الشيء الكثير. أقول: ويحتمل أن يكون مطموم شعر اللحية حليق الرأس كما في رواية ستأتي معنا عن عامر بن واثلة. وعلى فهم ابن الأثير أقول تعليقًا: هذا خارجي لم يحلق شعر رأسه فالظاهر أن حلق الشعر بعد ذلك كان شعارًا لجميع الخوارج وهو وحده ليس علامة فارقة فلقد حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه وكان بعض الصحابة يحلقون رؤوسهم، ولم يزل بعض صالحي الأمة يحلقون رؤوسهم وليس فيه نهي أما النهي فقد ورد في حلق اللحى ولذلك احتملت أن تشير كلمة (التسبيد) الواردة في بعض النصوص أنها إشارة إلى خارجية تأتي بعد الخارجية الأولى سيماهم حلق اللحى وهو احتمال لم أر من نص عليه، لكنه احتمال قوي خاصة مع ورود النهي عن حلق اللحي فما لم يكن هناك عذر من خوف أو نحوه فإن المرجو من حملة الإسلام ألا يتساهلوا في حلق اللحي. (1)

_ = قال محقق الجامع: وهو حديث حسن.

451 - * روى مسلم عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بعدي من أمتي- أو سيكون بعدي من أمتي- قوم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حلاقيمهم، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه، هم شر الخلق والخليقة". قال ابن الصامت: فلقيت رافع بن عمرو الغفاري [أخا الحكم الغفاري قلت: ما حديث سمعته من أبي ذر كذا وكذا؟] فذكرت له هذا الحديث، فقال: وأنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. 452 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: قال: أتى رجل بالجعرانة- منصرفنا من حنين- وفي ثوب بلال فضة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض منها ويعطي الناس، فقال: يا محمد، اعدل، فقال: "ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل؟! لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل" فقال عمر بن الخطاب: دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق، فقال: "معاذ الله أن يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه، إن هذا وأصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية". وأخرجه البخاري (1) قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم غنيمة بالجعرانة إذ قال له رجل: اعدل، فقال: "لقد شقيت إن لم أعدل". 453 - * روى الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله

_ 451 - مسلم (2/ 750) 12 - كتاب الزكاة 49 - باب الخوارج شر الخلق والخليقة. (الخلق والخليقة): أسمان بمعنى: وهم الخلائق كلهم. وقيل: الخلق: الناس. والخليقة: الدواب والبهائم. أقول: المراد بالخلق: المسلمون، فهم شر المسلمين، لأن المرجو أن يكون مألهم الجنة على ما هم عليه. إلا من كفر منهم. وقد رأينا في كلام عبد القاهر أن بعض الخوارج قد حكم عليهم بالكفر. 452 - مسلم (2/ 740) 12 - كتاب الزكاة 47 - باب ذكر الخوارج وصفاتهم. (1) البخاري (6/ 238) 57 - كتاب فرض الخمس 15 - باب ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين ... إلخ. 453 - الترمذي (4/ 481) 34 - كتاب الفتن- 24 - باب في صفة المارقة. وقال: حسن صحيح. وهو كما قال.

صلى الله عليه وسلم: "يخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقرؤون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، يقولون من خير قول البرية، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية". 454 - * روى أبو داود عن أبي سعيد الخدري، وأنس بن مالك رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال؛ "سيكون في أمتي اختلاف وفرقة، وقوم يحسنون القيل، ويسيئون الفعل، يقرؤون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يرجعون حتى يرتد على فوقه، هم شر الخلق، طوبى لمن قتلهم وقتلوه، يدعون إلى كتاب الله، وليسوا منه في شيء، من قاتلهم كان أولى بالله منهم" قالوا: يا رسول الله، ما سيماهم؟ قال: "التحليق". وفي رواية عن أنس (1) نحوه قال: "سيماهم التحليق والتسبيد، فإذا رأيتموهم فأنيموهم". أقول: إن القاعدة عند علماء التفسير أنه ما من وعيد في الكفار إلا وينبغي أن يأخذ المسلم منه عبرة، وأن ينظر ما إذا كان فيه شيء من أخلاق الكافرين ليتجنبه، فإذا كان هذا في الكفار فمن باب أولى أن يتخوف المسلم أن يكون على شيء من أخلاق فرقة ضالة، ومن ههنا ننبه مسلمي عصرنا وكل عصر على أن يتأملوا في أخلاق الخوارج ويتجنبوها، لأن الخارجية كما تفيد النصوص متجددة في الأمة الإسلامية. ومن الأمثلة على ما ينبغي أن يحذره المسلم من أخلاقية الخوارج ما ورد في هذا النص: 1 - إحسان القول وإساءة الفعل. 2 - عدم التأثر القلبي بالقرآن.

_ 454 - أبو داود (4/ 243) كتاب السنة- باب في قتال الخوارج. وهو حديث صحيح. (1) أبو داود (4/ 244) الكتاب والباب السابقان. (القيل): هو القول. (التسبيد): هو حلق الرأس واستئصال الشعر، وقيل: ترك التدهن وغسل الرأس. (الإنامة): القتل، يقال: ضربه فأنامه: إذا قتله.

3 - الخروج السريع من الدين وذلك: كأن يدخل فيه ثم لا يأخذ حظه من العلم والحكمة والتزكية، فيفتي بجهل ويعمل بهوى ويتصرف بسوء خلق ويعتبر ذلك كله دينًا وما هو من الدين. 4 - يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء وذلك أنهم من حيث المبدأ يؤمنون بكتاب الله ويدعون إليه ولكن حظهم من التلاوة والفهم والتدبر والتأثر والحفظ شبه معدوم. 5 - التحليق والتسبيد: لا يبعد أن يكون بعض الخوارج في بعض العصور ممن يحلقون لحاهم ويسبدون شعور رؤوسهم، لأن حلق الرأس وحده وإكرام اللحية ليس مأخذًا شرعيًا، ولذلك احتملنا أن يكون هذا الحديث في نوع من الخوارج يرتكبون منكر حلق اللحية وذلك هو المأخذ الشرعي. فالمسلم وهو يقرأ مثل هذا الحديث عليه أن يحاسب نفسه فيما إذا كان عنده شيء من مثل هذه الأخلاق. 455 - * روى أحمد عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يكون في آخر الزمان قوم يقرؤون القرآن يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية قتالهم حق على كل مسلم". أقول: إن راوي الحديث وهو الإمام علي رضي الله عنه قد ابتلى بقتال الخوارج الأول، وقد سن لنا في ذلك سننًا، والعلماء بنوا أحكامهم في الخوارج على ما سن، لأنه خليفة راشد، ونحن مأمورون باتباع سنة الخلفاء الراشدين، ومما سنه الإمام علي رضي الله عنه، أنه لم يبدأ الخوارج بالقتال إلا بعد ما قرروا القتال وبدأوه فعلًا. فالحديث محمول على مثل هذا، وعلماء المسلمين قرروا أنه يجب القتال مع الإمام الحق إذا خرجت عليه طائفة بغير الحق، فإذًا: لا يصح لأفراد الأمة الإسلامية أن يقتلوا من هو مظنة الخارجية إلا بقضاء إسلامي عادل وبعد تصرفات من الخارجي أو أقوال تبيح قتله، ثم لابد من ملاحظة أنه: "لا تزر وازرة وزر أخرى".

_ 455 - مسند أحمد (1/ 156). مجمع الزوائد (6/ 231) وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

456 - * روى الحاكم عن عبد الله بن عباس قال: لما اعتزلت [الحرورية في] حروراء وكانوا في دار على حدتهم قلت لعلي: يا أمير المؤمنين أبرد [في] الصلاة لعلي آتي هؤلاء القوم فأكلمهم. قال: فإني أتخوفهم عليك، قال: قلت كلا إن شاء الله. قال: فلبست أحسن ما أقدر عليه من هذه اليمانية ثم دخلت عليهم وهم قائلون في نحر الظهيرة قد خلت على قوم لم أر قومًا قط أشد اجتهادًا منهم، أيديهم كأنها ثفن الإبل ووجوهم معلبة من آثار السجود [أي فيها أثر بسبب السجود]، قال: فدخلت، فقالوا: مرحبًا بك يا ابن عباس ما جاء بك، قال: جئت أحدثكم عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل الوحي وهم أعلم بتأويله، فقال بعضهم: لا تحدثوه. وقال بعضهم: لنحدثنه، قال: قلت: أخبروني ما تنقمون على ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه وأول من آمن به وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم معه؟ قالوا: ننقم عليه ثلاثًا، قلت: ما هن؟ قالوا: أولهن أنه حكم الرجال في دين الله وقد قال الله {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} (1) قال: قلت وماذا؟ قالوا: وقاتل ولم يسب ولم يغنم، لئن كانوا كفارًا لقد حلت له أموالهم ولئن كانوا مؤمنين لقد حرمت عليه دماؤهم. قال: قلت وماذا؟ قالوا: ومحا نفسه من أمير المؤمنين فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين. قال: قلت أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله المحكم وحدثتكم من سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم ما لا تنكرون أترجعون؟ قالوا نعم، قال: قلت أما قولكم إنه حكم الرجال في دين الله فإنه يقول {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} وإلى قوله {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} (2) وقال في المرأة وزوجها {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} (3) أنشدكم الله، أحكم الرجال في حقن دمائهم وأنفسهم وصلاح ذات بينهم أحق أم في أرنب ثمنها ربع درهم؟ قالوا: اللهم في حقن دمائهم وصلاح ذات بينهم. قال:

_ 456 - المستدرك (2/ 150) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي: رواه الطبراني وأحمد ورجالهما رجال الصحيح. مجمع الزوائد (6/ 239). ثفن: جمع ثفنة وهي ما ولي الأرض من كل ذات أربع إذا بركت كالركبتين وغيرهما، ويحصل فيها غلظ من أثر البروك. (1) يوسف: 40. (2) المائدة: 95. (3) النساء: 35.

خرجت من هذه؟ قالوا: اللهم نعم. وأما قولكم إنه قاتل ولم يسب ولم يغنم. أتسبون أمكم [أي عائشة رضي الله عنها] أم تستحلون منها ما تستحلون من غيرها؟ فقد كفرتم، وإن زعمتم أنها ليست بأمكم فقد كفرتم وخرجتم من الإسلام، إن الله عز وجل يقول {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} فأنتم تترددون بين ضلالتين فاختاروا أيهما شئتم؟ أخرجت من هذه؟ قالوا: اللهم نعم. [قال]: وأما قولكم إنه محا نفسه من أمير المؤمنين فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا قريشًا يوم الحديبية على أن يكتب بينه وبينهم كتابًا فقال: "اكتب [أي لعلي] هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله" فقالوا والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب محمد بن عبد الله، فقال: "والله إني لرسول الله وإن كذبتموني اكتب يا علي محمد بن عبد الله" فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان أفضل من علي. أخرجت من هذه؟ قالوا: اللهم نعم. فرجع منهم عشرون ألفًا وبقي منهم أربعة آلاف فقتلوا. أقول: يلاحظ من خلال النقاش الدائر بين ابن عباس رضي الله عنهما والخوارج أنه قد رجع القسم الأكبر منهم إلى جادة الصواب، وهذا يفيد أنه بالعلم الصحيح وبالحجة القوية يمكن أن تعالج ظاهرة الخارجية في الأمة الإسلامية، ومن ههنا أكثرنا من الحض على التعرف على كل أصول الثقافة الإسلامية وفروعها، لأنه بذلك وحده يوجد العاصم عن الخطأ الاعتقادي، وتوجد الحصانة ضد الفكر الشاذ، وشرطنا لهذه الثقافة أن تكون على ضوء فهوم الراسخين في العلم من هذه الأمة ممن شهدت لهم الأمة بالعدالة، ولم يعرف عنهم شذوذ اعتقادي أو فتوى تخالف إجماعًا. 457 - * روى الطبراني في الصغير والأوسط عن علي قال: لقد علم أولو العلم من آل محمد وعائشة بنت أبي بكر فاسألوها أن أصحاب ذي الثدية ملعونون على لسان النبي الأمي صلى الله عليه وسلم. وفي رواية أن أصحاب النهروان.

_ 457 - مجمع الزوائد (6/ 239) وقال رواه الطبراني في الصغير والأوسط بإسنادين ورجال أحدهما ثقات. أهـ وللحديث شواهد.

458 - * روى أبو يعلى عن عبيد الله بن عياض بن عمرو القاري أنه جاء عبد الله بن شداد بن الهاد فدخل على عائشة ونحن عندها جلوس مرجعه من العراق ليالي قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقالت له: يا ابن شداد بن الهاد، هل أنت صادقي عما أسألك عنه؟ حدثني عن هؤلاء القوم الذين قتلهم علي قال: ومالي لا أصدقك؟ قالت: فحدثني عن قصتهم. قال: فإن علي بن أبي طالب لما كاتب معاوية وحكم الحكمان خرج عليه ثمانية آلاف من قراء الناس فنزلوا بأرض يقال لها حرورا من جانب الكوفة وإنهم عابوا عليه فقالوا: انسلخت من قميص كساكه الله واسم سماك الله به ثم انطلقت فحكمت في دين الله. فلا حكم إلا لله. فلما بلغ عليًا ما عابوا عليه وفارقوه عليه فأمر مؤذنا فأذن أن لا يدخل على أمير المؤمنين إلا من قد حمل القرآن، فلما امتلأت الدار من قراء الناس دعا بمصحف إمام عظيم فوضعه بين يديه فجعل يصكه بيده ويقول: أيها المصحف حدث الناس، فناداه الناس: يا أمير المؤمنين ما تسأل عنه إنما هو مداد في ورق يتكلم بما رأينا منه، فما يزيد، قال: أصحابكم أولئك الذين خرجوا بيني وبينهم كتاب الله. يقول الله في كتابه في امرأة ورجل {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} (1) فأمة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم حرمة أو ذمة من رجل وامرأة: ونقموا علي أني كاتبت معاوية، وكتبت علي بن أبي طالب، وقد جاء سهيل بن عمرو فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم قال: لا تكتب بسم الله الرحمن الرحيم. قال: "وكيف نكتب"؟ قال سهيل: اكتب باسمك اللهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فاكتب محمد رسول الله" فقال: لو أعلم أنك رسول الله لم أخالفك. فكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله قريشًا. يقول الله في كتابه {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} (2) فبعث إليهم عبد الله بن عباس فخرجت معه حتى إذا توسطنا عسكرهم قام ابن الكوا فخطب الناس فقال: يا حملة القرآن هذا عبد الله بن عباس فمن لم يكن يعرفه فليعرفه فأنا أعرفه من كتاب الله هذا ممن نزل فيه وفي قومه {قَوْمٌ

_ 458 - مجمع الزوائد (6/ 235). وقال: رواه أبو يعلى ورجاله ثقات. (1) النساء: 35. (2) الأحزاب: 21.

خَصِمُونَ} (1) فردوه إلى صاحبه ولا تواضعوه كتاب الله. قال: فقام خطباؤهم فقالوا والله لنواضعنه الكتاب فإن جاء بالحق نعرفه لنتبعنه وإن جاء بباطل لنبكتنه بباطل ولنردنه إلى صاحبه. فواضعوا عبد الله بن عباس ثلاثة أيام فرجع منهم أربعة آلاف كلهم تائب فيهم ابن الكوا حتى أدخلهم على علي الكوفة فبعث علي إلى بقيتهم قال: قد كان من أمرنا وأمر الناس ما قد رأيتم فقفوا حيث شئتم، بيننا وبينكم أن لا تسفكوا دمًا حرامًا أو تقطعوا سبيلًا أو تظلموا ذمة فإنكم إن فعلتم فقد نبذنا إليكم الحرب على سواء إن الله لا يحب الخائنين قال فقالت له عائشة: يا ابن شداد فقد قتلهم، قال: فوالله ما بعث إليهم حتى قطعوا السبيل وسفكوا الدماء واستحلوا الذمة. فقالت: والله؟ قال الله الذي لا إله إلا هو لقد كان. قالت: فما شيء بلغني عن أهل العراق يتحدثونه يقولون ذا الثدية مرتين. قال: قد رأيته وقمت مع علي معه على القتلى فدعا الناس فقال: أتعرفون هذا؟ فما أكثر من جاء يقول رأيته في مسجد بني فلان يصلي ولم يأتوا فيه بثبت يعرف إلا ذاك. قالت: فما قول علي حين قام عليه كما يزعم أهل العراق؟ قال: سمعته يقول: صدق الله ورسوله. قالت: فهل رأيته قال غير ذلك؟ قال: اللهم لا. قالت: أجل صدق الله ورسوله يرحم الله عليا إنه كان من كلامه لا يري شيئًا يعجبه إلا قال صدق الله ورسوله. فيذهب أهل العراق فيكذبون عليه ويزيدون في الحديث. أقول: الظاهر من الرواية أن عائشة لم تر نسبة قضية ذي الثدية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تكذب عليًا، والروايات الصحيحة لم تدع مجالا للشك أن عليا سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تناقض بين هذه الرواية والتي قبلها، فقد ذكر الراوي هناك روايتين في الكلمة المنقولة عن علي وأصحاب الثدية أو أصحاب النهروان، والظاهر أن عائشة لم تنكر قتل أهل حروراء بل ورد على لسانها ما يدل على معرفتها بغلوهم كما في سؤالها للمرأة (أحرورية أنت).

_ (1) الزخرف: 58.

459 - * روى الطبراني عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} (2) قال: "هم الخوارج". 460 - * روى الطبراني في الكبير والأوسط عن حميد بن هلال قال: غزا عمارة بن قرض الليثي غزاة له فمكث فيها ما شاء الله ثم رجع حتى إذا كان قريبًا من الأهواز سمع صوت الأذان فقال: والله مالي عهد بصلاة بجماعة من المسلمين منذ ثلاث. وقصد نحو الأذان يريد الصلاة، فإذا هو بالأزارقة فقالوا له: ما جاء بك يا عدو الله فقال: ما أنتم إخواني؟ قالوا: أنت أخو الشيطان لنقتلنك. قال: أما ترضون مني بما رضي به رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا أي شيء رضي به منك؟ قال: أتيته وأنا كافر، فشهدت أن لا إله إلا الله وأنه رسول الله فخلى عني فأخذوه فقتلوه. 461 - * روى أحمد عن أبي سعيد الخدري، أن أبا بكر الصديق جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني بواد كذا وكذا فإذا رجل متخشع حسن الهيئة يصلي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "اذهب فاقتله". قال: فذهب إليه أبو بكر فلما رآه على تلك الحال كره أن يقتله فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: "اذهب فاقتله" فذهب عمر فرآه على الحال الذي رآه أبو بكر فيه، قال فرجع. فقال: يا رسول الله إني رأيته يصلي متخشعًا فكرهت أن أقتله. قال: يا علي "اذهب فاقتله". فذهب علي فلم يره فرجع علي فقال: يا رسول الله لم أره. قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن هذا وأصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا

_ 459 - المعجم الكبير (8/ 325). مجمع الزوائد (6/ 233) وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات. و (6/ 327) وقال: إسناده جيد. (2) آل عمران: 188. 460 - مجمع الزوائد (1/ 26) وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله رجال الصحيح. (الأزارقة): من الخوارج نسبوا إلى نافع بن الأزرق. 461 - مسند أحمد (3/ 15). مجمع الزوائد (6/ 225) وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات. فوق السهم: موضع الوتر منه.

يعودون فيه حتى يعود السهم في فوقه فاقتلوهم هم شر البرية". أقول: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل هذا الشخص وحيًا، أما نحن فلا يحل لنا أن نقتل إلا على بينة، وقد رأينا أن عليا لم يقتل الخوارج ولم يقاتلهم إلا بعد أن بدأوا بسفك الدماء المعصومة واستحلال الأموال المعصومة وحيازاتها، والفقهاء يعتبرون فعل علي في شأن البغاة هو الأصل الذي يرجع إليه لأنه القدوة فيه فهو الخليفة الراشد. 462 - * روى أحمد عن شريك بن شهاب قال: كنت أتمنى أن ألقى رجلًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثني عن الخوارج فلقيت أبا برزة في يوم عرفة في نفر من أصحابه فقلت: يا أبا برزة حدثنا بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله في الخوارج قال: أحدثك بما سمعت أذناي ورأت عيناي، أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنانير فكان يقسمها وعنده رجل أسود مطموم الشعر عليه ثوبان أبيضان بين عينيه أثر السجود فتعرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه من قبل وجهه فلم يعطه شيئًا، فأتاه من قبل يمينه فلم يعطه شيئًا، ثم أتاه من خلفه فلم يعطه شيئًا، فقال: والله يا محمد ما عدلت في القسمة منذ اليوم. فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبًا شديدًا ثم قال: "والله لا تجدون بعدي أحدًا أعدل عليكم مني" قالها ثلاثًا، ثم قال: "يخرج من قبل المشرق رجال كأن هذا منهم، هديهم هكذا، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية لا يرجعون إليه". ووضع يده على صدره "سيما التحليق لا يزالون يخرجون حتى يخرج آخرهم مع الدجال فإذا رأيتموهم فاقتلوهم"، قالها ثلاثًا "شر الخلق والخليقة" قالها ثلاثًا، وقال حماد: لا يرجعون فيه. أقول: هذا الحديث يدل على أن الخارجية متجددة الظهور في الأمة الإسلامية. وقوله عليه السلام: "فإذا رأيتموهم فاقتلوهم": يفيد أن القتل متوقف على رؤية هؤلاء الموصفين بهذه الصفات يقينًا، لأن القتل لا يجوز بالظن، والمعرفة اليقينية متوقفة على

_ 462 - مسند أحمد (4/ 421). مجمع الزوائد (6/ 228). وقال: رواه أحمد. والأزرق بن قيس وثقه ابن حبان، وبقية رجاله رجال الصحيح. المستدرك (2/ 146). وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وسكت عنه الذهبي.

الحقيقة والآثار، وحقيقة ما في القلوب مغيبة عنا فلم يبق إلا الآثار التي تبيح القتل، والأصل: أن نحسن الظن بالمسلم. ولا يخالف هذا الأصل إلا بأدلة تبيح ذلك، فكيف بالقتل وقد غلب في العصور المتأخرة التسرع في القتل بحجة الخارجية، والذي نراه لقارئ النصوص الواردة في الخوارج أن يتهم نفسه وأن يحترس في اتهام الآخرين إلا إذا وصل عن طريق العلم الصحيح إلى يقين، ومع ذلك فإن هذا اليقين لا يكفي للقتل إلا إذا تصرف هؤلاء التصرفات التي تبيح قتلهم وقتالهم، وقد رأينا تفصيلات ذلك. 463 - * روى الطبراني عن عبد الله بن عمرو، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "يخرج ناس من قبل المشرق يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم كلما قطع قرن نشأ قرن حتى يكون مع بقيتهم الدجال". 464 - * روى الطبراني عن عامر بن واثلة قال: لما كان يوم حنين أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل مجزوز الرأس أو محلوق الرأس قال: ما عدلت. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فمن يعدل إذا لم أعدل أنا؟ " قال: فغفل عن الرجل فذهب. فقال: "أين الرجل"؟ فطلب فلم يدرك. فقال: "إنه سيخرج في أمتي قوم سيماهم سيما هذا يمرقون من الدين كمل يمرق السهم من الرمية ينظر في قدحه فلم ير شيئًا، ينظر في رصافه فلم ير شيئًا، ينظر في فوقه فلم ير شيئًا". (القدح): السهم قبل أن يراش ويركب نصله. أقول: من مظاهر الخارجية: الورع الجاهل والتشدد المنبعث عن قوة نفس لا عن قوة إيمان، ومن مظاهرها: سوء الأدب مع من يجب لهم التوقير والاحترام كما في فعل هذا: إذ يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعدل، ولقد فشا سوء الأدب، وهذا مما ينبغي أن يفطن له المربون ولا يعالج هذا الأمر إلا بأن يكون الكبير جديرًا بالاحترام، وتصرفاته حكيمة وأقواله مستقيمة وأن يربي الصغير على توقير الكبير.

_ 463 - مجمع الزوائد (6/ 230). وقال: رواه الطبراني وإسناده حسن. أهـ وللحديث شواهد. 464 - (6/ 230) وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات. أ. هـ. وسبق له شاهد نحوه.

465 - * روى البزار عن عقبة بن وساج قال: كان صاحب لي يحدثني عن عبد الله بن عمرو في شأن الخوارج، فحججت، فلقيت عبد الله بن عمرو، فقلت: إنك بقية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جعل الله عندك علمًا، إن ناسا يطعنون على أمرائهم ويشهدون عليهم بالضلالة. قال: على أولئك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسقاية من ذهب أو فضة فجعل يقسمها بين أصحابه فقام رجل من أهل البادية فقال: يا محمد لئن كان الله أمرك بالعدل فلم تعدل. فقال: "ويلك فمن يعدل عليكم بعدي"؟ فلما أدبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في أمتي أشباه هذا يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم فإن خرجوا فاقتلوهم ثم إن خرجوا فاقتلوهم". قال ذلك ثلاثًا. أقول: نفهم من كلام ابن عمرو: أن الطعن في الأمراء والحكام من أخلاق الخوارج، وهذه القضية لها تفضيلاتها. فأمراء العدل تجب علينا طاعتهم، وتحرم علينا غيبتهم لأن هذا يؤدي إلى خلخلة الثقة، وفي ذلك ما فيه من إفساد العباد والبلاد، أما أمراء الجور والكذب والضلال فهؤلاء ننصحهم إن استطعنا أو نجفوهم، ويصح الكلام فيهم إذا صحت النية وتحققت المصلحة كإبعاد مسلم عن تصديقهم في كذب أو طاعتهم في باطل أو ظلم إلى غير ذلك، ولا يعرف حدود ذلك إلا عليم حكيم زكي النفس، ولذلك كان من مهمات الرسل عليهم الصلاة والسلام: تلقين العلم والحكمة وتزكية الأنفس، والمسلمون بحاجة مستمرة إلى البيئات التي يجتمع لهم فيها تلقن العلم والحكمة وتزكية الأنفس. 466 - * روى الحاكم عن شداد بن عبد الله أبي عمار قال شهدت أبا أمامة الباهلي رضي الله عنه وهو واقف على رأس الحرورية عند باب دمشق وهو يقول: كلاب أهل النار- قالها ثلاثًا- خير قتلى من قتلوه. ودمعت عيناه. فقال له رجل يا أبا أمامة أرأيت قولك هؤلاء كلاب النار أشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو من رأيك؟ قال إني إذًا لجريء، لو لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا مرة أو مرتين أو ثلاثاً

_ 465 - كشف الأستار (2/ 359). مجمع الزوائد (6/ 228). وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. 466 - المستدرك (2/ 149). وصححه الذهبي.

وعد سبع مرات ما حدثتكموه. قال له رجل: إني رأيتك قد دمعت عيناك قال: إنهم لما كانوا مؤمنين وكفروا بعد إيمانهم، ثم قرأ {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} (1) الآية فهي لهم مرتين. أقول: ليس المراد بالكفر هنا الكفر الحقيقي، فالإمام علي نفسه لم يكفر الخوارج، وإنما هو كفر نعمة الوحدة والائتلاف، وقد رأينا أن أهل السنة لم يكفروا من الخوارج إلا بعض فرقهم الذين استحلوا الحرام القطعي. والملاحظ: أن أبا أمامة حدث عن خوارج خرجوا في العهد الأموي، ومن موقف أبي أمامة هذا ندرك أن الخروج المسلح على الحكام هو على شفتا خطرٍ إلا إذا وجد الكفر البواح أو وجدت الفتوى البصيرة من أهلها، والفتوى في هذه الحالة محكومة بموازنات متعددة، وحتى في حالة الكفر البواح فإن القتال لا تجب مباشرته إلا إذا توافرت شروط ولا يبعد أن تكون مباشرته من فروض الكفاية في بعض الأحوال، ولكن ذلك كله يخضع للفتوى البصيرة من أهلها، وما أقل الذين يعرفون الفتوى، والذين يعرفون أن يفتوا في مثل هذه الشؤون على ضوء فهوم الراسخين في العلم وأئمة الاجتهاد، وقد ذكر ابن عابدين - من فقهاء الحنفية- في كتاب الجهاد من حاشيته: "أن الجهاد قد يكون فريضة عينية ولا يأثم من لم يباشره"، وضرب أمثلة على ذلك. 467 - * روى ابن ماجه عن أبي أمامة يقول شر قتلى قُتلوا تحت أديم السماء وخير قتيلٍ من قتلوا، كلابُ أهل النار، قد كان هؤلاء مسلمين فصاروا كفاراً قلت يا أبا أمامة هذا شيء تقوله؟ قال: بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. 468 - * روى الإمام أحمد عن أنس قال: ذُكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ولم أسمعه منه:

_ (1) آل عمران: 105. 467 - ابن ماجه (1/ 62) المقدمة 12 - باب ذكر الخوارج. وإسناده حسن. 468 - مسند أحمد (2/ 183). مجمع الزوائد (6/ 229). وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

"إن فيكم قوماً يتعبدون فيدأبون حتى يعجب بهم الناس وتُعجبهم أنفسهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية". 469 - * روى الإمام أحمد عن عبد الملك بن مُليل السليحي قال: كنت جالساً قريباً من المنبر يوم الجمعة فخرج محمد بن أبي حذيفة فاستوى على المنبر فخطب ثم قرأ عليهم سورة من القرآن وكان من أقرأ الناس فقال عقبة بن عامر: صدق الله ورسوله، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليقرأن القرآن رجال لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية". أقول: محمد بن أبي حذيفة ممن خرج على عثمان رضي الله عنه، ولذلك وصفه عقبة بن عامر بما وصف به الخوارج. 470 - * روى الإمام أحمد عن سعيد بن جُمهان قال لقيت عبد الله بن أبي أوفى وهو محجوب البصر فسلمتُ عليه فقال: من أنت؟ قلت: أنا سعيد بن جمهان. قال: ما فعل والدك؟ قلت: قتلته الأزارقة قال: لعن الله الأزارقة، حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كلاب النار. قال: قلت الأزارقة وحدهم أم الخوارج كلها قال: بل الخوارج كلها. قال: قلت: فإن السلطان يظلم الناس ويفعل بهم ويفعل بهم. قال: فتناول يدي فغمزها غمزةً شديدة ثم قال: ويحك يا ابن جمهان عليك بالسواد الأعظم -مرتين- إن كان السلطان يسمع منك فائته في بيته فأخبره بما تعلم فإن قبل منك وإلا فدعه فإنك لست بأعلم منه. أقول: هذا في سلطان يقيم الصلاة ولا يعلن الكفر البواح، ويقيم في الناس كتاب الله على خلل في العمل أو في التطبيق، لكن الفقهاء قالوا: إذا فسق السلطان استحق العزل ما لم يكن في عزله فتنة أكبر من إبقائه، وبعضهم قال: ينعزل الإمام بمجرد فسوقه، فلا تجب

_ 469 - مسند أحمد (4/ 145). المعجم الكبير باختصار (17/ 325). مجمع الزوائد (6/ 231). وقال: رواه أحمد والطبراني باختصار ورجالهما ثقات. 470 - مسند أحمد (4/ 383). مجمع الزوائد (5/ 230) وقال: رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد ثقات.

بذلك طاعته شرعاً، وإن لم يستطع المسلمون عزله فلا عليهم. 471 - * روى الإمام أحمد عن مِقْسم بن بُجرة مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: خرجتُ أنا وتليدُ بن كلاب الليثي حتى أتينا عبد الله بن عمرو بن العاص وهو يطوف بالبيت مُعلقاً نعليه بيده، فقلنا له: هل حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كلمه التميمي يوم حنين قال: نعم، أقبل رجل من بني تميم يقال له ذو الخويصرة فوقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعطي الناس فقال: يا محمدُ قد رأيتُ ما صنعت منذ اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أجل فكيف رأيت؟ " قال: لم أرك عدلت قال: فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ويحك إن لم يكن العدل عندي فعند من يكون؟ " فقال عمر بن الخطاب رحمه الله: ألا تقتله. قال: "لا، دعوه فإن له شيعةً يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية ينظر في النصل فلا يجد شيئاً ثم في القدح فلا يوجد شيء ثم في الفوق فلا يوجد شيء سوى الفرث والدم". 472 - * روى الحاكم عن أبي بُردة قال كنت جالساً عند عُبيد الله بن زياد فأُتي برؤوس الخوارج كلما جاء رأس قلت: إلى النار. فقال عبد الله بن يزيد الأنصاري أو لا تعلم يا ابن أخي أني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "إن عذاب هذه الأمة جعل في دنياها". أقول: من المعروف عُبيد الله بن زياد من عتاة الأمراء، وهو الذي كان أميراً على العراق يوم قتل الحسين رضي الله عنه، فهو الذي أرسل الجيش لقتاله، وكلام أبي بردة في خوارج خرجوا عليه تتحقق فيهم صفات الخوارج لكن رد عبد الله بن يزيد الأنصاري بما يفيد "أن القتل كفارة تمنع من النار" يشير إلى ما ذكره الفقهاء فيما بعد أن البغاة هم

_ 471 - مسند أحمد (2/ 216). مجمع الزوائد (6/ 227). وقال: رواه أحمد والطبراني باختصار، ورجال أحمد ثقات. قوله: (سوى الفرث والدم): إشارة إلى أنه لا يُرى منهم إلا ما قبح، فأعمالهم سيئة ودعاواهم فارغة وعباداتهم معلولة وإيمانهم لا يصل إلى قلوبهم. 472 - المستدرك (1/ 49) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولا أعلم له علة ولم يخرجاه وله شاهد صحيح. ووافقه الذهبي.

الخارجون على الإمام الحق بغير الحق، فإذا ما خرج ناس بالحق على الإمام الحق فليسوا ببغاة. ويجب على الإمام أن يتراجع، وإذا ما خرج ناس على الإمام غير الحق فليسوا ببغاة، ولمثل هذه المعاني أراد عبد الله بن يزيد الأنصاري أن يُشْعِر أبا بردة بأن هؤلاء ليسوا من كلاب النار، بل قد يكونون من الناجين عند الله. * * *

الفقرة الخامسة في: ضرورة لزوم الجماعة وفي: التعرف على الفرقة الناجية

الفقرة الخامسة في: ضرورة لزوم الجماعة وفي: التعرف على الفرقة الناجية وفيها: مقدمة ونصوص ونقول النصوص كثيرة في المنع عن مفارقة الجماعة وفي الحض على لزومها، وتأتي الجماعة في اصطلاح الشارع والمراد بها ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ومن ههنا وجد اصطلاح: (أهل السنة والجماعة). ولأهل السنة والجماعة عقائدهم ومذاهبهم الأصولية والفقهية ويجمعهم إيمان بالكتاب والسنة وما ينبثق عنهما، وضوابط في فهم الكتاب والسنة، وما لم يكن الإنسان هذا شأنه في الاعتقاد فليس من أهل السنة والجماعة، وإذا لم يوجد أمثال هؤلاء فلا جماعة على أي نوع من الاصطلاح. وتأتي كلمة الجماعة، يراد بها أهل الحق والعدل الذين التقوا على إمام راشد قد نفذت أحكامه، فمن دخل في هؤلاء وكانت عقيدته سليمة فهو في جماعة، وتأتي كلمة الجماعة ويراد بها التجمع الإسلامي فهي تقابل الانفراد في البادية لأنه من خلال اللصوق بمراكز التجمع تقوم الجمعة والجماعة. وتأتي الجماعة بمعنى التمسك بالحق ولو كان صاحب ذلك فرداً، قال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} (1) وكما قال ابن مسعود في أثر صحيح عنه: (الجماعة ما وافق الحق ولو كنت وحدك) أخرجه ابن عساكر. وقال الترمذي: وتفسير الجماعة عند أهل العلم هم أهلُ الفقه والعلم والحديث، قال وسمعت الجارود بن معاذٍ يقولُ: سمعت عليَّ بن الحسن يقول: سألت عبد الله بن المبارك

_ (1) النحل: 120.

من الجماعة؟ فقال: أبو بكرٍ وعمر قيل له: قد مات أبو بكرٍ وعمر، قال: فلانٌ وفلانٌ، قيل له قد مات فُلانٌ وفلانٌ، فقال عبد الله بن المبارك: أبو حمزة السكري جماعةٌ. قال الترمذي: وأبو حمزة هو محمد بن ميمونٍ، وكان شيخاً صالحاً، وإنما قال هذا في حياته عندنا. وإذا فقدت الخلافة الراشدة أو دولة العدل فههنا قد يختار المسلم، وعندئذٍ ماذا يفعل؟ أن يكون مع أهل الضلال فذلك لا يجوز، وعليه إذن إما العزلة وإما البحث عن أهل الحق مهما قلوا ليضع يده بيدهم فيكون بذلك من الطائفة التي أخبرت عنها النصوص المتضافرة، فلكي لا تضيع المعالم بالمرة فقد جعل الله في هذه الأمة طائفة على الحق مستمرة، هذه الطائفة تحمل الحق وتجاهد من أجله، وأنواع الجهاد متعددة: فمنه جهاد اللسان، ومنه جهاد المال، ومنه جهاد اليد. ومن ههنا فإن هذه الطائفة يدخل فيها المقاتلون في سبيل الله والدعاة والفقهاء والأولياء والمحدثون، والذين يمدون هؤلاء وهؤلاء بالمال، وقد يلتبس الحال فقد يقاتل ويدعو من ليس على بصيرة، ولذلك فإن معرفة الحق هي التي تدلنا على هذه الطائفة كما قال علي: (اعرف الحق تعرف أهله) ومن ههنا كان لابد من موازين نعرف بها هؤءلا، وأول هذه الموازين هي سلامة الاعتقاد، وتوافر شروط الفهم الصحيح، ومظنة ذلك الربانيون من أهل العلم والولاية. وقد حاول بعضهم أن يقصر هذه الطائفة على أن المراد بها أهل الحديث فضيقوا واسعاً، وهذا منقوض بشيئين: الأول: أن هذه الطائفة مقرها الشام، ولا يشك أحد بأن نور الدين وصلاح الدين يدخلان في مثل هذه الطائفة. الثاني: أن بعض النصوص الواردة في هذه الطائفة تذكر القتال والجهاد، بل إن كثيرين من المحدثين ذكروا حديث الطائفة هذا تحت عنوان الجهاد والقتال. وإن كان بالإمكان أن نحمل قول ابن المديني أن أهل الطائفة همن أهل الحديث بمعنى أنهم الذين يسلمون بالسنة النبوية أصلاً من أصول التشريع ويعتبرونها حكماً في كل ما اختلف

فيه، فيكون المراد بالطائفة هنا هم أهل السنة والجماعة، وعندئذٍ فقصرُ اسم الطائفة على المشتغلين بالحديث يكون خطأ في الفهم، فالمشتغلون في الحديث من أهل السنة والجماعة هم من الطائفة وليسوا كلها. ولذلك بوب المحدثون لأحاديث الطائفة تحت أكثر من عنوان والبخاري نفسه بوب لحديث الطائفة تحت عنوان: "أهل العلم" والمطلوب من المسلم: 1 - أن يكون مذاهبه الاعتقادية والأخلاقية والفقهية مذاهب أهل السنة والجماعة. 2 - أن يلازم الجمعة والجماعات فلا يعتزل جمع المسلمين وجماعاتهم في مساجدهم إلا لعذر قاهر. 3 - أن يلزم الإمام الراشد ومن معه إذا كان للمسلمين خليفة راشد أو سلطان عادل وإلا فليحاول أن يكون من الطائفة حاملاً للحق، عارفاً به، عالماً بالشريعة مجاهداً من أجل ذلك بأنواع الجهاد المتاحة. 4 - أن يحاول المسلم في نفسه في كل الظروف والأحوال أن يكون مظهراً لحمل الحق اعتقاداً وسلوكاً فيكون بذلك حجة على خلق الله. 5 - وفي كل الأحوال ينبغي أن يكون للمسلم إخوانٌ في الله يجمعه وإياهم الحب في الله والاجتماع عليه والتزاور فيه والتباذل فيه. وها نحن نجول بك جولةً فنذكر نصوصاً، وننقل نقولاً تضعك على لباب في بعض هذه الأمور، لأن بعضها يذكر في مواطن أخرى من هذا الكتاب، وسنركز على تعريفك بما يجمع أهل السنة والجماعة وهو عَلمٌ عليهم. وابتداء نذكر لك نصوصاً ثلاثة من القرآن الكريم تعرف من خلالها أهل الحق من غيرهم وتعرف بالتالي ما إذا كان عليك أن تعتزل أو أن تصحب. النص الأول: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا

وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} (المائدة) الآيات: 54 - 56. النص الثاني: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ * مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (التوبة) الآيات: 119 - 122. لقد جاء بعد الأمر كلام عن المجاهدين والعلماء العاملين، فدل السياق على أن مظنة الصدق الذي ينبغي أن نكون مع أهله هم أهل الجهاد والعلم. النص الثالث: قوله تعالى: {فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ * وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (الشورى) الآيات: 36 - 43. إن مجيء قوله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} في سياق هذه الآيات يدل على أن النص يصف الأخلاقية العامة للأمة الإسلامية، فمن تحقق بها فهو الذي تتمثل به هذه الأمة. ولننتقل إلى النصوص الحديثية:

النصوص الحديثية

النصوص الحديثية 473 - * روى البخاري ومسلم عن بُسر بن عبد الله قال: قال أبو إدريس الخولاني، أنه سمع حُذيفة رضي الله عنه قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يُدركني، فقلتُ: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشرٍّ، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شرٍّ؟ قال: "نعم" قلتُ: وهل بعد ذلك الشر من خيرٍ؟ قال: "نعم، وفيه دخنٌ". قلت: وما دخنُهُ؟ قال: "قومٌ يستنون بغير سُنتي، ويهدون بغير هديي تعرفُ منهم وتُنكر" فقلت: فهل بعد ذلك الخير من شرٌّ؟ قال: "نعم، دُعاةٌ على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها" فقلت: يا رسول الله، [صفهم لنا، قال: "نعم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا] " فقلت: يا رسول الله فما ترى - وفي رواية: فما تأمُرني- إن أدركني ذلك؟ قال: "تلزمُ جماعة المسلمين وإمامهم؟ " قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام قال: "فاعتزل تلك الفِرق كُلَّها، ولو أن تعضَّ بأصل شجرةٍ، حتى يُدركك الموت وأنت على ذلك". ولمسلم نحوه (1)، وفيه قلت: ما دخنُهُ؟ قال: قوم لا يستنون بسُنتي، وسيقوم فيهم رجالٌ قلوبهم قلوب الشياطين في جثُمان إنسٍ" قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركتُ ذلك؟ قال: "تسمع وتُطيع، وإن ضُرِب ظهرُك، وأخذ مالك، فاسمع وأطع". قال حذيفةُ: تعلم أصحابي الخير وتعلمت الشر. وفي رواية أبي داود (2) قال سُبيعُ بنُ خالدٍ: أتيتُ الكوفة في زمنٍ فُتحت تُسترُ،

_ 473 - البخاري (6/ 615) 61 - كتاب المناقب 25 - باب علامات النبوة في الإسلام. ومسلم (3/ 1475) 33 - كتاب الإمارة 13 - باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين ... إلخ. (1) مسلم (3/ 1476) نفس الكتاب والباب. (2) أبو داود (4/ 95) كتاب الفتن - باب ذكر الفتن ودلائلها.

أجلبُ منها بغالاً، فدخلتُ المسجد، فإذا صدعٌ من الرجال، وإذا رجلٌ جالسٌ، وتعرف إذا رأيته أنه من رجال الحجاز، قلت: من هذا؟ فتجهمني القوم، وقالوا: ما تعرفه؟ هذا حُذيفة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعته يقول: إن الناس كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، فأحدقه القوم بأبصارهم، فقال: إني قد أرى الذي تُنكرون إني قلت: يا رسول الله، أرأيت هذا الخير الذي أعطاناه الله، أيكون بعده شرٌّ، كما كان قبله؟ قال: "نعم" قلت: فما العصمة من ذلك؟ قال: "السيفُ" قلتُ: فهل للسيف من تقية؟ قال "نعم". وفي رواية (1): بعد السيف: "تقية على أقذاءٍ، وهُدنةٌ على دخنٍ". قال: قلت: يا رسول الله، ثم ماذا؟ قال: "إن كان لله خليفةً في الأرض فضرب ظهرك وأخذ مالك، فأطعه، وإلا فمُت وأنت عاضٌّ بجذل شجرةٍ": قلت: ثم ماذا؟ قال: "ثم يخرج الدجال، معه نهرٌ ونارٌ، فمن وقع في ناره، وجب أجره وحُط وزره، ومن وقع في نهره وجب وزره، وحُط أجره" قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: "ثم هي قيامُ الساعة".

_ = (الصدع): [بسكون الدال، وربما حُرِّك): الخفيف من الرجال الدقيق. وقال الخطابي: هو من الرجال: الشاب المعتدل القناة. (تجهمت فلاناً): أي: كلحتُ في وجهه، وتقبضتُ عند لقائه. (فاحدقوه): يقال: أحدق به الناس، أي: أطافوا به، وأحدقوه بأبصارهم، أي: حققوا النظر إليه، وجعلوا أبصارهم محيطة به. (العصمة): ما يعتصم به، أي يستمسك. (1) أبو داود (4/ 96) نفس الكتاب والباب السابقين. (تقية): التقية والتقاة بمعنى، تقول: اتقى يتقي تُقاة وتقية. (أقذاء): جمع القذى، والقذاء جمع القذاة، وهو ما يقع في العين من الأذى، وفي الشراب والطعام من تراب أو تين. أو غير ذلك، والمراد به في الحديث: الفساد الذينيكون في القلوب، أي: إنهم يتقون بعضهم بعضاً ويظهرون الصلح والاتفاق، ولكن في باطنهم خلاف ذلك. (هدنة على دخن): الهدنة والدخن، قد ذكرا، وقد جاء في الحديث تفسير الدخن، قال: "لا ترجع قلوب قوم على ما كانت عليه" وأصل الدَّخن: أن يكون في لون الدابة كدورة إلى سواد، ووجه الحديث: أن تكون القلوب كهذا اللون، لا يصفو بعضها لبعض. (جذل الشجرة): أصلها، وجذل كل شيء أصله.

وفي رواية بهذا الحديث (1)، وقال: "فإن لم تجد يومئذٍ خليفة، فاهرب حتى تموت وأنت عاضٌ" - وقال في آخره: قلت: فما يكون بعد ذلك؟ قال: "لو أن رجلاً نتج فرساً لم تُنتج له حتى تقوم القيامة". وفي أخرى له (2): قال نصر بن عاصمٍ الليثي: أتينا اليشكري في رهطٍ من بني ليث، فقال: من القوم؟ فقلنا: بنو الليث، أتيناك نسألك عن حديث حُذيفة، قال: أقبلنا مع أبي موسى قافلين، وغلتِ الدواب بالكوفة، فسألت أبا موسى أنا وصاحب لي، فأذن لنا، فقدمنا الكوفة، فقلت لصاحبي: أنا داخل المسجد، فإذا قامت السوق خرجت إليك، قال: فدخلتُ المسجد، فإذا فيه حلقةً، كأنما قطعت رؤوسهم، يستمعون إلى حديث رجلٍ، قال: فقمتُ عليهم، فجاء رجلٌ، فقام إلى جنبي، فقلتُ: من هذا؟ قال: أبصري أنت؟ قلت نعم. قال: قد عرفتُ، ولو كنت كوفياً، لم تسأل عن هذا، قال: فدنوت منه، فسمعتُ حذيفة يقول: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر، وعرفت أن الخير لن يسبقني، قلت: يا رسول الله، هل بعد هذا الشر خير؟ قال: "يا حذيفة تعلَّم كتاب الله، واتبع ما فيه" -ثلاث مرات- قلتُ: يا رسول الله [هل] بعد هذا الخير شرٌّ؟ قال: "فتنةٌ وشر" قال: قلتُ: يا رسول الله [هل] بعد هذا الشر خيرٌ؟ قال: "يا حذيفةُ، تعلم كتاب الله، واتبع ما فيه" - ثلاث مرات- قلت: يا رسول الله، [هل] بعد هذا الشر خير؟ قال: "هُدنةً على دخن، وجماعةً على أقذاء فيها، أو فيهم" قلتُ: يا رسول الله، الهدنة على الدخن ما هي؟ قال: "لا ترجعُ قلوب أقوام على الذي كانت عليه" قلت: يا رسول الله هل بعد هذا الخير شر؟ قال: "يا حذيفة، تعلم كتاب الله، واتبع ما فيه" - ثلاث مرات- قلت: يا رسول الله، بعد هذا الخير شر؟ قال: "نعم فتنةٌ عمياءُ صماءُ، عليها دُعاةٌ على أبواب النار، فإن مُتَّ يا حذيفةُ وأنت عاضٌّ على جذل شجرةٍ خيرٌ لك من أن تتبع أحداً منهم".

_ (1) أبو داود: الموضع السابق. (2) أبو داود: الموضع السابق.

أقول: للعلماء في تفسير الطائفة التي ورد ذكرها في أحاديث كثيرة كلام كثير، ويكاد الجميع يتفقون على: أن أهل العلم من أهل السنة والجماعة يدخلون في هذه الطائفة وبعضهم لم يدخل معهم غيرهم فيها وبعضهم أدخل معهم غيرها، ومما يدل على أن أهل العلم همن هذه الطائفة أو منها: استعمال كلمة الطائفة في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} (1) ومن كلام العلماء في هذه الطائفة ما ذكره النووي في شرح مسلم فقال: (إن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين، منهم شجعان مقاتلون، ومنهم محدثون ومنهمن زهاد، آمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين بل قد يكونوا متفرقين في أقطار الأرض) أ. هـ. ومن كلام العلماء في هذه الطائفة ما ذكره البخاري وعلق عليه ابن حجر وهذا كلامهما: قال البخاري: (باب وكذلك جعلناكم أمة وسطاً، وما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- من لزوم الجماعة وهم أهل العلم) أ. هـ. قال ابن حجر: (فعرف أن المراد با لوصف المذكور أهل السنة والجماعة، وهم أهل العلم الشرعي، ومن سواهم ولو نسب إلى العلم، فهي نسبة صورة لا حقيقية) أ. هـ. 474 - * روى الطبراني في الأوسط عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رحم الله من سمع مقالتي حتى يُبلِّغها غيره، ثلاث لا يُغِلُّ عليهن قلب امرئ مسلم؛ إخلاص العمل لله، والنصح لأئمة المسلمين، واللزوم لجماعتهم، فإن دُعاءهم يحيط من ورائهم إنه من تكن الدنيا نيته يجعل الله فقره بين عينيه، ويُشتتُ عليه ضيعتهُ ولا يأتيه منها إلا ما كُتب له، ومن تكن الآخرة نيته يجعل الله غناه في قلبه، ويكفيه ضيعته وتأتيه الدنيا وهي راغمة".

_ (1) التوبة: 122. 474 - مجمع الزوائد (10/ 247). وقال: روى ابن ماجه بعضه - رواه الطبراني في الأوسط ورجاله وثقوا.

وروى القسم الأول منه البزار عن أبي سعيد الخدري (1) والدارمي عن أبي الدرداء (2) وعن جبير بن مطعم (3) وأخرجه بنصه عن زيد بن ثابت (4). 475 - * روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كره من أميره شيئاً فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتةً جاهليةً". وفي رواية (5): "فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات فميتته جاهليةٌ". 476 - * روى البخاري ومسلم عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال ناس من أُمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمرُ الله وهم ظاهرون". وفي رواية (6) "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين ... " وذكره قال أبو عبد الله: هم أهل العلم. وفي أخرى (7) "لن يزال قومٌ من أمتي ظاهرين على الناس ... " وذكره.

_ (1) كشف الأستار (1/ 85). وهو في مجمع الزوائد (1/ 137). (2) الدارمي (1/ 76) المقدمة 23 - باب الاقتداء بالعلماء. (3) الدارمي (1/ 74) الموضع السابق. (4) الدارمي (1/ 75) المقدمة الموضع السابق. 475 - البخاري (13/ 5) 92 - كتاب الفتن 2 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "سترون بعدي أموراً تنكرونها". مسلم (3/ 1478) 33 - كتاب الإمارة 13 - باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن ... إلخ. (5) البخاري ومسلم: نفس الموضعين السابقين. قال ابن الأثير: ومعنى قوله: "فميتته جاهليةٌ"، أي: على ما مات عليه أهلُ الجاهلية قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، من الجهالة والضلالة. 476 - البخاري (6/ 632) 61 - المناقب 28 - باب حدثنا محمد بن المثنى ... إلخ. مسلم (3/ 1523) 33 - كتاب الإمارة 52 - باب قوله صلى الله عليه وسلم "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين ... إلخ. (6) البخاري (13/ 293) 96 - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة -1 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "لا تزال طائفة من أمتي ... إلخ. (7) البخاري (13/ 442) 97 - كتاب التوحيد 29 - باب قول الله تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ}.

477 - * روى أبو داود عن عمران بن حُصين رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفةٌ من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من نأواهم حتى يقاتل آخرُهم المسيح الدجال". 478 - * روى البخاري ومسلم عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، قال: -وهو يخطب- سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تزال من أمتي أمةٌ قائمةٌ بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك". قال ابن يُخامر: سمعت معاذاً يقول: هم أهل الشام- أو بالشام- فقال معاوية: هذا مالك بن يُخامر يزعم أنه سمع معاذاً يقول: وهم بالشام. وفي رواية (1) قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يُرد الله به خيراً يُفقهه في الدين، ولا تزالُ عصابةٌ من المسلمين يقاتلون على الحق: ظاهرين على من ناوأهم إلى يوم القيامة". 479 - * روى الطبراني عن عُمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة". 480 - * روى الإمام أحمد عن جابر بن سمرة قال: نُبئتُ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال هذا الدين قائماً عليه عصابةٌ من المسلمين حتى تقوم الساعة". وفي رواية عن جابر بن سمرة عن من حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره.

_ 477 - أبو داود (3/ 4) كتاب الجهاد - باب في دوام الجهاد. وهو حديث صحيح. 478 - البخاري (6/ 632) 61 - كتاب المناقب 28 - باب حدثنا محمد بن المثنى ... إلخ. مسلم (3/ 1524) 33 - كتاب الإمارة 53 - باب قوله صلى الله عليه وسلم "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين" .. إلخ. (1) مسلم في الموضع السابق. (ناوأهم): المناوأة: المعاداة. 479 - مجمع الزوائد (7/ 288) وقال: رواه الطبراني في الصغير والكبير ورجال الكبير رجال الصحيح. 480 - مسند أحمد (5/ 92، 94، 98). مجمع الزوائد (7/ 288) وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

481 - * روى البزار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال هذا الأمر أو على هذا الأمر عصابةٌ من أمتي لا يضرهم خلاف من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله". 482 - * روى الإمام أحمد عن سلمة بن نُفيل قال: إنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني سئمتُ الخيل، وألقيتُ السلاح، ووضعت الحربُ أوزارها، قلت: لا قتال، فقال له النبي صلى الله علهي وسلم: "الآن جاء القتال، لا تزال طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الناس يرفع الله قلوب أقوام يقاتلونهم، ويرزقهم الله منهم حتى يأتي أمرُ الله عز وجل وهم على ذلك ألا إن عُقر دار المؤمنين الشام، والخيلُ معقودٌ في نواصيها الخيرُ إلى يوم القيامة". 483 - * روى ابن ماجه عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزال طائفةٌ من أمتي قوامةً على أمر الله لا يضرها من خالفها". 484 - * روى ابن ماجة عن معاوية بن قُرة عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزالُ طائفةٌ من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة". 485 - * روى ابن ماجه عن عمرو بن شعيبٍ عن أبيه، قال: قام معاويةٌ خطيباً فقال: أين علماؤكم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تقوم الساعة إلا وطائفةٌ من أمتي ظاهرون على الناس لا يُبالون من خذلهم ولا من نصرهم". 486 - * روى ابن ماجه عن أبي عنبة الخولاني - وكان قد صلى القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "لا يزال الله يغرس في هذا الدين

_ 481 - كشف الأستار (4/ 111) مجمع الزوائد (7/ 288) وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير زهير بن محمد بن قمبر وهو ثقة. 482 - مسند أحمد (4/ 104). وهو حديث صحيح. 483 - ابن ماجه (1/ 5) المقدمة 1 - باب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو صحيح. 484 - السابق. وهو صحيح. وفي رواية: خذلان من خذلهم. 485 - السابق. وهو حديث حسن. 486 - السابق. وهو حديث حسن.

غرساً يستعملهم في طاعته". 487 - * رى البزار عن فضالة بن عُبيدٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ثلاثةٌ لا يُسأل عنهم رجلٌ فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصياً وأمةٌ أو عبد أبق من سيده فمات، وامرأةٌ غاب عنها زوجُها وقد كفاها أمر الدنيا فتزوجت [وفي رواية: فتبرجت] بعده. وثلاثة لا يُسألُ عنهم رجل نازع الله رداءه، فإن رداءه الكبرياء وإزاره العز، ورجل كان في شكٍ من أمر الله والقنوطُ من رحمة الله". 488 - * روى النسائي عن أسامة بن شريك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما رجلٍ [خرج] يُفرق أمتي فاضربوا عُنقه". 489 - * روى الإمام أحمد عن ربعي بن حراش قال: انطلقتُ إلى حذيفة بالمدائن ليالي سار الناس إلى عثمان فقال: يا ربعي ما فعل قومُك؟ قال: قلت عن أيهم تسألُ؟ قال: من خرج منهم إلى هذا الرجل؟ قال: فسميت رجالاً ممن خرج إليه. فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من فارق الجماعة واستذل الإمارة لقي الله ولا وجه له عنده". 490 - * روى الإمام أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه (رفعه): "من فارق الجماعة شبراً فقد خلع ربقة الإسلام من عُنقه.

_ 487 - كشف الأستار (1/ 61) وقال: رجاله ثقات. المعجم الكبير (18/ 306). مجمع الزوائد (1/ 105) وقال: رواه البزار والطبراني في الكبير فجعلهما حديثين ورجاله ثقات. 488 - النسائي (7/ 93) 37 - كتاب تحريم الدم 6 - باب قتل من فارق الجماعة. وفي سنده زيد بن عطاء بن السائب لم يوثقه غير ابن حبان وباقي رجاله ثقات وللحديث شاهد. 489 - مسند أحمد (5/ 387). مجمع الزوائد (5/ 232) وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات. 490 - مسند أحمد (5/ 180). أبو داود (4/ 241) كتاب السنة -باب في قتل الخوارج. المستدرك (1/ 117). وهو حديث صحيح.

491 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عباسٍ رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يد الله مع الجماعة". 492 - * روى الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لن تجتمع أمتي على ضلالة فعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة". 493 - * روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: خطبنا عمر بالجابية، فقال: يا أيها الناس، إني قمتُ فيكم كمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا قال: "أوصيكم بأحصابي، ثم الذين يلونهم، [ثم الذين يلونهم]، ثم يفشو الكذب حتى يحلف الرجل ولا يُستحلفُ، ويشهد الشاهدُ ولا يُستشهدُ، ألا لا يخلُونَّ رجلٌ بامرأةٍ إلا كان ثالثهما الشيطانُ، عليكم بالجماعة، وإياكم والفُرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعدُ، من أراد بُحبوحةَ الجنة فليلزم الجماعة، من سرته حسنته، وساءته سيئته: فذلكم المؤمن". 494 - * روى الحاكم عن ابن عباس يحدث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا يجمع الله أمتي" أو قال: "هذه الأمة على الضلالة أبداً ويد الله على الجماعة". قال السخاوي في المقاصد تحت حديث: (لا تجتمع أمتي على ضلالة) متنه مشهور وله أسانيدُ كثيرة، وشواهدُ عديدةٌ في المرفوع وغيره، وأورد روايات عديدة نحوه.

_ 491 - الترمذي (4/ 466) 34 - كتاب الفتن 7 - باب ما جاء في لزوم الجماعة. وقال: هذا حديث حسن غريب. 492 - المعجم الكبير (12/ 447). مجمع الزوائد (5/ 218) وقال: رواه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما ثقات رجال الصحيح خلا مرزوق مولى آل طلحة وهو ثقة. 493 - الترمذي (4/ 465) 34 - كتاب الفتن 7 - باب ما جاء في لزوم الجماعة. وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. قال محقق الجامع: وإسناده حسن. مسند أحمد (1/ 18). المستدرك (1/ 114) وقال: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. والحديث صحيح. (يفشو): فشا الشيء: إذا ظهر وانتشر. بُحبوحةٍ): بُحبوحة الجنة: وسطها، وبُحبوحة كل شيء: وسطه وخياره. 494 - المستدرك (1/ 116).

495 - * روى الطبراني عن الحارث بن قيس، قال: قال لي عبد الله بن مسعود يا حارثُ بن قيسٍ أليس يسرك أن تسكن وسط الجنة؟ قال: نعم. قال: فالزم جماعة الناس. 496 - * روى الحاكم عن يسير بن عمرو، أن أبا مسعود لما قتل عثمان احتجب في بيته، فأتيته فسألته عن أمر الناس، فقال: عليك بالجماعة فإن الله لم يجمع أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم على ضلالة، واصبر حتى يستريح بر ويُستراح من فاجر. وفي رواية عن يسير قال: لقيت أبا مسعود حين قتل علي فتبعته فقلت له: أنشدك الله ما سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم في الفتن؟ فقال: إنا لا نكتمُ شيئاً، عليك بتقوى الله والجماعة، وإياك والغُرقة فإنها هي الضلالة، وإن الله لم يكن ليجمع أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم على ضلالة. * * *

_ 495 - مجمع الزوائد (5/ 223) وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات. 496 - المستدرك (4/ 506) وقال: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. المعجم الكبير (17/ 239). مجمع الزوائد (5/ 218) وقال: رواه كله الطبراني ورجال هذه الطريقة الثانية ثقات.

النقول

النقول لقد ذكرنا في بدايات هذا الفصل النصوص التي تتحدث عن افتراق الأمة الإسلامية إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، وسار بنا الحديث من نقطة إلى نقطة والهدف كله هو: الفرز والتعرف، نفرز الفرقة الناجية عن غيرها، وأن نتعرف على الفرقة الناجية وعلاماتها وصور وجود أهلها، وبعد هذه السياقات كلها فقد آن الأوان لنتعرف على الإطار النظري للفرقة الناجية وهم أهل السنة والجماعة، واخترنا أن يكون هذا التعرف من خلال كلام عبد القاهر البغدادي في كتابه (الفَرْق بين الفِرَق) لأنه أحد أعلام عصره في هذا العلم. فقد حاول الشيخ عبد القاهر البغدادي رحمه الله في كتابه المذكور أن يبين أركان التصورات التي تجعل الإنسان من أهل السنة والجماعة، وذكر أصناف الخلق الذين يدخلون في أهل السنة واجلماعة. 1 - أركان التصورات التي تجعل الإنسان من أهل السنة والجماعة: قال الشيخ عبد القاهر البغدادي رحمه الله: (قد اتفق جمهورُ أهل السنة والجماعة على أصول من أركان الدين، كلُّ ركنٍ منها يجب على كل عاقلٍ بالغ معرفة حقيقته، ولكل ركن منها شُعب، وفي شُعبها مسائل اتفق أهل السنة فيها على قول واحد، وضللوا من خالفهم فيها. (1) وأول الأركان التي رأوها من أصول الدين: إثباتُ الحقائق والعلوم، على الخصوص والعموم. (2) الركن الثاني: هو العلم بحدوث العالم في أقسامه، من أعراضه وأجسامه. (3) والركن الثالث: في معرفة صانع العالم وصفات ذاته. (4) والركن الرابع: في معرفة صفاته الأزلية. (5) والركن الخامس: في معرفة أسمائه وأوصافه.

(6) والركن السادس: في معرفة عدله وحكمته. (7) والركن السابع: في معرفة رسله وأنبيائه. (8) والركن الثامن: في معرفة معجزات الأنبياء، وكرامات الأولياء. (9) والركن التاسع: في منعرفة ما أجمعت الأمة عليه، من أركان شريعة الإسلام. (10) والركن العاشر: في معرفة أحكام الأمر والنهي، والتكليف. (11) والركن الحادي عشر: في معرفة فناء العباد وأحكامهم في المعاد. (12) والركن الثاني عشر: الخلافة والإمامة، وشروطه الزعامة. (13) والركن الثالث عشر: في أحكام الإيمان والإسلام في الجملة. (14) والركن الرابع عشر: في معرفة أحكام الأولياء، ومراتب الأئمة الأتقياء. (15) والركن الخامس عشر: في معرفة أحكام الأعداء من الكفرة وأهل الأهواء فهذه أصول اتفق أهل السنة على قواعدها، وضللوا من خالفهم فيها، وفي كل ركن منها مسائل أصولٍ ومسائل فروعٍ، وهم مجمعون على أصولها وربما اختلفوا في بعض فروعها اختلافاً لا يوجب تضليلاً ولا تفسيقاً) أ. هـ. وقد تكلم الشيخ عبد القاهر في مضمونات هذه الأركان، وكتابه كله تفصيل لمذاهب أهل السنة ومن خالفهم، وقد ترك هذا الكتاب بصماته على كل كتاب أُلِّف بعده في العقائد، رغم أن بعض كلامه متأثر بثقافة عصره الكونية، ولذلك حذفنا ما كان من هذا القبيل لأن الحقائق العلمية في عصرنا اتجهت اتجاهاً آخر، ولكن هذا الكتاب يبقى من أمهات الكتب التي ينبغي لطالب العلم أن يمعن النظر فيها بعد أن يكون قد درس بعض كتب عقائد أهل السنة والجماعة كسلّم يرتقي بها إلى هذا الكتاب. وقد شرح في أواخر هذا الكتاب الأركان التي تعتبر قاسماً مشتركاً بين أهل السنة والجماعة وبين غيرهم، والتي ذكرناها منذ قليل. وهذه مقتطفات من شروحه، قال في شرحه للركن الأول:

(وقالوا: إن الأخبار التي يلزمنا العمل بها ثلاثة أنواع: تواتر، وآحاد ومتوسط بينهما مستفيض. فالخبر المتواتر الذي يستحيل التواطؤ على وضعه يوجب العلم الضروري بصحة مخبره، وبهذا النوع من الأخبار علمنا البُلدان التي لم ندخلها، وبها عرفنا الملوك والأنبياء والقرون الذين من قبلنا، وبه يعرف الإنسانُ والديه اللذين هو منسوبٌ إليهما). أقول: وقد أكفر أهل السنة كل من أنكر متواتراً أو أوله على غير الفهم الضروري، ومن ههنا وغيره أكفروا القاديانية التي نفت نزول المسيح عليه السلام مع التواتر الصريح في نزوله وأولوا ما ورد في ذلك على غير الفهم الضروري وهذه إحدى كفرياتهم. وقال: (وأما أخبار الآحاد فمتى صح إسنادها وكانت متونها غير مستحيلة في العقل كانت موجبةً للعمل بها، دون العلم [القطعي الذي يكفر منكره]، وكانت بمنزلة شهادة العُدول عند الحاكم في أنه يلزم الحكم بها في الظاهر). (وبهذا النوع من الخبر أثبت الفقهاء أكثر فروع الأحكام الشرعية في العبادات والمعاملات وسائر أبواب الحلال والحرام، وضللوا من أسقط وجوب العمل بأخبار الآحاد في الجملة، من الرافضة والخوارج وسائر أهل الأهواء). (وأما الخبر المستفيض المتوسط بين التواتر والآحاد فإنه يُشارك التواتر في إيجابه للعلم والعمل، ويُفارقه من حيث إن العلم الواقع عنه يكون علماً مكتسباً نظرياً، والعلم الواقع عن التواتر يكون ضرورياً غير مكتسب). (وضللوا من خالف فيها من أهل الأهواء، كتضليل الخوارج في إنكارها الرجم، وتضليل من أنكر من النجدات حد الخمر، وتضليل من أنكر المسح على الخفين، وتكفير من أنكر الرؤية، والحوض، والشفاعة، وعذاب القبر). وكذلك ضللوا الخوارج الذين قطعوا يد السارق في القليل والكثير من الحِرز وغير الحرز؛ لردهم الأخبار الصحاح في اعتبار النصاب والحرز في القطع.

وكما ضللوا من رد الخبر المستفيض، ضللوا من ثبت على حكم خبر اتفق الفقهاء من فريقي الرأي والحديث على نسخه، كتضليل الرافضة في المتعة التي قد نسخت إباحتها. واتفقوا على أن أصول أحكام الشريعة: القرآن، والسنة، وإجماع السلف). (وأما الركن الثاني- وهو الكلام في حدوث العالم- فقد أجمعوا على أن العالم كل شيء هو غير الله عز وجل، وعلى أن كل ما هو غير الله تعالى وغير صفاته الأزلية مخلوق مصنوع، وعلى أن صانعه ليس بمخلوق ولا مصنوع، ولا هو من جنس العالم ولا من جنس شيء من أجزاء العالم). (وقالوا بإثبات الملائكة والجن والشياطين). (وقالوا في الركن الرابع- وهو الكلام في الصفات القائمة بالله عز وجل- إن علم الله تعالى وقدرته وحياته وإرادته وسمعه وبصره وكلامه صفاتٌ له أزلية ونعوت له أبدية). (وقالوا في الفرق بين الرسول والنبي: إن كل من نزل عليه الوحي من الله تعالى على لسان ملك من الملائكة وكان مؤيداً بنوع من الكرامات الناقضة للعادات فهو نبي، ومن حصلت له هذه الصفة وخص أيضاً بشرع جديد أو بنسخ بعض أحكام شريعة كانت قبله فهو رسول). (وقالوا: يجوز ظهور الكرامات على الأولياء، وجعلوها دلالة على الصدق في أحوالهم كما كانت معجزات الأنبياء دلالة على صدقهم في دعاويهم. وقالوا: على صاحب المعجزة إظهارها والتحدي بها، وصاحب الكرامات لا يتحدى بها غيره، وربما كتمها، وصاحب المعجزة مأمون العاقبة، وصاحب الكرامة لا يأمن تغير عاقبته كما تغيرت عاقبة بلعم بن باعورا بعد ظهور كراماته). (وقالوا: أصول أحكام الشريعة، الكتابُ، والسنة، وإجماع السلف، وأكفروا من لم ير إجماع الصحابة حجة، وأكفروا الخوارج في ردهم حجج الإجماع والسنن، وأكفروا من قال من الروافض لا حُجة في شيء من ذلك، وإنما الحجة في قول الإمام الذي ينتظرونه).

(وقالوا في الركن العاشر- المضاف إلى الأمر والنهي- إن أفعال المكلفين خمسة أقسام: واجب، ومحظور، ومسنون، ومكروه، ومُباح. فالواجب: ما أمر الله تعالى به على وجه اللزوم، وتاركه مستحق للعقاب على تركه. والمحظور: ما نهى الله عنه، وفاعله يستحق العقاب على فعله. والمسنون: ما يُثاب فاعله، ولا يعاقب تاركه. والمكروه: ما يُثاب تاركه ولا يعاقب فاعله). أقول: الكراهة التحريمية عند الحنفية كالحرام، فصاحبها يستحق العقاب. (والمباح: ما ليس في فعله ثواب ولا عقاب، ولا في تركه ثواب ولا عقاب). أقول: إلا إذا وجدت في المباح نية صالحة فإنها تنقله إلى أن يكون عبادة يؤجر عليها. (وهذا كله في أفعال المكلفين، فأما أفعال البهائم والمجانين والأطفال فإنها لا تُوصف بالإباحة والوجوب والحظر بحال). (وقالوا في الركن الثاني عشر- المضاف إلى الخلافة والإمامة- إن الإمامة فرض واجب على الأمة لأجل إقامة الإمام، ينصب لهم القضاة والأمناء ويضبط ثغورهم، ويُغزي جيوشهم، ويقسم الفيء بينهم، وينتصف لمظلومهم من ظالمهم. وقالوا: إن طريق عقد الإمامة للإمام في هذه الأمة الاختيار بالاجتهاد). (وقالوا في الركن الثالث عشر - المضاف إلى الإيمان والإسلام- إن أصل الإيمان المعرفة والتصديقُ بالقلب، وإنما اختلفوا في تسمية الإقرار وطاعات الأعضاء الظاهرة إيماناً، مع اتفاقهم على وجوب جميع الطاعة المفروضة، وعلى استحباب النوافل المشروعة). (وقالوا: إن اسم الإيمان لا يزول بذنب دون الكفر، ومن كان ذنبه دون الكفر فهو مؤمنٌ وإن فسق بمعصية. وقالوا: لا يحل قتل امرئٍ مسلم إلا بإحدى ثلاث: من رِدة، أو زنا بعد إحصان، أو

قصاص بمقتول هو كفؤه، وهذا خلاف قول الخوارج في إباحة قتل كل عاصٍ لله تعالى). أقول: قضية كفاءة المقتول للقاتل فيها تفصيل وخلاف بين أهل السنة والجماعة. (وقالوا في الركن الرابع عشر- المضاف إلى الأولياء والأئمة- إن الملائكة معصومون عن الذنوب، لقول الله تعالى فيهم: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [الآية 6 سورة التحريم]. (وقالوا بفضل الأنبياء على الأولياء من الأمم). أقول: وقد كفَّروا من فضل الأولياء على الأنبياء كبعض الشيعة وبعض الصوفية. (وقالوا أيضاً بموالاة كل من مات على دين الإسلام، ولم يكن قبل موته على بدعة من ضلالات أهل الأهواء الضالة). (وقالوا في الركن الخامس عشر المضاف إلى أحكام أعداء الدين - إن أعداء دين الإسلام صنفان: صنف كانوا قبل ظهور دولة الإسلام، وصنف ظهروا في دولة الإسلام وتستروا بالإسلام في الظاهر، وكادوا المسلمين، وابتغوا غوائلهم). (وأجمع فقهاء الإسلام على استباحة ذبائح اليهود والسامرة والنصارى، وعلى جواز نكاح نسائهم، وعلى جواز قبول الجزية منهم). (وأما الكفرة الذين ظهروا في دولة الإسلام، واستتروا بظاهر الإسلام، واغتالوا المسلمين في السر- كالغُلاة من الرافضة السبئية، والبيانية، والمغيرية، والمنصورية، والجناحية، والخُطابية، وسائر الحلولية، والباطنية، والمقنعية المبيضة بما وراء نهر جيحُون، والمحمرة بأذربيجان، ومحمرة طبرستان، والذين قالوا بتناسخ الأرواح من أتباع ابن أبي العوجاء، ومن قال بقول أحمد بن خابط من المعتزلة، ومن قال بقول اليزيدية من الخوارج الذين زعموا أن شريعة الإسلام تنسخ بشرع نبي من العجم، ومن قال بقول الميمونية من الخوارج الذين أباحوا نكاح بنات البنين وبنات البنات، ومن قال بمذاهب العذافرة من أهل بغداد، أو قال بقول الحلاجية الغُلاة في مذهب الحلولية، أو قال بقول البابكية أو الرزامية

المفرطة في أبي مسلم صاحب دولة بني العباس، أو قال بقول الكاملية الذين أكفروا الصحابة بتركها بيعة علي، وأكفروا عليًّا بتركه قتالهم - فإن حكم هذه الطوائف التي ذكرناها حكم المرتدين عن الدين، ولا تحل ذبائحهم، ولا يحل نكاح المرأة منهم، ولا يجوز تقريرهم في دار الإسلام بالجزية، بل يجب استتابتهم فإن تابوا وإلا وجب قتلهم واستغناهم أموالهم. واختلفوا في استرقاق نسائهم وذراريهم، فأباح ذلك أبو حنيفة وطائفة من أصحاب الشافعي، ومنهم أبو إسحاق المروزي صاحب ابن سريج، ومن أباح ذلك استدل بأن خالد ابن الوليد لما قاتل بني حنيفة وفرَغَ من قتل مُسيلمة الكذاب صالح بني حنيفة على الصفراء والبيضاء، وعلى ربع السبي من النساء والذرية، وأنفذهم إلى المدينة، وكان منهم خولة أم محمد بن الحنفية). * * * (أهل السنة لا يكفِّر بعضهم بعضاً، وليس بينهم خلاف يوجب التبري والتكفير. فهم إذن أهلُ الجماعة القائمون بالحق، والله تعالى يحفظ الحق وأهله، فلا يقعون في تنابذ وتناقض، وليس فريق من فرق المخالفين إلا وفيهم تكفير بعضهم لبعض، وتبري بعضهم من بعض). (وقالوا بموالاة أقوام وردت الأخبار بأنهم من أهل الجنة، وأن لهم الشفاعة في جماعة من الأمة، ومنهم أويس القرني، والخبر فيهم مشهور. وقالوا بتكفير كل من أكفر واحداً من العشرة الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة. وقالوا بموالاة جميع أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكفروا من أكفرهن أو أكفر بعضهن). أقول: ومن أصول عقائد أهل السنة والجماعة: محبة الصحابة وتعديلهم والاعتذار لما وقع بينهم، وحمله على أحسن تأويل. (وقالوا بموالاة الحسن والحسين والمشهورين من أسباط رسول الله عليه الصلاة والسلام، كالحسن بن الحسن، وعبد الله بن الحسن، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي ابن الحسين المعروف بالباقر، وهو الذي بلَّغه جابر بن عبد الله الأنصاري سلام رسول الله

صلى الله عليه وسلم، وجعفر بن محمد المعروف بالصادق، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى الرضا، وكذلك قولهم في سائر أولاد علي من صُلبه، كالعباس، وعمر، ومحمد بن الحنفية، وسائر من درج على سنن آبائه الطاهرين، دون من مال منهم إلى الاعتزال أو الرفض، ودون من انتسب إليهم وأشرف في عدوانه وظلمه كالبرقعي الذي عدا على أهل البصرة ظلماً وعدواناً، وأكثر النسابين على أنه كان دعيّاً فيهم ولم يكن منهم. قالوا بموالاة أعلام التابعين للصحابة بإحسان، وهم الذين قال الله تعالى فيهم: {يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}. وقالوا ذلك في كل من أظهر أصول أهل السنة. وإنما تبرءوا من أهل الملل الخارجة عن الإسلام، ومن أهل الأهواء الضالة مع انتسابها إلى الإسلام كالقدرية، والمرجئة، والرافضة، والخوارج، والجهمية، والنجارية، والمجسمة). ومن كلام الشيخ عبد القاهر في من يدخل في أهل السنة والجماعة ويعتبر منهم: (اعلموا - أسعدكم الله - أن أهل السنة والجماعة ثمانية أصناف من الناس: (1) صنفٌ منهم: أحاطوا علماً بأبواب التوحيد والنبوة، وأحكام الوعد والوعيد، والثواب والعقاب، وشروط الاجتهاد، والإمامة، والزعامة، وسلكوا في هذا النوع من العلم طرق الصفاتية من المتكلمين الذين تبرءوا من التشبيه والتعطيل، ومن بدع الرافضة والخوارج والجهمية والنجارية، وسائر أهل الأهواء الضالة. (2) والصنف الثاني منهم: أئمة الفقه من فريقي الرأي والحديث، من الذين اعتقدوا في أصول الدين مذاهب الصفاتية في الله وفي صفاته الأزلية، وتبرءوا من القدر والاعتزال، وأثبتوا رؤية الله تعالى بالأبصار من غير تشبيه ولا تعطيل، وأثبتوا الحشر من القبور، مع إثبات السؤال في القبر، ومع إثبات الحوض والصراط والشفاعة وغفران الذنوب التي دون الشرك.

(وقالوا: بدوام نعيم الجنة على أهلها، ودوام عذاب النار على الكفرة، وقالوا: بإمامة أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وأحسنوا الثناء على السلف الصالح من الأمة، ورأوا وجوب الجمعة خلف الأئمة الذين تبرءوا من أهل الأهواء الضالة، ورأوا وجوب استنباط أحكام الشريعة من القرآن والسنة ومن إجماع الصحابة، ورأوا جواز المسح على الخفين، ووقوع الطلاق الثلاث، ورأوا تحريم المتعة، ورأوا وجوب طاعة السلطان فيما ليس بمعصية. ويدخل في هذه الجماعة أصحاب مالك، والشافعي، والأوزاعي، والثوري، وأبي حنيفة، وابن أبي ليلى، وأصحاب أبي ثور، وأصحاب أحمد بن حنبل، وأهل الظاهر، وسائر الفقهاء الذين اعتقدوا في الأبواب العقلية أصول الصفاتية، ولم يخلطوا فقهه بشيء من بدع أهل الأهواء الضالة. (3) والصنف الثالث منهم: هم الذين أحاطوا علماً بطرق الأخبار والسنن المأثورة عن النبي عليه السلام، وميزوا بين الصحيح والسقيم منها، وعرفوا أسباب الجرح والتعديل، ولم يخلطوا علمهم ذلك بشيء من بِدَعِ أهل الأهواء الضالة. (4) والصنف الرابع منهم: قوم أحاطوا علماً بأكثر أبواب الأدب والنحو والتصريف، وجروا على سمت أئمة اللغة، كالخليل، وأبي عمرو بن العلاء وسيبويه، والفراء، والأخفش، والأصمعي، والمازني، وأبي عُبيد، وسائر أئمة النحو من الكوفيين والبصريين، الذين لم يخلطوا علمهم ذلك بشيء من بدع القدرية أو الرافضة أو الخوارج، ومن مال منهم إلى شيء من الأهواء الضالة لم يكن من أهل السنة، ولا كان قوله حُجة في اللغة والنحو. (5) والصنف الخامس منهم: هُم الذين أحاطوا علماً بوجوه قراءات القرآن، وبوجوه تفسير آيات القرآن، وتأويلها على وفق مذاهب أهل السنة، دون تأويلات أهل الأهواء الضالة. (6) والصنف السادس منهم: الزهاد الصوفية الذين أبصروا فأقصروا واختبروا فاعتبروا، ورضُوا بالمقدر، وقنعوا بالميسور، وعلموا أن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك

مسئول عن الخير ولاشر، ومحاسبٌ على مثاقيل الذر، فأعدوا خير الإعداد، ليوم المعاد، وجرى كلامهم في طريقي العبارة والإشارة على سمت أهل الحديث، دون من يشتري لهو الحديث، لا يعملون الخير رياء، ولا يتركونه حياء، دينُهم التوحيد ونفي التشبيه، ومذهبهم التفويضُ إلى الله تعالى، والتوكل عليه، والتسليم لأمره، والقناعة بما رُزقوا، والإعراض عن الاعتراض عليه: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}. (7) والصنف السابع منهم: قوم مرابطون في ثغور المسلمين في وجوه الكفرة، يجاهدون أعداء المسلمين، ويحمون حمى المسلمين ويذبون عن حريمهم وديارهم، ويظهرون في ثغورهم مذاهب أهل السنة والجماعة، وهم الذين أنزل الله تعالى فيهم قوله: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} زادهم الله توفيقاً بفضله ومنه. (8) والصنف الثامن منهم: عامة البلدان التي غلب فيها شعار أهل السنة دون عامة البقاع التي ظهر فيها شعار أهل الأهواء الضالة. أ. هـ. * * * وإنما أردنا بهذا الصنف من العامة الذين اعتقدوا تصويب علماء السنة والجماعة في أبواب العدل والتوحيد، والوعد والوعيد، ورجعوا إليهم في معالم دينهم، وقلدوهم في فروع الحلال والحرام، ولم يعتقدوا شيئاً من بِدعِ أهل الأهواء الضالة، وهؤلاء هم الذين سمتهم الصوفية "حشو الجنة". فهؤلاء أصناف أهل السنة والجماعة ومجموعهم، أصحاب الدين القويم، والصراط المستقيم ثَبَّتهم الله تعالى بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، إنه بالإجابة جدير، وعليها قدير) أ. هـ الشيخ عبد القاهر.

وبعد: إن الأصل الأصيل أن يُحصل الإنسان الاعتقاد الحق اوالعمل المنسجم مع هذا الاعتقاد، فإذا حصَّل ذلك كان من أهل السنة والجماعة، فإذا كان مظهراً حقيقياً لمذاهب أهل الحق واعتقادهم كان علماً على الجماعة فبهداه يُهتدى، ومن ههنا كان في هذه الأمة أعلام أجمعت الأمة على اعتبارهم أئمة هدى، فليحاول المسلم أن يكون كذلك فيكون حجة الله على الخلق وذلك يكون بعلم وعمل وحال وسمت حسن، ثم إن كان لأهل السنة والجماعة إمام عدل نافذ السلطان يقودهم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فليبايع وليلزم وليستقم على ذلك، فإن لم يوجد خليفة راشد فسلطان راشد، فإن لم يكونا فليكن مع أهل العلم والجهاد ليكون مع الطائفة الظاهرة على الحق وإنما كانت كذلك لحملها الحق والدعوة له والعمل من أجله على بصيرة ولذلك فسر البخاري المراد بالطائفة بأنهم أهل العلم، وبعضهم فسر المراد بها بأنهم أهل الحديث، وبعض النصوص تصف هذه الطائفة بالجهاد، فمن وجد أحداً من مظنته أن يكون من هذه الطائفة فليلزم غرزه ولا يتسرع حتى يجتمع له طمأنينة العلم والاستخارة والاستشارة وانشراح الصدر ببرد اليقين، وإلا فليحب الخير وأهله دون التزام، وليحذر من جهل الصالحين، وفسوق العالمين فضلاً عن حذره من جهل الجاهلين وغلط العاملين، والتمسك بكتاب الله هو العاصم، فليعمل على بصيرة وليدع على بصيرة، فإذا لم يكن أمامه إلا عزلة أو متابعة على غير هدى فليعتزل، والمتابعةُ على غير هدى تكون إذا تابع دعاة كفر أو ضلال أو بدعة أو أهل جهل وهوى: "إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوى متبعاً ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك نفسك ودع عنك أمر العوام" (1). وفي حديث حذيفة قال: فإن لم يكن للمسلمين جماعة ولا إمام؟ قال: "فاعتزل تلك الفرق كلها" (2).

_ (1) أبو داود (4/ 123) كتاب الملاحم- باب الأمر والنهي. الترمذي (5/ 257) 48 - كتاب التفسير 6 - باب ومن سورة المائدة. وقال: حسن غريب. وهو حديث حسن بشواهده وطرقه. (2) هو جزء من حديث حذيفة أخرجه البخاري (13/ 35) 93 - كتاب الفتن 11 - باب الأمر إذا لم تكن جماعة. =

ولكن قد تتجسد الجماعة بفردٍ فليلازمه وليعملا معاً في نصرة الإسلام. ومع حبنا لدعاة الإسلام كلهم، ومع حبنا لكل مسلم، ومع إعطائنا الولاء والإخاء للمسلمين جميعاً، فإننا نستشعر أن المحاولات الجادة لاستئناف الحياة الإسلامية الراشدة يتوضع حولها وفي بنائها كثير من الأغاليط التي تحتاج إلى بصيرة نافذة كي لا يكون الإنسان شريكاً فيها أو داخلاً في دوامتها، ومن ههنا نقول: (اعرف ثم التزم) فلقد قال أحد العارفين لتلميذه: (يا بني كن محدثاً صوفياً ولا تكن صوفياً محدثاً) فمن تصوف قبل العلم تعصب وتحزب وحمل النصوص على ما يوافق الهوى ولم يحمل الهوى على ما يوافق النصوص وكذلك من التزم بشيء قبل العلم ولم يكن التزامه على ضوء العلم خيف عليه، وخيف منه على الصف الإسلامي، ثم إنه في موضوع الالتزام نفسه تغلب أغاليط، فهناك فارق بين الالتزام بخليفة راشد أو سلطان راشد وبين التزام بإخاء للتعاون على خير، فهذا له أحكامه وهذا له أحكامه، وكثيراً ما رأينا أفراداً يلتبس عليهم هذا الأمر فيفهمون الالتزام الثاني على أنه الالتزام الأول، ولا يعطون الالتزام الأول حقوقه فتلتبس الأمور وتختلط المفاهيم وتحدث المشقة التي تستتبع الخلاف والاختلاف والعصيان. * * *

_ = ومسلم (3/ 1475) 33 - كتاب الإمارة 12 - باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين ... إلخ.

الفصل الثاني والعشرون في: الاختلاف الجائز والاختلاف الممنوع

الفصل الثاني والعشرون في: الاختلاف الجائز والاختلاف الممنوع وفيه: التقليد الجائز والتقليد الممنوع مقدمة ونصوص

المقدمة

المقدمة لقد اختلف أئمة أهل السنة والجماعة في كثير من المسائل ومن قبلهم اختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته في كثير من الاجتهادات، بل إن بعضهم كان يجتهد في القضية الواحدة ثم يغير رأيه، وهذا كله لا خطر فيه، لأ، هـ اجتهاد حيث يحتمل الاجتهاد، واختلاف حيث تحتمل النصوص اختلافاً في الفهم، أو أنه اختلاف حيث تسكت النصوص، فهذا النوع من الاختلاف في الفروع إذا كان من أهله فالعذر فيه واضح ولا يؤثر على أصل العقيدة، فالاختلاف في الأصول هو الذي يدخل صاحبه في دائرة المذموم، أما الاختلاف في الفروع من أهله فذلك موجود في هذه الأمة. وعلى هذا نحمل الكلمة المشهورة: (نجتمع على ما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه)، وإنما اشترطنا في الاختلاف ليكون محموداً أن يكون من أهله أي مجتهدي أهل السنة والجماعة لأنهم هم الذين يعرفون الأصول التي لا تجوز مخالفتها ويعرفون الإجماع الذي لا تجوز مخالفته، ويعرفون أن يحملوا النصوص على محاملها الصحيحة ويعرفون روح الشريعة وأسرارها، فيضعون كل شيء في محله، فهؤلاء لهم حق الاجتهاد إذا توافرت شروطه فيهم، وهم في اختلافهم معذورون، ومن أخذ بفتوى واحد منهم أو بفتوى من يحسن استنباطط الفتوى على مذاهبهم فلا عليه من حرج، أما من اجتهد ولم تتوافر فيه شروط الاجتهاد فهو إمام ضلالة ولا تجوز متابعته فيما شذ فيه عن أقوال المجتهدين وأئمة الفتوى، فليس هو معذوراً في خلافه واختلافه، وليس من تابعه معذوراً في الخلاف والاختلاف. وههنا تأتي مسألة التقليد المباح أو الواجب أو المحرم: فالأصل الأصيل أن التقليد في الحياة البشرية له محله، فهذا الذي أخذ الدواء ولا يعرف عنه إلا أنه وصفة طبيب، فإنه

مقلد، والطبيب نفسه مقلِّد لشركات الدواء، والمزارع مقلد في كثير من الأمور، وهكذا قُل في أشياء كثيرة. فإذا أتينا إلى الشريعة، فالشريعة مبناها على النصوص، والنصوص مبناها على النقل، والنقل مبناه على الرجال، وكثيرون من الذين يشتغلون في الحديث يقلدون في الحكم على الرجال غيرهم من أئمة الجرح والتعديل، فمن ههنا نعرف أن ما يحاربه بعض المتشددين من أهل الحديث من تقليد الرجال هم أول الواقعين فيه، ولا ننكر عليهم ذلك، بل نُنْكِرُ عليهم أن يُنكروا على من قلد أئمة الاجتهاد. فتقليد أئمة الاجتهاد في المسائل الفقهية شيء عادي، فما كل إنسان يحسن استخراج الحكم الشرعي في كثير من الأحوال، ولذلك فإن علماءنا اعتبروا التقليد في الأصول مذموماً واعتبروه في المسائل المشتبهة التي أشار إليها الحديث الصحيح: "وبين ذلك أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس" واعتبروا التقليد في مثل هذا واجباً، فهذا تقليد محمودٌ، ولقد كتبنا كتابنا (جولات في الفقهين الكبير والأكبر) مناقشين فيه أهل التشدد في هذه الشؤون لأنهم يخالفون البدهيات، فليس كل مسلم مجتهداً، وللاجتهاد شروطه، وهم يتصدون للاجتهاد وليسوا مؤهلين له، فلو قلدهم مقلد لم ينكروا عليه، وإذا قلد أئمة الاجتهاد المعتبرين خطّأوه أو ضللوه، مع أن أئمة الاجتهاد لم يحرموا حلالاً ولم يحللوا حراماً، وإنما بحثوا في المشتبهات ليعطوا حصيلة اجتهادهم على ضوء النصوص، ولترصيع هذا الفصل ببعض الآثار والنصوص التي لها علاقة فيه نذكر الروايات التالية:

النصوص

النصوص 497 - * روى أبو داود عن أبي الدرداء، رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم يقول: "من سلك طريقاً يبتغي فيه علماً سهَّل الله له طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثةُ الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم. فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافرٍ". أقول: إن اتباع أئمة الهدى من العلماء هو اتباع لرسول صلى الله عليه وسلم في المال، إلا أن العلماء غير معصومين، ولكن أئمة الاجتهاد هم أعرف الخلف بالهدي الإسلامي ولذلك فإن اتباعهم هداية. 498 - * روى أبو داود عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من سُئل عن علمٍ فكتمه، أُلجم يوم القيامة بلجامٍ من نارٍ". هذا يدل على أنه لا تخلو الحياة الإسلامية من سؤال وجواب، وهذا يقتضي أن يوجد العالم الذي يُسأل والجاهل الذي يسأل. 499 - * روى البخاري ومسلم عن سهلٍ بن سعدٍ، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لعليٍّ، رضي الله عنه: "فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حُمر النعم".

_ 497 - أبو داود (3/ 317) كتاب العلم- باب الحث على طلب العلم. الترمذي (5/ 48) 42 - كتاب العلم 19 - باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة. وابن حبان -الإحسان (1/ 151). 498 - أبو داود (3/ 321) كتاب العلم - باب كراهية منع العلم. الترمذي (5/ 29) 42 - كتاب العلم 2 - باب ما جاء في كتمان العلم- وقال: حديث حسن. والحديث إسناده صحيح. 499 - البخاري (6/ 144) 56 - كتاب الجهاد 143 - باب فضل من أسلم على يديه رجل. مسلم (4/ 1872) 44 - كتاب فضائل الصحابة 4 - باب من فضائل علي بن أبي طالب، رضي الله عنه.

وهذا يدل على أن هناك دعاة ومدعوين، وأن لدعاة الحق هداية لمن اهتدى بهم فهو على صراط مستقيم، ولا شك أن الأئمة المجتهدين من هؤلاء الدعاة المهتدين الذين يهدون إلى ما هداهم الله إليه بثاقب فهمهم وقوة ورعهم. 500 - * روى مسلم عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً. ومن دعا إلى ضلالةٍ، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً". أقول: ههنا تابع للحق ومتبوع بالحق، وللتابع أجره وللمتبوع أجور نم اتبعوه على هدى، وأئمة الاجتهاد يدخلون في هذا المقام. 501 - * روى الإمام أحمد عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ضلَّ قومٌ بعد هُدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل". {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} (1). (الجدال والمراء): المخاصمة والمحاجة، وطلب المغالبة. والمراد ههنا الجدال بالباطل أو الجدال بأكثر مما تقتضيه إقامة الحجة، أو الجدال لإقامة الحجة بنية غير صالحة، أما أصل الجدال لإقامة الحجة بالحق لله فهذا دأب الدعاة. ومن الآية التي وردت في النص ندرك أن الجدال ههنا جدل المشركين الذين يدفعون الحق بالباطل.

_ 500 - مسلم (4/ 2060) 47 - كتاب العلم 6 - باب من سن سنة حسنة أو سيئة ... إلخ. 501 - مسند أحمد (5/ 253). الترمذي (5/ 378) 48 - كتاب تفسير القرآن 45 - باب ومن سورة الزخرف. وقال: حسن صحيح. ابن ماجه (1/ 19) المقدمة 7 - باب اجتناب البدع والجدل. وإسناده صحيح. ورواه الحاكم في المستدرك (2/ 448) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. (1) الزخرف: 58.

502 - * روى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المراءُ في القرآن كُفر". قال الخطابي: قال بعضهم: معنى المراء هاهنا: الشك فيه والارتياب به. وقال بعضهم: أراد الشك في القراءة التي لم يسمعها الإنسان، وتكون صحيحةً، فإذا أنكرها جاحداً لها، كان متوعداً بالكفر لينتهي عن مثل ذلك. وقال بعضهم: إنما جاء هذا في الجدال والمراء في الآيات التي فيها ذكرُ القدر ونحوه من المعاني، على مذهب أهل الكلام، دون ما تضمنته من الأحكام وأبواب التحليل والتحريم، فإن ذلك قد جرى بين الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم من العلماء، وليس ذلك محظوراً. والله تعالى أعلم. أقول: ويمكن أن يراد بالمراء مراءُ أصحاب الأهواء الذين كفروا بأهوائهم ويجادلون بفهمهم الكافر أهل الحق. 503 - * روى البخاري ومسلم عن جُندب بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قُلوبكم، فإذا اختلفتم فيه فقوموا". أقول: إذا كان هناك اختلاف في فهم، ولم يكن هناك مرجع يرجع إليه المختلفون فيحسم الخلاف في الحق فيجب عليهم أن يسكتوا حتى لا يقولوا بغير علم فيقعوا بسبب ذلك في كفر أو ضلال أو فسوق.

_ 502 - مسند أحمد (2/ 286). أبو داود (4/ 199) كتاب السنة- باب النهي عن الجدال في القرآن. وإسناد حسن. (المراءُ في القرآن كفر): هو أن يكون في لفظ الآية روايتان مشتهرتان من السبع، أو في معناها، وكلاهما صحيح مستقيم، وحق ظاهر، فمناكرة الرجل صاحبه ومجاهدته إياه في هذا مما يزل به إلى الكفر. 503 - البخاري (9/ 101) 66 - كتاب فضائل القرآن 37 - باب اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم. مسلم (4/ 2053) 47 - كتاب العلم 1 - باب النهي عن اتباع متشابه القرآن ... إلخ.

504 - * روى أبو داود عن أبي أمامة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا زعيمٌ ببيتٍ في ربضِ الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسُن خُلقه". أقول: إنما يترك صاحب الحق الجدال بعد أن يقيم الحجة، فإذا قامت الحجة وسعه أن يسكت وهو مأجور، لأن ضبط نفسه عن متابعة الجدال يؤجر به فهو نوع مجاهدة للنفس، لأن النفس قد تبدأ كلامها لله ويستجرها الجدال إلى الرغبة في الغلبة فتجادل لحظ النفس لا لنصرة الدين. 505 - * روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أبغض الرجال إلى الله تعالى: الألدُّ الخصمُ". 506 - * روى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: هجرتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً، فسمع أصوات رجلين اختلفا في آيةٍ فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعرفُ في وجهه الغضب، فقال: "إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم في الكتاب". 507 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: خرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتنازعُ في القدر، فغضب، حتى كأنما فُقئ في وجهه حبُّ الرمان حُمرةً من الغضب، فقال: "أبهذا أُمرتُم؟ أم بهذا أُرسلتُ إليكم؟ إنما أهلك من كان قبلكم

_ 504 - أبو داود (4/ 253) كتاب الأدب- باب في حسن الخلق. وإسناده حسن. ومن رواية أنس عند الترمذي (4/ 358) 28 - كتاب البر والصلة 58 - باب ما جاء في المراء. وقال: حديث حسن. 505 - البخاري (13/ 180) 93 - كتاب الأحكام 34 - باب الألد الخصم. مسلم (4/ 3054) 47 - كتاب العلم 2 - باب في الألد الخصم. (الألد الخصم): الألد: الشديدُ الخصومة، والخَصمُ: الذي يُخصم أقرانه ويحاجهم بالباطل. 506 - مسلم (4/ 2053) 47 - كتاب العلم -1 - باب النهي عن اتباع متشابه القرآن ... إلخ. (هجرت): هجرتُ إليه: بكرتُ وقصدتُ، ويجوز أن يكون من الهاجرة، أي: قصدتُه وقت الهاجرة، وهو شدة الحر. 507 - الترمذي (4/ 443) 33 - كتاب القدر 1 - باب ما جاء في التشديد في الخوض في القدر. وقال: حديث غريب أ. هـ. وللحديث شواهد يرتقي بها إلى رتبة الحسن.

كثرة التنازع في أمر دينهم، واختلافهم على أنبيائهم". وفي رواية: "إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر عزمتُ عليكم، عزمتُ عليكم: أن لا تنازعوا فيه". 508 - * روى الدارمي عن مروان بن الحكم، قال: قال لي عثمان بن عفان: إن عمر قال لي: إني قد رأيت في الجدِّ رأياً فإن رأيتم أن تتبعوه فاتبعوه. قال عثمان: إن نتبع رأيك فإنه رشد وإن نتبع رأيك فإنه رشد وإن نتبع رأي الشيخ قبلك فنعم ذو الرأي كان، قال: وكان أبو بكر يجعله أباً. أقول: هذا دليل على أنه منذ عصر الصحابة كان يوجد أكثر من اجتهاد في بعض المسائل، ولا يرون في ذلك حرجاً ولا يرون في الأخذ بأحد الرأيين بأساً، ومن ههنا استقرت الأمة في النهاية على أن يتبع الإنسان أي إمام مجتهد بلا حرج. 509 - * روى الدارمي عن حُميدٍ، قال: قيل لعمر بن عبد العزيز: لو جمعت الناس على شيء فقال: ما يسرني أنهم لم يختلفوا. قال: ثم كتب إلى الآفاق أو إلى الأمصار: لنقضِ كل قومٍ بما اجتمع عليه فقهاؤهم. 510 - * روى الدارمي عن عون بن عبد الله قال: ما أُحبُ أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا فإنهم لو اجتمعوا على شيء فتركه رجل ترك السنة ولو اختلفوا فأخذ رجل بقول أحدٍ أخذ السنة.

_ = (عزمت): عزمت عليكم، بمعنى: أقسمت عليكم. 508 - الدارمي (3/ 354) كتاب الفرائض- باب في قول عمر في الجد. وإسناده صحيح. 509 - الدارمي (1/ 151) كتاب العلم - باب اختلاف الفقهاء. وإسناده صحيح. 510 - الدارمي في الموضع السابق. وفي أحد رواته تفصيل، والمعنى صحيح فمتابعة أئمة الهدى لا حرج فيها.

الفصل الثالث والعشرون في: التحذير من مواطأة الأمم في انحرافاتها

الفصل الثالث والعشرون في: التحذير من مواطأة الأمم في انحرافاتها وفيه: مقدمة ونصوص وتعقيب

المقدمة

المقدمة قال تعالى: {وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (1). {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} (2). {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} (3). {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} (4). {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (5). {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (6). {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (7). إن كتاب ربنا وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام قد جمعا الخير كله وبينا لنا الشرّ كله، وكما طالبنا ربنا عز وجل في أتباع الخير وأهله فقد نهانا أن نتابع الشر وأهله، وكما أمرنا بالاقتداء بالرسل والأنبياء والصديقين والشهداء فقد نهانا عن متابعة أهل الأهواء، وقد بين لنا انحرافات أمم أنزل عليها وحي فانحرفت عنه، وبين لنا رفض بعض الأمم لما أنزل عليهم من وحي أصلاً، ولكن الطبيعة البشرية هي الطبيعة البشرية تتشابه على مدار الأزمنة والأمكنة والأجيال {تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} (8) ومن ثم فإن هذه الأمة على ما أكرمها الله عز وجل من كتاب معصوم معجز ومن سنة محفوظة باقية سيظهر فيها ما ظهر في الأمم من انحرافات، فلا عجب والأمر كذلك أن نرى أفراداً أو جماعات من هذه الأمة تواطئ

_ (1) النساء: 26. (2) النساء: 69. (3) الفاتحة: 6، 7. (4) المائدة: 48. (5) الجاثية: 18. (6) النحل: 89. (7) الأنعام: 90. (8) البقرة: 116.

انحرافات الأمم وتتخذ من هذه الأمم في انحرافاتها قدوة، فالنصوص النبوية ذكرت أن هذا واقع، وذكرها له تحذير منه، وعلى الربانيين والمصلحين أن يعملوا ليجددوا حياة الإسلام وحيويته، ولينقذوا المتأثرين بالفكر الغريب والسلوك المنحرف أو المريب. إن هناك انحرافات بشرية فردية، وهناك انحرافات جماعية، وهناك انحرافات محلية، وانحرافات عالمية، وهناك مسرى للانحراف قد يكون فردياً أو محلياً وعالمياً، وقد تتعدد مسربات الانحراف عند الأمم وهناك مسرى منحرف لأهل الأديان الباطلة في الجملة، وهناك مسرى منحرف خاص بأهل كل دين، وهناك مسربات منحرفة لمن لا دين له. والأمة الإسلامية معرضة لأن يسري إليها ذلك كله، ومن ههنا كان الإسلام بحاجة إلى تجديد في كل جيل من أجيال هذه الأمة، وكان من رحمة الله بهذه الأمة ألا تنقطع سلسلة المجددين. إن المسرى السيايس العام للعالم هو السير نحو العلمانية بألا يكون للدين علاقة في الحياة السياسية، تجد ذلك قاسماً مشتركاً عند أتباع الأديان الباطلة من بوذية أو كونفوشيوسية أو برهمية أو زرادشتية أو يهودية أو نصرانية أو وثنية، وتجد أن هذا المسرى قد اختطف الكثيرين من أبناء الأمة الإسلامية حتى غلب ولا زال يغلب على الكثير من أقطارها، وتجد أن بعض أهل الأديان وصلوا إلى إعطاء أحبارهم ورهبانهم صفة العصمة، فتجد أن ذلك سرى إلى كثير من أبناء الأمة الإسلامية، وأكثر ما ظهر ذلك عند طوائف الشيعة وبعض المتصوفة. وتجد أن اتباع الأهواء وكسب الملذات والدعوة إلى حرية الإنسان في ذلك قد غلبت على العالم وسرى ذلك للكثيرين من أبناء الإسلام. وهذا وأمثاله قد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقوعه وحذرنا منه وعلمنا الله أن ندعوه في كل صلاة أن يجنبنا ذلك {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} (1) والمغضوب عليهم هم اليهود والضالون هم النصارى،

_ (1) الفاتحة: 6، 7.

فإذا حذرنا من متابعة انحرافات هؤلاء وهما الأشهر في الديانة والتدين فمن باب أولى غيرهم، ولذلك وجب على المسلم أن يفتش في ذاته وفي سلوكه وفي ولاءاته وفي انتماءاته وفي أعماله وأقواله وفي بيته وفي مواقفه عما إذا كان يواطئ غير المسلمين في شيء من انحراف عن الإسلام. لقد كان من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخالف سنة اليهود والنصارى والمجوس ليعلمنا الحذر من المواطأة إلا فيما أجازته شريعتنا. لقد أخبرنا الله عز وجل أنه لم يترك أمة إلا أرسل لها رسولاً: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} (1). وقال عليه السلام: "أنتم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله" (2). والنصوص لم تصف كل الأمم التي أرسل لها رسل إلا ما ذكر عن بني إسرائيل وعن النصارى وبعض الأقوام، والديانات المعروفة قديماً وحديثاً كثيرة: فهناك النصرانية واليهودية والبوذية والكونفوشيوسية والمجوسية .... وهناك أديان بادت وانقرضت كالديانات المصرية القديمة والديانات اليونانية، والمعروف عنها أنها ديانات شِركيّة، وهناك الديانات الوثنية والشركيَّة، وبعضها لا زال موجوداً، ولئن لم يحدثنا القرآن عن كل الأديان فقد ذكر لنا ما نعرف به من خلال المذكور ما غاب عنا، فلا يغيب عمن قرأ القرآن وفهمه أن يعرف الهدى من الضلال، ليس في باب الديانات فحسب بل في باب المذاهب الفلسفية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها سواء في ذلك ما انتهى ودرس أو ما زال موجوداً.

_ (1) فاطر: 24. (2) الترمذي (5/ 226) 48 - كتاب تفسير القرآن 3 - باب ومن سورة آل عمران. وقال: هذا حديث حسن. والمستدرك (4/ 84). وقال: صحيح الإسناد. وقال الحافظ عنه: حسن صحيح.

فهناك ديانات اندرست، فإذا ما قرأ المسلم عنها لا يفوته مواطن الكفر والانحراف فيها كالديانات اليونانية والمصرية والرومانية، وهناك ديانات لا زالت موجودة لا يغيب عن المسلم أن يعرف مواطن الكفر والضلال فيها كالبوذية والكونفوشيوسية والبرهمية واليهودية والنصرانية والصابئية والمانوية والزرادشتية، وهناك مذاهب فلسفية واجتماعية ظهرت قديماً كالفلسفة اليونانية والإباحية المزدكيّة، وهناك فلسفات معاصرة أو وسيطة ومذاهب اجتماعية واقتصادية وسياسية، وكل ذلك لا يغيب عن المسلم العارف بدينه أن يعرف مواطن الكفر والانحراف فيها. قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (1). وقد كلّف الله عز وجل الإنسان أن يؤمن بالله وأن يكفر بالطاغوت: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} (2). ومن ههنا كان من معالم الإسلام الكبرى ألا يتابع المسلم أحداً فيما يدخل في باب الديانات. وقد أعطانا الله عز وجل نموذجين تفصيليين على انحرافات أمتين أنزل عليهما وحي وهما اليهود والنصارى، ولقد استمرَّت الانحرافات عند اليهود والنصارى بعد نزول القرآن الكريم حتى وصلوا إلى الإلحاد وإلى اللادينية والإباحية في الفكر الرأسمالي والفكر الشيوعي، فانحراف يوصل إلى انحراف وهكذا. ولما كانت هذه الانحرافات أثراً عن أهواء أو جهل، ولما كان الإنسان مَظِنَّة الجهل والهوى: {وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (3) فإن احتمال أن تسري على أمتنا انحرافات الأمم قائم، ومن ههنا أخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ونبَّهنا على ذلك وحذرنا منه وفيما يلي نصوص في ذلك.

_ (1) النحل: 81. (2) البقرة: 256. (3) الإسراء: 72.

النصوص

النصوص 511 - * روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراعٍ حتى لو دخلوا جُحر ضبٍّ لتبعتموهم". قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ " قال: "فمن؟ ". 512 - * روى البزار عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لتركبن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع وباعاً بباع، حتى لو أن أحدهم دخل جُحر ضبٍّ لدخلتم، وحتى لو أن أحدهم جامع أمه لفعلتم". 513 - * روى الطبراني في الأوسط عن المستورد بن شداد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تترك هذه الأمة شيئاً من سنن الأولين حتى تأتيه". 514 - * روى البخاري عن أبي هريرةً رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة، حتى تأخذ أمتي مأخذ القرون قبلها شبراً بشبرٍ وذراعاً بذراعٍ" قيل له: يا رسول الله، كفارس والروم؟ قال: "من الناس إلا أولئك؟ ". 515 - * روى الترمذي عن أبي واقد الليثي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج

_ 511 - البخاري (13/ 300) 96 - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة 14 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم، لنتبعن سنن من كان قبلكم". ومسلم (4/ 2054) 47 - كتاب العلم 2 - باب اتباع سنن اليهود والنصارى. (جُحر ضب): الضب: هذا الحيوان المعروف. (وجُحره): ثقبه الذي يأوي إليه، يعني لو دخلوا إلى ثقب الضب مبالغةً لدخلتموه. 512 - كشف الأستار (4/ 98). مجمع الزوائد (7/ 261). وقال: رواه البزار ورجاله ثقات. 513 - مجمع الزوائد (7/ 261). وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات. قوله (من سنن الأولين): أي من طرائقهم المنحرفة وسننهم السيئة في الاعتقادات والأقوال والأفعال. 514 - البخاري (13/ 300) 96 - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة 14 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "لتتبعن سنن من كان قبلكم". 515 - الترمذي (4/ 475) 24 - كتاب الفتن 18 - باب ما جاء لتركبن سنن من كان قبلكم. وقال: هذا حديث حسن صحيح. وإسناده صحيح. =

التعقيب

إلى غزوة حنينٍ مرَّ بشجرةٍ للمشركين كانوا يُعلقون عليها أسلحتهم، يقال لها: ذات أنواطٍ، فقالوا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواطٍ، كما لهم ذاتُ أنواط. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله! هذا كما قال قوم موسى: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة، والذي نفسي بيده: لتركبن سنن من كان قبلكم". 516 - * روى الطبراني عن أبي موسى: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بني إسرائيل كتبوا كتاباً فاتبعوه وتركوا التوراة". أقول: إن بني إسرائيل يعتمدون التلمود أكثر مما يعتمدون أسفار موسى الخمسة التي هي الأسفار الأولى في كتب العهد القديم والتي يطلق عليها بعضهم اسم التوراة، ويبدو أن التوراة جزء منها، وقد داخل هذه الأسفار كلها من التحريف والتبديل الكثير، ومحل التلمود عندهم في العمل أقوى وإن كانت التوراة أقوى في الاعتبار. 517 - * روى الطبراني عن أبي الزغراء الأزدي قال: قال عبد الله بن مسعود: لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم، وقد أضلوا أنفسهم، إما أن يُحدثوكم بصدقٍ فتكذبوهم أو بباطل فتصدقوهم. * * * التعقيب: إن أدب المسلم وهو يقرأ كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقيم الأمر ويجتنب النهي، كما أن من آدابه إذا مر بآية أو حديث يتحدث عن كفر أو ضلال أو بدعة أو فسوق أن يتجنب ذلك كي لا يواطئ أهل ذلك في شيء ومن ههنا نهينا عن التشبه، وسن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مخالفة المشركين والكافرين في كل ما يدخل في باب الديانات، وقد ضلت الأمم السابقة ابتداءً عن التوحيد والشرائع كما ضلوا بالتفرق بسبب البغي والابتداع، ومع الضلال

_ = (أنواط): جمع نوط، وهو مصدر نُطْتُ به كذا وكذا أنوطُ نوطاً: إذا علقته به، ويسمى المنوط بالنوط. 516 - مجمع الزوائد (1/ 192). وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. 517 - المعجم الكبير (9/ 413). مجمع الزوائد (1/ 192). وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون.

عن أصل الدين والتفرق فيه والفسوق والغلو والابتداع فقد أضاعوا الوحي أو حرّفوه أو ألغوه، وكل ذلك مما ينبغي أن يحذره المسلم. * * *

الفصل الرابع والعشرون في: التحذير من الفتن والأهواء وأهلها

الفصل الرابع والعشرون في: التحذير من الفتن والأهواء وأهلها وفيه: مقدمة ونصوص وتعقيب

المقدمة

المقدمة رأينا أن الأمة الإسلامية ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، ومن ههنا فإن أهل الإيمان عليهم أن يحذروا من متابعة فرقة من فرق الضلال، أو أن يواطؤوها في فكرة من أفكارها الخاطئة، ومن ههنا اشتد كثير من الأئمة على بعض أهل السنة والجماعة بسبب تخوفهم من فكرة خاطئة سرت إليه أو يمكن أن تسري إليه. ومع وجوب الحذر من متابعة أهل الأهوءامن الفرق الضالة فهناك الفتن التي تعصف في الأمة مما لا يستبان وجه الحق فيها فهذه كذلك يجب على المسلم أن يحذرها. ومن ههنا فإن على المسلم أن يحذر: من متابعة أهل الهوى، ومن المشاركة في فتنة يستعمل فيها السلاح أو اللسان دون أن يكون متبيِّناً وجه الحكم الشرعي، أما إذا استبان له وجه الحكم الشرعي فعندئذٍ يقدم ولو كان ذلك قتالاً، وعلى مثل هذا يحمل إقدام الصحابة على القتال في الفتنة: بين علي من جهة، وبين عائشة وطلحة والزبير ثم معاوية من جهتين أخريين. والفتنة في اصطلاح الشارع أوسع مدى مما ذكرناه، فهي على أنواع، وكل واحدة منها ينبغي أن يكون للمسلم موقف منها. فكلمة الفتنة في اصطلاح الشارع تطلق على الصراعات الداخلية غير المبصرة بين المسلمين، كما تطلق على نشر الآراء الشاذة، وتطلق على الاضطهاد الذي يسلطه الكافرون أو الظالمون على المؤمنين، كما تطلق على الفوضى وعلى الخوض بلا تبين في المعارك السياسية والعصبيات والهجوم والتهجم بسببها، وتطلق الفتنة على ما يفتن الإنسان في دينه من مال أو جاه أو خواطر باطنة أو اتجاهات باطلة، ويدخل في اسم الفتنة التحريش بين الناس، والتفريق بين المتحابين. وكل أنواع الفتن ينبغي أن يحذرها المسلم، وأن يكون له موقفه من كل واحدة منها. فالمسلم مطالب في الصراعات الداخلية بين المسلمين أن يتبين، وفي الآراء الشاذة أن يرفضها وان يتمسك بقول أهل الحق، والأصل أن يدعو المسلم إلى الله ولا يطالب أن يعرض

نفسه إلى اضطهاد لا يتحمله إلا إذا تعين عليه موقف شرعاً، فإذا أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو دعا إلى خير فاضطهد أو أوذي ابتداءً بسبب عقيدته فهو بين خيارين: أن يصبر حتى يستشهد أو يأخذ بالرخصة إذا كان الإكراه ملجئاً، والأصل في المسلم أن يجاهد الكفار وأن يقاتل أهل البغي مع الإمام الحق، أما إذا وقعت الفوضى فأدبه أن يعتزل حتى يجد مسلكاً صحيحاً فيمضي فيه، وأما الأهواء السياسية والعصبيات والقبليات فالمسلم منها حَذِر، وأمام ما يعرض على القلوب من فتنة فالمسلم يأباها وبذلك يسلم له قلبه. وإذا كانت هذه الأمور من الأهمية بمكان، فقد عقدنا لها هذا الفصل لنذكر فيه بعض النصوص في بعض هذه الشؤون:

النصوص

النصوص 518 - * روى الإمام أحمد عن أبي برزة الأسلمي، لا أعلمه إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومُضلات الفتن". وفي رواية: "ومضلات الهوى". 519 - * روى الإمام أحمد عن كرز بن علقمة الخزاعي، قال: قال رجل: يا رسول الله هل للإسلام من منتهى؟ قال: "نعم أيما أهل بيتٍ من العرب أو العجم أراد الله بهم خيراً أدخل عليهم الإسلام، ثم تقع الفتن كأنها الظلل" قال: كلا والله إن شاء الله. قال: "بلى والذي نفسي بيده، ثم تعودون فيها أساود صُبى يضرب بعضكم رقاب بعض". وفي رواية (3) "فأول الناس مؤمنٌ مُعتزلٌ في شِعبٍ من الشعاب يتقي ربه تبارك وتعالى ويدع الناس من شره". 520 - * روى البخاري عن خلف بن حوشب رحمه الله، قال: كانوا يستحبون أن يتمثلوا بهذه الأبيات عند الفتن: الحربُ أول ما تكون فتيةً ... تسعى بزينتها لكل جهول حتى إذا اشتعلت وشب ضرامها ... ولت عجوزاً غير ذات حليل

_ 518 - مسند أحمد (4/ 420). مجمع الزوائد (7/ 305). وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. (شهوات الغي): شهوات الضلال والانهماك في الباطل. 519 - مسند أحمد (3/ 477). كشف الأستار (4/ 124). (3) مسند أحمد: الموضع السابق. مجمع الزوائد (7/ 305). وقال: رواه احمد والبزار والطبراني بأسانيد وأحدها رجاله رجال الصحيح. (الأساود الصب): الحيات السوداء إذا اقتتلت مع بعضها. 520 - البخاري (13/ 47) 92 - كتاب الفتن 17 - باب الفتنة التي تموج كموج البحر. معلقاً. قال الحافظ في الفتح: وصله البخاري في "التاريخ الصغير" عن عبد الله بن محمد المسندي عن سفيان بن عيينة عن خلف بن حوشب.

شطاء يُنكر لونها وتغيَّرت ... مكروهةً للشم والتقبيل 521 - * روى البخاري ومسلم عن أسامة بن زيدٍ رضي الله عنهما، قال: أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على أُطم من آطام المدينة، فقال: "هل ترون ما أرى؟ " قالوا: لا. قال: "فإني لأرى مواقع الفتن خِلال بيوتكم كمواقع القطر". 522 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله عليه وسلم: "ستكون فتنٌ، القاعدُ فيها خيرٌ من القائم، والقائمُ فيها خيرٌ من الماشي، والماشي فيها خيرٌ من الساعي، من تشرف لها تستشرفه، ومن وجد ملجأ أو معاذاً فليعُذْ به". وفي أخرى لمسلم (3): "تكون فتنةً، النائمُ فيها خيرٌ من اليقظان، واليقظانُ فيها خيرٌ من القائم، والقائم فيها خير من الساعي، فمن وجد ملجأ أو معاذاً فليستعذ". 523 - * روى مسلم عن عثمان الشحام: قال انطلقت أنا وفرقدٌ السبخي إلى مسلم بن أبي بكرة وهو في أرضه، فدخلنا عليه، فقلت: هل سمعت أباك يُحدِّث في الفتن حديثاً؟ فقال: نعم، سمعت أبا بكرة يحدّث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنها ستكون فتنٌ، ألا

_ 521 - البخاري (13/ 11) 92 - كتاب الفتن 4 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ويل للعرب من شر قد اقترب". ومسلم (4/ 2211) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة 3 - باب نزول الفتن كمواقع القطر. (أشرف على أطم): أشرف: علا وارتفع، والأطم: هو القصر والحصن والجمع آطام. (كماقع القطر): التشبيه بمواقع القطر في الكثرة والعموم. أي: أنها كثيرة وتعم الناس لا تختص بها طائفة، وهذا إشارة إلى الحروب الجارية بينهم، كوقعة الجمل وصفين، والحرة ومقتل عثمان ومقتل الحسين رضي الله عنهما وغير ذلك، وفيه معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم/ النووي على مسلم (18/ 7). 522 - البخاري (13/ 30) 92 - كتاب الفتن 9 - باب تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم. ومسلم (4/ 2212) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة 3 - باب نزول الفتن كمواقع المطر. (3) مسلم في الموضع السابق. (من تشرف لها تستشرفه): أي: من تطلع إليها وتعرض لها أتته، ووقع فيها. (الملجأ والمعاذ): أخوان، وهما الشيء الذي يُحتمى به ويُركن إليه. 523 - مسلم في الموضع السابق.

ثم تكون فتنةٌ، القاعدُ خيرٌ من الماشي فيها، والماشي فيها خيرٌ من الساعي إليها، ألا فإذا نزلت، أو وقعت، فمن كان له إبل فليلحق بإبله، ومن كان له غنمٌ فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرضٌ فليلحق بأرضه" قال: فقال رجل: يا رسول الله، أرأيت من لم تكن له إبلٌ ولا غنم ولا أرض؟ قال: "يعمد إلى سيفه فيدق على حده بحجر ثم لينجُ إن استطاع النجاء، اللهم هل بلغتُ؟ اللهم هل بلغت؟ اللهم هل بلغت؟ " قال: فقال رجل يا رسول الله، أرأيت إن أُكرهتُ حتى يُنطلق بي إلى أحد الصفين، أو إحدى الفتئين، فضربني رجل بسيفه، أو يجيء سهمٌ فيقتلني؟ قال: "يبوء بإثمه وإثمك، ويكونُ من أصحاب النار". ولفظ أبي داود (1) قال: "إنها ستكون فتنة يكون المضطجعُ فيها خيراً من الجالس، والجالسُ خيراً من القائم، والقائمُ خيراً من الماشي، والماشي خيراً من الساعي" قالوا: يا رسول الله، ما تأمرنا؟ قال: "من كانت له إبلٌ فليلحق بإبله، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه" قال: فمن لم يكن له شيء من ذلك؟ قال: "يعمدُ إلى سيفه، فيضرب بحدِّه على حَرة، ثم لينجُ ما استطاع النجاء". أقول: هذا الحديث وأمثاله محمول على ما إذا لم يكن للمسلمين إمام راشد قائم بالحق، أما إذا وجد الإمام الراشد القائم بالحق فالأصل أن يجاهد الإنسان معه وأن يقاتل أهل البغي الخارجين عليه، ومع أن الإمام عليًّا كان خليفة راشداً قائماً بالحق فإن بعض الصحابة وقفوا ضده لعدم تبينهم أنه هو الإمام الحق القائم بالحق، وبعضهم استباح الاعتزال فلم يقاتل أخذاً بظواهر مثل هذه النصوص، لكن بعضهم ندم على عدم قتاله معه بعد أن تبين له أنه على الحق والصواب بعد مقتل عمار من قبل فئة معاوية كما حدث لابن عمر رضي الله عنهما.

_ (1) أبو داود (4/ 99) كتاب الفتن والملاحم -باب في النهي عن السعي في الفتنة. (الحرة): الأرض ذات الحجارة السود، والمراد به هاهنا: نفس الحجر، أي: ضرب حد سيفه بحجر يغل غربه لئلا يقاتل.

524 - * روى الترمذي عن سعد بن أبي قاص رضي الله عنه، قال: عند فتنة عثمان بن عفان- أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنها ستكون فتنة القاعدُ فيها خيرٌ من القائم، والقائمُ خيرٌ من الماشي، والماشي خيرٌ من الساعي". قال: أفرأيت إن دخل عليَّ بيتي، وبسط يده إلي ليقتلني. قال: "كن كابن آدم". ولفظ أبي داود (1) عن حسينٍ بن عبد الرحمن الأشجعي: أنه سمع سعد بن أبي وقاصٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم، في هذا الحديث، قال: فقلت: يا رسول الله، أرأيت إن دخل عليَّ بيتي، وبسط يده إليَّ ليقتلني؟ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كن كابني آدم" وتلا يزيدُ - يعني ابن خالدٍ الرملي-: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي} الآية (2). 525 - * روى البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يوشكُ أن يكون خير مال المسلم غنمٌ يتبعُ بها شعف الجبال ومواقع القَطْرِ، يفرُّ بدينه من الفتن". وللبخاري (3) قال عبد الرحمن بن أبي صعصعة: قال لي أبو سعيد: إني أراك تُحب الغنم وتتخذُها، فأصلحها وأصلح رُعامها، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يأتي على

_ 524 - الترمذي (4/ 486) 24 - كتاب الفتن 29 - باب ما جاء تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم. وقال: هذا حديث حسن. وهو كما قال. (1) أبو داود (4/ 99) كتاب الفتن والملاحم- باب في النهي عن السعي في الفتنة. وهو حديث صحيح. (2) المائدة: 28. 525 - البخاري (1/ 69) 2 - كتاب الإيمان 12 - باب من الدين الفرار من الفتن. والموطأ (2/ 970) 54 - كتاب الاستئذان 6 - باب ما جاء في أمر الغنم. وأبو داود (4/ 103) كتاب الفتن- باب ما يرخص فيه من البداوة في الفتنة. والنسائي (8/ 123) 47 - كتاب الإيمان 30 - باب الفرار بالدين من الفتن. وابن ماجه (2/ 1317) 26 - كتاب الفتن 13 - باب العزلة. (3) البخاري (6/ 611) 61 - كتاب المناقب 25 - باب علامات النبوة في الإسلام. (مواقع القطر): المواضع التي ينزل بها المطر. (رعامها): الرعام: المخاط الذي يسيل من أنف الشاة من داء أصابها والشاة رعوم.

الناس زمان تكونُ الغنمُ فيه خير مال المسلم، يتبع بها شغف الجبال. ومواقع القَطْرِ، يَفِر بدينه من الفتن". 526 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ويلٌ للعرب من شرٍّ قد اقترب، أفلح من كفَّ يده". 527 - * روى الترمذي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الفتنة: "كسِّروا فيها قِسيكم، وقطِّعُوا فيها أوتاركم، والزموا فيها أجواف بيُوتكم، وكونوا كابن آدم". ورواه أبو داود بزيادة في أوله (1)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم، يُصبحُ الرجلُ فيها مؤمناً، ويُمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويُصبح كافراً، القاعدُ فيها خيرٌ من القائم، والماشي فيها خيرٌ من الساعي، فكسِّروا قسيَّكُم، وقطعوا أوتاركم، واضربوا سيوفكم بالحجارة، فإن دُخل على أحدٍ منكم فليكن كخير ابني آدم". ورواه أبو داود (2) أيضاً إلى قوله: "خيرٌ من الساعي" قالوا: فما تأمرُنا؟ قال: "كونوا أحلاس بُيوتكم".

_ 526 - أبو داود (4/ 97) كتاب الفتن- باب ذكر الفتن ودلالتها. وإسناده صحيح. 527 - الترمذي (4/ 491) 24 - كتاب الفتن 32 - باب ما جاء ف ياتخاذ سيف من خشب في الفتنة. وقال: حسن غريب صحيح. (1) أبو داود (4/ 100) كتاب الفتن- باب في النهي عن السعي في الفتنة. (2) أبو داود (4/ 101) الكتاب والباب السابقان. وهو حديث صحيح. (قطع الليل): طائفة منه، أراد: فتنة مظلمة سوداء. تعظيماً لشأنها. (كابن آدم): أراد بقوله: كابن آدم، وقوله: (كخير ابني آدم): هو ابن آدم لصلبه هابيل الذي قتله أخوه قابيل، وما قال الله تعالى في أمرهما: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ} وقوله: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ}. (أحلاس بيوتكم): فلان جلس بيته: إذا لزمه لا يفارقه، مأخوذ من الحلس، وهو الكساء الذي يكون على ظهر البعير. أي الزموا بيوتكم.

528 - * روى ابن ماجه عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تكونُ فتنٌ على أبوابها دُعاةٌ إلى النار فأن تموت وأنت عاضٌّ على جذل شجرةٍ خيرٌ لك من أن تتبع أحداً منهم". 529 - * روى الترمذي عن أم مالكٍ البهزية رضي الله عنها، قالت: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنةً، فقربها، قالت: قلتُ: يا رسول الله، من خيرُ الناس فيها؟ قال: "رجلٌ في ماشيةٍ يؤدي حقها، ويعبدُ ربه، ورجلٌ آخذٌ برأس فرسه يُخيف العدو ويخوفونه". اقول: هكذا شأن المسلم أنه على بصيرة، فإذا وقعت فتنة بين المسلمين ولم يتبين له وجه الحق والصواب فيها فهو إما معتزل وإما متوجه لجهاد لا خلاف فيه وهو قتال الكفار. 530 - * روى البخاري عن ابن عمروٍ قال: شبك النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه، وقال: "كيف أنت يا عبد الله بن عمرو، إذا بقيت في حُثالةٍ قد مرجت عهودهم وأماناتهم، واختلفوا فصاروا هكذا" قال: فكيف [أصنع] يا رسول الله؟ قال: "تأخذُ ما تعرفُ، وتدعُ ما تُنكرُ، وتُقبلُ على خاصتك، وتدعهم وعوامهم".

_ 528 - ابن ماجه (3/ 1318) 36 - كتاب الفتن 2 - باب العزلة. وله متابعات عند البخاري ومسلم وأبي داود يتقوى بها. (جذل الشجرة): أصلها. 529 - الترمذي (4/ 472) 34 - كتاب الفتن 15 - باب ما جاء كيف يكون الرجل في الفتنة. وقال: حسن غريب من هذا الوجه. قال محقق الجامع: وفي سنده جهالة، وقال الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجه. وقال أيضاً: وفي الباب عن أم مبشر، وأبي سعيد الخدري، وابن عباس. وقال: وللفقرة الأولى منه شاهد عند البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وللفقرة الثانية منه شاهد عند الترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنه، فالحديث حسن بشواهده. أ. هـ. 530 - البخاري (1/ 565) 8 - كتاب الصلاة 88 - باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره مختصراً. وقد عزاه في الفتح للحميدي في الجمع بين الصحيحين. أبو داود (4/ 123، 124) كتاب الملاحم- باب الأمر والنهي. (المرج): الاختلاط والاختلاف، مرجت عهودهم: إذا اختلفت.

531 - * روى أبو داود عن أبي ذرٍّ الغفاري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذرٍّ. قلت: لبيك يا رسول الله وسعديك. قال: "كيف أنت إذا رأيت أحجار الزيت قد غرقت بالدم؟ " قلت: ما خار الله لي ورسوله. قال: "عليك بمن أنت منه". قلت: يا رسول الله، أفلا آخُذُ سيفي فأضعه على عاتقي؟ قال: "شاركت القوم إذاً. قلت: فما تأمرني؟ قال: تلزمُ بيتك" قلت: فإن دُخل عليَّ بيتي؟ قال: "إن خشيت أن يبهرك شعاعُ السيف، فألق ثوبك على وجهك، يبوء بإثمك وإثمه". 532 - * روى أبو داود عن سعيد بن زيدٍ رضي الله عنه، قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر فتنةُ عظُم أمرها، فقلنا -أو قالوا- يا رسول الله لئن أدركتنا هذه لنهلكن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلا إن بحسبكم القتل". قال سعيد: فرأيت إخواني قُتلوا. قولهم: لئن أدركتنا هذه لنهلكن: هكذا في الجامع وفي الأصل: لتهلكنا. قال صاحب عون المعبود: (أي تهلك تلك الفتنةُ دنيانا وعاقبتنا)، ومعنى الحديث أن هذه الفتنة لو أدركتكم يكفيكم فيها أنكم مقتولون، والضرر الذي يحصل لكم منها ليس إلا القتل، وأما هلاك عاقبتكم فكلا بل يرحمكم الله ويغفر لكم. 533 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

_ 531 - أبو داود (4/ 101) كتاب الفتن- باب في النهي عن السعي في الفتنة. وابن ماجه (2/ 1308) 36 - كتاب الفتن 10 - باب التثبت في الفتنة. وهو حديث حسن. (أحجار الزيت): موضع بالمدينة. (عليك بمن أنت منه): أي أهلك وعشيرتك. وقيل: الإمام الحق الذي بايعته. (يبهرك): ضوء باهر: يغلب عينك ويغشى بصرها. (يبوء): باء بالإثم يبوء: إذا رجع به حاملاً له. 532 - أبو داود (4/ 105) كتاب الفتن- باب ما يرجى في القتل. وإسناده صحيح. 533 - مسلم (4/ 2231) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة 18 - باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل ... إلخ.

"ليأتين على الناس زمانٌ، لا يدري القاتل في أ] شيء [قَتَلَ]، ولا يدري المقتول في أي شيء قُتِل" قيل: وكيف؟ قال: "الهرجُ: القاتلُ والمقتولُ في النار". أقول: فهذا هو قتال الفتنة، قتال على غير تبيّن أو اجتهاد صحيح من أهله. 534 - * روى أبو داود عن أبي أمية الشعباني، قال: سألتُ أبا ثعلبة الخُشني رضي الله عنه قال: قلت: يا أبا ثعلبة، كيف تقول في هذه الآية: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ}؟ [المائدة: 105] قال: أما والله لقد سألت عنها خبيراً سألتُ عنها رسول الله صلى الله لعليه وسلم، فقال: "ائتمروا بالمعروف، وانتهوا عن المنكر، حتى إذا رأيتم شُحاً مطاعاً، وهوى متبعاً ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك، ودع عنك العوام، فإن من ورائكم أيام الصبرِ، الصبرُ فيهن مثلُ القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم". وفي زيادة لأبي داود: قيل: يا رسول الله، أجرُ خمسين رجلاً منا، أو منهم؟ قال: "بل أجرُ خمسين رجلاً منكم". قوله: (للعامل فيها أجر خمسين يعملون مثل عملكم): قال صاحب عون المعبود: قال في فتح الودود: هذا في الأعمال التي يشق فعلها في تلك الأيام لا مطلقاً وقد جاء "لو أنفق أحدكم مثل أُحد ذهباً ما بلغ مُد أحدهم ولا نصيفه" ولأن الصحابي أفضل من غيره مطلقاً انتهى وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام ليس هذا على إلاقه بل هو مبني على قاعدتين أحدهما أن الأعمال تشرفُ بثمراتها، والثانية أن الغريب في آخر الإسلام كالغريب في أوله وبالعكس لقوله عليه السلام: "بدأ الإسلامُ غريباً وسيعود غريباً كما

_ 534 - أبو داود (4/ 123) كتاب الملاحم -باب الأمر والنهي. والترمذي (5/ 257) 48 - كتاب تفسير القرآن 6 - باب ومن سورة المائدة. وقال: حسن غريب. وابن ماجه (3/ 1330) 36 - كتاب الفتن 21 - باب قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ}. وإسناده ضعيف، ولكن له شواهد يتقوى بها. (الشح): البخل الشديد، وطاعته: أن يتبع الإنسان هوى نفسه لبخله، وينقاد له. (دنيا مؤثرة): أي: محبوبة مشتهاة مقدمة عند أصحابها على ما هو واجب شرعاً.

بدأ فطوبى للغرباء من أمتي"، يريد المنفردين عن أهل زمانهم. إذا تقرر ذلك فنقول: الإنفاق في أول الإسلام أفضل لقوله عليه السلام لخالد بن الوليد رضي الله عنه: "لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه" أي مُد الحنطة والسبب فيه أن تلك النفقة أثمرت في فتح الإسلام وإعلاء كلمة الله ما لا يثمر غيرُها وكذلك الجهاد بالنفوس لا يصل المتأخرون فيه إلى فضل المتقدمين لقلة عدد المتقدمين وقلة أنصارهم فكان جهادُهم أفضل ولأن بذل النفس مع النصرة ورجاء الحياة ليس كبذلها مع عدمها، ولذلك قال عليه السلام. "أفضل الجهاد كلمةُ حقٍّ عند سلان جائر" جعله أفضل الجهاد ليأسه من حياته وأما النهي عن المنكر بين ظهور المسلمين وإظهار شعائر الإسلام فإن ذلك شاق على المتأخرين لعدم المعين وكثرة المنكر فيهم كالمنكر على السلان الجائر ولذلك قال عليه السلام: "يكون القابضُ على دينه كالقابض على الجمر" لا يستطيع دوام ذلك لمزيد المشقة فكذلك المتأخر في حفظ دينه، وأما المتقدمون فليسوا كذلك لكثرة المعين وعدم المنكر فعلى هذا يُنَزَّل الحديثُ انتهى كذا في مرقاة الصعود. أ. هـ. أقول: قد يؤجر غير الصحابي على عمل ما أكثر من أجر الصحابي في هذا العمل، ولكن الخصوصية لا تقتضي الأفضلية، فالصحابة هم الأفضل لكمال الأداء عندهم، ثم إن كل من جاء بعدهم في صحائفهم والجميع في صحيفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا كان هذا شأن الصحابة فمن يلحق بهم؟! 535 - * روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سِبابُ المسلم فُسُوقٌ، وقتالُه كفرٌ". 536 - * روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: سمعت

_ 535 - البخاري (1/ 110) 2 - كتاب الإيمان 35 - باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر. ومسلم (1/ 81) 1 - كتاب الإيمان 28 - باب بيان قول النبي صلى الله عليه وسلم: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر". والترمذي (5/ 21) 41 - كتاب الإيمان 15 - باب ما جاء سباب المسلم فسوق. وقال: حسن صحيح. والنسائي (7/ 121) 37 - كتاب تحريم الدم 27 - باب قتال المسلم. 536 - البخاري (6/ 540) 61 - كتاب المناقب 5 - باب حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث ... إلخ. ومسلم (4/ 2228) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة 16 - باب الفتنة من المشرق ... إلخ.

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر: ألا إن الفتنة ها هنا" ويشيرُ إلى المشرق "من حيث يطلعُ قرنُ الشيطان". وللبخاري (1) بزيادة في أوله: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم بارك لنا في شامِنا اللهم بارك لنا في يمننا" قالوا: وفي نجدنا، قال: "اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا" قالوا: وفي نجدنا؟ قال: "اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا" قالوا: يا رسول الله، وفي نجدنا؟ فأظنه قال في الثالثة: "هنالك الزلازل والفتن، ومنها يطلع قرنُ الشيطان". وفي أخرى (2) عن سالم: أنه قال: يا أهل العراق، ما أسألكم عن الصغيرة، وأركبكم للكبيرة!! سمعت أبي، عبد الله بن عمر يقول: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الفتنة تجيء من هاهنا" وأومأ بيده نحو المشرق- "من حيثُ يطلعُ قرن الشيطان" وأنتم يضرب بعضكم رقاب بعض، وإنما قَتلِ موسى الذي قَتَلَ من آل فرعون خأ، فقال الله له: {وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} [طه: 40]. 537 - * روى مسلم عن جُندب بن عبد الله رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من قُتل تحت رايةٍ عميةٍ يدعو عصبيةً، أو ينصر عصبيةً، فقتلةٌ جاهليةٌ". 538 - * روى النسائي عن عبد الله بن الزبير، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

_ (1) البخاري (13/ 45) 92 - كتاب الفتن 16 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الفتنة من قبل المشرف ... " إلخ. (2) مسلم (4/ 2229) الكتاب والباب السابقان. 537 - مسلم (3/ 1478) 33 - كتاب الإمارة 13 - باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين ... إلخ. والنسائي (7/ 123) 37 - كتاب تحريم الدم 28 - باب التغليظ فيمن قاتل تحت راية عمية. (العمية): بتشديدتين: الجهالة والضلالة، وهي فعيلة من العمى. (فقتلة): بكسر القاف: حالة القتيل، أي فقتله قتلٌ جاهليٌّ. (عصبية): العصبية: المحاماة والمدافعة عن الإنسان الذي يلزمك أمره، أو تلتزمه لغرضٍ بصرف النظر عن الحق والصواب. 538 - النسائي (7/ 117) 37 - كتاب تحريم الدم 26 - باب من شهر سيفه ثم وضعه في الناس. والمستدرك (2/ 159). وقال: صحيح على شرط الشيخين. وأقره الذهبي. وأخرجه النسائي موقوفاً أيضاً. قال ابن حجر: والذي وصله ثقة أ. هـ. وهو حديث صحيح.=

"من شهر سيفهُ ثم وضعه فدمه هدرٌ". 539 - * روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حمل علينا السلاح فليس منا". 540 - * روى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رفعه: "إنه لم يكن نبيٌّ قبلي، إلا كان حقاً عليه أن يدُلَّ أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم وإن أمتكم هذه جُعل عافيتها في أولها، وسيصيبُ آخرها بلاءٌ وأمورٌ تنكرونها، وتجيء فتنةٌ فيزلقُ بعضها بعضاً، وتجيء الفتنةُ، فيقول المؤمن: هذه مُهلكتي، ثم تنكشف، وتجيء الفتنةُ فيقول المؤمن: هذه هذه، فمن أحب أن يُزحزح عن النار، ويُدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه، ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه، فليطعه ما استطاع، فإن جاء آخرُ ينازعه فاضربوا عُنق الآخر". 541 - * روى البخاري عن سعيد بن جبير رحمه الله قال: خرج علينا عبد الله بن عمر رضي الله عنه، فرجونا أن يُحدثنا حديثاً حسناً، فبادرنا إليه رجل يقال له: حكيم، فقال: يا أبا عبد الرحمن، حدثنا عن القتال في الفتنة وعن قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193] قال: وهل تدري ما الفتنة؟ ثكلتك أمك، إنما كان محمدٌ صلى الله عليه وسلم يقاتل المشركين، وكان الدخول في دينهم فتنة، وليس كقتالكم على الملك.

_ = (ثم وضعه): أي من قاتل به، ويقال: وضع الشيء من يده: إذا ألقاه فكأنه ألقاه في الضريبة. (فدمه هدر): باطل ليس فيه قود ولا عقلٌ. أي لم يُدرك بثأره. 539 - البخاري (13/ 23) 92 - كتاب الفتن 7 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من حمل علينا السلاح فليس منا". ومسلم (1/ 98) 1 - كتاب الإيمان 42 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "من حمل علينا السلاح فليس منا". 540 - مسلم (3/ 1472) 33 - كتاب الإمارة 10 - باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالأول. والنسائي (7/ 152) 29 - كتاب البيعة 24 - باب البيعة فيما يستطيع الإنسان. (فيزلق): أزلفتُ بعضها بعضاً: دفع بعضها بعضاً، كأن الثانية تزحم الأولى، لسرعة ورودها عليها، ويزلق بعضها بعضاً: يعجلها، والإزلاق: الإعجال، في هذا الحديث إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم بما لم يكن، وهو في علم الله أمر كائن. 541 - البخاري (13/ 45) 92 - كتاب الفتن 16 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "الفتنة من قبل المشرق".

أقول: يفهم من الأثر أن المشاركة في القتال على الملك المجرد دون ملحظ ديني أخروي هو من الفتن كما بيَّن لنا الحديث معنى الفتنة في الآية: وهي أن يفتن الكافرون المؤمنين عن دينهم ليجعلوهم يرتدون. 542 - * روى البخاري ومسلم عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: "استنصت لي الناس" ثم قال: "لا ترجعوا بعدي كُفاراً، يضربُ بعضُكم رقاب بعضٍ". 543 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعضٍ". 544 - * روى النسائي عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ترجعوا بعدي كفاراً يضربُ بعضكم رقاب بعضٍ، ولا يؤخذ الرجل بجريرة أبيه، ولا جريرة أخيه". وفي أخرى: "لا ترجعوا بعدي ضُلالاً، يضربُ بعضكم رقاب بعضٍ". 545 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ 542 - البخاري (13/ 26) 92 - كتاب الفتن 8 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ترجعوا بعدي كفاراً ... " إلخ. ومسلم (1/ 81) 1 - كتاب الإيمان 29 - باب بيان معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم "لا ترجعوا بعدي كفاراً ... " إلخ. والنسائي (7/ 137) 27 - كتاب تحريم الدم 29 - باب تحريم القتل. (استنصت القوم): إذا قلت لهم: أنصتا، أي: اسكتوا لتستبعوا. 543 - الترمذي (4/ 486) 34 - كتاب الفتن 28 - باب ما جاء لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض. وقال: حسن صحيح. لا ترجعوا بعدي كُفاراً: قال الخابي: له تأويلان، أحدهما: أنه أراد بالكفر: المتكفرين في السلاح، أي: المستترين فيه، وأصل الكفر: الستر. وقيل: معناه: لا ترجعوا بعدي فرقاً مختلفة يقتل بعضكم بعضاً، فتشبهون الكفار، يريد أن الكفار يقتل بعضهم بعضاً لعداوتهم، بخلاف المسلمين فإنهم مأمورون بحقن دمائهم، وأن لا يقتل بعضهم بعضاً. 544 - النسائي (7/ 126) 27 - كتاب تحريم الدم 29 - باب تحريم القتل. وهو حديث صحيح. (بجريرة) الجريرة: الجناية والذنب الذي يفعله الإنسان فيطالب به. 545 - الترمذي (4/ 523) 34 - كتاب الفتن 69 - باب حدثنا محمد بن بشار ... إلخ. وقال: حسن صحيح غريب. والنسائي (7/ 195) 42 - كتاب الصيد 24 - باب اتباع الصيد.

قال: "من سكن البادية جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى أبواب السلطان افتتن". وعند أبي داود (1): "ومن أتى السلطان افتتن". وفي أخرى [من حديث أبي هريرة] (2): "ومن لزم السلطان افتتن، وما ازداد عبدٌ من السلطان دُنواً إلا ازداد من الله بُعداً". 546 - * روى مسلم عن معقل بن يسار رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العبادةُ في الهرج كهجرةٍ إليَّ". 547 - * روى ابن ماجه عن أبي أمامة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة عبدٌ أذهب آخرته بدنيا غيره. 548 - * روى مسلم وابن ماجه واللفظ له عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "زُويت لي الأرض حتى رأيتُ مشارقها ومغاربها. وأُعطيتُ

_ (1) أبو داود (3/ 111) كتاب الصيد- باب في اتباع الصيد. (2) أبو داود في نفس الموضع. قال محقق الجامع: وإسناده ضعيف ومع ذلك فقد قال الترمذي: هذا حديث غريب، وقال المناوي "في فيض القدير" له عند البزار سند حسن. 546 - مسلم (4/ 2268) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة 26 - باب فضل العبادة في الهرج. والترمذي (4/ 489) 34 - كتاب الفتن 31 - باب ما جاء في الهرج والعبادة فيه. وقال: حسن صحيح. 547 - ابن ماجه (2/ 1312) 36 - كتاب الفتن 11 - باب إذا التقى المسلمان بسيفيهما. قال في الزوائد: هذا إسناد حسن. 548 - مسلم (4/ 2315) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة 5 - باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض. وأبو داود (4/ 97) كتاب الفتن - باب ذكر الفتن ودلائلها. والترمذي (4/ 472) 34 - كتاب الفتن 14 - باب ما جاء في سؤال النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً في أمته. وقال: حسن صحيح. وابن ماجه (3/ 1304) 36 - كتاب الفتن 9 - باب ما يكون من الفتن. ومسند أحمد (5/ 278). (زويت): أي جمعت وضم بعضها إلى بعض. (مشارقها): أي البلاد المشرقة منها، وكذا مغاربها. (وأعطيت): على بناء المفعول. وقد أعطاه الله تعالى مفاتيح الخزائن المفتوحة على الأمة. ... =

الكنزين: الأصفر (أو الأحمر) والأبيض (يعني الذهب والفضة) وقيل لي: إن مُلكك إلى حيثُ زُوي لك. وإني سألت الله عز وجل ثلاثاً: أن لا يُسلط على أمتي جوعاً فيهلكهم به عامةٌ. وأن لا يلبسهم شيعاً ويُذيق بعضهم بأس بعضٍ. وإنه قيل لي: إذا قضيتُ قضاءٌ، فلا مردَّ له. وإني لن أُسلط على أمتك جوعاً فيهلكهم فيه. ولن أجمع عليهم من بين أقطارها، حتى يُفني بعضهم بعضاً، ويقتل بعضهم بعضاً. وإذا وُضع السيف في أمتي، فلن يُرفع عنهم إلى يوم القايمة. وإن مما أتخوف على أمتي أئمة مُضلين. وستعبدُ قبائل من أمتي الأوثان. وستلحقُ قبائل من أمتي بالمشركين. وإن بين يدي الساعة دجالين كذابين. قريباً من ثلاثين. كلهم يزعم أنه نبي. ولن تزال طائفةٌ من أمتي على الحق منصورين، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله، عز وجل". قال أبو الحسن: لما فرغ أبو عبد الله من هذا الحديث، قال: ما أهوله!! 549 - * روى الإمام أحمد عن أم حبيبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "رأيتُ ما تلقى أمتي بعدي وسفك بعضهم [دماء بعض] وسبق ذلك من الله عز وجل كما سبق في الأمم قبلهم فسألته أن يوليني شفاعةً يوم القيامة فيهم ففعل". 550 - * روى الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "سألتُ ربي

_ = (الأصفر): وفي بعض النسخ الأحمر، والمراد الذهب. (والأبيض): أي الفضة. (به): أي بالجوع. (عامة) أي حال كون الجوع سنة عامة، أي شاملة لكل الأمة. (وأن لا يلبسهم): لا يخلطهم. (ويذيق بعضهم بأس بعض): بالمحاربة: أي لا يجمعهم متحاربين. (وإذا وضع السيف في أمتي): أي إذا ظهرت الحرب بينهم تبقى إلى يوم القيامة. 549 - مسند أحمد (6/ 428). مجمع الزوائد (7/ 224) وقال: رواه أحمد والطبراني في الأوسط ورجالهما رجال الصحيح. 550 - مجمع الزوائد (7/ 222). وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات. ورواه البزار (4/ 100). إلا انه قال: سألت ربي ثلاثاً. وللحديث شواهد أخرى بألفاظ مختلفة.

لأمتي أربع خلالٍ فمنعني واحدةً وأعطاني ثلاثاً؛ سألته أن لا تكفُر أمتي صفةٌ واحدةٌ فأعطانيها، وسألته أن لا يُسلط عليهم عدواً من غيرهم فأعطانيها، وسألته أن لا يُعذبهم بما عذَّب به الأمم قبلهم فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها". 551 - * روى أبو يعلى عن عامر الشعبي قال: لما قاتل مروانُ الضحاك بن قيسٍ أرسل إلى أيمن بن خُريم الأسدي فقال: إنا نحبُ أن تُقاتل معنا فقال: إن أبي وعمي شهدا بدراً فعهدا إليَّ أن لا أقاتل أحداً يشهد أن لا إله إلا الله فإنجئتني ببراءة من النار قاتلتُ معك. فقال: اذهب. ووقع فيه وسبه فأنشأ أيمنُ يقول: ولستُ مقاتلاً رجلاً يُصلي ... على سلطان آخر من قريشٍ أقاتلُ مسلماً في غير شيءٍ ... فليس بنافعي ما عشتُ عيشي له سُلطانه وعليَّ إثمي ... معاذ الله من جهلٍ وطيشٍ وفي رواية الطبراني أنه قال: لستُ أقاتلُ رجلاً يصلي. وقال: معاذ الله من فشلٍ وطيش، وقال: أأقتل مسلماً في غير جُرم. 552 - * روى الطبراني عن عصمة بن قيس السُّلمي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يتعوذُ من فتنة المشرق، قيل له: فكيف فتنة المغرب؟ قال: "تلك أعظمُ وأعظمُ". وفي رواية عنده أيضاً (1) أنه كان يتعوذ في صلاته من فتنة المغرب. لقد كان بدء دعوة العبيديين من الباطنية في المغرب العربي ثم اكتسحوا مصر فالشام فغيرهما من البلدان فترة من الزمان ونشروا ضلالتهم. فهل المراد بهذه الفتنة فتنة المغرب؟ أو المراد ما هو أوسع من ذلك مما نراه في عصرنا

_ 551 - مجمع الزوائد (7/ 296). وقال: رجال أبي يعلى رجال الصحيح غير زكريا بن يحيى رحمويه وهو ثقة. 552 - المعجم الكبير (17/ 187). مجمع الزوائد (7/ 220). وقال: رجاله ثقات. (1) المصدران السابقان: نفس الموضع.

من تأثر بالفكر الغربي حتى ارتد بذلك خلق كثيرون؟ 553 - * روى الطبراني في الأوسط عن محمد بن مسلمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيت الناس يقتتلون على الدنيا فاعمد بسيفك على اعظم صخرة في الحرة فاضربه بها حتى ينكسر ثم اجلس في بيتك حتى تأتيك يدٌ خاطئةٌ أو منيةٌ قاضيةٌ" ففعلت ما أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم. 554 - * روى الطبراني عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى محمد بن مسلمة سيفاً، فقال: "قاتل المشركين ما قُوتلوا فإذا رأيت سيفين اختلفا بين المسلمين فاضرب حتى ينثلم واقعد في بيتك حتى تأتيك منيةٌ قاضيةٌ أو يد خاطئةٌ" ثم أتيت ابن عمر فحذا لي على مثاله عن النبي صلى الله عليه وسلم. 555 - * روى الإمام أحمد عن أبي عمران قال؛ قلت لجُندبٍ: إني قد بايعت هؤلاء- يعني ابن الزبير- وإنهم يريدون أن أخرج معهم إلى الشام. فقال: أمسكْ. فقلت: إنهم يأبون. قال: اقتد بمالك. فقلت: إنهم يأبون إلا أن أضرب معهم بالسيف. فقال جُندبٌ: حدثني فلان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يجيء المقتولُ بقاتله يوم القيامة فيقول يارب سل هذا فيم قتلني" قال شُعبة وأحسبه قال: على ما قتلته؟ فيقول قتلتُه على مُلكِ فلان" قال؛ فقال جندب: فاتقها. أقول: ابن الزبير هو الخليفة الراشد، والقتال معه كان هدى وصواباً إلا أن الأمر كان ملتبساً، ولذلك اعتبره جندب قتالاً على المُلك وهو قتال ينأى المسلم عن المشاركة فيه إلا لملحظٍ

_ 553 - مجمع الزوائد (7/ 300). وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات. 554 - المعجم الكبير (12/ 230). مجمع الزوائد (7/ 301). وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات. 555 - مسند أحمد (5/ 367). المعجم الكبير (2/ 164). مجمع الزوائد (7/ 294). وقال: رواه أحمد والطبراني ورجاله رجال الصحيح.

ديني أخروي. 556 - * روى مسلم عن عرفجة رضي الله عنه؛ سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ستكون هَناتٌ وَهَناتٌ، فمن أراد أن يُفرق أمر هذه الأمة وهي جميعٌ، فاضربوه بالسيف كائناً من كان". وفي رواية (1): "فاقتلوه". وفي رواية أبي داود (2): "وهناتٌ" مرةً أخرى. ورواه النسائي (3)، وله في أخرى قالت: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر يخطب الناس، فقال: "إنها ستكونُ بعدي هناتٌ وَهناتٌ، فمن رأيتموه فارق الجماعة - أو يريد أن يُفرق أمة محمدٍ - كائناً من كان فاقتلوه، فإن يد الله على الجماعة، والشيطانُ مع من فارق الجماعة يركُضُ". 557 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يُهلك أمتي هذا الحي من قريشٍ". قالوأ: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: "لو أن الناس اعتزلوهم؟ ". أقول: وذلك إذا تنافسوا على المُلك للملك. 558 - * روى ابن ماجه عن عبد الله بن عمر قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم،

_ 556 - مسلم (2/ 1479) 33 - كتاب الإمارة 14 - باب حكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع. (1) مسلم: نفس الموضع. (2) أبو داود (3/ 242) كتاب السنة - باب في قتل الخوارج. (3) النسائي (7/ 92) 27 - كتاب تحريم الدم 6 - باب قتل من فارق الجماعة. (هنات): جمع هنة، وهي الخصلة من الشُرَّ، ولا تقال في الخير. قال ابن الأثير: (يد الله على الجماعة): أي سكينته ورحمته مع القوم المتفقين المجتمعين. (فإذا تفرقوا واختلفوا): أزال السكينة عنهم وأوقع بأسهم بينهم. 557 - البخاري (6/ 612) 61 - كتاب المناقب 25 - باب علامات النبوة في الإسلام. ومسلم (4/ 2236) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة 17 - باب لا تقوم الساعة حتى تعبد دوس ذا الخلصة. 558 - ابن ماجه (2/ 1332) 36 - كتاب الفتن 22 - باب العقوبات. =

فقال: "يا معشر المهاجرين! خمسً إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قومٍ قط، حتى يُعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأجواع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا. ولم ينقضوا المكيال والميزان؛ إلا أُخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم. ولم يمنعوا زكاة أموالهم، إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا. ولم ينقضوا عهد رسوله، إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم. وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، ويتخيروا مما أنزل الله، إلا جعل الله بأسهم بينهم". 559 - * روى أبو داود عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه، قال: وايمُ الله لقد سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن السعيد لمن جُنِّب الفتن". قالها ثلاثاً "ولمن ابتلي فصبر" فواها.

_ = قال في الزوائد: هذا حديث صالح للعمل به. والمستدرك (4/ 540) وقال: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. (إذا ابتليتم): على بناء المفعول: والجزاء محذوف. أي فلا خير. أو: حل بكم من أنواع العذاب الذي يذكر بعده. (وأعوذ بالله أن تدركوهن): جملة معترضة. (لم تظهر الفاحشة): أي بالقحط. (منعوا القطر): أي المطر. (عهد الله): هو ما جرى بينهم وبين أهل الحرب. 559 - أبو داود (4/ 102) كتاب الفتن- باب في النهي عن السعي في الفتنة. وإسناده صحيح. (فواها): واها كلمة يقولها المتأسف على الشيء والمتعجب منه.

560 - * روى أحمد عن أبي سنان الدؤلي أنه دخل على عمر بن الخطاب وعنده نفر من المهاجرين الأولين، فأرسل عمر إلى سفطٍ أُتي به من قلعةٍ، من العراق فكان فيه خاتم فأخذه بعض بنيه فأدخله في فيه، فانتزعه عمر منه ثم بكى عمر رضي الله عنه، فقال له من عنده: لِم تبك وقد فتح الله عليك وأظهرك على عدوك وأقرَّ عينك؟ فقال عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تفتح الدنيا على أحد إلا ألقى الله عز وجل بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة". وأنا أُشفقُ من ذلك. 561 - * روى مسلم عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، قال: كنا عند عمر فقال: أيكم سمع رسول صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن؟ فقال قوم: نحن سمعناه. فقال: لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وجاره؟ قالوا: أجل. قال: تلك يُكفرها الصلاة والصيام والصدقة، ولكن أيكم سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر التي تموجُ موج البحر؟ قال حذيفة: فأسكت القوم، فقلت: أنا. قال: أنت، لله أبوك. قال حذيفةُ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تعرضُ الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأيُّ قلبٍ أشربها نْكِتَ فيه نكتةٌ سوداء؟ وأي قلب أنكرها نْكِتَ فيه نكتةٌ بيضاءُ، حتى تصير على قلبين: أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنةٌ، ما دامت السمواتُ والأرض، والآخر: أسود مُرباداً، كالكوز مجخياً، لا يعرفُ معروفاً، ولا يُنكر منكراً، إلا ما أُشرب من هواه" قال: وحدثته: أن بينك وبينها باباً مُغلقاً، يوشك أن يُكسر قال عمر:

_ 560 - مسند أحمد (1/ 16). كشف الأستار (4/ 235). مجمع الزوائد (10/ 236) وقال: رواه أحمد والبزار وأبو يعلى في الكبير وإسناده حسن. 561 - مسلم (1/ 128) 1 - كتاب الإيمان 65 - باب بيان أن الإسلام بدأ غريباً ... إلخ. (كالحصير عوداً عوداً): قال الحميدي: في بعض الروايات "عَرْضَ الحصير" والمعنى فيهما: أنه تحيط بالقول كالمحصور المحبوس، يقال: حصره القوم: إذا أحاطوا به، وضيَّقوا عليه. قال: وقال الليث: حصر الجنب: عرق يمتد معترضاً على الجنب إلى ناحية البطن، شبه إحاطتها بالقلب بإحاة هذا العرق بالبطن، وقوله "عوداً عوداً" أي مرة بعد مرة، تقول: عاد يعودُ عودةً وعوداً. (أشربها): أشرب القلب هذا الأمر: إذا دخل فيه وقبِلَهُ وسكن إليه، كأنه قد شربه. (نْكِتَ فيه نكتة سوداء): أي أثر فيه أثر أسود، وهو دليل السخط ولذلك قال في حالة الرضا: نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير القلوب على قلبين، أي على قسمين. =

أكثراً؟ لا أبالك، فلو أنه فُتحَ؟ لعله كان يُعاد. قال: لا، بل يُكسرُ. وحدثته أن ذلك الباب رجلٌ يقتلُ أو يموت، حديثاً ليس بالأغاليط. قال ربعي: فقلت: يا أبا مالك- هو سعد بن طارق- ما أسود مرباداً؟ قال: شدةُ البياض في سوادٍ. قلت: فما الكوزُ مُجخياً؟ قال: منكوساً. قال النووي: قوله "فتنة الرجل في أهله وجاره تكفرها الصلاة والصيام والصدقة" قال أهل اللغة: أصل الفتنة في كلام العرب الابتلاء والامتحان والاختبار. قال القاضي: ثم صارت في عرف الكلام لكل أمر كشفه الاختبار عن سوء. قال أبو زيد: فتن الرجل يفتن فتونا إذا وقع في الفتنة وتحول من حال حسنة إلى سيئة، وفتنة الرجل في أهله وماله وولده ضروب من فرط محبته لهم وشحه عليهم وشغله بهم عن كثير من الخير كما قال تعالى: {أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} أو لتفريطه بما يلزم من القيام بحقوقهم وتأديبهم وتعليمهم فإنه راع لهم ومسئول عن رعيته، وكذلك فتنة الرجل في جاره من هذا. فهذه كلها فتن تقتضي المحاسبة، ومنها ذنوب يرجى تكفيرها بالحسنات كما قال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}. وقوله (التي تموج كما يموج البحر) أي تضطرب ويدفع بعضها بعضاً، وشبهها بموج البحر لشدة عظمها وكثرة شيوعها. وقوله (فأسكت القوم) هو بقطع الهمزة المفتوحة، قال جمهور أهل اللغة: سكت وأسكت لغتان بمعنى صمت. وقال الأصمعي: سكت صمت وأسكت أطرق. وإنما سكت القوم لأنهمن لم يكونوا يحفظون هذا النوع من الفتنة وإنما حفظوا النوع الأول. وقوله: (لله أبوك) كلمة مدح تعتاد العرب الثناء بها فإن الإضافة إلى العظيم تشريف، ولهذا يقال: بيت الله وناقة الله. قال صاحب التحرير: فإذا وجد من الولد ما يحمد قيل له لله أبوك حيث أتى بمثلك أ. هـ النووي. قال النووي: أما الرجل الذي يقتل فقد جاء مبيناً في الصحيح أنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقوله: "يقتل أو يموت": يحتمل أن يكون حذيفة رضي الله عنه سمعه

_ = (مرباداً): المرباد والمربد: الذي في لونه رُبدة، وهي بين السواد والغُبرة. (كالكوز مجخياً): المجخي المائل عن الاستقامة والاعتدال ها هنا، وجخي الرجل في جلوسه: إذا جلس متوفراً. وجخي في صلاته: إذا جافى عضديه عن جوفه ورفع جوفه عن الأرض وخوى.

من النبي صلى الله عليه وسلم هكذا على الشك والمراد به الإبهام على حذيفة وغيره، ويحتمل أن يكون حذيفة علم أنه يقتل ولكنه كره أن يخاطب عمر رض يالله عنه بالقتل، فإن عمر رضي الله عنه كان يعلم أنه هو الباب كما جاء مبيناً في الصحيح أن عمر كان يعلم من الباب كما يعلم أن قبل غد الليلة، فأتى حذيفة رضي الله عنه بكلام يحصل منه الغرض، مع أنه ليس إخباراً لعمر بأنه يقتل. وأما قوله (حديثاً ليس بالأغاليط) فهي جمع أغلوطة وهي التي يغالط بها، فمعناه حدثته حديثاً صدقاً محققاً ليس هو من صحف الكتابيين ولا من اجتهاد ذي رأي بل من حديث النبي صلى الله عليه وسلم. والحاصل أن الحائل بين الفتن والإسلام عمر رضي الله عنه، وهو الباب فما دام حياً لا تدخل الفتن فإذا مات دخلت الفتن وكذا كان والله أعلم. أهـ النووي. 562 - * روى مسلمٌ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن عرش إبليس على البحر، فيبعث سراياه: فيفتنون الناس، فأعظمهم عنده أعظم فتنةٌ، يجيءُ أحدهم، فيقول: فعلتُ كذا وكذا. فيقول: ما صنعت شيئاً، ثم يجيء أحدهم، فيقول: ما تركته حتى فرَّقتُ بينه وبين امرأته. فيدنيه منه، ويلتزمه، يقول: نِعم أنت". 563 - * روى الترمذي عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يكونُ في آخر الزمان رجالٌ يختِلُون الدنيا بالدين، يلبسون للناس جُلود الضأن من اللين، ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم قلوب الذئاب، يقول الله تعالى: أبي يغترون، أم عليَّ يجترئون؟ فبي حلفتُ، لأبعثن على أولئك منهم فتنةٌ تدعُ الحليم حيران".

_ 562 - مسلم (4/ 2167) 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم 16 - باب تحريش الشيطان ... إلخ. قال النووي: (العرش): هو سرير الملك، ومعناه أن مركزه البحر ومنه يبعث سراياه في نواحي الأرض. (يلتزمه): يضمه إلى نفسه ويعانقه. (نعم أنت): هي الموضوعة للمدح، فيمدحه لإعجابه بصنعه وبلوغه الغاية التي أرادها. 563 - الترمذي (4/ 604) 37 - كتاب الزهد 59 - باب حدثنا سويد ... إلخ.

ورواية ابن عمر أخصرُ من هذه (1)، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله قال: لقد خلقتُ خلقاً ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمرُّ من الصبر، فبي حلفتُ، لأتيحنهم فتنةً تدعُ الحليم منهم حيران، فبي يغترون، أم عليَّ يجترئون؟ ". 564 - * روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنها ستكونُ بعدي أثرةً وأمور تنكرونها" قالوا: يا رسول الله، كيف تأمر من أدرك ذلك منا؟ قال: "تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم". 565 - * روى الطبراني عن أبي ثور الحُداني، قال: دفعتُ إلى حذيفة وأبي مسعود في المسجد، وأبو مسعود يقول: والله ما كنتُ أرى أن تزيد على عقبيها ولم يُهرق فيها محجمةً من دم. فقال حذيفةُ: لكن قد علمتُ أنها لتزيدُ على عقبيها وأنه يُهراق فيها محجمةٌ من دم، إن الرجل ليصبح مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً فينُكسُ قلبه فتعلوه استه، يقاتل في الفتنة اليوم ويقتله الله غداً فقال أبو مسعودٍ: صدقت، هكذا حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة. أقول: من هذا الحوار الذي جرى بين صحابيين ندرك أن الشيء الذي يتصور أنه لن يكون له عاقبة سيئة قد تكون له عواقب وخيمة. فما حدث بسبب مقتل عثمان رضي الله عنه ترك آثاره في الأمة الإسلامية إلى قيام الساعة، وهذا يدعونا للتبصر في كل خطوة عامة وفي كل

_ (1) الترمذي في الموضع السابق. وقال: حسن غريب. وهو حديث حسن. 564 - البخاري (6/ 612) 61 - كتاب المناقب 25 - باب علامات النبوة في الإسلام. ومسلم (3/ 1472) 33 - كتاب الإمارة 10 - باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالأول. والترمذي (4/ 482) 24 - كتاب الفتن 25 - باب في الآثرة وما جاء فيه. وقال: حسن صحيح. (أثرة): الأثرة: اسم، من أثر به يؤثر إيثاراً: إذا سمح به لغيره وفضله على نفسه، والمراد: إنكم ستجدون بعدي قوماً يُفضلون أنفسهم عليكم في الفيء ونحوه. 565 - مجمع الزوائد (7/ 233). وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير أبي ثور وهو ثقة. أ. هـ. وقال في التقريب: مقبول.

موقف عام. ولذلك وحتى يبقى راسخاً في الأذهان أنه لا عجب فيما نراه ولنتأنى في مواقفنا العامة ختمنا الحديث عن الفتن بهذا الحديث والذي بعده. 566 - * روى ابن ماجه عن معاوية قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لم يبق من الدنيا إلا بلاءٌ وفتنةٌ". * * *

التعقيب

التعقيب (1) إن النصوص التي تتحدث عن الفتن كثيرة، وهي تتحدث عن أنواع من الفتن، وترسم للمسلم الطريق الأرقى لمواجهة كل نوع من الفتن، وكثيرون من الناس لا يعرفون أن يضعوا النصوص في مواضعها ولا أن يحددوا الطريق فيما يواجههم من فتن، وذلك أن بعض النصوص في الفتن تكاد تكون فتوى تنطبق على حالة فردية أو على مرحلة، أو على توافر شروط قد لا يحسن الإنسان تقدير وجودها، ثم إن النصوص الواردةفي الفتن لا بد أن تفهم على ضوء النصوص الأخرى التي تتحدث عن واجبات عينية أو كفائية لا يسع المسلم ولا المسلمين إلا أن يقيموها أو يعملوها بالقدر المتاح الممكن المناسب، وعلى هذا فإنه لا بد من تحديد الفتن وموقف المسلم منها: فهناك فتنة الكافرين للمسلمين في دينهم بالتعذيب فهذه يسع المسلم فيها أن يأخذ بالرخصة التي تنجيه، والأفضل في حقه أن يصبر حتى يستشهد، وهناك فتنة الكافرين للمسلمين من خلال الكينونة مع الكافرين بأن تسري للمسلم أو لذريته أخلاق الكافرين -وفقهاء المسلمين قالوا: حيثما خاف المسلم على دينه أو على دين من يرعاهم فقد وجبت عليه الهجرة، وفقهاء الحنفية يوجبون الهجرة من دار الحرب والبغي أو البدعة أو الردة في كل حال، وفقهاء الشافعية يستحبون للمسلم أن يقيم في مثل هذه البلدان إذا كان بإمكانه أن يحافظ على دينه ودين أهله، ويعتبرون إقامتهم عندئذٍ نوع جهاد، لأنه حيث أقام توجد دار صغيرة للإسلام. وهناك فتنة القلوب التي هي أثر عن وساوس الشيطان وهواجس النفس وسماع ما يفتن ومواجهة مواقف تفتن القلب، فهذه حكم الإسلام فيها أن يجاهد الإنسان هذه الفتن وأن يردها قلبه. وهناك الفتن التي يثيرها البغاة ضد الخليفة الراشد بغير حق، فهذه ينبغي أن يكون المسلم فيها مع الخليفة الراشد، وإذا استنفره لقتال استنفر، وأما إذا خرج على الإمام الحق بالحق، فإن على الإمام أن يرجع إلى الحق، وعلى المسلمين واجب نصحه واعتزال القتال،

_ 566 - ابن ماجه (2/ 1339) 36 - كتاب الفتن 24 - باب شدة الزمان. قال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات.

وههنا تكون موازنات تحتاج إلى فتوى بصيرة من أهلها، كأن يكون للإمام اجتهاد يعذر به، أو يكون البغاة يرفعون كلمة حق يراد بها باطل، أو كان الخارجون لو نجحوا تردَّت إلى ما هو أسوأ إلى غير ذلك من احتمالات تحتاج إلى ترجيح في الموقف من خلال فتوى صحيحة من أهلها. وهناك الفتنة التي يتعرض لها المسلم من إمام مسلم ظالم أو من سلطان مسلم ظالم، فهذه يجوز للمسلم فيها أن يصبر ويجوز أن ينصح، وفي حالة ظلم الحاكمين وفسوقهم، فإن كان بالإمكان عزلهم دون أن يترتب على ذلك شر أكبر من وجودهم فللمسلمين عزلهم، وغلا جاز لهم الصبر وندبوا إلى الأمر بالمعروف والنصيحة. وهناك الفتنة التي يسيطر فيها أهل الكفر على المسلمين، فهذه يفترض فرضاً عينياً على المسلمين أن يواجهوها إذا توافرت شروط ذلك فإن لم تتوافر الشروط لا يأثم من لم يباشر القتال، وعلى المسلمين أن يعملوا بالوسائل الصحيحة للخلاص من الكفر، فإذا لم يجد المسلم إمكانية ولم يجد وسائل صحيحة توصل إلى المطلوب ولم يكن بإمكانه أن يفعل شيئاً، صح له أن يعتزل، أما إذا وجد المسلم من يتعاون معه على خير دون أن يترتب وقوع في إثم بسبب آخر غير التعاون على الخير، فإن المطلوب منه أن يضع يده بيد المسلمين الذين يساعدون على إقامة الخير، ويفهم بعضهم من الأمر الوارد في حديث حذيفة "فاعتزل تلك الفرق كلها" على أن المراد به أن يعتزل العاملين بالحق ممن تنطبق عليهم أوصاف الطائفة المذكورة بالنصوص، وهذا خطأ كبير، فالمراد اعتزال فرق الضلالة لا اعتزال أهل الحق فيد الله مع الجماعة. وهناك الفتن التي هي أثر عن صراع بين مسلمين على حكم، فهذه يتجنب المسلم خوضها إلا إذا أكره، فنيته تشفع له عند الله. وههنا قد توجد موازنات فقهية من أهلها ترجح شيئاً، وعندئذٍ يسع المسلم أن تكون له مشاركة أو لا. وهناك فتنة العصبيات التي لا يتبين فيها وجه الحق فهذه يعتزلها المسلم. وهناك الفتنة التي هي أثر عن فوضى شاملة، فهذه يفر منها المسلم إذا استطاع، ويعتزلها ما أمكن، ويهاجر إن تيسر له.

وهناك الابتلاءات التي يبتلي الله عز وجل بها عبده في الموقع الذي هو فيه، من تعامل مع جار أو زوجة أو ولد أو زميل مهنة، فهذه أدبه فيها إقامة حكم الله. وهناك الفتنة التي هي أثر عن أمراض نفسية يكثر فيها القيل والقال، وقد يصل فيها الأمر إلى قتال، فهذه يعتزلها المسلم ويقبل على إخوانه الذين تجمعهم وإياه أخوة خالصة في الله، وإن كان عالماً أقبل على العلم والتعليم وتلقين الحكمة وتزكية الأنفس. وهناك فتنة الدنيا التي تصرف المسلم عن الآخرة وأعمالها، فواجب المسلم في هذا الشأن أن لا تصرفه الدنيا عن إقامة واجب، وعليه أن يحدد عين بصيرته نحو الآخرة. وعلى المسلم أن يلاحظ أن الفتن والموقف منها لا يصح أن يعطل به كتاب الله، بل كتاب الله يحكم في الفتن وغيرها، لذلك فقد مرت معنا رواية حذيفة عند أبي داود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه كرر عليه ثلاثاً قوله "تعلم كتاب الله، واتبع ما فيه" فكتاب الله لم يترك قضية أصلية أو استثنائية إلا عرف المسلم على الحكم فيها، قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} (1) فالعمل بالكتاب لا يعطل في أي حال من الأحوال، وإنما يكلف المسلم بالعمل قدر الاستطاعة: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (2) فلا يصح بحجة الفتنة أو العزلة مثلاً أن يعطل الإنسان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو يستطيع ذلك، ولا يصح بحجة الفتن أن يهمل المسلم تربية نفسه وتربية أهله وعياله، ولا يصح بحجة الفتن أن يترك المسلم المطلوبات العينية منه، ومن ذلك فروض العصر وفروض الوقت ما دام يستطيعُ شيئاً من ذلك. والأمر منوط بالاستطاعة، والاستطاعة تحددها الفتوى المبصرة من أهلها، فما من حالة للإنسان إلا ولله فيها حكم يعرفه الراسخون في العلم. وبهذا ننهي الباب الأول من هذا القسم، قسم العقائد الإسلامية. فإلى الباب الثاني وهو في الإيمان بالغيب. * * *

_ (1) النحل: 89. (2) البقرة: 286.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلاَةُ وَالسّلامُ عَلَىَ رَسُولِ اللهِ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا، إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ راجع هذا القسم ودققه فضيلة الشيخ عبد الحميد الأحدب حفظه الله

الباب الثاني في: الإيمان بالغيب

الباب الثاني في: الإيمان بالغيب وفيه: مقدمة وفصول

المقدمة

المقدمة جعل الله الإيمان بالغيب أول صفات المتقين {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} (1)، وأول ما يدخل في الإيمان بالغيب أركان الإيمان الستة التي وردت في حديث جبريل عليه السلام: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر" (2). ولكن الإيمان بالغيب أوسع من ذلك، فالغيب يطلق ويراد به ما يقابل الشهادة، أي ما يقابل المحسوس فيدخل في ذلك: الملائكة والجن والجنة والنار، وغير ذلك مما هو مغيب عنا وجاءت النصوص تحدثنا عنه، والغيب يطلق أحياناً ويراد به ما غاب عنا من أخبار الماضين وأخبرنا الوحي عنه ودليل ذلك قوله تعالى: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا} (3)، فقد جاءت هذه الآية في سياق قصة نوح عليه السلام، وتطلق كلمة الغيب ويراد بها المستقبل {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} (4)، فههنا يدخل في كلمة الغيب ما غاب عن العباد من الحاضر والمستقبل وأخبر عنه الله عز وجل رسله عليهم الصلاة والسلام، قال تعالى عن سليمان عليه السلام: {فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} (5)، وعلى هذا فالإيمان بالغيب يدخل فيه ما أخبرنا عنه الوحي من أمور ماضية ومستقبلية، ويدخل فيه ما أخبرنا عنه الوحي من أمور موجودة الآن وهي مغيبة عنا، والإيمان بالغيب هو الفارق الأول والرئيسي بين أهل الإيمان وأهل الكفر، وهذا هو المقتضى الأول للشهادتين، بل إن الشهادتين هما رمز الاعتراف بالغيب، ولذلك كانت الشهادتان والإيمان بالغيب إجمالاً أول ما يطالب به المسلم، على أنه إذا نظر في هذا المطلوب الأول فإن أول ما يدخل في الطلب هو معرفة الله، وما تتطلبه، لأن كل ما يأتي

_ (1) البقرة: 2، 3. (2) البخاري (1/ 114) 2 - كتاب الإيمان 37 - باب سؤال النبي صلى الله عليه وسلم ... الخ عن أبي هريرة بلفظ مغاير. ومسلم في أول صحيحه، من حديث عمر بلفظه. (3) هود: 49. (4) الجن: 26، 27. (5) سبأ: 14.

بعد ذلك من إيمان بغيب إلى غيره مبني على معرفة الله. * * * إن الإيمان بالغيب هو ركن التقوى، وأركان هذا الركن أركان الإيمان الستة التي وردت في حديث جبريل الصحيح، وقد نصت على خمسة منها أكثر من آية، من ذلك {لَيْسَ الْبِرَّ ... وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) (1)، {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (2)، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} (3)، وإنما لم يذكر الإيمان بالقدر معها لأنه فرع الإيمان بالله عز وجل كما سنرى، لكنه ذكر في القرآن في أكثر من مكان وفي نصوص السنة متواتراً. والفصول التي سنذكرها ههنا تشمل أركان الإيمان الستة وتشمل بعض ما غاب من العباد، وتشمل بعض ما أخبرنا الله عز وجل عنه من أمور سابقة أو لاحقة أو بعض ما أخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمور سابقة أو لاحقة، كما سنذكر فصلاً عن القصص التي قصها علينا رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم لأنها من الغيب، والإيمان بها جزء من الإيمان بالغيب. ولقد فصل القرآن في أمر الغيب تفصيلاً كثيراً، ولذلك فإن قارئ القرآن يجد أمر الغيب واضحاً، فالحديث عن الله والرسل واليوم الآخر والقدر والجن والموت والخلق كل ذلك نجده مفصلاً في القرآن الكريم، ومن ثم فإن عرضنا لأبحاث الغيب ههنا سيكون مختصراً؛ لأن غايتنا في هذا الكتاب عرض السنة مع ملاحظة أن روايات السنة المتعلقة بهذه الأمور تأتي في سياقات أبحاث أخرى كالذكر والدعاء؛ ولذلك فسنذكر في كل فصل من فصول هذا الباب الروايات التي هي ألصق بموضوعه تاركين كثيراً من الروايات لمحلها في سياقاتها. ويشمل هذا الباب الفصول التالية:

_ (1) البقرة: 177. (2) البقرة: 285. (3) النساء: 136.

فصول الباب الثاني الفصل الأول: في بدء الخلق. الفصل الثاني: في معرفة الله والإيمان به. الفصل الثالث: في الإيمان بالقدر. الفصل الرابع: في الإيمان بالملائكة. الفصل الخامس: في الجن والشياطين. الصفل السادس: في الإيمان بالكتب. الفصل السابع: في الإيمان بالأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام. الفصل الثامن: في القصص النبوي. الفصل التاسع: في الإيمان باليوم الآخر.

الفصل الأول في: بدء الخلق

الفصل الأول في: بدء الخلق وفيه: مقدمة ونصوص وتلخيص

المقدمة

المقدمة في بَدء الخلق جانب غيبي سواء في ذلك أصل نسأة الكون، أو نشأة الحياة على الأرض، أو نشأة الإنسان عليها، أو نشأة بعض المخلوقات الأخرى؛ لأن ذلك لم يشهده الإنسان، ولأن الله عز وجل أخبرنا عن بعض ذلك أو حدثنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو شيء لم نشهده فدخل في حيز الكلام عن الغيب، هذا مع ملاحظة أن الفكر المجرد يستطيع الوصول إلى أن هذا الكون مخلوقٌ وأن الحياة مخلوقةٌ. * * * ولعل أهم جانب من جوانب الصراع الفكري بين الملحدين والمؤمنين هو إثبات الخلق، فأزلية الكون وإمكانية نشأة الحياة مصادفة هما المرتكزان الرئيسيان للفكر الإلحادي، مع أنه حتى في حالة أن المسالة كذلك- وذلك مستحيل عقلي- فإن الأدلة على وجود الله لا تنحصر في هذا وهذا. * * * وقد لفت القرآن نظر العقل البشري كثيراً إلى بدء الخلق وأصل النشأة للوصول إلى الإيمان لاستقرار العلاقة بينهما في الفطرة: {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} (1). {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} (2). {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} (3). {خَلَقَ الْإِنْسَانَ} (4). {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} (5).

_ (1) العنكبوت: 19. (2) العنكبوت: 20. (3) الأعراف: 185. (4) الرحمن: 3. (5) الرحمن: 14، 15.

{أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} (1). {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} (2). ولوجود ناس يمارون بالبدهيات ويناقشون بالمحسوسات فضلاً عن المغيبات، وللنزعة الإلحادية في إنكار خلق الله المخلوقات، وهو شيء أخذ أكثر أبعاده في النظرية الماركسية، ولغير ذلك من الحكم، قال الله عز وجل وهو أعلم بما كان ويكون: {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} (3). {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ} (4). * * * إن من أهم قوانين العقل السببية، ومن أهم قوانين المادة عدم انفصالهما عن الحركة والطاقة والتغير، والملحدون ينقضون هذا وهذا وهم يزعمون أنهم عقلانيون، وقد فصلنا في هذه الأبحاث في كتابنا "الله جلَّ جلاله". والنصوص قطعية في أن كل ما سوى الله عز وجل مخلوق، فليس أزلياً إلا الله عز وجل، فهو الأول. وفي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري (5): "كان الله ولم يكن قبله شيءٌ"، وفي حديث آخر (6): "أنت الأول فليس قبلك شيءٌ"، ويكفي قوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ} (7). ومحض العقل يوصل إلى ذلك بشكل قطعي، ومما قاله تعالى في شأن الخلق: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} (8).

_ (1) الأنبياء: 30. (2) الأنعام: 1. (3) الكهف: 51. (4) الطور: 35، 36. (5) البخاري (13/ 403) 97 - كتاب التوحيد 22 - باب: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ}. (6) مسلم (4/ 2084) 48 - كتاب الذكر 17 - باب ما يقول عند النوم وعند المضجع. (7) الحديد: 2. (8) هود: 7.

وليس عندنا نصوص تفصل كيف كان عرشه على الماء، لكن من المعروف أن ذرة الهيدروجين التي تشكل أحد عنصري الماء) (الأوكسجين والهيدروجين) هي أصل الذرات جميعاً فبروتونها واحد وإلكترونها واحد والعناصر ما هي إلا توضعات الإلكترونات والبروتونات في كل عنصر بشكل يختلف عنه في العنصر الآخر. والظاهر من النصوص أنه قد تم خلق العرش- وهو مخلوق غيبي- وتم خلق أصل المادة وهو الماء ثم انفصلت المادة عن بعضها: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} (1). فهذه المجرات والأجرام كلها وجدت في هذه المرحلة، ثم بعد ذلك في مرحلة لاحقة وجدت الأرض المحسوسة والسموات السبع المغيبة: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} (2). فالأرض خلقت قبل السموات السبع المغيبة عنا وهي والسموات السبع المغيبة عنا وهي والسموات السبع وجدتا بعد أن انفصلت المادة عن بعضها وعلى هذا نفهم قوله تعالى: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} (3). فالأرض خلقت بعد السماء، والسموات السبع خلقت بعد الأرض، ويوم القيامة يعاد الكون كتلة واحدة كما كان: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} (4). هذا الفهم للنصوص فهم غير متكلف وما سواه فهم متكلف، وهو الذي ينسجم مع استقراءات علماء الكون فالظاهر أن تكون الأرض على ما هي عليه مسبوق بأشياء أخرى وقد بسطنا هذا الموضوع في التفسير. وأما نشأة الحياة على الأرض فيبدو أنها متقدمة كثيراً على نزول أبينا آدم عليه السلام فلقد قالت الملائكة لله عز وجل بعد أن أعلمهم بأنه سيجعل في الأرض خليفة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا

_ (1) الأنبياء: 30. (2) فصلت: 9، 10، 11. (3) النازعات: 27 - 33. (4) الأنبياء: 104.

مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} (1). مما يوحي أنهم شاهدوا إفساداً في الأرض وسفك دماء من قبل، وقد يكون هذا هو التفسير لرؤية نماذج قديمة لأنواع من الإنسان غير إنساننا الحالي، وذكر الغراب في قصة ابني آدم هابيل وقابيل تحتمل أن يكون وجود الغراب سابقاً على وجود آدم عليه السلام وفي حديث عند مسلم وأحمد (2) " ... وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة ... "، وهذا يدل على أن خلق الدواب سبق خلق آدم عليه السلام وإنما اضطررنا للتعرض لهذه المعاني ملاحظين معارف عصرنا لتكون هذه المعارف نقاط علام للباحث وحججاً بيد الدارس المختص، ورداً على أنواع من المختصين قد يثيرون تساؤلات. ولننتقل إلى عرض بعض نصوص السنة التي لها علاقة بالخلق:

_ (1) البقرة: 30. (2) مسلم (4/ 2149) 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم 10 - باب ابتداء الخلق وخلق آدم عليه السلام. ومسند أحمد (2/ 327).

النصوص

النصوص 567 - * روى البخاري عن طارق بن شهاب قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاماً، فأخبرنا عن بدء الخلق، حتى دخل أهل الجنة منازلهم، وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه. قال الحافظ في الفتح: قوله: حتى دخل أهل الجنة ... هي غاية قوله: أخبرنا، أي: أخبرنا عن مبتدأ الخلق شيئاً بعد شيء إلى أن انتهى الإخبار عن حال الاستقرار في الجنة والنار، ودل ذلك على أنه أخبر في المجلس الواحد بجميع أحوال المخلوقات منذ ابتدأت إلى أن تفنى، إلى أن تبعث، فشمل ذلك الإخبار عن المبدأ والمعاش والمعاد، وفي تيسير إيراد ذلك كله في مجلس واحد من خوارق العادة أمر عظيم. 568 - * روى البخاري عن عمران بن حصين أن ناساً من أهل اليمن قالوا: يا رسول الله: جئنا لنتفقه في الدين، ولنسألك عن أول هذا الأمر: ما كان؟ قال: "كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء. ثم خلق السموات والأرض، وكتب في الذكر كل شيء". أقول: من مباحث العلماء: هل العرش خلق قبل الماء؟ أو الماء خلق قبل العرش؟ وما تفسير بعض النصوص التي تذكر أن شيئاً ما خلق أولاً سوى العرش والماء؟ وقد ذكر ذلك ابن حجر في فتح الباري في شرحه لهذا الحديث فقال: قوله: (كان الله ولم يكن شيءٌ غيره) في الرواية الآتية في التوحيد "ولم يكن شيء قبله" وفي رواية غير البخاري "ولم يكن شيء معه" والقصة متحددة فاقتضى ذلك أن الرواية وقعت بالمعنى، ولعل راويها أخذها من قوله صلى الله عليه وسلم في دعائه في صلاة الليل "أنت الأول فليس قبلك شيء" لكن رواية الباب أصرح في العدم، وفيه دلالة على أنه لم يكن

_ 567 - البخاري (6/ 286) 59 - كتاب بدء الخلق، 1 - باب ما جاء في قوله الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ}. 568 - البخاري (13/ 403) 97 - كتاب التوحيد 22 - باب: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ}.

شيء غيره لا الماء ولا العرش ولا غيرهما، لأن كل ذلك غير الله تعالى، ويكون قوله "وكان عرشه على الماء" معناه أنه خلق الماء سابقاً ثم خلق العرش على الماء، وقد وقع في قصة نافع بن زيد الحميري بلفظ "كان عرشه على الماء ثم خلق القلم" فقال: اكتب ما هو كائن، ثم خلق السموات والأرض وما فيهن" فصرح بترتيب المخلوقات بعد الماء والعرش. قوله (وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السموات والأرض) هكذا جاءت هذه الأمور الثلاثة معطوفة بالواو، ووقع في الرواية التي في التوحيد "ثم خلق السموات والأرض"، ولم يقع بلفظ "ثم" إلا في ذكر خلق السموات والأرض. وقد روى مسلم من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعاً "إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء" وهذا الحديث يؤيد رواية من روى "ثم خلق السموات والأرض" باللفظ الدال على الترتيب. (تنبيه): وقع في بعض الكتب في هذا الحديث "كان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما عليه كان"، وهي زيادة ليست في شيء من كتب الحديث، نبه على ذلك العلامة تقي الدين بن تيمية، وهو مُسلَّمٌ في قوله "وهو الآن" إلى آخره، وأما لفظ "ولا شيء معه" فراوية الباب بلفظ "ولا شيء غيره" بمعناها. ووقع في ترجمة نافع بن زيد الحميري المذكور "كان الله لا شيء غيره" بغير واو. قوله (وكان عرشه على الماء) قال الطيبي: هو فصل مستقل لأن القديم من لم يسبقه شيء، ولم يعارضه في الأولية، لكن أشار بقوله "وكان عرشه على الماء" إلى أن الماء والعرش كانا مبدأ هذا العالم لكونها خلقا قبل خلق السموات والأرض، ولم يكن تحت العرش إذ ذاك إلا الماء. ومحصل الحديث أن مطلق قوله "وكان عرشه على الماء" مقيد بقوله "ولم يكن شيء غيره" والمراد بكان في الأول الأزلية وفي الثاني الحدوث بعد العدم. وقد روى أحمد والترمذي وصححه من حديث أبي رزين العقيلي مرفوعاً "إن الماء خلق قبل العرش" وروى السدي في تفسيره بأسانيد متعددة "إن الله لم يخلق شيئاً مما خلق قبل الماء" وأما ما رواه أحمد والترمذي وصححه من حديث عبادة بن الصامت مرفوعاً "أول ما خلق الله القلم، ثم قال اكتب، فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة" فيجمع بينه ما قبله بأن أولية القلم بالنسبة إلى ما عدا الماء والعرش أو بالنسبة إلى ما منه صدر من الكتابة، أي أنه قيل له اكتب أول ما خلق، وأما حديث "أول

ما خلق الله العقل" فليس له طريق ثبت، وعلى تقدير ثبوته فهذا التقدير الأخير هو تأويله والله أعلم. وحكى أبو العلاء الهمداني أن للعلماء قولين في أيهما خلق أولاً: العرش أو القلم؟ قال: والأكثر على سبق خلق العرش، واختار ابن جرير ومن تبعه الثاني، وروى ابن أبي حازم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: خلق الله اللوح المحفوظ مسيرة خمسمائة عام، فقال للقلم قبل أن يَخْلُقَ الخَلْقَ وهو على العرش: اكتب، فقال وما أكتب؟ قال علمي في خلقي إلى يوم القيامة. ذكره في تفسير سورة سبحان، وليس فيه سبق خلق القلم على العرش، بل فيه سبق العرش ... قوله (وكتب) أي قدر (في الذكر) أي في محل الذكر أي في اللوح المحفوظ (كل شيء) أي من الكائنات، وفي الحديث جواز السؤال عن مبدأ الأشياء والبحث عن ذلك وجواز عن ذلك وجواز جواب العالم بما يستحضره من ذلك، وعليه الكف إن خشي على السائل ما يدخل على معتقده. وفيه أن جنس الزمان ونوعه حادث، وأن الله أوجد هذه المخلوقات بعد أن لم تكن، لا عن عجز عن ذلك بل مع القدرة. واستنبط بعضهم من سؤال الأشعريين عن هذه القصة أن الكلام في أصول الدين وحدوث العالم مستمران في ذريتهم حتى ظهر ذلك منهم في أبي الحسن الأشعري، أشار إلى ذلك ابن عساكر" ا. هـ قول ابن حجر. أقول: دل هذا الحديث على أن الكلام عن أصل النشأة من الفقه في الدين، فلقد كان الحديث إجابة على كلامهم: جئنا لنتفقه في الدين، ولنسألك عن أول هذا الأمر ما كان؟ وقد رأينا من خلال تحقيق ابن حجر أن العلماء مختلفون على قولين: في أيهما كان أولاً، الماء أو العرش؟ ولا يترتب على هذا الاختلاف عمل. 569 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، فقال: "خلق الله التربة يوم السبت، وخَلَقَ فيها الجبال يوم الأحدِ، وخلق الشجر يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة في آخر الخلق

_ 569 - مسلم (4/ 2149) 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم. 1 - باب ابتداء الخلق وخلق آدم عليه السلام. وأحمد (2/ 327). والنسائي في التفسير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه.

وآخر ساعةٍ من النهار، فيما بين العصر إلى الدليل". قال محقق الجامع: "قال الحافظ ابن كثير بعد إيراده: 6/ 69 وهذا الحديث من غرائب صحيح مسلم، وقد تكلم فيه ابن المديني والبخاري وغير واحد من الحفاظ، وجعلوه من كلام كعب الأحبار، وأن أبا هريرة إنما سمعه من كلام كعب، وإنما اشتبه على بعض الرواة فجعله مرفوعاً، وقد حرر ذلك البيهقي، وقال ابن كثير أيضاً: 3/ 488 وفيه استيعاب الأيام السبعة، والله تعالى قد قال: {فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} ولهذا تكلم البخاري وغير واحد من الحفاظ في هذا الحديث وجعلوه من رواية أبي هريرة عن كعب الأحبار ليس مرفوعاً. وقال أيضاً 7/ 326: وهو من غرائب الصحيح، وقد علله البخاري في "التاريخ" فقال: رواه بعضهم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن كعب الأحبار، وهو الأصح. وقال المناوي في "فيض القدير": وقال بعضهم: هذا الحديث في متنه غرابة شديدة، فمن ذلك أنه ليس فيه ذكر خلق السموات، وفيه ذكر خلق الأرض وما فيها في سبعة أيام، وهذا خلاف القرآن، لأن الأربعة خلقت في أربعة أيام، ثم خلقت السموات في يومين، وقد سكت عن الحديث النووي في شرح مسلم، وممن صحح الحديث، الشوكاني في "فتح القدير" وقد تكلم عليه العلماء من جهة متنه، ورأوا أنه معارض للقرآن، ومن صححه كالشوكاني وغيره، رأوا أنه لا تعارض بينه وبين نص القرآن، فإن القرآن ذكر أن الله تعالى خلق السموات والأرض جميعاً في ستة أيام، وخلق الأرض وحدها في يومين، والحديث إنما بين أن الله تعالى خلق ما في الأرض في سبعة أيام، ويحتمل عند بعض من صححه أن تكون هذه الأيام السبعة غير الأيام الستة التي ذكرها الله تعالى في خلق السموات والأرض، وحينئذ لا تكون معارضة، وإنما الحديث فصل كيفية الخلق على الأرض وحدها، والله تعالى أعلم" ا. هـ. أقول: من المتعارف عليه عند علماء الطبيعة في عصرنا أن الأرض في ابتداء أمرها كانت كتلة نارية ثم أخذت تبرد فظهرت قشرتها شيئاً فشيئاً، وعلى هذا فأول شيءٍ وُجِدَ التربة وبدأت التفاعلات الداخلية والجوية تفعل فعلها فكانت التضاريس والبحار، فتسلسل الأحوال على الأرض بعد خلقها يصدق ما في الرواية سواء كانت هدياً نبوياً أو من روايات

كعب الأحبار. ولكن هل المراد في الرواية أيام كأيامنا متتابعة متعاقبة، أو كأيامنا وبأسمائها غير متتابعة ولكن متعاقبة؟ معارف العصر تؤكد الثاني. وعلى هذا التأويل للحديث، وعلى فرض صحته فإنه قوله تعالى في سورة فصلت [10]: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} يكون محمولاً على أن الله تعالى قد جعل فيها ذلك حكماً وقد أظهر ذلك فيما بعد. 570 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خلق الله آدم عليه السلام، وطوله ستون ذراعاً، ثم قال: اذهب فسلم على أولئك- نفرٍ من الملائكة- فاستمع ما يحيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك. فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله. فكل من يدخل الجنة على صورة آدم". قال: "فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن". وفي رواية (2). "خلق آدم على صورته". قال محقق الجامع الضمير في "صورته": يعود إلى آدم، كما بينته الرواية الأخرى قبل هذه. أقول: هل كان طول آدم عندما أهبط إلى الأرض ستين ذراعاً، أو أن ذلك كان طوله وهو في السماء فلما أهبط إلى الأرض نقص طوله ثم تناقص الخلق بعد ذلك، أو أنه هبط إلى الأرض بهذا الطول ثم تناقص طول ذريته شيئاً فشيئاً؟ الظاهر: الثاني. والحفريات تثبت أن الإنسان كان أكبر حجماً منه الآن وكان يعيش في العادة فترة أطول. والقياس العقلي يقتضي ذلك:

_ 570 - البخاري (6/ 362) 60 - كتاب أحاديث الأنبياء، 1 - باب خلق آدم وذريته. مسلم (4/ 2183) 51 - كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، 11 - باب يدخل الجنة أقوام، أفئدتهم مثل أفئدة الطير. (2) مسلم: الموضع السابق.

إنسان هايدلبرغ

فالأمراض الحالية والمؤثرات على الأحياء والأعصاب بعد تعقيد الحياة البشرية أصبحت أكثر مما كانت عليه، وليس مع النصوص كلام لأحد عند أهل الإيمان واليقين، فأهل اليقين يكفيهم هذا الحديث ويكفيهم قوله تعالى عن نوح: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} (1). ولقد جاءت الحفريات لتزيل الغشاوة عن أبصار الشاكين. فقد ذكر الدكتور حسن زينو وهو اختصاصي جيولوجي في كتابه "التطور والإنسان" ما يلي: إنسان هايدلبرغ - تقع قرية ماور Mauer على بعد 10 كلم جنوب غرب هايدلنبرغ، وتتألف المنطقة من الترياسي المغطى أحياناً بدثار من البليستوسين وبالرمال النهرية القديمة لنهر نكار. وقد عثر في مقلع في هذه الرمال عام 1907 م على الفلك السفلي على عمق 34 م تحت سطح الأرض. وتحوي هذه الرمال على كثير من قواقع الرخويات البرية والنهرية وتشير إلى مناخ أكثر قارية من الآن. وتشمل الثدييات الفيل القديم Elephas antiqus والكركدن Rhinoceros ctruscus وحصاناً انتقالياً بين الحصان البليوسيني Eqws Stenosis والحصان الحالي Eqws cuballus وخنزيراً برياً وأيلا ويحموراً ونوعاً من الوعل وبيزونا ودبين مشابهين للدب البليوسيني وكلباً وأسداً وهرة وحشية وقندساً. وتعود هذه الحيوانات إلى البليستوسين السفلي ويعتقد أنه يرتبط بالزمن الدافئ الأول بين تجلد فونتس وميندل. فكه كبير وتاجه عريض وليس له بروز ذقني وفمه إنساني وأسنانه أكبر من الإنسان الحالي، ويوجد اليوم في جامعة هايدلبرغ وقد أطلق عليه شوتنساك O. Schoetensack اسم إنسان هايدلبرغ Homo Heidelbergensis. - عثر كونيفسفالد Von Koenigswald من صيدليات الصين في هونغ كونغ بين 1934 و 1939 م على ثلاث أسنان طاحنة بشرية كبيرة مع أسنان أورانج وستفودون stefodon وتابير Tapir أحد هذه الأسنان البشرية كبير بحيث ينبغي أن يكون فكه

_ (1) العنكبوت: 14.

الإنسان الكبير

أكبر بمرتين من فك الأورانج الحالي، حجم هذا السن ضعف أسنان الغوريلا وست أمثال الإنسان الحالي. - قرر فايدنرايش Wiedenreich أنه سن بشري .... وقد تخيل فايدنرايش شجرة السلالة فافترض أن الإنسان العملاق هذا قد هاجر إلى جاوة ونشأ منه الإنسان الكبير Meganthropus. فالإنسان تسلسل إذا من أشكال عملاقة ذات جمجمة شديدة وبذا تميز تطورنا بالنقص التدريجي في الطول. الإنسان الكبير أعلن كونيفسفالد عام 1941 م عن اكتشافه لقطعة من الفك السفلي في طبقات جتيس في جاوة وهي بشرية وفيها سنان ما قبل الرحويان والرحى الأول وقد درسه بعد ذلك: F. Weidenreich- Giant early Man from Java and South China (Anth- rop. Papers of the American Museum of Natural History, xl, n.l,.1945). وتختلف القطعة عن ما عداها بقياساتها الكبيرة إذ يبلغ محيطها في مستوى الحفرة الذقنية 131 مم، في حين لا يتجاوز ذلك في الغوريلا 115 مم وفي الإنسان الصيني وإنسان النياندرتال 80 مم. وكذلك فإن أبعاد الأسنان كبيرة وشكلها بشرية ولا تشابه أي سنجاب بالإضافة إلى غياب الذقن والشكل المتراجع للوراء للقسم المتقدم من الفك، ومما صدم كونيفسفالد انحفاظ الزائدة الصغيرة المسماة عقدة العبقرة tuberculum genial في الجانب الداخلي للذقن فكان لدى الإنسان ما يلزم لتحرك اللسان كما في إنسان موجو كرتو وفك هايدلبرغ. وقد أطلق عليها كونيفسفالد اسم الإنسان الكبير الجاوي القديم Meganthro- pus palaeojavanicus. ووجد لارسن K. Larsen عام 1939 م في أفريقيا الشرقية بقايا فك ذي أسنان كبيرة

جداً لكنها إنسانية وقد وصفها فاينرت Weinert عام 1950 م ووازنها مع الإنسان الكبير من جاوة حسب كونيفسفالد. ووجد في سوارتكرانس Swartkrans عام 1948 - 1950 م شبه الإنسان الكبير الأسنان Paranthropus crassidens وقد عثر أولا على فكوك ذات أسنان عملاقة ومقاييسها مثل عملاق جاوة حسب كونيفسفالد. ثم عثر على بقايا جمجمة تدل على عضلات مضغ كبيرة. ا. هـ. وقد ذكر عباس محمود العقاد في كتابه: "إبراهيم أبو الأنبياء عليه الصلاة والسلام" ما يلي: "وفي متحف أشمول بإنجلترا أسماء الأسر التي حكمت بابل من بعد الطوفان إلى أيام سراجون، وقد جاء في الألواح التي حفظت أسماءها أن الأسرة الأولى تولى منها الملك ثلاثة وعشرون ملكاً وكانت مدة حكمهم جميعاً أربعة وعشرين ألف سنة وخمسمائة وعشر سنوات" ا. هـ. أقول: دلت كلمة الدكتور زينو على أن الإنسان كان في مرحلة أضخم منه الآن، ودلت كلمة العقاد على أن الناس كانوا يعمرون في الماضي كثيراً، وفي الحديث الشريف الذي مر معنا رد لمزاعم التطوريين: إن الإنسان تطور عن مخلوقات أخرى. وقد شرح هذا الحديث ابن حجر في الفتح وكان من كلامه: "خلق الله آدم وطوله ستون ذراعاً" كذا وقع من هذا الوجه، وعبد الله الراوي عن معمر هو ابن المبارك، وقد رواه عبد الرزاق عن معمر فقال "خلق الله آدم على صورته وطوله ستون ذراعاً" ... والمعنى أن الله تعالى أوجده على الهيئة التي خلقه عليها لم ينتقل في النشأة أحوالاً ولا تردد في الأرحام أطواراً كذريته بل خلقه الله رجلاً كاملاً سوياً من أول ما نفخ فيه الروح، ثم عقب ذلك بقوله "وطوله ستون ذراعاً" فعاد الضمير أيضاً على آدم، وقيل معنى قوله "على صورته" أي لم يشاركه في خلقه أحد، إبطالاً لقول أهل الطبائع. وخص بالذكر تنبيها بالأعلى على الأدنى، والله أعلم ... وروى ابن أبي حاتم بإسناد حسن عن أبي بن كعب مرفوعاً "إن الله خلق آدم رجلاً طوالاً كثير شعر الرأس كأنه نخلة سحوق". قوله (فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن) أي

إن كل قرن يكون نشأته في الطول أقصر من القرن الذي قبله، فانتهى تناقص الطول إلى هذه الأمة واستقر الأمر على ذلك. وقال ابن التين: قوله "فلم يزل الخلق ينقص" أي كما يزيد الشخص شيئاً فشيئاً، ولا يتبين ذلك فيما الساعتين ولا اليومين حتى إذا كثرت الأيام تبين، فكذلك هذا الحكم في النقص ... ا. هـ. أقول: إن كثيرين من الناس يأخذون عن أسفار اليهود تاريخ وجود الإنسان على هذه الأرض، وهي كتب محرفة فيها أغاليط كثيرة، والحفريات الحديثة أثبتت أن النوع الإنساني أقدم بكثير مما ذكرته هذه الأسفار، ونصوص الإسلام ساكتة في هذا الشأن. فالتحقيق العلمي في هذه الحالة معتبر، ومع اعتراضنا على أسفار اليهود في ذكر عُمر الإنسان فإننا نعترض على التطوريين الذين يجعلون إنساننا الحالي وليدَ تطورٍ عن أنواع من الإنسان أخرى، ونحن إذ ننكر هذا لا نعترض على وجود مخلوقات شبه إنسانية سبقت أبانا آدم، فليس في نصوص الإسلام ما يمنع، بل في كلام بعض الإسلاميين ما يؤيده، فلقد نقل صاحب السيرة الحلبية شيئاً من ذلك عن بعض المتصوفة: إن آدمنا سبق بآباء كُثْرٍ لأنواع من الإنسان. والمنقول عن بعض أئمة الشيعة أنهم يقولون بمثل ذلك، ولكن المسلمين مجمعون- إلا من لا يُعتد بقوله- على أن أبانا آدم خلق خلقاً مباشراً من الله عز وجل. 571 - * روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لما صور الله عز وجل آدم في الجنة تركه ما شاء أن يتركه، فجعل إبليس يطيف به، وينظر إليه، فلما رآه أجوف عرف أنَّه خلق لا يتمالك". 572 - * روى أحمد عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله

_ 571 - مسلم (4/ 2016) 45 - كتاب البر والصلة والآداب، 31 - باب خلق الإنسان خلقاً لا يتمالك. وأحمد: (3/ 229). (يُطيفُ به) أطاف بالشيء: إذا دار به وأحاط بجوانبه. (أجوفُ لا يتمالك) شيء أجوف: خالٍ، وإذا وصف الإنسان بالخفة والطيش قيل: لا يتمالك ولا يتماسك. 572 - أحمد (4/ 406). والترمذي (5/ 204) 48 - كتاب تفسير القرآن 3 - باب "ومن سورة البقرة".

صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ الله تبارك وتعالى خلق آدم من قبضةٍ قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، منهم الأحمرُ، والأبيضُ والأسودُ، وبين ذلك، والسهلُ والحزنُ، والخبيث والطيبُ". أقول مؤكداً ما مر سابقاً: إن نصوص الكتاب والسنة واضحة وقطعية في أن آدم عليه الصلاة والسلام خلق ابتداءً بقدرة الله، فما يقال عن نشأة الإنسان التطورية وأنه نتاج قفزات تطورية حدثت في الأحياء غير صحيح. فآدم خلق على صورته التي فطره الله عليها ابتداء دون واسطة ودون تسلسل، أما التعليل لوجود سلم ارتقاء للمخلوقات واحتمالات أن تكون بعض المخلوقات تولدت عن بعض، ووجود مخلوقات شبيهة بإنساننا الحالي وتعتبر أسبق منه بالوجود فذلك كله له تعليلاته والبحث فيه مفتوح. قال تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} (1). {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ...} (2). {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ} (3). إن وجود سلم ارتقاء ليس غريباً على قدرة الله عز وجل وذلك من مظاهر حكمته جل جلاله، سواء كان ذلك من خلال الخلق المباشر أو من خلال توالد وقفزات قديمة، إلا أن أبانا آدم خلق ابتداءً على صورته، وكان ذلك بالخلق المباشر من الله عز وجل، ولكن أن تكون هناك مخلوقات تشبه إنساننا الحالي فذلك يتفق مع اتجاهات مذكورة في كتب الإسلاميين قديماً تقول: إن آدمنا عليه السلام هو أول آدم وجد على الأرض، ولكن هذا لا يعني أن آدمنا هو ولادة من إنسان آخر. فالنصوص قطعية في ذلك، ومن عرف أن

_ = وقال: هذا حديث حسن صحيح، وهو كما قال. وأبو داود (4/ 222) كتاب السنة- باب في القدر. (1) العنكبوت: 20. (2) العنكبوت: 19. (3) الواقعة: 62.

هذا الكون كله مخلوق بقدرة الله لا يستنكر على قدرة الله أن تخلق آدم ابتداءً، والذين يشكون في ذلك عليهم أن يراجعوا أصل أيمانهم. 573 - * روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خُلقت الملائكة من نورٍ، وخُلق الجان من مارج من نارٍ، وخُلق آدم مما وُصِفَ لكم". 574 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا بنو إسرائيل لم يَخْنَزِ اللحمُ" وفي رواية "لم يَخْبُثِ اللحمُ"- "ولولا حواء: لم تَخُن أنثى زوجها الدهر". أقول: الظاهر من الحديث أنه قبل أن يخزن بنو إسرائيل اللحم عندما كانوا في التيه لم يكن اللحم يخنز، بمعنى أن الجراثيم والبكتيريات المؤثرة في ذلك لم تكن موجودة أو لم تكن مسلطة على اللحم، فلما فعل بنو إسرائيل ذلك عوقبوا كما تعاقب الأقوام المبتعدة عن الفطرة بمزيد من الأمراض كلما زاد البعد عن الفطرة. ولعل عدم تأثر جثث الفراعنة القدماء التي وصلتنا محنطة أنها وضعت في توابيتها وحنطت قبل هذا التسليط على اللحم. 575 - * روى البزار عن أبي موسى رفعه، قال: "لما أخرج الله آدم من الجنة زوَّده من ثمار الجنة وعلمه صنعةَ كل شيء فثمارُكم هذه من ثمار الجنة غير أن هذه

_ 573 - مسلم (4/ 2294) 53 - كتاب الزهد والرقاق، 10 - باب في أحاديث متفرقة، أحمد (6/ 153). وأحمد (6، 153). (مارج) المارجُ: لهبُ النار المختلطُ بسوادها. 574 - البخاري (6/ 363) 60 - كتاب أحاديث الأنبيائ 1 - باب خلق آدم وذريته. مسلم (2/ 1092) 17 - كتاب الرضاع، 19 - باب لولا حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر. (خَنِزَ) اللحم يخنز: إذا أنتن وتغيرت ريحه. (لم تخن أنثى) خيانة حواء آدم: هي ترك النصيحة له في أمر الشجرة، لا في غيرها. 575 - كشف الأستار (3/ 102). الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 197). وقال: رواه البزار والطبراني ورجاله ثقات.

تَغَيَّرُ وتلك لا تَغَيرُ". 576 - * روى عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: القردة والخنازير؛ هي مما مُسخ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لم يهلك قوماً [أو يعذب قوماً] فيجعل لهم نسلاً، وإن القردة والخنازير كانت قبل ذلك". * * *

_ = والحاكم في المستدرك (2/ 543). وقال: صحيح. ووافقه الذهبي. 576 - مسلم (4/ 2051) 46 - كتاب القدر. 7 - بيان أن الآجال والأرزاق وغيرها لا تزيد ولا تنقص عما سبق به القدر.

التلخيص

التلخيص - كان الله ولا شيء قبله ولا شيء معه، ثم خلق الماء- والله أعلم على أي هيئة كان بخارية أو سائلة- ثم خلق العرش، ثم خلق القلم وكتب مقادير كل شيء وأقدارها، ثم خلق من الماء هذه السماء بما فيها من مجرات ونجوم وسُدُم، ثم خلق الأرض والمجموعة الشمسية من سديم هذه السدم فيما يبدو، ثم خلق السموات السبع بعد خلقه الأرض وجعل في كل سماء أمرها، ثم هيأ الأرض لسكنى الإنسان وخلق فيها ما خلق، وقبل أن يخلق الإنسان كان قد خلق الملائكة والجن وأنواع الحياة على الأرض، وخلق الجنة والنار ثم خلق أبانا آدم عليه السلام، ثم أُمنا حواء وكانا في الجنة ثم أهبطهما وإبليس إلى الأرض، وبدأت بذلك الحياة البشرية على الأرض. - لا شيء يمنع أن تكون هناك مخلوقات كإنساننا الحالي قبل أبينا آدم ثم انقرضت، ولكن لم تكن أصلاً لجنسنا البشري الحالي. - البحث في نشأة الحياة على الأرض وأنواعها وسلم تدرجها كل ذلك مفتوح للبحث، بل مطلوب بنص القرآن فلا حرج فيه ولكن حيثما كان هناك تعليل رباني أو إخبار عن طريق الوحي فهو الفيصل. - واكتشافات عصرنا ونظرياته التي قامت عليها أدلة جاءت مؤكدة لنصوص الكتاب والسنة، والكتب في هذا كثيرة، والعلماء غير المغرضين في كل مكان يقدمون بأبحاثهم الأدلة على ذلك. * * *

الفصل الثاني في: معرفة الله والإيمان به

الفصل الثاني في: معرفة الله والإيمان به وفيه: مقدمة ونصوص وتلخيص وأربعة وصول

المقدمة

المقدمة الملحدون بالله تعالى في هذا العالم قلة حتى في البلدان التي تسيطر عليها سلطة ملحدة كالاتحاد السوفياتي، لأن الإلحاد يتنافى مع قوانين العقل وأعماق الفطرة، ولذلك كان أكثر الناس مؤمنين بالله عز وجل نوع إيمان. وإنما الاختلاف بين أهل الحق وغيرهم في الصفات أو فيما ينسب لله عز وجل أو فيما يليق به أو لا يليق أو في حقوق الألوهية، ولقد جاء الإسلام ليصحح تصورات البشر وعقائدهم وسلوكهم وكان أكثر ما ركزت عليه الرسالة الإسلامية التعريف على الله عز وجل فأعطتنا هذه الرسالة أصفى وصف وأسمى اعتقاد، اجتمع فيه الحق الخالص الذي يؤيده العقل الراشد والفطرة المستقيمة والعلم الصحيح. * * * لقد وصف بعض الناس الله عز وجل بما لا يليق بذاته، فزعموا أنه له صاحبه وولداً، أو أن له شركاء أو أنه لا تدخل له في شؤون الخلق، أو أن الخلق وُجِدَ بدون إرادة منه جل جلاله أو أنه يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات أو أن هذا الكون جزؤه، أو أنه لا حق له في التشريع، وأشياء كثيرة نسبها الخلق لله عز وجل وهو منزه عنها، وجاء الكتاب والسنة فوضعا الأمور في نصابها فلا أرقى ولا أروع: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} (1). {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (2). {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} (3). * * *

_ (1) الصافات: 159، 160. (2) الصافات: 180، 181، 182. (3) النحل: 60.

خلاصة ما جاء به الكتاب والسنة

وخلاصة ما جاء به الكتاب والسنة: أن الله عز وجل موجود يدل على ذلك كل شيء؛ فظواهر الكون آياته التي تدل عليه، والقرآن آياته تدل عليه، ومعجزات الرسل صلى الله عليهم وسلم وكرامات الأولياء آياته التي تدل عليه. وأن الله عز وجل متصف بالحياة والإرادة والقدرة والعلم والسمع والبصر والكلام: {هُوَ الْحَيُّ} (1). {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (2). {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} (3). {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (4). {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} (5). {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} (6). {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (7). {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} (8). وأن الله عز وجل متصف بالصفات العليا ومسمى بالأسماء الحسنى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} (9). وأن هذا الكون خلقه وما يجري فيه أثر مشيئته وقدرته: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} (10). {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} (11).

_ (1) غافر: 65. (2) يس: 82. (3) الأنعام: 61. (4) البقرة: 20. (5) الأحزاب: 40. (6) النساء: 166. (7) النساء: 134. (8) التوبة: 6. (9) الأعراف: 180. (10) الزمر: 62. (11) الرحمن: 29.

وأن هذا الكون بما فيه خلقه ابتداء وهو- أي الكون- محتاج إليه لاستمراره: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} (1). {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا} (2). {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (3). وأن الله عز وجل له صفات الجلال والكمال والجمال: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} (4). {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (5). وأن الله عز وجل متصف بالوحدانية وبالقدم وبالبقاء وبالقيام بالنفس وبالمخالفة للحوادث وذلك مقتضى قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (6) فهو واحد في ذاته وصفاته وأفعاله. وهو الصمد الذي يحتاجه الخلق وهو غير محتاج إليهم: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (7) فهو قائم بنفسه، وغيره قائم به، وهو الأول الذي ليس قبله شيء {وَلَمْ يُولَدْ} (8) وهو الباقي {لَمْ يَلِدْ} (9) {وَالْآخِرُ} (10). وهو الذي لا يشبه شيئا ولا يشبهه شيء: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (11)، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (12) وهو جل جلاله كما وصف ذاته فهو وحده الذي يعلم ذاته وصفاته حق العلم:

_ (1) الفرقان: 3. (2) فاطر: 41. (3) الفاتحة: 5. (4) النحل: 60. (5) الرحمن: 27. (6) الإخلاص: 1، 2، 3، 4. (7) البقرة: 255. (8)، (9) الإخلاص: 3. (10) الحديد: 3. (11) الإخلاص: 4. (12) الشورى: 11.

{وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} (1)، {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} (2). وهو جل جلاله له الألوهية والمالكية والربوبية: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ} (3) ومقتضى ربوبيته ومالكيته وألوهيته أن يقدم له الخلق العبادة والعبودية {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (4)، {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} (5)، {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} (6). والعبادة تقتضي القيام بالشعائر، والعبودية تقتضي مع العبادة القيام بالشرائع، ومن ههنا كان لله عز وجل المالكية المطلقة {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} (7) {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} (8). فواجب الخلق الاستسلام لله عز وجل فيما أخبر ونهى وأمر، وذلك هو الإسلام الذي بعث به رسله عليهم الصلاة والسلام وقد حاول المصنفون في العقائد خلال العصور أن يصطلحوا لبعض ما ذكرناه: فسموا صفة الوجود للذات الإلهية صفة نفسية. وسموا الصفات القائمة بالذات الإلهية الصفات الوجودية أو صفات المعاني وهي الصفات السبع: العلم والإدارة والقدرة والحياة والسمع والبصر والكلام. وسموا الصفات التي وردت في سورة الإخلاص وهي التي تميز العقيدة الإسلامية تمييزاً جوهرياً بالصفات السلبية وهي: الوحدانية والقدم والبقاء والقيام بالنفس والمخالفة للحوادث. وسموا الأسماء التي هي أثر قدرة الله عز وجل بصفات الفعل كالمعز والمذل والمحيي والمميت.

_ (1) طه: 110. (2) الأنعام: 103. (3) الناس: 1، 2، 3. (4) الذاريات: 56. (5) النساء: 172. (6) الإسراء: 1. (7) الأعراف: 54. (8) الأنعام: 57.

وسموا الأسماء التي تعبر عن الكمال بصفات الجلال والكمال والجمال: {ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (1) وقوله صلى الله عليه وسلم "إن الله جميل" أخرجه مسلم والترمذي. وأثبتوا لله عز وجل الأسماء الحسني التي سمى بها ذاته، وعرفنا عليها الكتاب والسنة. وسموا الصفات التي وردت بها نصوص الكتاب والسنة مما سوى ذلك بالصفات السمعية. ولا حرج بالاصطلاح إلا إذا أدخل عليه ما يفسده كأن أدى إلى مفسدة أو اقتضى مفسدة. * * * وليس هناك شيء أهم بالنسبة للإنسان من معرفة الله عز وجل حق المعرفة والإيمان به والتسليم له، لما يترتب على ذلك من آثار دنيوية وأخروية على القلب والعقل والسلوك، لذلك كانت أعظم المعارك الفكرية والعملية وحتى السياسية والعسكرية مرتبطة بموضوع الإيمان بالله، ونقطة البداية في الهداية المعرفة والإيمان، قال جل جلاله: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} (2). لذلك ينصب جهد المضلين والشياطين والكفرة والفاسقين والمنافقين على خلخلة هذا الأصل بشكل مباشر أو غير مباشر. {وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا} (3). ومن ثم كان الكفر بالطاغوت والإيمان بالله هو المعتصم: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا} (4). * * *

_ (1) الرحمن: 27. (2) التغابن: 11. (3) سبأ: 33. (4) البقرة: 256.

وهناك معارك كبرى بين أهل الإسلام وبين أهل الأديان والفلسفات حول موضوعات تتعلق بالذات الإلهية، وهناك معارك كبرى بين أهل السنة والجماعة من جهة وبين الفرق المنشفة من جهة أخرى، وهناك معارك بين من يتنازعون على اسم أهل السنة والجماعة في هذا الموضوع. * * * ومن أهم معارك الإسلام مع أهل الأديان والفلسفات: معركته مع النصرانية ومن واطأها في نسبة الصحابة والولد للذات الإلهية ونفي الأحدية عنه جل جلاله، ومن أهم معارك الإسلام مع أهل الأديان: معركته مع المشركين الذين يشركون مع الله في الألوهية والعبادة حجراً أو شجراً أو بشراً أو مظهراً، ومن أهم معارك الإسلام مع أهل الفلسفة: معركته مع القائلين إن الله عز وجل لا يتدخل في شؤون خلقه أو لم يخلق الخلق باختياره أو إنه لا يعلم إلا الكليات، ومن أهم معارك الإسلام مع أهل الفلسفات: معركته مع القائلين بحرية الإنسان في اتباع أهوائه كالوجوديين أو القائلين أن الله ليست له المالكية على البشر في التكليف والتشريع وهم الذين يسمون بالعلمانيين. ومن أهم المعارك بين أهل السنة والجماعة وبين الفرق المنشقة في باب الألوهية: معركة أهل السنة والجماعة مع المعتزلة من جهة والمشبهة من جهة أخرى، ومع القائلين بوحدة الوجود كغلاة الصوفية، ومع القائلين بتجسد الإله في البشر كالدروز والإسماعيليين والنصيرية. * * * ونحن هنا سنقتصر على ذكر بعض الأحاديث الشريفة المتعلقة بموضوع الفصل مع ملاحظة أن يندر أن يمر باب في السنة إلا وبعض أحاديثه تتعلق بالذات الإلهية، ثم إن القرآن كله حديث عن الذات الإلهية في المآل لذلك وصفه الله عز وجل بأنه ذكر: {وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} (1).

_ (1) ص: 1.

النصوص

النصوص 577 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ لله تسعةٌ وتسعين اسماً، من حفظها دخل الجنة، والله وِتْرٌ يحب الوتر" وفي رواية: "من أحصاها". وفي أخرى (1): "لله تسعةٌ وتسعون اسماً، مائةً إلا واحداً، لا يحفظها أحدٌ إلا دخل الجنة، وهو وترٌ يحب الوتر". قال البخاري: "أحصاها: حفظها"، وفي رواية لمسلم نحوه، وليس فيه ذكر الوتر. وفي رواية الترمذي (2) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا،

_ 577 - مسلم (4/ 2063) 48 - كتاب الذكر والدعاء، 2 - باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها. (1) البخاري (11/ 214) 80 - كتاب الدعوات، 68 - باب لله مائة اسم غير واحدة. مسلم (4/ 2063) 48 - كتاب الذكر والدعاء، 2 - باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها. (2) الترمذي (5/ 530) 49 - كتاب الدعوات، 83 - باب حدثنا يوسف بن حماد البصري. هذه رواية الترمذي بتفصيل الأسماء ولم يُفصلها غيره، وقال: حدثنا به غير واحدٍ عن صفوان بن صالح، ولا نعرفُهُ إلا من حديث صفوان بن صالح، وهو ثقة عند أهل الحديث. قال: وقد رُوي هذا الحديث من غير وجهٍ عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا نعلم في كثير شيء من الروايات ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث. قال محقق الجامع: وقال الترمذي: وقد روى آدمن بن أبي إياس هذا الحديث بإسناد غير هذا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر فيه الأسماء، وليس له إسناد صحيح، أقول: رواه الترمذي رقم (3502) من حديث صفوان بن صالح قال: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، وقال: حديث غريب. ورواه ابن حبان في صحيحه رقم (2382) موارد الظمآن من طريق صفوان به، وأخرجه ابن ماجه رقم (3861) في الدعاء، باب أسماء الله عز وجل، من طريق أخرى عن موسى بن عقبة عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعاً بنحو مما تقدم بزيادة ونقصان، قال البوصيري في الزوائد: لم يخرج أحد من الأئمة الستة عدد أسماء الله الحسنى من هذا الوجه ولا غيره، غير ابن ماجه والترمذي مع تقديم وتأخير، وطريق الترمذي أصح شيء في الباب، وفي إسناد طريق ابن ماجه ضعف لضعف عبد الملك بن محمد الصنعاني، وقال الحافظ في تخريج الأذكار: وهذان الطريقان يرجعان إلى رواية الأعرج، وفيهما اختلاف شديد في سرد الأسماء، وزيادة ونقص، ووقع سرد الأسماء في رواية ثالثة أخرجها الحاكم في المستدرك وجعفر الغريابي في الذكر من طريق عبد العزيز بن الحصين (يعني ابن الترجمان) عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة، قال الحاكم بعد تخريج الحديث من طريق صفوان بن صالح عن الوليد بن مسلم الطريق التي أخرجه الترمذي بلفظه سواء: أخرجاه في الصحيح بأسانيد صحيحة دون ذكر الأسماء فيه، ولعله عندهما أن الوليد بن مسلم تفرد بسياقه وبطوله وذكر الأسماء فيه، ولم يذكره غيره لمسلم، نعم أكثرها =

مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ: الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، البارئ، المصور، الغفار، القهار، الوهاب، الرزاق، الفتاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرافع، المعز، المذل، السميع، البصير، الحكم، العدل، اللطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشكور، العلي، الكبير، الحفيظ، المقيت، الحسيب، الجليل، الكريم، الرقيب، المجيب، الواسع، الحكيم، الودود، المجيد، الباعث، الشهيد، الحق، الوكيل، القوي، المتين، الولي، الحميد، المحصي، المبدئ، المعيد، المحيي، المميت، الحي، القيوم، الواجد، الماجد، الواحد، الأحد، الصمد، القادر، المقتدر، المقدم، المؤخر، الأول، الآجر، الظاهر، الباطن، الوالي، المتعال، البر، التواب، المنتقم، العفو، الرؤوف، مالك المالك، ذو الجلال والإكرام، المقسط، الجامع، الغني، المغني، المانع، الضار، النافع، النور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرشيد، الصبور". قال ابن الأثير: (من أحصاها) الإحصاء: العدد والحفظ، والمراد: من حفظها على قلبه، وقيل: المراد: من استخرجها من كتاب الله تعالى، وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم، لأن النبي لم يعدها لهم، ولهذا لم ترد مسرودةً معدودةً من هذه الكتب الستة إلا في كتاب الترمذي، وقيل: المراد: من أخطر بباله عند ذكر معناها، وتفكر في مدلولها: معتبراً، متدبراً، ذاكراً، راغباً، راهباً، معظماً لمسماها، مقدساً لذات الله تعالى، وبالجملة: ففي كل اسم يخطر

_ = في القرآن، ومنها ما ورد فيه الفعل أو المصدر دون الاسم، ومنها ما ليس في القرآن لا بنفسه ولا بورود فعله كالقديم والجميل ونحوهما. أهـ. وقال ابن كثير في التفسير: والذي عول عليه جماعة من الحفاظ أن سرد الأسماء في هذا الحديث مدرج فيه، وإنما ذلك كما رواه الوليد بن مسلم وعبد الملك بن محمد الصنعاني عن زهير بن محمد أنه بلغه عن غير واحد من أهل العلم أنهم قالوا ذلك، أي أنهم جمعوها من القرآن كما روى جعفر بن محمد وسفيان بن عيينة وأبو زيد اللغوي، والله أعلم. يقول المحقق: ومع ذلككله فقد ذكر الحديث ابن حبان في صحيحه، وحسَّنه النووي في أذكاره أ. هـ.

بباله الوصف الدال عليه. (القدوس): الطاهر من العيوب المنزه عنها. (السلام): ذو السلام، أي: الذي سلم من كل عيب وبرئ من كل آفةٍ. (المؤمن) الذي يصدق عباده [وعده]، فهو من الإيمان: الصديق، أو يؤمنهم في القيامة منذ عذابه، فهو من الأمان، ضد الخوف. (المهيمن) الشهيد، وقيل: الأمين، فأصله مؤتمن، فقُلِبت الهمزة هاءً، وقيل: الرقيب والحافظ. (العزيز): الغالب القاهر، والعزة: الغلبة. (الجبار): هو الذي أجبر الخلق وقهرهم على ما أراد من أمرٍ أو نهيٍ. (المتكبر): المتعالي عن صفات الخلق، وقيل: الذي يتكبر على عتاة خلقه إذا نازعوه العظمة فيقصمهم، وقيل: إن المتكبر من الكبرياء الذي هو عظمة الله تعالى، لا من الكبر الذي هو مذموم. (البارئ): هو الذي خَلَق الخلق لا عِن مثالٍ، إلا أن لهذه اللفظة من الاختصاص بالحيوان ما ليس لها بغيره من المخلوقات، وقلما تُستعمل في غير الحيوان، فيقال: برأ الله النسمة، وخلق السموات والأرض. (المصور) هو الذي أنشأ خلقه على صور مختلفة، ومعنى التصوير: التخطيط والتشكيل. (الغفار): هو الذي يغفر ذنوب عباده مرةً بعد مرة، وأصل الغَفرِ: الستر والتغطية، فالله غافر لذنوب عباده ساتر لها بترك العقوبة عليها. (الفتاح): هو الحاكم بين عباده، يقال: فتح الحاكم بين الخصمين: إذا فصل بينهما، ويقال للحاكم: الفاتح، وقيل: هو الذي يفتحُ أبواب الرزق والرحمة لعباده، والمُنغلق

عليهم من أرزاقه. و (الباسط): الذي يبسط الرزق لعباده ويوسعه عليهم بجوده ورحمته. و (القابض): الذي يمسكه عنهم بلطفه، فهو الجامع بين العطاء والمنع. و (الخافض): الذي يخفض الجبارين والفراعنة، أي: يضعهم ويهينهم. و (الرافع): هو الذي يرفع أولياءه ويعزهم، فهو الجامع بين الإعزاز والإذلال. (الحكم): الحاكم، وحقيقته: الذي سلم له الحكم ورد إليه. (العدل): هو الذي لا يميل به الهوى فيجور في الحكم، وهو من المصادر التي يسمى بها. (اللطيف): الذي يوصل إليك أربك في رفقٍ، وقيل: هو الذي لطف عن أن يدرك بالكيفية. (الخبير): العالم العارف بما كان وما يكون. (الغفور): من أبنية المبالغة في الغفران. (الشكور): الذي يجازي عباده ويثيبهم على أفعالهم الصالحة، فشكر الله لعباده إنما هو مغفرته لهم وقبوله لعبادتهم. (الكبير): هو الموصوف بالجلال وكبر الشأن. (المقيت): هو المقتدر، وقيل: هو الذي يعطي أقوات الخلائق. (الحسيب): الكافي، هو فعيل بمعنى: مفعل، كأليم بمعنى: مؤلم، وقيل: هو المحاسب. (الرقيب): هو الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء. (المجيب): الذي يقبل دعاء عباده ويستجيب لهم. (الواسع): هو الذي وسع غناه كل فقرٍ، و [وسعت] رحمته كل شيء.

(الودود): فعول بمعنى: مفعول من الود، فالله تعالى مودود، أي: محبوب في قلوب أوليائه، أو هو فعول بمعنى: فاعل، أي: أن الله تعالى يود عباده الصالحين، بمعنى: يرضى عنهم. (المجيد): هو الواسع الكرم، وقيل: هو الشريف. (الباعث): هو الذي يبعث الخلق بعد الموت يوم القيامة. (الشهيد): هو الذي لا يغيب عنه شيء، يقال: شاهدٌ وشهيدٌ، كعالمٍ وعليم، أي أنه حاضرٌ يشاهد الأشياء ويراها. (الحق): هو المتحقق كونه ووجوده. (الوكيل): هو الكفيل بأرزاق العباد، وحقيقته: أنه الذي يستقل بأمر الموكول إليه، ومنه قوله تعالى: {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173]. (القوي): القادر، وقيل: التام القدرة والقوة، الذي لا يعجزه شيء. (المتين): هو الشديد القوي الذي لا تلحقه في أفعاله مشقةٌ. (الولي): الناصر، وقيل: المتولي للأمور القائم بها كولي اليتيم. (الحميد): المحمود الذي استحق الحمد بفعله، وهو فعيلٌ بمعنى مفعول. (المحصي): هو الذي أحصى كل شيء بعلمه، فلا يفوته شيء من الأشياء، دقَّ أو جلَّ. (المبدئ): الذي أنشأ الأشياء واخترعها ابتداءٌ. و (المعيد): هو الذي يعيد الخلق بعد الحياة إلى الممات، وبعد الممات إلى الحياة. (الواجد): هو الغني الذي لا يفتقر، وهو من الجدة: الغنى. (الواحد): هو الفرد الذي لم يزل وحده، ولم يكن معه آخر، وقيل: هو منقطع القرين والشريك.

(الأحد): الفردُ، والفرق بينه وبين الواحد: أن "أحداً" بُني لنفي ما يُذكرُ معه من العدد، فهو يقع على المذكر والمؤنث، يقال: ما جاءني أحد، أي: ذكر ولا أنثى، وأما "الواحد" فإنه وضع لمفتَتِحِ العدد، تقول: جاءني واحدٌ من الناس، ولا تقول فيه: جاءني أحدٌ من الناس، والواحد: بني على انقطاع النظير والمثل، والأحد: نبي على الانفراد والوحدة عن الأصحاب، فالواحد منفردٌ بالذات، والأحد منفرد بالمعنى. (الصمد): هو السيد الذي يصمد إليه الخلق في حوائجهم، أي: يقصدونه. (المقتدر): مفتعلٌ من القدرة، وهو أبلغ من قادر. (المقدم): الذي يقدم الأشياء فيضعها في مواضعها. (المؤخر) الذي يؤخرها إلى أماكنها، فمن استحق التقديم قدمه، ومن استحق التأخير أخره. (الأول): هو السابق للأشياء كلها. و (الآخر): الباقي. (الظاهر): هو الذي ظهر فوق كل شيء وعلاه. و (الباطن): هو المحتجب عن أبصار الخلائق. (الوالي): مالك الأشياء، المتصرف فيها. (المتعالي): هو المتنزه عن صفات المخلوقين، تعالى أن يوصف بها وجل. (البر): هو العطوف على عباده ببره ولطفه. (المنتقم): هو المبالغ في العقوبة لمن يشاء. (العفو): فعول من العفو، بناء مبالغة، وهو الصفوح عن الذنوب. (الرؤوف): هو الرحيم العاطف برأفته على عباده. (ذو الجلال): الجلال: مصدر الجليل، تقول: جليلٌ بين الجلالة والجلال.

(المقسط): العادل في حكمه، أقسط الرجل: إذا عدل، فهو مُقسطٌ، وقسط: إذا جار، فهو قاسطٌ. (الجامع): هو الذي يجمع الخلائق ليوم الحساب. (المانع): هو الناصر الذي يمنع أولياءه أن يؤذيهم أحدٌ. (النور): هو الذي يبصر بنوره ذو العماية، ويرشد بهداه ذو الغواية. (الوارث): هو الباقي بعد فناء الخلائق. (الرشيد): هو الذي أرشد الخلق إلى مصالحهم، فعيل بمعنى مفعل. (الصبور): هو الذي لا يعاجل العصاة بالانتقام منهم، بل يؤخر ذلك إلى أجل مسمى، فمعنى الصبور في صفة الله تعالى قريب من معنى الحليم، إلا أن الفرق بين الأمرين: أنهم لا يأمنون العقوبة في صفة الصبور، كما يأمنون منها في صفة الحليم. 578 - * روى الترمذي عن بريدة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: سمع رجلاً يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله، لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحدٌ، فقال: "والذي نفسي بيده، لقد سأل الله باسمه الأعظم، الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى". وفي رواية أبي داود: "باسمه الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب". 579 - * روى أبو داود عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ 578 - الترمذي (5/ 515) 49 - كتاب الدعوات، 64 - باب حدثنا جعفر بن محمد بن عمران. وقال: حسن غريب. أبو داود (2/ 79) كتاب الصلاة- باب الدعاء. وإسناده صحيح. والحديث رواه أيضاً: أحمد (5/ 349)، وابن حبان (موارد الظمآن: 592). 579 - أبو داود (2/ 79) كتاب الصلاة - باب الدعاء. والترمذي (5/ 550) 49 - كتاب الدعوات، 100 - باب خلق الله مائة رحمة. والنسائي (3/ 53) 13 - كتاب السهو، 58 - باب الدعاء بعد الذكر.

جالساً، ورجل يصلي، تم دعا الرجل فقال: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت، المنان، بديع السموات والأرض، ذوالجلال والإكرام، يا حي يا قيوم. فقال رسول الله يه لأصحابه: "أتدرون دعا"؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "والذي نفسى بيده، لقد ذعا الله باسمه الأعظم، الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سُئل به أعطى". 580 - * روى الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ينادي منادٍ في النار يا حَنان يا منان". 581 - * روى أبو داود عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (1) وفاتحة سورة آل عمران {الم * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (2). 582 - * روى أبو داود عن مخجن بن الأذرع الثقفي رضي الله عنه قال: دخل رسول

_ وابن حبان (موارد الظمآن: 592). (المنان) فعال من المِنة، وهو المبالغ فيها. (بديع) البديع: المُبدع، وهو الخالق المخترع لا عن مِثال سابق. (قيومٌ) القيوم: القائم بذاته ولا يقوم غيره إلا به. فهو مستغنٍ عن خلقه، وخلقه محتاجون إليه في وجودهم واستمرارهم. 580 - الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 159) وقال: رواه الطبراني ف الأوسط وإسناده حسن. 581 - أبو داود (2/ 80) كتاب الصلاة - باب الدعاء. والترمذي (5/ 517) 49 - كتاب الدعوات. 65 - باب حدثنا قتيبة. وابن ماجه (2/ 1267) 34 - كتاب الدعاء. 9 - باب اسم الله الأعظم. والدارمي (2/ 450) كتاب فضائل القرآن - باب فضل أول سورة البقرة وآية الكرسي. قال محقق الجامع: وفي سنده عبيد الله بن أبي زياد القداح المكي أبو الحصين، وهو ليس بالقوي، كما قال الحافظ في التقريب. وفيه أيضاً شهر بن حوشب، وهو صدوق كثير الإرسال والأوهام، ولكن للحديث شواهد بمعناه يرتقي بها إلى درجة الحسن، ولذلك حسنه الترمذي أ. هـ. (1) البقرة: 163. (2) آل عمران: 1، 3. 582 - أبو داود (1/ 259) كتاب الصلاة- باب ما يقول بعد التشهد.=

الله المسجد، فإذا هو برجلٍ قد قضى صلاته وهو يتشهد، ويقول: اللهم إني أسألك باسمك الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد: أن تغفر لي ذنوبي، إنك أنت الغفور الرحيم، قال: فقال: "قد غُفر له، قد غفر له، قد غُفر له". 583 - * روى البزار عن نعيم بن همار: أن رسول الله قال: "الميزان بيد الرحمن يرفع أقواماً ويضع آخرين". 584 - * روى الطبراني عن نعيم بن همار الغطفاني، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من آدمي إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الرحمن إن شاء أن يزيغه أزاغه وإن شاء أن يقيمه أقامه وكل يومٍ الميزان بيد الله يرفعُ أقواماً ويضغ آخرين إلى يوم القيامة". 585 - * روى الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله يكثر أن يقول: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك". فقلت: يا رسول الله، قد آمنا بك، وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: "نعم، إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، يُقلبها كيف يشاء". 586 - * روى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله يقول: "إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلبٍ واحدٍ، يصرفه حيث شاء". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم مصرف القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك".

_ = والنسائي (3/ 52) 13 - كتاب السهو. 58 - باب الدعاء بعد الذكر. وأحمد (4/ 338). والحديث إسنادهحسن. 583 - الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 82) وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. والحاكم في المستدرك (2/ 289) كتاب التفسير- تفسير سورة آل عمران، وهو صحيح. 584 - الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 211) وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات. 585 - الترمذي (4/ 448) 33 - كتاب القدر، 7 - باب ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن. وقال: هذا حديث حسن. قال: وفي الباب عن النواس بن سمعان، وأم سلمة وعائشة وأبي ذر أ. هـ والحديث إسناده حسن. 586 - مسلم (4/ 2045) 46 - كتاب القدر، 3 - باب تصريف الله تعالى القلوب كيف يشاء.

587 - * روى مالك عن عمر وبن دينار رحمه الله، قال: سمعت ابن الزبير يقول في خطبته: إن الله هو الهادي والفاتن. 588 - * روى البزار عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خلق الله كل صانع وصنعته". 589 - * روى ابن ماجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يمين الله ملأى لا يغيضها شيء سحاءٌ الليل والنهار، وبيده الأخرى الميزان، يرفع القسط ويخفض". قال: "أرأيت ما أنفق منذ خلق الله السموات والأرض فإنه لم ينقص مما في يديه شيئاً". 590 - * روى مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلماتٍ، فقال: "إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يُرفع إليه عملُ الليل قبل عملِ النهار، وعملُ النهار قبل عمل

_ 587 - الموطأ (2/ 900) 46 - كتاب القدر، 1 - باب النهي عن القول بالقدر. وإسناده صحيح. 588 - كشف الأستار (3/ 28). وقال الهيثمي (7/ 197): رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير أحمد بن عبد الله أبو الحسين ابن الكردي وهو ثقة. أهـ. والمستدرك (1/ 31)، وقال: على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. 589 - ابن ماجه (1/ 71) المقدمة 13 - باب فيما أنكرت الجهمية. وأخرج البخاري نحوه (8/ 352) 65 - كتاب التفسير، 2 - باب: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ}. 590 - مسلم (1/ 161) 1 - كتاب الإيمان، 79 - باب في قوله عليه السلام: إن الله لا ينام، وفي قوله: حجابه النور ... إلخ. قال محقق الجامع: أي: يخفض الله الميزان ويرفعه بما يوزن من أعمال العباد المرتفعة، ويوزن من أرزاقهم النازلة. معنى سبحات وجهه: نوره وجلاله وبهاؤه.

الليل، ججابه الثور- وفي رواية: النار- "لوكشفة لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه". 591 - * روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا أحد أغير من الله، من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه المدح من الله تعالى، من أجل ذلك مدح نفسه". وفي رواية (1) نحوه، ويذكر "ما ظهر وما بطن" وزاد: "وليس أحدٌ أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل". 592 - * روى أحمد عن أبي هريرة قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: أما تغار؟ قال: "والله إني لأغار والله أغيرُ مني، ومن غيرته نهى عن الفواحش". 593 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله قال: " إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وإن غيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه". وفي رواية مسلم (2) قال: " المؤمن يغارُ، والله أشد غيراً". 594 - * روى مسلم عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم:

_ 591 - البخاري (8/ 301) 65 - كتاب التفسير 10 - باب: {إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ}. مسلم (4/ 2113) 49 - كتاب التوبة. 6 - باب غيرة الله تعالى وتحريم الفواحش. (1) مسلم (2/ 1136) 19 - كتاب اللعان، الحديث السابع عشر. 592 - أحمد (2/ 326). ومجمع الزوائد (6/ 254). وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات. 593 - البخاري (9/ 319) 67 - كتاب التوبة، 107 - باب الغيرة. مسلم (4/ 2114) 49 - كتاب التوبة، 6 - باب غيرة الله تعالى وتحريم الفواحش. (2) مسلم: (4/ 2115) الموضع السابق. 594 - مسلم: (1/ 161) 1 - كتاب الإيمان، 78 - باب في قوله عليه السلام: نور أنَّى أراه. وفي قوله: رأيت نوراً.

هل رأيت ربك؟ قال: نورٌ، أنى أراه؟ ". وفي رواية الترمذي (1) عن عبد الله بن شقيق قال: قلت لأبي ذر: لو رأيت رسول الله [لسألته. فقال: عم كنت تسأله؟ قلت]: كنت أسأله: هل رأيت ربك؟ فقال أبو ذر: قد سألته، فقال: "نورٌ، أنى أراه؟ ". 595 - * روى مسلم عن عبد الله بن شقيق، قال: قلت لأبي ذر: لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته. فقال: عن أي شيءٍ كنت تسأله؟ قال: كنت أسأله قل رأيت ربك؟ قال أبو ذر: قد سألت فقال: "رأيت نوراً". 596 - * روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله تعالى: كذبني ابن آدم، ولم يكن له ذلك، وشتمني، ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي، فزعم أني الا أقدر أن أعيده كما كان، وأما شتماه إياي، فقوله: لي ولد، فسبحاني أن أتخذ صاحبةً أو ولداً". 597 - * روى البخاري ومسلم عن مسروق بن الأجدع رحمه الله قال: قلت لعائشة:

_ (1) الترمذي (5/ 396) 48 - كتاب تفسير القرآن، 54 - باب "ومن سورة والنجم". قال النووي: (نور أنى أراه) هكذا رواه جميع الرواة في جميع الأصول والروايات. ومعناه: حجابه النور فكيف أراه؟ قال الإمام أبو عبد الله المازري رحمه الله: الضمير في أراه عائد على الله سبحانه وتعالى. ومعناه: أن النور منعني من الرؤية كما جرت العادة بإغشاء الأنوار الأبصار، ومنعها من إدراك ما حالت بين الرائي وبينه. 595 - مسلم (1/ 161) 1 - كتاب الإيمان، 78 - باب في قوله عليه السلام: نور أنى أراه، وفي قوله: رأيت نوراً. قال النووي: (رأيت نوراً) معناه: رأيت النور فحسب، ولم أر غيره. 596 - البخاري (8/ 168) 65 - كتاب التفسير، 8 - باب {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ}. قال الكرماني: التكذيب نسبة المتكلم إلى أن خبره خلاف الواقع، والشتم: توصيف الشخص بما هو إزراء ونقص فيه، وإثبات الولد له كذلك، لأنه قول بما يستلزم الإمكان والحدوث، فسبحانه ما أحلمه وما أرحمه: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ}. وهذا من الأحاديث القدسية. 597 - البخاري (8/ 606) 65 - كتاب التفسير، 1 - باب حدثنا يحيى.

يا أمتاه، هل رأى محمد ربه؟ فقالت: لقد قفَّ شعري مما قلت، أين أنت من ثلاثٍ من حدثكهن فقد كذب؛ من حدثك أن محمداً رأى ربه فقد كذب، ثم قرأت: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (1)، {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} (2)، ومن حدثك أنه يعلم ما في غدٍ، فقد كذب، ثم قرأت: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا} (3). ومن حدثك أنه كتم فقد كذب، ثم قرأت: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ...} (4) الآية، ولكنه رأي جبريل عليه السلام في صورته مرتين. وفي رواية (5) قال: قلت لعائشة: فأين قوله: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} (6)؟ قالت: ذاك جبريلُ عليه السلام، كان يأتيه في صورة الرجل، وإنه أتاه هذه المرة في صورته، التي هي صورته، فسدَّ الأفق. وفي أخرى (7): ومن حدثك أنه يعلم الغيب فقد كذب، وهو يقول: لا يعلم الغيب إلا الله. وفي أخرى (8): أن مسروقاً قال: كنت متكئاً عند عائشة، فقالت: يا أبا عائشة ثلاث من تكلم بواحدةٍ منهن فقد أعظم على الله الفِريَةَ ... وذكرت نحو الرواية الأولى. وزاد في رواية (9): ولوكان محمدٌ صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً مما أُنزل عليه لكتم هذه الآية: {وَإِذْ

_ = مسلم (1/ 160) 1 - كتاب الإيمان، 77 - باب معنى قول الله عز وجل: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}، وهل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء؟ (1) الأنعام: 103. (2) الشورى: 51. (3) لقمان: 34. (4) المائدة: 67. (5) مسلم: الموضع السابق. (6) النجم: 8 - 9. (7) البخاري (13/ 361) 97 - كتاب التوحيد، 4 - باب قول الله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا}. (8) مسلم (1/ 159) 1 - كتاب الإيمان، 77 - باب معنى قول الله عز وجل: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}. (قفَّ شعري) قفَّ الشعر: إذا قام في منابته، وأكثر ما يعرض عند سماع ما يخافه الإنسان أو يهابه ويعاينه. (الفرية): اختلاق الكذب. (9) مسلم (1/ 160) الكتاب والباب السابقان.

تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} (1). وللبخاري (2) طرفٌ منه عن القاسم عن عائشة قالت: من زعم أن محمداً رأى ربه فقد أعظم، ولكن قد رأى جبريل في صورته وخِلْقِهِ ساداً ما بين الأفق. 598 - * روى مسلم غن ابن عباسٍ؛ قال: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} (3) {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} (4) قال: رآه بفؤاده مرتين. أقول: مذهب ابن عباس أن رسول الله قد رأى ربه يوم المعراج ورجح ذلك النووي، لأن عائشة تنفي وابن عباس يثبت. وكلام المُثْبِت مقدم لأن فيه زيادة علم، وذلك من الخصوصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فن ادعى أنه رأى الله يقظة في الدنيا ببصره فقد كفر. وها نحن ننقل لك جزءاً من تحقيق النووي في إثبات الرؤيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم. قال النووي: وأما صاحب التحرير فإنه اختار إثبات الرؤية قال والحجج في هذه المسئلة وإن كانت كثيرة ولكنا لا نتمسك إلا بالأقوى منها وهو حديث ابن عباس رضى الله عنهما أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمد صلى الله عليه وسلم. وعن عكرمة: سئل ابن عباس رضي الله عنهما؛ هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه؟ قال: نعم. وقد روي بإسناد لا بأس به عن شعبة عن قتادة عن أنسٍ رضي الله عنه قال: رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه. وكان الحسن يحلف: لقد رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه. والأصل في الباب حديث ابن عباس حبر الأمة والمرجوع إليه في المعضلات، وقد راجعه ابن عمر رضي الله عنهم في هذه المسألة وراسله: هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه؟ فأخبره أنه رآه. ولا يقدح في هذا حديث عائشة رضى الله عنها؛

_ (1) الأحزاب: 37. (2) البخاري (6/ 313) 59 - كتاب بدء الخلق، 7 - باب إذا قال أحدكم آمين ... إلخ. 598 - مسلم (1/ 158) 1 - كتاب الإيمان، 77 - باب معنى قول الله عز وجل: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}. (3) النجم: 11. (4) النجم: 13.

لأن عائشة لم تخبر أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لم أر ربي، وإنما ذكرت ما ذكرت متأولة لقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} لقول الله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}، والصحابي إذا قال قولاً وخالفه غيره منهم لم يكن قوله حجةً، وإذا صحت الروايات عن ابن عباس في إثبات الرؤية وجب المصير إلى إثباتها، فإنها ليست مما يدرك بالعقل ويؤخذ بالظن وإنما يُتلقى بالسماع، ولا يستجيز أحد أن يظن بابن عباس أنه تكلم في هذه المسألة بالظن والاجتهاد وقد قال معمر بن راشد حين ذكر اختلاف عائشة وابن عباس: ما عائشة عندنا بأعلم من ابن عباس. ثم إن ابن عباس أثبت شيئاً نفاه غيره والمثبت مقدم على النافي. هذا كلام صاحب التحرير. فالحاصل أن الراجح عند أكثر العلماء أن رسول الله ي رأى ربه بعيني رأسه ليلة الإسراء لحديث ابن عباس وغيره مما تقدم وإثبات هذا لا يأخذونه إلا بالسماع من رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا مما لا ينبغي أن يتشكك فيه، ثم إن عائشة رضي الله عنها لم تنف الرؤية بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوكان معها فيه حديث لذكرته وإنما اعتمدت الاستنباط من الآيات" أ. هـ كلام النووي. وأجاب النووي عن استنباطات عائشة رضي الله عنها. 599 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة (رفعه): "يضحك الله إلى رجلين، يقتل أحدهما الآخر، يدخلان الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل، ثم يتوب الله على القاتل فيسلم، فيقاتل في سبيل الله فيستشهد". أقول: الضحك في حقه تعالى (ليس كمثله شيء) ككل صفاته جل جلاله. 600 - * روى البزار عن ابي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو تعلمون قدر رحمة الله لاتكلتم" أحسبه قال: "عليها".

_ 599 - البخاري: (6/ 39) 56 - كتاب الجهاد، 28 - باب الكافر يقتل المسلم ثم يسلم فيُسددُ بعد ويقتل. مسلم (3/ 1504) 33 - كتاب الإمارة، 35 - باب بيان الرجلين يقتل أحدهما الآخر، يدخلان الجنة. وابن ماجه (1/ 68) المقدمة، 13 - باب فيما أنكرت الجهمية. 600 - كشف الأستار (4/ 85). =

601 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن له مائة رحمة قسم منها رحمة بين جميع الخلائق فبها يتراحمون وبها يتعاطفون وبها تعطف الوحش على أو لادها وأخر تسعةً وتسعين رحمةً يرحم بها عباده يوم القيامة". 602 - * روى مسلم عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلق الله عز وجل يوم خلق السموات والارض مائة رحمةٍ فجعل في الأرض منها رحمة فبها تغطف الوالدةُ على ولدها والبهائم بعضها على بغض والطير وأخر تسعةً وتسعين إلى يوم القيامة فإذا كان يوم القيامة أكملها الله بهذه الرحمة". 603 - * روى الطبراني عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ان الله عز وجل خلق مائة رحمةٍ، رحمةً منها قسمها بين الخلائق وتسعةً وتسعين إلى يوم القيامة". 604 - * روى أحمد عن أنس قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم ونفرٌ من أصحابه وصبي في الطريق فلما رأت أم الصبي القوم خشيت على ولدها أن يوطأ فأقبلت تسعى وتقول: ابني ابني. وسعت فأخذته، فقال القومُ: يا رسول الله ما كانت هذه لتلقي ابنها في النار. قال: فخفضهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: "ولا الله لا يُلقي حبيبه في النار".

_ = قال الهيثمي (10/ 213): رواه البزار وإسناده حسن. 601 - البخاري (10/ 431) 78 - كتاب الأدب، 19 - باب جعل الله الرحمة في مائة جزء. مسلم (4/ 2108) 49 - كتاب التوبة، 4 - باب في سعة رحمة الله تعالى، وأنها سبقت غضبه. وابن ماجه (2/ 1435) 37 - كتاب الزهد، 35 - باب ما يرجى من رحمة الله يوم القيامة. 602 - مسلم (4/ 2109) الكتاب والباب السابقان. وابن ماجه: الموضع السابق. 603 - الطبراني (11/ 374). مجمع الزوائد (10/ 214) كتاب التوبة- باب منه ف يرحمة الله تعالى. وقال: رواه الطبراني والبزار وإسناده حسن. 604 - أحمد (3/ 104). وكشف الأستار (4/ 174). مجمع الزوائد (10/ 383). وقال: رواه أحمد والبزار بنحوه وأبو يعلى ورجالهم رجال الصحيح. (فخفضهم): أي سكنهم وهون عليهم.

605 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كان رجال يصلي فأتاه رجل فوطئ على رقبته فقال الذي تحته: والله لا يغفر الله لك أبداً. فقال الله عز وجل: تألى عليَّ عبدي أن لا أغفر لعبدي فإني قد غفرت له". أقول: هذا الحديث أصل من الأصول التي اعتمدها الأصوليون لاعتماد فكرة ما هو الواجب العقلي لله، والمستحيل العقلي لله، والجائز العقلي في حقه تعالى، وما هي الواجبات والمستحيلات والجائزات الشرعية. وهو موضوع دقيق جرت على ذكره كتب العقائد خلال العصور، وجدير بكل مسلمٍ أن يفهمه بأن يقرأه في كتب عقائد أهل السنة والجماعة على عالم رباني متقن. 606 - * روى أبو يعلى عن عائشة رضي الله عنها رفعته "لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد، وقولوا ما شاء الله وحده". 607 - * روى أبو داود عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تقولوا: ما شاء الله، وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله، ثم شاء فلان". 608 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "جعل الله الرحمة مائة جزءٍ، فأمسك عنده تسعةً وتسعين، وأنزل في الأرض جزءاً واحداً، فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائق، حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه". وللبخاري (1): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة

_ 605 - الطبراني (10/ 124). مجمع الزومائد (4/ 86) وقال: رجاله رجال الصحيح. 606 - مجمع الزوائد (7/ 208) وقال: رواه أبو يعلى، ورجاله ثقات. 607 - أبو داود (4/ 295) كتاب الأدب- باب لا يقال خبثت نفسي. أحمد (5/ 384). 608 - البخاري (10/ 431) 78 - كتاب الأدب، 19 - باب جعل الله الرحمة في مائة جزء. مسلم (4/ 2108) 49 - كتاب التبوبة، 4 - باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه. (1) البخاري (11/ 301) 81 - كتاب الرقاق. 19 - باب الرجاء مع الخوف.

رحمةٍ، فأمسك عنده تسعةً وتسعين رحمةً، وأرسل في خلقه كلهم رحمةً واحدةً، فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة، ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار". ولمسلم (1) قال: "إن لله مائة رحمةٍ، أنزل منها رحمسة واحدةً بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تغطف الوحش ولدها، وأخَّر الله تسعاً وتسعين رحمة، يرحم بها عباده القيامة". 609 - * روى الطبراني في الأوسط عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أُحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} الآية. 610 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما قضى الله الخلق"، وعند مسلم: "لما خلق الله الخلق كتب في كتاب كتبهُ، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضي". وعند البخاري: "غلبت غضبي". وللبخاري أيضاً (2): "إن الله لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه: إن رحمتي سبقت غضبي". وله في أخرى (3)، قال: "لما خلق الله الخلق كتب في كتابه على نفسه، فهو موضوع عنده على العرش: إن رحمتي تغلب غضبي".

_ (1) مسلم (4/ 2108) 49 - كتاب التوبة، 4 - باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه. 609 - الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 100) وقال: رواه الطبراني في الأوسط وأحمد بنحوه وقال "إلا من أشرك" ثلاث مرات، وفيه ابن لهيعة وفيه ضعف وحديثه حسن. 610 - البخاري (13/ 522) 97 - كتاب التوحيد، 55 - باب قوله تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ}. مسلم (4/ 2107) 49 - كتاب التوبة، 4 - باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه. (2) البخاري (13/ 404) 97 - كتاب التوحيد، 22 - باب وكان عرشه على الماء، وهو رب العرش العظيم. (3) البخاري (13/ 384) 97 - كتاب التوحيد، 15 - باب قول الله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}.

وفي أخرى (1): "إن الله كتب كتاباً، قبل أن يخلق الخلق: إن رحمتي سبقت غضبي. فهو مكتوبٌ عنده فوق العرش". ولمسلم أيضاً (2): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله عز وجل: سبقت رحمتي غضبي". وله في أخرى (3): "لما قضى الله الخلق كتب في كتابه على نفسه، فهو موضوع عنده: إن رحمتي تغلب غضبي". وأخرجه ابن ماجه قال (4): "إن الله حين خلق الخلق كتب بيده على نفسه: إن رحمتي تغلب غضبي". قال الحافظ في الفتح: قوله: (لما قضى الله الخلق) أي خلق الخلق كقوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} أو المراد أوجد جنسه، وقضى يطلق بمعنى حك وأتقن وفرغ وأمضى. قوله (كتب في كتابه) أي أمر القلم أن يكتب في اللوح المحفوظ، وقد تقدم في حديث عبادة بن الصامت قريباً: "فقال للقلم اكتب، فجرى بما هو كائن" ويحتمل أن يكون المراد بالكتاب اللفظ الذي قضاه، وهو كقوله تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} ... قوله (غلبت) في رواية شعيب عن أبي الزناد في التوحيد "سبقت" بدل غلبت، والمراد من الغضب لازمه وهو إرادة إيصال العذاب إلى من يقع عليه الغضب، لأن السبق والغلبة باعتبار التعلق، أي تعلق الرحمة غالب سابق على تعلق الغضب. لأن الرحمة مقتضى ذاته المقدسة وأما الغضب فإنه متوقف على سابقة عمل من العبد الحادث، بهذا التقرير يندفع استشكال من أورد وقوع العذاب قبل الرحمة في بعض المواطن، كمن يدخل النار من الموحدين ثم يخرج بالشفاعة وغيرها. وقيل معنى الغلبة الكثرة والشمول، وتقول: غلب على فلان الكرم، أي أكثر

_ (1) البخاري (13/ 522) 97 - كتاب التوحيد، 55 - باب قول الله تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ}. (2) مسلم (4/ 2108) 49 - كتاب التوبة. 4 - باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه. (3) مسلم: الموضع السابق. (4) ابن ماجه (2/ 1435) 37 - كتاب الزهد، 35 - باب ما يرجى من رحمة الله يوم القيامة.

أفعاله، وهذا كله بناء على أن الرحمة والغضب من صفات الذات، وقال بعض العلماء: الرحمة والغضب من صفات الفعل لا من صفات الذات. ولا مانع من تقديم بعض الأفعال على بعض فتكون الإشارة بالرحمة إسكان آدم الجنة أول ما خلق مثلاً، ومقابلها ما وقع من إخراجه منها. وعلى ذلك استمرت أحوال الأمم بتقديم الرحمة في خلقهم بالتوسيع عليهم من الرزق وغيره، ثم يقع بهم العذاب على كفرهم. وأما ما أشكل مِنْ أمر مَنْ يعذب من الموحدين فالرحمة سابقة في حقهم أيضاً، ولولا وجودها لخلدوا أبداً. وقال الطيبي: في سبق الرحمة إشارة إلى أن قسط الخلق منها أكثر من قسطهم من الغضب وأنها تنالهم من غير استحقاق وأن الغضب لا ينالهم إلا باستحقاق، فالرحمة تشمل الشخص جنيناً ورضيعاً وفطيماً وناشئاً قبل أن يصدر منه شيء من الطاعة، ولا يلحقه الغضب إلا بعد أن يصدر عنه من الذنوب ما يستحق معه ذلك أ. هـ كلام ابن حجر. 611 - * روى الطبراني في الصغير والأوسط عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قلت: يا جبريل أيصلي ربك جل ذكره؟ قال: نعم. قلت: ما صلاته؟ قال: سبوح قدوس سبقت رحمتي غضبي". 612 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع يجنته، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته". وللترمذي في رواية أخرى (1)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في الجنة أحدٌ، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من الجنة أحد".

_ 611 - الروض الداني (1/ 49). الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 213) وقال: رواه الطبراني في الصغير والأوسط ورجاله وثقوا. 612 - مسلم (4/ 2109) 49 - كتابة التوبة، 4 - باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه. وأحمد (2/ 397). (1) الترمذي (5/ 549) 49 - كتاب الدعوات، 100 - باب خلق الله مائة رحمة. وقال: هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة. =

613 - * روى البخاري ومسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قُدِم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبيٍ، فإذا امرأة من السبي تسعى، قد تَحلَّب ثديها، إذا وجدت صبياً في السبي أخذته، فألزقته بطنها فأرضعنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟ " قلنا: لا والله. فقال رسول الله: الله أرحم بعباده من هذه المرأة بولدها". * * *

_ 613 - البخاري (10/ 427) 78 - كتاب الأدب، 18 - باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته. مسلم: (4/ 2109) 49 - كتاب التوبة، 4 - باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه.

التلخيص

التلخيص يدخل في الإيمان بالله الإيمان بوجوده وصفاته العليا وأسمائه الحسنى وأفعاله، وأنه لا فاعل إلا هو ولا خالق إلا هو، وأنه له المالكية والربوبية والألوهية والحاكمية، ولذلك فإن المكلفين من الإنس والجن مطالبون بالعبادة والعبودية على مقتضى الوحي الذي جاءنا به رسل الله عن الله، وكان خاتمة ذلك رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم التي نُسخت بها الشرائع السابقة إلا ما أقرته منها، وقد جاءتنا مبينة واضحة في الكتاب والسنة، فعرفتنا رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم على الله وصفاته وأسمائه وحقوقه، وعلى واجباتنا تجاهه ففصلت لنا العبادة والعبودية. - هناك معارك كبرى بين أهل الإسلام وبين أهل الفلسفات والأديان المعاصرة حول لمعرفة الحق لله عز وجل، وبتأمل بسيط يدرك من عرف العقيدة الإسلامية في باب الألوهية أنها قدمت الحق مصفى وأن ما سواها مما خالفها لا يقوم عليه دليل من عقل أو نقل. - هناك معارك كبرى بين أهل السنة والجاعة وبين الفرق المنشقة عن جسم الأمة الإسلامية حول الذات الإلهية وصفاتها وما ينسب إليها وحول حقوقها وما لا يصح إلا لها وما يليق وما لا يليق، وقد فَصَّل في ذلك كله المحكم من كتاب الله، وقامت الحجة على هذه الفرق بفهم الراسخين في العلم من جماهير من ينتسب إلى الإسلام، وكان من فضل الله على هذه الأمة أنه لم يزل أكثريتها وأكثرية علمائها على الفهم الحق، ولم تتشكل فرقة ضالة في يوم من الأيام إن في عامتها أو في علمائها كثرة كاثرة، وكانت أعظم معاركنا الفكرية مع المعتزلة. - هناك اختلافات بين بعض أهل الرواية وبين أهل الدراية ممن ينتسبون إلى أهل السنة والجماعة، وتتلخص هذه الاختلافات في الموقف من الصفات السمعية مع اتفاق الجميع على نفي التشبيه، وفي بعض ما يخدش التوحيد، وفي الموقف من تقليد الأئمة في الفروع، وفي ما يدخل في دائرة البدعة المكفرة أو المضللة أو المحرمة. وفهوم الراسخين في العلم ممن تواطأت أكثرية علماء الأمة على التسليم لهم كالبيهقي والنووي وابن حجر العسقلاني والعز

ابن عبد السلام والسيوطي يشهد لأهل الدراية. - كل ما مضى يجعلنا نذكر المسلم بضرورة قراءة كتبب أهل السنة والجاعة من أهل الدراية في العقائد، فلكلام الختصين من الراسخين في العلم وزن ليس لكلام غيرهم. فائدة: إن المعرفة الإلهية لا تتعمق بشيء كقراءة القرآن والإكثار من الأذكار المأثورة والدعوات التي وردت في الصلوات وغيرها، وسنخصص جزءاً في القسم الثالث للتلاوة كا سنخصص جزءاً للدعوات والأذكار في القسم نفسه، وستر معنا من الدعوات والأذكار في مناسبات متعددة، فمثل هذا يعمق الاعتقاد الحق وهو في الوقت نفسه من أرقى أنواع العبادة في الإسلام، والصلاة وأذكارها ودعواتها هي الأرق في هذا المرتقى. وكثيرون من الناس بدلاً من أن يفطنوا إلى الجانب العملي في بعض النصوص، يدخلون في أنواع الجدل، فبدلاً من أن يفطنوا إلى الخشوع الذي يجب أن يفطن له من حديث "نصب الله وجهه لعبده في الصلاة"، وبدلاً من أن يفطنوا لرقابة الله إياهم في قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} (1) وبدلاً من أن يفطنوا لضرورة الدعوات في الثلث الآخر من الليل أخذاً من حديث النزول، يدخلون في جدل عقم لا يتابعون فيه الراسخين في العلم ولا يلحظون ما يترتب على كلامهم من تشبيه وإيجاد تعارض بين النصوص، ولو أنهم سلموا للنصوص مع التنزيه أو تابعوا الراسخين في العلم على تأويلهم لكان أسلم لهم: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} (2). {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} (3). - وإن من أقبل على الله بالعمل والإخلاص فتح الله على قلبه من ميادين المعرفة الإلهية ما لا يذوقه أهل الجدل الذي جعل الله عز وجل أهله مظنة ضلال، "ما ضلَّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل" (4).

_ (1) الحديد: 4. (2) الصافات: 159، 160. (3) آل عمران: 7. (4) الترمذي (5/ 378) 48 - كتاب التفسير 45 - باب ومن سورة الزخرف. وقال: حسن صحيح. وأحمد (5/ 252). والحديث إسناده حسن.

الوصل الأول في: الوثنية في التاريخ

الوصل الأول في: الوثنية في التاريخ وفيه: مقدمة وتعريف عن الوثنية

المقدمة

المقدمة قال تعالى عن الأصنام على لسان إبراهم عليه الصلاة والسلام: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} (1). جاء هذا النص في سياق كلام إبراهم عليه السلام في القرآن عن الأصنام: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} (2). فن المعروف أن نوحاً وإبراهم عليهما السلام بعثا في بلاد ما بين الرافدين دجلة والفرات، وأنهما بعثا وعبادة الأصنام منتشرة، وقول إبراهيم عليه السلام الذي صدرنا به هذا الوصل يشير إلى كثرة من ضل بسبب الأصنام، وذلك أن الإنسان إذا جانب ما توصل إليه العقول والنقول انحصر في خيالاته، وكلما ابتعد عن قضايا العقول والنقول أوصلته خيالاته إلى التمثيل فالتجسيد الرمزي فالوثنية والشرك، لذلك نجد أن الوثنية تسربت إلى كثير من أهل الأديان السماوية فضلاً عن غيرهم، ولذلك نلاحظ أن الإسلام حض المسلم في كثير من النصوص على التسبيح في الصلاة وغيرها لاحتياج القلب البشرى إلى التغذية بالتنزيه بشكل دائم، ولذلك كان للإسلام موقف من التصوير نعرف تفصيلاته في غير هذا المكان. ولقد حدثتنا نصوص العهد القديم عند اليهود في أكثر من مكان عن تسرب عبادة البعل إلى اليهود، وذكر ذلك القرآن على لسان إلياس عليه السلام: {أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ} (3)، وكان البعل هو الصنم الذي تنسب إليه مدينة بعلبك في بلاد الشام، ومن بلاد الشام أخذ عمرو بن لحي عبادة الأصنام وأدخلها إلى مكة، ومنها انتشرت في جزيرة العرب. والديانة البرهمية انقلبت إلى ديانة وثنية، والديانة البوذية انقلبت إلى ديانة وثنية، وغلبت الوثنية في أكثر أدوار التاريخ على بلاد ما بين الرافدين، وغلبت الوثنية وتأليه الإنسان على الديانات المصرية القديمة، وكانت ديانةُ الرومان الذين سيطروا على أكثر العالم

_ (1) إبراهيم: 36. (2) إبراهيم: 35، 36. (3) الصافات: 125.

القديم وثنيةً، وكذلك اليونان الذين سيطروا بقيادة الإسكندر المكدوني على كثير من مناطق العالم القديم كانوا وثنيين، والوثنية هي الأصل في إفريقيا لولا دخول الأديان السماوية إليها، ولقد دخلت الوثنية زائدة على تأليه المسيح- عليه السلام- على الديانة النصرانية في صور كثيرة: في صور الأيقونات، وتقديم شيء من العبادات لتماثيل من أنواع شتى، وفي صورة عبادة الصليب، ولذلك فإن على المسلم أن يحذر طروء شيء من الوثنية إليه بأن يحذر ابتداءً من تخيلاته في شأن الذات الإلهية، فكل ما خطر ببالك فالله خلاف ذلك: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (1)، وليحذر انتهاءً من التماثيل وأن يدخلها بيته. إن في العالم ديانات تواجه الإسلام، وبعض هذه الديانات أصولها سماوية قطعاً كاليهودية والنصرانية، وبعضها ليست سماوية جزماً كالسيخية، وبعضها لا نستطيع الجزم بشيء عن أصولها لكنا نؤمن أن الله عز وجل لم يترك أمة بلا رسالة، قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (2). {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} (3). {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} (4). قال عليه الصلاة والسلام: "ألا إنكم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله" (5). فنحن نجزم أنه قد أرسل إلى كل أمة رسولٌ ثم ختمت الرسالات بمحمد صلى الله عليه وسلم، وكانت رسالة عامة للعالمين: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (6)، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (7). ولكنا لا نستطيع الجزم بشيء عن أصول بعض الديانات إلا إذا جاءنا شيء في كتاب ربنا أو سنة رسولنا عليه الصلاة والسلام في شأنه، وهاك تعريفاً مختصراً عن الوثنية في بعض الأديان:

_ (1) الشورى: 11. (2) النحل: 36. (3) فاطر: 24. (4) إبراهيم: 4. (5) مسند أحمد (4/ 447). (6) الأحزاب: 40. (7) الأنبياء: 107.

تعريف عن الوثنية في بعض الأديان

تعريف عن الوثنية في بعض الأديان 1 - الوثنية في الديانات المصرية القديمة قال أبو زهرة في كتابه (مقارنات الأديان): "فكل مدينة كانت لها آلهتها. فكان موطن أوزيروس في أبيدوس، وفتاح في ممفيس، وآمون في طيبة، وهوروس في إدفو، وهاتور في دندرة، إلخ ... " أ. هـ. ثم تحدث أبو زهرة عن أسطورة أوزيريس وإيزيس وتوت وهنوروس وسيت، ثم تحدث عن مينا الأول الذي وحَّد مصر تحت سلطانه وأعلن تأليه نفسه بحلول هوروس وسيت فيه. 2 - وثنية الرومان قال أبو زهرة في كتابه (مقارنات الأديان) عن وثنية الرومان: "عددوا أربابهم بتعدد مظاهر الطبيعة التي تتجلى فيها أوامر آلهتهم ونواهيها، فهناك رب ينبت البذر، وآخر يحمي الحقل، وثالث يحرس الثمار وهكذا، ولكل رب اسمه وجنسه وعمله، فعندهم للسماء إله وللحرب إله وللشجاعة إله كما عند اليونان وسموا إله السماء جوبتر وإله الحرب مارس وإله الشجاعة هوكوليس، وهو ما يسمى عند اليونان هركليس؛ وقد قبسوا أيضاً بعض أسماء آلهتهم وخواصها من المصريين القدماء، فعندهم إيزيس إله القمر وأوزيريس إله الزراعة ومراميس إله الشفاء، وكلها أسماء مصرية لآلهة مصرية، وإن الأرباب قد تعددت عند الرومان جداً، فلكل مظهر من مظاهر الحياة رب، ولكل قوة في الإنسان رب، فعندما يولد الطفل يأتيه رب يعلمه النطق، وربة تعلمه الشرب، وأخرى تقوي عظامه، وربان يرافقانه إلى المدرسة، وآخران يرجعان به. ويعتقدون أن هناك أرباباً للمدينة، وللكتابة وللجبل، ولكل نهر، ولكل نبع، ولكل شجرة رب خاص، ولقد قال الكاتب اللاتيني بترون في إحدى قصصه على لسان امرأة صالحة: "إن بلادنا غاصة بالأرباب، بحيث يسهل عليك أن تلقى فيها رباً من أن تصادف رجلاً".

3 - وثنية اليونان

ولقد أتى عهد على الرومان كانوا يعبدون فيه تلك الآلهة المتعددة من غير أن يتخذوا لها تماثيل، بل كانوا يعبدونها من غير تماثيل خاصة لكل إله، فلم يكن في رومية في ذلك العهد صنم، ثم اتخذوا بعد ذلك الأصنام من الخشب أولاً، ثم اتخذوها من الرخام على مثال أصنام اليونان" أ. هـ. 3 - وثنية اليونان قال أبو زهرة في كتابه (مقارنات الأديان) عن اليونان: "ألَّهوا السماء والأرض والبحر، والشمس، والزمن، ولكنهم لم يقفوا عند هذا الحد، بل لحظوا بعد ذلك الصفات الأدبية في الأحياء، وفنونهم، وما يؤثر فيهم فجعلوا لكل واحد منها إلهاً أو آلهة، ومن هذه الآلهة هيرا ربة القوة المنتجة في الطبيعة وآريس أو المريخ إله الحرب، وأبولون إله الموسيقى والنور، وهراميس رسول الآلهة ورب الفصاحة والبيان، وأثينا ربة الحكة وأفروديت ربة الحب الجميل، وديونيسوس رب الخمر والتمثيل- و"لتيراجيني" أو المحزن. وكان لكل مدينة أربابها الخاصة بها، ومعبودات لها كثيرة؛ وإن اتحدت في الاسم مع أرباب المدينة الأخرى فالمسمى يختلف، فأبولون في مدينة ليس هو أبولون في مدينة أخرى، وإن اتحد الاسمين، ولكن مع هذا الاختلاف كانت هناك أرباب كثيرة أجمع اليونان في الجملة على عبادتها وتقديسها كالسماء والأرض والبحر، ولها في كل مكان معبد خاص بها، أو مزار يتقرب فيه إليها؛ وإن الأرباب التي يشترك اليونان في تقديسها كثيرة جداً، وكلها يمثل أعظم القوى الطبيعية تأثيراً في الكون، ومن هذه زيوس المشترى، وهيرا وأثينا وأرتيس وهرميس (عطارد) وأريس (المريخ) وأفروديت (الزهرة) وكرنوس (زحل) وهكذا. ولقد صوروا لكل رب من هذه الأرباب تمثالاً يعبد، ولقد كان للتماثيل الكبيرة محالٍّ خاصة بها يزعمون أن الآلهة توحي إليهم فيها على لسان الكهنة، ويتقربون في تلك المحال للآلهة بالقرابين والنذور، وأشهرها معبد (دلفي) لأبولون بمدينة (فوكيس) " أ. هـ.

4 - وثنية الهندوس

4 - وثنية الهندوس يقول محمد فريد وجدي في (دائرة معارفه) عن البرهمية: "للبراهمة صنم اسمه برهماً له أربعة أوجه وأربعة أيد، في يده الأولى كتابهم المقدس (الفيدا) وفي يده الثانية ملعقة، وفي يده الثالثة سبحة، وفي يده الرابعة إناء فيه ماء. ولديهم صنم ثان للإله فيشنو ابن برهما، وله أربعة أيد، في الأولى بوق من الصدف، وفي الثانية حلقة عند إدارتها تخرج منها نار لا يستطيع أحد مقاومتها فيما يقولون، وفي الثالثة هراوة. وفي الرابعة غصن من الزهر. ولديهم صم ثالث للإله سيفا، وله أربع أيد، في الأولى صولجان، وفي الثانية حبل يشد به المذنبين، أما يداه الأخريان فلا شيء فيهما، وله عين ثالثة في جبهته وقلادة في عنقه من رءوس البشر. والبراهمة يقدسون البقر ويحرمون ذبحها معتقدين أن الأرواح الطاهرة تحل أجسادها، وكثيراً ما نشأ من هذه العقيدة معارك بينهم وبين مسلمي الهند في عيد الأضحى. وهم يقدسون الثعابين والتماسيح وغيرها، ويعتبرون نهر الغانج مقدساً وأن الانغماس فيه يطهر الذنوب، ولذا يحج إليه في كل عام ملايين منهم" ا. هـ. ويقول أبو الحسن الندوي في كتابه: (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين) عن وثنية الديانة البرهمية: "قد بلغت الوثنية أوْجها في القرن السادس، فقد كان عدد الآلهة في "ويد" ثلاثة وثلاثين، وقد أصبحت في هذا القرن 330 مليون. وقد أصبح كلُّ شيء رائع وكل شيء جذابٍ وكلُّ مرفقٍ من مرافق الحياة إلهاً يُعبدُ. وهكذا جاوزت الأصنام والتماثيل والآلهة والإلاهات الحصر، وأربت على العد، فمنها أشخاص تاريخية، وأبطال تمثل فيهم الله- كما زعموا - في عهود وحوادث معروفة، ومنها جبال تجلى عليها بعض آلهتهم، ومنها معادن كالذهب والفضة تجلى فيها إله، ومنها نهر الكنج الذي خرج من رأس "مهاديو" الإله،

5 - وثنية الصين

ومنها آلات الحرب والات الكتابة وآلات التناسل، وحيوانات أعظمها البقرة، والأجرام الفلكية، وغير ذلك". أ. هـ. 5 - وثنية الصين تسود الصين ثلاث ديانات: الديانة الطاوية، ومؤسسها لوتس فقد انقلبت إلى ديانة وثنية في عهد قريب من عهد مؤسسها، والديانة الكونفوشوسية وقد مرت عهود على أتباعها كانوا لا يعتقدون بإله معين بل كانوا يعبدون ما شاءوا من الأشجار والأنهار، والبوذية انقلبت إلى وثنية كما سنرى (راجع: ماذا خسر العالم). 6 - الوثنية في الديانة البوذية لقد ذابت البوذية في البراهية ما عدا خروجها عليها في نظام الطبقات وأشياء أخرى واعتقد البوذيون ألوهية بوذا فنصبوا له التماثيل في كل مكان حلت فيه دياناتهم وتقدموا له بالعبادة. يقول الدكتور أحمد شلبي في كتابه (أديان الهند الكبرى): "ولكن البوذية بدأت تنكمش بعد بوذا، وقد سبق أن ذكرنا أن من أهم أسباب إنكماشها أنها لم تعن بالكلام عن الإله، وبعبارة أخرى تركت فراغاً كبيراً في نفوس أتباعها، وبمرور الزمن ملأ أتباعُها هذا الفراغ بآلهة الهندوس أو بعبادة بوذا نفسه واتخاذه إلهاً، ويتصل بهذا أيضاً أن بوذا لم يبن معابد، ولم يأمر أتباعه بممارسة أي لون من ألوان العبادة، وبسبب هذا لجأ أتباع بوذا إلى معابد الهندوس فوضعوا فيها تمثال بوذا، وأصبح كل ما زاد هو إله جديد أُضيف إلى آلهة الهندوس المتعددة، والعقل الهندي يرحب بمزيد من الآلهة. وهكذا أخذت البوذية تتلاشى في الهندوسية، وأخذت الهندوسية تمتصها أو تمتص أتباعها يوماً بعد يوم". أ. هـ.

7 - وثنية العرب

7 - وثنية العرب أما وثنية العرب فقد وصفها الأستاذ الندوي في كتابه (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين) وكان من كلامه: "وهكذا انغمست الأمة في الوثنية وعبادة الأصنام بأبشع أشكالها، فكان لكل قبيلة أو ناحية أو مدينة صنم خاص، بل كان لكل بيت صنم خصوصي. قال الكلبي: كان لأهل كل دار من مكة صنم في دارهم يعبدونه، فإذا أراد أحدهم السفر كان آخر ما يصنع في منزله أن يتمسح به. وإذا قدم من سفر كان أول ما يصنع إذا دخل منزله أن يتمسح به أيضاً. واستُهْتِرَت العرب في عبادة الأصنام، فمنهم من اتخذ بيتاً، ومنهم من اتخذ صنماً، ومن لم يقدر عليه ولا على بناء بيت نصب حجراً أمام الحرم، وأمام غيره، مما استحسن، ثم طاف به كطوافه بالبيت وسموها الأنصاب. وكان في جوف الكعبة- البيت الذي بني لعبادة الله وحده- وفي فنائها ثلاثمائة وستون صنماً، وتدرجوا من عبادة الأصنام والأوثان إلى عبادة جنس الحجارة. روى البخاري عن أبي رجاء العطاردي قال: كنا نعبد الحجر، فإذا وجدنا حجراً هو خير منه ألقيناه وأخذنا الآخر، فإذا لم نجد حجراً، جمعنا حثوة من تراب، ثم جئنا بالشاة فحلبنا عليه ثم طفنا به. وقال الكلبي: كان الرجل إذا سافر فنزل منزلاً أخذ أربعة أحجار، فنظر إلى أحسنها فاتخذه رباً، وجعل ثلاث أثافي لِقِدَرِهِ، وإذا ارتحل تركه. وكان للعرب- شأن كل أمة مشركة في كل زمان ومكان .. آلهة شتى من الملائكة والجن والكواكب، فكانوا يعتقدون أن الملائكة بنات الله، فيتخذونهم شفعاء لهم عند الله ويعبدونهم، ويتوسلون بهم عند الله، واتخذوا كذلك من الجن شركاء لله وآمنوا بقدرتهم وتأثيرهم وعبدوهم. قال الكلبي: كانت بنو مليح من خزاعة يعبدون الجن، وقال صاعد: كانت حِمْيَر تعبد الشمس، وكنانة القمر، وتميم الدبران، ولخم وجذام المشترى، وطين سهيلاً، وقيس

الشِّعري العبور، وأسد عطارداً" ا. هـ. هذه بعض مظاهر الوثنية في تاريخ العالم وكثير منها لا زال مستمراً، والإلحاد في عصرنا لا يخرج عن كونه نوعاً من أنواع الوثنية، إذ يخلع الملحدون على الكون كله صفات الألوهية من خلق وإبداع وإحياء وإماتة فتأمل حال الإنسان في وثنيته لتدرك مِنَّة الله على الإنسان في إرساله محمداً صلى الله عليه وسلم بالتوحيد الذي يجعل الإنسان سيد الأكوان ويقيمه عبداً لله وحده، بينما الوثنية تجعل الإنسان عبداً لشجرٍ أو حجرٍ أو قمرٍ أو شمسٍ أو كوكبٍ أو إنسانٍ أو الكون كله. قال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا} (1)، إنه شتان بين أن يتوجه الإنسان إلى خالقه الأوحد وإلى المنعم عليه بالعبادة مشاركاً هذا الوجود كله في التوجه إلى الله: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} (2)، وبين ذلك الإنسان الذي يتوجه إلى أنواع من الخلوقات بالعبادة محتاراً في أيها يقدم ولأنها يتقرب، فيالانتكاسة العقل ويالسفاهة الأحلام، إنه من خلال هذا وحده يدرك سر قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (3). وإننا نلفت نظر بعض المتهوسين الذين لا همَّ لهم إلا أن يرموا أهل الإسلام بالشرك دون مستندٍ قطعي من كتاب أو سنة، فنراهم يفهمون النصوص على غير فهم الراسخين في العلم فيقذفون هذا بنوع من الشرك، ويقذفون هذا بنوع آخر.

_ (1) الزمر: 29. (2) الإسراء: 44. (3) الأنبياء: 107.

الوصل الثاني في: التثليث ونسبة الولد إلى الله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا

الوصل الثاني في: التثليث ونسبة الولد إلى الله تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً

قال تعالى: {يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ} (1). ورد هذا النص في سياق قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (2). فالآية تشير إلى أن نسبة الولد إلى الله كانت موجودة في ديانات سابقة، ومن تأمل هذه النِّحلة وما يلزم عليها من لوازم النقص على الله من تشبيهه بالحوادث وما يحيط بها من نقص الاحتياج إلى الزوجة والولد، ومن اتصافه بصفات الحوادث من تجزئة وتبعيض وشوق وشهوة أدرك مقدار الزلل في العقل البشري، إذ يصف الله عز وجل بهذا الوصف، فيعرف المكلف نعمة الله على البشرية ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم ليرجع الناس إلى التنزيه والتوحيد: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا} (3). {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ} (4). ومن أشهر الأديان القديمة التي قالت بالبنوة لله- تعالى عن ذلك- البراهية والبوذية والديانات المصرية القديمة، فأن يذكُر الله عز وجل قول اليهود في عزيرٍ وقول النصارى في المسيح مضاهاة لقول الذين كفروا من قبلُ، فتلك من معجزات القرآن الكبرى. إن البراهمة يقولون بالتثليث مع قولهم بالتعدد الكثير، فأكبر آلهتهم في زعمهم "براهما" ثم "سيفا" أو "سيو" ثم "ويشنو" ويعتقدون أن "ويشنو" هو الابن "لبراهما"، ويعتقدون أن "ويشنو" الابن حل في أحد رجالاتهم المسمى "كرشنة"، ويعتقدون فيه ها يعتقده المسيحيون في المسيح. يقول فريد وجدي في دائرة معارفه: "حدثت في الهنرد عقيدة التثليث فتغلبت على توحيدهم السابق فرأيناهم يعبدون إلها واحداً ذا ثلاثة أصولٍ (برهما وفيشنو وسيفا)، وقد

_ (1) التوبة: 30. (2) التوبة: 30. (3) مريم: 88 - 92. (4) الزخرف: 15.

خلف فيشنو أباه برهما في نظر الهنود فصاروا لا يوجهون عبادتهم إلا إليه، أما برهما فتركوه في راحة زاعمين أنه أدى وظيفته وانتهى دوره" أ. هـ. وينقل أبو زهرة في مقارناته بين الأديان عن كتاب تاريخ الهند المجلد الثاني ما يلي: (كرشنة: هو الخلص والفادي والمعزي والراعي الصالح والوسيط وابن الله والأقنوم الثاني من الثالوث المقدس، وهو الآب والابن وروح القدس". قد مجد الملائكة ديفاكي والدة كرشنة ابن الله. وقالوا يحق للكون أن يفاخر بابن هذه الطاهرة) ا. هـ. وينقل أبو زهرة في مقارناته بين الأديان عن كتاب دوّان وكتاب الملاك المسيح عن بوذا: (كان تجسد بوذا بواسطة حلول روح القدس على العذراء مايا). (لما نزل بوذا من مقعد الأرواح ودخل في جسد العذراء مايا صار رحمها كالبلور الشفاف النقي وظهر بوذا فيه كزهرة جميلة). (وقد عمد بوذا المخلص حين عمادته بالماء وكان روح الله حاضراً وهو لم يكن الإله العظيم فقط بل وروح القدس الذي فيه صار تجسد كوتاما لما حل على العذراء مايا) ا. هـ. ولقد قال المصريون القدامى بالتثليث: "أوزيريس"- "إيزيس" زوجته ومنهما جاء "هوروس"، ومن اعتقاداتهم- كما في كتاب (مقارنات بين الأديان) -: (إن روح الإله هوروس ذات ثلاث شعب أولاها: الروح الدنيا، وهي التي تحل في فرعون الزمان، ثم تنتقل إلى من يليه، وتفيض عليه بقدسيتها، والثانية: الروح العليا الحاكمة في السموات والأرضين، والثالثة: روح تبقى في جسد فرعون الميت، وتقوم بالنصح لفرعون الحي. ولا تبقى هذه الروح إلا إذا بقي الجسم متماسكاً، ولذا أعملوا الحيلة لذلك، وبنوا الأهرام وشيدوها لتكون حفاظاً للجسم) ا. هـ. أقول: وهكذا نجد إحدى الأباطيل الكبرى تنتقل من أمة إلى أمة في باب الإلهية حتى بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بالدين الحق فوضع الأمر في نصابه، قال تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا

مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ * رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ * وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ * وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (1). لقد تأقلم أهل الكتاب على الكفر، وتأقلم المشركون على الشرك واستمروا عليه ودأبوا فيه ولا يكونوا لينفكوا عنه، فأرسل الله محمد صلى الله عليه وسلم ليكسر هذا الاستمرار علي الباطل ويرجع الناس إلى الدين الحق بكتابٍ آياته ظاهراتٌ بيناتٌ واضحاتٌ. فالحمد لله رب العالمين. * * *

_ (1) البينة: 1 - 5.

الوصل الثالث في: "إن الدين عند الله الإسلام"

الوصل الثالث في: "إن الدين عند الله الإسلام"

إن من عرف الله عز وجل وعرف أنه متصف بالعلم والإرادة والقدرة وغير ذلك من الصفات الوجودية، وعرف أنه متصف بالقيومية والوحدانية وغير ذلك من الصفات السلبية، وعرف أنه الرب والمالك والإله، وأن من مقتضيات ذلك أن تكون له المالكية والحاكمية، ومن عرف أنه متصف بالرحمة والعدل والهداية، إن من عرف هذا كله لم يستغرب أن يبعث الله رسلاً يبينون لمن يدركون الخطاب من الخلوقات وهم الإنس والجن الدين الحق والعبادة الحق والشريعة الحق. وقد جرت سنته جل جلاله أن يرسل الرسل إلى الأمم، وختم رسالاته برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وجعلها عامة للإنس والجن وباقية خالدة، فالإنس والجن مكلفون بها إلى يوم القيامة. وقد بعث الله رسله جميعاً مطالبين الخلق بالإسلام لله رب العالمين، فذلك هو دينه الذي لا يقبل سواه. وبعد أن طرأ على الرسالات السماوية القديمة ما طرأ، بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بالقرآن المعجز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فكان القرآن بياناً لدينه الإسلام الحق مصدقاً لما بين يديه من الحق وناسخاً للباطل، كما أنه ناسخ لكل ما خالفه وحاكم على كل ما عداه، وبيَّن جل جلاله فيه أنه قد أكد هذا الدين وأنه لن يقبل من أحد دينا سواه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (1). {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} (2)، {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (3)، {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} (4). وكتاب هذا الدين هو القرآن، والشارح المعصوم له هو السنة، فنصوص الكتاب والسنة هي نصوص هذا الدين، وقد جعل الله كتابه: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} (5)، وفصَّل

_ (1) المائدة: 3. (2) آل عمران: 85. (3) الأعراف: 158. (4) الفرقان: 1. (5) النحل: 89.

رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وعمله وحاله وتقريره كل ما يحتاج إلى مزيد من التفصيل والبيان، قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (1). * * * وقد جاء الإسلام وهناك أديان قائمة، منها ما أصوله سماوية ثم حُرِّفت، ومنها ما هو غير ذلك، وأهل كل دين متمسكون بما هم عليه، وأهل الأديان هؤلاء أنفسهم متفرقون وكل فرقة متمسكة بما هي عليه من الهوى، وبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بالقرآن المعجزة الكبرى التي تضمنت معجزات كثيرة ليقيم الحجة على الخلق جميعاً وليكسر هذا الاستمرار على الباطل. ومن قبل بعثته صلى الله عليه وسلم كانت توجد بجانب الأديان فلسفات وشرائع ومذاهب وضعية، فهناك فلسفة اليونان وشرائع الرومان ومذاهب الدهريين والملحدين، وقد جاء الإسلام بالحق في كل شيء وكان الحاكم على كل شيء، فأبطل ما كان باطلاً وأقر ما كان حقاً. * * * وبعد مسيرة طويلة للإسلام صارع فيها الإسلام كل الأباطيل، وتوسع فيها على حساب كل الديانات والمذاهب والفلسفات والشرائع ولا زال ينتشر ويتوسع، ومع وضوح حججه وأنه دين الفطرة فإنه ما زال كثير من الناس مستمرين على ديانات باطلة ورثوها وتعتبر استمراراً لأديان كانت موجودة قبل الإسلام: كالكونفوشيوسية والبوذية والبرهمية والجينية والمجوسية واليهودية والنصرانية وبقايا الوثنية، وهناك شرائع غير دينية أثرت في التشريعات العالمية كالتشريعات الرومانية، ونشأت بعد الإسلام ديانات باطلة كالسيخية، وبعض هذه الديانات الباطلة أنشأها أناس أصولهم مسلمون لكن ارتدوا كالقاديانية والبهائية كما رأينا، وقد نشأت قديماً وحديثاً مذاهب وفلسفات أصبحت عند أهلها تشكل بديلاً عن الأديان، أو تحجمها كالشيوعية والعلمانية، وكل ذلك يدخل في صراع مباشر مع الإسلام. ولقد تأثر بعض المسلمين بفكر أديان أخرى، ووجدت عند بعضهم اجتهادات خاطئة أو فهوم باطلة، فنشأت بسبب ذلك فِرَقٌ: بعضها قريب من الإسلام الصافي، وبعضها ابتعد

_ (1) النحل: 44.

حتى ضل ضلالاً بعيداً، وبعضها كفر ولم يبق له في الإسلام نصيب. وقد مر معنا شيء من ذلك. وكل ذلك أثرٌ عن الجهل بالله الذي يستتبع الجهل بأن الدين عند الله هو الإسلام، فمن عرف الله أسلم له بدينه الذي ارتضاه وكلف به الإنس والجن وأقام الحجة على الخلق به، وهو الإسلام كا جاءت به نصوص القرآن وبينته السنة المطهرة. فعلى الفِرق التي انشقت عن جسم الأمة الإسلامية أن تعيد النظر في موقفها على ضوء الكتاب والسنة، وعلى أهل الأديان أن يدخلوا في الإسلام الحق، وعلى أهل المذاهب الفكرية والفلسفية والسياسية أن يدخلوا في الإسلام وينبذوا ما عداه، وعلى الذين تأثروا بالفكر الغريب عن الإسلام من أبناء المسلمين حكاماً ومحكومين أن يتوبوا إلى الله وأن يتوبوا إلى الإسلام عقيدة وعبادة وشريعة وصراطاً مستقيماً. وبدون ذلك فإن أحداً لا يعرف الله حق المعرفة ولا يعطي هذه المعرفة مقتضياتها وحقوقها. وأهم الأديان التي يواجهها الإسلام في عصرنا: اليهودية والنصرانية وبقايا الأديان الفارسية والديانات ذات المنشأ الهندي كالبراهمية والجينية والبوذية والسيخية، وهناك بقايا الوثنية المحضة وهناك الديانة الكونفوشيوسية. وأهم المذاهب الفلسفية السياسية التي يواجهها الإسلام: الفلسفة الشيوعية والفلسفة العلمانية التي فصلت الدين عن الدولة في كثير من بلدان العالم، ونجحت في أن تعطل شريعة الإسلام في كثير من أفكار المسلمين، وتتبناها أحزاب قومية وأحزاب وطنية، وبعض هذه الجهات تحاول أن تظهر وكأنها مسالمة للإسلام ولكنها في واقع الأمر تعطله. ومن المذاهب المعاصرة التي يواجهها الإسلام المذاهب الفلسفية والحياتية المتعددة الصور في الفقه والتاريخ والاجتماع. ومما يواجهه الإسلام الفكر الوجودي ومذاهبه العملية التي تقوم على فكرة الانطلاق كما تشاء الأهواء: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} (1).

_ (1) المؤنمون: 71.

ومما يواجهه الإسلام في عصرنا جهات متعددة كل منها أخذ على عاتقه أن يهدم جزءاً من الثقافة الإسلامية أو يوجه الدراسات توجيها مخرباً، ودائرتا اللغة العربية والتاريخ والمحاولات الكثيرة للتهديم وللتوجيه فيها نموذجان. وإن البشر ليسيئون إلى أنفسهم في الدنيا والآخرة إذ يرفضون الدخول في الإسلام أو ينحرفون عنه، قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (1). * * *

_ (1) طه: 124.

الوصل الرابع في: "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه"

الوصل الرابع في: "ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه" وفيه: مقدمة ونقول

المقدمة

المقدمة إنه مع قوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (1)، فقد وُجد من يزعم أنه من أسلم لله من خلال الفلسفة أو من خلال دين من الأديان القديمة، فإنه يكون قد أدى حق الله عليه، وقد قطع الله عز وجل الطريق على أمثال هذه الأوهام فقال: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} (2)، وقال تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} (3). وإنه من يعرف الأديان التي عليها الناس اليوم ويقارنها بالإسلام يعرف نعمة الله عز وجل إذ طالبنا بالإسلام وحده ولم يقبل منا غيره، فقد آل أمر الأديان إلى ما لا يطاق عقلاً أو عملاً. ولعل دراسة بسيطة لبعض الأديان التي كانت زمن إرسال رسول الله صلى الله عليه وسلم ترينا عملياً أنها لا تستحق أن يستمر عليها الإنسان وترينا نعمة الله على البشرية إذ أرسل لها محمداً صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (4)، لقد بعث محمد صلى الله عليه وسلم ليقطع استمرارية الناس على ما هم فيه من كفر وشرك، وها نحن نجول بك جولة تأخذ بها تصوراً سريعاً عن بعض هذه الشؤون: إن الرحمة العظمى ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم تظهر في صور كثيرة؛ من ذلك هدى الله عز وجل إلى معرفته الحق وإلى عبادته الحق وإلى صراطه الحق وجعل كتابه معجزة تحوي معجزات وذلك من مظاهر الرحمة، قال تعالى: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (5). ومن تأمل ضلال الخلق إلى جهلهم بالله وعدم قيامهم بحقوق عبادته وعبوديته وما يترتب على ذلك من انحراف وظلم ومظالم وأمراض وحروب عرف بعض مظاهر الرحمة الإلهية ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم. ومن تأمل حال أهل الأديان المعروفة الآن في العالم وقارنها بالإسلام عرف رحمة الله ببعثته محمداً صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي

_ (1) آل عمران: 19. (2) آل عمران: 85. (3) البقرة: 256. (4) الأنبياء: 107. (5) المائدة: 16.

يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (1)، إن هذه الآية فصلت في مظاهر رحمة الله ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم: إذ دلهم به على تقوى الله وعلى التكافل بين البشر بالزكاة وعلى الإيمان بآيات الله، ودلهم على القدوة الحق وهو رسول الله صلى لله عليه وسلم، ودلهم على ما هو خير وعلى ما هو منكر ووضع عنهم الأثقال والأغلال التي تحملها أصحاب الديانات، ودلهم على الجهة التي يجب أن ينصروها ويناصروها، ودلهم على ما يجب عليهم أن يفعلوه وما يصلحهم في أمر دنياهم وأخراهم، فهذا كله من مظاهر رحمة الله ببعثته محمداً صلى الله عليه وسلم للعالمين. ومن تأمل الأديان التي عليها الناس اليوم عرف عظمة هذه الرحمة وقيمتها: فالديانة الكونفوشيوسية في الصين آلت إلى الوثنية والشرك فأتباع كونفوشيوس يعبدون السماء والملائكة وأرواح الآباء ويعتقدون أن السماء عالم حي متحرك، والبقية الباقية عندهم شيء من حكم سياسية أو اجتماعية فليس فيها هداية لله ولا لتعاليمه ولا لعبادته الحق. والديانة الطاوية في الصين آلت إلى وثنية وسلبية، والسلبية فيها كافية للقضاء على متبعيها؛ فالزهد الطلق والتسامح الطلق وعدم رد العدون كائناً ما كان كل ذلك كافٍ لخراب العالم. والديانة البرهمية في الهند تقوم على الوثنية وتأليه كل شيء، كما تقوم على مبدأ الطبقات ونظامه القاسي؛ فهناك منبوذون وهناك حرفيون وهناك المحاربون وهناك البراهمة المقدسون، وتقوم على فكرة التناسخ الخرافية التي تدعي أن الروح تنتقل من الإنسان إلى مخلوق أحط منه إن أساء إلا إذا دخل في رياضات تعذيبية لجسده، لو أن كل إنسان طبقها لكانت كافية لخراب هذا العالم. ومن عاداتهم القديمة التي أبطلها الإنجليز أن المرأة تحرق نفسها إذا مات زوجها، ومن عبادات البرهمي أن يمسح جبينه ببول البقر صباحاً ومساءً، والفأر عندهم لا يجوز قتله والبقرة مقدسة.

_ (1) الأعراف: 156، 157.

والديانة البوذية آلت إلى الوثنية وتعذيب الجسد. ولوأن البوذيين طبقوا ما آلت إليه البوذية تطبيقاً حرفياً لانتهوا وفنوا، فدين هذا شأنه مآل العالم على يديه إلى الهلاك. والديانة الجينية في الهند تقوم على تعذيب الجسد واحتقار الرأي العام. والديانة السيخية وهي ديانة حديثة النشوء لا تؤمن بالأنبياء أصلاً فن أين يعرف الإنسان هداية الله أصلاً. والديانة اليهودية استقرت على الحقد والكبرياء وعلى أحكام لا تقبل التطبيق، ولذلك فإنه مع قيام دولة لليهود فإنها تقوم في أكثر قوانينها على العلمانية رغم شدة حرصهم على إبراز الهوية الدينية. والديانة النصرانية استقرت على التثليث وعبادة الرسوم والأشكال والتماثيل، وعلى صور من التعذيب للجسد وعلى محاربة الفطرة مما يكفي- لو أن طبق ما يعتبر الأفضل عندهم- إلى خراب العالم، لذلك آلت دول العالم النصراني إلى العلمانية. والديانة المجوسية آلت إلى عبادة إلهين: أحدهما الشيطان، وإلى عبادة النيران ونكاح الأخت وتقديس الأكاسرة. من هذا الاستعراض السريع ندرك حكة الله عز وجل ورحمته بالخلق إذ بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وندرك حكة من الحكم: لماذا لا يقبل الله ديناً غير دين الإسلام. تعرف على الإسلام وانظر ماذا يكون لو استجاب له كل إنسان، وتعرف على الأديان وانظر كيف يؤول إليه أمر العالم لواستجاب العالم لأي دين منها، فإنك تجد رحمة الله ببعثته محمداً صلى الله عليه وسلم: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ * رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} (1). وهاك نقولاً تصف لك صوراً عما في بعض الأديان المعاصرة لتعرف رحمة الله على العالمين ببعثته محمداً صلى الله عليه وسلم وتعرف حكمة من حكم قوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} (2).

_ (1) البينة: 1 - 3. (2) آل عمران: 85.

النقول

النقول 1 - نقول عن البرهمية بعد أن ذكر أبو الحسن الندوي كثرة آلهة البراهمة قال: زد إلى ذلك عبادتهم لإله التناسل لإلههم الأكبر "مهاديو"، وتصويرها في صورة بشعة، واجتماع أهل البلاد عليها من رجال ونساء وأطفال وبنات، زد إليه كذلك ما يحدث به بعض المؤرخين أن رجال بعض الفرق الدينية كانوا يعبدون النساء العاريات والنساء يعبدن الرجال العراة، وكان كهنة المعابد من كبار الخونة والفساق الذين كانوا يرزعون الراهبات والزائرات في أعز ما عندهن. وقال أبو الحسن عن نظام الطبقات: يقسم هذا القانون أهلَ البلاد إلى أربع طبقات ممتازة وهي: البراهمة، طبقة الكهنة ورجال الدين، شتري رجال الحرب، ويش رجال الزراعة والتجارة، شودر رجال الخدمة. (وقد منح هذا القانون طبقة البراهمة امتيازات وحقوقاً ألحقتهم بالآلهة فقد قال: إن البراهة هم صفوة الله وهم ملوك الخلق، وإن ما في العالم هو ملك لهم فإنهم أفضل الخلائق وسادة الأرض، ولهم أن يأخذوا من مال عبيدهم شودر- من غير جريرة- ما شاءوا؛ لأن العبد لا يملك شيئاً وكل ماله لسيده. وإن البرهمي الذي يحفظ رك ويد "الكتاب المقدس" هو رجل مغفور له ولو أباد العوالم الثلاثة بذنوبه وأعماله، ولا يجوز للملك حتى في أشد ساعات الاضطرار والفاقة أن يجبي من البراهمة جباية أو يأخذ منهم إتاوة، ولا يصح لبرهمي في بلاده أن يموت جوعاً، وإن استحق برهمي القتل لم يجز للحاكم إلا أن يحلق رأسه، أما غيره فيقتل. أما الشتري فإنهم وإن كانوا فوق الطبقتين، "ويش وشودر" ولكنهم دون البراهمة بكثير فيقول "منو": إن البرهمي الذي هو في العاشرة من عمره يفوق الشتري الذي ناهز مائة كما يفوق الوالد ولده. المنبوذون الأشقياء: أما شودر "المنبوذون" فكانوا في المجتمع الهندي- بنص هذا القانون المدني الديني- أحط من البهائم وأذل من الكلاب، فيصرح القانون بأن "من سعادة شودر

2 - نقول عن الجينية وهى إحدى الديانات الهندية

أن يقوموا بخدمة البراهمة وليس لهم أجر وثواب بغير ذلك، وليس لهم أن يقتنوا مالاً أو يدخروا كنزاً فإن ذلك يؤذي البراهمة، وإذا مد أحد من المنبوذين إلى برهمى يداً أو عصاً ليبطش به قطعت يده، وإذا رفسه في غضب فدعت رجله، وإذا همَّ أحد من المنبوذين أن يجالس برهمياً فعلى الملك أن يكوي استه وينفيه من البلاد. وأما إذا مسه بيد أو سبه فيقتلع لسانه، وإذا ادعى أنه يعلمه سقي زيتا فائزاً، وكفارة قتل الكلب والقطة والضفدعة والوزغ والغراب والبومة ورجل من الطبقة المنبوذة سواء" أ. هـ (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين). 2 - نُقولٌ عن الجينية وهى إحدى الديانات الهندية قال الدكتور شلبي في كتابه: "أديان الهند": (وللوصول للنجاة يتحتم على الناسك ألا يوقع أذى بإنسان أو حيوان، وعليه أن يدرك أن احترام الحياة أقدس ما عني به مهاويرا، وعلى هذا يحرم عليه قتل الحيوان وبالتالي أكل اللحوم). (ولا بد للنجاة كذلك من قهر جميع المشاعر والعواطف والحاجات، ومؤدى هذا ألا يحس الراهب بحب أو كره، ولا بسرور أو حزن، ولا بحرٍّ أو برد، ولا بخوف أو حياء، ولا بجوع أو عطش، ولا بخير أو شر. والجيني بذلك يصل إلى حالة من الجمود والخمود والذهول فلا يشعر بما حوله، ودليل ذلك أن يتعرى فلا يحس بحياء ويُنتَف شعره فلا يتألم، لأنه لو أحس بما في الحياة من خير وشر أو نُظُمٍ متفقٍ عليها، فمعنى هذا أنه لا يزال متعلقاً بها خاضعاً لمقاييسها، وهذا يبعده عن النجاة. ولما كان أبرز ما في هذا التنظيم هو العري، والجوع حتى الموت، سميت الجينية دين العري ودين الانتحار. العري والانتحار في الجينية: وعن فكرة العري يقول أحد علماء الجينية في محاضرة له عنها: يعيش الرهبان الجينيون عراة، لأن الجينية تقول: ما دام المرء يرى في العري ما نراه نحن، فإنه لا ينال النجاة، فليس لأحد أن ينال نجاة مادام يتذكر العار، فعلى المرء أن ينسى ذلك بتاتاً ليتمكن من اجتياز بحر الحياة الزاخر، فطالما تذكر الإنسان أنهُ يُوجد خيرٌ

أو شر، حُسنٌ أو قبح فمعناه أنه لا يزال متعلقاً بالدنيا وبما فيها فلا يفوز بـ"موشكا" أي النجاة. (ويرى الجينيون أن الشعور بالحياء يتضمن تصور الإثم، وعلى العكس من ذلك فعدم الشعور بالحياء معناه عدم تصور الإثم وذلك زيادة في النقاء، فعلى كل ناسك يريد أن يحيا حياة بريئة من الإثم أن يعيش عارياً، ويتخذ من الهواء والسماء لباسا له. أما الانتحار فقد كان نتيجةً للتخلي عن كل عمل، وترك كل ما يغذي الجسم لعدم الإحساس بالجوع، ولقطع الروابط بالحياة، وللتدليل على أن الراهب أو الراهبة لم يبق له اهتمام بهذا الجسد الفاني، فهو يجيعه، وينتف شعره، ويعرضه لظواهر الطبيعة القاسية حتى الموت. وقد انتشر الانتحار بالجوع بين رهبان الجينيين قديماً) أ. هـ شلبي. ومن المعروف عند علماء الأديان: أن مهافيرا مؤسس الجينية عاش قبل أن يبدأ دعوته في وسط الرخاء وطيب العيش حيث انحدر من طبقة الكاشتريا طبقة الملوك والقواد والحكاء في الهندوسية. وكان وهو صغير يحب الجلوس إلى الرهبان والنساك، فتأثر بفلسفتهم وعزف عن المتع ومال إلى الرهبنة والزهد ونذر أن لا يتكلم اثني عشر عاماً، قضاها بالتأمل والتفكير وخرج بعدها ليعلن مذهبه للناس. وعندهم ما يعرف بالأصول السبعة لتطهير الروح: مثل أخذ العهود والمواثيق بوجوب التمسك بالخلق الحميد والتقليل من الحركات البدنية، والتحلي بالفضائل، والتفكير بالحقائق الأساسية، والسيطرة على متاعب الحياة التي تنشأ من الأعراض الجسمانية التي تنشأ من الجوع والبرد، والقناعة الكاملة، والطمأنينة. ولم يعترفوا بالله وذلك حتى لا ينشاً طبقة جديدة من البراهمة، ولكن خوفاً من الهندوسية اعترفوا بإلهة الهندوس. ويقول مهافيرا بالتناسخ لأن تخليص الروح من جسمها المادي لا يتم إلا بالتقشف والحرمان من الملذات فإذا انتهت روحه من ماديتها يرجع روحاً خالداً.

3 - نقول عن البوذية

3 - نقول عن البوذية قال أبو زهرة في كتابه "مقارنات الأديان" بعد أن ذكر الوصايا العشر عند البوذيين: (هذه هي الوصايا العشر التي يأخذ بها البوذي ليروض إرادته على ترك الملاذ، والعكوف على المجاهدة وتهذيب الذات، وتخفيف ويلات الحياة، ومنها ترى أنهم يحثون على عدم أخذ الذهب والفضة، كأنهما الأمر الذي تضل عنده الأفهام، وتستيقظ حوله المطامع وكأنهما مدخر اللذة، لاستعانة الناس بهما في اجتراع اللذات، واجترار الشهوات، ولهذا النهي عن اقتناء الذهب والفضة قال العلماء: إن البوذية تحث على عدم الملك، وتطالب البوذي أن لا يملك شيئاً ولا يقتني شيئاً. فهو يطلب طعامه يوماً بعد يوم، ولا يدخر من يومه إلى غده. ولقد كان هذا سبباً في أن ينقسم البوذيون إلى قسمين: أحدهما: البوذيون الدينيون الذين أخذوا انفسهم بالتعاليم السابقة لا يحيدون عنها قيد أنملة، وقيدوا أنفسهم بأنواع من الأطعمة لا يعدونها، ويحرمون كل شيء غيرها، ولا يلبسون إلا خشن الثياب ولا يرضون إلا جَشْبَ (1) العيش، لما راضوا أنفسهم عليه، من ترك كل لذات الحياة وراءهم ظهرياً، ليستولوا عليها ويمتنعوا عن آلامها. أما الفرقة الثانية: فهي الفرقة التي تركت هذه التعاليم ولكن رأت أن عليها واجب كفالة الفرقة التي ذكرناها. والمهم أن نعرف أن التعاليم التي آلت إليها البوذية لو أنها طبقت حرفياً لفنت البشرية). أهـ (مقارنات الأديان. ويعرف بعض علماء مقارنة الأديان البوذية بأنها: ديانة التأمل في الباطن والرحمة وإنكار الذات، ويبدومما ألف عن بوذا أنه كان وديع المعاملة رقيق الكلام رحيماً شفوقاً مما حببه إلى الناس وسبب لدعوته النجاح. وخلاصة الوصايا التي أوصى بها بوذا:

_ (1) جَشبَ: جشباً؛ غلُظ وخشُن فهو جشبٌ ومجشابٌ. كذا في الوسيط.

4 - نقول عن ديانات الفرس

1 - لا تزهق روحاً، 2 - لا تأخذ ما لا تستحق، 3 - لا تزن، 4 - لا تكذب ولا تغش، 5 - لا تسكر، 6 - كُلّ باعتدال، 7 - لا تشهد رقصاً ولا تسمع غناءٌ أو تمثيلاً، 8 - لا تلبس حلياً ولا تتعطر ولا تتخذ زينة، 9 - لا تنم في فراش باذخ، 10 - لا تقبل ذهباً ولا فضة. وهذه الوصايا قريبة إلى وصايا الأنبياء، ومن هنا قيل إنه كان نبياً أوحي إليه، وقد حرفت ديانته بعده كما حدث لبقية الأديان، ولا نستطيع الجزم بذلك؛ لأن الجزم بذلك يحتاج إلى نص من كتاب أو سنة، وليس هناك من نص إلا أن الله عز وجل أخبرنا أنه ما من أمة إلا وقد أرسل لها رسول، قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} (1). وأهم كتب بوذا هي التي تحفظ أحاديثه وأقواله وأمثاله وينسبونها إلى بوذا ولا يدعون نزولها من السماء. والمشهور أنه لم تكن على زمن بوذا طقوس معينة ولكن بعد وفاته أضيفت بعض الطقوس فيصلون أمام تمثال بوذا ويصومون بأوقات معينة بالامتناع عن الطعام والشراب عدا الحليل من نصف النهار حتى فجر اليوم التالي. ويحجون بالذهاب إلى الهند ونيبال لزيارة الأماكن الأربعة المقدسة عندهم وهي: مكان ولادة بوذا، والمكان الذي أشرقت فيه الحقيقة تحت الشجرة، والمكان الذي بدأ دعوته منه، ومكان وفاته، ولا موسم للحج عندهم. 4 - نُقولٌ عن ديانات الفرس قال أبو الحسن الندوي في كتابه: "ماذا خسر العالم": (ولم تزل المحرمات النسبية التي تواضعت على حرمتها ومقتها طبائع أهل الأقاليم المعتدلة موضع خلاف ونقاش، حتى إن يزدجرد الثاني الذي حكم في أواسط القرن الخامس الميلادي تزوج بنته ثم قتلها، وإن بهرام جوبين الذي تملك في القرن السادس كان متزوجاً بأخته. يقول البروفسور "أرتهر كرستن سين" أستاذ الألسنة الشرقية في جامعة كوبنهاجن

_ (1) فاطر: 24.

بالدنمارك المتخصص في تاريخ إيران في كتابه (إيران في عهد الساسانيين): "إن المؤرخين المعاصرين للعهد الساساني مثل (جاتهياس) وغيره يصدقون بوجود عادة زواج الإيرانيين بالمحرمات، ويوجد في تاريخ العهد الساساني أمثلة لهذا الزواج، فقد تزوج بهرام جوبين وتزوج جشتسب قبل أن يتنصر بالمحرمات ولم يكن يعد هذا الزواج معصية عند الإيرانيين، بل كان عملاً صالحاً يتقربون به إلى الله، ولعل الرحالة الصيني (هوئن سوئنج) أشار إلى هذا الزواج بقوله: إن الإيرانيين يتزوجون من غير استثناء". ظهر "ماني" في القرن الثالث المسيحي، وكان ظهوره رد فعل عنيف غير طبعي ضد النزعة الشهوية السائدة في البلاد، ونتيجة منافسة النور والظلمة الوهمية، فدعا إلى حياة العزوبة لحسم مادة الفساد والشر من العالم، وأعلن أن امتزاج النور بالظلمة شر يجب الخلاص منه، فحرَّم النكاح استعجالاً للفناء وانتصاراً للنور على الظلمة بقطع النسل، وقتله بهرام سنة 276 م قائلاً: "إن هذا خرج داعياً إلى تخريب العالم، فالواجب أن يبدأ بتخريب نفسه قبل أن يتهيأ له شيء من مراده. ولكن تعاليمه لم تمت بموته بل عاشت إلى ما بعد الفتح الإسلامي. ثم ثارت روح الطبيعة الفارسية على تعاليم ماني المجحفة، وتقمصت دعوة مزدك الذي ولد 487 م، فأعلن أن الناس ولدوا سواء لا فرق بينهم، فينبغي أن يعيشوا سواء لا فرق بينهم، ولما كان المال والنساء مما حرصت النفوس على حفظه وحراسته كان ذلك عند مزدك أهم ما تجب فيه المساواة والاشتراك، قال الشهرستاني: "أحل النساء وأباح الأموال وجعل الناس شركة فيها كاشتراكهم في الماء والنار والكلأ". وحظيت هذه الدعوة بموافقة الشبان والأغنياء والمترفين وصادفت من قلوبهم هوى، وسعدت كذلك بحماية البلاط، فأخذ قباذ يناصرها ونشط في نشرها وتأييدها، حتى انغمست إيران بتأثيرها في الفوضى الخلقية وطغيان الشهوات، قال الطبري: "افترص السفلة ذلك واغتنموا وكاتفوا مزدك وأصحابه وشايعوهم، فابتلي الناس بهم، وقوي أمرهم حتى كانوا يدخلون على الرجل في داره فيغلبونه على منزله ونسائه وأمواله لا يستطيع الامتناع منهم، وحملوا قباذ على تزيين ذلك وتوعدوه بخلعه، فلم يلبثوا إلا قليلاً حتى صاروا لا يعرف الرجل ولده ولا المولود أباه، ولا يملك شيئاً مما يتسع به" إلى أن قال: "ولم يزل قباذ من خيار ملوكهم، حتى حمله مزدك على ما حمله عليه، فانتشرت الأطراف وفسدات الثغور) أ. هـ.

5 - نقول عن اليهودية

5 - نقولٌ عن اليهودية قال الدكتور شلبي في كتابه عن اليهودية: (تتميز أرواح اليهود عن باقي الأرواح بأنها جزء من الله، كما أن الابن جزء من أبيه [زعموا]. ويقول التلمود بالتناسخ، وهو فكر تسرب لبابل من الهند وأخذه حاخامات بابل من المجتمع البابلي). (ويُلْزِمُ التلمود بني إسرائيل أن يغشوا سواهم فقد جاء فيه: يلزم أن تكون طاهراً مع الطاهرين ودنساً مع الدنسين .... ويجيز التلمود استعمال النفاق مع غير اليهود، ولا يجيز أن يقدم اليهود صدقة لغير اليهود). (ليست لأرواح غير اليهود حرمة لدى اليهود، فقد جاء في التلمود: محرم على اليهودي أن ينجي أحداً من الأمميين من هلاك أو يخرجه من حفرة يقع فيها، بل إذا رأى أحد الأمميين يقع في حفرة لزمه أن يسدها بحجر، وقال "ميمانود": الشفقة ممنوعة بالنسبة لغير اليهودي، فإذا رأيته واقعاً في نهر أو مهدداً يخطر فيحرم عليك أيها اليهودي أن تنقذه؛ لأن السكان الذين كانوا في أرض كنعان وقضت التوراة بقتلهم جميعاً لم يقتلوا عن آخرهم، بل هرب بعضهم واختلط بباقي أمم الأرض، ولذلك يلزم قتل غير اليهودي لاحتمال أن يكون من هؤلاء الهاربين. وينص التلمود على أن من العدل أن يقتل اليهودي كل أممي لأنه بذلك يقرب قرباناً إلى الله). المرأة في التلمود: قال موسى: لا تشته امرأة قريبك، فمن يزنِ بامرأة قريبه يستحق الموت. ولا يعتبر التلمود القريب إلا اليهودي فقط، فإتيان زوجات الأجانب جائز، واستنتج من ذلك الحاخام (رشي) أن اليهودي لا يخطئ إذا تعدى على عرض الأجنبي، لأن كل عقدِ نكاحٍ عند الأجانب فاسد، لأن المرأة التي لم تكن من بني إسرائيل هي كبهيمة، والعقد لا يوجد

مع البهائم وما شاكلها، وقد أجمع على هذا الرأي الحاخامات (بشاي وليفي وجرسون) فلا يرتكب اليهودي محرماً إذ أتى امرأة مسيحية، وقال (ميمانود) إن لليهود الحق في اغتصاب النساء الغير مؤمنات أي الغير يهوديات) أ. هـ. ومن هذه النقول ندرك الفارق بين الإسلام وغيره، ونعرف نعمة الله عز وجل بإرساله محمداً صلى الله عليه وسلم بشيراً للعالمين ونذيراً ومعلماً ومربياً ومزكياً. ونعرف سراً من أسرار قوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} (1). * * *

_ (1) آل عمران: 85.

الفصل الثالث في: الإيمان بالقدر

الفصل الثالث في: الإيمان بالقدر وفيه: مقدمة ومسائل ونصوص وتلخيص

المقدمة

المقدمة ذكرنا الإيمان بالقدر، وهو الركن السادس من أركان الإيمان بعد الإيمان بالله لأنه في الحقيقة فرع الإيمان بالله وفرع معرفته، فمن عرف الله حق المعرفة وعرف صفاته من إرادة وقدرة وعلم آمن بالقدر ضرورةٌ، ولذلك قدمناه ههنا. والنصوص كثيرة وواضحة في إثبات القدر، لكن القرآن ذكر أركان الإيمان الخمسة مجتمعة مع بعضها، وذكر القدر منفرداً لأنه كما قلنا فرع الإيمان بالله، أما السنة ذكرت الأركان الستة مع بعضها كما ورد في حديث جبريل عليه السلام: "قال [أي جبريل]: فأخبرني عن الإيمان. قال [أي رسول الله صلى الله عليه وسلم]: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وأن تؤمن بالقدر خيره وشره من الله تعالى. قال [أي جبريل]: صدقت. قال [الراوي]: فعجبنا له يسأله ويصدقه". لقد ذكرت أركان خمسة من أركان الإيمان في القرآن بجانب بعضها، قال تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} (1). وجاء ذكر القدر في أكثر من مكان: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (2)، {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} (3)، {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} (4)، {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} (5). * * * إن عقيدة القضاء والقدر هي التحقيق لمعانٍ متعددة تشمل: معرفة الله والعبودية له والاستسلام والتسليم والتوكل، وهي تأكيد لعقيدة أهل السنة والجماعة بأن كل شيء بإرادة الله وعلمه وقدرته، وهي لا تنفي الاختيار ولا تعني الجبر. إن هناك مشيئة نافذة وقدراً تمضي عليه أمور هذا العالم، وهذا لابد منه؛ لأن هذا

_ (1) النساء: 136. (2) القمر: 49. (3) الحديد: 22، 23. (4) الرعد: 39. (5) الزخرف 4.

العالم مظهر لأسماء الله ومظهر للتعرف على الله. فاقتضت حكة الله أن يكون الجزء الاختياري الذي تقوم به الحجة على الخلق موجوداً ومحسوساً، ولكن بدلاً من أن يكون ذلك على طريقة القوة المودعة كما تقول المعتزلة كان ذلك بالإمداد المباشر، ومن سوء الفهم لهذه الحقيقة وقع الخلط والخبط، فالمعتزلة لم يتصوروا الاختيار إلا من خلال القوة المودعة، والجبرية رأوا واقع الحال أن كل شيء بعلم الله وإرادته وقدرته، فقالوا بالجبر المحض، وأهل السنة والجماعة رأوأن الاختيار أصل، فقدرة الله تعمل على وفق مشيئته، ومشيئته تعمل على وفق علمه، والعلم كاشف لا مجبر، ولكن أبى الله أن يكون معه فاعل يستقل بخلق شيء، ومن ههنا كان الإيمان بالقدر هو فرع الإيمان بالله، فمن عرف علم الله وإرادته وقدرته آمن بالقدر، فالله يعلم الأشياء كلها أزلاً وخصص أزلاً ما أراد وجوده منها بالوجود، وأبرزت قدرته ما أراد، وسجل ذلك كله في اللوح المحفوظ وذلك هو القدر. فالقضاء والقدر يتضمنان الإيمان بعلم الله وإرادته وقدرته، كما يتضمنان الإيمان باللوح المحفوظ لأن الله أخبرنا عن ذلك: فالقدر: هو علم الله تعالى بالأزل بما تكون عليه المخلوقات كلها في المستقبل. والقضاء: هو إيجاد الله الأشياء حسب علمه الأزلي وإرادته. وبعضهم عكس التعريف. هذا وقد تطلق كلمة القدر على النظام المحكم الذي أقام الله عليه أمر الوجود وذلك داخل في القدر بمعناه الأشمل: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (1)، على أحد وجهين في التفسير: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} (2)، {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} (3). إن الناس بالنسبة للخلق والخالق أقسام: 1 - الماديون الذين يؤمنون بالمادة ويلحدون بالله عز وجل. 2 - القائلون بقدم المادة مع الإيمان بالله عز وجل

_ (1) القمر: 49. (2) الحجر: 21. (3) الرعد: 8.

3 - القائلون بالخلق مع الإيمان بعدم التدخل وإنما هي أسباب وقوانين ولا دخل للإرادة الإلهية أو القدرة الإلهية. وهذه الفرق الثلاثة كافرة بإجماع أهل السنة والجاعة. 4 - القائلون بالخلق مع الإيمان بالقوة المودعة والتدخل الجزئي. وقد اختلف أهل السنة والجاعة في هؤلاء فمن مُكفِّرٍ ومن مُضَلِّل. 5 - القائلون بالخلق واحتياج هذا الخلق إلى إمداد مستمر، وأن كل شيء ابتداء إنما كان بعلم الله وإرادته وقدرته، وأن الإمداد الإلهي مستمر، فكل شيء بعلم الله وإرادته وقدرته بدءاً واستمراراً. هؤلاء القائلون بمسألة خلق العبد وأفعاله وكل شيء ابتداءً وانتهاءً واستمراراً هم أهل السنة والجماعة. ولهذه العقيدة تشهد النصوص. وبعض العلماء الذين لم يتلقوا عقائد أهل السنة والجماعة يغلطون في هذا الأمر ويغلِّطون، وهم على مذهب المعتزلة ولا يشعرون، وما ذلك إلا لغلبة الحس عليهم؛ لأن المسألة تدور بين صور: 1 - علم الله أزلاً فأراد فأبرز بقدرته. 2 - أو علم الله ولم ايراد وحدث شيء غصباً عنه 3 - أو علم ولم يرد وأعطى الخلق قدرة. 4 - أو علم ولم يرد وأبرز بقدرته. 5 - أو علم ولم يرد ولم يبرز بقدرته. الصورة الأولى هي التي تتفق وجلال الربوبية، والإيمان بها هو الذي يتحقق معه التكليف بالعبودية، وتنسجم مع فكرتيْ التوكل والدعاء، وهي مظهر كل الله الأرق والأعلى، وذلك يتفق مع قوله تعالى: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} (1)، والصورة الأولى هي التي تحقق الإيمان بالقدر.

_ (1) الأنبياء: 23.

المسائل

المسائل أولاً: يجب على العبد أن يصدق بالقدر، وأن يستسلم لله عز وجل فيما قدره له. ثانياً: أن التسليم فيما يقع يجب أن يرافقه شكر على الطاعة وتوبة عن المعصية. ثالثاً: أن يعتقد المسلم أنه مختار فيما يستقبل من الزمن في الأمور التكليفية، ويتصرف على أنه مختار. رابعاً: أن يسلم لله حكمه في شأن القدر وألا تدخل عليه الوسوسة في كيفية الجمع بين الاختيار والكسب وبين أن كل شيء بإرادة الله وقدرته، فالله علم ما كان وما يكون فأراده فأبرزه بقدرته وههنا حد لا يسأل عنه: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)} (1). خامساً: هناك فارق بين المشيئة الإلهية من جهة وبين الأمر والرضا من جهة أخرى، فكل شيء كان ويكون بإرادته ولكن ليس كل شيء كان ويكون بأمره التشريعي أو رضاه، فكفر الكافر ومعصية العاصي ليست بأمره التشريعي ولا برضاه لكنها بإرادته: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} (2)، {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} (3). سادساً: لا يصح احتجاج الكافر والضال والفاسق بالمشيئة على الكفر والمعصية والضلال. سابعاً: الخوض بالقدر من علامة اضطراب القلب وعدم طمأنينته، ولذلك فقد كُرِه البحث في القدر؛ لأن الكلام غير الدقيق فيه قد يؤدي إلى التشويش. ثامناً: نفت بعض الفرق الإسلامية القدر خشية أن تنسب إلى الله الظلم في فهمها فوقعت في ظلم أشد لأنها نفت عن الله عز وجل شمول الإرادة وشمول القدرة وشمول العلم. والخلاصة: إن الإيمان بالقدر هو المظهر الأعلى لمعرفة الله ولعرفة صفاته وأفعاله. وهو الذي

_ (1) الأنبياء: 23. (2) الأعراف: 28. (3) فاطر: 8.

يناسب مقام الإنسان في العبودية. وهو الذي يتفق وافتقار الإنسان. وهو الذي يسبغ على الإنسان رضاً وسعادة. وهو الذي يعطي الإنسان شجاعة وإقداماً. والإيمان بالقدر هو مفتاح التوكل على الله. وهذه وغيرها إيجابيات عقيدة القدر. فنحن مكلفون بآن واحد بأشياء: نحن مكلفون بالإيمان بالقدر، ومكلفون في الوقت نفسه بالتوكل، ومكلفون بالعمل والأخذ بالأسباب. فالمعرفة والإيمان والتسليم والعمل هي آداب المسلم في هذا المقام: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} (1). * * * لقد اختلف أهل السنة والجماعة مع المعتزلة في مسائل: منها خلق أفعال العباد، ومنها شمول تعلق صفتي الإرادة والقدرة بكل ما يجري في هذا العالم. قال المعتزلة بأن العبد يخلق أفعال نفسه، وقالوا بالقوة المودعة؛ فالله عز وجل جعل الأسباب تعمل على وفق ما أودعها فيه دون أن تكون لإرادته وقدرته تدخل مباشر في يجري، وهذا وهذا من عقائد المعتزلة يتنافى مع النصوص، فالله عز وجل قال: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} (2)، {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} (3)، {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} (4)، {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} (5)، {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} (6)، {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ} (7). ومن أذكار الإسلام: "لا حول ولا قوة إلا بالله". ومن أسماء الله: القيوم، وذلك يقتضي أن كل شيء لا يقوم إلا به، ومن أسماء الله: الصمد، وهذا يقتضي أن الخلق دائمو الاحتياج إلى الله، ومن أسمائه: المعز والمذل والقابض والباسط والقدم والمؤخر والمحي والمميت، وذلك يدل على أن كلِّ ما يجري فعله قد خلقه الله جل جلاله، قال تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} (8)، وهذا

_ (1) الكهف: 29. (2) الزمر: 62. (3) التوبة: 14. (4) الأنفال: 17. (5) الشعراء: 80. (6) الواقعة: 63، 64. (7) الأعراف: 155. (8) الرحمن: 29.

يتنافى مع القول يخلق الإنسان أفعال نفسه ومع القول بالقوة المودعة، لأن القول بهاتين الفكرتين يؤدي إلى القول بأن الله عز وجل خلق الأسباب والمسببات وتركها تجري بما أودعه فيها دون أن يكون له تدخل مباشر فيما يجري، وأين هذا من فكرة الدعاء وفكرة التوكل؟ وأين هذا من النصوص وما أكثرها؟ لو أنك تأملت فاتحة الكتاب وحدها لرأيت فيها أكثر من دليل على مذهب أهل السنة والجماعة، فقوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (1) يفيد أن كل أنواع الحمد لله لأنه هو الفاعل على الحقيقة فهو المستحق للحمد، وأي حمد إنما ينبغي أن يكون له، فإذا حمدت إنساناً على شيء فإن هذا الشيء بالله ومن الله، فالله هو المستحق للحمد وحده، وهذا يشهد لعقيدة أهل السنة والجماعة، وقوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (2) فيه دليل لأهل السنة والجماعة، فكيف نستعين به على العبادة إذا لم يكن له تدخل فيما يجري، وقوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (3) دليل لأهل السنة والجماعة فيما ذهبوا إليه، فلو لم تكن الهداية بيده فكيف تطلبها منه في اليوم كذا مرة، إن نصوص الكتاب والسنة تشهدان لما ذهب إليه أهل السنة والجماعة: أن كل شيء مفتقر إلى الله وأن كل ما يجري بإمداد الله وبفعله. ولكون القول بأن الإنسان يخلق أفعال نفسه، ولكون القول بالقوة المودعة يخدش الإيمان بالقدر فقد تأتى أهل السنة والجماعة المعتزلة "بالقدرية" أي نفاة القدر واعتبروهم امتداداً لنفاة القدر بالكامل. فالإيمان بالقدر يدخل فيه الإيمان بأن الله عز وجل علم أزلاً فأراد أزلاً فأبرز بقدرته وسجل ذلك في اللوح المحفوظ، وما يجري الآن وما سيجري كل ذلك أثر علمه وإرادته وقدرته وعلى مقتضى ما سجله في اللوح المحفوظ. وإذ كان موضوع القدر تتفرع عنه مسائل كثيرة، وينبثق عن أصول كبيرة، والدخول في تفصيلاته يدخلنا في هذه المسائل والأصول، وليس كل إنسان مؤهلاً للخوض في ذلك والوصول إلى شاطئ السلامة في هذا الشأن؛ فقد كُرِه الخوض في القَدَر إلا بالقدر الذي

_ (1) الفاتحة: 2. (2) الفاتحة: 5. (3) الفاتحة: 6.

يقرره وينفي الشبهة عنه، لقد سئل الإمام أحمد عن القدر فقال: "القدر قدرة الرحمن". وقال الطحاوي: "وكل شيء يجري بتقديره ومشيئته، ومشيئته تنفذ لا مشيئة العباد إلا ما شاء الله، فما شاء لهم كان، وما لم يشأ لم يكن، لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه ولا غالب لأمره". تأمل قول هذين العالمين، وتأمل قوله عليه الصلاة والسلام وقد سئل: 614 - * روى الترمذي عن أبي خُزامة عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله أرأيت رُقاةٌ نسترقي بها، ودواءٌ تتداوى به، وتقاةٌ نتقيها، هل ترد من قدرِ الله شيئاً؟ قال: "هو من قدر الله". وتأمل قوله عليه السلام لمن سأله: أيترك ناقته بلا عقل ويتوكل؟ فقال: "اعقلها وتوكل". لتعلم أن القدر ترتبط فيه مسائل كثيرة، فهو مجمع أسرار العقيدة الإسلامية في باب الألوهية، ولذلك كان الإيمان بالقدر والقيام بالتكليف مع الأخذ بالأسباب هي من علامات التوفيق الرباني. وهذه نصوص في القدر:

_ 614 - الترمذي (4/ 399) 39 - كتاب الطب 21 - باب ما جاء في الرقى والأدوية. وقال: هذا حديث حسن صحيح. وهو كما قال. (تقاةٌ): التقاة: ما يُتقى ويُحذر.

النصوص

النصوص 615 - * روى أحمد عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خلق الله عز وجل آدم حين خَلَقَه فَضَرب كَتِفَه اليمنى فأخرج ذُرِّيَّةً بيضاً كأنهم الذرُّ، وضرب كتف اليسرى فأخرج ذُرِّيَّةً سوداً كأنهم الحُمَمُ، فقال للذي في يمينه: إلى الجنة ولا أبالي. وقال للذي في كفه اليسرى: إلى النار ولا أبالي". 616 - * روى أحمد عن عبد الرحمن بن قتادة السُّلَمي أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله عز وجل خلق آدم ثم أخذ الخلق من ظهره فقال هؤلاء في الجنة ولا أبالي وهؤلاء في النار ولا أبالي" فقال قائل: يا رسول الله فعلام ذا نعمل؟ قال: "على مواقع القدر". 617 - * روى البزار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في القبضتين: "هؤلاء لهذه وهؤلاء لهذه". قال: فتفرق الناس وهم لا يختلفون في القدر. 618 - (4) روي الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله خَلَقَ خلقه في ظُلمةٍ، فألقى عليهم من نُوره، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى، ومن أخطأه ضلَّ، فلذلك أقول: جفَّ القلمٌ على عِلم الله".

_ 615 - أحمد (6/ 441). وكشف الأستار (3/ 21). مجمع الزوائد (7/ 185). وقال: رواه أحمد والبزار والطبراني ورجاله رجال الصحيح. (الحُمم): الفحم. 616 - أحمد (4/ 186). والحاكم (1/ 31). وقال: هذا حديث صحيح. وهو صحيح. 617 - كشف الأستار (3/ 20). والروض الداني (1/ 325). قال الهيثمي (7/ 186): رواه البزار والطبراني في الصغير ورجال البزار رجال الصحيح. 618 - الترمذي (5/ 26) 41 - كتاب الإيمان 18 - باب ما جاء في افتراق هذه الأمة. وقال: هذا حديث حسن. وأحمد (2/ 176). =

619 - * روى البخاري وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: حاجَّ آدم موسى، فقال [موسى]: أنت الذي أخرجت الناس من الجنة بذنبك وأشقيتهم"؟ قال: "فقال آدم لموسى: أنت الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه أتلومني على أمرٍ كتبه الله عليَّ قَبْل أن يخلقني؟ أو قدَّره عليَّ قبل أن يخلقني؟ " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فحجَّ آدم موسى". وفي رواية (1) قال: "احتج آدم وموسى، فقال موسى: يا آدم، أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة. فقال له آدم: أنت موسى اصطفاك الله بكلامه، وخط لك بيده، أتلومني على أمرٍ قدره الله عليَّ قبل أن يخلقني بأربعين عاماً؟ " قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فحجَّ آدمُ موسي، [فحجَّ آدم موسي] ". وفي أخرى (2) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احتجَّ آدمٍ وموسى، فقال له موسى: أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة؟ ". وفي رواية (3): "أخرجتنا وذريتك من الجنة، قال: أنت موسى؟ أليس الله اصطفاك برسالاته وبكلامه، ثم تلومني على أمر قد قُدِّر عليَّ قبل أن أُخلق؟ ". وفي أخرى (4) قال النبي صلى الله عليه وسلم: "التقى آدم وموسى، قال موسى: أنت الذي أشقيت الناس، وأخرجتهم من الجنة؟ قال آدم: أنت الذي اصطفاك الله برسالاته واصطنعك لنفسه، وأنزل عليك التوراة؟ قال: نعم، قال: فوجدتها، كتب عليَّ قبل أن يخلقني؟ قال: نعم، فحجَّ أدم موسى".

_ = والإحسان بترتيب ابن حبان (8/ 16) كتاب التاريخ- باب بدء الخلق، والحديث إسناده حسن. 619 - البخاري (8/ 434) 65 - كتاب التفسير، 3 - باب: {فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى}. مسلم (4/ 2042 - 2044) 46 - كتاب القدر، 2 - باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام. (1) مسلم: الموضع السابق. (2) البخاري (6/ 441) 60 - كتاب أحاديث الأنبياء، 31 - باب وفاة موسى. (3) البخاري (13/ 477) 17 - كتاب التوحيد، 37 - باب ما جاء في قوله عز وجل: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}. (4) البخاري (8/ 434) 65 - كتاب التفسير، 1 - باب: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي}.

ولمسلم (1): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تحاجَّ آدم وموسي، فقال له موسي: أنت آدمُ الذي أغويت الناس، وأخرجتهم من الجنة؟ فقال آدم: أنت الذي أعطاه الله علم كل شيء، واصطفاه برسالاته؟ قال: نعم. قال: فتلومني على أمر قُدِّر عليَّ قبل أن أخلق؟ ". وفي أخرى (2) له قال: "احتجَّ آدم وموسي عند ربهما، فحجَّ آدم موسي؛ قال موسى: أنت آدم الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد ملائكته وأسكنك في جثته، ثم أهبطت الناس بخطيئتك إلى الأرض؟ قال آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه، وأعطاك الألواح فيها تبيانُ كل شيء، وقربك نجيًّا؟ فبكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أُخلق؟ قال موسي: بأربعين عاماً. قال آدم: فهل وجدت فيها: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} (3)؟ قال: نعم. قال: أفتلومني على أن عملتُ عملاً كتبه الله عليَّ أن أعمله قبل أن يخلُقني بأربعين سنة؟ " قال رسول الله: "فحج آدم موسى عليهما السلام". وفي رواية الترمذي (4) قال: "احتجَّ آدمُ وموسي، فقال موسي: يا آدم، أنت الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأغويت الناس وأخرجتهم من الجنة؟ فقال آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله بكلامه أتلومني على عمل عملته

_ (1) مسلم: الموضع السابق. (2) مسلم: الموضع السابق. (3) طه: 121. (4) الترمذي (4/ 444) 33 - كتاب القدر، 2 - باب ما جاء في حجاج آدم وموسى عليهما السلام. (المحاجة): المجادلة والمخاصمة، حاججت فلاناً فحججته، أي: جادلتُه فغلبته. (نجياً) النجي: المناجي، وهو المشاور والمحادث، وقوله: "اصطنعك لنفسه" تمثيل لما أعطاه الله من منزلة التقريب والتكريم، مثَّل حاله بحال من يراه بعض الملوك- بجوامع خصال فيه وخصائص- أهلاً لئلا يكون أحدٌ أقرب منزلةً منه إليه، ولا ألطف محلاً، فيوليه من الكرامة ويستخلصه لنفسه، والاصطناع: افتعال من الصنيعة، وهي العطية والكرامة والإحسان. (الإغواء): الإضلال، غوى الرجل يغوي وأغوى غيره. (تبيان): التبيان: الإيضاح، وكشفُ الشيء ليظهر ويتبين.

كتبه الله عليَّ قبل أن يخلق السموات والأرض؟ " قال: "فحج آدم موسى". 620 - * روى أبو داود عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن موسى عليه السلام قال: يارب، أرنا آدم الذي أخرجنا وتفسة من الجنة. فأراه الله آدم، فقال له: أنت أبونا آدم؟ فقال له آدم: نعم، قال: أنت الذي نفخ الله فيك من روحه، وعلمك الأسماء، وأمر الملائكة فسجدوا لك؟ قال: فما حملك على أن أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ قال له آدم: ومَنْ أنت؟ قال: أنا موسى. قال: أنت الذي"- وذكر نحو حديث أبي هريرة وأتم منه- قال فيه: "أنت نبي بني إسرائيل الذي كلمك الله من وراء الحجاب، ولم يجعل بينك وبينه رسولاً من خلقه؟ قال: نعم. قال: فما وجدت أن ذلك كان في كتاب الله قبل أن أخلق؟ قال: نعم. قال: فِلمَ تلومني في شيء سبق من الله فيه القضاء قبلي؟ " قال رسول الله عند ذلك: "فحج آدم موسى". أقول: الملاحظ أن آدم عليه السلام عندما وقع في الذنب تاب واستغفر ولم يحتج على الله بالقدر، وذلك منه قيام بحق التكليف فقال: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (1)، ولكن عندما انتقل من دائرة التكليف بوفاته وانتقاله احتج بقدره على موسى عليه السلام، ومن ههنا نعرف أدب المسلم أنه في هذه الدار يؤمن بالقدر ويقوم بالتكليف، وإذا واقع المعصية تاب إلى الله وأناب، وفي كل الأحوال في الدنيا والآخرة لا يفعل ما يفعله المشركون بأن يحتجوا على صحة ما هم فيه من الكفر والشرك والمعاصي بمشيئة الله فذلك فعل الكافرين: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (2). 621 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن

_ 620 - أبو داود (4/ 226) كتاب السنة- باب في القدر. وإسناده حسن. (1) الأعراف: 23. (2) النحل: 35. 621 - الترمذي (4/ 443) 33 - كتاب القدر 1 - باب ما جاء في التشديد في الخوض في القدر. =

تتنازع في القدر، فغضب، حتى كأنما فُقئ في وجهه حب الرمان حمرةً من الغضب، فقال: "أبهذا أمرتم؟ أم بهذا أرسلت إليكم؟ إنما اهلك من كان قبلك كثرة التنازع في أمر دينهم، واختلافهم على أنبيائهم". وفي رواية (1): "إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في الأمر، عزمت عليكم، عزمتُ عليكم: أن لا تنازغوا فيه". 622 - * روى الترمذي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن عبدٌ، حتى يؤمن بالقدر خيره وشره من الله، وحتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه". 623 - * روى الطبراني عن عمروبن العاصي قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقف عليهم فقال: "إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم أنبياءهم واختلافهم عليهم ولن يؤمن أحدٌ حق يؤمن بالقدر خيره وشره". (القدر والقضاء) قال الخطابي رحمه الله: قد يحسبُ كثيرٌ من الناس أن معنى القدر من الله والقضاء: معنى الإجبار والقهر للعبد على ما قضاه وما قدره، وليس كذلك. وإنما معناه: الإخبار عن تقدُّم علم الله بما يكون من أفعال العباد واكتسابهم، وصدورها عن تقدير منه، وخلقٍ لها خيرها وشرِّها. والقدر: اسم لما صدر مُقدراً عن فعل القادر، كالهدم، والنشر، والقبض؛ أسماء لما صدر من فعل الهادم، والناشر، والقابض، يقال: قدرت الشيء، وقدَّرته- خفيفة وثقيلة- بمعنى واحد. والقضاء في هذا معناه الخلق، كقوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} (2)، أي: خلقهن. وإذا كان

_ = وقال: هذا حديث غريب. وهو حسن بشواهده. (فقئ): فُقص وبُخص، ومنه: فقأت عينه، أي: بخصتها. (عزمت): عزمتُ عليكم، بمعنى: أقسمت عليكم. (1) الترمذي: الموضع السابق. 622 - الترمذي (4/ 451) 33 - كتاب القدر، 10 - باب ما جاء في الإيمان بالقدر خيره وشره. وقال: هذا حديث غريب. وهو حديث حسن. 623 - الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 199). وقال: رواه الطبراني وأبو يعلى ورجاله ثقات. (2) فصلت: 12.

الأمر كذلك، فقد بقي عليهم من وراء علم الله فيهم: أفعالهم واكتسابهم، ومباشرتهم تلك الأمور، وملابستهم إياها عن قصد وتعمدٍ، وتقدم إرادة واختيار. فالحجة إنما تلزمهم بها، واللائمة تلحقهم عليها. وجماع القول في هذا: أنهما أمران لا ينفك أحدهما عن الآخر؛ لأن أحدهما بمنزلة الأساس، والأخر: بمنزلة البناء، فمن رام الفصل بينهما، فقد رام هدم البناء ونقضه. 624 - * روى أحمد عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لكل شيءٍ حقيقةٌ، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه". 625 - * روى أبو داود عن ابن الديلمي رحمه الله، قال: أتيت أُبي بن كعبٍ، فقلت له: قد وقع في نفسي شيء من القدر، فحدثني، لعل الله أن يذهبه من قلبي. فقال: لو أن الله عذب أقل سماواته وأهل أرضه عذبهم وهو غير ظالمٍ لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم، ولو أنفقت مثل أُحدٍ ذهباً في سبيل الله ما قَبِلَه الله منك حتى تؤمن بالقدر، وعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطاك لم يكن ليصيبك، ولو مُت على غير هذا لدخلت النار. قال: ثم أتيتُ عبد الله بن مسعود، فقال مثل ذلك. قال: ثم أتيت خذيفة بن اليان، فقال مثل ذلك، ثم أتيت زيد بن ثابت، فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك. 626 - * روى الترمذي عن نافع- مولى ابن عمر- أن رجلاً جاء ابن عمر، فقال: إن فلاناً يقرأ عليك السلام. فقال ابن عمر: إنه بلغني أنه قد أحدث التكذيب بالقدر، فإن

_ 624 - أحمد (6/ 441). الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 117). وقال: رواه أحمد والطبراني ورجاله ثقات. 625 - أبو داود (4/ 235) كتاب السنة- باب في القدر. وابن ماجه (1/ 29) المقدمة 10 - باب في القدر. وإسناده حسن. 626 - الترمذي (4/ 456) 33 - كتاب القدر، 16 - باب حدثنا محمد بن بشار. وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. ورواه أحمد (2/ 136). والحاكم (1/ 84). وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.

كان قد أحدث فلا تُقرئه مني السلام، فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يكون في هذه الأمة، أو في أمتي"- الشك منه- "خسفٌ ومسخٌ، وذلك في المكذبين بالقدرة". وفي رواية أبي داود (1) قال: كان لابن عمر صديقٌ من أهل الشام يُكاتُبِهُ، فكتب إليه عبد الله بن عمر: إنه بلغني أنك تكلفت في شيء من القدر، فإياك أن تكتب إليَّ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سيكون في أمتي أقوامٌ يكذبون بالقدر". وفي رواية الترمذي (2) نحو الأولى، وفيها قال: بلغني أنه قد أحدث فإن كان قد أحدث ... وذكر الحديث، وقال في آخره: "خسفٌ ومسخٌ، أو قذف في أهل القدر". 627 - * روى مسلم عن اي هريرة قال: جاء مشركو قريش يخاصمون النبي صلى الله عليه وسلم في القدر فنزلت هذه الآية: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (3). 628 - * روى الطبراني عن سعيد بن جبير قال: كنت في خلقةٍ فيها ابن عباس فذكرنا القدر فَغَضِب ابن عباس غضباً شديداً وقال: لو أعلم أن في القوم أحداً لأخذته، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما بعث الله نبياً قط ثم قبضه إلا جعل

_ (1) أبو داود (4/ 204) كتاب السنة- باب لزوم السنة. (2) الترمذي: الموضع السابق. 627 - مسلم (4/ 2046) 46 - كتاب القدر، 4 - باب كل شيء بقدر. وأحمد (2/ 444). والترمذي (4/ 459) 33 - كتاب القدر. 19 - باب أبو كريب محمد بن العلاء. وقال: هذا حديث صحيح. وابن ماجه (1/ 32) المقدمة 10 - باب في القدر. (3) القمر: 48، 49. 628 - المعجم الكبير (12/ 73). وكشف الأستار (3/ 37). وزاد: "وهم القدرية". مجمع الزوائد (7/ 205). وقال: رواه الطبراني بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح غير صدقة بن سابق وهو ثقة، ورواه البزار وزاد: "هم القدرية".

بعده فترةً وملأ من تلك الفترة جهنم". 629 - * روى الطبراني عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال أمر هذه الأمة مواتياً أو مقارباً، - أو كلمة تشبهها- "ما لم يتكلموا في الولدان والقدر". 630 - * روى البزار عن أبي هريرة آن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أُخِّرَ الكلامُ في القدر لشرار هذه الأمة". 631 - * روى أحمد عن ابن عون قال: أنا رأيت غيلان يعنى القدري مصلوباً على باب دمشق. (أي الذي قال بنفي القدر). 632 - * روى أحمد عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عَجبتُ من قضاء الله سبحانه للمؤمن؛ إن أصابه خير حَمِدَ ربه وشكر، وإن أصابته مصيبةٌ حمد ربه وصبر. المؤمن يؤجر في كل شيء". 633 - * روى أحمد عن أبي العلاء بن الشِّخِّير قال: حدثني أحدُ بني سليم- ولا أحسبه إلا قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم- أن الله عز وجل يبتلي عبده بما أعطاه، فمن رضي بما قسم الله له بارك الله فيه ووسعه، ومن لم يرض لم يبارك له.

_ 629 - المعجم الكبير (12/ 162). وكشف الأستار (3/ 36). مجمع الزوائد (7/ 202). وقال: رواه البزار والطبراني في الكبير والأوسط ورجال البزار رجال الصحيح. 630 - كشف الأستار (3/ 35). مجمع الزوائد (7/ 202). وقال: رواه البزار والطبراني في الأوسط وزاد: "لشرار أمتي في آخر الزمان". ورجال البزار في أحد الإسنادين رجال الصحيح غير عمر بن أبي خليفة وهو ثقة. 631 - مجمع الزوائد (7/ 207). وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات. 632 - مسند أحمد (1/ 173). وروى مسلم نحوه عن صهيب (4/ 2295) 53 - كتاب الزهد والرقائق 13 - باب المؤمن أمره كله خير. 633 - مسند أحمد (5/ 24). مجمع الزوائد (10/ 257). وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

634 - * روى أحمد عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن عبدٌ حتى يؤمن بأربعٍ: بالله وحده لا شريك له، وأني رسول الله، وبالبعث بعد المؤتِ، والقدر". 635 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: جاء سراقة بن مالك بن جُعشمٍ، فقال: يا رسول الله، بيَّن لنا ديننا كأنا خلقنا الآن، فيم العملُ اليوم، فيما جفت به الأقلام وجرت به المقاديرُ، أم فيما نستقبلُ؟ قال: "لا، بل فيما جفَّت به الأقلام، وجرت به المقادير". قال: ففيم العملُ؟ قال: "اعملوا، فكلٌّ ميسر لما خُلق له، وكلٌّ عاملٌ بعمله". 636 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال عمر: يا رسول الله أرأيت ما نعمل فيه، أمرٌ مبتدعٌ- أو مبتدأ- أو فيما قد فُرغ منه؟ فقال: "فيما قد فُرغ منه يا ابن الخطاب، وكل ميسرٌ، أما من كان من أهل السعادة، فإنه يعمل للسعادة، وأما من كان من أهل الشقاء فإنه يعمل للشقاء". وفى رواية (1)، قال: لما نزلت: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ}. [هود: 105] سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا نبي الله، فعلام نعمل، على شيء قد فُرغ منه، أو على شيء لم يُفرغ منه؟ قال: "بل على شيء قد فُرغ منه وجرت به الأقلام يا عمر، ولكن كل مُيسرٌ لا خُلِق له". 637 - * روى أبو يعلى عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أراد الله أن

_ 634 - مسند أحمد (1/ 97). والترمذي (4/ 452) 33 - كتاب القدر 10 - باب ما جاء في الإيمان بالقدر خيره وشره. وابن ماجه (1/ 32) المقدمة 10 - باب في القدر. والمستدرك (1/ 33). وقال: صحيح على شرط الشيخين. 635 - مسلم (4/ 2040) 46 - كتاب القدر 1 - باب كيفية الخلق الآدمي ... إلخ. 636 - الترمذي (4/ 445) 33 - كتاب القدر 3 - باب ما جاء في الشقاء والسعادة. وقال: حسن صحيح. (1) الترمذي (5/ 289) 48 - كتاب التفسير 12 - باب ومن سورة هود. وقال: حسن غريب. وهو حديث صحيح. 637 - كشف الأستار (3/ 23). =

يخلق نسمةً قال ملكُ الأرحام مُعرضاً: أي رب أذكر أم أنثى؟ فيقضي الله، فيقول: أي رب أشقيٌّ أم سعيد فيقضي الله أمره. ثم يكتب بين عينيه ما هو لاقٍ حتى النكبة ينكبها". 638 - * روى البزار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من سَعِدَ في بطنها". 639 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلق الله جل ذكره يحيى بن زكريا في بطن أمه مؤمناً وخلق فرعون في بطن أمه كافراً". 640 - * روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "وكَّل الله بالرحم ملكاً، فيقول: أي ربِّ نطفةٌ؟ أي ربِّ علقةٌ؟ أي ربِّ مُضغةٌ؟ فإذا أراد أن يقضي خلقها قال: يا ربِّ، أذكرٌ أم أنثى؟ أشقيٌ، أم سعيد؟ فما الرزق؟ فما الأجل؟ فيُكتب ذلك في بطن أمه". 641 - * روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: "إن خلق أحدكم يُجمعُ في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقةٌ مثل ذلك، ثم يكون مُضغةً مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه ملكاً

_ = مجمع الزوائد (7/ 193). وقال: رواه أبو يعلى والبزار ورجال أبي يعلى رجال الصحيح. 638 - كشف الأستار (3/ 23). مجمع الزوائد (7/ 193) وقال: رواه البزار والطبراني في الصغير ورجال البزار رجال الصحيح. 639 - المعجم الكبير (10/ 276). مجمع الزوائد (7/ 193). وقال: رواه الطبراني وإسناده جيد. 640 - البخاري (11/ 477) 82 - كتاب القدر، 1 - باب حدثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك. مسلم (4/ 2038) 46 - كتاب القدر 10 - باب كيفية الخلق الآدمي. 641 - البخاري (11/ 477) الكتاب والباب السابقان. مسلم (4/ 2036) الكتاب والباب السابقان. وأبو داود (4/ 228) كتاب السنة باب في القدر. والترمذي (4/ 446) 33 - كتاب القدر، 4 - باب ما جاء أن الأعمال بالخواتيم. وقال: حسن صحيح.

بأربع كلمات: بِكَتْب رزقهِ وأجله وعمله، وشقيٌ أو سعيد، ثم ينفخُ فيه الروح، فوالذي لا إله غيره، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكونُ بينه وبينها إلا ذراعٌ، فيسبقُ عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخُلُها، وإن أحدكم ليعملُ بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعٌ، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها". 642 - * روى مسلم عن سهل بن سفاد الساعدي؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة، فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار. وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار، فيما يبدو للناس، وهو من أهل الجنة". أقول: قوله صلى الله عليه وسلم: "فيما يبدو للناس"، في هذه الرواية يقيد الروايات السابقة، فمع إيماننا بأن مشيئة الله مطلقة فإننا نؤمن بأن رحمة الله عز وجل سبقت غضبه، وأن من سنة الله أن من تقرب إليه شبراً تقرب إليه ذراعاً، وحسن الظن بالله يقتضي أن نؤمن أن من أقبل على الله بصدق بعمل أهل الجنة واعتقادهم فإن الله عز وجل يزيد من بركاته ويختم له بالخير، وإنا نتصور المسألة بأن يوجد إنسان يعمل في الظاهر بعمل أهل الجنة، وعنده عقائد فاسدة أو رياء أو أمراض قلبية، أو يفعل ذنوباً خفية، فهو في الظاهر يعمل بعمل أهل الجنة وبالباطن يعمل بعمل أهل النار، فمثل هذا عاقبته سيئة إلا إذا تجاوز الله عنه فيما سوى الشرك الأكبر. 643 - * روى مسلم عن عامر بن وائلة رحمه الله أنه سمع عبد الله بن مسعود يقول: الشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد من وُعِظَ بغيره. فأتى رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له: حذيفة بن أسيد الغفاري، فحدثه بذلك من قول ابن مسعود فقال له: وكيف يشقى رجل بغير عمل؟ فقال له الرجل: أتعجب من ذلك؟ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا مرَّ بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة، بعث الله إليها ملكاً

_ 642 - مسلم (4/ 2043) 46 - كتاب القدر، 1 - باب كيفية الخلق الآدمي ... إلخ. 643 - مسلم (4/ 2037) الكتاب والباب السابقان.

فصورها، وخلق سمعها، وبصرها، وجلدها، ولحمها، وعظامها، ثم قال: يا رب، أذكرٌ، أم أنثى؟ فيقضي رئك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يقول: يارب، أجله؟ فيقول ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يقول: يا رب رزقه؟ فيقضي ربك ما شاء، ويكتب الملك، ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده، فلا يزيد على [ما] أمر ولا ينقصُ". وفي رواية (1) قال: دخلت على أبي سريحة، حُذيفة بن أسيد الغفاري فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذني هاتين يقول: "إن النطفة تقع في الرجم أربعين ليلةً، ثم يتصور عليها الملك"- قال زهير أبو خيثمة: حسبته قال: " الذي يخلقها- فيقول: يا رب، أذكر، أو أنثي؟ فيجعله الله ذكراً أو أنثى، ثم يقول: يا رب، أسويٌ، أو غير سويٌ؟ ثم يقول: [يا ربِّ] ما رزقه، ما أجله، ما خلقه؟ ثم يجعله الله شقياً أو سعيداً". وفي أخرى (2) رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم: أن ملكاً موكلاً بالرحم، إذا أراد الله عز وجل أن يخلق شيئاً، بإذن الله لبضعٍ وأربعين ليلة ... " ثم ذكر نحوه. قال النووي حول هذه الأحاديث: (يرسل الملك) ظاهره أن إرساله يكون بعد مائة وعشرين يوماً، وفي الرواية التي بعد هذه: يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأربعين أو خمسة وأربعين ليلة فيقول يا رب أشقي أم سعيد؟ وفي الرواية الثالثة: إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكاً فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها. وفي رواية حذيفة بن أسيد: إن النطفة تقع في الرحم أربعين ليلة ثم يتسور عليها الملك. وفي رواية: أن ملكاً موكلاً بالرحم إذا أراد الله أن يخلق شيئاً بإذن الله لبضع وأربعين ليلة، وذكر الحديث. وفي رواية أنس: أن الله قد وكل بالرحم ملكاً فيقول أي رب نطفة أي رب علقة أي رب مضغة. قال العلماء: طريق الجمع بين هذه الروايات أن للملك ملازمة ومراعاة لحال النطفة، وأنه يقول: (يا رب هذه علقة هذه مضغة) في

_ (1) مسلم (4/ 2038) الكتاب والباب السابقان. (2) مسلم: في الموضع السابق.

أوقاتها، فكل وقت يقول فيه ما صارت إليه بأمر الله تعالى وهو أعلم سبحانه، ولكلام الملك وتصرفه أوقات؛ أحدها حين يخلقها الله تعالى نطفة ثم ينقلها علقة وهو أول علم الملك بأنه ولد ... وأما قوله في إحدى الروايات: فإذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكاً فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولجها وعظامها، ثم قال: يا رب أذكر أم أنثى؟ فيقضي ربك ما شاء، ويكتب الملك ثم يقول: يا رب أجله؟ فيقول ربك ما شاء، ويكتب الملك، وذكر رزقه .. واتفق العلماء على أن نفخ الروح لا يكون إلا بعد أربعة أشهر، ووقع في رواية للبخاري: إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين، ثم يكون علقة مثله ثم يكون مضغة مثله، ثم يبعث إليه الملك فيؤذن بأربع كلمات: فيكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه. فقوله: ثم يبعث "بحرف ثم" يقتضي تأخير كَتب الملك هذه الأمور إلى ما بعد الأربعين الثالثة، والأحاديث الباقية تقتضي الكتب بعد الأربعين الأولى. وجوابه أن قوله: (ثم يبعث إليه الملك فيؤذن فيكتب) معطوف على قوله: (يجمع في بطن أمه) ومتعلق به لا با قبله وهو قوله: (ثم يكون مضغة مثله)، ويكون قوله: (ثم يكون علقمة مثله ثم يكون مضغة مثله) معترضاً بين المعطوف والمعطوف عليه، وذلك جائز موجود في القرآن والحديث الصحيح وغيره من كلام العرب. قال القاضي وغيره: والمراد بإرسال الملك في هذه الأشياء أمره بها وبالتصرف فيها بهذه الأفعال، وإلا فقد صرح في الحديث بأنه موكل بالرحم، وأنه يقول: يا رب نطفة يا رب علقة. قال القاضي: وقوله في حديث أنس: (وإذا أراد الله أن يقضي خلقاً قال يا رب أذكر أم أنثى شقي أم سعيد؟) لا يخالف ما قدمناه، ولا يلزم منه أن يقول ذلك بعد المضغة، بل ابتداء للكلام وإخبار عن حالة أخرى، فأخبر أولاً بحال الملك مع النطفة، ثم أخبر أن الله تعالى إذا أراد إظهار خلق النطفة علقة كان كذا وكذا. أ. هـ النووي. وهناك اتجاهات أخرى لم يذكرها النووي. أقول: مما مر معنا من كلام النووي ندرك أن هناك خلافاً في فهم النصوص حول الزمن

الذي يكون فيه التصوير الكامل لخلق الإنسان في رحم أمه، وهي قضية أصبح بإمكان علم الأجنة الحالي أن يبتَّ فيها، فما بتّ فيه علم الأجنة في هذا الشأن- وهو لا يخرج عما ذكرته النصوص وفهمه العلماء من قبل- فإنه هو الذي يُرمِّج على غيره. 644 - * روى البزار عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله تبارك وتعالى حين يريدُ أن يخلق الخلق يبعث ملكاً، فيدخلُ الرحم فيقول: يا رب ماذا؟ فيقول: غلامٌ أو جارية أو ما أراد أن يخلق في الرحم. فيقول: يا رب شقي أم سعيد؟ فيقول يا رب ما أجله؟ ما خلائقه؟ فيقول: كذا وكذا. فيقول: يا رب ما رزقه؟ فيقول: كذا وكذا. فيقول: يا رب ما خُلُقُه؟ ما خلائقه؟ فما من شيء إلا وهو يخلق معه في الرحم". 645 - * روى البزار عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أول شيء خلقه الله القلمُ وأمره أن يكتب كل شيءٍ". أقول: الأولية هنا أولية نسبية، وإلا فقد مرّ معنا أن العرش والماء خلقا قبل ذلك. 646 - * روى الطبراني عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: "لما خلق الله القلم قال له: اكتب. فجرى بما هو كائن إلى قيام الساعة". 647 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الرجل ليعملُ الزمن الطويل بعمل أهل الجنة، ثم يُختمُ له عملُه بعملِ أهل النار، وإن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار ثم يُختم له عمله بعمل أهل الجنة".

_ 644 - كشف الأستار (3/ 24). مجمع الزوائد (7/ 193). وقال: رواه البزار ورجاله ثقات. 645 - مجمع الزوائد (7/ 190). وقال: رواه البزار ورجاله ثقات. 646 - المعجم الكبير (12/ 69). مجمع الزوائد (7/ 190). وقال رواه الطبراني ورجاله ثقات. 647 - مسلم (4/ 2042) 46 - كتاب القدر، 1 - باب كيفية الخلق الآدمي ... إلخ.

648 - * روى أبو داود عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال لابنه عند الموت: يا بني إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أول ما خلق الله القلم، قال له: اكتب. قال: يا رب، وماذا أكتب؟ قال: أكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة". يا بني، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من مات على غير هذا فليس مني". وفي رواية للترمذي (1): قال عبد الواحد بن سُليم: قدمت مكة فلقيت عطاء بن أبي رياح، فقلت له: يا أبا محمدٍ، إن بالبصرة قوماً يقولون: لا قدر. فقال: يا بني، أتقرأ القرآن؟ قلت: نعم. فقال: فاقرأ (الزخرف) فقرأت: {حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} ثم قال: أتدري ما أم الكتاب؟ قلت: لا. قال: فإنه كتاب كتبه الله قبل أن يَخلق السموات والأرض، فيه: إن فرعون من أهل النار، فيه: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}. قال عطاء: ولقد لقيت الوليد بن عبادة بن الصامت، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته: ما كانت وصية أبيك لك عند الموت؟ فقال لي: دعاني فقال لي: يا بني، اتق الله، واعلم أنك لن تتقي الله حتى تؤمن بالله، وتؤمن بالقدر كله خيره وشره، وإن مت على غير هذا دخلت النار، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب. قال: ما أكتب؟ قال: اكتب القدر. فكتب ما كان وما هو كائن إلى الأبد". 649 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عمروبن العاص رضي الله عنهما، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يديه كتابان، فقال: "أتدرون ما هذان الكتابان؟ "، قلنا:

_ 648 - أبو داود (4/ 225) كتاب السنة، باب في القدر. (1) الترمذي (4/ 457) 33 - كتاب القدر 17 - باب حدثنا قتيبة ... إلخ. وقال: غريب من هذا الوجه. وأخرجه الإمام أحمد في مسنده (5/ 317). وهو حديث صحيح. 649 - الترمذي (4/ 449) 33 - كتاب القدر، 8 - باب ما جاء أن الله كتب كتاباً لأهل الجنة وأهل النار. وقال: حسن غريب صحيح. مسند أحمد (2/ 167). والحديث إسناده حسن. =

لا يا رسول الله، الا أن تخبرنا. فقال للذي في يده اليمني: "هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة، وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم أجمل على آخرهم، فلا يزاد فيهم ولا يُنقص منهم أبداً". ثم قال للذي في شماله: "هذا كتاب من رب العالمين، فيه أسماء أهل النار، وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم أجمل على آخرهم، فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبداً، قال أصحابه: ففيم العملُ يا رسول الله إن كان أمر قد فُرِغ منه؟ فقال: "سددوا وقاربوا، فإن صاحب الجنة يُختم له بعمل أهل الجنة وإن عَمِلَ أي عَمَلٍ، وإن صاحب النار يُختم له بعمل أهل النار وإن عَمِل أيَّ عملٍ". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه، فنبذهما، ثم قال: "فَرَغَ ربكم من العباد، فريق في الجنة، وفريق في السعير". 650 - * روى مسلم عن عِمران بن حُصينٍ رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله، أعُلِمَ أهل الجنة من أهل النار؟ قال: " نعم". قال: ففم يعمل العاملون؟ قال: "كلٌ ميسرٌ لما خُلق له". وفي رواية للبخاري (1)، أيُعرف أهل الجنة من النار؟ قال: "نعم". قال: فَلِمَ يعمل العاملون؟ قال: "كلٍّ يعمل لما خُلِق له" أو "لما يُسِّر له". ولمسلم (2) من رواية أبي الأسود الدِّيلي، قال: قال لي عِمران بن حُصين: أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه، أشيءٌ قُضي عليهم ومضى عليهم من قَدَرٍ قد سبق، أو فيما يستقبلون به مما أتاهم به نبيهم وثبتت الحجة عليهم؟ فقلت: بل شيءٌ قُضي عليهم شيء ومضى عليهم. قال: أفلا يكون ظُلماً؟ قال: ففزعت من ذلك فزعاً شديداً، وقلت: كل شيءٍ خَلقُ الله ومِلك يده، فلا يُسأل عما يفعل وهم يسألون. فقال لي: يرحمك الله، إني

_ = (سددوا وقاربوا) السداد: الصواب في القول والعمل، والمقاربة: القصد فيهما. (أجمل على آخرهم) أجملتُ الحسابَ: إذا جمعتُه وكملتُ أفراده، أي: جمعوا، يعني أهل الجنة وأهل النار عن آخرهم، وعقدت جملتهم، فلا يتطرق إليها زيادة ولا نقصان. 650 - مسلم (4/ 2041) 46 - كتاب القدر، 1 - باب كيفية الخلق الآدمي ... إلخ. وأبو داود (4/ 228) كتاب السنة، باب في القدر. (1) البخاري (11/ 491) 82 - كتاب القدر، 2 - باب جف القلم على علم الله. (2) مسلم: في الموضع السابق. =

لم أُرِد بما سألتك إلا لأحرز عقلك، وإن رجلين من مُزينة أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله، أرأيت ما يعمل الناس اليوم، ويكدحون فيه، أشيء قُضي عليهم ومضى فيهم من قدرٍ [قد] سبق، أو فيما يستقبلون به مما أتاهم [به] نبيهم، وثبتت الحجة عليهم؟ فقال: "لا، بل شيء قضي عليهم، ومضى فيهم، وتصديق ذلك في كتاب الله: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} " [الشمس: 7، 8]. 651 - * روى الترمذي عن ابن عباس: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: "يا غلام إني أعلمك كلمات، احفظ الله يخفظك، احفظ الله تجدةُ تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام وجفت الصحف". 652 - * روى البخاري ومسلم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كنا في جنازةٍ في نقيع الغرقد، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقعد، وقعدنا حوله، ومعه مخصرةٌ، فنكس، وجعل ينكتُ بمخصرته، ثم قال: "ما منكم من أحد إلا وقد كُتبَ مقعده من النار، ومقعدُه من الجنة". فقالوا: يا رسول الله أفلا نتكلُ على كتابنا؟ فقال: "اعملوا، فكل مُيسرٌ لما خُلق له، أمَّا من كان من أهل السعادة، فسيصيرُ لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاء، فسيصير لعمل [أهل] الشقاء" ثم

_ = (لأحزر عقلك): قال النووي: لأمتحن عقلك وفهمك ومعرفتك. 651 - الترمذي (4/ 667) 38 - كتاب صفة القيامة، 59 - باب حدثنا بشر ... إلخ وقال: حسن صحيح. وهو كما قال: (خلف النبي): خلف النبي على دابته. (احفظ الله): بملازمة تقواه واجتناب نواهيه. (تجده تجاهك): تجده معك بالحفظ والإحاطة والتأييد والإعانة. (رفعت الأقلام): تُركت الكتابة بها. (جفت الصحف): كناية عن تقدم كتابة المقادير والفراغ منها من أمد بعيد. 652 - البخاري (11/ 494) 82 - كتاب القدر، 4 - باب وكان أمل الله قدراً مقدوراً. مسلم (4/ 2039) 46 - كتاب القدر، 1 - باب كيفية الخلق الآدمي .... إلخ.

قرأ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}. [الليل: 5 - 7]. وفي رواية الترمذي (1) قال: كنا في جنازةٍ في بقيع الغرقد، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقعد، وقعدنا حوله ومعه مِخصرةٌ، فجعل ينكت بها ثم قال: "ما منكم من أحد"- أو-" [ما] من نفسٍ منفوسةٍ، إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة والنار، وإلا قد كُتبت شقيةً أو سعيدةً". فقال رجل: يا رسول الله أفلا نمكث على كتابنا وتدع العمل؟ فمن كان منا من أهل السعادة، ليكونن إلى أهل السعادة، ومن كان منا من أهل الشقاوة، ليكونن إلى أهل الشقاوة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل اعملوا، فكل ميسرٌ، فأما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل: 5 - 10]. وفي أخرى للترمذي (2) قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يَنْكُتُ [في] الأرض، إذ رفع رأسه إلى السماء، ثم قال: "ما منكم من أحد إلا قد عُلم"- وفي رواية: "إلا قد كُتِبَ- مقعده من النار، ومقعده من الجنة". قالوا: أفلا نتكل يا رسول الله؟ قال: "لا، اعملوا، فكلٌّ مُيسرٌ لما خلق له". 653 - * روى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كتب الله مقاديز الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة. قال: "وعرشه على الماء". وفي رواية الترمذي": " قدر الله المقادير قبل أن يخلق السموات والأرضين قال النووي: (كتب الله مقادير الخلائق) قال العلماء: المراد تحديد وقت الكتابة في اللوح المحفوظ أو غيره، لا أصل التقدير، فإن ذلك أزلي لا أول له. (وعرشه على الماء) أي قبل خلق السموات والأرض.

_ (1) الترمذي: (5/ 441) 48 - كتاب تفسير القرآن، 81 - باب ومن سورة: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}. وقال: حسن صحيح. (2) الترمذي (4/ 445) 33 - كتاب القدر، 3 - باب ما جاء في الشقاء والسعادة. وقال: حسن صحيح. (مِخصرة) كالسوط ونحوه مما يمسكه الإنسان بيده من عصىً ونحوها. (فنكس): أي خفض رأسه وطأطأه إلى الأرض على هيئة المهموم. 653 - مسلم (4/ 2044) 46 - كتاب القدر، 2 - باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام.

وفي رواية الترمذي (1): "قدَّر الله المقادير قبل أن يخلق السموات والأرضين بخمسين ألف سنةٍ". قال النووي: (كتب الله مقادير الخلائق) قال العلماء المراد تحديد وقت الكتابة في اللوح المحفوظ أو غيره، لا أصل التقدير، فإن ذل أزلي لا أول له. (وعرشه على الماء) أي قبل خلق السموات والأرض. أقول: وقبل أن يخلق من الماء مجرات هذا الكون. 654 - * روى الطيراني عن أسامة بن زيد: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما جُعِلَت منِيةُ عبدٍ بأرضٍ إلا جعل له فيها حاجةٌ". 655 - * روى مسلم عن طاوس اليماني قال: أدركتُ ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: كل شيء بقدر. قال: وسمعت ابن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل شيء بقدر حتى العجز والكيس". 656 - * روى أحمد عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "فرغ الله إلى كل عبد من خمس: من أجله ورزقه وأثره ومضجعه" وفي رواية: "وعمله". 657 - * روى الترمذي عن سعد رفعه: "من سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله له، ومن شقاوة ابن آدم سخطه بما قضى الله له".

_ (1) الترمذي (4/ 458) 33 - كتاب القدر، 18 - باب حدثنا إبراهيم ... وقال: حسن صحيح غريب. 654 - المعجم الكبير (1/ 178). مجمع الزوائد (7/ 196). وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. 655 - مسلم (4/ 2045) 46 - كتاب القدر، 4 - باب كل شيء بقدر. والموطأ (2/ 899) 46 - كتاب القدر، 1 - باب النهي عن القول بالقدر. (الكيس) العقل. 656 - مسند أحمد (5/ 197). وكشف الأستار (3/ 24). مجمع الزوائد (7/ 195). وقال: رواه أحمد والبزار الطبراني في الكبير والأوسط، وأحد إسنادي أحمد رجاله ثقات. 657 - الترمذي (4/ 455) 33 - كتاب القدر، 15 - باب ما جاء في الرضا بالقضاء. =

658 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خيرٌ، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لواني فعلت لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن [لو] تفتح عمل الشيطان". * * *

_ = قال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن حميد وليس بالقوي. وقال في الميزان: ضعفوه. قال ابن حجر: وأورده أحمد باللفظ المذكور عن سعد وسنده حسن. 658 - مسلم (4/ 2053) 46 - كتاب القدر، 8 - باب في الأمر بالقوة وترك العجز.

التلخيص

التلخيص - القدر هو سرُّ الأسرار في العقيدة الإسلامية، ولذلك فإن من المستحسن عرضه من خلال النصوص فذلك أقرب إلى الإيمان والفهم والتسليم، وإنما كان سر الأسرار لارتباطه بصفات الذات الإلهية وارتباطه بمقام العبودية وارتباطه بتقرير فكرتي الكسب والاختيار مع التسليم أن كل شيء فِعْلُ الله وارتباطه بمعانٍ كبيرة أخرى. - القدرية المذمومون عند أهل السنة والجماعة قدريتان: أولى؛ انقرضت قبل انتهاء القرن الثاني الهجري وهي التي تنفي القدر وتقول: (إن الله لم يقدر الأمور أزلاً وإن الله يستأنف الأمر علماً حال وقوعه) وهؤلاء كفار قطعاً، والقدرية الثانية؛ هم المعتزلة الذين ينسبون أفعال العباد إلى قدراتهم وهؤلاء مبتدعة إذا لم يجتمع لهم مع البدعة مُكَفَّر، قال صاحب الخريدة: ومن يقل بالقوة المودعة ... فذاك بدعي فلا تلتفت هناك إيمان بالقضاء والقدر وتسليم لله فيها وأن كل ما قضاه وقدره ففيه الحكمة جل جلاله، وهناك المقضي والمقدر على الإنسان، ومن هذا المعصيةُ، والواجب فيها: التوبة على أصحابها والإنكار من غيرهم. ومنه الطاعة، والواجب فيها من أهلها: الشكر عليها. ومنه الابتلاءات فالواجب فيها: الصبر والرضا عن الله والتسليم له. ومنه الإنعام بصنوف النعم، فواجب العبد فيها: الشكر. الإيمان بالقضاء والقدر لا ينفي الاختيار؛ ولذلك لا يجوز للعبد أن يحتج بالقدر قبل الوقوع توصلاً إليه، كأن يقول: (قدر الله عليَّ الزنا) وغرضه الوقوع فيه أو الاحتجاج به بعد الوقوع تخلصّا من الحد. والإيمان بالقضاء والقدر جزء من التكليف، والعبد مطالب بالإيمان بالقضاء والقدر، ومطالب بالعمل، وحال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حجة في ذلك، ومن ربط بين الإيمان والقدر والخمول وترك العمل فقد ضَلَّ وأضَل. آثار الإيمان بالقضاء والقدر محمودة كلها، فمن آثاره الشجاعة والجرأة والإقدام والصبر والتسليم والرضا من الله والتوكل وإنما يؤتى الجاهل من قِبَلِ جَهْلِهِ.

الفصل الرابع في الإيمان بالملائكة

الفصل الرابع في الإيمان بالملائكة وفيه: مقدمة ونصوص

المقدمة

المقدمة الإيمان بالملائكة يأتي في ترتيب الأركان الستة كما وردت في الحديث الصحيح الركن الثاني، وهذا يشعر بأهميته بالنسبة لأركان الإيمان عند الذين يرون أن الواو لا تقتضي مطلق الجمع، وعند الذين يعتبرون التقديم مُشعِراً بالأهمية أو بالفضل. * * * وأركان الإيمان كلها فطلها القرآن تفصيلاً كاملاً حتى لا يبقى لبس في شأنها، ومن ههنا كان للتفصيل القرآني حول الملائكة ما يكفي ويشفي، ومع ذلك فقد جاء في السُّنة كثير من التفصيلات عن الملائكة وبعض وظائفهم. * * * وإذا عرفنا أن كل ما خلقه الله عز وجل إنما خلقه ليتعرف المكلفون به على الله عز وجل، فإنه من المناسب أن نعرف بعض الحكم في خَلْقِهِ جل جلاله الملائكة. وأول هذه الحكم: أن يعرف الخلق مظاهر قدرته جل جلاله، فالله قادر على أن يخلق: ما هو خير ولا يفعل إلا خيراً كالملائكة. وقادر على أن يخلق: ما هو شرٌّ ولا يفعل إلا شراً كالشياطين. وقادر على أن يخلق: ما هو قابل لفعل الخير والشر كالإنسان، وفي ذلك كله أنت تتعرف على الله عز وجل. وثاني هذه الحكم: أن يعرف المكلفون عظمة مُلْكِه ومَمْلَكَتِه، وكثرة جنوده، الذين من أعظمهم وأكثرهم الملائكة: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} (1)، {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (2). وثالث هذه الحكم: أن يعرف المكلفون لله تعالى الترتيب والطاعة والنظام فيتطلعون للارتقاء والاقتداء. ورابع هذه الحكم: أن يعرف المكلفون استغناء الخالق عن طاعتهم فإنه مهما عصى من

_ (1) المدثر: 31. (2) الفتح: 4.

عصى فإن هناك من يطيع. وخامس هذه الحكم: أن يعرف المكلفون رعاية الله عز وجل لأهل الإيمان ولأهل الأرض من خلال معرفتهم لوظائف بعض الملائكة. وسادس هذه الحكم: أن يعرف المكلفون جلال الربوبية وعظمة الإلهية. هذا بالإضافة إلى حِكمٍ كثيرة في السموات والأرض والدنيا والآخرة والتكليف والمكلفين تعرفها من خلال النصوص. ونصوص القرآن التي تحدثت عن الملائكة أو عن بعضهم كثيرة، ونصوص السنة كذلك كثيرة تجدها في أبواب متعددة؛ ففي سياق الطهارة والذكر والصلاة والدعاء وقراءة القرآن والجهاد والإنفاق والسفر والصور والبيوت والليل والنهار والفلك والملكوت والموت والجنائز، وغير ذلك تجد كلاماً عن الملائكة، ولذلك خص بعض المؤلفين هذا الركن من أركان الإيمان بالتأليف، ولو أراد الإنسان أن يجمع نصوص الكتاب والسنة مع تعليقات وتحقيقات العلماء في شأن الملائكة لجع الكثير الذي يحتاج إلى أكثر من مجلد، وقد اعتمدنا في هذا الكتاب أن نضع في كل فصل من فصوله ما هو ألصق بمضمون الفصل دون استقصاء، تاركين كثيراً من الأمور لسياقها في مواطن أخرى ومن قرأ هذه السلسلة كلها لا يفوته التكامل في الموضوعات وإن فاته الجمع تحت العنوان الواحد. وفي هذا الفصل سننقل بعض النصوص القرآنية في شأن الملائكة ثم نتبع ذلك بذكر بعض النصوص من السنة. * * *

بعض النصوص القرآنية في شأن الملائكة

(1) بعض النصوص القرآنية في شأن الملائكة أ- ذكر القرآن أنه مما ينبغي أن يؤمن به المؤمن الملائكة فقال تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} (1). ب- وقد نص القرآن على أنواع من الضلال وقعت به بعض الأمم أو بعض الناس في شأن الملائكة كوصف بعضهم الملائكة بأنهم إناث، ووصف بعضهم الملائكة بأنهم بنات الله، وتوجه بعضهم إلى الملائكة بالعبادة، وكلها مكفرات وضلالات: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى * وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} (2). {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} (3). {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} (4). بأن زعم بعض المشركين بأن بعض الجن تزوج ببعض الملائكة وزعموا أن الملائكة بنات الله. {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ} (5). فهذه كلها كفريات وقع فيها أفراد أو أمم في شأن الملائكة وهناك من يقول أقوالاً أو يتصرف تصرفات تشي بهذه العقيدة. قال الشيخ وهبي سليمان في كتابه "أران الإيمان": (لذا قرر علماء التوحيد أن من نَسَبَ الملائكة إلى الأنوثة كفر؛ لأنه كذب صريح القرآن، ومن نسبهم إلى الذكورة فَسَق؛ لأنه نسب إليهم ما لم يأت به عن الله تعالى

_ (1) النساء: 136. (2) النجم: 27، 28. (3) الزخرف: 19. (4) الصافات: 158. (5) سبأ: 40، 41.

ورسول الله صلى الله عليه وسلم شيء. وعلى هذا يقال: من اعتقد في صور البنات والنساء الجميلات على أطرافها أجنحة- والتي تباع في الأسواق ويتبادل بها بعض المسلمين التهاني في الأفراح والعيدين- أنها تشبه صور الملائكة كفر لظاهر نسبة الملائكة إلى الأنوثة. ومن اعتقد في صوت المرأة أنه ملائكي، أو في صورة الممرضة أنها صورة ملاك الرحمة كفر كذلك؛ لما ذكرنا). أ. هـ. جـ- وقد نص القرآن على معرفة الملائكة بالله عز وجل وطاعتهم وعبادتهم وخوفهم منه جل جلاله وأدبهم الرفيع معه فقال الله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ} (1). {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} (2). {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (3). {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} (4). {فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} (5). {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ} (6). {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} (7). {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} (8). ومن هذه النصوص ندرك أن القصة التي سرت إلى بعضهم في شأن هاروت وماروت وأنهما ملكان عصيا الله تعالى بعد أن ركَّب فيهما الشهوة قصة لا أصل لها، وقد عرضنا لذلك

_ (1) آل عمران: 18. (2) الأنبياء: 26، 27. (3) النحل: 50. (4) الأنبياء: 28. (5) فصلت: 38. (6) التحريم: 6. (7) الأنبياء: 19، 20. (8) النساء: 172.

في التفسير، فإن كان لابد من فهم الآية على أنها في ملكين أنزلا من السماء إلى الأرض، فإنهما ملكان مكلفان مطيعان يعلمان الناس السحر ليفرقوا بينه وبين المعجزة، كا نَعلمُ خطأ من يظن أن السؤال الذي ذكره الله على لسانهم سؤال اعتراض في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (1)؛ فسؤالهم كان سؤالاً عن الحكمة وليس اعتراضاً، وحاشاهم. د- وكما أن البشر متفاضلون عند الله، وأكرمهم عنده الرسل وهم عنده متفاضلون، فكذلك الملائكة؛ قال تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} (2). {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} (3). ومظاهر هذه الرسالة كثيرة؛ أولها الرسالة بالوحي: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} (4)، والرسالة بالبشرى أو بالإنذار: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى} (5)، {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} (6)، {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} (7). {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا} (8). وهناك الرسالة بالمهمات ومن ذلك قبض الأرواح: {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} (9)، فأي ملك كلف بمهمة في حق غيره فإنه رسول من الله إلى ذلك الغير. هـ- وأهل الإيمان يحبون الملائكة جميعاً: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى

_ (1) البقرة: 30. (2) الحج: 75. (3) فاطر: 1. (4) الشعراء: 193. (5) آل عمران: 39. (6) آل عمران: 42. (7) آل عمران،: 45. (8) هود: 77. (9) الأنعام: 61.

قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} (1). {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} (2). الملائكة مخلوقات نورانية خلقت من نور لكن عندهم قابلية للتشكل بالصور الشريفة وقد ورد في القرآن قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ * فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ} (3)، وقال تعالى: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا} [أي إلى مريم] {رُوحَنَا} [أي جبريل] {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} (4). ونصوص السنة كثيرة في موضوع تشكل الملائكة بصورة البشر. ز- وقد حدثنا القرآن عن بعض الملائكة وعن بعض وظائفهم: 1 - من ذلك حملة العرش ومن حوله: فقال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)} (5). 2 - ومن ذلك جبريل وميكال: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} (6). {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ} (7). {وَأَيَّدْنَاهُ} [أي عيسى] {بِرُوحِ الْقُدُسِ} (8) [أي جبريل]. {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} (9). والمراد بالروح جبريل عليه السلام. {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ

_ (1) البقرة: 97. (2) البقرة: 98. (3) هود: 69، 70. (4) مريم: 17. (5) غافر: 7. (6) البقرة: 98. (7) الشعراء: 193، 194. (8) البقرة: 253. (9) القدر: 4.

ظَهِيرٌ} (1). {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} (2). {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} (3). 3 - ومن ذلك إسرافيل الذي ينفخ في الصور: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} (4) فالنافخ اسرافيل عليه السلام. 4 - ومن ذلك ملك الموت وأعوانه: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} (5)، {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ} (6)، {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} (7)، {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ} (8)، {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} (9). 5 - ومن ذلك زبانية جهنم وعلى رأسهم مالك: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ} (10).

_ (1) التحريم: 4. (2) التكوير: 19 - 21. (3) النجم: 5 - 9. (4) الزمر: 68. (5) السجدة: 11. (6) الأنعام: 61. (7) الأنفال: 50. (8) النحل: 28. (9) الأنعام: 93. (10) التحريم: 6.

{عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ * وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً} (1). {وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} (2). {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ} (3). {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ} (4). 6 - ومن ذلك خزنة الجنة والقائمون على تدبير شؤونها والمطمئنون لأهل الإيمان في الآخرة: {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} (5). {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} (6)، {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} (7). 7 - حملة العرش والحافون له يوم القيامة: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} (8)، {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (9). 8 - ومن ذلك حفظة الإنسان: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} (10). {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً} (11)، {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} (12).

_ (1) المدثر: 30، 31. (2) الزخرف: 77. (3) الزمر: 71. (4) غافر: 49. (5) الأنبياء: 103. (6) الزمر: 73. (7) الرعد: 23، 24. (8) الحاقة: 17. (9) الزمر: 75. (10) الرعد: 11. (11) الأنعام: 61. (12) الطارق: 4.

9 - ومن ذلك رقيب وعتيد، وهما وصفان للملكين اللذين يكتبان أعمال الناس: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (1). {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} (2)، {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} (3). 10 - ومن ذلك المبشرون للمؤمنين عند الاحتضار: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} (4). 11 - ومن ذلك تثبيت المؤمنين: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} (5). {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} (6). {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} (7). 12 - ومن ذلك الذين يشفعون لبعض المؤمنين يوم القيامة: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} (8). 13 - ومن ذلك الدعاء والاستغفار للرسول وأهل الإيمان:

_ (1) ق: 17، 18. (2) الانفطار: 10 - 12. (3) الزخرف: 80. (4) فصلت: 30، 31. (5) الأنفال: 12. (6) آل عمران: 124، 125. (7) الأنفال: 9. (8) الأنبياء: 28.

{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (1). {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} (2). {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} (3). {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (4). ولننتقل إلى ذكر بعض النصوص النبوية في شأن الملائكة وأعمالها وصفاتها وما إلى ذلك:

_ (1) الأحزاب: 56. (2) الأحزاب: 43. (3) غافر: 7. (4) الشورى: 5

بعض النصوص النبوية

(2) بعض النصوص النبوية 659 - * روى البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ثم فتر عني الوحي فترةً، فبينا أنا أمشي سمعت صوتاً من السماء، فرفعت بصري قِبَل السماء فإذا الملك الذي قد جاءني بحراء قاعدٌ على كرسي بين السماء والأرض، فجئثتُ منه حتى هويت إلى الأرض، فجئت أهلي فقلت: زملوني زملوني، فأنزل الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ} (1) إلى قوله {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} " (2). قال أبو سلمة: والرجز الأوثان. 660 - * روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أن الحارث بن هشام سأل النبي صلى الله عليه وسلم: كيف يأتيك الوحي؟ قال: "كل ذلك؛ يأتيني الملك أحياناً في مثل صلصلة الجرس، فيفصم عني وقد وعيت ما قال، وهو أشده علي، ويتئل لي الملك أحياناً رجلاً فيكلمني، فأعي ما يقول". 661 - * روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالكٍ عن مالكٍ بن صعصعة رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان- وذكر يعني رجلاً بين الرجلين- فأتيت بطستٍ من ذهبٍ ملآن حكمةً وإيماناً، فشق من النحر إلى مراق البطن، ثم غُسل البطن بماء رمرم، ثم ملئ حكمةً وإيماناً. وأتيت بدابةٍ

_ 659 - البخاري (8/ 676) 65 - تاب التفسير، 1 - باب حدثني يحيى ... إلخ. (1) المدثر: 1. (2) المدثر: 5. (جئثت منه): فزعت وخِفت. وقال الحربي: أراد: جثثت، فجعل مكان الهمزة ثاء 660 - البخاري (1/ 18)، 1 - كتاب بدء الوحي، 3 - باب حدثنا عبد الله بن يوسف. مسلم (4/ 1816) 43 - كتاب الفضائل، 23 - باب عرق النبي صلى الله عليه وسلم في البرد، وحين يأتيه الوحي. 661 - البخاري (6/ 302) 59 - كتاب بدء الخلق، 6 - باب ذكر الملائكة. مسلم (1/ 149) 1 - كتاب الإيمان. 74 باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات، وفرض الصلوات. وأحمد (4/ 207).

أبيض دون البغل وفوق الحمار البُراق، فانطلقت مع جبريل، حتى أتينا السماء الدنيا، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: من معك؟ قال: محمد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحباً به؛ ولنعم المجيء جاء. فأتيت على آدم فسلمت عليه فقال: مرحباً بك من ابنٍ ونبيٍّ. فأتينا السماء الثانية، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: من معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم. قيل: أُرسِل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحباً به ولنعم المجيء جاء. فأتيت على عيسى ويحيى، فقالا: مرحباً بك من أخٍ ونبيٍّ. فأتينا السماء الثالثة. قيل: من هذا؟ قيل: جبريل. قيل: من معك؟ قال: محمد. قيل وقد أرسِل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحباً به، ولنعم المجيء جاء. فأتيت على يوسف فسلمت، فقال: مرحباً بك من أخٍ ونبيٍّ. فأتينا السماء الرابعة، قيل من هذا؟ قال: جبريل. قيل: من معك؟ قيل: محمد صلى الله عليه وسلم. قيل: وقد أرسِل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحباً به، ولنعم المجيء جاء. فأتيت على إدريس فسلمت عليه فقال: مرحباً بك من أخٍ ونبيٍّ. فأتينا السماء الخامسة، قيل: من هذا؟ قيل: جبريل. قيل: ومن معك؟ قيل: محمد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: نعم. قيل: مرحباً به ولنعم المجيء جاء. فأتينا على هارون، فسملت عليه، فقال: مرحباً بك من أخٍ ونبيٍّ. فأتينا على السماء السادسة، قيل: من هذا؟ قيل: جبريل. قيل: من معك؟ قيل: محمد صلى الله عليه وسلم. قيل: وقد أرسل إليه؟ مرحباً به، نعم المجيء جاء. فأتيت على موسى فسلمت عليه فقال: مرحباً بك من أخٍ ونبيٍّ. فلما جاوزت بكى، فقيل: ما أبكاك؟ قال: يا رب، هذا الغلام الذى بُعث بعدي يدخل الجنة من أمته أفضل مما يدخل من أمتي. فأتينا السماء السابعة، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: من معك؟ قيل: محمد. قيل: وقد أرسل إليه؟ مرحباً به ولنعم المجيء جاء. فأتيت على إبراهيم فسلمت عليه فقال: مرحباً بك من ابنٍ ونبيٍّ. فرُفع لي البيت المعمور، فسألت جبريل فقال: هذا البيت المعمور، يُصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك، إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم. ورُفعت لي سدرةُ المنتهى، فإذا نَبِقُها كأنه قِلال هجر، وورقها

كأنه آذان الفيول، في أصلها أربعة أنهارٍ: نهران باطنان ونهران ظاهران. فسألت جبريل فقال: أما الباطنان ففي الجنة، وأما الظاهران النيل والفرات. ثم فرضت عليَّ خمسون صلاة، فأقبلت حتى جئت موسى فقال: ما صنعت؟ قلت: فرضت عليَّ خمسون صلاة. قال: أنا أعلم بالناس منك، عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة، وإن أمتك لا تطيق، فارجع إلى ربك فسله. فرجعت فسألته، فجعلها أربعين، ثم مثله ثم ثلاثين، ثم مثله فجعل عشرين، ثم مثله فجعل عشراً. فأتيت موسى فقال مثله فجعلها خمساً. فأتيت موسى فقال: ما صنعت؟ قلت: جعلها خمساً. فقال مثله. قلت فسلمت. فنودي: إني قد أمضيت فريضتي. وخففت عن عبادي، وأجزي الحسنة عشراً". أقول: حاول بعض العلماء أن يؤولوا هذا الحديث فأولوه تأويلات شتى، والظاهر أن من أنهار الجنة الفرات والنيل، فأهل الجنة يختار لهم من مسميات ما عرفوا في الدنيا ما يزدادون به أنساً. وهناك اتجاهٌ إلى أن سيحان وجيحان والفرات والنيل التي ورد ذكرها مجتمعة في بعض النصوص قد شرفت بأن نسبت إلى الجنة في الدنيا إشارة إلى أنها ستكون من أنهار المسلمين في الدنيا فلها فضلها، ويمكن أن يكون في المسألة جانب غيبي يقتضي منا التسليم، فقد ذهب القاضي عياض إلى أن أصول سدرة المنتهى في الأرض بدليل أننا نشهد أن النيل والفرات ينبعان من الأرض، وقد ذكرنا أن السموات السبع والجنة والنار مغيبة عنا. هذا ولم نذكر قول عياض مؤيدين له إنما ذكرناه كنموذج لاحتمال أن يكون في المسألة جانب غيبي يجب التسليم فيه دون البحث عنه. وقال القرطبي: (... وقيل إنما أطلق على هذه الأنهار أنها من الجنة تشبيهاً لها بأنهار الجنة لما فيها من شدة العذوبة والحسن والبركة. وعلى هذا فالنيل والفرات المذكوران في الحديث نهران موجودان في الجنة وهما غير الفرات والنيل الموجودين على الأرض، وفي ذلك إيناس لأهل الجنة وتشريف للنيل والفرات الأرضيين). 662 - * روى البخاريُّ ومسلم عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

_ 662 - البخاري (6/ 314) 59 - كتاب بدء الخلق، 7 - باب إذا قال أحدكم آمين. =

"رأيت ليلة أسري بي موسى رجلاً آدم طوالاً جعداً كأنه من رجال شنوءة- ورأيت عيسى رجلاً مربوعاً، مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض، سبط الرأس. ورأيت مالكاً خازن النار، والدجال في آيات أراهن الله إياه، فلا تكن في مريةٍ من لقائه". قال أنسٌ وأبو بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "تحرس الملائكة المدينة من الدجال". أقول: ويبدو أنهم كانوا متميزين بشيء ما في الجسد أو الملبس حتى أصبح يشبه بهم بعض الناس. 663 - * روى مسلمٌ عن أبي هريرة، قال: قال أبو جهل: هل يُعفِّرُ محمدٌ وجهه بين أظهركم؟ قال: فقيل: نعم. فقال: واللاتِ والعُزى! لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته، أو لأعفرن وجهه في التراب. قال: فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي. زعم ليطأ على رقبته. قال: فما فجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه. قال: فقيل له: مالك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقاً من نار وهولاً وأجنحة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً". 664 - * روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال أبو جهل: لئن رأيت محمداً يُصلي عند الكعبة لأطأن على عنقه. فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لو فعله لأخذته الملائكة". تابعه عمروبن خالد عن عبيد الله عن عبد الكريم. 665 - * روى البخاري عن عروة أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدثته أنها

_ = مسلم (1/ 151) 1 - كتاب الإيمان، 74 - باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم ... إلخ. (شنوءة): قبيلة معروفة ويقال: أزد شنوءة: وهم حي من اليمن. وسميت بذلك من قولك: رجل فيه شنوءة: شنؤة أي: تقزز، وقال الجوهري التقزز: التباعد من الأدناس. 663 - مسلم (4/ 2154) 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، 6 - باب قوله: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى}. 664 - البخاري (8/ 734) 65 - كتاب التفسير، 4 - باب: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ ...}. 665 - البخاري (6/ 312) 59 - تاب بدء الخلق، 7 - باب إذا قال أحدكم أمين والملائكة ... إلخ. =

قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أُحدٍ؟ قال: "لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضتُ نفسى على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت. فانطلقت وأنا مهمومٌ، على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلم عليَّ ثم قال: يا محمدُ، فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أن أُطبق عليهم الأخشبين". فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بل، أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً". 666 - * روى البخاري عن معاذ بن رفاعة بن رافع الزرقي عن أبيه- وكان أبوه من أهل بدر- قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما تعدون أهل بدرٍ فيكم؟ قال: "من أفضل المسلمين. أو كلمةً نحوها. قال: وكذلك من شهد بدراً من الملائكة. 667 - * روى مسلم عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالساً كاشفاً عن فخذه فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على حاله، ثم استأذن عمرُ فأذن له وهو على حاله، ثم استأذن عثمان فأرخى عليه ثيابة، فلما قاموا قلت: يا رسول الله، استأذن عليك أبو بكر وعمر فأذنت لهما وأنت على حالك، فلما استأذن عثمان أرخيت عليك ثيابك. فقال: "يا عائشة، ألا أستحي من رجل والله إن الملائكة تستحي منه. قال النووي: هذا الحديث مما يحتج به المالكية وغيرهم ممن يقول: (ليست الفخذ عورة). ولا حجة فيه؛ لأنه مشكوك في المكشوف هل هو الساقان أم الفخذان، فلا يلزم منه الجزم يجواز كشف الفخذ، وفي هذا الحديث جواز تدلل العالم والفاضل بحضرةِ من يُدلُّ

_ = (الأخشبين): جبلا مكة: أبو قُبيسٍ والأحمر وجبلا مِنى. ومنه الأخشب: الجبل العظيم الخشن. 666 - البخاري (7/ 113) 64 - كتاب المغازي، 11 - باب شهود الملائكة بدراً. 667 - مسلم (4/ 1866) 44 - كتاب فضائل الصحابة، 3 - باب من فضائل عثمان رضي الله عنه. وأحمد (6/ 62).

عليه من فضلاء أصحابه، واستحباب ترك ذلك إذا حضر غريب أو صاحب يستحى منه. أ. هـ. 668 - * روى أحمد عن حذيفة قال: سألتني أمي: منذ متى عهدك بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: فقلت لها: منذ كذا وكذا. قال: فنالت مني وسبتني. قال: فقلت لها: دعيني فإني آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأصلي معه المغربَ ثم لا أدعهُ حتى يستغفر لي ولك. قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فصليت معه المغرب. فصلى النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم انفتل، فَتَبعْتُه فعرض له عارض فناجاه ثم ذهب فاتبعتُه فسمع صوتي فقال: "من هذا؟ " فقلت: حذيفة. قال: "مالك"؟ فحدثته بالأمر، فقال: "غفر الله لك ولأمك. ثم قال: "أما رأيت العارض الذي عرض لي قُبَيْلُ". قال: قلت: بلى. قال: "ملك من الملائكة لم يهبط الأرض قَبْلَ هذه الليلة فاستأذن ربه أن يسلِّم عليَّ ويبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأن فاطمة سيدةُ نساء أهل الجنة" رضي الله عنهم. 669 - * روى أحمد عن وكيع أنه قال: حدثني عبد الله بن سعيد عن أبيه، عن عائشة أو أم سلمة، قال وكيعٌ: شكّ هو- يعني عبد الله بن سعيد- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لإحداهما: "لقد دخل عليَّ البيت ملكٌ لم يدخل عليَّ قبلها فقال لي: إن ابنك هذا حسين مقتول، وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يُقتل بها" قال: "فأخرج تربة حمراء". 670 - * روى أحمد عن عائشة، قالت: خرجت يوم الخندق أقفو آثار الناس. قالت: فسمعت وئيد الأرض ورائي. [يعني مس الأرض]. قالت: فالتفت فإذا أنا بسعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل مِجنَّةً. قالت: فجلست إلى الأرض فمرَّ سعد وعليه دِرْع من حديد، قد خرجت منها أطرافه، فأنا أتخوف على أطرافِ سعد. قالت: وكان سعدٌ من أعظم الناس وأطولهم. قالت: فمر وهو يرتجز ويقول:

_ 668 - أحمد (5/ 391) وإسناده حسن. 669 - أحمد (6/ 294). مجمع الزوائد (9/ 187). وقال: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. 670 - أحمد (6/ 141). مجمع الزوائد (6/ 136). وقال: في الصحيح بعض هذا الحديث عن عائشة متصل الإسناد. =

لبث قليلاً يُدرك الهيجا جمل ... ما أحسن الموت إذا حان الأجل قالت: فقمت فاقتحمت حديقة فإذا فيها نفر من المسلمين، وإذا فيهم عمر بن الخطاب، وفيهم رجل عليه سبغة له [يعني مِغفراً] فقال عمر: ما جاء بك؟ لعمري والله إنك لجريئة وما يؤمنك أن يكون بلاءٌ أو يكون تحوز. قالت: فما زال يلومني حتى تمنيت أن الأرض انشقت لي ساعتئذٍ فدخلت فيها. قالت: فرفع الرجل السبغة عن وجهه فإذا طلحة بن عبيد الله، فقال: يا عمرُ! ويحك إنك قد أكثرت منذ اليوم، وأين التحوز أوالفرار إلا إلى الله عز وجل. قالت: ويرمي سعداً رجلٌ من المشركين يقال له ابن العرقة بسهم له، فقال له، (خذها وأنا ابن العرقة) فأصاب أكخله فقطعه، فدعا الله عز وجل سعدٌ فقال: اللهم لا تمتني حتى تقر عيني من قُريظة. قالت: وكانوا حلفاءه ومواليه في الجاهلية. قالت: فرقئ كلمه وبعث الله عز وجل الريح على المشركين، فكفى الله عز وجل المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزاً، فلحق أبو سفيان ومن معه بتهامة، ولحق عيينة بن بدرٍ ومن معه بنجدٍ، ورجعت بنو قريظة فتحصنوا في صياصيهم، ورجع الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فوضَعَ السلاح وأمر بُقبةٍ من أدم فَضُرِبت على سعدٍ في المسجد. قالت: فجاءه جبريل عليه السلام وإن على ثناياه لنقع الغبار، فقال: أقد وضعت السلاح، والله ما وضعت الملائكة بعد السلاح، اخرج إلى بني قريظة فقاتلهم. 671 - * روى مسلم عن عبد الله بن عباسٍ قال: حدثني عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألفٌ، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً، فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة. ثم مد يديه فجعل يهتف بربه: "اللهم أنجز لي ما وعدتني. اللهم آتِ ما وعدتني. اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض". فما زال يهتف بربه، ماداً يديه مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر، فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه، تم التزمه من ورائه،

_ = (سبغة): السابغة الدرع الواسعة. (فرقئ): رقأ الدم من باب قطع، أي: انقطع سيلان الدم من الجرح. 671 - مسلم (3/ 1383) 37 - كتاب الجهاد والسير، 18 - باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر.

وقال: يا نبي الله [كفاك] مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك. فأنزل الله عز وجل: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} (1). فأمدة الله بالملائكة. 672 - * روى البخاري عن جابر بن عبد الله يقول: جاءت ملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم فقال بعضهم: إنه نائم. وقال بعضهم: إن العين نائمةٌ والقلب يقظان. فقالوا: إن لصاحبكم هذا مثلاً. قال: فاضربوا له مثلاً. فقال بعضهم: إنه نائم. وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان. فقالوا: مثلة كمثل رجلٍ بنى داراً وجعل فيها مأدبة وبعث داعياً؛ فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة، ومن لم يُجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة. فقالوا: أولوها له يفقهها. فقال بعضهم: إنه نائم. وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان. فقالوا: فالدار الجنة والداعي محمد صلى الله عليه وسلم، فمن أطاع محمداً صلى الله عليه وسلم فقد أطاع الله، ومن عصى محمداً صلى الله عليه وسلم فقد عصى الله، ومحمدٌ فَرْقٌ بين الناس". 673 - * روى أحمد عن أبي سعيد الخدري قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الشفاعة فقال: "إن الناس يُعرضون على جسر جهنم وعليه حسكٌ وكلاليب يُخطف الناسُ وبجنبتيه الملائكة يقولون: اللهم سلِّم سلِّم". 674 - * روى مسلم عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بجهنم يومئذٍ لها سبعون ألف زمامٍ، مع كل زمامٍ سبعون ألف ملكٍ يجرونها".

_ (1) الأنفال: 9. 672 - البخاري (13/ 249) 96 - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، 2 - باب الاقتداء بسنن الرسول صلى الله عليه وسلم. (محمد فرْقٌ بين الناس): يَفْرُق بين المؤمنين والكافرين بتصديق المؤمنين وتكذيب الكافرين له، أو يُفرق بين الحق والباطل. 673 - أحمد (3/ 26). وهو في البخاري مطولاً عن أبي هريرة (11/ 444) 81 - كتاب الرقاق، 52 - باب الصراط جسر جهنم. وفي مسلم مطولاً عن أبي سعيد (1/ 167) 1 - كتاب الإيمان، 81 - معرفة طريق الرؤية. 674 - مسلم (4/ 2184) 51 - كتاب الجنة وصفة نعيمها، 12 - باب في شدة حر جهنم. والترمذي (4/ 701) 40 - كتاب صفة جهنم، 1 - باب ما جاء في صفة النار.

675 - * روى أحمد عن عُقبة بن صهبان قال: سمعت أبا بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يُحمل الناس على الصراط يوم القيامة فتقادع بهم جنبة الضراط تقادع الفراش في النار" قال: "فينجي الله تبارك وتعالى برحمته من يشاء". قال: "ثم يؤذن للملائكة والنبيين والشهداء أن يشفعوا فيشفعون ويخرجون ويشفعون ويخرجون ويشفعون ويخرجون". وزاد عفان مرة فقال أيضاً: "ويشفعون ويخرجون من كان في قلبه ما يزن ذرة من إيمان". 676 - * روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الملائكة تنزل في العنان"- وهو السحاب- "فتذكر الأمر قُضي في السماء، فتسترق الشياطين السمع فتسمعه فتوحيه إلى الكهان، فيكذبون منها مائة كذبة من عند أنفسهم". 677 - * روى البخاري عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خُضعاناً لقوله، كأنه سلسلةٌ على صفوان"، قال عليٌ وقال غيره: "صفوانٍ ينفذهم ذلك. فإذا فُزع عن قلوبهم، قالوا: ماذا قال ربك؟ قالوا: الحق وهو العلي الكبير .... ". 678 - * روى أبو داود عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء صلصلةً كجر السلسلة على الصقا، فيصعقون،

_ 675 - أحمد (5/ 43). مجمع الزوائد (10/ 359). وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، ورواه الطبراني في الصغير والكبير بنحوه، ورواه البزار أيضاً، ورجاله رجال الصحيح. (تقادع بهم): تميل. 676 - البخاري (6/ 338) 59 - كتاب بدء الخلق، 11 - باب صفة إبليس وجنوده. 677 - البخاري (8/ 380) 65 - كتاب التفسير، 1 - باب: {إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ}. (فُزع عن قلوبهم): كُشِف عنها الفزع. 678 - أبو داود (4/ 235) كتاب السنة باب في القرآن. والبخاري (13/ 453) 67 - كتاب التوحيد، 33 - باب قول الله: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}. وهو عنده موقوف علي ابن عباس. (صلصلة) الصلصلة: صوت الأجرام الصلبة بعضها على بعض.

فلا يزالون كذلك، حتى يأتيهم جبريل، فإذا جاء فُزع عن قلوبهم، فيقولون: يا جبريل ماذا قال ربك؟ فيقول: الحق. فيقولون: الحقَّ الحقَّ". 679 - * روى الترمذي عن ابن عباس، أنه قال: لما نزلت آية الدين قال رسول صلى الله عليه وسلم: "إن أول من حجد آدم عليه السلام أو "أول من حجد آدم، إن الله عز وجل لما خلق آدم مسح ظهره فأخرج منه ما هو من ذراري إلى يوم القيامة فجعل [أي: الله] يعرضُ ذريته عليه فرأى فيهم رجلاً يزهر فقال: أي ربِّ! من هذا؟ قال: هذا ابنك داود. قال: أي ربِّ كم عمره؟ قال: ستون عاماً. قال: ربِّ زد في عمره. قال: لا، إلا أن أزيده من عمرك. وكان عمر آدم ألف عام فزاده أربعين عاماً. فكتب الله عز وجل عليه بذلك كتاباً وشهاد عليه الملائكة فلما اختصر آدم وأتته الملائكة، لتقبضه قال: إنه قد بقي من عمري أربعون عاماً. فقيل: إنك قد وهبتها لابنك داود. قال: ما فعلت. وأبرز الله عز وجل عليه الكتاب وشهدت عليه الملائكة". 680 - * روى أبو داود عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أذن لي أن أحدث عن ملكٍ من ملائكة الله من حملة العرش: أن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه، مسيرة سبعمائة عام". 681 - * روى الطبراني في الأوسط عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أُذن لي أن أحدث عن ملك من حملة العرش، رجلاه في الأرض السفلى، وعلى

_ 679 - الترمذي (5/ 267) 48 - كتاب التفسير، 8 - باب ومن سورة الأعراف. وأحمد (1/ 251). والمستدرك (2/ 586). وقال: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. (يزهر) الأزهر: النير، ورِجل أزهر: أبيض مشرق. 680 - أبو دواد (4/ 232) كتاب السنة، باب في الجهمية. وإسناده صحيح. ومجمع الزوائد (1/ 80). وقال: رواه أبو داود خلا قوله "سبعين عاماً"، ورواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. ورواه الضياء في المختارة. 681 - مجمع الزوائد (1/ 80). وقال رواه الطبراني في الأوسط، وقال: (تفرد به عبد الله بن المنكدر). قلت هو وأبوه ضعيفان.

قرنه العرش، وبين شحمة أذنيه وعاتقه خفقان الطير سبعمائة عام، يقول ذلك الملك: سبحانك حيث كنت". 682 - * روى أحمد عن صفوان بن عسال رضي الله عنه (رفعه): "إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يطلب". 683 - * روى الطبراني في الأوسط عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقرب الملائكة عيراً فيها جرس ولا بيتاً فيه جرس". 684 - * روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: واعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في ساعةٍ أن يأتيه، فجاءت تلك الساعةً، ولم يأته. قالت: وكان بيده عصا، فطرحها من يده، وهو يقول: "ما يُخلف الله وعده، ولا رسله". ثم التفت، فإذا جرو كلبٍ تحت سريرٍ، فقال: "متى دخل هذا الكلب؟ ". فقلت: والله ما دريت به. فأمر به فأخرج، فجاءه جبريل، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وعدتني فجلست لك، ولم تأتني"؟ فقال: منعني الكلب الذي كان في بيتك، إنا لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة. 685 - * روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل أن يأتيه، فراث عليه، حتى اشتد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج، فلقيه جبريل، فشكا إليه، فقال: إنا لا تدخل بيتاً فيه كلبٌ ولا صورةٌ.

_ 682 - أحمد (4/ 239). وأبو داود (3/ 317) كتاب العلم، باب الحث على طلب العلم. 683 - مجمع الزوائد (5/ 175) وقال: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات. وأحمد (4/ 239). وأبو داود (3/ 317) كتاب العلم، باب الحث على طلب العلم. 684 - مسلم (3/ 1664) 37 - كتاب اللباس والزينة، 26 - باب تحريم تصوير صورة الحيوان. 685 - البخاري (10/ 391) 77 - كتاب اللباس، 94 - باب لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة. (فراث) راث عليه: إذا أبطأ.

686 - * روى مسلم عن ميمونة- زوج النبي صلى الله عليه وسلم- رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبح عندها يوماً واجماً؛ فقالت له: لقد استنكرت هيئتك منذ اليوم. فقال: "إن جبريل كان وعدني أن يلقاني، فلم يلقني، أما والله ما أخلفني". فظل رسول الله صلى الله عليه وسلم يومه ذلك على ذلك، ثم وقع في نفسه جرو كلبٍ تحت فُسطاطٍ لنا، فأمر به فأخرج، ثم أخذ [بيده] ماءً، فنضح مكانه، فلما أمسى لقيه جبريل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم [له]: "كنت وعدتني البارحة؟ " قال: أجل، ولكنا لا تدخل بيتا فيه كلب ولا صورة. فأصبح فأمر بقتل الكلاب يومئذ، حتى إنه يأمر بقتل كلب الحائط الصغير، ويترك كلب الحائط الكبير. وللنسائي (2) أيضاً في أخرى قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له جبريل: إنا لا تدخل بيتاً فيه كلبٌ ولا صورةٌ، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ، فأمر بقتل الكلاب، حتى إنه ليأمر بقتل الكلب الصغير. 687 - * روى البخاري ومسلم، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: سمعت أبا طلحة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلبٌ ولا صورة تماثيل". 688 - * روى أبو داود عن عمار رضي الله عنه قال: قدمت على أهلي ليلاً وقد تشققت يداي، فضمخوني بالزعفران، فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلمت عليه فلم يرد عليَّ ولم يرحب بي فقال: "اغسل هذا". قال: فذهبت فغسلته، ثم جئت وقد بقي عليّ منه

_ 686 - مسلم (3/ 1664) 37 - كتاب اللباس والزينة، 26 - باب تحريم تصوير صورة الحيوان. والنسائي (7/ 186) 42 - كتاب الصيد والذبائح، 11 - باب امتناع الملائكة من دخول بيت فيه كلب. (2) النسائي (7/ 184) 42 - كتاب الصيد والذبائح، 9 - باب الأمر بقتل الكلاب. (واجماً) الواجمُ: المُطرِق المفكر من شدة الحزن. ... (فسطاط) الفسطاط: بيتٌ من شعر. 687 - البخاري (6/ 312) 59 - كتاب بدء الخلق، 7 - باب إذ قال أحدكم "آمين" والملائكة ... إلخ. مسلم (3/ 1665) 37 - كتاب اللباس والزينة، 26 - باب تحريم تصوير صورة الحيوان. وأحمد (4/ 28). والترمذي (5/ 114) 44 - كتاب الأدب، 44 - باب ما جاء أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة ولا كلب. 688 - أبو داود (4/ 79) كتاب الترجل، باب في الخلوق للرجال. وأحمد (4/ 32).

شيء فسلمتُ عليه، فلم يرد عليّ ولم يرحب بي، وقال: "اغسل هذا عنك". فذهبت فغسلته، ثم جئت فسلمت عليه فرد عليّ ورحَّب بي وقال: "إن الملائكة لا تحضر جنازة الكافر ولا المتضمخ بزعفران ولا الجنب" ورخَّص للجنب إذا نام أو أكل أو شرب أن يتوضأ. 689 - * روى أبو داود عن تميم الداري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته، فإن كان أتمَّ، كتبت له تامةً، وإن لم يكن أتم، قال الله لملائكته: انظروا هل تجدون لعبدي من تطوعٍ فتكملون بها فريضته؟ ثم الزكاة كذلك، ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك". 690 - * روى أحمد عن عبد الله بن عامر الألهاني، قال: دخل السجد حابس بن سعدٍ الطائي من السحر- وقد أدرك النبي- فرأى الناس يصلون في مُقدم المسجد فقال: مُراؤون ورب الكعبة، أرعبوهم فمن أرعبهم فقد أطاع الله ورسوله. فأتاهم الناس فأخرجوهم. قال: فقال: إن الملائكة يصلون من السحر في مقدم المسجد. 691 - * روى أبو داود عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: صلى بنا أو صلَّى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الغداة، ثم قال: "أشاهد فلان؟ " مرتين. قلنا: نعم، ولم يشهد الصلاة. ثم قال: "أشاهد فلان؟ " قلنا: نعم، ولم يشهد الصلاة. قال: "إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو تعلمون ما فيهما من

_ 689 - أبو داود (1/ 229) كتاب الصلاة- باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كلا صلاة لا يتمها صاحبها ... ". وأحمد (4/ 320). وابن ماجه (1/ 458) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها 202 - باب ما جاء في أول ما يحاسب به العبد. والمستدرك (1/ 262). 690 - أحمد (4/ 105). مجمع الزوائد (3/ 16)، وقال رواه أحمد والطبراني في الكبير، وفيه عبد الله بن عامر الألهاني ولم أجد من ذكره. 691 - أبو داود (1/ 151) كتاب الصلاة، باب في فضل صلاة الجماعة. والنسائي (2/ 104) 10 - كتاب الإمامة، 45 - باب الجماعة إذا كانوا اثنين. وأحمد (5/ 140). والمستدرك (1/ 246).

الرغائب لأتيتموهما، ولو حبواً، وإن الصف الأول على مثل صف الملائكة، ولو تعلمون فضيلته لابتدرتموه، وان صلاتك مع رجلٍ أزكى من صلاتك وحدك، وإن صلاتك مع رجلين أزكى من صلاتك مع رجلٍ، وما اكثرت فهو أحب إلى الله". 692 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الملائكة يتعاقبون: ملائكةٌ بالليل وملائكةٌ بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وفي صلاة العصر، ثم يعرُج إليه الذين باتوا فيكم فيسألهم- وهو أعلم- فيقول: كيف تركتم عبادي؟ فقالوا: تركناهم يُصلون، وأتيناهم يصلون". 693 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده. فقالوا: اللهم ربنا لك الحمد. فإنه من وافق قوله قول الملائكة عفر له ما تقدم من ذنبه. 694 - * روى أحمد عن أبي عبد الرحمن قال سمعت علياً رضى الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن العبد إذا جلس في مصلاه بعد الصلاة صلت عليه الملائكة، وصلاتهم عليه: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه. وإن جلس ينتظرُ الصلاة صلت عليه الملائكة، وصلاتهم عليه: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه". 695 - * روى ابن ماجه عن مطرفٍ بن عبد الله بن الشخير أن نوفاً وعبد الله بن عمروٍ

_ 692 - البخاري (2/ 33) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 16 - باب فضل صلاة العصر. مسلم (1/ 439) 5 - كتاب المساجد، 37 - باب فضل صلاتي الصبح والعصر. والنسائي (1/ 240) 5 - كتاب الصلاة، 21 - باب فضل صلاة الجماعة. والموطأ (1/ 170) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 24 - باب جامع الصلاة. 693 - البخاري (2/ 283) 10 - كتاب الأذان، 125 - باب فضل "اللهم ربنا لك الحمد". مسلم (1/ 306) 4 - كتاب الصلاة، 18 - باب التسميع والتحميد والتأمين. والموطأ (1/ 88) 3 - كتاب الصلاة، 11 - باب ما جاء في التأمين خلف الإمام. 694 - أحمد (1/ 144). مجمع الزوائد (2/ 36)، وقال: رواه أحمد، وفيه عطاء بن السائب وهو ثقة، لكنه اختلط آخر عمره. وروى البخاري نحوه عن أبي هريرة (1/ 564) 8 - كتاب الصلاة، 87 - باب الصلاة في مسجد السوق. 695 - ابن ماجه (1/ 262) 4 - كتاب المساجد والجماعات، 19 - باب لزوم المساجد وانتظار الصلاة. وهو صحيح. =

اجتمعا، فقال نوفٌ: فذكر الحديث، فقال عبد الله بن عمرو بن العاص: وأنا أحدثك عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلةٍ فعقَّب من عقَّب، ورَجَع من رَجَع، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يثور الناس لصلاة العشاء، فجاء وقد حفزه النفس رافعاً أصبعه هكذا، وعقد تسعاً وعشرين وأشار بأصبعه السبابة إلى الماء وهو يقول: "أبشروا معشر المسلمين، هذا ربكم عز وجل قد فتح باباً من أبواب السماء يُباهي بكم الملائكة، يقول: ملائكتي، انظروا إلى عبادي أدوا فريضة وهم ينتظرون أخرى". 696 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا كان يوم الجمعة كان على كل بابٍ من أبواب المسجد الملائكة يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاءوا يستمعون الذكر". 697 - * روى البخاري ومسلم عن سالمٍ، عن ابن عمر، قال: كان الرجل في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصَّها على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فتمنيت أن أرى رؤيا أقصها على النبي صلى الله عليه وسلم. قال: وكنت غلاماً شاباً عزباً، وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيت في النوم كأن ملكينٍ أخذاني فذهبا بي إلى النار. فإذا هي مطوية كطي البئر. وإذا لها قرنان كقرني البئر، وإذا فيها ناس قد عرفتهم. فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار. قال: فلقيهما ملكٌ فقال لي: لم ترع. فقصصتها على حفصة، فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى لله عليه وسلم: "نعم الرجل عبد الله! لؤ كان يصلي من الليل".

_ = وأحمد (2/ 186). (عقب) أي: بقي في المسجد حتى صلى الصلاة اللاحقة. (حفزه): أعجله. 696 - البخاري (6/ 304) 59 - كتاب بدء الخلق، 6 - باب ذكر الملائكة. 697 - البخاري (12/ 419) 91 - كتاب التعبير، 36 - باب الأخذ على اليمين في النوم. مسلم (4/ 1927) 44 - كتاب فضائل الصحابة، 31 - باب فضائل عبد الله بن عمر. وأحمد (2/ 146).

قال سالم: فكان عبد الله، بعد ذلك، لا ينام من الليل إلا قليلاً. 698 - * روى البخاري عن أُسيد بن حضير، قال: بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة وفرسه مربوطٌ عنده إذ جالت الفرس، فسكت فسكنت، فقرأ فجالت الفرس، فسكت وسكت الفرس، ثم قرأ فجالت الفرس، فانصرف. وكان ابنه يحيى قريباً منها فأشفق أن تصيبه، فلما اجتره رفع رأسه إلى السماء حتى ما يراها، فلما أصبح حدث النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: "اقرأ يا ابن حضير، اقرأ يا ابن حضير قال: فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى، وكان منها قريباً، فرفعت رأسي فانصرفت إليه، فرفعت رأسي إلى السماء فإذا مثل الظُلة فيها أمثال المصابيح، فخرجت حتى لا أراها. قال: "وتدري ما ذلك؟ " قال: لا. قال: "تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها، لا تتوارى منهم". 699 - * روى أحمد عن أنس أو غيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استأذن على سعد بن عبادة، فقال: "السلام عليكم ورحمة الله" فقال سعد: وعليك السلام ورحمة الله، ولم يسمع النبي صلى الله عليه وسلم، حتى سلم ثلاثاً وردّ عليه سعد ثلاثاً، ولم يُسمعه فرجع النبي صلى الله عليه وسلم واتبعه سعد فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي ما سلمت تسليمةٌ إلا هي بأُذني، ولقد رددت عليك ولم أسمعك، أحببت أن أستكثر من سلامك ومن البركة، ثم أدخله البيت فقرَّب له زبيباً، فأكل نبي الله صلى الله عليه وسلم فلا فرغ قال: "أكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة وأفطر عندك الصائمون". وفي رواية لأحمد وأبي داود (3) عن أنس بن مالك، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أفطر عند أهل بيت قال: "أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرارُ وتنزلت عليكم الملائكة".

_ 698 - البخاري (9/ 63) 96 - كتاب فضائل القرآن، 15 - باب نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن. 699 - أحمد (3/ 138). مجمع الزوائد (8/ 34). (1) أحمد (3/ 201).

700 - * روى مسلم عن صفوان بن عبد الله بن صفوان قال: أتيت الشام، فدخلت على أبي الدرداء فلم أجده ووجدتُ أم الدرداء فقالت: تريد الحج العام. قال: قلت: نعم. فقالت: فادع لنا بخير فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "إن دعوة المسلم مستجابةٌ لأخيه بظهر الغيب عند رأسه ملكٌ مؤكلٌ كلما دعا لأخيه بخيرٍ قال: آمين، ولك بمثل". 701 - * روى مسلم عن طلحة بن عُبيد الله بن كريز، قال: حدثتني أم الدرداء، قالت: حدثني سيدي؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من دعا لأخيه بظهر الغيب، قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثلٍ". 702 - (3) ما روى مسلم عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن رجلاً زار أخاً له في قريةٍ أخرى. فأرصد الله له على مدرجته ملكاً. فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخاً لي في هذه القرية. قال: هل لك عليه من نعمةٍ تربها؟ قال: لا. غير أني أحببته في الله عز وجل. قال: فإني ژشول الله إليك: بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه". 703 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من يومٍ يُصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً. ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً". 704 - * روى مسلم عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نفس عن

_ 700 - مسلم (4/ 2094) 48 - كتاب الذكر والدعاء، 23 - باب فضل الدعاء للمسلمين بظهر الغيب. وأحمد (5/ 195). 701 - مسلم، الموضع السابق. 702 - مسلم (4/ 1988) 45 - كتاب البر والصلة، 12 - باب في فضل الحب في الله. (تربها): أي تقوم بإصلاحها، وتنهض إليه بسبب ذلك. 703 - البخاري (3/ 304) 24 - كتاب الزكاة، 27 - باب قول الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى}. مسلم (2/ 700) 12 - كتاب الزكاة، 17 - باب في المنفق والممسك. 704 - مسلم (4/ 2074) 48 - كتاب الذكر والدعاء، 11 - فضل الاجتماع على تلاوة القرآن.

مؤمنٍ كُربةً من كرب الدنيا، نفس الله عنة كربةً من كُرب يوم القيامة. ومن يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة. ومن ستر مسلماً، ستره الله في الدنيا والآخرة. والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً، سهل الله له به طريقاً إلى الجنة. وما اجتمع قوم في بيتٍ من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينةُ، وعشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده. ومن بطأ به عمله، لم يسرع به نسبته". 705 - * روى أحمد عن أبي المدلة مولى أم المؤمنين، سمع أبا هريرة يقول: قلنا: يا رسول الله إنا إذا رأيناك رقت قلوبنا وكنا أهل الآخرة، وإذا فارقناك أعجبتنا الدنيا وشتمنا النساء والأولاد قال: "لو تكونون" أو قال: "لو أنكم تكونون على كل حالٍ على الحال التي أنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة بأكفهم، ولزارتكم في بيوتكم ولولم تذنبوا لجاء الله بقومٍ يذنبون كي يغفر لهم". 706 - * روى الترمذي عن أنسٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "من ابتغى القضاء، وسأل فيه شفعاء، وكل إلى نفسه. ومن أكره عليه، أنزل الله عليه ملكاً يسدده". 707 - * روى مالك عن سعيد بن المسيب؛ أن عمر بن الخطاب اختصم إليه مسلم ويهودي، فرأى عمر أن الحق لليهودي فقضى له، فقال له اليهودي: والله لقد قضيت بالحق. فضربه عمر بن الخطاب بالدرة، ثم قال: وما يدريك؟ فقال له اليهودي: إنا نجد أنه ليس قاضي يقضي بالحق، إلا كان عن يمينه ملك وعن شماله ملكٌ، يسددانه ويوفقانه للحقِّ- ما دام مع الحق- فإذا ترك الحق عرجاً وتركاه.

_ 705 - أحمد (2/ 304). وإسناده لا بأس به. 706 - الترمذي (3/ 614) 13 - كتاب الأحكام، 1 - باب ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في القاضي. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، وهو أصح من حديث إسرائيل عن عبد الأعلى. قال الحافظ في فتح الباري: وله طرق وقد ضعفه بعضهم. 707 - الموطأ (2/ 719) 26 - كتاب الأقضية، 1 - باب الترغيب في القضاء بالحق.

708 - * روى مسلم عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما جلس قومٌ يذكرون الله، إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده". 709 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله؛ فإنها رأت ملكاً، وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان، فإنه رأي شيطاناً". 710 - * روى مسلمٌ عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل: أي الكلام أفضل؟ قال: "ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده: سبحان الله وبحمده". 711 - * روى مسلم عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تفتح أبواب الجنة في كل اثنين وخميس"- قال معمر وقال غير سهيل- "وتعوض الأعمال في كل اثنين وخميس فيغفر الله عز وجل لكل عبد لا يشرك به شيئاً إلا المتشاحنين، يقول الله للملائكة: ذروهما حتى يصطلحا". 712 - * روى مسلم عن ابن سيرين: أبا هريرة يقول: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: "من أشار إلى أخيه بحديدةٍ، فإن الملائكة تلعنه، حتى وإن كان أخاه لأبيه وأمه".

_ 708 - مسلم (4/ 2074) 48 - كتاب الذكر والدعاء، 11 - باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن. وأحمد (3/ 49). والإحسان بترتيب ابن حبان (2/ 108). 709 - البخاري (6/ 350) 59 - كتاب بدء الخلق، 15 - باب خير مال المسلم غنمٌ .... إلخ. 710 - مسلم (4/ 2093) 48 - كتاب الذكر والدعاء، 22 - باب فضل سبحان الله وبحمده. 711 - مسلم (4/ 1987) 45 - كتاب البر والصلة، 11 - باب النهي عن الشحناء. وأحمد (2/ 400). والموطأ (2/ 908) 47 - كتاب حسن الخلق، 4 - باب ما جاء في المهاجرة. (المتشاحنين) المتعاديين، والمشاحن: المعادي. 712 - مسلم (4/ 2020) 45 - كتاب البر والصلة، 35 - باب النهي عن الإشارة بالسلاح. والترمذي (4/ 463) 34 - كتاب الفتن، 4 - باب ما جاء في إشارة المسلم إلى أخيه بالسلاح.

713 - * روى أبو داود عن أبي هريرة؛ أن رجلاً شتم أبا بكر والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يَعْجبُ ويتبسم، فلما أكثر رد عليه بعض قوله، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقام، فلحقه أبو بكر فقال: يا رسول الله كان يشتمني وأنت جالسٌ، فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت. قال: "إنه كان معك ملكٌ يرد عنك، فلما رددت عنه بعض قوله وقع الشيطان فلم أكن لأقعد مع الشيطان". 714 - * روى أبو داود عن عبد الله بن نافع، قال: عاد أبو موسي الاشعري الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال له علي رضي الله عنه: أعائداً جئت أم زائراً؟ قال: لا، بل جئت عائداً. قال عليٌّ رضي الله عنه: أما إنه ما من مسلم يعودُ مريضاً إلا خرج معه سبعون ألف ملكٍ، كلهم يستغفر له إن كان مصبحاً حتى يمسي، وكان له خريفٌ في الجنة، وإن كان ممسياً خرج معه سبعون ألف ملك، كلهم يستغفر له حتى يصبح، وكان له خريف في الجنة. 715 - * روى الترمذي عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطلت السماء، وحق لها أن تئط، ما فيها

_ 713 - أبو داود (4/ 274) كتاب الأدب، باب في الانتصار. وفيه محمد بن عجلان صدوق لكن اختلط عليه أحاديث أبي هريرة، ورواه أبو داود مرسلاً أيضاً، وذكرهما البخاري في تاريخه وقال: المرسل أصح. وأحمد (2/ 436). 714 - أبو داود (3/ 85) كتاب الجنائز، باب في فضل العبادة على وضوء. وأحمد (1/ 81). والمستدرك (1/ 350). وهو صحيح. قوله (وكان له خريف في الجنة): قال في النهاية: "المخارف جمع مخرف بالفتح وهو الحائط من النخل؛ أي أن العائد فيما يجوز من الثواب كأنه على نخل الجنة يخترف ثمارها، وقيل: المخارف جمع مخرفة، وهي سكةً بين صفين من نخل يخترف من أيهما شاء: أي يجتني. وقيل: المخرفة الطريق. أي أنه على طريق تؤديه إلى طريق الجنة" أ. هـ. 715 - الترمذي (4/ 556) 37 - كتاب الزهد. 9 - باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو تعلمون ما أعلم ... ". وابن ماجه (2/ 1402) 37 - كتاب الزهد، 19 - باب الحزن والبكاء. وأحمد (5/ 173). والمستدرك (2/ 510). وهو حديث حسن.

موضع أربع أصابع، إلا وملكٌ واضعٌ جبهته لله تعالى ساجداً، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً، وما تلذذتم بالنساء على الفُرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله". 716 - * روى الترمذي عن زيد بن ثابتٍ رضي الله عنه قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقاع إذ قال: "طوبى للشام". قيل: ولم ذلك يا رسول الله؟ قال: "إن ملائكة الرحمن باسطةٌ أجنحتها عليه". 717 - * روى الترمذي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم. فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة، وسموه بيت الحمد". 718 - * روى أحمد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصلي الملائكة على نائحة ولا على مُرنةٍ". 719 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

_ = (الصعدات): الطرق، وهي جمع، وصُعُد: جمع صعيد. كطريقٍ وطرقٍ وطرقاتٍ. 716 - الترمذي (5/ 734) 50 - كتاب المناقب، 75 - باب في فضل الشام واليمن. وأحمد (5/ 185). والمستدرك (2/ 229). وهو صحيح. 717 - الترمذي (3/ 341) 8 - كتاب الجنائز، 36 - باب فضل المصيبة إذا احتسب. وهو حديث حسن. وأحمد (4/ 415). 718 - أحمد (2/ 363). مجمع الزوائد (3/ 13). وقال: رواه أحمد وأبو يعلى، وفيه أبو مرانة ولم أجد من وثقه ولا جرحه، وبقية رجاله ثقات. (المرنة) المصوتة. 719 - البخاري (6/ 314) 59 - كتاب بدء الخلق، 7 - باب إذا قال أحدكم "آمين". مسلم (2/ 1060) 16 - كتاب النكاح، 20 - باب تحريم امتناعها من فراش زوجها. =

"إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح". 720 - * روى أحمد عن عقبة بن عامر يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ليس من عمل يوم إلا وهو يختم عليه، فإذا مرض المؤمن قالت الملائكة: ياربنا، عبدك فلان قد حبسته. فيقول الرب عز وجل: اختموا له على مثل عمله حتى يبرأ أو يموت". 721 - * روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري؛ أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "كان فيمن كان قبلكم رجلٌ قتل تسعةٌ وتسعين نفساً، فسأل عن أعلم اهل الأرض فدل على راهب، فأتاه فقال: إنه قتل تسعةً وتسعين نفساً، فهل له من توبةٍ؟ فقال: لا. فقتله، فكمَّل به مائةً. ثم سأل عن أغلم أهل الأرض فدل على رجل عالمٍ، فقال: إنه قتل مائة نفسٍ، فهل له من توبة؟ فقال: نعم. ومن يحول بينه وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناسا يعبدون الله، فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء. فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت. فاختضمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب؛ فقالت ملائكة الرخمة: جاء تائباً مقبلاً بقلبه إلى الله. وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيراً قط. فأتاهم ملكٌ في صورة آدميٍّ فجعلوه بينهم، فقال: قيسوا ما بين الأرضين؛ فإلى أيتهما كان أدنى، فهو له. فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضثة ملائكة الرحمة".

_ = وأحمد (3/ 126). 720 - أحمد (4/ 146). والمعجم الكبير (17/ 284). مجمع الزوائد (2/ 303). وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط وفيه ابن لهيعة، وفيه كلام. والمستدرك (4/ 308). 721 - البخاري (6/ 512) 60 - كتاب الأنبياء، 54 - باب حدثنا أبو اليمان. مسلم (4/ 2118) 49 - كتاب التوبة، 8 - باب قبول توبة القاتل.

722 - * روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه أنه حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه- وإنه ليسمع قرع نعالهم- أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ لمحمد صلى الله عليه وسلم. فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله. فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار، قد أبذلك الله به مقعداً من الجنة، فيراها جميعاً. قال قتادة: وذُكِر لنا أنه يُفسح له في قبره. ثم رجع إلى حديث أنس قال: "وأما المنافق والكافر فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس. فيقال: لا در يت ولا تليت. ويضرب بمطارق من حديد ضربةً، فيصبيحُ صيحةً يسمعها من يليه غير الثقلين". 723 - * روى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل: إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها لة حسنةً ما لم يعمل. فإذا عملها فأنا أكتبها بعشر أمثالها. وإذا تحدث بأن يعمل سيئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها، فإذا عملها فأنا أكتبها له بمثلها". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قالت الملائكة: ربِّ، ذاك عبدك يريد أن يعمل سيئة (وهو أبصر به) فقال: ارقبوه. فإن عملها فاكتبوها له بمثلها. وإن تركها فاكتبوها له حسنةً. إنما تركها من جرَّاي". 724 - * روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المدينة يأتيها الدجال فيجد الملائكة يحرسونها فلا يقربها الدجال ولا الطاعون إن شاء الله.

_ 722 - البخاري (3/ 232) 23 - كتاب الجنائز، 86 - باب ما جاء في عذاب القبر. مسلم (4/ 2200) 51 - تاب الجنة، 17 - باب عرض مقعد الميت من الجنة. وأحمد (2/ 126). 723 - مسلم (1/ 117) 1 - كتاب الإيمان، 59 - باب إذا هم العبد بحسنة. 724 - البخاري (13/ 101) 92 - كتاب الفتن، 27 - باب لا يدخل الدجال المدينة.

725 - * روى البخاري عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل المدينة رُعب المسيح الدجال، ولها يومئذٍ سبعة أبوابٍ على كل بابٍ ملكان". وبعد فإن ما مر معنا من النصوص كافٍ ليعرفنا على أن الملائكة مخلوقات نورانية متميزة، فلا هم ذكور ولا هم إناث ولا هم خناثى. وهم مستغرقون في العبادة والطاعة، ولهم وظائفهم المتعددة. ومن معرفة ما وصف به الملائكة ومن معرفة وظائفهم نعرف دقة الترتيب في المملكة الإلهية، فزيادة على هذا الترتيب الكوني المدهش وعلى هذا النظام الكوني البديع، فهناك عالم الملائكة، وهو جزء قائم بشؤون كثيرة من أمر مملكة الله في الدنيا والآخرة، ولعل ما مر معنا وسير تفصيل لأشياء كثيرة نتعرف بها على الله ومملكته ومالكيته، فلننتقل إلى فصل آخر من فصول الغيب لنرى علما آخر مغيباً عنا وهو عالم الجن والشياطين. * * *

_ 725 - البخاري (13/ 90) 92 - كتاب الفتن، 26 - باب ذكر الدجال.

الفصل الخامس في: الجن والشياطين

الفصل الخامس في: الجن والشياطين وفيه: مقدمة ونصوص وتلخيص ونقول ووصلان

المقدمة

المقدمة نعقد هذا الفصل ههنا لأن الجن والشياطين من أمر الغيب، واخترنا أن نذكر هذا الفصل هنا؛ لأن الشياطين وهم جزء من الجن على القول الراجح هم الجهة المقابلة للملائكة من بعض الحيثيات؛ فالملائكة تفعل الخير وتأمر به وتثبت عليه، والشياطين تفعل الشر وتأمر به وتثبت عليه. ومن ملاحظات السيد عبد الرزاق نوفل: (فإن لفظ الملائكة قد تكرر في القرآن الكريم 68 مرةٍ وهو نفس العدد تمامًا الذي تكرر فيه لفظ الشيطان، وأن عدد ما ورد في الآيات الشريفة من مختلف صور لفظ الملائكة كملك ملكا وملكني وملائكة هو 88 مرة، وهو نفس العدد تمامًا أيضًا الذي تكرر فيه مختلف صور لفظ الشيطان كالشياطين وشيطانًا وشياطينهم) ا. هـ. (الجن والملائكة لعبد الرزاق نوفل). والجن مكلفون كالإنسان، وبالتالي فعندهم قدرة على إدراك الخطاب، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1)، {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} (2). وقد ذكرت بعض كتب العقائد أن الجن يكلفون من لحظة الولادة: لأنهم مؤهلون لإدراك الخطاب منذ اللحظة الأولى. ومن آثارهم التي يستأنس بها على وجودهم الصرع الذي لم يزل موجودًا، وتكلم الجان على لسان شخص يتلبس به، وظهورهم لبعض الناس ومخاطبتهم إياهم بالوساوس التي يحسها الإنسان في قلبه كأثر منهم. وعالم الجن فيه الكافر والمؤمن والفاسق، قال تعالى على لسان الجن: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا} (3): أي أديانًا مختلفة.

_ (1) الذاريات: 56. (2) الأنعام: 130. (3) الجن: 11.

{وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ} (1): أي الجائرون. وهل الكافرون منهم هم الشياطين، أو الشياطين جنس آخر؟ فالجن مخلوقات هوائية والشياطين مخلوقات نارية: قولان للعلماء، والراجح أن الشياطين هم كفرة الجن. ولا خلاف أن رسول الله محمدًا صلى الله عليه وسلم أرسل إلى الإنس والجن، وأنه بلغ الرسالة للإنس والجن، وقد ذكر القرآن ذلك في أكثر من سورة، ولكن هل كان الرسل قبل محمد عليه الصلاة والسلام يرسلون إلى الإنس والجن حيث أرسلوا، أو أنه قبل محمد عليه الصلاة والسلام كانت ترسل رسل من الجن؟ قولان للعلماء في ذلك؛ فابن عباس وآخرون يرون أنه لم يبعث الله رسولاً من الجن، وقال الضحاك وابن حزم وآخرون: إنه قد ابتعث الله من الجن أنبياء ورسلاً، ويستشهدون على ذلك بقوله تعالى: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا (2). * * * وقد ألف أكثر من كتاب في الجن وأحكامها، منها القديم ومنها الحديث، عدا ما قاله المفسرون وشراح السنة بمناسبة ورود شيء من ذلك في سياقه، عدا ما تذكره كتب العقائد في الحديث عنهم على اعتبار أن الجن جزء من عالم الغيب، والإيمان بوجودهم من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة التي يكفر منكرها، وممن أفرد التآليف عن الجن قديمًا: ابن القيم في كتابه: "لقط المرجان في أحكام الجان". والقاضي بدر الدين الشبلي الحنفي في كتابه: "آكام المرجان في غرائب الأخبار وأحكام الجان". وقد حاول عبد الرزاق نوفل في كتابه عن "الجن والملائكة" أن يستأنس في بحثه ببعض معطيات عصرنا التي تشير إلى عالم الجن والشياطين، فاستأنس بكلام بعض علماء النفس الذين تحدثوا عن الدوافع الخفية التي تدفع الإنسان إلى اتجاهات معينة، وبكلام بعض علماء الطب بمناسبة العلاج الروحي والنفسي لبعض الأمراض، وتكلم عن معطيات أخرى، وربط الشيخ حسن أيوب بين ما

_ (1) الجن: 15. (2) الأنعام: 130.

يجرى في عمليات تحضير الأرواح وعالم الجن. وعلماء الإسلام سلفًا وخلفًا يذكرون حوادث يقينية كان للجن حضورهم فيها، وهناك أعلام من العلماء تتلمذ عليهم أفراد من الجن، ولابن عابدين -من فقهاء الحنفية- رسالة في تلمذة الجن على شيخه مولانا الشيخ خالد النقشبندي رحمه الله. وإنه لموضوع حري أن يتتبع وتتبع أخباره في الشرق والغرب، وفي الكتب القديمة والحديثة، فذلك يدحض فرية افتراءات الماديين ويلقم الحجر للمشركين، ويكفي المسلم أن يعرف النصوص الواردة في ذلك أن يفهمها حق الفهم وأن يؤمن بها، وهذا الكتاب مقصور على مثل هذا. ونحن سنذكر بعض نصوص القرآن في الجن، ثم نعقب ذلك بذكر بعض النصوص النبوية في هذا الشأن، مع شرح ما لابد من شرحه وبعض التعليقات المختصرة، ثم نعقب ذلك بتلخيص إجمالي هذا الموضوع، ثم بنقل بعض أقوال العلماء. * * *

بعض نصوص القرآن في الجن والشياطين

(1) بعض نصوص القرآن في الجن والشياطين يقرر القرآن أن الجن خلقوا من نار، قال تعالى: {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} (1)، والمارج: هو اللهب الأزرق الخالي من الدخان. {وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ} (2)، ونار السموم: هي المرتفعة الحرارة التي تنفذ حرارتها إلى الأجسام. ويقرر القرآن أن إبليس من الجن، فالجن خلقت قبل أبينا آدم عليه السلام: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} (3). ويذكر القرآن قصة إبليس مع أبينا آدم وما ترتب على ذلك من إهباط كل من إبليس وآدم، وحواء إلى الأرض، والبواعث التي بعثت إبليس على هذا الموقف، ومن ذلك: الكبر والحسد، ويحذرنا الله عز وجل أن نستجيب لوسوسة إبليس وجنوده أو لاتباع خطواته، ويعرفنا القرآن على مآتي الشيطان للإنسان وعلى أنواع إضلاله، وذلك يستغرق حيزًا كبيرًا من القرآن الكريم ومن ذلك: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} (4). {يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} (5). {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي

_ (1) الرحمن: 15. (2) الحجر: 27. (3) الكهف: 50. (4) الأعراف: 17. (5) الأعراف: 27.

الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} (1). {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} (2). وتقرر السنة النبوية أنه ما من إنسان إلا وله قرين من الشياطين، ويذكر القرآن موضوع القرين في أكثر من مكان: {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} (3). {وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا} (4). {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} (5). {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} (6)، أي محل أمنيته وهم أفراد أمته. {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ} (7). {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ} (8). {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} (9). {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} (10).

_ (1) الإسراء: 64. (2) النساء: 119. (3) ق: 27. (4) النساء: 28. (5) الزخرف: 36. (6) الحج: 52. (7) الحشر: 16. (8) الحج: 3. (9) الأنعام: 121. (10) المائدة: 90.

{إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ} (1). {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ} (2). {مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} (3). {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} أي يخوفكم أولياءه {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ} (4). {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} (5). {وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (6). {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} (7). {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ} (8). {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (9). {وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (10). {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (11). ويقرر القرآن أن الشيطان يمكن أن يمس الإنسان فيصيبه بالصرع: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} (12).

_ (1) المائدة: 91. (2) الإسراء: 53. (3) يوسف: 100. (4) آل عمران: 175. (5) الناس: 5، 6. (6) النور: 21. (7) البقرة: 268. (8) العنكبوت: 38. (9) الأنعام: 43. (10) الأنعام: 68. (11) المجادلة: 11. (12) البقرة: 275.

ويقرر القرآن أن للشيطان ذرية، وهذا يقتضي أن عالم الشياطين فيه تزاوج وتناسل؛ ففيه الذكر والأنثى: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} (1). {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} (2). وعالم الشياطين جزء من عالم الجن على القول الراجح، والجن كلهم مكلفون ومحاسبون ومجزيون بالجنة أو بالنار: {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ} (3). {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} (4). {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا} (5). {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ} (6). {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} (7). {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ}، أي الجائرون (8). {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (9). فالجن مكلفون، ومحمد صلى الله عليه وسلم قد أرسل إلى الإنس والجن بإجماعٍ، وهل أرسل قبل محمد إلى الجن رسل منهم، أو أن رسل الإنس رسل للجن في الوقت نفسه؟ قولان للعلماء: والراجح أنه لم يكن في الجن نبوة ولا رسالة وعلى كل الأحوال فالحجة قائمة عليهم:

_ (1) الكهف: 50. (2) الرحمن: 56. (3) الأعراف: 28. (4) الجن: 1، 2. (5) الجن: 11. (6) الجن: 13. (7) الأحقاف: 29. (8) الجن: 14. (9) الذاريات: 56.

{يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا} (1). وللجن عامة قدرات: {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} (2). {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ} (3). وقال تعالى على لسان الجن: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا} (4). ومن قدراتهم ما ذكره القرآن الكريم بقوله: {قَالَ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ} (5). {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} (6). {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ} (7). وينفي القرآن عن الجن معرفة الغيب: {تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} (8). * * *

_ (1) الأنعام: 130. (2) النمل: 17. (3) الرحمن: 23. (4) الجن: 8، 9. (5) النمل: 38، 39. (6) سبأ: 13. (7) الأنبياء: 82. (8) سبأ: 14.

النصوص النبوية

(2) النصوص النبوية 726 - * روى الترمذي عن عبد الله بن مسعودٍ قال استتبعني رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فانطلقنا حتى أتينا مكان كذا وكذا فخط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطه فقال: "كن بين ظهري هذه لا تخرج منها، فإنك إن خرجت منها هلكت". قال: فكنت فيها. قال: فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدق أو أبعد شيئًا. أو كما قال. ثم إنه ذكر هنينا كأنهم الزط -قال: أو كما قال عفان إن شاء الله- عليهم ثياب ولا أرى سوءاتهم، طوال، قليل لحمهم. قال: فأتوا فجعلوا يركبون رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليهم. قال: وجعلوا يأتون فيحتلون حولي ويعرضون. قال عبد الله: فأرعبت منهم رعبًا شديدًا. قال: فجلست -أو كما قال- فلما انشق عمود الصبح جعلوا يذهبون -أو كما قال- ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ثقيلا وجعًا أو يكاد أن يكون وجعا مما ركبوه، قال: "إني أجدني ثقيلاً" أو كما قال. قال: ثم إن هنينا أتوا عليهم ثياب بيض طوال -أو كما قال- وقد أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال عبد الله: فأرعبت أشد مما أرعبت في المرة الأولى. قال عارم في حديثه: فقال بعضهم لبعضٍ: هلم فلنضرب له مثلاً، أو كما قالوا. قال بعضهم لبعضٍ: اضربوا لهم مثلاً ونولي نحن أو نضرب نحن، وتولون أنتم. فقال بعضهم: مثله كمثل سيدٍ بنى بنيانًا حصينًا ثم أرسل إلى الناس بطعامٍ -أو كما قال- فمن لم يأت طعامه (أو قال لم يتبعه) عذب عذابًا شديدًا (أو كما قال الآخرون) أما السيد فهو رب العالمين، وأما البنيان فهو الإسلام، والطعام الجنة وهو الداعي، فمن اتبعه كان في الجنة -قال عارم في حديثه: أو كما قالوا- ومن لم يتبعه عذب أو كما قال. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما رأيت يا ابن أم عبدٍ؟ ". قال عبد الله: رأيت كذا وكذا. فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "ما

_ 726 - الترمذي (5/ 145) 45 - كتاب الأمثال، 1 - باب ما جاء في مثل الله لعباده. وروايته له مختصرة. وقال: حسن صحيح غريب. ومسند أحمد (1/ 399). مجمع الزوائد (8/ 260). وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير عمرو البكالي وذكره العجلي في ثقات التابعين وابن حبان وغيره في الصحابة.

خفي علي شيء مما قالوا". قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هم نفر من الملائكة". أو قال: "هم من الملائكة". أو كما شاء الله. 727 - * روى مسلم عن علقمة رحمه الله، قال: قلت لابن مسعودٍ: هل صحب النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن منكم أحد؟ قال: ما صحبه منا أحد، ولكنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلةٍ ففقدناه، فالتمسناه في الأودية والشعاب، فقلنا: استطير، أو اغتيل. فبتنا بشر ليلةٍ بات بها قوم، فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل جراء. قال: فقلنا: يا رسول الله، فقدناك، فطلبناك، فلم نجدك، فبتنا بشر ليلةٍ بات بها قوم. قال: "أتاني داعي الجن، فذهبت معه، فقرأت عليهم القرآن". قال: فانطلق بنا، فأرانا آثارهم، وآثار نيرانهم وسألوه الزاد، فقال: "لكم كل عظمٍ ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما، وكل بعرةٍ علف لدوابكم". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فلا تستنجوا بهما، فإنهما طعام إخوانكم". وفي رواية (1) بعد قوله: "وآثار نيرانهم"، قال الشعبي: وسألوه الزاد؟ وكانوا من جن الجزيرة -إلى آخر الحديث، من قول الشعبي مفصلاً من حديث عبد الله. ورواه الترمذي (2)، وذكر فيه قول الشعبي، كما سبق في هذه الرواية الآخرة، وزاد فيه: "أو روثةٍ".

_ 727 - مسلم (1/ 222) 4 - كتاب الصلاة، 33 - باب الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن. (1) مسلم: الموضع السابق. (2) الترمذي (5/ 382) 48 - كتاب التفسير، 47 - باب ومن سورة الأحقاف. وقال: حسن صحيح. قال النووي: قال الدارقطني: انتهى حديث ابن مسعود عند قوله: "فآرانا آثارهم، وآثار نيرانهم" وما بعده قول الشعبي، كما رواه أصحاب داود الراوي عن الشعبي، وابن علية، وابن زريع، وابن أبي زائدة، وابن إدريس وغيرهم. هكذا قاله الدارقطني وغيره. ومعنى قوله: إنه من كلام الشعبي. أنه ليس مرويًا عن ابن مسعود بهذا الإسناد، وإلا فالشعبي لا يقول هذا الكلام إلا بتوقيف عن النبي صلى الله عليه وسلم. (استطير) أي: طارت به الجن. (اغتيل): قتل سرًا، والغيلة: بكسر الغين، هي القتل خفية. قوله: (لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه)، قال بعض العلماء: هذا لمؤمنيهم. وأما غيرهم فجاء في حديث آخر "أن طعامهم: ما لم يذكر اسم الله عليه".

وفي رواية لمسلم (1) أن ابن مسعود قال: لم أكن ليلة الجن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووددت أني كنت معه. لم يزد على هذا. وروى أبو داود (2) منه طرفًا، قال: قلت لعبد الله بن مسعودٍ: من كان منكم ليلة الجن مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما كان معه منا أحد. لم يزد على هذا. 728 - * روى الطبراني عن الزبير بن العوام قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح في مسجد المدينة فلما انصرف قال: "أيكم يتبعني إلى وفد الجن الليلة؟ " فأسكت القوم فلم يتكلم منهم أحد، قال ذلك ثلاثًا، فمر بي يمشي فأخذ بيدي، فجعلت أمشي معه حتى خنست عنا جبال المدينة كلها، وأفضينا إلى أرض بزار فإذا رجال طوال كأنهم الرماح مستذفري ثيابهم من بين أرجلهم، فلما رأيتهم غشيتني رعدة شديدة حتى ما تمسكني رجلاي من الفرق، فلما دنونا منهم خط لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بإبهام رجله في الأرض خطأ، فقال لي: "اقعد في وسطه". فلما جلست ذهب عني كل شيء كنت أجده من ريبة، ومضى النبي صلى الله عليه وسلم بيني وبينهم فتلا قرآنًا رفيعًا حتى طلع الفجر، ثم أقبل حتى مر بي فقال لي: "الحق". فجعلت أمشي معه فمضينا غير بعيد فقال لي: "التفت فانظر هل ترى حيث كان أولئك من أحد؟ ". قلت: يا رسول الله أرى سوادًا كثيرًا. فخفض رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه إلى الأرض فنظم عظمًا بروثة ثم رمى به إليهم، ثم قال: "رشد. أولئك مني، وفد قوم هم وفد نصيبين سألوني الزاد فجعلت لهم كل عظم وروثة". قال الزبير: فلا يحل لأحد أن يستنجي بعظم ولا روثة أبدًا.

_ (1) مسلم (1/ 222) نفس الكتاب والباب السابقين. (2) أبو داود (1/ 22) كتاب الطهارة، باب الوضوء بالنبيذ. 727 - المعجم الكبير (1/ 125). مجمع الزوائد (1/ 209). وقال: إسناده حسن، ليس فيه غير بقية وقد صرح بالتحديث. (خنست) خنس عنه: تأخر، وبابه دخل ونصر. (براز) البراز: الفضاء الواسع.

729 - * روى مسلم عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خلقت الملائكة من نورٍ. وخلق الجان من مارجٍ من نارٍ. وخلق آدم مما وصف لكم". 730 - * روى مسلم عن أبي هريرة: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا ويله (وفي رواية أبي كريب: يا ويلي) أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار". 731 - * روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الملائكة تنزل في العنان" وهو السحاب- "فتذكر الأمر قضي في السماء، فتسترق الشياطين السمع فتسمعه فتوحيه إلى الكهان، فيكذبون منها مائة كذبةٍ من عند أنفسهم". 732 - * روى البخاري: قال ابن عباس رضي الله عنهما: صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد، أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل. وأما سواع فكانت لهذيل. وأما يغوث فكانت لمرادٍ، ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ. وأما يعوق فكانت لهمدان. وأما نسر فكانت لحميرٍ، لآل ذي الكلاع. أسماء رجالٍ صالحين من قوم نوحٍ. فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابًا وسموها بأسمائهم ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت.

_ 729 - مسلم (4/ 2294) 53 - كتاب الزهد والرقائق، 10 - باب في أحاديث متفرقة. وأحمد (6/ 153). 730 - مسلم (1/ 87) 1 - كتاب الإيمان، 35 - باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة. وأحمد (2/ 443) بلفظ مقارب. وابن ماجه (1/ 334) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 70 - باب سجود القرآن. 731 - البخاري (6/ 304) 59 - كتاب بدء الخلق، 6 - باب ذكر الملائكة. 732 - البخاري (8/ 667) 65 - كتاب التفسير، 1 - باب (وذا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق). (دومة): بضم الدال، اسم موضع. قال في لسان العرب: ويسميه أهل الحديث ذومة بالفتح وهو خطأ. وقال ابن الأثير: وقد وردت في الحديث، وتضم دالها وتفتح.

733 - * روى مسلم عن أنس بن مالكٍ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل صلى الله عليه وسلم وهو يلعب مع الغلمان. فأخذه فصرعه فشق عن قلبه. فاستخرج القلب. فاستخرج منه علقة. فقال: هذا حظ الشيطان منك. ثم غسله في طستٍ من ذهب بماء زمزم. ثم لأمه ثم أعاده في مكانه. وجاء الغلمان يسعون إلى أمه (يعني ظئره) فقالوا: إن محمدًا قد قتل. فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره". 734 - * روى البخاري عن عبد الله بن عمر قال: ما سمعت عمر لشيء قط يقول: إني لأظنه كذا إلا كان كما يظن. بينما عمر جالس إذ مر به رجل جميل فقال عمر: لقد أخطأ ظني، أو إن هذا على دينه في الجاهلية، أو لقد كان كاهنهم، علي الرجل. فدعي له، فقال له ذلك. فقال: ما رأيت كاليوم استقبل به رجل مسلم. قال: فإني أعزم عليك إلا ما أخبرتني. قال: كنت كاهنهم في الجاهلية. قال: فما أعجب ما جاءتك به جنيتك؟ قال: بينما أنا يومًا في السوق، جاءتني أعرف فيها الفزع فقالت: ألم تر الجن وإبلاسها، ويأسها من بعد إنكاسها، ولحوقها بالقلاص وأحلاسها. قال عمر: صدق، بينما أنا نائم عند آلهتهم، إذ جاء رجل بعجلٍ فذبحه، فصرخ به صارخ لم أسمع صارخًا قط أشد صوتًا منه يقول: يا جليح، أمر نجيح، رجل فصيح، يقول: لا إله إلا أنت. فوثب القوم. قلت: لا أبرح حتى أعلم ما وراء هذا. ثم نادى: يا جليح، أمر نجيح، رجل فصيح، يقول: لا إله إلا الله. فقمت

_ 733 - مسلم (1/ 147) 1 - كتاب الإيمان، 74 - باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم. وأحمد (2/ 149). 734 - البخاري (7/ 177) 63 - كتاب مناقب الأنصار، 35 - باب إسلام عمر بن الخطاب. (إبلاسها): الإبلاس: التحير والدهش. (يأسها): كأن الجن يأست مما كانت تدركه من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم. (إنكاسها): انقلابها عن أمرها. (القلاص): جمع القلوص وهي الناقة الشابة. (أحلاسها): الحلس: الكساء الذي يكون على ظهر البعير. (جليح): اسم رجل. (نجيح): النجيح: السريع، أو هو الظفر بالمطلوب من النجاح. (نشبنا): أي لبثنا.

فما نشبنا أن قيل: هذا نبي. 735 - * روى مسلم عن عبد الله بن مسعودٍ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحدٍ إلا وقد وكل به قرينه من الجن". قالوا: وإياك؟ يا رسول الله! قال: "وإياي. إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير". غير أن في حديث سفيان "وقد وكل به قرينه من الجن، وقرينه من الملائكة". 736 - * روى مسلم: قال عروة: إن عائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدثته؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من عندها ليلاً. قالت: فغرت عليه، فجاء فرأى ما أصنع. فقال: "مالك؟ يا عائشة! أغرت؟ " فقلت: وما لي لا يغار مثلي على مثلك فقال صلى الله عليه وسلم: "أقد جاءك شيطانك؟ " قالت: يا رسول الله أو معي شيطان؟ قال: "نعم". قلت: ومع كل إنسانٍ؟ قال: "نعم" قلت: ومعك؟ يا رسول الله! قال: "نعم. ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم". 737 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاث مراتٍ. فإن الشيطان يبيت على خياشيمه". 738 - * روى مسلم عن عبد الله: قال: ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل نام ليلة حتى أصبح. قال: "ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه". أو قال: "في أذنه".

_ = (نشينا): أي لبثنا. 735 - مسلم (4/ 2167) 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، 16 - باب تحريش الشيطان ... إلخ. وأحمد (1/ 385). 736 - مسلم (4/ 2168) الموضع السابق. 737 - البخاري (6/ 339) 59 - كتاب بدء الخلق، 11 - باب صفة إبليس وجنوده. مسلم (1/ 213) 2 - كتاب الطهارة، 8 - باب الإيثار في الاستنثار والاستجمار. والنسائي: (1/ 67) 1 - كتاب الطهارة، 73 - باب الأمر بالاستنثار عند الاستيقاظ من النوم. 738 - مسلم (1/ 537) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 28 - باب ما روي فيمن نام الليل أجمع حتى أصبح.

قال النووي: (بال الشيطان في أذنيه) اختلفوا في معناه. فقال ابن قتيبة: معناه أفسده. وقال المهلب والطحاوي وآخرون: هو استعارة وإشارة إلى انقياده للشيطان وتحكمه فيه، عقده على قافية رأسه: عليك ليل طويل. وإذلاله له، وقيل: معناه استخف به واحتقره واستعلى عليه. يقال: لمن استخف بإنسان وخدعه: بال في أذنه. وأصل ذلك في دابة تفعل ذلك بالأسد، إذلالا له. وقال الحربي: معناه ظهر عليه وسخر منه. قال القاضي عياض: ولا يبعد أن يكون على ظاهره قال: وخص الأذن لأنها حاسة الانتباه. ا. هـ. 739 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع، فإن أحدكم إذا قال: ها ضحك الشيطان". 740 - * روى مسلم عن سهيل بن أبي صالح، قال: سمعت ابنا لأبي سعيد الخدري يحدث أبي عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا تثاؤب أحدكم، فليمسك بيده على فيه. فإن الشيطان يدخل". 741 - * روى مسلم عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر. إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة". 742 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:

_ 739 - البخاري (6/ 338) 59 - كتاب بدء الخلق، 11 - باب صفة إبليس وجنوده. مسلم (4/ 2293) 53 - كتاب الزهد والرقائق، 9 - باب تشميت العاطس وكراهة التثاؤب. 740 - مسلم: الموضع السابق. 741 - مسلم (1/ 539) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 29 - باب استحباب صلاة النافلة ... والترمذي (5/ 157) 46 - كتاب فضائل القرآن، 2 - باب ما جاء في فضل سورة البقرة وآية الكرسي. وقال: حديث حسن صحيح. وأحمد (2/ 284). 742 - البخاري (2/ 84) 10 - كتاب الآذان، 4 - باب فضل التأذين. =

"إذا نودي بالصلاة أبدر الشيطان وله ضراط، فإذا قضي أقبل، فإذا ثوب بها أدبر، فإذا قضي أقبل حتى يخطر بين الإنسان وقلبه فيقول: اذكر كذا وكذا. حتى لا يدري أثلاثًا صلى أم أربعًا، فإذا لم يدر ثلاثًا صلى أو أربعًا سجد سجدتي السهو". 743 - * روى البخاري عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري عن أبيه أنه أخبره أن أبا سعيدٍ الخدري رضي الله عنه قال له: "إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك وباديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة". قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. 744 - * روى أبو داود عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رصوا صفوفكم وقاربوا بينها وحاذوا بالأعناق، فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشياطين تدخل من خلل الصفوف كأنها الحذف". 745 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى صلاة فقال: "إن الشيطان عرض لي فشد علي يقطع الصلاة علي، فأمكنني الله منه". 746 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه سلم: "إن عفريتًا من الجن تفلت البارحة ليقطع علي صلاتي، فأمكنني الله منه، فأخذته، فأردت أن

_ = مسلم (1/ 291) 4 - كتاب الصلاة، 8 - باب فضل الآذان وهرب الشيطان عند سماعه. ومالك (1/ 69) 2 - كتاب الصلاة، 1 - باب ما جاء في النداء للصلاة. 743 - البخاري (2/ 87) 10 - كتاب الآذان، 5 - باب رفع الصوت بالنداء. 744 - أبو داود (1/ 179) كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف. والنسائي (2/ 92) 10 - كتاب الإمامة، 28 - باب حث الإمام على رص الصفوف والمقاربة بينها. وأحمد (3/ 283). وابن حبن (3/ 218) كتاب الصلاة -باب فرض متابعة الإمام. وهو حديث صحيح. (الحذف): بفتحتين، غنم سود صفار من غنم الحجاز. 745 - البخاري (3/ 80) 21 - كتاب العمل في الصلاة، 10 - ما يجوز من العمل في الصلاة. 746 - البخاري (1/ 554) 8 - كتاب الصلاة، 75 - باب الأسير أو الغريم يربط في المسجد.

أربطه على ساريةٍ من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم، فذكرت دعوة أخي سليمان: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} فرددته خاسئًا". 747 - * روى البزار عن جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الشيطان عرض لي فجعل يلقي علي شرر النار فلولا دعوة أخي سليمان لأخذته". (دعوة سليمان): قوله تعالى على لسانه: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} (1). 748 - * روى الطبراني عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "دخلت البيت فإذا شيطان خلف الباب فخنقته حتى وجدت برد لسانه على يدي، فلولا دعوة العبد الصالح لأصبح مربوطًا يراه الناس". 749 - * روى أحمد عن عياض قال: قلت لأبي سعيد الخدري: أحدنا يصلي فلا يدري كم صلى. فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم فلا يدري كم صلى فليسجد سجدتين وهو جالس، وإذا جاء أحدكم الشيطان فقال: إنك قد أحدثت فليقل: كذبت. إلا ما وجد ريحه بأنفه أو سمع صوته بأذنه".

_ = مسلم (1/ 284) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 8 - باب جواز لعن الشيطان. وأحمد (2/ 268). (عفريت): متمرد من إنس أو جان. 747 - كشف الأستار: (3/ 131). مجمع الزوائد (8/ 229). وقال: ورجاله رجال الصحيح. (1) ص: 35. 748 - مجمع الزوائد (7/ 229). 749 - أحمد (3/ 51، 53). وأبو داود (1/ 370) كتاب الصلاة، باب من قال يتم على أكبر ظنه. والترمذي (2/ 243) أبواب الصلاة، 291 - باب ما جاء في الرجل يصلي فيشك ... إلخ. وقال: حديث حسن.

750 - * روى البخاري عن أبي سعيد الخدري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا مر بين أحدكم شيء وهو يصلي فيلمنعه، فإن أبى فليمنعه فإن أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان". 751 - * روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن التفات الرجل في الصلاة فقال: "هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة أحدكم". 752 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة، يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ثلاث عقدٍ إذا نام. بكل عقدةٍ يضرب عليك ليلاً طويلاً. فإذا استيقظ، فذكر الله. انحلت عقدة، وإذا توضأ، انحلت عنه عقدتان. فإذا صلى انحلت العقد. فأصبح نشيطًا طيب النفس. وإلا أصبح خبيث النفس كسلان". 753 - * روى مسلم عن عبد الله، قال: لا يجعلن أحدكم للشيطان من نفسه جزءًا،

_ 750 - البخاري (6/ 335) 59 - كتاب بدء الخلق، 11 - باب صفة إبليس وجنوده. 751 - البخاري (2/ 234) 10 - كتاب الأذان، 93 - باب الالتفات في الصلاة. وأبو داود (1/ 229) كتاب الصلاة، باب الالتفات في الصلاة. والنسائي (3/ 8) 13 - كتاب السهو، 10 - باب التشديد في الالتفات في الصلاة. وأحمد (6/ 106). 752 - البخاري (3/ 24) 19 - كتاب التهجد، 12 - باب عقد الشيطان على فاقية الرأس ... مسلم (1/ 538) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 28 - باب ما روي فيمن نام الليل أجمع حتى أصبح. وأحمد (2/ 243). قال النووي: (قافية رأس أحدكم): القافية آخر الرأس. وقافية كل شيء آخره. ومنه قافية الشعر. (عليك ليلاً طويلاً): هكذا هو في معظم نسخ بلادنا، بصحيح مسلم. وكذا نقله القاضي عن رواية الأكثرين: عليك ليلاً طويلاً، بالنصب على الإغراء. ورواه بعضهم: عليك ليل طويل، بالرفع. أي بقي عليك ليل طويل. واختلف العلماء في هذه العقد. فقيل: هو عقد حقيقي بمعنى عقد السحر للإنسان ومنعه من القيام. قال الله تعالى: (ومن شر النفاثات في العقد). فعلى هذا هو قول يقوله يؤثر في تثبيط النائم كتأثير السحر. وقيل: يحتمل أن يكون فعلاً يفعله كفعل النفاثات في العقد. وقيل: هو من عقد القلب وتصميمه، فكأنه يوسوس في نفسه ويحدثه بأن عليك ليلاً طويلاً، فتأخر عن القيام. وقيل: هو مجاز كنى به عن تثبيط الشيطان عن قيام الليل. 753 - مسلم (1/ 492) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 7 - باب جواز الانصراف من الصلاة ... =

لا يرى إلا حقًا عليه أن لا ينصرف إلا عن يمينه. أكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن شماله. 754 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين". 755 - * روى الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار. وذلك كل ليلةٍ". 756 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان؛ فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام، فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -فذكر الحديث- فقال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صدقك وهو كذوب، ذاك شيطان". 757 - * روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن

_ = قوله: (ينصرف عن شماله) أي: من الصلاة. 754 - البخاري (4/ 112) 30 - كتاب الصوم، 5 - باب هل يقال رمضان أو شهر رمضان ... مسلم (2/ 758) 13 - كتاب الصيام، 1 - باب فضل شهر رمضان. وأحمد (2/ 281). 755 - الترمذي (3/ 66) 6 - كتاب الصوم، 1 - باب ما جاء في فضل شهر رمضان. وابن ماجه (1/ 526) 7 - كتاب الصيام، 2 - باب ما جاء في فضل شهر رمضان. وابن حبان (5/ 183) كتاب الصوم -باب فضل رمضان. والمستدرك (1/ 421) وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين. وهو حديث حسن. 756 - البخاري (6/ 335) 59 - كتاب بدء الخلق، 11 - باب صفة إبليس وجنوده. 757 - البخاري (6/ 408) 60 - كتاب الأنبياء، 10 - باب حدثنا موسى ....

والحسين ويقول: "إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق: أعوذ بكلمات الله التامة، من كل شيطانٍ وهامة، ومن كل عينٍ لامة". 758 - * روى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أما إن أحدكم إذا أتى أهله وقال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فرزقا ولدًا، لم يضره الشيطان". 759 - * روى البخاري؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته". 760 - * روى مالك في الموطأ عن خالد بن الوليد؛ قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أروع في منامي. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قل: أعوذ بكلمات الله التامة. من غضبه وعقابه وشر عباده. ومن همزات الشياطين. وأن يحضرن. 761 - * روى مالك عن يحيى بن سعيد؛ أنه قال: أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى عفريتا من الجن، يطلبه بشعلة من نارٍ، كلما التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه. فقال له جبريل: أفلا أعلمك كلماتٍ تقولهن. إذا قلتهن طفئت شعلته، خر لفيه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بلى". فقال جبريل: فقل: أعوذ بوجه الله الكريم، وبكلمات الله

_ 758 - البخاري (6/ 335) 59 - كتاب بدء الخلق، 11 - باب صفة إبليس وجنوده. مسلم (2/ 1058) 16 - كتاب النكاح، 18 - باب ما يستحب أن يقوله عند الجماع. وأحمد (1/ 217). 759 - البخاري (6/ 336) 59 - كتاب بدء الخلق، 11 - باب صفة إبليس وجنوده. 760 - الموطأ (2/ 950) 51 - كتاب الشعر، 4 - باب ما يؤمر به من التعوذ. وهو مرسل إلا أنه حسن بشواهده. (أروع): أي يحصل لي روع، أي فزع. (التامة): أي الفاضلة التي لا يدخلها نقص. (همزات الشياطين): نزغاتهم بما يوسوسون به. (وأن يحضرون): أي أن يصيبوني بسوء ويكونوا معي في مكان؛ لأنهم إنما يحضرون بالسوء. 761 - الموطأ (2/ 950) 51 - كتاب الشعر، 4 - باب ما يؤمر به من التعوذ. مرسلاً. وأحمد (2/ 419) بمعناه. موصولاً بسند حسن.

التامات اللاتي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء وشر ما يعرج فيها، وشر ما ذرأ في الأرض وشر ما يخرج منها، ومن فتن الليل والنهار، ومن طوارق الليل والنهار، إلا طارقًا يطرق بخيرٍ يا رحمن. 762 - * روى البخاري عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الرؤيا الصالحة من الله، والحلم من الشيطان، فإذا حلم أحدكم حلمًا يخافه فليبصق عن يساره وليتعوذ بالله من شرها، فإنها لا تضره". 763 - * روى مسلم عن أبي قتادة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قال: "الرؤيا الصالحة من الله. والرؤيا السوء من الشيطان. فمن رأى رؤيا فكره منها شيئًا فلينفث عن يساره، وليتعوذ بالله من الشيطان، لا تضره. ولا يخبر بها أحدًا. فإن رأى رؤيا حسنة فليبشر. ولا يخبر إلا من يحب". 764 - * روى مسلم عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال "إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المسلم تكذب. وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثًا. ورؤيا المسلم جزء من خمسٍ وأربعين جزءًا من النبوة. والرؤيا ثلاثة: [فالرؤيا] الصالحة بشرى من الله. ورؤيا تحزين من الشيطان. ورؤيا مما يحدث المرء نفسه. فإن رأى أحدكم ما يكره، فليقم فليصل، ولا يحدث بها الناس". 765 - * روى مسلم عن أبي سلمة قال: إن كنت لأرى الرؤيا تمرضني. قال: فلقيت أبا قتادة، فقال: وأنا كنت لأرى الرؤيا فتمرضني حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الرؤيا الصالحة من الله. فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث بها إلا من يحب. وإن رأى ما يكره فليتفل عن يساره ثلاثًا، وليتعوذ بالله من شر الشيطان وشرها. ولا يحدث بها أحدًا، فإنها لن تضره".

_ 762 - البخاري (12/ 393) 91 - كتاب التعبير، 14 - باب الحلم من الشيطان ... 763 - مسلم (4/ 1772) 42 - كتاب الرؤيا، 3 - وحدثني أبو الطاهر ... 764 - مسلم (4/ 1772) 42 - كتاب الرؤيا، 6 - وحدثني محمد ... 765 - مسلم (4/ 1772) 42 - كتاب الرؤيا، 4 - حدثنا أبو بكر ...

766 - * روى البخاري في تفسير قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 5، 6]. جمعه: سعر. قال مجاهد: الغرور بالشيطان. 767 - * روى مسلم عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف. وفي كل خير. احرص على ما ينفعك واستعن بالله. ولا تعجز. وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله، وما شاء فعل. فإن لو تفتح عمل الشيطان". 768 - * روى البخاري ومسلم عن صفية بنت حيى، قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفًا، فأتيته أزوره ليلاً فحدثته ثم قمت فانقلبت، فقام معي ليقلبني -وكان سكنها في دار أسامة بن زيدٍ -فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "على رسلكما، إنها صفية بنت حيي". فقالا: سبحان الله يا رسول الله. قال: "إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في

_ 766 - البخاري (11/ 249) 81 - كتاب الرقاق، 8 - باب قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ}. 767 - مسلم (4/ 2052) 46 - كتاب القدر، 8 - باب الأمر بالقوة وترك العجز ... وأحمد (2/ 266). قال النووي: (المؤمن القوي خير): المراد القوة، هنا، عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة، فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقدامًا على العدو في الجهاد وأسرع خروجًا إليه وذهابًا في طلبه. وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والصبر على الأذى في كل ذلك. واحتمال المشاق في ذات الله تعالى، وأرغب في الصلاة والصوم والأذكار وسائر العبادات، وأنشط طلبا لها ومحافظة عليها، ونحو ذلك. (وفي كل خير): معناه في كل من القوي والضعيف خير، لاشتراكهما في الإيمان، مع ما يأتي به الضعيف من العبادات. (احرص على ما ينفعك): معناه احرص على طاعة الله تعالى والرغبة فيما عنده، واطلب الإعانة من الله تعالى على ذلك ولا تعجز ولا تكسل عن طلب الطاعة ولا عن الإعانة. ا. هـ النووي. قوله (قدر الله): يحفظها بعضهم بتشديد الدال: قدر الله. 768 - البخاري (13/ 158) 93 - كتاب الأحكام، 21 - الشهادة تكون عند الحاكم ... مسلم (4/ 1712) 39 - كتاب السلام، 9 - باب بيان أنه يستحب لمن رئي خالياً ...

قلوبكما سوءًا" -أو قال-: "شيئًا". 769 - * روى مسلم عن جابر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة. فأتى امرأته زينب، وهي تمعس منيئة لها. فقضى حاجته ثم خرج إلى أصحابه فقال: "إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطانٍ، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله. فإن ذلك يرد ما في نفسه". 770 - * روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى المشرق فقال: "ها إن الفتنة ها هنا، إن الفتنة ها هنا، من حيث يطلع قرن الشيطان". 771 - * روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا طلع حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تبرز، وإذا غاب حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تغيب ولا تحينوا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها، فإنها تطلع بين قرني شيطان". أو "الشيطان". لا أدري أي ذلك قال هشام [أحد الرواة]. 772 - * روى البخاري عن عقبة بن عمرو أبي مسعود قال: أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده نحو اليمن فقال: "الإيمان يمانٍ ها هنا، ألا إن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب الإبل حيث يطلع قرنا الشيطان في ربيعة ومضر". 773 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب، قال: "اضربوه". قال أبو هريرة رضي الله عنه: فمنا الضارب بيده والضارب

_ 769 - مسلم (2/ 1021) 16 - كتاب النكاح، 2 - باب ندب من رأى امرأة فوقعت في نفسه ... (تمعس منيئة): تدبغ إهابًا، والإهاب: الجلد. وأصل المعس: المعك والدلك. وأحمد (3/ 230). 770 - البخاري (9/ 436) 68 - كتاب الطلاق، 24 - باب الإشارة في الطلاق والأمور. 771 - البخاري (6/ 335) 59 - كتاب بدء الخلق، 11 - باب صفة إبليس وجنوده. 772 - البخاري (6/ 350) 59 - كتاب بدء الخلق، 15 - باب خير مال المسلم غنم يتبع بها شغف الجبال. (الغدادين): أهل الوبر. 773 - البخاري (12/ 66) 86 - كتاب الحدود، 4 - باب الضرب بالجريد والنعال.

بنعله والضارب بثوبه. فلما انصرف قال: بعض القوم: أخزاك الله. قال: "لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان". 774 - * روى البخاري عن سعد بن أبي وقاصٍ قال: "استأذن عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نساء من قريشٍ يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن، فلما استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، فقال عمر: أضحك الله سنك يا رسول الله. قال: "عجبت من هؤلاء اللائي كن عندي، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب". قال عمر: فأنت يا رسول الله كنت أحق أن يهبن. ثم قال: أي عدوات أنفسهن، أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلن: نعم، أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، ما لقيك الشيطان قط سالكًا فجا إلا سلك فجا غير فجك". 775 - * روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما كان يوم أحد هزم المشركون، فصاح إبليس، أي عباد الله، أخراكم، فرجعت أولاهم فاجتلدت هي وأخراهم، فنظر حذيفة فإذا هو بأبيه اليمان، فقال: أي عباد الله، أبي أبي. فوالله ما احتجزوا حتى قتلوه، فقال حذيفة: غفر الله لكم. قال عروة: فما زالت في حذيفة منه بقية خير حتى لحق بالله". 776 - * روى أحمد عن عبد الله بن مسعود قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطًا ثم قال: "هذا سبيل الله". ثم خط خطوطًا عن يمينه وعن شماله ثم قال: "هذه سبل" قال يزيد: "متفرقة على كل سبيلٍ منها شيطان يدعو إليه". ثم قرأ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}.

_ 774 - البخاري (6/ 339) 59 - كتاب بدء الخلق، 11 - باب صفة إبليس وجنوده. 775 - البخاري (6/ 338) 59 - كتاب بدء الخلق، 11 - باب صفة إبليس وجنوده. 776 - أحمد (1/ 465). والمستدرك (2/ 318). وقال: هذا حديث صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. مجمع الزوائد (7/ 22). وقال: رواه أحمد والبزار، وفيه عاصم بن بهدلة وهو ثقة وفيه ضعف.

777 - * روى النسائي عن محمد بن حمزة أنه سمع أباه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "على ظهر كل بعير شيطان فإذا ركبتموها فسموا الله عز وجل ثم لا تقصروا عن حاجاتكم". 778 - * روى أبو داود عن قطن بن قبيصة عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "العيافة والطيرة والطرق من الجبت". 779 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يشير أحدكم إلى أخيه بالسلاح. فإنه لا يدري أحدكم لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار". 780 - * روى أحمد عن عياض بن حمار، قال: قلت: يا رسول الله رجل من قومي يشتمني وهو دوني، علي بأس أن انتصر منه؟ قال: "المستبان شيطانان يتهاذيان ويتكاذبان". 781 - * روى البخاري ومسلم عن هشام بن عامر أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لمسلم أن يهجر مسلمًا فوق ثلاث ليالٍ، فإنهما تناكبان عن الحق ما داما

_ 777 - النسائي في اليوم واليلة. وهو صحيح. وأحمد (2/ 494). 778 - أبو داود (4/ 16) كتاب الطب، باب في الحظ وزجر الطير، وهو حديث حسن. وأحمد (2/ 477). قال عوف: العيافة زجر الطير، والطرق: الخط يخط في الأرض، والجبت: قال الحسن: إنه الشيطان. (العيافة): زجر الطير والتفاؤل بها، كما كانت العرب تفعله، عاف الطير يعيفه: إذا زجره. (الطرق): الضر بالعصا، وقيل: هو الخط في الرمل، كما يفعله المنجم لاستخراج الضمير ونحوه، وقد جاء في كتاب أبي داود، "أن الطرق: الزجر، والعيافة: الخط". (الجبت): كل ما عبد من دون الله، وقيل: هو الكاهن والشيطان. 779 - البخاري (13/ 23) 92 - كتاب الفتن، 7 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من حمل ... ". مسلم (4/ 2020) 45 - كتاب البر والصلة والآداب، 35 - باب النهي عن الإشارة بالسلاح إلى مسلم ... وأحمد (2/ 317). 780 - أحمد (4/ 162). 781 - البخاري (10/ 492) 78 - كتاب الأدب، 62 - باب الهجرة وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لرجل ... ". مسلم (4/ 1984) 45 - كتاب البر والصلة والآداب، 8 - باب تحريم الهجر فوق ثلاث بلا عذر شرعي. =

على صرامهما، وأولهما فيئًا يكون سبقه بالفيء كفارة له، وإن سلم فلم يقبل ورد عليه سلامه ردت عليه الملائكة، ورد على الآخر الشيطان، وإن ماتا على صرامهما لم يدخلا الجنة جميعًا أبدًا". 782 - * روى البخاري عن سليمان بن صردٍ قال: "كنت جالسًا مع النبي صلى الله عليه وسلم ورجلان يستبان، فأحدهما احمر وجهه وانتفخت أوداجه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان ذهب عنه ما يجد". فقالوا له: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تعوذ بالله من الشيطان". فقال: وهل بي جنون"؟. أقول: إن الغضب يجر الإنسان من وضع سيء إلى وضع أسوأ، فهذا إنسان أحدث فيه الغضب ما أحدث، ثم استجره الغضب لأن يرد كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم جهلاً منه، لأنه ربط بين الاستعاذة والجنون، والأمر ليس كذلك، فالاستعاذة من الشيطان مطلوبة في أحوال منها: حالات الغضب؛ لأن للشيطان دوره في الغضب من ناحية، ولأنه بالغضب يستجر الشيطان الإنسان إلى مواقف لا تحمد عقباها دينًا ودنيا. 783 - * روى مسلم عن عبيد بن عميرٍ، قال: قالت أم سلمة: لما مات أبو سلمة قلت: غريب وفي أرض غربةٍ، لأبكينه بكاء يتحدث عنه، فكنت قد تهيأت للبكاء عليه إذ أقبلت امرأة من الصعيد تريد أن تسعدني فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "أتريدين أن تدخلي الشيطان بيتًا أخرجه الله منه" مرتين، فكففت عن البكاء فلم أبك. 784 - * روى مسلم عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا وقعت لقمة

_ = وأحمد (4/ 20). 782 - البخاري (10/ 465) 78 - كتاب الأدب -44 - باب ما ينهى عن السباب واللعن. 783 - مسلم (2/ 625) 11 - كتاب الجنائز، 6 - باب البكاء على الميت. (إن تسعدني): أي تساعدها على النياحة. 784 - مسلم (4/ 1606) كتاب الأشربة، 18 - باب استحباب لعق الأصابع والقصعة ... قال النووي: (لا تدرون في أيه البركة): معناه، والله أعلم، أن الطعام الذي يحضره الإنسان فيه بركة. ولا يدري أن تلك

أحدكم فليأخذها، فليمط ما كان بها من أذى وليأكلها، ولا يدعها للشيطان. ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه؛ فإنه لا يدري في أي طعامه البركة". 785 - * روى مسلم عن أبي عثمان، عن سلمان، قال: لا تكونن إن استطعت، أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها. فإنها معركة الشيطان، وبها ينصب رايته. 786 - * روى مسلم عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن إبليس يضع عرشه على الماء. ثم يبعث سراياه. فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة. يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا. فيقول: ما صنعت شيئًا". قال: "ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته" قال: "فيدنيه منه ويقول: نعم أنت". 787 - * روى مسلم عن حذيفة بن اليمان، قلت: يا رسول الله! إنا كنا بشر فجاء الله بخير، فنحن فيه. فهل من وراء هذا الخير شر؟ قال: "نعم". قلت: هل وراء ذلك الشر خير؟ قال: "نعم". قلت: فهل وراء ذلك الخير شر؟ قال: "نعم". قلت: كيف؟ قال: "يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي. وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس". قال: قلت: كيف

_ = البركة فيما أكله أو فيما بقي على أصابعه، أو فيما بقي في أسفل القصعة، أو في اللقمة الساقطة ... فينبغي أن يحافظ على هذا كله لتحصل البركة. وأصل البركة الزيادة وثبوت الخير والإمتاع به. والمراد هنا، والله أعلم، ما يحصل به التغذية وتسلم عاقبته من أذى، ويقوي على طاعة الله تعالى، وغير ذلك. (فليمط): معناه يزيل ويمحي. قال الجوهري: حكى أبو عبيد: ماطه وأماطه نحاه، وقال الأصمعي: أماطه، لا غير. ومنه: إماطة الأذى. ومطت أنا عنه، أي تنحيت. (أذى): المراد بالأذى، هنا المستعذر من غبار وتراب وقذى ونحو ذلك. (بالمنديل): معروف. قال ابن فارس في المجمل: لعله مأخوذ من الندل وهو النقل. قال أهل اللغة: يقال: تندلت بالمنديل. قال الجوهري: ويقال أيضًا: تمندلت. قال: وأنكر الكسائي تمندلت ا. هـ. 785 - مسلم (4/ 1906) 44 - كتاب فضائل الصحابة، 16 - باب من فضائل أم سلمة ... 786 - مسلم (4/ 2167) 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، 16 - باب تحريش الشيطان وبعثه سراياه ... 787 - مسلم (3/ 1476) 33 - كتاب الإمارة، 13 - باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين ...

أصنع يا رسول الله! إن أدركت ذلك؟ قال: "تسمع وتطيع للأمير. وإن ضرب ظهرك. وأخذ مالك فاسمع واطع". 788 - * روى البخاري عن المغيرة عن إبراهيم عن علقمة، قال قدمت الشام، قالوا: أبو الدرداء، قال: أفيكم الذي أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وقال: الذي أجاره الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، يعني عمارًا. 789 - * روى مسلم عن المقداد. قال: أقبلت أنا وصاحبان لي، وقد ذهبت أسماعنا وأبصارنا من الجهد. فجعلنا نعرض أنفسنا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس أحد منهم يقبلنا، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق بنا إلى أهله. فإذا ثلاثة أعنز، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "احتلبوا هذا اللبن بيننا". قال: فكنا نحتلب فيشرب كل إنسانٍ منا نصيبه، ونرفع للنبي صلى الله عليه وسلم نصيبه. قال: فيجيء من الليل فيسلم تسليمًا لا يوقظ نائمًا. ويسمع اليقظان. قال: ثم يأتي المسجد فيصلي، ثم يأتي شرابه فيشرب. فأتاني الشيطان ذات ليلةٍ، وقد شربت نصيبي، فقال: محمد يأتي الأنصار فيتحفونه، ويصيب عندهم، ما به حاجة إلى هذه الجرعة. فأتيتها فشربتها. فلما أن وغلت في بطني، وعلمت أنه ليس إليها سبيل. قال: ندمني الشيطان. فقال: ويحك! ما صنعت؟ أشربت شراب محمد؟ فيجيء فلا يجده فيدعو عليك فتهلك، فتذهب دنياك وآخرتك. وعلى شملة إذا وضعتها على قدمي خرج رأسي، وإذا وضعتها على رأسي خرج قدماي. وجعل لا يجيئني النوم، وأما صاحباي فناما ولم يصنعا ما صنعت. قال: فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فسلم كما كان يسلم، ثم أتى المسجد فصلى. ثم أتى شرابه فكشف عنه فلم يجد فيه شيئًا، فرفع رأسه إلى

_ 788 - البخاري (7/ 90) 62 - فضائل الصحابة، 20 - مناقب عمار وحذيفة رضي الله عنهما. (قالوا: أبو الدرداء) أي أنه سأل من هذا، فقالوا: فلان. كما وضحت رواية أخرى، وسأل أبو الدرداء عقمة من أين؟ فقال: من الكوفة. فقال له: أفيكم ... 789 - مسلم (3/ 1635) 26 - كتاب الأشربة، 32 - باب إكرام الضيف وفضل إيثاره. (الجهد): بفتح الجيم، هو الجوع والمشقة. (فليس أحد منهم يقبلنا): هذا محمول على أن الذين عرضوا أنفسهم عليهم كانوا مقلين ليس عندهم شيء يواسون به. (ما به حاجة إلى هذه الجرعة): هي بضم الجيم وفتحها، حكاهما ابن السكيت وغيره. والفعل منه جرعت. (وغلت في بطني): أي دخلت وتمكنت منه.

السماء. فقلت: الآن يدعو علي فأهلك. فقال: "اللهم! أطعم من أطعمني. وأسق من أسقاني". قال: فعمدت إلى الشملة فشددتها علي. وأخذت الشفرة فانطلقت إلى الأعنز أيها أسمن فأذبحها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هي حافلة، وإذا هن حفل كلهن. فعمدت إلى إناءٍ لآل محمدٍ صلى الله عليه وسلم ما كانوا يطمعون أن يحتلبوا فيه. قال: فجلبت فيه حتى علته رغوة فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه سلم فقال: "أشربتم شرابكم الليلة؟ " قال: قلت: يا رسول الله! اشرب. فشرب ثم ناولني، فقلت: يا رسول الله! اشرب. فشرب ثم ناولني. فلما عرفت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد روي، وأصبت دعوته، ضحكت حتى ألقيت إلى الأرض. قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إحدى سوآتك يا مقداد". فقلت: يا رسول الله! كان من أمري كذا وكذا، وفعلت كذا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما هذه إلا رحمة من الله. أفلا كنت آذتني، فنوقظ صاحبينا فيصيبان منها". قال: فقلت: والذي بعثك بالحق! ما أبالي إذا أصبتها وأصبتها معك، من أصابها من الناس. 790 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون، ولكن في التحريش بينهم". 791 - * روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم". 792 - * روى مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: إن الشيطان ليتمثل في صورة الرجل، فيأتي القوم فيحدثهم بالحديث من الكذب، فيتفرقون، فيقول الرجل

_ 790 - مسلم (4/ 2166) 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، 16 - باب تحريش الشيطان .... وأحمد (3/ 254). وزاد مسلك: في جزيرة العرب. (ولكن في التحريش بينهم): التحريش: الإغراء بين الناس بعضهم ببعض، أي: ولكنه يسمى في التحريش بينهم بالخصومات والشحناء والحروب والفتن وغيرها. 791 - البخاري (13/ 158) 13 - كتاب الأحكام، 21 - باب الشهادة تكون عند الحاكم .... مسلم (4/ 1712) 29 - كتاب السلام، 9 - باب بيان أنه يستحب لمن رئي خاليا بامرأة ... وأبو داود (2/ 333) كتاب الصوم، باب المعتكف يدخل البيت لحاجته. وإسناده صحيح. 792 - مسلم (1/ 12) المقدمة، 4 - باب النهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط في تحملها.

منهم: سمعت رجلاً أعرف وجهه، ولا أعرف اسمه، يحدث كذا وكذا. 793 - * روى الطبراني عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الشيطان لعنه الله لن يسلم مني صاحب المال من إحدى ثلاث، أغدو عليه بهن وأروح بهن: أخذه من غير حله، وإنفاقه في غير حقه، وأحببه إليه فيمنعه من حقه". 794 - * روى ابن ماجه عن عثمان بن أبي العاص، قال: لما استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف جعل يعرض لي شيء في صلاتي حتى ما أدري ما أصلي، فلما رأيت ذلك رحلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ابن أبي العاص"؟ قلت: نعم يا رسول الله قال: "ما جاء بك"؟ قلت: يا رسول الله عرض لي شيء في صلواتي حتى ما أدري ما أصلي. قال: "ذاك الشيطان، ادن" فدنوت منه فجلست على صدور قدمي قال: فضرب صدري بيده وتفل في فمي وقال: "اخرج عدو الله". ففعل ذلك ثلاث مراتٍ، ثم قال: "الحق بعملك". قال: فقال عثمان: فلعمري ما أحسبه خالطني بعد. 795 - * روى مسلم عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "الجرس مزمار الشيطان". 796 - * روى البخاري عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استجنح الليل" -أو "كان جنح الليل- فكفوا صبيانكم فإن الشياطين تنتشر جينئذٍ، فإذا ذهب ساعة من العشاء فخلوهم، وأغلق بابك واذكر اسم الله، وأطفئ مصباحك واذكر اسم الله، وأوك سقاءك واذكر اسم الله، وخمر إناءك واذكر اسم الله".

_ 793 - مجمع الزوائد (10/ 245). وقال: رواه الطبراني، وإسناده حسن. 794 - ابن ماجه (2/ 1174) 21 - كتاب الطب، 46 - باب الفزع والأرق وما يتعوذ منه. وفي الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات. ورواه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح الإسناد. 795 - مسلم (3/ 1672) 27 - كتاب اللباس والزينة، 27 - باب كراهة الكلب والجرس في السفر. وأحمد (2/ 266). 796 - البخاري (6/ 336) 59 - كتاب بدء الخلق، 11 - باب صفة إبليس وجنوده.

797 - * روى البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما -رفعه- قال: "خمروا الآنية. وأوكوا الأسقية، وأجيفوا الأبواب، وأكفئوا صبيانكم عند المساء، فإن للجن انتشارًا وخطفه، وأطفئوا المصابيح عند الرقاد فإن الفويسقة ربما اجترت الفتيلة فأحرقت أهل البيت". 798 - * روى أحمد عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم نباح الكلب ونهيق الحمار بالليل فتعوذوا بالله فإنهم يرون ما لا ترون". * * *

_ 748 - البخاري (6/ 355) 59 - كتاب بدء الخلق، 16 - باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم ... (خمروا): أي غطوا. (الفويسقة): أي الفأرة. 748 - أحمد (2/ 355). وأخرجه البخاري في الأدب، وهو صحيح.

التلخيص

التلخيص الجن مخلوقات غيبية، ودليل ثبوت وجودهم: الكتاب والسنة وإجماع العلماء، وهم مكلفون كالإنس ومجازون مثلهم، وهم مكلفون منذ النشأة لوجود الإدراك عندهم منذ النشأة، وقد ذكر ابن عبد البر أن الجن عند أهل اللغة على مراتب: فإن ذكروا الجن خالصًا قالوا جني، فإن كان ممن يسكن مع الناس سمي عامرًا والجمع عمار، فإن كان ممن يعرض للصبيان قالوا أرواح، فإن خبث وتمرد قالوا شيطان، فإن زاد على ذلك قالوا مارد، فإن زاد على ذلك وقوي قالوا عفريت والجمع عفاريت، وهناك من ذهب إلى أن الشياطين والجن جنس واحد. فالشياطين منهم من خبث وتمرد وهذا هو الرأي الراجح، ومن العلماء من ذهب إلى أن الجن مخلوقات هوائية، والشياطين مخلوقات نارية، وقد استنبط العلماء من مجموع النصوص أن الجن يتشكلون على خلاف بين العلماء؛ هل يتشكلون بالصور الشريفة كاملة كصورة الإنسان، أو لا يستطيعون التشكل إلا بصورة إنسان فيه نوع نقص أو بصورة مخلوقات أخرى؟ والراجح الأول؛ فهم يتشكلون بالأشكال الحسنة والقبيحة، ويأكلون ويشربون وينامون ويتزوجون ويتناسلون، والشياطين منهم يوسوسون لنبي آدم ويحاولون إغواءهم، فما من أحد من الإنس ذكرًا أو أثنى إلا وله قرين من الشياطين، وقد يصاب الإنسان بسببهم بنوع من الأمراض كالصرع والجنون والتشنج، وقد يصلون إلى بعض الناس بنوع من الأذى، ومن الظواهر المشهورة أنهم قد يتلبسون أجسام بعض الناس وينطقون على ألسنتهم، ولعل بعض مظاهر تحضير الأرواح تكون من ذكل، وقد سخر الله عز وجل عالم الجن لسليمان عليه السلام فكان ذلك خصوصية له، وهم لا يعلمون شيئًا عن المستقبل، لكن قد يعرفون بواسطة بعضهم بعضًا ما جرى وما يجري، فلا عجب أن يستطيع بعض من لهم صلة بالجن أن يكتشفوا سرقة أو يعرفوا ما جرى في أمكنة بعيدة، فليس ذلك من علم الغيب. والتوقي من الجن والشياطين يكون بالذكر والاستعاذة وتلاوة القرآن والصلاة، ومن أصيب بسبب من الجن فبالإمكان معالجته بتلاوة المعوذات وآية الكرسي وقراءة سورة البقرة، ويصح التداوي بكل شيء تجيزه الفتوى، والجن في الجملة وإن كانوا مكلفين فهم في

فائدة

الكرامة أدنى من بني الإنسان؛ لقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} (1)، والجن يستطيعون الصعود إلى طبقات الجو العليا ويرصدون خبر السماء، قال تعالى على لسان الجن: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا} (2) ومعنى لمسنا: قصدنا كما فسرها العلماء، وللجن قدرات خارقة نتعرف عليها مما ورد في قصة سليمان عليه السلام في القرآن، ولو أن المتتبعين لبعض الظواهر الأرضية نظروا بعين الإنصاف لوجودوا أن كثيرًا من هذه الظواهر لا تعلل إلا إذ أعطينا للجن دورًا في صنعها، فقد قرأت مرة عن منطقة عبدت وصيغت صياغة لا يمكن أن تكون كذلك إلا إذا كانت هنالك جهة تشرف عليها إشرافًا علويًا، وتوجه العاملين على الأرض، ومثل هذا لا تفسير له في الماضي إلا أن يكون للجن صلة بهذا الموضوع، وقصة سليمان عليه السلام في القرآن تعطينا دليلاً قطعيًا على أن للجن دخلاً في بعض الأوابد التي أنشأها سليمان عليه السلام، وبالجملة فإنني أميل إلى أن بعض الأوابد الحاضرة التي لا تعلل بطاقة الإنسان قديمًا، ولا بإمكاناته العلمية، يمكن أن يكون للجن دخل فيها. ولم تزل البشرية ولا تزال تحدثنا عن ظواهر ليس لها تعليل إلا بوجود عالم من الجن، ولم يزل أفراد يوجدون في كل مكان لهم صلة بالجن، ولم يزل هناك أفراد يشكون من حالات لا تعلل إلا بوجود الجن. فائدة: حاول بعض العلماء المربين في هذه الأمة أن يوجدوا قواعد وضوابط لتخريج الوارث الكامل أو الولي المرشد، وقد كتب كثير من العلماء في شروط المرشد الكامل، وما يجب أن يتوافر فيه من كمالات وصفات ومعارف، ولقد كان من رأي أحد شيوخنا أنه لا يكمل المرشد -حتى يكون صالحًا للإرشاد- إلا بمعرفته لآلية عمل الشيطان؛ فإن الذي يعرف أخلاق الشيطان وخطواته ومداخله على النفس البشرية هو الذي يستطيع أن يجنب نفسه وإخوانه مداخل الشيطان، ومثل هذا المرشد هو الذي يعرف الكمالات الإنسانية التي إذا تحقق بها

_ (1) الإسراء: 70. (2) الجن: 8.

الإنسان خرج من أثر الشيطان وكيف يوصل إليها {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} (1). إن فقه مداخل الشيطان على الأنفس من أعظم أنواع الفقه، فإنما يصرف الإنسان عن الله واليوم الآخر الشيطان والنفس والهوى والدنيا. والشيطان حادي ركب أهل النار. ولقد حاول شيخنا الذي أشرت إلى فكرته أن يضع سلمًا لمسيرة الإنسان من الحضيض إلى الكمال، ومما ذكره أن الإنسان غير المعصوم إن استوفى كمالاته لم يبق للشيطان عليه مدخل إلا من قبل شهواته الحسية أو المعنوية. ومن الشهوات المعنوية حب الجاه الدنيوي والتصدر الدنيوي والرئاسة التي لا يقصد بها وجه الله واليوم الآخر. * * *

_ (1) الأعراف: 201.

نقول في ما قاله بعض العلماء في الجن

نقول في ما قاله بعض العلماء في الجن لم تزل أخبار الجن وقصصهم والحديث عنهم ومباشرتهم لخطاب بعض الناس تملأ الكثير من الكتب؛ ففي كتب العهد القديم والجديد وفي كتب الطب القديمة والحديثة وفي كتب العلماء والمحقيين وعند أهل الأديان عامة كلام كثير عن هذا الموضوع، وقد جاءتنا نصوص الكتاب والسنة بالخبر اليقين. لقد كتب عباس محمود العقاد كتابًا أسماه "إبليس"، والعقاد بشكل عام متأثر في بعض كتبه -ومنها هذا الكتاب- بالدراسات المقارنة، وهي دراسات تخبط في تيه وضياع وتتراوح وجهات النظر فيها كثيرًا بين طرفي الزاوية. وأهم جوانب الكتاب أنه يعطينا تصورًا عن تصورات الأمم عن الشيطان كما وصلت إلينا؛ فهو يحدثنا عن الشيطان في الحضارة المصرية والحضارة الهندية، وحضارات ما بين النهرين، وحضارة اليونان، وعن الشيطان في الديانة اليهودية والديانة النصرانية. ومن كلامه عن الشيطان في الحضارة المصرية. (وقد شغل "سيت" وظيفة ضرورية في عهود الأزمات التي تنهزم فيها الدولة وتنضب الثروة ويختل نظام الحكم وتضطرب مرافق المعيشة. فقد كان "سيت" يبوء وحده بجريرة ذلك كله، وكانت عليه وحده تبعة كل آفة لا يستطاع دفعها، ومن هذه الآفات ريح السموم وعوارض الجفاف والقحط وأوبئة المرض، وسائر الأمراض التي كانت تنسب من قديم الزمن إلى الجن والعفاريت، وقد كانت عليه التبعة أيضًا في بقاء السحر والخبيث؛ لأنه كان على علم واسع بفنونه، ولم يكن في وسع الكهان والسحرة أن يعالجوا شروره ويبرئوا المرضى من آفاته بغير وسائله وأسراره، ولهذا كثرت عندهم التمائم والتعاويذ، ومنها ما بقي إلى اليوم في صور الجعل والحشرات والأساور والقلائد التي لا تصنع للزينة ولكنها تقرن بالأدوية والعقاقير طلبًا للشفاء، ويقول الأطباء الذين كانوا يشتغلون بالطب والسحر: إن الدواء هو الذي يشفي ويبرئ من المرض، ولكن التمائم والتعاويذ هي التي تمنع "العكوس" من فعل أرواح الشر وأطياف الظلام.

وقد كان الفراعنة أنفسهم يلجأون إلى السحر لمغالبة الأرواح الخفية، فاستعان رمسيس الثاني بأصحاب التمائم والتعاويذ على مداواة أهل بيته، ولم يفعل ذلك جهلاً منه بالطب ولا تعظيمًا منه لقدر السحر، ولكنه فعله إيمانًا بضرورة اختيار الترياق من جنس المرض، ولك شيء آفة من جنسه كما قيل من قبل، ويقال في كل زمان). ومن كلام العقاد عن الشيطان في الحضارة الهندية: (ومن ذلك في هذا الباب عقيدتهم في العفاريت الخبيئة أو العابثة التي يسمونها بالـ "راكشا" وينسبون إليها أعمالاً كأعمال الشياطين في الديانات الأخرى ... فالشياطين في صورة "الراكشا" هم "الشر" الذي أبغضه الآريون وصوروه لأبنائهم في الصورة التي تنفرهم منه وتحذرهم من كيده ... وليس في الديانة الهندية وفروعها المتشعبة شخصية واحدة تشبه شخصية الشيطان. غير الرب الذي يسمونه "المارا" من الموت ... وهذا الـ "المارا" هو الذي قيل في قصة "بوذا" إنه وسوس له وألح في وسواسه ليشغله عن النسك ويصرفه عن مسلكه من الحكمة وهو مسلك الزهد والاعتدال). اهـ. - ومن كلام العقاد عن الشيطان في حضارة ما بين النهرين دجلة والفرات وما جاورهما: تحدث عن "الثنوية" التي تفر من باهرمان وهو الروح الخبيث، وتحدث عن "الزرداشيتة" التي تؤمن بـ (يامة) الذي امتلأت نفسه بالخيلاء فسولت له نفسه أن يناظر الإله ... وأن يكاذب نفسه بخيلائه. - إن قضية الشيطان تعتبر قاسمًا مشتركًا في الثقافة الإنسانية وهي من بقايا الحق الذي تحدث عنه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولما حرفت ديانات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بفعل الجهل والهوى والغلو فلقد كان من جملة ما دخل عليه التحريف قضية الشيطان، ونحن لا يهمنا من الدراسات المقارنة إلا إثبات أن هناك قضيا لها أصولها، وأن القرآن جاءنا بالحق اليقين في الأصول والفروع وأعطانا الحق واليقين والصواب مفصلاً في كل شيء.

- وقد كتب عبد الرزاق نوف عن الجن والشياطين، وكان من كلامه: وتروي النسخ المتداولة من الأناجيل أن سيدنا عيسى قد أخرج الشيطان من كثير من المرضى الذين كان المس قد أصابهم بحالات مرضية وبجنون أيضًا ففي إنجيل متي نجد النص: (وفيما هما خارجان إذا إنسان أخرس مجنون قدموه إليه. فلما أخرج الشيطان تكلم الأخرس فتعجب الجموع قائلين: لم يظهر قط مثل هذا في إسرائيل. أما الفريسيون فقالوا برئيس الشياطين يخرج الشياطين). وفي إنجيل مرقس نجد النص: (وكان في مجمعهم رجل به روح نجس: فصرخ قائلاً آه ما لنا لك يا يسوع الناصري: أتيت لتهلكنا أنا أعرفك من أنت قدوس الله فانتهره يسوع قائلاً: اخرس واخرج منه. فصرعه الروح النجس وصاح بصوت عظيم وخرج منه). وفي إنجيل لوقا نجد نصًا يشير إلى أن الإنسان قد يمسه أكثر من شيطان إذ يقول: (وعلى أثر ذلك كان يسير في مدينة وقرية يكرز ويبشر بملكوت الله معه الاثنا عشر وبعض النساء كن قد شفين من أرواح شريرة وأمراض. مريم التي تدعى المجدلية التي خرج منها سبعة شياطين). ويمكن أن يستمر مس الشيطان للإنسان سنوات عديدة ففي إنجيل لوقا أن امرأة كان بها روح أضعفها وكانت منحنية بسببها ولم تقدر أن تنتصب ألبتة ثمانية عشرة عامًا فوضع سيدنا عيسى يده عليها فاستقامت وقال: (هذه هي ابنة إبراهيم قد ربطها الشيطان ثماني عشرة سنة أما كان ينبغي أن تحل من هذا الرباط في يوم السبت ... فنجد أبو قراط الذي عرف بأي الطب يهتم بوسائل العرافة والسحر ومحاربة الشياطين وهو الذي قال عن الصرع الذي وصفوه بأنه المرض المقدس: إنه خال من القداسة ... ثم جالين أمير الأطباء حيث يهتم باتخذا الجديد من طرق طرد الشياطين، ثم كرامر واسبرنجر وقد ذاع في زمانهما أنها قاتلا أكثر من سبعين أميرًا من الشياطين وسبعة ملايين وأربعمائة

وخمسة آلاف وأكثر من الشياطين الأقل درجة منهم .. ولقد كانت الفكرة السائدة والتي ظلت فترة طويلة تبلغ مئات السنين هي المسيطرة على كل وسائل العلاج ... تلك التي كانت تقول بضرب الشيطان لإخراجه من جسد المريض بل وحتى إلى عهد قريب كان الجراح العظيم توماس ويليز من أكبر أطباء التشريح يقرر أن خير علاج لمرضى العقول هو الركل والقيد. ولذلك كان البروفسور كالين ينادي بأن معظم حالات الاضطرابات والتي لا سبب عضوي لها لا تشفى إلا بشدة الوثاق والضرب، وقد نادى الدكتور ريل الألماني والاخصائي في الأمراض العقلية بما يسميه العلاج التعذيبي الذي لا يضر. ويقول العالم كارنجتون عضو جمعية البحوث النفسية الأمريكية في كتابه "الظواهر الروحية الحديثة" عن حالة المس: (واضح أن حالة المس هي على الأقل حالة واقعية لا يستطيع العلم بعد أن يهمل أمرها ما دامت توجد حقائق كثيرة مدهشة تؤيدها. وما دام الأمر كذلك فإن دراستها أصبحت لازمة وواجبة لا من الوجهة الأكاديمية فقط بل لأن مئات من الناس وألوفًا يعانون كثيرًا في الوقت الحاضر من هذه الحالة ولأن شفاءهم منها يستلزم الفحص السريع والعلاج الفوري. وإذا ما نحن قررنا مكنة المس من الوجهة النظرية انفتح أمامنا مجال فسيح للبحث والتقصي ويتطلب كل ما يتطلبه العلم الحديث والتفكير السيكولوجي من العناية والحذق والجلد). وفي كتاب "تحليل الحالات غير العادية في علاج العقول المريضة" يقول الدكتور بل: (لدينا الكثير الذي يصح أن نميط عنه اللثام، وعلى الأخص ما كان متعلقًا بحالة المس الروحي باعتباره عاملاً مسببًا للأمراض النفسية والعصبية ولقد ظهر لنا المس الروحي أكثر تعقيدًا مما كان يظن أولا. ولا تتألف الشخصية الماسة من نفس مخلوق غير مجسد من عقله وإرادته فقط بل هما في الواقع شخصية مؤلفة من أشياء كثيرة. والشخصية الماسة المركزية وهي الشخصية التي اصطدمت أولاً بمجمع حواس الشخص الممسوس وهي على وجه العموم قليلة المقاومة لإيحاءات الغير، ومن ثم تصبح هذه الشخصية مطية سهلة لأولئك الذين يرغبون في الاقتراب من أي إنسان بهذه الطريقة التي تبدو كأنها لا شأن لها إلا في الحصول على الترضية الخاصة لمجموع الأرواح الماسة كلها أو بعضها، وبمضي الزمن يزداد التضام في هذه العملية حتى يتم في النهاية تلاشي الشخص الممسوس الذي يعمل إلى مثل هذه الحال

تلاشيًا تامًا .. ويظهر أن للأرواح الماسة ثلاث نقط اصطدام رئيسية هي: قاعدة المخ ومنطقة الضفيرة الشمسية والمركز المهيمن على أعضاء التناسل، وأما الضجة التي لابد أن تحدث بهذا المس وتفاعلات الشخص الممسوس فيمكن دراستها في مستشفيات الأمراض العقلية ... ومع ذلك فحينما يأتي ممارسو القوة الروحية الحديثون بالعجب العجاب في طرد الشياطين أو الأرواح الماسة ومداواة المرضى والمحزونين فلا يكون نصيبهم من بعض الأطباء إلا نظرة الزراية والاستخفاف). ويقول الدكتور جيمس هايسلوب في كتابه عن المس: (إنه تأثير خارق للعادة تؤثر به شخصية واعية خارجية في عقل شخص وجسمه ولا يمكن إنكار مكنة حدوث المس) ويرى بعض الأطباء كالدكتور كارل ويكلاند أن الجنون قد ينشأ من استحواذ روح خبيث على الشخص المريض فيحدث اضطرابًا واختلالاً في اهتزازاته وأنه بالكهربائية الاستاتيكية تنظم الاهتزازات وتطرد الشخصية المستحوذة ويعود العقل إلى حالته الطبيعية دون تأثير شخصية ماسة له. ولذلك فقد اهتم العلم مالحديث بوسائل علاج مثل هذه الحالات وإن اختلفت الألفاظ واللغات التي وردت فيها طرق العلاج من المس فإنها كلها تتفق في الجوهر والأصل، فالدكتور باورز أستاذ الأمراض العصبية في جامعة مينابوليس بأمريكا يقول في بيان هذا العلاج: كنت في أيام شبابي أضحك ساخرًا مستهزئًا بذلك الرأي القائل بأن الأرواح الخبيثة الشريرة المؤذية غير المتجسدة قد تحدث في ظروف خاصة اضطرابات جسيمة أو عقلية خطيرة لبعض الناس، وكنت أحمل في إحدى يدي كتاب بوخنر المسمى: القوة والمادة، وفي اليد الأخرى كتاب هكل المسمى: لغز الكون، وأسخر من الرأي القائل بأن أي روح ابتداء من يسوع المسيح إلى العمة ماريا تستطيع أن تساعد على إزالة بقايا الثوب الطيني الرث البالي الذي نرتديه الآن أو أن تزيل من العقل ذلك السم الروحي الذي يحول التفاعلات العقلية إلى هذيان الأبله المعتوه أو إلى خبل الجنون القاتل أو إلى يأس المالنخوليا المفجع. ولا يستطيع شخص ذكي أن ينكر أن هناك سببًا لمعظم الأمراض التي تصيب الإنسان وآه لو يعرف هذا السبب" ا. هـ من كتاب الجن والملائكة.

- ولابن عابدين الفقيه الحنفي المشهور -صاحب حاشية ابن عابدين المسماة: "رد المحتار على الدر المختار" وهي أعظم مرجع في فقه الحنفية كتبه المتأخرون- رسالة مطبوعة من رسائل أخرى طبعت تحت اسم "رسائل ابن عابدين" تحدث فيها عن تلمذة بعض الجن على شيخه خالد رحمه الله واسم الرسالة "سل الحسام الهندي لنصرة ملنا خالد القشبندي"، ومن كلامه في هذه الرسالة: (في الطبقات الكبرى عن حرملة أنه قال: سمعت الإمام الشافعي رحمه الله تعالى يقول: من زعم من أهل العدالة أنه يرى الجن أبطلنا شهادته لقوله تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} (1) إلا أن يكون الزاعم نبيًا انتهى ... لكن هذا ينافي ما مر عن شرح المقاصد من حكاية مشاهدتهم عن كثير من العقلاء وأرباب المكاشفات، فإن المتبادر أن المراد المشاهدة بدون تشكل إلا أن يكون ذلك من باب الكرامة، فإن ما صح أن يكون معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي على ما مر فيه من الكلام مبسوطًا وكلام الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه في غير أصحاب الكرامات عند عدم التشكل، وإلا فلا وجه لمنع رؤيتهم لكل أحد عند التشكل. وصح عن الأعمش أنه قال: تروح إلينا جني فقلت له: ما أحب الطعام إليكم؟ قال: الأرز. قال: فأتيناهم به فجعلت أرى اللقم ترفع ولا أرى أحدًا ... وفي آثار وأخبار أخرى أن مؤمنيهم يصلون ويصومون ويحجون ويطوفون ويقرؤن القرآن ويتعلمون العلوم ويأخذونها عن الإنس وإن لم يشعروا بهم وكذا رواية الحديث. تنبيه: قد تحصل مما ذكرنا سابقًا ولاحقًا جواز رؤية الجن بعد التشكل لكل أحد، وكذا بدون تشكل لمن شاء الله تعالى من عباده فضلاً عن حضورهم في مجالس الذكر وسماع أصواتهم" اهـ. وقال الشيخ حسن أيوب: (وذكر صاحب كتاب "آكام المرجان" حكاية عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه:

_ (1) الأعراف: 27.

هي أن المتوكل أنفذ إليه صاحبًا له يعلمه أن جارية بها صرع وسأله أن يدعو الله لها بالعافية. فأخرج له أحمد نعلي خشب بشراك - أي رباط - من خوص للوضوء فدفعه إلى صاحب له وقال له: تمضي إلى دار أمير المؤمنين، وتجلس عند رأس هذه الجارية وتقول له (يعني الجني) قال لك أحمد: أيُّما أحبُّ إليك، تخرج من هذه الجارية، أو تصفع هذه النعل سبعين؟ فمضى إليه وقال له مثل ما قال له الإمام أحمد. فقال المارد على لسان الجارية: السمع والطاعة. لو أمرنا أحمد ألا نقيم بالعراق ما أقمنا به. إنه أطاع الله، ومن أطاع الله أطاعه كل شيء. وخرج من الجارية. وهدأت ورزقت أولادًا) ا. هـ. (الإيمان بالرسل والكتب واليوم الآخر). وذكر الشيخ أبو بكر جابر الجزائري في كتابه: (عقيدة المؤمن) حادثة وقعت في بيت أهله، قال: إنه كان لي أخت أكبر مني تدعى (سعدية) وكنا يوما ونحن صغار نطلع عراجين التمر من أسفل البيت إلى سطحه بواسطة حبل يربط به القنو (العرجون) ونسحبه إلى السطح ونحن فوقه، فحصل أن أختي سعدية جرت الحبل، فضعفت عنه، فغلبها فوقعت على الأرض على أحد الجنون (1)، فكأنها بوقوعها عليه آذته أذًى شديدًا، فانتقم منها فكان يأتيها عند نومها في كل أسبوع مرتين أو ثلاثًا، أو أكثر فيخنقها، فترفس المسكينة برجليها، وتضطرب كالشاة المذبوحة ولا يتركها إلا بعد أن تصبح أشبه بميتة، ونطق مرةً على لسانها مصرحًا بأنه يفعل بها هذا لأنها آذته يوم كذا في مكان كذا .. ومازال يأتيها ويعذبها بصرعة تأتيها عند النوم فقط حتى قتلها بعد نحو عشر سنوات من العذاب الذي لا يطاق، فصرعها ليلة على عادته فما زالت ترفس برجليها وتضطرب حتى ماتت، غفر الله لها، ورحمها .. آمين. هذه الحادثة عشتها، وبعيني رأيتها، وما راءٍ كمن سمع!!!) ا. هـ.

_ (1) يعني واحدًا من الجن.

الوصل الأول في: ظاهرة ابن صياد

الوصل الأول في: ظاهرة ابن صياد وفيه: مقدمة ونقول ونصوص

المقدمة

المقدمة إنما ذكرنا هذا الفصل هنا لارتباطه بصلة الشيطان بالإنسان، فابن صياد رجل يهودي الأصل ثم أسلم بعد ذلك في الظاهر، وكان تجري على لسانه كلمات كفرية، وكانت له صلة بعالم الجن، فهو يمثل ظاهرة الوحي الشيطاني للإنسان، وقد اشتبه أمره على بعض الصحابة حتى ظنوه المسيح الدجال وليس هو يقينًا لكنه يشبهه وكان أمره ملتبسًا، ولأن هذا اللبس لا يترتب عليه عمل ولا خطر ولا خطأ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبقى هذا الاحتمال مفتوحًا لحكمة يعلمها هو عليه الصلاة والسلام، ونتوقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد بذلك أن يفتح لأمته باب الاجتهاد في فهم الأخبار المستقبلية التي أخبر عنها أنها كائنة بعده إذا وجد المجتهد ما يدعوه لذلك الاجتهاد، وكان النص أو الأمر يحتمل ذلك. قال تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} (1). وإيحاء الشياطين يظهر بمظاهر شتى منها الوسوسة التي يوسوس القرين - إلا من عصم الله - وهذه يحس بها أهل القلوب وأكثر الخلق عنها غافلون، وإن كان الإنسان لا يخلو عن شعور باطني بدوافع داخلية شريرة، ولذلك تكلم بعض علماء النفس عن أنواع من الدوافع الغريبة التي تلح عليها هذه الدوافع، وقد يأخذ إيحاء الشياطين مظهرًا أكثر انكشافًا لدى صاحبه، وظاهرة ابن صياد تمثل هذا الوضع. وقد رأينا في البحث السابق أن الجن يمكن أن يتلبسوا جسم الإنسان فيتكلموا على لسانه وهي ظاهرة مرئية مشاهدة، كما رأينا كيف أن بعض الإنس يكون لهم اتصال بعالم الجن، وظاهرة ابن صياد تدخل في هذا الموضوع فهو على اتصال بعالم الشياطين من عالم الجن. يظهر اضطراب بعض أهل التحقيق في تفسير هذه الظاهرة، وهل ابن صياد هو الدجال الذي يظهر في آخر الزمان أو هو دجال من الدجاجلة؟ والذي نجزم به قطعًا أنه دجال من الدجاجلة أبقى الرسول صلى الله عليه وسلم الباب مفتوحًا للتعليل والتحليل في شأنه، فهو ظاهرة مهمة تظهر في الحياة البشرية بأجزاء من هذه الظاهرة أو بها كلها. وهاك تحقيقًا للإمام النووي حول ابن صياد ننقله من شرحه على صحيح مسلم:

_ (1) الأنعام: 121.

النقول

النقول قال الإمام النووي رحمه الله: يقال له ابن صياد وابن صائد وسمي بهما في هذه الأحاديث واسمه صاف، قال العلماء: وقصته مشكلة وأمره مشتبه في أنه: هل هو المسيح الدجال المشهور أم غيره؟ ولا شك في أنه دجال من الدجاجلة. قال العلماء: وظاهر الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوح إليه بأنه المسيح الدجال ولا غيره وإنما أوحي إليه بصفات الدجال وكان في ابن صياد قرائن محتملة فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقطع بأنه الدجال ولا غيره ولهذا قال لعمر رضي الله عنه: (إن يكن هو فلن تستطيع قتله) وأما احتجاجه هو بأنه مسلم والدجال كافر، وبأنه لا يولد للدجال وقد ولد له هو، وأن لا يدخل مكة والمدينة وأن ابن صياد دخل المدينة وهو متوجه إلى مكة فلا دلالة له فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أخبر عن صفاته وقت فتنته وخروجه في الأرض. ومن اشتباه قصته وكونه أحد الدجاجلة الكذابين: قوله للنبي صلى الله عليه وسلم: (أتشهد أني رسول الله)، ودعواه أنه يأتيه صادق وكاذب، وأنه يرى عرشًا فوق الماء، وأنه لا يكره أن يكون هو الدجال، وأنه يعرف موضعه، وقوله: إني لأعرفه وأعرف مولده وأين هو الآن وانتفاخه حتى ملأ السكة، وأما إظهاره الإسلام وحجه وجهاده وإقلاعه عما كان عليه فليس بصريح في أنه غير الدجال. قال الخطابي: واختلف السلف في أمره بعد كبره فروى عنه أنه تاب من ذلك القول ومات بالمدينة وأنهم لما أرادوا الصلاة عليه كشفوا عن وجهه حتى رآه الناس وقيل لهم اشهدوا قال: وكان ابن عمر وجابر فيما روى يحلفان أن ابن صياد هو الدجال لا يشكان فيه فقيل لجابر: إنه أسلم فقال: وإن أسلم. فقيل: إنه دخل مكة وكان في المدينة، فقال: وإن دخل. وروى أبو داود في سننه بإسناد صحيح عن جابرٍ قال: فقدنا ابن صياد يوم الحرة. وهذا يعطل رواية من روى أنه مات بالمدينة وصلى عليه. وقد روى مسلم أن جابر بن عبد الله حلف بالله تعالى أن ابن صياد هو الدجال وأنه سمع عمر رضي الله عنه يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم. وروى أبو داود بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يقول: والله، ما أشك أن ابن صياد هو المسيح الدجال. قال البيهقي في كتابه (البعث والنشور): اختلف الناس في أمر ابن صياد اختلافًا كثيرًا هل هو

الدجال؟ قال: ومن ذهب إلى أنه غيره احتج بحديث تميم الداري في قصة الجساسة قال: ويجوز أن توافق صفة ابن صياد صفة الدجال كما ثبت في الصحيح أن أشبه الناس بالدجال عبد العزى بن قطن. وليس كما قال وكان أمر ابن صياد فتنة ابتلى الله تعالى بها عباده فعصم الله تعالى منها المسلمين ووقاهم شرها. قال: وليس في حديث جابر أكثر من سكوت النبي صلى الله عليه وسلم لقول عمر فيحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان كالمتوقف في أمره ثم جاءه البيان أنه غيره كما صرح به في حديث تميم. هذا كلام البيهقي، وقد اختار أنه غيره وقد قدمنا أنه صح عن عمر وعن ابن عمر وجابر رضي الله عنهم أنه الدجال والله أعلم. فإن قيل: كيف لم يقتله النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه ادعى بحصرته النبوة؟ فالجواب من وجهين ذكرهما البيهقي وغيره، أحدهما: أنه كان غير بالغ، واختار القاضي عياض هذا الجواب، والثاني: أنه كان في أيام مهادنة اليهود وحلفائهم، وجزم الخطابي في معالم السنن بهذا الجواب الثاني، قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعد قدومه المدينة كتب بينه وبين اليهود كتاب صلح على أن لا يهاجوا ويتركوا على أمرهم وكان ابن صياد منهم أو دخيلًا فيهم. قال الخطابي: وأما امتحان النبي صلى الله عليه وسلم بما خبأه له من آية الدخان فلأنه كان يبلغه ما يدعيه من الكهانة ويتعاطاه من الكلام في الغيب فامتحنه ليعلم حقيقة حاله ويظهر إبطال حاله للصحابة وأنه كاهن ساحر يأتيه الشيطان فيلقي على لسانه ما يلقيه الشياطين إلى الكهنة فامتحنه بإضمار قول الله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} (1) وقال: (خبأت لك خبيئًا) فقال: هو الدخ أي الدخان وهي لغة فيه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (اخسأ فلن تعدو قدرك) أي لا تجاوز قدرك وقدر أمثالك من الكهان الذين يحفظون من إلقاء الشيطان كلمة واحدة من جملة كثيرة بخلاف الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، فإنهم يوحي الله تعالى إليهم من علم الغيب ما يوحي فيكون واضحًا كاملًا، وبخلاف ما يلهمه الله الأولياء من الكرامات والله أعلم. ا. هـ. * * *

_ (1) الدخان: 10.

النصوص النبوية في ابن صياد

النصوص النبوية في ابن صياد 799 - * روى البخاري ومسلم، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: إن عمر ابن الخطاب انطلق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهطٍ من أصحابه قبل ابن صياد، حتى وجده يلعب مع الصبيان عند أطم بني مغالة، وقد قارب ابن صياد يومئذ الحلم، فلم يشعر حتى ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهره بيده، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن صياد: (أتشهد أني رسول الله)؟ فنظر إليه ابن صياد، فقال: أشهد أنك رسول الأميين. فقال ابن صياد لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتشهد أني رسول الله؟ فرفضه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: (آمنت بالله وبرسله). ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ماذا ترى)؟ قال ابن صياد: يأتيني صادق وكاذب. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خلط عليك الأمر). ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني قد خبأت لك خبيئًا). فقال ابن صياد: هو الدخ. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اخسأ فلن تعدو قدرك) فقال عمر بن الخطاب: ذرني يا رسول الله أضرب عنقه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن يكنه فلن تسلط عليه، وإن لم يكنه، فلا خير لك في قتله). وقال سالم: سمعت ابن عمر يقول: انطلق بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بن كعب الأنصارى إلى النخل التي فيها ابن صياد، حتى إذا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل طفق يتقي بجذوع النخل، وهو يختل أن يسمع من ابن صيادٍ شيئًا قبل أن يراه ابن صياد، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على فراشٍ في قطيفة له فيها رمرمة أو زمزمة، فرأت أم ابن صياد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتقي بجذوع النخل، فقالت لابن صياد: يا صاف - وهو اسم ابن صياد - هذا محمد، فثار ابن صياد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو تركته بين). قال سالم: قال عبد الله بن عمر: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، فأثنى على الله بما هو له أهلٌ، ثم ذكر الدجال، فقال: (إني لأنذركموه، ما من نبيٍّ إلا قد أنذره قومه،

_ 799 - البخاري (10/ 560، 561) 78 - كتاب الأدب، 97 - باب قول الرجل للرجل: اخسأ. مسلم (4/ 2244، 2245) 52 - كتاب الفتن، 19 - باب ذكر ابن صياد. (يختل): الختل: الأخذ عن طريق خفي.

لقد أنذره نوحٌ قومه، ولكن أقول لكم فيه قولًا لم يقله نبي لقومه: تعلموا أنه أعور، وإن الله تبارك وتعالى ليس بأعور). وزاد مسلم (1): قال ابن شهاب: وأخبرني عمر بن ثابت الأنصارى: أنه أخبره بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - يوم حذر الناس الدجال -: (إنه مكتوب بين عينه كافرٌ، يقرؤه كل من كره عمله أو - يقرؤه كل مؤمن) - وقال: (تعلموا أنه لن يرى أحدٌ منكم ربه حتى يموت). وفي رواية الترمذي (2)، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بابن صياد في نفرٍ من أصحابه - منهم: عمر بن الخطاب - وهو يلعب مع الغلمان، عند أطم بني مغالة - وهو غلامٌ - فلم يشعر حتى ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهره بيده .. وذكر الحديث إلى قوله: (خلط عليك الأمر). وقال ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني قد خبأت خبيئًا). وخبأ له {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10] فقال ابن صياد: هو الدخ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اخسأ، فلن تعدو قدرك). قال عمر: يا رسول الله ائذن لي فأضرب عنقه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن يك حقًا فلن تسلط عليه، وإن لا يك، فلا خير لك في قتله). وفي رواية لأبي داود (3): زاد بعد قوله: (فلن تسلط عليه). قال: يعني الدجال. 800 - * روى أحمد عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابن صياد: (ما ترى)؟ قال: أرى عرشًا على البحر وحوله الحيتان. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ترى عرش إبليس).

_ (1) مسلم (4/ 2245)، في الموضع السابق. (2) الترمذي (4/ 519) 24 - كتاب الفتن، 63 - باب ما جاء في ذكر ابن صائد. (3) أبو داود (4/ 120) كتاب الملاحم، باب في خبر ابن صائد. (الأطم): البناء المرتفع. (اخسأ): خسأت الكلب: إذا طردته. 800 - مسند أحمد (3/ 66، 97، 388). مجمع الزوئد (8/ 4). وقال: رواه أحمد، وفيه علي بن زيد وهو حسن الحديث، وبقية رجاله ثقات.

801 - * روى البخاري ومسلم عن محمد بن المنكدر، قال: رأيت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يحلف بالله: أن ابن صياد الدجال، قال: قلت أتحلف بالله؟ قال: فإني سمعت عمر يحلف بالله على ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا ينكره. وفي رواية لأبي داود بسند حسن (1): أنه قيل لجابر رضي الله عنه: إنه أسلم. فقال: وإن أسلم. فقيل: إنه دخل مكة وكان بالمدينة. فقال: وإن دخل مكة. 802 - * روى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن صياد: (ما تربة الجنة)؟ قال: درمكةٌ بيضاء مسك يا أبا القاسم. قال: (صدقت). وفي رواية (2): أن ابن صياد سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن تربة الجنة؟ فقال: (درمكةٌ بيضاء مسك خالصٌ). والجمع بين الروايتين بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره ابتداءً ثم امتحنه بالسؤال ليعرف مدى حافظته. ونقل القاضي عياض: إن بعض أهل النظر قالوا: الرواية الثانية أظهر. 803 - * روى مسلم عن نافع - مولى عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما، قال: لقي ابن عمر ابن صائد في بعض طرق المدينة، فقال له قولًا أغضبه، فانتفخ حتى ملأ السكة،

_ 801 - البخاري (13/ 323) 96 - كتاب الاعتصام، 23 - باب من رأى ترك النكير من النبي صلى الله عليه وسلم حجةٌ ... مسلم (4/ 2243) 52 - كتاب الفتن، 19 - باب ذكر ابن صياد. وأبو داود (4/ 121) كتاب الملاحم، باب في خبر الجساسة. (1) أبو داود (4/ 119، 120) كتاب الملاحم، باب في خبر الجساسة. 802 - مسلم (4/ 2243) 52 - كتاب الفتن، 19 - باب ذكر ابن صياد. (2) مسلم (4/ 2243) 52 - كتاب الفتن، 19 - باب ذكر ابن صياد. (درمكة بيضاء مسك): معناه أنها في البياض درمكة وفي الطيب مسك، والدرمك هو الدقيق الحواري الخالص البياض. 803 - مسلم: (4/ 2246) 52 - كتاب الفتن، 19 - باب ذكر ابن صياد.

فدخل ابن عمر على حفصة - وقد بلغها - فقالت له: رحمك الله، ما أردت من ابن صياد؟ أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنما يخرج [أي الدجال] من غضبة يغضبها؟). وفي رواية (1): كان نافعٌ يقول: ابن صياد قال: قال ابن عمر: لقيته مرتين، فلقيته مع قومه، فقلت لبعضهم: هل تحدثون أنه هو؟ قالوا: لا والله. قال: قلت: كذبتموني، والله لقد أخبرني بعضكم أنه لن يموت حتى يكون أكثركم مالًا وولدًا، وكذلك هو زعموا اليوم، قال: فتحدثنا، ثم فارقته. قال: فلقيته لقية أخرى، وقد نفرت عينه. قال: فقلت: متى فعلت عينك ما أرى؟ قال: لا أدري. قلت: لا تدري وهي في رأسك؟ قال: إن شاء الله خلقها في عصاك هذه. قال: فنخر كأشد نخير حمار سمعت. قال: فزعم بعض أصحابي أني ضربته بعصًا كانت معي حتى تكسرت، وأما أنا: فوالله ما شعرت. قالوا: وجاء حتى دخل على أم المؤمنين، فحدثها، فقالت: ما تريد إليه؟ ألم تعلم أنه قد قال: (إن أول ما يبعثه على الناس غضبةٌ يغضبها؟). 804 - * روى أبو داود، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: فقدنا ابن صياد يوم الحرة. 805 - * روى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: صحبت ابن صياد إلى مكة، فقال لي: أما قد لقيت من الناس، يزعمون أني الدجال؟ ألست سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنه لا يولد له)؟ قال: قلت: بلى. قال: فقد ولد لي، أوليس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يدخل المدينة ولا مكة)؟ قال: قلت: بلى. قال: فقد ولدت بالمدينة، وها أنا ذا أريد مكة. ثم قال في آخر قوله: أما والله إني لأعلم مولده ومكانه، وأين هو. قال فلبسني.

_ = مسلم (4/ 2246، 2247) في الموضع السابق. 804 - أبو داود (4/ 121) كتاب الملاحم، باب في خبر ابن صياد. وإسناده صحيح. وصحح الحافظ في الفتح إسناده وقال: وهذا يضعف ما تقدم أنه مات بالمدينة، وأنهم صلوا عليه وكشفوا عم وجهه. 805 - مسلم (4/ 2241، 2242) 52 - كتاب الفتن، 19 - باب ذكر ابن صياد.

وفي رواية (1): قال: قال لي ابن صائد - وأخذتني منه ذمامة - هذا عذرت الناس، مالي ولكم يا أصحاب محمد؟ ألم يقل نبي الله: (إنه يهودي). وقد أسلمت. وقال: (لا يولد له). وقد ولد لي. وقال: (إن الله حرم عليه مكة). وقد حججت؟ قال: فما زال حتى كاد أن يأخذ في قوله. قال: فقال له: أما والله إني لأعلم الآن حيث هو، وأعرف أباه وأمه. قال: وقيل له: أيسرك أنك ذاك الرجل؟ قال: فقال: لو عرض على ما كرهت. وفي رواية (2) قال: خرجنا حجاجًا - أو عمارًا - ومعنا ابن صائد، قال: فنزلنا منزلًا، فتفرق الناس، وبقيت أنا وهو، فاستوحشت منه وحشة شديدة مما يقال عليه، قال: وجاء بمتاعه فوضعه مع متاعي، فقلت: إن الحر شديدٌ، فلو وضعته تحت تلك الشجرة؟ قال: ففعل. قال: فرفعت لنا غنم فانطلق فجاء بعس، فقال: اشرب أبا سعيد. فقلت: إن الحر شديدٌ، واللبن حارٌّ، ما بي إلا أني أكره أن أشرب عن يده - أو قال: آخذ عن يده - فقال: أبا سعيد، لقد هممت أن آخذ حبلًا فأعلقه بشجرة ثم أختنق مما يقول لي الناس، يا أبا سعيد، من خفي عليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خفي عليكم معشر الأنصار، ألست من أعلم الناس بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هو كافر)؟ وأنا مسلم. أو ليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هو عقيم لا يولد له ولد). وقد تركت ولدي بالمدينة؟ أو ليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل المدينة ولا مكة). وقد أقبلت من المدينة، وأنا أريد مكة؟ قال أبو سعيد: حتى كدت أن أعذره، ثم قال: أما والله إني لأعرفه، وأعرف مولده، وأين هو الآن؟ قال: قلت له: تبًّا لك سائر اليوم.

_ (1) مسلم (4/ 2242) في الموضع السابق. (ذمامة): الذمامة، بالذال المعجمة: الحياء والإشفاق من الذم، والمذمة: العار، وبالدال المهملة: قبح الوجه، والمراد الأول. (2) مسلم (4/ 2242، 2243) في الموضع السابق. (العس): قدح ضخم يشرب فيه. (التب): الخسار والهلاك.

806 - * وروى الترمذي الرواية الآخرة إلى قوله: وقد تركت ولدي بالمدينة. وقال: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنه لا تحل له مكة)؟ ألست من أهل المدينة، وهو ذا أنطلق معك إلى مكة؟ قال: فوالله ما زال يجيء بهذا، حتى قلت: فلعله مكذوبٌ عليه. ثم قال: يا أبا سعيد، والله لأخبرنك خبرًا حقًّا، والله إني لأعرفه، وأعرف والده، وأين هو الساعة (أي: الآن) من الأرض؟ فقلت له: تبًّا لك سائر اليوم. 807 - * روى أبو داود عن نافع - مولى عبد الله بن عمر - أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول: والله ما أشك أن المسيح الدجال ابن صياد. 808 - * وروى أحمد عن أبي ذرٍّ، أنه كان يقول - في ابن صياد - هو الدجال. وقال: قالت أمه: حملته اثنى عشر شهرًا، فلما وقع، صاح صياح ابن شهرين، وكان يشب في اليوم الواحد شباب الصبي لشهرٍ. روى الطبراني (4) عن أبي ذر؛ لأن أحلف عشر مراتٍ أن ابن صائد هو الدجال أحب إلى من أن أحلف مرة واحدة أنه ليس به. أقول: وعلى الفرض أن ابن صياد هو الدجال، فهذه الفترة التي قضاها تمثل ظاهرة لها صلة بالجن والشياطين، لأنها فترة ما قبل خروجه. وإنما جزمت بأن ابن صياد غير الدجال لحديث تميم الداري الذي أقول: وعلى الفرض أن ابن صياد هو الدجال، فهذه الفترة التي قضاها تمثل ظاهرة لها صلة بالجن والشياطين، لأنها فترة ما قبل خروجه. وإنما جزمت بأن ابن صياد غير الدجال لحديث تميم الداري الذي سيمر معنا والذي فيه أنه رأى الدجال في جزيرة من الجزر، فكيف يجتمع ذلك مع أن ابن صياد الدجال، خاصة وقد أقر الرسول صلى الله عليه وسلم تميمًا الداري على رؤيته؟.

_ 806 - الترمذي (4/ 516، 517) 34 - كتاب الفتن، 63 - باب ما جاء في ذكر ابن صائد. 807 - أبو داود (4/ 120) كتاب الملاحم، باب في خبر ابن صائد. وإسناده صحيح. 808 - مسند أحمد (5/ 148). وسنده حسن. (1) المعجم الكبير (10/ 134). مجمع الزوائد (8/ 4) وقال: إسناده حسن. وصححه الحافظ في الفتح. وقال: ومن حديث ابن مسعود نحوه لكن قال: سبعًا. بدل: عشر مرات.

قال ابن كثير في النهاية: (قال بعض العلماء: إن ابن صياد كان بعض الصحابة يظنه الدجال وهو ليس به إنما كان رجلًا صغيرًا). (وقد كان ابن صياد من يهود المدينة ولقبه عبد الله ويقال صاف وقد جاء هذا وهذا وقد يكون أصل اسمه صاف ثم تسمى لما أسلم بابن عبد الله وقد كان ابنه عمارة بن عبد الله من سادات التابعين وروى عنه مالك وغيره وقد قدمنا أن الصحيح أن الدجال غير ابن صياد وأن ابن صياد كان دجالا من الدجاجلة ثم تاب بعد ذلك فأظهر الإسلام والله أعلم بضميره وسيرته). (والأحاديث الواردة في ابن صياد كثيرة، وفي بعضها التوقف في أمره هل هو الدجال أو لا؟ فالله أعلم ويحتمل أن يكون هذا قبل أن يوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن الدجال وتعيينه، وقد تقدم حديث تميم الداري في ذلك وهو فاصل في هذا المقام). [وقال:] (وسنورد من الأحاديث ما يدل على أنه ليس بابن صياد والله تعالى أعلم وأحكم). (والمقصود أن ابن صياد ليس بالدجال الذي يخرج في آخر الزمان قطعًا وذلك لحديث فاطمة بنت قيس الفهرية فإنه فيصل في هذا المقام والله أعلم) ا. هـ. من النهاية. * * *

الوصل الثاني في: تحضير الأرواح

الوصل الثاني في: تحضير الأرواح

أخذت ظاهرة تحضير الأرواح حيزًا كبيرًا من تفكير الناس في عصرنا وفي القرن الماضي وذلك أن الناس أرادوا أن يتعلقوا بشيء غيبي بعد أن وصلت موجة الدعوة المادية إلى ذروتها وموجة التشكيك إلى غايتها، ولو أن الناس عرفوا حقيقة النبوة والرسالة وعرفوا القرآن والسنة وما فيهما من معجزات وعرفوا الولاية لأهل الولاية لما احتاجوا إلى التمسك بالظنيات والوهميات ولكن وضع العصر وما جرى فيه جعل الكثيرين يهتمون بالظواهر التي تدحض فرية المادية ومن ههنا أقبلوا على تتبع ظاهرة التلباثي وظاهرة التنويم المغناطيسي وظاهرة الأحلام وظاهرة تحضير الأرواح، وكلها ظواهر تثبت أن في الإنسان وفي الكون خفايا غيبية وإن اختلفت في الناس منازع التحليل والتعليل. والذين تحدثوا عن ظاهرة تحضير الأرواح اختلفوا فمنهم: من نفاها كلية واعتبروها شعوذة وكذبًا، ومنهم: من أثبتها وأخذ يتلقى عنها وكأنها وحي معصوم، وهؤلاء وهؤلاء أفرطوا فمن أعطى العصمة في أمر الغيب لغير الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام فقد كفر، ومن اعتبر أن هناك جهة يتلقى عنها تشريعًا غير الوحي وما بني عليه باجتهاد من أهله فقد كفر. والظاهر أن مجموع ما يجري في حوادث تحضير الأرواح يثبت أن هناك شيئًا غير عادي يحدث فما هو التعليل الصحيح؟. يذهب الشيخ حسن أيوب في رسالته: (مع رسل الله وكتبه واليوم الآخر) أن كل ما يظهر من ظواهر في عمليات تحضير الأرواح يمكن أن تعلل بأنها من آثار عمل الجن والشياطين وينفي إمكانية أن تكون روح من أرواح الإنس يمكن أن يكون لها علاقة بهذا الشأن، والذي ذهب إليه هو الذي ترتاح له النفس ويطمئن القلب، ومن كلامه: (يمكن للجني أن يقلد أية شخصية حية أو ميتة بعد موتها، لأن أعمار الجن تصل أحيانًا إلى مئات السنين، كما ثبت ذلك في بعض الأحاديث والآثار، كما أن تكليم الجني للإنسان على لسان إنسان آخر أمر ثابت وتحريك الجني لقلم يكتب، أو سلسلة ترسم بوساطة قلم، أو لأثاث حجرة ليكسر أو لغير ذلك مما نسمع عنه أمر ممكن وواقع فيما مضى ويقع الآن كثيرًا، والمتتبع لهذا الأمر يجد الغرائب التي لا شك فيها) ا. هـ. ومن كلام الشيخ سعيد رمضان البوطي في كبرى اليقينيات عن تحضير الأرواح:

(وكما أن في الناس أشرارًا دأبهم الكذب والتلاعب بعقول الناس، فإن في الجن أيضًا كذلك، فمن أين لك أن الذي يناجيك أو يكتب لك جواب أسئلتك من قاع السلة، ليس شيطانًا مريدًا جاء ليلبس عليك دينك ويلهو بمخادعتك ويلتذ بالكذب عليك؟ أو لم تقرأ أن أكثر أسباب الحاقة في المنحرفين أو المجانين الذين ادعوا أنهم أنبياء أو عظماء إنما هو هواجس من هؤلاء الشياطين، إذ هتفوا في أعماق أفئدتهم أو على طبلة آذانهم أنهم أحباء الله وعظماؤه .. وأن الله قد أكرمهم بإسقاط تكاليفه عنهم، فربا الغرور في أوداجهم وثقلت رؤوسهم الفارغة بالخديعة وراحت تهتز منهم الأعطاف). اهـ. * * *

الفصل السادس في: الإيمان بالكتب

الفصل السادس في: الإيمان بالكتب وفيه: مقدمة ووصل

المقدمة

المقدمة - الإيمان بالكتب التي أنزلها الله عز وجل هو الركن الثالث من أركان الإيمان، والكتب التي أنزلها الله عز وجل غير محصورة بعدد معروف، لكن القرآن الكريم نص على أربعة منها، ونص على صحف إبراهم وموسى، فكا أن الرسل عليهم الصلاة والسلام غير محصورين بعدد على القول الراجح، لكنه - أي القرآن - حدثنا عن خمسة وعشرين منهم تفصيلًا فكذلك الكتب، والدليل على ذلك قوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} (1). قال الفخر الرازي عند هذه الآية نقلًا عن القاضي: (ظاهر الآية يدل على أنه لا نبي إلا معه كتاب منزل فيه بيان الحق طال ذلك الكتاب أم قصر، ودون ذلك الكتاب أم لم يدون، وكان ذلك الكتاب معجزًا أم لم يكن، كذلك لأن كون الكتاب منزلًا معهم لا يقتضي شيئًا من ذلك). ا. هـ. وقال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ} - أي بالمعجزات على القول الراجح - {وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} (2). وأخبرنا جل جلاله عن المسيح عليه السلام: {وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ} (3)، فسر بعض العلماء الكتاب في الآية الأخيرة بالكتابة والخط واحتل لها تفسيرًا آخر أنه المفروض؛ أخذًا من قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} (4): أي فريضة مؤقتة بوقت، فالكتاب يأتي بمعنى المكتوب وهو المفروض، والحكمة معناها وضع الأمور في مواضعها، فقد آق الله عز وجل المسيح علم المفروضات على العباد، وأوتي الحكمة في الأقوال والأفعال، وأوتي التوراة حفظًا وفهمًا، وأنزل عليه الإنجيل كتابًا متميزًا. والرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام كلهم يعرفون فرائض الله بتعريف الله إياهم،

_ (1) البقرة: 213. (2) الحديد: 25. (3) المائدة: 110. (4) النساء: 103.

وكذلك كتابهم سواء دون أو لم يُدوّن، كبيرًا كان أو صغيرًا، تقل إلى الناس باللفظ والمعنى أو بالمعنى دون اللفظ. لكن القرآن خص بالذكر التوراة والإنجيل والزبور والقرآن وصحف إبراهم وموسى؛ فهذه لفظها ومعناها من الله عز وجل، وخص القرآن من بينها بأنه معجز، كما خص بخصائص أخرى، منها أن الله تولى حفظه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (1). وقامت هذه الأمة بتوفيق الله لها بحفظ كتابها، بينما كلف أهل الكتب الأخرى بأن يتولوا حفظها فلم يقوموا بحق الله عز وجل: {بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ} (2). - والظاهر أن الأسفار الخمسة الأولى من أسفار العهد القديم - وهي تعتبر عند اليهود التوراة - قد اختلطت فيها صحف موسى مع التوراة مع السيرة الذاتية لموسى عليه السلام مع قومه ومع فرعون، وهذا واضح من أدنى قراءة لهذه الأسفار، هذا مع التبديل والتحريف والزيادة والنقص مما تدل عليه أدلة كثيرة، وفي كتابنا الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي تفسيرنا برهنا على ذلك من خلال نصوص هذه الأسفار، ويكفينا ما شهد به القرآن عنهم: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} (3)، {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ} (4)، {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} (5) وهناك شيء آخر غير التوراة أنزل بمناسبات أخرى. - والظاهر أن الأناجيل الحالية قد أختلط فيها كذلك ما هو من الإنجيل وما هو سيرة ذاتية للمسيح عليه الصلاة والسلام مع التحريف والتبديل، فالأناجيل المعتمدة عند نصارى اليوم مكتوبة بأقلام مدرسة بولس الذي حرف دين المسيح، وهناك أناجيل أخرى لم تُعقد واندرست، وكل ما وصلنا مما يسمى إنجيلًا نجده وكأنه سيرة ذاتية للمسيح عليه الصلاة والسلام فيه مقاطع؛ نحس بأنه بالإمكان أن تكون من الإنجيل، ولكنا لا نستطيع الجزم.

_ (1) الحجر: 9. (2) المائدة: 44. (3) النساء: 46. (4) المائدة: 41. (5) البقرة: 79.

- والظاهر أن الزبور الحالي قد اختلط فيه ما هو وحي رباني هو إنشاد لداود بما هو قصائد أخرى قالها غير داود، يظهر ذلك بأدنى تأمل، فهنا مزامير لا تذكر نسبتها وهناك مزامير تذكر أن داود قالها بمناسبات، وهناك مزامير أخرى تنسب لقائليها. - والراجح أن هناك بقية من صحف موسى في الأسفار الخمسة مخلوطة بغيرها. ومن ههنا نعرف رحمه الله عز وجل إذ خص محمدًا صلى الله عليه وسلم بكتابه الحاكم والمهيمن والمعجز والمحفوظ لتفيء البشرية إليه، ويكون حجة على المكلفين، وجعل فيه من الخصائص مالا يحاط به. وتوجد عند أمم كثيرة غير اليهود والنصارى أسفار دينية قد تكون بعض أصولها مروية عن الأنبياء، ولكن ذلك لا نستطيع الجزم به، وإن كنا نجزم أنه ما من أمة إلا وقد أرسل لها من يلفها دعوة الله: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} (1). وهؤلاء الرسل جميعًا بعثوا بتبيان المفروض على الناس، وتعليم الحكمة في التعامل مع الخالق والخلوق، وبعثوا بتزكية الأنفس: {هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} (2)، {وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ} (3). وهذا كله يتم عبر تبليغ الوحي؛ سواء أشبه هذا الوحي الأحاديث القدسية في شريعتنا، أو أشبه السنة النبوية ثم سجله الناس عن أنبيائهم وحرفوه فيا بعد، ويحتمل أن يكون الله عز وجل قد أنزل كتبًا أخرى غير الذي ذكره لنا؛ فقد قال الله عز وجل: {فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ} (4)، قال الفخر الرازي: (وللوحي خصائص وللكتب السماوية خصائص وسمات وخص القرآن بمزيد من هذه الخصائص والسمات)، وقد ذكرت في القرآن الكريم خصائصه وصفاته فهو: محكم، مثاني، حق، عدل، مفصل، يفرق بين الحق والباطل، يبين كل شيء يحتاجه المكلف في أمر دنياه وأخراه وفيه الهداية والرحمة، وآياته على نوعين: محكمة ومتشابهة، وفيه عرض لآيات الله في الكون والنفس، وفيه علم الساعة، وهو أعلى كتاب، وأحكم كتاب، وفيه الإنذار

_ (1) فاطر: 24. (2) النازعات: 18، 19. (3) البقرة: 129. (4) البقرة: 213.

والتبشير، وهو الحكم الفصل لكل ما أختلف فيه الناس، وهو شفاء لما في الصدور من أمراض وشكوك وأسئلة وحَيْرةٍ، وهذا وغيره تجده في القرآن الكريم مما وصف الله عز وجل كتابه، كما سنرى ذلك. وكلمة الإنجيل تعني البشارة، والنصوص القرآنية تذكر أن عيسى عليه السلام جاء مبشرًا برسول اسمه أحمد، وقد وصف الله عز وجل رسالة عيسى بصفات تنطبق ضرورة على الإنجيل، كما وصف الإنجيل بصفات، ومن خلال ذلك تتحدد معالم الإنجيل: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} (1)، {وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} (2)، {أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} (3). وأما الزبور فلم يأت له وصف قرآني ولكن اسمه يوحي بأنه أقرب إلى الأنشودة والتذكير، قال صلى الله عليه وسلم: (لقد أوتي مزمارًا من مزامير آل داود) (4). والمراد بالمزمار هنا: الصوت الحسن. {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} (5). والمزامير الموجودة الآن في العهد القديم منها ما هو منسوب لداود ومنها ما هو منسوب لغيره، ويظهر من قراءتها وكأن بعضها عليه طابع الوحي، وبعضها نشيد لداود، نفسه وبعضها نشيد لغيره، والله أعلم.

_ (1) الصف: 6. (2) المائدة: 46. (3) آل عمران: 49. (4) البخاري (9/ 92) - 66 - كتاب فضائل القرآن - 31 - باب حسن الصوت بالقراءة للقرآن. ومسلم (1/ 546) - 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها - 34 - باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن. والترمذي (5/ 693) - 50 - كتاب المناقب - 56 - باب في مناقب أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. وقال: هذا حديث غريب. والنسائي: (2/ 180) - 11 - كتاب الافتتاح - 83 - باب تزيين القرآن بالصوت. (5) الأنبياء: 105.

وأما التوراة فقد وصفت في القرآن بأوصاف جامعة: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ} (1)، {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا} (2). وأما صحف إبراهم وموسى فقد ذكر بعض ما فيها بقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} (3). وقد وردت إشارة إلى بعض ما في صحف إبراهيم بقوله تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (4). ولم تصلنا كل أخبار الرسل السابقين وما أنزل عليهم وما بلغوه أقوامهم إلا ما جاء في القرآن والسنة، أما ما سوى ذلك فالأدلة الواضحات والتحقيقات القاطعات تشهد على التحريف والتبديل، ومن ههنا تكفل الله عز وجل بحفظ القرآن الكريم ليبقى الحجة القطعية على الخلق في كل ما بعث به الرسل عليهم الصلاة والسلام، فقد تضمن ذلك كله الآيات والمفروض والحكمة وتزكية النفس وزاد على ذلك، وقد جعله الله معجزًا لتقوم به الحجة على الخلق جيعًا: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} (5). وقد جاء بالأحكام التي تسع الزمان والمكان وخفف فيه عن المكلفين ما شدد على أمم سابقة عقوبة لهم: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} (6). * * *

_ (1) المائدة: 44. (2) الأعراف: 145. (3) الأعلى: 14 - 19. (4) النجم: 37، 38. (5) المائدة: 48. (6) الأعراف: 157.

والإيمان بالقرآن يدخل فيه الإيمان بحروفه وقراءاته ومضمونه، ويدخل فيه الإيمان بالسنة شارحة الكتاب: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (1). - وأسهل طريقة لنتعرف على خصائص القرآن أن نعرف ما وصف الله عز وجل به كتابه، أو ما سماه به، أو ما وصف به رسول صلى الله عليه وسلم الله كتاب الله وسماه به، وقد أحصى الإمام الزركشي في كتابه (البرهان) ثمانية وأربعين اسمًا؛ من ذلك أنه روح: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} (2)، ومن ذلك النور: {جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} (3)، ومن ذلك الذكر: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (4)، {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} (5)، ومن ذلك الهدى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (6)، ومن ذلك حبل الله: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (7)، ومن ذلك الحق: {وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ} (8)، {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} (9). ومن ذلك الشفاء: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} (10)، ومن ذلك الموعظة والرحمة: {قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} (11)، ومن ذلك المبين: {قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا} (12)، {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} (13) ومن ذلك أحسن الحديث: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ} (14)، ومن ذلك المحكم: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ

_ (1) النحل: 44. (2) الشورى: 52. (3) المائدة: 15. (4) الحجر: 9. (5) طه: 124. (6) الإسراء: 9. (7) آل عمران: 103. (8) الرعد: 1. (9) فصلت: 42. (10) فصلت: 44. (11) يونس: 57. (12) المائدة: 15. (13) النحل: 89. (14) الزمر: 23.

خَبِيرٍ} (1). فكتاب اجتمعت فيه هذه الخصائص وغيرها مع عجز البشر أن يأتوا بأقصر سورة من سوره أو ثلاث آيات من آياته ففيه دليل أنه من الله عز وجل. - إنك عندما تنظر إلى القرآن ككل تجده مدهشا بما اجتمع فيه من تناسق وتوافق وتكامل وبما فيه من كل في الأسلوب والفصاحة والمعاني: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} (2). - والقرآن فيه إعجاز ومعجزات، فإعجازه قدر مشترك فيه، وذلك وحده معجزة محسة قامت بها الحجة على العالمين، إذ عجز الخاطبون وهم عاجزون إلى الأبد أن يأتوا بسورة من مثله: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} (3). فالعجز عن الإتيان بأدنى سورة من سوره هو مظهر إعجازه، وهناك زيادة على الإعجاز معجزات تظهر حيثما وجدت شيئًا يستحيل أن يكون مصدره بشريًا كالآيات التي تتحدث عن كونيات لم يكتشفها الإنسان إلا مؤخرًا، وكإخباره عن الغيوب السابقة واللاحقة، وأسرار وحدته إلى غير ذلك من أمور أطنب الكتاب في شرحها وتحدثنا عن بعضها في كتابنا (الرسول) صلى الله عليه وسلم وفصلنا الكثير منها في التفسير. - والحديث عن أسباب الإعجاز يطول وقد لا يدرك كل إنسان هذه الأسباب ولكن الحجة قائمة على البشر بالعجز وفي ذلك الكفاية، والأسهل على الخلق أن يتعرفوا على معجزاته، فقيام الحجة بها على العرب والعجم وكل مكلف لا يتمارى فيه، فمن معجزاته أنه قدم للمكلفين هداية كاملة في العقائد والعبادات والتشريع والأخلاق والآداب ومن معجزاته أنه قدم تصورًا عجيبًا عن الكون والحياة وعن الزمان والكان بما لم تعرف أبعاده إلا في عصرنا: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} (4)، {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا

_ (1) هود: 1. (2) النساء: 82. (3) البقرة: 23، 24. (4) الحج: 47.

لَمُوسِعُونَ} (1)، {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} (2)، {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} (3) ومن معجزاته ما حدثنا به عن كونيات لم تعرف إلا في عصرنا، ومن معجزاته ما أخبر به عن مستقبلٍ ووقع، ومن معجزاته ما أخبر به عن أمم سالفة ولم يكن العرب يعرفونها، ومن معجزاته تضمنه لكل ما في كتب أهل الكتاب من معان مع أن محمدًا صلى الله عليه وسلم كان أميًا، ومن معجزاته التناسب في جميع ما تضنه ظاهرًا وباطنا من غير اختلاف فيه، ومن معجزاته وفاؤه بحاجات البشر في الهداية في كل شيء، ومن معجزاته التصرف في الأمثال والتصوير مما لا يخطر على قلب بشر: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} (4). - ولا شك أن لمعاني القرآن دخلًا في إعجازه، ومع المعاني اجتمعت فصاحة لا مثيل لها، وبلاغة لا مثيل لها، وأسلوب لا مثيل له، ونظم لا مثيل له، وجزالة لا تصح من مخلوق بحال، وحسن بيان بالغ ذروة الكمال، وتصرف في لسان العرب على وجه لا يستقل به عربي حتى يقع منهم الاتفاق على إصابته في وضع كل كلمة وكل حرف في موضعه، هذا مع ما اجتمع فيه من خصائص وصفات مع ما وجد فيه من روح وحياة كل ذلك عوامل في الإعجاز، والأمر أوسع من ذلك. وبعد، فالإيمان بالكتب يشمل: - الإيمان الإجمالي بكل كتاب أنزله الله عز وجل على كل نبي ورسول، والإيمان التفصيلي بما سماه الله عز وجل لنا وذكره، وهي: القرآن وهو أفضلها ثم التوراة وهي تالية له بالفضل ثم الإنجيل ثم الزبور ثم صحف إبراهيم وموسى. - ومقتضى الإيمان بالكتب الاعتقاد بأنها وحي من الله عز وجل للرسل الذين أنزلت عليهم هذه الكتب.

_ (1) الذاريات: 47. (2) الواقعة: 75، 76. (3) الأنبياء: 30. (4) الكهف: 109.

- وأن الكتب السابقة على القرآن ضاعت أو خرقت أو بدلت أو غيرَت أو اختلطت بغيرها وجاء القرآن مؤكداً لثوابتها وذاكرًا التكليفات المستمرة وناسخا للأحكام الخاصة. {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} (1). {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ (2). {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} (3). - الإيمان بالقرآن يقتضي الإيمان بعموم الخطاب فيه للمكلفين من الإنس والجن جميعًا ويقتضي الإيمان بخلود هذا الخطاب وأن المكلفين من الإنس والجن مخاطبون به حتى يرث الله الأرض ومن عليها وأنه شامل كامل، وأنه الكتاب الوحيد الذي لم يداخله تغيير ولا تبديل، وأنه حاكم وناسخ لكل كتاب سابق. هذا وقد مرت معنا نصوص في القسم الأول من هذا الكتاب عن القرآن وستأتي نصوص في أقسام لاحقة في سياقاتها فلنكتف بما ذكرناه هنا كي لا يخلو هذا القسم من تذكير بكل ما يلزم في باب العقائد. * * *

_ (1) المائدة: 48. (2) النساء: 131. (3) الأعراف: 157.

الوصل في: التعريف على كتب بعض أهل الأديان

الوصل في: التعريف على كتب بعض أهل الأديان وفيه: مقدمة وتعريفات ونصوص

المقدمة

المقدمة لقد رأينا فيما مر اتجاها نقله الفخر الرازي رحمه الله يفيد أنه ما من رسول إلا وأنزل معه كتاب، وذلك قوله تعالى في سورة البقرة: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} (1). كما أن ظاهر قوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} (2)؛ فإذا أخذنا بظاهر هذا القول وعرفنا أنه ما من أمة إلا وقد أرسل لها رسول أو أكثر، فالمفروض أن تكون هناك كتب كثيرة ذات أصل سماوي، وقد خص القرآن بالذكر التوراة والإنجيل والزبور والقرآن وصحف إبراهم وصحف موسى، فكان القول الذي ذكره الفخر الرازي إن تخصيص هؤلاء بالذكر لا ينفي أن تكون هناك كتب أخرى، هذا مع أن الآيتين اللتين صدرنا بها هذا الوصل يمكن أن يحملا على محامل أخرى، كأن يراد بالكتاب المكتوب بمعنى المفروض، فيكون المعنى: وأنزل معهم المفروضات على أمهم، إلا أن المتتبع للدراسات المقارنة الحديثة يرجح أن تكون هناك كتب أخرى ذات أصول سماوية، ولكن هل هي كتب أنزلت من السماء ككتب، أو أنها الوحي الذي أنزل على رسل جمعه أقوامهم في كتب، فيكون المعنى الثاني هو المراد؟ الأمر يحتمل. وأيا كان الأمر فليس هناك كتاب ديني في العالم يستطيع أصحابه أن يدّعوا أنه منقول تواترًا من هذا العصر إلى صاحب رسالة إلا القرآن الكريم، ومن ههنا كان القرآن هو الحجة على كل التراث المنسوب إلى الله ورسله عليهم الصلاة والسلام. ولا شك أن كل كتاب قام عليه دين بعد القرآن الكريم فإنه مكذوب على الله عز وجل لأن محمدًا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين بنص القرآن: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (3)، وإذ جعل الله عز وجل القرآن مفصلًا لكل شيء، ومصدقًا للوحي الحق الذي سبقه، ومهيمنًا عليه، فإنه يغني عن كل كتاب سابق، ويشهد ببطلان كل ما خالفه من أخبار، وينسخ

_ (1) البقرة: 213. (2) الحديد: 25. (3) الأحزاب: 40.

أ - التعريف بكتب الهند الدينية

كل تشريع لم يقره، أما الأخبار التي لا تعارضه فليس على المسلم أن يصدقها أو يكذبها إذا كان مما يدخل في دائرة إمكانية القبول، أما التشريعات السّابقة على تشريعنا حتى ولو صحت نسبتها إلى نبي - وأنى يكون ذلك - فلا تدخل ضمن دائرة التكليف ولو سكت عنها شرعنا، إلا إذا نص عليها، وحتى في ذلك فإن الأصوليين مختلفون فيا لو قصر الله علينا شرع غيرنا دون أن ينسخه، هل يعتبر شرعًا لنا أو لا؟ والقول المشهور أن شرع من قبلنا شرع لنا مالم ينسخه شرعنا ولكن بشرط أن يأتينا عن طريق الوحي المنزل على رسولنا عليه الصلاة والسلام. ولكي يكون عند المسلم تصور عن الكتب الدينية القديمة فإننا نذكر شيئًا عنها: أ - التعريف بكتب الهند الدينية 1 - كتب (الفيدا)، وهي أقدم الكتب الدينية عند اليهود، وهي أربعة كتب: (الريج فيدا) و (الياجور فيدا) و (الساما فيدا) و (أنار فيدا) وهذه الكتب هي أصول الديانة الهندوسية، ولا يعرف من وضعها، وهذا نموذج مترجم عن السنسكريتية من الكتاب الأول يتحدث عن الإله الأعلى: (هو الأعلى من كل شيء وهو الأسنى إله الآلهة ذو القوة العليا الذي أمام قدرته الغالبة ترتعد الأرض والسماوات العالية أبها الناس استمعوا لشعري إنما هو إندرا إله الكون. هو الذي قهر الشياطين في السحاب، وأجرى الأقمار السبعة الصافية الكبار، واقتحم كهوف الكآبة والأكدار، وأخرج البقرات الجميلة من الأرحام، وأضاء النار القديمة من البرق في الغمام. ذلك هو إندرا البطل الجسور الجيش المتقدم للهيجاء يناديه للنصرة يوم الحرب الأعزاء بصيته الذائع يهتفون، والأذلاء يذكرون اسمه بشفاههم وهمسون. وقائد الجيش على العجلة الحربية يدعو ويستنصر إندرا إله الحرب. الأرض والسماء تعترفان بسلطانه وكله، والجبال المرتعدة تخرُ له وتسجد لجلاله. هو الذي يرسل صواعق السماء على أعدائه فلتهد إليه السكائب المقدسة فإنه يقبل هذه الخمر: خمر سوما ويستمع للشعر وأغاني الولاء له. البقرات وأفراس الوغي له القرى والمساكن وعجلات الحرب هو يرفع الشمس بيده

اليمنى ويفتح الأبواب الحر من شفق الفجر فيزق السحاب الأحمر تمزيقًا ويرسل شآبيب المطر لنصدق به تصديقًا) (1) ا. هـ. ويعتقد الباحثون أن (الفيدا)، جاءت مع الشعوب الآرية التي غزت الهند، وهناك خلاف بين الباحثين حول منشأ الآريين الغزاة للهند، هل هو تركستان أو أوربا، وفي كلا الحالتين فإن الاحتمال الأكبر أن تكون الأصول السماوية الصحيحة للفيدا قد نزلت على هذه الجازم فيمن هو رسول وفيما هو وحي سماوي. 2 - (قوانين مانو) وهي التي سجل فيها أقسى نظام طبقي في العالم، وهذا نسقة (بوذا) بعد ذلك في ديانته. 3 - (المهابهارتا) وهي قصيدة طويلة، ومؤلفها شخص اسمه (وياس)، وهي أشبه بالإلياذة والأوديسة عند اليونان. 4 - (كينا) وهو منسوب إلى رجل اسمه (كرشنة) وكرشنة عند الهنود كالمسيح عند المسيحيين بعد تحريف ديانتهم، حتى إن كثيرًا مما وصف به المسيح عليه السلام موصوف به كرشنة مما يعتقد معه أن أحد الجانبين أخذ من الآخر، ومن كلام كرشنة في هذا الكتاب: (لقد أضلت كلمات ويدا عقلك، فصرت لا تفهم قيمة الفرض وما يتبعه من الواجبات، والذين يتمسكون بألفاظ ويدا واحدها، ويرونها كل شيء، يركبون شططًا، نهم إنما يجرون وراء أهوائهم النفسية، يمنون أنفسهم بالجنة، لأنهم حريصون على لذائذ الحياة، فيقومون بطقوس يرونها تضمن لهم الجنة، ولذلك تبلبلت عقولهم، وتشعبت سُبلهم، وضلت أعمالهم، فهم في حيرة وارتباك، يجرون وراء شهواتهم، ولا يستطيعون حصر أفكارهم في نقطة واحدة). (أما أنت، فكن فوق القشور الويدية. لا تقلقك أفكار الراحة أو التعب، النجاح أو الخيبة، بل كن مطمئنًا منشرحًا في روحك، والعاقل الذي وصل إلى الحقيقة، ليست

_ (1) (أديان الهند الكبرى) للدكتور/ أحمد شلبي.

الكتب الويدية له إلا كبير في مكان ذي أنهار، فعليك أن تقوم بواجبك، لأنه واجب عليك، واجمع عقلك على هذه النقطة وحدها ..). (اعلم أن أشد أعداء الإنسان اثنتان: الشهوة والغضب. وهما اللذان يدفعانه إلى الذنوب، وكما يغطي الدخان النار، ويكدر الغبار صفاء المرأة؛ كذلك الشهوة والغضب يغطيان عقل الإنسان، فعلى الإنسان أن يقتل هذين العدوين). (والذي يقوم بواجبه كما قلت، يبزغ نور العرفان في داخله كما تبزغ الشمس في السماء، فيرى ربه بعين قلبه، ويسعد بالنجاة بعد أن تذهب ذنوبه وتحل محلها الحسنات) ا. هـ. 5 - (بوجاواسفسها) ولا يعرف مؤلف هذا الكتاب، وهو منظومة شعرية تحتوي على أربعة وسبعين ألفًا من الأبيات. 6 - (رامابانا) ولا يعرف مؤلفه ولا تاريخ تأليفه، وهو أقرب إلى أن يكون كتابا في أنظمة الحك. هذه هي أهم كتب الديانة الهندوسية (2). أما الديانة البوذية، فالمعروف أنها لم تسجل في حياة بوذا، وقد ظهر الاختلاف الكبير بين أتباعه فعقدوا مجلسا كبيرا بعد زمن من وفاته عام (483 ق م)، وطلبوا من ثلاثة من أكبر تلامذته أن يتحدثوا عن موضوع رئيسي من تعاليم بوذا، فتحدث أحدهم عن العقائد وآخر عن الشريعة وآخر عن الحكايات، وهي مع ذلك بقيت تتناقل شفهيا حتى عهد الإمبراطور آسوكا عام (242 ق م) ومن ههنا فإننا لا نستطيع الثقة بما سجل بعد هذه السنين الطويلة، وكان التحريف والتبديل والجهل عوامل انتقلت بالبوذيين من اعتبار بوذا حكيا ابتداء إلى تأليهه في النهاية، فحدث عندم ما حدث عند النصارى بينا يروى اتباعه عنه هذه الحكاية: (أن أحد تلاميذه قال له مرة: إنني أيها السيد أؤمن بكل قلبي أنه لم يوجد قط، ولا يوجد الآن، ولن يوجد إلى آخر الدهر مرشد أعظم قدرًا وأكثر عقلا من مرشدنا المبارك.

_ (1) (أديان الهند الكبرى) للدكتور/ أحمد شلبي. (2) راجع (أديان الهند الكبرى) لأحمد شلبي.

ب- التعريف ببعض كتب الصين الدينية

فأجاب بوذا: هل أنت قد عرفت كل العارفين الذين سبقوني؟ وهل عرفت كل العارفين الذين يأتون بعدي؟ - فأجاب التلميذ: لا يا سيدي فلم يتيسر لي ذلك. قال بوذا: هل عرفتني كل المعرفة؟ وتوغلت في نفسي كل التوغل؟ فقال التلميذ: لا يا سيدي وكيف لي ذلك؟ فقال بوذا: فلم إذًا أسرفت في قولك وجعلتني خير الناس وأنت لا تعرفني ولا تعرف الناس؟) (1) ا. هـ. ب- التعريف ببعض كتب الصين الدينية لانعرف شيئًا عن أديان الصين القديمة إلا عن دينين لازالا موجودين حتى الآن: الطاوية المنسوبة لـ (لوتس) والكونفوشيوسية المنسوبة (لكونفوشيوس)، وقد جُمِعَت آراء لوتس وأحاديثه في كتاب اسمه (كتاب الأخلاق) وهو يدعو إلى القناعة والزهد والتسامح المطلق ومقابلة السيئة بالحسنة، وقد اجتمع به كونفوشيوس في أخريات حياته، ويدعي أنه لم يوافقه على بعض آرائه، والكونفوشيوسية أكثر انتشارًا وقد جمع تلاميذ كونفوشيوس آراءه في كتاب (الحوار) وهو مترجم إلى اللغة العربية. والمعروف عنه أنه لخص كثيرا من الكتب الصينية القديمة، ولا نعرف أنه ترجم منها شيء إلى اللغة العربية، فلربما استطاع الدارس أن يلمح فيها شيئًا يوصل إلى استئناس في شأن أديان الصين القديمة. ج- التعريف ببعض كتب الفرس الدينية المشهور من كتب الفرس الدينية كتاب (الزندافستا) المنسوب إلى (زردشت)، ويذكر أبو الكلام أزاد في رسالته عن ذي القرنين أن الرواية الفارسية تذكر أن صحيفة زرادشت

_ (1) المرجع السابق.

د- التعريف ببعض الكتب اليهودية الدينية

الدينية دونت في جلود اثني عشر ألف ثور بحبر من الذهب، واحترقت أيام حرب الإسكندر، فيقول أبو الكلام: (ولما تأسست الإمبراطورية الساسانية بعد خمسمائة سنة من الإسكندر، حاول الفرس لم شعث الدين الزرادشتى من جديد، فكما جمع عزرا التوراة بعد أسر بابل، كذلك يقال إن أردشير بايكان أمر يجمع كتاب أوستا من جديد إلا أن خصوصيات الدين الحقيقية كانت قد تحرفت بتغيرات وإضافات كثيرة، ومسخت حقيقتها، فالدين الزرادشتى في شكله الجديد، لم يكن دينا خالصا، بل أصبح خليطا من المجوسية القديمة، واليونانية، والزردشتية. وقد زاد الطين بلة الموبذون والمفسرون بحواشيهم وشروحهم وتفاسيرهم التي ذهبت بالدين بعيدا عن أصله) (1) ا. هـ. ويقول البستاني في دائرة معارفه: (ولزرادشت كتاب آخر في الرؤيا صنعته علماء القرن الثاني والأول قبل الميلاد). اهـ. أقول: وفيما تبقى من (الزندافستا) الحالية بشارة واضحة برسولنا عليه الصلاة والسلام ذكرها العقاد في كتابه مطلع النور ونقلناها في كتابنا (الرسول صلى الله عليه وسلم) وهذا يشهد لرسالة زرادشت والله أعلم. د- التعريف ببعض الكتب اليهودية الدينية الكتب الدينية لليهود قبل المسيح عليه السلام تتألف من قسمين رئيسيين: أولًا: أسفار العهد القديم. ثانيًا: التلمود، وتختلط في أسفار العهد القديم السير الذاتية للأنبياء بنصوص الوحي بالتاريخ اليهودي. ويكاد المؤرخون والمحققون يجمعون أن أكثر أسفار العهد القديم كتبت بعد مئات السنين من تاريخ أحداثها أو وجودها يقول (ويل ديورانت): (ويبدو أن أسفار التوراة الخمسة قد أخذت صورتها الحاضرة حوالي عام 300 ق - م)، ويقرر (ويلز)

_ (1) رسالة {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ}.

هـ- التعريف ببعض كتب النصارى الدينية

(أن أسفار العهد القديم جمعت لأول مزة في بابل وظهرت في القرن الخامس قبل الميلاد). وقد جمعت هذه الأسفار من الروايات الشفهية المتوارثة ولذلك داخلها الخلط والخبط وأكبر مثال على ذلك أنك تجد زبور داود مختلطا بما هو وحي ليس منسوبا لأحد وبما هو قصائد منسوبة لداود قالها في مناسبات وبما هو قصائد منسوبة لغير داود. وأما التلمود فهو الروايات الشفهية التي تناقلها الحاخامات جيلًا بعد جيل وقد ابتدأ تدوين التلمود بعد مائة وخسين سنة من عهد المسيح نم تكامل تدوينه من بعد ويعتبره بعض اليهود أقوى إلزامًا من التوراة ومن هذا كله ندرك صعوبة معرفة ما هو وحي صحيح من مجموع هذا التراث (1). هـ- التعريف ببعض كتب النصارى الدينية أنزل الله على المسيح عليه السلام إنجيلًا واحدًا، وكان للمسيح عليه السلام سيرة ذاتية، والأناجيل الحالية المعتمدة عند النصارى يختلط فيها ما هو سيرة ذاتية للسيح بعظاته بما يمكن أن يعتبر من الإنجيل بما زاده المحرفون وكل ذلك من خلال رواية مدرسة بولس الذي حرف دين المسيح واختلف مع الحواريين وخالفهم ويكن هو من تلاميذ السيح عليه السلام. وهذه الأناجيل الأربعة كتبت بعد سنة 63 ميلادية، وكانت هناك أناجيل أخرى ورسائل للحواريين وكل ذلك ألغاه جمع نيقية عام 325 ميلادية حيث تغلب فكر بولس ومدرسته القائلين بألوهية المسيح، جاء في كتاب المسيحية لأحمد شلي عن أسفار العهد الجديد بما في ذلك الأناجيل الأربعة: (إن هذه السبعة والعشرين سفرا أو الرسالة الموضوعة من قبل ثمانية كتاب لم تدخل في عداد الكتب المقدسة باعتبار مجموعة هيئتها بصورة رسمية إلا في القرن الرابع بإقرار جمع نيقية العام وحكمه (سنة 325 م) لذلك لم تكن أي من هذه الرسائل مقبولة ومصدقة لدى الكنيسة وجميع العالم العيسوي قبل التاريخ المذكور، ثم جاء من الجماعات العيسوية في الأقسام المختلفة من كرة الأرض ما يزيد على ألفي مبعوث روحانيٍّ ومعهم عشرات الأناجيل

_ (1) راجع (اليهودية) لأحمد شلبي.

و- التعريف ببعض كتب الصابئة الدينية

ومئات الرسائل إلى نيقية لأجل التدقيق، وهناك تم انتخاب الأناجيل الأربعة من أكثر من أربعين أو خمسين إنجيلًا وتم انتخاب الرسائل الإحدى والعشرين من رسائل لا تعد ولا تحصى وصودق عليها، وكانت الهيئة التي اختارت العهد الجديد هي تلك الهيئة التي قالت بألوهية المسيح. وكان اختيار كتب العهد الجديد على أساس رفض الكتب المسيحية المشتملة على تعاليم غير موافقة لعقيدة نيقية وإحراقها كلها حتى عمل بهذه الأناجيل الأربعة، مع أنه لو صح نسبة الأناجيل إلى أصحابها لكانت أسبق من الرسائل، ويؤكد هذا الكاتب: أن الأناجيل الأربعة لم تكن موجودة في زمن الحواريين الخمسة أو الستة الذين كتبوا تلك الرسائل لأن الرسائل لا تبحث عن محتويات هذه الأناجيل قطعًا ولا تشير إليها) (1) ا. هـ. و- التعريف ببعض كتب الصابئة الدينية وعند صابئة العراق الحاليين كتاب يتكتمون عليه ويدعون نسبته إلى شيث بن آدم وإدريس عليهم السلام. هذا العرض السريع لبعض الكتب الدينية المعروفة في العالم ترينا أنه لا يوجد غير القرآن كتابًا إلهيّا قطعي النسبة إلى الله ومنقول لنا نقلًا قطعيّا، قال تعالى عن القرآن: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (2) فقد تعهد جل جلاله بحفظ القرآن وكلف بحفظه المسلمين، أما غير القرآن فقد كلف أصحابه بحفظه ولم يتعهد بحفظه فقصر أصحابي ذلك بالحفظ بل بدلوا وغيروا. فائدة: ذكر القرآن الكريم صحف إبراهم عليه السلام وقد تعرض لذلك الشيخ عبد الرحمن حبنكة في كتابه العقيدة الإسلامية فذكر ما يلي: (لقد أخبرنا القرآن بأخباره الصريحة عن الصحف الأولى وذكر منها صحف إبراهم عليه

_ (1) (المسيحية)، للدكتور أحمد شلبي. (2) الحجر: 9.

السلام ولكن هذه الصحف مفقودة فلا يعرف منها شيء إلا بعض حقائق في الدين، أشار القرآن إلى أنها مما تضمنته هذه الصحف. أ - فمن ذلك قوله تعالى في سورة (النجم): {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى * وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا * وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى * وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى * وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى * وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى * وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى * وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى * وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى * فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى} (1). أقنى: أعطى من الرزق والأموال ما يقتنى ويدخر، الشعرى: نجم وضاء يقال له: قرى قوم لوط، وسميت هذه القرى مؤتفكة لأنها ائتفكت بأهلها، أي انقلبت. أهوى: أي أوقعها وأسقطها - بعد رفعها عن أماكنها - من الأرض إلى الفضاء. فهذه الحقائق الدينية التي أعلنتها هذه الآيات مما أنزله الله في صحف إبراهم وموسى؛ كما هو ظاهر في مدلول الآيات. ب- ومن ذلك قوله تعالى في سورة (الأعلى): {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} (2). وننهي هذا الوصل بذكر نصوص تحدد الوقف من روايات اليهود والنصارى ومن باب أولى غيرهم ونذكر فيها بأدب المسلم في التمسك بالقرآن الكريم وإهمال ما عداه إلا لضرورة الخدمة الإسلامية:

_ (1) النجم: 36 - 54. (2) الأعلى: 14 - 19.

النصوص

(النصوص) 809 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تُصَدّقوا أهل الكتاب بما يُحَدّثونكم عن الكتاب، ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالله وما أنزل إلينا، لأن الله تعالى أخبر أنهم كتبوا بأيديهم، وقالوا: هذا من عند الله). وفي رواية (2) قال: كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية، ويفسّرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تصدّقوا أهل الكتاب ..) وذكر الحديث. 810 - * روى البخاري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنها قال: يا معشر المسلمين، كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء؟ وكتابك الذي أنزل الله على نبيّكم أحدث الكتُب بالله، تقرؤونه محضًا لم يشب، وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله، وغيرُوه، وكتبوا بأيديهم الكتاب، وقالوا: هذا من عند الله، ليشتروا به ثمنًا قليلًا؟ أفلا ينهاك ما جاءك من العلم عن مَسألتهم؟ ولا والله، ما رأينا منهم رجلًا قط يسألك عن الذي أنزل عليكم. 811 - * روى البخاري عن خميد بن عبد الرحمن رحمه الله، قال: سمعت معاوية رضي الله عنه يحدّث رهطًا من قريش بالمدينة - وذكر كعب الأحبار - فقال: إن كان لمن أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن الكتاب، وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب. أقول: إن كعبًا من الثقات إلا أن الكذب يطرأ على رواياته عن أهل الكتاب بسبب كذبهم هم. لا أنه كان يتعمد الكذب عليهم أو على غيرهم.

_ 809 - البخاري (13/ 333) - 96 - كتاب الاعتمام بالكتاب والسنة - 25 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء). (2) البخاري (8/ 170) - 65 - كتاب التفسير - 11 - باب {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا}. 810 - البخاري (12/ 333) - 96 - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة - 25 - باب قول النبي: (لا تسألوا أهل الكتاب عن شيءٍ). 811 - البخاري، الوضع السابق.

812 - * روى أحمد عن ابن أبي نملة الأنصاري، أن أباه أبا نملة الأنصاري أخبَرَهُ أنه بَيْنَما هُوَ جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جَاءه رجلٌ من اليهود، ومر بجنازةٍ، فقال: يا مُحمد هل تتكلم هذه الجنازة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الله أعلمُ). فقال اليهودي: إنها تتكلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما حدثكم أهل الكتاب، فلا تصدقوهم، ولا تُكذِّبُوهُمْ، وقولوا: آمنا بالله وكتُبهِ وَرُسُله، فإن كان باطلًا لم تُصَدَّقُوه، وإن كان حقًا لم تكذبوه). قال البغوي: وهذا أصل في وجوب التوقف عما يشكل من الأمور والعلوم. فلا يقضى فيه بجواز ولا بطلان، وعلى هذا كان السلف. ا. هـ. 813 - * روى أحمد عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم حين أتاه عمر، فقال: إنا نسمع أحاديث من يهود تعجبنا، أفترى أن نكتب بعضها. فقال: (أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى، لقد جئتكم بها بيضاء نقيةً، ولو كان موسى حيًّا ما وسعه إلا اتباعي). قال البغوي: قوله: (أمتهوكون) أي: متحيرون أنتم في الإسلام، لا تعرفون دينكم حتى تأخذوه من اليهود والنصارى!! وقوله: (بيضاء نقية) أراد الملة، لذلك جاء بالتأنيث، كقوله سبحانه وتعالى:

_ 812 - أحمد (4/ 136). وأبو داود (3/ 318) - كتاب العلم - باب رواية حديث أهل الكتاب. وشرح السنة (1/ 268). قال الشيخ شعيب محقق شرح السنة: (وابن أبي نملة، وثقه ابن حبان، وأخرج حديثه في (صحيحه: رقم (110) موارد، ويشهد له حديث أبي هريرة عند البخاري [الذي سبق] فيتقوى به. ا. هـ. 813 - أحمد (3/ 387). وشرح السنة (1/ 270). قال الشيخ شعيب محقق شرح السنة: حديث حسن ... [وفيه] مجالد ضعيف، وله شاهد بنحوه من حديث عبد الله بن شداد عند أحمد 3/ 470، 471 وفي سنده جابر الجعفي، وآخر من حديث عمر عند أبي يعلى، وفيه عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي، وهو ضعيف، وانظر (مجمع الزوائد) 1/ 173، 174. ا. هـ.

{وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (1) أي: تفسير الملة القيمة الحنيفية. وروي (2) أن كعب الأحبار جاء إلى عُمَرَ بمصحف، فقال: يا أمير المؤمنين في هذا التوراة، أفأقرؤها؟ فقال: إن كنت تعلم أنها التوراة التي أنزلت على موسى يوم طور سيناء فاقرأها، وإلا فلا. أقول: لم ننقل هاهنا كثيرًا من النصوص الحديثية المتعلقة بالقرآن لأنها ستأتي معنا في القسم اللاحق: قسم العبادات الرئيسية أثناء الكلام عن تلاوة القرآن وتفسيره فلتراجع هناك. * * *

_ (1) البينة: 5. (2) شرح السنة (1/ 271).

الفصل السابع في: الإيمان بالأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام

الفصل السابع في: الإيمان بالأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام وفيه: مقدمة ونصوص ومسائل وفوائد ووصلان

المقدمة

المقدمة معرفة الرسل هي التي تتحقق بها معرفة الله عز وجل فالم يعرف الإنسان الرسل عليهم الصلاة والسلام ويؤمن بهم ويسلم لهم ويطيعهم فإنه لا يعرف الله عز وجل، ولا يقوم بحقوقه، ولذلك نجد آية في كتاب الله أقامت بيعة الرسول مقام بيعة الله، كما نجد آية أخرى أقامت طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم مقام طاعة الله: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} (1). {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (2). لقد ذكرنا أن الله عز وجل له الصفات العليا والأسماء الحسنى وله الربوبية والألوهية والمالكية ولا نعرف مقتضيات وتفصيلات حقوق هذه المعاني إلا من خلال الرسل عليهم الصلاة والسلام: فالعبادة والعبودية، والتشريع، والطريق إلى رضوان الله تعالى لا سبيل إلى معرفتها إلا بالرسل عليهم الصلاة والسلام: {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ} (3). {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (4). ومن ههنا وغيره فإن الذين لا يؤمنون برسل الله ليسوا مؤمنين، بل الكفر بواحد من الرسل كفر بالله وكفر بالرسل بأن واحد: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} (5). ولذلك كان الإيمان بالرسل هو الركن الرابع من أركان الإيمان وكان الدخول في الإسلام بالنطق بمجموع الشهادتين، وإنما يعرف الرسول صلى الله عليه وسلم بصفاته وبالمعجزات التي يظهرها الله

_ (1) الفتح: 10. (2) النساء: 80. (3) النحل: 2. (4) الأنبياء: 25. (5) النساء: 150، 151.

على يديه والتي قد يكون منها النبوءات التي تتحقق، وبالثمرات الطيبة الخيرة، ورسولنا صلى الله عليه وسلم كان له من الصفات أرقاها ومن المعجزات أكثرها وأخلدها وأظهرها ومن النبوءات ما يتحقق في الجيل بعد الجيل ومن الثمرات أحلاها وأطيبها وأعذبها، وقد بشرت به الرسل السابقون وقد تعرضنا لذلك تفصيلا في كتابنا (الرسول) صلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم. وقد أعطانا القرآن الكريم تصورًا كاملًا عن موضوع الرسل عليهم الصلاة والسلام. - مما ذكره أن النبوة والرسالة قائمة على الاصطفاء فليس للكسب فيها مدخل، وإن كان الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام أصفى الناس قلبًا وأعلام استعدادًا قال تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} (1)، {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} (2)، {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ} (3). وقال في حق إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام: {وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ} (4) وقال في حق إبراهيم عليه السلام: {وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} (5)، وقال في حق موسى عليه السلام: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي} (6) {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} (7). - وبما ذكره القرآن أنه ما من أمة إلا وقد أرسل لها رسول {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (8) {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} (9)، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} (10)، {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} (11).

_ (1) الأنعام: 124. (2) الحج: 75. (3) النحل: 2. (4) ص: 47. (5) البقرة: 130. (6) الأعراف: 144. (7) طه: 13. (8) النحل: 36. (9) فاطر: 24. (10) القصص: 59. (11) إبراهيم: 4.

وقد ختم الله النبوة والرسالة بمحمد صلى الله عليه وسلم وجعله رسولًا للعالمين من الإنس والجن {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (1)، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} (2)، وكما أنه رسول الله إلى كافة الإنس فهو رسول إلى الجن: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} (3) {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} (4) {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (5) {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} (6). - ومما ذكره القرآن أنه لم يقصص علينا نبأ المرسلين فقال: {مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} (7). {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (8). والقول الراجح عند العلماء أن عدد الرسل الذين ذكروا في القرآن خمسة وعشرون على خلاف في ذي الكفل والراجح أنه رسول. والرسل الذين ذكرهم القرآن هم: آدم - إدريس - نوح - هود - صالح - إبراهم - لوط - إسماعيل - إسحاق - يعقوب - يوسف - أيوب - شعيب - موسي - هارون - يونس - داود - سليمان - إلياس - اليسع - ذو الكفل - زكريا - يحيي - عيسي - محمد - عليهم الصلاة والسلام جميعًا. - وصف القرآن بعض الرسل بأنهم أولوا عزم لكثرة ما صبروا وتحملوا وما قاموا به قال تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} (9) وهم المخصوصون بالذكر في سورة الأحزاب: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى

_ (1) الأحزاب: 40. (2) سبأ: 28. (3) الأحقاف: 29. (4) التكوير: 27. (5) الأعراف: 158. (6) آل عمران: 85. (7) غافر: 78. (8) النساء: 164. (9) الأحقاف: 35.

ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} (1). وهم في الفضل عند أهل العلم على الترتيب التالي: محمد - إبراهيم - موسي - عيسي - نوح عليهم الصلاة والسلام. ومما ميز الله به الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام الوحي: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} (2). {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} (3). {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ} (4). - والوحي الذي خص به النبيون والمرسلون هو كلام الله المنزل على نبي من أنبيائه مخاطبًا به ذلك النبي بأنه نبي، وطرائق ذلك ما ذكره القرآن: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} (5)، فهناك الإلقاء المباشر في قلب الرسول صلى الله عليه وسلم وهناك الكلام المباشر من الله عز وجل من وراء حجاب وهناك الوحي بواسطة الملك، وصور الملك بالوحي كثيرة والرسول الرئيسي المكلف بالوحي هو جبريل عليه السلام: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} (6). - والعقل والنقل متضافران على أن الرسل عليهم الصلاة والسلام لابد أن يتصفوا بأربع صفات رئيسية: الصدق والأمانة والتبليغ والفطانة. والصدق هو مطابقة الخير للواقع، قال تعالى: {وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} (7). وقال: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} (8).

_ (1) الأحزاب: 7. (2) الكهف: 110. (3) النساء: 163. (4) الأنبياء: 7. (5) الشورى: 51. (6) الشعراء: 193، 194. (7) الأحزاب: 23. (8) الحاقة: 44 - 47.

{فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} (1). وأما الأمانة فهي العصمة ومعناها حفظ ظواهرهم وبواطنهم عن التلبس بمعصية فهي في اصطلاح العلماء القيام بالتكليف وهو الأمانة بمعناها العام: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ} (2). واتصافهم بالأمانة هو مقتضى التكليف الإلهي باتباعهم والاقتداء بهم: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (3). {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} (4). {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (5). {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} (6). {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} (7). {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} (8). ومعنى الفطانة القدرة على إقامة الحجة وما يستتبع ذلك من وفور عقل وقوة فهم وسرعة بديهة لأن مهمتهم إقامة الحجة بدين الله على المكلفين من خلق الله: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} (9). {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} (10). {يَانُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا} (11).

_ (1) الأنعام: 33. (2) الأحزاب: 72. (3) آل عمران: 31. (4) النساء: 64. (5) الأحزاب: 21. (6) الممتحنة: 4. (7) هود: 88. (8) الأنبياء: 90. (9) النساء: 165. (10) الأنعام: 83. (11) هود: 32.

ومعنى التبليغ إيصال رسالات الله إلى من أمروا بتبليغهم إياها: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ} (1). {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} (2). {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (3). - ومن قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ} (4) أخذ العلماء أنه لم تكن نبوة ولا رسالة في جنس الإناث، أما خطاب الملائكة لمريم عليها السلام فلم يكن بوصف النبوة بل كان كرامة لها من الله بوصف الصديقية، قال تعالى: {وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ} (5)، وأما قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى} (6)؛ فيحتمل أنه إلهام أو خطاب بواسطة ملك ولكن ليس بوصف النبوة بل هو كرامة وولاية. - وقد جعل الله عز وجل العلامة على صدق الرسول هي المعجزة الخارقة للعادة التي يعجز المخاطبون عن الإتيان بمثلها قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ} (7) فما من رسول إلا وقد أوتي معجزة تقوم بها الحجة على المخاطبين برسالته وقد يكون للرسول معجزة واحدة وقد تكون له معجزات كثيرة، والمعجزة الرئيسية لرسولنا صلى الله عليه وسلم هي القرآن، وهي معجزة فيها معجزات، ولكنه مع القرآن أوتي معجزات أخرى كثيرة عليه الصلاة والسلام. ومن وظائف الرسل عليهم الصلاة والسلام: 1 - إقامة العدل: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} (8). 2 - الدعوة إلى الله: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (9).

_ (1) الأحزاب: 39. (2) المائدة: 67. (3) النحل: 125. (4) الأنبياء: 7. (5) المائدة: 75. (6) القصص: 7. (7) الحديد: 25. (8) الحديد: 25. (9) يوسف: 108.

{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} (1). 3 - تعليم الكتاب والحكمة وتزكية الأنفس وتعليم الناس ما لا يعلمونه إلا بواسطة الوحي مما يحتاجون إليه: {وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ} (2). {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} (3). - شرح الكتاب للناس: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (4). 5 - التبشير والإنذار: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} (5). - والرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام يتفاضلون عند الله، قال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} (6). {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ} (7). - كما أن أمم المرسلين تتفاضل: فقد فضل الله بني إسرائيل على عالم زمانهم: {وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} (8). - وقد جعل الله عز وجل أمة محمد خير الأمم:

_ (1) النحل: 125. (2) البقرة: 129. (3) البقرة: 151. (4) النحل: 44. (5) النساء: 165. (6) البقرة: 253. (7) الإسراء: 55. (8) الدخان: 32.

{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (1). - وببعثة الرسل عليهم الصلاة والسلام تقوم الحجة على المكلفين فيطالبون بالأصول والفروع ويستحقون العذاب في الدنيا والأخرة إذا عاندوا: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} (2). {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (3). {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا} (4). - ومن قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ} (5). وأمثال ذلك بحث العلماء موضوع ما يجوز على الرسل عليهم الصلاة والسلام من أحكام البشرية: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ} (6). {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} (7). - ودعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام واحدة هي الدعوة إلى التوحيد والعبادة والعبودية والاستسلام لله عز وجل فيما أوحاه إلى أنبيائه. {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} (8).

_ (1) آل عمران: 110. (2) النساء: 165. (3) الإسراء: 15. (4) طه: 134. (5) الأنبياء: 7، 8. (6) الفرقان: 20. (7) الرعد: 38. (8) الشورى: 13.

{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (1). {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (2). {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} (3). {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} (4). ولكن تفصيلات العبودية لله قد تختلف من شريعة إلى شريعة والشريعة الخاتمة والناسخة لما خالفها هي شريعة محمد صلى الله عليه وسلم: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} (5). وأعظم مظاهر الرحمة الإلهية إرسال الرسل عليهم الصلاة والسلام وأعظم ما تمثلت به هذه الرحمة بعثته لمحمد صلى الله عليه وسلم: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (6). ومن مظاهر هذه الرحمة تخليص الإنسان من عبودية غير الله وتعريفه للناس كيف يتعاملون وتعريفه للناس على الحق والعدل ومكارم الأخلاق وتعريفه للناس على ما يصلحهم ويذرون ما يضرهم وتعريفه للإنسان على مكانته وعلى ظواهر الوجود وبواطنه وعلى ما غاب عنه وتحقيقه بما يستأهل به الجنة ويقيه عذاب النار وبمحمد صلى الله عليه وسلم وجدت القدوة الكاملة للإنسان. - ونصوص الكتاب والسنة التي تتحدث عن الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام كثيرة

_ (1) البينة: 5. (2) الأنبياء: 25. (3) يوسف: 38. (4) يوسف: 40. (5) المائدة: 48. (6) الأنبياء: 107.

وهي تأتي في سياقات متعددة وقد ذكرنا لك أمهات من معاني القرآن وها نحن نعرض عليك بعض نصوص السنة الواردة في الرسل عليهم الصلاة والسلام، وهناك نصوص أخرى تأتي في سياقاتها من هذا الكتاب. * * *

النصوص النبوية في ذكر الأنبياء

النصوص النبوية في ذكر الأنبياء 814 - * روى أحمد عن أبي ذر قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فجلست فقال: (يا أبا ذر هل صليت؟) فقلت: لا: قال: (قم فصل). قال: فقمت فصليت ثم جلست. فقال): (يا أبا ذر تعوذ بالله من شر شياطين الإنس والجن). قال: قلت: يا رسول الله للإنس شياطينٌ؟ قال: (نعم). قلت: يا رسول الله الصلاة؟ قال: (خيرٌ موضوعٌ، من شاء أقل ومن شاء أكثر). قال: قلت يا رسول الله فالصوم؟ قال: (فرضٌ مجزيٌّ وعند الله مزيدٌ). قلت: يا رسول الله فالصدقة؟ قال: (أضعافًا مُضاعفة). قال: قلت: فأيها أفضل؟ قال: (جُهدٌ من مقلٍّ أو سرٍّ إلى فقير). قلت؟ يا رسول الله: أي الأنبياء كان أول؟ قال: (آدم). قلت: يا رسول الله ونبي كان؟ قال: (نعم نبي مكلمٌ). قلت: يا رسول الله، كم المرسلون؟ قال: (ثلاثمائةٍ وبضعة عشرَ جما غفيرًا). أو قال مرة: (خمسة عشر). قلت: با رسول الله، آدم نبي؟ قال: (نعم مكلم). قال: قلت يا رسول الله! أيما أنزل عليك أعظم؟ قال: (آية الكرسي {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}) (1). 518 - * روى الطبراني عن أبي أمامة أن رجلا قال: يا رسول الله أنبيًا كان آدم؟ مجمع الزوائد (8/ 210). وقال: رجاله رجال الصحيح غير أحمد بن خليد الحلبي وهو ثقة: قلت: ورواه ابن حبان (2085)، وقال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (1/ 101): وهذا على شرط مسلم ولم يخرجه. وقال في المجمع (1/ 196): ورجاله رجال الصحيح. بعد أن نسبه إلى الأوسط. ا. هـ.

_ 814 - أحمد (5/ 178). وروى النسائي صدره (8/ 275) - 50 - كتاب الاستعاذة - 48 - باب الاستعاذة من شر شياطين الإنس. وموارد الظمآن (508) - 34 - كتاب علامات النبوة. - 1 - باب في عدد الأنبياء والرسلين وما نزل من الكتب. وذكره مطولًا الحاكم في المستدرك (2/ 597). وسكت عنه. قال الذهبي: فيه السعدي وليس بثقة. أقول: وإخراج الحاكم وابن حبان للحديث يفيد تصحيحها للحديث، لكن الذهبي تعقب الحاكم وذكر أن أحد رواة الحديث ليس بثقة، ومن العلماء من حكم بضعف الحديث وبعضهم حكم بوضعه. والقول الراجح عند العلماء أن تؤمن بالأنبياء والمرسلين دون تقييد ذلك بعدد حتى لا تخرج أحدًا منهم أو تدخل أحدًا فيهم بسبب التقييد مادام ثبوت النصوص الواردة في ذلك محل خلاف. (1) البقرة: 255. 815 - المعجم الكبير (8/ 139). مجمع الزوائد (8/ 210). وقال رجاله رجال الصحيح غير أحمد بن خليد الحلبي وهو ثقة. قلت: ورواه ابن حبان (2085)، وقال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (1/ 101) وهذا على شرط مسلم ولم يخرجه. وقال في المجمع (1/ 196): ورجاله رجال الصحيح. بعد أن نسبه إلى الأوسط. أ. هـ.

قال: (نعم). قال: كم كان بينه وبين نوح؟ قال: (عشرة قرون). قال: كم كان بين نوحٍ وإبراهيم؟ قال: (عشرة قرون). قال: يا رسول الله كم كانت الرسل؟ قال: (ثلاثمائةٍ وثلاثة عشر). أقول: هذا حديث آحاد، لا يكفي لتحديد ما أطلقه المتواتر أو سكت عنه، سواء في ذلك عدد الرسل، أو الزمن بين الرسل عليهم الصلاة والسلام، والقرن قد يراد به الجيل وقد يراد به مئة سنة، والظاهر أن المراد بالقرن هنا هو الجيل، لأن الناس كانوا يعمرون كثيرا في أول حياة البشرية كما رأينا من قبل، لذلك - وعلى كل حال - فالذي رجحه أئمة علماء العقائد وهم أئمة هذا الشأن أنه لا يحد الرسل ولا الأنبياء بعدد، كي لا نرتكب خطيئة إدخال أحد من الرسل ليس منهم، أو إخراج أحدٍ وهو منهم بحديث آحاد قد يكون وهم راويه أو نسي إلى غير ذلك مما يحتمل في حديث الآحاد. 816 - * روى البزار عن أبي موسى رفعه: (لما أخرج الله آدم من الجنة زوده من ثمار الجنة، وعلمه صنعة كل شيء، فثماركم هذه من ثمار الجنة غير أن هذه تغير، وتلك لا تغير). 817 - * روى الطبراني عن عمران بن حصين وسمرة بن جندب أن الني صلى الله عليه وسلم قال: (ولد نوحٍ ثلاثةٌ؛ فسامٌ أبو العرب، وحامٌ أبو الحبشة، ويافث أبو الروم). 818 - * روى البخاري ومسل عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولا الله صلى الله عليه وسلم: (اختتن إبراهيم بالقدوم). وقال بعضهم: مخففًا، وقال أبو الزناد: (القدوم) مشددة: موضع

_ 816 - كشف الأستار (3/ 102). قال في المجمع (8/ 197): رواه البزار والطبراني ورجاله ثقات. 817 - الطبراني (18/ 145). قال في المجمع (1/ 193): رجاله موثوقون. والمستدرك (2/ 546) وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، وضعفه بعضهم. 818 - البخاري (11/ 88) - 79 - كتاب الاستئذان - 51 - باب الختان بعد الكبر ونتف الإبط. مسلم (4/ 1839) - 43 - كتاب الفضائل - 41 - باب من فضائل إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم. (بالقدوم): القدوم - بالتخفيف -: آلة النجار معروفة، وبالتشديد: اسم موضع، وقيل: هو بالتخفيف أيضًا.

وزاد في رواية (1)، قال: (اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة). 819 - * روى البزار عن أبي هريرة رفعه: (إن في الجنة قصرًا من درةٍ، لا صدع فيه ولا وهن، أعده الله لخليله إبراهيم نزلًا). 820 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن إبراهيم عليه السلام يرى أباه يوم القيامة، عليه الغبرة والقترة). وفي رواية (2): قال: (يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترةٌ وغبرةٌ، فيقول له إبراهيم: ألم أقل لك: لا تعصني؟ فيقول له أبوه: فاليوم لا أعصيك، فيقول إبراهيم: يا رب، إنك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون، فأي حزيٍ أخزى من أبي الأبعد؟ فيقول الله: إني حرمت الجنة على الكافرين، ثم يقال: يا إبراهيم، ما تحت رجليك؟ فنظر، فإذا هو بذيخٍ متلطخ، فيؤخذ بقوائمه، فيلقى في النار). 821 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رحم الله لوطًا، لقد كان يأوي إلى ركنٍ شديدٍ، ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف، ثم أتاني الداعي، لأجبت). وللبخاري (3) أيضًا أنه صلى الله عليه وسلم قال: (يغفر الله للوطٍ، إن كان ليأوي إلى ركنٍ شديدٍ).

_ (1) البخاري: الموضع السابق. 819 - كشف الأستار (3/ 102). مجمع الزوائد (8/ 201) وقال: رواه الطبراني في الأوسط والبزار بنحوه، ورجالهما رجال الصحيح. 820 - البخاري (8/ 499) - 65 - كتاب التفسير - 1 - باب {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ}. (2) البخاري (6/ 387) - 60 - كتاب الأنبياء - 8 - باب قوله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}. (القترة): غبرة معها سواد. (بذيخ) الذيخ: ذكر الضباع، والأنثى: ذيخة. 821 - البخاري (6/ 418) - 60 - كتاب أحاديث الأنبياء - 19 - باب قول الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ}. مسلم (1/ 133) - 1 - كتاب الإيمان - 69 - باب زيادة طمأنينة القلب بتظاهر الأدلة. (3) البخاري (6/ 415) - 60 - كتاب أحاديث الأنبياء - 15 - باب {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ}.

822 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود، قال أعطي يوسف وأمه ثلثي حسن الناس في الوجه والبياض وغير ذلك. فكانت المرأة إذا أتته غطى وجهه مخافة أن تفتتن. 823 - * روى أحمد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس الخبر كالمعاينة إن الله عز وجل أخبر موسى عليه السلام بما صنع قومه في العجل فلم يلق الألواح فلما عاين ما صنعوا ألقى الألواح فانكسرت). 824 - * روى البخاري عن أبي بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن موسى عليه السلام قال لفتاه: آتنا غداءنا. قال: أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره. ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمر الله به). 825 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرسل ملك الموت إلى موسى، فلما جاءه صكة ففقأ عينه، فرجع إلى ربه، فقال: أرسلتني إلى عبدٍ لا يريد الموت، فرد الله إليه عينه، فقال: ارجع إليه، فقل له: يضع يده على متن ثورٍ فله بكل ما غطت يده من شعرةٍ سنةٌ، قال:

_ = والترمذي نحوه (5/ 293) - 48 - كتاب تفسير القرآن - 13 - باب (ومن سورة يوسف). 822 - المعجم الكبير (9/ 111). قال في المجمع (8/ 203): رواه الطبراني موقوفًا ورجاله رجال الصحيح. 823 - أحمد (1/ 271). وكشف الأستار (1/ 111). مجمع الزوائد (1/ 153). وقال: رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط ورجاله رجال الصحيح وصححه ابن حبان. 824 - البخاري (6/ 336) - 59 - كتاب بدء الخلق - 11 - باب صفة إبليس وجنوده. (النصب): التعب. 825 - البخاري (3/ 206) - 23 - كتاب الجنائز - 68 - باب من أحب الدفن في الأرض المقدسة أو نحوها. مسلم (4/ 1842) - 43 - كتاب الفضائل - 42 - باب من فضائل موسى صلى الله عليه وسلم. والنسائي (4/ 118) - 21 - كتاب الجنائز - 121 - باب نوع آخر. (الصك): الضرب باليد، كاللطم ونحوه. (فقأ): عينه: إذا بخصها وقلعها.=

أي ربّ، ثم ماذا؟ قال: ثم الموت، قال: فالآن، فسأل الله أن يدنيه من ألأرض المقدسة رميةً بحجرٍ). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر). ولمسلم (1) قال: (جاء ملك الموت إلى موسى، فقال له: أجب ربك، قال: فلطم عين ملك الموت، ففقأها ...) ثم ذكر معناه. قال الحافظ في الفتح: قال ابن خزيمة: أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث، وقالوا: إن كان موسى عرفه فقد استخفا به، وان كان لم يعرفه فكيف لم يقتص له من فقأ عينه، والجواب أن الله تعالى لم يبعث ملك الموت لموسى وهو يريد قبض روحه حينئذ، وإنما بعثه إليه اختبارًا، وإنما لطم موسى ملك الموت، لأنه رأى آدميًا دخل داره بغير إذنه، ولم يعلم أنه ملك الموت، وقد أباح الشارع فقاء عين الناظر في دار المسلم بغير إذن ا. هـ وانظر بقية كلام الحافظ في (الفتح). 826 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما سمي الخضر، لأنه جلس على فروةٍ بيضاء، فإذا هي تهتز من خلفه خضراء). أقول: ذكرنا هذه الرواية هنا لأن هناك من يذهب إلى أن الخضر عليه السلام كان نبيًا، والخلاف في شأنه معروف، فهناك من رجّح ولايته وهناك من رجح نبوته وهناك من يرى أنه لا زال حيًا وهناك من يرى أنه لا تصح هذه الدعوة والبخاري من هؤلاء وبنى ذلك على بعض النصوص العامة التي تنفي بقاء أحد ممن على وجه الأرض بعد فترة حددها

_ = (الكثيب): المجتمع من الرمل. (1) مسلم، الموضع السابق. 826 - البخاري (6/ 433) - 60 - كتاب أحاديث الأنبياء - 27 - باب حديث الخضر مع موسى عليهما السلام. والترمذي (5/ 313) - 48 - كتاب تفسير القرآن - 19 - باب (ومن سورة الكهف). وقال: هذا حديث حسن صحيح. (فروة): الفروة: قطعة نبات مجتمعة يابسة.

رسول الله صلى الله عليه وسلم. 827 - * روى البزار عن أبي الدرداء قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر داود صلى الله عليه وسلم قال: (كان أعبد البشر). 828 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خفف على داود القرآن، فكان يأمُرُ بدوابه أن تسرج، فيقرؤه قبل أن تسرج دوابه، ولا يأكل إلا من عَمَل يديه). وفي رواية (1) مختصرًا قال: (إن داود عليه السلام كان لا يأكل إلا من عمل يديه). قوله (خفف على داود القرآن): قال ابن حجر: قيل المراد بالقرآن القراءة، والأصل في هذه اللفظة الجمع وكل شيء جمعته فقد قرأته، وقيل المراد الزبور وقيل التوراة، وقراءة كل نبي تطلق على كتابه الذي أوحي إليه، ... وإنما ترددوا بين الزبور والتوراة لأن الزبور كله مواعظ، وكانوا يتلقون الأحكام من التوراة. قال قتادة: كنا نتحدث أن الزبور مائة وخمسون سورة كلها مواعظ وثناء، ليس فيه حلال ولا حرام ولا فرائض ولا حدود، بل كان اعتماده على التوراة، أخرجه ابن أبي حاتم وغيره. وفي الحديث أن البركة قد تقع في الزمن اليسير حتى يقع فيه العمل الكثير ا. هـ. (الفتح). (لا يأكل إلا من عمل يده): دليل على أنه أفضل المكاسب، فكان ينسج الدروع ويبيعها ولا يأكل إلا من ثمن ذلك مع كونه كان من كبار الملوك. 829 - * روى الطبراني عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: (لقد قبض

_ 827 - مجمع الزوائد (8/ 206) وقال: رواه البزار في حديث طويل، وإسناده حسن. 827 - البخاري (6/ 453) - 60 - كتاب الأنبياء - 37 - باب قوله تعالى {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا}. (1) البخاري (4/ 303) - 34 - كتاب البيوع - 15 - باب كسب الرجل وعمله بيده. 829 - مجمع الزوائد (1/ 191) وقال: رواه الطبراني ورجاله موثقون.

الله روح داود عليه السلام من بين أصحابه فما فتنوا ولا بدّلوا ولقد مكث أصحاب المسيح على سننه وهديه مائتي سنةٍ). أقول: قوله: (من بين أصحابه) لا يشترط فيها أنه أثناء القبض كان أصحابه حوله بل يفيد أن أصحابه لم يغيروا بعد أن قبض من بينهم. وقوله (مكث أصحاب المسيح على سننه وهديه مائتي سنة): هذا يفيد أن الغلبة بقيت للدين الصحيح للمسيح عليه السلام عند المنتسبين إليه مائتي سنة بعد رفعه إلى السماء ثم بعد ذلك تغلبت مدرسة بولس الذي حرف دين المسيح ومن يومها حتى الآن فإن الغلبة لمدرسة بولس، وقد فرضت ديانة بولس من خلال أباطرة الرومان على النصارى فرضًا. ولاحقوا مخالفيها حتى لم يبق منهم إلا القليل وقد لقي سلمان الفارسي آخرهم قبل أن يأتي إلى المدينة المنورة. 830 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رَضي الله عنة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كانت امرأتان معها ابناهما، جاء الذئب فذهب بابن إحداهما، فقالت هذه لصاحبتها: إنما ذهب بابنك. وقالت الأخرى: إنما ذهب بابنك. فتحاكمتا إلى داود، فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود، فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسكين أشقّه بينهما. فقالت الصغرى: لا تفعل رحمك الله، هو ابنها. فقضى به للصغرى). قال أبو هريرة: والله إن سمعت بالسكين إلا يومئذ، وما كنا نقول إلا المدية. 831 - * روى البخاري ومسلم عن أي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

_ 830 - البخاري (6/ 458) - 60 - كتاب الأنبياء - 40 - باب قوله تعالى {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ}. مسلم (3/ 1344) - 30 - كتاب الأقضية - 10 - باب بيان اختلاف المجتهدين. والنسائي (8/ 234) - 49 - كتاب القضاة - 14 - باب الحاكم بعلمه. 831 - البخاري (6/ 451) - 60 - كتاب أحاديث الأنبياء - 35 - باب قوله تعالى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ}.

(قال الله تعالى: لا ينبغي لعبدٍ لي) - وفي رواية: (لعبدي أن يقول: أنا خيرٌ من يونس بن متى). وللبخاري (1): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قال: أنا خيرٌ من يونس بن متى. فقد كذب). قال ابن كثير عند تفسير قوله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}. يخبر تعالى أنه فضل بعض الرسل على بعض، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} وقال ههنا: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ} يعني موسى ومحمدًا صلى الله عليهما وسلم وكذلك آدم كما ورد به الحديث المروي في صحيح ابن حبان عن أبي ذر رضي الله عنه {وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} كما ثبت في حديث الإسراء حين رأى النبي صلى الله عليه وسلم الأنبياء في السماوات بحسب تفاوت منازلهم عند الله عز وجل (فإن قيل) فما الجمع بين هذه الآية وبين الحديث الثابت في الصحيحين عن أي هريرة قال: استب رجل من المسلمين ورجل من اليهود، فقال اليهودي في قسم يقسمه: لا والذي اصطفى موسى على العالمين. فرفع المسلم يده فلطم بها وجه اليهودي فقال: أي خبيث؟ وعلى محمد صلى الله عليه وسلم؟ فجاء اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاشتكى على المسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تفضلوني على الأنبياء فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فأجد موسى باطشًا بقائمة العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور؟ فلا تفضلوني على الأنبياء). وفي رواية: (لا تفضلوا بين الأنبياء). فالجواب من وجوه (أحدها): أن هذا كان قبل أن يعلم بالتفضيل وفي هذا نظر. (الثاني): أن هذا قاله من باب الهضم والتواضع. (الثالث): أن هذا نهي عن التفضيل في مثل هذه الحال التي تحاكموا فيها عند التخاصم والتشاجر. (الرابع): لا تفضلوا بمجرد الآراء والعصبية. (الخامس): ليس مقام التفضيل إليك وإنما هو إلى الله عز وجل وعليك الانقياد والتسليم له والإيمان به). ا. هـ. (تفسير القرآن العظيم).

_ = مسلم (4/ 1846) - 43 - كتاب الفضائل - 43 - باب في ذكر يونس عليه السلام. (1) البخاري (8/ 267) - 65 - كتاب التفسير - 26 - باب {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ}.

832 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة: بينا يهودي يعرض سلعته أعطي بها شيئًا كرهه، فقال: لا والذي اصطفى موسى على البشر، فسمعه رجلٌ من الأنصار فقام فلطم وجهه، وقال: تقول والذي اصطفى موسى على البشر، والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا؟ فذهب إليه فقال: يا أبا القاسم: إن لي ذمةً وعهدًا، فما بال فلانٍ لطمني؟ فقال: (لم لطمُت وجهه)؟ فذكره، فغضب صلى الله عليه وسلم حتى رئي في وجهه، ثم قال: (لا تفضلوا بين أنبياء الله، فإنه ينفخ في الصور فيصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم يُنفَخ فيه أخرى، فأكون أول من يُبعث، فإذا موسى آخذٌ بالعرش، فلا أدري أحوسبة بصعقة الطور أم بعث قبلي؟ ولا أقول إن أحدًا أفضل من يونس بن متى). قال ابن كثير في النهاية: (فقوله أم جوزي [وفي رواية: أحوسب وهي عندنا] بصعقة الطور يدل على أن هذا الصعق الذي يحصل للناس يوم القيامة، سببه تجلي الرب تعالى لعباده لفصل القضاء؛ فيصعق الناس من العظمة والجلال، كما صعق موسى يوم الطور. حين سأل الرؤية. {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا}؛ فموسى عليه الصلاة والسلام يوم القيامة إذا صعق الناس، إما أن يكون جُوزي بتلك الصعقة الأولى فما صعق عند هذا التجلي، وإما أن يكون صعق أخف من غيره، فأفاق قبل الناس كلهم. والله أعلم.) ا. هـ. 833 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بينما أيوب يغتسل عريانًا خرّ عليه رجل جرادٍ من ذهب، فجعل يحثي في

_ 832 - البخاري (11/ 367) - 81 - كتاب الرقاق - 43 - باب نفخ الصور. مسلم (4/ 1844) - 43 - كتاب الفضائل - 42 - باب من فضائل موسى صلى الله عليه وسلم. وأبو داود (4/ 217) - كتاب السنة - باب في التخيير بين الأنبياء. والترمذي (5/ 373) - 48 - كتاب التفسير - 41 - باب (ومن سورة الزمر). 833 - البخاري (6/ 420) - 60 - كتاب الأنبياء - 20 - باب قوله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ}. والنسائي (1/ 201) - 4 - كتاب الغسل - 7 - باب الاستتار عند الاغتسال. (حر): إذا سقط من فوق. (رجل جرادٍ): الرجل: القطيع من الجراد. (يحثي): يجمع.

ثوبه، فناداه ربه: يا أيوب، ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال: بلى يا رب، ولكن لا غنى لي عن بركتك). 834 - * روى البزار، عن أنس بن مالكٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن نبي الله أيوب كان في بلائه ثماني عشرة سنة فرفضه القريب والبعيد إلا رجلان من إخوانه كانا يغدوان إليه ويروحان إليه. فقال أحدهما لصاحبه: تعلم والله لقد أذنب ذنبًا ما أذنبه أحدٌ. قال صاحبه وما ذاك؟ قال: منذ ثماني عشرة سنة لم يُرحَمُة الله فيكشف الله عنه. فلما راحا إليه لم يطير الرجل حتى ذكر ذلك له. قال أيوب: ما أدري ما تقول إلا أن الله يعلم كنت أمر على الرجلين يتنازعان فيذكران الله فأرجع إلى بيتي فأكفر عنها كراهية أن يُذكر الله إلا في حقٍّ). قال: (وكان يخرج إلى حاجته فإذا قضى حاجته أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ. فلما كان ذات يومٍ أبطأ عليها وأوحي إلى أيوب في مكانه أن {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} فاستبطأته فتلقته تنظرُ وأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء وهو على أحسن ما كان، فلما رأته قالت: أي بارك الله فيك هل رأيت نبي الله هذا المبتلى، والله على ذلك ما رأيت أحدًا أشبه به مذ كان صحيحًا منك. قال: فإني أنا هو. وكان له أبدران أبدر القمح وأبدرُ الشعير، فبعث الله سحابتين فلما كانت إحداها على أبدر القمح فرغت فيه الذهب حتى فاض وأفرغت الأخرى على أبدر الشعير الورق حتى فاض). 835 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا أدري: تُبَعَ العين هو؟) - وفي نسخة: (اللعين هو - أم لا؟ ولا أدري عزيرٌ نبيٌّ هو، أم لا؟).

_ 834 - كشف الأستار (3/ 107). مجمع الزوائد (8/ 208) - وقال: رواه أبو يعلى والبزار، ورجال البزار رجال الصحيح. (الأبدر): البيدر. وهو المكان الذي يفصل فيه الحب عن قشه بواسطة الدياس قديمًا. (الورق): الفضة. 835 - أبو داود (4/ 218) - كتاب السنة - باب في التخيير بين الأنبياء وسنده صحيح.

ومما نسبه ابن الأثير في جامعه إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنها هذا القول - الذي يدخل تحت قوله جل جلاله: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ}: (إن أهل فارس لما مات نبيهم: كتب لهم إبليس المجوسية). وقد نسب ابن الأثير في جامعه هذا النص لأي داود والظاهر أنه موجود في نسخة من نسخ كتاب أبي داود ولا يوجد في كل نسخه. 836 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما من بني آدم من مولود إلا نخسه الشيطان حين يولد، فيستهل صارخًا من نخسه إيّاه، إلا مريم وابنها). وفي رواية (1): (إلا والشيطان يمسه حين يولد، فيستهل صارخًا من مس الشيطان إياه، إلا مريم وابنها). ثم يقول أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (2). وللبخاري (3) قال: (كل ابن آدم يطعن الشيطان في جنبيه بإصبعيه حين يولد، غير عيسى ابن مريم، ذهب يطعن فطعن في الحجاب). ولمسلم (4) قال: (كل بني آدم يمسّه الشيطان يوم ولدته أمه، إلا مريم وابنها). 837 - * روى الترمذي عن آبى هريرة رضى الله عنه قال: يلقى عيسى حجته، لقاه

_ 836 - البخاري (6/ 469) - 60 - كتاب الأنبياء - 44 - باب قوله الله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ}. مسلم (4/ 1838) - 43 - كتاب الفضائل - 40 - باب فضائل عيسى عليه السلام. (1) البخاري (8/ 212) - 65 - كتاب التفسير - سورة آل عمران؛ 2 - باب {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا}. مسلم، الموضع السابق. (2) آل عمران: 36. (3) البخاري (6/ 337) - 59 - كتاب بدء الخلق - 11 - باب صفة إبليس وجنوده. (4) مسلم، الموضع السابق. (فيستهل صارخًا): الاستهلال صياح المولود عند الولادة، والصراخ: الصياح والبكاء. وقوله: (فطعن في الحجاب) أي: في المشيمة، وهي التي يكون فيها المولود. 837 - الترمذي (5/ 260) - 48 - كتاب التفسير - 6 - باب (ومن سورة المائدة) وهو حديث حسن صحيح.

الله في قوله: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (فلقاه الله {سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ}) الآية كلها (1). 838 - * روى مسلم عن أي هريرَة؛ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (حين أسري بي لقيت موسى عليه السلام، فنعته النبي صلى الله عليه وسلم (فإذا رَجُلٌ) حسبته قال: (مضطربٌ رجل الرّأس. كأنه من رجال شنوءة). قال: (وَلقيت عيسى) فنعته النبي صلى الله عليه وسلم (فَإِذَا رَبعةٌ أحمرٌ كأنما خرج من ديماس) (يعني حمامًا) قال: (ورأيت إبراهيم صلوات الله عليه. وأنا أشبه ولده به. قال: (فأتيت بإناءين في أحدهما لبنٌ وفي الآخر خمرٌ. فقيل لي: خذ أيهما شئت. فأخذت اللبن فشربته. فقال: هديت الفطرة) أو (أصبت الفطرة، أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك). 839 - * روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لا والله، ما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعيسى أحمر، ولكن قال: (بينما أنا نائمٌ أطوف بالكعبة، فإذا رجل آدم سبط الشعر يهادى بين رجلين ينطف رأسه ماءً) أو (يهراق رأسه ماءً - فقلت: من هذا؟ قالوا: ابن مريم. فذهبت فإذا رجلٌ أحمر جسيمٌ جعد الرأس أعور عينه اليمنى كأن عينه عنبةٌ طافية، قلت: من هذا؟ قالوا: هذا الدجال. وأقرب الناس به شبهًا ابن قطن). قال الزهري: رجلٌ من خزاعة هلك في الجاهلية.

_ (1) المائدة: 116. 838 - مسلم (1/ 154) - 1 - كتاب الإيمان - 74 - باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم. (مضطرب): هو مفتعل من الضرب. صرح به ابن الأثير في النهاية. (رجل الرأس): أي رجل الشعر أي قد سرحه ودهنه. قوله: (فإذا ربعة أحمر كأنما خرج من ديماس): قال النووي: أما الربعة فيقال: رجل ربعة ومربوع أي بين الطويل والقصير. وأما الديماس فقال الجوهري في صحاحه في هذا الحديث: قوله خرج من ديماس، يعنى في نضارته وكثرة ماء وجهه كأنه خرج من كن. لأنه قال في وصفه: كأن رأسه يقطر ماء. ا. هـ. 839 - البخاري (12/ 417) - 91 - كتاب التعبير - 33 - باب الطواف بالكعبة في المنام. مسلم (1/ 156) - 1 - كتاب الإيمان - 75 - باب ذكر المسيح ابن مريم والمسيح الدجال.

قال ابن حجر: قوله (رجل الشعر) بكسر الجيم أي قد سرحه ودهنه، وفي رواية مالك (له لمة قد رَجّلها فهي تقطر ماء) وقد تقدم أنه يحتل أن يريد أنها تقطر من الماء الذي سرحها به أو المراد الاستنارة وكنى بذلك عن مزيد النظافة والنضارة، ووقع في رواية سالم الآتية في نعت عيسى (أنه آدم سبط الشعر) وفي الحديث الذي قبله في نعت عيسى (أنه جعد) والجعد ضد السبط فيكن أن يجمع بينهما بأنه سبط الشعر ووصفه لجعودة في جسمه لا شعره والمراد بذلك اجتماعه واكتنازه، وهذا الاختلاف نظير الاختلاف في كونه آدم أو أحمر، والأحمر عند العرب الشديد البياض مع الحرة، والآدم الأسمر، ويمكن الجمع بين الوصفين بأنه أحمر لونه بسبب كالتعب وهو في الأصل أسمر، وقد وافق أبو هريرة على أن عيسى أحمر فظهر أن ابن عمر أنكر شيئًا حفظه غيره، وأما قول الداودي إن رواية من قال (آدم) أثبت فلا أدري من أين وقع له ذلك مع اتفاق أبي هريرة وابن عباس على مخالفة ابن عمر. وقد وقع في رواية عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة في نعت عيسى (أنه مربوع إلى الحرة والبياض). والله أعلم .... قوله: (لا والله ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعيسى أحمر) اللام في قوله (لعيسى) بمعنى عن وهي كقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} وقد تقدم بيان الجمع بين ما أنكره ابن عمر وأثبته غيره، وفيه جواز البين على غلبة الظن لأن ابن عمر ظن أن الوصف اشتبه على الراوي وأن الموصوف بكونه أحمر إنما هو الدجال لا عيسى، وقرب ذلك أن كلا منهما يقال له المسيح وهي صفة مدح لعيسى وصفة ذم للدجال كما تقدم، وكأن ابن عمر قد سمع سماعًا جزمًا في وصف عيسى أنه آدم فساغ له الحلف على ذلك لما غلب على ظنه أن من وصفه بأنه أحمر واهم. ا. هـ. 840 - * روى البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد رأيتني في الحجر، وَقرَيش تسألني عَن مسراي، فسألتني عَنْ أشياء

_ 840 - البخاري (8/ 391) - 65 - كتاب التفسير - 3 - باب {أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا}. ولفظه مختصر عن جابر. مسلم (1/ 156) - 1 - كتاب الإيمان - 75 - باب ذكر المسيح ابن مريم والمسيح الدجال. واللفظ له.

من بيت المقدس لم أثبتها، فكربت كربةً م اكربت مثله قط). قال: (فرفعه الله لي أنظر إليه. ما يسألوني عن شيءٍ إلا أنبأتهم به. وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء. فإذا موسى قائمٌ يصلي. فإذا رجلٌ ضربٌ جعدٌ كأنه من رجال شنوءة وإذا عيسى ابن مريم عليه السلام قائمٌ يصلي. أقرب الناس به شبهًا عروة بن مسعودٍ الثقفي. وإذا إبراهيم عليه السلام قائمٌ يصلي. أشبه الناس به صاحبكم) (يعني نفسه) (فحانت الصلاة فأممتهم. فلما فرغت من الصلاة قال قائلٌ: يا محمد! هذا مالكٌ صاحب النار فسلم عليه. فالتفت إليه فبدأني بالسلام). 841 - * روى البخاري ومسلم، عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رأيت عيسى وموسى وإبراهيم، فأما عيسى فأحمرٌ جعدٌ عريض الصدر، وأما موسى فآدم جسيمٌ سبطٌ كأنه من رجال الزط). 842 - * روى البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا مقسطًا، وإمامًا عدلًا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحدٌ، وحتى تكون السجدة الواحدة خيرًا من الدنيا وما فيها). 843 - * روى الطبراني، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ينزل عيسى ابن مريم فيمكث في الناس أربعين سنة). 844 - * روى أحمد، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إني لأرجو إن طال بي

_ 841 - البخاري (6 - 477) - 60 - كتاب الأنبياء - 48 - باب قول الله: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ}. مسلم (1/ 153) - 1 - كتاب الإيمان - 74 - باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم. والرواية في مسلم مختلفة، وليس فيها ذكر عيسى عليه السلام. (الزط): جيل أسمر من السند، له خصائص مميزة عن البشر. 842 - البخاري (4/ 414) - 34 - كتاب البيوع - 102 - باب قتل الخنزير. مسلم (1/ 135) - كتاب الإيمان - 71 - باب نزول عيسى ابن مريم. 843 - مجمع الزوائد (8/ 205). وقال: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات. 844 - أحمد (2/ 298). =

عمرٌ أن ألقى عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم فإن عجل بي موت فمن لقيه منكم فليقرئه مني السلام). 845 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أنا أولى الناس بابن مريم في الدنيا والآخرة، ليس بيني وبينه نبيٌّ، والأنبياء إخوةٌ، أبناء علاتٍ، أمهاتهم شتى ودينهم واحدٌ). 846 - * روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد رفعه: (لا تخيروا بين الأنبياء). أقول: الإجماع منعقد على أن محمدًا صلى الله عليه وسلم أفضل النبيين والمرسلين، والنصوص في ذلك كثيرة والقرآن نص على تفضيل بعض المرسلين على بعض: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} (1). وما ورد في المنع من ذلك فهو محمول على التواضع وهضم النفس أو على ما يفهم من انتقاص المفضل عليه أو على ما يفهم من عصبية للمفضل على المفضل عليه، أو عندما لا يكون هناك نص يذكر التفضيل أو ما يوهم نقص مرتبة المفضل عليه. 847 - * روى البزار عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون).

_ = مجمع الزوائد (8/ 205). وقال: رواه أحمد مرفوعًا وموقوفًا، ورجالهما رجال الصحيح. 845 - البخاري (6/ 478) - 60 - كتاب الأنبياء- 48 - باب قول الله: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ}. مسلم (4/ 1837) - 43 - كتاب الفضائل- 40 - باب فضائل عيسى عليه السلام. وأبو داود (4/ 219) - كتاب السنة- باب في التخيير بين الأنبياء. وهو عنده مختصر. (أبناء علات): إذا كان الإخوة لأب واحدٍ، وأمهاتٍ شتى، كانوا أبناء علاتٍ، وإذا كانوا لأم واحدة وآباءٍ شتى، فهم أبناء أخياف. وإذا كانوا لأب واحد، وأم واحدة، فهم أعيان. 846 - البخاري (12/ 263) - 87 - كتاب الديات- 32 - باب إذا لطم المسلم يهوديًا. مسلم (4/ 1845) - 43 - كتاب الفضائل- 42 - باب من فضائل موسى وأبو داود (4/ 1 - 217)، الموضع السابق. وهو عنده مختصر. (1) الإسراء: 55. 847 - كشف الأستار (3/ 100). مجمع الزوائد (8/ 211) وقال: رواه أبو يعلى والبزار، ورجال أبي يعلى ثقات. =

المسائل والفوائد

المسائل والفوائد - بعض العلماء يعتبر مقام الرسالة والنبوة واحدًا، فكل نبي رسول وكل رسول نبي، وبعضهم جعل وصف الرسالة فيه معنى زائد على معنى النبوة فالنبوة تحصل بمجرد الوحي على إنسان اصطفاه الله عز وجل للنبوة وأعلمه أنه نبي أما الرسالة فتكون بعد الأمر بالإنذار والتبليغ وهل هناك أنبياء يقتصر تكليفهم على أنفسهم؟ هناك من جوز ذلك. وهناك تعريفات أخرى تحدد صفات من ينطبق عليه وصف النبوة والرسالة بآن واحد فيتصف بالنبوة من كان تابعًا لرسول ولم يأت بإنذار جديد أو تبليغ جديد ولو نزل عليه وحي، فالنبي مهمته العمل والفتوى بشريعة رسول سابق له. - الوحي الذي تثبت به النبوة هو ما كان خطابًا مباشرًا من الملك أو من الله عز وجل في حالة اليقظة أما ما كان من رؤى أو إلهامات قبل ذلك فلا تثبت به النبوة وأما بعد النبوة فالرؤى والإلهامات من جملة الوحي. - من مباحث علماء التوحيد: ما يجب للرسل وما يستحيل في حقهم وما يجوز عليهم. ويخصون بالذكر مما يجب عليهم: الصدق والأمانة والتبليغ والفطانة، ويخصون بالذكر مما يستحيل عليهم أضداد الصفات الكذب والمعصية والكتمان والغفلة والبلادة، ويذكرون من الجائزات في حقهم الأعراض البشرية التي لا تؤدي إلى نقص في مراتبهم العلية، مما لا يخالف شرعًا ولا مروءة معتبرة شرعًا ولا مما يتناقض مع مقامهم، فيجوز في حقهم الأكل والشرب وإتيان النساء الحلال والنوم بعيونهم لا بقلوبهم والأمراض غير المنفرة، ومما مر ندرك أن المراد بالأمانة العصمة عن التلبس بمنهيّ عنه ولو نهي كراهة أو خلاف الأولى فأفعالهم وأقوالهم وأحوالهم دائرة بين الواجب والمندوب وهم قبل النبوة معصومون عن كل ما ينفر عنهم، فهم معصومون عن الكبائر وعن المنفرات. من شروط النبوة والرسالة: الحرية فلم يعرف أن الله ابتعث نبياّ غير حر- والذكورة والبشرية: فلم يبعث الله عز وجل رسلًا من الجن لا للبشر ولا للجن ولم يبعث رسولًا من الملائكة إلى البشر ليعيش معهم كما يشترط أن يكون النبي أو الرسول خاليًا من

الأمراض المنفرة لأن وجود هذه أو هذه يمنع من الإفادة منه ويمنع من القربى منه وذلك يتناقض مع الحكمة من إرسال الرسل وبعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فلا يصح أن تتلبس امرأة نبي أو رسول بالزنى، وما ورد من اسرائليات في حق أيوب تصفه بالمرض المنفر فذلك غير صحيح، ومن شروط الرسالة أن يكون الرسول أعلم من جميع من بعث إليهم بأحكام الشريعة المبعوث بها أصلية أو فرعية: {يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} (1)، {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ} (2). - وإرسال الرسل ليس واجبا على الله كما زعم قوم ولا مستحيلًا كما زعم قوم، بل هو جائز في حقه وقد اختار أن يرسل فأرسل فوجب الإيمان. - وما ورد في الكتاب والسنة من كلام حول مؤاخذة الله الرسل عليهم الصلاة والسلام على بعض أعمال عملوها أو تصرفات فعلوها، فبعضها محمول على أنه كان قبل النبوة، وبعضها محمول على أنه من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين، وبعضها محمول على أنه كان اجتهادًا منهم حيث جاز لهم الاجتهاد ولم يوافقوا الصواب عند الله عز وجل، فأخبرهم الله عز وجل بما هو الصواب عنده، وعلى هذا فالمسلم مكلف أن ينفي المعصية عن الرسل عليهم الصلاة والسلام بالمعنى الذي تحمل عليه في بقية الخلق، وأن يفهم النصوص على ضوء ذلك. - قد يخص بعض الأنبياء بخصوصية لا تقتضي أفضلية، وقد يخصون بخصوصية مع الأفضلية، ومما خص به رسولنا عليه الصلاة والسلام أفضليته على جميع الخلق، وعموم رسالته إلى الإنس والجن، وأنه خاتم النبيين والمرسلين، وأن شريعته مهيمنة وحاكمة على الشرائع قبلها وناسخة لكل ما ناقضها، ومما خصه الله به نصره بالرعب مسيرة شهر بسير الإبل، وجعله الأرض له ولأمته مسجدًا وطهورًا، وحل الغنائم له ولأمته وإعطاؤه الشفاعة العظمى يوم القيامة. نزول المسيح عليه السلام في آخر الزمان لا يتناقض مع ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه

_ (1) مريم: 12. (2) آل عمران: 48.

عليه الصلاة والسلام يأتي تابعًا لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، فهو من هذه الحيثية واحد من أمته، ومن أهم الكتب التي ألفت في نزول المسيح عليه السلام آخر الزمان كتاب "التصريح بما تواتر في نزول المسيح" للشيخ أنور الكشميري جمع فيه الشيخ (75) حديثًا في رفع عيسى ونزوله، وأضاف محققه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة عشرة أحاديث سكت عنها المؤلف وخمسة وعشرين أثرًا عن الصحابة، فمن أنكر نزوله عليه الصلاة والسلام فقد كفر لأن نزوله متواتر. - التحقيق أن الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام أفضل من الملائكة بإطلاق بمن في ذلك رؤساء الملائكة كجبريل وميكائيل وإسرافيل ومالك ورضوان .... - المعجزة هي التي تثبت صدق الرسول ومن تعريفات العلماء للمعجزة: أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي الذي هو دعوى الرسالة أو النبوة مع عدم المعارضة وقال السعد: هي أمر يظهر بخلاف العادة على يد مدعي النبوة عن تحدي المنكرين على وجه يعجز المنكرين عن الإتيان بمثله فحقيقة الإعجاز إثبات العجز. وقال الشيخ أبو الحسن: هي فعل من الله أو قائمة مقام الفعل يقصد بمثله التصديق. فخرج بذلك السحر والكهانة والشعوذة والعاديات العجيبة لأنها من عالم الأسباب وخرج بذلك الكرامة للأولياء، والمعونة للعوام والاستدراج للفساق، والإهانة وهي ما يظهر على يد الفاسق أو الكافر تكذيبًا له، ويخرج بذلك الخارقة التي لا توافق دعوى النبوة بل ترافقها دعوى واضحة البطلان كما يحدث للدجال، ومن أخطاء أهل العصر وصف ما يجري على يد غير الرسل عليهم الصلاة والسلام بالمعجزات. - المعجزة الرئيسية لرسولنا عليه الصلاة والسلام هي القرآن وله معجزات أخرى كثيرة منها: نبع الماء من بين أصابعه، وانشقاق القمر، وحنين الجذع، وتكثير الطعام القليل، وشفاء المرضى والمصابين واستجابة الدعاء والإخبار عن مغيبات كثيرة وقعت ومنها إسراؤه ومعراجه، ومعجزات أخرى كثيرة ذكرنا بعضها في قسم السيرة من هذا الكتاب وكثير منها مثبوت في هذا الكتاب أثناء سياقات أبحاثه فقد كانت أدلة رسالته وأعلام نبوته ظاهرة في أموره كلها عليه الصلاة والسلام.

الوصل الأول في: رفع خطأ التوهم بأن الرسل لم يبعثوا إلا في بقعة من الأرض وإلى بعض الأمم

الوصل الأول في: رفع خطأ التوهم بأن الرسل لم يبعثوا إلا في بقعة من الأرض وإلى بعض الأمم وفيه: مقدمة ونقول

المقدمة

المقدمة قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} (1). لقد ذكرت الآية التي صدرنا بها هذا البحث أنه ما من أمة إلا بعث الله لها رسولًا، وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (2). وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} (3). فدل هذا على أن الأمة ذات اللسان الواحد أرسل لها رسول بلسانها ثم ختم الله الرسالات بمحمد صلى الله عليه وسلم الذي أرسله إلى الناس كافة بهذا القرآن المعجز ليكون حجة الله على العالمين {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (4)، {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} (5)، بعض هؤلاء الرسل قص الله علينا من أخبارهم وبعضهم لم يقصص علينا من أخبارهم، قال تعالى: {مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} (6). والأمم التي أرسل لها رسول كثيرة، قال عليه الصلاة والسلام: (إنكم تتمون سبعين أمة أنت خيرها وأكرمها على الله ((7) وعلم الآثار والحفريات الحديثة ودراسة التاريخ القديم والتعرف على الأديان البائدة والباقية كشف لنا عن بقايا من أديان حق اختلط بها باطل كثير وضلال كثير. وليس عندنا ميزان نتعرف به على الحق في الأديان البائدة أو الباقية إلا هذا القرآن وإلا السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالقرآن منقول عن رسولنا تواترًا ينقله جيل عن جيل، وقد تولى الله حفظه، والسنة النبوية الثابتة منقولة لنا بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم دون انقطاع مع دقة في التحقيق تشمل السند والمتن، لذلك عرفوا

_ (1) فاطر: 24. (2) النحل: 36. (3) إبراهيم: 1. (4) الأحزاب: 40. (5) إبراهيم: 1. (6) غافر: 78. (7) أحمد (5/ 3). والترمذي (5/ 226) 48 - كتاب التفسير 4 - باب: ومن سورة آل عمران. ابن ماجه (2/ 1433) 37 - كتاب الزهد 34 - باب صفة محمد صلى الله عليه وسلم. وهو حديث حسن.

الحديث الصحيح بأنه: ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسلم من الشذوذ والعلة. والشذوذ: هو أن يخالف الثقة من هو أوثق منه أو أن يخالف الثقة الثقات، والعلة هي عيب خفي يدركه الحذاق في الرواية وذلك شيء انفرد به دين محمد صلى الله عليه وسلم بأن نصوصه محفوظة منقولة بأسانيد متصلة، بينما لا يستطيع أهل أي دين أن يثبتوا أن لهم أسانيد متصلة إلى المصدر الأول لدياناتهم. فمن المعروف تاريخيًا أن اليهود أعادوا كتابة كتبهم من مروياتهم الشفهية بعد السبي إلى بابل، وأن الأناجيل المعتمدة عند النصارى لا يوجد منه واحد متصل السند إلى المسيح عليه السلام، وأن آثار بوذا سجلت حوالي سنة (350) قبل الميلاد، بينما كان ميلاد بوذا على القول الراجح حوالي سنة (560) قبل الميلاد (أبو زهرة - مقارنات الأديان). والمعروف أن آثار زرادشت أحرقها الإسكندر المقدوني: (دائرة معارف البستاني)، وليس عند البراهمة أسانيد متصلة إلى رسول، وهكذا قل في كل دين من الأديان، ومن ههنا نقول: إن الميزان الذي نعرف به ما إذا كان هناك بقية من حق في دين من الأديان إنما هو القرآن والسنة النبوية، ووجود شيء من ذلك في دينٍ لا يعني بالضرورة أن هذا الدين أصوله سماوية بل قد يكون تسلل إليه من دين سماوي، والملاحظ أن الدراسة المتعمقة لكثير من نصوص الديانات المندثرة أو الباقية تثبت وجود بعض الموافقات لبعض معاني القرآن والسنة وهذا يؤكد شيئين: الشيء الأول: أن أصول هذه الديانات كانت سماوية. والشيء الثاني: أن كل أمة قد أرسل لها رسول، إلا أننا لا نستطيع أن نجزم برسالة أحد ونبوته إلا إذا جاءنا ذلك عن طريق الكتاب والسنة، وذلك لاحتمالات أن يكون بعض من نسب إليهم بقايا الحق هذه من المجددين أو من المتأثرين بآثار الأنبياء أو من أهل الباطل الذين حاولوا إنشاء ديانات هي مزيج من أفكار ومن بقايا أديان متوارثة قديمة. ومن أجل أن يكون عندك تصور ما عن بقايا حق توافق بعض نصوص الكتاب والسنة في بعض الديانات المندثرة أو الباقية، فإننا ننقل لك بعض النقول عن الديانات المصرية والهندية والفارسية والصينية، أما النصرانية واليهودية فقد أكثرنا من أمثال هذه النقول عن كتبها في التفسير:

النقول

النقول 1 - الديانات المصرية القديمة نجد في الديانات المصرية القديمة فكرة الروح وخلودها وعودتها إلى الجسد مرة أخرى وفكرة اليوم الآخر والحساب. ومن كلام أحد المتتبعين لتاريخ الديانات المصرية القديمة وهو (ماسيبرو): (وكان إله المصريين واحدًا فردًا، كاملًا، عالمًا، بصيرًا، لا يدرك بالحس، قائما بنفسه، حيًا، له الملك في السموات والأرض، لا يحتويه شيء، فهو أب الآباء، وأم الأمهات، لا يفنى، ولا يغيب يملأ الدنيا، ليس كمثله شيء، ويوجد في كل مكان) اهـ (مقارنات الأديان للإمام أبي زهرة). ومما ورد في كتاب الموتى وهو كتاب مقدس عند المصريين القدماء: (... إنني حامل الحقيقة، إنني لم أخن أحدًا، ولم أغدر بأحد، ولم أجعل أحدًا من ذوي قرابتي في ضنك، ولم أقم بدنية في موئل الحقيقة، ولم أمازج عملي بشر قط، وجافيت الضر والأذى، ولم أعمل باعتباري رئيس أسرة ما ليس من عمل ربها، ولم أكن سببًا في خوف خائف، ولا إعواز معوز، ولا ألم متألم، ولا يؤس بائس، لم أقدم على ما لا يليق بالآلهة فلم أجع أحدًا، ولم أبك أحدًا، ولم أقتل نفسًا، وما حرضت أحدًا على قتل أو خيانة، ولم أكذب، ولم أسلب المعابد ذخائرها، ولا المومياء طعامها. ولم أرتكب أمرًا لا يليق مع كاهن في كهنوته، ولم أغل في الأسعار ولم أطفف الكيل والميزان، ولم أسرق الماشية من مرعاها، ولم أصد طير الآلهة، ولم أدفع الماء في عهد الفيضانات، ولم أحول مجرى ترعة، ولم أطفئ الشعلة في ساعتها، ولم أخدع الآلهة في قرابينها المختارة، فأنا نقي، أنا نقي، أنا نقي) اهـ (مقارنات الأديان لأبي زهرة). أقول: لاشك أن بعض الكلام الذي مر معنا عن الديانة المصرية القديمة لا يتفق مع الكتاب والسنة، ولكن قسمًا منه يتفق مع نصوص الكتاب والسنة من حيث المعنى، وهذا كافٍ للتدليل على ما ذكرناه ولقد حدثنا القرآن عن رسالتين في مصر: رسالة يوسف ورسالة

2 - بعض الديانات الهندية

موسى عليهما السلام، ومما قال في يوسف عليه السلام على لسان مؤمن آل فرعون: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا} (1) راجع (مقارنات الأديان لأبي زهرة). وواضح من نصوص القرآن أن الوثنية والشرك وادعاء الألوهية من قبل بعض حكام مصر كان موجودًا وواضح من الدراسات التاريخية والآثار وجود الشرك والوثنية في الديانات المصرية القديمة كما مر معنا من قبل، ولكن ما ذكرناه من موافقات مع نصوص الكتاب والسنة في الآثار المصرية وما نسب إلى "أخناتون" من كلمات توحيدية يشير إلى ما ذكرناه من وجود رسالات سماوية خوطبت بها مصر. 2 - بعض الديانات الهندية أ- الديانة البرهمية: أقدم الديانات الهندية المعروفة ذات النصوص هي: (الديانة البرهمية) التي ترجع إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد، وفي أحد كتبها وهو (السامافيدا) بشارة برسولنا محمد صلى الله عليه وسلم كما حقق ذلك (عبد الحق فديارتي) في كتابه: "محمد في الأسفار الدينية العالمية" ونقله "العقاد" في كتابه: (مطلع النور) ونقلناه في كتابنا: (الرسول صلى الله عليه وسلم). ومن أشهر من تتبع الديانة البرهمية بحق وفهم ودراسة لنصوصها: "أبو الريحان البيروني" من المؤرخين المسلمين وهو حجة بإجماعٍ فيها، ومن تحقيقاته عن أصول الديانة البرهمية قبل أن يطرأ عليها ما طرأ ما ذكره بقوله: (واعتقاد الهند في الله سبحانه وتعالى أنه الواحد الأزلي، من غير ابتداء ولا انتهاء، المختار في فعله القادر الحكيم الحي المحيي المدبر. المنفرد في ملكوته عن الأضداد والأنداد، لا يشبه شيئًا ولا يشبهه شيء، ولنورد لك شيئًا من كتبهم لئلا تكون حكايتنا كالشيء المسموع فقط، قال السائل في كتاب باتنجل من هذا المعبود الذي ينال التوفيق بعبادته؟.

_ (1) غافر: 34.

قال المجيب: هو المستغني بأزليته ووحدانيته عن فعل، لمكافأة عليه براحة تؤمل وترتجى، أو شدة تخاف وتتقى، والبريء عن الأفكار، لتعاليه عن الأضداد المكروهة والأنداد المحبوبة، والعالم بذاته سرمدًا، إذ العلم الطارئ يكون ما لم يكن بمعلوم، وليس الجهل بمتجه عليه في وقت ما أو حال، ثم يقول السائل بعد ذلك: فهل له من الصفات غير ما ذكرت؟ فيقول المجيب: العلو التام في القدر لا المكان، فإنه يجل عن التمكن، وهو الخير المحض التام الذي يشتاقه كل موجود، وهو العلم الخالص عن دنس الهوى والجهل. قال السائل: أفتصفه بالكلام، أم لا؟ قال المجيب: إذا كان عالمًا فهو لا محالة متكلم. قال السائل: فإن كان متكلمًا لأجل علمه، فما الفرق بينه وبين العلماء الحكماء الذين تكلموا من أجل علومهم؟ قال المجيب: الفرق بينهم هو الزمان فإنهم تعلموا فيه وتكلموا بعد أن لم يكونوا عالمين ولا متكلمين، ونقلوا بالكلام علومهم إلى غيرهم، فكلامهم وإفادتهم في زمان، إذ ليس للأمور الإلهية بالزمان اتصال، فالله سبحانه وتعالى عالم متكلم في الأزل، وهو الذي كلم براهم وغيره من ألأوائل على أنحاء شتى، فمنهم من ألقى إليه كتابًا، ومنهم من فتح له بواسطة بابًا، ومنهم من أوحى إليه فنال بالفكر ما أفاض عليه. قال السائل: فمن أين له هذا العلم؟ قال المجيب: علمه على حاله في الأزل، وإذ لم يجهل قط فذاته عالمة، لم تكتسب علمًا لم يكن له، كما قال في (بيذ) الذي أنزل على براهم: احمدوا وامدحوا من تكلم ببيذ، وكان قبل بيذ. قال السائل: كيف تعبد من لم يلحقه الإحساس؟ قال المجيب: تسميته تثبت أنيته فالخبر لا يكون إلا عن شيء، والاسم لا يكون إلا لمسمى، وهو إن غاب عن الحواس فلم تدركه، فقد عقلته النفس، وأحاطت بصفاته الفكرة. وهذه هي عبادته الخالصة، وبالمواظبة عليها تنال السعادة.). ا. هـ. (مقارنات الأديان لأبي زهرة). أقول: إن الكلام الذي مر معنا ما يعترض عليه، ولكن فيه الكثير مما يوافق الكتاب

ب- الديانة البوذية

والسنة، وفيه ما يدل على أن براهما قد أنزل عليه كتاب، فإذا صح النقل فإن براهما يكون رسولًا قد غلا فيه قومه، ألهوه كما فعل النصارى بالمسيح ابن مريم عليه السلام. ويؤكد (فريد وجدي) في دائرة معارفه ما ذكره (البيروني) مستدلًا بذلك على أن فكرة التثليث الموجودة حاليًا عند البراهمة ليس لها وجود في الكتب البرهمية القديمة. ب- الديانة البوذية: ومن الديانات الهندية القديمة: (الديانة البوذية) التي جاءت كما يبدو لتصحيح ما حدث من انحراف في الديانة البرهمية، والمتكلمون عن بوذا يصفونه بصفات الأنبياء ابتداء بنزول الوحي عليه، ثم يغلون فيه غلو النصارى في المسيح ابن مريم عليه السلام حتى إن أبا زهرة في كتابه (مقارنات الأديان) أثبت التوافق بين كثير من عبارات البوذيين في بوذا وعبارات النصارى في المسيح ابن مريم ولا نستطيع أن نعتمد على الروايات المأثورة عن بوذا لأنها كما قلنا سجلت بعد وفاته بفترة طويلة ولا نستطيع أن نجزم بشيء في أمره لكن بعض ما نسب إليه يتفق مع الوحي الذي أنزله الله عز وجل على رسولنا ومن ذلك مثلًا: أن من تعاليم بوذا: أن على الإنسان أن يكون مقيدًا نفسه بثمانية أمور:. (أ) الاتجاه الصحيح المستقيم: بأن يتجه إلى أي أمر يريده اتجاهًا صحيحًا مستقيمًا خاليًا من كل سلطان للشهوة واللذة وما تبعثه من أماني وأحلام فاسدة، فيجتهد عند الاتجاه إلى أي أمر في أن يخلص إرادته من شائبة اللذات أو الشهوات، وما يتصل بها من آمال تبعثها وأحلام تثيرها، وفي الجملة ينقي نفسه من كل ما يتصل باللذة عند الاتجاه. (ب) الإشراق الصحيح المستقيم: وذلك أن الإنسان عند الاتجاه إلى أمر من الأمور اتجاهًا مستقيمًا خاليًا من شوائب اللذات، تعتريه نورانية تجعله يستطيع الوصول إلى حقائق الأشياء من غير أن يرنق نظره أي درن من أدران اللذة، ولا يرين على عقله ما تثيره من أهواء. (ج) التفكير الصحيح المستقيم: وذلك أن العقل إن خلا من شوائب اللذة، ونال الإشراق الصحيح كان تفكيره مستقيمًا، وكانت العمليات العقلية التي يقوم بها في التفكير في

هذا الأمر مستقيمة لا تؤثر فيها نزعة هوى، ولا جموح شهوة، ولا اضطراب الأماني والأحلام في قلبه. (د) ولا شك أن هذه المستقيمات الثلاثة السابقة: الاتجاه المستقيم والإشراق المستقيم، والتفكير المستقيم يترتب عليها أمر رابع مستقيم، وهو اطمئنان العقل والقلب إلى فكرة خاصة من بين ما يعرض لها من الأفكار والآراء والأنظار. وذلك هو الإيمان المستقيم، أو الاعتقاد المستقيم الذي يصحبه ارتياح واطمئنان، وبه يصير القلب في روح وريحان من النعيم المعنوي. (هـ) والذي يتمم الأمور الأربعة السابقة لفظ مستقيم، وذلك بأن يكون نطق الإنسان بما انتهى إليه من فكره مطابقاً تمام المطابقة لاعتقاده، ولما ارتاح إليه، وعمر قلبه بالسرور به. (و) السلوك المستقيم: وذلك هو الأمر السادس الذي لابد منه لسلوك الممر الوسط، والسلوك المستقيم ما يكون مطابقاً لكل ما قام بالقلب من اعتقاد فيكون العمل على وفق العلم، فلا مجافاة بينهما، ولا مناقضة، بل يكون كل منهما مؤكداً للآخر أو متمماً له. (ز) الحياة الصحيحة: بأن يكون قوامها هجر اللذات هجراً تاماً وأن يكون كل ما يجري فيها متطابقاً مع السلوك القويم، والعلم الصحيح، ولا يشذ فيها شيء عن مقتضى هذا السلوك وأحكامه. (ح) الجهد الصحيح: وذلك بأن تكون كل الجهود التي يبذلها الإنسان في سبيل أن تكون الحياة مستقيمة سائرة على مقتضى السلوك، والعلم والحق، ومنع كل ما له صلة باللذات، أو من شأنه أن يثير دواعيها. ويحفز إليها. هذه هي الأمور التي لو تمت على وجه مستقيم سار الشخص على الجادة، وسلك الممر الوسط الذي يوصل إلى حياة سعيدة خالية من الآلام خلوها من دواعيها، وهي الشهوات واللذات. ا. هـ. (مقارنات الأديان لأبي زهرة).

ومن وصايا بوذا: (أ) لا تقتل أحداً؛ ولا تقض على حياة حي. (ب) لا تأخذ مالاً لا يقدم إليك، فلا تسرق ولا تغصب. (ج) لا تكذب، ولا تقل قولاً غير صحيح. (د) لا تشرب خمراً، ولا تتناول مسكراً ما. (هـ) لا تزن، ولا تأت أي أمر يتصل بالحياة التناسلية إذا كان محرماً. (و) لا ترقص، ولا تحضر مرقصاً ولا حفل غناء. أ. هـ (مقارنات الأديان - لأبي زهرة). ومن الروايات عنه كما نقل ذلك فريد وجدي في دائرة معارفه: (كما أنه لا فرق بين جسم الأمير وجسم المتسول الفقير كذلك لا فرق بين روحيهما كل منهما أهل لإدراك الحقيقة والانتفاع بها في تخليص نفسه ...). (ومما يريك مذهب البوذية في صورته الحقيقية ما حدث من المحاورة بينه وبين أحد تلامذته، وكان ذلك التلميذ أراد التحول إلى قبيلة (سرونا بارانتا) للمكث بين طهرانيهم ودعوتهم للبوذية، فعلم البوذة أن تلك القبيلة المشهورة بالشراسة وسوء الجوار لا يلينها إلا الثابت الضليع فأراد أن يحول تلميذه عن عزمه، فقال له: إن رجال قبيلة (سرونا بارانتا) الذين تود أن تسكن بين ظهرانيهم متحمسون قساة سريعو الغضب، وأهل حمية وجحود، فإذا اتفق يابورنا ووجه إليك أولئك الناس ألفاظاً بذيئة خشنة وقحة ثم غضبوا عليك وسبوك فماذا كنت قائلاً؟ فأجابه: أقول لا شك أن هؤلاء قم طيبون لينو العريكة لأنهم لم يضربوني بأيديهم ولم يرجموني بالأحجار. فقال البوذة: وإن ضربوك بأيديهم ورجموك بالأحجار فماذا كنت قائلاً؟

3 - الديانة الزرادشتية

قال التلميذ: أقول إنهم طيبون لينون إذ لم يضربوني بالعصي ولا بالسيوف. فقال البوذة: وإن ضربوك بالعصي والسيوف فماذا كنت قائلاً؟ قال التلميذ: أقول إنهم طيبون لينون إذ لم يحرموني الحياة نهائياً. فقال البوذة: وإن حرموك الحياة فماذا كنت قائلاً؟ قال التلميذ: أقول إنهم طيبون لينون إذ خلصوا روحي من سجن هذا الجسد السيئ بلا كبير ألم. فقال له البوذة عند ذلك: أحسنت يا بورنا إنك تستطيع بما أوتيته من الصبر والثبات أن تسكن في بلاد قبيلة سرونا بارانتا فاذهب إليهم يا بورنا! وكما تخلصت فخلصهم وكما وصلت إلى الساحل فأوصلهم معك. وكما تعزيت فعزهم معك وكما وصلت إلى مقام النيرفانا الكاملة فأوصلهم إليها مثلك. فذهب بورنا إليهم وكانت النتيجة أن آمنوا كلهم بالبوذة واتبعوا مذهبه) ا. هـ. وجدي. أقول: وقد خالط الديانة البوذية ما خالطها ولكن الشذرات التي نقلناها توحي بأن لهذه التعاليم صلة برسالة سماوية. 3 - الديانة الزرادشتية: يرجع (أبو الكلام أزاد) في كتابه عن (ذي القرنين) أن زرادشت قد عاصر ذا القرنين الذي يرجح أنه (قورش) الفاتح الفارسي المشهور، وأن قورش كان على ديانة زرادشت، وعلى هذا فإن ظهور زرادشت يكون في القرن السادس قبل الميلاد، ويفرق أبو الكلام أزاد بين الزرادشتية والمجوسية فالمجوسية أقدم من الزرادشتية، وقد جاء زرادشت ليخرج الناس من ضلالها، ولكنها في النهاية امتزجت مع الديانة الزرادشتية وأفسدتها، ويذكر أبو الكلام أزاد أن أساسا الدين الزرادشتي: (صدق النية وصدق القول وصدق العمل) وذلك يتفق مع الوحي الذي أنزله الله على

الدعوة إلى الصراط المستقيم

رسولنا عليه الصلاة والسلام ومما يذكره أبو الكلام أزاد عن الدين الزرادشتي: الإيمان باليوم الآخر، ويذكر أبو الكلام شهادة المؤرخين على بعد الزرادشتية عن الوثنية، ويؤكد أبو الكلام أن الزرادشتية لا تقول بإلوهية اثنين بل تقول بإلوهية الله وتحارب الشيطان أما الثنوية فطرأت طروءاً بعد ذلك على الديانة الفارسية. وقد نقل أبو الكلام بعض الكتابات المنحوتة في الصخر والتي لازالت موجودة حتى الآن والتي سجلها دارايوش خليفة قورش وابن عمه والذي يعتقد أنه كان على دين زرادشت الصحيح ما نصه: (إن الإله العلي، أهورامزدا، هو الذي خلق الأرض، ورفع السماء، وفتح سبل السعادة على البشر، وهو الذي أقام دارايوش وحده حاكماً على الكثيرين، وجعله واضع الشرائع لهم). ويقول في كتابه أخرى: (يعلن دارايوش للناس قاطبة بأن أهورا مزدا، قد وهبني الملك بفضله ورحمته، وقد نجحت بتوفيقه تعالى في تدعيم الأمن والسلام في الأرض، وإني أبتهل إلى أهورامزدا إلهي، أن يرعاني أنا، وأسرتي، وجميع البلاد التي جعلني حاكماً عليها. يا رب، أهورامزدا، اسمع دعائي واستجبه!). الدعوة إلى الصراط المستقيم: وكذلك يقول الملك: (يأيها الإنسان، أمرك أهو رامزدا ألا تخوض قط في الشر، ولا تحيد عن الصراط المستقيم أبداً، واحذر الإثم في جميع الأحوال) ا. هـ. (ويسألونك عن ذي القرنين). ويدلل أبو الكلام على أن أصول الزرادشتية سماوية: أن المسلمين عاملوا المجوس معاملة أهل الكتاب باستثناء الزواج منهم وأكل ذبائحهم.

4 - الديانات الصينية

4 - الديانات الصينية لا تزال في الصين ديانتان رئيسيتان هما الكونفوشيوسية والطاوية والكونفوشوسية نسبة إلى كونفوشيوس، والطاوية؛ نسبة إلى لوتس الذي أدركه كونفوشيوس في أخريات حياته ولا نستطيع الجزم بشيء حول الرجلين هل هما تابعان لرسالة سابقة أو لهما دور آخر، ولكن الثابت أن كثيراً مما روي عن كونفوشيوس يتفق مع معان إسلامية فهل كان ذلك أثراً عن دين سماوي استفاد منه كونفوشيوس أو كان هو له وضع ما؟ لا نستطيع الجزم بشيءٍ، والمعروف من سيرته تجواله لنشر دعوته والتزامه بالعبادة وتمسكه بالعدل والفضيلة ... وقد دون تلاميذه آراءه ولا ندري هل السند متصل أو لا، أو كانت هذه كل آرائه، وهل كان النقل دقيقاً وقد ترجم أهم الكتب التي تدرون آراءه تحت اسم الحوار إلى اللغة العربية، ترجمه محمد مكين، والمعروف أن كونفوشيوس لخص كثيراً من الكتب السابقة عليه التي تمثل معارف الصين، ومما نسب إلى كونفوشيوس: (انصرفت إلى طلب العلم، وأنا في الخامسة عشرة من سني، وفى الثلاثين التزمت جادة الفضيلة، وفي الأربعين لم يكن في نفسي أي ريب في حقائق الأشياء وعلمت القضاء والقدر وأنا في الخمسين، وأصغت أذني إلى كل الحق عارفاً فاهماً له وأنا في الستين، ولم أتجاوز حدود السلوك القويم وأنا في السبعين). (السياسة هي الإصلاح فإن جعلت صلاح نفسك أسوة حسنة لرعيتك، فمن الذي يجترئ على الفساد)؟. (إن أخلاق الرؤساء كالريح، وأخلاق المرءوسين كالعشب، وإلى أية جهة هبت الريح مال العشب). (من يعلم الحق دون من يولع بطلبه؛ ومن يولع بطلبه دون من يطمئن إليه دائماً) فالمراتب عنده ثلاث: (1) معرفة للحق مجردة (2) وشوق إلى الحق ومحبة له (3) وعمل به وارتياح النفس إلى العمل به، مهما يكتنفها في العمل به من صعاب وشدائد ثم يقسم الناس بالنسبة للمعرفة

إلى أربع درجات: الدرجة الأولى درجة رجل وهبته السماء المعرفة، وأوتي الإلهام، وهي أعلى الدرجات، والثانية درجة رجل لم يؤت إلهاماً ولكن فيه ذكاء؛ فتعلم ووصل إلى أقصى ما يتعلمه من لم يؤت إلهاماً، والدرجة الثالثة درجة الرجل الذي لم يؤت ذكاء، بل فيه غباء، يطلب المعرفة، وينال منها بمقدار طاقته، والدرجة الدنيا وهي الدرك الأسفل. رجل حائر بائر في غباء وبلادة فلم يعرف ولم يحاول معرفة). (الرجل الكامل الخلق يطلب الفضيلة؛ والرجل الناقص الخلق يطلب اللذة، والرجل الكامل الخلق يفكر في اجتناب الرذيلة وأداء الواجب، والرجل الناقص يفكر في كسب المنافع ... والرجل الكامل الخلق واقف على البر، والرجل الناقص الخلق واقف على الربح). (الرجل غير الفاضل لا يستطيع أن يبقى في الفاقة أو الثروة طويلاً، أما ذو الفضيلة فهو مستريح في فضيلته، حريص عليها). (ذو الفضيلة يستبشر بالماء الجاري؛ وذو الفضيلة يستبشر بالجبل الراسي؛ وذو الفضيلة نشيط، ورزين، ومعمر. فالفضيلة عنده روضة فيها الراح والريحان، والسر والاطمئنان، أما ذو الرذيلة فهو في شقاء وبلبال مستمر؛ وينزل عليه غضب السماء جزاء ما قدمت يداه واقترفت نفسه؛ ولذا يقول: (يولد الإنسان مستقيماً فمن فقد الاستقامة واستمر حياً؛ فنجاته من الموت من حسن حظه). (انظر إلى أعمال الناس، ولاحظ بواعثها، وراقب ما إليه يستريحون فأين يخفي الناس سرائرهم!! أين يخفي الناس سرائرهم!! ..). ولقد قال أحد تلاميذه: (أراقب نفسي وأسألها كل يوم هل خانت عندما تولت شئون الناس؟ هل كذبت عندما عاملت؟ هل كانت غافلة عن العمل بما تلقته من العلوم؟). (إذا عزم المتعلم على طلب الطريقة الموافقة للفطرة السليمة وهو يأبى الملبس الخَلِق، والمطعم الجشب فهو خليق بأن يُحاضرَ). (... ثمرة الآداب حسن العشرة، وإنما تستحسن سنة السلف الصالح لاشتمالها على هذه

الصفة التي تراعى في جميع الشئون صغيرها وكبيرها، ولكن لو روعي حسن المعاشرة من غير أن يضبط بالفضيلة ما استقامت الأمور). (الرجل الفاضل لا يتحيز، والرجل الفاضل لا يتعصب). (واجب الولد البر بأبويه إذا كان داخل المنزل، والاحترام لذوي الأسنان إذا كان خارجه، والصدق في أقواله، والرحمة بالناس في كل أفعال، وأن يتقرب إلى الفضلاء وإذا كان لديه فراغ من الوقت زجاه في كتب الأخلاق). (من الناس من نستطيع محادثته في العلم، ولا يمكن أن نحمله على السير معنا بمقتضى الفطرة، ومنهم من نستطيع أن نسير بهم على الفطرة من غير أن يكونوا ذوي قدم ثابتة فيها، منهم من يكون ذا خلق قويم شديد التمسك بالفطرة والكمال الإنساني، ولكن لا يمكننا مشاورته في تقدير الشئون). (... يقول في وصف آراء أستاذه وأثرها في نفسه: (إذا رفعت إلى آراء الأستاذ النظر رأيتها أعلي مما كنت أعتقد، وهي ملء نفسي، وتحيط بي، وتستغرق كل حسي، والأستاذ يرشد الناس بالتدريج إرشاداً حسناً، وقد وسع بالعلوم مجال فكري. وضبط بالآداب سلوكي، حتى أني لو رغبت في ترك آرائه ما طاوعتني نفسي). (أتظنون أني أخفي عليكم شيئاً، ما من أمر أعمله إلا فيه إرشادكم، وهذه هي طريقتي في التربية). (لا يمكن أن أعاشر الطيور والوحوش، فلو لم أعاشر هذه الأمة، فمن الذي أعاشره؟ لو كانت البلاد تحت سيادة عادلة ما كنت في حاجة إلى محاولة لإعادة نظامها). (إذا كان واجب كل شخص من آحاد الأمة أن يعتزل في كهف من الكهوف، فمن الذي يبقى في المدن يعمرها، وفى الأرض يفلحها ويزرعها، وفي الصنائع يمر فيها، ومن الذي ينسل ويعمل ليبقى الكون عامراً ببني الإنسان؟ وإذا كان الاعتزال مقصوراً على الحكماء والفضلاء فمن الذي يربي الإنسان ويؤدبه؟ أم يترك الناس حائرين لا هادي ولا مرشد).

(إن في الفصل بين المتخاصمين كغيري من الناس، ولكن السياسة الحكيمة أن تهذب الرعية، حتى لا تكون مخاصمة). (إن الحاكم إذا شغف بالآداب الفاضلة لا يجترئ أحد من رعيته على إهانة غيره، وإذا شغف بالصدق لا يجترئ أحد على الكذب، ومن هذه حاله أقبل عليه الناس حاملين أولادهم على ظهورهم). (إن كان سلوك الرئيس مستقيماً أطاعه المرءوسون من غير أن يأمرهم، وإن كان غير مستقيم لم يطيعوه ولو أمرهم ...). (الرعية إذا قدتها بالأحكام الصارمة والعقوبات الزاجرة فستحاول التخلص منها وهي غير مستحية من مخالفتها، وإذا قدتها بالفضائل وأصلحتها بالآداب تستحي من ارتكاب الجرائم وهي صالحة). سأله أحد تلاميذه عن ضروريات السياسة فقال: "من ضروريات السياسة الأقوات الكافية وذخائر الحرب الواقية، وثقة الرعية". فقال التلميذ: (لو اضطررنا إلى حذف واحد من هذه الثلاثة فبأيها نبتدئ بالحذف؟ قال: (احذفوا ذخائر الحرب) قال: (لو اضطررنا إلى حذف أحد هذين الأمرين فأيهما تحذف؟ وأيهما تبقى؟). قال: (احذفوا الأقوات، فإن الموت حظ الإنسان منذ الغابر من الأزمان، ولكن السياسة لا تقوم إلا بثقة الرعية). سأله أحد تلاميذه قائلاً: كيف يجعل الحاكم رعيته يجلونه ويثقون به مخلصين ويتواصون بالخير فيما بينهم؟. فقال مجيباً: (إذا قابلهم بالسمت والوقار أجلوه. وإذا كان باراً بوالديه شفيقاً على قومه أخلصوا له، وإذا رفع الصالحين وأعان العاجزين تواصوا بالخير). ولقد سأله أمير مقاطعته قائلاً: (كيف تكتسب طاعة الرعية؟) فأجابه بقوله: (إذا أعلي الصالحون وأبعد الطالحون أطاعت الرعية، وإذا أقصى الصالحون، وأدنى الطالحون

عصت الرعية ...). (... لو تداولت أيدي الصالحين شئون الدولة لمدن قرن واحد لتهذب الظالمون جميعاً، ولاستغنى الحاكم عن عقوبة الإعدام ...). (آمن بالحق، وأحب العلم، واتبع الفطرة، ولا تقم في مملكة سادتها الفوضى واطلب المنصب إذا كانت البلاد محكومة بسياسة حكيمة، واعتزل إذا كانت تحت سياسة غاشمة، فمن العار أن تفتقر وتبتعد، والبلاد تحت سياسة عادلة، ومن العار أن تغنى وتعتز والبلاد تحت سياسة غاشمة). (لا يكن همك أن تتولى المنصب، بل ليكن همك ما يؤهلك لهذا المنصب، ولا تهتم بجهل الناس قدرك، بل اهتم بالفضل الذي تريد أن يعرفوك به). (من يخدم الأمراء فليجعل العناية بأداء الواجب في المحل الأول، وأمر الراتب في المحل الثاني). ذكر أحد تلاميذه أن وزيراً من الوزراء تولى رياسة الوزارة ثلاث مرات، فلم يظهر على وجهه أمارة الابتهاج في واحدة منها، واستقال ثلاث مرات، فلم يبد في واحدة منها على وجهه الاكتئاب بل كان يخبر الوزير الجديد بجميع ما حصل في شئون الدولة في عهده، فقال كونفوشيوس: (قد كان مخلصاً). ناقشته تلاميذه في اعتزاله مناصب الدولة قال لهم: (لماذا يهمكم أن يفقد أستاذكم منصبه!! إن البلاد قد خلت من العدل والاستقامة من زمن بعيد، وستتخذ السماء أستاذكم ناقوساً ...). قال فيه أحد تلاميذه: (إن رتبة الأستاذ (كونفوشيوس) لا يمكن أن يصل إليها أحدكما، إن السماء لا يمكن أن يصعد إليها أحد: لو كان للأستاذ حظ من الإمارة أو الرياسة لصدق عليه قول القائل: إن أقام الرعية قاموا سراعا وإن هداهم سارعوا وإن أراحهم آووا منه إلى ظل وارف وإن عاش عاش جليلاً وإن مات لقيت بموته النفوس حسرات فكيف يمكن أن يصل إلى رتبته غيره!!) ا. هـ. (مقارنات الأديان لأبي زهرة).

5 - ديانات ما بين الرافدين

5 - ديانات ما بين الرافدين لقد بعث نوح عليه السلام في بلاد ما بين الرافدين، وبعث إبراهيم عليه السلام في مدينة أور من بلاد الرافدين ثم هاجر إلي بلاد الشام، وقد بعث يونس عليه السلام في الموصل من بلاد ما بين الرافدين، ولا زال في بلاد ما بين الرافدين أصحاب دين يسمون الصابئة، وهم يزعمون أنهم ينتسبون إلى إدريس عليه السلام، وإدريس كان قبل نوح عليه السلام ولذالك فغن من المستبعد أن تسلم لهم هذه النسبة، على أن القرآن ذكر الصابئة القدماء في جملة أهل الأديان السماوية ابتداء، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (1). على أن العلماء التفسير مختلفون هل المراد بالصابئة هنا قدماء صابئة أهل العراق ممن كانوا على دين صحيح، أو المراد بهم كل من ترك الدين الباطل إلى الدين الحق، ولعله من المفيد استكمالاً لأخذ تصور عام أن نذكر شيئًا قدمته الحفريات الأثرية عن رسالة نوح علية السلام وعن بعض ما قيل في الصابئة كأهل دين: أ- بعض ما تذكره الحفريات عن نوح عليه السلام وقصة الطوفان: إن كثيرًا من الكتب الدينية السابقة قد تحدثت عن قصة نوح عليه السلام وقصة الطوفان، كما أن قصة الطوفان ذكرت في الكثير من الألواح التي عثر عليها أثناء التنقيب عن الآثار ولا زالت المحاولات حتى يومنا هذا جادة في محاولة الثور على بقايا سفينة نوح على جبل أرارات. ولكن الألواح التي تحدثت عن الطوفان كتبت بعد آلاف السنين من حادثة الطوفان. وقد رأينا أن الحفريات تثبت أن بين ساراجون الملك ونوح عليه السلام قد حكم بعض الأسر في بلاد الرافدين خمسة وعشرين ألفاً من السنين، ومع عدم الثقة فى دقة ما تقدمه لنا ألواح الحفريات، فإن هناك قاسماً مشتركاً بينهم وهو إثبات حادثة الطوفان، كنموذج على ذلك ننقل ما كتبه العقاد في كتابه إبراهيم عليه السلام قال:

_ (1) البقرة: 62.

(وتؤلف قصة الطوفان البابلية من اثني عشر فصلاً على حسب البروج: وراوي القصة يسمى (اسدبار) وقد عبر بحر الموت ليصعد إلى السماء ويلقى زستور الذي ارتفع إليها بعد نجاته من الطوفان، والباقي من ألواح هذه القصة في المتحف البريطاني يحكيها على هذا المثال: (ابن بيتاً واصنع سفينة تحفظ النبات والحيوان، واخزن البذور واخزن معها بذور الحياة من كل نوع تحمله السفينة، وليكن طولها ستمائة قدم في ستين عرضاً .. وتدخل السفينة وتحكم وإغلاقها، وتضع في وسطها الحبوب المتاع والأزواد والخدم والجند، وتضع فيها كذلك أجناس الوحش لحفظ ذريتها ... وقال الله ليلاً: إني سأرسل السماء مدراراً، فادخل إلى جوف السفينة، وأغلق عليها بابها. وتغطي وجه الأرض وهلك كل ما عليه من الأحياء، وفار الماء حتى بلغ السماء، ولم ينتظر أخ أخاه ولم يعرف جار جاره. ستة أيام وست ليال، والرياح تعصف والأنواء تطغى، ثم كان اليوم السابع فانقطع المطر وسكنت العاصفة التي ماجت كموج الزلزال. سكنت العاصفة وانحسر البحر وانتهى الطوفان، وحج البحر بعد ذلك عجيجة، واستحال الناس طينا وطفت أجسادهم على وجه الماء. ثم استوت السفينة على جبل نيزار .. وأرسلت أنا الحمامة فذهبت وعادت ولم تجد من مقر تهبط عليه، فأرسلت عصفور السمانة فعاد وما هبط على مكان، وأرسلت الغراب فراح ينهش الجثث الطافية فلم يرجع، ثم أطلقت الحيوانات في الجهات الأربعة وبنيت على رأس الجبل مذبحا فقربت لدية قربانا وفرقته في أنية سبعة وفرشت حوله الريحان ..). وقد علم المنقبون أن هذه القصة منسوخة من مصدر قديم أقدم منها، فهذه الألواح لا يقل تاريخها عن ألفين وخمسمائة سنة، والمصدر الذي نقلت منه يرجع إلى أوائل الألف الثالثة قبل الميلاد. وعلم المنقبون في جميع آثار الأرض التي كشفت في العالم القديم أو العالم الجديد إن قصة الطوفان عامة لا تنفرد بها الآثار البابلية، ولا يقل تاريخها في القدم عن تاريخه) اهـ. العقاد (إبراهيم أبو الأنبياء).

ب- الصابئة

ب- الصابئة: حاول الأستاذ عبد الرحمن حبنكة أن يعطينا تصورًا عن صائبة العراق في كتابه: (العقيدة الإسلامية) فقال. (يقول المؤرخون: إن أمة السريان أقدم الأمم، وملتهم هي ملة الصابئين -نسبة لصابي أحد أولاد شيث-، ويذكر الصابئون أنهم أخذوا دينهم عن شيث وإدريس، وأن لهم كتابًا يعزونه إلى شيث ويسمونه: (صحف شيث)، ويتضمن هذا الكتاب على ما يذكرون الأمر بمحاسن الأخلاق، والنهي عن الرذائل. وأصل دينهم التوحيد وعبادة الخالق جل وعلا. وتخليص النفوس من العذاب في الآخرة بالعمل الصالح في الدنيا، والحض على الزهد في الدنيا، والعمل بالعدل. قالوا: وللصابئين عبادات منها: سبع صلوات في اليوم والليلة: خمس صلوات منهن توافق صلوات المسلمين، والسادسة صلاة الضحى، والسابعة صلاة يكون وقتها في الساعة السادسة من الليل. وصلاتهم تشبه صلاة المسلمين من حيث النية وعدم خلطها بشيء من غيرها. ولهم صلاة على الميت بلا ركوع ولا سجود. وعندهم صيام شهر قمري من السنة ويصومون من ربع الليل الأخير حتى غروب قرص الشمس. ويعظمون بيت مكة. قال ابن حزم: والدين الذي انتحله الصابئون أقدم الأديان على وجه الدهر، وقد كان الغالب على الدنية إلى أن أحدثوا فيه الحوادث) ا. هـ. (العقيدة الإسلامية). وقد تحدث العقاد في كتابه: (إبراهيم أبو الأنبياء عليه السلام) عن الصابئة، وكان من كلامه: تدين بعقائد الصابئة ملة يبلغ عدد أبناؤها ستة ألاف بين رجل وامرأة وطفل، ولا يجوز بها المبالغ في عددها عشرة آلاف. وهي على قلة عددها تستقل بلغة (مقدسة) خاصة، [عندهم] ولهم كتابة أبجدية خاصة، وأحكام دينية في معيشتها ولا تشبه في جملتها دينًا واحدًا ولكنها تشبه في بعض

أجزائها كل دين. ومن ثم كان لها شأن في الدراسات الدينية. ففيها ولا شك عقائد سابقة لجميع الأديان الكتابية، وعقائد سابقة لدين الخليل. بل فيها - على رأي بعض الباحثين- بقية من الديانتين المختلفتين في عصر الخليل، لأن الصائبة يدينون بمذاهب مختلفة يرد بعضها على بعض، ولا سيما مذاهب الكواكب والأصنام، مما تواترت الأخبار بالاختلاف عليه بين قوم إبراهيم ومن حاربوهم واضطروهم إلى الهجرة من بلادهم ... ويقول رايت wright صاحب كتاب المطالعة العربية إن حروفهم الأبجدية تشبه الحروف النبطية، وإن لغتهم تشبه لغة التلمود الذي كتب في بابل، ويقولون هم إن لغتهم الأولى سريانية وإنهم كانوا بمصر على عهد الفراعنة الأول وتلقوا ديانتهم الأولى عن أحبارهم ثم هجروها حين تحول أهلها عن الدين القويم. والمحقق من أمرهم أنهم يرجعون إلى أصل قديم، لأن استقلالهم باللغة الدينية والكتابة الأبجدية، لم ينشأ في عصر حديث ولهذا يفهم الدارسون للأديان أن تحقيق لغتهم وكتابتهم يؤدي إلى جلاء الغوامض عن كثير من تاريخ الكلدان في الزمن الذي قام فيه الخليل بدعوته، ويؤكد هذا الفهم أن هؤلاء الصابئة يقيمون في الأقاليم الجنوبية من العراق حيث أقام الخليل في رواية العهد القديم، ومنهم فئة تحج إلى حاران التي هاجر إليها، وينسب إليها الصابئة الحرانيون ... ومع استقلال الصابئة باللغة الدينية والكتابة الأبجدية، يشتركون مع أصحاب الأديان في شعائر كثيرة، ولا يعرف دين من الأديان تخلو عقيدة الصابئة من مشابهة له في إحدى الشعائر. . فهم يشبهون البراهمة والمجوس والأورفيين أصحاب النحل السرية، كما يشبهون اليهود والنصارى والمسلمين، أو كما يشبهون الفلاسفة وأصحاب المذاهب العقلية في تفسير الوجود والموجودات. وهم كما يشبهون الجميع يخالفون الجميع. فمن مشابهتهم للبراهمة أنهم يتحرجون من ملامسة غيرهم، ويتطهرون إذا لمسوا غريبًا في

حالة من حالات العبادة. ومن مشابهتهم لأصحاب العقائد الأورفية - أو السرية - أنهم يكتمون كتبهم أشد الكتمان، ولا يباشرون شعائرهم مع الغرباء، ويتقاسمون الخبز المقدس علامة على الأخوة الروحية، ويعتقدون أن الكون كونان وأن الخلق خلقان. فالكون الظاهر غير الكون الباطن، ولكل مخلوق في العلانية صورة محجوبة في عالم الغيب .. حتى آدم وبنوه منهم أهل ظاهر وأهل باطن لا يراهم من يعيشون في العلانية. ومن مشابهتهم للمجوس أنهم يتوجهون إلى قطب الشمال وإلى الكواكب عامة، ولكنهم لا يعبدونها، بل يحسبونها من مظاهر الروحانيات التي لا تبرز للعيان .. ومن مشابهتهم للمسيحين أنهم يدينون بالعماد، ويبجلون يوحنا المعمدان أو يحي المغتسل. ولكن التعميد أعم عندهم من التعميد في المسيحية، ويندر منهم من يسكن بعيدًا من الأنهار لحاجتهم كل يوم إلى العماد، وإلى التطهر بالماء. ومن مشابهتهم للمسلمين أنهم يقيمون الصلاة مرات في اليوم، ويقولون إنها فرضت عليهم سبعًا ثم أسقطها يوحنا عنهم وأدخل بعضها في بعض واكتفى منها بثلاث، ولكنهم لا يسجدون في صلاتهم بل يكتفون بالقيام والركوع، وهو يتوضأون قبل الصلاة ويغتسلون من الجنابة. ويعرفون نواقض الوضوء ولكنهم يغالون فيها. وعندهم ذبائح كذبائح اليهود، ويوم في ختام السنة كيوم اليهود. ولكنهم يحرمون الختان ولا يبنون لهم هيكلًا قائمًا، بل يبنون الهيكل من القصب كما تبنى الخيام، موقوتًا عند الحاجة إليه في الأعياد. فكأنها بقية أو أصل لعيد الظلال وللهيكل المنقول. ومنهم من يحرم الطعام الذي حرمه أتباع فيثاغورس كالبصل، ويضيفون إليه أنواعًا من الخضر كالكرنب ولحوم الحيوان ذي الذنب، لأنهم يستوحون الغيب في الرؤيا، وهذه الأطعمة تمنع الرؤيا الصادقة. والمشهور عن الصابئة أنهم يوقرون الكعبة في مكة، ويعتقدون أنها من بناء هرمس أو إدريس عليه السلام، وأنها بيت زحل أعلى الكواكب السيارة، وينقل عنهم عارفوهم أنهم قرأوا صفة محمد عليه السلام في كتبهم، ويسمونه عندهم ملك العرب، لأن الشائع فيهم أنهم

لا يؤمنون بالأنبياء إلا فرقة واحدة تذكر شيئًا وإدريس وإبراهيم ويحيى المغتسل، ويحسبونهم تارة من الأنبياء وتارة من عباد الله الخلص الذين وصلوا بالرياضة والعبادة إلى مقام الزلفى والإلهام. وقد كان الباحثون يعجبون لتنويه القرآن الكريم بهذه الملة مع قلة عددها وخفاء أمرها، ولكن الدراسات الحديثة بينت للباحثين العصريين شأن هذه الملة في دراسات الأديان كافة، فعادوا يبحثون عن عقائدهم الآن وعقائدهم في عصر الدعوة الإسلامية، وثبت لهم أنها تؤمن بالله واليوم الآخر، وتؤمن بالحساب والعقاب، وأن الأبرار يذهبون بعد الموت إلى عالم النور (آلمي دنهورو) وأن المذنبين يذهبون إلى عالم الظلام (آلمي دهشوخا) ويلبثون فيه زمنًا على حسب ذنوبهم، ثم ينقلون منه إلى عالم النور .. ولهم كتاب يسمونه (كنزة) ولعله من مادة الكنز التي تفيد معنى النفاسة والكتمان، لأنهم يقدسونه ويخفونه فلا يطلعون أحدًا على أسراره .. إلا أن المتفق عليه أن اللغة التي كتب بها كتاب الكنزة وغيره من الكتب المقدسة عندهم هي لفة سامية الأصل قريبة من السريانية، وتكفي نظرة في مصطلحاتهم للجزم بهذه التقية ويوجبونها، ومن ذاك أنهم يحرمون الصيام باطنًا كما اشتهر عنهم، ولكنهم يصومون جهرًا، ويروي ابن النديم في الفهرست أنهم يصومون ثلاثين يومًا مفرقة على أشهر السنة، وقد يتنفلون بصيام أيام النسيء الخمسة، ويروى عنهم أنهم يصومون خمسة أسابيع يأكلون فيها الطعام نهارًا وليلًا ويجتنبون أكل اللحوم المباحة لهم وهي غير ذات الذنب، ويقال إن الصيام بنوعيه قديم عندهم ويرجع إلى أيام البابليين. ا. هـ. (إبراهيم أبو الأنبياء). وبعد: لقد ذكرنا هذا الوصل ليكون القارئ على بصيرة في فهم موضوع الرسالة، فلقد غلب على عض الناس فهم أن الرسالات لم تكن إلا في منطقتنا من هذا العالم، وهذا غلط، كما أن هناك ناسًا قد يسارعون في نسبة النبوة والرسالة إلى أحد دون تحقيق ودون عرض على

النصوص، كما أن هناك ناسًا يغالطون ويغلطون فيذكرون أن عقيدة التوحيد كانت نتيجة تطور، وهم بذلك ينفون رسالات الله إلى الأمم، وينسون أن أول رسول هو آدم عليه السلام، فالتوحيد هو الأصل دائمًا يحدث الانحراف. ومما يذكر في هذا الوصل وغيره، ندرك رحمة الله ونعمته على البشرية إذ أرسل محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الكتاب، وبهذا الدين الكامل الذي أخرج الناس جميعًا بما في ذلك بقايا أهل الأديان من الظلمات إلى النور. قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ * الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} (1). لقد قلنا من قبل: إن الله عز وجل قد بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم ليكسر استمرارية أهل الأديان وغيرهم على الكفر، كما جاء ذلك في قوله تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ * رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} (2). ومن هذا الإرسال وقيام الحجة به بهذا القرآن الخالد المعجز فإن الكثيرين لازالوا مستمرين على ما ورثوه من كفر وضلال، ولذلك حكمته. ومن حكمته: أن الله عز وجل خلق النار وخلق لها أهلها، وقال تعالى: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} (3). ومن حكمته: أن يزداد أهل الإيمان يقينًا عندما يقارنون ويدرسون ويكتشفون أن حقائق القرآن هي التي ترجع الناس إلى فطرهم وحقائق أديانهم قبل التحريف والتبديل. ولكن إذا كان في استمرارية أهل الكفر على كفرهم حكم فهذا شيء، وأن نقوم بحق الله في الدعوة إلى دينه الحق شيء آخر، فقد أوجب الله عز وجل علينا أن ندعو وأن نبلغ،

_ (1) إبراهيم: 1 - 3. (2) البينة: 1 - 3. (3) السجدة: 13.

وأعلمنا أن أهل الكتاب في شك من أمرهم ولذلك فإن علينا أن ندعوهم ونقيم الحجة عليهم، والشأن شأنهم أن يختاروا الجنة على النار، أو النار على الجنة. قال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ * وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ * فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا} (1). * * *

_ (1) الشورى: 13 - 15.

الوصل الثاني في: وراثة الأنبياء وكرامات الأولياء

الوصل الثاني في: وراثة الأنبياء وكرامات الأولياء وفيه: مقدمة ونصوص

المقدمة

المقدمة إن قلب المؤمن يحتاج إلى تثبيت مستمر، ولقد قال الله عز وجل: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} (1)، قال الله تعالى: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} (2). وتثبيت فؤاد المؤمن إنما يكون بملازمة الذكر والطاعات، وبالاجتماع على القرآن والذكر، والكينونة مع أهل العلم والصدق، وتلقي الهداية على الأولياء المرشدين، ورؤية كرامات الأولياء وسيما الصالحين والانتساب لأهل الحق والعدل، إلى غير ذلك من وسائل جعلها الله أسباباً لتثبيت أفئدة المتقين. ومن أهم ما يصلح به حال الإنسان. ويقوم به دين الله أن يوجد الوراث الكاملون للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، الذين أجتمع لهم علم وولاية وإرشاد، قال الله تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} (3)، وقال الله تعالى: {وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} (4)، فهذه الآية تدل على أن الغاية في الهداية هو الولي المرشد، فإذا ما وجد الوارث الكامل أصبح بالإمكان أن يتخرج على يديه النماذج العليا من البشر وهم الصديقون والشهداء والصالحون، وفي هذا الجو توجد كرامات والمعونات وتوجد الأجواء الإسلامية الصافية، ومن ههنا كان من أهم ما يحرص عليه المسلم أن يكون وارثاً نبوياً كاملا، بأن يكون عالما وليا مرشدا، ومن أهم ما يحرص عليه المسلم أن يتتلمذ على أمثال هؤلاء، وأن يعيش في أجوائهم وأن يحبهم هو وإخوانهم في الله، وقد حسن الهيثمي الحديث الذي يقول: "كن عالماً أو متعلماً أو محباً ولا تكن الخامسة فتهلك: أن تبغض العلم وأهله" (5). إن النبوة قد انقطعت وإنما يصلح حال البشر بوجود وراث الأنبياء وكرامات الأولياء، فبذلك تستمر أحوال الأنبياء ظاهرة في الأمة، وعن ذلك ينبثق كل خير، وبقدر ما يتولى وراث الأنبياء قيادة الأمة وريادتها وتلقين الناس آيات الله وتفهيمهم إياها، وتلقينهم

_ (1) الفرقان: 22. (2) هود: 120. (3) آل عمران: 79. (4) الكهف: 17. (5) مجمع الزوائد: (1/ 122).

الحكمة، لأنفس الناس وتعليم الناس الفقهين الكبير والأكبر فإن الأمر يكون مستقيماً. أما إذا آل أمر الدعوة والتعليم والإرشاد إلى من ليس له في الوراثة الكاملة قدم فإن أمر الإسلام ينقص بقدر نقصان مقام الوراثة، والوراثة الكاملة كما قلنا علم وولاية وإرشاد. إن الأمة الإسلامية بحاجة إلى أن تجدد أمر الإسلام في حياتها وفي أنفسها وعلى كل مستوى، ومن تجديد أمر الإسلام أن نجدد حياة وحيوية كثير من المعاني التي ذكرها القرآن، ومفتاح ذلك كله هو وجود الوارث الكامل. فكما حدثنا القرآن الكريم عن الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام وعن معجزاتهم فقد حدثنا عن الصفوة المختارة من أتباعهم، فحدثنا عن الربانيين وعن الحواريين والسابقين، وعن أهل اليمين وعن الصديقين والمحسنين والشاكرين، كما حدثنا عن كرامات تجري لهؤلاء أو على أيديهم، وبالكلام عن هؤلاء تستكمل الصورة المضيئة للحياة البشرية ولحياة القدوة والصفوة. {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ} (1). {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} (2). {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ} (3). {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} (4).

_ (1) آل عمران: 146 - 148. (2) آل عمران: 79. (3) المائدة: 44. (4) النساء: 69.

{وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ} (1). {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ} (2). {وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} (3). {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} (4). {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (5). {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} (6). {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ} (7). {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} (8). {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} (9). إن من علامات الإسلام وحيويته أن يوجد أمثال هؤلاء الذين ذكرتهم هذه الآيات، وكما قلنا من قبل فإن مفتاح وجودهم هو الوارث الكامل الذي اجتمع له علم وولاية وإرشاد، فعلم بلا ولاية ولا إرشاد لا يفترق فيه صاحبه كثيراً عن علماء القانون وهواة الدارسين إلا إذا صحت نيته فإنه مأجور، وعلم وإرشاد بلا ولاية مفيد ولكن لا تحيا به القلوب، وإرشاد بلا علم وولاية ضلال وتضليل، وولاية وعلم بلا إرشاد ولاية قاصرة إن كان

_ (1) الحديد: 19. (2) العنكبوت: 9. (3) الكهف: 17. (4) يونس: 62، 63. (5) الذاريات: 15 - 19. (6) الواقعة: 10 - 12؟ (7) الواقعة: 88، 89. (8) المؤمنون: 57 - 61. (9) الفجر: 27 - 30.

لصاحبها عذر في ترك الإرشاد، وإلا فلا ولاية في هذه الحالة. ومقام الولاية مقام ذكره القرآن وذكرته السنة ولعله من المناسب أن نقف وقفة نتحدث فيها عن الأولياء - نفعنا الله بهم - وكراماتهم، والأولياء هم الذين تحققوا بسلامة اعتقاد وحسن عمل على ضوء علم صحيح واتباع صحيح. وفي الحديث الذي رواه البخاري (1): "من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحيه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعادني لأعيذنه". فالذي يقوم بالفرائض الظاهرة والباطنة ويكثر من النوافل هو مظنة استجابة الدعاء وتلبية الحاجات ومظنة أن يعاقب مؤذيه في الدنيا والآخرة، وهو مظنة تنزل الرحمات عليه وعلى من يحبط به قال تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} (2)، {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ} (3)، وهم مكرمون بالبشارات ومؤيدون بالرؤى المبشرات {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} (4). روى الطبراني، عن حذيفة بن أسيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذهبت النبوة فلا نبوة بعدس إلا المبشرات: الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو ترى له" (5). وفي رواية لابن ماجه (6): "ذهبت النبوة وبقيت المبشرات". وليس كل من ظهرت على يده خوارق العادة أو استجيب دعاؤه ولياً، فقد يستجيب

_ (1) البخاري (11/ 340) 0 - 81 - كتاب الرفاق - 38 - باب التواضع. (2) الأعراف: 56. (3) الأعراف: 156، 157. (4) يونس: 62 - 64. (5) المعجم الكبير (3/ 179). وهو حديث حسن. مجمع الزوائد (7/ 173). وقال: رواه الطبراني والبزار، ورجال الطبراني ثقات. (6) ابن ماجه (2/ 1283) - 35 - كتاب تعبير الرؤيا - 1 - باب الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له. وهو عنده عن أم كرز.

الله لكافر أو فاسق: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} (1)، {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا} (2)، وإنما نصف بالكرامة من اجتمع له صلاح واستقامة، فعندئذ إذا ظهرت على يده خارقة أو حدث توفيق خاص أو استجيب دعاؤه فذلك في حقه كرامة، فوصف الكرامة يتحقق إذا اجتمع بصاحبها صفات معينة ولذلك قالوا في تعريفها: (الكرامة هي أمر خارق للعادة يظهر على يد عبد ظاهر الصلاح يلتزم بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم مصحوب بصحيح الاعتقاد والعمل الصالح). والمعونة عندهم صفة لتوفيق إلهي أو تفريج كرب أو خرق لعادة إذا ظهرت على يد عبد مستور الحال، فإذا ما ظهرت الخارقة على يد فاسق أو كافر فعي استدراج، فالعبرة للموصوف في إعطاء الصفة للخارقة. وقد حدث لبس في موضوع الولاية، فإذا ظهرت خارقة على يد إنسان فهناك من يعطيه صفة الولاية، ويرتب عليها عصمة وطاعة ومتابعة بصرف النظر عن الالتزام الشرعي أو العلم بالشريعة، ولذلك نجد كثيراً من الناس طمحت أبصاره ليعرفوا بالولاية فيكون لهم احترام وتصدر جاه وإتباع، فالتبس الأمر على العامة، مع أنه في الأصل قد يكون الإنسان ولياً وليس كاملاً من كل الجهات، وقد يكون وليا ولكن لا يتجاوز به مقامه في العلم والمتابعة. ألا ترى إلى مالك رحمه الله يقول: "إن من شيوخي من أستسقي الله به ولا أقبل حديثه". وقال ابن عطاء: ليس كل من ثبت تخصيصه كمل تخليصه. فالولاية ثابتة بنصوص الكتاب والسنة ولكن من هو الولي؟. إنه الذي يتولى الله في العبادة والطاعة من غير تخلل معصية، مع جوازها عليه، ويتولاه الله بالرعاية والعناية، فهو عارف بالله وصفاته، مواظب على الطاعات مجتنب للمعاصي، غير منهمك باللذات والشهوات المباحة، وإذا ارتكب معصية أو حدثت له غفلة أحدث توبة. والكرامة ثابتة بنصوص الكتاب والسنة، فهذا القرآن يذكر لنا عن مريم عليها السلام:

_ (1) النمل: 62. (2) الإسراء: 67.

{كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} (1). ويذكر قصة صاحب سليمان إذ أتى بعرش بلقيس قبل أن يرتد طرف سليمان إليه، ويذكر قصة أصحاب الكهف ونومتهم الطويلة وبقاء حياتهم بلا طعام ولا شراب، وهذه السنة الثابتة تذكر حادثة عمر مع سارية، وإضاءة العصا لأسيد بن حضير وعباد بن بشر، وما رزق الله خبيثاً من الرزق وهو أسير بمكة، ولكن لا تصف أحداُ بالكرامة إلا إذا كان مظهراً للاستقامة. ومع وجود الكرامة والولاية فلا يتجاوز بالولي مقامه ومؤهلاته، فإن كان أهلاً للإمامة قدم، وإن كان أهلاً للعلم أخذ منه، وما يظهر منه أو له يوزن بميزان الشريعة. فالشريعة معصومة، ومن سوى الأنبياء فليس بمعصوم: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (2). لقد كان للخضر مقامه العظيم في الولاية على رأي من يقول بولايته، ولكن الإمامة والرسالة كانت لموسى عليه السلام، فهو الذي طولب قومه بإتباعه والتلقي عنه والأخذ منه، وهذا شيء، وأن تقدم لمن عرفناه بالولاية أو من هو مظنتها الاحترام والأدب والتوقير شيء آخر، فأدبنا مع أمثال هؤلاء مؤكد واحترامنا لهم مطلوب، والمسلم الحكيم يضع كل شيء في محله. وإذا فما نعرف به الولي: استقامته وظهور الكرامة على يده، وشيء آخر هو حب أهل الصلاح له وثناؤهم عليه. ولنعد إلى ما بدأنا به هذا الوصل: فالمطلوب هو الوارث الكامل، الذي في صفاته الولاية، ومن صفاته الأخرى العلم والإرشاد، والقيام بمهام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وبذلك تستقيم الحياة البشرية.

_ (1) آل عمران: 37. (2) الجاثية: 18.

النصوص

النصوص 848 - * روى البخاري ومسلم عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قال: إن أصحاب الصفة كانوا ناساً فقراء، وإن النبي صلى الله عليه وسلم قال مرة: "من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة، فليذهب بخامس، بسادس" - أو كان قال - وإن أبا بكر جاء بثلاثة، وانطلق النبي صلى الله عليه وسلم بعشرة، قال: فهو أنا وأبي وأمي - ولا أدري هل قال: وامرأتي - وخادم [بين] بيتنا وبيت أبي بكر، وإن أبا بكر تعشى عند النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لبث حتى صلى العشاء، ثم رجع فلبث حتى تعشى رسول الله صلى الله عليه وسلم - وفي رواية: حتى نعس رسول الله صلى الله عليه وسلم - فجاء بعد ما مضى من الليل ما شاء الله، قالت له امرأته: ما حبسك عن أضيافك - أو قالت: ضيفك-؟ فقال أو ما عشيتيهم؟ قالت: أبوا حتى تجيء، وقد عرضوا عليهم [فغلبوهم]. قال: فذهبت أنا فاختبأت، فقال: يا غنثر. فجدع وسب، وقال: كلوا، لا هنيئا. وقال: والله لا أطعمه أبداً. قال: ويم الله، ما كنا نأخذ من لقمة إلا ريا من أسفلها أكثر منها، حتى شبعوا، وصارت أكثر مما كانت قبل ذلك، فنظر إليها أبو بكر، فإذا هي كما هي، أو أكثر، فقال لامرأته: يا أخت بني فراس، ما هذا؟ قالت: لا، وقرة عيني، لهي الآن أكثر منها قبل ذلك بثلاث مرات. فأكل منها أبو بكر وقال: إنما كان ذلك من الشيطان - يعني يمينه -. ثم أكل منها لقمة، ثم حملها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأصبحت عنده. قال: وكان بيننا وبين قوم عهد، فمضى الأجل فتفرقنا اثني عشر رجلاً، مع كل رجلٍ منهم أناس - والله أعلم كم مع كل رجل؟ - فأكلوا منها أجمعون. أو كما قال.

_ 848 - البخاري (2/ 75) - 9 - كتاب مواقيت الصلاة - 41 - باب السمر مع الضيف. مسلم (3/ 1627، 1628) - 36 - كتاب الأشربة - 32 - باب إكرام الضيف وفضل إيثاره. (غنثر): روي بضم الغين وفتحها، وهو من الغثارة، وهي الجهل. وقيل: هو من الغنثرة، وهي شرب الماء من غير عطش، وذلك من الحمق، وقيل: "غنثر" كلمة يقولها الغضب إذا ضاق صدره من شيء جرى على غير ما أراده، قال بعض أهل اللغة: أحسبه الثقيل الوخم. وقد ذكر الزمخشري: إنها رويت بالعين المهملة مفتوحة والتاء المعجمة بنقطتين: وهو الذباب الأزرق، شبهه به تحقيراُ له، ويجوز أن يكون شبهه به لكثره أذه". (فجدع): المجادعة: المخاصمة. (ربا): الشيء يربو: إذا زاد وارتفع.

وفي رواية (1) قال: جاء أبو بكر يضيف له - وأضاف له - فأمسى عند النبي صلى الله عليه وسلم، فلما جاء، قالت له أمي: احتبست عند ضيفك - أو أضيافك - الليلة. فقال: أما عشيتيهم؟ فقالت: عرضنا عليه - أو عليهم - فأبوا. (أو أبى). فغضب أبو بكر، فسب وجدع، وحلف لا يطعمه، فاختبأت أنا فقال: با عنثر، فحلفت المرأة لا تطعمه، فحلف الضيف - أو الأضياف - أن لا يطعمه - أو لا يطعموه - حتى يطعمه، فقال أبو بكر: هذه من الشيطان. فدعا بالطعام فأكل وأكلوا، فجعلوا لا يرفعون لقمة إلا ربت من أسقلها أكثر منها، فقال: يا أخت بني فراس، ما هذا؟ فقالت: وقرة عيني إنها الآن لأكثر [منها] قبل أن تأكل. فأكلوا، وبعث بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر أنه أكل منها. وفي أخرى (2): أنا أبا بكر تضيف رهطاً، فقال لعبد الرحمن: دونك أضيافك، فإني منطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فافرغ من قراهم قبل أن أجيء. فانطلق عبد الرحمن، فأتاهم بما عنده، فقال: اطعموا. فقالوا: أين رب منزلنا؟ قال: اطعموا. قالوا: ما نحن بآكلين حتى يجيء رب منزلنا. قال: اقبلوا عنا قراكم، فإنه إن جاء ولم تطعموا لنلقين منه. فأبوا، فعرفت أنه يجد علي، فلما جاء تنحيت عنه، قال: ما صنعتم؟ فأخبروه، فقال: يا عبد الرحمن فسكت، فقال: يا غنثر، أقسمت عليك إن كنت تسمع صوتي لما جئت. فخرجت فقلت: سل أضيافك. فقالوا: صدق، أتانا به. فقال: إنما انتظرتموني، والله لا أطعمه الليلة. فقال الآخرون: والله لا نطعمه حتى نطعمه. قال: لم أر في الشر كالليلة، ويلكم، ما لكم لا تقبلون عنا قراكم؟ هات طعامك. فجاء به فوضع يده، فقال: بسم الله، الأولى للشيطان. فأكل وأكلوا. زاد في رواية (3): فلما أصبح غدا على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، بروا وحنثت. قال: وأخبره، فقال: "بل أنت أبرهم وأخيرهم" قال: ولم تبلغني كفارة.

_ (1) البخاري (10/ 535) - 78 - كتاب الأدب - 88 - باب قول الضيف لصاحبه: والله لا آكل حق تأكل. (2) البخاري (10/ 534) - 78 - كتاب الأدب - 87 - باب ما يكره من الغضب والجزع عند الضيف. ومسلم (3/ 1629) - 36 - كتاب الأشربة - 32 - باب إكرام الضيف. (3) مسلم: الموضع السابق. (بر): الرجل فهو بار؛ إذا صدق. (حنث) في اليمين: إذا نقض ما حلف عليه وخالفه.

وفي رواية أبي داود (1) قال: نزلنا بنا أضياف لنا، وكان أبو يتحدث عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لا أرجعن إليك حتى تفرغ من ضيافة هؤلاء، ومن قراهم. فأتاهم بقراهم، فقالوا: لا نطعمه حتى يأتي أبو بكر. فجاء فقال: ما فعل أضيافكم؟ أفرغتم من قراهم؟ قالوا: لا. قلت: قد أتيتهم بقراهم، فقالوا: لا نطعمه حتى يجيء. فقالوا: صدق، قد أتانا به، فأبينا حتى تجيء. قال: فما منعكم؟ قال: مكانك. قال: فوالله لا أطعمه الليلة. قال: فقالوا: ونحن، والله لأطعمه حتى تطعمه. قال: ما رأيت في الشر كالليلة قط. قال: قربوا طعامكم. قال: فقرب طعامهم، ثم قال: بسم الله، فطعم وطعموا، فأخبرت أنه أصبح، فغدا على النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره بالذي صنع وصنعوا، فقال: "بل أنت أبرهم وأصدقهم". زاد في رواية (2) قال: ولم يبلغني كفارة. * * *

_ (1) أبو داود (3/ 327) - كتاب الأيمان والنذور - باب فيمن حلف على طعام. (2) مسلم (3/ 1630): الموضع السابق.

الفصل الثامن في: القصص النبوي

الفصل الثامن في: القصص النبوي وفيه: مقدمة وفقرتان

المقدمة

المقدمة مناسبة هذا الفصل للذي قبله واضحة، وأما مناسبته لباب الإيمان بالغيب فلأن القصص النبوي يشبه القصص القرآني والله عز وجل قال عن قصة نوح في القرآن: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا} (1)، وقال تعالى عن قصة الاقتراع على كفالة مريم: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} (2) فما قصه الله عز وجل من أنباء الأولين هو من فصول الإيمان بالغيب، وكذلك ما قصه عليما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما أن القصص القرآني تجتمع فيه الحقيقة والتربية والتثبيت والقدوة: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} (3)، فإن القصص النبوي تجتمع فيه هذه المعاني كلها. وسنذكر في هذا الفصل فقرتين: الفقرة الأولى: في الموقف من القصص بإطلاق وما يراد به. الفقرة الثانية: في القصص النبوي.

_ (1) هود: 49. (2) آل عمران: 44. (3) هود: 120.

الفقرة الأولى في: الموقف من القصص بإطلاق وما يراد به

الفقرة الأولى في: الموقف من القصص بإطلاق وما يراد به وفيه: مقدمة ونصوص المقدمة تطلق كلمة القصص ويراد بها قص القصة أي التحديث بها، وهذا لا حرج فيه، قال تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ} (1) وهناك خلاف بين الفقهاء حول جواز قراءة القصص المخترع، فقد أجاز فقهاء الحنفية قراءة قصة عنترة وأشباهها، وتطلق كلمة القصص في الاصطلاح الشرعي ويراد بها الوعظ، وتطلق ويراد بها التوجيه مطلقاً، وتطلق ويراد بها خطبة الجمعة، وتطلق ويراد بها التصدر للفتوى لأنها تستتبع محادثة وقصة. ولا شك أن ضبط القصص بالمعاني الأربعة الأخيرة مطلوب شرعاً لما يترتب عليه من آثار حسنة أو شيئة، فقد يعظ الناس من هو مبتدع، وقد يوجه إنسان الناس إلى ما هو فتنة، وخطبة الجمعة قد يقوم بها مبتدع أو خطيب فتنة، وخطبة الجمعة قد يقوم بها مبتدع أو خطيب فتنة، وإذا لم يتعين الخطيب، فقد يؤدي ذلك إلى الفوضى، والتصدر لإفتاء الناس من غير أهله قد يؤدي إلى إضلالهم، وكل ذلك يجب أن يحتاط له ومن ههنا أوجب الشارع ألا يقص بهذه المعاني الأربعة إلا صاحب الحق في ذلك، وهو الأمير بحق أو من أمره الأمير بحق. والأصل في الإمرة في الإسلام أن تكون عن فقه، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: تفقهوا قبل أن تسودوا. فإذا انفصلت الإمرة عن الفقه فمن الأمير حكما؟ هل هو الفقيه؟ أم ولي الأمر الجاهل؟

_ (1) يوسف: 3.

مذهب ابن عباس: أن أولي الأمر في الأمة الإسلامية حكما هم الفقهاء. ولذلك تقول بمناسبة موضوعنا: إنه إذا ولي الأمر العالم الفقيه العادل، فإنه هو الذي يضبط أمر الوعظ والتوجيه وخطب الجمعة، والتصدر للإفتاء، يضبط ذلك: بأن يقوم هو بنفسه في هذه الشؤون أو يعين لها من يقوم بها، فإذا لم يوجد مثل هذا الأمير، فالأصل أن يقوم العلماء المجازون عن أشياخهم بهذا الشأن، ومن ثم وجدت الإجازة عند العلماء وهي بمثابة الأمر لمن يأخذها بالقيام بالوعظ والتوجيه، والخطبة والإفتاء، ومنذ فقدت الخلافة الراشدة تنازع هذا الحق أولياء الأمور والعلماء. فولي الأمر يعتبر أن من حقه التدخل في هذه الشؤون بسيف السلطة، والعلماء يعتبرون أن هذا الحق لهم بسيف الحق. والذي نراه من وجهة النظر الشرعية أنه حيثما كان تدخل ولي الأمر في هذه الشؤون بالعدل والحق فهو نافذ الأمر، ولمن عينه أن يقوم بهذه الشؤون مبروراً مأجوراً. ولمن أجيز من أشياخ الحق والعدل والعلم والعمل أن يقوم بهذه الشؤون إذا فتح لهم طريق ذلك، وإجازتهم له تكون من باب الأمر له من أهله. وبذلك يدخل في الحديث: "لا يقص على الناس إلا أمير أو مأمور" (1)، فهو بعد الإجازة من شيوخه أمير ومأمور معاً. وأما فيما سوى هذه الشؤون الأربعة فكل مسلم مجاز من الشارع نفسه، بل مأمور أن يعلم ما تعلمه من الحق، وأن يبلغ عن الشارع ولو آية، وأن يدعو إلى الله على بصيرة، وأن يأمر بمعروف وينهى عن المنكر ويدعو إلى الخير، فهذا كله مطلوب من المسلم لا يحتاج فيه إلى إذن ولا استئذان. وحصر حق القصص بمعانية الأربعة بالأمير والمأمور في كل من المعاني التي ذكرناها نوع من التأديب للمجتمع الإسلامي، فلا يتطاول إنسان لغير مقامه فيسيء الأدب، ويعرف كل إنسان حدوده، وتضبط الأنفس فلا تدفعها الهوى إلى الكلام وما يجره ذلك من رغبة في التصدر والرياء، ويحال بذلك بين الغلط وتسربه إلى الناس.

_ (1) أبو داود (2/ 223) - كتاب العلم - باب في القصص. وابن ماجه (2/ 1235) 33 - كتاب الأدب - 40 - باب القصص.

النصوص

النصوص 849 - * روى أبو داود عن عوف عن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يقص إلا أمير، أو مأمور، أو مختال". قال ابن الأثير: (لا يقص إلا أمير أو مأمور الخ) أراد بهذا الخطب، وذلك: أن الأمراء كانوا يتولونها بأنفسهم، فيقصون فيها على الناس ويعظونهم، فأما المأمور: فهو من يقيمه الأمير ويختاره الأئمة، فينصبونه لذلك، ولا يكادون يختارون إلا رضيا من الناس، فاضلاً، وما سوى ذلك فلا يكاد ينتدب له من الناس إلا مراء مختال، فإن المختال ينصب نفسه لذلك من غير أن يأمره أحد من أولي الأمر، طلباً للرياسة، فهو يرائي بذلك ويختال وقيل: أراد به الفتوى في الأحكام. اهـ. أقول: لقد قال عز وجل: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} (1) فهذا يدل على أن من فقه عليه أن يفقه، ولا يحتاج ذلك إلى إذن، ويدل عليه حديث الأشعريين الذي يأتي في جزء العلم: "ما بال أقوام لا يفقون جيرانه ... " (2) كما يدل عليه قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} (3). فقد أخذ الله العهد على العالم أن يعلم، وعلى الجاهل أن يتعلم وهذا لا يحتاج إلى إذن أحد، وقد يحتاج إلى إجازة من العلماء من أجل أن يعرف أن القائم بذلك ثقة مأمون، وكما أن العلم والتعليم من أهلها لا يحتاجان إلى إذن فإن الدعوة إلى الله لا تحتاج إلى إذن من أحد، قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (4)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بلغوا عني ولو آية" (5)، ولذلك فإن الكثير من شراح الحديث خصصوا هذا

_ 849 - أبو داود (3/ 223) - كتاب العلم - باب في القصص. وهو حديث صحيح. (1) التوبة: 122. (2) مجمع الزوائد (1/ 164). وقال: رواه الطبراني في الكبير، وفيه بكير بن معروف: قال البخاري: ارم به. ووثقه أحمد في رواية وضعفه في أخرى، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به. (3) آل عمران: 187. (4) آل عمران: 104. (5) البخاري (6/ 496) - 60 - كتاب الأنبياء - 50 - باب ما ذكر عن بني إسرائيل. والترمذي (5/ 40) - 42 - كتاب العلم - 13 - باب ما جاء في الحديث عن بني إسرائيل.

الحديث بأن المراد به خطبة الجمعة أو التصدر للفتوى. أقول: وهذا التخصيص يحتاج إلى تخصيص؛ لأن ذلك إنما يكون عندما تكون حكومة إسلامية راشدة وعدل وقسط ورغبة في تعميم الإسلام صافياً تقياً، أما إذا اختلط الأمر فحتى هذا التخصيص يجب أن ينقل إلى ورثة الأنبياء من العلماء فعنهم تؤخذ الإجازة وعنهم يتلقى الأمر، لكن هذا قد يحدث فوضى، فما جاء من قبل السلطة الرسمية مما يدخل في باب المعروف الأصل أن تقبله، وما كان فيه شذوذ أو باطل أو دعوة إلى ضلالة وأمكن لعلماء الإسلام أن يقولوا كلمة الحق فهم أصحاب الأمر والإجازة في كل شيء، ومع أننا نرى أن العلم والدعوة لا يحتاجان إلى إذن بشر فإننا نفضل إحياء سنة العلماء في الإجازة فلا يتصدر أحد لعلم أو تربية أو دعوة أو إفتاء أو خطبة إلا بإجازة من عالم ثقة، ولا يدخل في ذلك الحالات العفوية والطارئة واليومية العابرة وحالات الضرورة وحالات وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحالات وجوب التبليغ، فالواجب لا يحتاج إلى إذن أو إجازة من أحد. 850 - * روى الطبراني: عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقص إلا أمير أو مأمور أو متكلف". 851 - * روى أحمد عن عبد الجبار الخولاني، قال: دخل رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فإذا كعب يقص، قال: من هذا؟ قالوا: كعب يقص. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يقص إلا أمير أو مأمور أو مختال". قال: فبلغ ذلك كعباً فما رئي بعد يقص. أقول: كعب عالم ومن حقه أن يقص ولكن ترك اجتهاده خوف اللبس. 852 - * روى ابن ماجه عن ابن عمر قال: لم يكن القصص في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا زمن أبي بكر ولا زمن عمر.

_ 850 - مجمع الزوائد (1/ 190). وقال: رواه الطبراني في الكبير، وإسناده حسن. 851 - أحمد (4/ 233). مجمع الزوائد (1/ 190). وقال: رواه أحمد، وإسناده حسن. 852 - ابن ماجه (2/ 1235) - 33 - كتاب الأدب - 40 - باب القصص. وإسناده حسن.

(القصص) المراد بالقصص هنا: الوعظ، فكأن مجالس الوعظ لم تكن في تلك العهود إلا ما كان يقوم به رسول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتان من بعده من توجيه. 853 - * روى البخاري عن ابن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي معتمداً فليتبوأ مقعده من النار". 854 - * روى الطبراني عن ابن مسعود قال: لا تملوا الناس فيملوا الذكر. 855 - * روى أحمد، عن الشعبي قال: قالت عائشة لابن أبي السائب قاص أهل المدينة: ثلاثاً لتتابعني عليهن أو لأناجزنك. قال: وما هن، بل أتباعك أنا يا أم المؤمنين. قالت: اجتنب السجع في الدعاء، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا لا يفعلون ذلك. وقص على الناس في كل جمعة مرة، فإن أبيت فثنتين، فإن أبيت فثلاث ولا تملن الناس هذا الكتاب ولا ألفينك تأتي القوم وهم في حديثهم، ولكن اتركهم فإذا حدوك عليه وأمروك به فحدثهم.

_ 853 - البخاري (6/ 496) - 60 - كتاب الأنبياء - 50 - باب ما ذكر عن بني إسرائيل. 854 - المعجم الكبير (9/ 135). مجمع الزوائد (1/ 191). وقال: رواه الطبراني في الكبير، وإسناده صحيح. 855 - أحمد (/217). مجمع الزوائد (1/ 191). وقال: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح، رواه أبو يعلى بنحوه. (قاص أهل المدينة): المراد بقاص المدينة هنا: واعظها.

الفقرة الثانية في: القصص النبوي

الفقرة الثانية في: القصص النبوي وفيها: نصوص 856 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي عنهما قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا عن بني إسرائيل حتى يصبح، ما يقوم إلا إلى عظم صلاة. 867 - * روى أحمد عن عمران بن حصين قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا عامة ليله عن بني إسرائيل لا يقوم إلا إلى عظم صلاة. ورواه ابن خزيمة وقال: "فالنبي صلى الله عليه وسلم قد كان يحدثهم بعد العشاء عن بني إسرائيل ليتعظوا مما قد نالهم من العقوبة في الدنيا مع ما أعد الله لهم من العقاب في الآخرة لما عصوا رسولهم ولم يؤمنوا، فجائز للمرء أن يحدث بكل ما يعلم أن السامع ينتفع به من أمر دينه بعد العشاء، إذ النبي صلى الله عليه وسلم قد كان يسمر بعد العشاء في الأمر من أمور المسلمين مما يرجع إلى منفعتهم عاجلاً وآجلاً، ديناً ودنيا، وكان يحدث أصحابه عن بني إسرائيل لينتفعوا بحديثه، فدل فعله صلى الله عليه وسلم على أن كراهة الحديث بعد العشاء بما لا منفعة فيه دينا ولا دنيا، ويخطر ببالي أن كراهته صلى الله عليه وسلم الاشتغال بالسمر لأن ذلك يثبط عن قيام الليل، لأنه إذا اشتغل أول الليل بالسمر ثقل عليه النوم آخر الليل فلم يستيقظ، وإن استيقظ لم ينشط للقيام" اهـ. 858 - * روى البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال سليمان بن داود عليهما السلام: لأطوفن الليلة بمائة امرأة، تلد كل امرأة غلاماً يقاتل في سبيل الله. فقال له الملك: قل إن شاء الله. فلم يقل ونسي، فأطاف بهن، ولم تلد

_ 856 - أبو داود (3/ 222) - كتاب العلم - باب الحديث عن بني إسرائيل. 857 - أحمد (4/ 437). مجمع الزوائد (8/ 264). قال: وفي رواية يعني الفريضة المكتوبة. رواه أحمد وإسناده حسن. 858 - البخاري (9/ 239) - 67 - كتاب النكاح 119 - باب قول الرجل: لأطوفن.

منهن إلا امرأة نصفه إنسان". قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو قال إن شاء الله لم يحنث، وكان أرجى لحاجته". 859 - * روى مسلم عن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كان ملك فيمن كان قبلكم، وكان له ساحر، فلما كبر قال للملك: إني قد كبرت، فابعث إلي غلاماً أعلمه السحر. فبعث إليه غلاماً يعلمه، وكان في طريقه إذا سلك راهب، فقعد إليه وسمع كلامه، فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب وقعد إليه، فإذا أتى الساحر ضربه، فشكا ذلك إلى الراهب، فقال: إذا خشيت الساحر فقل: حبسني أهلي. وإذا خشيت أهلك، فقل: حبسني الساحر، فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس، فقال: اليوم أعلم: الساحر أفضل، أو الراهب أفضل؟ فأخذ حجراً، فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة، حتى يمضي الناس. فرماها، فقتلها، ومضى الناس، فأتى الراهب فأخبره، فقال له الراهب: أي بني، أنت اليوم أفضل مني، وقد بلغ من أمرك ما أرى، وإنك ستبتلي، فإن ابتليت فلا تدل علي. وكان الغلام يبرئ الأكمة والأبرض، ويداوي الناس من سائر الأدواء، فسمع جليس للملك - كان قد عمي - فأتاه بهدايا كثيرة، فقال: ما هاهنا لك أجمع إن أنت شفيتني. قال: إني لا أشفي أحداً، إنما يشفي الله عز وجل، فإن آمنت بالله دعوت الله فشفاك. فآمنت بالله فشفاك. فآمن به، فشفاه الله، فأتى الملك، فجلس إليه كما كان يجلس، فقال له الملك: من رد عليك بصرك؟ قال: ربي. قال: ولك رب غيري؟ قال: ربي وربك الله. فأخذه، فلم يزل يعذبه، حتى دل على الغلام، فجيء بالغلام، فقال له الملك: أي بني، قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمة والأبرص، وتفعل وتفعل؟ قال: فقال: إني لا أشفي أحداً، إنما يشفي الله. فأخذه. فلم يزل يعذبه، حتى ذل على الراهب، فجيء بالراهب، فقيل له: ارجع عن دينك. فأبى، فدعا بالمنشار، فوضع المنشار على مفرق رأسه، فشقه به حتى وقع شقاه، ثم جيء بجليس الملك، فقيل له ارجع

_ 859 - مسلم (4/ 2299) - 53 - كتاب الزهد والرقاق - 17 - باب قصة أصحاب الأخدود. (بالمنشار) أشرت الخشبة بالمنشار: إذا شققتها، ووشرتها بالميشار - غير مهموز - لغة فيه - والميشار والمنشار سواء. =

عن دينك. فأبى، فوضع المنشار في مفرق رأسه، فشقه به حتى وقع شقاه ثم جيء بالغلام، فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فدفعه إلى نفر من أسحابه، فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا، فاصعدوا به الجبل، فإذا بلغتم ذروته، فإن رجع عن دينه، وإلا فاطرحوه. فذهبوا به، فصعدوا به الجبل، فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت، فرجف بهم الجبل فسقطوا، وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله. فدفعه إلى نفر من أصحابه، فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور، وتوسطوا به البحر، فإن رجع عن دينه، وإلا فاقذفوه. فذهبوا به، فقال: اللهم اكفينهم بما شئت. فانكفأت بهم السفينة، فغرقوا، وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله. فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به. قال: ما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد، وتصلبني على جذع، ثم خذ سهماً من كنانتي، ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قل: بسم الله رب الغلام، ثم ارم، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني، فجمع الناس في صعيد واحد، وصلبه على جذع، وأخذ سهماً من كنانته، ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قال: بسم الله رب الغلام. ثم رماه، فوقع السهم في صدغه، فوضع يده في صدغه، في موضع السهم، فمات فقال الناس: آمنا برب الغلام. آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام، فأتى الملك، فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر؟ قد والله نزل بك حذرك، قد آمن الناش. فأمر بالأخدود بأفواه السكك، فخدت، وأضرم فيها النيران، وقال: من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها - أو قيل له: اقتحم. (1)

_ = (قرقور) القرقور: سفينة صغيرة. (فانكفأت) السفينة، أي: انقلبت، ومنه: كفأت القدر: إذا كببتها. (الصعيد): وجه الأرض، وأراد: أنه جمعهم في أرض واحدة منبسط ليشاهدوه. (من كنانتي) الكنانة: الجعبة التي يكون فيها النشاب. (كبد القوس): وسطها، والمراد به: موضع السهم من الوتر والقوس. (بالأخدود) الأخدود: الشق في الأرض، وجمعه الأخاديد. (السكك): جمع سكة، وهي الطريق. (أضرمت): النار: إذا أوقدتها وأثرتها. (اقتحم): الاقتحام: الوقوع في الشيء من غير روية ولا تثبت.

ففعلوا، حتى جاءت امرأة، ومعها صبي لها، فتقاعست أن تقع فيها، فقال لها الغلام: يا أمه، اصبري، فإنك على الحق". وفي رواية الترمذي (1) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا صلى العصر همس - والهمس في بعض قولهم: تحرك شفتيه، كأنه يتكلم - فقيل له: يا رسول الله، إنك إذا صليت العصر همست؟ قال: "إن نبيا من الأنبياء كان أعجب بأمته، قال: من يقوم لهؤلاء؟ فأوحى الله إليه: أن خيرهم بين أن أنتقم منهم، وبين أن أسلط عليهم عدوهم. فاختاروا النقمة، فسلط الله عليهم الموت، فمات في يوم سبعين ألفاً". وكان إذا حدث بهذا الحديث الآخر، قال: "كان ملك من الملوك، وكان لذلك الملك كاهن يكهن له، فقال الكاهن: انظروا لي غلاماً فهما - أو قال: فطنا - لقنا فأعلمه علمي هذا، فإني أخاف أن أموت، فينقطع منكم هذا العلم، ولا يكون فيكم من يعلمه". قال: "فنظروا له على ما وصف، فأمروه أن يحضر ذلك الكاهن، وأن يختلف إليه، فجعل يختلف إليه، وكان على طريق الغلام راهب في صومعة" قال معمر [أحد رواة الحديث]: أحب أن أصحاب الصوامع كانوا يومئذ مسلمين - قال: "فجعل الغلام يسأل ذلك الراهب كلما مر به، فلم يزل حتى أخبره، فقال: إنما أعبد الله". قال: "فجعل الغلام ويمكث عند الراهب، ويبطئ عن الكاهن، فأرسل الكاهن إلى أهل الغلام: أنه لا يكاد يحضرني. فأخبر الغلام الراهب بذلك، فقال له الراهب: إذا قال لك الكاهن: أين كنت؟ فقل: عند أهلي. وإذا قال لك أهلك: أين كنت؟ فأخبرهم أنك كنت عند الكاهن". قال: "فبينما الغلام على ذلك، إذ مر بجماعة من الناس كثير، قد حبستهم دابة - فقال بعضهم: إن تلك الدابة كانت أسداً - فأخذ الغلام حجراً، فقال: اللهم إن كان ما يقول الراهب حقا فأسألك أن أقتله. ثم رمى به، فقتل الدابة، فقال الناس: من قتلها؟ فقالوا: الغان. ففزع الناس،

_ = (فتقاعست) التقاعس: التأخر والمشي إلى وراء. (1) الترمذي (5/ 437) - 48 - كتاب التفسير - 77 - باب "ومن سورة البروج". (الهمس): الكلام الخفي الذي لا يكاد يسمع. (اللقين): الرجل الفهم الذكي.

وقالوا: قد علم هذا الغلام علماً لم يعلمه أحد". قال: "فسمع به أعمى، فقال له: إن أنت رددت بصري، فلك كذا وكذا. قال: لا أريد منك هذا، ولكن أرأيت إن رجع إليك بصرك أتؤمن بالذي ررده عليك؟ قال: نعم". قال: "فدعا الله، فرد عليه بصره، فآمن الأعمى، فبلغ الملك أمرهم، فدعاهم، فأتي بهم، فقال: لأقتلن كل واحد منكم قتلة لا أقتل بها صاحبه. فأمر بالراهب والرجل الذي كان أعمى، فوضع المنشار على مفرق أحدهما فقتله، وقتل الآخر بقتلة أخرى، ثم أمر بالغلام، فقال: انطلقوا به إلى جبل كذا وكذا، فأبقوه من رأسه. فانطلقوا به إلى ذلك الجبل، فلما انتهوا إلى ذلك المكان الذي أرادوا أن يلقوه منه، جعلوا يتهافتون من ذلك الجبل، ويتردون، حتى لم يبق منهم إلا الغلام، ثم رجع، فأمر به الملك أن ينطلقوا به إلى البحر فيلقوه فيه، فانطلقوا به إلى البحر، فغرق الله الذين كانوا معه، وأنجاه، فقال الغلام للملك: إنك لا تقتلني حتى تصلبني وترميني، وتقول إذا رميتني: بسم الله رب هذا الغلام. قال: فأمر به فصلب، ثم رماه فقال: بسم الله رب هذا الغلام". قال: "فوضع الغلام يده على صدغه حين رمي، ثم مات، فقال الناس، لقد علم هذا الغلام علما ما علمه أحد، فإنا نؤمن برب هذا الغلام". قال: "فقيل للملك: أجزعت أن خالفك ثلاثة؟ فهذا العالم كلهم قد خالفوك". قال: "فخذ أخدودا ثم ألقى فيها الحطب والنار، ثم جمع الناس، فقال: من رجع عن دينه تركناه ومن ثم يرجع ألقيناه في النار. فجعل يلقيهم في تلك الأخدود" قال: "يقول الله تبارك وتعالى: (قتل أصحاب الأخدود، النار ذات الوقود) حتى بلغ - (العزيز الحميد) (1). قال "فأم الغالم: فإنه دفن". قال: فيذكر أنه أخرج في زمن عمر بن الخطاب وإصبعه على صدغه، كما وضعها حين قتل. أقول: قوله: "إذا خشيت الساحر فقل: حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر"؛ يفيد أنه في حالة قسوة الظروف وفي الأحوال الصعبة

_ (التهافت): الوقوع في الشيء مثل التساقط. (1) البروج: 4 - 8.

الاستثنائية يتوسع في الكلام ليحمي الإنسان نفسه. وقوله: "فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب"، مع أن الراهب أوصاه ألا يدل عليه، يفيد أنه تحت العذاب يمكن أن يفشي أصدق الصديقين الأسرار المؤتمن عليها بما يؤدي إلى قتل الأولياء، وهو في ذلك معذور، بدليل أن الغلام لم ينقص مقامه عند الله فبقيت الكرامات تجري على يده بعد ذلك. وفي الحديث عبر كثيرة في فقه الدعوة خاصة في مثل الظروف والأوضاع الموجودة في كثير من البلدان. اهـ. 860 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة: عيسى بن مريم، وصاحب جريج، وكان جريج رجلاً عابداً، فاتخذ صومعة، فكان فيها، فأتته أمه وهو يصلي، فقالت: يا جريج. فقال: يارب، أمي وصلاتي. فأقبل على صلاته، فانصرفت، فلما كان من الغد، أتته وهو يصلي، فقال: يا جريج. فقال: يارب، أمي وصلاتي. فأقبل على صلاته، فانصرفت، فلما كان من الغد أتته وهو يصلي، فقالت: يا جريج. فقال: يارب، أمي وصلاتي. فأقبل على صلاته، فقالت: اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات. فتذاكر بني إسرايل جريجاً وعبادته، وكانت امرأة بغي يتمثل بحسنها، فقالت: إن شئتم لأفتننه [لكم] ". قال: "فتعرضت له، فلم يلتفت إليها، فأتت راعياً كان يأوي إلى صومعته، فأمكنته من نفسها، فوقع عليها، فحملت، فلما ولدت قالت: هو من جريج. فأتوه، فاستنزلوه، وهدموا صومعته، وجعلوا يضربونه، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: زنيت بهذه البغي، فولدت منك. فقال: أين الصبي؟ فجاءوا به، فقال: دعوني أصلي. فصلى، فلما انصرف أتى الصبي قطعن في بطنه، وقال: يا غلام، من أبوك؟ فقال: فلان الراعي". قال: "فأقبلوا على جريج يقبلونه، ويتمسحون به،

_ 860 - مسلم (4/ 1976) - 45 - متاب البر والصلة - 2 - باب تقديم بر الوالدين على التطوع بالصلاة وغيرها. (المومسات): الزواني: جمع موسة، وهي الفاجرة، والمياميس كذلك. (والبغي): الزانية أيضاً. (يتمثل بحسنها): أي يعجب به، ويقال: لكل من يستحسن: هذا مثل فلانة في الحسن.=

وقالوا: نبني صومعتك من ذهب. قال: لا، أعيدوها من لبن كما كانت. ففعلوا وبينا صبي يرضع من أمه، فمر رجل راكب على دابة فارهةٍ وشارة حسنةٍ، فقالت أمه: اللهم اجعل ابني مثل هذا. فترك الثدي وأقبل إليه، فنظر إليه، فقال: اللهم لا تجعلني مثله. ثم أقبل على ثديه، فجعل يرتضع" - قال: فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحكي ارتضاعه بإصبعه السبابة في فيه، فجعل يمصها قال: "ومروا بجارية وهم يضربونها، ويقولون: زنيت، سرقت. وهي تقول: حسبي الله، ونعم الوكيل. فقالت أمه: اللهم لا تجعل ابني مثلها. فترك الرضاع ونظر إليها، فقال: اللهم اجعلني مثلها. فهناك تراجعا الحديث، فقالت: حلقي! مر رجل حسن الهيئة، فقلت: اللهم اجعل ابني مثله. فقلت: اللهم لا تجعلني مثله. ومروا بهذه الأمة وهو يضربونها، ويقولون: زنيت، سرقت، فقلت: اللهم لا تجعل ابني مثلها. فقلت: اللهم اجعلني مثلها! فقالت: إ'ن ذلك الرجل كان جباراً، فقلت: اللهم لا تجعلني مثله. وإن هذه يقولون لها: زنيت، ولم تزن. وسرقت، ولم تسرق. فقلت: اللهم اجعلني مثلها". 861 - * روى أحمد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كان ببني إسرائيل تاجر وكان ينقص مرة ويزيد أخرى، فقال: ما في هذه التجارة خير، لألتمسن تجارة هي خير من هذه. فبنى صومعة وترهب فيها". 862 - (2) ورى الترمذي عن أبي وائل رحمه الله عن رجل من ربيعة - وهو الحارث بن يزيد البكري - قال: قدمت المدينة، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسجد غاص بأهله،

_ = (والشارة الحسنة): جمال الظاهر في الهيئة والملبس والمركب ونحو ذلك. قوله: (فقالت: حلقى): أي أنها خطبت نفسها داعية أن يصيبها بوجع في حلقها: أي هي حلقى، وليس المراد الدعاء وإنما هو التقديم لمساءلة ابنها. (الجبار): العاتي للتكبر القاهر للناس. 861 - أحمد (2/ 434). مجمع الزوائد (10/ 286). 862 - الترمذي (5/ 391) - 48 - كتاب التفسير - 52 - باب "ومن سورة الذاريات". وهو حديث حسن.

وإذا رايات سود تخفق، وإذا بلال متقلد السيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: ما شأن الناس؟ قالوا: رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يبعث عمرو بن العاص نحو ربيعة، فقلت: أعوذ بالله أن أكون مثل وافد عادٍ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما وافد عاد؟ " فقلت: على الخبير سقطت، إن عاداً لما أقحطت بعثت قيلاً يستسقى لها، فنزل على بكر ابن معاوية، فسقاه الخمر، وغنته الجرادتان، ثم خرج يريد جبال مهرة، فقال: اللهم إني لم آتك لمرضٍ فأداويه، ولا لأسير فأفاديه فاسق عبدك ما كنت مسقيه، واسق معه بكر ابن معاوية- يشكر له الخمر الذي سقاه-. فرفع له ثلاث سحائب: حمراء وبيضاء، وسوداء، فقيل له: اختر إحداهن، فاختار السوداء منهن، فقيل له: خذها رمادا رمددا لا تذر من عادٍ أحداً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه لم يرسل [من الريح] إلا مقدار هذه الحلقة يعني حلقة الخاتم. ثم قرأ: {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ} الآية (1). 863 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رجلاً من بني إسرائيل، سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار، فقال: ائتني بالشهداء أشهدهم. فقال: كفى بالله شهيداً. قال: فائتني بالكفيل. قال: كفى بالله كفيلاً. قال: صدقت. فدفعها إليه إلى أجل مسمى، فخرج في البحر، فقضى حاجته، ثم التمس مركبا يركبه يقدم عليه للأجل الذي أجله، فلم يجد مركباً، فاتخذ خشبة فنقرها، فأدخل فيها ألف دينار، وصحيفة منه إلى صاحبه، ثم زجج موضعها، ثم أتى بها البحر، فقال: اللهم إنك تعلم آني تسلفت فلاناً دينار، فسألني كفيلاً. فقلت: كفى بالله كفيلاً، فرضي

_ = (خفقت) الرايات: إذا حركها الهواء وجاء صوتها. (قحط) القحط: الغلاء، وأصله من انقطاع المطر، وهو سبب الغلاء. (رماداً): الرماد معروف، (والرمدد): أدق ما يكون منه، ويقال: رماد رمدد، أي: هالك، جعلوه صفة له. (الريح العقيم) هي التي لا تلقح الشجر، ولا تأتي بالمطر. (1) الذاريات: 41، 42. 863 - البخاري (4/ 469) - 39 - كتاب الكفالة - 1 - باب الكفالة في القرض. (زجج): موضعها: أي، سوى موضع النقر وأصلحه، من تزجيج الحواجب، وهو حذف زوائد الشعر، ويحتمل أن يكون مأخوذاً من الزج بأن يكون النقر في طرف الخشبة، فيشد عليه زجاً ليمسكه ويحفظ ما في جوفه.

بك، وسألني شهيداً. فقلت: كفى بالله شهيداً، فرضي بك، وإني جهدت أن أجد مركباً أيعث إليه الذي له، فلم أقدر، وإني استودعتكما. فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه، ثم انصرف، وهو في ذلك يلتمس مركباً يخرج إلى بلده، فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعل مركباً قد جاء بماله، فإذا بالخشبة التي فيها المال، فأخذها لأهله حطباً، فلما نشرها وجد المال والصحيفة، ثم قدم الذي كان أسلفه، وأتى بألف دينار، فقال: والله مازلت جاهداً في طلب مركب لآتيك بمالك، فما وجدت مركباً قبل الذي جئت به. قال: فإن الله قد أدى عنك الذي بعثته في الخشبة، فانصرف بالألف دينار راشداً. 864 - * روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم، حتى آواهم المبيت إلى غارٍ، فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل، فسدت عليهم الغار، فقالوا: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم. قال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً، فنأى بي طلب شجرٍ يوماً، فلم أرح عليهما حتى ناما، فحلبت لهما غبوقهما، فوجدتهما نائمين، فكرهت أن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً، فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما، حتى برق الفجر" - زاد بعض الرواة: "والصبية يتضاغون عند قدمي - فاستيقظا فشربا غبوقهما، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك، ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة. فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج". قال النبي صلى الله عليه وسلم: "قال الآخر: اللهم كانت لي ابنة عم، كانت أجب الناس إلي فأردتها على نفسها، وامتنعت مني، حتى ألمت بنها سنة من السنين، فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار، على أن تخلي بيني وبين نفسها،

_ 864 - البخاري (4/ 449) - 37 - كتاب الإجازة 12 - باب من استأجر أجيراً ... الخ. مسلم (4/ 2099) - 48 - كتاب الذكر والدعاء - 27 - باب قصة أصحاب الغار الثلاثة. (الغبوق): شراب آخر النهار، والمراد: إنني ما كنت أقدم عليهما في شراب حظهما من اللبن أحداً. (يتضاعون): أي: يضجون ويصيحون من الجوع. (السنة): الجدب والقحط. (ألمت بها): بها: إذا قرب منها ودنا الجدب. (فأردتها): أي راودتها وطلبت منها أن تمكنني من نفسها.=

ففعلت حق إذا قدرت عليها، قالت: لا أحل لك أن تفض الخاتم إلا بحقه. فتحرجت من الوقوع عليها، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي وتركت الذهب الذي أعطيتها، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه. فانفرجت الصخرة، غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها". قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وقال الثالث: اللهم استأجرت أجراء، وأعطيتهم أجرهم، غير رجل واحدٍ، ترك الذي له وذهب، فثمرت أجرة حتى كثرت منه الأموال، فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله، أد إلي أجري. فقلت: كل ما ترى من أجرك، من الإبل، والبقر والغنم، والرقيق. فقال: يا عبد الله، لا تستهزئ بي. فقلت: إني لا أستهزئ بك. فأخذه كله، فاستاقه، فلم يترك منه شيئاً، اللهم فإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج عنا ما نحن فيه. فانفرجت الصخرة، فخرجوا يمشون". وفي رواية (1): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينما نفر ممن قبلكم يمشون، إذ أصابهم مطر، فأووا إلى غار، فانطبق عليهم، فقال بعضهم لبعض: إنه والله يا هؤلاء لا ينجيكم إلا الصدق، فليدع كل رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه. فقال أحدهم: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أجير عمل لي على فرق من أرز، فذهب وتركه، وإني عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته، فصار من أمره إلى أن اشتريت منه بقراً، وإنه أتاني يطلب أجره، فقلت له: اعمد إلى تلك البقر، فسقها. فقال لي: إنما لي عندك فرق من أرز. فقلت له: اعمد إلى تلك البقر، فإنها من ذلك الفرق. فساقها، فإن كنت تعلم إني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا. فانساحت عنهم الصخرة ... ". وذكر باقي الحديث بقريب من معنى ما سبق.

_ = (تفض الخاتم): كناية عن الجماع والوطء. (التحرج): الهرب من الحرج، وهو الإثم والضيق. (1) البخاري (6/ 505) - 60 - كتاب الأنبياء - 53 - باب حديث الغأر. (فرق): الفرق: مكيال يسع ستة عشر رطلاً. أي حوالي خمسة كيلو غرامات ونيقاً. (فانساحت) بالحاء المهملة، أي: انفسحت وتنحت.

ولهما روايات بنحو ذلك. ورواه أبو داود (1) مجملاً، وهذا لفظه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:؟ "من استطاع منكم أن يكوم مثل صاحب فرق الأرز فليكن مثله". قالوا: ومن صاحب فرق الأرز يا رسول الله؟ ... فذكر حديث الغار حين سقط عليهم الجبل، "فقال كل واحد منهم: اذكروا أحسن عملكم". قال: "فقال الثالث: اللهم إنك تعلم أني استأجرت أجيراً بفرق أرز، فلما أمسيت عرضت عليه حقه، فأبى أن يأخذه، وذهب فثمرته له، حتى جمعت له بقرا ورعاءها، فلقيني، فقال: أعطني حقي. فقلت: اذهب إلى تلك البقر ورعائها، فخذها. فذهب فاستاقها". 865 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إن ثلاثة من بني إسرائيل: أبرص، وأقرع، وأعمى، فأراد الله أن يبتليهم، فبعث إليهم ملكا، فأتى الأبرص، فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: لون حسن، وجلد حسن، ويذهب عني الذي قد قذرني الناس". قال: "فمسحه فذهب عنه قذره، وأعطى لوناً حسناً، وجلداً حسناً. قال: فأي المال أحب إليظ؟ قال: الإبل" - أو قال: "البقر" شك إسحاق: إلا أن الأبرص والأقرع قال أحدهما: الإبل. وقال الآخر" البقر - قال: "فأعطي ناقة عشراء، فقال: بارك الله لك فيها". قال: "فأتى الأقرع، فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: شعر حسن، ويذهب عني هذا الذي قد قذرني الناس". قال: "فمسحه فذهب عنه". قال: "وأعطي شعراً حسناً، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: البقر. فأعطي بقرةً حاملاً، قال: بارك الله لك فيها". قال: "فأتى الأعمى فقال: أي شيء أحب إليك. قال: أن يرد الله إلي بصري فأبصر

_ (1) أبو داود (3/ 256) - كتاب البيوع - باب في الرجل يتجر في مال الرجل. والحديث في روايته مختصر. 865 - البخاري (6/ 500) - 60 - كتاب الأنبياء - 51 - باب حديث أبرص وأعمى وأقرع. مسلم (4/ 2275) - 53 - كتاب الزهد - 10 - باب حدثنا شيبان بن فروخ ... الخ. (ناقة عشراء) إذا كانت حاملا، وقيل: إذا عليها لحملها عشرة أشهر.

به الناس". قال: "فمسحه فرد الله إليه بصره، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الغنم. فأعطي شاة والداً، فأنتج هذان، وولد هذا، فكان لهذا وادٍ من الإبل، ولهذا وادٍ من البقر، ولهذا وادٍ من الغنم". قال: "ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته، فقال: رجل مسكين، قد انقظعت بي الجبال، في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن، والجلد الحسن، والمال، بعيراً أتبلغ به في سفري. فقال: الحقوق كثيرة. فقال له: كأني أعرفك، ألم تكن أبرص يقذرك الناس، فقيراً فأعطاك الله؟ فقال: إنما ورثت هذا المال كابراً عن كابر. فقال: إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت". قال: "وأتى الأقرع في صورته، فقال له مثلما قال لهذا، فرد عليه مثل مارد على هذا، فقال: إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت". قال: "وأتى الأعمى في صورته وهيئته، فقال: رجلٌ مسكينٌ، وابن سبيل، انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلوغ لي اليوم إلا بالله، ثم بك، أسألك بالذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ بها في سفري. فقال: قد كنت أعمى فرد الله إلى بصري، فخذ ما شئت، ودع ما شئت، فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله. فقال: أمسك مالك، فإنما ابتليتم، فقد رضي عنك، وسخط على صاحبيك". 866 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اشترى رجل من رجلْ عقاراً له، فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره

_ = (شاة والدا) الشاة الوالد: هي التي قد عرف منها كثرة الولد والنتاج. (فأنتج) أنتجها، أي: افتقدها عند الولادة - هكذا جاء لفظ الحديث "أنتج" - وإنما يقال: نتجت الناقة أنتجها، والناتج للنوق كالقابلة للنساء وقوله: "وولد هذا" أي فعل في شاته كما فعل ذلك في إبله وبقره. (الحبال): جمع حبل، وهو العهد والذمام والأمان والوسياة، وكل ما يرجو منه خيراً أو فرجاً، أو يستدفع به ضرراً، والحبل: السبب، فكأنه قال: انقطعت بي الأسباب. (فلا بلاغ): أي ليس لي ما أبلغ به غرضي. (كابراً بي كابر): أي: ورثته عن آبائي وأجدادي. (لا أجهدك): أي: لا أشق عليك في الأخذ والامتنان. 866 - البخاري (6/ 512) - 60 - كتاب الأنبياء - 54 - باب حدثنا أبو اليمان. مسلم (3/ 1345) - 30 - كتاب الأقضية - 11 - باب استحباب إصلاح الحاكم بين الخصمين. وابن ماجه (2/ 839) 18 - كتاب اللقطة، 4 - باب من أصل ركازاً.=

جرة فيها ذهب: فقال له الذي اشترى العقار: خذ ذهبك مني، إنما اشتريت منك الأرض ولم أبتع منك الذهب. وقال الذي له الأرض: إنما بعتك الأرض وما فيها. فتحاكما إلى جلٍ، فقال الذي له الأرض: إنما بعتك الأرض وما فيها. فتحاكما إلى رجلٍ، فقال الذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟ قال أحدهما: لي غلام. وقال الآخر: لي جارية. قال: أنكحوا الغلام الجارية، وأنفقوا على أنفسهما منه، وتصدقا". 867 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فقدت أمة من بني إسرائيل، لا يدرى ما فعلت؟ وإني لا أرها إلا الفأر، ألا ترونها إذا وضع لها ألبان الإبل لم تشرب، وإذا وضع لها ألبان الشاء شرت؟ " قال أبو هريرة: فحدثت كعبا بهذا، فقال: أنت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقوله؟ قلت: نعم. فقال لي مراراً، فقلت: أأقرأ التوراة؟ قال ابن حجر: "قوله: (وإني لا أراها إلا الفأر) فإسكان الهمزة، وعند مسلم من طريق أخرى عن ابن سيرين بلفظ "الفأرة مسخ، وآية ذلك أنه يوضع بين يديها لبن الغنم فتشربه، ويوضع بين يديها لبن الإبل فلا تشربه". قوله: (فحدثت كعباً) قائل ذلك هو أبو هريرة، ووقع في رواية مسلم: فقال له كعب أنت سمعت هذا. قوله: (فقلت: أفأقرأ التوراة) هو استفهام إنكار، وفي رواية مسلم: أفأنزلت علي التوراة. وفيه أن أبا هريرة لم يكن يأخذ عن أهل الكتاب، وأن الصحابي الذي يكون إذا أخير بما لا مجال للرأي والاجتهاد فيه يكون للحديث حكم الرفع، وفي سكوت كعب عن الرد على أبي هريرة دلالة على تورعه، وكأنها جميعاً لم يبلغهما حديث ابن مسعود، قال: وذكر عبد النبي صلى الله عليه وسلم القردة والخنازير فقال: "إن الله لم يجعل للمسخ نسلاً ولا عقباً، وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك". وعلى هذا يحمل قوله صلى الله عليه وسلم: "لا أراها إلا الفأر". وكأن كان يظن ذلك ثم أعلم بأنها ليست هي" اهـ.

_ 817 - البخاري (6/ 350) - 59 - كتاب بدء الخلق - 15 - باب خير مال المسلم غنم. مسلم (4/ 2294) - 53 - كتاب الزهد والرقائق - 11 - باب في الفأر وأنه مسخ.

أقول: وحديث ابن مسعود صحيح، فإن الله لم يمسخ أمة إلا أماتها بعد ذلك، فأنواع الحيوانات كلها أمم بعينها ليس منها شيء ممسوخ؛ وبعد أن تبين هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يدل على أنه جاءه اليقين بأن الفأرة وغيرها ليست ممسوخة، لأن كلامه في الأصل مبني على قياس واجتهاد منه عليه الصلاة والسلام. 868 - * روى أحمد عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "انتسب رجلان من بني إسرائيل على عهد موسى صلى الله عليه وسلم أحدهما مسلم والآخر مشرك، فانتسب المشرك فقال: أنا فلام بن فلان. حتى عد تسعة آباء، ثم قال لصاحبه: انتسب لا أم لك. فقال: أنا فلان بن فلان وأنا بريء مما وراء ذلك. فنادى موسى في الناس فجمعهم ثم قال: قد قضي بينكما، أما أنت الذي انتسبت إلى تسعة آباء فإنك توفيهم العاشر في النار، وأما أنت الذي انتسب إلى أبويه فأنت امرؤ من أهل الإسلام". 869 - * روى عبد الله بن أحمد عن أبي بن كعب قال: انتسب رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما: أنا فلان بن فلان فمن أنت لا أم لك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انتسب رجلان على عهد موسى صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما: أنا فلان بن فلان - حتى عد تسعة - فمن أنت لا أم لك؟ فقال: أنا فلان بن فلان ابن الإسلام" قال: "فأوحى الله تعالى إلى موسى صلى الله عليه وسلم: إن هذين المنتسبين أما أنت أيها المنتمي أو المنتسب إلى تسعة في النار فأنت عاشرهم، وأما أنت يا هذا المنتسب إلى اثنين في الجنة فأنت ثالثهما في الجنة". 870 - * روى أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كان رجلان في بني إسرائيل متواخيان، وكان أحدهما مذنباً، والآخر مجتهداً في

_ 868 - أحمد (5/ 241). والمعجم الكبير (20/ 139). مجمع الزوائد (8/ 85). وقال: رواه الطبراني، وأحمد موقوفاً على معاذ، وأحد أسانيد الطبراني رجاله رجال الصحيح، وكذلك رجال أحمد. 869 - أحمد (5/ 128). مجمع الزوائد (8/ 85). وقال: رواه عبد الله بن أحمد. ورجاله الصحيح، غير يزيد بن زياد بن أبي الجعد وهو ثقة. 870 - أحمد (2/ 323).=

العبادة، وكان لا يزال المجتهد يرى على الآخر على الذنب، فيقول: أقصر. فوجده يوماً على ذنبٍ، فقال له: أقصر. فقال: خلني وربي، أبعثت علي رقيباً؟! فقال: والله لا يغفر الله لك، أو لت يدخلك الله الجنة. فقبض روحهما، فاجتمعا عند رب العالمين، فقال لهذا المجتهد: أكنت بي عالما، أو كنت على ما في يدي قادراً؟! وقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر: اذهبوا به إلى النار". أقول: إنما عذب المجتهد لأنه تألى على الله وليس لأنه أنكر على المذنب، فالإنكار عليه واجب، ومن هنا نأخذ أدباً أن ننكر على المذنب ولا نفتات على الله بما سيفعله. 871 - * روى البخاري عن خباب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كان الرجل قبلكم يؤخذ فيحفر له في الأرض، فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه، فيشق باثنتين، ما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظمٍ أو عصبٍ، ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت، لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون". 872 - * روى أحمد عن عبد الله بن مسعود أن رجلاً لم يعمل من الخير شيئاً قط إلا التوحيد فلما حضرته الوفاة قال لأهله: إذا أنا مت فخذوني فاحرقوني حتى تدعوني حممه ثم اطحنوني ثم ذروني في البحر في يوم راحٍ. قال: ففعلوا به ذلك، فإذا هو في قبضة الله عز وجل. فقال الله عز وجل: ما حملك على ما صنعت. قال: مخافتك. قال: فغفر الله عز وجل له.

_ = وأبو داود (4/ 275) - كتاب الآداب - باب في النهي عن البغي. وهو صحيح. 871 - البخاري (6/ 619) - 61 - كتاب المناقب - 25 - باب علامات النبوة. وأحمد (5/ 109). 872 - أحمد (1/ 398). مجمع الزوائد (10/ 194). وقال: رواه أحمد، وإسناد ابن مسعود حسن. (حممة): فحمة. (يوم راح): أي ذي ريح.

أقول: وقد روي هذا الحديث روايات متعددة، وبعض رواياته عند مسلم، وللعلماء كلام كثير في هذا الحديث: والظاهر أن هذا الرجل لم يبلغه من هدي الأنبياء على الكمال والتمام ما تقوم به حجة كاملة عليه، بل بلغه من بقايا هدي الأنبياء ما جعله يتوهم في حق الله عز وجل ما لا يصح، مع وجود أصل الإيمان بالله، فغفر الله عز وجل له توهمه بسبب من حسن نيته في الخوف من الله وبسبب من أنه لم يبلغه شرع الله عز وجل كاملاً عن طريق صحيح، والله أعلم. وبعض روايات الحديث لا تدل على التوهم، فليس فيها إشكال. 873 - * روى أبو يعلى عن عبد الله قال: كان رجل كثير المال لما حضره الموت قال لأهله: إن فعلتم ما أمرتكم به أورثتكم مالاً كثيراً. قالوا: نعم. قال: إذا مت فاحرقوني ثم اطحنوني، فإذا كان يوم ريحٍ فارتقوا فوق قلة جبلٍ فاذروني، فإن الله إن قدر علي لم يغفر لي. ففعل ذلك به، فاجتمع في يدي الله فقال: ما حملك على ما صنعت. قال: يارب مخافتك. قال: فاذهب فقد غفرت لك. وفي رواية: كان الرجل نباشاً فغفر له خوفه. أقول: إن قول الرجل وفعله يدلان علة جهل بالله، فلعله كان من أهل فترة عنده بقايا من دين صحيح، فعامله الله عز وجل برحمته على ما عنده من بقايا خيرٍ، وهو خوفه من الله عز وجل. 874 - * روى البزار عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن نبي إسرائيل استخلفوا خليفة عليهم بعد موسى صلى الله عليه وسلم فقام يصلي ذات ليلة فوق بيت المقدس في القمر، فذكر أموراً كان صنعها، فخرج فتدلى بسبب، فأصبح السبب معلقاً في المسجد وقد ذهب". قال: "فانطلق حتى أتى قوماً على شط البحر، فوجدهم يضربون لبنا، فسألهم: كيف تأخذون على هذا اللبن؟ " قال: "فأخبروه فلبن

_ 873 - مجمع الزوائد (10/ 194). وقال: رواه أبو يعلى بسندين، ورجالها رجال الصحيح. أحمد (5/ 383) وهو عنده عن معاوية بن خيدة. ورجاله ثقات. (قلة جيل): أعلاه. 874 - كشف الأستار (4/ 267). والمعجم الكبير (10/ 216). مجمع الزوائد (10/ 218). وقال: رواه البزار والطبراني في الأوسط والكبير، وإسناده حسن. (تدلى بسبب): تدلى بحبل.=

معهم، فكان يأكل من عمل يده، فإذا كان حين الصلاة قام يصلي، فرفع ذلك العمال إلى دهقانهم، أن فينا رجلاً يفعل كذا وكذا، فأرسل إليه، فأبى أن يأتيه ثلاث مرات، ثم إنه جاء" [أي: الدهقان] "يسير على دابته، فلما رآه فر" [أي: الملك] "فاتبعه فسبقه، فقال: أنظرني أكلمك". قال: "فقام حتى كلمه. فأخبره خبره، فلما أخبره أنه كان ملكاً وأنه فر من رهبة ربه قال: إني لأظنني لاحقاً بك". قال: "فاتبعه، فعبدا الله، حتى ماتا برميلة مصر". قال عبد الله: لو أني كنت ثم لاهتديت إلى قبريهما بصفة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي وصف لنا. 875 - * روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين إنساناً، ثم خرج يسأل، فأتى راهباً فسأله، فقال له: ألي توبة؟ قال: لا. فقتله، فجعل يسأل، فقال له رجل: ائت قرية كذا وكذا، فأدركه الموت فنأى بصدره نحوها، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة، وملائكة العذاب، فأوحى الله إلى هذه: أن تقربي، وأوحى الله إلى هذه: أن تباعدي، وقال: قيسوا ما بينهما، فوجداه إلى هذه أقرب بشبر، فغفر له". 876 - * روى الطبراني عن أبي عبد رب أنه سمع معاوية بن أبي سفيان على المنبر يحدث أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن رجلاً أسرف على نفسه فلقي رجلاً فقال: إن الآخر قتل تسعاً وتسعين نفساً كلهم ظلما فهل لي من توبة؟ قال: لا. فقتله وأتى آخر فقال: إن الآخر قتل مائة نفسٍ كلها ظلماً فهل تجد لي من توبةٍ؟ فقال: إن حدثتك على أن الله لا يتوب على من تاب كذبتك. ههنا قوم يتعبدون فائتهم تعبد الله معهم. فتوجه إليهم فمات على ذلك. فاجتمعت ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فبعث الله إليهم ملكاً فقال: قيسوا ما بين

_ = (جهقانهم): الدهقان رئيس القرية. 875 - البخاري (6/ 512) - 60 - كتاب الأنبياء - 54 - باب حدثنا أبو اليمان. مسلم 2119 - 49 - كتاب التوبة - 8 - باب قبول توبة القاتل. 876 - مجمع الزوائد (10/ 211). وقال: رواه الطبراني بإسنادين، ورجال أحدهما رجال الصحيح، غير أبي عبد رب وهو ثقة، ورواه أبو يعلى بنحوه كذلك.

المكانبن فأيهم كان أقرب فهو منهم. فوجوده أقرب إلى دير التوابين بأنملة فغفر له". أقول: ينبغي في كل حال أن يكون للمسلم إخوانه في الله، وأن يكون له انتساب للعلماء الأولياء الصادقين لتتم له فضيلة الأخوة الخالصة في الله والكينونة مع أهل الله، ويتأكد هذا المعنى حين غلبة الشر، وكثرة الفتن، فعلى المسلم في هذه الحالة أن يلجأ إلى البيئات الفاضلة العابدة، فذلك هو معتصمه بعد الله، وليحذر أن يختلط عليه الأمر، فيلجأ إلى بيئة يظنها عابدة صالحة وهي على شذوذ في الاعتقاد أو على بدعة في العمل أو على فتور في العبادة أو على دعوى عريضة في اللسان ويكذب ذلك أفعالها. * * *

الفصل التاسع في: الإيمان باليوم الآخر

الفصل التاسع في: الإيمان باليوم الآخر وفيه: مقدمة ووصول

المقدمة

المقدمة في الإسلام تنبثق الفروع عن أصول، والأصول نفسها ترجع إلى أصول أجمع وأكثر كلية، وهكذا فمرجع الإسلام كله إلى الشهادتين، فالشهدتان تنطوي فيهما أركان الإيمان وعنهما ينبثق الإسلام، ويمكن أن نرجع الإسلام والإيمان إلى الإيمان بالله واليوم الآخر، فمن عرف الله عرف أنه عادل، ومن تمام عدله أن يكون هناك يوم آخر، ومن تمام عدله ألا يحاسب ويعاقب إلا على شيء قد تقدم به إلى الناس، ومن ههنا يأتي الوحي والرسالة، والوحي والرسالة تتنزل بها الملائكة. وهكذا نجد أن فروع الإسلام ترجع في النهاية إلى أصول قليلة، ولكن ينبثق عن هذه الأصول ما لا يعد من فروع وشعب للفروع. والتركيز على الإيمان بالله واليوم الآخر هو باب الإيمان والتقوى والإحسان والشكر والعمل، فهذان الركنان هما محل التركيز المستمر في هدي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولذلك كان الحديث عنهما في الكتاب والسنة كثيراً، بينما قل الحديث عنهما في كلام الناس في عصرنا مما ينبغي أن يتلافى. إنه عن الإيمان بالله واليوم الآخر ينبثق الإخلاص والتوكل والزهد والمحبة والصدق، كما أن الإيمان باليوم الآخر يستدعي المحاسبة والتأمل والتفكر والاعتبار والخوف والرجاء. وعن الغفلة عن الله واليوم الآخر يتفرع الخبث كله من كفر ومعصية وخيانة وحسد وعجب وكبر ورياء. إنك إذا تأملت القرآن الحكيم فإنك لا تجد صفحات إلا وفيها حديث عن الله عز وجل أو عن اليوم الآخر أو عن الله واليوم الآخر، وعندما ندرس نصوص السنة نجد كثرة النصوص المترتبطة بهذا أو بهذا؛ لأن ذلك هو محور الرسالة، قال تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (1).

_ (1) العنكبوت: 36.

{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (1). والطريقة الأساسية للرسل في البلاغ هي التبشير والإنذار: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} (2). والتبشير والإنذار إنما هما تبشير برضوان الله الذي ينال أهله الجنة، وإنذار بسخط الله الذي يستأهل أهله النار، ولو أنك تأملت النصوص ثم تأملت الواقع لرأيت أنه لا صلاح للنفس البشرية ولا للحياة البشرية ولا لهذا العالم إلا بالإيمان واليوم الآخر وأن تظهر ثمرة ذلك على السلوك. وتأمل هذه النصوص: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} (3). {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (4). {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ} (5). {لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} (6). {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} (7). {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ} (8). وتتوضع حول الإيمان باليوم الآخر موضوعات كثيرة تتصل به بشكل مباشر أو غير مباشر، منها:

_ (1) الأحزاب 21. (2) النساء: 165. (3) الماعون: 1 - 3. (4) المجادلة: 22. (5) التوبة: 18. (6) التوبة: 44. (7) الأنعام: 92. (8) ص: 45، 46.

الإيمان بالموت وبالحياة البرزخية، والساعة وأشراطها، وما يكون بعد الساعة من حشر ونشر وحساب وجنة ونار إلى غير ذلك، ويرتبط بهذا كله موضوعات متعددة كثيرة وكلها مرتبطة بالإيمان بالغيب. * * * وقد تولى القرآن الكريم مناقشة الكافرين باليوم الآخر والشاكين فيه بما لا مزيد عليه، ولا ينبغي للمؤمن أن يمر عليه دون أن يطالع كتاب الله عز وجل لكي يتزكى قلبه فيمتلئ يقيناً ويتأمل، ويتذكر حين يمر على هذه المعاني وقد كررها القرآن كثيراً لتثبت وتستقر كدأب القرآن في عرضه للقضايا الأكثر أهمية فهو يكرر القضية بحسب احتياج القلب البشري إليها. وموضوع اليوم الآخر يحتاجه القلب كثيراً ولذلك فإن القرآن يكاد يكون كله وصفاً لليوم الآخر حتى إن بعضهم فسر (الضمير) في قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} (1) بالقرآن، أي: وإن القرآن علم للساعة. إن أدلة وجود الله أكثر من أن تحصى، ومن عرف الله عز وجل وعرف صفاته العليا وأسماءه الحسنى آمن باليوم الآخر وعرف حقيقة وجوده واستغرب إنكاره، فمن عرف قدرة الله عز وجل لم يستغرب أن يقيم الله عز وجل القيامة وأن يعيد خلق الإنسان وغيره مما شاء، ومن عرف علم الله لا يستغرب الإعادة مع تفرق الأجزاء، ومن عرف عدل الله آمن بما أخبره عن وجود يوم ودار يكون فيهما الحساب والجزاء. - ومن عرف الرسل عليهم الصلاة والسلام، وعرف صدقهم وكمالاتهم ومعجزاتهم، وعرف أنهم أخبروا وبشروا وأنذروا باليوم الآخر أعطاه ذلك يقيناً. - ومن عرف ما في القرآن من إعجاز ومعجزات، وعرف أن هذا القرآن أخبر عن الساعة وما يكون بعدها من حشر ونشر، أيقن باليوم الآخر.

_ (1) الزخرف: 61.

- ومن عرف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر عن مئات الأحدث التي ستقع بعده، وأن قسماً كبيراً مما أخبر عنه قد وقع، عرف أن ما لم يقع واقع لا محالة، ومن ذلك ما يكون بين يدي الساعة وما يكون بعدها. - ومن عرف قصة أهل الكهف وأن الحكمة في فعل الله بأصحابها إثبات البعث زاده ذلك يقيناً. - ومن تأمل كثرة البشارات والإنذارات في بقايا الوحي الإلهي الذي تقل لنا عن الرسل السابقين - على ما خالطه من تغيير وتبديل - أدرك أن التبشير باليوم الآخر، والإنذار مما يكون فيه كان قاسماً مشتركاً في هداية الرسل عليهم الصلاة والسلام. - ولو أنك تأملت سورة الروم في القرآن لوجدت أن الله عز وجل يدلل على صدق موعوده بغلبة الروم على الفرس بصدق موعوده بأن اليوم الآخر كائن، وهذا يجعلنا نفطن لأهمية ما أخبرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم عن واقعات ستقع بعده وقد وقعت لنتحقق بذلك أن ما أخبرنا عنه واقع، سواء في ذلك ما يكون من أحداث قبل قيام الساعة أو ما يكون بعدها، ومن ههنا سيكون الوصل الأول في هذا الفصل في الحديث عن بعض ما أخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم كم أحداث بين يدي الساعة، قد وقع بعضها، وبعضها لم يقع وهو واقع لإخبار الله في كتابه أو لإخبار الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته أو لورود الخبر في الكتاب والسنة معاص، وسيكون الوصل الثاني في هذا الفصل عن الموت والحياة البرزخية، وسيكون الوصل الثالث عن الساعة وعما سيكون بعدها. * * *

الوصول

الوصول الوصل الأول: بين يدي الساعة الوصل الثاني: الموت والحياة البرزخية الوصل الثالث: الساعة وما يأتي بعدها

الوصل الأول بين يدي الساعة

الوصل الأول بين يدي الساعة وفيه: مقدمة وفقرات

المقدمة

المقدمة تحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يكون بين يدي الساعة من أحداث كبرى وأحياناُ عن أحداث صغيرة لكنها مهمة، وذلك من معجزاته المتجددة على مدى القرون، فما من عصر تقريباً إلا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم أخبار عن غيب تراه هذه الأمة فيه، فيكون معجزة له وعاملاً من عوامل تجديد الإيمان وتعميق اليقين وتثبيت الأفئدة. إن بعض الأحداث التي مرت أو ستمر في تاريخ العالم أو على الأمة الإسلامية تزلزل القلوب من هولها وفظاعتها، فعندما يكون عند المسلم علم غنها فإنه يتلقاها باليقين بدلاً من أن تكون سبباً لزعزعة هذا اليقين. وفي ذكر بعض الأحداث إيجاد نوع من الجاهزية عند المسلم للتعامل مع هذه الأحداث إذا وقعت، ثم إن بعض هذه الأحداث لها أحكام شرعية فاقتضى ذلك بياناًً، وبعض هذه الأحكام يقاس عليه أشباهه، وفي ذلك إغناء للشريعة وتنوير للمسلم. وهناك الدعوات الكافرة أو الضالة التي يدعو إليها مرتدون أو كافرون أو ضالون، وبعض هذه الدعوات تستند إلى شبه في زعمهم، فأن تجيء في أهلها نصوص فذلك قطع لدابر التردد في شأنها عند أهل الإنصاف والهدى. وفي كثير من الأحيان تأتي حوادث ظالمة مظلمة يظن الناس أنها أبدية، فتأتي النصوص لتوضح جليتها أو توقيتها فيكون ذلك باعثاً على الأمل والعمل. وهناك حالات ينبغي أن تقطع الدعاوى في شأنها فأن يدعي ممر من المعمرين أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذلك يترتب عليه ما يترتب، فجاءت النصوص لتحدد عمر الجيل الذي عايش رسول الله صلى الله عليه وسلم ورآه. ثم إن قيام القيامة يعني نهاية نظام هذا العالم هو أعظم الأحداث بعد خلق العالم، فما هي مقدماته الكبرى أو الصغرة ليعرف ذلك للمسلمون ويبنوا عليه ما ينبغي البناء. هذا بعض الحكم في ذكر ما يحدث بين يدي الساعة بواسطة الوحي. * * *

إن النصوص التي تتحدث عما يكون بين يدي الساعة على أنواعها: فمنها ما يتحدث عن دعوات الكفر أو الضلال والفرق التي ستنشق عن جسم الأمة الإسلامية بكفر أو ابتداع. ومنها ما يتحدث عن بشارات وانتصارات لهذه الأمة. ومنها ما يتحدث عن أحوال ضعف تعتري هذه الأمة. ومنها ما يتحدث عن حالات مرضية تصيب بعض أجيال هذه الأمة. ومنها ما يتحدث عن صراعات كبرى تخوضها هذه الأمة تغلب فيها أو تغلب. ومنها نصوص تتحدث عن أشخاص بأعيانهم أو أحداث بأعيانها. ومنها النصوص التي تتحدث عن أشراط الساعة الكبرى التي تكون بين يدي الساعة مباشرة. * * * وقسم من هذه الشؤون قد مر معنا من قبل أو سير معنا في سياقات موضوعات هذا الكتاب، فقد ذكرنا بابا في قسم السيرة عن بعض ما أخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من غيوب وقعت. ومر معنا أثناء الكلام عن الفرق الإسلامية بعض مما له علاقة بهذا الموضوع. ومر معنا أثناء الكلام عن الصحابة كثير مما أخبر به صلى الله عليه وسلم ووقع. وستمر معنا بعض النصوص بمناسبة الكلام عن مكة والمدينة، أو أثناء الكلام عن الخلافة. وقد نضطر في هذه الشئون لشيء من التكرار، وفي كتابنا الرسول صلى الله عليه وسلم تحدثنا عن عدد من الحوادث المستقبلية التي ستقع بعده وقد وقعت ومنها الذي وقع في عصرنا فليراجع. * * * لقد ركز رسول الله صلى الله عليه وسلم بوحي من الله على معانٍ كثيرة فيما يأتي بعده، فتحدث عن الشقاق والخلاف والنزاع والقتال والفتن التي تكون بين أبناء الأمة الإسلامية، وذلك ليعرفها المسلمون فلا يشاركوا في الخطأ، وليتوبوا إذا شاركوا وليعتبروا فلا يكرروا. وبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفتوحات التي ستكون بعده ليندفع المسلمون في عملية الفتح، وليعرفوا أن ذلك من الله فيشكروا، وإذا حدثت انتكاسة فلا ييأسون ولا يستسلمون. وركز رسول الله صلى الله عليه وسلم على الدعوات الباطلة بعده، سواء جاءت من مدعي نبوة كاذبين أو دعاة ضلالة ليحذر المسلمون وليجتنبوا. وركز على ضعف الالتزام وأنواع من الانحرافات

سيقع فيها بعض المسلمين؛ ليعرفها الصالحون فيعالجوها ويتجنبوها، وليتخذوا الموقف الصحيح من أهلها إذا وقعت. وركَّز على علامات الساعة الصُّغرى ليستأنس المسلمون بذلك فيعرفوا المرحلة التي هم فيها، فعلى ضوء الأحداث التي لم تقع بعد مما أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلَّم يستطيع المسلمون أن يعملوا ويخطِّطوا، وفي الأصل فقد ربَّانا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم على العمل حتى لو علمنا أن الساعة مصبحة أو ممسية. وركَّز على أشراط الساعة الكبرى كأهم شيء يتقدَّم تغيير نظام العالم. وركَّز على أن الساعة تقوم على شِرار الخلق ليُعْرَف للمسلم فضله وفضيلة وجوده، فما دام في الأرض مسلم صالح فلا تقوم الساعة، فوجود المسلم أمانٌ لأهل الأرض جميعاً. * * *

الفقرات

الفقرات الفقرة الأولى في: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أخبر عما سيكون بين يدي الساعة. الفقرة الثانية في: قُرْب الساعة نسبيَّاً. الفقرة الثالثة في: مدَّة قرن النبوَّة. الفقرة الرابعة في: بعض أحداث المرحلتين الراشدة والأمويَّة مما أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أنه كائن بين يدي الساعة. الفقرة الخامسة في: حديث جامع. الفقرة السادسة في: فتح القسطنطينيَّة الأولى. الفقرة السابعة في: قتال التتار والمغول والأتراك قبل إسلامهم. الفقرة الثامنة في: تمزقات الأمَّة الإسلاميَّة وصراعاتها. الفقرة التاسعة في: التجديد والمجدِّدين. الفقرة العاشرة في: نار الحجاز. الفقرة الحادية عشر في: استقلال أقطار الأمَّة الإسلاميَّة عن بعضها وانفراط عقد الوحدة الإسلاميَّة. الفقرة الثانية عشر في: غربة الإسلام. الفقرة الثالثة عشر في: مدَّعي النبوَّة والدجالين. الفقرة الرابعة عشر في: أعلام وأشراط متفرقة تكون بين يدي الساعة وقد وقعت. الفقرة الخامسة عشر في: أشراط صغرى لم تقع بعد. الفقرة السادسة عشر في: انحسار الفرات عن جبل من ذهب. الفقرة السابعة عشر في: أشراط الساعة الكبرى.

الفقرة الثامنة عشر في: المهدي عليه السلام. الفقرة التاسعة عشر في: الدَّجَّال. الفقرة العشرون في: صفة المسيح بن مريم عليه السلام ونزوله. الفقرة الحادية والعشرون في: يأجوج ومأجوج. الفقرة الثانية والعشرون في: لا تقوم الساعة إلا على شِرار الخلق. الفقرة الثالثة والعشرون في: نار عدن.

الفقرة الأولى في: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر عما سيكون بين يدي الساعة

الفقرة الأولى في: أن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أخبر عما سيكون بين يدي الساعة 877 - * روى مسلم عن عَمْرو بن أخطبَ الأنصاري عنه، قال: صَلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلَّم يوماً الفجرَ، وصَعِدَ على المِنْبَرِ، فَخَطَبَنَا حتى حَضَرتِ الظهرُ، فنزلَ فصلَّى، ثمَّ صَعِدَ المنبر، فخطبنا حتى حضرتِ العصرُ، ثمَّ نزل فصلَّى، ثمَّ صَعِدَ المنبر حتى غَرَبَتِ الشمسُ، فأخبرنا بما [كان، وبما] هو كائن إلى يومِ القيامةِ، قال: فأعلَمنا أحفظَنا. 878 - * روى أبو داود حُذيْفَة بنِ اليمان رضي الله عنهما، وقال: والله ما أَدْرِي أنَسي أصحابي أَم تناسَوْا؟ والله ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلَّم من قائدٍ فتنةٍ إلى انقضاء الدنيا، يَبلغُ مَن معه ثلاثَمائة فصاعداً، إلا قد سمَّاه لنا باسمه واسم أبيه واسم قبيلته. 879 - * روى مسلم عن أبي ادريس الخولاني قال: قال حذيفةُ رضي الله عنه: والله إني لأُعَلِّم الناس بكلِّ فِتنَةٍ هي كائنةٌ فيما بيني وبين الساعة، وما بي أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلَّم في ذلك شيئاًلم يُحدِّثه غيري، ولكنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قال يوماً- وهو في مجلسٍ يَتَحَدَّثُ فيه عَنِ الفتن ويَعُدُّهُنَّ-: (منها ثلاثٌ لا يَكَدْنَ يَذَرْنَ شيئاً، ومنها فِتَنٌ كرياح الصيفِ، منها صِغارٌ، ومنها كِبارٌ) فذهب أُولئِكَ الرَّهْطُ الذين سَمِعُوه معي كلهم غيري.

_ 877 - مسلم (4/ 2217) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة- باب إخبار النبي صلى الله عليه وسلم فيما يكون إلى قيام الساعة. 878 - أبو داود (4/ 95) كتاب الفتن، باب ذكر الفتن ودلائلها، وإسناده حسن. 879 - مسلم (4/ 2216) - كتاب الفتن وأشراط الساعة- باب إخبار النبي صلى الله عليه وسلم فيما يكون إلى قيام الساعة. (كرياح الصيف): يريد أن فيها بعض الشدة، وإنما خص الصيف لأن رياح الشتاء أقوى.

الفقرة الثانية في: قرب الساعة نسبيا

الفقرة الثانية في: قُرب الساعة نسبيّاً 880 - * روى الطبراني في الثلاثة عن ابنِ عمْرَان أن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قال: "إنما أَجَلَكم فيما خَلا من الأمم كما بين صلاةِ العصر إلى مَغْرِبِ الشمسِ" 881 - * روى أبو داود عن سعد بن أبي وقَّاص رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال: "إني لأرجو أن لا يُعجِزَ اللهُ أُمَّتي عند ربِّها: أن يُؤَخِّرَهم نِصفَ يوم". قيل لسعد: وكم نصف يوم؟ قال خمسُمائة سنةٍ. وأقول: في الحديث إشارة إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لم يكن يعلم الزمن المحدد لقيام الساعة، وكان يعلم قربها لذلك رجا الزمن المذكور وقد بارك الله لهذه الأمَّة أجلها ليكثر أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، والمرجو أن يبارك فيما يأتي فلم تزل كثير من إخبارات رسول الله صلى الله عليه وسلَّم عما هو كأئن قبيل الساعة لم تقع. 882 - * روى الطبراني عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: "اقْتَرَبَتِ الساعَةُ ولا تَزْدادُ منهم إلا بُعداً".

_ 880 - المعجم الكبير (12/ 328). والروض الداني إلى المعجم الصغير للطبراني (1/ 54). مجمع الزوائد (10/ 211). وقال: رواه الطبراني في الثلاثة إلا أنه قال في الكبير: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلَّم والشمس على قُعَيْقِعَانَ بعد العصر فقال: "ما أعماركم في أعمار من مضى إلا كما بقى من هذا النهار فيما مضى منه". ورجال الصغير والأوسط رجال الصحيح، وفي أحد إسنادي الكبير شريك وقد وثق، بقيَّة رجاله رجال الصحيح. (قُعَيْقِعَان): جبل بمكَّة، سُمِّي بذلك لأن جُرْهُمَا لما تحاربوا كثرت قعقة السلاح هناك. 881 - أبو داود (4/ 128) كتبا الملاحم، باب قيام الساعة. وإسناده صحيح. 882 - المعجم الكبير (10/ 15). مجمع الزوائد (10/ 331). وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير الشيخ الطبراني وهو ثقة ثبت.

أقول: قوله: (ولا تزداد منهم إلا بُعداً): إشارة إلى غفلة الناس عن الساعة كلما تقارب وقوعها. 883 - (1) عن بريدَة قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلَّم يقول: "بُعِثْتُ أنا والساعة جميعاً إن كادت لتسْبِقَني". 884 - * روى البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال: "مَثَلُ المسلمين واليهود والنَّصارى، كمَثَلِ رجلٍ اسْتَأجَرَ قوماً يعملون له عملاً إلى الليل على أجرٍ معلومٍ، فعَمِلا له إلى نِصفِ النهارِ، فقالوا: لا حاجةَ لنا إلى أَجْرِكَ الذي شَرَطْتَ لنا، وما عَمَلِنَا باطلٌ. فقال: لا تفعلوا، أكملوا بقيَّة عَمَلِكُم، وخُذوا أجْرَكم كاملاً. فَأَبَوْا وتَرَكُوا، واستأجَرَ آخَرِين بعدَهم، فقال: أَكْمِلوا بقيَّةَ يومِكم، ولكم الذي شَرَطْتُ لهم من الأَجْرِ. فَعَمِلُوا حتى إذا كان حين صَلاةِ العصر، قالوا: لك ما عَمِلْنَا باطلٌ، ولك الأجْرُ الذي جَعَلْتَ لنا. فقال أَكْمِلُوا بقيَّة عَمَلِكم، فإنَّ ما بَقِيَ من النهار شيءٌ يسير. فَأَبَوْا، فاسْتأجَرَ قوماً أن يَعْمَلوا بَقيَّةَ يومِهم، حتَّى غَابَتِ الشَّمس، فاسْتَكْمَلوا أجْرَ الفَرِيقَيْنِ كِلَيْهما، فذَلِك مَثَلُهم ومَثَلُ ما قَبِلوا من هذا النُّورِ". 885 - * روى البخاري عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلَّم وهو قائمٌ على المِنْبَر يقول: "إنما بَقاؤُكم فيمن سَلَفَ قَبلَكم من الأُمم، كما بين صلاة العصر إلى غُرُوب الشمسِ، أُوتِيَ أهلُ التوراةِ التوراةَ فعمِلوا بها حتى انتصفَ النهارُ، ثمَّ عَجَزوا، فأعْطوا قِيراطاً قِيراطاً. ثمَّ أُوتِيَ أهلُ الإنجيل الإنجيلَ، فعمِلوا

_ 883 - مسند أحمد (8/ 248). مجمع الزوائد (10/ 331). وقال: رواه أحمد والبزار إلا أنه قال: "بُعثتُ أنا والساعة كهاتين" وضمَّ أصبَعَيه السَّبَّابة والوسطى، ورجال أحمد رجال الصحيح. 884 - البخاري (4/ 447) 27 - كتاب الإجارة- باب الإجارة من العصر إلى الليل. 885 - البخاري (12/ 446) 17 - كتاب التوحيد- 31 - باب في المشيئة والإرادة.

إلى صلاة العصر فَعَجَزوا، فأُعْطوا قِيراطاً قِيراطاً. ثم أُوتينا القرآن، فَعمِلْنا إلى غُروبِ الشمسِ، فأُعطينا قِيراطين قِيراطين. فقال أهلُ الكتابين: أيْ ربّنا، أعطيتَ هؤلاء قِيراطين قِيراطين، وأعطيتَنا قيراطاً قيراطاً، ونحن كُنَّا أكثرَ عملاً؟! قال الله عزّ وجلَّ: هل ظَلَمْتُكم من أَجْرِكم من شيءٍ؟ قالوا: لا. قال فهو فَضلي أُوتِيه مَن أشاء". وفي رواية (1) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: "مَثَلْكُم وَمَثَلُ أهلِ الكِتابَين كمثل رجل استأجَر أُجَرَاء، فقال: مَنْ يَعْمَلُ لي من غَدْوَةٍ إلى نصف النهارِ على قِيراطٍ؟ فعملَتِ اليهودُ. ثم قال: مَنْ يَعْمَلُ لي من نصفِ النهارِ إلى صلاةِ العصر على قِيراطٍ؟ فَعَمِلت النصارى. ثم قال: مَنْ يَعْمَل لي من العصر إلى أن تغيبَ الشمسُ على قِيراطين؟ فأنتم هم، فَغَضِبَت اليهود والنصارى، فقالوا: مالنا أكثرُ عَمَلاً، وأقلُّ عطاءً؟ قالَ: هل نَقَصْتُكُم من حَقِّكُم؟ قالوا: لا. قال: فذلك فَضْلي أُؤتيه مَن أَشاءُ". وفي أخرى (2) قال: "إنما أجلْكم في أجَلِ مَن خلا من الأمم، كما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس، وإنَّما مثلُكم ومثلُ اليهود والنصارى، كرجل استعمل عُمَّالاً، فقال: من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط قيراط ... " فذكر نحوه، وفي آخره: "ألا فأنتم الذين تعملون من صلاة العصر إلى مغرب الشمس، ألا لكم الأجْرُ مرتين، فغضبَتِ اليهود والنصارى" ... وذكر نحو ما قبله. * * *

_ (1) البخاري (4/ 445) 27 - كتاب الإجازة 8 - باب الإجازة إلى نصف النهار. (2) البخاري (6/ 495) 60 - كتاب حديث الأنبياء 50 - باب ما ذكر عن بني إسرائيل.

الفقرة الثالثة في: مدة قرن النبوة

الفقرة الثالثة في: مُدَّة قرن النُّبُوَّة 886 - * روى مسلم عن أبي الزُّبَيْرِ، أنه سمع جابراً رضي الله عنه يقول: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلَّم يقول- قبل أن يموت بشهر: "تسألوني عن الساعة؟ وإنَّما عِلمُها عند اللهِ، وأُقْسِمُ باللهِ ما على الأرضِ من نَفْسٍ منفوسةٍ اليومَ يأتي عليها مائةُ سنةٍ وهي حيَّةٌ يومئذٍ". قال: فسَّرها عبدُ الرحمن صاحبُ السِّقَايةِ، قال بعضُهم: هو نَقْصُ العُمْرِ. وفي رواية للترمذي (1) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: "ما مِنْ نفسٍ منفوسةٍ تبلُغُ مائةَ سنةٍ" -قال سَالمٌ بن أبي الجَعْدِ وتذاكرنا ذلك عنده-: إنما هي نفسٌ مخلوقةٌ يومئذٍ. ولهما وللبخاري وأبي داود عن أبي عمر بنحوه (2)، وفيه: يريد بذلك أنْ ينخرم ذلك القرن. 887 - (4) ري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان الأعرابُ إذا قَدِمُوا على رسول الله صلى الله عليه وسلَّم سألوه عن السَّاعة، متى السَّاعة؟ فينظر إلى أَحْدَثِ إِنْسَانٍ

_ 886 - مسلم (4/ 1966) 44 - كتاب فضائل الصحابة 53 - باب قوله صلى الله عليه وسلَّم: "لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسةٍ اليوم". (1) الترمذي (4/ 520) - كتاب الفِتَن 64 - باب حدثنا هناد. وقال: حسن. (2) مسلم (4/ 1965) نفس الكتاب والباب السابقين. الترمذي: في الموضع السابق. والبخاري (2/ 74) 9 - كتاب مواقيت الصلاة 40 - باب السمر في الفقه والخير بعد العشاء. وأبو داود (4/ 175) كتاب الملاحم، باب قيام السَّاعة. (نفس منفوسة) النفس المنفوسة: هي المولودة، نفست المرأة بفتح النون وضمها- إذا ولدت، والمعنى في الحديث: أن كل من هو موجود الآن، يعني ذلك الوقت إلى انقضاء ذلك الأمد اللعين: يكونون قد ماتوا؛ ولا بقي منهم على الأرض أحد، فتكون قيامة أهل ذلك العصر قد قامت. أقول: وعلى هذا الحديث استدلّ البخاري وغيره، وأَنَّ الخَضِرَ ليس حيّاَ بعد تلك المئة. 887 - البخاري (11/ 261) 81 - كتاب الرقاق، 42 - باب سكرات الموت. مسلم (4/ 269) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 27 - باب قرب الساعة

منهم، فيقولُ: "إن يَعش هذا: لَم يُدرِكْه الهَرمُ، حتى قامتْ عليكم الساعةُ". قالَ هشامٌ: يعني موتَهم. 888 - * روى مسلم عن أنَس بن مالكٍ رضي الله عنه، أنَّ رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلَّم متى الساعة؟ فَسَكَتَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلَّم هُنَيْهَةً، ثم نظر إلى غُلام بين يديه من أَزْدِ شَنُوءة، فقال: "إنَّ عُمُرَ هذا الغُلامَ: لم يُدْرِكْهُ الهرَمُ حتى تقوم الساعةُ". قال أنس: وذلك الغلامُ من أترابي يومئذٍ. وفي رواية (1): وعنده غلام من الأنصار، يقال له: محمد ... وذكر الحديث. أقول: قوله: لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة: أي ساعة المخاطَبِين: أي موتهم. وذلك من التذكير للمُخاطَبِ بالأهم في حقه. قال ابن كثير في النهاية: وذلك أن من مات فقد دخل في حُكْم يوم القيامة؛ فعالم البرزخ قريب من عالم يوم القيامة. وفيه من الدنيا أيضاً، ولكن هو أشبه بالآخرة، ثم إذا تناهت المدة المضروبة للدنيا، أمر الله بقيام الساعة. فُيجمع الأولون والآخرون لميقات يوم معلوم. أ. هـ. * * *

_ 888 - مسلم (4/ 270) 52 - كتاب الفِتَن وأشراط السَّاعة، 27 - باب قرب الساعة. (1) مسلم (4/ 229) نفس الكتاب والباب السابقين.

الفقرة الرابعة في: بعض أحداث المرحلتين: الراشدة والأموية

الفقرة الرابعة في: بعض أحداث المرحلتين: الراشِدة والأمويَّة مما أخبرنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أنه كائن بين يدي الساعة. 889 - روى البخاري ومسلم عن حذيفة بن اليَمانِ رضي الله عنهما، قال: كنا عند عُمَر، فقال أَيُّكم يَحفظُ حديثَ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم في الفتنة؟ فقلت: أنا أَحْفَظُهُ كما قال. قال: هاتِ، إِنَّكَ لَجَرِيءٌ، وكيف قال؟ قلتُ: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم يقول: "فِتْنَةُ الرجل في أهلِه ومالِه ونفسٍه وولدِه وجارِه، يكفِّرها الصيامُ والصلاةُ والصدقةُ، والأمرُ بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ". فقال عُمَر: ليسَ هذا أريدُ، إنما أريدُ التي تموجُ كموج البحر. قال: قلتُ: مالكَ ولها يا أميرَ المؤمنين؟ إن بينك وبينها باباً مُغْلَقَاً. قال: فَيُكْسَرُ الباب أو يُفْتَح؟ قال: قلتُ: لا، بل يُكْسَر، قال: ذاك أَحْرَى أن لا يُغْلَق أبداً. قال: فقلنا لحُذَيْفة: هل عمر يَعْلَم مَنِ البابُ؟ قال: نعم، كما يعلم أن دُون غَدٍ الليلة، إنِّي حَدَّثته حديثاً ليس بالأغاليطِ. قال: فَهِبْنا أن نسألَ حذيفة: مَنِ البابُ؟ فقلنا لمسروقٍ: سَلْهُ. فسأله، فقال: عُمَر. ورواه الترمذي (1) إلى قوله: بل يُكْسَرُ. قال: إذاً لا يُغْلَق إلى يوم القيامة. قال أبو وائل: فقلت لمسروق، سَلْ حُذَيْفة عن الباب. فسأله فقالَ: عُمَر. أقول: هذا الحديث من معجزاته عليه الصلاة والسلام، إذ فيه تصريح باستشهاد عمر وما سيحدث بعد ذلك من فِتَن.

_ 889 - البخاري (2/ 8) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 4 - باب الصلاة كفَّارة. مسلم (1/ 128) 1 - كتاب الإيمان، 65 - باب بيان أن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً ... (1) الترمذي (4/ 524) 24 - كتاب الفتن، 71 - باب حدثنا محمود بن غيلان .. وقال: هذا حديث صحيح. (لَجريء) الجرأة: الإقدام على الأمر العظيم. (بالأغاليط) جمع أغلوطة، وهي المسائل التي يغلَّط بها، والأحاديث التي تذكر للتكذيب.

890 - * روى الحاكم عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: "إِذَا افْتَتَحْتُمُ مِصْرَ فاسْتَوْصُوا بالقِبْطِ". وفي رواية: "فَاستَوصُوا بِأَهلِهَا خَيْرَاً فإنَّ لهم ذِمَّة وَرَحِماً". 891 - * روى مسلم عن أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: "إنكم سَتَفْتَحُونَ أرضاً يُذكَر ُ فيها القِيراطُ فاسْتَوصوا بأهلها خيراً فإن لهم ذمةً ورحماً". وقال صلى الله عليه وسلَّم فيما ثبت عنه في الصحيحين (1): "إذا هَلَكَ قَيْصَرُ فلا قَيْصَرَ بعده وإذا هلك كِسْرَى فلا كسرى بعده والذي نفسي بيده ليُنْفِقُنَّ كنوزهما في سبيل الله". أقول: استؤصلت دولة الأكاسرة سنة اثنتين وثلاثين للهجرة ولم تعد ولن تعود بإذن الله تعالى، واستؤصلت دولة القياصرة بفتح القسطنطينيَّة على يد محمد الفاتح رحمه الله، فبعد أن سقط كسرى لم يظهر كسرى بعده، وبعد أن سقط قيصر لم يظهر قيصر بعده. 892 - * روى مسلم عن عامر بنِ سعدِ بنِ أبي وقَّاص: كتبتُ إلى جابرِ بن سَمُرةَ مع غلامي نافعٍ: أن أخبرني بشيءٍ سمعتَهُ من رسول اللهِ صلى الله عليه وسلَّم. فكتب إليَّ: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلَّم في يوم جمعة، عَشِيَّةَ رَجِمَ الأسلميُّ، قال: "لا يزال الدِّين قائماً حتى تقوم الساعةُ، أو أن يكونَ عليكُم اثنا عَشَرَ خليفةً؛ كُلُّهم مِن قُرَيشٍ". وسمعته يقول: "عُصَيبة من المسلمين يفتتحون البيتَ الأبيضَ: بَيْتَ كِسرى- أو آل كِسرى". وسمعتُه يقول: إنَّ بينَ يدي الساعة كذَّابِين، فاحذروهم". وسمعته يقول: "إذا أعطى اللهُ

_ 890 - المستدرك (2/ 553). وقال: صحيح على شرط الشيخين. ومجمع الزوائد (1/ 62). وقال: رواه الطبراني بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح. (ذمة): الحق والحُرمة، وهي هنا بمعنى الذمام. (رَحِماً) الرَّحِم: لكَوْنِ هاجر أم إسماعيل منهم. وقد افتتحها عمرو بن العاص في سنة عشرين أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. 891 - مسلم (4/ 1970) 44 - كتاب فضائل الصحابة، 56 - باب وصية النبي صلى الله عليه وسلَّم بأهل مصر. (1) البخاري (6/ 625) 61 - كتاب المناتب، 25 - باب علامات النُّبوَّة في الإسلام. مسلم (4/ 2226) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 17 - باب لا تقوم الساعة ... 892 - مسلم (2/ 1453) 33 - باب الإمارة، 1 - باب الناس تبع لقريش ... =

أحدَكم خَيْرَاً فليبدأَ بنفسهِ وأهلِ بيته". وسمعته يقول: "أنا الفَرَطُ على الحوضِ". وفي رواية سِماكِ بن حربٍ (1) عن جابرِ بنِ سَمُرةَ: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قال: "لَتَفْتَحَنَّ عِصابةٌ من المسلمين أو المؤمنين كَنْزَ آلِ كِسْرى الذي في الأبيض". وفي رواية أخرى (2) قال: "لَنْ يَبْرَح هذا الدِّين قائماً يقاتِل عليه عِصابةٌ من المسلمين حتى تقوم الساعةُ". أقول: قد وجد من خلفاء أمته القريشين الكثير، فالخلفاء الراشدون والخلفاء الأمويون والخلفاء العباسيون كلهم قرشيون، وتخصيص الإثنى عشر خليفة بالذكر إشارة إلى خلفاء يكون لقيام الدين في عصرهم شان خاص، فإذا كان المراد بالحديث الإثنى عشر خليفة الأوَّل في تاريخ لأمَّة الإسلاميَّة، والذين يستكملون بعمر بن عبد العزيز رحمه الله، فالمراد بذلك قيامُ الدِّينِ بسبب من قوَّة اليقين عند الصحابة وكبار التابعين، وفي الرواية أكثر من مُعْجِزةٍ وقَعتْ كفتحِ المدائِن وبعضها قائمٌ، وهو أن هذا الدين لا تزال طائفة تحمله. 893 - * روى البخاري ومسلم عن أَبي هُرَيرَة رضي الله عنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلَّم قال: "لَاتَقُومُ السَّاعةُ حَتَّى تَقْتَتِل فِئَتَانِ مِنَ المُسْلِمِينَ، فَيَكُونَ بَيْنَهُمَا مَقتلَةٌ عَظِيمَةٌ دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ". أقول: الظاهر أن في الحديث إشارة إلى ما وقع بين علي رضي الله عنه من جهة وبين عائشة وطلحة والزبير من جهة أخرى، فكل من الجهتين كانت دعواه نصرة الحق، فالجهتان مجتهدات والصواب مع علي رضي الله عنه، أو ما جرى بين علي ومعاوية رضي الله عنهما

_ = (الفَرَط): الذي يتقدَّم الورَّاد، فيهيئ لهم الجبال والدِّلاء والحياض ويستقي لهم، وهو فَعَل بمعنى فاعل، يقال: رجل فَرَطٌ، وقوم فرط. (1) مسلم (4/ 2227) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 18 - باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل ... إلخ. (2) مسلم (3/ 1524) 33 - كتاب الإمارة، 53 - باب قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ... " إلخ. 893 - البخاري (13/ 81) 92 - كتاب الفتن، 25 - باب حدَّثنا مسدد حدثنا يحيى ... إلخ. مسلم (4/ 2214) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 4 - باب إذا تواجه المسلمان بسيفيهما.

فكلاهما كان يدعي نصرة الحق، والصواب كان مع علي، وما جرى بين علي والآخرين وردت فيه نصوص كثيرة وكلها من معجزاته عليه الصلاة والسلام، وقد ذكرناها في القسم الأول من هذا الكتاب. 894 - * روى الترمذي عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: "والذي نفسي بيده لا تقومُ السَّاعةُ حتى تَقْتُلُوا إِمَامكم، وتَجتَلِدُوا بأَسْيَافكم، ويَرِثُ دُنياكم شِرارُكم". أقول: في الحديث إشارة إلى قتل عثمان رضي الله عنه، وقد وردت في ذلك نصوص صريحة ذكرناها في القسم الأول، وكلها من معجزاته عليه الصلاة والسلام. 895 - * روى أبو داود عن سعيد بنِ زيدٍ رضي الله عنه، قال: كنَّا عندَ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم، فذكر فتنةٌ عَظُمَ أَمْرَهَا، فقلنا- أو قالوا-: يا رسولَ الله، لئن أّدْرَكَتْنَا هذه لَنَهْلِكنَّ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: "كَلَّا إنّ بِحَسْبِكم القتل". قال سعيد: فرأيت إخواني قُتِلوا. 896 - * روى أبو يعلي عن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: "تَزْعُمون أني من آخِرِكم وفاةً ألا وإني من أولكم وفاة وَلَتتَّبِعُني أفناداً يَضْرِبُ بعضُكم رقابَ بعض". وفي لفظ الطبراني عن معاوية بن أبي سفيان، قال: كنا جلوساً في المسجد إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم فقال: "إنكم تتحدثون أني من آخركم وفاة ألا وإني من أولكم وفاة وَلَتتَّبِعُني أفناداً يَضْرِبُ بعضُكم بعضاً" ثم نَزَع بهذه الآية: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ

_ 894 - الترمذي (4/ 468) 34 - كتاب الفتن، 9 - باب ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقال: هذا حديث حسن. وابن ماجه (2/ 1394) 29 - كتاب الفتن، 25 - باب أشراط الساعة. 895 - أبو داود (4/ 105) -كتاب الفتن والملاحم، باب ما يرجى في القتل. إسناده صحيح. (بحسْبكم القتلَ) أي: إنَّ القتل كافيكم ومقنعكم. 896 - مجمع الزوائد: (7/ 206). وقال: رواه أبو يعلي والطبراني في الأوسط والكبير ولفظه فيه عن معاوية .. , ورجالهما ثقات. (أفناداً): جماعات متفرقين قوماً بعد قوم.

يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ * وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ * لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} (1). ثم قال: "لا تبرح عِصابة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين لا يبالون خُذلان من خَذَلهم ولا من خالَفهم حتى يأتي أمر الله على ذلك". ثم نَزَع بهذه الآية: {يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} (2). 897 - * روى مسلم عن نافع بن عتبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قال: "تغزون جزيرة العرب فيفتحُها الله ثم فارسَ فيفتحها الله ثم تغزون الرومَ فيفتحها اللهُ ثم تغزون الدجالَ فيفتحه الله". أقول: في الحديث أكثر من معجزة، منها الإشارة إلى فتح قبرص، وقد كان ذلك، وافتتحها المسلمون في زمن عثمان رضي الله عنه. 898 - * روى البخاري عن سعيد بن المسيِّب رحمه الله قال: وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ الأولى- يعني مقتلَ عثمانَ- فلم يبقَ ن أصحاب بدرِ أحدٌ، ثم وقعت الفتنةُ الثانية- يعني الحرةَ، فلم يبق من أصحاب الحُديْبِيَّة أحدٌ، ثم وقعت الفتنة الثالثة، فلم ترتفعُ وبالناس طَبَاخٌ. 899 - * روى أحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلَّم قال: "تَدُورُ رَحَى الإسلام لخمسٍ وثلاثين- أو سِتٍّ وثلاثين، أو سبعٍ وثلاثين- فإن يَهْلِكُوا

_ (1) الأنعام: 65، 66، 67. (2) آل عمران: 55. 897 - مسلم (4/ 2225) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 12 - باب ما يكون من فتوحات المسلمين قبل الدجال. 898 - البخاري (7/ 213) 64 - كتاب المغازي، 12 - باب حدثني خليفةُ حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ... إلخ. (طَبَّاخ) أصل الطَّبَّاخ: القوَّة والسِّمَنُ، ثم استعمل في غيره، فقيل: فلان لا طباخ له، أي لا عقل له ولا خير عند، المراد: أنها لم تبقِ في الناسِ من الصحابة أحداً. 899 - أحمد (1/ 390). وأبو داود (4/ 98) - أول كتاب الفتن والملاحم، باب ذكر الفتن ودلائلها. وإسناده صحيح. وابن حبان (8/ 231). وصححه في المستدرك (4/ 521). وقال هذا حديث الإسناد. ووافقه الذهبي.

فسبيلُ مَنْ هَلَكَ، وإن يَقُم لهم دينهم: يَقُمْ لهم سَبعين عاماً". قال: قلت: أَمِمَّا بقى، أو مما مضى؟ قال: "مما مضى". قال ابن الأثير: تدور رَحى الإسلام، يُقال: دارت رَحى الحرب: إذا قامت على ساقها، والمعنى فيما قيل: إن الإسلام عند قيام أمره على سُنن الإستقامة، والبعد من أحداث الظُّلمة إلى أن تنقضي هذه المدة التي ذكرها وهي خمس وثلاثون سنة، ووجهه: أن يكون قاله وقد بقي عمره صلى الله عليه وسلَّم خمس سنين أو ست سنين، فإذا انضمَّت إلى مدَّة خلافة الخلفاء الراشدين- وهي ثلاثون سنة- كانت بالغة ذلك المبلغ، وإن كان أراد خمس وثلاثين سنة من الهجرة، ففيها خرج أهل مصر وحصروا عثمان، وإن كانت سنة ست وثلاثين، ففيها كانت وَقْعَة الجمل، وإن كانت سنة سبع وثلاثين، ففيها كانت وَقْعَة صِفِّين. أ. هـ. أقول: وأما قوله: (يقم لهم سبعين عاماً): فقد يكون المراد به قيام الدين على سنن الاستقامة، وغلبة أهل الحق على أهل الأهواء والبِدع، حتى تقوم الحجَّة وتوجد الأسس التي يستمر بها الدين الحق على كثرة أهل الضلالة والمنحرفين. 900 - * روى أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: "تعوذوا بالله من رأس السَّبعينَ ومن إمارةِ الصبيانِ". وقال: "لا تذهبُ الدنيا حتى تصيرَ لِلُكَعٍ ابنِ لُكَعٍ". أقول: وكان أبو هريرة رضي الله عنه يستعيذ من أن تدركه سنة ستين وإمرة الصبيان، وسنة ستين هي السنة التي تأمَّر فيها يزيد بن معاوية، وبعد وفاته أمَّر ابنه معاوية وكان صغيراً

_ 900 - أحمد (2/ 329). ورجاله رجال الصحيح غير كامل بن العلاء وهو ثقة وقال في التقريب: صدوق يخطئ. وكشف الأستار (4/ 126). مجمع الزوائد (7/ 220). وقال: رواه احمد والبزار ورجال أحمد رجال الصجحيح غير الكامل بن العلاء وهو ثقة. وقال في التقريب: صدوق يخطئ. (اللُكَع): العبد، واستعمل في الحمق والذم.

ولكنه استقال واعتزل، ثم كانت الفتنة والقتال بين ابن الزبير وبني أُميَّة، فسنة سبعين كانت سنة سبقتها إمرة الصبيان. 901 - * روى ابن ماجه عن أبي موسى؛ حدَّثَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: "إنَّ بَيْنَ يَدَي السَّاعة لَهَرْجَاً". قال: قلتُ: يا رسولَ الله، ما الهَرْجُ؟ قال: "القَتْلُ". فقال بعضُ المسلمين: يا رسول الله، إِنَّا نَقتُل الآن في العام الواحد من المشركين كذا وكذا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: "ليس بقتل المشركين ولكن يقتل بعضكم بعضاً، حتى يقتل الرجل جاره وابن عمه وذا قرابته". فقال بعض القوم: يا رسول الله، ومعنا عقولنا، ذلك اليوم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: "لا. تنزع عقول أكثر ذلك الزمان. ويخلف له هباء من الناس لا عقول لهم". ثم قال الأشعري: وأيْم الله، إنِّي لأظنها مدركتي وإيَّاكُم. وأيم الله، مَا لي ولكم مِنْها مخرج، إن أدركتنا فيما عَهِد إلينا نبينا صلى الله عليه وسلَّم، إلا أن نخرج كما دخلنا فيها. أقول: في الحديث إشارة إلى وقعة الحرة، وما بعدها من قتال على الملك والعصبيَّة دون تعقُّل. والله أعلم. 902 - * روى ابن ماجه عن أبي ذرِّ؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: "كيف أنت يا أبا ذرّ، وموتاً يُصيب الناسَ حتى يقومَ البيتُ بالوصيفِ؟ ". (يعني القبر).

_ 901 - ابن ماجه (2/ 1309) كتاب الفتن، 10 - باب التثبيت في الفتنة. والحديث صحيح. ونحوه أحمد (2/ 294). (لا) أي لا عقل معكم ذلك اليوم، ثمَّ بين ذلك بقوله: تنزع: أي لا يكون ذلك مع عقولكم بل تنزع عقول أكثر ذلك ذلك الزمان، لشدة الحرص والجهل. (هباء) الهباء الذرات التي تظهر في الكوة بشعاع الشمس. والمراد: الحثالة مع الناس. (إني لأظنها) أي تلك الحالة. 902 - ابن ماجه (2/ 1308) 36 - كتاب الفتن، 10 - باب التثبيت في الفتنة. وأبو داود (4/ 101) كتاب الفتن والملاحم، باب في النهي عن السعي في الفتنة. وهو حسن. (حتى يقوِّم): من التقويم، أي يقوم البيت بالوصيف. (بالوصيف): المراد بالبيت القبر، وبالوصيف الخادم والعبد. أي يكون العبد قيمة القبر بسبب كثرة الأموال. وقيل: المراد بالبيت المتعارف. والمعنى أن البيوت تصير رخيصة لكثرة الموت وقلَّة من يسكنها، فيباع البيت بعبدٍ. =

قُلْتُ: مَا خَارَ اللهُ لِي وَرَسُولُهُ. (أَوْ قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ). قَالَ: "تَصَبَّرْ" قَالَ: "كَيْفَ أَنْتَ وَجُوعَاً يُصِيبُ النَّاسَ حَتَّى تَأْتِي مَسْجِدَكَ فَلَا تَسْتَطِيعَ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى فِرَاشِكَ، وَلَا تَسْتَطِيعَ أَنْ تَقُومَ مِن ْ فِرَاشِكَ إِلَى مَسْجِدِك؟ " قَالَ: قُلْتُ اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. (أَوْ مَا خَارَ اللهُ لِي وَرَسُولُهُ). قَالَ: "عَلَيْكَ بِالْعِفَّةِ". ثُمَّ قَالَ: "كَيْفَ أَنْتَ وَقَتْلَاً يُصِيبُ النَّاسَ حَتَّى تَغْرَقَ حِجَارَةُ الزَّيْتِ بِالدَّمِ؟ " قُلْتُ: مَا خَارَ اللهُ لِي وَرَسُولُهُ. قَالَ: "الحَقْ بِمَنْ أَنْتَ مِنْهُ". قَالَ؛ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلَا آخُذُ سَيْفِي فَأَضْرِبَ بِهِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَ شَارَكْتَ الْقَوْمَ إِذَاً! فَإِنْ دَخَلَ بَيْتِي؟ قَالَ: "إِنْ خَشِيتَ أَنْ يَبْهَرَك شُعَاعُ السَّيْف، فَأَلْقِ طَرَف رِدَائِكَ عَلَى وَجْهِكَ فَيَبُوءَ بِإِثْمِه وإِثْمِكَ، فَيَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ". أقول: في الحديث إشارة إلى الطاعون الذي أصاب جيش الصَّحابة في الشَّام، وفيه إشارة إلى المجاعة التي حدثت في زمن عُمَر وسُمِّي عامها عام الرمادة، وفيه إِشارة إلى وقعة الحرة. وكل ذلك قد وقع، ففي الحديث معجزات متعددة وفي الحديث التالي ذِكر لبعض مما مر في هذا الحديث. 9.3 - * روى أبو داود عن أبي ذر الغِفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: "يا أبا ذَرٍّ". قلتُ: لَبَّيْك يا رسول الله وسعديك ... فذكر الحدث. كذا قال أبو داود، ولم يذكر لفظه، وقال فيه: "كيف أنت إذا أَصابَ الناسَ موتٌ يكون البيت فيه بالوَصيف؟ " قلتُ: الله ورسوله أعلم- أو قال: ما خارَ اللهُ لي ورسولُه- قال: "عليك بالصبر"- أو قال: "تَصَبَّر"- ثم قال لي: "يا أَبا ذَرٍّ". قلت: لبيك

_ = (حجارة الزيت) موضع بالمدينة في الحرة سمي بها لسواد الحجارة، كأنها طُلِيَّت بالزيت، أي الدم يعلو حجارة الزيت ويسترها لكثرة القتلى وهذا إشارة إلى وقعة الحرة التي كانت في زمن يزيد. (بمن أنت منه) أي بأهلك وعشيرتك. (إن خشيت أن يُبْهِرك شعاع السيف) أي إن غلبك ضوء السيف وبريقه، فَغَطِّ وجهك حتى يقتلك. (يبوء) باء بالإثمِ يبوء: إذا رجع حاملاً له. 903 - أبو داود (4/ 101) كتاب الفتن باب النهي عن السَّعي في الفتنة، وهو حديثٌ حسن.

وسعديك. قال: "كيف أنتَ إذا رأيتَ أحجارَ الزيت قد غَرِقَتْ بالدَّم؟ " قلت: ما خار الله لي ورسوله. قال: "عليك بمن أنتَ منه". قلتُ: يا رسول الله، أفلا آخذ سيفي فأضَعْهُ على عاتقي؟ قال: "شاركتَ القومَ إذاً". قلت: فما تأمُرْني؟ قال: "تَلْزَمُ بَيْتَكَ". قُلت: فإن دَخل عليَّ بيتي؟. قال: "إن خشيت أن يَبْهَرَك شعاعُ السَّيف، فألقِ ثوبك على وجهك، يبوء بإثمِكَ وإثمِهِ". 904 - * روى البخاري عن سعيد بن عَمْرو بن سعيد ين العاص، قال: كنتُ مع مَرْوَانَ وأبي هُريرة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلَّم، فسمعتُ أبا هُريرة يقول: سمعتُ الصادقَ الصدوقَ يقول: "هَلاكُ أُمَّتي على يَدَي أُغَلْلِمةٍ من قريش". فقال مروان: غِلْمَةٌ. قال أبو هريرة: إن شئت أن أُسَمِّهم بني فلانٍ وبني فلان. وفي رواية (2): قال عَمرو بن يحيى بنِ سعيد: أخبرني جدِّي قال: كنتُ جالساً مع أبي هُريرة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلَّم بالمدينة ومَعَنا مروانُ، فقال أبو هريرة: سمعتُ الصادق الصدوق يقول: "هَلَكَةُ أُمَّتي على يَدَيِّ غِلْمَةٍ من قُرَيْشٍ". قال مروانُ: لعنةُ الله عليهم غِلْمَةً؟ فقال أبو هريرة: لو شئتُ أن أقولَ: بنو فلانٍ لَفَعَلْتُ. قال: فكنتُ أخْرُجُ مع جدي سعيد إلى الشام، حين مَلَكَهُ بنو مروانَ، فإذا رآهم غِلماناً أحداثاً، قال لنا: عسى هؤلاء الذين عَنى أبو هُريرة، فقلت: أنتَ أعلمُ. 905 - * روى الطبراني عن عُمَيْرِ بنِ سعيدٍ، قال: كنا جلوساً مع ابن مسعود، وأبو موسى عندَه، وأخذ الوالي رجلاً فَضَرَبَهُ وحَمَلَهُ على جملٍ. فجعل الناسُ يقولون الجملُ الجملُ. فقال رجلٌ: يا أبا عبدِ الرحمن هذا الجملُ الذي كنَّا نسمعُ. قال: فأينَ البَارقةُ.

_ 904 - البخاري (6/ 612) 61 - كتاب المناقب، 25 - باب علامات النبوة في الإسلام. (الصادق الصدوق): هو النبي صلى الله عليه وسلَّم، وصَدَق في قوله وما أخبر به، وصدَّق فيما جيء به إليه من الوحي. (أَغْيْلِمة) تصغير: أغلمة في التقدير (1) البخاري: (13/ 9) 93 - كتاب الفتن، 3 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلَّم: "هلاك أمتي على يدي أغيلمة سفهاء". 905 - مجمع الزوائد (7/ 327). وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.

أقول: تشير الرواية إلى أن الصحابة كان عندهم علم عن رسولهم عليه الصلاة والسلام بأن أمراءَ سيستعملون أنواعاً من العقوبات؛ منها عقوبة التشهير بإركاب المعاقَب على جملٍ والتشهير به. والبارقة: السيوف. 906 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: "في ثَقِيفٍ كَذَّابٌ وَمُبِيرٌ". قال الترمذي: ويقال: الكذَّاب: المختارُ بن أبي عُبَيْد، والمبير: الحجَّاج بن يوسفَ. 907 - * روى البخاري عن الزبير بن عُدَي، قال: دَخَلْنا على أنس بن مالك فَشَكَوْنا إليه ما نَلْقي من الحَجَّاجِ، فقال: "اصْبِرُوا، لا يأتي عليكم زمانٌ إلا الذي بعدَه شرٌّ منه، حتى تَلْقَوْا ربَّكم". سمعتُ هذا من نبيكم. أقول: قوله: "حتى تلقوا ربكم": هل المراد جيل الصحابة أو المراد الأمة الإسلامية بإطلاق؟ أرجع الأول للحديث الحسن: "أُمَّتي كالمطر لا يُدرى أوَّله خيرٌ أم آخره". وقد حمله بعضهم على العموم، واعتبر ما يحدث من تجديد في القرون، وما يحدث من انتعاشات وانتصارات للإسلام لا يتنافى مع إطلاق الحديث، فالحديث لا ينفي أنه لا يوجد خير بعد الزمن الأول، ولكن الخيريَّة نسبيَّة فهي تتضاءل بمجموعها في الزمن اللاحق بالنسبة للزمن السابق. وأرجح أن الحديث خاص بجيل الصحابة.

_ 906 - الترمذي (4/ 499) 24 - كتاب الفتن، 44 - باب ما جاء في ثقيف كذاب ومبير. وهو حديث صحيح. (المبير): المهلك، من البوار: الهلاك. 907 - البخاري (13/ 19) 92 - كتاب الفتن، 6 - باب لا يأتي إلا بعده شر منه. والترمذي (4/ 492) 24 - كتاب الفتن، 25 - باب "منه". وقال: هذا حديث حسن صحيح.

908 - * روى أحمد عن الشعبي قال: سمعت عبد الله بن الزبير وهو مستند إلى الكعبة، وهو يقول: ورب الكعبة لقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم فلاناً وما ولد من صلبه. أقول: اللعنة تنصبُّ على الكافرين من أبناء الحكم، وهذا التخصيص لا بد منه؛ لأن من أسلم من ذريَّة الحكم لا تنصب عليه اللعنة إلا إذا كان في قلبه نفاق أو عمل أعمالاً يستحق بها اللعنة. 909 - * روى البزار عن عبد الله البَهيِّ مولى الزبير قال: كنتُ في المسجد ومروان يَخطبُ فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: والله ما استخلف [أي رسول الله صلى الله عليه وسلَّم] أحداً من أهله. فقال مروان: أنت الذي نزلت فيك: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا} (1). فقال عبد الرحمن: كَذّبْتَ ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم لَعَنَ أباك. 910 - * روى احمد عن عبد الله بن عمرو قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلَّم وقد ذهب عمرو بن العاص يلبس ثيابه ليلحقتي فقال ونحن عنده: "ليدخلن عليكم رجلٌ لعين". فوالله ما زلت وجلاً أتشوف خارجاً وداخلاً حتى دخل فلان (يعني الحكم). وعن أبي هريرة (2) أن النبي صلى الله عليه وسلَّم رأى في منامِهِ كأنَّ بني الحكم يَنْزَونَ على مِنْبَرِهِ

_ 908 - أحمد (4/ 5). وكشف الأستار (2/ 947). والمعجم الكبير (4/ 481). مجمع الزوائد (5/ 241) وقال: رواه أحمد والبزار إلا أنه قال: لعن الله الحكم وما ولد على لسان نبيه صلى الله عليه وسلَّم، والطبراني ... بنحوه وعنده رواية كرواية أحمد، ورجال أحمد رجال الصحيح. 909 - كشف الأستار (2/ 247). مجمع الزوائد (5/ 241) وقال: رواه البزار وإسناده حسن. (1) الأحقاف: 17. 910 - أحمد (2/ 163). وكشف الأستار (2/ 247). مجمع الزوائد (5/ 241) وقال: رواه أحمد والبزار إلا أنه قال: دخل الحكم بن أبي العاص، والطبراني في الأوسط ورجال أحمد رجال الصحيح. (2) مجمع الزوائد (5/ 243). وقال: رواه أبو يعلي ورجاله رجال الصحيح غير مصعب بن عبد الله بن الزبير وهو ثقة.

ويَنزِلون، فأَصْبَحَ كالْمُتَغَيِّظِ، وقال: "مالي رأيتُ بني الحكم يَنْزَونَ على منبري نَزَوُّ القِرَدَةِ". فما رأيته صلى الله عليه وسلَّم مُسْتَجْمِعَاً ضاحِكاً بعدَ ذلك حتى مات. 911 - * روى الترمذي عن هشام بن حسَّان، قال: أُحْصِي ما قَتلَ الحجَّاج صَبْرَاً، فَوُجِدَ مائةَ ألفٍ وعشرين ألفاً. 912 - * روى أحمد عن عمر بن الخطاب قال: وُلِدَ لأخي أم سلمةَ زوج النبي صلى الله عليه وسلَّم غلامٌ فسَمَّوْهُ الوليدَ فقال النبي صلى الله عليه وسلَّم: "سميتُموه باسم فَراعِنَتِكُم لِيَكونَنَّ في هذه الأمة رجل يقال له الوليدُ لهو أشرُّ على هذه الأمةِ من فرعون لِقومِهِ" أقول: لعل المراد بالحديث هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك، وكان من شأنه أن استغرق باللهو وظهرت عليه أمارات الجبروت، وقد قتله بنو أُميَّة أخيراً. وكان الأوزاعي يحمل هذا الحديث على ما ذكرناه كما أورده ابن الحجر في الفتح. وذكر له ابن حجر شاهداً عن أم سلمة أخرجه إبراهيم الحربي في "غريب الحديث" من رواية محمد ابن إسحق عن محمد بن عمرو عن عطاء عن زينب بنت أم سلمة عن أمها قالت: دخل عليَّ النبي صلى الله عليه وسلَّم وعندي غلام من آل المغيرة اسمه الوليد، فقال: "من هذا؟ " قلت: الوليد، قال: "قد اتخذتم الوليد حنانا، غيروا اسمه فإنه سيكون في هذه الأمة فرعون يقال له الوليد" (1).

_ = (يَنْزَوْن): يُقَال نَزَوْتُ عَلَى الشَّيْءِ أَنْزُو نَزْوَاً، إذا وَثَبْتُ عليه. ويقال: نَزَا يَنْزُو نَزَاءٌ ونَزْوَاً ونَزْوَاناً. 911 - الترمذي (4/ 499) 24 - كتاب الفتن، باب ما جاء في ثقيف .. إلخ. وإسناد الترمذي إلى هشام بن حسَّان صحيح (صبراً) قتلته صبراً: إذا حبسته على القتل، فكل من فتل في غير حرب ولا اختلاس- كمن يُضرب عنقه، أو يُحبَس إلى أن يموت، أو يُصلَب، أو نحو ذلك من هيئات القتل- فهو مقتول صبراً. 912 - أحمد (1/ 18). مجمع الزوائد (7/ 313). وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات. (1) انظر فتح الباري (10/ 580/581).

913 - * روى أحمد عَنْ أَبِي بُرْدَةَ؛ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ مَسْلَمَةَ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلَّم قَال: "إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ وفُرْقَةٌ واخْتِلَافٌ. فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَاتِ بِسَيْفِكَ أُحُدا، فَاضْرِبْهُ حَتَّى يَنْقَطِعَ. ثمَّ اجْلِسْ فِي بَيْتِكَ حَتَّى تَأْتِيكَ يَدٌّ خَاطِئَةٌ، أَوْ مَنِيَّةٌ قَاِضيَةٌ". فَقَدْ وَقَعَت. وَفَعَعلْتُ مَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أقول: ما أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قد وقع وشارك بعض الصحابة في قتال مجتهدين وبعضهم اعتزل، وكان ممن اعتزل محمد بن مسلمة، والسؤال كيف لم يعتزل بقية الصحابة مع وجود مثل هذه الروايات؟ والجواب أنه بالإمكان حمل مثل هذه الرواية على أنها فتوى خاصة لأناس مخصوصين. 914 - * روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلَّم يقول وهو على المنبر: "ألا إن الفتنةَ هاهُنا" ويُشِيرُ إلى المشرق. "من حيثُ يطلَع قَرْنُ الشَّيْطَانِ" وفي رواية قال- وهو مستقبِل المشرق: "هَا، إن الفتنة هاهنا" ثلاثاً- وذكره. وفي أخرى (1) أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلَّم- وهو مستقبِل المشرق- يقول: "ألا إن الفتنة هاهنا من حيث يطلعُ قرنُ الشيطان". وللبخاري (2) قال: قام النبي صلى الله عليه وسلَّم خطيباً، فأشار نحو مسكنِ عائشةَ، فقال: "هنا الفتنة- ثلاثاً- من حيث يطلع قرن الشيطان". وللبخاري (3) بزيادة في أوله: أن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال: "اللهم بارِكْ لنا في شامِنا، اللهم بارِك لنا في يَمنِنا". قالوا: وفي نَجْدِنا، قال: " اللهم بارِكْ لنا في شامِنا،

_ 913 - أحمد (3/ 493). وابن ماجه (2/ 1310) 36 - كتاب الفتن، 10 - باب التثبيت في الفتنة. وهو حديث صحيح. 914 - البخاري (12/ 45) 92 - كتاب الفتن، 16 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلَّم: "الفتنة من قِبَل المشرق". مسلم (4/ 2228)، 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 16 - باب الفتنة من المشرق ... (1) البخاري (13/ 45) 92 - كتاب الفتن، 16 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلَّم: "الفتنة من قِبَل المشرق". (2) البخاري (6/ 210) 57 - كتاب فرض الخمس، 4 - باب ما جاء في بيوت أزواج النبي ... (3) البخاري (13/ 45) 92 - كتاب الفتن، 16 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلَّم: "الفتنة من قِبَل المشرق"

اللهم بارِك لنا في يَمنِنا". قالوا: وفي نجدِنا؟ قال: "اللهم بارِكْ لنا في شامِنا، اللهم بارِك لنا في يَمنِنا". قالوا: يا رسول الله، وفي نجدِنا؟ فأظنه قال في الثالثة: "هنالك الزَّلازِلُ والفِتَنُ، ومنها يطلِعُ قَرْنُ الشَّيطَان". وقد اختُلف على ابن عَوْنٍ فيهِ، فروى عنه مسنداً، وروى عنه موقوفاً على ابن عمر من قوله. وله في رواية أخرى (1) قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلَّم يشير إلى المشرق، ويقول: "ألا إن الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان". ولمسلم (2) قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلَّم من بيت عائشة، فقال: "رأسُ الكُفْرِ من ها هنا، من حيث يطلع قرن الشيطان". وفي أخرى له (3) عن سالم: أنه قال: يا أهل العراق، ما أَسْأَلَكُم عن الصغيرة، وأَرْكَبَكُم للكبيرة!! سمعتُ أبي عبد الله بن عمر يقول: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم يقول: "إن الفتنة تجيء من ها هنا"- وأومأَ بيده نحو المشرق- "من حيث يطلعُ قَرْنُ الشيطان". وأنتم يَضرِبُ بعضكم رِقابَ بعضٍ، وإنما قَتَل موسى الذي قَتَلَ من آل فرعون خطأً، فقال الله له: {وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} طه: 40. وفي أخرى (4) له أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قام عند باب حفصةَ- وقال بعض الرواة: عند باب عائشةَ- فقال بيده، نحو المشرق: "الفتنة ها هنا، من حيث يطلع قرن الشيطان"- قالها مرتين أو ثلاثاً. 915 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: "رأسُ الكُفْرِ نَحْو المَشرقِ، والفَخْرُ والخُيلاءُ في أهل الخيْلِ والإبلِ: الفَدَّادينَ

_ (1) البخاري (6/ 226) 59 - كتاب بدء الخلق، 11 - باب صفة إبليس وجنوده. (2) مسلم (4/ 2229) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 16 - باب الفتنة من المشرق من حيث يطلع قرن الشيطان (3) مسلم: الموضع السابق. (4) مسلم: الموضع السابق. 915 - البخاري (6/ 250) 59 - كتاب بدء الخلق، 15 - باب خير مال المسلم غنم يتبع بها شغف الجبال. مسلم (1/ 72) 1 - كتاب الإيمان، 21 - باب تفاضل أهل الإيمان. =

أهلِ الوبرِ، السكينةُ في أهل الغنم". ولمسلم (1) أنه قال: "الإيمانُ يمانٍ، والكفرُ قِبَلُ المشرق، والسكينةُ في أهل الغنم، والفخر والرياءُ في الفدَّادين أهلِ الخير والوبر". 916 - (2) اري عن ابن مسعودٍ البَدْري رضي الله عنه، يبلُغُ به النبي صلى الله عليه وسلَّم قال: "من ها هنا جاءتِ الفتنُ نحو المَشرقِ، والجَفاءُ والقسوةُ وغِلَظُ القلوبِ في الفدَّادين، أهلِ الوبَر عند أصولِ أذناب الإبل والبقر، في ربيعةَ ومُضَرَ". أقول: في النصوص التي مرَّت آنفاً ذِكر المشرق بإطلاق، وذكرت نجد والعراق: إن كان المراد بنجد نجداً المعروفة ففي النص إشارة إلى مسليمة الكذَّاب وفتنة القرامطة وأمثال ذلك، وأمَّا العراق فقد ظهرت فيها الخارجيَّة وفتنة الحجَّاج، وفي كل الأحوال ففي النصوص معجزة وقعت. تعقيب: لقد كثرت الأحاديث التي تتحدَّت عما سيكون بعده عليه الصلاة والسلام في جيل الصحابة، وعن مرحلة الخلافة الراشدة والأمويَّة، فإنك تجد مئات المعجزات أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أنها كائنة ووقعت. ولقد مرَّ معنا في هذا القسم الكثير منها أثناء الكلام عن الفرق والفتن خاصة فتنة الخوارج، أمَّا القسم الأكبر منها فقد مرَّ معنا في قسم السيرة النبويَّة أثناء الكلام عن النبوءات وعن تراجم الأزواج والآل والخلفاء الراشدين وبعض الصحابة مما يعتبر كله جزءاً من هذه الفقرة، فليراجع رسالته عليه الصلاة والسلام، فكيف وأعلام رسالته أكثر من أن يُحاط بها. * * *

_ =والموطأ (2/ 970) 54 - كتاب الاستئذان، 6 - باب ما جاء في أمر الغنم. (1) مسلم (1/ 72) 1 - كتاب الإيمان، باب تفاضل أهل الإيمان. 916 - البخازي (6/ 526) 61 - كتاب المناقبظن 1 - باب قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى}. (الجفاء): الغِلظة والقسوة والصلابة.

الفقرة الخامسة حديث جامع

الفقرة الخامسة حديث جامع 917 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قال: "لا تقوم الساعةُ حتى يَقْتَتِل فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ، يكون بينهما مُقْتَلَةٌ عظيمةٌ دعواهما واحدةٌ، وحتى يُبْعَثُ دجَّالون كذَّابون، قريبٌ من ثلاثين، كلُّهم يزعم أنه رسولُ الله، حتى يُقْبَضَ العلمُ، وتكثُرَ الزلازلُ، ويتقاربَ الزمانُ، وتظهرَ الفِتَنُ، ويكثُرَ الهَرْجُ"- وهو القتْلُ القتْلُ- "وحتى يكثُرَ فيكم المالُ فَيَفيضَ حتى يُهِمَّ ربّ المال مَن يقْبَلُ صَدَقَتَه، وحتى يعرضَه، فيقولَ الذي عرَضَه عليه: لا أرَب لي فيه، وحتى يَتَطَاول الناسُ في البُنْيَان، وحتى تَطْلُعَ الشمسُ من مَغْرِبها، فإذا طلعتْ ورآها الناسُ آمنوا أجمعون، فذلك حينَ لا ينفعُ نفساً إِيمانُها لم تكنْ آمنتْ من قَبلُ، أو كسبَت في إيمانها خيراً، ولتقومنَّ الساعةُ وقد نَشَرَ الرجلان ثوبَهما بينهما، فلا يَتَبايَعانه، ولا يَطويانه، ولتقومنَّ الساعةُ وقد انصرفَ الرجلُ بَلبنِ لِقْحَتِهِ، فلا يَطعَمَهُ، ولتقومنَّ الساعةَ وهو يَليطُ حوضَهُ فلا يَسقِي فيه، ولتقومَنَّ الساعةَ وقد رَفَعَ أكلته إلى فِيهِ، فلا يطْعَمْها". ولمسلم (1) في رواية: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلَّم قال: "لا تقوم الساعةُ حتى يخرجَ قريبٌ من ثلاثين كذَّابينَ دجَّالين، كلهم يقول: إنه نبيّ. ولا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، ويؤمن الناس أجمعون، فيومئذٍ لا ينفع نفساً إيمانها لم تكنْ آمنتْ من قَبل أو كسبت من إيمانها خيراً، ولا تقوم الساعةُ حتى تقاتلوا اليهودَ، فيفرَّ اليهوديّ وراء الحجر، فيقولُ: يا عبدَ الله، يا مسلم، هذا يهوديٌّ ورائي. * * *

_ 917 - البخاري (6/ 616) 61 - كتاب المناقب. 25 - باب علامات النبوَّة. مسلم (4/ 2214) 52 - كتاب الفتن، 4 - باب إذا تواجه المسلمان بسيفهما. (1) مسلم (4/ 2240) 52 - كتاب الفتن، 18 - باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل ... (يليطه): لاط الحوض يليطه ويلوطه لَيْطَاً ولُوطَاً: إذا لطخه بالطين وأصلحه به. (أكلته): الأُكلة بضمّ الهمزة: اللقمة.

ولا تقوم الساعةَ حتى تقاتلوا قوماً نِعالهم الشَّعَر". وله (1) في أخرى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: "لا تقوم الساعةُ حتى يكثر فيكم المال ويَفيضَ، وحتى يَخرجَ الرجل بزكاة ماله، فلا يجدُ أحداً يَقبلها منه، وحتى تعود أرضُ العربِ مُرُوجاً وأنهاراً". وفي أخرى (2) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: "لا تقوم الساعة حتى يكثُر فيكم المالُ ويفيضَ، حتى يَهِمُّ ربَّ المال منْ يقْبَلَهث منه صدقةً، يدعو إليه الرجلَ، فيقول: لا أرَبَ لي فيه". أقول: في الحديث معجزات كثيرة ففيه شيء رأته الأمة وفيه شيء نراه الآن. ومما نرى بداياته الآن: قوله عليه الصلاة والسلام: "وحتى تعود بلاد العرب مروجاً وأنهارًا". فنحن الآن نشهد بدايات ذلك. وقوله عليه الصلاة والسلام: "حتى تعود" إشارة إلى أنها كانت كذلك، وهذا الذي تدل عليه الدراسات الحديثة كما يدل عليه وجود البترول. ففي هذه العبارة وحدها معجزتان من معجزاته، وعصرنا يشهد كثرة الزلازل، وشهد الحربين العالميتين، ولا زال يشهد كثرة القتل، كما يشهد عصرنا تطاول الناس في البنيان بأكثر مما شهده أي عصر سابق.

_ (1) مسلم (2/ 701) 12 - كتاب الزكاة، 18 - باب الترغيب في الصدقة قبل أن لا يوجد من يقبلها. (2) مسلم: الموضع السابق.

الفقرة السادسة في: فتح القسطنطينية الأول

الفقرة السادسة في: فتح القسطنطينيَّة الأول 918 - * روى الدارمي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلَّم نكتب، إِذ سُئِل: أي المدينتين تُفْتَحُ أوَّلاً: قسطنطينيَّة أو روميَّة؟ فقال: "لا بل مدينةُ هَرقَلَ أولاً". أقول: في هذا الحديث بشارتان: بشارة بفتح القسطنطينيَّة، وبشارة بفتح روما، وقد فتحنا القسطنطينية ولم نفتح روما. وفي ذلك ما يُعْطينا أنه لا يزال بيننا وبين الساعة أمدٌّ نسبيَّاً. فهناك أمور أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم عن حدوثها قبل قيام الساعة لم تقع بعد، ومن جملتها: ظهور الإسلام على العالم كله تحقيقاً لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث. 919 - * روى أحمد عن المقداد بن الأسود يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلَّم يقول: "لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله كلمة الإسلامِ بعزِّ عزيزٍ أو ذُلِّ ذليلٍ إما يُعِزِّهم لله عز وجلّ فيجعلهم من أهلها أو يُذِلَّهم فَيَدِنون لها". وفي رواية لأحمد أيضاً (1): عن تميم الداري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلَّم يقول: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بِعِزِّ عزيز أو بِذُلِّ ذليل عِزَّاً يُعِزّ الله به الإسلامَ وذُلَّاً يُذِلُّ الله به الكُفْر". وكان تميم الداري يقول: قد عرفت ذلك في أهل بيتي؛ لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعزّ، وقد أصاب من كان منهم كافراً الذُّلّ والصغار والجزية. فهذا الحديث يشير إلى أنَّ هذا الظهور يكون قبل نزول المسيح عليه السلام، لأن

_ 918 - الدارمي (1/ 126) المقدمة، 42 - باب من رخص في كتابة العلم. وهو حديث صالح. 919 - أحمد (6/ 4). وهو حديث صحيح. (1) أحمد (4/ 103).

المسيح لا يقبل الجزية، وفي الحديث إشارة إلى الجزية، وسنرى أن هناك نصوصاً تتحدَّث عن فتح آخر للقسطنطينيَّة يكون بين يدي ظهور الدَّجال مباشرة، وأنَّ القائمين بذلك من غير العرب، وسنرى نصوصاً تتحدَّث عن أنَّ العرب يوم ظهور الدَّجَّال يكونون قليلين، وأنَّ الخلافة الإسلاميَّة حين ظهور المسيح الدَّجَّال ونزول عيسى بن مريم تكون بالقدس، والقول المشهور عند العلماء إن المهدي عليه السلام يكون في زمن عيسى عليه السلام، وكل ذلك يشير إلى أن بيننا وبين علامات الساعة الكبرى أمداً نسبيَّاً. والله أعلم. كما أن هذه النصوص فيها إشارات ضمنيَّة من جملة إشاراتٍ كثيرة نجدها متفرقة في النصوص تدل، على أن اليهود الذين وفدوا إلى فلسطين وقامت لهم دولة في عصرنا ليسوا هم اليهود الذين يقاتلهم المسلمون عند نزول المسيح عليه السلام، إنما هم الذين يفدون مع المسيح الدَّجال. فعاصمة الخلافة وقت ذلك تكون القدسن وقبل ذلك ستكون دولة إسلاميَّة عالميَّة، وكل ذلك يتنافى مع بقاء السلطان الحالي لليهود في فاسطين. * * *

الفقرة السابعة في: قتال التتار والمغول والأتراك قبل إسلامهم

الفقرة السابعة في: قتال التتار والمغول والأتراك قبل إسلامهم 920 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هُريْرَة رضي الله عنه، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلَّم قال: "لا تقوم السَّاعة حتى تُقَاتِلوا قوْماً نِعالهم الشَّعَر، ولا تقُوم الساعةُ حتَّى تُقَاتلوا قوماً كأن وجوهم المجانُ للمطرقةُ". قال سفيان: زاد فيهِ في روايةٍ (1): "صِغَارَ الأعينِ ذُلْفَ الأُنُوفِ، كأنّ وجوههم المجان المطرقة". وفي رواية قال (2): قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: "تقاتلون بين يدي الساعة قوماً نعالهم الشَّعَر، كأنَّ وجوههم المجان المطرقة، حُمْرُ الوجوهِ، صِغار الأعْيُنِ". وللبخاري (3) عن قيس بن أبي حازم قال: أتينا أبا هُرَيْرة، فقال: صحبتُ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ثلاث سنين، لم أكن في سنِّي أحرص على أن أعي الحديثَ مِنِّي فيهنَّ، سَمِعتُه يقول- وقال هكذا بيده-: "بين يدي الساعةِ تقاتلون قوماً نعالهم الشعر، وهو هذا البارزُ". قال سفيان مرة: وهم أهلُ البازرِ، ويعني بأهل البازر أهلَ فارس، كذا هو بلغتهم. وللبخاري أيضاً (4): وزاد في آخره "وتجدن خيرَ الناس أَشدَّهم كراهيَّةً لهذا الأمر، حتى يقع فيه، والنَّاس معادنُ، خِيارُهم في الجاهليَّة خِيارُهم في الإسلام،

_ 920 - البخاري (6/ 104) 56 - كتاب الجهاد، 96 - باب قتال الذين ينتعلون الشعر. مسلم (4/ 2223) 52 - كتاب الفتن، 18 - باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل .. إلخ. (1) البخاري: الموضع السابق. (2) مسلم (4/ 2223): الموضع السابق. (3) البخاري (6/ 604) 61 - كتاب المناقب، 25 - باب علامات النبوة في الإسلام. (والبازر سوق الفسوق الذي لهم) (4) البخاري: الموضع السابق.

إذا فقهوا، وليأتِيَنَّ على أحدكم زمانٌ لأَن يراني أحبُّ إليه من أن يكون له مثلُ أهلِهِ ومالِه". وله أيضاً (1): قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: "لا تقومُ الساعةُ حتى تقاتلوا خُوزَاً وكِرمانَ من الأعاجم، حُمْرَ الوجوه، فُطْسَ الأنوفِ، صِغارٍ الأعين، وجوههم المجان المطرقة، نعالهم الشعر". ولمسلم (2): أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قال: "لا تقوم الساعة حتى يُقَاتِل المسلمون التُّركَ، قوماً وجوهمم كالمجان المطرقة، يلبسون الشعر، ويمشون في الشعر". أقول: المراد من الترك هنا: ما هو أعمُّ من الشعب التركي بدليل الأوصاف، فكأن المراد: الترك ومن وراءهم من المغول والتتار الذين تنطبق عليهم الأوصاف التي وردت في الحديث. 921 - * روى البخاري عن عمرو بن تغلب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: "إنَّ من أشراط الساعة: أن تُقَاتِلوا قوماً يَنْتَعِلون نِعال الشَّعَرِ، وإنَّ من أَشراط الساعة: أن تقاتلوا قوماً عِراض الوجوهِ، كأَنَّ وجوههم المجان المطرقة". قال في الفتح: قوله (ينتعلون نعال الشعر) ... [الظاهر من الحديث]: أن الذين ينتعلون الشعر غير لترك. وقد وقع للإسماعيلي من طريق محمد بن عباد

_ (1) البخاري: الموضع السابق. (2) مسلم (4/ 2223): الموضع السابق. (المجان لمطرقة): المجان جمع مجن، وهو الترس. والمطرقة، بإسكان الطاء وتخفيف الراء من أطرق. هذا هو الفصيح المشهور في الرواية وفي كتب اللغة العربية والغريب. وحكي فتح الطاء وتشديد الراء، من طَرَّق، والمعروف الأول. قال العلماء: هي التي ألبست العقب وأُطرقت به طاقة فوق طاقة. قالوا: ومعناه تشبيه وجوه الترك في عرضها وتلوُّن جنانها بالترسة المطرقة. (ذلف الأنوف): جمع أذلف، كأحمر، ومعناه فطس الأنوف، وقصارها مع انبطاح. وقيل: هو غلظ في أرنبة الأنف. وقيل\: تطامن فيها. وكله متقارب. (يلبسون الشعر ويمشون في الشعر): معناه ينتعلون الشعر. كما صرَّح به في الرواية الأخرى: نعالهم الشعر. 921 - البخاري (6/ 103, 104) 56 - كتاب الجهاد، 95 - باب قتال الترك.

قال: بلغني أن أصحاب بابك كانت نعالهم الشعر. قلت [أي ابن حجر]: بابك بموحدتين مفتوحتين وآخره كاف يقال له الخُرَّمي بضم المعجمة وتشديد الراء المفتوحة، وكان من طائفة من الزنادقة استباحوا المحرمات، وقامت لهم شوكة كبيرة في أيَّام المأمون، وغلبوا على كثير من بلاد لعجم كطبرستان والري، إلى أن قتل بابك المذكور في أيام المعتصم، وكان خروجه في سنة إحدى ومائتين أو قبلها، وقتله في سنة اثنتين وعشرين" أ. هـ ابن حجر. أقول: لقد قاتل المسلمون زنادقة انطلقوا من بلاد فارس، وقاتلوا قبائل انطلقوا من أرض الترك، وقاتلوا الأتراك قبل دخولهم في الإسلام، وقاتلوا قبائل انطلقوا مما وراء بلاد الترك كالمغول والتتار، وفي أحاديث هذه الفقرة ما يشير إلى ذلك كله، وذلك من معجزاته عليه الصلاة والسلام. 922 - * روى أحمد عن بريدة قال: كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلَّم فسمعتُ النبي صلى الله عليه وسلَّم يقول: "إن أمتي يسوقُها قومٌ عِراض الوجوه صِغار الأعين كأن وجوههم الجُحَفُ ثلاث مرات حتى يُلْحِقوكم بجزيرة العرب؛ أما السائقة الأولى فينجو مَنْ هرب منهم، وأمَّا الثانية فينجو بعضٌ ويهلِكُ بعضٌ، وأمَّا الثالثة فيصطلمون من بقي منهم". قالوا: يا رسول الله من هم؟ قال: "الترك، أمَّا والذي نفسي بيده لَيَربُطَنَّ خيولهم إلى سواري مساجد المسلمين". قال: وكان بريدةُ لا يفارقه بعيران أو ثلاثةٌ ومتاعٌ السفر والأسقيَّة، ويُعِدُّ ذلك للهرب مما سُمِع من النبي صلى الله عليه وسلَّم من البلاء من الترك. أقول: هذا الحديث أشبه بأن يكون محمولاً على قتال التتار والمغول، والظاهر أن كلمة الترك تطلق في النصوص بأوسع ممَّا هو متعارف عليه الآن في تعريف الأتراك، ولذلك حمل

_ 922 - أحمد (5/ 248). وكشف الأستار (4/ 128). مجمع الزوائد (7/ 211) وقال: رواه أحمد والبزار باختصار ورجاله رجال الصحيح. (الجُحْف): بمعنى الترس. (يصطلمون): يقطعون

شرَّاح السنّة بعض الروايات المذكورة في هذه الفقرة على المأساة التي وقعت للمسلمين على يدي المغول والتتار. قال في عون المعبود شرح سنن أبي داود (المجلد الرابع): قال النووي: معناه ينتعلون الشعر كما صرح به في الرواية الأخرى نعالهم الشعر، وقد وجدوا في زماننا هكذا- انتهى. قلت: رواية مسلم بلفظ يلبسون الشعر ويمشون في الشعر تدل دلالة واضحة على أنه يكون لباسهم أيضاً من الشعر، كما أن نعالهم تكون من الشعر، وهو الظاهر لما في بلادهم من ثلج عظيم لا يكون في عيرها على ما قال ابن دحية وغيره. وقال القرطبي في التذكرة: والحديث الأوَّل، أي حديث أحمد على خروجهم وقتالهم للمسلمين وقتلهم، وقد وقع ذلك على نحو ما أخبر به صلى الله عليه وسلَّم، فخرج منهم في هذا الوقت أمم لا يحصيهم إلا الله ولا يردهم عن المسلمين إلا الله حتى كأنهم يأجوج ومأجوج، فخرج منهم في جمادى الأولى سنة سبع عشر وست مائة جيش من الترك يقال له الططر [أي التتر] عظم في قتله الخطب والخطر، وقُضِي له في قتل النفوس المؤمنة الوَطر، فقتلوا ما وراء النهر وما دونه من جميع بلاد خراسان ومحوا رسوم ملك بني سامان، وخربوا البنيان وأطلقوا الماء على المدينة من نهر جيجان، فغرق منها مباني الدار والأركان ثم وصلوا إلى بلاد نهشان، فخربوا مدينة الري وقزوين ومدينة أرديل ومدينة مراغة كرسي بلاد أذربيجان وغير ذلك، واستأصلوا ساقة من هذه البلاد من العلماء والأعيان واستباحوا قتل النساء وذبح الولدان، ثم وصلوا إلى العراق الثاني وأعظم مدنه مدينة أصبهان ودَور سورها أربعون ألف ذراع في غاية الارتفاع والإتقان، وأهلها مشتغلون بعلم الحديث فحفظهم الله بهذا الشأن أنزل عليهم مواد التأييد والإحسان فتلقوهم بصدور هي في الحقيقة صدور الشجعان، وحققوا الخبر بأنها بلاد الفرسان واجتمع فيها مائة ألف إنسان وأبرز الططر [أي التتار] القتل في مضاجعهم وساقهم القدر المحتوم إلى مصارعهم، فمرقوا عن أصبهان مروق السهم من الرمي منهم فرار الشيطان في يوم بدر وله حصاص ورأوا أنهم إن وقفوا لم يكن لهم

من الهلاك خلاص، ووصلوا السير بالسير إلى أن صعدوا جبل أربد فقتلوا جميع من فيه من صلحاء المسلمين وخربوا ما فيه من الجنات والبساتين، وكانت استطالتهم على ثلثي بلاد المشرق الأعلى وقتلوا وخربوا ما فيه من الخلائق ما لا يُحصى وقتلوا في العراق الثاني عدةً يبعد أن تحصى، ربط خيولهم إلى سواري المساجد والجوامع كما جاء في الحديث المنذر بخروجهم- إلى أن قال-: وقطعوا السبيل وأخافوها وجاسوا خلال الديار وطافوها، وملأوا قلوب المسلمين رُعباً وسحبوا ذيل الغلبة على تلك البلاد سحباً، ولا شكَّ أنهم هم المنذر بهم في الحديث وأن لهم ثلاث خرجات يصطلمون في الأخيرة منها. وقال القرطبي: فقد كملت بحمد الله خرجاتهم ولم يبق قتلهم وقتالهم فخرجوا عن العراق الثاني والأول كما ذكرنا، وخرجوا من هذا الوقت على العراق الثالث بغداد وما اتصل بها من البلاد وقتلوا من فيها من الملوك والعلماء والفضلاء والعباد، واستباحوا جميع من فيها من المسلمين وعبروا الفلاة إلى حلب وقتلوا جميع من فيها وخربوا إلى أن تركوها خالية، ثم أَوْغَلوا إلى أن ملكوا جميع الشام في مدة يسيرة من الأيام وفلقوا بسيوفهم الرؤوس والهام، ودخل رعبهم الديار المصريَّة ولم يبق إلا اللحوق بالديار الأخروية فخرج إليهم من مصر الملك المظفَّر الملقَّب بظفر رضي الله عنه بجميع من معه من العساكر وقد بلغت القلوب الحناجر، إلى أن التقى بهم بعين جالوت فكأن له عليهم من النصر والظفر كما كان لطالوت، فقتل منهم جمع كثير وعدد غزيز وارتحلوا إلى الشام من ساعتهم ورجع جميعه كما كان للإسلام وعدوا الفرات منهزمين ورأوا ما لم يشاهدوه من زمان ولا حين، وراحوا خائبين وخاسئين مدحورين أذلاء صاغرين ... انتهى كلام القرطبي باختصار. وقال الإمام ابن الأثير في الكامل: حادثة التتار من الحوادث العظمى والمصائب الكبرى التي عمقت الدهور عن مثلها، عمَّت الخلائق وخصّت المسلمين فلو قال قائل: (إن العالم منذ خلقه الله تعالى إلى الآن لم يبتلوا بمثلها) لكان صادق فإن التواريخ لم تتضمَّن ما يقاربها .. انتهى. وقال الذهبي: وكانت بليَّة لم يُصَب الإسلام بمثلها .. انتهى. قال النووي في شرح مسلم: وهذه كلها معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم، فقد وجد قتال هؤلاء الترك بجميع صفاتهم التي ذكرها صلى الله عليه وسلَّم، فوجدوا بهذه الصفات كلها في زماننا وقاتلهم المسلمون مرات، وقتالهم الآن ونسأل الله الكريم إحسان العاقبة للمسلمين. انتهى مختصراً. أ. هـ.

نقلا عن (عون المعبود). فائدة: يلاحظ أن النصوص التي تتحدَّث عن خوز وكرمان وعن الترك، تتحدَّث عن أقوام لهم صفات واحدة وهي الصفات التي تنطبق على المغول والتتار، وذلك أنه جرت العادة أن يُطلق اسم الترك على الشعوب التي تقطن وراء جبال القفقاس، وقد قاتل المسلمون بعض هذه الشعوب على أرضها، وأسلمت بعض هذه الشعوب، وبعض هذه الشعوب هربت أمام موجات التتار والمغول وهي مسلمة، فجاءت إلى الشرق كبني عثمان، والظاهر أن النصوص التي تصف الأقوام الغازية بأنهم من خوز وكرمان وتُرْك إنما تريد التتار والمغول، بل إن ابن كثير يذهب في كتابه "النهاية" إلى أن يأجوج ومأجوج هم من التُّرك كما سنرى، وذلك كما قلنا أّخْذٌ من الاصطلاح الذي أشرنا إليه، وينقل ابن كثير في مقطع من كتابه "النهاية" ثلاثة نصوص، نصّاً يتحدَّث عن قتال الترك ويصفهم، ونصّاً يتحدَّث عن خوز وكرمان ويصفهم، ونصّاً مطلقاً يذكر بعض الأوصاف، ثم يعلق ذلك بما يفيد أن هؤلاء جميعاً هم الترك. وأقول: إن المراد بالترك هنا عندهم هم أهل منطقة ما وراء جبال القفقاس مع أن وراء هذه المنطقة شعوباً متعدِّدة، والذين تنطبق عليهم الأوصاف التي وردت في الأحاديث هم المغول والتتار وهو الذين فعلوا بالمسلمين الأفاعيل، بينما نجد شعوباً أُخرى ممن يُطلَق عليهم اسم الترك دخلوا في الإسلام وحملوه. صحيح أن المسلمين قاتلوا ابتداء هذه الشعوب، لكن لم يدم ذلك طويلاً، وعلى ضوء ما قلناه، فلنفهم من هذه الصفحة من كلام ابن كثير في "النهاية" ومرادنا من نقلها لنثبت ما ذكرنا آنفاً. قال ابن كثير في النهاية: عن أبي هُرَيْرة أن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزاً وكرمان من الأعاجم حمر الوجوه فطس الأنوف كأن وجوههم المجان المطرقة نعالهم الشعر" أخرجه الجماعة سوى النسائي. عن أبي هريرة فذكر نحوه. قال سفيان بن عيينة: وهم أهل البارز- كذا يقول سفيان- ولعل البارز هو سوق الفسوق الذي لهم. وقال أحم حدَّثنا عفَّان حدَّثنا جرير بن حازم سمعتُ الحسن حدَّثنا عمرو بن ثعلب سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم يقول:

"إن من أشراط الساعة أن تقاتلوا قوماً عِراض الوجوه كأن وجوههم المجان المطرقة". ورواه البخاري من حديث جرير بن حازم، والمقصود أن الترك قاتلهم الصحابة فهزموهم وغنموهم وسبوا نساءهم وأبناءهم، وظاهر هذا الحديث يقتضي أن يكون هذا من أشراط الساعة، فإن كانت أشراط الساعة لا تكون إلا بين يديها قريباً، فقد يكون هذا أيضاً واقعاً مرَّة أخرى عظيمة بين المسلمين وبين الترك حتى يكون آخر ذلك خروج يأجوج ومأجوج كما سيأتي ذكر أمرهم، وإن كانت أشراط الساعة أعمُّ من أن تكون بين يديها قريباً منها، فإنها تكون مما يقع في الجملة ولو تقدَّم قبلها بدهر طويل إلا أنه مما وقع بعد زمن النبي صلى الله عليه وسلَّم، وهذا هو الذي ظهر بعد تأمل الأحاديث الواردة في هذا الباب). أ. هـ (النهاية في الفتن والملاحم).

الفقرة الثامنة في: تمزقات الأمة الإسلامية وصراعاتها

الفقرة الثامنة في: تمزقات الأمة الإسلاميَّة وصراعاتها 923 - * روى الترمذي عن خبَّاب بن الأرَتّ رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم صلاةً فأطالها، فقالوا: يا رسول الله، صليْتَ صلاةً لم تكن تُصلِّيها؟ قال: "أجل، إنها صلاةُ رغبةٍ ورهبةٍ، إنِّي سألتُ الله ثلاثاً، فأعطاني اثنتين، ومنعني واحدةً، سألتُه أنه لا يُهلك أمَّتي بِسَنَةٍ، فأعطانيها، وسألتُه أن لا يُسلِّط عليهم عدوَّاً من غيرهم، فأعطانيها، وسألتُه أن لا يُذيقَ بعضَهم بأسَ بعضٍ، فمنعنيها". وفي رواية النسائي (1)؛ أنَّ خبايَّا رَقَبَ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم في ليلةٍ صلَّاها، فلمَّا فَرَغَ من صلاتِه جاءه خبَّابٌ فقال: يا رسول الله، بأبي أنت وأمِّي، لقد صلَّيْتَ الليلة صلاةً ما رأيتُك صلَّيْتَ نحوها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: "أجل؛ إنها صلاةُ رَغَبٍ ورَهَبٍ، سألتُ ربِّي عز وجل ثلاث خِصال، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدةً، سألتُ ربِّي: أن لا يُهلِكنا بما أَهْلَكَ به الأُممَ، فأعطانيها، وسألتُ ربِّي: أن لا يُظهِر علينا عدوَّاً من غيرنا، فأعطانيها، وسألتُ ربِّي أن لا يُلبِسَنا شِيَعاً، فَمَنَعَنِيها". أقول: لقد بدأ الصراع بين المسلمين منذ الفتنة الكبرى التي وقعت زمن عثمان رضي الله عنه وأدَّت إلى قتله، ومن يومها حتَّى يومنا هذا لم تهدأ الصراعات بين المسلمين، وفي عصرنا نجد

_ 923 - الترمذي (4/ 476) 24 - كتاب الفتن، 14 - باب م جاء في سؤال النبي صلى الله عليه وسلَّم ثلاثاً في أمته. وقال: حديث حسن صحيح، قال محقق الجامع: وهو كما قال. (1) النسائي (3/ 216) 20 - كتاب قيام الليل وتطوُّع النهار، 16 - باب إحياء الليل. (رغبة): الرَّغب: الرغبة، هو حبُّ الشيء وإيثاره. (والرهَب): الرهبة، وهو الخوف. (يُلبِسنا): أي يختلط أمرنا خلط اضطراب واختلافَ أهواءٍ. (شِيَعَاً): الشِّيَع: الفِرَق جمع شيعة.

ذلك على أشُدِّه، فما ذكرته من نصوص هذه الفقرة من أعلام نُبُوَّته عليه الصلاة والسلام. 924 - (1) راني عن نافع بن خالد الخَزَاعِي عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلَّم إذا صلَّى والناسُ حَوْله صلى صلاةً خفيفةً تامة الركوع والسُّجود، فجلسَ يوماً فأطال السجودَ حتى أَوْمأَ بعضنا إلى بعضٍ أن اسكتوا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم يُوحَى إليه. فلمَّا فَرَغَ قال بعض القوم: يا رسول الله أطَلْتَ الجلوس حتى أومأ بعضنا إلى بعض أنَّه يُنَزَّل عليكَ. قال: "لا، ولكنها صلاةُ رغبةٍ ورهبةٍ سألتُ الله فيها ثلاثاً فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة؛ سألته أن لا يُعذِّبَكُم بعذابٍ عَذَّب به من كان قبلكم، وسألته أن لا يُسلِّط على عامتكم عدوَّاً يَستَبيحها، فأعطانيهما، وسألته أن لا يَلْبِسَكُم شيعاً ويُذيق بعضكم بأسَ بعضٍ فمنعنيها". قلتُ له: أبوك سَمِعها من رسول الله صلى الله عليه وسلَّم. قال: نعم، سمعته يقول إنه سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلَّم عدد أصابعي هذه العشرِ الأصابع. 925 - * روى مسلم عن عامر بن سعد أبي وقَّاص رحمه الله عن أبيه، أنَّه أقْبَل مع النبيّ صلى الله عليه وسلَّم ذات يومٍ من العَاليةِ، حتى إذا مرَّ بمسجدِ بني معاويةَ دَخَلَ فركعَ فيه ركعتين، وصَلَّيْنا معه، ودعا ربَّه طويلاً، ثمّ انصرف إلينا فقال: "سألتُ ربِّي ثلاثاً، فأعطاني اثنتين، ومنعني واحدةً، سألتً ربي أن لا يُهلِكَ أُمَّتي بالسِّنَّة فأعطانيها، وسألته أن لا يُهلِك أمتي بالغَرق فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأْسَهم بينهم، فَمَنَعَنِيها". أقول: الغرق الجزئي لأجزاء في الأرض الإسلاميَّة لا يدخل في الحديث، وكذلك المجاعة الجزئيَّة فالمنفى هو استئصال الأمَّة الإسلاميَّة كلها بغرق أو مجاعة أو غير ذلك، وكذلك التسليط على الأمَّة الإسلاميَّة من غيرها لا يكون شاملاً، أمَّا التسليط الجزئي فغير منفي في النصوص، ولو أنَّك تأمَّلت أشدَّ مراحل الضعف التي مرَّت بها الأمَّة الإسلاميَّة

_ 924 - المعجم (4/ 194). كشف الأستار (4/ 99). مجمع الزوائد (7/ 222، 223). وقال: رواه الطبراني بأسانيد ورجال بعضها رجال الصحيح غير نافع بن خالد وقد ذكره ابن أبي حاتم ولم يجرحه أحد ورواه البزار. 925 - مسلم (4/ 2217) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 6 - باب إخبار النبي صلى الله عليه وسلَّم فيما يكون إلى قيام الساعة.

فإنك لا تجد مرحلة تسلط بها الكافرون على كل شبر من الأرض الإسلاميَّة، ففي موجة التتار بقيت أقطار إسلاميَّة كمصر وما وراءها والجزيرة العربيَّة بعيدة عن سيطرتهم، وفي الحروب الصليبية لم تستعمر إلا أقطار محدودة، وفي مرحلة الإستعمار الحديث بقيت أقطار إسلاميَّة لم يستعمرها الكافرون كاليمن والحجاز ونجد. ففي النصوص بشارة وهي من أعلام نبُوَّته عليه الصلاة والسلام. 926 - * روى مسلم عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: "إن الله زَوَى لي الأرض، فرأيتُ مشارقها ومغاربها، وإن أُمَّتي سيبلُغُ مُلْكُها ما زوى لي منها، وأُعطِيتُ الكنْزين الأحمر والأبْيض، وإنِّي سألتُ ربِّي لأمَّتي؛ أن لا يُهلِكها بِسَنَةٍ عامَّةٍ، وأن لا يسلِّط عليهم عدوَّاً من سوى أنفسهم، فيستبيحَ بَيْضَتَهم، وإن ربي قال: يا محمد، إذا قضيتُ قضاءٌ فإنه لا يرَدُّ، وإني أعطيتك لأُمتك: أن لا أُهْلِكاهم بِسَنَةٍ عامَّةٍ، ولا أُسلِّط عليهم عدُوّاً [من] سوى أنفسهم يستبيحُ بيضتَهم، ولو اجتمع عليهم مَنْ بأقطارها- أو قال: مَن بين أقطارِها- حتَّى يكون بعضهم يُهلِكُ بعضاً، ويَسبي بعضهم بعضاً". وفي رواية (1): أنَّ النبي صلى الله عليه وسلَّم قال: "إن الله زَوَى لي الأرض حتى رأيتُ مشارقها ومغاربها، وأعطاني الكَنْزَين: الأحمر والأبيض" ثمَّ ذكر نحوه.

_ 926 - مسلم (4/ 2215) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 5 - باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض. قال ابن الأثير: (بِسَنَةٍ عَامَّةٍ) السَّنة: الجذب والشِّدَّة, والعامَّة: التي تَعُمُّ الكل. (زوى لي): رَوَيْت الشيء لفلان، أي جمعته له وضممته إليه، وقوله: "وإن مُلكَ أُمَّتي سيبلغُ ما زُوِيَ لي منها" من معجزاته صلى الله عليه وسلَّم، لأنّ مُلك أمته بلغ من المشارق والمغارب كثيراً واسعاً. وأمَّا جهة الجنوب وجهة الشَّمال: فلم يبلغ ملك الأمة الإسلامية فيهما كثيراً مبلغه من جهتي الشرق والغرب، فكان هذا منه صلى الله عليه وسلم إخباراً عمَّا يقع في المستقبل. (بيضة الناس): مجتمعهم ومعظمهم، وبيضة البلد، وسطه ومعظمه، و"استباحهم": جعلهم مُباحاً، يأخذهم أسراً وقتلاً، ويتصرَّف فيهم كيف شاء. أهـ. ابن الأثير (جامع الأصول). (1) مسلم: الموضع السابق.

وزاد أبو داود (1): "وإنما أخاف على أمَّتي الأئمَّة المُضلِّين، وإذا وُضِع السَّيف في أمَّتي لم يُرفَع عنها إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى تَلْتَحِق قبائِلٌ من أمَّتي بالمشركين، وحتَّى تَعْبُدَ قبائل من أمَّتي الأوثان، وإنَّه سيكون في أُمَّتي كذَّابون ثلاثون، كُلُّهم يزعُم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين، ولا نبي بعدي ولا تزالُ طائفةٌ من أمَّتي على الحق ظاهرين لا يَضرُّهم من خالفهم حتَّى يأتي أمرُ الله". وقد روى مسلم (2) بعض هذه الزيادة عن ثوبان، وهي قوله: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين ... " إلى آخرها. وروى الترمذي (3) الزيادة كلها مفردة. أقول: إنّ أعظم منابع الثروة في العالم موجود في العالم الإسلامي, وفي الحديث إشارة إلى ذلك، وذلك من أعلام نبوَّتِه عليه الصلاة والسلام، وفي الحديث بِشارة باستمرار وجود من يحمل الإسلام كلما وقع وذلك من أعلام نبوَّته عليه الصلاة والسلام، وفي الحديث بِشارة بالتوسُّع المطَّرِد للإسلام وهة حاصل، ونحن الآن نشهد بداية مدٍّ إسلامي جديد نرجو أن يكون مآله سيطرة الإسلام على العالم تحقيقاً لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ}، وتحقيقاً لبشارته عليه الصلاة والسلام بذلك. 927 - * روى أحمد عن شداد بن أَوسٍ أنّ النبي صلى الله عليه وسلَّم قال: "إنَّ الله زَوَى لي الأرض فرأيت مَشارِقَها ومَغَارِبَها وإني أعطِيتُ الكنزين: الأبيضَ والأحمرَ،

_ (1) أبو داود (4/ 17) كتاب الفتن والملاحم، باب ذكر الفِتَن ودلائلها. (2) مسلم (2/ 1523) 23 - كتاب الإمارة، 53 - باب قوله صلى الله عليه وسلَّم: "لا تزال طائفة من أمَّتي ... " (3) الترمذي (4/ 504) 34 - كتاب الفتن، 51 - باب ما جاء في الأئمَّة المضلين. وقال: حديث صحيح. 927 - أحمد (5/ 248). وكشف الأستار (4/ 100). ومجمع الزوائد (7/ 221). وقال: رواه أحمد والبزار ورجال أحمد رجال الصحيح. (زوى): جمع. =

وإني سألت ربي عز وجل: أن لا يهلك أمتي بسنة بعامة، وأن لا يسلط عليهم عدوًا فيهلكهم بعامة، وأن لا يلبسهم شيعاً وأن لا يذيق بعضهم بأس بعض. فقال: يا محمد إني إذا قضيت قضاء لا يرد، وإني قد أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة، وأن لا أسلط عليهم عدوا بعامة فيهلكوهم بعامة، حتى يكون بعضهم يهلك بعضًا وبعضهم يقتل بعضًا وبعضهم يسبي بعضًا". قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لا أخاف على أمتي إلا الأئمة المضلين. وإذا وضع السيف في أمتي لا يرفع عنهم إلى يوم القيامة". 928 - * روى الطبراني عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سألت ربي لأمتي أربع خلال فمنعني واحدة وأعطاني ثلاثا: سألته أن لا يكفر أمتي صفقةَ وحدةً فأعطانيها، وسألته أن لا يسلط عليهم هدواً من غيرهم فأعطاينها، وسألته أن لا يعذبهم بما يعذب به الأمم قبلهم فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها". 929 - * روى الطبراني عن أبي بردة قال: خرجت من عند عبيد الله بن زياد فرأيته يعاقب عقوبة شديدة، فجلست إلى رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عقوبة هذه الأمة بالسيف". 930 - * روى أبو داود عن عوف بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لن يجمع لله على هذه الأمة سيفين: سيفاً منها، وسيفاً من عدوها". أقول: في الحديث إشارة وبشارة، فعندما يكون المسلمون قائمين بالجهاد يقاتلون عدواً أو يقاتلهم عدو فيتحدون وتتوجه قلوبهم لجهاد غيرهم، فإذا ركد سوق الجهاد لأعداء الله

_ = (بسنة): السنة: القحط والمجاعة. (بعامة): العامة: التي تعم الكل. 928 - مجمع الزوائد (7/ 222) وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات. ورواه البزار إلا أنه قال: سألت ربي ثلاثاً. وكشف الأستار (4/ 99). 929 - مجمع الزوائد (7/ 225). وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. 930 - أبو داود (4/ 112) كتاب الملاحم، باب ارتفاع الفتنة في الملاحم. وإسناده حسن.

قاتلوا بعضهم. ومن فقه أبي بكر رضي الله عنه أنه بعد أن أنهى الردة حرك المسلمين باتجاه فارس والروم، وكذلك فعل عمر، فلما خفت المشاركة بالجهاد المشاركة بالجهاد زمن عثمان على كثرة الفتوح وقعت الفتنة. * * *

الفقرة التاسعة في: التجديد والمجددين

الفقرة التاسعة في: التجديد والمجددين 931 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها". قال ابن الأثير: (من يجدد لها دينها) قد تكلم العلماء في تأويل هذا الحديث، كل واحد في زمانه، وأشاروا إلى القائم الذي يجدد للناس دينهم على رأس كل مائة سنة، وكأن كل قائل قد مال إلى مذهبه، وحمل تأويل الحديث عليه، والأولى أن يحمل الحديث على العموم، فإن قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" ولا يلزم منه أن يكون المبعوث على رأس المائة رجلاً واحداً، وإنما قد يكون واحداً، وقد يكون أكثر منه؛ فإن لفظة "من" تقع على الواحد والجمع، وكذلك لا يلزم منه أن يكون أراد بالمبعوث: الفقهاء خاصة، كما ذهب إليه بعض العلماء، فإن انتفاع الأمة بالفقهاء، وإن كان نفعاً عاما في أمور الدين، فإن انتفاعهم بغيرهم أيضاً كثير مثل أولي الأمر، وأصحاب الحديث والقراء والوعاظ، وأصحاب الطبقات من الزهاد، فإن كل قوم ينفعون بفن لا ينفع به الآخر، إذ الأصل في حفظ الدين حفظ قانون السياسة، وبث العدل والتناصف الذي به تحقن الدماء ويتمكن من إقامة قوانين الشرع، وهذا وظيفة أولي الأمر، وكذلك أصحاب الحديث ينفعون بضبط الأحاديث التي هي أدلة الشرع، والقراء ينفعون بحفظ القراءات وضبط الروايات، والزهاد ينفعون بالمواعظ والحث على لزوم التقوى والزهد في الدنيا، فكل واحد ينفع بغير ما به الآخر، لكن الذي ينبغي أن يكون المبعوث على رأس المائة: رجلاً مشهوراً معروفاً، مشاراً إليه في كل فن من هذه الفنون، فإذا حمل تأويل الحديث على هذا الوجه كان أولى، وأبعد من التهمة، وأشبه بالحكمة، فإن اختلاف الأئمة رحمة، وتقرير أقوال المجتهدين متعين، فإذا ذهبنا إلى تخصيص

_ 931 - أبو داود (4/ 109) كتاب الملاحم، باب ما يذكر في قرن المائة. وإسناده صحيح. والمستدرك (4/ 522). وصحح الحاكم ووافقه الذهبي.

القول على أحد المذاهب، وأولنا الحديث عليه، بقيت المذاهب الأخرى خارجة عن احتمال الحديث لها، وكان ذلك طعنا فيها. فالأحسن والأجدر أن يكون ذلك إشارة إلى حدوث جماعة من الأكابر المشهورين على رأس كل مائة سنة، يجددون للناس دينهم، ويحفظون مذاهبهم التي قلدوا فيها مجتهد يهم وأئمتهم. اهـ. (جامع الأصول). أقول: رأس القرن أوله، والظاهر المتبادر من الحدي أن القائم بالتجديد في كل قرن واحد، وهو الذي يغلب على كلام العلماء، ولكن كلام ابن الأثير وجيه، والموضوع يحتاج إلى تحقيق من خلال الواقع، وهذا بحث يستأهل أن يتفرغ له، فتحديد الذين أثروا في تاريخ الإسلام مجددين للهدى وعلى الهدى يضع بيد الأمة ثروة هائلة من القدوة والسوابق، وإذا كان التحديد لا يحتمل المقام هاهنا لكثرة الاختلاف في أهل التجديد، فإننا نكتفي بالقول؛ إن تجديد الإسلام قائم وحاصل يدل على ذلك: وصول هذا الدين إلينا نقياً صافياً، وانتشاره في الأرض طولاً وعرضاً على كثرة الكوارث والأعداء، ونحب أن نلفت نظر الراغبين في التجديد في هذا القرن إلى بعض الملاحظات: إن على القائمين بالدعوة إلى الله أن يلحظوا ما يحتاجه كل قرن من تجديد، فتجديد كل قرن على حسبه، ولكل قرن جديده الذي يحتاج إلى عمل مكافئ ومناسب، فهناك تجديد علوم الإسلام وهناك التجديد في أساليب العمل لإحياء أسهم الإسلام ومقاماته ومفاهيمه وقيمة، وهناك التجديد الذي تحتاجه المستجدات، فإقامة الجهاد في عصرنا تحتاج من الوسائل والأساليب ما فرضته مستجدات العصر، وإقامة فروض العين وفروض الكفاية تحتاج من الجهد والأساليب والإحاطة والتعبئة ما تقضيه مستجدات كل عصر، وكثيرون من الناس يسيرون على معالم تجديد المجددين في قرون سابقة دون أن يلحظوا المتغيرات والمستجدات والزمان والمكان والبيئة والمعطيات والمتغيرات ونفسيات الناس. وبعد هذه الملاحظات لابد من الإشارة إلى أن في الحديث معجزة ظاهرة، فلم يزل على رأس كل قرن يظهر من نوابغ الإسلام ومن الحركات الإسلامية والتحركات الجادة لنصرة الإسلام بتأييد الحق والرد على أهل الباطل وإضعافهم ما هو ظاهر واضح، ولكثرة ظهور

هذا الأمر في كثيرين، تجد العلماء يختلفون من هو المجدد الأول أو الأقوى أو الأوحد في كل قرن وما كان الاختلاف إلا بسبب الوجود، ومذهب ابن الأثير يقلل من الخلاف حتى يجعله في حده الأدنى. * * *

الفقرة العاشرة في: نار الحجاز

الفقرة العاشرة في: نار الحجاز 932 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز، تضيء أعناق الإبل ببصري". قال الحافظ ابن حجر: "قوله (حتى تخرج نار من أرض الحجاز) قال القرطبي في "التذكرة": قد خرجت نار بالحجاز بالمدينة، وكان بدؤها زلزلة عظيمة في ليلة الأربعاء بعد العتمة الثالث من جمادي الآخرة سنة أربع وخمسين وستمائة واستمرت إلى ضحى النهار يوم الجمعة فسكنت، وظهرت النار بقريظة بطرف الحرة ترى في صورة البلد العظيم عليها سور محيط عليه شراريف وأبراج ومآذن، وترى رجالاً يقودونها، لا تمر على جبل إلا دكته وأذابته، ويخرج من مجموع ذلك مثل النهر أحمر وأزرق له دوي كدوي الرعد يأخذ الصخور بين يديه وينتهي إلى محط الركب العراقي، واجتمع من ذلك ردم صار كالجبل العظيم، فانتهت النار إلى قرب المدينة، ومع ذلك فكان يأتي المدينة نسيم بارد، وشوهد لهذه النار غليان كغليان البحر، وقال لي بعض أصحابنا: رأيتها صاعدة في الهواء من نحو خمسة أيام، وسمعت أنها رؤيت من مكة ومن جابل بصري. وقال النووي: تواتر العلم بخروج هذه النار عند جميع أهل الشام. وقال أبو شامة في "ذيل الروضتين": وردت في أوائل شعبان سنة أربع وخمسين كتب من المدينة الشريفة فيها شرح أمر عظيم حدث بها في تصديق لما في الصحيحين، فذكر هذا الحديث، قال: فأخبرني بعض من أثق به ممن شاهدها أنه بلغه أنه كتب بتيماء على ضوئها الكتب، فمن الكتب .. فذكر نحو ما تقدم، ومن ذلك أن في بعض الكتب: ظهر في أول جمعة من جمادى الآخرة في شرقي المدينة نار

_ 932 - البخاري (12/ 78) 92 - كتاب الفتن، 24 - باب خروج النار. مسلم (4/ 2227) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 14 - باب لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز.

عظيمة بينها وبين المدينة نصف يوم انفجرت من الأرض وسال منها واد من نار حتى حاذى جبل أحد. وفي كتاب آخر: انبجست الأرض من الحرة بنار عظيمة يكون قدرها مثل مسجد المدينة وهي براي العين من المدينة، وسال منها واد يكون مقداره أربع فراسخ وعرضه أربع أميال يجري على وجه الأرض ويخرج منه مهاد وجبال صغار. وفي كتاب آخر: ظهر ضوؤها إلى أن رأوها من مكة، قال ولا أقدر أصف عظمها، ولها دوي. قال أبو شامة: ونظم الناس في هذا أشعاراً، ودام أمرها أشهرا، ثم خمدت. والذي ظهر لي أن النار المذكورة في حديث الباب هي التي ظهرت بنواحي المدينة كما فهمه القرطبي وغيره، وأما النار التي تحضر الناس فنار أخرى. وقد وقع في بعض بلاد الحجاز في الجاهلية نحو هذه النار التي ظهرت بنواحي المدينة في زمن خالد بن سنان العبسي، فقام في أمرها حتى أخمدها ومات بعد ذلك في قصة له ذكرها أبو عبيدة معمر بن المثنى في "كتاب الجماجم" وأوردها الحاكم في "المستدرك" من طريق يعلى بن مهدي عن أبي عوانة عن أبي يونس عن عكرمة عن ابن عباس: أن رجلاً من بني عبس يقال له خالد بن سنان قال لقومه إني اطفي عنكم نار الحدثان فذكر القصة وفيها فانطلق وهي تخرج من شق جبل من حرة يقال لها حرة أشجع فذكر القصة في دخوله الشق والنار كأنها جبل سقر فضربها بعصاه حتى أدخلها وخرج. وقد أوردت لهذه القصة طرفاً من ترجمته في كتابي في الصحابة. قوله (تضيء أعناق الإبل ببصري) قال ابن التين: يعني من آخرها يبلغ ضوؤها إلى الإبل التي تكون ببصري وهي من أرض الشام. وبصري بضم الموحدة وسكون المهملة مقصور بلد بالشام وهي حوران. وقال أبو البقاء: أعناق بالنصب على أن تضيء متعمد، والفاعل النار أي تجعل على أعناق الإبل ضوءاً، قال: ولو روي بالرفع لكان متجهاً أي تضيء أعناق الإبل به كما جاء في حديث آخر "أضاءت له قصور الشام" وقد وردت في هذا الحديث زيادة من وجه آخر أخرجه ابن عدي في الكامل من طريق عمر بن سعيد التنوخي عن ابن شهاب عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن جزم عن أبيه عن عمر بن الخطاب يرفعه: "لا تقوم الساعة حتى يسيل واد من أودية الحجاز بالنار تضيء له أعناق الإبل ببصري" وعمر ذكره ابن حبان في الثقات ولينه

ابن عدي والدارقطني، وهذا ينطبق على النار المذكورة التي ظهرت في المائة السابعة. وأخرج أيضاً الطبراني في آخر حديث حذيفة بن أسيد الذي مضى التنبيه عليه: وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من رومان أو ركوبة تضيء منها أعناق الإبل ببصري" قلت: وركوبة ثنية صعبة المرتقي في طريق المدينة إلى الشام مر بها النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ذكره البكري، ورومان لم يذكره البكري ولعل المراد رومة البئر المعروفة بالمدينة، فجمع في هذا الحديث بين النارين وأن إحداهما تقع قبل قيام الساعة مع جملة الأمور التي أخبر بها الصادق صلى الله عليه وسلم؛ والأخرى هي التي يعقبها قيام الساعة بغير تخلل شيء آخر، وتقدم الثانية على الأولى في الذكر لا يضر والله أعلم" اهـ. (فتح الباري: 13/ 79). أقول: المراد بالنار الثانية التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم هي النار التي تخرج من حضرموت، وسيأتي الكلام عنها في فقرة لاحقة. * * *

الفقرة الحادية عشر في: استقلالية أقطار الأمة الإسلامية عن بعضها وانفراط عقد الوحدة الإسلامية

الفقرة الحادية عشر في: استقلالية أقطار الأمة الإسلامية عن بعضها وانفراط عقد الوحدة الإسلامية 933 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر إردبها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم". شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه. وفي رواية أبي داود (2) قال: "منعت العراق قفيزها ودرهمها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر إردبها ودينارها، ثم عدتم من حيث بدأتم" ثم قالها زهير ثلاث مرات، شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه. قال ابن الأثير: " (منعت) وأما قوله: "منعت" فله معنيان، أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه سيسلمون وسيسقط ما وظف عليهم بإسلامهم، فصاروا بإسلامهم مانعين ما كان عليهم من الوظائف، واستدل على هذا بقوله: "وعدتم من حيث بدأتم" لأن بدءهم في علم الله وفي قضائه وقدره: أنهم سيسلمون، فعادوا من حيث بدؤوا، والوجه الثاني: أنهم يرجعون عن الطاعة، ويعضده الحديث الذي أورده البخاري في "صحيحه" عن أبي هريرة قال: كيف أنتم إذا لم تجبوا ديناراً ولا درهماً؟ فقيل: كيف ترى ذلك كائناً؟ قال: إي والذي نفسي بيده عن قول الصادق المصدوق قيل: عم ذاك؟ قال: تهتك حرمة الله، وذمة رسوله فيشد الله على قلوب أهل الذمة فيمنعون ما في أيديهم". اهـ أقول: في الحديث إشارة إلى ماجد في زماننا حيث عادت الدعوة الإسلامية إلى بداياتها بعد الردة الهائلة وبعد أن لم تعد للمسلمين خلافة مركزية يخضعون لها وتقودهم وتسوسهم. 934 - * روى مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: يوشك أهل العراق أن لا يجبى إليهم قفيز ولا درهم، قال أبو نضرة: قلنا: من أين ذاك؟ قال: من قبل العجم يمنعون ذاك، ثم قال: يوشك أهل الشام أن لا يجبى إليهم دينار ولا مدي، قلنا: من أين ذاك؟ قال: من قبل الروم، ثم سكت هنية، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثياً، لا يعده عداً" قال: قلت لأبي نضرة، وأبي العلاء: أتريان أنه عمر بن عبد العزيز؟ قالا: لا.

_ 933 - مسلم (4/ 2220) 52 - كتاب الفتن وإشراط الساعة 8 - باب لا تقوم الساعة حتى يحسر ... إلخ. (2) أبو داود (3/ 166) كتاب الإمارة، باب في إيقاف أرض السواد وأرض العنوة.

أقول: لقد كان العراق حاضرة الأمة الإسلامية وعاصمتها أكثر من مرة واستعصت عليه جهات كثيرة من المعجم، ولقد كان الشام حاضرة للأمة الإسلامية وعاصمتها واستعصى عليه الروم الجيران الشماليون له وقتذاك أكثر من مرة ومنعوه الجزية، وفي الحديث إشارة إلى الخلافة الراشدة في آخر الزمان والتي تكون بعد الملك الجبري كما نصت على ذلك نصوص منها: 935 - * روى أحمد عن حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً فيكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرياً فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء

_ 934 - مسلم (4/ 2234) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 18 - باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل .. (المدي): مكيال لأهل الشام يسع خمسة وأربعين رطلاً، و"القفيز" لأهل العراق ثمانية مكاكيك، و"الإردب" لأهل مصر أربعة وستون مناً وأربعة وعشرون صاعاً على أن الصاع خمسة أرطال وثلث. (الصاع) = 2751 غم على رأي الشافعية. (ويساوي أيضاً) = 3800 غم على رأي الأحناف. (القفيز) = 12 صاع. (المدي) = 5 ر 22 صاع (الإردب) = 24 صاع و= 64 مناً. (المن): = رطلان. والرطل البغدادي 408 غم. 935 - أحمد (4/ 273). وكشف الأستار (2/ 231). مجمع الزوائد (5/ 188) وقال: رواه أحمد في ترجمة النعمان والبزار أتم منه والطبراني ببعضه في الأوسط ورجاله ثقات.

أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة" ثم سكت. أقول: إن أحاديث هذه الفقرة قد وقعت وذلك من أعلام نبوته عليه الصلاة والسلام، وعصرنا يشهد استقلالية الأقطار الإسلامية عن بعضها وذلك خلاف الأصل، فلابد أن تكون للمسلمين وحدتهم وخليفتهم، وعل علماء المسلمين أن يعلموا لذلك بالقدر المتاح والممكن، وأن يقترحوا الصيغ الأكثر تطويراً لتحسين العلاقات وتمتين أواصر الأخوة والوحدة وذلك من واجبات العصر. * * *

الفقرة الثانية عشرة في: غربة الإسلام

الفقرة الثانية عشرة في: غربة الإسلام 936 - * روى مسلم عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الإسلام بدأ غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ، وهو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها". 937 - * روى الطبراني عن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بدأ الإسلام غيراً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبي للغرباء". قالوا يا رسول الله ومن الغرباء؟ قال: "الذين يصلحون عند فساد الناس". 938 - * روى أحمد عن سعد بن أبي وقاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الإيمان بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبي يومئذ للغرباء إذ فسد الناس والذي نفس أبي القاسم بيده ليأرزن الإيمان إلى بين هذين المسجدين كما تأرز الحية إلى حجرها". 939 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه (رفعه): "إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبي للغرباء".

_ 936 - مسلم (1/ 131) 1 - كتاب الإيمان، 65 - باب بيان أن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً، وإنه يأرز بين المسجدين. 937 - المعجم الكبير (6/ 164). والروض الداني (1/ 183). مجمع الزوائد (7/ 378) وقال: رواه الطبراني في الثلاثة ورجاله رجال الصحيح غير بكر بن سليم وهو ثقة. 928 - أحمد (1/ 184). (ليأرزن): أي ينضم ويجتمع بعضه إلى بعض. وكشف الأستار (4/ 98). مجمع الزوائد (7/ 277) وقال: رواه أحمد والبزار وأبو يعلى ورجال أحمد وأبي يعلى رجال الصحيح. 929 - مسلم (1/ 131) 1 - كتاب الإيمان، 65 - باب بيان أن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً، وإنه يأرز بين المسجدين. =

أقول: هذه الأحاديث من أعلام نبوته عليه الصلاة والسلام، ولقد شهدنا غربة الإسلام في عصرنا وما سبقه، وكانت مظاهر غربة الإسلام كثيرة، فقد طغت على أرض الإسلام الأفكار العلمانية والإلحاد وكثرت الأحزاب الكافرة والفلسفات والأفكار الفاسدة وظهرت أنواع من المؤسسات تنشر الكفر والتشكيك، ومرت فترات كنت لا تجد في الجامعات والمدارس من يصلي وإذا صلى صلى مستخفياً حتى لا يهزأ به أو يشكك في عقله، ونحن نشهد الآن في بداية القرن الخامس عشر الهجري شيئاً من التحسن في بعض الأقطار واستشراء للردة في أقطار أخرى، والمرجو من فضل الله وكرمه أن تنتهي موجة غربة الإسلام. (1) * * *

_ = وابن ماجه (2/ 1320) 36 - كتاب الفتن، 15 - باب بدأ الإسلام غريباً.

الفقرة الثالثة عشرة في: مدعي النبوة والدجالين

الفقرة الثالثة عشرة في: مدعي النبوة والدجالين 940 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يبعث كذابون دجالون، قريباً من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله". وفي رواية أبي داود (1): "حتى يخرج ثلاثون دجالون كلهم يزعم أنه رسول الله". وفي أخرى (2) "حتى يخرج ثلاثون كذاباً دجالاً، كلهم يكذب على الله وعلى رسوله". ويف رواية عبيدة السلماني بهذا الخبر (3) .. ، فقلت له: أترى هذا معهم؟ يعني: المختار- فقال عبيدة: أما إنه من الرؤوس. قال محقق الجامع: ليس المراد بالبعث الإرسال المقارن للنبوة، بل هو كقوله تعالى: {أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ} (4) وليس المراد أيضاً من ادعى النبوة مطلقاً، فإنهم لا يحصون كثرة، لكون غالبهم ينشأ لهم ذلك عن جنون أو سوداء، وإنما المراد من قامت له شوكة وبدت لهم شبهة. اهـ. 941 - * روى مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن بين يدي الساعة كذابين". وفي رواية: "فاحذروهم" (5).

_ 940 - الترمذي (4/ 498) 34 - كتاب الفتن، 43 - باب ما جاء لا تقوم الساعة حتى يخرج كذابون. وقال: هذا حديث حسن صحيح. (1) أبو داود: (4/ 120) كتاب الملاحم، باب في خبر ابن صائد. (2) أبو داود: الموضوع السابق. (3) أبو داود: الموضع السابق. (4) مريم: 83. 941 - مسلم (4/ 2239) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 18 - باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل ... . وأحمد (5/ 86). (5) مسلم: الموضع السابق.

942 - * روى أحمد عن حذيفة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "في أمتي كذابون ودجالون سبعة وعشرون منهم أربع نسوة وإني خاتم النبيين لا نبي بعدي". 943 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيكون في آخر أمتي أناس يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم". وفي رواية: (1) "يكون في آخر الزمان دجالون كذابون، يأتوكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنت ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم، لا يضلونكم ولا يفتنونكم". 944 - * روى أحمد عن أبي بكرة قال: أكثر الناس في شأن مسيلمة قبل أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شيئاً فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً فقال: "أما بعد ففي شأن هذا الرجل الذي قد أكثرتم فيه وإنه كذاب من ثلاثين كذاباً يخرجون بين يدي الساعة وإنه ليس من بلد إلا يبلغها رعب المسيح". أقول: إن هذه الأحاديث من أعلام نبوته عليه الصلاة والسلام فقد ابتدأت سلسلة مدعي النبوة بمسيلمة وسجاح والأسود العنسي وآخر من ظهرت له فتنة منتشرة منهم غلام أحمد القادياني الذي ادعى النبوة وأعلن نسخ الشريعة المحمدية. 945 - * روى أبو يعلى عن أبي الجلاس قال: سمعت عليا يقول لعبد الله السبئي: ويلك والله ما أفضى إلى بشيء كتمه أحداً من الناس ولكن سمعته يقول: "إن بين يدي

_ 942 - أحمد (5/ 396). والمعجم الكبير (3/ 169). وكشف الأستار (4/ 132). مجمع الزوائد (7/ 332). وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط والبزار. ورجال البزار رجال الصحيح. 943 - مسلم (1/ 12) المقدمة، 4 - باب النهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط في تحملها. (1) مسلم: الموضع السابق. 944 - أحمد (5/ 41). مجمع الزوائد: (7/ 332). وقال: رواه أحمد والطبراني، وأحمد أسانيد أحمد والطبراني رجاله رجال الصحيح. (المسيح): المراد بالمسيح هنا: المسيح الدجال. 945 - مجمع الزوائد (7/ 333). وقال: رواه أبو يعلى ورجاله ثقات.

الساعة ثلاثين كذاباً". وإنك لأحدهم. أقول: عبد الله السبئي هو المشهور بابن السوداء، وهو يهودي أظهر الإسلام وقاد الفتنة الكبرى فكرياً وتخطيطاً ودعوياً ضد عثمان، ولم يزل يلقي بالأفكار المكفرة تحت شعار محبة علي رضي الله عنه، وتعتبر أفكار غلاة الشيعة والباطنيين منهم خاصة امتداداً لأفكاره، والرواية التي مرت معنا تحدثنا عن موقف علي رضي الله عنه منه، وتشير الرواية إلى أن فهم علي رضي الله عنه لقضية الكذابين والدجالين أنه لا يشترط حتى يطلق على واحد منهم هذا اللقب أن يدعي النبوة، وما أكثر الدجالين والكذابين في عصورنا المتأخرة الذين يدعون أنهم مسلمون ويدعون إلى الكفر البواح. * * *

الفقرة الرابعة عشرة في: أعلام وأشراط متفرقة تكون بين يدي الساعة وقد وقعت

الفقرة الرابعة عشرة في: أعلام وأشراط متفرقة تكون بين يدي الساعة وقد وقعت 946 - * روى البخاري ومسلم عن زينب بنت جحش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا إله إلا الله، ويل للعرب، من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه" وخلق بإصبعه الإبهام والتي تليها، فقلت: يا رسول الله: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم إذا كثر الخبث". أقول: قد وقع هذا بموجتي التتار والمغول وما أحدثاه من آثار مدمرة في الأرض الإسلامية عامة والأرض العربية خاصة، وكارثة بغداد معروفة. 947 - * روى الترمذي عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف". فقال له رجل من المسلمين: يا رسول الله، ومتى ذلك؟ قال: "إذا ظهرت القيان والمعارف وشربت الخمور". 948 - * روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يكون في آخر هذه الأمة خسف ومسخ وقذف" قالت: قلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم، إذا ظهر الخبث". أقول: قد وقع بعض هذا في الأمة، وأشهر أحداث الخسف في عصرنا خسف أغادير في المغرب إذ خسف بها كاملة خلال أربع ثوان، وما حدث في منطقة الأصنام في الجزائر وما حدث في منطقة ذمار في اليمن وأشهر أحداث القذف في عصرنا ما حدث في بعض القرى

_ 946 - البخاري (13/ 11) 92 - كتاب الفتن، 4 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: ويل للعرب من شر قد اقترب مسلم (4/ 2207) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 1 - باب اقتراب الفتن، وفتح ردم يأجوج ومأجوج. 947 - الترمذي (4/ 495) 34 - كتاب الفتن، 38 - باب ما جاء في علامة حلول المسخ والخسف. وقال: حديث غريب. وهو حديث حسن يشهد له الذي بعده. 948 - الترمذي (4/ 479) 34 - كتاب الفتن، 21 - باب ما جاء في الخسف. وقال: حديث غريب. وهو حديث حسن يشهد له الذي قبله.

التركية إذ جاءها عذاب من فوقها ومن تحتها. أما المسخ الباطني فما أكثره فلقد شهدنا قلوب الشياطين في جثمان إنس، وقلوب الذئاب في لبوس الضأن، وكلها معان تحدثت عنها النصوص. 949 - * روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال -عند قرب وفاته: ألا أحدثكم حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يحدثكم به أحد عنه بعدي؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تقوم الساعة" -أو قال: "إن من أشراط الساعة -: أن يرفع العلم، ويظهر الجهل، ويشرب الخمر، ويفشو الزنا، ويذهب الرجال، ويبقى النساء حتى يكون لخمسين امرأة قيم واحد". وفي رواية (1): "يظهر الزنا، ويقل الرجال، ويكثر النساء". أقول: قوله عليه الصلاة والسلام (أن يرفع العلم): يفسره الحديث الذي يذكر أن رفع العلم يكون بموت العلماء فإذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا، وقد ظهر مثل هذا في عصرنا والمراد بالعلم: العلم الشرعي، ولكن المرجو أن نكون على أبواب نهضة علمية يتلافى فيها مثل هذا، وقد يتكرر ظهور مثل هذا الشأن. وقوله عليه الصلاة والسلام (حتى يكون لخمسين امرأة قيم واحد): ذكرنا أن مثل هذا وقع في بعض الأقطار أثناء الحرب العالمية الأولى ويحتمل أن ذلك كائن فيما بعد. وقد قلت بمناسبة هذا الحديث بمناسبة ما يلي: لقد أصبح الخمر في أكثر بلدان الإسلام مرخصاً به من أكثر الحكومات وأصبحت قوانين أكثر البلدان الإسلامية تعتبر الزنا جريمة من النوع الثالث أو الرابع، وأصبح الزنا بالتراضي كثيراً شائعاً، بل وجد المتخصصون في المتاجرة بالزنا.

_ 949 - البخاري (1/ 178) 3 - كتاب العلم، 21 - باب رفع العلم وظهور الجهل. مسلم (4/ 2056) 47 - كتاب العلم، 5 - باب رفع العلم وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان. والترمذي: (4/ 491) 34 - كتاب الفتن، 34 - ما جاء في أشراط الساعة. وقال حديث: حسن صحيح. (قيم واحد) قيم المرأة: زوجها، لأنه يقوم بأمرها، وبما يحتاج إليه من نفقة وغيرها. (1) البخاري (12/ 113، 114) 86 - كتاب الحدود، 20 - باب إثم الزناة.

وفي الحرب العالمية الأولى لم يبق إلا القليل من الرجال في كثير من بلدان العالم الإسلامي حيث سحب الرجال إلى الحرب وشهدت تلك الفترة نفسها ندرة العلم حتى إنك لا تجد في الحي الواحد من يحسن الكتابة، ولا زالت الأمية بالإسلام وانتشار الزنا وشرب الخمر وفشو الربا مما نعاني منه حتى كتابة هذه السطور. 950 - * روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بين يدي الساعة أياماً ينزل فيها الجهل، ويرفع فيها العلم، ويكثر فيها الهرج، والهرج: القتل". وللبخاري (1)، أن أبا موسى قال لعبد الله: أتعلم الأيام التي ذكر فيها النبي صلى الله عليه وسلم أيام الهرج؟ ... فذكر نحوه. وقال عبد الله: سمعت رسول الله صلى الله علي وسلم يقول ... . ورواه الترمذي (2) عن أبي موسى وحده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من ورائكم أياماً يرفع فها العلم، ويكثر فيها الهرج" قالوا: يا رسول الله، وما الهرج؟ قال: "القتل". أقول: قوله عليه الصلاة والسلام (ويكثر فيها الهرج، والهرج: القتل): قد مر منه كثيراً، وفي كل عام تسمع عن مذابح المسلمين، لقد ذهب في عصرنا في الجزائر حوالي مليون شهيد، وفي أفغانستان لا نعرف إلى أي حد سيبلغ عدد القتلى، ومذبحة حماة وغيرها من المدن السورية ومذابح لبنان عامة وطرابلس خاصة، ومذابح الصراع في المغرب، ومن قبل صراعات المسلمين الكثيرة فيما بينهم، ومذابح التتار والصليبيين والمستعمرين. 951 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

_ 950 - البخاري (13/ 13) 92 - كتاب الفتن، 5 - باب ظهور الفتن. مسلم (4/ 2056) 47 - كتاب العلم، 5 - باب رفع العلم وقبضته وظهور الجهل والفتن ف آخر الزمان. (1) البخاري (13/ 14): الموضع السابق. (2) الترمذي (4/ 489) 34 - كتاب الفتن، 31 - باب ما جاء في الهرج والعبادة فيه. وقال: حديث صحيح. 951 - البخاري (2/ 521) -15 - كتاب الاستسقاء، 27 - باب ما قيل في الزلازل والآيات. =

"إن من أشراط الساعة أن يقارب الزمان، وينقص العلم، وتظهر الفتن، ويلقى الشح، ويكثر الهرج" قالوا: يا رسول الله، وما الهرج؟ قال: "القتل القتل". وفي رواية (1) "أن يرفع العلم، ويثبت الجهل"- أو قال: "ويظهر الجهل". وفي رواية أبي داود (2) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يتقارب الزمان، وينقص العلم، وتظهر الفتن، ويلقى الشح، ويكثر الهرج" قيل: يا رسول الله أيم هو؟ قال: "القتل، القتل". أقول: قوله عليه السلام (يتقارب الزمان): قد يكون فيه إشارة إلى المواصلات الحديثة ووسائل الاتصال حتى ليقضى في الزمان القليل ما كان يحتاج إلى أزمنة متطاولة. 952 - * روى الطبراني عن أبي أمية الجمحي رفعه: "إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر". أقول: إن جيلنا شهد حالة عجيبة وهي أنه قد غلب اليأس على كثير من العلماء فلم يعودوا يتصدرون للدعوة والإرشاد والتعليم، ونشط للدعوة الشباب فأصبحوا هم الذين يتصدرون لمثل هذه الشؤون، والتف الكثيرون حولهم حتى إذا ما جلس كبار العلماء لم يجدوا من يسمع منهم، وللمسألة استثناءاتها. 953 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوشك إن طالت بك مدة أن ترى قوماً في أيديهم مثل أذناب البقر يغدون في غضب الله، ويروحون في سخط الله".

_ = مسلم (/ 4/ 2057) 47 - كتاب العلم، 5 - باب رفع العلم وظهور الجهل والفتن، في آخر الزمان. (1) مسلم (4/ 2056): الموضع السابق. (2) أبو داود (4/ 99) كتاب الفتن والملاحم، باب ذكر الفتن ودلائلها. 952 - مجمع الزوائد (1/ 135) وقال: رواه الطبراني في الأوسط والكبير وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف. 953 - مسلم (4/ 2193) 51 - كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، 13 - باب النار يدخلها الجبارون، والجنة يدخلها الضعفاء.

وفي رواية: (1) "إن طالت بك مدة أوشكت أن ترى قوماً يغدون في سخط الله ويروحون في لعنته، في أيديهم مثل أذناب البقر". أقول: إن من عرف ما يجري في دوائر المخابرات في كثير من بلدان العالم الإسلامي عرف مضمون هذا الحديث. 954 - * روى أحمد عن طارق بن شهاب قال: كنا عند عبد الله بن مسعود جلوسا فجاء رجل فقال: قد أقيمت الصلاة، فقام وقمنا معه فلما دخلنا المسجد رأينا الناس ركوعاً في مقدم المسجد فكبر وركع وركعنا ومشينا وصنعنا مثل الذي صنع، فمر رجل يسرع فقال: عليك السلام أبا عبد الرحمن فقال: صدق الله ورسوله وبلغت رسله. فلما صلينا ورجعنا ودخل إلى أهله جلسنا فقال بعضنا: أما سمعتم رده على الرجل: صدق الله ورسوله وبلغت رسله أيكم يسأله؟ فقال طارق: أنا أسأله فسأله حين خرج، فذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن بين يدي الساعة تسليم الخاصة وفشو التجارة حين تعين المرأة زوجها وقطع الأرحام وشهادة الزور وكتمان شهادة الحق وظهور العلم". وفي رواية (2) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أشراط الساعة أن يسلم الرجل لا يسلم إلا للمعرفة". والبزار (3) ببعضه وزاد "وأن يجتاز الرجل بالمسجد فلا يصلي فيه" والطبراني (4) إلا أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تقوم الساعة حتى يكون السلام على المعرفة" وإن هذا عرفني من بينكم فسلم علي "وحتى تتخذ المساجد طرقاً فلا يسجد لله فيها وحتى يبعث الغلام الشيخ بريداً بين الأفقين وحتى يبلغ التاجر بين الأفقين فلا يجد ربحاً" وفي رواية (5) عنده: "وأن تغلو النساء والخيل ثم ترخص فلا تغلوا إلى يوم القيامة وأن يتجر الرجل والمرأة جميعاً".

_ (1) مسلم (4/ 2193): الموضع السابق. 954 - أحمد (1/ 407). (2) أحمد: الموضع السابق. (3) كشف الأستار (4/ 147). (4)، (5)، مجمع الزوائد (7/ 329). وقال: رواه أحمد، والبزار ببعض والطبراني إلا أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تقوم الساعة ... " وفي رواية عنده "وأن تغلو النساء ... ". ورجال أحمد والبزار رجال الصحيح.

أقول: في الحديث معجزات كثيرة منها: (حتى يبعث الغلام الشيخ بريداً بين الأفقين) وكأن في ذلك إشارة إلى الطيران واستخدام الأصغر سناً من هو أكبر منه. ومنها: (وفشو التجارة حين تعين المرأة زوجها). (وأن يتجر الرجل والمرأة جميعاً). ومن رأى في عصرنا كثرة المحلات التي تشارك في أعمالها المرأة رأى مصداق ذلك. 955 - * روى أحمد عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عصابتان من أمتي أحرزهما الله من النار عصابة تغزو الهند وعصابة تكون مع عيسى ابن مريم". أقول: وقد غزا المسلمون الند وحكموها حوال ثمانمائة سنة وها هي دولة باكستان ودولة البنغال قائمتان والمسلمون في الهند كثيرون والحمد لله. 956 - * روى البزار عن عمرو بن عوف قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: "إن بين يدي الساعة سنين خداعة يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة" قيل: يا رسول الله وما الرويبضة؟ قال: "الامرؤ التافه يتكلم في أمر العامة" قال ابن إسحاق وحدثني عبد الله بن دينار عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال بنحوه. أقول: وهذا عصرنا يشهد ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم تفصيلاً.

_ 955 - أحمد (5/ 278). والنسائي (6/ 42) كتاب الجهاد، 41 - باب غزوة الهند. مجمع الزوائد (5/ 282). وقال: رواه الطبراني في الأوسط وسقط تابعيه والظاهر أنه راشد بن سعد، وبقية رجاله ثقات. 956 - كشف الأستار (4/ 132). مجمع الزوائد (7/ 284). وقال: رواه البزار. وقد صرح ابن إسحاق بالسماع من عبد الله بن دينار وبقية رجاله ثقات.

957 - * روى الطبراني عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمتهم فارس والروم تسلك بعضهم على بعض". 958 - * روى أحمد عن أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي فكسروا قسيكم وقطعوا أوتاركم واضربوا بسيوفكم الحجارة فإن دخل على أحدكم فليكن كخير ابني آدم". أقول: إن دقة الوصف في هذا الحديث لمعجزة، فقد مرت عصور في الماضي كان الرجل يمسى مؤمناً ويصبح كافراً بسبب كثرة دعاة الباطل كالزنادقة والقرامطة والباطنية، ولقد شهد عصرنا كذلك مثل هذه المرحلة إذ تجد المسلم يصبح على إسلام ويمسى على مذهب حزب كافر وفكرة كافرة، وقد مر معنا من قبل موقف المسلم من الفتن، فالأحاديث التي تطالب المسلم بالاستسلام لقاتله أو بالعزلة الكاملة محمولة على أوضاع لها خصوصياتها كأن يكون القاتل مسلماً، والفتنة تدفعه إلى القتل. أما إذا غزيت دار الإسلام فقد وجب على المسلم القتال، وعلى كل الأحوال فالمسلم تحكمه الفتوى البصيرة من أهلها في كل ظروفه وأحواله، فلا يصح لمسلم أن يعتمد على بعض النصوص العامة، فيعطل واجباً تفرضه الفتوى من أهلها. 959 - * روى الطبراني عن عبد الله بن يزيد الحطمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عذاب أمتي في دنياها".

_ 957 - مجمع الزوائد (10/ 237). وقال: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن. (المطيطاء): وهي مشية بتبختر ومد اليدين، ومططت بمعنى: مددت. أقول: وقد خدمت هذه الأمة فارس والروم، ووقعت الحروب فيما بين هذه الأمة. 958 - أحمد (/ 4/ 772). وأبو داود (4/ 100) كتاب الفتن والملاحم، باب في النهي عن السعي في الفتنة. وابن ماجه (2/ 1310) 36 - كتاب الفتن، 10 - باب التثبيت في الفتنة. والمستدرك (4/ 440). وقال: هذا حديث صحيح الإسناد. ولم يخرجاه. 959 - الروض الداني (2/ 123).=

960 - * روى الطبراني عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من اقتراب الساعة أن ترفع الأشرار ويوضع الأخيار ويقبح القول ويخزن العمل وتتلى في القوم المثناة". قلت: وما المثناة؟ قال: "ما كتب سوى كتاب الله". قال ابن الأثير في النهاية: (المثناة): قيل: هي أن أحبار بني إسرائيل وضعوا كتاباً فيما بينهم على ما أرادوا من غير كتاب الله. ا. هـ. أقول: والمعروف أن عند اليهود أكثر من كتاب ضم كلام علمائهم وأشهر هذه الكتب هو التلمود. وقد ذكر العقاد في كتابه: "إبراهيم عليه السلام" أن أهم الراجع الإسرائيلية بعد التوراة هي كتب المشنا القديمة. ومن المشنا التلمود في نشأته الأولى. وأصل مادة الكلمة من شنا: أي كرر. وهي تقابل في العربية مادة ثني أي: أعاد ثانية (1). أقول: وفي الحديث أكثر من معجزة يشهدها عصرنا من علو الأشرار على الأخيار، ومن عرف ما يدعو إليه التقدميون عرف بعض مضمونات هذه المعجزة، ومن عرف تساتير الأحزاب الكافرة والمواثيق السياسية المحاربة للإسلام وكثرة الكتب المضللة التي تنشر في أرض الإسلام رأى مصداق ما ورد في الرواية: وما المثناة؟ قال: ما كتب سوى كتاب الله.

_ = والمستدرك (/ 1/ 50). مجمع الزوائد (7/ 224). وقال: رواه الطبراني في الصغير والأوسط ورجاله ثقات. 960 - مجمع الزوائد (7/ 326) ولفظه " ... ويحسن العمل وتفري في القوم المساءة" قلت وما المساءة؟ قال: "ما كتب سوى كتاب الله". وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. (1) انظر: كتاب (إبراهيم أبو الأنبياء) ص: 36.

961 - * روى أحمد عن حذيفة قال: ذكر الدجال عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لأنا لفتنة بعضكم أخوف عندي من فتنة الدجال ولن ينجو أحد مما قبلها إلا نجا منها، وما صنعت فتنة منذ كانت الدنيا صغيرة ولا كبيرة إلا لفتنة الدجال". 962 - * روى البزار عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول لنا: "إنكم توشكون أن تكونوا في الناس كالملح في الطعام ولا يصلح الطعام إلا بالملح". 963 - * روى الترمذي عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع". 964 - * روى الطبراني عن معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يزداد الأمر إلا شدة ولا يزداد الناس إلا شجاً ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس". 965 - * روى البخاري عن واقد بن محمد رحمه الله عن أبيه عن ابن عمر -أو ابن عمرو -قال: شبك النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه، وقال: "كيف أنت يا عبد الله بن عمرو، إذا بقين في حثالة قد مرجت عهودهم وأماناتهم، واختلفوا فصاروا هكذا"، قال: فكيف أصنع يا رسول الله؟ قال: "تأخذ ما تعرف، وتدع ما تنكر، وتقبل على خاصتك، وتدعهم وعوامهم".

_ 961 - أحمد (5/ 389). وكشف الأستار (4/ 140). مجمع الزوائد (7/ 335). وقال: رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح. 962 - كشف الأستار (3/ 291). والمعجم الكبير (7/ 268). مجمع الزوائد (10/ 18). وقال: رواه البزار والطبراني وإسناد الطبراني حسن. 963 - الترمذي (4/ 493) -34 كتاب الفتن، 37 - باب منه. وقال: حديث حسن غريب. (لكع بن لكع): الحقير التافه، وهي في الأصل: العبد أو اللئيم أو القذر. 964 - مجمع الزوائد (8/ 13، 14). وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. 965 - البخاري (1/ 564) 8 - كتاب الصلاة، 88 - باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره. قال ابن حجر .. "وقد ساقه الحميدي في الجمع بين الصحيحين نقلاً عن أبي مسعود، وزاد هو "قد مرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا فصاروا هكذا". وهذه الزيادة ليست في أحاديث الباب.

وفي (1) حديث عاصم بن محمد بن زيد قال: سمعت هذا من أبي، فلم أحفظه، فقومه لي واقد عن أبيه، قال: سمعت أبي وهو يقول: قال عبد الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الله بن عمرو، كيف أنت إذا بقيت" .. وذكر الحديث. وفي رواية أوردها رزين (2)، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كيف بكم وبزمان تغربل الناس فيه غربلة، ثم تبقى حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم، واختلفوا هكذا" -وشبك بين أصابعه -قالوا: كيف بنا يا رسول الله؟ قال: "تأخذون ما تعرفون، وتذرون ما تنكرون، وتقبلون على أمر خاصتكم، وتذرون أمر عامتكم". وفي أخرى (3)، بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ ذكر الفتنة، فقال: "إذا رأيتم الناس مرجت عهودهم، وخفت أماناتهم، وكانوا هكذا" -وشبك بين أصابعه -قال ابن عمرو: فقمت إليه، فقلت: كيف أفعل عند ذلك، جعلني الله فداك؟ قال: "ألزم بيتك، واملك عليك لسانك، وخذ ما تعرف، ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك ودع عنك أمر العامة". 966 - * روى الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف أنت يا عبد الله بن عمرو وإذا كنت في حثالة من الناس" قال: فذاك ما هو يا رسول الله؟

_ (1) البخاري: (1/ 564) الموضع السابق. قال محقق الجامع: قال الحافظ في الفتح: وصلة إبراهيم الحربي في غريب الحديث له، أقول: [أي المحقق] واللفظ الذي أورده المصنف رواه أحمد في المسند وهو حديث صحيح. ا. هـ. (حثالة): الحثالة: ما يسقط من قشر الشعير والأرز والتمر، وكل ذي قشر إذا نقي، وحثالة الدهن، وكأنه الرديء من كل شيء. (المرج): الاختلاط والاختلاف، مرجت عهودهم: إذا اختلفت. (غربلة): الناس: إماتة الأخيار، وبقاء الأشرار، كما ينقي الغربال من حثالة ما يغربله ورديئه. (2) قال محقق الجامع: هذه الرواية عند ابن ماجه ورواه أيضاً أحمد في المسند. وهو حديث صحيح. ا. هـ. (3) قال محقق الجامع: هذه الرواية رواها أبو داود وأحمد والحاكم وصححها ووافقه الذهبي وهو كما قالا. ا. هـ. 966 - مجمع الزوائد (7/ 283). وقال: رواه الطبراني في الأوسط بإسنادين، رجال أحدهما رجال الصحيح. وابن ماجه (2/ 1307) -36 كتاب الفتن -10 باب التثبيت في الفتنة. وهو عنده بلفظ "كيف بكم وبزمان .. " والباقي نحوه.

قال: ذاك إذا مرجت أماناتهم وعهودهم فصاروا هكذا" وشبك بين أصابعه، قال: كيف أصنع يا رسول الله؟ قال: "تعمل بما تعرف وتدع ما تنكر وتعمل بخاصة نفسك وتدع عوام الناس". أقول: في عصرنا كل حزب يأخذ عهداً ومن يتصدر لإمرة الجماعات الإسلامية والمشيخة يأخذون عهوداً، وكل حكم جديد يأخذ عهداً وتختلط العهود ويصبح العهد وكأنه لا قيمة له، ففي الأحاديث معجزة وقعت وتقع، وفيها تعريف للمسلم كيف يتصرف في مثل هذه الأحوال وعلى علماء المسلمين أن يكثروا دائرة الخواص، وأن يكون فيما بينهم تواص وتواصل وتشاور فيما ينبغي. 967 - * روى البزار عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله، وحتى يمطر الناس مطراً ولا تنبت الأرض وحتى يكون للخمسين امرأة القيم الواحد وحتى تمر المرأة بالنعل فتقول لقد كان لها مرة رجل". أقول: القسم الأول من الحديث يكون بعد وفاة المسيح عليه الصلاة والسلام ووفاة المؤمنين جميعاً، ولقد مرت على بعض المسلمين في الحرب العالمية الأولى الصورة التي ذكرتها تتمة الحديث إذ حشر الرجال للحرب ولم يبق إلا النساء. وقوله عليه السلام: (وحتى تمر المرأة بالنعل): معناه أن المرأة ترى نعال الرجال ولا تجد أصحابها فتذكر أن هذه النعال كان يلبسها ناس ذهبوا. 968 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

_ 967 - كشف الأستار (4/ 150). مجمع الزوائد (7/ 331). وقال: في الصحيح بعضه. رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. 968 - مسلم (4/ 2228) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة -15 - باب سكنى المدينة وعمارتها قبل الساعة.

"ليست السنة بأن لا تمطروا، ولكن السنة أن تمطروا وتمطروا، ولا تنبت الأرض شيئاً". أقول: من المظاهر التي شهدناها أن ينزل مطر غزير ثم يكون جفاف كثير ثم ينزل مطر غزير ثم يكون جفاف كثير، فلا كثير، فلا تستفيد الأرضون من هذا المطر. 969 - * روى أحمد عن حذيفة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة، قال: "علمها عند ربي ولا يجعلها لوقتها إلا وهو ولكن أخبرك بمشاريطها وما يكون بين يديها إن بين يديها فتنة وهرجاً" قالوا يا رسول الله الفتنة قد عرفناها فما الهرج؟ قال: "بلسان الحبشة القتل" قال: ويلقى بين الناس التناكر فلا يكاد أحد يعرف أحداً". أقول: من مظاهر التناكر في عصرنا أنك تجد أصحاب البناية الواحدة لا يعرف بعضهم بعضاً ولا يزور بعضهم بعضاً. 970 - * روى مسلم عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة قال: دخلت المسجد، فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما جالس في ظل الكعبة، والناس مجتمعون إليه، فأتيتهم، فجلست إليه، فقال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فنزلنا منزلاً، فمنا من يصلح خباءه، ومنا من ينتضل، ومنا من هو في جشره، إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة جامعة، فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "إنه لم يكن نبي قبلي، إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجيء فتنة فيزلق بعضها بعضاً، وتجيء الفتنة، فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف، وتجيء الفتنة، فيقول المؤمن: هذه هذه، فمن أحب أن يزحزح

_ = (السنة): الجذب والقحط. 969 - أحمد (5/ 389). مجمع الزوائد (7/ 309) وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. 970 - مسلم (3/ 1473) 33 - كتاب الإمارة، 10 - باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء، الأول فالأول.

عن النار، ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم والآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه، ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه، فليطعه ما استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر" قال: فدنوت منه، فقلت: أنشدك الله، أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه، وقال: سمعته أذناي، ووعاه قلبي، فقلت له: هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل وتقتل أنفسنا، والله تعالى يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] فسكت عني ساعة، ثم قال: أطعه في طاعة الله، واعصه في معصية الله. (ينتضل) الانتضال: الرمي بالسهام. (جشره) الجشر: المال بمن المواشي التي ترعى أمام البيوت والديار، وقال: "حشر يرعى في مكانه لا يراجع إلى أهله" يقال: جشرنا دوابنا: أخرجناها إلى المرعى نجشرها جشراً، ولا نروح إلى أهلنا. (فيزلق) أزلقت بعضها بعضاً: دفع بعضها بعضاً، كأن الثانية تزحم الأولى، لسرعة ورودها عليها، ويزلق بعضها بعضاً: يعجلها، والإزلاق: الإعجال. اهـ. 971 - * روى أبو داود عن أبي البختري رحمه الله قال: أخبرني من سمع النبي صلى الله عليه وسلم -وفي رواية: حدثني رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لن يهلك الناس، أو يعذروا من أنفسهم". 972 - * روى ابن ماجه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نذكر الفقر ونتخوفه. فقال "الفقر تخافون؟ والذي نفسي بيده لتصبن

_ 971 - أبو داود (4/ 125) -كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي. وإسناده حسن. وفيه: "لن يهلك الناس حتى يعذروا أو يعذروا من أنفسهم". 972 - ابن ماجه (1/ 4) المقدمة، 1 - باب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. (لتخوفه): أي نظهر الخوف. (الفقر) بمد الهمزة على الاستفهام. وهو مفعول مقدم. =

عليكم الدنيا صباً حتى لا يزيغ قلب أحدكم إزاعة إلا هيه، وأيم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء، ليلها ونهارها سواء". قال أبو الدرداء: صدق، والله، رسول الله صلى الله عليه وسلم تركنا، والله، على مثل البيضاء، ليلها ونهارها سواء. 973 - * روى البزار عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما نقض قوم العهد إلا كان القتل بينهم، ولا ظهرت فاحشة في قوم إلا سلط الله عليهم الموت، ولا منع قوم قط الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر". 974 - * روى أحمد عن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوشك أن يملأ الله عز وجل أيديكم من العجم ثم يكونون أسداً لا يفرون، فيقتلون مقاتلتكم ويأكلون فيئكم". أقول: لقد حدث هذا بعد موجات كثيرة من الفتح، يظهر ذلك في مثل معركة بواتيه التي قتل فيها عبد الرحمن الغافقي رحمه الله، وفي استعصاء أوروبا على الغزو العثماني، ثم مقاومة هذا الغزو حتى انحسر، ثم انتقال الكافرين من دور الدفاع إلى الهجوم فأخذوا إسبانيا، واستولوا على أقسام من الأرض في موجات، نشهد في هذا العصر منها الكثير. 975 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمشي كافراً، ويسمي

_ (إلا هيه): هي، ضمير الدنيا. والهاء في آخره للسكت. أي لا يميل قلب أحدكم إلا الدنيا. (على مثل البيضاء): المعنى: على قلوب بيضاء نقية عن الميل إلى الباطل، لا يميلها عن الإقبال على الله تعالى السراء والضراء. 973 - كشف الأستار (4/ 104). مجمع الزوائد (7/ 269). وقال: رواه البزار. ورجاله رجال الصحيح غير رجاء بن محمد، وهو ثقة. 974 - أحمد (5/ 11). وكشف الأستار (4/ 128). مجمع الزوائد (7/ 310). وقال: رواه أحمد والبزار والطبراني. ورجال أحمد رجال الصحيح. 975 - مسلم (1/ 110) 1 - كتاب الإيمان، 51 - باب الحث على المبادرة بالأعمال قبل تظاهر الفتن.

مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا". 976 - * روى الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يكون بين يدي الساعة فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً، ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً، ويصبح كافراً، يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا". أقول: إن ظهور ما ورد في هاتين الروايتين في عصرنا بين فإنك تجد الإنسان مؤمناً في الصباح ويمسي على شيوعية أو وجودية أو قومية جاهلية أو حزبية كافرة أو ولاء كافر أو انتساب لأنواع من الكفر وأهله، ونجده مؤمناً في المساء ويصبح على شيء مما ذكرناه في الصباح من أجل مصلحة أو منفعة لا تساويان شيئاً. 977 - * روى البزار عن نهيك بن صريم السكوني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لتقاتلن المشركين حتى يقاتل بقيتكم الدجال على نهر الأردن أنت شرقيه وهم غربيه ولا أدري أين الأردن يومئذ". أقوال: الظاهر أن الدجال الوارد في هذا الحديث ليس هو الدجال الأكبر، لأن الدجال الأكبر يقتله المسيح في باب لد بفلسطين نفسها وتكون القدس عاصمة الخلافة فلا يتصور وقتذاك أن يكون المسلمون شرقي النهر والدجال غربيه، فالحديث فيه إشارة إلى الوضع الحالي للمسلمين حيث سيطر اليهود وهم جند الدجاجلة على فلسطين فأصبحوا غرب النهر والمسلمون شرقية، وقد حدثت معركة الكرامة بين المسلمين واليهود عندما تجاوز اليهود النهر واندحروا.

_ = والترمذي (4/ 487) 34 - كتاب الفتن، 30 - باب ما جاء ستكون فتن كقطع الليل المظلم. وقال: هذا حديث حسن صحيح. 976 - الترمذي (4/ 488) 34 - كتاب الفتن، 30 - باب ما جاء ستكون فتن كقطع الليل المظلم. وقال: هذا حديث غريب، (كقطع): قطع الليل: طائفة منه. 977 - كشف الأستار (4/ 138). مجمع الزوائد: (7/ 348). وقال: رواه الطبراني والبزار ورجال البزار ثقات.

978 - * روى أحمد عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها" فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: "بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن" قيل: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: "حب الدنيا، وكراهية الموت". 979 - * روى أحمد عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لثوبان: "كيف بك يا ثوبان إذا تداعت عليكم الأمم كتداعيكم على قصعة الطعام تصيبون منه". قال ثوبان: بأبي أنت وأمي يا رسول الله أمن قلة بنا؟ قال: "لا أنتم يومئذ كثير ولكن يلقى في قلوبكم الوهن" قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: "حبكم الدنيا وكراهيتكم القتال". أقول: في هذا الحديث معجزة كبرى من معجزاته عليه الصلاة والسلام، ومن عرف مرحلة وقوع العالم الإسلامي في براثن الاستعمار حتى أصحبت لكثير من الدول الكافرة مستعمراتها، ولا زالت بعض البلدان الإسلامية مستعمرة، ومن عرف موقف الدول الكافرة مما أمسى بمسألة الرجل المريض ويريدون بذلك الدولة العثمانية أدرك مصداق ذلك، وقد ذكر الحديث العلاج، فالعلاج للخلاص من الغثائية: العلم والذكر والخصائص والتخصص، ومن أهم الخصائص الزهد في الدنيا وحب الشهادة في سبيل الله. 980 - * روى أحمد عن أبي مويهبة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا أبا مويهبة إني قد أمرت أن أستغفر لأهل البقيع فانطلق معي"،

_ 978 - أحمد (5/ 278). وأبو داود (4/ 111) كتاب الملاحم، باب في تداعي الأمم على الإسلام. وهو حديث صحيح. (تداعى): التداعي: التتابع، أي: يدعو بعضها بعضاً فتجيب. (الأكلة): جمع آكل. (غثاء): الغثاء: ما يلقيه السيل. 979 - أحمد (2/ 359). مجمع الزوائد (7/ 287). وقال: رواه أحمد والطبراني في الأوسط بنحوه. وإسناد أحمد جيد. 980 - أحمد (3/ 489).=

فانطلقت معه فلما وقف بين أظهرهم قال: "السلام عليكم يا أهل المقابر ليهنكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه لو تعلمون ما نجاكم الله منه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها الآخرة شر من الأولى". ثم أقبل علي فقال: "يا أبا مويهبة: إني قد أوتيت خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة وخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي عز وجل والجنة" قال: قلت بأبي أنت وأمي فخذ مفاتيح الدنيا والخلد فيها ثم الجنة قال: "لا والله يا أبا مويهبة: لقد اخترت لقاء ربي ثم الجنة" ثم استغفر لأهل البقيع ثم انصرف، فبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعه النذي قبضه الله عز وجل حين أصبح وفي رواية (1) عنه أيضاً قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي على أهل البقيع فصلى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات فلما كانت الثالثة قال: "يا أبا مويهبة أسرج لي دابتي" قال فركب ومشيت حتى انتهى إليهم فنزل عن دابته وأمسكت الدابة. 981 - * روى مسلم عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما، قال: أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة، فما منه شيء إلا وقد سألته إلا أني لم أسأله: ما يخرج أهل المدينة من المدينة؟ أقول: لقد جلا أهل المدينة المنورة عنها في الحرب العالمية الأولى. 982 - * روى الطبراني عن ميمونة قالت قال نبي الله صلى الله عليه وسلم لنا ذات يوم: "ما أنتم إذا مرج الدين وسفك الدماء وظهرت الزينة وشرف البنيان واختلف الإخوان وحرق البيت العتيق" وفي رواية: "واختلف الأحبار" بدل الإخوان.

_ = (1) أحمد الموضع نفسه. مجمع الزوائد: (9/ 24). وقال: رواه أحمد والطبراني بإسنادين ورجال أحدهما ثقات إلا أن الإسناد الأول عن عبيد بن حنين عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبي مويهبة، والثاني عن عبيد بن حنين عن أبي مويهبة. 981 - مسلم (4/ 2217) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة -6 باب إخبار النبي صلى الله عليه وسلم فيما يكون إلى قيام الساعة. 982 - المعجم الكبير (24/ 10). مجمع الزوائد (7/ 310). وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات.

أقول: إن بعضاً مما ورد في الحديث نراه في عصرنا عياناً. وقد رمي البيت العتيق يوم حاصر الحجاج ابن الزبير. 983 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كنا قعوداً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر الفتن، فأكثر في ذكرها، حتى ذكر فتنة الأحلاس، فقال قائل: يا رسول الله، وما فتنة الأحلاس؟ قال: "هي هرب وحرب، ثم فتنة السراء، دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي، يزعم أنه مني، وليس مني، وإنما أوليائي المتقون، ثم يصطلح الناس على جل كورك على ضلع، ثم فتنة الدهيماء، لا تدع أحداً من هذه الأمة إلا لطمته لطمةً، فإذا قيل انقضت تماذت، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، حتى يصير الناس إلى فسطاطين، فسطاط إيمان لا نفاق فيه وفسطاط نفاق لا إيمان فيه، فإذا كان ذاكم فانتظروا الدجال من يومه، أو من غده". أقول: (الدهيماء): تصغير الدهماء، وقد أصبحت تطلق كلمة الدهماء على العامة، وبين كلمة العامة والدهماء صلة واضحة، فلم تزل كلمة سواد الناس تطلق على العامة. الظاهر أن فتنة الدهماء هو ما نحن فيه، فإنها هي الفتنة التي لم يسلم أحد من ضربة من

_ 983 - أبو داود (4/ 94) كتاب الفتن، باب ذكر الفتن ودلائلها. (الأحلاس): قال ابن الأثير في النهاية: الأحلاس: جمع جلس، وهو الكساء الذي يلي ظهر البعير تحت القتب، شبهها به للزومها ودوامها. ا. هـ. (وحرب): الحرب بفتح الراء: ذهاب المال والأهل، يقال: حرب الرجل، فهو حريب: إذا سلب أهله وماله. (دخنها): إثارتها وهيجها، شبهها بالدخان الذي يرتفع، أي أن أصل ظهورها من هذا الرجل. وقوله "من تحت قدمي رجل" يعني: أنه يكون سبب إثارتها. (كورك على ضلع): مثل، أي أنه لا يستقل بالملك، ولا يلائمه، كما أن الورك لا تلائم الصلع. (فتنة الدهيماء): أراد بالدهيماء: السوداء المظلمة. (فسطاطين): الفسطاط: الخيمة الكبيرة، وتسمى مدينة مصر: الفسطاط، والمراد به في هذا الحديث: الفرقة المجتمعة المنحازة عن الفرقة الأخرى، تشبيهاً بانفراد الخيمة عن الأخرى، أو تشبيهاً بانفراد المدينة عن الأخرى، حملاً على تسمية مصر بالفسطاط، ويروى بضم الفاء وكسرها.

ضرباتها بشكل من الأشكال، إما فكرياً وإما روحياً وإما اقتصادياً وإما سياسياً، وإما أخلاقياً وإما اضطهاداً إلى آخر ما يحسه كل فرد من أفراد هذه الأمة في هذا العصر أنه قد ضرب ضربة من هذه الفتنة. ولكن بعض الناس تكون ضربتهم مميتة وبعضهم تكون ضربتهم طويلة، وبعضهم يصحو بسرعة. وإني لأعرف خياراً من الناس قد فتنوا بشيء ما، ثم فاؤوا. ولم أذكر شيئاً عن فتنة السراء مع غلبة الظن أنها وقعت، لأن تعيين القائم بها مختلف فيه. فقد كان شيخنا الحامد رحمه الله يعينه، وكنت أرى رأياً آخر، وكلا الرأيين أحتفظ به لأسباب شتى. 984 - * روى البخاري عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء". أقول: لم تظهر فتنة النساء كما ظهرت في عصرنا، إذ ظهرت النساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات اللواتي ذكرهن الحديث الصحيح الذي هو من أعلام نبوته عليه الصلاة والسلام. 985 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أهل النار، لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر، يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا.

_ 984 - البخاري (9/ 137) 67 - كتاب النكاح، 17 - باب ما يتقى من شؤم المرأة وقوله تعالى: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ}. مسلم (4/ 2097) 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 26 - باب بيان أكثر أهل الجنة ..... إلخ. والترمذي (5/ 103) 44 - كتاب الأدب، 31 - باب ما جاء في تحذير فتنة النساء. وقال: حديث حسن صحيح. 985 - مسلم (3/ 1680) 37 - كتاب اللباس والزينة، 34 - باب النساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات.

قال ابن الأثير: (كاسيات عاريات): المعنى: أنهن يكشفن بعض أجسامهن، ويسدلن الخمر من ورائهن، فيكشفن صدورهن، فهن كاسيات عاريات، إذ بعض ذلك منكشف، وقيل: هو أن يلبسن ثياباً رقاقاً تصف ما تحتها، فهن كاسيات في ظاهر الأمر، عاريات في الحقيقة. (مائلات مميلات): مائلات، أي: زائغات عن طاعة الله وعما يلزمهن من حفظ الفروج، ومميلات: يعلمن غيرهن: الدخول في مثل فعلهن، وقيل: مائلات، أي: متبخترات في مشيهن، مميلات، أي: يملن أعطافهن وأكتافهن وقيل: مائلات إلى الشر، مميلات للرجال إلى الفتنة. (رؤوسهن كأسنمة البخت): أراد تشبيه رؤوسهن بأسنمة البخت بما يكبرن رؤوسهن به من المقانع والخمر والعمائم، أو بصلة الشعور. ا. هـ. أقول: ما ذكرناه من شرح للحديث هو بعض ما شرحه به ابن الأثير رحمه الله، ولكن الشرح الحقيقي للحديث هو ما نراه في عصرنا هذا، سواء في ذلك وجود رجال مهمتهم تعذيب خلق الله بالباطل ووجود نساء يتصفن بما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث حتى إن دقة الوصف في الحديث لما نشاهده عند كثير من نساء عصرنا لهو وحده معجزة من أكبر المعجزات فلقد تفنن كثير من النساء بأنواع من اللباس يظهر معه عري الجميل من الجسد، كما تفنن في أنواع تسريحات الشعر وتقليعات الرؤوس، حتى إن بعض التقليعات سميت في عصرنا بتسريحة السد العالي إشارة إلى نوع من تسريحات الشعور يرتفع بها شعر المرأة فوق رأسها كسنام الجمل، وكل ذلك تفعله الكثيرات وتخرج به أو تظهر به أمام أجهزة الإعلام. أما المشاهد الأكثر ابتذالاً من ظهور المرأة "بالمايوه" الذي يكشف ما سوى السوأتين في كثير من الأحوال وعرض ذلك في وسائل الإعلام فحدث عنه ولا حرج، فالواقع: الأمر أكبر من أن يصور بالكلمة.

986 - * روى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء". 987 - * روى أحمد عن عبد الله بن بسر قال: لقد سمعت حديثاً منذ زمان إذا كنت في قوم عشرين رجلا أو أقل أو أكثر فتصفحت وجوههم فلم تر فيهم رجلاً يهاب في الله عز وجل فاعلم أن الأمر قد رق. 988 - * روى أحمد عن أبي أمامة الباهلي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لتنتقضن عرى الإسلام عروة عروة فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها وأولهن نقضاً الحكم وآخرهن الصلاة". 989 - * روى أحمد عن سلمة بن نفيل السكوني قال: كنا جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال قائل: يا رسول الله هل أتيت بطعام من السماء؟ قال: "نعم، أنزل علي طعام في مسخنة". قال: فهل كان فيها فضل عنك؟ قال: "نعم". قال: فما فعل به قال: "رفع وهو يوحى إلى أني مكفوت غير لابث فيكم ولستم لابثين بعدي إلا

_ 986 - مسلم (4/ 2098) 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار -26 باب أكثر أهل الجنة الفقراء ... إلخ. وابن ماجه (2/ 1325) 36 - كتاب الفتن، 19 - باب فتنة النساء. (مستخلفكم فيها): أي: جاعلكم خلفاء من القرون الذين قبلكم، فينظر هل تعلمون بطاعته، أم بمعصيته وشهواتكم. (فاتقوا الدنيا واتقوا النساء): أي احذروا الافتتان بهما. 987 - أحمد (4/ 188). مجمع الزوائد (7/ 276). وقال: رواه أحمد والطبراني، وإسناد أحمد جيد. 988 - أحمد (5/ 251). ورجاله رجال الصحيح. مجمع الزوائد (7/ 281). وقال: رواه أحمد والطبراني ورجالهما رجال الصحيح، إلا أن في الأصل عن حبيب بن سليمان عن أبي أمامة وصوابه سليمان بن حبيب المحاربي فإنه روى عن أبي أمامة وروى عنه عبد العزيز بن إسماعيل بن عبيد الله. 989 - أحمد (4/ 104). والمستدرك (4/ 447) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقال الذهبي: لم يخرجا لأرطاة وهو ثبت والخبر من غرائب الصحاح. مجمع الزوائد (7/ 206) وقال: رواه أحمد والطبراني والبزار وأبو يعلي ورجاله ثقات. (مسخنة): قدر كالتور، يسخن فيها الطعام -والتور: إناء يشرب فيه.

قليلاً حتى تقولوا متى وستأتوني أفناداً يفني بعضكم بعضاً وبين يدي الساعة موتان شديد وبعده سنوات الزلازل". أقول: قوله عليه الصلاة والسلام (بين يدي الساعة موتان شديد وبعده سنوات الزلازل) يحتمل أن يكون فيه إشارة إلى الحربين العالميتين الأولى والثانية وما أعقبهما من كثرة الزلازل حتى إنك كثيراً ما تسمع عن وقوع زلزلة في مكان ما، وقد يكون فيه إشارة إلى حرب عالمية أخرى يكثر فيها الفناء والبلاء والاحتمال الأكبر إذا وقعت حرب عالمية ثالثة ألا يبقى في الأرض أحد إلا قليلاً. 990 - * روى أحمد عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد". 991 - * روى أبو داود عن يزيد بن عميرة، وكان من أصحاب معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال: كان لا يجلس مجلساً للذكر، إلا قال حين يجلس: الله حكم قسط، هلك المرتابون، فقال معاذ بن جبل يوماً: إن وراءكم فتناً يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن حتى يأخذه المؤمن والمنافق، والرجل والمرأة، والعبد والحر، والصغير والكبير، فيوشك قائل أن يقول: ما للناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن؟ وما هم بمتبعي حتى أبتدع لهم غيره، فإياكم وما ابتدع، فإنما ابتدع ضلالة، وأحذركم زيغة الحكيم، فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحق، قال: قلت لمعاذ: وما تدري رحمك الله أن الحكيم قد يقول كلمة الضلالة، وأن المنافق يقول كلمة

_ = (موتان): بضم الميم، موتان على وزن بطلان،: وهو الموت الكثير الوقوع. 990 - أحمد (3/ 134). وابن ماجه (1/ 244) 4 - كتاب المساجد والجماعات، 2 - باب تشييد المساجد. والحديث صحيح. 991 - أبو داود (4/ 202) كتاب السنة، باب لزوم السنة. (القسط): العدل. (زيغة الحكيم): الزيغ، وأراد به: الميل عن الحق، والحكيم: العالم العارف، أراد به: الزلل والخطأ الذي يعرض للعالم العارف، أو يتعمده لقلة دينه.

الحق؟ قال: بلى: اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات التي يقال: ما هذه؟ ولا يثنينك ذلك عنه، فإنه لعله يراجع، وتلق الحق إذا سمعته، فإن على الحق نورا. وفي أخرى قال: بلى، ما تشابه عليك من قول الحكيم، حتى تقول: ما أراد بهذه الكلمة؟ 992 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم، إذ جاءه أعرابي، فقال؛ متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه، فقال بعض القوم: سمع ما قال، فكرة ما قال، وقال بعضهم: بل لم يسمع، حتى إذا قضى حديثه، قال: "أين السائل عن الساعة؟ " قال: هاأنا ذا يا رسول الله، قال: "إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة" قال: وكيف إضاعتها؟ قال: "إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة". 993 - * روى البخاري عن أبي مالك -أو أبي عامر -الأشعريين رضي الله عنهما قال عبد الرحمن بن غنم الأشعري: حدثني أبو عامر -أو أبو مالك الأشعري -والله ما كذبني، سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم تروح عليهم سارحة لهم، فيأتيهم رجل لحاجة، فيقولن: ارجع إلينا غداً، فيبيتهم الله، ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة". وفي رواية أبي داود (1): أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير" .. وذكر كلاماً، قال: "يمسخ منهم آخرين قردة

_ 992 - البخاري (1/ 142) 3 - كتاب العلم، 2 - باب من سئل علماً وهو مشتغل ... إلخ. (وسد الأمر إلى غير أهله): إذا أسند إليه، هذا كناية عن استقامة الناس وانقيادهم إليه واتفاقهم عليه وهو غير أهل لذلك. 993 - البخاري (10/ 51) 74 - كتاب اللباس، 6 - باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه. (الحر): الفرج. (العلم): الجبل وما يهتدي به في البرية، من بناء أو جدار أو غير ذلك. (1) أبو داود (4/ 46) كتاب اللباس، باب ما جاء في الخز. وهو حديث صحيح، ومن ضعفه كابن حزم في المحلى وغيره فما أصاب.

وخنازي إلى يوم القيامة". أقول: لقد ظهر استحلال الفروج والحرير والخمر والمعازف في هذه الأمة بأكثر من صورة، فالقائلون بسقوط التكليف يستحلون ذلك، وبعض طوائف الباطنية يستحلون ذلك، وكثير من العامة لا يبالون في ارتكاب هذه المحظورات، وبعضهم يتكلم كلام المستحل. أما ما ورد من تهديد لأمثال هؤلاء فلا نعرف أنه وقع حتى الآن، وإن كان المسخ المعنوي حاصلاً. 994 - * روى الطبراني عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأتي على الناس زمان يتمنون فيه الدجال". قلت يا رسول الله بأبي وأمي مم ذاك قال: "مما يلقون من العناء والعناء". أقول: لقد مرت على الأمة الإسلامية أحداث ولا زالت تمر تجعل المسلم يتمنى قيام الساعة، ولا تقوم الساعة قبل أن يظهر الدجال لذلك يتمنون ظهور الدجال وما يكون بين يديه من ظهور المهدي عليه السلام وما يعقب ظهوره من نزول المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، وهانحن اليوم نجد كثيراً من المسلمين يتطلعون إلى ظهور المهدي عليه السلام كمخرج للإنقاذ، ولكن الظاهر من النصوص أن بيننا وبين ظهوره أمداً كما سنرى والله أعلم. 995 - * روى ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا وقعت الملاحم بعث الله بعثاً من الموالي هم أكرم العرب فرساً وأجوده سلاحاً يؤيد الله بهم الدين.

_ 994 - مجمع الزوائد (7/ 284) وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات، ورواه البزار بنحوه ورجاله ثقات. وكشف الأستار (4/ 140). 995 - ابن ماجه (2/ 1369) 36 - كتاب الفتن، 35 - باب الملاحم. وفي الزوائد: إسناده حسن، وعثمان بن أبي العاتكة مختلف فيه. والمستدرك (4/ 548). وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري، وقال الذهبي: على شرط مسلم وضعفه بعضهم وفي رواية الحاكم: "بعثاً من الموالي من دمشق".

أقول: الظاهر أن المراد بالملاحم هنا ما حدث من غزو الصليبيين والتتار، فلقد قام أيام هذه الملاحم وبعدها بنصرة الإسلام شعوب غير عربية كالأكراد والأتراك والبربر فيوسف بن تاشفين بربري وصلاح الدين كردي ونور الدين الشهيد تركي، ثم ظهرت دولة آل عثمان فقامت بدور كبير، وهؤلاء وأمثالهم قاموا بحق الله عليهم وبعضهم كان مقره دمشق وبعضهم كان مقره في غيرها، ولا ننسى أن قطزاً صاحب معكرة عين جالوت وبيبرس الذي كان له دور كبير في الجهاد من الموالى، ولا ننسى أن دمشق كانت حاضرة لنور الدين وصلاح الدين وبيبيرس. 969 - * روى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تبلغ المساكن إهاب أو يهاب". قال زهير: قلت لسهيل وكم ذلك من المدينة قال: كذا وكذا مثلاً. 997 - * روى مسلم عن موسى بن علي عن أبيه، قال: قال المستورد القرشي عند عمرو ابن العاص سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تقوم الساعة والروم أكثر الناس" فقال له عمرو: أبصر ما تقول قال: أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال لئن قلت ذاك فإن فيهم لخصالاً أربعاً: إنهم لأحكم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة؛ وأوشكهم كرةً بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك. أقول: تطلق كلمة الروم ويراد بها النصارى، والمعروف أن روسيا القيصرية وأوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية كلها واستراليا كلها نصارى، ولا زالت خريطة العالم فيها أكثرية من الروم إذا اعتبرنا سكان أوروبا والقسم الآسيوي من الاتحاد السوفياتي وأمريكا الشمالية والجنوبية يشكلون بالنسبة للعالم حجماً لا بأس به.

_ 966 - مسلم (4/ 2228) 52 - كتاب الفتن، 15 - باب في سكنى المدينة وعمارتها قبل الساعة. (إهاب): اسم مكان قريب من المدينة. أقول: ومن رأى النهضة العمرانية الموجودة في زمننا في المدينة المنورة، وامتداد العمران المتصاعد فيها رأى مصداق الحديث. 997 - مسلم (4/ 2222) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 10 - باب تقوم الساعة والروم أكثر الناس.

الفقرة الخامسة عشرة في: أشراط صغرى لم تقع بعد

الفقرة الخامسة عشرة في: أشراط صغرى لم تقع بعد 998 - * روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، لا تقوم الساعة حتى تكلم السباغ الإنس، وحتى تكلم الرجل عذبة سوطه وشراك نعله، وتخبره فخذه بما أحدث أهله بعده". أقول: شهد عصرنا إمكانية تسجيل ما يجري من أحاديث بوسائل كهربائية دقيقة قد يبلغ حجمها حجم عذبة السوط أو أقل، وأصبح بالإمكان التنصت على ما يجري داخل الأبواب وفي الاجتماعات بوسائل دقيقة جداً ومع ذلك لا نستطيع حمل هذا الحديث على هذا الذي يجري لأن الظاهر أن ما أخبر عنه الحديث سيكون بشكل خارق للعادة والله أعلم. 999 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى يقوم رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه". أقول: يجمع النساب العرب على أن الأكراد أصولهن عربية قحطانية، وممن حكم من الأكراد ودان له الناس السلطان صلاح الدين الأيوبي العالم المجاهد العابد، فهل هو المراد بالحديث أو غيره؟ الله أعلم. وقد ذهب بعضهم إلى أن الحديث لم يقع وإنما وقوعه قبيل قيام الساعة بعد وفاة المسيح عليه السلام.

_ 998 - الترمذي (4/ 476) 34 - كتاب الفتن، 19 - باب ما جاء في كلام السباع. وقال: هذا حديث حسن صحيح. وهو كما قال. (عذبة سوطه): السير المعلق في طرفه. 999 - البخاري (13/ 76) 92 - كتاب الفتن، 23 - باب تغير الزمان حتى تعبد الأوثان. مسلم (4/ 2233) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 18 - باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل ... إلخ. (يسوق الناس بعصاه): لم يرد العصا نفسها، وإنما ضربها مثلاً لطاعتهم، واستيلائه عليهم.

1000 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، لا ترم الدنيا حتى يمر الرجل بالقبر فيتمرغ عليه، ويقول: يا ليتني مكان صاحب هذا القبر، وليس به الدين، ما به إلا البلاء". وفي رواية (1): قال: "لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل، فيقول: يا ليتني مكانه". 1001 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تذهب الليالي والأيام حتى يملك رجل من الموالي، يقال له: الجهجاه" وفي نسخة: الجهجل. 1002 - * روى مسلم عن أبي هريرة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر؟ " قالوا: نعم. يا رسول الله! قال: لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفاً من بني إسحاق فإذا جاؤها نزلوا. فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم قالوا: لا إله إلا الله والله أكبر. فيسقط أحد جانبيها". قال ثور: لا أعلمه إلا قال: "الذي في البحر. ثم يقولوا الثانية: لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط جانبها الآخر. ثم يقولوا الثالثة: لا إله إلا الله والله أكبر. فيفرج لهم. فيدخلوها فيغنموا. فبينما هم يقتسمون المغانم، إذ جاءهم الصريخ فقال: إن الدجال قد خرج. فيتركون كل شيء، ويرجعون". أقول: في هذا الحديث كلام عن الفتح الثاني للقسطنطينية، وأن هذا الفتح سيكون

_ 1000 - مسلم (4/ 2231): الموضع السابق. (1) البخاري (13/ 17) 92 - كتاب الفتن، 12 - باب لا تقوم الساعة حتى يغبط أهل القبور. ومسلم (4/ 2231): الموضع السابق. 1001 - مسلم (4/ 2233): الموضع السابق. 1002 - مسلم (4/ 2228): الموضع السابق.

بخارق للعادة، وأن القائمين ليسوا عرباً في أصولهم بل أصولهم من بني إسحاق، والمعروف أن إسحاق له أكثر من ولد، فله غير يعقوب جد بني إسرائيل. وحول قوله من بني إسحاق قال القاضي: كذا هو في جميع أصول مسلم: "من بني إسحاق". قال: قال بعضهم: المعروف المحفوظ: "من بني إسرائيل"، وهو الذي يدل عليه الحديث وسياقه لأنه إنما أراد العرب، وهذه المدينة هي القسطنطينية. ا. هـ. 1003 - * روى الطبراني عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنكم ستفتحون مدينة هرقل أو قيصر وتقتسمون أموالها بالترسة ويسمعهم الصريخ أن الدجال قد خلفهم في أهاليهم فيلقون ما معهم ويخرجون فيقاتلون". أقول: لقد مر معنا إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم بفتح القسطنطينية قبل روما، وقد حدث هذا الفتح، وههنا تشير النصوص إلى فتح آخر للقسطنطينية يكون قبل الدجال مباشرة، وهذا يفيد تغير ما سيطرأ على الوضع الدولي قبيل ظهور المسيح الدجال، تكون القسطنطينية فيه دار كفر، وكون القسطنطينية اليوم لا يحكمها الروم فذلك من جملة العلامات على أن بيننا وبين المهدي زمناً، لأن المهدي يجتمع والمسيح ابن مريم عليه السلام. 1004 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق -أو بدابق -فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا، قالت الروم: خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله، كيف نخلي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم؟ فيهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبداً، ويقتل ثلثهم

_ 1003 - مجمع الزوائد: (7/ 349). وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات. (الترسة): جمع ترس. 1004 - مسلم (4/ 2221) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 8 - باب لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب.

أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح الثلث، لا يفتنون أبداً، فيفتتحون قسطنطينية، فبينما هو يقتسمون الغنائم، قد علقوا سيوفهم بالزيتون، إذا صاح فيهم الشيطان: إن المسيح الدجال قد خلفكم في أهاليكم، فيخرجون، وذلك باطل، فإذا جاءوا الشام خرج، فبينا هم يعدون للقتال، يسوون صفوفهم، إذ أقيمت الصلاة، فينزل عيسى ابن مريم، فأمهم، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء فلو تركه لا نذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده -يعني المسيح -فيريهم دمه في حربته". قوله: (لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق) قال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة: (الشك من الراوي. قال العلامة ياقوت الحموي في "معجم البلدان": "الأعماق جاء بلفظ الجمع، والمراد به العمق، وهي كورة -أي ناحية -قرب دابق بين حلب وأنطاكية". ثم قال: "دابق: قرية قرب حلب من أعمال عزاز، بينها وبين حلب أربعة فراسخ"). ا. هـ (التصريح بما تواتر في نزول المسيح). (خلفكم) خلفت الرجل في أهله: إذا قمت فيهم مقامه، وخلفهم العدو: إذا طرقهم وهم غائبون عنهم. قوله: (فإذا جاءوا الشام خرج): قال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة: (أي إذا جاءوا من قسطنطينية إلى بلاد الشام ودخلوا القدس -كما في رواية -خرج حينئذ المسيح الدجال. ا. هـ. (التصريح بما تواتر في نزول المسيح). أقول: قوله عليه السلام (قد علقوا سيوفهم بالزيتون): يحتمل أن يكون المراد بالسيوف: الأسلحة، كما سيذكر نصاً في رواية ستأتي بعد قليل، ومن المعروف أن البندقية الحالية وهي أداة المقاتل الرئيسية لا تنفك عن الحربة التي هي سيف مصغر، ويحتمل أن يكون المراد بالسيوف: السيوف المعروفة، وهذا يقتضي أن طوارئ ستطرأ على الأوضاع الحالية

للحضارة يرجع الناس فيها إلى أدوات القتال المعروفة قديماً، ومن المعلوم أن كثيرين من العسكريين يتوقعون إذا قامت حرب عالمية ثالثة أن تفنى هذه الحضارة وأن توجد معطيات جديدة، وفي الحديث إجمال ستفصله نصوص أخرى، فالمسيح عليه السلام ينزل في المنارة البيضاء شرقي دمشق ثم يذهب إلى القدس، وتكون القدس عاصمة الخلافة الإسلامية وقتذاك، وعلى أرض فلسطين يقتل المسيح عليه السلام المسيح الدجال، ويقتل المسلمون اليهود الذين يأتون مع المسيح الدجال، وعلى هذا يحمل الحديث: " ... إن الحجر والشجر يقولان: يا عبد الله يا عبد الرحمن هذا يهودي فاقتله". وهذا كله يدل على أن دولة اليهود القائمة الآن وجودها عارض. 1005 - * روى مسلم عن يسير بن جابر -أو أسير -رضي الله عنه، قال: هاجت ريح حمراء بالكوفة، فجاء رجل ليس له هجيرى إلا: يا عبد الله بن مسعود، جاءت الساعة، قال: فقعد -وكان متكئاً -فقال: إن الساعة لا تقوم حتى لا يقسم ميراث، ولا يفرح بغنيمة، ثم قال بيده هكذا -ونحاها نحو الشام -فقال: عدو يجمعون لأهل الإسلام، ويجمع لهم أهل الإسلام، قلت: الروم تعني؟ قال: نعم، ويكون عند ذلكم القتال ردة شديدة، فيتشرط المسلمون شرطة للموت، لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل، فيفيء هؤلاء وهؤلاء، كل غير غالب، وتفنى الشرطة، ثم يتشرط المسلمون شرطة للموت، لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل، فيفيء هؤلاء، وهؤلاء، كل غير غالب، وتفنى الشرطة، ثم يتشرط المسلمون شرطة للموت، لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يمسوا، فيفيء هؤلاء وهؤلاء، كل غير غالب، وتفنى الشرطة، فإذا كان اليوم الرابع نهد إليهم بقية أهل الإسلام، فيجعل الله الدائرة عليهم، فيقتتلون مقتلة -إما قال: لا يرى مثلها، وإما قال: لم ير مثلها -حتى إن الطائر ليمر بجنباتهم، فما يخلفهم

_ 1005 - مسلم (4/ 2223) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 11 - باب إقبال الروم في كثرة القتل عند خروج الدجال. (هجيرى): هجيراه، أي: عادته وديدنه. (شرطة): الشرطة: أول طائفة من الجيش يشهد الوقعة، والتشرط: تفعل منه. (نهد): الجيش لقتال العدو: إذا نهضوا إليه.

حتى يخر ميتاً، فيتعاد بنو الأم كانوا مائة فلا يجدونه بقي منهم إلا الرجل الواحد، فبأي غنيمة يفرح، أو أي ميراث يقسم؟ فبينما هم كذلك إذ سمعوا ببأس هو أكبر من ذلك، فجاءهم الصريخ: إن الدجال قد خلفهم في ذراريهم، فيرفضون ما بأيديهم، ويقبلون، فيبعثون عشرة فوارس طليعة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأعرف أسماءهم، وأسماء آبائهم، وألوان خيولهم، هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذ" أو قال: "من خير فوارس". أقول: في هذا الحديث تفصيل للملحمة التي تكون بين يدي الساعة، وكلمة الروم تطلق على النصارى في عصر النبوة، فالملحمة الكبرى ستكون بين النصارى والمسلمين ويكون النصر للمسلمين ثم يتابعون النصر فيفتحون القسطنطينية التي تكون وقتذاك بيد النصارى مرة ثانية -والذي يبدو أن ذلك سيكون بعد قيام دولة الإسلام العالمية التي تحدثنا عنها من قبل -ثم يظهر الدجال وينزل عيسى بن مريم فيقتله في فلسطين عند باب لد الشرقي. 1006 - * روى البخاري عن عوف بن مالك رضي الله عنه، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة أدم، فقال: "أعدد ستاً بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم، كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال، حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطاً، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً".

_ = (فيتعاد): التعاد: تفاعل من العد، أي يعد بعضهم بعضاً. (البأس): الخوف والشدة. 1006 - البخاري (6/ 277) 58 - كتاب الجزية والموادعة، 15 - باب ما يحذر من الغدر. (موتان): الموتان بضم المليم: وهو الموت الكثير الوقوع. (القعاس): داء يأخذ الغنم، لا يلبثها أن تموت، وقد حدث هذا في الطاعون الذي وقع في بلاد الشام زمن عمر رضي الله عنه. (غاية): الغاية: بالغين المعجمة: الراية، ومنه غاية الخمار، وهي خرقة يرفعها على بابه، ومن رواه بالباء: =

أقول: بعض ما ورد في هذا النص وقع، وبعضه لم يقع، ومنه الفتنة التي لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، والتي سيكون بعدها قيام دار العدل يلجأ إليها المسلمون، وهذه الدار تكون في هدنة مع النصارى، ويبدو كما سنرى في نص آخر أنه يعقب ذلك تحالف مع النصارى على قتال عدو ولا يبعد أن تكون هذا العدو هو الشيوعيين، فينتصر المسلمون والنصارى عليهم ثم يغدر النصارى ويكون النصر للمسلمين في المال فيتابعون الحرب حتى تفتح لهم القسطنطينية. 1007 - * روى مسلم عن جابر بن سمرة. عن نافع بن عتبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تغزون جزيرة العرب، فيفتحها الله ثم فارس، فيفتحها الله. ثم تغزون الروم، فيفتحها الله. ثم تغزون الدجال، فيفتحه الله" قال فقال نافع: يا جابر لا ترى الدجال يخرج حتى تفتح الروم. أقول: هذا الحديث يوضح ما مر معنا من قبل أن ردة ستقوم يقضي عليها أهل الإسلام وعلى رأسهم خليفة المسلمين في بيت المقدس، والظاهر أنه المهدي عليه السلام فإن مركز الخلافة أيام هذه الأحداث هو القدس كما سيمر معنا. 1008 - * روى أحمد عن ذي مخبر (رفعه): "ستصالحون الروم صلحاً آمنا فتغزون أنتم وهم عدواً من ورائهم، فتسلمون وتغنمون، ثم تنزلون بمرج ذي تلول فيقوم رجل من الروم فيرفع الصليب، ويقول: غلب الصليب! فيقوم إليه رجل من المسلمين فيقتله، فيغدر القوم، وتكون الملاحم".

_ = فإنه أراد الأجمة: شبه كثرة رماح العسكر بها. 1007 - مسلم (4/ 2225) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 11 - باب ما يكون من فتوحات المسلمين قبل الدجال. 1008 - أحمد (4/ 91). وأبو داود (4/ 109) كتاب الملاحم، باب ما يذكر من ملاحم الروم. وابن ماجه (2/ 1369) 36 - كتاب الفتن، 35 - باب الملاحم. وهو حديث صحيح.

وفي رواية (1): "ويثور المسلمون إلى أسلحتهم فيقتلون، فيكرم الله تلك العصابة بالشهادة". أقول: هذا النص هو الذي أشرنا إليه من قبل من أن المسلمين يكونون في هدنة مع النصارى ثم في تحالف على قتال عدو ثم في صراع مع المسلمين ثم يكون الدجال، كما أنه هو الحديث الذي يذكر كلمة (الأسلحة) وهو الذي جعلنا نحتمل أن كلمة السيوف التي وردت في حديث مسلم يمكن أن يراد بها الأسلحة. 1009 - * روى أبو داود عن أبي الدرداء، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة إلى جانب مدينة يقال لها دمشق من خير مدائن الشام". 1010 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوشك المسلمون أن يحاصروا إلى المدينة، حتى يكون أبعد مسالحهم: سلاح" قال الزهري: سلاح قريب من خيبر. (مسالحهم): المسالح جمع مسلحة، وهم قوم ذوو سلاح، والمسلحة أيضاً كالثغر والمرقب يكون فيه أقوام يرقبون العدو لئلا يطرقهم، فإذا رأوه: أعلموا أصحابهم ليتأهبوا له. 1011 - * روى البخاري ومسلم عن أم المؤمنين أم عبد الله عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يغزو جيش الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم". قالت، قلت: يا رسول الله، كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم!؟ قال: "يخسف بأولهم وآخرهم، ثم يبعثون على نياتهم".

_ (1) أبو داود: (4/ 110) الموضع السابق. 1009 - أبو داود (4/ 111) كتاب الملاحم، باب في المعقل من الملاحم. وهو صحيح. 1010 - أبو داود: الموضع السابق. وهو صحيح. 1011 - البخاري (4/ 338) 34 - كتاب البيوع، 49 - باب ما ذكر في الأسواق. واللفظ له. مسلم (4/ 2209). 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 2 - باب الخسف بالجيش الذي يؤم البيت.

1012 - * روى أبو داود عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عمران بيت المقدس خراب يثرب، وخروج الملحمة فتح القسطنطينية؛ وفتح القسطنطينية خروج الدجال" قال: ثم ضرب بيده على فخذ إلي حدثه أو منكبه ثم قال: "إن هذا لحق مثل ما إنك ها هنا أو كما أنك قاعد". 1013 - * روى ابن ماجه عن حذيفة بن اليمان؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب. حتى لا يدرى ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة. وليسرى على كتاب الله، عز وجل، في ليلة. فلا يبقى في الأرض منه آية. وتبقى طوائف من الناس، الشيخ الكبير والعجوز. يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة: لا إله إلا الله. فنحن نقولها" فقال له صلة: ما تغنى عنهم: لا إله إلا الله، وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة؟ فأعرض عنه حذيفة، ثم ردها عليه ثلاثاً. كل ذلك يعرض عنه حذيفة. ثم أقبل عليه في الثالثة، فقال: يا صلة! تنجيهم من النار. ثلاثاً. أقول: الظاهر أن هذا سيكون بعد نزول المسيح عليه السلام. * * *

_ 1012 - أبو داود (4/ 110) كتاب الملاحم باب في أمارات الملاحم. والحديث رواه أبو داود عن عباس العنبري عن أبي النضر هاشم بن القاسم به، وقال: هذا إسناد جيد وحديث حسن. 1013 - ابن ماجه (2/ 1344) 36 - كتاب الفتن، 14 - باب ذهاب القرآن والعلم. وفي الزوائد: إسناده صحيح. ورجاله ثقات. والمستدرك (4/ 473) وقال: إسناده صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. (يدرس الإسلام): من درس الرسم دروساً، إذا عفا وهلك. ومن درس الثوب درساً إذا صار عتيقاً. (وشي الثوب) نقشه. (وليسرى على كتاب الله) أي يذهب بالليل.

الفقرة السادسة عشرة في: انحسار الفرات عن جبل من ذهب

الفقرة السادسة عشرة في: انحسار الفرات عن جبل من ذهب 1014 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب يقتتل الناس عليه فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون، فيقول كل رجل منهم: لعلي أكون أنا أنجو". وفي رواية: (1) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب، فمن حضره فلا يأخذ منه شيئًا". وفي رواية لأبي داود (2) مثل الثانية وقال: "عن جبل من ذهب". 1015 - * روى مسلم عن عبد الله بن الحارث بن نوفل رضي الله عنه، قال: كنت واقفًا مع أبي بن كعب، فقال: لا يزال الناس مختلفة أعناقهم في طلب الدنيا، قلت: أجل، قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يوشك الفرات أن يحسر عن جبل ذهب، فإذا سمع به الناس ساروا إليه، فيقول من عنده: لئن تركنا الناس يأخذون منه ليذهبن به كله" قال: "فيقتتلون عليه، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون".

_ 1014 - البخاري (13/ 79) 92 - كتاب الفتن. 24 - باب خروج النار. مسلم (4/ 2219) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة. 8 - باب لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب. (1) مسلم (4/ 2220) الموضع السابق. وأبو داود (4/ 115) كتاب الملاحم، باب حسر الفرات عن كنز. والترمذي (4/ 698) 39 - كتاب صفة الجنة، 26 - باب حدثنا أبو سعيد الأشج .. وقال: حديث حسن صحيح. (2) أبو داود: الموضع السابق. 1015 - مسلم: الموضع السابق.

وفي رواية: وقفت أنا وأبي بن كعب في ظل أطم حسان. أقول: لقد مر معنا أن الملحمة الكبرى يقتل فيها من المسلمين من كل مائة تسعة وتسعون وههنا ترد النصوص لتذكر أنه بسبب ظهور ذهب الفرات يقتل من كل مائة تسعة وتسعون فهل لذهب الفرات علاقة بغدر النصارى وهو عامل في طمعهم وقتالهم أو المسلمين أنفسهم يقتتلون على ذهب الفرات حتى يفني بعضهم بعضًا ويكون ذلك سابقًا على مرحلة الملحمة الكبرى كأن تتنازع الدول التي يمر فيها الفرات على ما يظهر في مجراه؟ الأمر محتمل. * * *

الفقرة السابعة عشرة في: أشراط الساعة الكبرى إجمالا وفي: بعض أشراط أخرى تكون بين يدي الساعة

الفقرة السابعة عشرة في: أشراط الساعة الكبرى إجمالًا وفي: بعض أشراط أخرى تكون بين يدي الساعة المقدمة إن تغير النظام الكوني ووجود نظام آخر حدث يعدل حدث خلق العالم أول مرة، ولذلك تسبقه أحداث كبرى خارقة للعادة تكون كالمقدمة له، منها: الدخان، قال تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} (1). ومنها: خروج دابة الأرض، قال تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} (2). ومنها خروج الدجال الذي وردت فيه أحاديث جعلت خروجه من باب المتواتر المعنوي الذي يكفر منكره. ومنها: نزول المسيح عليه السلام الذي أشارت إلى نزوله آيات قرآنية ثلاث: قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} (3)، {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} (4)، {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} (5)، وقد فسرها بعضهم بأن الوفاة تكون بعد الرفع والنزول. وقد ورد فيه من الأحاديث أكثر من ثمانين حديثًا ومن الآثار عن الصحابة أكثر من أربعين أثرًا ومن الكتب التي ألفت فيه (التصريح بما تواتر في نزول المسيح) فمنكر نزوله كافر.

_ (1) الدخان: 10. (2) النمل: 82. (3) الزخرف: 61. (4) النساء: 159. (5) آل عمران: 55.

ومن علامات الساعة الكبرى: ظهور يأجوج ومأجوج، ومنها خروج الشمس من مغربها، وقد أشارت إلى ذلك الآية: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ} (1). ومما يحدث بين يدي الساعة: هدم الكعبة وإلقاء أحجارها في البحر، ومنها: هبوب ريح تقبض روح كل مؤمن، فلا تقوم الساعة إلا على كافر. ومن أشراط الساعة الكبرى: خروج نار من عدن تسوق الناس إلى أرض المحشر بشكل خارق، وقبل ذلك كله تنزل الخلافة الأرض المقدسة فتكون عاصمة المسلمين القدس ويظهر المهدي عليه السلام وكل ذلك يكون بين يدي الحدث الأكبر وهو قيام الساعة وما يكون فيه ويكون بعده.

_ (1) الأنعام: 158.

النصوص

النصوص 1016 - * روى أحمد عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الآيات كخرزات منظومات في سلك فانقطع السلك فتبع بعضها بعضًا". وقد ضعف عامة المحدثين علي بن زيد إلا أن معنى الحديث يشهد له الحديث الذي بعده، فالمعنى صحيح. والحديث إن لم يكن حسن بذاته فهو حسن بشواهده. 1017 - * روى الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خروج الآيات بعضها على أثر بعض تتابعن كما تتابع الخرز في النظام". 1018 - * روى الطبراني في الأوسط عن حذيفة بن أسيد (أراه رفعه): "تخرج الدابة من أعظم المساجد، فبينما هم كذلك إذ رنت الأرض، فبينما هم كذلك إذ تصدعت". قال ابن عيينة: تخرج حين يسير الإمام من جمع، وإنما جعل سابقًا ليخبر الناس أن الدابة لم تخرج. 1019 - * روى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال. حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا لم أنسه بعد، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أول الآيات خروجًا: طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى، وأيهما ما كانت قبل صاحبتها، فالأخرى على إثرها قريبًا". وفي رواية (1) جلس إلى مروان بن الحكم بالمدينة ثلاثة نفر من المسلمين فسمعوه وهو يحدث عن الآيات: أن أولها خروجًا: الدجال، فقال عبد الله بن عمرو: لم يقل مروان

_ 1016 - أحمد (2/ 219). مجمع الزوائد: (7/ 321). وقال: رواه أحمد وفيه علي بن زيد وهو حسن الحديث. 1017 - مجمع الزوائد (7/ 321). وقال: رواه الطبراني في الأوسط. ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن أحمد بن حنبل وداود الزهواني، وكلاهما ثقة. 1018 - مجمع الزوائد (8/ 7). وقال: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات. 1019 - مسلم (4/ 2260) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 23 - باب في خروج الدجال .... إلخ. (1) مسلم (4/ 2260). الموضع السابق.

شيئًا، قد حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا لم أنسه بعد، سمعته يقول: "أول الآيات خروجًا: طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى، وأيتهما كانت قبل صاحبتها، فالأخرى على إثرها قريبًا". وروى أبو داود نحو الثانية (1)، وقال في آخرها: قال عبد الله: وكان يقرأ الكتب، وأظن أولها خروجا: طلوع الشمس من مغربها. 1020 - * روى الترمذي عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، قال: دخلت المسجد حين غابت الشمس والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، فقال: "يا أبا ذر، أين تذهب هذه؟ " قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: "فإنها تذهب تستأذن في السجود، فيؤذن لها، وكأنها قد قيل لها: اطلعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها" قال: ثم قرأ (وذلك مستقر لها) يس: 38. وقال: وذلك في قراءة عبد الله بن مسعود. أقول: قوله عليه الصلاة والسلام (أين تذهب هذه؟): فيه من الحكمة النبوية مالا يحاط به فالشمس كما هو مقرر الآن تدور حول نفسها، وهي جزء من مجرتها تدور بدورتها، ودورة المجرة تستغرق ملايين السنين، والشمس مع مجموعتها من الكواكب تسير نحو كوكبة الجاثي بسرعة هائلة، فإذا تأملنا هذا وتأملنا قراءة ابن مسعود التي تعتبر تفسيرًا للحالة التي تسبق خروج الشمس من مغربها: "وذلك مستقر لها"، فبالإمكان أن نحتمل أن نقطة ما في الفضاء لن تتجاوزها الشمس في سيرها ثم تؤمر بالرجوع فيحدث نتيجة لذلك هذا الحدث الضخم الذي من آثاره أن تظهر الشمس من مغربها ثم يعود الأمر إلى ما كان، وعلى مقتضى ما نعرفه الآن من دوران الأرض، فالظاهر أن الأرض نفسها سيحدث لها شيء ما لفترة محدودة بأن ترجع إلى الوراء فتظهر الشمس وكأنها تشرق من المغرب ثم يعود الأمر إلى ما كان. وذلك نقوله بناء على معطيات عصرنا في أن الأرض تدور حول نفسها وأنها تدور

_ (1) أبو داود (4/ 114) كتاب الملاحم، باب أمارات الساعة. 1020 - الترمذي (5/ 364) 48 - كتاب تفسير القرآن، 37 - باب ومن سورة يس. وقال: حديث حسن صحيح. قال ابن الأثير: وقد أخرج البخاري ومسلم هذا المعنى بأطول منه.

حول الشمس، إلا أنا لا نجزم بشيء في هذا الموضوع إلا ما ذكره النص، وكيفية ذلك عند الله علمها، وإنما نضطر أحياناً لذر بعض المعاني من باب تقريب الأمور لأنواع من الدارسين، وفي مسألتنا هذه ما أسهل على الله عز وجل أن يرجع الله دورة الكرة الأرضية إلى الوراء فتظهر الشمس من مغربها، إلا أنا ذكرنا الاحتمال الآخر، لأنه يجري على مقتضى عالم الأسباب، فبعض علماء الكون يذكرون احتمالاً أن تصل الشمس إلى نقطة ما في سيرها نحو كوكبة الجاثي ثم لا تتجاوزها. وإنما شجعنا على أن نحاول هذه المحاولة في فهم النص أن للعلماء أكثر من اتجاه في فهمه. وكنموذج على تعدد الآراء فيه نذكر ما قاله النووي رحمه الله في شرح مسلم. قال النووي: هذا مما اختلف المفسرون فيه. قال جماعة بظاهر الحديث، قال الواحدي وعلى هذا القول إذا غربت ك ل يوم استقرت تحت العرش إلى أن تطلع من مغربها. وقال قتادة ومقاتل: معناه تجري إلى وقت لها وأجل لا تتعداه قال الواحدي: وعلى هذا مستقرها انتهاء سيرها عند انقضاء الدنيا. وهذا اختيار الزجاج وقال الكلبي تسير في منازلها حتى تنتهي إلى آخر مستقرها الذي لا تجاوزه ثم ترجع إلى أول منازلها واختار ابن قتيبة هذا القول والله أعلم. وأما سجود الشمس فهو بتمييز وإدراك بخلق الله تعالى فيها. أ. هـ. 1021 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا رآها الناس آمن مَنْ عليها". وفي رواية (1): "فإذا طلعت ورآها الناس، آمنوا أجمعون، فذلك حين

_ 1021 - البخاري (8/ 296، 297) 65 - كتاب التفسير، 6 - سورة الأنعام، 9 - باب {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ}. مسلم (1/ 137) 1 - كتاب الإيمان، 73 - باب بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان. وأبو داود (4/ 115) كتاب الملاحم، باب أمارات الساعة. (1) البخاري (11/ 352) 81 - كتاب الرقاق، 40 - باب حدثنا أبو اليمان. ومسلم: الموضع السابق.

لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبلُ أو كسبت في إيمانها خيراً". 1022 - * روى ابن ماجه عن صفوان بن عسال قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من قِبَل مغرب الشمس باباً مفتوحاً عرضه سبعون سنةً فلا يزال ذلك الباب مفتوحاً للتوبة حتى تطلع الشمس من نحوه فإذا طلعت من نحوه لم ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت مِن قبلُ أو كسبت في إيمانها خيراً". 1023 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بادروا بالأعمال ستاً: طلوع الشمس من مغربها، أو الدخان، أو الدجال، أو الدابة، أو خاصة أحدكم، أو أمر العامة". وفي رواية مثله (1)، والجميع بواو العطف، وفي آخره: "وخُويصة أحدكم". (خويصة): خويصة تصغير خاصة الإنسان، وهي ما يخصه دون غيره. أقول: لاحظ قوله عليه السلام: (وأمر العامة) وتأمل ما يجري في عصرنا حيث يراد ألا يكون للعلماء أي دور في توجيه أمور العامة، والأمر خطط له أو يخطط بحيث يكون الأمر بيد العامة. 1024 - * روى مسلم عن حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه، قال: اطلع رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر، فقال: "ما تذكرون؟ " قلنا: نذكر الساعة. قال: "إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آياتٍ" فذكر الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسفٌ

_ 1022 - ابن ماجه (2/ 1353) 36 - كتاب الفتن، 22 - باب طلوع الشمس من مغربها. 1023 - مسلم (2/ 2267) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 25 - باب في بقية من أحاديث الدجال. (1) مسلم (4/ 2267) الموضع نفسه. (خويصة): خويصة تصغير خاصة الإنسان، وهي ما يخصه دون غيره. 1024 - مسلم (4/ 2225) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 12 - باب في الآيات التي تكون قبل الساعة.

بالمشرق وخسفٌ بالمغرب، وخسفٌ بجزيرة العرب، وآخِر ذلك: نارٌ تطرد الناس إلى محشرهم. وفي رواية (1) قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم في غُرفةٍ ونحن أسفل منه، فاطلع إلينا ... وذكر نحوه. وفي أخرى (2) نحوه وقال أحدهما في العاشرة: نزول عيسى ابن مريم، وقال الآخر: وريح تُلقي الناس في البحر. وفي رواية أبي داود (3)، قال: كُنا قعوداً في ظل غُرفةٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرنا الساعة، فارتفعت أصواتنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن تكون- أو لن تقوم- حتى يكون قبلها عشرُ آيات: طلوع الشمس من مغربها، وخروجٌ الدابة، وخروجُ يأجوج ومأجوج، والدجالُ، وعيسى ابنُ مريم، والدخانُ، وثلاث خسوف: خسف بالمغرب، وخسف بالمشرق، وخسف بجزيرة العرب، وآخِرُ ذلك: تخرجُ نارٌ من اليمن، من قعرِ عدن، تسوق الناس إلى المحشر". وفي رواية الترمذي (4) نحو الأولى، وزاد في ذكر النار قال: "ونار تخرج من قعر عدن، تسوق الناس- أو تحشر الناس- فتبيتُ معهم حيثُ باتوا، وتقيلُ معهم حيث قالوا". أقول: قوله عليه السلام في هذا الحديث (والدخان) وقول الراوي (فذكر الدخان) وقوله في الحديث السابق الذي رواه مسلم (أو الدخان) حمله بعض العلماء على دخان يكون بين يدي الساعة ويعتبر من أشراطها الكبرى. وعلى ذلك فسروا قوله تعالى {فَارْتَقِبْ يَوْمَ

_ (1) مسلم (4/ 2226): الموضع نفسه. (2) مسلم (4/ 2226): الموضع نفسه. (3) أبو داود (4/ 114) كتاب الملاحم، باب أمارات الساعة. (4) الترمذي (4/ 477) 34 - كتاب الفتن، 21 - باب ما جاء في الخفس. وقال: حديث حسن صحيح.

تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ}. وقد ذكر بعضهم أنه أول أشراط الساعة الكبرى ظهوراً، وهناك اتجاهات أخرى في تفسير الدخان في الآية منها ما ذكره البخاري عن ابن مسعود أنه: ما أصاب قريشاً من قحطٍ جاعوا معه فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد، والقول الراجح عند العلماء أن الدخان من أشراط الساعة الكبرى وأنه لم يجيء بعد، والظاهر أنه يعم العالم، ومن عرف الأسلحة الذرية اليوم واحتمالات تفجيرها وأن سحابها يمكن أن يغطي العالم احتمل أن تكون النصوص تشير إلى مثل ذلك، لكن ظاهر النصوص يشير إلى أنه عقوبة ربانية مباشرة، وقد ذكر الألوسي رواية تنص على أنه يبقى أربعين يوماً أما المؤمن فيصيبه كهيئة الزكمة، وأما الكافر فيكون بمنزلة السكران يخرج من منخريه وأذنه ودبره، ومع أن القول الراجح عند العلماء التوقف والتفويض في تسلسل وقوع بعض أشراط الساعة الكبرى، إلا أن تسلسل بعضها يقيني، لكن بعضهم رجح من خلال الاستقراء أن التسلسل يكون على الشكل التالي: الدخان ثم خروج الدجال ثم نزول عيسى عليه السلام ثم خروج يأجوج ومأجوج ثم خروج الدابة ثم طلوع الشمس من مغربها ثم ريحها تقبض روح كل مؤمن فلا يبقى إلا كافر، ثم نار تخرج من عدن تسوق الناس جميعاً إلى أرض المحشر أي أرض الشام ثم تكون القايمة. أما الخسوف فلا يشترط أن يكون بعد ذلك لأن حرف العطف (الواو) يقتضي مطلق الجمع، وقد شهدنا في عصرنا خسف مدينة أغادير في المغرب حيث إن أحد فنادقها الذي يبلغ أكثر من عشرين طابقاً لم يبق منه على وجه الأرض إلا لافتتهُ التي كانت منصوبة على الطابق الأخير، وقد عرفنا خسفاً وقع في عصرنا في إيران، ولكن هل المراد بأمثال هذه الخسوف هو ما ذكرته النصوص أو المراد خسوف أخرى. وعلى كل فتسلسل علامات الساعة التي وردت في الحديث لا يؤخذ من نص الحديث لأن الواو في العربية لمطلق الجمع لا للترتيب، والذين تكلفوا ذكر التسلسل أخذوه من استقراءات شاملة للنصوص لا من لفظ الحديث نفسه. 1025 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى عليه وسلم قال: "ثلاثٌ

_ 1025 - مسلم (1/ 138) 1 - كتاب الإيمان، 72 - باب بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان. =

إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنتْ من قبلُ: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض". أقول: هذا محمول على من بلغته الدعوة وكان عاقلاً بالغاً واختار الكفر وظهرت له واحدة من هذه الأشراط الثلاثة لأنه في حكم من انكشف له الغيب، فالمعروف أن المحتضر متى انكشف له شيء من أمر الغيب عند خروج روحه لم تعد تنفعه توبة ولا يقبل منه إيمان، وكذلك من رأى شرطاً من هذه الأشراط الثلاثة. ويمكن أن يحمل الحديث على أن المراد بذلك الإخبار بالنسبة للدابة والدجال بمعنى أنه متى ظهر الدجال أو الدابة فالكافر مستمر على كفره لا بمعنى أنه لا يقبل إسلام من أسلم، قال تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} (1). فأما بالنسبة للشمس فلا شك أنه بعد ظهورها من المغرب {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ}، أما بالنسبة للدجال والدابة فظاهر النص الذي بين أيدينا أن الأمر كذلك ولكن الاحتمال الثاني يبقى قائماً لكثرة النصوص في موضوع الشمس وقلتها بالنسبة للدجال والدابة في موضوع عدم قبول الإيمان. قال الألوسي رحمه الله بعد أن ذكر أن من علامات الساعة الكبرى: خروج الدابة وظهور الدجال وطلوع الشمس من مغربها أن بعض المفسرين فسر قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ} (2). بهذه الآيات الثلاث، وعلى هذا القول فإن أياً من هذه الآيات الثلاث إذا خرجت لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل. لكنه ذكر أن هذا القول قد استشل ولذلك فنحن في تعليقنا راعينا هذا الإشكال فذكرنا احتمالين للنص الذي رواه الإمام مسلم.

_ = والترمذي: (5/ 264) 48 - كتاب التفسير، 7 - باب ومن سورة الأنعام. وقال: حديث حسن صحيح. (1) الأنعام: 158.

وفيما يلي كلام الألوسي رحمه الله: وببعضها على ما قيل: الدجال. والدابة. وطلوع الشمس من مغربها وهو المراد بالبعض أيضاً في قوله سبحانه: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ} (1). وروى مسلم. وأحمد. والترمذي. وغيرهم عن أبي هريرة مرفوعاً ما هو صريح في ذلك: واستشكل ذلك بأن خروج عيسى عليه السلام بعد الدجال عليه اللعنة وهو عليه السلام يدعو الناس إلى الإيمان ويقبله منهم وفي زمنه خير كثير دنيوي وأخروي، وأجيب عنه بما لا يخلو عن نظر. والحق أن المراد بهذا البعض الذي لا ينفع الإيمان عنده طلوع الشمس من مغربها" أ. هـ. (روح المعاني). 1026 - * روى أحمد عن أبي أُمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تخرجُ الدابةُ، فتسمُ الناس على خراطيمهم، ثم يُعمرون فيكم، حتى يشتري الرجل الدابة، فيقال: ممن اشتريت؟ فيقول من الرجل المخطم". فائدة: قال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة عن الدابة: هي المعنية بقوله تعالى في سورة النمل: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ}. قال الاحافظ ابن كثير في "تفسيره 3: 374: "هذه الدابة تخرج في آخر الزمان عند فساد الناس، وتركهم أوامر الله، وتبديلهم الدين الحق! يُخرج الله لهم دابةً من الأرض فتكلم الناس على ذلك". قال الألوسي في "روح المعاني" 6: 314: "أي تكلمهم بأنهم لا يتيقنون بآيات الله تعالى الناطقة بمجيء الساعة ومباديها، أو بجميع آياته التي من جملتها تلك الآيات. وقُثصارى - أي غايةُ - ما أقول في هذه الدابة أنها دابةً عظيمة ذات قوائم،

_ (1) الأنعام: 158. 1026 - أحمد (5/ 268). مجمع الزوائد (8/ 6). وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير عمر بن عبد الرحمن بن عطية وهو ثقة.

ليست من نوع الإنسان أصلاً، يُخرجها الله تعالى آخر الزمان من الأرض، وتخرُجُ وفي الناس مؤمن وكافر. ويدل على ذلك ما أخرجه أبو داود الطيالسي في "مسنده" ص 334، وأحمد في "مسنده" 2: 295 و 491، والترمذي في "سننه" 12: 63 وحسنهُ، وابن ماجه في "سننه" 2: 1351 واللفظُ له، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تخرج الدابة ومعها خاتم سليمان بن داود، وعصا موسى بن عمران، عليهما السلام، فتجلو وجه المؤمن- أي تنوره وتبيضه- بالعصا، وتخطم أنف الكافر- أي تسمه وتجعل عليه علامةً - بالخاتم، حتى إن أهل الحِواء- أي أهل الحي الذين يجمعهم ماء يستقون منه- ليجتمعون، فيقول هذا: يا مؤمن، ويقول هذا: يا كافر". ثم قال الألوسي: وهذا الخبر أقرب الأخبار المذكورة في الدابة للقبول". انتهى. واستظهر الحاكم أبو عبد الله النيسابوري أن طلوع الشمس من مغربها يسبقُ خروج الدابة، ثم تخرجُ الدابة في ذلك اليوم أو الذي يقرب منه. قال الحافظ ابن حجر بعد نقله قول الحاكم في "فتح الباري" 11: 304: "والحكمةُ في ذلك أن عند طلوع الشمس من المغرب يُغلق بابُ التوبة فتخرج الدابة تميز المؤمن من الكافر تكميلاً للمقصود من إغلاق باب التوبة". انتهى. ففي المسألة قولان، رجح الحافظ ابن حجر منهما أسبقية طلوع الشمس من مغربها. أ. هـ (التصريح بما تواتر في نزول المسيح). أقول: مر معنا حديث مسلم الذي يذكر أن الدابة والدجال والشمس إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها فإذا كانت الدابة بعد طلوع الشمس من مغربها فلا إشكال أما إذا كانت قبل ذلك فعندئذٍ يكون لحديث مسلم الاحتمالان اللذان ذكرناهما هناك، وأما الحديث الذي أورده الشيخ عبد الفتاح في فائدته فبعض فقراته لها شواهد وبعض فقراته ضعفها بعضهم، والحديث وُجِدَ مَنْ حَسَّنه ووُجدَ من ضعفه.

الفقرة الثامنة عشرة في: المهدي عليه السلام

الفقرة الثامنة عشرة في: المهدي عليه السلام مقدمة - تزيد الروايات الواردة بالتبشير بخليفة راشد يكون من بيت النبوة على العشرين، وهذا يجعلنا نقطع بورود هذا المعنى عن رسولنا عليه الصلاة والسلام. - وهناك نص صحيح يذكر عودة الخلافة الراشدة بعد الملك الجبري. - وهناك نص عند مسلم يتحدث عن خليفة في آخر الزمان يحثي المال حثياً ولا يعده عداً، وهناك روايات متعددة تذكر خليفة من آل بيت النبوة. - وهناك روايات تذكر أن الخلافة إذا نزلت الأرض المقدسة فقد دنت الزلازل والفتن. - وهناك روايات تذكر أن المسيح ينزل وللمسلمين إمام في القدس، فهل هذا الإمام هو المهدي؟ يرى بعضهم ذلك والأمر محتمل. - ولكن إذا كان المهدي هو الخليفة الذي يكون في زمن المسيح عليه السلام، فهل الخلافة الإسلامية لا توجد إلا به؟ الظاهر من النصوص أنه إذا كان المهدي سيكون في زمن المسيح عليه السلام فهناك خلافة تسبق ذلك بدليل النصوص التي تذكر فتح روما وتشير إلى قيام دولة عالمية للإسلام، بينما الخلافة التي تسبق نزول عيسى بن مريم تفتح القسطنطينية الفتح الثاني وتدخل في معركة لاهبة مع النصارى على الأرض الإسلامية نفسها ويكون فسطاط المسلمين يوم الملحمة ف يالغوطة قرب دمشق كما ورد في بعض الروايات، أما إذا كان المهدي ليس هو الخليفة الذي يكون في زمن عيسى عليه السلام فالأمر عندئذٍ يحتمل أن يكون أول الخلفاء أو أحد الخلفاء الذين يقودون الأمة الإسلامية في طريق الظفر والنصر للسيطرة على العالم. - وقد وقع كثير من المسلمين في أغلاط بسبب قضية المهدي:

- فالشيعة الإمامية استقر الأمر عندهم على أن محمداً الحجة الذي اختفى بزعمهم في سرداب في سامراء هو المهدي وهم ينتظرون خروجه. - وبعض المسلمين علّقوا فكرة العمل للخلافة على ظهور المهدي مع أن العمل لإيجاد خليفة للمسلمين فريضة شرعية، فلا يصح أن يعلق العمل لها حتى يظهر شخص ما. - وبعض المسلمين ادّعى المهدوية وتابعه ناس، ولا زلنا نسمع بين الفينة والفينة من يدعي المهدوية. - وأغلب الذين ينتظرون خروج المهدي يعتبرونه كائناً بين يدي نزول المسيح عليه السلام ويتوقعون مع هذا أن ظهوره أصبح قريباً مع أن ظواهر النصوص تشير إ لى أن بيننا وبين نزول المسيح عليه السلام أمداً، ففلسطين لا تكون وقتذاك مقراً لليهود بل اليهود الذين يأتون إليها وقتذاك يأتون مع المسيح الدجال كما رأينا وتكون فلسطين وقتذاك مقراً للخلافة الراشدة، وهذا يدل على أن دولة اليهود الحالية ستنتهي. وإذن فمع إيماننا بظهور المهدي بالصفات التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يصح لنا أن نعلق إقامة الفرائض المطلوبة منا شرعاً سواء كانت فروضاً عينية أو كفائية على ظهوره، لكنا ننوي أنه إذا ظهر وعرفناه بصفاته أن نكون من جنده وأنصاره بإذن الله. وهذه بعض النصوص والتعليقات والمسائل والفوائد التي لها علاقة بهذا الشأن:

النصوص

النصوص 1027 - * روى أبو داود عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "المهديُّ مني، أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قِسطاً وعدلاً، كما مُلئت جوراً وظلماً، ويملك سبع سنين". وفي رواية الترمذي (1) قال: خشينا أن يكون بعد نبينا حدثٌ، فسألنا نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "إن في أمتي المهدي يخرج، يعيش خمساً، أو سبعاً، أو تسعاً" - زيدٌ العميُّ الشاك- قال: قلنا: وما ذاك؟ قال: "سنين" قال: "فيجيء إليه الرجل فيقول: يا مهدي، أعطني، أعطني". قال: فيحثني له في ثوبه ما استطاع أن يحمله". 1028 - * روى أبو داود، عن عبد الله بن زُغب الإيادي قال: نزل عليَّ عبد الله بن حوالة الأزدي، فقال لي: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لنغنم على أقدامنا، فرجعنا لم نغنم شيئاً، وعرف الجهد في وجوهنا، فقام فينا، فقال: "اللهم لا تكلهم إليَّ فأضعف عنهم، ولا تكلهم إلى أنفسهم فيعجزوا عنها، ولا تكلهم إلى الناس فيستأثروا عليهم". ثم وضع يده على رأسي- أو قال: على هامتي- ثم قال: "يا ابن حوالة، إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة، فقد دنت الزلازل، والبلابلُ، والأمور العظام، والساعة يومئذٍ أقربُ من الناس من يدي هذه من رأسك".

_ 1027 - أبو داود (4/ 107) كتاب المهدي، باب حدثنا عمرو بن عثمان ... إلخ. وإسناده حسن. (1) الترمذي (4/ 506) 34 - كتاب الفتن، باب 53 - حدثنا محمد بن بشار ... إلخ. وهو في مسند أحمد (3/ 21). وابن ماجه (2/ 1366، 1367) 36 - كتاب الفتن، 34 - باب خروج المهدي. وفي سنده زيد بن الحواري العمي، وهو ضعيف، وقال الترمذي: هذا حديث حسن، وقد روي من غيره وجه عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم. (أجلى الجبهة): يقال: رجل أجلى: إذا ذهب شعر رأسه إلى نصفه. (أقنى الأنف): القنا: احديداب في الأنفس. 1028 - أبو داود (3/ 19) كتاب الجهاد، باب في الرجل يغزو يلتمس الأجر والغنيمة. قال محقق الجامع: عبد الله بن زغب الإيادي مختلف في صحبته، وساق له أبو نعيم عن الطبراني حديث من كذب عليّ متعمداً، صرح فيه بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ ابن حجر في "التهذيب: والإسناد لا بأس به. أ. هـ.

أقول: قوله عليه السلام: "إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام والساعة يومئذٍ أقرب من الناس من يدي هذه من رأسك": الظاهر أن الحديث في خلافة تكون عاصمتها القدس، وإلى القدس يذهب المسيح عليه السلام بعد نزوله في دمشق، وهذا يشير إلى أن فلسطين وقتذاك بيد المسلمين، وأن دولة اليهود الحالية ذاهبة منتهية فإذا كان المراد في الحديث خلافة المهدي وهو الاتجاه الأقوى عند العلماء فهذا يدل على أن بيننا وبين المهدي عليه السلام أمداً. والدليل على أن المراد بالحديث خلافة مقرها فلسطين وعاصمتها القدس أن القرآن الكريم وصف فلسطين بالأرض المقدسة، فقال على لسان موسى عليه السلام: {يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} (1). والمعروف أن الأرض التي رفضوا دخولها هي فلسطين، وأن يشع بن نون عليه السلام خليفة موسى عندما بدأ تنفيذ أمر موسى كان ذلك بدخوله أرض فلسطين. وبلاد الشام إنما تأخذ قدسيتها من كونها محيطة بالمسجد الأقصى، قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} (2). فالبركة مقرها المسجد الأقصى وكل ما قرب منه فهو أكثر قدسية، ولذلك حملنا الحديث على أن المراد به خلافة تكون عاصمتها القدس وقاعدتها أرض فلسطين، ومثل هذا لم يحدث من قبل، والظاهر أن ذلك سابق على نزول المسيح عليه السلام، لأن المسيح يأتي إلى القدس وهي بيد المسلمين ويخرج منها إلى الدجال فيقتله بباب لدّ، وأكثر جند الدجال من اليهود القادمين معه من الخارج بدليل الحديث الصحيح: "يخرج مع الدجال سبعون ألفاً من يهود أصفهان عليهم الطيالسة". فهؤلاء اليهود الآتون من الخارج هم الذين يقتلهم المسلمون ويدل الحجر والشجر عليهم لأن الوقت وقت خوارق تكون بين يديّ الساعة، فهذا كله وغيره كثير يدلنا على أن دولة اليهود الحالية غير مستمرة إلى وقت نزول المسيح، لا كما يظن كثيرون ومما يدل على ذلك أن الحديث الصحيح يبشر بفتح روما ولم تفتح روما حتى الآن مما يدل على أن دولة عالمية للإسلام ستقوم وهذا لم يحدث ووجودها يتنافى مع بقاء دولة اليهود الحالية ف قلب أقطار الأمة الإسلامية والأمر

_ (1) المائدة: 21. (2) الإسراء: 1.

كله بيد الله، وإذا أراد الله شيئاً هيأ أسبابه. أما متى تكون هذه الأمور فغيب لا يعلمه إلا الله عز وجل. أقول: وإنما ذكرنا هذا الحديث هنا لأن الاتجاه الأقوى عند العلماء أن المهدي عاصمته القدس، وعندما ينزل عيسى عليه السلام يكون هو خليفة المسلمين، فرأينا أن نذكر هذا الحديث في هذه الفقرة لهذا السبب. 1029 - * روى أبو داود، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "المهدي من عترتي من ولد فاطمة". 1030 - * روى مسلم، عن أبي سعيد وجابر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يكون خليفةً من خلفائكم في آخر الزمان، يحثو المال ولا يَعُده". وفي رواية (1): "يُعطي الناس بغير عددٍ". 1031 - * روى أبو داود عن ابن مسعود، يرفعه: "لو لم يبق من الدنيا إلا يومٌ واحدٌ، لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله فيه رجلاً مني أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما مُلئت ظلماً وجوراً". 1032 - * روى الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يكون في أمتي المهدي إن قَصُر فسبعٌ وإلا فثمان وإلا فتسعٌ تنعم أمتي فيها نعمةً لم ينعموا مثلها، يُرسل السماء عليهم مدراراً ولا تدخر الأرض شيئاً من النبات والمال كدوس يقوم الرجل يقول: يا مهدي أعطني فيقولُ خُذْ".

_ 1029 - أبو داود (4/ 107) كتاب المهدي، باب حدثنا عمرو بن عثمان ... إلخ. وإسناده حسن. 1030 - مسلم (4/ 2235) 52 - كتاب الفتن، 18 - باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل ... إلخ. (1) مسلم: الموضع السابق. 1031 - أبو داود (4/ 106) كتاب المهدي، باب من حدثنا عمرو بن عثمان ... إلخ. والترمذي (4/ 505) 34 - كتاب الفتن، 52 - باب ما جاء في المهدي. وقال الترمذي: حسن صحيح. 1032 - مجمع الزوائد (7/ 317). وقال: رواه الطبراني في الأوسط رجاله ثقات.

1033 - * روى مسلم عن أبي نضرة قال: كنا عند جابر بن عبد الله فقال: يوشك أهل العراق أن لا يُجبى إليهم قفيزٌ ولا درهمٌ قلنا: من أين ذاك؟ قال: من قِبل العجم، يمنعون ذاك. ثم قال: يوشك أهل الشام أن لا يُجبى إليهم دينارٌ ولا مُديٌ قلنا: من أين ذلك؟ قال: من قِبل الروم. ثم سكت هُنيةً، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يكونُ في آخر أمتي خليفةٌ يحثي المال حثياً، ولا يَعُده عدداً". قال: قلتُ لأبي نضرة وأبي العلاء: أتريان أنه عُمر بن عبد العزيز؟ فقالا: لا. قال النووي: والحثو هو الحفن باليدين وهذا الحثو الذي يفعله هذا الخليفة يكون لكثرة الأموال والغنائم والفتوحات مع سخاء نفسه. 1034 - * روى الحاكم، عن أبي سعيدٍ الخُدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يخرج في آخر أمتي المهدي يسقيه الله الغيث وتخرج الأرض نباتها ويُعطي المال صحاحاً وتكثر الماشية وتعظم الأمة يعيش سبعاً أو ثمانياً" يعني حججاً. وفي رواية (1) أحمد عن أبي سعيد: قال له رجل: ما صحاحاً؟ قال: "بالسوية بين الناس". 1035 - * روى الترمذي، عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يلي رجلٌ من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي". قال عاصم: أخبرنا أبو صالح عن أبي هريرة، قال: لو لم يبق من الدنيا إلا يومٌ لطول الله ذل اليوم حتى يلي.

_ 1033 - مسلم (4/ 2234) 52 - كتاب الفتن 18 - باب لا تقوم الساعة ... إلخ. ومسند أحمد (3/ 317). (مُدي): مكيال للشام ومصر = 22.5 صاعاً، والصاع= 2751 غم عند الشافعي وعند أبي حنيفة الصاع= 3800 غم. (القفيز): مكيال= 12 صاعاً. 1034 - المستدرك (4/ 558). وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الذهبي: صحيح. (1) مسند أحمد (3/ 37). (حِجَجاً): الحِجج كذا بالنسبة للسنة، والفرد منها حجةً. 1035 - الترمذي (4/ 505) 34 - كتاب الفتن، 52 - باب ما جاء في المهدي. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

1036 - * روى الترمذي، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجلٌ من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي". قوله: (حتى يملك العرب): "قال الطيبي: لم يذكر العجم وهم مرادون أيضاً، لأنه إذا ملك العرب واتفقت كلمتهم وكانوا يداً واحدة قهروا سائر الأمم، ويؤيده حديث أم سلمة يعني المذكور في المشكاة في الفصل الثاني من باب أشراط الساعة وفيه: ويعمل في الناس بسنة نبيهم ويلقي الإسلام بجِرانِهِ في الأرض فيلبثُ سبع سنين ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون" أ. هـ. 1037 - * روى الحاكم، عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه قال: ستكون فتنةٌ يُحصلُ الناس منها كما يحصل الذهب في المعدن فلا تسبوا أهل الشام وسبوا ظلمتهم، فإن فيهم الأبدال وسيرسل الله إليهم سيباً من السماء فيغرقهم حتى لو قاتلهم الثعالب غلبتهم، ثم يبعث الله عند ذل رجلاً من عترة الرسول صلى الله عليه وسلم في اثني عشر ألفاً إن قلوا أو خمسة عشر ألفاً إن كثروا، أمارتهم أو علامتهم أمِت أمِت على ثلاثِ راياتٍ يقاتلهم أهلُ سبع راياتٍ، ليس من صاحب راية إلا وهو يطمع بالملك فيقتتلون ويهزمون ثم يظهر الهاشمي فيرد الله إلى الناس ألفتهم ونعمتهم فيكونون على ذلك حتى يخرج الدجال.

_ 1036 - الترمذي: في الموضع السابق. وقال الترمذي: وفي الباب عن علي وأبي سعيد وأم سلمة وأبي هريرة وهذا حسن صحيح. أ. هـ. (بجِرانه): ضرب الحق بجرانه: أي قرَّ قراره واستقام وأصل الجِران باطن العنق. 1037 - المستدرك (4/ 553). وقال: هذا حديث صحيح الإسناد. وقال الذهبي: صحيح. (سيباً): يقال ساب الماء فهو سائب إذا سال.

المسائل والفوائد

المسائل والفوائد الأحاديث التي وردت في المهدي كثيرة ولذلك فقد صرح كثير من العلماء بتواترها. وهذه نقول عن أهل العلم في ذلك: ذكر العلامة الشوكاني في كتابه "التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر، والدجال، والمسيح": "والأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثًا فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر، وهي متواترة بلا شك ولا شبهة بل يصدق وصف التواتر على ما دونها على جميع الاصطلاحات المحررة في الأصول. وأما الآثار عن الصحابة المصرحة بالمهدي فهي كثيرة أيضًا لها حكم الرفع إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك" اهـ. وقال العلامة الشوكاني أيضًا بعد أن ساق الأحاديث الواردة في ذلك: (فتقرر أن الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة، والأحاديث الواردة في الدَّجال متواترة والأحاديث الواردة في نزول عيسى ابن مريم متواترة). اهـ. وقال المحدث أبو الطيب صديق بن حسن الحسيني البخاري القنوجي في كتاب "الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة": "والأحاديث الواردة في المهدي على اختلاف رواياتها كثيرة جدًا تبلغ حد التواتر وهي في السنن وغيرها من دواوين الإسلام من المعاجم والمسانيد" اهـ. وقال أيضًا بعد كلام له: "وأحاديث المهدي بعضها صحيح، وبعضها حسن، وبعضها ضعيف، وأمره مشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الأعصار". اهـ. وقال الشيخ محمد بن جعفر الكتاني رحمه الله تعالى في كتابه: "نظم المتناثر من الحديث المتواتر":

(وقد ذكروا أن نزول سيدنا عيسى عليه السلام ثابت بالكتاب والسنة والإجماع. ثم قال: والحاصل أن الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة، وكذا الواردة في الدجَّال وفي نزول سيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام) ا. هـ. هناك أكثر من اتجاه في المرحلة التي يوجد فيها المهدي، فهناك من ذهب إلى أنه يكون بين يدي المسيح عليه السلام فينزل عيسى وهو خليفة المسلمين. وهناك اتجاه إلى أنه يكون قبل ذلك، وإمام المسلمين الذي ينزل في عهده عيسى عليه السلام رجل صالح، فهو أحد المهديين وليس هو بالمهدي الذي تحدثت عنه النصوص. وعلى كل من هذين الاتجاهين فإن عاصمة الخلافة زمن نزول عيسى عليه السلام تكون في القدس. وقد نقل كثير من العلماء نصوصًا وسكتوا عنها تفيد أن نزول المسيح في زمن المهدي، وهذا الذي جعل هذا الأمر ينطبع في أذهان كثير من العلماء: أن المهدي مرتبط زمانه بزمان المسيح عليه السلام، فإن صح هذا الاتجاه فهذا يفيد أنه سيكون قبل ذلك خلافة على منهاج النبوة، تكتسح الأرض كلها. وستفتح الأمة الإسلامية العالم، ولا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا دخلته كلمة الإسلام بعز عزيز وذل ذليل، ومظهر الذلة دفع الجزية، بينما المسيح عليه السلام لا يقبلها. وسنرى أثناء كلامنا عن عيسى عليه السلام أن الشيخ محمد أنور شاه الكشميري، مؤلف كتاب (التصريح بما تواتر في نزول المسيح) -الذي علق عليه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة- يرى أن المسيح عليه السلام لا تكون له سيطرة على العالم كله، لأنه لم يؤثر في النصوص أن له مثل هذا التحرك، وممن ذهب إلى أن المهدي يكون بين يدي نزول المسيح عليه السلام مباشرة عدد من العلماء وهذه نقول في هذا الشأن: قال المباركفوري في شرح تحفة الأحوذي لصحيح جامع الترمذي: "اعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على مر الأعصار أنه لابد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت، يؤيد الدين، ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون ويستولي على الممالك الإسلامية ويسمى بالمهدي، ويكون خروج الدجال وما بعده من أشراط

الساعة الثابتة في الصحيح على أثره وأن عيسى عليه السلام ينزل من بعده فيقتل الدجال وينزل معه فيساعده على قتله ويأتم بالمهدي في صلاته" ا. هـ. وقال ابن حجر في شرح الحديث الذي أورده البخاري في باب نزول عيسى بن مريم عليهما الصلاة والسلام -والذي يقول فيه صلى الله عليه وسلم: "كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم" الفتح جـ 6 ص 491. قال: "وعند أحمد من حديث جابر في قصة الدجال ونزول عيسى" وإذا هم بعيسى فيقال تقدم يا روح الله، فيقول ليتقدم إمامكم فليصل بكم". ولابن ماجه في حديث أبي أمامة الطويل في الدجال قال: "وكلهم -أي المسلمون- ببيت المقدس وإمامهم رجل صالح قد تقدم ليصلي بهم، إذا نزل عيسى فرجع الإمام ينكص ليتقدم عيسى، فيقف عيسى بين كتفيه ثم يقول: تقدم فغنها لك أقيمت" وقال أبو الحسن الخسعي الآدبي في مناقب الشافعي تواترت الأخبار بأن المهدي من هذه الأمة وأن عيسى يصلي خلفه، ذكر ذلك ردًا للحديث الذي أخرجه ابن ماجه عن أنس وفيه "ولا مهدي إلا عيسى" اهـ. (الفتح جـ 6 ص 493 - 494). بل إن ابن ماجه قد أورد عددًا من الأحاديث الصحيحة التي تبشر بالمهدي. أقول: هذا تتمة الكلام في الرد على رواية لابن ماجه: "ولا مهدي إلا عيسى" وذلك أنه هو يروي روايات تذكر أن المهدي غير عيسى ابن مريم. 1038 - * روى النسائي عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن تهلك أمة أنا في أولها، وعيسى ابن مريم في آخرها، والمهدي في وسطها". قال الشيخ عبد الفتاح: "المراد بالوسط ما قبل الآخر لأن نزول عيسى عليه السلام لقتل الدجال يكون في زمن المهدي، ويصلي سيدنا عيسى خلفه كما جاءت به الأخبار". وإليك بعض النصوص والآثار التي سكت عنها المحدثون نقلها الشيخ عبد الفتاح في

_ 1038 - رواه النسائي، وأبو نعيم في "أخبار المهدي والحاكم وابن عساكر في "تاريخيهما"، وهو حديث حسن كما في "السراج المنير بشرح الجامع الصغير" للعزيزي.

كتاب "التصريح بما تواتر في نزول المسيح" وتفيد أن في عهد المهدي ينزل المسيح عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام. 1039 - * روى أبو نعيم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ينزل عيسى ابن مريم، فيقول أميرهم المهدي: تعال صل بنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله لهذه الأمة". 1040 - * روى أبو عمرو الداني عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي تقاتل على الحق حتى ينزل عيسى ابن مريم عند طلوع الفجر ببيت المقدس، ينزل على المهدي فيقال: تقدم يا نبي الله فصل بنا، فيقول: هذه الأمة أمراء بعضهم على بعض". 1041 - * روى أبو عمرو الداني عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يلتفت المهدي وقد نزل عيسى ابن مريم، كأنما يقطر من شعره الماء، فيقول المهدي: تقدم صل بالناس، فيقول عيسى: إنما أقيمت الصلاة لك فيصلي خلف رجلٍ من ولدي" الحديث. 1042 - * روى نعيم بن حماد عن عبد الله بن عمرو أيضًا قال: المهدي ينزل عليه عيسى ابن مريم، ويصلي خلفه عيسى. 1043 - * روى ابن أبي شيبة عن ابن سيرين قال: المهدي من هذه الأمة وهو الذي يوم عيسى ابن مريم عليهما السلام. أقول: من خلال ما مر نرى أن أهل التحقيق لا يختلفون في أن خليفة من آل بيت

_ 1039 - أخرجه أبو نعيم في "أخبار المهدي" كما في "الحاوي" للسيوطي في رسالة "العرف الوردي في أخبار المهدي" 2: 64. 1040 - أخرجه أبو عمرو الداني في "سننه" كما في "الحاوي" للسيوطي في رسالة "العرف الوردي" 2: 83. 1041 - أخرجه أبو عمرو الداني في "سننه" كما في "الحاوي" للسيوطي في رسالة "العرف الوردي" 2: 81. 1042 - أخرجه نعيم بن حماد في كتاب الفتن كما في "الحاوي" للسيوطي كما في "رسالة العرف الوردي في أخبار المهدي" 2: 78. 1043 - أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف". كما في "الحاوي" للسيوطي في رسالة "العرف الوردي" 2: 65.

النبوة يكون في آخر الزمان، وهذا الذي اتفقوا عليه هو الذي درج التعبير عنه على لسان العامة والخاصة بأنه المهدي، وقد انطبع في أذهان الكثير من العلماء بسبب نصوص تحتاج إلى تحقيق في أسانيدها ولكنها كثيرة أن المهدي ينزل في عهده عيسى عليه الصلاة والسلام فإذا كان الأمر كذلك، فالأمد بيننا وبين المهدي بحسب الظاهر من نصوص أخرى لا زال فسيحًا، لأن هناك بعض ما أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقع، فمثلاً بيدي يدي نزول المسيح عليه السلام يفتح المسلمون القسطنطينية فتحًا ثابتًا، وتكون القسطنطينية وقت ذاك بيد النصارى، وهي الآن مسلمة وبيد المسلمين، والبشارة بفتح روما مرتبطة في الظاهر بفتوحات عالمية وانتصار عالمي للإسلام، والنصوص الواردة في المهدي وعيسى عليهما السلام لا تدل على مثل هذا كما سنرى من تحقيقات الشيخ أنور الكشميري نفسه. هذا الكلام كله مبني على أن المهدي يعاصر نزول المسيح ابن مريم عليهم السلام، إلا أن النصوص الواردة في معاصرة المهدي للمسيح تحتاج إلى تحقيق وهناك نصوص في المهدي تحتاج إلى تحقيق كذلك، وبعضها من باب الضعيف، يفهم منها أنه لا ارتباط بين نزول المسيح عليه السلام والمهدي، فعلى هذا الاتجاه يمكن أن نتصور أن الخلافة التي تكون على منهاج النبوة والتي تأتي بعد الملك الجبري كما ورد في بعض النصوص الصحيحة يمكن أن تبدأ بالمهدي أو يكون المهدي واحدًا من سلسلة خلفائها، وقد تكون هذه الخلافة التي تأتي بعد الملك الجبري هي التي يحصل بها انتصار عالمي للإسلام كما ورد في أكثر من حديث كما مر معنا. وفي كل الأحوال لابد أن ننبه على قضايا: أولاً: أن دولة اليهود الحالية على كل الاتجاهات في الفهم للنصوص ستنتهي، وليست نهايتها معلقة بنزول المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، وأن النصوص الواردة في أن الحجر والشجر يدلان المسلم على اليهودي ليقتله ليست واردة في هؤلاء اليهود بل في يهود يقدمون مع الدجال. ثانيًا: أن العمل من أجل استئناف وجود الخلافة الراشدة فريضة إسلامية شرعية يجب على كل مسلم أن يعمل لها، وتتأكد الفرضية في حق القادرين على ذلك من حكام وعلماء ودعاة، ولا يعجز المسلمون إذا صدق حكامهم وعلماؤهم ودعاتهم أن يوجدوا الصيغ التي

تناسب واقع المسلمين وأحوال العصر بحيث تقام الخلافة فتكون بركة على الجميع، ولا تسبب ضررًا لأحد ولا ينتقض بوجودها سلطان أحد ممن بيده السلطان إذا كانوا مسلمين حقًا. فنحن إذن نؤمن بخليفة سيظهر له مواصفات معينة وننوي -ونسأل الله أن يعيننا على تحقيق النية- أن نكون من جنده إذا ظهر، ولكنا لا نعلق العمل لنصرة الإسلام وإقامة الخلافة على ظهوره، لأنه إن كان من خلافة كان أحد الخلفاء الذين يسبق وجودهم نزول عيسى ابن مريم بزمن، فلا يشترط أن يكون أول الخلفاء، وإن كان هو الذي ينزل في عهده عيسى عليه السلام فلا يجوز أن نعطل العمل لإقامة فريضة شرعية انتظارًا لشيء أخبرنا الله عز وجل عنه، فكما أن الصلاة لا نؤخرها عن وقتها فكذلك فرائض العصر لا نؤخر العمل لها تعليقًا على شيء لم يكلفنا الله عز وجل أن نعلق عملاً مفروضًا حتى ظهوره. * * *

الفقرة التاسعة عشرة في: الدجال

الفقرة التاسعة عشرة في: الدّجَال مقدمة هناك دجّالون كثيرون يظهرون في تاريخ البشرية عامة وفي تاريخ الأمة الإسلامية خاصة، ولكن الدجال الأكبر الذي يعتبر ظهوره من علامات الساعة الكبرى هو أعظم فتنة تحدث على وجه الأرض وذلك أن هذا الخبيث يدعى الألوهية وتظهر على يده من الخوارق ما يفتن أكثر الخلق، ولكن حكمة الله اقتضت أن يكون هذا الخبيث ظاهر النقص بأنه أعور لتقوم الحجة على العامة والخاصة أنه كذاب في دعواه، والخاصة يعرفون كذب دعواه بما عندهم من العلم بالله وصفاته وأنه منزه عن صفات المخلوقين وبما عندهم من العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأنه، والظاهر من بعض الروايات أنه يخرج من منطقة إيران الحالية والنصوص تذكر أنه يتبعه من يهود أصفهان سبعون ألفًا، والظاهر أن ظهوره يكون في زمن خلافة المهدي عليه السلام، وأن عاصمة الخلافة وقتذاك هي القدس، والنصوص تذكر أن خروجه يكون بعد الفتح الثاني للقسطنطينية وبعد قتال مرير مع النصارى وأن العرب حين ظهوره يكونون قليلين وهذا كله يجعلنا نستانس أن بيننا وبينه أمدًا، فالأوضاع الحالية لعصرنا وما فيه لا تشير إلى قرب ظهوره، فاليهود الآتي يتجمعون في فلسطين ولهم فيها دولة ويصرون على أن تكون عاصمتهم القدس بينما النصوص تذكر أن عاصمة الخلافة حين ظهوره تكون في القدس، ومع أننا لم نستقص كل ما ورد في المسيح الدجال فإن الروايات التي سنذكرها من الكثرة بمكان ما يدل على أهمية هذا الحدث وعلى كثرة ما ركز عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأنه وهذا يلقي مسؤولية كبيرة على العلماء والوعاظ والدعاة أن يعطوا إظهار هذا الأمر ما يقتضيه من الأهمية.

نصوص

نصوص 1044 - * روى مسلم، عن النواس بن سمعان رضي الله عنه، قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداةٍ، فخفض فيه ورفع، حتى ظنناه في طائفة النخل، فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا، فقال: "ما شأنكم؟ " قلنا: يا رسول الله، ذكرت الدجال الغداة، فخفضت فيه، ورفعت، حتى ظنناه في طائفة النخل، فقال: "غير الدجال أخوفني عليكم، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فامروء حجيج لنفسه، والله خليفتي على كل مسلم، إنه شاب قطط، عينه طافئة، كأني أشبهه بـ "عبد العزى بن قطن"، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح (سورة الكهف)، إنه خارج خلة بين الشام والعراق، فعاث يمينًا، وعاث شمالاً، يا عباد الله، فأثبتوا". قلنا: يا رسول الله، وما لبثه في الأرض؟ قال: "أربعون يومًا: يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم". قلنا: يا رسول الله، فذاك اليوم الذي كسنةٍ: أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: "لا، اقدروا له قدره". قلنا: يا رسول الله، وما إسراعه في الأرض؟ قال: "كالغيث استديرته الريح، فيأتي على القوم، فيدعوهم فيؤمنون به، ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت درًا، وأسبغه ضروعًا، وأمده خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم، فيردون عليه قوله، فينصرف

_ 1044 - مسلم (4/ 2250 - 2255) 52 - كتاب الفتن، 20 - باب ذكر الدجال وصفته وما معه. (طائفة النخل) ناحيته وجانبه، والطائفة: القطعة من الشيء. (الحجيج): الحاجج، وهو المجادل والمخاصم الذي يطلب الحجة، وهي الدليل. (القطط): الشعر الجعد. (طافئة): الحبة الطافئة من العنب هي التي قد خرجت عن حد نبات أخواتها في العنقود ونتأت، قال الخطابي: مر علي زمان وأنا أعتقد أن معنى قوله: "كأنها عنبة طافئة" أنه الحبة من العنب التي تسقط في الماء فيدخلها الماء، فتنتفخ فتطفو على الماء، إلى أن وقفت عليه في موضع أنه الحبة التي تخرج عن حد أخواتها. قوله: "إنه خارج خلة" أي: أنه يخرج قصدًا وطريقًا بين الجهتين والتخلل: الدخول في الشيء. (فعاث) العيث: أشد الفساد. (سارحتهم) السارحة: الماشية، لأنها تسرح إلى المرعى. (درًا) الدر: اللبن، وإنما يكثر بالخصب وكثرة المرعى.

عنهم، فيصبحون ممحلين، ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمر بالخربة، فيقول لها: أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ثم يدعو رجلاً ممتلئًا شبابًا، فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين، رمية الغرض، ثم يدعوه فيقبل، ويتهلل وجهه يضحك، فبينما هو كذلك، إذ بعث الله المسيح ابن مريم عليه السلام، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، بين مهرودتين، واضعًا كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلبه حتى يدركه بباب لد، فيقتله، ثم يأتي عيسى ابن مريم قوم قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم، ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة، فبينما هو كذلك إذ أوحى الله عز وجل إلى عيسى ابن مريم: إني قد أخرجت عبادًا لي، لا لأحد بقتالهم، فحرز عبادي إلى الطور، ويبعث الله يأجوج ومأجوج، وهم من كل حدبٍ ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرة مساء، ويحصر نبي الله عليه السلام وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرًا من مائة دينارٍ، فيرغب

_ = (الممحل): الذي قد أجدبت أرضه وقحطت وغلت أسعاره. (يعاسيب): جمع يعسوب، وهو محل النحل ورئيسها. (جزلتين): الجزلة بالكسر: القطعة. (القرض): الهدف الذي يرمى بالنشاب. (مهرودتين) رويت هذه اللفظة بالدال والذال، يقال: إن الثوب إذا صبغ بالورس ثم بالزعفران، جاء لونه مثل زهرة الحوذانة، فذلك الثوب مهرود، وقيل: أراد بالمهرود: الثوب المصبوغ بالهرد، وهو صبغ أصفر، قيل: إنه الكركم، وقيل اراد في شقتين من الهرد، وهو القطع. (جمان) جمع جمانة، وهي حبة تؤخذ من النقرة، كاللؤلؤة، وقد يطلق على اللؤلؤ مجازًا. وشبه في الحديث عرقه بالجمان. (لا يدان لأحد بقتالهم): يقال: مالي بهذا الأمر يدان، أي: لا أقدر عليه وأنا عاجز عنه، كما يقال: لا طاقة لي به، لأن المباشرة والدفاع إنما يكون باليد، فكأن يديه معدومتان لعجزه عن دفعه. (فحرز): أي: احرز واحفظ واجعلهم في الحرز. (الحدب): الأكمة والمرتفع من الأرض. وينسلون أي يسرعون.

نبي الله عيسى عليه السلام وأصحابه، فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم، فيصبحون فرسى، كموت نفسٍ واحدٍة، ثم يهبط نبي الله عيسى عليه السلام وأصحابه إلى الأرض، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملاه زهمهم ونتنهم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله، فيرسل الله طيرًا كأعناق البخت، فتحملهم فتطرحهم حيثما شاء الله، ثم يرسل الله مطرًا لا يكن منه بيت مدرٍ ولا وبرٍ، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة، ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك، وردي بركتك، فيؤمئذٍ تأكل العصابة من الرمانة، ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرسل، حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس، فبينما هم كذلك، إذ بعث الله ريحًا طيبة، فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمنٍ ومسلم، ويبقى شرار الناس، يتهارجون فيها تهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة". (1) وفي رواية (2) نحوه، وزاد بعد قوله: "لقد كان بهذه مرة ماءً": "ثم يسيرون حتى

_ = (النغف): دود يكون في آنوف الإبل والغنم، واحدها: نغفة. (فرسى): جميع فريس، وهو القتيل. (الزهمة): الريح المنتنة، والزغم: مصدر زغمت يده من ريح اللحم. (المدر): طين قد استحجر، والمراد به: البيوت المبنية دون الخيام. (الزلفة): المرآة: وجمعها زلف: وقيل: هي المصنعة من الماء، فمن شبهها بالمرآة: أراد لاستوائها ونظافتها، ومن شبهها بالمضغة: أراد امتلاءها من الماء، والأول أشبه لسياق الحديث. (العصابة): الجماعة من الناس قبل أن يبلغوا أربعين. (القحف): للرأس معروف. والمراد به في الحديث: قشر الرمانة. (رسل): الرسل بكسر الراء: اللبن. (لقحة): اللقحة الناقة التي يكون لها ابن. (الفئام): الجماعة من الناس. (الفخذ): من الناس دون القبيلة. (لقحة): اللقحة الناقة التي يكون لها لبن. (الفئام): الجماعة من الناس. (الفخذ): من الناس دون القبيلة. (التهاريج): الاختلاف والاختلاط، وأصله، القتل. (2) مسلم (4/ 2255)، في الموضع السابق.

ينتهوا إلى جبل الخمر -وهو جبل بيت المقدس- فيقولون: لقد قتلنا من في الأرض، هلم فلنقتل من في السماء، فيرمون بنشابهم إلى السماء، فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دمًا". ورواه الترمذي (1)، وزاد في أوله بعد قوله: "في طائفة النخل" قال: "فانصرفنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم رحنا إليه" وقال فيه "عينه قائمة" بدل "طافئة" ولم يقل: "خلة" وقال: "فيأتي القوم فيدعوهم، فيكذبونه ويردون عليه قوله، فينصرف عنهم فتتبعه أموالهم، ويصبحون ليس بأيديهم شيء، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيستجيبون له ويصدقونه، فيأمر السماء أن تمطر فتمطر، ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم كأطول ما كانت درا، وأمده خواصر، وأدره ضروعًا، ثم يأتي الخربة، فيقول لها: أخرجي كنوزك، فينصرف عنها، فتتبعه كيعاسيب النحل .. " وذكر الحديث بنحو ما سبق إلى قوله: "لقد كان بهذه مرة ماء". وقال: "ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل بيت المقدس، فيقولون: لقد قتلنا من في الأرض، فلهم فلنقتل من في السماء، فيرمون بنشابهم إلى السماء، فيرد الله عليهم نشابهم محمرا دمًا، ويحاصر عيسى ابن مريم وأصحابه حتى يكون رأس الثور يومئذ خيرًا لهم من مائة دينار لأحدكم اليوم ... ". وذكر الحديث، وقال: "قد ملأته زهمتهم ونتنهم ودماؤهم" قال: "فيرغب عيسى إلى الله وأصحابه فيرسل الله عليهم طيرًا كأعناق البخت، فتحملهم فتطرحهم بالمهبل، ويستوقد المسلمون من قسيهم ونشابهم وجعابهم سبع سنين، ويرسل الله عليهم مطرًا لا يكن منه بيت وبر ولا مدرٍ، فيغسل الأرض فيتركها كالزلفة" قال: "ثم يقال للأرض: أخرجي ثمرتك، وردي بركتك، فيومئذ تأكل العصابة الرمانة، ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرسل حتى إن الفئام من الناس ليكتفون باللقحة من الإبل، وإن القبيلة ليكتفون باللقحة من

_ = (إلى جبل الخمر): الخمر هو الشجر الملتف الذي يستر من فيه وفسر في الحديث أنه جبل بيت المقدس لكثرة شجره. (1) الترمذي (4/ 510 - 513) 34 - كتاب الفتن، 59 - باب ما جاء في فتنة الدجال.

البقر، وإن الفخذ ليكتفون باللقحة من الغنم، فبينما هم كذلك، إذ بعث الله عليهم ريحًا، فقبضت روح كل مؤمن، ويبقى سائر الناس يتهارجون كما يتهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة". "فخفض فيه ورفع": قال الشيخ عبد الفتاح: (قال النووي في "شرح صحيح مسلم" 18: 63 في معناه قولان: الأول: أن معنى "خفض فيه": حقره، ومعنى "رفع" فيه: عظمه وفخمه، فمن تحقيره، قوله صلى الله عليه وسلم: إنه أعور العين، وإنه أهون على الله من ذلك، وإنه لا يقدر على قتل أحدٍ إلا ذلك كالرجل ثم يعجز عنه، وإنه يضحمل أمره ويقتل بعد ذلك. ومن تفخيمه وتعظيم فتنته قوله صلى الله العظيم وسلم: "ليس بين يدي الساعة خلق أعظم من الدجال، وما من نبي إلا وقد أنذر أمته الأعور الكذاب". وتلك الأمور الخارقة للعادة التي تقع له. القول الثاني: في معنى "خفض فيه ورفع": أنه خفض من صوته لكثرة ما تكلم في شأن الدجال، فخفض بعد طول الكلام والتعب ليستريح، ثم رفع ليبلغ صوته كل أحد". انتهى. اهـ. من (التصريح). أقول: إن أشراط الساعة وما يكون بعدها تفسيرها وقوعها: قال تعالى: (هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق) (1) ومع ذلك فقد تشتبه على بعض الناس بعض النصوص فاقتضى ذلك كلامًا، ومما قد يشتبه على بعض الناس هذا الجزء من الحديث السابق: (قلنا يا رسول الله وما لبثه في الأرض؟ قال: "أربعون يومًا، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم" قلنا: يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: "لا اقدروا له قدرة"). وسبب الإشكال أنه إذا كان يوم كسنة فهذا يقتضي -إلا إذا كان الحديث له تفسير غير المتبادر إلى الأذهان -أن يكون هناك ليل طويل يقابل هذه السنة في مكان آخر من

_ (1) الأعراف: 53.

الأرض، والمعروف أن هذه الحالة لا تكون إلا عند طلوع الشمس من مغربها، ولذلك فإننا نحمل هذا الحديث على أن المراد باليوم الذي كسنة واليوم الذي كشهر واليوم الذي كجمعة بأنها كذلك في الشدة والبلاء بدليل أن هناك روايات تذكر أن مكثه في الأرض أربعون سنة وإنما هي أربعون سنة في الشدة والبلاء وإلا فمكثه أربعون يومًا. قال ابن حجر في الفتح "وقع في حديث جابر: "يسيح في الأرض أربعين يومًا يرد كل بلدة غير هاتين البلدتين مكة والمدينة حرمهما الله تعالى عليه، يوم من أيامه كالسنة ويوم كالشهر ويوم كالجمعة وبقية أيامه كأيامكم هذه". أخرجه الطبراني وهو عند أحمد بنحوه بسند جيد ولفظه "تطوى له الأرض في أربعين يومًا إلا ما كان من طيبة" ... الحديث وأصله عند مسلم من حديث النواس بن سمعان بلفظ: قلنا يا رسول الله فما لبثه في الأرض؟ قال: "أربعون يومًا". فذكره وزاد: قلنا يا رسول الله فذلك اليوم الذي كالسنة يكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: "لا اقدروا له قدره". قلنا: يا رسول الله وما إسراعه في الأرض؟ قال: "كالغيث استدبرته الريح". وله عن عبد الله بن عمرو: "يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين، لا أدري أربعين يومًا أو أربعين شهرًا أو أربعين عامًا". الحديث، والجزم بأنها أربعون يومًا مقدم على هذا الترديد، فقد أخرجه الطبراني من وجه آخر عن عبد الله بن عمرو بن بلفظ: "يخرج -يعني الدجال- فيمكث في الأرض أربعين صباحًا يرد فيها كل منهل إلا الكعبة. والمدينة وبيت المقدس". الحديث ووقع في حديث سمرة .. "يظهر على الأرض كلها إلا الحرمين وبيت المقدس فيحصر المؤمنين فيه ثم يهلكه الله" [قوله عليه السلام: "فيحصر المؤمنين في بيت المقدس" علق عليه الشيخ عبد الفتاح: "كذا في رواية الإمام أحمد ي "المسند" 5: 16. وجاء في "مجمع الزوائد" للهيثمي 7: 341 هكذا: (وإنه يحصر المؤمنون). أي بالبناء للمجهول للفعل وبرفع ما بعده. ا. هـ. (التصريح بما تواتر في نزول المسيح)]. وفي حديث جنادة بن أبي أمية: أتينا رجلاً من الأنصار من الصحابة قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أنذركم المسيح" ... الحديث وفيه "يمكث في الأرض أربعين

صباحًا، يبلغ سلطانه كل منهل، لا يأتي أربعة مساجد: الكعبة ومسجد الرسول ومسجد الأقصى والطور" أخرجه أحمد ورجاله ثقات. ا. هـ. (فتح الباري). فهذا الذي حملنا على أن نفسر اليوم كسنة بأنه سنة في الشدة، ولما فهم الصحابة الحديث على ظاهره أعطاهم الرسول صلى الله عليه وسلم حكمًا فقهيًا للحالات التي يكون فيها اليوم طويلاً كأيام القطب الشمالي والجنوبي حيث يكون النهار ستة أشهر والليل ستة أشهر. وأما قوله عليه السلام: "ثم يقال للأرض أخرجي ثمرتك وردي بركتك فيومئذ تأكل العصابة الرمانة ويستظلون بقحفها ويبارك في الرسل حتى إن الفئام من الناس ليكتفون باللقحة من الإبل". فيه إشارة إلى ما طرأ على الأرض وعلى البركة بسبب الفساد في الأرض: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} (1). وقد ذكر كتاب ظهر عن "القطب" حيث المعاصي معدومة أن بعض المزروعات تنمو أضعافًا مضاعفة عنها في العالم المعروف فذلك نموذج على بركة الأرض حيث لم تتلوث بمعاصي بني آدم. وقد علق الشيخ عبد الفتاح على هذا القسم من الحديث بما يلي: "وقال الحافظ ابن القيم في كتابه "الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي" ص 83 - 86، في الفصل -26 - من فصول الكتاب: "فصل: ومن آثار الذنوب والمعاصي أنها تحدث في الأرض أنواعًا من الفساد في المياه والهواء والزرع والثمار والمساكن، قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}. قال بعض السلف: كلما أحدثتم ذنبًا، أحدث الله لكم من سلطانه عقوبة. والظاهر -والله أعلم- أن الفساد- المشار إليه في الآية -المراد به الذنوب وموجباتها، ويدل عليه قوله تعالى: {لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا}. فهذا حالنا، وإنما أذاقنا الشيء اليسير من أعمالنا، فلو أذاقنا كل أعمالنا، لما ترك على ظهرها من دابة!.

_ (1) الروم: 41.

ومن تأثير معاصي الله تعالى في الأرض، ما يحل بها من الخسف والزلازل، ويمحق بركتها، وقد مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ديار ثمود، فمنعهم من دخول ديارهم إلا وهم باكون، ومن شرب مياههم، ومن الاستقساء من آبارهم، حتى أمر أن لا يعلف العجين الذي عجن بمياههم لنواضح الإبل، لتأثير شؤم المعصية في الماء. وكذلك شؤم تأثير الذنوب في نقص الثمار وما يرى بها من الآفات، وقد ذكر الإمام أحمد في "مسنده" 2: 296، في ضمن حديثٍ قال: وجدت في خزائن بعض بني أمية حنطة، الحبة بقدر نواة التمرة، وهي في صرةٍ مكتوب عليها: كان هذا ينبت في زمن العدل. وكثير من هذه الآفات أحدثها الله سبحانه وتعالى، بما أحدث العباد من الذنوب. وأخبرني جماعة من شيوخ الصحراء أنهم كانوا يعهدون الثمار أكبر مما هي الآن، وكثير من هذه الآفات التي تصيبها، لم يكونوا يعرفونها، وإنما حدثت من قرب. وأما تأثير الذنوب في الصور والخلق، فقد روى الترمذي في "جامعه" عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "خلق الله آدم وطوله في السماء ستون ذراعًا، ولم يزل الخلق ينقص حتى الآن". فإذا أراد الله أن يطهر الأرض من الظلمة والخونة والغجرة، يخرج عبدًا من عباده، من أهل بيت نبيه صلى الله عليه وسلم، فيملأ الأرض قسطًا كما ملئت جورًا، ويقتل المسيح: اليهود والنصارى، ويقيم الدين الذي بعث الله به رسوله، وتخرج الأرض بركاتها، وتعود كما كانت، حتى إن العصابة من الناس، ليأكلون الرمانة ويستظلون بقحفها، ويكون العنقود من العنب وقر بعير، ولبن اللقحة الواحدة -أي الناقة ذات اللبن- يكفي الفئام من الناس- أي الجماعة من الناس-. وهذا لأن الأرض لما طهرت من المعاصي، ظهرت فيها آثار البركة من الله تعالى، التي محقتها الذنوب والكفر. ولا ريب أن العقوبات التي أنزلها الله في الأرض، بقية آثارها سارية في الأرض، تطلب ما يشاكلها من الذنوب التي هي آثار تلك الجرائم التي عذبت بها الأمم، فهذه الآثار في الأرض، من آثار العقوبات، كما أن هذه المعاصي من آثار الجرائم". انتهى كلام الحافظ ابن القيم.

وقال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" 5: 364، عند قوله تعالى في سورة الروم: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}. "المراد بالبر هنا: الفيافي، وبالبحر: الأمصار والقرى. ومعنى قوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} أي إن النقض في الزروع والثمار بسبب المعاصي. وقال أبو العالية: من عصى الله في الأرض، فقد أفسد في الأرض، لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة، ولهذا جاء في الحديث الذي رواه أبو داود: "لحد يقام في الأرض أحب إلى أهلها من أن يمطروا أربعين صباحًا". والسبب في هذا أن الحدود إذا أقيمت، انكف الناس أو أكثرهم أو كثير منهم عن تعاطي المحرمات، وإذا تركت المعاصي، كان ذلك سببًا في حصول البركات من السماء والأرض. ولهذا إذا نزل عيسى ابن مريم عليه السلام في آخر الزمان، يحكم بهذه الشريعة المطهرة في ذلك الوقت، من قتل الخنزير، وكسر الصليب، ووضع الجزية وهو تركها، فلا يقبل إلا الإسلام أو السيف، فإذا أهلك الله في زمانه الدجال وأتباعه، ويأجوج ومأجوج، قيل للأرض: أخرجي بركتك، فيأكل من الرمانة الفئام من الناس، ويستظلون بقحفها، ويكفي لبن اللقحة الجماعة من الناس. وما ذاك إلا ببركة تنفيذ شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، فكلما أقيم العدل كثرت البركات والخير، ولهذا ثبت في "الصحيحين": "أن الفاجر إذا مات يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب". وقال الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا محمد والحسين. قالا: حدثنا عوف، عن أبي قحذمٍ، قال: وجد رجل في زمان زياد -بن أبيه المتوفي سنة 53 - ، أو ابن زياد- عبيد الله ابن زياد بن أبيه المتوفي سنة 67 - : صرة فيها حب، يعني من بر أمثال النوى،

مكتوب فيها -أي في الصرة-: هذا نبت في زمان كان يعمل فيه بالعدل. انتهى. اهـ (التصريح). أقول: وفي الحديث الذي مر معنا إشارة إلى الريح التي تقبض نفس كل مؤمن، وقد يظن قارئ الحديث أن ذلك كائن زمن المسيح عليه الصلاة والسلام، والأمر ليس كذلك، فهي تأتي بعد نزول المسيح عليه الصلاة والسلام، والناس لا زالوا يعيشون في آثار من بركة وجوده عليه الصلاة والسلام. 1045 - * روى أبو داود، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إني حدثتكم عن الدجال، حتى خشيت أن لا تعقلوا، إن المسيح الدجال قصير أفحج، جعد أعور، مطموس العين، ليست بناتئةٍ ولا جحراء، فإن التبس عليكم، فاعلموا أن ربكم ليس بأعور". 1046 - * روى مسلم، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال بين ظهراني الناس، فقال: "إن الله ليس بأعور، ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافئة". وفي رواية الترمذي (1): أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الدجال؟ فقال: "ألا إن ربكم ليس بأعور، ألا وإنه أعور، عينه اليمنى كأنها عنبة طافئة". وفي رواية البخاري (2): أن المسيح ذكر بين ظهراني الناس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليس بأعور، ألا إن المسيح الدجال أعور عين اليمنى، كأنها عنبة طافئة".

_ 1045 - أبو داود (4/ 116، 117) كتاب الملاحم، باب خروج الدجال، وإسناده حسن. (الفحج): تباعد ما بين الفخذين، والرجل أفحج. (عين حجراء): أي غائرة مختفية، كأنها قد انجحرت، أي: دخلت في جحر، وهو الثقب، قال الهروي: وأقرأنيه الأزهري جخراء -بالجيم والخاء المعجمة- وأنكره بالحاء المهملة، قال: معناه الضيقة فيها رمض وغمص. 1046 - مسلم (4/ 2247) 52 - كتاب الفتن، 20 - باب ذكر الدجال وصفته وما معه. (1) الترمذي (4/ 514) 34 - كتاب الفتن، 60 - باب ما جاء في صفة الدجال. (2) البخاري (13/ 389) 97 - كتاب التوحيد، 17 - باب قول الله تعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي}.

وفي أخرى له ولمسلم (1): أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال فقال: "إنه أعور عين اليمنى، كأنها عنبة طافئة". وفي رواية أبي داود (2) قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، فأثنى على الله بما هو أهله ... فذكر الدجال، فقال: "إني لأنذركموه، وما من نبي إلا وقد أنذره قومه، ولقد أنذره نوح قومه، ولكني سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه، تعلمون أنه أعور، وأن الله ليس بأعور". وفي أخرى للترمذي (3): قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس، فأثنى على الله بما هو أهله ... ثم ذكر الدجال، فقال: "إني لأنذركموه، وما من نبي إلا وقد أنذر قومه، لقد أنذره نوح قومه، ولكني سأقول فيه قولاً لم يقله نبي لقومه: تعلمون أنه أعور، وإن الله ليس بأعور". قال الزهري: فأخبرني عمر بن ثابت الأنصاري: أنه أخبره بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يومئذ للناس وهو يحذرهم فتنته: "تعلمون أنه ليس يرى أحد منكم ربه حتى يموت، وأنه مكتوب بين عينيه، كافر، يقرؤه كل من كره عمله". قوله عليه السلام: "إنه أعور العين اليمنى": قال النووي: "وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "أعور العين اليمنى كأنها عنبة طافية" فروي بالهمز وبغير همز فمن همز معناه ذهب ضوؤها ومن لم يهمز معناه ناتئة بارزة ثم إنه جاء هنا أعور العين اليمنى وجاء في رواية أخرى أعور العين اليسرى وقد ذكرهما جميعًا مسلم في آخر الكتاب، وكلاهما صحيح قال القاضي عياض رحمه الله: روينا هذا الحرف عن أكثر شيوخنا بغير همز وهو الذي صححه أكثرهم قال: وهو الذي ذهب إليه الأخفش ومعناه ناتئة كنتوء حبة العنب من بين صواحبها قال:

_ (1) البخاري (8/ 106) 64 - كتاب المغازي، 77 - باب حجة الوداع. مسلم (1/ 155) 1 - كتاب الإيمان، 75 - باب ذكر المسيح بن مريم والمسيح الدجال. (2) أبو داود (4/ 241) كتاب السنة، باب في الدجال. (3) الترمذي (4/ 508) 24 - كتاب الفتن، 56 - باب ما جاء في علامة الدجال.

وضبطه بعض شيوخنا بالهمز وأنكره بعضهم ولا وجه لإنكاره، وقد وصف في الحديث بأنه ممسوح العين وأنها ليست جحراء ولا ناتئة بل مطموسة وهذه صفة حبة العنب إذا سأل ماؤها وهذا يصحح رواية الهمز. وأما ما جاء في الأحاديث الأخر جاحظ العين وكأنها كوكب وفي رواية لها حدقة جاحظة كأنها نخاعة في حائط فتصبح رواية ترك الهمزة ولكن يجمع بين الأحاديث وتصحح الروايات جميعًا بأن تكون المطموسة والممسوحة والتي ليست بجحراء ولا ناتئة هي العوراء الطافئة بالهمز وهي العين اليمنى كما جاء هنا وتكون الجاحظة والتي كأنها كوكب وكأنها نخاعة هي الطافية بغير همز وهي العين اليسرى كما جاء في الرواية الأخرى وهذا جمع بين الأحاديث والروايات في الطافية بالهمز وبتركه. وأعور العين اليمنى واليسرى لأن كل واحدة منهما عوراء فإن الأعور من كل شيء المعيب لا سيما ما يختص بالعين وكلا عيني الدجال معيبة عوراء إحداهما بذهابها والأخرى بعيبها. هذا آخر كلام القاضي وهو في نهاية من الحسن والله أعلم". ا. هـ (شرح النووي على مسلم). 1047 - * روى البخاري ومسلم، عن ربعي بن حراشٍ: انطلقت أنا وعقبة ابن عمرو إلى حذيفة، فقال عقبة: حدثني بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدجال، فقال: سمعته يقول: "إن مع الدجال إذا خرج ماء ونارا، فأما الذي يرى الناس أنه نار: فماء بارد، وأما الذي يرى الناس أنه ماء: فنار تحرق، فمن أدرك ذلك منكم فليقع في الذي يرى أنه نار، فإنه ماء عذب بارد". قال حذيفة: وسمعته يقول: "إن رجلا ممن كان قبلكم أتاه الملك ليقبض روحه، فقال: هل عملت من خير؟ قال: ما أعلم، قيل له: انظر، قال: ما أعلم شيئًا، غير أني كنت أبايع الناس في الدنيا، فأنظر الموسر، وأتجاوز عن المعسر، فأدخله الله الجنة". وسمعته يقول: "إن رجلاً حضره الموت، فلما يئس من الحياة، أوصى أهله: إذا أنا مت فاجمعوا لي حطبًا كثيرًا، جزلاً، ثم أوقدوا فيه نارًا حتى إذا أكلت لحمي،

_ 1047 - البخاري (6/ 494) 60 - كتاب الأنبياء، 50 - باب ما ذكر عن بني إسرائيل. مسلم (4/ 2250) 52 - كتاب الفتن، 20 - باب ذكر الدجال وصفته وما معه. (إنظار المعسر): تأخير ما عليه من الدين إلى حال يساره. (جزلاً): الحطب الجزل: القوي الغليظ. (الامتحاش): الاحتراق، امتحشت النار العظم: إذا أحرقته. (راحا): يوم راح: كثير الريح شديده. (فاذروه في اليم): أي: فرموه في البحر وألقوه فيه، كما يذرى الطعام، واليم: البحر.

وخلصت إلى عظمي، وامتحشت، فخذوها فاطحنوها، ثم انظروا يومًا راحا فاروه في اليم، ففعلوا، فجمعه الله عز وجل إليه، فقال؛ لم فعلت ذلك؟ قال: من خشيتك". قال: "فغفر الله له". فقال عقبة: وأنا سمعته يقول ذلك، وكان نباشًا. وفي رواية (1) عن حذيفة مختصرا: أنه عليه السلام قال في الدجال: "إن معه ماء ونارًا، فناره ماء بارد، وماؤه نار، فلا تهلكوا". قال أبو مسعود: وأنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولمسلم (2): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لأنا أعلم بما مع الدجال منه، معه نهران يجريان، أحدهما: رأي العين ماء أبيض، والآخر: رأي العين نار تأجج، فإما أدركن أحد فليأت النهر الذي يراه نارًا، وليغمض، ثم ليطأطئ رأسه فليشرب منه، فإنه ماء بارد، وإن الدجال ممسوح العين، عليها ظفرة غليظة، مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه كل مؤمن، كاتب وغير كاتبٍ". وفي رواية لمسلم (3) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدجال أعور العين اليسرى، جفال الشعر، معه جنة ونار، فناره جنة، وجنته نار". وفي رواية أبي داود (4) قال: اجتمع حذيفة، وأبو مسعود، فقال حذيفة: لأنا بما مع

_ (1) مسلم (4/ 2249)، في الموضع السابق. (2) المصدر السابق. (تأجج) النار: اتقادها. (ظفرة): الظفرة -بالتحريك- جليدة تغشى ناتئة من الجانب الذي يلي الأنف على بياض العين إلى سوادها. (3) المصدر السابق. (شعر جفال): كثير ملتف. (4) أبو داود (4/ 115، 116)، كتاب الملاحم، باب خروج الدجال.

الدجال أعلم منه، إن معه بحرًا من ماء، ونهرًا من نار، فالذي ترون أنه نار ماء، والذي ترون أنه ماء نار، فمن أدرك ذلك منكم فأراد الماء فليشرب من الذي يرى أنه نار، فإنه سيجده ماء قال أبو مسعود: هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول. 1048 - * روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يتبع الدجال من يهود أصفهان سبعون ألفًا عليهم الطيالسة". قال النووي في شرح مسلم: وأصبهان بفتح الهمزة وكسرها وبالباء وبالفاء. ا. هـ. أقول: في الحديث إشعار لأهل عصرنا بأكثر من معنى، فهؤلاء اليهود الذين يتابعون الدجال ويأتون معه يوم ظهوره إلى القدس حيث تكون عاصمة الخلافة الإسلامية هم الذين تتحدث عنهم النصوص أن الحجر والشجر يدلان المسلم عن مكان الواحد منهم ليقتله ما عدا شجر الغرقد. وكون الخلافة الإسلامية عاصمتها القدس وقتذاك فذلك يشير إلى أن دولة اليهود الحالية لن تستمر في فلسطين، وكون هذا العدد الكبير من اليهود سيخرج من أصبهان فذلك يشير إلى هجرة لليهود لبلاد إيران من جديد، وفي ذلك كله إشارة إلى أن هناك بعدًا نسبيًا بيننا وبين ظهور الدجال ونزول عيسى ابن مريم وظهور المهدي إذا كان المهدي سيظهر بين يدي نزول المسيح عيسى ابن مريم. 1049 - * روى مسلم عن أبي الزبير رحمه الله سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنه يقول: أخبرتني أم شريك: أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليفرن الناس من الدجال في الجبال". قالت أم شريك: قلت: يا رسول الله، فأين العرب يومئذ؟ قال: "هم قليل". أقول: في هذا الحديث إشارة أخرى إلى أن بيننا وبين ظهور الدجال بعدًا نسبيًا فالعرب

_ 1048 - مسلم (4/ 2266) 52 - كتاب الفتن، 25 - باب في بقية من أحاديث الدجال. 1049 - مسلم، في الموضع السابق. والترمذي (5/ 723) 50 - كتاب المناقب، 70 - باب مناقب في فضل العرب.

اليوم كثير وهذا يجعلنا نستشعر خطورة الأحداث العالمية والمحلية على العرب بين يدي الساعة. 1050 - * روى البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أحدثكم حديثًا عن الدجال ما حدث به نبي قومه؟ إنه أعور، وإنه يجيء بمثال الجنة والنار، فالتي يقول: إنها الجنة: هي النار، وإني أنذركم به، كما أنذر به نوح قومه. 1051 - * روى البخاري ومسلم، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا طويلاً عن الدجال، فكان فيما حدثنا به أن قال: "يأتي الدجال وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة، فينتهي إلى بعض السباخ التي بالمدينة، فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس -أو من خير الناس- فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا عنك رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه. فيقول الدجال: أرأيتم إن قتلت هذا، ثم أحييته، هل تشكون في الأمر؟ فيقولون: لا. فيقتله، ثم يحييه، فيقول حين يحييه: والله ما كنت قط أشد بصيرة مني اليوم. فيقول الدجال: اقتله. ولا يسلط عليه". ولمسلم (1) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يخرج الدجال، فيتوجه قبله رجل من المؤمنين، فتلقاه المسالح -مسالح الدجال- فيقولون له: أين تعمد؟ فقال:

_ 1050 - البخاري (6/ 370، 371) 60 - كتاب الأنبياء، 3 - باب قول الله عز وجل: (ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه). مسلم (4/ 2250) 53 - كتاب الفتن، 20 - باب ذكر الدجال وصفته وما معه. 1051 - البخاري (4/ 95، 96) 29 - كتاب فضائل المدينة، 9 - باب لا يدخل الدجال المدينة. مسلم (4/ 2256) 52 - كتاب الفتن، 21 - باب في صفة الدجال وتحريم المدينة عليه ... إلخ. (1) مسلم (4/ 2256، 2257)، في الموضع السابق. (السباخ): الأراضي التي لا تنبت المرعى. (بصيرة) البصيرة: المعرفة واليقين. (المسالح): جمع مسلحة، وهم قوم معهم سلاح، والمسلحة: كالثغر والمرقب وهو الذي يكون فيه قوم يرقبون العدو، لئلا يهجم عليهم، ويسمى بالأعجمية: اليزك.

أعمد إلى هذا الذي خرج". قال: "فيقولون له: أو ما تؤمن بربنا؟ فيقول: ما بربنا خفاء. فيقولون: اقتلوه. فيقول بعضهم لبعض: أليس نهاكم ربكم أن تقتلوا أحدًا دونه؟ " قال: "فينطلقون به إلى الدجال، فإذا رآه المؤمن قال: يا أيها الناس، هذا الدجال الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم". قال: "فيأمر الدجال به فيشج، فيقول: خذوه وشجوه. فيوسع ظهره وبطنه ضربًا". قال: "فيقول: أما تؤمن بي؟ فيقول: أنت المسيح الكذاب؟ قال: "فيؤمر به، فيؤشر بالمنشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه". قال: "ثم يمشي الدجال بين القطعتين". قال: "ثم يقول له: قم فيستوي قائمًا". قال: "ثم يقول له: أتؤمن بي؟ فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرة؟ " قال: "ثم يقول: يا أيها الناس: إنه لا يفعل بعدي بأحدٍ من الناس". قال: "فيأخذه الدجال ليذبحه، فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاسًا، فلا يستطيع إليه سبيلاً". قال: "فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به، فيحسب الناس أنما قذفه إلى النار، وإنما ألقي في الجنة". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين". 1052 - * روى البخاري ومسلم، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من نبي إلا وقد أنذر أمته الأعور الكذاب، ألا إنه أعور، وإن ربكم عز وجل ليس بأعور، مكتوب بين عينيه (ك ف ر) ". وفي رواية لمسلم (1): أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "الدجال مكتوب بين عينيه (ك ف ر) أي كافر". وفي أخرى (2)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدجال ممسوح العين مكتوب بين عينيه

_ = (فيؤشر): أشرته بالمنشار، وشرته: إذا شققته به. 1052 - البخاري (13/ 389) 97 - كتاب التوحيد، 17 - باب قول الله تعالى {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي}. مسلم (4/ 2248) 52 - كتاب الفتن، 20 - باب ذكر الدجال وصفته وما معه. والترمذي (4/ 516) 24 - كتاب الفتن 62 - باب ما جاء في قتل عيسى ابن مريم الدجال. وأبو داود (4/ 116)، كتاب الملاحم، باب خروج الدجال. (1) مسلم (4/ 2248) 52 - كتاب الفتن، 20 - باب ذكر الدجال ... إلخ. (2) المرجع السابق.

(كافر) ". ثم تهجاها " (ك ف ر) يقرؤه كل مسلم". وفي رواية لأبي داود (1) "بين عينيه كافر". وفي أخرى (2) "يقرؤه كل مسلم". 1053 - * روى البخاري، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: كنا نتحدث عن حجة الوداع، والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا، ولا ندري ما حجة الوداع، حتى حمد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأثنى عليه، ثم ذكر المسيح الدجال، فأطنب في ذكره، وقال: "ما بعث الله من نبي إلا أنذره أمته: أنذره نوح والنبيون من بعده، وإنه يخرج فيكم، فما خفي عليكم من شأنه فليس يخفى عليكم، إن ربكم ليس بأعور، إنه أعور عين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية، ألا إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟ ". قالوا: نعم. قال: "اللهم اشهد" ثلاثًا -"ويلكم"- أو "ويحكم- انظروا، لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض". وروى مسلم طرفا منه (3)، وهو قوله: "ويحكم، أو قال: "ويلكم- لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعضٍ". قال البخاري (4): وقال هشام بن الغاز: عن نافعٍ عن ابن عمر: وقف النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فيها، وقال: "أي يومٍ هذا؟ " -وذكر نحو ما سبق أولاً- وقال: "هذا يوم الحج الأكبر". فطفق النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم اشهد". ثم ودع الناس، فقالوا: هذه حجة الوداع". أقول: (ويحكم -أو قال: ويلكم-): قال القاضي: هما كلمتان استعملتهما العرب بمعنى

_ (1) أبو داود (4/ 116) كتاب الملاحم، باب خروج الدجال. (2) المرجع السابق. 1053 - البخاري (8/ 106) 64 - كتاب المغازي، 77 - باب حجة الوداع. (3) مسلم (1/ 82) 1 - كتاب الإيمان، 29 - باب بيان معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم ... إلخ. (4) البخاري (3/ 574) 25 - كتاب الحج، 122 - باب الخطبة أيام منى.

التعجب والتوجع. قال سيبويه: ويل: كلمة لمن وقع في هلكه. وويح: ترحم. وحكي عنه: ويح: زجر لمن أشرف على الهلكة. 1054 - * روى أحمد عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر جهدًا يكون بين يدي الدجال فقالوا: أي المال خير يومئذ؟ قال: "غلام شديد يسقي أهله الماء وأما الطعام فليس". قالوا: فما طعام المؤمنين يومئذ؟ قال: "التسبيح والتكبير والتهليل". قالت عائشة: فأين العرب يومئذ؟ قال: "العرب يومئذ قليل". 1055 - * روى أحمد، عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الدجال أعور عين الشمال بين عينيه مكتوب كافر يقرؤه الأمي والكاتب". 1056 - * روى أبو داود، عن عمران بن حصين رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه سلم قال: "من سمع بالدجال، فلينأ منه، فوالله: إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن، فيتبعه، مما يبعث به من الشبهات، أو لما يبعث به من الشبهات". 1057 - * روى البخاري ومسلم، عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، قال: ما سأل أحد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدجال أكثر مما سألته، وإنه قال لي: "ما يضرك منه؟ " قلت: إنهم يقولون؛ إن معه جبل خبزٍ، ونهر ماءٍ. قال: "هو أهون على الله من ذلك". وفي رواية (1): قال لي: "يا بني، وما ينصبك منه؟ إنه لن يضرك". قال:

_ 1054 - مسند أحمد (6/ 75، 76). مجمع الزوائد (7/ 235). وقال: رواه أحمد وأبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح. 1055 - مسند أحمد (5/ 38). مجمع الزوائد (7/ 337). وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات. 1056 - أبو داود (4/ 116) كتاب الملاحم، باب خروج الدجال. وإسناده صحيح. 1057 - البخاري (13/ 89) 12 - كتاب الفتن، 26 - باب ذكر الدجال. مسلم (4/ 2258) 52 - كتاب الفتن، 22 - باب في الدجال ... إلخ. (1) مسلم (4/ 2257، 2258)، في الموضع السابق. (ما ينصبك): النصب: التعب، أي ما يتعبك منه.

قلت: إنهم يزعمون أن معه أنهار الماء، وجبال الخبز. قال: "هو أهون على الله من ذلك". وفي أخرى (1): إنهم يقولون: إن معه جبال خبز ولحمٍ، ونهر ماءٍ قال: "هو أهون على الله من ذلك". علق ابن حجر على قوله عليه الصلاة والسلام: "هو أهون على الله من ذلك": "قال عياض: معناه هو أهون من أن يجعل ما يخلقه على يديه مضلا للمؤمنين ومشككا لقلوب الموقنين، بل ليزداد الذين آمنوا إيمانًا ويرتاب الذين في قلوبهم مرض فهو مثل قول الذي يقتله ما كنت أشد بصيرة مني فيك، لا أن قوله "هو أهون على الله من ذلك" أنه ليس شيء من ذلك معه، بل المراد أهون من أن يجعل شيئًا من ذلك آية على صدقه، ولا سيما وقد جعل فيه آية ظاهرة في كذبه وكفره يقرؤها من قرأ ومن لا يقرأ زائدة على شواهد كذبه من حدثه ونقصه. قلت: الحامل على هذا التأويل أنه ورد في حديث آخر مرفوع "ومعه جل من خبز ونهر من ماء" أخرجه أحمد والبيهقي في البعث من طريق جنادة بن أبي أمية عن مجاهد قال: انطلقنا إلى رجل من الأنصار فقلنا حدثنا بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدجال ولا تحدثنا عن غيره. فذكر حديثًا فيه "تمطر الأرض ولا ينبت الشجر، ومعه جنة ونار فناره جنة وجنته نار معه جبل خبز ... " الحديث بطوله ورجاله ثقات، ولأحمد من وجه آخر عن جناده عن رجل من الأنصار: "مع جبال الخبز وأنهار الماء" ولأحمد من حديث جابر: "معه جبال من خبز والناس في جهد إلا من تبعه، ومعه نهران" الحديث، فدل ما ثبت من ذلك على أن قوله: "هو أهون على الله من ذلك" ليس المراد به ظاهره وأنه لا يجعل على يديه شيئًا من ذلك، بل هو على التأويل المذكور" اهـ (فتح الباري). 1058 - * روى الترمذي، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الدجال يخرج من أرض بالمشرق يقال لها: خراسان يتبعه أقام كأن

_ (1) مسلم (4/ 2258)، في الموضع السابق. 1058 - الترمذي (4/ 509) 34 - كتاب الفتن، 57 - باب ما جاء من أين يخرج الدجال. =

وجوههم المجان المطرقة". 1059 - * روى مسلم، عن عامر بن شراحيل الشعبي رحمه الله، أنه سأل فاطمة بنت قيسٍ أخت الضحاك بن قيسٍ -وكانت من المهاجرات الأول- فقال: حدثيني حديثًا سمعتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تسنديه إلى أحدٍ غيره. فقالت: لئن شئت لأفعلن. فقال: أجل حدثيني. فقالت: نكحت ابن المغيرة وهو من خيار شباب قريشٍ يومئذ، فأصيب في أول الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما تأيمت خطبني عبد الرحمن بن عوف في نفر من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وخطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم على مولاة أسامة بن زيدٍ، وكنت قد حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أحبني فليحب أسامة". فلما كلمني رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت أمري بيدك فأنكحني من شئت. فقال: "انتقلي إلى أم شريك". وأم شريك امرأة غنية من الأنصار، عظيمة النفقة في سبيل الله، ينزل عليها الضيفان، فقلت: سأفعل. قال: "لا تفعلي، إن أم شريك كثيرة الضيفان، فإني أكره أن يسقط عنك حمارك، أو ينكشف الثوب عن ساقيك، فيرى القوم منك بعض ما تكرهين، ولكن انتقلي إلى ابن عمك عبد الله بن عمرو بن أم مكتوم". وهو رجل من بني فهر -فهر قريش- وهو من البطن الذي هي منه، فانتقلت إليه، فلما انقضت عدتي سمعت نداء المنادي -منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم- ينادي: الصلاة جامعة. فخرجت إلى المسجد، فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنت في النساء التي تلي ظهور القوم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته، جلس على المنبر وهو يضحك، فقال: "ليلزم كل إنسانٍ مصلاه". ثم قال: "أتدرون لم جمعتكم؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "إني والله ما جمعتكم لرغبةٍ، ولا لرهبةٍ، ولكن جمعتكم لأن تميما الداري كان رجلاً نصرانيًا، فجاء فبايع وأسلم، وحدثني حديثًا وافق الذي كنت أحدثكم عن المسيح

_ = وهو حديث حسن. وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب. (المجان المطرقة): المجان جمع مجنة -وهو الترس، والمطرقة- التي ضوعف عليها العقب وألبسته شيئًا فوق شيء، يقال: أطرقت الترس: إذا فعلت به ذلك، وطارقت النعل: إذا جعلتها طبقًا فوق طبق وخصفتها. 1059 - مسلم (4/ 2261 - 2264) 52 - كتاب الفتن، 24 - باب قصة الجساسة. (تأيمت): المرأة: مات زوجها، أو فارقها. (المسيح الدجال): الدجال: الكذاب، وهو اسم لهذا الرجل المشار إليه في الشرائع، وقيل سمي به لتمويهه على ... =

الدجال، حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهراً في البحر، ثم أرفؤوا إلى جزيرة في البحر حتى مغرب الشمس، فجلسوا في أقرب السفينة، فدخلوا الجزيرة، فلقيتهم دابةٌ أهلبُ، كثيرُ الشعر، لا يدرون ما قُبله من دُبره، فقالوا: ويلك، ما أنتِ؟ قالت: أنا الجساسةُ. قالوا: وما الجساسة؟ قالت: أيها القوم: انطلقوا إلى هذا الرجل الذي في الدَّير، فإنه إلى خبركم بالأشواق. قال: لما سمت لنا رجلاً، فرِقنا منها أن تكون شيطانةً. قال: فانطلقنا سراعاً حتى دخلنا الدّيرَ، فإذا فيه أعظمُ إنسان رأيناه قط خلقاً، وأشده وثاقاً، مجموعةً يداه إلى عنقه، ما بين ربتيه إلى كعبيه باحلديد قلنا: ويلك ما أنت؟ قال: قد قدرتُم على خبري، فأخبروني: ما أنتم؟ قالوا: نحن أناسٌ من العرب، ركِبنا في سفينةٍ بحرية، فصادفنا البحر حين اغتلم، فلعب بنا الموجُ شهراً، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه، فجلسنا في أقربها فدخلنا الجزيرة، فلقيتنا دابةٌ أهلبُ، كثير الشعر، لا ندري ما قُبله من دبره من كثرة الشعر، فقلنا: ويلك ما أنتِ؟ فقالت: أنا الجساسةُ قلنا: وما الجساسةُ؟ قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل الذي في الدير، فإنه إلى خبركم بالأشواق. فأقبلنا إليك سراعاً، وفزعنا منها، ولم نأمن أن تكون شيطانة. (1)

_ = الناس وتلبسيه، يقال: دجل: إذا لبس وموه، وإنما سمي مسيحًا، لأن إحدى عينيه ممسوحة لا يبصر بها، والأعور يسمى مسيحًا، وأما تسمية عيسى عليه السلام بالمسيح، فقيل: لمسح زكريا عليه السلام إياه، وقيل: لأنه يمسح الأرض، أي يقطعها، وقيل: لأنه كان يمسح ذا العاهة فيبرأ، وقيل: المسيح الصديق. (أرفأت): السفينة: قربتها إلى الشط وأدنيتها من البر، وذلك الموضع مرفأ. (أقرب): القارب: سفينة صغيرة تكون إلى جانب السفن البحرية يستعجلون بها حوائجهم من البر، وتكون معهم خوفًا من غرق المركب فليجؤون إليها، فأما "أقرب" فلعله جمع قارب. قال الخطابي: إنه جمع على غير قياس. (أهلب): الهلب: ما غلظ من الشعر، والأهلب: الغليظ الشعر الخشن. (الجساسة): فعالة من التجسس، وهو الفحص عن بواطن الأمور، وأكثر ما يقال ذلك في الشر. قال النووي: "سميت بذلك لتجسها الأخبار للدجال، وجاء عن عبد الرحمن بن عمرو بن العاص أنها دابة الأرض المذكورة في القرآن" اهـ. (فرقنا): خفنا. (اغتلام): البحر: اضطراب أمواجه واهتياجه. =

فقال: أخبروني عن نخل بيسان. قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها هل يثمر؟ قلنا له: نعم. قال: أما إنه يوشك أن لا تثمر، قال: أخبروني عن بحيرة الطبرية. قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء. قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب، قال: أخبروني عن عين زغر. قالوا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء، وله يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم، هي كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها. قال: أخبروني عن نبي الأميين، ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب. قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم. قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب، وأطاعوه. قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا: نعم. قال: أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه، وإني مخبركم عني، أنا المسيح، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج، فأخرج فأسير في الأرض، فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة، غير مكة وطيبة، فهما محرمتان علي كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة، أو واحدًأ منهما، استقبلني ملك بيده السيف صلتا يصدني عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها". قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -وطعن بمخصرته في المنبر-: "هذه طيبة، هذه طيبة" -يعني: المدينة- "ألا هل كنت حدثتكم عن ذلك؟ " فقال الناس: نعم. قال: "فإنه أعجبني حديث تميم: أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة، ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن، لا بل من قبل المشرق، ما هو من قبل المشرق، ما هو". وأومأ بيده إلى المشرق. قالت: فحفظت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم. (1)

_ = (عين زغر): بلدة في الجانب القبلي من الشام. (الأمي): الذي لا يعرف الكتابة، وكذلك كانت العرب، وسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم أميًا لذلك، وكأنه في الأصل منسوب إلى أمه، أي على حالته التي ولدته أمه عليها. (صلتا): الصلت: المسلول من غمده، المهيأ للضرب به. (أنقابها): النقب: الطريق في الجبل، وجمعه: أنقاب ونقاب. (المخصرة): غصا، أو قضيب، أو سوط، كانت تكون بيد الخطيب أو الملك إذا تكلم. (لا، بل من قبل المشرق ما هو): "ما" زائدة، لا نافية، والمراد: إثبات أنه في جهة المشرق.

وفي رواية (1): ثم قالت: فنودي في الناس: إن الصلاة جامعة. قالت: فانطلقت فيمن انطلق من الناس. قالت: فكنت في الصف المقدم من النساء، وهو يلي المؤخر من الرجال. قالت: فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يخطب، فقال: "إن بني عم لتميم الداري ربكوا في البحر ... " وساق الحديث، وفيه: قالت: فكأنما انظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأهوى بمخصرته إلى الأرض، وقال: "هذه طيبة" يعني المدينة. وفي رواية (2) قالت: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم تميم الداري، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه ركب البحر، فتاهت به سفينته، فسقط إلى جزيرة، فخرج إليها يلتمس الماء، فلقي إنسانًا يجر شعره ... واقتص الحديث، وفيه: ثم قال: أما إنه لو قد أذن لي في الخروج قد وطئت لبلاد كلها غير طيبة. فأخرجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس فحدثهم، وقال: "هذه طيبة" وذاك الدجال". وفي أخرى (3): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قعد على المنبر، فقال: "أيها الناس، حدثني تميم الداري: أن أناسًا من قومه كانوا في البحر في سفينة لهم فانكسرت بهم، فركب بعضهم على لوح من ألواح السفينة، فخرجوا إلى جزيرة في البحر ... " وساق الحديث. وفي رواية أبي داود (4): قالت: سمعت منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي: إن الصلاة جامعة ... وساق الحديث، نحو مسلم إلى قوله: "مجموعة يداه إلى عنقه". ثم قال ... فذكر الحديث، وسألهم عن نخل بيسان، وعن عيون زغر، وعن النبي الأمي، قال: إني أنا المسيح، وأنه يوشك أن يؤذن لي في الخروج، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وإنه في بحر الشام، أو بحر اليمن، لا، بل من قبل المشرق، ما هو" -مرتين- وقالت: حفظت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ... وساق الحديث.

_ (1) مسلم (4/ 2264، 2265)، 52 - كتاب الفتن، 24 - باب قصة الجساسة. (2) مسلم (4/ 2265)، في الموضع السابق. (3) المصدر السابق. (4) أبو داود (4/ 118، 119) كتاب الملاحم، باب في خبر الجساسة.

وله في أخرى (1) قال الشعبي: أخبرتني فاطمة بنت قيسٍ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر، ثم صعد المنبر، وكان لا يصعد عليه إلا يوم الجمعة قبل يومئذ ... ثم ذكر هذه القصة. وله في أخرى (2): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر العشاء الآخرة ذات ليلةٍ، ثم خرج، فقال: "إنه حبسني حديث كان يحدثنيه تميم الداري عن رجل كان في جزيرة من جزائر البحر، فإذا بامرأة تجر شعرها، فقال: ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة، اذهب إلى هذا القصر. فأتيته، فإذا رجل يجر شعره، مسلسل في الأغلال، ينزو فيما بين السماء والأرض، فقلت: من أنت؟ قال: أنا الدجال، خرج نبي الأميين بعد؟ قلت: نعم. قال: أطاعوه، أم عصوه؟ قلت: بل أطاعوه. قال: ذلك خير لهم". ورواه الترمذي (3)، وهذا لفظه: قالت: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم صعد المنبر، فضحك، فقال: "إن تميمًا الداري حدثني بحديثٍ، ففرحت، فأحببت أن أحدثكم. إن ناسًا من أهل فلسطين ركبوا سفينة في البحر، فجالت بهم حتى قذفتهم في جزيرة من جزائر البحر، فإذا هم بدابة لباسة ناشرة شعرها، فقالوا: ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة. قالوا: فأخبرينا. قالت: لا أخبركم ولا أستخبركم، ولكن ائتوا أقصى القرية، فإن ثم من يخبركم ويستخبركم. فأتينا أقصى القرية، فإذا رجل موثق بسلسلة، فقال: أخبروني عن عين زغر. قلنا: ملأى تدفق. قال: أخبروني نخل بيسان الذي بين الأردن وفلسطين، هل أطعم؟ قلنا: نعم. قال: أخبروني عن النبي صلى الله عليه وسلم، هل بعث؟ قلنا: نعم. قال: أخبروني، كيف الناس إليه؟ قلنا: سراع. فنزا نزوة، حتى كاد، قلنا. فما أنت؟ قال: أنا الدجال. وإنه يدخل الأمصار كلها، إلا طيبة". وطيبة: المدينة.

_ (1) أبو داود (4/ 119)، في الموضع السابق. (2) أبو داود (4/ 118)، في الموضع السابق. (3) الترمذي (4/ 531، 522) 34 - كتاب الفتن، 66 - باب حدثنا محمد بن بشار ... إلخ. =

أقول: ورد في الحديث قول الدجال: (وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكية وطيبة) يؤيد ما ذكرناه أن مكثه في الأرض أربعون يومًا عادية، لكن لشدة الهول والبلاء والفتنة بخروجه يكون اليوم الأول على الناس كسنة واليوم الثاني كشهر واليوم الثالث كجمعة في الشدة ثم بعد ذلك يألف الناس الحدث وتذهب عنهم شدة الصدمة، ومما يستأنس به لما ذهبنا إليه حديث لابن ماجه، يذكر أن مكثه في الأرض أربعون سنة فهذه الرواية يمكن الجمع بينها وبين الروايات الصحيحة -التي تذكر أن مكثه أربعون يومًا- بأن المراد أربعون سنة في الشدة وهي أربعون يومًا في المدة. 1060 - * روى مسلم، عن حميد بن هلال، رضي الله عنه، عن رهطٍ -منهم أبو الدهماء وأبو قتادة- قالوا: كنا نمر على هشام بن عامر، نأتي عمران بن حصين، فقال ذات يوم: إنكم لتجاوزونني إلى رجال ما كانوا بأحضر لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني، ولا أعلم بحديثه مني، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال". وفي رواية (1): "أمر أكبر من الدجال". 1061 - * روى الترمذي، عن مجمع بن جارية الأنصاري رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يقتل ابن مريم الدجال بباب لد". 1062 - * روى أحمد، عن عبد الله بن حوالة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من نجا من

_ = (النزو): الوثوب: نزا ينزو نزوا، والنزوة: المرة الواحدة. (حتى كاد): أي: أن يتخلص من الوثاق. 1060 - مسلم (4/ 2266، 2267) 53 - كتاب الفتن، 25 - باب في بقية من أحاديث الدجال. (1) مسلم (4/ 2267). في الموضع السابق. 1061 - الترمذي (4/ 515) 34 - كتاب الفتن، 62 - باب ما جاء في قتل عيسى ابن مريم الدجال. وقال: هذا حديث حسن صحيح. 1062 - مسند أحمد (4/ 110). مجمع الزوائد (7/ 334). وقال: رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح غير بيعة بن لقيط وهو ثقة.

ثلاثٍ فقد نجا" ثلاث مراتٍ "موتي والدجال وقتل خليفةٍ مصطبر بالحق يعطيه". أقول: قوله عليه الصلاة والسلام: "وقتل خليفةٍ مصطبرٍ بالحق يعطيه". إشارة إلى قتل عثمان رضي الله عنه فمن نجا من المشاركة في قتله أو الرضا في قتله فإنه يكون قد نجا من مهلكة من المهلكات، اللهم أنا نبرأ إليك من قتله ومن قتلته، وفي النص معجزة من معجزاته عليه الصلاة والسلام. 1063 - * روى أحمد، عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وأنا أبكي فقال: "ما يبكيك؟ " قلت: يا رسول الله، ذكرت الدجال فبكيت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن يخرج وأنا فيكم كفيتموه وإن يخرج بعدي فإن ربكم عز وجل ليس بأعور إنه يخرج من يهودية أصبهان حتى يأتي المدينة فينزل ناحيتها ولها يومئذ سبعة أبوابٍ على كل نقبٍ منها ملكان فيخرج إليه شرار أهلها حتى يأتي الشام مدينة فلطسين بباب لد فينزول عيسى ابن مريم عليه السلام فيقتله ويمكث عيسى في الأرض أربعين سنة إمامًا عدلاً وحكمًا مقسطًا". 1064 - * روى أحمد، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الدجال: "أعور هجان أزهر كأن رأسه أصله أشبه الناس بعبد العزى بن قطنٍ فإما هلك الهلك فإن ربكم تبارك وتعالى ليس بأعور".

_ 1063 - مسند أحمد (6/ 75). مجمع الزوائد (7/ 338). وقال: رواه أحمد ورجال رجاله الصحيح غير الحضرمي بن لاحق، وهو ثقة. 1064 - مسند أحمد (1/ 240). والمعجم الكبير (11/ 337). مجمع الزوائد (7/ 337). وقال: رواه: أحمد والطبراني، ورجالهما رجال الصحيح. (هجان): الهجان: الأبيض. (أزهر): أي أبيض. (الأصلة): الحية العظيمة، والعرب تشبه الرأس الصغير الكثير الحركة برأس الحية. (هلك): بالضم والتشديد جمع هالك، أي فإن هلك به ناس جاهلون وضلوا فاعلموا أن الله ليس بأعور فكأنه قال فكيفما كان الأمر فإن ربكم ليس بأعور، أي منزه عن النقائص والعيوب.

وفي رواية (1) عند الطبراني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رأيت الدجال هجانًا ضخمًا فيلمانيا كأن شعره أغصان شجرةٍ أعور كأن إحدى عينيه كوكب الصبح أشبه بعبد العزى بن قطنٍ رجلٍ من خزاعة". 1065 - * روى أحمد، عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال فقال: "إحدى عينيه كأنها زجاجة خضراء وتعوذوا بالله من عذاب القبر". 1066 - * روى أحمد، عن جنادة بن أبي أمية قال: أتينا رجلاً من الأنصار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فدخلنا عليه فقلنا: حدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تحدثنا ما سمعت من الناس فشددنا عليه، فقال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا فقال "أنذركم المسيح وهو ممسوح العين" أحسبه قال العين اليسرى -"تسير معه جبال الخبز وأنهار الماء علامته يمكث في الأرض أربعين صباحًا، يبلغ سلطانه كل منهلٍ، لا يأتي أربعة مساجد الكعبة ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى والطور، ومهما كان من ذلك فاعلموا أن الله عز وجل ليس بأعور" قال ابن عونٍ أحسبه قال: "يسلط على رجل فيقتله ثم يحييه ولا يسلط على غيره". أقول: قوله عليه الصلاة والسلام: "يمكث في الأرض أربعين صباحًا: يؤيد ما ذكرناه عن أن أيامه أيام عادية، لكن بعضها يشعر بطوله لشدة البلاء وقوة الصدمة. وأما قوله: "ولا يسلط على غيره" أي: ثم لا يسلط على غيره.

_ (1) المعجم الكبير (11/ 313). مجمع الزوائد (7/ 337، 338). وقال: ورجاله رجال الصحيح. (فيلمانيًا): الفيلم من الرجال العظيم، وقيل: عظيم الحجة. 1065 - مسند أحمد (5/ 123، 124). مجمع الزوائد (7/ 227). وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات. 1066 - مسند أحمد (5/ 434). مجمع الزوائد (7/ 243). وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

1067 - * روى أحمد، عن أبي قلابة قال: رأيت رجلاً بالمدينة قد أطاف الناس به وهو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -فإذا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم- قال: فسمعته وهو يقول: "إن بعدكم الكذاب المضل وإن رأسه من ورائه حبك حبك حبك وإنه سيقول: أنا ربكم، فمن قال: لست بربنا ولكن ربنا الله عليه توكلنا وإليه أنبنا نعوذ بالله من شرك، لم يكن له عليه سلطان". 1068 - * روى أحمد، عن محجن بن الأذرع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يوم الخلاص وما يوم الخلاص، يوم الخلاص وما يوم الخلاص". ثلاثًا، فقيل له: وما يوم الخلاص؟ قال: "يجيء الدجال فيصعد أحدًا فيقول لأصحابه: أترون هذا القصر الأبيض، هذا مسجد أحمد ثم يأتي المدينة فيجد بكل نقبٍ منها ملكًا مصلتا فيأتي سبخة الجرف فيضرب رواقه ثم ترجف المدينة ثلاث رجفاتٍ فلا يبقى منافق ولا منافقة ولا فاسق ولا فاسقة إلا خرج إليه فذلك يوم الخلاص". 1069 - * روى البزار، عن الفلتان بن عاصمٍ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أريت ليلة القدر ثم أنسيتها ورأيت مسيح الضلالة فإذا رجلان في أندر فلانٍ يتلاحيان فحجزت بينهما، فأنسيتها، فاطلبوها في العشر الأواخر، وأما مسيح الضلالة فرجل أجلى الجبهة ممسوح العين اليسرى عريض النحر كأنه عبد العزى بن قطنٍ". 1070 - * روى البخاري ومسلم، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لتقاتلن اليهود، فلتقتلنهم، حتى يقول الحجر: يا مسلم، هذا يهودي

_ 1067 - مسند أحمد (5/ 372). مجمع الزوائد (7/ 343). وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. (حبك): أي شعر رأسه متكسر من الجعودة. 1068 - مسند أحمد (4/ 338). مجمع الزوائد (3/ 208). وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. 1069 - كشف الأستار (4/ 136، 137). مجمع الزوائد: (7/ 248). وقال: رواه البزار ورجاله ثقات. 1070 - البخاري (6/ 103) 56 - كتاب الجهاد، 94 - باب قتال اليهود. =

فتعال فاقتله". وفي أخرى (1) قال: "تقتتلون أنتم ويهود، حتى يقول الحجر: يا مسلم، هذا يهودي ورائي، تعال فاقتله". وفي أخرى (2): "تقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم ... " الحديث. 1071 - * روى مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي، تعال فاقتله. إلا الغرقد، فإنه من شجر اليهود". وفي رواية (3) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، حتى يقول الحجر وراءه اليهودي: يا مسلم، هذا يهودي ورائي، فاقتله". أقول: الظاهر أن هذين الحديثين ينطبقان على اليهود الذين يأتون مع الدجال كما ورد في روايات أخرى، قد مرت معنا، وليسا في اليهود الذين يحتلون فلسطين الآن، فهؤلاء سينتهون ويخرجون. والله أعلم. 1072 - * روى أحمد، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لينزلن الدجال بحوران وكرمان في سبعين ألفًا وجوههم كالمجان المطرقة".

_ = مسلم (4/ 2238) 52 - كتاب الفتن، 18 - باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل ... إلخ. والترمذي (4/ 508) 34 - كتاب الفتن، 56 - باب ما جاء في علامة الدجال. (1) مسلم (4/ 2238، 2239) 52 - كتاب الفتن، 18 - باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل ... إلخ. (2) البخاري (6/ 604، 605) 61 - كتاب المناقب، 25 - باب علامات النبوة .... إلخ. ومسلم (4/ 2239) 52 - كتاب الفتن، 18 - باب لا تقوم الساعة ... إلخ. والترمذي (4/ 508) 24 - كتاب الفتن، 56 - باب ما جاء في علامة الدجال. 1071 - مسلم (4/ 2239) 52 - كتاب الفتن، 18 - باب لا تقوم الساعة ... إلخ. (3) البخاري (6/ 103) 56 - كتاب الجهاد، 94 - باب قتال اليهود. 1072 - مسند أحمد (2/ 337، 338). قال ابن كثير: إسناده جيد قوي حسن. =

1073 - * روى أحمد، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يخرج الدجال في خفةٍ من الدين، وإدبارٍ من العلم، وله أربعون يومًا يسيحها في الأرض اليوم منها كالسنة، واليوم منها كالشهر، واليوم منها كالجمعة، ثم سائر أيامه كأيامكم هذه وله حمار يركبه، عرض ما بين أذنيه أربعون ذراعًا فيقول للناس: أنا ربكم. وهو أعور. وإن ربكم ليس بأعور. مكتوب بين عينيه: (كافر)، ك ف ر، مهجاة، يقرؤه كل مؤمنٍ كاتب وغير كاتب يرد كل ماءٍ ومنهلٍ إلا المدينة ومكة حرمهما الله تعالى عليه، وقامت الملائكة بأبوابهما. ومعه جبال من خبز، والناس في جهدٍ إلا من تبعه. ومعه نهران أنا أعلم بهما منه. نهر يقول: الجنة. ونهر يقول: النار. فمن أدخل الذي يسميه الجنة فهو النار، ومن أدخل الذي يسميه النار فهو الجنة ويبعث الله معه شياطين تكلم الناس ومعه فتنة عظيمة: يأمر السماء فتمطر فيما يرى الناس، ويقتل نفسًا ثم يحييها فيما يرى الناس، لا يسلط على غيرها من الناس. ويقول: يا أيها الناس هل يفعل مثل هذا إلا الرب عز وجل؟ فيفر المسلمون إلى جبل الدخان بالشام، فيأتيهم فيحاصرهم فيشتد حصارهم، ويجهدهم جهدًا شديدًا. ثم ينزل عيسى ابن مريم من السحر، فيقول: يا أيها الناس ما يمنعكم أن تخرجوا إلى الكذاب الخبيث؟ فيقولون: هذا رجل جني. فينطلقون فإذا هم بعيسى ابن مريم عليه السلام، فتقام الصلاة، فيقال له: تقدم يا روح الله.

_ = مجمع الزوائد (7/ 345). وقال: رواه أحمد وأبو يعلى، ورجالهما ثقات إلا أن ابن إسحاق مدلس. ورواه البزار أتم. 1073 - مسند أحمد (3/ 367، 368). والمستدرك (4/ 530). وصححه ورجاله ثقات. قال الشيخ عبد الفتاح: (وقال الذهبي في "تلخيص المستدرك" 4: 530 هو على شرط مسلم"، وأورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" 7: 344 وقال: "رواه أحمد بإسنادين، رجال أحدهما رجال الصحيح"). انتهى. (التصريح بما تواتر في نزول المسيح). قال الشيخ عبد الفتاح: قوله (في خفة من الدين): أي في حال ضعف من الدين وقلة أهله. (اليوم منها كالسنة): هذا كناية عن شدة أذاه. =

فيقول: ليتقدم إمامكم فيلصل بكم. فإذا صلى صلاة الصبح خرجوا إليه. فحين يراه الكذاب ينماث كل ينماث الملح في الماء فيمشي إليه فيقتله، حتى إن الشجر والحجر ينادي يا روح الله هذا اليهودي، فلا يترك ممن كان يتبعه أحدًا إلا قتله". 1074 - * روى الحاكم عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أعلم بما مع الدجال منه، معه نهران أحدهما: نار تأجج في عين من رآه، والآخر ماء أبيض، فإن أدركه أحد منكم فليغمض. وليشرب من الذي يراه نارًا فإنه ماء بارد، وإياكم والآخر فإنه الفتنة واعلموا أنه مكتوب بين عينيه (كافر)، يقرأه من يكتب ومن لا يكتب، وإن إحدى عينيه ممسوحة، عليها ظفرة، إنه يطلع من آخر أمره على بطن الأردن على ثنية أفيقٍ، وكل واحدٍ يؤمن بالله واليوم الآخر ببطن الأردن، وإنه يقتل من المسلمين ثلثا، ويهزم ثلثا، ويبقى ثلاث. ويجن عليهم الليل فيقول بعض المؤمنين لبعض: ما تنتظرون أن تلحقوا بإخوانكم في مرضاة ربكم؟ من كان عنده فضل طعام

_ = (ينماث): أي يختفي ويتوارى كما يذوب الملح في الماء. اهـ (التصريح). ... 1074 - المستدرك (4/ 490 - 492). وقال: صحيح على شرط مسلم. ورواه ابن عساكر كما في "كنز العمال". ورواه مسلم مختصرًا (4/ 2249) 52 - كتاب الفتن، 20 - باب ذكر الدجال وصفته وما معه. وصححه الحافظ ابن حجر في فتح الباري. شرح (الشيخ عبد الفتاح وتعليقاته: (نار تأجج): أي تتوقد. (ظفرة): الظفرة: لحمة تنبت عند موق العين وقد تمتد إلى سواد العين فتغشيه. قوله: (إنه يطلع من آخر أمره على بطن الأردن): هو بمعنى قوله في الحديث السابق (ثم يسير حتى يأتي الشام): إذ الأردن من الشام. (ثنية أفيق): الثنية هنا معناها: العقبة، وهي المرتفع العالي من الأرض، فيكون (ثنية أفيق) بمعنى (عقبة أفيق). قال العلامة ياقوت في "معجم البلدان" عند ذكر (أفيق): "هي قرية من حوران في طريق الغور في أول العقبة المعروفة بعقبة أفيق تنزل في هذه العقبة إلى الغور وهو الأردن وهي عقبة طويلة نحو ميلين". قوله: (وكل واحد يؤمن بالله واليوم الآخر ببطنٍ الأردن): يعني: تجمع المسلمين في أرض الشام يومئذٍ. (ويجن عليهم الليل): أي: يسترهم الليل بسواده. =

فليعد به على أخيه، صلوا حين ينفجر الفجر، وعجلوا الصلاة ثم أقبلوا على عدوكم فلما قاموا يصلون نزل عيسى ابن مريم عليه السلام أمامهم فصلى بهم، فلما انصرف قال: هكذا أفرجوا بيني وبين عدو الله". قال أبو حازم: قال أبو هريرة رضي الله عنه: فيذوب كما تذوب الإهالة في الشمس. وقال عبد الله بن عمرو رضي الله عنه: كما يذوب الملح في الماء. "ويسلط الله عليهم المسلمين فيقتلونهم، حتى إن الشجر والحجر لينادي: يا عبد الله يا عبد الرحمن يا مسلم هذا يهودي فاقتله. فيفنيهم الله تعالى ويظهر المسلمون، فيكسرون الصليب، ويقتلون الخنزير، ويضعون الجزية فبينما هم كذلك إذخ أخرج الله يأجوج ومأجوج، فيشرب أولهم البحيرة، ويجيء آخرهم وقد انتشفوه فما يدعون فيه قطرة، فيقولون: قد كان ها هنا أثر ماءٍ. فيجيء نبي الله وأصحابه وراءه حتى يدخلوا مدينة من مدائن فلسطين يقال لها: لد. فيقولون: ظهرنا على من في الأرض فتعالوا نقاتل من في السماء! فيدعو الله نبيه عند ذلك، فيبعث الله قرحة في حلوقهم، فلا يبقى منهم بشر، فتؤذي ريحهم المسلمين، فيدعو عيسى -صلوات الله عليه وسلامه- عليهم فيرسل الله عليهم ريحًا فتقذفهم في البحر أجمعين". 1075 - * روى ابن ماجه عن أبي أمامة الباهلي؛ قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أكثر خطبته حديثًا حدثناه عن الدجال. وحذرناه. فكان من قوله أن قال: "إنه لم

_ = (فيلعد به على أخيه): أي: فليقدمه إلى أخيه. قوله: (فصلى بهم): أي صلى معهم مقتديًا بإمامهم، ويجيء الباء بمعنى (مع) شائع في لغة العرب، قال تعالى: يا نوح اهبط بسلامٍ منا، أي: مع سلامٍ منا. وهذا التأويل موافق للحديث: "وإمامكم منكم"، وموافق للأحاديث التي أفادت أن سيدنا عيسى يقتدي بإمام تلك الصلاة التي أقيمت. وهي صلاة الفجر. قوله قال: هكذا أفرجوا بيني وبين عدو الله، أي أشار بيده قائلاً: أخلو بيني وبينه. (الإعالة): كل ذهنٍ يوتدم به. (فيشرب أولهم البحيرة): أي بحيرة طبرية. (انتشفوه): أي شربوا الماء كله. ا. هـ (التصريح بما تواتر في نزول المسيح). 1075 - ابن ماجه (2/ 1359 - 1363)، 36 - كتاب الفتن، 32 - باب فتنة الدجال وخروج عيسى ابن مريم. =

تكن فتنة في الأرض، منذ ذرأ الله ذرية آدم، أعظم من فتنة الدجال. وإن الله لم يبعث نبيًا إلا حذر أمته الدجال. وأنا آخر الأنبياء. وأنتم آخر الأمم. وهو خارج فيكم لا محالة. وإن يخرج وأنا بين ظهراتيكم، فأنا حجيج لكل مسلمٍ. وإن يخرج من بعدي، فكل امرئ حجيج نفسه. والله خليفتي على كل مسلمٍ. وإنه يخرج من خلةٍ بين الشام والعراق. فيعيث يمينًا ويعيث شمالاً. يا عباد الله فاثبتوا. فإني سأصفه لكم صفة لم يصفها إياه نبي قبلي. إنه يبدأ فيقول: أنا نبي ولا نبي بعدي. ثم يثني فيقول: أنا ربكم. ولا ترون ربكم حتى تموتوا. وإنه أعور. وإن ربكم ليس بأعور. وإنه مكتوب بين عينيه: كافر. يقرؤه كل مؤمنٍ، كاتبٍ أو غير كاتبٍ. وإن من فتنته أن معه جنة ونارًا فناؤه جنة وجنته نار. فمن ابتلي بناره، فليستغث بالله وليقرأ فواتح الكهف، فتكون عليه بردًا وسلامًا. كما كانت النار على إبراهيم. وإن من فتنته أن يقول، لأعرابي: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك، أتشهد أني ربك؟ فيقول: نعم. فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه. فيقولان: يا بني اتبعه، فإنه ربك. وإن من فتنته أن يسلط على نفسٍ واحدةٍ، (1)

_ = وإسناده قوي. وساق أبو داود سنده -وهو سند صحيح- إلى أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: "تحوه، وذكر الصلوات مثل معناه" يعني نحو حديث النواس بن سمعان. وحديث النواس بن سمعان رواه أبو داود (4/ 117) كتاب الملاحم، باب خروج الدجال. وصححه ابن خزيمة. ورواه الحاكم: المستدرك (4/ 356، 537) وقال: صحيح على شرط مسلم. وأقره الذهبي. وأورد الحافظ ابن حجر جعلاً منه في "فتح الباري" مستشهدًا بها، فهو عنده حديث صحيح أو حسن. قال الشيخ عبد الفتاح (قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" 1: 581 بعد أن ساق الحديث من رواية ابن ماجه بكامله: "هذا حديث غريب جدًا من هذا الوجه، ولبعضه شواهد من أحاديث أخر، ثم ساق رحمه الله تعالى شواهد لبعض من "صحيح مسلم" اهـ (التصريح بما تواتر في نزول المسيح). قوله: (وإن من فتنته أن معه جنة ونارًا، فناره جنة وجنته نار): قال الشيخ عبد الفتاح: (قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري 13/ 88: وهذا يرجع إلى اختلاف المرئي بالنسبة إلى الرائي، فإما أن يكون الدجال ساحرًا فيخيل الشيء بصوره عكسه، وإما أن يجعل الله باطن الجنة التي يسخرها الدجال نارًا، وباطن النار جنة، وهذا الراجح اهـ (التصريح بما تواتر في نزول المسيح).

فيقتلها، وينشرها بالمنشار، حتى يلقى شقتين. ثم يقول: انظروا إلى عبدي هذا. فإني أبعثه الآن، ثم يزعم أن له ربًا غيري. فيبعثه الله، ويقول له الخبيث: من ربك؟ فيقول: ربي الله، وأنت عدو الله. أنت الدجال. والله ما كنت، بعد، أشد بصيرة بك مني اليوم". قال أبو الحسن الطنافسي: فحدثنا المحاربي. ثنا عبيد الله بن الوليد الوصافي عن عطية، عن أبي سعيد؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذلك الرجل أرفع أمتي درجة في الجنة". قال: قال أبو سعيدٍ: والله! ما كنا نرى ذلك الرجل إلا عمر ابن الخطاب. حتى مضى لسبيله. قال المحاربي: ثم رجعنا إلى حديث أبي رافع. قال: "وإن من فتنته أن يأمر السماء أن تمطر فتمطر، ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت. وإن من فتنته أن يمر بالحي فيكذبونه، فلا تبقى لهم سائمة إلا هلكت. وإن من فتنته أن يمر بالحي فيصدقونه، فيأمر السماء أن تمطر فتمطر، يأمر الأرض أن تبنت فتنبت، حتى تروح مواشيهم، من يوهم ذلك، أسمن ما كانت وأعظمه، وأمده خواصر، وأدره ضروعًا. وإنه لا يبقى شيء من الأرض إلا وطئه وظهر عليه، إلا مكة والمدينة، لا يأتيهما من نقبٍ من نقابهما إلا لقيته الملائكة بالسيوف صلته حتى ينزل عند الظريب الأحمر، عند منقطع السبخة، فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفاتٍ. فلا يبقى منافق ولا منافقة إلا خرج إليه. فتنفي البخث منها كما ينفي الكير خبث الحديد. ويدعى ذلك اليوم يوم الخلاص". (1)

_ = (نائب): هو طريق بين جبلين. (صلتة): أي مجردة. يقال: أصلت السيف، إذا جرده من غمده، وضربه بالسيف صلتا وصلتا. (الظريب): تصغير ظرب، بوزن كتف. والظراب الجبال الصغار. (السبخة): هي الأرض التي تعلوها الملوحة ولا تكاد تنبت إلا بعض الشجر. (ترجف): أصل الرجف الحركة والاضطراب. أي تتزلزل وتضطرب. (الخبث): هو ما تلقيه النار من وسخ الفضة والنحاس وغيرهما إذا أذيبا.=

فقالت أُمُّ شريك بنت أَبي العكر: يا رسول الله! فأين العرب يومئذٍ؟ قال: "هم يومئذٍ قليل. وجُلُّهم ببيت المقدس. وإمامهم رجلٌ صالح فبينما إمامهم قد تقدَّم يُصلِّي بهم الصبح، إذ نزل عليهم عيسى ابن مريم الصبح، فرجع ذلك، فرجع ذلك الإمام ينكص، ويمشي القهقرى، ليتقدَّم عيسى يُصلي بالناس، فيضع عيسى يده بين كتِفيه ثمَّ يقول له: تقدَّم فصلِّ فإنَّها لك أُقِيمت. فيصلِّي بهم إمامهم، فإذا انصرفَ قال عيسى عليه السلام: افتحوا الباب. فيُفتَح، ووراءه الدَّجَّال، معاه سبعون ألفِ يهودي، كلُّهم ذو سيف مُحلَّى وساجِ، فإذا نظر إليه ذابَ كما يذوب الملح في الماء، وينطلق هارباً, ويقول عيسى عليه السلام: إن لي فيك ضربة لن تسبقني بها. فيُدرِكه عند باب اللِّدِّ الشرقي فيقتله، فيهزم الله اليهود، فلا يبقى شيء مما خلق الله يتوارى به يهودي إلا أنطق الله ذلك الشيء، لا حجر ولا شجر ولا حائط ولا دابَّة (إلا الغرقدة، فإنها من شجرهم، لا ينطق) إلا قال: يا عبد الله المسلم! هذا يهودي فتعال اقتله". قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: "وإن أيامه أربعون سنةً. السنةُ كنصف السنة, والسنة كالشهر، والشهر كالجمعة, وآخر أيامه كالشررة. يصبح أحدكم على باب المدينة، فلا يبلغ بابها الآخر حتى يُمسي". فقيل له: يا رسول الله! كيف نًصلِّي في تلك الأيام القِصار؟ قال: "تقدرون فيها الصلاة كما تقدرونها في هذه الأيام الطِوال، ثمَّ صلُّوا". قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: "فيكون عيسى ابن مريم عليه السلام (1)

_ = (ينكص): النكوص الرجوع إلى الوراء. وهو القهقري. (وساج): الساج هو الطيلسان الأخضر. وقيل: الطيلسان اللقور، ينسج كذلك. (لن تسبقني بها): أي لن تفوتها علي. (باب اللد): في النهاية: لد موضع بالشام، وقيل بفلسطين. (الفرقدة): هو ضرب من شجر العضاء وشجر الشوك. (كالشررة): واحدة الشرر. وهو ما يتطاير من النار. =

في أمَّتي حكَماً عدْلاً، وإماماً مُقسِطاً. يدقُّ الصليب، ويذبح الخنزر، ويضع الجِزيَة، ويترك الصدَقَة، فلا يسعى على شاةٍ ولا بعيرٍ. وتُرْفَع الشحْناء والتباغُض، وتُنْزَع حُمَةُ كل ذاتِ حُمَةٍ، حتى يُدْخِل الوليد يده في الحيَّة، فلا تضُرُّه. وتُفِرُّ الوليدة الأسد، فلا يضُرُّها. ويكون الذئب في الغنم كأَّنه كلبها. وتُمْلَأُ الأرضُ من السِّلم كما يُمْلَأُ الإناء من الماء. وتكون الكلمة واحدةً, فلا يُعْبَدُ إلا الله وتضع الحرب أوزارها. وتُسْلَبُ قُريش مُلكها. وتكون الأرض كفاثور الفضَّة، تُنْبِتُ نباتها بعهد آدم. حتَّى يجتمع النفر على القُطف من العنب فيُشْبِعُهم، ويجتمع النفر على الرُّمَّانة فتُشْبِعُهم. ويكون الثور بكذا وكذا، من المال. وتكون الفرس بدُرَيْهِمات" قالوا: يا رسول الله! وما يُرْخِص الفَرَس؟ قال: "لا تُرْكَبُ لحربٍ أبداً" قِيلَ له: فما يُغْلِي الثَّوْر؟ قال: "تُحْرَثُ الأرض كلَّها. وإن قبل خروج خروج الدَّحَّال ثلاث سنواتٍ شدادٍ، يُصِيبُ الناس فيها جوعٌ شديدٌ. يأمرُ اللهُ السماءَ في السنة الأولى أن تحبس ثُلثَ مطرها, ويأمُرُ الأرض فتحبِس ثُلُث نباتها. ثم يأمر السماء في الثانية، فتحبِسُ ثُلُثَي نباتها. ثمَّ يأمر الله (1)

_ = (حكماً): أي حاكماً بين الناس. (مقسطاً): أي عادلاً في الحكم. (يدق الصليب): أي يكسره بحيث لا يبقى من جنس الصليب شيء. (ويذبح الخنزير): أي يحرم أكله، أو يقتله بحيث لا يوجد في الأرض ليأكله أحد والحاصل أنه يبطل دين النصارى. (ويضع الجزية): أي لا يقبلها من أحد الكفرة، بل يدعوهم إلى الإسلام. (ويترك الصدقة): أي الزكاة، لكثرة الأموال. (فلا يسعى): قال في النهاية: أن يترك زكاتها فلا يكون لها ساع. (حمة): بالتخفيف السم. ويطلق على إبرة العقرب للمجاورة، لأن السم منها يخرج. (تفر): أي تحمله على الفرار. (وتسلب قريش ملكها): أي: تسترده من أيدي الكفرة والظلمة، لأن المهدي من قريش. (كفاثور الفضة): الفاثور: الخوان. وقيل: هو طست أوجام من فضة أو ذهب. (القطف): العنقود. وهو اسم لكل ما يقطف كالذبح والطحن. =

(1) السماء، وفي السَّنة الثالثة، فتحبس مطرها كلَّه، فلا تقطُر قطرةٌ، ويأمر الأرض، فتحبس نباتها كلَّه، فلا تُنْبِتُ خضراءَ. فلا تبقى ذات ظِلْفٍ إلَّا هَلَكَتْ إلا ما شاء الله". قيل: فما يُعِيش الناس في ذلك الزمان؟ قال: "التهليلُ والتكبيرُ والتسبيحُ والتحميدُ، ويُجْرِي ذلك عليهم مُجْرِي الطعام". قال أبو عبد الله: سمعتُ أبا الحسن الطنافسي يقول: سمعتُ عبد الرجمن المحاربي يقول: ينبغي أن يُدْفَع هذا الحديث إلى المؤدِّب، حتى يُعلمَّه الصبيان في الكتاب. 1076 - * روى الحاكم عن حُذَيفة بن أُسَيْدٍ رضي الله عنه، قال أبو الطفيل الليثي: كنت بالكوفة، فقيل: قد خرج الدَّجَّال! فأتينا حُذَيفة بن أسيد، فقلت: هذا الدَّجَّال قد خرج! فقال: اجلس فجلست، فنُودِيَ إنَّه كِذْبةُ صبَّاغ. فقال حُذَيْفة: إن الدَّجَّال لو خرج في زمانكم لرمته الصبيان بالخَذَف، ولكنه يخرج في نقصٍ من الناس، وخِفَّةٍ من الدّين، وسوء ذات بَيْنٍ، فيَرِدُ كلُّ مَنْهَلٍ، وتُطْوَى له الأرض طيّ فَرْوَة الكبش حتى يأتي المدينة فيغلب على خارجها، ويُمنَع داخلها، ثم جبلَ إيلياء فيُحاصِر عصابة من المسلمين. فيقول لهم الذي عليهم: ما تَنتظرون بهذا الطاغية أن تقاتلوه حتى تَلْحقوا بالله أو يُفْتَحَ

_ = (فلا تقطر قطرة): في المصباح؛ يتعدَّى ولا يتعدَّى. هذا قول الأصمعي. وقال أبو زيد: لا يتعدَّى بنفسه. بل بالألف. (الظلف): في المنجد: هو لما اجترَّ من الحيوانات كالبقرة والظبي، بمنزلة الحافر للفرس. 1076 - المستدرك (4/ 259، 530). وقال: هذا حديث صحيح الإسناد وأقرَّه الذهبي. والحديث موقوف لفظاً، مرفوع حُكماً. قال الشيخ عبد الفتاح. (كذبة صبَّاغ) أي كذبة كذَّاب. وأطلقوا لفظ الصبَّاغ على الكذَّاب لأنَّه يصبُغُ الحديث، أي يُلوِّنه ويُغَيِره كما يفعل الصبَّاغ بالثياب. (الحذف): صغار الحصى. (وسوء ذات بَيْنٍ): اي يخرج والعداوات متأجِّجة بين الناس: الأقارب والأباعد. (مَنْهَل): المنهل: مَوْرِدُ الماء الذي يُشرَب منه. (فروة الكبش): أي جِلْد الكبش من الغنم. وهنا كناية عن سرعة سَيْره في قطع المسافات. (إيلياء): بيت لمقدس. ويعني بجبلها: جبل الطَّور. =

لكم؟ فيأتمرون أن يقتلوه إذا أصبحوا، فيُصبِحون ومعهم عيسى ابن مريم، فيَقتل الدَّجَّال ويهزِم أصحابه. حتى أن الشَّجر والحجر والمَدَر يقول: يا مؤمن هذا يهودي عندي فاقتله. قال: وفيه ثلاثُ علامات، هو أعور، وربُّكم ليس بأعور. ومكتوبٌ بين عينيه: (كافر)، يقرأُه كلُّ مؤمنٍ أُمِّي وكاتبٍ ولا يثسخَّر له من المطايا إلا الحمار، فهو رِجسٌ على رجسٍ. ثمَّ قال: أنا لغير الدَّجَّال أخوف ُ عليَّ وعليكم! فقلنا: ما هو؟ قال: فِتَن كأنَّها قِطَع الليل المظلِم. قال: فقلنا: أي الناس فيها خير؟ قال: كلُّ غنيّ خفي. قال: فقلتُ: ما أنا بالغني ولا بالخفي، قال: فكن كابنِ اللَّبُون: لا ظَهْر فيركب، ولا ضَرْعَ فيُحْلَب. 1077 - * روى الحاكم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، ذُكِر عنده الدَّجَّال فقال: يفترق على الناسُ عند خُروجه ثلاثَ فِرقٍ: فِرقة تتبعه، وفِرقة تلْحَق بأرض آبائِها بمنابتِ الشِّيح، وفِرقة تأخذُ شطَّ الفُرات فيُقاتِلُهم ويُقاتِلُونه حتى يَجتمع المؤمنون بقُرى الشَّام، فيَبعثون إليه طلِيعة فيهم فارسٌ على فرسٍ أشقر أو أبلق، فيُقتلُون لا يرجع منهم أحدٌ. ثم إن المسيح عليه السلام ينزل فيقتله.

_ = (فهو رجس على رجس): أي فهو قذر على قذر. (خطيب مِصقع): أي كلُّ خطيب بليغ اللسان. ويريد به الخطيب البليغ الذي يُخْدَع ببلاغته وفصاحته العقول والألباب، فيريها الباطل حقّاً والحقُّ باطلاً (راكب مُوضِع): أي مُسْرِع. ويريد به من يَخفُّ ويُسرِع في الفتنة ونُصرة الباطل وتأييذ دُعاته. (كل غني خفي): أي كل غني النفس معتزل عن الناس، مُختفٍ عليهم مكانه منقطع إلى العبادة والشغل بأمور نفسه أيام الفتن والأهواء. (اللبون): الناقة ذات اللبن تُرضِعه ولدها. وابن اللَّبون هو ولدها الصغير الذي مايزال يرضع لبن أمه. فهو لضِغره لا يُمكِن أن يُركَب عليه لقتال ونحوه. ولا أن يكون فيه لبنٌ ليُحلَب فيُتضغَذَّى بلبنه. فيبقى بعيدأ عن أن يُستعان به في أمرٍ من أمور الفتنة. أهـ. من التصريح بما تواتر في نزول المسيح. 1077 - المستدرك (4/ 496 - 498). وقال: صحيح على شرط الشيْخَين. ولم يتكلَّم عليه الذهبي بشيء سوى أنه من رواية أبي الزغراء عبد الله بن هانئ. انتهى. ولا شمَّ أن أبا الزعراء ثِقة، كما صرَّح به ف "التهذيب" وغيره، فعدم، فَعدم تخريجهما عنه لا يضُّر بصحَّة الحديث. قال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة: =

ثم يخرج يأجوج ومأجوج فيموجون في الأرض فيفسدون فيها، ثم قرأ عبد الله: {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} (1). ثمّ يبعث الله عليهم دابَّة مثل النَّغف، فتدخل في أسماعهم ومناخِرهم فيموتون منها، فتُنتن الأرض منها، فيَجأُ أهلُ الأرض إلى الله، فيرسلُ الله ماءً فيُطهِّر الأرض منهم، ثم يبعث الله ريحاً فيها زمهريرُ باردة، فلا تَدَعُ على وجه الأرض مؤمناً إلا كفأته تلك الريح. ثم تقوم الساعةُ على شِرارِ الناس. ثم يقوم ملك الصُّور بين السَّماء والأرض، فينفُخ فيه فلا يَبقى خلق لله في السماوات والأرض إلا مات إلا من شاء ربك. ثم يكون بين النفختين ما شاء الله أن يكون، فليس من بني آدم خلق إلا وفي الأرض منه شيء. ثمَّ يرسل الله ماءً من تحتِ العرش كَمِنيَ الرِّجال، فتنبتُ جسمانهم ولحمانهم من ذلك الماء، كما تنبُتُ الأرض من الرَّي، ثمَّ قرأ عبد الله: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ} (2). ثم يقوم ملك بالصور بين السَّماء والأرض، فينفخ فيه فتنطلق كل نفس إلى جسدها حتى تدخل فيه، فيقومون فيجبون تجبِيَة رجلٍ واحدٍ قياماً لربِّ العالمين. ثم يتمثَّل الله تعالى للخلق فيلقاهم، فليس أحدٌ من الخلق يعبد من دون الله شيئاًإلا وهو مرفوع له يتبعه.

_ =تعليق الذهبي على هذا كلام الحاكم إنما علَّقه على سياقة الحاكم هذه في كتاب الأهوال من "المستدرك" 4: 598 - 600، ولكن الحاكم ساقه قبل ذلك في موضعين من كتاب الفِتَن، ومن طريق أبي الزَّغراء أيضاً، مطولاً كسياقة كتاب الأهوال في 4: 496 - 498. ومختصراً في 4: 556. وقال في كلا الموضعين: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه". وأقرَّه الذهبي فرمز إلى أنه على شرطهما، فكان الذهبي جَنْح في هذين الموطنين إلى إقرار الحاكم ذهاباً منه إلى أن أبا الزغراءثقة فهو على شرطهما من حيث كونه ثقة وإن لم يُخرجا له. وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" 11: 320 بعد ذكره طرفاً من الحديث في رواية البيهقي من طريق أبي الزغراء: ورواتُه ثقات إلا أنَّه موقوف" أهـ (التصريح). والمعجم الكبير (9/ 413 - 416). مجمع الزوائد (10/ 228 - 230). وقال: رواه الطبراني وهو موقوف مخالف للحديث الصحيح وقول النبي صلى الله عليه وسلَّم: "أنا أوَّل شافع". ورواه ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، والبيهقي في "البعث والنشور"؛ الدُّر المنثور- نفسير سورة القلم (6/ 257 - 258) (1) الأنبياء: 96. (2) فاطر: 9.

فيلقى اليهود فيقول: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: نعبد عُزيراً، فيقول: هل يسرُّكم الماء؟ فيقولون نعم، فيُريهم جهنَّم كهيئةِ السَّراب، ثم قرأ عبد الله: {وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا} (1). ثم يلقي النصارى فيقول: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: المسيح، فيقول: هل يسرُّكم الماء؟ فيقولون نعم، فيُريهم جهنَّم كهيئةِ السَّراب. ثم كذلك كلُّ من كان يعبد من دون الله شيئاً، ثمَّ قرأ عبد الله: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} (2). ثم يتمثَّل الله تعالى للخلق حتى يبقى المسلمون فيلقاهم، فيقول: من تعبدون؟ فيقولون: نعبدُ الله ولا نُشرِك به شيئاً، فينْتَهِرهم مرتين أو ثلاثاً فيقول: من تعبدون؟ فيقولون: نعبدُ الله ولا نُشرِك به شيئاً، فيقول هل تعرفون ربَّكم؟ فيقولون: سبحانه إذ تعرَّف لنا عرفناه، فعند ذلك يُكْشَفً عن ساق، فلا يبقى مؤمنٌ إلا خرّ لله ساجداً ويبقى المنافقون ظُهورهم طبقٌ واحد، كأنما فيها السفافيد، فيقولون: ربَّنا! قد كنتم تُدعَون إلى السجود وأنتم سالمون. ثمَّ يأمر الله سبحانه بالصراط، فيُضرَب على جهنَّم، فيمرُّ الناس بقدر أعمالهم زُمراً أوائلهم كلمحِ البرق، ثمَّ كمرِّ الريح، ثمَّ كمرِّ الطير، ثمَّ كأسرع البهائم، ثم كذلك حتى يمرُّ الرَّجل سعياً، حتى يمرُّ الرجل مشياً حتى يجيء آخرهم رجلٌ يتلبَّط على بطنه، فيقول، يا رب لمَ أبطأتَ بي؟ فيقول: لم أُبطِئ بك، إنَّما أبطأبك عملك! ثم يأذن الله تعالى في الشفاعة، فيكون أوَّل شافع روح القُدُس جبريل، ثمّ إبراهيم خليل الله، ثم موسى، أو قال: عيسى، ثمَّ يقوم نبيكم رابعاً، لا يشفع أحدٌ بعده فيما يشفع فيه وهو المقام المحمود الذي وعده الله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} (3). فليس من نفسٍ إلا وهي تنظر إلى بيتٍ في الجنَّة، وبيتٍ في النَّار، وهو يوم الحسرة!

_ (1) الكهف: 100. (2) الصافات: 24. (3) الإسراء: 79.

فيُرى أهل النار البيت الذي في الجنَّة فيقال: لو عملتم؟! فتأخذهم الحسرة! ويرى أهل الجنَّة البيت الذي في النَّار فيقال: لولا أن مَنَّ الله عليكم. ثمّ يشفع الملائكة والنبيُّون والشهداء والصالحون والمؤمنون فيُشفِّعهم الله تعالى. ثمّ يقول الله: أنا أرحم الراحمين. فيجرخ من النار أكثر مما أخرج من جميع الخلق برحمته، حتى لا يترك فيها أحداً فيه خير. ثم قرأ عبد الله: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} (1). فعقد عبد الله بيده أربعاً ثم قال: هل ترون من هؤلاء أحداً فيه خير؟ لا، وما يترك فيها أحدٌ فيه خير! فإذا أراد الله أن لا يُخرِج منها أحداً غير وجوههم وألوانهم، فيجيء الرجل من المؤمنين فيُشَفَّع، فيقال له: من عرف أحداً فليُخرِجه. فيجيء الرجل فينظر فلا يعرِف أحداً، فيناديه الرجل فيقول: يا فلان أنا فلان. فيقول: ما أعرِفك. فعند ذلك يقولون: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} (2) فيقول عند ذلك: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} (3). فإذا قال ذلك أُطبِقت عليهم فلا يُخرَج منهم أحدٌ! شرح الشيخ عبد الفتاح وتعليقاته: (الشّيح): يعني: البدية، إذ الشِّيح: نبْتٌ يخرج في البادية. (الطَّليعة): جماعة يتقدَّمون الجيش ليكشفوا أحوال العدو. (أبلق): أي فيه سواد وبياض. (النغف): هو دُودٌ يكون في أنوف الإبل والغنم. (يجأرون): أي يتضرَّعون إلى الله بالدعاء. (الزمهرير): شِدَّة البرد، ووصْفة بالباردة نظراً لمعناه وإشارة إلى بالغ برودته. وفي

_ (1) المدثَّر: 42 - 46 (2) المؤمنون: 107. (3) المؤمنون 108.

رواية للحاكم: 4: 556، "زمهرير بارد". (كفأته): أي أمالته ميتاً بلُطفٍ وراحة. (الصُّور): هو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام. قوله: (فليس من بني آدم خلق إلا وفي الأرض منه شيء) (أي ليس من بني آدم مخلوقٌ إلا وفي الأرض جزءٌ منه. وهذا الجزء كما قال سفيان الثوري: (عَجْبُ الذنب) كما في (تذكرة القرطبي) و (مختصرها) للشعراني ص 40. وعَجْب الذّنب- ويقال: عجم الذَّنب بالميم-: هو عظم لطيف كحبَّة الخردل في أصل الصُّلب، وهو رأس العُصْعُص بين الأليتين، وهو مكان الذَنَب من الحيوانات ذوات الأربع، كما قاله الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) 8: 424. قد روى البخاري 8: 424، ومسلم 18: 92 عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قال: "كل ابن آدم يأكله التُّراب إلا عَجْب الذَّنْب، ومنه خُلِق، ومنه يُرَكَّب الخلق يوم القيامة". قال الحافظ ابن حجر: "قال الشيخ ابن عقيل الحنبلي: لله عز وجلّ في هذ سرٌّ لا نعلمه، لأنّ من يُظهر الوجود من العدَم لا يحتاج إلى شيءٍ يبني عليه". انتهى. (كمني الرجال): أي من حيثُ شكله وصورته، لا من حيث الحقيقة. ويُقال لذلك الماء: ماءُ الحياة، مطر الحياة. (جسمانهم ولحمانهم): أي أجسادهم ولحومهم. (من الرَّي): أي من ارتوائها بالماء. وفي رواية "من الثَّرى" أي التُّراب النديّ. (فيجيبون): أي يضعون أيديهم على رُكبَهُم وهم قائمون. كما في "النهاية". (يتمثَّل الله تعالى للخلق): أي يتجلَّى لهم سبحانه. (السَّراب): ما تراه في شدَّة الحر على وجه الأرض كالماء.

تعليقاُ على قوله: (من كان يعبد من دون الله شيئاُ): "وفي حديث أبي هريرة عند البخاري 13: 357 ومسلم 3: 18 قوله صلى الله عليه وسلَّم: "يجمع الله الناس يوم القيامة فيقول: من كان يعبُد شيئاً فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمسُ الشمسَ، ويتبع من كان يعبد القمرُ القمرَ، ويتبع من كان يعبد الطواغيتُ الطواغيتَ، وتبقى هذه الأمَّة فيها شافعوها". وفي حديث أبي سعيد الخدري 13: 358 ومسلم 3: 26 قوله صلى الله عليه وسلَّم: "ثم ينادي منادٍ: ليذهب كلُّ قومٍ إلى ما كانوا يعبدون، فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم، وأصحاب الأوثان مع أوثانهم، وأصحاب كل آلهة مع ألهتم، فلا يَبقى أحدٌ كان يعبد غير الله سبحانه من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النَّار". (إذا تعرَّف لنا عرفناه): "أي إذا ظهر لنا على وجه لا يشبه المخلوقين، في مُلكٍ لا ينبغي لغيره، وعظَمةٍ لا تشبه شيئاً من مخلوقاته: عرفناه أنه ربَّنَا سبحانه فيتجلَّى لهم سبحانه، فإذا تجلَّى فلا يبقى مؤمناً إلآ خرَّ له ساجداً". تعليقاً على قوله: (فيكشف عن ساق): "وفي صحيح مسلم" 3: 27 - 28 من حديث أبي سعيد الخدري قوله صلى الله عليه وسلَّم:: "فيُكشَف عن ساقٍ، فلا يبقى من كان يسجُد لله من تلقاء نفسه إلا أَذِنَ الله له بالسجود- أي سهَّل له وهوَّن عليه- ولا يبقى من كان يسجُد اتقاءً ورِياءً إلا جعل الله ظهره طبقةً واحدةً، كلَّما أراد أن يسجُدَ خرَّ على قفاه". (السفافيد): هي جمع سفُّود، وهو الحديدة التي يُشْوى فيها اللحم. (يأمر الله سبحانه بالصراط): أي يأمر الله سبحانه أن يُضرَب الجِسر على جهنَّم ليعبر

المؤمنون عليه إلى الجنَّة. وفي حديث أبي سعيد الخدري عند البخاري 13: 359 ومسلم 3: 29 قلنا: يا رسول الله وكما الجسر! قال: ""0 مَدْحضة مَزَلَّة- أي تَزْلق عليه الأقدام وتزِلُّ- عليه خطاطيف وكلاليب وحسك- شوكٌ صُلبٌ من حديد- لها شوكة عقيفة- ملتوية- فيمرّ المؤمنون كطرف العين، وكالبرق، وكالريح، وكالطير، وكأجاويد الخيل والرِّكاب، فناجٍ مسلمٌ، ومخدوشٌ مرسَلٌ- أي مطلق من العذاب بعد أن أصابه- ومكدوس- مدفوع مصروع- في نار جهنَّم". (زمراً): أي جماعات. (سعياً): أي ركضاً. (يتلبط): أي يتقلَّب على بطنه. تعليقاً على قوله: (ثمَّ يقوم نبيُّكم رابعاً): قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" 11: 319 عقب حديث ابن مسعود: وهذا الحديث لم يُصرَّح برفعه، وقد ضعّفه البخاري وقال: المشهور قوله صلى الله عليه وسلَّم: "أنا أوَّل شافع". ثمّ قال الحافظ ابن حجر: وعلى تقدير ثبوته فليس من طُرُقه التصريح بأنَّه المقام المحمود. انتهى. قلت: في السياقة المذكورة التصريحُ بذكر المقام المحمود، فالحق ما قاله الإمام البخاري والحافظ الهيثمي. تعليقاً على قوله: (فيُرى أهل النار البيت الذي في الجنَّة ... ويُرى أهل الجنَّة البيت الذي في النار): عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: "لا يدخل أحدٌ الجنَّة إلا أُرِيَ مقعده في النار- لو أساء* ليزداد شكراً. ولا يدخل أحد النار أحدٌ إلا أُرِيَ مقعده في الجنَّة-

لو أحسن- ليكون عليه حسرة" رواه البخاري 11: 384. (فيه خير): أي إيمان ولو كحبَّة خردل. يعني يُخرِج الله من النار- بعد خروج الذين عُذِّبوا فيها من المؤمنين بشفاعة الأنبياء والملائكة والصالحين ... - كلُّ من كان في قلبه إيمان بالله ولو كحبَّة خردل، ولكن بعد أن يُصيبَه من عذاب جهنَّم ما يُصيبه! اهـ. (التصريح بما تواتر في نزول المسيح). أقول: رأينا ملاحظة ابن حجر على بعض ما وَرَدَ في حديث ابن مسعود الأخير وموافقة الشيخ عبد الفتَّاح له، والحديث بشكل عام يعرض علينا مشاهد مما يكون قبل يوم القيامة ومما يكون بعدها، وكثير من مشاهده تحتاج إلى وضعها في الإطار الكلِّي لما يكون بين يدي الساعة وما بعدها، وقد مرَّ معنا وسيمرُّ معنا ما يوضِّح هذا الإطار الكلِّي, ونعرف محل كل جزء من الحديث بالنسبة للإطار الكلِّي. والمشهور عند لعلماء أنَّ المقام المحمود هو الشَّفاعة لفصل الخطاب ثمَّ الشفاعة لعبور الصراط، ثمَّ الشفاعة لدخول الحنَّة، والحديث وصف المقام المحمود بغير ذلك، وهو محمول على مقام محمود لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم عامَّةً وليس المراد به المقام المحمود المخصوص بالذِّكر في النصوص، ولا مانع أن تكون هناك شفاعة من الشفاعات يكون البادئ فيها جبريل عليه السلام ويكون رسولنا عليه الصلاة والسلام هو الرابع، وهذه غير الشفاعة التي يكون فيها رسولنا عليه الصلاة والسلام هو أوَّل الشافعين.

فوائد ومسائل

فوائد ومسائل (1) قال ابن كثير في كتابه (النهاية في الفِتَن والملاحِم): قد سأل سائل سؤالا فقال: ما الحكمة في أن الدجَّال مع كثرة شرِّه وفجوره وانتشار أمره ودعواه الربوبيَّة وهو في ذلك ظاهر الكذب والإفتراء وقد حذِّر منه جميع الأنبياء لم يُذكَر في القرآن ويُحذَّر منه ويُصرَّح باسمه ويُنَوَّه بكذبه وعناده؟ والجواب: من وجوه، أحدها: أنه قد أُشِير إلى ذكره في قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} (1) الاية. قال أبو عيسى الترمذي (2) عند تفسيرها: حدَّثنا عبد بن حميد حدَّثنا يعلي بن عُبيد عن فضيل بن غزوان عن أبي حازم عن أبي هُريرة عن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال: "ثلاثٌ إذا خرجنَ لم ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً: الدَّجَّال والدَّابة وطلوع الشمس من المغرب أو من مغاربها". ثم قال: هذا حديث حسن صحيح. الثاني: أن عيسى ابن مريم ينزل من السماء الدنيا كما تقدَّم وكما سيأتي وقد ذُكِر في القرآن نزوله في قوله تعالى: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا

_ (1) الأنعام: 158 (2) الترمذي (5/ 264) 48 - كتاب التفسير، 7 - باب "ومن سورة الأنعام".

لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} (1). وقد قرَّرنا في التفسير أن الضمير في قوله قبل موته عائد على عيسى أي سينزل إلى الأرض ويؤمن به أهل الكتاب الذين اختلفوا فيه اختلافاً متبايناً؛ فمِن مُدَّعي الإلهيَّة كالنصارى، ومن قائل فيه قولاً عظيماً وهو أنه وُلِدَ رِيبَةً وهم اليهود، فإذا نزل قبل يوم القيامة تحقَّق كل من الفريقين كذب نفسه فيما يدَّعيه من الافتراء ... وعلى هذا فيكون ذِكر نزول المسيح عيسى ابن مريم إشارة إلى المسيح الدَّجال شيخ الضلال وهو ضد مسيح الهدى ومن عادة العرب أنها تكتفي بِذِكر أحد الضدَّيْن عن ذكر الآخر كما هو مقرر في موضعه. الثالث: أنه لم يُذكر اسمه في القرآن احتقاراً له حيث يدَّعي الإلهيَّة وهو ليس ينافي حالة جلال الرّب وعظَمَته وكبريائه وتنزيهه عن النقص فكان أمره عند الرَّب أحقر من أن يُذكر وأصغر وأدخر من أن يُحكى عن أمر دعواه ويحذِّر؛ ولكن انتصر الرُّسل بجناب الرَّب عز وجل فكشفوا لأمَمِهم عن أمره وحذَّروهم ما معه من الفتن المُضِلَّة والخوارق المضمحلَّة فاكتُفِيَ بإخبار الأنبياء، وتواتر ذلك عن سيد ولد آدم إمام الأتقياء عن أن يذكر أمره الحقير بالنسبة إلى جلال الله في القرآن العظيم، ووكَّلَ بيان أمره إلى كل نبيٍّ كريم. أ. هـ. (النهاية). (2) مرَّ معنا حديث المغيرة بن شُعبة والذي فيه عن الدَّجَّال: "وهو أهون على الله من ذلك". وقد علَّق ابن كثير في النهاية على هذا الحديث فذكر رواية مسلم، وذكر أنَّ البخاري رواه أيضاً، ومن كلامه: عن المغيرة بن شُعبة قال ما سأل أحد النبي صلى الله عليه وسلَّم عن الدَّجَّال أكثر مما سألته، قال وما سؤالك؟ قال: إنهم يقولون: إن معه جبالاً من خبزٍ ولحمٍ ونهراً من ماء؟ قال: "هو أهون على الله من ذلك".

_ (1) النساء 157 - 159.

وقد تقدَّم حديث حُذَيْفة وغيره أن ماءه نار وناره ماء بارد وإنما ذلك في رأي العين، وقد تمسَّك بهذا الحديث طائفة من العلماء كابن حزم والطحاوي وغيرهما في أنّ الدَّجَّال ممخرق مموِّه لا حقيقة لما يُبْدِي للناس من الأمور التي تُشَاهَد في زمانه بل كلها خيالات ضد هؤلاء. والذي يظهر من الأحاديث المتقدمة أن الدَّجَّال يمتحن الله به عباده بما يخلقه معه من الخوارق لمشاهدة في زمانه كما تقدَّم أن من استجاب له يأمر السماء لتمطرهم والأرض فتنبت لهم زرعاً تأكل منه أنعامهم وأنفسهم وترجع إليهم سٍماناً ومن لا يستجيب له ويرد عليه أمره تصيبهم السنة والجدب والقحط والعلَّة وموت الأنعام ونقص الأموال والأنفس والثمرات. وأنَّه تتبعه كنوز الأرض كيعاسيب النحل. ويقتل ذلك الشاب ثم/َّ يُحييه. وهذا كله ليس بمخرقة بل له حقيقة امتحن الله به عباده في ذلك الزمان فيُضِلّ به كثيراً ويهدي به كثيراً، يكفر المرتابون، ويزداد الذين آمنوا إيماناً. وقد حمل القاضي عياض وغيره على هذا المعنى معنى الحديث: "هو أهون على الله من ذلك". أي هو أقل من أن يكون معه ما يُضِلُّ به عباده المؤمنين. وما ذاك إلا لأنه ظاهر النقص والفجور والظُّلم، وإن كان معه ما معه من الخوارق. أهـ (النهاية). (3) قال الشيخ عبد الفتَّاح أبو غدة: وقد بيَّن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم اوصاف هذا الدَّجَّال وأحواله وأفعاله ونهايته أوفى بيان، ... وإليك بعض أحواله كما ذكره الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" 13: 86 و 89 - 90 مما رواه- خاصَّةً- الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: إنَّ النبي صلى الله عليه وسلَّم قال: "إنَّه يهودي، وإنَّه لا يُولد له ولد، وإنَّه لا يدخل المدينة ولا مكَّة". رواه

مسلم في "صحيحه" 18: 50، "وإنَّ عينه اليمنى عوراءُ، جاحظة، لا تخفى، كأنها نُخاعة- أي نُخامة- في حائط مُجَصَّص، عينه اليسرى كأنها كوكبٌ دُرِيٌ- يعني شدَّة اتقادها- معه من كل لسان، ومعه صورة الجنَّة خضراء تجي فيها الماء، وصورة النار سوداء". رواه أحمد في "مسنده" 3: 79، "وبين يديه رَجُلان يُنذران أهل القرى، كلما خرجا من قرية دخل أوائله" رواه أبو يعلي والبزَّار. وذكر الحافظ ابن حجر موطن خروجه فقال في "فتح الباري" أيضاً 13: 79: وسيكون خروجه مِن قِبَل المشرق جزماً، ثمَّ جاء في رواية أنه يخرج من خُراسان، أخرج ذلك أحمد والحاكم من حديث أبي بكر، وفي رواية أخرى أنه يخرج من أصبهان، أخرجها مسلم. ويخرج أولاً فيدَّعي الإيمان والصلاح، ثم يدَّعي النُّبُوَّة، ثمَّ يدعي الإلهيَّة!. ثم قال الحافظ رحمه الله تعالى في "فتح الباري" 13: 91 - 93 "قال الخَطَّابي: فإن قيل كيف يجوز أن يُجرِي الله الآية على يد الكافر؟ فإنَّ إحياء الموتى آية عظيمة من آيات الأنبياء، فكيف ينالها الدَّجَّال وهو كذاب مُفْترٍ يدَّعي الربوبيَّة؟ " فالجواب: أنه على سبيل الفتنة للعباد، إذ كان عندهم ما يدُلُّ على أنه مُبْطِل غير محقٍّ في دعواه، وهو أنه أعور، مكتوب على جبهته: كافر، يقرأه كل مسلم. فدعواه داحضة مع وسم الكفر، ونقص الذات والقَدْر، إذ لو كان إلهاً لأزال ذلك عن وجهه وآيات الأنبياء سالمة من المعارضة، فلا يشتبِهان" ثمّ قال الحافظ ابن حجر بعد كلام الخطابي هذا: وفي الدَّجَّال دلالةٌ بيِّنةٌ- لمن عقِلَ- على كذبه، لأنه ذو أجزاءٍ مؤلفة، وتأثير الصَّنعة فيه ظاهر، مع ظهور الآفة به من عور عينيهِ، -أي عيبهما- فإذا دعدا الناس إلى أنَّه ربهم، فأسواء حال من يراه من ذوي العقول أن يعلم أنه لم يكن ليُسَوِّي خلق غيره ويُعدِّلَه ويُحسِّنه ولا يدفع النقص عن نفسه. فأقل ما يجب أن يقول: يا من يزعم أنه خالق السماء والأرض، صوِّر نفسك وعدِّلها، وأزل عنها العاهة! فإن زعمت أن الرَّب لا يُحدِث في نفسه شيئاً فأزِل ما هو مكتوبٌ بين عينيك! ثم قال الحافظ رحمه الله تعالى: وقال القاضي عِيَاض: في هذه الأحاديث حُجَّة لأهلِ

الشُّنَّة في صحَّة وجود الدجَّال، وأنَّه شخص معيَّن، يبتلي الله به العباد، ويُقدِره على أشياء كإحياء الميت الذي يقتله، وظهور الخِصب، والأنهار، والجنَّة والنَّار، واتِّباع كنوز الأرض له فتُنبِت، وكل ذلك بمشيئة الله تعالى، ثم يُعجِزَه الله فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره، ثم يُبطِل أمره، ويقتله عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام. وقال الشيخ أبو بكر بن العربي: الذي يظهر على يد الدَّجَّال من الآيات: من إنزال المطر والخِصب على من يُصدِّقه، والجدب على من يكذِّبه، واتباع كنوز الأرض له، وما معه من جنَّةٍ ونار، ومياه تجري، كل ذلك مِحْنة من الله واختبار، ليهلك المرتاب وينجو المتيقِّن، وكل ذلك أمر مُخوِّف، ولهذا قال صلى الله عليه وسلَّم: "لا فِتنة أعظم مِن فِتنة الدَّجَّال، وكان صلى الله عليه وسلَّم يستعيذُ منها في صلاته تشريعاً لأمته صلى الله عليه وسلَّم". وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى في "شرح صحيح مسلم" 18: 58 - 59، بعد ذِكر أحاديث الدَّجَّال ... [وبعد ذِكر كلام القاضي عِياض السابق ذكره]: هذا مذهب أهل السُّنَّة والجماعة وجميع المحدِّثين والفقهاء والنُّظَّار خلافاً لمن أنكره وأبطل أمره من الخوارج والجهْميَّة وبعض المعتزلة .. أهـ (التصريح). أقول: وقد ذهب بعض أهل العصر إلى مقولة لم يقلها أحد من قبل، فأّوَّل أحاديث الدجَّال بأن المراد بها الحضارة الغربيَّة لأنَّها حضارة عوراء وهو تأويل يكفر به من يعتقد أن النصوص لا تحتمل ذلك بحال من الأحوال، وهي نصوص متواترة والإجماع منعقد على أنها تصف شخصاً بعينه، وهناك فارق بين ما يحتمل التأويل وبين ما لا يحتمله، وهذا الفارق لا يعرفه إلا الراسخون في العلم، فإذا تنطَّع له من ليس مظنة العلم والاستقامة ضلَّ وأضَلَّ. وهل الفِرَق الباطنية المجمع على كفرها إلا أصحاب التأويل الفاسد الذي يُخرِج قطعيات الشريعة إلى معانٍ أخرى؟!

(4) قال الشيخ عبد الفتَّاح تعليقاً على قوله عليه الصلاة والسلام: "يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة .. ": (وقال العلامة ابن ملك: "وهذا القول في تفسير امتداد الأيام الثلاثة جارٍ على حقيقته، لا امتناع فيه، لأن الله قادرٌ على أن يزيد كل جزء من أجزاء اليوم الأوَّل حتى يصير مقدار سنة، خارقاً للعادة، كما يزيد في أجزاء ساعة من ساعات اليوم". وقال العلامة علي القاري في "المرقاة شرح المشكاة" 5: 195 بعد نقله كلام ابن ملكٍ المذكور: وهذا القول الذي قررهُ لا يفيد إلا بسط الزمان كما وقع له صلى الله عليه وسلَّم في قصَّة الإسراء مع زيادةٍ على المكان. لكن لا يخفى أن كلِّ صلاة إنما هو وقتها المقدَّر من طلوع صبح، وزوال شمس، وغروبها، وغيبوبة شفقها، وهذا لا يُتَصوَّر إلا بتحقُّق تعدُّد الأيَّام والليالي على وجه الحقيقة، وهو مفقود. فنقول- وبالله التوفيق ومنه المعونة في التحقيق- قد تبيَّن لنا بإخبار الصادق المصدوق صلوات الله تعالى وسلامه عليه أنَّ الدَّجَّال يبعث معه من المشبهات ويفيض على يديه من التمويهات. ما يسلب عن ذوي العقول عقولهم، ويخطف من ذوي الأبصار أبصارهم، فمن ذلك تسخير الشياطين له، ومجيئه بجنَّة ونار، وإحياء الميت على ما يدَّعيه، وتقويته على من يُريد إضلاله تارةٌ بالمطر والعُشب، وتارةٌ بالأزمة والجدب. ثم لا خفاء أنه أسحر الناس، فلم يستقم لنا تأويل هذا القول إلا أن نقول: إنه يأخذ بأسماع الناس وأبصارهم، حتى يُخَيَّل إليهم أن الزمان قد استمرَّ على حالةٍ واحدة: إسفارٌ بلا ظلام، وصباحٌ بلا مساء، يحسبون أن الليل لا يمدُّ عليهم رِواقه، وأن الشمس لا تطوي عنهم ضياءها، فيبقون في حيرة والتباس من امتداد الزمان، ويدخل عليهم دواخل باختفاء الآيت الظاهرة في اختلاف الليل والنهار، فأمرهم صلى الله عليه وسلَّم أن يجتهدوا عند مصادمة تلك الأحوال، ويُقدِّروا لكل صلاةٍ قدرها، إلى أن يكشف الله عنهم تلك الغُمَّة. هذا الذي اهتدينا إليه من

التأويل، والله الموفق لإصابة الحق وهو حسبنا ونعم الوكيل. انتهى) أهـ (التصريح). أقول: الذي ذهبت إليه أثناء العرض للنصوص أن اليوم الأول كَسَنة في الشِّدة واليوم الثاني كشهر في الشِّدة واليوم الثالث كأسبوع في الشِّدة، وبكلام فضيلة الشيخ عبد الفتاح أصبح أمامك اتجاهان يمكن أن يحمل عليهنا النص، ولا يبعد أن يكون هناك سبب وراء ذلك الطول في تلك الأيام، فالذي دعانا إلى حمل هذه النصوص على غير ظاهرها نصوص أخرى من ناحية، ومن ناحية أخرى أن بقاء يوم مستمر سنة كاملة قبل طلوع الشمس من مغربها لا يُستغرَب معه أن تطلع الشمس من مغربها بعد ذلك، مع أن الشارع رتب على هذه القضية ما رتَّب، ثم إذ لم تكن المسألة محمولة على شيءٍ ما لا نستطيع تصوره فإن اليوم الذي كسنة في حق بعض الناس سيكون منيراً في حقهم مظلماً بحق ناس آخرين بسبب كروية الأرض، فهذه الأشياء وأمثالها دعت إلى التأويل أو إلى التفسير مع احتمال أن يكون للمسألة سرها الذي يُعَرَّف في إبانه، ولذلك فمع أننا ذهبنا إلى ما ذهبنا إليه ونقلنا ما نقلناه فإننا نرجِّح التسليم خاصةً وسياق النصوص ليس صالح للتأويل. (5) تعليقاً على قوله عليه الصلاة والسلام: "وآخر أيامه كالشررة". الوارد في حديث ابن ماجه عن أبي أمامة قال الشيخ عبد الفتاح حفظه الله: هذا يخالف ما تقدَّم في حديث النوَّاس بن سمعان، فقد جاء فيه أن إقامة الدجَّال في الأرض: "أربعون يوماً، يومٌ كَسَنة، ويومٌ كشهر، ويومٌ كجمعة، وسئر أيامه كأيامكم". وهو حديث صحيح أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه والإمام أحمد كما تقدَّم. وحديث أبي أُمامة هذا- على صحته- في سنده مقال فيُقدَّم عليه الحديث الصحيح الذي لا كلام في سنده. والظاهر أن ما وقع في هذا الحديث من مغايرة للحديث الصحيح في مُدَّة ُمُكْثِ الدَّجَّال في الأرض: إنما هو من اشتباه بعض الرُّوَاة وتصرفاتهم، كما قرَّره المؤلِّف الإمام الكشميري

رحمه الله تعالى في قاعدةله تراها في كتابه "فيض الباري على صحيح البخاري" (4: 44 - 47). وبعد ما استظهرتُ هذا الاستظهار رأيتُ حديثَ أبي إمامة في "مستدرك الحاكم" 4: 536 - 537، وقد جاء في تحديد مكث الدجال موافقاً لما جاء في "صحيح مسلم"، ولفظه: "وإن أيامه أربعون، فيومٌ كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، ويوم كالأيام، وآخِرُ أيامه كالسَّراب، يُصبِح الرَّجُل عند باب المدينة فيُمسي قبل أن يبلغ بابها الآخر". فجزمت بأن الرواية الواقعة في "سنن ابن ماجه" وقع فيها اشتباهٌ وتصرفٌ من بعض الرواة، كما قرَّره شيخ شيوحنا المؤلِّف إمام العصر الكشميري في قاعدته المشار إليها، فرحمةُ الله عليه ورضوانه العظيم، وجَزَى الله خير الجزاء أستاذنا العلامة المفيد الشيخ محمَّد بدر عالَم على تبسيطه قاعدة شيخه المؤلِّف الإمام الكشميري فيما علَّقه عليها. وعلى فرض قبول هذه الرواية مع التحديد لإقامة الدَّجَّال قال العلامة علي القاري في "المرقاة شرح المشكاة" 5: 211 "ولعلَّ وجه الجمع بين الروايتين اختلاف الكميَّة والكيفيَّة، كما يُشيرُ إليه قوله: السنة كشهر. فإنه محمول على سرعة الانقضاء، كما أن ما سبق من قوله: يومٌ كسنةٍ، محمولٌ على أنَّ الشِّدَّة في غاية الاستقصاء، على أنه يمكن اختلافه باختلاف الأحوال والرِّجال. انتهى. أهـ (التصريح). أقول: ما ذكره الشيخ ملا علي القاري يمكن أن نستأنس به لِما ذهبنا إليه أن اليوم الأوَّل كسنة في الشِّدَّة، وهكذا، ومن المعروف أن استغراق الإنسان في أمر ما ينسيه الوقت فلا يحس به، ولذلك كان الشعور بالوقت نسبيَّاً، فمن كان شِدَّة أحسَّ بطول الوقت ومن كان في لذَّة لم يشعر بالوقت، ومن كان مستغرقاً في أمر لم يحس بمرور الزمن، فلعلَّ المراد هو ذلك. (6) قال الشيخ عبد الفتاح في السؤال والجواب الواردين: "ما إسراعه في الأرض؟ قال كالغيث استدبرته الريح ... ":

الدجال في سطور

(وفي رواية "الدُّر المنثور" للسيوطي 4: 237 "كالغيث يشتدُّ به الريح". والمراد بالغيث هنا: الغيم، إطلاقاً للمُسَبِّب على السبب، أي يُسرع في الأرض إسراع الغَيْم تسوقه الريح بقوَّة وعنف. وإنَّما يُسرعُ هذا الإسراع كي لا يتأمَّل الرُّعاع المغترُّون به حاله ودلائل نقصه وعيوبه، فينكشفَ لهم دَجَلَه، ويتَّضح لهم كذبه، وتبطل عندهم دعاويه الباطلة المزوَّرة) أهـ (التصريح). (7) قال الشيخ عبد الفتاح حفظه الله: وقد عقد العلامة السَّفَارينيُّ المتوفِّي سنة 1188 رحمه الله تعالى في شرح منظومته في العقيدة المسمَّى "لوامع الأسرار البهيَّة" 2: 106 تنبيهاتٍ، وقال: التنبيه الثالث: مما ينبغي لكل عالمٍ: أن يبِثَّ أحاديث الدَّجَّال بين الأولاد والنساء والرِّجال، وقد قام الإمام ابن ماجه: سمعتُ المحاربي يقول: ينبغي أن يُدفع هذا الحديثُ يعني حديث الدَّجَّال إلى المؤدِّب حتى يعلمَّه الصبيان في الكُتَّاب. وقد وردَ أن من علامات خروجه نسيان ذكره على المنابر. وقد أخرج الإمام أحمد وابن خزيمة وأبو يعلي والحاكم عن جابر بن عبد الله مرفوعاً: "يخرج الدَّجَّال في خِفةٍ من الدين، وإدبارٍ من العلم". فينبغي لكلِّ عالِم التذكير به ولا سيما في زماننا هذا الذي اشرأبَّت فيه الفِتَن، وكثُرَت فيه المِحَن، واندرسَت فيه معالم السُّنَن، وصارت السُّنَّة فيه كالبِدَع، والبدعةُ شرع يُتَّبَع!). أهـ (التصريح). (8) الدَّجَّال في سطور تأليف العلَّامة الشيخ محمَّد شفيع، وننقله هنا من التصريح مع شيءٍ من الحذف: * خروج الدَّجَّال قبل نزول عيسى عليه السلام: - يخرج الدَّجَّال من بين الشام والعراق.

* أمارات الدَّجَّال وأوصافه: - مكتوب بين عينيه كافر بشكل ك ف ر. - يكون أعور العين اليسرى. - بعينه اليمنى ظفرة غليظة. - يدور في جميع أنحاء العالم. - ولا يبقى على وجه الأرض موضع محفوظ من شرِّه إلا مكَّة والمدينة. - يحرس الملائكة أبوابهما ولا يستطيع الدَّجَّال أن يدخلهما. - ويقيم حيث ينتهي السبيخة من الظريب الأحمر بعدما يدفعه الملائكة من الحرمين؟ - يأخذ أرض المدينة زلازل تُخرِج المنافقين من المدينة، ويلتحق المنافقون رجالهم ونساؤهم بالدَّجَّال. - يكون معه نهران يقول لأحدهما: أنه جنَّة. ولثانيهما: إنه النار. فمن أدخل الذي يسميه الجنَّة فهو النار، ومن أدخل الذي يسميه النار فهو الجنَّة. -يركب حماراً عرض ما بين أذنيه أربعون ذراعاً. -يكون معه شياطين تُكلِّم الناس. * أحوال الدجَّال الأكبر: - يأمر السحاب فيمطر. - وتجدب الأرض متى شاء. - يُبرئ الأكمه والأبرص. - يأمر كنوز الأرض فتخرج وتتبعه. - يقتل شاباً ويقطعه بالسَّيف نصفين ثمَّ يدعوه فيأتي حيَّاً ضاحكاً.

- يكون معه سبعون ألف يهودي، كلهم ذو سيف محلي وساج. - يقترف الناس ثلاث فِرَق: فِرقَة تتبعه، وفِرقة تلحق آبائها، وفِرقة تقاتله على شاطئ الفرات. - يجتمع المسلمون بقرى الشام فيبعثون إليه طليعة. - يكون في هذه الطليعة فارس على فرَس أشقر أو أبلق فيقتلون ولا يرجع منهم أحد. - حينما ينظر الدَّجَّال إلى المسيح عليه السلام يذوب كما يذوب الملح في الماء. - وحينئذٍ ينهزم جميع اليهود. أهـ (التصريح بما تواتر في نزول المسيح).

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلاَةُ وَالسّلامُ عَلَىَ رَسُولِ اللهِ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا، إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ راجع هذا القسم ودققه فضيلة الشيخ عبد الحميد الأحدب حفظه الله

الفقرة العشرون في: صفة المسيح ابن مريم عليه السلام ونزوله

الفقرة العشرون في: صفة المسيح ابن مريم عليه السلام ونزوله مقدمة قال تعالى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} (1) والتوفي هو: القبض، أي قابضك من الدنيا ورافعك إلي، وقد رفعه الله إلى السماء الثانية وهناك رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج، وقد غلط غلطًا كبيرًا من فسر الوفاة بالآية بالموت لأن ذلك يتعارض مع فكرة نزوله مرة ثانية إلى الأرض كما هو متواتر، فالمراد بالوفاة التنويم أو القبض أو أن الآية تشير إلى أنه معصوم من القتل فهو سيرفع إلى السماء ثم سينزل إلى الأرض ويتوفى وفاة لا كما زعم أنه قتل وصلب. قال تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} (2). فالذي قتل رجل ألقي عليه شبهه، ومن تأمل الروايات النصرانية التي تذكر القتل والصلب يعرف أنه يستحيل أن تصدر من المسيح عليه السلام التصرفات التي ظهرت من القتيل المصلوب يوم ذاك، وفي قوله تعالى: {لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ}. دليل على أن المسيح لم يمت وأنه سينزل في آخر الزمان، وأن النصارى سيؤمنون به وقتذاك. وقال تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} (3). وفي قراءة: (وإنه لعلمٌ للساعة). وقد فسر أكثر العلماء الآية بأن نزول المسيح من أعلام الساعة، وجاءت النصوص المتواترة بنزوله وقد جمعت أكثر هذه النصوص في كتاب: (التصريح بما تواتر في نزول المسيح) للشيخ محمد أنور الكشميري، وقد حققه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، وأضاف إليه وعلق

_ (1) آل عمران: 55. (2) النساء: 157 - 159. (3) الزخرف: 61.

عليه ما زاد به الكتاب قيمة على قيمته وفضلًا على فضله، وقد ذكر في الكتاب حوالي خمسة وثمانين حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وآثارًا كثيرة عن الصحابة، فنزول المسيح عليه السلام قضية متواترة يكفر منكرها، وهو عليه السلام ينزل حاكما بشريعة رسولنا عليه الصلاة والسلام، فلا يتناقض نزوله مع فكرة ختم النبوة، فهو عليه السلام ينزل تابعًا لمحمد صلى الله عليه وسلم، أخرج أحمد (1) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي". وأحاديث نزول المسيح عليه السلام مرتبطة بأحاديث ظهور الدجال وأحاديث خروج يأجوج ومأجوج وقد ذكرنا الكثير عنها في هاتين الفقرتين، ومع ذلك خصصنا هذه الفقرة لها.

_ (1) مسند أحمد (3/ 387).

نصوص

نصوص 1078 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضى الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد". زاد في رواية (1): "وحتى تكون السجدة الواحدة خيرًا من الدنيا وما فيها". ثم يقول أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ...} الآية. [النساء: 156]. وفي أخرى (2) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وكيف أنتم إذ نزل ابن مريم فيكم، وإمامكم منكم؟ ". وفي رواية (3): "فأمكم". وفي أخرى (4): "فأمكم منكم". قال ابن أبي ذئب: تدري. ما أمكم منكم؟ قلت: تخبرني. قال: فأمكم بكتاب ربكم عز وجل وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم. وفي أخرى (5) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله لينزلن ابن مريم حكما عادلًا، فليكسرن الصليب، وليقتلن الخنزير، وليضعن الجزية، ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد، وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد".

_ 1078 - البخاري (4/ 414) 34 - كتاب البيوع، 103 - باب قتل الخنزير ... الخ. مسلم (1/ 135) 1 - كتاب الإيمان، 71 - باب نزول عيسى ابن مريم ... الخ. (1) البخاري (6/ 490، 491) 60 - كتاب الأنبياء، 49 - باب نزول عيسى ابن مريم ... الخ. مسلم (1/ 135، 136) في الموضع السابق. (2) البخاري (6/ 491) 60 - كتاب الأنبياء، 49 - باب نزول عيسى ... الخ. مسلم (1/ 136) في الموضع السابق. (3) مسلم في الموضع السابق. (4) مسلم (1/ 137) في الموضع السابق. (5) مسلم (1/ 136) في الموضع السابق.

وفي رواية أبي داود (1): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس بيني وبينه" -يعنى المسيح- "نبي، وإنه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه، فإنه رجل مربوع، إلى الحمرة والبياض، وينزل بين ممصرتين، كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل، فيقاتل الناس على الإسلام، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام، ويهلك المسيح الدجال، ثم يمكث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفي، ويصلي عليه المسلمون". (الحكم): الحاكم الذي يقضي بين الناس، والأمير الذي يلي أمورهم. (مقسطا): المقسط: العادل، والقاسط: الجائر. (فيكسر الصليب): قال الشيخ عبد الفتاح: "قال الحافظ ابن حجر: أي يبطل دين النصرانية، بأن يكسر الصليب حقيقة، ويبطل ما تزعمه النصارى من تعظيمه" ا. هـ (التصريح). (ويقتل الخنزير): قال الشيخ عبد الفتاح: قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري: 4/ 343": أي يأمر بإعدام الخنزير، مبالغو في تحريم أكله. وفيه توبيخ عظيم للنصارى الذين يدعون أنهم على طريقة عيسى عليه السلام، ثم يستحلون أكل الخنزير، ويبالغون في محبته. اهـ (التصريح). (وضع الجزية) هو إسقاطها عن أهل الكتاب، وإلزامهم بالإسلام، ولا يقبل منهم غيره، فذلك معنى وضعها. (حكمًا عادلًا): قال الشيخ عبد الفتاح: أي حاكمًا عادلًا. قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" 6: 356 "والمعنى أنه عليه السلام ينزل حاكمًا بهذه الشريعة، فغن هذه الشريعة باقية لا تنسخ، بل يكون عيسى عليه السلام حاكمًا من حكام هذه الأمة. وعند الإمام أحمد من حديث عائشة: "ويمكث

_ (1) أبو داود (4/ 117، 118) كتاب الملاحم، باب خروج الدجال.

عيسى في الأرض أربعين سنة". وللطبراني من حديث عبد الله بن مغفل: "ينزل عيسى ابن مريم مصدقا بمحمد على ملته". انتهى. وقال القرطبي في "التذكرة بأحوال الآخرة" ص 678 عند ذكره لنزول سيدنا عيسى عليه السلام في آخر الزمان: قال العلماء رضي الله عنهم: وإذا نزل عيسى عليه السلام في آخر الزمان، يكون مقررا لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ومجددا لها، لأنه لا نبي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكم بشريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، لأنها آخر الشرائع، ونبيها خاتم النبيين. فيكون عيسى حكمًا مقسطًا، لأنه لا سلطان يومئذ للمسلمين، ولا إمام ولا قاضي ولا مفتي لهم، وقد قبض الله العلم وخلا الناس منه. فينزل وقد علم بأمر الله تعالى له في السماء قبل أن ينزل، ما يحتاج إليه من علم هذه الشريعة، ليحكم به بين الناس. وليعمل به في نفسه فيجتمع المؤمنون عند ذلك ويحكمونه على أنفسهم، إذ لا أحد يصلح لذلك غيره، ولأن تعطيل الحكم غير جائز، وأيضًا فإن بقاء الدنيا إنما يكون بالتكليف، فلا يزال التكليف قائمًا إلى أن لا يبقى على وجه الأرض من يقول: الله، الله. انتهى من "مختصر تذكرة القرطبي" للشعراني ص 179 - 180 من طبعة القاهرة سنة 1308. وجاء في "صحيح مسلم" 15: 174: عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى"، إلا أنه لا نبي بعدي". قال الإمام النووي في شرحه 15: 174 "قال العلماء: في هذا الحديث دليل على أن عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم، إذا نزل في آخر الزمان نزل حكما من حكام هذه الأمة، يحكم بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا ينزل نبيا ... " اهـ (التصريح). (القلاص): جمع قلوص، وهي الناقة. (الشحناء): العداوة.

(ممصرتين) ثوب ممصر: إذا كان فيه صفرة خفيفة يسيرة. (ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام): قال الشيخ عبد الفتاح "يعلق على قوله: (فيهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام) بما يلي: هذا النص في الحديث، يفيد شمول طهارة الأرض من الشرك والكفر، وانبساط الإسلام عليها، وهو يخالف ما ذهب إليه المؤلف الكشميري في كتابه "فيض الباري" 3: 195، وأنقله لينظر فيه. قال رحمه الله تعالى: "ما اشتهر على الألسنة أن دين الإسلام يبسط في زمن عيسى عليه الصلاة والسلام على البسيطة كلها، ليس في الأحاديث، والذي فيها أنه لا يقبل اليهودية والنصرانية بعد نزوله، فينقذ نفسه من أسلم، ويقتل من أبى. وهذا أيضا حيث يغزو نبي الله عيسى عليه الصلاة والسلام. وملخص الأحاديث: أن اليوم تجري الأديان الثلاثة، فإذا نزل عيسى عليه الصلاة والسلام لا يقبل إلا الإسلام، وحينئذ يكون الدين كله لله. فهذا بيان للمسألة، لا إخبار بما يكون في الخارج، فيجوز أن يبقى الكفر والكفار أيضًا، لكن إن يبلغ إليهم عيسى عليه الصلاة والسلام، لا يقبل منهم إلا دين الإسلام، لا الجزية، كما هو اليوم. ويستفاد من الأحاديث أن الغلبة المعهودة، إنما تكون في الشام ونواحيه، حيث ينزل عيسى عليه الصلاة والسلام، وفساد يأجوج ومأجوج في هذه الأطراف، والجزيرة طبرية: أيضا نحو الشام. وبالجملة: لم نجد في حديث أن عيسى عليه الصلاة والسلام أيضًا يدور في الأرض كدور الدجال، فلا تكون غلبة موعودة إلا في موضع نزوله، أما سائر البلاد فمسكوت عنها، والله تعالى أعلم بما يكون فيها. انتهى.

وقال المؤلف الكشميري أيضًا في كتابه "فيض الباري" 1: 172، عند حديث "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون": "أي لا يخلو زمان إلا وتوجد فيه تلك الطائفة القائمة على الحق، لا أنهم يكثرون في كل زمان، ولا أنهم يغلبون على من سواهم، كما سبق إلى بعض الأفهام. حتى أن غلبة الدين في زمن عيسى عليه الصلاة والسلام عندي ليس كما اشتهر على الألسنة، بل الموعود هو الغلبة، حيث يظهر عليه الصلاة والسلام فيما حواليه، أما فيما وراء ذلك فلم يتعرض إليه الحديث، والعمومات كلها واردة في البلاد التي يظهر فيها، ولا تتجاوز فيما وراءها، وإنما هو من بداهة الوهم والسبق إلى ما اشتهر بين الأنام". انتهى كلام الشيخ الكشميري، فتأمل. اهـ. (التصريح). أقول: إذا صح ما ذكره الشيخ الكشميري في تفسيره لهلاك الملل فهذا يرجح ما ذهبنا إليه أن بيننا وبين نزول المسيح عليه الصلاة والسلام أمدًا تقوم به دولة عالمية للإسلام كما ورد في مضمون بعض النصوص التي وردت معنا، ثم يحدث انحسار بالإسلام لدرجة القسطنطينية نفسها يحكمها النصارى من جديد ويفتحها المسلمون مرة أخرى، وبعد الفتح الثاني يظهر الدجال وينزل عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، ولاشك أن ذكره الكشميري في عدم وجود نصوص تدل على تحرك عالمي للمسيح حق، ولكن إذا عرفنا أن يأجوج ومأجوج وهم الذين يسيطرون على العالم وقتذاك يهلكون في زمن المسيح عليه السلام، وأن المسيح عليه السلام يقتل اليهود الذين يكونون مع الدجال، ولا يقبل من يهودي أو نصراني جزية فإن هذا يدل على هلاك للملل التي تكون في دائرة وجوده وسلطانه، وهل يعم ذلك العالم كله أو لا؟ الأمر محتمل وتفسيره وقوعه. (ثم يمكث في الأرض أربعين سنة): قال الشيخ عبد الفتاح: "يعلق على قوله: (ثم يمكث عيسى عليه السلام أربعين سنة) بما يلي: هذه الأداة العاطفة (ثم) للترتيب الذكري لا الزمني، إذ مكثه عليه السلام في الأرض

كله أربعون سنة منذ نزوله حتى وفاته، وليس ابتداؤها بعد قتله الدجال، كما هو ظاهر العبارة. قاله العلامة الشيخ ناجي أبو صالح حفظه الله تعالى". اهـ (التصريح). 1079 - * روى أحمد، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ينزل ابن مريم إماماً عادلًا وحكمًا مقسطًا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويرجع السلم ويتخذ السيوف مناجل ويذهب حمة كل ذات حمة. وينزل من السماء رزقها، وتخرج من الأرض بركتها، حتى يلعب الصبي بالثعبان ولا يضره، وترعى الغنم والذئب ولا يضرها، ويرعى الأسد والبقر ولا يضرها". 1080 - * روى الترمذي عن مجمع بن جارية الأنصاري رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يقتل ابن مريم الدجال بباب لُد". 1081 - * روى الطبراني، عن أوس بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ينزل عيسى بن مريم عند المنارة البيضاء في دمشق". 1082 - * روى مسلم، عن يعقوب بن عاصم بن عروة بن مسعود الثقفي قال: سمعت عبد الله بن عمرو رضي الله عنه -وجاءه رجل- فقال: ما هذا الحديث الذي تحدث به الناس؟ تقول: إن الساعة تقوم إلى كذا وكذا، فقال: سبحان الله! - أو لا إله إلا الله، أو كلمه نحوها- لقد هممت أن لا أحدث شيئًا أبدًا، إنما قلت: إنكم سترون بعد قليل أمرًا عظيمًا؛ يحرق البيت، ويكونُ ويكونُ. ثم سمعته يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

_ 1079 - مسند أحمد (2/ 482، 483). قال ابن كثير في النهاية: تفرد به أحمد وإسناده جيد قوي صالح. 1080 - الترمذي (4/ 515 (34 - كتاب الفتن، 62 - باب ما جاء في قتل عيسى ابن مريم للدجال. وقال: هذا حديث صحيح. وأحمد (2/ 430). وفي بعض طرقه: "إلى جانب باب لد". (لد): بلدة في فلسطين قريبة من بيت القدس. 1081 - المعجم الكبير (1/ 217). مجمع الزوائد (8/ 205). وقال: رواة الطبراني ورجاله ثقاب. 1082 - مسلم (4/ 2258، 2259) 52 - كتاب الفتن، 23 - باب في خروج الدجال ومكثه ... الخ مسند أحمد (2/ 166). =

"يخرج الدجال في أمتي، فيمكث أربعين". لا أدري -وفي رواية قال ابن عمرو: لا أدري أربعين يوما، أو شهرًا، أو عامًا- "فيبعث الله عيسى بن مريم، كأنه غزوة ابن مسعود، فيطلبه فيهلكه، ثم يمكث الناس سبع سنين، ليس بين اثنين عداوة، ثم يرسل الله عز وجل ريحًا باردةً من قبل الشام، فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال من خير أو إيمان إلا قبضته، حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلت عليه حتى تقبضه". قال: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: "فيبقى شرار الناس في خفة الطير، وأحلام السباع، لا يعرفون معروفًا، ولا ينكرون منكرًا، فيتمثل لهم الشيطان، فيقول: ألا تستجيبون؟ فيقولون: فما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان، وهم في ذلك دار رزقهم، حسن عيشهم، ثم ينفخ في الصور، فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا، ورفع ليتا، فأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله" قال: "فيصعق، ويصعق الناس". قال: "ثم يرسل الله" -أو قال: "ينزل الله مطرًا كأنه الطل، أو الظل"- نعمان [أحد رواة الحديث] يشك- "فينبت منه أجساد الناس، ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون، ثم يقال: يا أيها الناس، هلموا إلى ربكم {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} ثم يقال لهم: أخرجوا بعث النار، فيقال: من كم؟ فيقال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين" قال: "فذاك يوم يجعل الولدان شيبًا، وذلك يوم يكشف عن ساق". أقول: كثيرًا ما يحدث أثناء الكلام عن الساعة وأشراطها وعما يكون بعدها أن يطوي بعض الرواة بعض المشاهد، أو يفهم بعض الرواة عن المحدثين فهما فيصوغه بعبارته، فيحدث لبس أو وهم، فمثلًا: ورد في هذا النص قول ابن عمرو: (ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة، ثم يرسل الله عز وجل ريحًا باردة من قبل الشام فلا يبقى

_ = (كبد جبل): كبد الجبل: استعارة، والمراد: ما غمض من بواطنه. (أصغى ليتا): الليت: صفحة العنق، وإصغاءه: إمالته. ... (يصعق): يغشى عليه ويموت (الطل): الندى الذي ينزل من السماء في الصحو.

على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته) فهذه الرواية تفهم: أن بعد سبع سنين من قتل الدجال يبعث الله هذه الريح ويصفها أنها تأتي من قبل الشام مع أن المعروف المشهور: أن عيسى عليه السلام يمكث في الأرض أربعين سنة، وبعد وفته يبقى الناس على فترة من الزمان على خير، ثم تأتي ريح من قبل اليمن فتقبض روح أهل الإيمان. فالحديث يحتاج إلى توجيه ومن ثم قال الشيخ عبد الفتاح حفظه الله معقبا على رواية عبد الله بن عمرو: (ثم يمكث الناس سبع سنين) بما يلي: "هكذا جاء في جميع نسخ "صحيح مسلم" التي رجعت إليها وهي مختلفة الطبعات، وهكذا جاء في "المسند" و"الدر المنثور" و"المستدرك" في جميعها بلفظ (ثم يمكث الناس سبع سنين) برفع (الناس) على الفاعلية، وهي رواية صحيحة واضحة، ومعناها عندي- والله أعلم- أن الناس يعيشون متحابين ليس بينهم عداوة ولا بغضاء سنين طويلة، وهي أربعون سنة كما بينها رواية أبي داود وأحمد المتقدمة في ص 96، ونصها: "فيمكث- أي سيدنا عيسى- في الأرض أربعين سنة، ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون". ويكون ذكر (سبع سنين) هنا رمزًا للكثرة لا للحصر كقوله تعالى: {كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} إذ التمثيل فيها للتكثير لا للحصر، وكقوله سبحانه: {وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ}. قال الألوسي في "تفسيره" 6: 486 عند هذه الآية "المراد بالسبعة الكثرة بحيث تشمل المائة والألف مثلًا، لا خصوص العدد المعروف، كما في قوله عليه الصلاة والسلام: "المؤمن يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء". انتهى أما الرواية التي وقعت قديمًا في بعض نسخ "صحيح مسلم" بلفظ "ثم يمكث الناس سبع سنين" كما جاء منقولًا عن "صحيح مسلم" بهذا اللفظ في "مشكاة المصابيح" من طبعة الهند ص 481 ومن طبعة دمشق 3: 51 وفي نسخة "المرقاة شرح المشكاة" للعلامة على القاري 5: 227 فتحتاج إلى تأويل، إذ الضمير فيها في "يمكث سبع سنين" عائد إلى سيدنا عيسى، فلهذا علق عليها كل من الحافظ ابن كثير والحافظ ابن حجر رحمهما الله تعالى.

قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" 1: 583 "جاء في حديث عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة أن عيسى عليه السلام يمكث في الأرض بعد نزوله أربعين سنة. رواه الإمام أحمد، وفي حديث عبد الله بن عمرو عند مسلم أنه يمكث سبع سنين. فيحتمل والله أعلم أن يكون المراد بلبثه في الأرض أربعين سنة مجموع إقامته فيها قبل رفعه وبعد نزوله، فإنه رفع وله ثلاث وثلاثون سنة في الصحيح". انتهى. قلت: لكن الحافظ ابن حجر لم يرتض هذا الجمع، فلذا حط كلامه على أن مدة إقامته بعد نزوله. عليه السلام أربعين سنة إذ ذكر رواية "سبع سنين" ثم أعقبها بروايات صحيحة فيها ذكر "أربعين سنة" وسكت عليها مرتضيًا لها، وهذه عبارته في "فتح الباري" 6: 357 "روى مسلم من حديث ابن عمرو في مدة إقامة عيسى بالأرض بعد نزوله أنها سبع سنين. وروى نعيم بن حماد في كتاب الفتن من حديث ابن عباس أن عيسى إذ ذاك يتزوج في الأرض ويقيم بها تسع عشرة سنة، وبإسناد فيه راو مبهم عن أبي هريرة يقيم بها أربعين سنة، وروى أحمد وأبو داود بإسناد صحيح من طريق عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فيمكث -أي عيسى- في الأرض أربعين سنة". انتهى. فليكن هو المعول عليه، والله تعالى أعلم." اهـ (من التصريح). 1083 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تزال طائفة من أمتي، يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة" قال: "فينزل عيسى ابن مريم عليه السلام فيقول أميرهم: تعال فصل فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمة". فسر بعضهم أحاديث الطائفة بأنهم أهل الشام وممن فسرها بذلك قتادة، وعلق الشيخ عبد الفتاح على تفسير قتادة بقوله: "هذا التفسير من قتادة لـ (العصابة) هو أحد أقوال عشرة لخصها شيخنا عبد الله الغماري في "إقامة البرهان" ص 30، وحكى أن الإمام النووي في "شرح صحيح مسلم"

_ 1083 - مسلم (1/ 137) 1 - كتاب الإيمان، 71 - باب نزول عيسى بن مريم .. إلخ. وأحمد (3/ 384).

13: 63 ارتاح إلى أن هذه العصابة عامة مفرقة بين أنواع المؤمنين، فمنهم علماء محدثون، ومنهم فقهاء، ومنهم زهاد، ومنهم مجاهدون مقاتلون، ومنهم قائمون بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، إلى غير ذلك من أنواع الخير، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين في بلد واحد أو قطر واحد" اهـ (التصريح). 1084 - * روى البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم؟ " وفي رواية لمسلم (1): "فأمكم" وفي رواية أخرى (2): "فأمكم منكم". ورواه أحمد (3)؛ قال: "كيف بكم إذا نزل ... ؟ ". قال الشيخ عبد الفتاح: "قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" 6: 358: "وعند أحمد من حديث جابر في قصة الدجال ونزول عيسى: "وإذا هم بعيسى، فيقال: تقدم يا روح الله، فيقول: ليتقدم إمامكم فليصل بكم". ولابن ماجه في حديث أبي أمامة: "وكلهم- أي المسلمون- ببيت المقدس، وإمامهم رجل صالح، قد تقدم ليصلي بهم، إذ نزل عيسى، فرجع الإمام ينكص ليتقدم عيسى، فيقف عيسى بين كتفيه ثم يقول: تقدم فإنها لك أقيمت". وعند مسلم من حديث جابر: "فيقال له: صل لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة لهذه الأمة". قال الحافظ ابن حجر بعد هذه الأحاديث: "وفي صلاة عيسى خلف رجل من هذه

_ 1084 - البخاري (6/ 491) 60 - كتاب الانبياء، 49 - باب نزول عيسى ... إلخ. مسلم (1/ 136) 1 - كتاب الإيمان، 71 - باب نزول عيسى .. إلخ. (1) مسلم (1/ 136) في الموضع السابق. (2) مسلم (1/ 137) في الموضع السابق. (3) مسند أحمد (2/ 272). وذكره البيهقي في كتاب "الأسماء والصفات"، وعزاه البخاري ومسلم، ولفظه: "إذا نزل ابن مريم من السماء فيكم، وإمامكم منكم".

الأمة مع كونه في آخر الزمان وقرب قيام الساعة: دلالة للصحيح من الأقوال أن الأرض لا تخلو عن قائم لله بحجة، والله أعلم". انتهى. وقبل. في معنى (وإمامكم منكم): وهو منكم أي عيسى، فوضع الاسم المظهر موضع الاسم المضمر تعظيماً له وتربية للمهابة في النفوس". اهـ (التصريح). 1085 - * روى مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده: ليهلن ابن مريم بفج الروحاء حاجًا أو معتمرًا، أو ليثنينهما". وأخرجه أحمد في مسنده (1) ولفظه: "ينزل عيسى ابن مريم، فيقتل الخنزير، ويمحو الصليب، وتجمع له الصلاة، ويعطي المال حتى لا يقبل، ويضع الخراج، وينزل الروحاء، فيحج منها أو يعتمر أو يجمعهما". وتلا أبو هريرة رضي الله عنه: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا}. فزعم حنظلة أن أبا هريرة قال: يؤمن به قبل موت عيسى، فلا أدري هذا كله حديث النبي صلى الله عليه وسلم؟ أو شيء قاله أبو هريرة؟ وأخرجه الحاكم (2) وصححه كما في الدر المنثور ولفظه: "ليهبطن ابن مريم حكما عدلًا، وإماما مقسطًا، وليسلكن فجا حاجا أو معتمرًا، وليأتين قبري حتى يسلم علي، ولأردن عليه". يقول أبو هريرة: أي نبي أخي! إن رأيتموه فقولوا: أبو هريرة يقرئك السلام. قال الشيخ عبد الفتاح حفظه الله: "معنى (ليهلن): ليرفعن صوته بالتلبية قائلًا: لبيك اللهم لبيك، محرما بحج أو بعمرة. ومعنى (أو ليثنينهما): أو ليجمعن بين الحج والعمرة. وفج الروحاء: مكان في طريق النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى بدر. قيل يبعد عن المدينة ستة أميال.

_ 1085 - مسلم (2/ 915) 15 - كتاب الحج، 34 - باب إهلال النبي صلى الله عليه وسلم وهديه. (1) مسند أحمد (2/ 290، 291). (2) المستدرك (2/ 595)، وقال صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي.

(وتجمع له الصلاة): أي يصير هو الإمام في الصلاة مع قيامه بأعباء الإمامة العظمى. وإمامته بالصلاة إنما تكون بعد صلاته الصبح فور نزوله مؤتما بإمام المسلمين إظهارًا لكرامة هذه الأمة وفضلها. (فزعم حنظلة): هو حنظلة الأسلمي المدني، تابعي روى هذا الحديث عن أبي هريرة. ومعنى (زعم): قال صادقًا. فإن الزعم كما يطلق على القول الكذب أو المشكوك فيه، يطلق أيضًا على القول المحقق والصدق الذي لا شك فيه". اهـ (التصريح). 1086 - * روى البخاري ومسلم، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: لا والله ما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعيسى: "أحمر" ولكن قال: "بينما أنا نائم أطوف بالبيت، فإذا رجل آدم سبط الشعر، يهادى بين رجلين، ينطف رأسه ماء" أو "يهراق رأسه ماء"، "فقلت: من هذا؟ قالوا: ابن مريم، فذهبت ألتفت، فإذا رجل أحمر جسيم جعد الرأس، أعو عينه اليمنى، كان عينه اليمنى عنبة طافية، قلت: من هذا؟ قالوا: هذا الدجال، وأقرب الناس به شبها ابن قطن". قال الزهري: رجل من خزاعة هلك في الجاهلية، ليس عند مسلم قول الزهري. وفي رواية (1) قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بين ظهراني الناس المسيح الدجال، فقال: "إن الله تبارك وتعالى ليس بأعور، ألا إن المسيح الدجال أعور عين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية". قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أراني الليلة في المنام عند الكعبة، فإذا رجل آدم، كأحسن ما ترى من أدم الرجال، تضرب لمته بين منكبيه، رجل الشعر، يقطر رأسه ماء، واضعًا بيديه على منكبي رجلين، هو بينهما، يطوف بالبيت. فقلت: من هذا؟ فقالوا: المسيح ابن مريم، ورأيت

_ 1086 - البخاري (12/ 417) 91 - كتاب التعبير، 33 - باب الطواف بالكعبة في المنام. مسلم (1/ 156) 1 - كتاب الإيمان، 75 - باب في ذكر المسيح ابن مريم .. إلخ. والموطأ (2/ 920) 49 - كتاب صفة النبي صلى الله عليه وسلم، 2 - باب ما جاء في صفة عيسى ... إلخ. (1) البخاري (6/ 477) 60 - كتاب الانبياء، 48 - باب قول الله: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ ...}. مسلم (1/ 155) في الموضع السابق. والموطأ: في الموضع السابق.

وراءه رجلاً جعداً قططاً، أعور عين اليمنى، كأشبه من رأيت من الناس بابن قطن، واضعًا يديه على منكبي رجلين، يطوف البيت، فقلت: من هذا؟ فقالة: هذا المسيح الدجال". وفي رواية (1) قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "رأيت عيسى وموسى وإبراهيم عليهم السلام، فأما عيسى: فأحمر جعد، عريض الصدر، وأما موسى: فآدم جسيم سبط، كأنه من رجال الزط". (آدم): رجل آدم: شديد السمرة. (يهادى): تهادى الرجل في مشيته: إذا تمايل، ورأيت فلانا يهادى بين رجلين: إذا كان يمشي متكئا [عليهما] من ضعف وتمايل. (ينطف): أي: يقطر. (عنبة طافية): إذا كانت خارجة القد والسمت عن أخواتها في العنقود. (لمته): اللمة: شعر الرأس. (رجل الشعر): شعر رجل، أي: مسرح غير شعث. (قططاً): شعر قطط: متناهي الجعودة. (الزط): جيل من الهند والسودان، معرب "جت". قال محقق الجامع: "قال الحافظ في الفتح: اللام في قوله: "لعيسى" بمعنى "عن" وهي كقوله تعالى:

_ (1) البخاري (6/ 477) 60 - كتاب الانبياء، 48 - باب قول الله: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ ...}. هكذا في كتاب البخاري، وليس فيه ذكر إبراهيم. وقد ذكره البرقاني فيما حكله الحميدي، فقيل له: فإبراهيم؟ قال: "شبيه صاحبكم" وقال الحميدي: قال أبو مسعود [الدمشقي]: كذا في البخاري في سائر النسخ، عن مجاهد عن ابن عمر، وإنما رواه الناس عن محمد بن كثير، فقالوا: مجاهد عن ابن عباس، وعلى روايتهم اعتمد أبو بكر البرقاني، فأخرجه في مسند ابن عباس.

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} قال: وفيه جواز اليمين على غلبة الظن، لأن ابن عمر ظن أن الوصف اشتبه على الراوي، وأن الموصوف بكونه أحمر إنما هو الدجال، لا عيسى، وقرب ذلك أن كلا منهما يقال له: المسيح، وهي صفة مدح لعيسى، وصفة ذم للدجال، قال: وكان ابن عمر قد سمع سماعًا جزمًا في وصف عيسى أنه آدم، فساغ له الحلف على ذلك لما غلب على ظنه أن من وصفه بأنه أحمر واهم". اهـ. أقول: لقد مرت معنا رواية تصف المسيح عليه الصلاة والسلام بالحمرة والبياض، فليس ما رده ابن عمر في وصف المسيح صحيحًا، بل هو الحق، ولذلك استعمل ابن حجر تعبير الوهم أثناء الكلام عن موقف ابن عمر في وصفه المسيح بالسمرة ونفيه الحمرة عنه. قال محقق الجامع: "ابن قطن: رجل من خزاعة هلك في الجاهلية، قال الحافظ في "الفتح": اسمه: عبد العزى بن قطن بن عمرو بن جندب بن سعيد بن عائذ بن مالك بن المصطلق، وأمه هالة بنت خويلد، أفاده الدمياطي، قال: وقال ذلك أيضًا عن أكثم بن أبي الجون، وأنه قال: يا رسول الله هل يضرني شبهه؟ قال: "لا، أنت مسلم وهو كافر". حكاه عن ابن سعد، والمعروف في الذي شبه به صلى الله عليه وسلم أكثم بن عمرو بن لحي جد خزاعة، لا الدجال، كذلك أخرجه أحمد وغيره، وفيه دلالة على أن قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الدجال لا يدخل المدينة ولا مكة". أي في زمن خروجه، ولم يرد بذلك نفي دخوله في الزمن الماضي، والله أعلم". اهـ. 1087 - * روى أحمد، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إني لأرجو إن طال بي عمر أن ألقى عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم، فإن عجل بي موت فمن لقيه منكم فليقرئه منى السلام".

_ 1087 - مسند أحمد (2/ 218). مجمع الزوائد: (8/ 5) وقال رواه أحمد بإسنادين، مرفوع وهو هذا، وموقوف، ورجالهما رجال الصحيح.

1088 - * روى أبو سعيد النقاش، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طوبي لعيش بعد المسيح، يؤذن للسماء في القطر، ويؤذن للأرض في النبات، حتى لو بذرت حبك على الصفا لنبت، وحتى يمر الرجل على الأسد فلا يضره، ويطأ على الحية فلا تضره، ولا تشاح، ولا تحاسد، ولا تباغض". أقول: هذا دليل على أن بعد وفاة عيسى عليه السلام يبقى الخير ويستمر السلام والبركة، وأن الريح التي تقبض أرواح المؤمنين كما سيمر معنا تكون بعد ذلك، وهذا النص يؤكد أن النص المروي عن ابن عمرو الذي علقنا عليه وعلق عليه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة قد حصل فيه وهم أو لبس أو اختصار مخل من أحد الرواة.

_ 1088 - فوائد العراقيين. ورواه عنه أبو نعيم كما في "كنز العمال". ورمز السيوطي إلى حسنه، وقوى الغماري إسناده. وقال المناوي (فيض القدير 4/ 275): ظاهر عدول المصنف للنقاش أنه لم يره مخرجا لأحد من المشاهير، وهو غفلة فقد خرجه أبو نعيم والديلمي وغيرهما. (طوبي): طوبي من الطيب، ومعناها هنا: فرح وقرة عين وقد يطلق لفظ (طوبي) ويراد به الجنة أو شجرة فيها. (الصفا): أي الحجر الأملس الأصم.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد (1) من أعظم الكتب التي ألفت في نزول المسيح عليه السلام كتاب "التصريح بما تواتر في نزول المسيح" الذي حققه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة حفظه الله، فقد ذكر فيه مؤلف الكتاب الشيخ محمد أنور شاه الكشميري ستة وسبعين حديثًا في نزول المسيح، وأضاف إليها الشيخ عبد الفتاح حفظه الله عشرة أحاديث استدركها على الشيخ فأصبحت الأحاديث الواردة في نزول المسيح عليه السلام ستة وثمانين، ثم ذكر الشيخ أنور من الآثار عن الصحابة والتابعين خمسة وعشرين أثرًا، واستدرك عليه الشيخ عشرة أثار فبلغت الآثار عن الصحابة والتابعين خمسة وثلاثين، فيكون مجموع الوارد في نزول المسيح ما بين خبر وأثر (121)، فدل ذلك على أن هذه المسألة من القطعيات في الشريعة من أنكرها فقد كفر. وفي سياق هذه الآثار والأخبار تمر نصوص كثيرة لها علاقة بالدجال ويأجوج ومأجوج والمهدي عليه السلام وأشراط الساعة، مما يضاف على ما ورد من أحاديث مفردة في بعض هذه الشؤون ليقويها، ومن ها هنا كانت أحاديث الدجال متواترة وكذلك أحاديث المهدي عليه السلام. وفي الكتاب من الفوائد ما لو وزن الكتاب بالذهب لكان قليلًا في حقه. (2) ورد في القرآن الكريم أربع آيات تشير إلى نزول المسيح عليه السلام في آخر الزمان وهي: 1 - {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ} (1). 2 - {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا} (2).

_ (1) آل عمران: 45، 46. (2) المائدة: 110.

3 - {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} (1). 4 - {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} (2). {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} (3). {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} (4). أشارت الآية الأولى والثانية إلى نزوله بتكليمه الناس كهلا والصحيح أنه رفع إلى السماء وهو ابن ثلاث وثلاثين والكهولة فوق هذه السن. وأشارت الآية الثالثة إلى نزوله بإيمان أهل الكتاب به إيمانًا صحيحًا قبل أن يموت وذلك بعد نزوله. وأشارت الآية الرابعة إلى المسيح علم للساعة على قراءة: أي علامة، و (علم) في قراءة، فهو في كل الأحوال يدل بنزوله على أن الساعة أصبحت قريبة. روى ابن حبان (5)، عن أبي يحيى مولى ابن عفراء، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: (وإنه لعلم للساعة) قال: "نزول عيسى ابن مريم قبل يوم القيامة". وعن ابن عباس (6) رضي الله عنه في قوله تعالى: (وإنه لعلم للساعة) قال: خروج عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة).

_ (1) النساء: 157 - 159 (2) الزخرف: 57 (3) الزخرف: 59 (4) الزخرف: 61 (5) الإحسان بترتيب ابن حبان (8/ 288). (6) مجمع الزوائد (7/ 104) وقال: رواه أحمد والطبراني بنحوه. وأخرجه ابن جرير.

قال الشيخ عبد الفتاح: "أي أن سيدنا عيسى عليه السلام -والمراد نزوله- أمارة وعلامة على قرب وقوع الساعة. والآية المذكورة من سورة الزخرف: 61. وهذه قراءة ابن عباس وأبي هريرة وأبي العالية وأبي مالك وعكرمة والحسن وقتادة والضحاك وغيرهم كما في "تفسير ابن كثير": 4: 132، وهي قراءة الأعمش من القراء أصحاب القراءات كما في "إتحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربعة عشر" للدمياطي ص 386. وقراءة الجمهور: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ}. وفي هذه القراءة أيضًا الضمير عائد إلى عيسى عليه السلام. والمراد أن عيسى عليه السلام بحدوثه من غير أب وبإحيائه الموتى: يكفي دليلًا على صحة البعث وإعادة الخلق يوم القيامة، وهو عليه السلام أيضًا علم للساعة أي تعلم لنزوله، فهو أمارة وعلامة عليها، قال الزمخشري في "الكشاف" 3: 424 {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} أي أن عيسى عليه السلام شرط -علامة- من أشراطها تعلم به، فسمي الشرط علما لحصول العلم به. انتهى وهكذا فسر الآية أبو حيان الأندلسي في تفسيره "البحر" 8: 26 وابن قتيبة في "غريب القرآن" ص 400 وغيرهم من المفسرين، وتكون الآية بقراءتيها ناطقة أن عيسى عليه السلام علم وعلامة على الساعة بنزوله من السماء قبل قيامها". اهـ (التصريح). وروى ابن جرير (1)، عن ابن زيد في قوله تعالى: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ}. قال: قد كلمهم عيسى عليه السلام في المهد، وسيكلمهم إذا قتل الدجال وهو يومئذ كهل. وروى ابن جرير وابن أب حاتم (2)، عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} قال: قبل موت عيسى.

_ (1) الدر المنثور: تفسير آل عمران (2/ 25). (2) الدر المنثور: تفسير النساء (2/ 241). وأشار إليه ابن حجر وصحح إسناده في الفتح: 6/ 492 (60 - كتاب الانبياء، 49 - باب نزول عيسى).

(3) صرح جماعة من الراسخين في العلم أن الأحاديث في نزول عيسى عليه السلام متواترة، فقال العلامة السيد محمود الألوسي في تفسيره: "روح المعاني": "ولا يقدح في ذلك- أي في ختم النبوة- ما أجمعت الأمة عليه، واشتهرت فيه الأخبار -ولعلها بلغت مبلغ التواتر المعنوي- ونطق به الكتاب على قول- ووجب الإيمان به. وأكفر منكره كالفلاسفة: من نزول عيسى عليه السلام آخر الزمان، لأنه كان نبيا قبل تحلي نبينا صلى الله عليه وسلم بالنبوة في هذه النشأة". اهـ. وقال العلامة الألوسي في تفسيره بعد هذا: "ثم إن عيسى عليه السلام حين ينزل باق على نبوته السابقة لم يعزل عنها مجال، لكنه لا يتعبد بها لنسخها في حقه وحق غيره، وتكليفه بأحكام هذه الشريعة أصلًا وفرعًا، فلا يكون إليه عليه السلام وحي ولا نصب أحكام، بل يكون خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاكمًا من حكام ملته بين أمته بما علمه في السماء قبل نزوله من شريعته عليه الصلاة والسلام كما في بعض الآثار". اهـ. وبه صرح الحافظ عماد الدين ابن كثير، حيث قال في "تفسيره" في تفسير سورة الزخرف عند قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ}: "وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أخبر بنزول عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة "إمامًا عادلًا، وحكمًا مقسطًا" اهـ. وصرح به في تفسير سورة النساء أيضًا. وقال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة: " [ومنهم]: الإمام ابن جرير الطبري في "تفسيره" عند قوله تعالى في سورة آل عمران: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} 3: 203، فقد قال بعد أن ذكر الأقوال في معنى التوفي: "وأولى هذه الأقوال بالصحة عندنا قول من قال معنى ذلك: أني قابضك من الأرض ورافعك إلي. لتواتر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ينزل عيسى ابن مريم فيقتل الدجال ... ". قال شيخنا الإمام الكوثري رحمه الله تعالى في كتابه: "نظرة عابرة في مزاعم من ينكر

نزول عيسى عليه السلام قبل الآخرة" ص 31: "وليس في قول الإمام ابن جرير الطبري: "وأولى الأقوال بالصحة) ما يحتج به أن تلك الأقوال مشتركة في أصل الصحة، وكيف وقد ذكر بينها ما هو معزو إلى النصارى؟ ولا يتصور أن يصح ذلك في نظره، بل كلامه هذا من قبيل ما يقال: فلان أذكى من حمار، وأفقه من جدار، كما يظهر من عادة ابن جرير في "تفسيره" عند نقله لروايات مختلفة، كائنة ما كانت قيمتها العلمية، وقد يكون بينها ما هو باطل حتمًا، فلا يكون لأحد إمكان التمسك بمثل تلك العبارة في تقوية الروايات المردودة". قلت: وهذه قاعدة وفائدة تستفاد لفهم كلام ابن جرير في "تفسيره" فاعلمها واشدد عليها بيديك، فغنها من العلم المكنون. ومنهم: الإمام المفسر ابن عطية الغرناطي الأندلسي، فقد قال في "تفسيره": "وأجمعت الامة على ما تضمنه الحديث المتواتر من أن عيسى في السماء حي، وأنه ينزل في آخر الزمان فيقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويقتل الدجال، ويفيض العدل، وتظهر به ملة محمد صلى الله عليه وسلم، ويحج البيت، ويعتمر". انتهى ومنهم: العلامة الشوكاني اليمني، قال في كتابه: "التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح" بعد أن ساق الأحاديث الواردة في ذلك: "فتقرر أن الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة، والاحاديث الواردة في الدجال متواترة، والأحاديث الواردة في نزول عيسى بن مريم متواترة". كما نقله عنه أستاذنا العلامة الشيخ عبد الله ابن الصديق الغماري فرج الله عنه في كتابه: "عقيدة أهل الإسلام في نزول عيسى عليه السلام" ص 11. ومنهم: شيخ شيوخنا العلامة المحدث الشريف سيدي محمد بن جعفر الكتاني رحمه الله تعالى في كتابه: "نظم المتناثر من الحديث المتواتر": ص 147 حيث قال: "وقد ذكروا أن نزول سيدنا عيسى عليه السلام ثابت بالكتاب والسنة والإجماع. ثم قال: والحاصل أن الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة، وكذا الواردة في الدجال وفي نزول عيسى ابن مريم عليه السلام" اهـ (التصريح).

(4) قال الشيخ عبد الفتاح حفظه الله: (تواردت النصوص المتواترة على نزول سيدنا عيسى عليه السلام، ولكن لا توقيت فيها لزمن نزوله بالتحديد والتعيين، وإنما التوقيت فيها بالأمارات والعلامات الدالة على نزوله. قال الإمام ابن جرير الطبري في مقدمة "تفسيره": 1: 74 و 92: "تأويل جميع القرآن على أوجه ثلاثة: أحدها لا سبيل إلى الوصول إليه، وهو ما لا يعلم تأويله إلا الله الواحد القهار، وهو الذي استأثر الله بعلمه، وحجب علمه عن جميع خلقه، وذلك ما فيه من الخبر عن آجال حادثة، وأوقات آتية، كوقت قيام الساعة، والنفخ في الصور، ونزول عيسى ابن مريم، ووقت طلوع الشمس من مغربها، وما أشبه ذلك. فإن تلك أوقات لا يعلم أحد حدودها، ولا يعرف أحد من تأويلها إلا الخبر بأشراطها، لاستئثار الله بعلم ذلك على خلقه، وبذلك أنزل ربنا محكم كتابه، فقال: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (1). وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إذا ذكر شيئًا من ذلك، لم يدل عليه إلا بأشراطه، دون تحديده بوقته، كالذي روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه، إذ ذكر الدجال: "إن يخرج وأنا فيكم، فأنا حجيجه، وإن يخرج بعدي، فالله خليفتي عليكم". وما أشبه ذلك من الأخبار الدالة على أنه صلى الله عليه وسلم، لم يكن عنده علم أوقات شيء منه بمقادير السنين والأيام، وأن الله جل ثناؤه إنما عرفه مجيئه بأشراطه، ووقته بأدلته") اهـ (التصريح).

_ (1) الأعراف: 187.

جدول ما ثبت بالقرآن والسنة من أمارات المسيح عيسى عليه السلام

(5) جدول ما ثبت بالقرآن والسنة من أمارات المسيح عيسى عليه السلام تأليف العلامة المحقق الجليل الشيخ محمد شفيع مفتي باكستان حفظه الله تعالى ننقلها مع شيء من الحذف: - اسمه السامي: عيسى، يدل عليه ما لا يحصى من الآيات والأحاديث. - كنيته: ابن مريم {ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} مريم: 34. - لقبه: المسيح. - و: كلمة الله. - و: روح منه {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} النساء: 171. - والدته: مريم، يدل عليه ما لا يحصى من الآيات والأحاديث. - نفي الوالد: ولد عيسى من غير أب بمحض قدرة الله تعالى. - والد أمه: عمران عليه السلام {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ} التحريم: 12. - خاله: هارون {يَاأُخْتَ هَارُونَ} مريم: 28. - والدة أمه: امرأة عمران -حنة- {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ} آل عمران: 35. - نذر جدته حملها للوقف على بيت المقدس: {إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} آل عمران: 35. - ولادة حملها أنثى: {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى} آل عمران: 36. - اعتذارها في حضرة الله بأنها وضعتها أنثى وهي لا تليق أن تخدم بيت المقدس:

بعض ما ورد من أحوال أمه عليهما السلام

{قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى} {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} آل عمران: 36. - تسميتها مريم: {وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ} آل عمران: 36. بعض ما ورد من أحوال أمه عليهما السلام - استعاذتها: من مس الشيطان: {أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} آل عمران: 36. وقد نص الحديث النبوي بأن هذا مما خص الله به مريم عليها السلام كما في صحيحي البخاري ومسلم. - اختصام مجاوري بيت المقدس في تربية مريم وكفالة زكريا عليه السلام لها: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} آل عمران: 44. - إقامتها بالمحراب ورزقها من الغيب: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا} آل عمران: 37. - سؤال زكريا عن الرزق وجوابها أنه من عند الله: {قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} آل عمران: 37. - مخاطبة الملائكة إياها: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ} آل عمران: 42. - كونها مقبولة عند الله: {اصْطَفَاكِ} آل عمران: 42. - كونها طاهرة من الحيض: {وَطَهَّرَكِ} آل عمران: 42. كونها أفضل نساء زمنها: {وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} آل عمران: 42. - ذهابها إلى زاوية: {إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا} مريم: 16. - كون الزاوية في جانب شرقي: {مَكَانًا شَرْقِيًّا} مريم: 16. - اتخاذها حجابًا: {فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا} مريم: 17. - وجاءها ملك بشكل إنسان {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} مريم: 17

محل ولادته عليه السلام وكيفية ذلك

- استعاذتها: {إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ} مريم: 18. - ثم بشرها الملك بولادة عيسى عليه السلام: {لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا} مريم: 19. - تعجبها بهذا الخبر {أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ} مريم: 20. - إخبار الملك بأن ذلك ليس بصعب على الله {قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} مريم: 21. - حملها عيسى بمحض قدرة الله من غير أن يمسها رجل: {فَحَمَلَتْهُ} مريم: 22. - ذهابها إلى جذع نخلة وقت المخاض: {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ} مريم: 23. وقال العلماء: إن كلما حصل لمريم عليها السلام من خوارق العادة كان في الأصل إرهاصات تبشر بنبوة عيسى عليه السلام. محل ولادته عليه السلام وكيفية ذلك - ولد في زاوية بستان بعيد من العمارة {فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا} مريم: 22. - كانت متكئة إلى جذع نخلة: {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ} مريم: 23. أحوال مريم بعد ولادته عليه السلام - اضطرابها حياء وخوفًا من تهمة الناس: {قَالَتْ يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا} مريم: 23. - نداء الملك من تحت الشجرة أن لا تحزني فقد منحك الله ابنًا من سادة الناس: {أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا} مريم: 24. - رزقها الله تعالى رطبًا جنيًا: {تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} مريم: 25. - إتيانها قومها بعيسى عليه السلام في حجرها: {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ} مريم: 27. - تهمة القوم للسيدة مريم: {يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا} مريم: 27. - كلام سيدنا عيسى عليه السلام في حجرها: {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ} مريم: 30.

وجاهة عيسى عليه السلام

وجاهة عيسى عليه السلام - {وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} آل عمران: 45. - قامته معتدلة. - لونه أبيض مشرب بالحمرة. - شعر رأسه يمتد إلى منكبيه. - شعره أسود كأنه يقطر وإن لم يصبه بلل. - شعره جعد، في بعض الروايات أنه سبط، ويمكن أن هذا الاختلاف باختلاف الأوقات. - نظيره في الحلية: يشابهه من الصحابة عروة بن مسعود رضي الله عنه خصائص عيسى المسيح عليه السلام - إحياؤه الموتى بإذن الله {وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ} آل عمران: 49. - إبراء الأكمه بإذن الله: {وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ} آل عمران: 49. - إبراء الأبرص بإذن الله: {وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ} آل عمران: 49. - النفخ في تراب حتى يصير طيرًا {فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ} آل عمران: 49. - الإخبار بما أكله الناس وما ادخروا في بيوتهم: {وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ} آل عمران: 49. - عزم بني إسرائيل على قتله، وحفظ الله تعالى له: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} آل عمران: 54. - رفع الله تعالى له إلى السماء حيًا: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} آل عمران: 55. - نزوله عليه السلام من السماء إلى الدنيا ثانيًا في قرب من يوم القيامة.

حليته عليه السلام وقت نزوله

حليته عليه السلام وقت نزوله - يلبس ثوبين أصفرين. - على رأسه قلنسوة طويلة. - يلبس درعًا. بعض أحواله عليه السلام وقت نزوله - ينزل واضعًا يديه على أجنحة ملكين. - في يده حربة يقتل بها الدجال. - لا يجد كافر ريح نفسه إلا ويموت. - يبلغ نفسه إلى ما يبلغ طرفه. محل نزوله عليه السلام ووقت نزوله - ينزل في الشام. - ينزل في الجانب الشرقي من دمشق. - ينزل عند المنارة البيضاء. - وقت نزوله: عند صلاة الفجر. أحوال الحاضرين في المسجد وقت نزوله عليه السلام - جماعة من المسلمين يقودهم المهدي يجتمعون لقتال الدجال. - يؤمهم الإمام المهدي. بعض أحواله بعد نزوله عليه السلام - يدعوه الإمام المهدي لإمامة الصلاة بالناس فيأبى.

المشروعات التي يقوم بها بعد نزوله عليه السلام

- حينما يريد الإمام المهدي أن يتخلف يضع عيسى عليه السلام يده على ظهره ولا يرضى إلا أن يكون المهدي إمامًا. - ثم يتقدم الإمام المهدي ويصلي بهم. - اقامته في الدنيا بعد نزوله أربعين سنة. - نكاحه بعد النزول وأولاده: يتزوج عيسى عليه السلام بعد النزول. - يتزوج عيسى بامرأة من قوم شعيب عليهما السلام. - يولد له بعد النزول أولاد. المشروعات التي يقوم بها بعد نزوله عليه السلام - يكسر الصليب ويستأصل عبادته ولا يبقي في الدنيا من النصرانية شيئًا. - يقتل الخنازير. - يفتح باب المسجد بعد الفراغ من الصلاة فيرى وراءه الدجال وقوما من اليهود. - يقاتل عليه السلام الدجال وأعوانه من اليهود. - يقتل الدجال. - يقتل عليه السلام الدجال في أرض فلسطين عند باب لد. - ثم يقتل عليه السلام ما بقي من اليهود. - ولا يجد يهودي ملجأ. - حتى تشهد الحجارة والأشجار على أن وراءها يهوديًا. - ومن أجل ذلك لا يبقى حكم الجزية. - ويعم عليه السلام الناس بالمال حتى لا يبقى من يقبل الصدقات.

البركات الظاهرة والباطنة في زمنه عليه السلام

- ويؤم عليه السلام الناس بعد صلاة الفجر الأولى التي صلاها مقتديًا بالإمام المهدي. - يسافر إلى موضع فج الروحاء. - يحج أو يعتمر أو يؤدي كلا النسكين. - يسافر إلى روضة سيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم. - ويرد على سلامه سيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم. - مذهبه الذي يدعو إليه الناس: يعمل بالقرآن والسنة ويحث الناس عليه. البركات الظاهرة والباطنة في زمنه عليه السلام - ينزل في زمنه بركات دينية ودنيوية من كل نوع. - ويخرج الحقد والضغينة من أفئدة الناس. - يكون الرمان في زمانه كبيرًا حتى تكفي الرمانة الواحدة لجماعة من الناس. - ويكفي لبن ناقة واحدة لجماعة من الناس. - ويكفي لبن شاة واحدة لقبيلة واحدة. - وتنزع الحمة من كل ذي حمة حتى يدخل الوليد يده في فم الحية فلا تضره. -وتكشف الوليدة عن أسنان الأسد فلا يضرها. - ويكون الذئب مع الغنم كأنه كلبها. - وتمتلئ الأرض من السلم كما يمتلئ الإناء من الماء. - ولا يوجد فقير وتترك الصدقة. أحوال العرب في ذلك الزمان - العرب يومئذ قليل وأكثرهم ببيت المقدس

وفاته عليه السلام وبعض الأحوال قبل وفاته

- يجتمع المسلمون بجبل أفيق حذرًا من الدجال. -ويصيب المسلمين بؤس ومجاعة شديدة حتى إن أحدهم ليحرق وتر قوسه ويأكله. - ثم ينادي مناد: يا أيها الناس أتاكم الغوث. - فيتعجب منه الناس ويقول بعضهم لبعض: إن هذا لصوت رجل شبعان. وفاته عليه السلام وبعض الأحوال قبل وفاته - ويأمر المسيح عليه السلام بأن يستخلفوا بعده رجلًا من بني تميم اسمه: المقعد. - ثم يتوفاه الله تعالى. - قبره عليه السلام: ويدفن في روضة النبي صلى الله عليه وسلم بجنب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أحوال المسلمين بعد وفاته عليه السلام - ويستخلف الناس (المقعد) كما أمرهم المسيح عليه السلام اهـ من (التصريح بما تواتر في نزول المسيح). * * *

الفقرة الحادية والعشرون في: يأجوج ومأجوج

الفقرة الحادية والعشرون في: يأجوج ومأجوج مقدمة ذكر الله عز وجل يأجوج ومأجوج في موضعين من كتابه، مرة في سياق بناء السد الذي بناه ذو القرنين ليحمي به أقوامًا من إفسادهم: {قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ....} (1). وذكرهم القرآن مرة أخرى في سورة الأنبياء (2): {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ}. وقد أخذ الكلام عن يأجوج ومأجوج وعن ذي القرنين وعن السد الذي بناه كل مأخذ وتشتت بالمفسرين المذاهب والافتراضات والحد الذي لا خلاف عليه هو أن مجيء يأجوج ومأجوج إلى بلاد الشام زمن عيسى ابن مريم وما يحدث لهم هو من أشراط الساعة الكبرى. ونقطة البداية الصحيحة في البحث هو أن الذي توجه بالسؤال عن ذي القرنين هم اليهود أو قريش بإيحاء من اليهود وكان السؤال امتحانًا لنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون الجواب الصحيح من أعلام النبوة ومعجزاتها، وهذا لا يتحقق إلا إذا كان الجواب معروفا عند السائلين أو الدافعين للسؤال، وبالجواب الصحيح تقوم الحجة عليهم وتثبت بذلك الحجية برسالة محمد صلى الله عليه وسلم غلى أهل السؤال وغيرهم، وقد انطلق من هذا العلامة الهندي الكبير أبو الكلام

_ (1) الكهف: 94 - 97. (2) الآيتان 96، 97.

أزاد في بحثه الذي نشر تحت عنوان (يسألونك عن ذي القرنين) فأتى به بما يثبت المعجزة ويقيم الحجة، وقد استغرق البحث مائة وثلاث صفحات تحدث فيه عن شخصية ذي القرنين كما ذكرها القرآن ثم تحدث فيه عن حيرة المفسرين في تعيين شخصه ثم وصل إلى أن المفروض أن تكون نقطة البداية في البحث هي في كتب العهد القديم على اعتبار أن السائلين أو الدافعين للسؤال هم اليهود فعثر على نقطة البداية في سفر دانيال وهذه هي: "في السنة الثالثة لجلوس بيلش فر الملك كنت بمدينة سوس هيرا من أعمال عيلام على شاطئ النهر أولائي، فرأيت الرؤيا للمرة الثانية، رأيت كبشًا واقفًا على شاطئ النهر له قرنان عاليان. وكان الواحد منهما منحرفًا إلى ظهره، ورأيت الكبش ينطح بقرنيه غربًا وشرقًا وجنوبًا لا قبل لحيوان بالوقوف أمامه فهو يفعل ما يشاء وصار هو كبيرًا جدًا وبينما أنا أفكر في هذه الظاهرة إذ رأيت تيسا أقبل من جهة الغرب وغشي وجه الأرض كلها، وكان بارزا بين عيني التيس قرن عجيب. ثم إن التيس اقترب من الكبش ذي القرنين ونفر منه مغضبا ثم عمد إليه فكسر قرنيه وصرعه وداسه فأصبح الكبش ذو القرنين عاجزًا عن مقاومته، محروما من ناصر ينصره عليه- "سفر دانيال 8: 1". ثم ذكر الكتاب على لسان دانيال أن الملك جبريل ظهر له وشرح رؤياه قائلًا: إن الكبش ذا القرنين يمثل اتحاد المملكتين، مادا وفارس، فيملكهما ملك قوي لا تقدر دولة على مواجهته. أما التيس ذو القرن الواحد الذي رآه بعد الكبش، فالمراد منه ملك اليونان، والقرن البارز بين عيني التيس، يدل على أول ملك من اليونان (8: 15). اهـ رسالة (ويسألونك عن ذي القرنين). ومظهر هذه النبوءة المتفق عليه هو الملك (قورش) أو (غورش) والذي يسميه اليونان (سائرس) واليهود (خورس) وهو الذي وحد مملكتي مادا وفارس واستولى على بابل وكانت له ثلاث توجهات في حروبه: توجه نحو الغرب حارب فيه اليونان وقهرهم، وتوجه نحو الشرق حارب فيه قبائل رحلا، وتوجه نحو الشمال سيطر فيه على القبائل الجبلية، وكان من صفاته الرحمة والعدل والحرص على الرعية، وكان على الدين الصحيح لزرادشت الذي قام دينه على التوحيد ثم حرفته الديانة المجوسية التي كانت سابقة على دين

زرادشت، ويرجع أبو الكلام أن (قورش) كان معاصرًا لزرادشت، وأن هذه المملكة التي أقامها قورش أنهاها بعد فترة الإسكندر المقدوني وهو الذي ذكرته رؤيا دانيال بأنه ذو القرن، ومن نبوات أشعيا في (قورش) ما يلي: "وإني أقول في حق خورس (غورش) بأنه راع لي وهو يتم مرضاتي كلها .. يقول الرب في شأن مسيحه خورس، أنا أخذت بيده اليمنى لأجعل الأمم في حوزته وأنزع القوة من سواعد الملوك وأفتح له الأبواب تلو الأبواب. أجل، إني أمشي بين يديك وأقوم ما اعوج من سبلك، وأكسر الأبواب النحاسية، وأمنحك الخزائن المدفونة والكنوز التي في البيوت المغيبة. أفعل كل ذلك لتعلم أنني أنا الرب، إله إسرائيل الذي ناداك باسمك صراحة لأجل إسرائيل، شعبة المختار" (45: 1). وشبه غورش بعقاب الشرق في مكان آخر من الكتاب فقال: "ها! انظروا إني أدعو عقابًا من الشرق أدعو ذلك الرجل الذي يأتي من أرض بعيدة ويتم سائر مرضاتي" (46: 11) اهـ رسالة (ويسألونك عن ذي القرنين). فسفر أشعيا يشبه قورش بالعقاب، وسفر دانيال يصفه أنه ذو القرنين، وقد عثر على تمثال لقورش يعتبر من أعظم الآثار الفارسية القديمة لقورش فيه جناحا عقاب وقرنان، ومن المعروف أن قورش هو الذي أنقذ اليهود من أسر بابل، ولذلك فإن له مقامًا كبيرًا عندهم. كان ظهور أمر قورش في سنة (559) ق. م. في ظروف لم تكن مقدماتها لتؤهل إلى أن يصل قورش إلى الملك ولم يكد يستقر له الملك حتى دانت له مادا وفارس تلقائيًا ثم خضعت له ولايات ومهد لخضوع ولايات لخلفائه فكانت مجموع الولايات التي خضعت له ولخلفائه ثمانية وعشرين ولاية حتى انتهى هذا الوضع للإسكندر المقدوني، وكانت حملته الأولى نحو الغرب إلى بلاد الأناضول التي كانت يونانية وقتذاك وهي التي بدأت الحرب فانتصر عليها وعاملها برحمة ووصل بحربه هذه إلى شاطئ البحر وكان هجومه الثاني نحو الشرق ففتح ما يسمى الآن بمكران وبلوخستان وبلخ، والغالب أنه فتح بلاد السند في حملته هذه.

وكانت في هذه المناطق قبائل همجية يغلب على معظمها الترحل، ثم فتح بعد ذلك بابل وأنقذ اليهود من الأسر، ثم كان هجومه الثالث نحو الشمال أي نحو البلاد التي سميت فيما بعد بالقوقاز، وقد وصل غورش في حربه هذه إلى نهر أطلق عليه ولا يزال يطلق عليه اسم (نهر سائرس) أي نهر غوروش، وهناك بني سدًا حديديًا في الممر الجبلي الوحيد الذي يمكن أن يعبر منه سكان شرقي تلك البلاد إلى أرض القوقاز وكانت وفاته سنة (529) قبل الميلاد ومن المجمع عليه عند كل من كتب عنه من صديق وعدو أنه كان عادلًا رحيمًا حكيمًا، وأسفار العهد القديم تصفه بالتوحيد والعبودية الخالصة لله عز وجل، وتعليل ذلك أنه كان من أتباع زرادشت نبي الفرس على القول الراجح وذلك قبل أن يحرف دين زرادشت. وبعد أن يعرض أبو الكلام أزاد هذا العرض يأتي بالنص القرآني الوارد في حق ذي القرنين ويبرهن على أنه ينطبق على قورش، وبالنسبة للعين الحمئة التي وقف عندها ذو القرنين يقول أبو الكلام: "لنضع خريطة الساحل الغربي لآسيا الصغرى أمامنا. نرى فيها معظم الساحل قد تقطع في خلج صغيرة، لا سيما على مقربة من أزمير، حيث اتخذ الخليج صورة عين. كانت سارديز على مقربة الساحل الغربي، ولا تبعد كثيرًا عن أزمير الحاضرة. فلنا أن نقول إن غوروش لما تقدم بعد استيلائه على سارديز، وصل من ساحل بحر أيجة إلى مكان قريب من أزمير، ورأى الساحل قد اتخذ صورة تشبه العين، وكان الماء قد انكدر من وحل الساحل، فرأى الشمس تغرب مساء في هذه العين، هذا هو ما عبر عنه القرآن بقوله {وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} (1). أي أنه تراءى له كأن الشمس تغرب في بقعة كدرة من الماء. ومن المعروف أن الشمس لا تغرب في مكان ما، ولكنك إن وقفت على ساحل بحري، رأيت الشمس كأنها تغرب رويدًا رويدًا في البحر" اهـ رسالة (ويسألونك عن ذي القرنين). ثم يتحدث أبو الكلام أزاد عن المهمة الشرقية ويذكر أن كلا من المؤرخين اليونانيين

_ (1) الكهف: 86.

هيرودوتس وني سياز يذكرانها ويقولان: "إن طغيان بعض القبائل الهمجية الصحراوية حمله على القيام بهذه المهمة". يقول أبو الكلام: (وهذا يطابق ما قاله القرآن: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا} (1). أي أنه لما وصل إلى نهاية الشرق، رأى الشمس تطلع على قوم ليس لديهم ما يستترون به من قيظها، يعني أنهم كانوا من القبائل الرحالة التي لا تسكن المدن ولا تبني لها البيوت) اهـ رسالة (ويسألونك عن ذي القرنين). ثم يتحدث أبو الكلام عن المهمة الشمالية وسد يأجوج ومأجوج. قال أبو الكلام: كانت هذه مهمته الثالثة، وصل بها، تاركًا على يمينه بحر الخزر، إلى جبال القوقاز Caueasus حيث وجد مضيقًا بين جبلين منها. ذكر القرآن هذا الخبر قائلًا: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا} (2). أي انهم كانوا جبليين متوحشين، حرموا من المدينة والعقل والفهم. والمقصود بسدين، مضيق في جبال القوقاز. وإنك تجد على يمين القوقاز، بحر الخزر الذي يسد طريق الحافة الشرقية منها، وعلى اليسار البحر الأسود الذي يسد طريق الحافة الغربية، وترى في الوسط سلسلة جبالها الشاهقة التي صارت جدارًا طبيعيًا، فلم يكن هنالك منفذ للمهاجمين من الشمال إلا مضيق وسطى في هذه الجبال، يجتازه المهاجمون ويشنون الغارات على البلاد الواقعة وراءه. فبنى غوروش في هذا المضيق سدًا حديديًا، أخذ به الطريق على المغيرين. ولم يأمن أهل سهول قوقاز وحدهم بهذا السد بل أصبح السد بابًا مقفلًا منيعًا لسلامة سائر بلاد آسيا الغربية فأمنت جميع الشعوب القاطبة في آسيا الغربية وفي مصر من جهة الشمال. اهـ.

_ (1) الكهف: 90. (2) الكهف: 93.

وقال أبو الكلام: "أما القوم الذي وجدهم ذو القرنين هنالك، وكانوا خلوا من العقل، فيحتمل أن يكونوا القوم الذين ذكرهم اليونان باسم "كولشي" وذكروا في لوحة دارديوش باسم "كوشيا". هؤلاء الذين شكوا إلى غوروش هجمات يأجوج ومأجوج، ولما كانوا مجردين من الحضارة، وصفهم القرآن بقوله: {لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا} (1). أي لا يفهون الكلام" اهـ. وبعد أن يبرهن أبو الكلام على أن كل ما وصف به القرآن ذا القرنين ينطبق على قورش ينقل عن مؤرخين يونانيين هما في الأصل من أمة معادية للفرس ما قالاه في قورش: ويقول هيرودوتس: "كان (غوروش) ملكا كريما، جوادا سمحا للغاية، لم يكن حريصًا على جمع المال كغيره من الملوك، بل كان حرصه على الكرم والعطاء. يبذل العدل للمظلومين، ويحب كل ما فيه خير البشر". ويقول زينوفن: "كان ملكًا عاقلًا رحيمًا، اجتمعت فيه مع نبل الملوك فضائل الحكماء، همته تفوق عظمته، وجوده يغلب جلالته، خدمة الإنسانية شعاره، وبذل العدل للمظلومين ديدنه. حل فيه -مكان الكبر والعجب- التواضع والسماحة". اهـ. وبعد كلام طويل ينتقل إلى الحديث عن سد يأجوج ومأجوج. فيقول أبو الكلام: (علينا أن نتذكر في معالجة هذا البحث أن القرآن ذكر أمرين عن السد بخصوصية، وهما أنه، أي السد، بني في مكان ارتفعت الجبال كجدارين على جانبيه، أي كان المكان مضيقًا جبليًا، وأن السد الذي أقيم به، استخدمت فيه زبر الحديد، وأفرغ عليها النحاس المذاب، وعلى ذلك يجب أن نجد السد في مضيق جبلي، ويجب أن يكون هو جدارًا حديديًا، لا جدارًا من الحجر والآجر، ويكون قد سد طريق المضيق الجبلي) اهـ.

_ (1) الكهف: 93.

القبائل المنغولية واليواشية

ثم يتحدث عن يأجوج ومأجوج فيقول: (إن كلمتي " يأجوج" و"مأجوج" تبدوان كأنهما عبريتان، ولكنهما في أصلهما قد لا تكونان عبريتان. إنهما كلمتان أجنبيتان اتخذتا الصورة العبرية، فهما تنطقان باليونانية "غاغ" (Gog) و"ماغاغ" (Magog) وقد ذكرتا بهذا الشكل في الترجمة السبعينية للتوراة، وراجتا بالشكل نفسه في سائر اللغات الأوروبية. وقد ورد هذا الاسم لأول مرة في التوراة في كتاب الخلق عند ذكره خروج أمم العالم من ذرية نوح، فقال: "ولد ليافث بن نوح، جمر، ومأجوج، ومادي، ويونان، وتوبال، ومسك، وتيراس" (10: 3) ثم تكرر ذكرهم في الصحف الأخرى، وقد ذكروا بصراحة وتعيين واضحين في صحيفة حزقيال كما ستراه. وكذلك جاءت نبوءة بظهورهم في مكاشفات يوحنا من العهد الجديد. فمن كان هؤلاء القوم يا ترى؟ لقد تضافرت الشواهد التاريخية على أنهم لم يكونوا إلا قبائل همجية بدوية من السهول الشمالية الشرقية، تدفقت سيولها من قبل العصر التاريخي إلى القرن التاسع الميلادي نحو البلاد الغربية والجنوبية. وقد سميت هي بأسماء مختلفة في عصور مختلفة، وعرف قسم منها في الزمن المتأخر باسم "ميغر" في أوروبا، وباسم التتار في آسيا. ولاشك أن فرعا لهؤلاء القوم، كان قد انتشر على سواحل البحر الأسود في سنة 600 ق. م. وأغار على آسيا الغربية نازلًا من جبال القوقاز. وقد سماه اليونان باسم "سي تهين" (Sythians) وذكر بنفس هذا الاسم في كتابه دارايوش باستخر. ولنا أن نجزم بأن هؤلاء هم الذين شكت غاراتهم الشعوب الجبلية إلى غوروش، فبنى السد الحديدي لمنعها. القبائل المنغولية واليواشية: تسمى هذه البقعة الشمالية الشرقية من الأرض "منغوليا" وقبائلها الرحالة "منغول" وتقول لنا المصادر الصينية إن أصل كلمة منغول، هو "منكوك (بالكاف الفارسية بعد النون) أو "منجوك (بالجيم الفارسية) وفي الحالتين تقرب الكلمة من النطق العبري "ماكوك" (بالكافين الفارسيتين) والنطق اليوناني "ميكاك" (بالكافين الفارسيتين).

منغوليا، مهد الشعوب القديمة

ويخبرنا تاريخ الصين عن قبيلة أخرى من هذه البقعة، كانت تعرف باسم "يواشي" والظاهر أن هذه الكلمة ما زالت تحرف عند الأمم حتى أصبحت "يأجوج" في العبرية. منغوليا، مهد الشعوب القديمة: إن الجزء المرتفع من الكرة الأرضية الواقع في الشمال الشرقي الذي يسمى الآن بمنغوليا وتركستان الصينية، كان مهدًا لشعوب قديمة لا تحصى. إنه كان معينًا بشريًا، تتدفق مياهه وتتجمع، حتى إذا بلغت النهاية طغت وانصبت إلى الغرب والجنوب، وجدت الصين في الشرق منه، وآسيا الغربية والجنوبية في غربه وجنوبه، وأوروبا في الشمال الغربي منه، فما زالت سيول القبائل والشعوب تتدفق، فيستوطن بعض القبائل آسيا الوسطى والبعض الآخر يتقدم فيصل إلى أوروبا، أو ينزل بآسيا الغربية والجنوبية. وكانت هذه القبائل بعد خروجها من مسقط رأسها، وحط رحالها في البلاد الجديدة، تفقد خصائصها الأولى وتصطبغ بصبغة أوطانها الجديدة، فتصير على مرور الأيام شعوبًا بنفسها. ولما كان موطنها القديم لا تتغير أحواله، لم تزل تنشأ فيه قبائل جديدة، وتتدفق في دورها إلى الخارج كأخواتها السابقة، دون أن تتغير هذه البقعة بل تظل على همجيتها القديمة، ولكن الذين كانوا ينسحبون منها ويسكنون البلاد الأخرى، كانوا يتحضرون مع مر الزمن، فتختلف حالتهم الجديدة من الحالة القديمة، فبينما المدنية تهذبهم وتزيل بربريتهم، فيشتغلون بالزراعة والصناعات، ويعيشون عيشة سهلة هنية، يبقى إخوانهم في مسقط رأسهم على حالتهم الأولى من الهمجية والخشونة والقسوة، ولذلك يظلون شبحا مخيفًا للمتحضرين) اهـ. ثم يتحدث أبو الكلام عما عرف تاريخيًا من موجات متعاقبة لخروج يأجوج ومأجوج، فموجة كانت نحو آسيا الوسطى، وموجة نحو آسيا الغربية، وموجة نحو آسيا الغربية التي أوقفها (قورش) وموجة نحو الصين اقتضت من إمبراطور الصين (شين هوانغ تي) أن يبني جدار الصين العظيم، وموجة نحو أوروبا بقيادة أتيلا أنهت الإمبراطورية الرومانية، وموجة نحو الشرق العربي بقيادة جنكيز خان كان من آثارها تدمير أكثر البلدان الإسلامية ومنها بغداد (أقول: ولعلها المشار إليها بالحديث: "ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج كذا" وحلق الرسول صلى الله عليه وسلم بين أصبعيه).

"ويذكر أبو الكلام نبوءة لحزقيال عن يأجوج ومأجوج تذكر جوج بأنه رئيس منسك وتوبال فيقول ليس منسك إلا ما نسميه الآن موسكو، أما توبال فهي بلاد البحر الأسود المرتفعة"، ومن كلام أبي الكلام نفهم أن يأجوج ومأجوج يشكلون الشعوب التي تعتبر وراء جبال القوقاز كما يشكلون بالموجات التي انساحوا فيها في البلاد شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا وسيطروا عليها وامتزجوا بها بشعوب أخرى، إنهم يشكلون أكثرية سكان هذا العالم، وهذا الذي يشير إليه الحديث الصحيح الذي يذكر أن الله يأمر آدم يوم القيامة أن يخرج بعث النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون، وأن سبب كثرة بعث النار وجود أمتين يأجوج ومأجوج ما كانتا في شيء إلا كثرتاه، فسكان أوروبا وآسيا الشرقية بما في ذلك الصين وسيبيريا ومنغوليا وحتى الجنس الآري كله مظنة ان يكون لهم صلة بيأجوج ومأجوج، واما من هم الذين انصبت عليهم النصوص بأن خروجهم ومجيئهم إلى بلاد الشام قبيل يوم القيامة، فأمر غيبي يعرف ساعة وقوعه ولنعد إلى كلام أبي الكلام أزاد: يخصص أبو الكلام آخر بحثه عن سد يأجوج ومأجوج ومن كلامه: (توجد في البقعة الواقعة بين بحر الخزر والبحر الأسود سلسلة جبال قوقاز كأنها جدار طبيعي، وقد سد هذا الجدار الجبلي الطرق الموصلة بين الشمال والجنوب، إلا طريقًا واحدًا بقي مفتوحًا، وهو مضيق في وسط سلسلة الجبال، يوصل بين الشمال والجنوب، ويسمى هذا المضيق في أيامنا هذه بمضيق داريال، ويشار إلى موضعه في الأطالس الحاضرة بين ولادي كيوكز Vladi Koukas وطفليس، حيث يوجد إلى الآن جدار حديدي من قديم الأزمان، ولا ريب أن هذا هو الجدار الذي بناه غوروش إذ تنطبق عليه الأوصاف التي وصف بها القرآن سد ذي القرنين قائلًا إنه استخدمت في بنائه زبر الحديد وأفرغ عليه النحاس بعد أن أذابوه لتتصل مفاصله، فلا يبقي به خلل، وقال إنه بني بين جدارين جبليين. وهذا هو ما نراه في مضيق داريال جدارين جبليين شاهقين أقيم بينهما هذا السد الحديدي الذي قفل باتصاله بالجدارين الطريق الذي كان مفتوحًا بينهما. وإن الكتابات الأرمنية لها أهمية كبيرة في المسألة، لأنها لقرب المكان أصبحت بمنزلة الشهادة المحلية، قد سمى هذا السد أو الجدار الحديدي في اللغة الأرمنية من الدهور السالفة

بـ"بهاك غورائي" و"كابان غورائي" ومعنى الكلمتين واحد وهو "مضيق غوروش" أو "ممر غوروش". ولا يخفى أن "غور" جزء لاسم غوروش بلا ريب. أفلا يثبت هذا أن غوروش هو الذي بنى الجدار وإليه نسبوه من قديم الزمان؟ وهناك شهادة أخرى لا تقل في أهميتها عن الأولى، وهي شهادة لغة بلاد جورجيا التي هي القوقاز بعينها، فقد سمي هذا المضيق باللغة الجورجية من الدهور الغابرة "الباب الحديدي" وترجمه الأتراك إلى لغتهم "دامركبو" وهو مشهور إلى الآن عندهم. ألف الكاتب التركي وأستاذ التركية والفارسية في سنت بتربورغ، كاظم بك في سنة 1845 تاريخًا لهذه الجهات باسم "دربند نامه" وترجم الكتاب إلى الإنجليزية باسم تاريخدربند، فراجعه، ص 21. أما المؤرخون القدماء، فأول من ذكره منهم، هو الرحالة اليهودي الشهير، يوسف الذي كان عائشا في القرن الأول الميلادي ثم ذكره بعد أن عاينه بنفسه المؤرخ بروكويس Procopius في القرن السادس الميلادي، وذلك أن القائد الروماني، بلي ساريس Bolisarius لما أغار على هذه الجهة في سنة 528 م كان الرجل معه فشاهد الأرض وما عليها. سبق لنا أن أشرنا إلى "نهر سائرس" الذي يثبت وصول غوروش إلى هذه البقعة، فهنالك في القوقاز أنهار، ينبع كلها من هذه الجبال. وقد سمى واحد منها بنهر سائرس أي غوروش. وقد وثقت المصادر الأرمنية والكرجية هذا الاسم. وذكره كذلك بعض السياح الأوروبيين من القرن السادس عشر، فهذا أنتوني جن كنسن Anthonie Jenkinson الذي أرسلته شركة تجارية في لندرة إلى إيران من طريق روسيا سنة 1557 م، يذكر هذا النهر في رحلته قائلًا بأنه يسمى بنهر سائرس، ثم إن جميع الخرائط التي وضعت لهذه الجهات في القرن الثامن عشر، ذكرت "نهر سائرس" هذا بصراحة تامة). اهـ. ثم يتحدث أبو الكلام عن خطأ شائع سببه وجود سد آخر على ساحل بحر الخزر تسمى دربند وسماها العرب باب الأبواب فاختلط على بعضهم الأمر فظنوا أن سد دربند هو سد ذي القرنين مع أن هذا السد بني بالحجارة ولا يوجد بين جبلين، فيؤكد أن سد ذي القرنين

هو الأول ويرجح أن هذا السد بني متأخرا وأن الذي بناه هو كسرى أنوشروان لضرورات دفاعية، ومن كلام أبي الكلام عن سد دربند: "توجد على ساحل بحر الخزر الغربي بلدة، اشتهرت من العصر الساساني باسم "دربند" وسمتها العرب "باب الأبواب" وهي واقعة في نفس المكان الذي انتهت إليه سلسلة جبال القوقاز واتصلت بساحل بحر الخزر. وقد وجد هاهنا جدار حجري من الزمن القديم، يبتدئ من ساحل البحر ويرتفع على منحدرات الجبل صاعدًا إلى مرتفعاته، حتى يبلغ طوله نحو ثلاثين ميلًا. وتفصيل ذلك أنك تجد قبل وصولك بلدة دربند، جدارًا يسد الطريق كله من الساحل إلى مرتفعات الجبل، فلا يمكنك الدخول في البلدة إلا من باب في الجدار نفسه، وكذلك إذا خرجت من البلدة، وجدت جدارًا آخر مثل الأول يسد الطريق، إلا أن به كذلك بابًا يمكنك من التقدم. ويمتد الجداران جنبًا إلى مرتفعات الجبل، وينقص الفصل بينهما كلما تقدما، حتى يصبح عند الساحل خمسمائة ياردة. وفي هذا الفصل تقع البلدة ثم ينقص الفصل بعد ميلين كذلك، فلا يجاوز مائة ياردة. وهنا تنتهي سلسلة الجدارين، فيصيران جدارًا واحدًا. ويمتد هذا الجدار إلى ثمانية وعشرين ميلًا، وينتهي على المرتفعات العالية من الجبل. وكانت قد اشتهرت سلسلة الجدارين عند الفرس باسم "دوبارة" والمكان الذي انتهت إليه هذه السلسلة أقيمت فيه قلعة. وقد سدت هذه السلسلة جميع الطرق الموصلة بين الشمال والجنوب سدًا محكمًا، لأنها توغلت إلى داخل البحر، فسدت طريق الساحل كلية، ثم امتدت فوق الجبل إلى ثلاثين ميلًا، فسدت سائر الطرق التي وجدت في منحدرات الجبل سدًا تامًا، وليس لأحد أن يخترق من الشمال إلى الجنوب إلا بطريق واحد وهو الطريق الذي يفتحه البابان في سلسلة الجدار نفسه. ومن المحقق أن هذا الجدار العظيم وجد قبل الإسلام وسمي المكان في العصر الساساني "دربند" لوجود الجدار به أي باب المملكة المقفل. وقد ذكر الإصطخري، والسعودي، والمقدسي، وياقوت الحموي، والقزويني وغيرهم من المؤرخين والجغرافيين العرب هذا المكان

باسم "دربند" قائلين إنه كان يعد أهم مكان في العصر الساساني. لأن المتغيرين ما كانوا يستطيعون مهاجمة إيران الشمالية إلا من هذا الطريق، فكان المكان مفتوحًا للمملكة الإيرانية، يملكها من يملكه. ولما فتح العرب هذه الجهات في القرن الأول من الهجرة، أدركوا أهمية المكان كالساسانيين، فدعوه "باب الأبواب" عوضًا من "دربند" وسماه البعض "باب الخزر" أو "باب الترك" لأنه كان الطريق لغارات هذه الشعوب. والاسم ترجمة حرفية لاسمه الرومي "كاسبين بورتا" أي باب الخزر". اهـ. ويختم أبو الكلام حديثه بقوله: "لقد كان في عصر غوروش أكبر خطر على آسيا الغربية من جهة قبائل سي تهين، وكان طريق غاراتهم من مضيق داريال، ولكن الوضع الجغرافي تغير بعد ألف عام، فلم يبق خطر من قبل سي تهين، ولكن حلت محله أخطار أخرى، كان أكبرها من جهة الإمبراطورية الرومانية الشرقية في بيزنطة التي كانت تنافس الإمبراطورية الفارسية، وتحاول القضاء عليها. وهي لم تكتف بطرق آسيا الصغرى المطروقة في حروبها، بل كانت تطرق هذا الطريق كذلك. ثم كانت هناك القبائل التركية في سهول بحيرة يورال وبحر الخزر التي انتشرت جماهيرها في الشمال، وكانت هي تهاجم الجهات الشمالية من الإمبراطورية الفارسية، فكان لزاما أن يحصن هذا المكان باهتمام كبير، وعلى ذلك شيد أنوشروان جدار دربند وسد به هذا الطريق في وجه المهاجمين". اهـ رسالة (ويسألونك عن ذي القرنين). أقول: إن هذا التوجه الذي اتجه إليه أبو الكلام هو الذي يناسب سبب النزول وهو الذي تقوم به الحجة، وهو الذي تتحقق به المعجزة فيكون ذلك علمًا من أعلام نبوة رسولنا عليه الصلاة والسلام، وهو الذي ينسجم مع الواقع الحالي للمعرفة البشرية، كما أنه ينسجم مع حديث: "ويل للعرب من شر قد اقترب". وينسجم مع حديث: "أخرج بعث النار ... ". ولا يتعارض مع نص قرآني إذ يمكن أن تفهم النصوص على ضوئه فقوله

تعالى على لسان ذي القرنين: {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} (1) لا يشترط في فهمه أن يكون الوعد هو يوم القيامة بل هو اليوم الموعود لخرابه، وقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ} (2). لا يشترط أن يكون خروجهم بين يدي الساعة منوطًا بوجود السد بل المراد خروجهم من مواطنهم غازين هذا العالم ومنه بلاد الشام، ويحتمل أن يكونوا هم شيوعي هذا العالم -إن بقوا-، ويحتمل أن يكونوا شعوب الاتحاد السوفياتي خاصة، ويحتمل أن يكونوا الصينيين خاصة، ويحتمل أن يكونوا غيرهم ولا يتحددون إلا بظهورهم بين يدي الساعة. إن تحقيقات العلماء كلها منصبة على أن يأجوج ومأجوج من ذرية آدم من ولد يافث ابن نوح ويدخل في ذرية يافث الروم والترك والجنس الآري والجنس الصيني، وعلى ذلك فسكان الهند والصين وشعوب شرقي آسيا وشعوب أوروبا أكثريتهم من ولد يافث ابن نوح، فمن هم الذين يعتبر خروجهم ومجيئهم بكثرتهم الكاثرة إلى بلاد الشام؟ هم يأجوج ومأجوج الذين يعتبر خروجهم من أشراط الساعة؟ الاحتمالات متعددة، والظاهر أنهم يأتون من الشرق. لقد غزا في عصرنا الاتحاد السوفياتي أفغانستان وأصبح بينه وبين بلدان الخليج أقل من أربعمائة كيلو متر وهذا نموذج على ما يمكن أن يفعله شيوعيو الاتحاد السوفياتي -إن بقوا- في يوم ما تجاه منطقتنا، والصينيون يبلغون اليوم مليارًا، ولا يبعد أن يجتاحوا آسيا في يوم من الأيام وهذا نموذج على ما يمكن أن يحدث. وقد وجدت روايات كاذبة حول السد ويأجوج ومأجوج، ووجدت روايات ضعيفة، فإذا ما وجد تحقيق قوى يمكن أن تفهم على ضوئه النصوص القرآنية والنصوص الحديثية الصحيحة والحسنة فإنه يكون مقدمًا حتى يأتي تحقيق آخر أقوى منه. ومع ذلك كله فالأسلم التسليم والتفويض. وقد مرت معنا بمناسبة الكلام عن عيسى ابن مريم وفي أحاديث الدجال أحاديث كثيرة لها علاقة بيأجوج ومأجوج ومع ذلك أفردنا لها هذه الفقرة.

_ (1) الكهف: 98. (2) الأنبياء: 96.

نصوص

نصوص 1089 - * روى أحمد عن ابن حرملة وهو خالد بن عبد الله بن حرملة عن خالته قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عاصب رأسه من لدغة عقرب فقال: "إنكم تقولون لا عدو وإنكم لن تزالوا تقاتلون حتى يأتي يأجوج ومأجوج عراض الوجوه صغار العيون صهب الشعاف ومن كل حدب ينسلون كأن وجهوهم المجان المطرقة". 1090 - * روى البخاري ومسلم عن زينب بنت جحش رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعا يقول: "لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بأصبعيه: الإبهام والتي تليها" فقال زينب بنت جحش: فقلت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم، إذا كثر الخبث". هذه رواية البخاري ومسلم. وفي رواية الترمذي (1) قالت: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من النوم محمرا وجهه، يقول: "لا إله إلا الله ... "وذكر نحوه. وفيه: وعقد عشرا. قوله: "ويل للعرب" إنما خص الويل بهم، لأن معظم مفسدتهم راجع إليهم، وقد وقع بعض ما أخبر به صلى الله عليه وسلم حيث قال: "إن يأجوج ومأجوج هم الترك" وقد أهلكوا الخليفة المستعصم، وجرى ما جرى ببغداد، قاله الكرماني. قال النووي: "الخبث" هو بفتح الخاء والباء. وفسره الجمهور: بالفسوق والفجور. وقيل: المراد به: الزنا خاصة. وقيل أولاد الزنا. والظاهر: أنه المعاصي مطلقًا.

_ 1089 - أحمد (5/ 271). مجمع الزوائد (8/ 6) وقال: رواه أحمد والطبراني، ورجالهما رجال الصحيح. (صهيب الشغاف) صهيب الشعور، والصهبة: الشقرة. 1090 - البخاري (13/ 106) 92 - كتاب الفتن، 28 - باب يأجوج ومأجوج. مسلم (4/ 2208) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 1 - باب اقتراب الفتن، وفتح ردم يأجوج ومأجوج. (1) الترمذي (4/ 480) 34 - كتاب الفتن، 33 - باب ما جاء في خروج يأجوج ومأجوج.

"ونهلك" بكسر اللام، على اللغة الفصيحة المشهورة، وحكي فتحها، وهو ضعيف أو فاسد. ومعنى الحديث: أن الخبث إذا كثر، فقد يحصل الهلاك العام وإن كان هناك صالحون. 1091 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وعقد بيده تسعين". قال النووي: "فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه" وعقد سفيان بيده عشرة، هكذا وقع في رواية سفيان عن الزهري. ووقع بعده في رواية يونس "وحلق بأصبعيه الإبهام والتي تليها". وفي حديث أبي هريرة بعده "وعقد وهب بيده تسعين" فأما روايتا سفيان ويوسف، فمتفقتان في المعنى، وأما رواية أبي هريرة فمخالفة لهما؛ لأن عقد التسعين أضيق من العشرة. قال القاضي: لعل حديث أبي هريرة متقدم، فزاد قدر الفتح بعد هذا القدر، قال: أو يكون المراد: التقريب للتمثيل، لا حقيقة التحديد، و"يأجوج ومأجوج" غير مهموزين ومهموزان، قرئ في السبع بالوجهين، والجمهور بترك الهمزة".

_ 1091 - البخاري (13/ 106) 92 - كتاب الفتن، 28 - باب يأجوج ومأجوج. مسلم (4/ 2208) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 1 - باب اقتراب الفتن، وفتح ردم يأجوج ومأجوج. (ردم): ردمت الثلمة ردما: إذا سددتها، والاسم والمصدر سواء: الردم. (حلق وعقد عشرًا): حلق: أي جعل أصبعه كالحلقة، وعقد عشرًا: هي من مواضعات الحساب، وهو أن تجعل رأس أصبعك السبابة في وسط أصبعك الإبهام من باطنها شبه الحلقة، وعقد التسعين مثلها، إلا أنها أضيق منها حتى لا يبين في الحلقة إلا خلل يسير

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد (1) قد مر معنا من قبل حديث النواس بن سمعان وفيه: "فبينما هو كذلك (أي عيسى عليه السلام) إذ أوحى الله إلى عيسى عليه السلام إني قد أخرجت عبادًا لي لا يدان لأحد بقتالهم فحرز عبادي إلى الطور. ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرة ماء، ويحصر نبي الله عيسى عليه السلام وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرًا من مائة دينار لأحدكم اليوم فيرغب نبي الله عيسى عليه السلام وأصحابه إلى الله تعالى فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة. ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب نبي الله عيسى عليه السلام وأصحابه إلى الله فيرسل الله طيرًا كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله. ثم يرسل الله مطرًا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة ... " (1).

_ (لايدان): أي لا قدرة ولا طاقة لاحد بمقاتلتهم. (فحرز عبادي إلى الطور): أي ضمهم إلى الطور واجعله لهم حرزا. والطور هو الجبل الذي ناجى عليه سيدنا موسى عليه السلام ربه، وهو بالقرب من مصر عند موضع يسمى مدين كما قاله ياقوت في معجم البلدان. (الحدب): المرتفع من الأرض. (ينسلون): يسرعون. (يحصر نبي الله عيسى وأصحابه): أي يحاصرون ويحبسون في جبل الطور. (فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله: أي يدعون الله ويرغبون إليه في إهلاكهم. (النغف): دود يكون في أنوف الإبل والغنم. (فرسى): أي موتى. (يهبط نبي الله عيسى وأصحابه): أي ينزلون من جبل الطور. (نتنهم): رائحتهم الكريهة. (البخت): الإبل ذات الاعناق الطويلة القوية. (لا يكن): أي لا يحفظ منه بيت تراب أو حجر أو صوف أو شعر. (كالزلفة): أي كالمرآة في صفاتها ونظافتها. (1) مسلم (4/ 2250) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 20 - باب ذكر الدجال وصفته وما معه.

(2) قال ابن كثير في النهاية: "يأجوج ومأجوج طائفتان من الترك من ذرية آدم عليه السلام كما ثبت في الصحيح، يقول الله تعالى يوم القيامة: "يا آدم فيقول: لبيك وسعديك فينادي بصوت: ابعث بعث النار فيقول كم؟ فيقول من كل ألف تسعمائة وتسع وتسعون على النار وواحد إلى الجنة، فيومئذ يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها؛ فيقال: أبشروا؛ فإن في يأجوج ومأجوج لكم فداء؛ وفي رواية فيقال: إن فيكم أمتين ما كانتا في شيء إلا كثرتاه، يأجوج ومأجوج" "وهم يشبهون الناس كأبناء جنسهم من الأتراك المخرومة عيونهم الزلف أنوفهم الصهب شعورهم على أشكالهم وألوانهم، ومن زعم أن منهم الطويل الذي كالنخلة السحوق أو أطول، ومنهم القصير الذي هو كالشيء الحقير، ومنهم من له أذنان يتغطى بإحداهما ويتوطى بالأخرى، فقد تكلف ما لا علم له به، وقال ما لا دليل عليه". اهـ (النهاية في الفتن والملاحم). أقول: تطلق كلمة الأتراك على الأقوام القاطنة وراء جبال تركستان، فلا ينبغي أن ترتبط كلمة الترك بما هو مشهور ومعروف الآن: أن الأتراك هم سكان آسيا الصغرى في شمال بلاد الشام، فهناك أتراك مسلمون كانت لهم أدوار كبيرة في خمة الإسلام والمسلمين، فهؤلاء من الأمة الإسلامية ولا يدخلون فيما ورد من كلام للعلماء في كفار الترك. (3) قال الشيخ عبد الفتاح: "ويأجوج ومأجوج كل واحد من هذين اللفظين: اسم لقبيل وأمة من الناس، مسكنهم في أقصى الشرق، وما يقال في خلقتهم وصفاتهم مما يخيل إلى سامعه أنهم ليسوا من طبيعة البشر ولا على خلقة الناس فكذب لا أصل له. قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" في تفسير سورة الكهف 3: 103 - 104: "هم من سلالة آدم عليه السلام، كما ثبت في "الصحيحين": أن الله تعالى يقول -أي يوم القيامة- يا آدم فيقول: لبيك وسعديك،

فيقول: ابعث بعث النار -أي ميز أهل النار من غيرهم- فيقول: وما بعث النار؟ -أي وما مقدارهم؟ - فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار، وواحد إلى الجنة، فحينئذ يشيب الصغير! وتضع كل ذات حمل حملها! فقال -أي رسول الله صلى الله عليه وسلم-: إن فيكم أمتين ما كانت في شيء إلا كثرتاه: يأجوج ومأجوج". انتهى. قال العلامة جمال الدين القاسمي رحمه الله تعالى في تفسيره "محاسن التأويل" عند ذكرهم في سورة الكهف 11: 4116: "قال بعض المحققين: كان يوجد من وراء جبل من جبال القوقاز المعروف عند العرب بجبل قاف في إقليم داغستان: قبيلتان، تسمى إحداهما: (آقوق)، والثانية (ماقوق)، فعربها العرب باسم (يأجوج) و (مأجوج)، وهما معروفان عند كثير من الأمم، وورد ذكرهما في كتب أهل الكتاب، ومنهما تناسل كثير من أمم الشمال والشرق في روسيا وآسيا". ثم قال الحافظ ابن كثير: "وما يذكر في الأثر عن وهب بن منبه في أشكالهم وصفاتهم وآذانهم وطولهم وقصر بعضهم ففيه غرابة ونكارة. وروى ابن أبي حاتم عن أبيه في ذلك أحاديث غريبة لا تصح أسانيدها". انتهى. وقال الشيح أبو حيان الاندلسي في تفسيره: "البحر" 6: 163 "قد اختلف في عددهم وصفاتهم، ولم يصح في ذلك شيء". ونقله عنه العلامة الألوسي في تفسيره "روح المعاني" 5: 142 مرتضيًا له. ويعني أبو حيان أن الأخبار التي تروى في ذلك ضعيفة لا تثبت على محك النقد. وقد اتفقت كلمة القرآن الكريم والحديث الشريف على كثرة يأجوج ومأجوج، وشدة إفسادهم كما هو صريح في ... [حديث النواس بن سمعان]، وكما هو صريح في حديث "الصحيحين" الذي نقلناه عن الحافظ ابن كثير ... ، وكما جاء ذلك في أحاديث كثيرة لا تحصى. وقد أفصح القرآن الكريم عن هذا أيضًا فقال تعالى في سورة الكهف مخبرًا عن ذي القرنين وعنهم: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا * قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا

عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} (1)؟ ثم قال سبحانه: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} (2). وقال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" 3: 105 "وقال السدي في قوله تعالى: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} (3) قال: ذاك حين يخرجون على الناس. وهذا كله قبل يوم القيامة وبعد الدجال، كما سيأتي بيانه عند قوله تعالى في سورة الأنبياء: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ} (4). وقال عند هذه الآية في سورة الأنبياء 3: 195: "وهذه صفتهم في حال خروجهم". اهـ (التصريح بما تواتر في نزول المسيح) * * *

_ (1) الكهف: 93 - 94. (2) الكهف: 99. (3) الكهف: 99. (4) الأنبياء 96 - 97.

الفقرة الثانية والعشرون في لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق

الفقرة الثانية والعشرون في لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق مقدمة بعد وفاة المسيح علية السلام بفترة ما يرسل الله ريحًا تقبض روح كل مؤمن كما مر معنا من قبل، وأصل هذا الموضوع وهو أن ريحًا تكون بعد المسيح عليه السلام بزمن ما تقبض روح كل مؤمن فلا يبقى إلا شرار الخلق عليهم تقوم الساعة، هذا القدر فيه نصوص كثيرة منها حديث عبد الله بن عمرو الذي ذكرناه من قبل وناقشنا بعض أجزائه، والذي فيه (1): " ... ثم يرسل الله ريحا فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته حتي لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلت عليه حتى تقبضه فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع لا يعرفون معروفًا ولا ينكرون منكرًا فيتمثل لهم الشيطان فيقول: ألا تستجيبون؟ فيقولون: فما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان". وفي رواية لأحمد ومسلم وغيرهما (2) " ... فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحًا طيبة. فتأخذهم تحت آباطهم. فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ويبقى شرار الناس، يتهارجون فيها تهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة". (يتهارجون تهارج الحمر): قال الشيخ عبد الفتاح: "أي يتسافدون في الأرض تسافد الحمر، أي يجامع الرجال علانية النساء بحضرة الناس كما يفعل الحمير، ولا يكترثون لذلك. والهرج: الجماع. وهذا نموذج لشيوع الفساد والفواحش حينذاك " اهـ (التصريح).

_ (1) انظر الحديث وتخريجه ص 1098. (2) انظر الحديث وتخريجه ص 1028، 1032.

وهذه نصوص أخرى تؤكد هذا الشأن: 1092 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبعث ريحًا من اليمن، ألين من الحرير، فلا تدع أحدًا في قلبه مثقال حبة من إيمان إلا قبضته". وفي رواية (1): "مثقال ذرة". 1093 - * روى مسلم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة إلا على أشرار الناس". 1094 - * روى مسلم بن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة على أحدٍ يقول: الله الله". وفي رواية (2) "حتى لا يقال في الأرض: الله الله". 1095 - * روى أحمد عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يأخذ الله شريطته من أهل الأرض فيبقى فيها عجاج لا يعرفون معروفًا ولا ينكرون منكرا".

_ 1092 - مسلم (1/ 109) 1 - كتاب الإيمان، 50 - باب في الريح التي تكون قرب القيامة تقبض من في قلبه شيء من الإيمان. (1) مسلم: الموضع نفسه 1093 - مسلم (4/ 2268) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 27 - باب قرب الساعة. 1094 - مسلم (1/ 130) 1 - كتاب الإيمان، 66 - باب ذهاب الإيمان آخر الزمان. (2) مسلم: الموضع نفسه والترمذي (4/ 492) 24 - كتاب الفتن، 35 - باب حدثنا محمد بن بشار. وقال الترمذي: وروي عنه غير مرفوع، وهو أصح. 1095 - أحمد (2/ 210). مجمع الزوائد (8/ 13)، وقال الهيثمي: رواه أحمد مرفوعًا وموقوفًا، ورجالها رجال الصحيح. (العجاج): الغوغاء والأراذل ومن لا خير فيه.

1096 - * روى أحمد عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض لا إله إلا الله". 1097 - * روى أحمد عن علباء السلمي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "لا تقوم الساعة إلا على حثالة من الناس". 1098 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة" وذو الخلصة: طاغية دوس التي كانوا يعبدون في الجاهلية. وفي رواية: (1) وذو الخلصة: صنم كان يعبده دوس في الجاهلية بتبالة. 1099 - * روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يذهب الليل والنهار، حتى تعبد اللات والعزى" قلت: يا رسول الله، إن كنت لأظن حين أنزل الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} الصف: 9. أن ذلك تام، قال: "إنه سيكون من ذلك ما شاء الله، ثم يبعث الله ريحاً طيبة، فتتوفى كل من كان في قلبه مثقال

_ 1096 - أحمد (3/ 107). مجمع الزوائد (8/ 13)، وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. 1097 - أحمد (3/ 499). والمعجم الكبير (18/ 84). مجمع الزوائد (8/ 13)، وقال: رواه أحمد وأبو يعلي والطبراني، ورجاله ثقات. 1098 - البخاري (13/ 76) 92 - كتاب الفتن، 23 - باب تغير الزمان حتى تعبد الأوثان. مسلم (4/ 2230) 52 - كتاب الفتن، 17 - لا تقوم الساعة حتى تعبد دوس ذا الخلصة. (1) مسلم الموضع السابق (أليات نساء دوس على ذي الخلصة): ذو الخلصة: بيت أصنام كان لدوس وخثعم وبجيلة، ومن كل ببلادهم من العرب: قيل: هو صنم، وكان عمرو بن لحي نصبه بأسفل مكة، حين نصب الأصنام في مواضع شتى، فكانوا يلبسونه القلائد، ويعلقون عليه بيض النعام، ويذبحون عنده، فكان معناهم في تسميتهم بذلك: أن عباده خلصةـ، وقيل: هو الكعبة اليمانية، والمعنى: أنهم يرتدون ويرجعون إلى جاهليتهم في عبادة الأوثان، فترمل نساء دوس طائفات حوله فترنح أردافهن. 1099 - مسلم (4/ 2230) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 17 - باب لا تقوم الساعة حتى تعبد دوس ذا الخلصة.

حبة من خردل من إيمان، فيبقى من لا خير فيه، فيرجعون إلى دين آبائهم". 1100 - * روى مسلم عن عبد الرحمن بن شماسة رحمه الله، قال: كنت عند مسلمه ابن مخلد وعنده عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال عبد الله، لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق، هم شر من أهل الجاهلية، لا يدعون الله بشيء إلا رده عليهم، فينما هم على ذلك أقبل عقبة بن عامر، فقال له مسلمه: يا عقبه، اسمع ما يقول عبد الله، فقال عقبة: هو أعلم، وأما أنا، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله، قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك"، قال عبد الله: أجل، "ثم يبعث الله ريحا كريح المسك، مسها مس الحرير، فلا تترك نفسًا في قلبه مثقال حبة من إيمان إلا قبضته، ثم يبقى شرار الناس، عليهم تقوم الساعة". * * *

_ 1100 - مسلم (3/ 1523) 33 - كتاب الإمارة، 52 - باب قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ... إلخ.

الفقرة الثالثة والعشرون في: نار عدن

الفقرة الثالثة والعشرون في: نار عدن مقدمة إن آخر الآيات التي تكون بين يدي الساعة هي خروج نار من قعر عدن تسوق الناس إلى أرض المحشر، وقد حاول بعض العلماء أن يحمل الأحاديث الواردة في ذلك على ما ظهر في أرض العرب من بترول استعمل في السيارات وغيرها بحيث يستطيع الإنسان أن يسافر من اليمن إلى الشام على راحته فيطفئ محرك السيارة حيث شاء ويمشي حيث شاء وذلك فهم خاطئ للنصوص، فالنار الواردة في النصوص حادثة خارقة تكون بين يدي الساعة تحشر الناس بشكل خارق حتي تلحقهم إلى الشام مركز الحشر ثم تقوم الساعة على الناس، ولا تقوم الساعة إلا على كافر كما رأينا في الفقرة السابقة. وهذه بعض النصوص الواردة في هذا الشأن وقد مر معنا بعضها من قبل:

النصوص

النصوص 1101 - * روى مسلم عن حذيفة بن أسد الغفاري رفعه: "إنها لن تقوم الساعة حتي تروا قبلها عشر آيات، فذكر الدخان والدجال والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف، خسف بالشرق وخسف بالغرب وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تطرد الناس إلى محشرهم". وفي رواية (1): "وريح تلقي الناس بالبحر". وفي أخرى (2): "ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس فتبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا". 1102 - * روى الطبراني عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تبعث نار على أهل المشرق فتحشرهم إلى المغرب تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا يكون لها ما سقط منهم وتخلف وتسوقهم الجمل الكسير". 1103 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ستخرج نار من حضر موت -أو من بحر حضر موت- قبل القيامة تحشر الناس" قالوا: يا رسول الله، فما تأمرنا؟ قال: "عليكم بالشام".

_ 1101 - مسلم (4/ 2225) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 13 - باب في الآيات التي تكون قبل الساعة وأبو داود (4/ 114) كتاب الملاحم، باب أمارات الساعة. والترمذي (4/ 477) 34 - كتاب الفتن، 21 - باب ما جاء في الخسف. وقال: هذا حديث حسن صحيح (1) مسلم (4/ 2226): الموضع السابق. (2) الترمذي: الموضع السابق. 1102 - مجمع الزوائد (8/ 12) وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله ثقات. 1103 - الترمذي (4/ 498) 34 - كتاب الفتن، 42 - باب ما جاء لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من قبل الحجاز. وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح.

1104 - * روى الطبراني في الأوسط عن بن عبد الله بن سلام عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن أول أشراط الساعة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أول أشراط الساعة نار تخرج من المشرق وتحشرهم إلى المغرب". 1105 - * روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أول أشراط الساعة: نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب". (قال الحافظ في "الفتح": وصلة المصنف في باب الهجرة في قصة إسلام عبه الله بن سلام موصولًا من طريق حميد عن أنس بلفظ: "وأما أول أشراط الساعة، فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب" ووصله أيضًا في الأنبياء من وجه آخر عن حميد بلفظ: "نار تحشر الناس ... ". أقول: الأولية هنا نسبية فهي آخر الأشراط من ناحية وهي الأولى بالنسبة لما بعدها من ناحية أخرى. 1106 - * روى أحمد عن رافع بن بشير السلمي عن أبية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يوشك أن تخرج نار من حبس سيل تسير بسير بطيئة الإبل تسير النهار وتقيم الليل تغدو وتروح يقال: غدت النار أيها الناس فاغدوا، قالت النار أيها الناس قيلوا، راحت النار أيها الناس روحوا، من أدركته أكلته".

_ 1104 - مجمع الزوائد (8/ 12) وقال: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح. 1105 - البخاري (13/ 78) 92 - كتاب الفتن، 24 - باب خروج النار. وقد رواه تعليقًا. 1106 - أحمد (3/ 443). والمعجم الكبير (2/ 42). مجمع الزوائد (8/ 12) وقال: رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد رجال الصحيح غير رافع وهو ثقة.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد (1) قال ابن كثير بمناسبة الكلام عن نار عدن: "فهذه السياقات تدل على أن هذا الحشر هو حشر الموجودين في آخر الدنيا، من أقطار [إلى] محلة المحشر، وهي أرض الشام، ... ، وهي [أي: هذه النار] التي تخرج من قعر عدن، فتحيط بالناس، من ورائهم، تسوقهم من كل جانب، إلى أرض المحشر، ومن تخلف منهم أكلته النار، وهذا كلة مما يدل على أن هذا في آخر الدنيا، ... ، وحيث يهلك المتخلفون منهم بالنار، ولوكان هذا بعد نفخة البعث، لم يبق موت ... ولا أكل ولا شرب، ولا لبس في العرصات". أهـ (النهاية في القتن والملاحم). (2) علق الشيخ عبد الفتاح حفظه الله على الأحاديث التي تذكر أن النار تخرج من عدن أو من المشرق بما يلي: (قال الحافظ بن حجر: ووجه الجمع بين هذه الأخبار أن كون النار تخرج من قعر عدن لا ينافي حشرها من المشرق إلى المغرب، وذلك أن ابتداء خروجها من قعر عدن، فإذا خرجت انتشرت في الأرض كلها. والمقصود بقوله صلى الله عليه وسلم: "تحشر الناس من المشرق إلى المغرب": إرادة تعميم الحشر، لا خصوص المشرق والمغرب، وأما جعل الغاية إلى المغرب فلأن الشام بالنسبة إلى المشرق: مغرب". انتهى بزيادة وتصرف. وقد تضمنت هذه الأحاديث بيان مكان خروج النار، وبيان وقت خروجها، وكيفية سوقها للناس، ومنتهاها بهم. وجاء في حديث آخر بيان حال الناس حين يساقون إلى المحشر في الشام: روى البخاري في "صحيحة" 11: 326 ومسلم في "صحيحة" أيضًا 17: 194 عن أبي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يحشر الناس -أي إلى الشام قبل قيام الساعة

وهم أحياء -على ثلاث طرق- أي غلى ثلاث أحوال- راغبين وراهبين، واثناء على بعير- هذا معطوف على محذوف تقديره: واحد على بعير، واثنان على بعير- وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة على بعير- أي أنهم يتعاقبون على ركوب البعير الواحد، فيركب بعضهم ويمشي بعضهم- وتحشر بقيتهم النار، تقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسي معهم حيث أمسوا" أي تلازمهم كل الملازمة إلى ان يصلوا إلى مكان الحشر، نسأل الله السلامة والعون). أهـ (التصريح). * * *

الوصل الثاني في الموت والحياة البرزخية

الوصل الثاني في الموت والحياة البرزخية وفيه: مقدمة ونصوص ومسائل وفوائد

المقدمة

المقدمة في الموت جانب محسوس وهو محل الرؤية والتعليل الطبي، وفي الموت جانب غيبي، فقد أخبرنا الكتاب والسنة عن مفارقة الروح للجسد، وعن قبض الروح بواسطة ملك الموت وأعوانه فهذا القدر داخل في الاعتقاد: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} (1). {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} (2). {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ} (3). وتحدث عن الموت معان كانكشاف شيء غيبي للإنسان، ويرافق الموت معان، ويحدث للروح بعد الموت معان، وهناك نوع تعلق للروح في جسدها بعد الوفاة، ومن ههنا يأتي نعيم القبر وعذابة وهي قضايا غيبية، ثم إن لروح المؤمن والشهيد أوضاعًا خاصة في عالم البرزخ ولروح الكافر أوضاع أخرى، فهناك حياة برزخية فيما بعد وفاة الإنسان حتي النفخة الأولى إذ تقوم القيامة الكبرى فعندئذ تبدأ مرحلة جديدة في رحلة الإنسان، وكل هذه قضايا غيبية يجب الإيمان بها وهي مرتبطة بالإيمان باليوم الآخر فالموت هو القيامة الصغرى وبالنفخة الأولى تقوم القيامة الكبرى. * * * ويتوضح حول الموت أكثر من موضوع فهناك أدب التعامل مع الموت وهناك الصلاة على الميت وهناك الجانب الغيبي في الموت، فأما أدب التعامل مع الموت فسنذكره في القسم الرابع في (الأخلاقيات وأحكام الحياتيات والعاديات)، والجانب الغيبي محله هنا في قسم (العقائد) وهو محل بحثنا هنا، والقرآن فيه تفصيل كل شيء ومن جملة ذلك الجانب الغيبي في أمر الحياة والموت: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (4).

_ (1) الزمر: 42. (2) السجدة: 11. (3) الأنعام: 61. (4) تبارك: 2.

{تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ} (1). {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} (2). {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (3). {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (4). {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} (5). {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} (6). ونصوص السنة توضح وتبين وتزيد التفصيل تفصيلاً. * * * والملحدون والماديون وبعض أهل الفلسفة ينكرون الروح وذلك كفر، كيف والروح تعبر عن نفسها بحركة الجنين بعد أن يمر عليه أربعة أشهر ونيف وتدل على ذاتها بالنوم وبالتنويم المغناطيسي وتعبر عن نفسها وتطلعاتها الأصلية أو الملابسة بأنواع التطلعات. وبعض الماديين ينكرون ما ورد في بعض النصوص من ذكر أن عذاب القبر يحس به ما سوى الإنس والجن مع أن ذلك مشاهد عند بعض الحيوان فكثيرا ما تصغي الخيل إذا مرت بالقبور، ثم إنه من الثابت أن أذن الإنسان إنما تسمع الأصوات التي تكون ذبذباتها ضمن حد معين بينما المخلوقات الأخرى لها عتبات أخرى، وإنما نذكر هنا من باب التقريب، وإلا فحيث ثبت النص فواجبنا التسليم:

_ (1) الأنعام: 61. (2) إبراهيم: 27. (3) غافر: 46. (4) آل عمران: 169. (5) الأعراف: 40. (6) الفجر: 27 - 30.

{وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} (1). * * * لقد أعطانا الله صورة مصغرة عن الموت بالنوم ورد في حديث صحيح: "النوم أخو الموت" وفي الآية {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} (2). وكما أن النائم يفرح ويتألم ويتلذذ ويتعذب ولا يحس بما يحدث له من يراقبه فكذلك شأن الميت مع الفارق بين الحالين. وهاك عرضًا إجماليًا لموضوع الموت والحياة البرزخية: الأمم لها آجال والحيوانات لها آجال وأفراد الإنس والجن لهم آجال فلا يموت أحد حتى يستوفي أجله الذي قدره الله له، قال تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} (3). {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} (4). {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} (5). {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} (6). {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} (7). {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا} (8). {وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ} (9).

_ (1) الكهف: 29. (2) الزمر: 42. (3) الأعراف: 34. (4) الأنعام: 38. (5) آل عمران: 154. (6) الزمر: 30. (7) آل عمران: 185. (8) المنافقون: 11. (9) آل عمران: 158.

{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (1). -وإذا كان الموت قادمًا بالنسبة للإنسان فعليه أن يستعد له، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} (2). {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} (3). -وإنما يتم الموت بنقض روح الإنسان من قبل الملك الموكل بذلك وأعوانه {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ} (4). والملائكة تبشر أهل الاستقامة عند قبض أرواحهم وتبكت الكافرين: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} (5). {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} (6). -وعند الموت وبعده تنكشف للإنسان الكثير من الغيوب فيستبشر المؤمن ويتحسر الكافر ويتمنى الرجوع ويندم ولات حين مندم: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} (7). {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (8).

_ (1) الرحمن: 26 - 27. (2) الحشر: 18. (3) البقرة: 197. (4) الأنعام: 61. (5) فصلت: 30 - 31. (6) الأنعام: 93. (7) ق: 19. (8) المؤمنون: 99 - 100.

-ومن قوله تعالى {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (1) سمى العالم الذي ينتقل إليه الإنسان بعالم البرزخ فالبرزخ هو الواقع بين الشيئين فالبرزخ هو العالم الذي ينتقل إليه الإنسان بعد الموت ويبقى فيه إلى يوم البعث فجميع الأموات يصيرون إلى عالم البرزخ قبروا أو لم يقبروا. -فإذا قبضت روح الإنسان ذهب بها إلى السماء فإن كان صاحبها مؤمنًا دخلت السماء لتلقى ربها راضية مرضية على الوجه الذي يشاؤه ربنا {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ} (2) ثم ترجع إلى الأرض ليكون لها نوع لقاء بجسمها سواء مقبورًا أو مذرورا فتكون ضمة قبر وسؤال ونعيم برزخي وإن كان صاحبها كافرًا أو منافقًا لا تفتح لها أبواب السماء وترد نوع رد إلى جسمها لتسأل وتعذب: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ} (3). -وأرواح الأنبياء والشهداء وبعض المؤمنين لها نفحاتها الخاصة في الجنة: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (4). -ولعالم الروح في البرزخ أحوال على حسب وضع صاحبها، وللأرواح لقاءات وزيارات وصلات فعالم البرزخ أوسع بما لا يقاس من عالم الدنيا بل هو بالنسبة لعالم الدنيا كعالم الدنيا بالنسبة لعالم البطن. ومن المتفق عليه بين أهل السنة والجماعة: أن الميت منعم أو معذب على حسب وضعة وحاله، ولكن هل هذا النعيم أو العذاب للروح فقط أو للجسد صلة بشكل ما مع الروح في النعيم والعذاب؟ الذي عليه جماهير أهل السبة والجماعة: أن هذا النعيم أو العذاب للروح وللجسد بكيفية علمها عند الله؛ قال تعالى: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ

_ (1) المؤمنون: 100. (2) الأحزاب: 44. (3) الأعراف: 40. (4) آل عمران: 169.

الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} (1). {يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} (2). {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (3). -والأموات ينتفعون بدعاء الأحياء لهم وبما يعتبر استمرارًا لخير قدموه قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا} (4). {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} (5). -وقد وردت نصوص كثيرة في الكتاب والسنة حول الموت والحياة البرزخية وألفت في ذلك الكتب الكثيرة، ولو أردنا أن نتعرض لكل ما ورد لطال بنا المقام ولذلك فإننا سنقتصر على ذكر بعض نصوص السنة النبوية هنا، وهناك نصوص تأتي في سياقات أخرى كالكلام عن الشهداء وكالكلام عن أدب التعامل مع الموت وكالكلام عن صلاة الجنازة. -ومن العناوين التي ذكرها الشيخ عبد الله سراج الدين في كتابه (الإيمان بعوالم الآخرة ومواقفها) نعرف سعة هذا الموضوع فقد ذكر العناوين الآتية: الموت وحقيقه -كلمات حول الروح الإنساني- بشارة الملائكة عليهم السلام عند الموت- إنذار الملائكة عليهم السلام للكفار عند موته بالعذاب- حسرات الكافرين والعصاة حين ينزل بهم الموت وتمنيهم العودة إلى الدنيا- عالم البرزخ- الناس على مراتب في لقاء

_ (1) الواقعة: 88 - 94. (2) الفجر: 27 - 30. (3) غافر: 45 - 46. (4) الحشر: 10. (5) يس: 12.

ربهم- السؤال في البرزخ- نعيم القبر وعذابه- تعوذه صلى الله عليه وسلم من عذاب القبر وأمره بذلك- أسباب عذاب القبر- نعيم القبر على مراتب متعددة- تكليم الله سبحانه وتعالى أولياءه ونظرهم إليه سبحانه في عالم البرزخ- اطلال أهل البرزخ وسماعهم- انتفاع الأموات بالأعمال الصالحة والأقوال الطيبة التي يهديها إليهم الاحياء- عرض الأعمال على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم- عرض الأعمال على الأقارب والعشيرة في البرزخ- حال أهل البرزخ من حيث الأعمال التعبدية- تلاقي الأموات في عالم البرزخ وتساؤلهم وتزاورهم- التقاء أهل الدنيا بأهل البرزخ واتصالهم بهم. فالموضوع واسع وما لا يدرك كله لا يترك جله. وسنذكر هنا من النصوص ما هو الألصق بموضوعنا:

بعض النصوص القرآنية

بعض النصوص القرآنية التي تتحدث عن الموت والحياة البرزخية {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ * فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى} (1). قوله تعالى: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ}: أي إذا بلغت الروح أعالي الصدر، فالتراقي جمع ترقوة، وللإنسان ترقوتان، وهما أعلى عظمين في الصدر يكتنفان العنق من جهة الأمام. وقوله تعالى: {مَنْ رَاقٍ} من الرقية، أي من يرقيه ليشفيه، والرقية: تكون بتلاوة قرآن أو دعاء. وفسرها بعضهم بأن المراد بذلك: من يرقى بروحه: ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب. وقوله تعالى: {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ}: قد يراد بها التصاق الساقين وقد يراد بها اجتماع الشدة بالشدة، فقد اجتمعت عليه شدة النزع في الدنيا وشدة ما سيلقى بعد الموت. وقال السدي: المراد بذلك: لف الساقين بالكفن. وقوله تعالى: {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ}: أي المرجع والمآب، وذلك أن الروح بعد الموت يصعد بها إلى السماء، فإن كانت مؤمنة فتحت لها أبواب السماء ثم ردت إلى الأرض مكرمة، وإن كانت غير مؤمنة لا تفتح لها أبواب السماء، وردت إلى الأرض مسخوطاً عليها. {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} (2). {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا

_ (1) القيامة: 26 - 33. (2) آل عمران: 185.

وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} (1). قوله تعالى: {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ}: أي عند الموت قائلين: {أَلَّا تَخَافُوا}: أي مما تقدمون عليه من أمر الآخرة {وَلَا تَحْزَنُوا}: على ما خلفتموه من أمر الدنيا من ولد وأهل ومال ودين، فأنا نخلفكم فيه. ورجح ابن كثير: أن المراد بتنزيل الملائكة: تنزلهم عند الموت وفي القبر وحين البعث. {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} (2). وقال تعالى: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ}: أي الروح، {الْحُلْقُومَ}: أي الحلق. وقوله تعالى: {وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ}: أي إلى المحتضر وما يكابده دون أن تستطيعوا أن تفعلوا له شيئًا. وقوله تعالى: {فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ}: أي مقهورين بالموت ومجزبين على أعمالكم. {تَرْجِعُونَهَا}: أي فارجعوا هذه الروح إلى جسدها وامنعوا عنها الموت. وقوله تعالى: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ}: أي المحتضر حاله واحدًا من أحوال ثلاثة، فلكل حالة جزاؤها بعد الموت، فالمقرب وصاحب اليمين: مبشران، والآخر: فإنه مؤنب معذب. الروح: الرحمة. "الريحان": الرزق. و"النزل": الضيافة. {يَابَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ

_ (1) فصلت: 30 - 33. (2) الواقعة: 83 - 94.

فِيهَا خَالِدُونَ * فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ} (1). قوله تعالى: {يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ}: أي ينالهم ما كتب عليهم جزاء على أعمالهم، وفي الآية دليل على أن الملائكة تقرع الكافر عند نزل روحه، وأن الكافر يعرف حقيقة ما كان عليه من الضلال عند نزع الروح.

_ (1) الأعراف: 35 - 37.

النصوص الحديثية

النصوص الحديثية 1107 - * روى الترمذي عن أبي عزة، يسار بن عبد، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قضي الله لعبد أن يموت بأرض جعل له إليها حاجة، [أو بها حاجة] ". 1108 - * روى النسائي عن عبد الله بن عمرو: مات رجل بالمدينة ممن ولد بها فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "يا ليته مات بغير مولده" قالوا ولم ذلك يا رسول الله؟ قال: "إن الرجل إذا مات بغير مولده قيس من مولده إلى منقطع أثره في الجنة". 1109 - * روى رزين عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها". 1110 - * روى أبو يعلى عن يحيى بن طلحة قال: رأى عمر طلحة بن عبيد الله حزيبا فقال مالك؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إني لأعلم كلمات لا يقولهن عبد عند الموت إلا نفس الله عنه وأشرق له من لونه ما يسره"، قال فما يمنعني أن أسأله

_ 1107 - الترمذي (4/ 453) 33 - كتاب القدر، 11 - باب ما جاء أن النفس تموت حيث ما كتب لها. وقال: هذا حديث صحيح. 1108 - النسائي (4/ 7) كتاب الجنائز، 8 - باب الموت بغير مولده. وإسناده حسن وابن ماجة (1/ 515) 6 - كتاب الجنائز، 61 - باب ما جاء فيمن مات غريبًا. 1109 - أخرجه رزين، كما في الجامع. وقد رواه أبو نعيم في "الحلية" من حديث أبي أمامه، وابن حيان والحاكم وابن ماجه من حديث جابر، والحاكم من حديث ابن مسعود، والبزار من حديث حذيفة، وابن حيان والبزار والطبراني عن أبي الدرداء، وأبو يعلي عن أبي هريرة، وابن ماجة عن أبي حميد الساعدي مطولًا ومختصرًا، وهو حديث صحيح، وانظر فيض القدير (2/ 405). (روح القدس): القدس: الطهارة، وروح القدس: اسم جبريل عليه السلام أي: الروح المقدسة الطاهرة. (نفث في روعي): النفث: النفخ بالفم، والروع: النفس، يقول: نفث في روعي، أي: ألقى في قلبي، وأوقع في نفسي، وألهمني. 1110 - مجمع الزوائد (2/ 324) وقال: رواه أبو يعلي ورجاله رجال الصحيح.

عنها إلا القدرة عليها، فقال عمر: إني لأعلم ما هي، قال طلحة: ما هي؟ قال: هل تعلم كلمة أفضل من كلمة دعا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه عند الموت؟ قال طلحة: هي والله هي: لا إله إلا الله. 1111 - * روى ابن ماجه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها حميم لها يخنقه الموت فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما بها قال لها: "لا تبتئسي على حميمك فإن ذلك من حسناته". 1112 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود رفعه قال: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله فإن نفي المؤمن تخرج رشحا ونفس الكافر تخرج من شدقه كما تخرج نفس الحمار". 1113 - * روى البزار عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله تبارك وتعالى للنفس اخرجي قالت لا أخرج إلا كارهة قال اخرجي وإن كرهت". 1114 - * روى الطبراني عن سودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قلت: يا رسول الله إذا أمتنا صلى لنا عثمان بن مظعون حتى تأتينا فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو تعلمين ما أعلم عن الموت يا بنت زمعة علمت أنه أشد مما تقدرين".

_ 1111 - ابن ماجه (1/ 467) 6 - كتاب الجنائز، 5 - باب ما جاء في المؤمن يؤجر في النزع. وفي الزوائد: هذا إسناد صحيح، ورجاله ثقات. (حميم): قريب، عزيز. 1112 - المعجم الكبير (10/ 233). مجمع الزوائد (2/ 323) وقال: رواه الطبراني في الكبير، وإسناده حسن. 1113 - كشف الأستار (1/ 371). مجمع الزوائد (2/ 325) وقال: رواه البزار، ورجاله ثقات. 1114 - المعجم الكبير (24/ 34). مجمع الزوائد (2/ 219) وقال: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح. أقول: لقد مات عثمان بن مظعون مبكرًا بالنسبة لسودة ولذلك قالت هذا الكلام.

1115 - * روى أحمد عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم يلق ابن آدم شيئًا قط منذ خلقه الله أشد عليه من الموت" قال: "ثم إن الموت لأهون مما بعده". 1116 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يموت يوم الجمعة، أو ليلة الجمعة، إلا وقاه الله فتنة القبر". 1117 - * روى الترمذي عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمن يموت بعرق الجنين". وفي أخرى (1) للنسائي: "موت المؤمن بعرق الجبين". 1118 - * روى رزين عن عبيد بن خالد السلمي- رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "موت الفجاءة: أخذة أسف للكافر ورحمة للمؤمن". وفي رواية (2) عن عبيد قال مرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال مرة: عن عبيد "موت

_ 1115 - أحمد (3/ 154). مجمع الزوائد (2/ 319) وقال: رواه أحمد ورجاله موثقون. 1116 - الترمذي (3/ 386) 8 - كتاب الجنائز، 72 - باب ما جاء فيمن مات يوم الجمعة. وقال: هذا حديث غريب. وأحمد (2/ 169). 1117 - الترمذي (2/ 310) 8 - كتاب الجنائز، 10 - ما جاء أن المؤمن يموت بعرق الجبين. وقال: هذا حديث حسن. وهو كما قال. والنسائي (4/ 5) 21 - كتاب الجنائز، 5 - باب علامة موت المؤمن. (1) النسائي (4/ 6) الموضع السابق. وأحمد (5/ 357). وابن ماجه (1/ 4679) 6 - كتاب الجنائز، 5 - باب ما جاء في المؤمن يؤجر في النزع. والإحسان بترتيب ابن حيان (5/ 6). والحاكم (1/ 361) وقال حديث على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. 1118 - رواه رزين: انظر جامع الأصول بتحقيق محمد حامد الفقي (11/ 397، 398). وأحمد نحوه في المسند (6/ 136) عن عائشة وإسنادها ضعيف. ورواه أيضًا البيهقي في سنته. وذكره الحافظ في الفتح ونسبه لابن أبي شيبة في مصنفه من حديث عائشة وابن مسعود، فالمرجو أن ترتقي إلى رتبة الحسن عند ابن حجر إن شاء الله. (2) أحمد (3/ 424).

الفجاءة: أخذة أسف". 1119 - * روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة". 1120 - * روى البخاري ومسلم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه" زاد البخاري في رواية (3) من طريق همام عن قتادة: فقالت عائشة- أو بعض أزواجه-: إنا لنكره الموت، قال: "ليس ذلك، ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته، فليس شيء أحب إليه مما أمامه، فأحب لقاء الله، فأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته، فليس شيء أكره إليه مما أمامه، كره لقاء الله، وكره الله لقاءه".

_ = وأبو داود (3/ 188) كتاب الجنائز، باب موت الفجأة. وإسنادها صحيح. (اسفًا): الأسف: الغضبان. 1119 - البخاري (3/ 243) 23 - كتاب الجنائز، 89 - باب الميت يعرض على مقعده بالغداة والعشي. مسلم (4/ 2199) 51 - كتاب الجنة، 17 - باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه. والنسائي (4/ 107) 21 - كتاب الجنائز، 116 - باب وضع الجريدة على القبر. وابن ماجه (2/ 1427) 37 - كتاب الزهد، 32 - باب ذكر القبر والبلي. 1120 - البخاري (11/ 357) 81 - كتاب الرقاق، 41 - باب من احب لقاء الله أحب الله لقاءه. مسلم (4/ 2065) 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 5 - باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن ... إلخ. والترمذي (3/ 379) 8 - كتاب الجنائز، 67 - باب ما جاء فيمن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه. وقال: حديث حسن صحيح. والنسائي (4/ 10) 21 - كتاب الجنائز، 10 - باب فيمن أحب لقاء الله. (1) البخاري (11/ 357) 81 - كتاب الرقاق، 41 - باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه. (حضر): الإنسان، واحتضر: إذا نزل به الموت.

1121 - * روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنهما، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه" فقلت: يا نبي الله، أكراهية الموت، فكلنا نكره الموت؟ قال: "ليس كذلك، ولكن المؤمن إذا بشر برحمة الله ورضوانه وجنته: أحب لقاء الله، فأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا بشر بعذاب الله وسخطه، كره لقاء الله، فكره الله لقاءه". ولمسلم (1) قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، والموت قبل لقاء الله". وفي رواية (2): قال شريح بن هانئ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه" قال شريح: فأتيت عائشة، فقلت: يا أم المؤمنين، سمعت أبا هريرة يذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا، إن كان كذلك، فقد هلكنا، فقالت: إن الهالك من هلك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما ذاك؟ قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه" وليس منا أحد إلا وهو يكره الموت، فقالت: قد قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس الذي تذهب إليه، ولكن إذا شخص البصر، وحشرج الصدر، واقشعر الجلد، وتشنجت الأصابع، فعند ذلك من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه. 1122 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألم

_ 1121 - البخاري (11/ 357) 81 - كتاب الرقاق، 41 - باب من احب لقاء الله أحب الله لقاءه. مسلم (4/ 2065) 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 5 - باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن ... إلخ. (1) مسلم: الموضع السابق. (2) مسلم: الموضع السابق. (شخص): شخوص البصر: امتداده إلى السماء، والميت إذا أشرف على مفارقة الدنيا شخص بصره إلى السماء. (حشرج): الحشرجة: الغرغرة عند الموت وتردد النفس. (تشنجت): تشنج الأصابع: اجتماعها وانقباضها متقلصة. 1122 - مسلم (2/ 635) 11 - كتاب الجنائز، 5 - باب في شخوص بصر الميت يتبع نفسه ..

تروا إلى الإنسان: إذا مات شخص بصره"؟ قالوا: بلى، قال: "فذلك حين يتبع بصره نفسه". 1123 - * روى مسلم عن أم سلمة رصي الله عنهما، قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة- وقد شق بصره- فأغمضه، ثم قال: "إن الروح إذا قبض تبعه البصر" فضج ناس من أهله، فقال: "لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون" ثم قال: "اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في القبور، ونور له فيه". وفي رواية (1) "واخلفه في تركته" وقال: "اللهم أوسع له في قبره" ودعوة أخرى سابعة نسيتها. وفي أخرى (2) قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا حضرتم المريض- أو الميت- فقولوا خيرا، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون" قالت: فلما مات أبو سلمة، أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، أبا سلمة قد مات، قال: "قولي: اللهم اغفر لي وله، وأعقبني منه عقبي حسنة" قالت:: فقلت، فأعقبني الله من هو خير لي منه: محمد صلى الله عليه وسلم. 1124 - * روى النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن بني الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا حضر المؤمن، أتت ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء، فيقولون: اخرجي راضية مرضيا عنك إلى روح من الله وريحان، ورب غير غضبان، فتخرج كأطيب ريح المسك. حتى إنه ليناوله بعضهم بعضا، حتى يأتوا به أبواب السماء، فيقولون: ما أطيب هذه الريح التي جاءتكم من الأرض، فيأتون به أرواح

_ 1123 - مسلم (2/ 634) 11 - كتاب الجنائز، 4 - باب في إغماض الميت والدعاء له، إذا حضر. (1) مسلم: الموضع السابق. (2) مسلم (2/ 633) الموضع السابق. 1124 - والنسائي (4/ 8) 21 - كتاب الجنائز، 9 - باب ما يلقى به المؤمن من الكرامة عند خروج نفسه.

المؤمنين، فلهم أشد فرحا من أحدكم بغائبه يقدم عليه، فيسألونه: ماذا فعل فلان؟ ماذا فعل فلان؟ فيقولون: دعوه، فإنه كان في غم الدنيا، فيقول: قد مات، أما أتاكم؟ قالوا: ذهب به إلى أمه الهاوية، وإن الكافر إذا حضر أتته ملائكة العذاب بمسح، فيقولون: اخرجي ساخطة مسخوطا عليك إلى عذاب الله عز وجل، فتخرج كأنتن ريح جيفة، حتى يأتون به باب الأرض فيقولون: ما أنتن هذه الريح، حتى يأتون به أرواح الكفار". 1125 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا خرجت روح المؤمن تلقاها ملكان يصعدانها" قال حماد في روايته: فذكر من طيب ريحها، وذكر المسك- قال: "فيقول أهل السماء: روح طيبة جاءت من قبل الأرض، صلى الله عليك وعلى جسد كنت تعمرينه، فينطلق به إلى ربه، ثم يقول: انطلقوا به إلى آخر الأجل" قال: "وإن الكافر إذا خرجت روحه" قال حماد: وذكر من نتنها- فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم ريطة كانت عليه على أنفه- هكذا- وذكر لعنا "ويقول أهل السماء: روح خبيثة جاءت من قبل الأرض، فيقال: انطلقوا به إلى آخر الأجل". 1126 - * روى ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الميت تحضره الملائكة. فإذا كان الرجل صالحا، قالوا: اخرجي أيتها النفس الطيبة! كانت في الجسد الطيب اخرجي حميدة، وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان. فلا يزال يقال لها، حتى تخرج ثم يعرج بها إلى السماء. فيفتح لها. فيقال: من هذا؟ فيقولون فلان. فيقال: مرحبا بالنفس الطيبة، كانت في الجسد الطيب. ادخلي حميدة، وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان فلا يزال يقال لها ذلك حتى ينتهى بها إلى السماء التي فيها الله عز وجل. وإذا كان الرجل السوء قال: اخرجي أيتها النفس الخبيثة! كانت في

_ 1125 - مسلم (4/ 2202) 51 - كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، 17 - باب عرض مقعد الميت من الجنة أالنار ... إلخ. (الريطة): كل ملاءة لا تكون لفقين. 1126 - ابن ماجه (2/ 1433) 37 - كتاب الزهد، 31 - باب ذكر الموت والاستعداد له. وإسناده صحيح.

الجسد الخبيث. اخرجي ذميمة، وأبشري بحميم وغساق. وآخر من شكله أزواج. فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج. ثم يعرج بها إلى السماء. فلا يفتح لها. فيقال: من هذا؟ فيقال: فلان. فيقال: لا مرحبا بالنفس الخبيثة، كانت في الجسد الخبيث ارجعي ذميمة. فإنها لا تفتح لك أبواب السماء. فيرسل بها من السماء، ثم تصير إلى القبر". 1127 - * روى أبو داود عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ عن دفن الميت وقف عليه، وقال: "استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت، فإنه الأن يسأل". 1128 - * روى النسائي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هذا [يعني سعد بن معاذ رضي الله عنه] الذي تحرك له العرش، وفتحت أبواب السماء، وشهده سبعون ألف من الملائكة، لقد ضم ضمة، ثم فرج عنه". 1129 - * روى الطبراني عن أبي أيوب أن صبيا دفن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو ألفت أحد من ضمة القبر لأفلت هذا الصبي". 1130 - * روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن العبد إذا وضع في قبر، وتولى عنه أصحابه، إنه ليسمع قرع نعالهم، إذا انصرفوا: أتاه الملكان، فيقعدانه، فيقولان له: ما كنت في هذا الرجل، محمد؟ فأما المؤمن، فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار، أبدلك الله به مقعدًا من الجنة" قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فيراهما جميعًا" قال قتادة: وذكر لنا أنه يفسح له في قبر- ثم رجع إلى حديث أنس: "وأما الكافر- أو- المنافق" وفي رواية "وأما الكافر والمنافق- فيقول: لا أدري، كنت

_ 1127 - أبو داود (3/ 215) كتاب الجنائز، باب الاستغفار عند القبر للميت في وقت الانصراف. وإسناده صحيح. 1128 - النسائي (4/ 100) 21 - كتاب الجنائز، 113 - باب ضمة القبر وضغطته. 1129 - مجمع الزوائد (3/ 47) وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. 1130 - البخاري (3/ 232) 23 - كتاب الجنائز، 86 - باب ما جاء في عذاب القبر" ... إلخ .. مسلم (4/ 2200) 51 - كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، 17 - باب عرض مقعد الميت .. إلخ.

أقول ما يقول فيه- فيقال لا دريت، ولا تليت، ثم يضرب بمطرقة من جديد ضربة بين أذنيه، فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين". ولمسلم (1) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن العبد إذا وضع في قبره" ثم ذكر نحو ما تقدم إلى قوله: لنا أنه "يفسح له في قبره سبعون ذراعًا، ويملأ عليه خضرًا إلي يوم يبعثون" لم يزد على هذا. وفي رواية أبي داود (2): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن المؤمن إذا وضع في قبره أتاه ملك، فيقول له: ما كنت تعبد؟ فإن الله هداه، قال: كنت أعبد الله، فيقول: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: هو عبد الله ورسوله، فما يسأل عن شيء بعدها، فينطلق به إلى بيت كان له في النار، فيقال له: هذا كان لك، ولكن الله عصمك، فأبدلك به إلى بيتًا في الجنة، فيراه، فيقول: دعوني حتى أذهب فأبشر أهلي، فيقال له: اسكن". قال: "وإن الكافر، أو المنافق إذا وضع في قبره: أتاه ملك فينهضه، فيقول له: ما كنت تعبد؟ فيقول: لا أدري، فيقال له: لا دريت ولا تليت، فيقال له: ماكنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: كنت أقول ما يقول الناس، فيضربه بمطراق بين أذنيه، فيصيح صيحه يسمعها الخلق غير الثقلين". وفي رواية أبي داود (3) أن نبي الله صلى الله عليه وسلم دخل نخلا لبني النجار فسمع صوتًا، ففزع، فقال: "من أصحاب هذه"؟ قالوا: يا رسول الله، ناس ماتوا في الجاهلية، قال: "تعوذوا بالله من عذاب القبر، ومن فتنة الدجال" قالوا: ومم ذاك يا رسول الله" قال: "إن

_ (1) مسلم: الموضع السابق. (2) أبو داود (4/ 338) كتاب السنة، باب في المسألة في القبر، وعذاب القبر. (ولا تليت): يقال: لا دريت ولا تليت، أي: لا تبعت الناس بأن تقول شيئا يقولونه، وقيل: هو من قولهم: تلا فلان تلو غير عاقل: إذا عَمِلَ عَمَلَ الجُهال، يعني: هلكت فخرجت من القبيلتين، وقيل: معناه: ولا قرأت، وقلبت الواو ياء للازدواج. (3) أبو داود: الموضع السابق.

المؤمن إذا وضع في قبره ... " وذكر نحو ما تقدم أولاً. 1131 - * روى أحمد عن أم مبشر قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وانا في حائط من حوائط بني النجار فيه قبور منهم قد ماتوا من الجاهلية، فسمعهم يعذبون فخرج وهو يقول: "استعيذوا بالله من عذاب القبر" قالت: قلت: يا رسول الله وإنهم ليعذبون في قبورهم؟ قال: "نعم عذابا تسمعه البهائم". 1132 - * روى أحمد عن أنس رضي الله عنه قال: أخبرني من لا أتهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلال يمشيان بالبقيع إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بلال هل تسمع ما أسمع"؟ قال: والله يا رسول الله ما أسمعه، قال: "ألا تسمع أهل هذه القبور يعذبون" يعني قبور أهل الجاهلية. 1133 - * روى أحمد عن أنس رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في نخل لأبي طلحة يبرز لحاجته قال وبلال يمشي وراءه يكرم نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يمشي إلى جنبه، فمر نبي الله صلى الله عليه وسلم بقبر فقام حتى تم إليه بلال فقال: "ويحك يا بلال هل تسمع ما أسمع"؟ قال: ما أسمع شيئًا؛ قال: "صاحب القبر يعذب" فسأل عنه فوجده يهوديا. 1134 - * روى البخاري ومسلم عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما غربت الشمس، فسمع صوتًا، فقال: "يهود تعذب في قبورها".

_ 1131 - أحمد (6/ 362) مجمع الزوائد (3/ 56) وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. 1132 - أحمد (3/ 259) مجمع الزوائد (3/ 56) وقال: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. 1133 - أحمد (3/ 151). مجمع الزوائد (3/ 56) وقال: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. 1134 - البخاري (3/ 241) 23 - كتاب الجنائز، 87 - باب التعوذ من عذاب القبر. مسلم (4/ 2200) 51 - ككتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، 17 - باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه وإثبات عذاب القبر، والتعوذ منه. والنسائي (4/ 102) 21 - كتاب الجنائز، 114 - باب عذاب القبر.

1135 - * روى مسلم عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في حائط لبني النجار على بغلة له، ونحن معه، إذ حادت به، فكادت تلقيه، وإذا أقبر ستة، أو خمسة، فقال: "من يعرف أصحاب هذه الأقبر"؟ قال رجل: أنا، قال: "فمتي ماتوا"؟ قال: في الشرك، فقال: "إن هذه الأمة تبتلي في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه" ثم أقبل علينا بوجهه، فقال: "تعوذوا بالله من عذاب القبر" قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر، قال: "تعوذوا بالله من عذاب النار" قالوا: نعوذ بالله من عذاب النار، قال: "تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن" قالوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر ومنها وما بطن قال: "تعوذوا بالله من فتنة الدجال" قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدجال. أقوال: لقد مر معنا من قبل أن أهل الجاهلية إذا بلغهم شيء من الدين الحق عن طريق صحيح كأن بلغهم شيء من دين إبراهيم عن طريق صحيح فإن الحجة قائمة عليهم ويستأهلون العذاب، واليهود مكلفون بالشريعة الحقة، ومكلفون بالإيمان بعيسى عليه السلام ثم بمحمد عليه الصلاة والسلام بعد بلوغهم بعثته فإذا لم يؤمنوا استحقوا العذاب، وهذا في فهمنا هو السر الذي استحق به العذاب من ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الروايات الآنفة الذكر، وهذا التخريج يمشي على مذهب الأشاعرة الذين يرون أنه لا تكليف بأصول وفروع إلا بعد التبليغ من رسول مرسل، أما على قول الماتريدية الذين هم من أهل السنة والجماعة الذين يرون أن الإنس والجن مكلفون بمعرفة الله بمحض العقل وعلى قدر استطاعتهم فإن كل إنسان لم يعرف وجود الله وصفاته التي يتوصل إليها بمحض العقل فإنه معذب ولو لم تبلغه دعوة رسول، وعلى هذا فلا إشكال في تعذيب بعض أهل الجاهلية، ويشهد لاتجاه الماتريدية الحديث الصحيح الذي يخبر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن "الله تعالى يقول لآدم: أخرج

_ 1135 - مسلم (4/ 2199) 51 - كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، 17 - باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه وإثبات عذاب القبر، والتعوذ منه. (حادت): حاد عن الطريق: إذا مال عنه، حادت به: أي مالت به.

بعث النار. فيخرج من كل ألف تسعمائة وتسعين". 1136 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قبر الميت" أو قال: "أحدكم أتاه ملكان أسودان أزرقان، يقال لأحدهما: المنكر، وللآخر: النكير، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: ما كان يقول، هو عبد الله ورسوله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول هذا، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعًا في سبعين، ثم ينور له فيه، ثم يقال له: نم. فيقول: أرجع إلى أهلي فأخبرهم، فيقولان: نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه، حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك، وإن كان منافقًا قال: سمعت الناس يقولون قولا، فقلت مثله، لا أدري، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول ذلك، فيقال للأرض: التئمي عليه، فتلتئم عليه، فتختلف أضلاعه، فلا يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك". 1137 - * روى الترمذي عن مولى عثمان بن عفان قال: كان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على قبر بكى، حتى يبل لحيته، فقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي، وتذكر القبر فتبكي؟ فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "القبر أول منزل من منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه" قال: وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما رأيت منظرا قط إلا القبر أفظع منه". 1138 - * روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: مرّ

_ 1136 - الترمذي (3/ 383) 8 - كتاب الجنائز، 70 - باب ما جاء في عذاب القبر. وقال: حسن غريب. وهو كما قال. 1137 - الترمذي (4/ 553) 37 - كتاب الزهد، 5 - باب حدثنا هناد وحدثنا يحيى بن معين. وقال: حديث حسن غريب، وإسناده حسن. (أفظع): الفظيع الشديد الشنيع. 1138 - البخاري (1/ 322) 4 - كتاب الوضوء، 56 - باب جاء في غسل البول. مسلم (1/ 240) 2 - كتاب الطهارة، 34 - باب الدليل على نجاسة البول، ووجوب الاستبراء منه. =

رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبرين، فقال: "أما إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير" ثم قال: "يلى، أما أحدهما: فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر: فكان لا يستتر من بوله" قال: فدعا بعسيب رطب، فشقه باثنين، ثم غرس على هذا واحدًا، وعلى هذا واحدًا، ثم قال: "لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا" وفي رواية (1) "لا يستبرئ من البول". وفي أخرى (2) "لا يستنزه عن البول". أقول: في الحديث إشارة إلى أهمية وجود النبات على القبر ومن ذلك نأخذ أن من أداب المسلمين مع المقابر أن يجعلوها خضرة بل لو جعلوها كالحدائق لكان لذلك وجه. 1139 - * روى أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر فقال: "ائتوني بجريدتين" فجعل إحداهما على رأسه والأخرى عند رجليه فقيل: يل رسول الله أينفعه ذلك؟ قال: "لن يزال يخفف عن بعض عذاب القبر ما دام فيهما ندو". 1140 - * روى النسائي عن عبد الله بن دينار، قال: كنت جالسًا وسليمان بن صرد وخالد بن عرفطة، فذكروا أن رجلا توفي، مات ببطنه، فإذا هما يشتهيان أن يكونا شهيدا جنازته، فقال أحدهما للأخر: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يقتله بطنه

_ = (وما يعذبان في كبير): أي: لم يعذبا في أمر كان يكبر عليهما، أو يشق فعله لو أراد أن يفعلاه، وهو التنزه عن البول وترك النميمة، ولم يرد أن المعصية في هاتين الخصلتين ليست بكبيرة. (بعسيب): العسيب من سعف النخل: ما بين الكرب ومنبت الخوص وما عليه الخوص، فهو سعف، والجريد: السعف أيضًا. (1) النسائي (4/ 106) 21 - كتاب الجنائز، 166 - باب وضع الجريدة على القبر. (2) مسلم (1/ 240) 2 - كتاب الطهارة، 34 - باب الدليل علة نجاسة البول ... إلخ. 1139 - أحمد (2/ 441). مجمع الزوائد (2/ 57) وقال: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. (ندو): يريد نداؤه. 1140 - النسائي (4/ 98) 21 - كتاب الجنائز، 111 - كتاب من قتله بطنه. =

لم يعذب في قبره؟ " فقال الآخر: بلى. واختصره الترمذي (1): أن سليمان بن صرد قال لخالد بن عرفطة- أو خالد لسليمان- أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قتله بطنه لم يعذب في قبره"؟ فقال أحدهما لصاحبه: نعم. 1141 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضي عنه". 1142 - * روى البزار عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله تبتلى هذه الأمة في قبورها فكيف بي وأنا امرأة ضعيفة؟ قال: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}. 1143 - * روى الطبراني عن عبد الله قال إذا حدثتكم بحديث أنبئكم بتصديق ذلك: إن المؤمن إذا مات جليس في قبره فيقال: من ربك ما دينك من نبيك فيقول ربي الله وديني الإسلام ونبي محمد صلى الله عليه وسلم فيوسع له في قبره ويفرح له فيه، ثم قرأ عبد الله {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ}. 1144 - * روى البخاري ومسلم عن البراء بن عازب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ (1) الترمذي (3/ 377) 8 - كتاب الجنائز، 65 - باب ما جاء في الشهداء من هم. وقال: حديث حسن. غريب. وهو حديث صحيح. 1141 - الترمذي (3/ 389) 8 - كتاب الجنائز، 76 - باب ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "نفس المؤمن ... " وقال: هذا حديث حسن. وإسناده حسن. 1142 - كشف الأستار (1/ 410). مجمع الزوائد (3/ 53) وقال: رواه البزار ورجاله ثقات. 1143 - المعجم الكبير (3/ 266). مجمع الزوائد: (3/ 54) وقال: رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن. 1144 - البخاري (3/ 232) 23 - كتاب الجنائز، 86 - باب ما جاء في عذاب القبر .. إلخ. مسلم (4/ 2201) 51 - كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، 17 - باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه وإثبات عذاب القبر، والتعوذ منه. وأبو داود (4/ 228) كتاب السنة، باب في المسألة في القبر وعذاب القبر. =

قرأ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} (1) قال: "نزلت في عذاب القبر". وفي رواية (2): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فذلك قوله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} ". وفي أخرى (3) قال: " {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ}. "نزلت في عذاب القبر، يقال له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، وبني محمد صلى الله عليه وسلم". 1145 - * روى البخاري عن أم خالد بنت سعيد بن العاص رضي الله عنهما: إنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يتعوذ من عذاب القبر. 1146 - * روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها، أن يهودية دخلت عليها، فذكرت عذاب القبر، فقالت لها: أعاذك الله من عذاب القبر، قالت عائشة: فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عذاب القبر؟ فقال: "نعم، عذاب القبر حق"، قالت: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر. وفي رواية (4) لها قالت: دخلت على عجوزان من عجوز يهود المدينة، فقالتا: إن أهل القبور يعذبون في قبورهم، قالت: فكذبتهما، ولم أنعم أن أصدقهما، فخرجتا، ودخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: يا رسول الله إن عجوزين من عجوز يهود المدينة دخلتا علي فزعمتا أن أهل القبور يعذبون في قبورهم، فقال: "صدقتا، إنهم يعذبون عذابا تسمعه

_ =والترمذي (5/ 295) 48 - كتاب تفسير القرآن، 15 - باب ومن سورة إبراهيم عليه السلام. وقال: حديث حسن. (1) إبراهيم: 27. (2) البخاري: الموضع السابق. (3) مسلم: الموضع السابق. 1145 - البخاري (3/ 241) 23 - كتاب الجنائز، 87 - باب التعوذ من عذاب القبر. 1146 - البخاري (3/ 232) 23 - كتاب الجنائز، 86 - باب ما جاء في عذاب القبر .... إلخ. مسلم (1/ 410) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 24 - باب استحباب التعوذ من عذاب القبر. (4) مسلم: الموضع السابق.

البهائم"، ثم ما رأيته بعد في صلاته إلا يتعوذ من عذاب القبر. وفي رواية النسائي (1): أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عذاب القبر فقال: "نعم، عذاب القبر حق"، قالت عائشة: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة بعد إلا تعوذ من عذاب القبر. وفي أخرى (2) له قالت: دخلت علي امرأة من اليهود، فقالت: إن عذاب القبر من البول، فقلت: كذبت، فقالت: بلى، إنا لنقرض منه الجلد والثوب، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة وقد ارتفعت أصواتنا، فقال: ما هذا؟ فأخبرته بما قالت، فقال: "صدقت"، قالت: فما صلى بعد يومئذ إلا قال في دبر الصلاة: "رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، أعذني من حر النار، وعذاب القبر". وفي أخرى (3) قالت: دخلت يهودية عليها، فاستوهبتها شيئًا، فوهبت لها عائشة، فقالت: أجارك الله من عذاب القبر، قالت عائشة: فوقع في نفسي من ذلك، حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له فقال: "إنهم ليعذبون في قبورهم عذابا تسمعه البهائم". 1147 - * روى البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبًا، فذكر فتنة القبر التي يفتن فيها المرء، فلما ذكر ذلك ضج المسلمون ضجة. وزاد النسائي (4): حالت بيني وبين أن أفهم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سكت ضجتهم، قلت لرجل قريب مني: أي بارك الله لك، ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر قوله؟ قال: "قد أوحي إلي، أنكم تفتنون في القبور قريبًا من فتنة الدجال".

_ (1) النسائي (3/ 56) 13 - كتاب السهو، 63 - باب التعوذ في الصلاة. (2) النسائي (3/ 72) 13 - كتاب السهو، 88 - باب نوع آخر من الذكر والدعاء بعد التسليم. (3) النسائي (4/ 105) 21 - كتاب الجنائز، 115 - باب التعوذ من عذاب القبر. 1147 - البخاري (3/ 232) 23 - كتاب الجنائز، 86 - باب ما جاء في عذاب القبر .. إلخ. (4) النسائي (4/ 105) 21 - كتاب الجنائز، 115 - باب التعوذ من عذاب القبر.

1148 - * روى ابن ماجه عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الميت يصير إلى القبر، فيجلس الرجل الصالح في قبره، غير فزع ولا مشعوف. ثم يقال له: فيم كنت: فيقول: كنت في الإسلام. فيقال له: ما هذا الرجل؟ فيقول: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاءنا بالبينات من عند الله فصدقناه، فيقال له: هل رأيت الله؟ فيقول: ما ينبغي لأحد أن يرى الله؛ فيفرج له فرجة قبل النار. فينظر إليها يحطم بعضها بعضا. فيقال له: انظر إلى ما وقاك الله. ثم يفرج له قبل الجنة. فينظر إلى زهرتها وما فيها. فيقال له: هذا مقعدك. ويقال له: على اليقين كنت. وعليه مت، وعليه تبعث، أن شاء الله. ويجلس الرجل السوء في قبره فزعا مشعوفا. فيقال له: فيم كنت؟ فيقولك لا أدري. فيقال له: ما هذا الرجل؟ فيقول: سمعت الناس يقولون قولًا فقلته. فيفرج له قبل الجنة. فينظر إلى زهرتها وما فيها، فيقال له: انظر إلى ما صرف الله عنك. ثم يفرج له فرجة قبل النار. فينظر إليها. يحطم بعضها بعضا. فيقال له: هذا مقعدك. علي الشك كنت. وعليه مت، وعليه بعثت، إن شاء الله تعالى". 1149 - * روى أحمد عن أبي سعيد الخدري قال شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة فقال

_ 1148 - ابن ماجه (2/ 1426) 37 - كتاب الزهد، 32 - باب ذكر القبر والبلي. وفي الزوائد: إسناده صحيح. (ولا مشعوف): الشغف شدة الفزع حتى يذهب بالقلب. (فيم كنت): أي في أي دين. (ها هذا الرجل): أي الرجل المشهور بين أظهركم. ولا يلزم منه الحضور. وترك ما يشعر بالتعظيم لئلا يصير تلقينا. وهو لا يناسب موضع الاختبار. (يحطم بعضها بعضا): من شدة المزاحمة. (على اليقين كنت): يدل على أن من كان على اليقين في الدنيا، يموت عليه عادة وكذا في جانب الشك. (إن شاء الله): للتبرك لا للشك. (سمعت الناس): يريد أنه كان مقلدًا في دينه للناس، ولم يكن منفردا عنهم بمذهب. (على الشك): أي خلاف اليقين اللائق بالإنسان. 1149 - أحمد (2/ 3). وكشف الأستار 01/ 412). =

رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس إن الأمة تبتلي في قبورها فإذا الإنسان دفن فتفرق عن أصحابه جاءه ملك في يده مطراق فأقعده قال: ما تقول في هذا الرجل؟ فإن كان مؤمنا قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله. فيقول له: صدقت ثم يفتح له باب إلى النار فيقول هذا كان منزلك لو كفرت بربك فأما إذا أمنت بربك فهذا منزلك فيفتح له باب من الجنة فيريد أن ينهض إليه فيقول له اسكن ويفسح له في قبره. وإن كان كافرًا أو منافقًا يقول له ما تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري سمعت الناس يقولون شيئًا. فيقول لا دريت ولا تليت ولا اهتديت ثم يفتح له باب إلى الجنة فيقول: هذا منزلك لو آمنت بربك فأما إذ كفرت بربك فإن الله عز وجل أبدلك هذا ويفتح له باب إلى النار ثم يقمعه مقمعه بالمطراق يسمعها خلق الله كلهم غير الثقلين" فقال بعض القوم: يا رسول الله ما أحد يقوم عليه ملك في يده مطراق إلا هيل عند ذلك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} " وزاد البزار: " {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} ". 1150 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الموتى ليعذبون في قبورهم حتى إن البهائم تسمع أصواتهم". 1151 - * روى أحمد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر فتان القبر فقال عمر أترد عقولنا يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم كهيئتكم اليوم" فقال عمر: بفيه الحجر. 1152 - * روى أبو داود عن البراء بن عازب رضي الله عنه، قال: خرجنا مع رسول الله

_ =مجمع الزوائد (3/ 47). وقال: رواه أحمد والبزار، ورجاله رجال الصحيح. 1150 - المعجم الكبير (10/ 247). مجمع الزوائد (3/ 56) وقال: رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن. 1151 - أحمد (2/ 172). مجمع الزوائد (3/ 47). وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورجال أحمد رجال الصحيح. 1152 - أبو داود (4/ 239) كتاب الجنائز، باب في المسألة في القبر، وعذاب القبر. وإسناده حسن.

صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد بعد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله كأنما على رؤوسنا الطير، وبيده عود ينكت به في الأرض، فرفع رأسه فقال: "تعوذوا بالله من عذاب القبر" مرتين، أو ثلاثا. زاد في رواية (1): وقال: "أن الميت ليسمع خفق نعالهم إذا ولوا مدبرين حين يقال له: يا هذا، من ربك؟ وما دينك؟ وما نبيك؟ ". وفي رواية (2): "ويأتيه ملكان، فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فبقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله، فيقولان له: وما يدريك؟ فيقول: قرأت كتاب الله، آمنت به، وصدقت". زاد في رواية (3) "فذلك قوله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} ثم اتفقنا: "فينادي مناد من السماء: أن صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابًا إلى الجنة، فيأتيه من روحها وطيبها، وفسح له في قبره مد بصره، وإن الكافر ... " فذكر موته، قال: "فتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان، فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه، لا أدري، فيقولان: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه، لا أدري فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه، لا أدري، فينادي مناد من السماء: أن كذب، فأفرشوه من النار، وألبسوه من النار، وافتحوا له بابا إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه".

_ = (ينكث): نكت في الأرض بيده وبقضيب: إذا أثر فيها بذلك (1) أبو داود: الموضع السابق. (2) أبو داود: الموضع السابق. (3) أبو داود: الموضع السابق. (هاه هاه): من عادة المشدوه الحائر إذا خوطب أن يقول: هاه هاه، كأنه يستفهم عما يسأل عنه.

زاد في رواية (1): "ثم يقيض له أعمى أبكم، معه مرزبة من حديد لو ضرب بها جبل لصار ترابا، فيضربه بها ضربة يسمعها من بيت المشرق والمغرب، إلا الثقلين، فيصيرا ترابًا، ثم تعاد فيه الروح". 1153 - * روى أحمد عن البراء بن عازب رضي الله عنه، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الانصار فانتهينا إلى القبر ولما يلحد فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله وكأن على رؤوسنا الطير وفي يده عود ينكت به في الأرض فرفع رأسه فقال: "استعيذوا بالله من عذاب القبر" مرتين أو ثلاثا، ثم قال: "إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال في الآخرة نزل الله ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجهوهم شمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر ويجيء ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفره من الله ورضوان قال: فتخرج فيقول أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان" قال: "فتخرج عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الحنوط ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض" قال "فيصعدون بها فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب؟ فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا فيستفتحون لهم فيشيعهم من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهى بها إلى السماء السابعة فيقول اله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوه إلى الأرض في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان: من ربك؟ فيقول ربي الله فيقولان: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام. فيقولان له: ما هذا الرجل الذى بعث فيكم؟ فيقول: رسول الله. فيقولان له: ما عملك؟ فيقول:

_ (1) أبو داود: الموضع السابق. (أبكم): الأبكم: الذي خلق أخرس. 1153 - أحمد (4/ 287). مجمع الزوائد (3/ 49) وقال: هو في الصحيح وغيره باختصار، رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. =

قرأت كتاب الله وآمنت به وصدقته فينادي منادي من السماء: أن صدق عبدي فافرشوا له من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة قال: "فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره" قال: "ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول أبشر بالذي بشرك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول: من أنت فوجهك الوجه يجيء بالخير فيقول: أنا عملك الصالح فيقول: رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي. وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل ملائكة سود الوجوه معهم المسوح فيجلسون منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب فتفرق في جسده فينزعها كما ينزع السفود من الصوف المبلول فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح ويخرج منها كأنتن جيفة على وجه الأرض فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الريح الخبيثة فيقولون: فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمي بها في الدنيا حتى ينتهى بها إلى السماء الدنيا فيستفتح له فلا يفتح" ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى ثم تطرح روحه طرحًا" ثم تلا: " {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} فيعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري فينادي مناد من السماء: أن كذب فأفرشوه من النار وافتحوا له بابًا إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول أبشر بالذي يسوؤك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول: من أنت؟ فوجهك الذي يأتي بالشر فيقول: أنا عملك الخبيث فيقول: رب لا تقم الساعة".

_ = (السفود): الحديدة التي يشوى بها اللحم.

وفى رواية عنه (1) أيضًا نحو هذا وزاد فيه "فيأتيه آت قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول: أبشر بهوان من الله وعذاب مقيم فيقول: فبشرك الله بالشر من أنت؟ فيقول: أنا عملك الخبيث كنت بطيئا عن طاعة الله سريعًا في معصيته فجزاك الله شرًا ثم يقيض له أعمى أصم أبكم في يده مرزبة لو ضرب بها جبل كان ترابًا فيضربه ضربة فيصير ترابا ثم يعيده الله ما كان فيضربه ضربه أخرى فيصيح صيحة يسمعه كل شيء إلا الثقلين". قال البراء ثم يفتح له باب إلى النار ويمهد له من فراش النار. 1154 - * روى أحمد عن أسماء، أنها كانت تحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "إذا دخل الإنسان قبره فإن مؤمنًا أحف به عمله الصلاة والصيام" قال: "فيأتيه الملك من نحو الصلاة فيرده ومن نحو الصيام فيرده فيناديه اجلس" قال: "فيجلس فيقول له: ما تقول في هذا الرجل"؟ يعني النبي صلى الله عليه وسلم "قال من؟ قال: محمد، قال: أشهد أنه رسول الله" قال: "يقول: على ذلك عشت وعليه مت وعليه تبعث". قال: "وإن كان فاجرًا أو كافرًا" قال: "جاء ملك ليس بينه وبينه شيء يرده". قال "فأجلسه قال: اجلس ماذا تقول عن هذا الرجل؟ قال أي رجل؟ قال: محمد، يقول: ما أدري والله سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته. قال له الملك: على ذلك عشت وعليه مت وعليه تبعث وتسلط عليه دابة في قبره معها سوط ثمرته جمرة مثل البعير تضربه ما شاء الله صماء لا تسمع صوته فترحمه". 1155 - * روى الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده إنه ليسمع خفق نعالهم حين يولون عنه فإذا كان مؤمنًا

_ (1) أحمد: الموضع السابق. مجمع الزوائد (2/ 49) وقال: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. 1154 - احمد (6/ 252). والمعجم الكبير (24/ 105). مجمع الزوائد (3/ 51) وقال: رواه أحمد وروى الطبراني منه طرفا في الكبير، ورجال أحمد رجال الصحيح. 1155 - مجمع الزوائد (3/ 51) وقال: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن، ولأبي هريرة في الأوسط أيضًا رفعه =

كانت الصلاة عند رأسه، والزكاة عن يمينه، والصوم عن شماله وفعل الخيرات والمعروف والإحسان إلى الناس من قبل رجليه، فيؤتي من قبل رأسه، فتقول الصلاة: ليس قبلي مدخل، فيؤتي عن يمينه، فتقول الزكاة: ليس قبلي مدخل، ويؤتي من قبل شماله فيقول الصوم: ليس قبلي مدخل ثم يؤتى من قبل رجليه: فيقول فعل الخيرات إلى الناس: ليس من قبلي مدخل فيقال له أجلس فيجلس وقد مثلت له الشمس للغروب فيقال له: ما تقول في هذا الرجل الذي كان قبلكم يعني النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءنا بالبينات من عند ربنا فصدقناه واتبعناه، فيقال له: صدقت وعلى هذا حييت وعلى هذا مت وعليه تبعث إن شاء الله ويفسح له قبره مد بصره فذلك قول الله عز وجل: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} ويقال: افتحوا له بابا إلى النار فيقال: هذا كان منزلك لو عصيت الله عز وجل فيزداد غبطة وسرورا. ويقال: افتحوا له بابا إلى الجنة فيفتح له فيقال: هذا منزلك وما أعده الله لك فيزداد غبطةٌ وسروراً، فيعاد الجلد إلى ما بدا منه، ويجعل روحه في نسم طير يعلق في شجر الجنة، وأما الكافر فيؤتي من قبل رأسه فلا يوجد شيء، فيؤتي من قبل رجليه فلا يوجد شيء، فيجلس خائفًا مرعوبًا فيقال له: ما تقول في هذا الرجل كان فيكم وما تشهد به؟ فلا يهتدي لاسمه فيقال: محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: سمعت الناس يقولون شيئًا فقلت كما قالوا فيقال له: صدقت على هذا حييت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله ويضيق عليه قبره حتي تختلف أضلاعه فذلك قول الله عز وجل: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} فيقال: افتحوا له بابا إلى الجنة فيقال له: هذا كان منزلك وما أعد الله لك لو أطعته، فيزاد حسرة وثبورا ثم يقال: افتحوا له بابا إلى النار فيفتح له إليها فيقال: هذا

_ = قال: يؤتي الرجل في قبره فإذا أتى من قبل رأسه دفعته تلاوة القرآن وإذا أتى من قبل يديه رفعته الصدقة وإذا أتى من قبل رجليه دفعه مشيه إلى المساجد والصبر حجره فقال: أما إني لو رأيت خليلًا كنت صاحبه. وروى البزار طرفاً منه. (كشف الأستار 1/ 413). (ويجعل روحه): الروح تذكر وتؤنث.

منزلك وما أعد الله لك فيزداد حسرةً وثبوراً". قال أبو عمر يعني الضرير قلت لحماد ابن سلمة كان هذا من أهل القبلة؟ قال: نعم: قال أبو عمر كأنه يشهد بهذه الشهادة على غير يقين يرجع إلى قلبه كأن يسمع الناس يقولون شيئًا فيقوله. 1156 - * روى ابن ماجه عن سالم عن أبيه، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: إن أبي كان يصل الرحم وكان وكان، فأين هو؟ قال: "في النار" قال فكأنه وجد من ذلك فقال: يا رسول الله فأين أبوك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "حيثما مررت بقبر مشرك فبشره بالنار" قال فأسلم الأعرابي بعد وقال: لقد كلفني رسول الله صلى الله عليه وسلم تعبا ما مررت بقبر كافر إلا بشرته بالنار. 1157 - * روى الطبراني عن قتادة أن أنسا دفن ابنا له فقال: اللهم جاف الأرض عن جنبيه وافتح أبواب السماء لروحه وأبدله داراً خيراً من داره. 1158 - * روى أحمد عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يأكل التراب كل الإنسان إلا عجب ذنبه" قيل: وما مثله يا رسول الله؟ قال: "مثل حبة الخردل منه تنبتون". 1159 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له.

_ 1156 - ابن ماجه (1/ 501) 6 - كتاب الجنائز، 48 - باب ما جاء في زيارة قبور المشركين. وقال في الزوائد: إسناد هذا الحديث صحيح. 1157 - المعجم الكبير (1/ 244). مجمع الزوائد (3/ 44) وقال: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله ثقات. 1158 - أحمد (3/ 28) ... مجمع الزوائد (10/ 332) وقال رواه أحمد، وإسناده حسن. 1159 - مسلم (2/ 1255) 25 - كتاب الوصية، 3 - باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته. وأبو داود (3/ 117) كتاب الصيد، باب ما جاء في الصدقة عن الميت. والترمذي (2/ 660) 13 - كتاب الأحكام، 36 - باب في الوقف., وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي (6/ 251) 30 - كتاب الوصايا، 8 - فضل الصدقة عن الميت. (صدقة جارية): الصدقة الجارية: هي الدارة المتصلة، كالوقف وما يجري مجراه.

1160 - * روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يتبع الميت ثلاث: أهله، وماله، وعمله، فيرجع اثنان، ويبقى واحد، يرجع أهله وماله، ويبقى عمله". 1161 - * روى الطبراني عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن كعب، قال: لما حضرته الوفاة أتته أم مبشر فقالت اقرأ على النبي السلام. فقال لها: أو ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "روح المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يبعث يوم القيامة" قالت: بلى ولكن ذهلت. 1162 - * روى مالك بن كعب بن مالك رضي الله عنه، كان يحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما نسمة المؤمن طير يعلق في شجر الجنة يرجعه الله في جسده يوم يبعثه". أقول: الظاهر أن هذا ليس عامًا في كل مؤمن بل هو خاص بالشهداء وبمن يكرمه الله عز وجل من أهل خاصته. 1163 - * روى مسلم عن مسروق رحمه الله قال: سألنا عبد الله بن مسعود عن هذه الآية {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (1) فقال: أما إن قد سألنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: "أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى

_ 1160 - البخاري (11/ 362) 81 - كتاب الرقاق، 42 - باب سكرات الموت مسلم (4/ 2273) 53 - كتاب الزهد والرقائق، حديث (5). والترمذي (4/ 589) 37 - كتاب الزهد، 46 - باب ما جاء مثل ابن آدم وأهله وولده وماله وعمله. وقال: حديث حسن صحيح. 1161 - مجمع الزوائد (2/ 229) وقال: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح. 1162 - الموطأ (1/ 240) 16 - كتاب الجنائز، 16 - باب جامع الجنائز. والنسائي (4/ 108) 21 - كتاب الجنائز، 117 - باب أرواح المؤمنين. (النسمة): الروح والنفس، و"يعلق" أي يأكل. 1163 - مسلم (3/ 1502) 33 - كتاب الإمارة، 33 - باب بيان أن أرواح الشهداء في الجنة، وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون. (1) آل عمران: 169.

تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم اطلاعه، فقال: هل تشتهون شيئًا؟ قالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا؟ ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لم يتركوا من أن يسألوا، قالوا: يا رب، نريد أن ترد علينا أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا". وفي رواية الترمذي (1): أنه سئل عن قوله: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} فقال: أما إنا قد سألنا عن ذلك؟ فأخبرنا أن: "أرواحهم في طير خضر، تسرح في الجنة حيث شاءت، وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش، فاطلع ربك اطلاعه، فقال: هل تستزيدون شيئا، فأزيدكم؟ قالوا: ربنا، وما نستزيد ونحن في الجنة نسرح حيث شئنا؟! ثم اطلع إليهم الثانية، فقال: هل تستزيدون شيئا، فأزيدكم؟ فلما رأوا أنهم لا يتركون، قالوا: تعيد أرواحنا في أجسادنا حتى نرجع إلى الدنيا فنقتل في سبيلك مرة أخرى". وللترمذي (2) في رواية أخرى- مثله- وزاد: "وتقرئ نبينا السلام، وتخبره أن قد رضينا، ورضي عنا". 1164 - * روى أحمد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشهداء على بارق نهر بباب الجنة في قبة خضراء يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا".

_ (1) الترمذي (5/ 231) 48 - كتاب تفسير القرآن، 4 - باب ومن سورة آل عمران. وقال: حديث حسن صحيح. (سرحت): الماشية: إذا ذهبت للرعي، فاستعاره الطير. (2) الترمذي الموضع السابق. وقال: حديث حسن. 1164 - أحمد (1/ 266). والمعجم الكبير (10/ 405). مجمع الزوائد (5/ 294) وقال: رواه أحمد وإسناده رجاله ثقات، ورواه الطبراني في الكبير والأوسط.

1165 - * روى أحمد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشهداء على باب بارق نهر بباب الجنة يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا". * * *

_ 1165 - أحمد (1/ 266). والمعجم الكبير (10/ 405). مجمع الزوائد (5/ 298) وقال: رواه أحمد، والطبراني ورجال أحمد ثقات.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد ذكر أخونا الشيخ الشهيد أديب كيلاني في شرحه لعقائد أهل السنة والجماعة عن الموت والحياة البرزخية ما نأخذ منه هذه المقتطفات: - "ولابد من سؤال الميت، ولو تمزقت أعضاؤه أو أكلته السباع في أجوافها؛ إذ لا يبعد أن الله تعالى يعيد له الروح في أعضائه ولو كانت متفرقة، لأن قدرته تعالى صالحة لذلك. وإن مات جماعة في وقت واحد بأقاليم مختلفة، فقد ذهب القرطبي إلى جواز أن الملكين يعظمان فيسألان الجميع بوقت واحد أو أن ملائكة السؤال عديدون، كما ذهب إليه الحافظ السيوطي ووافقه عليه الحليمي. - والأنبياء لا يسألون، وقيل يسألون عن الوحي وجبريل، وكذلك الصديقون والشهداء والمرابطون والملازمون لقراءة سورة الملك كل ليلة من حين بلوغ الخبر إليهم ولا يضر الترك مرة بعذر، وذكر بعضهم سورة السجدة كذلك، وكذلك من قرأ بمرض موته سورة الإخلاص، ومريض البطن، والميت بالطاعون أو بغيره في زمنه صابرًا محتسباً، والميت ليلة الجمعة أو يومها. والراجح أن غير الأنبياء وشهداء المعركة يسألون سؤالًا خفيفاً. والظاهر كما جزم به الجلال السيوطي وغيره اختصاص السؤال بالمكلفين بخلاف الأطفال ... -مما يجب اعتقاده عذاب القبر، وإنما أضيف العذاب للقبر لأنه الغالب، وإلا فكل ميت أراد الله تعذيبه عذب، قبر أو لم يقبر، ولو غرق أو صلب أو التهمته الضواري أو حرق ثم ذرته الرياح، وتفتت الأعضاء لا يمنع من وجود العذاب. - والعذاب للكافر والمنافق دائم ديمومة البرزخ. وينقطع عن المؤمن العاصي إن خفت جرائمه، كما يرفع بالدعاء أو الصدقة، أو غير ذلك، كما قال ابن القيم وكل من لا يسأل في القبر لا يعذب. وضغطة القبر من عذابه، وهي التقاء حافتيه التقاءً برزخياً يتناسب مع عالم البرزخ، وما يحكمه من قوانين، فتضمه الأرض حتى تختلف أضلاعه ولا ينجو من الضمة أحد حتى الصلحاء، ما خلا الأنبياء.

- وأما المؤمنون الصالحون الذين قدر الله لهم ألا يعذبون فهم في نعيم القبر. وقد بلغت النصوص في نعيمه مبلغ التواتر. وكما أن العذاب لا يختص بالقبر فكذلك النعيم، فهو يشمل كل ميت قدر له، قبر أو لم يقبر، ولا يختص بالمؤمنين في هذه الأمة، ولا بالمكلفين ومن النعيم توسيع القبر، وفتح طاقة فيه من الجنة، وامتلاؤه بالريحان وجعله روضة من رياض الجنة وتنويره حتى يغدو كالقمر ليلة البدر، وكل هذا بما يتناسب مع عالم البرزخ. والأنبياء- وإن كانوا جميعهم أحياء حياة برزخية- أكمل حياة من الشهداء، والشهداء أكمل حياة من بقية الأموات. - وعلى كل فهي أمور خارقة للعادة فلا يقاس عليها غيرها، ويجب اعتقاد أن الله تعالى يرزق شهيد الحرب من محبوب نعيم الجنات، إلا إنه يتناولون الأكل والشرب للتلذذ، لا للاحتياج. - وإنما سمي الشهيد شهيدًا لشهادة الله وملائكته له بالجنة والرضا عنه. - ولأن روحه شهدت دار السلام بخلاف غيره، فإنه لا يشهدها إلا يوم القيامة. وقد قال النسفي: بأن أرواح المسلمين- إن دخلت الجنة الآن، كما دلت عليه الأحاديث- لا تكون كالشهيد في الحياة والرزق بل لا تأكل فيها ولا تتمتع. أهـ. أقول: وكخاتمة لهذا الوصل، وكجسر للكلام عن الوصل اللاحق نذكر لك ما قاله صاحب الإحياء وهو يوصيك عما ينبغي أن يكون عليه عقلك وقلبك بالنسبة للنصوص التي تتحدث عن اليوم الآخر: قال الإمام الغزالي في الإحياء: "إياك أن تنكر شيئا من عجائب يوم القيامة لمخالفته قياس ما في الدنيا، فإنك لو لم تكن شاهت عجائب الدنيا، ثم عرضت عليك قبل المشاهدة لكنت أشد إنكارًا لها، وفي طبع الآدمي إنكار كل ما لم يأنس به! ولو لم يشاهد الإنسان الحيه وهي تمشي على بطنها كالبرق الخاطف لأنكر تصور المشي على غير رجل والمشي بالرجل أيضًا مستبعد عند من لم يشاهد ذلك. ولولم يشاهد

الإنسان توالد الحيوان، وقيل له: إن له صانعاً يصنع من النطفة القذرة مثل هذا الآدمي: المصور، العاقل، المتكلم، المتصرف ... لاشتد نفور باطنه عن التصديق به. ففي خلق الآدمي مع كثرة عجائبه واختلاف تركيب أعضائه: أعاجيب تزيد على الأعاجيب في بعثه وإعادته، فكيف ينكر ذلك من قدرة الله تعالى وحكمته: من يشاهد ذلك في صنعته وقدرته؟! فإن كان في إيمانك ضعف فقو الإيمان بالنظر في النشأة الأولى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} (1) بلى إن الله على كل شيء قدير". أهـ. * * *

_ (1) القيامة: 36 - 40.

الوصل الثالث في الساعة وما يأتي بعدها

الوصل الثالث في الساعة وما يأتي بعدها وفيه: مقدمات وفقرات وخاتمة

المقدمة

المقدمة هذا الموضوع من أهم قضايا العقيدة، لأنه يصف أخطر شيء وأعظم حقيقة يغفل عنها الإنسان، وهو من أهم الأمور في التربية وأهمها في التعليم، ومن أهمها فيما ينبغي أن يكون الإنسان منه على تذكر دائم، ومن ههنا كل التأمل فيه وتذكره يوميًا من أساسيات السير إلى الله عز وجل، وهو زاد الوعظ وزاد جلسات المذاكرة وهو طريق المسلم للوصول إلى مقام المخلص (بفتح اللام). فالحسن البصري رحمه الله يقول: "الناس هلكي إلا العالمين، والعالمون هلكي إلا العاملين، والعاملون هلكي إلا المخلصين، والمخلصون على خطر عظيم". فإذا كان المخلصون على خطر فمن هم الناجون؟ يذكر الله عز وجل سياسة إبليس عليه اللعنة: {وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} (1) فالمخلص هو الذي سار في طريق النجاة، وطريق الوصول إلى مقامه هو تذكر الآخرة، قال تعالى: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ} (2) فلقد وصلوا إلى مقام المخلص بعمل خالص هو تذكر الدار الآخرة. وما أكثر الكفر بالآخرة والشك في شأنها والغفلة عنها، فيا ويح الكافرين والغافلين بماذا يكفرون ولماذا يغفلون؟ أيغفلون عن الجنة والنار؟ وقضية الآخرة منوطة بالإيمان بالله فمن عرف قدرة الله الذي خلق كل شيء وعرف علم الله الذي لا يغيب عنه شيء وعرف عدله وفضله وكرمه آمن بالآخرة، وقضية الآخرة كذلك منوطة بالإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم فمن آمن به عرف الآخرة لأن عليها مدار البعثة فالبعثة يترتب عليها تكليف ومسؤولية وجزاء. ومن عرف أن القرآن كتاب الله وعرف معجزاته وإعجازة لا يشك في اليوم الآخر.

_ (1) الحجر: 39، 40. (2) ص 45، 46.

وأمر اليوم الآخر مداره على الإيمان والتسليم فتلك عوالم نحن مقبلون عليها لا نعرف عنها إلا ما أخبرنا عنه الله عز وجل ورسوله، وواجبنا في الأخبار: الإيمان والتسليم دون الاعتراض والتشكك: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} (1). ولذلك فنحن سنقلل من التعليق على أحاديث هذا الوصول حتى لا نفسد على القارئ تفاعله مع النص وتأثره فيه وسنقسم أبحاث هذا الوصول إلى فقرات مع الملاحظة أن كثيرًا من النصوص تتعلق بأكثر من فِقرة.

_ (1) الأعراف: 53.

الفقرات

الفقرات الفقرة الأولى: في عرض إجمالي. الفقرة الثانية: في النفختين وفي يوم القيامة. الفقرة الثالثة: في الحشر. الفقرة الرابعة: في مشاهد من القرآن الكريم فيما يجري في اليوم الآخر من حوار. الفقرة الخامسة: في أحاديث جامعة تصف بعض ما في الموقف وما بعده. الفقرة السادسة: في الحوض. الفقرة السابعة: في الحساب والميزان. الفقرة الثامنة: في الصراط. الفقرة التاسعة: في الشفاعات. الفقرة العاشرة: في الجنة والنار. الفقرة الحادية عشر: في {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ}.

الفقرة الأولى عرض إجمالي

الفقرة الأولى عرض إجمالي تحكم الإنسان وهو في بطن أمه أسباب تختلف نوعا ما عن الأسباب التي تحكمه بعد ولادته، ولهذا العالم أسبابه وقوانينه، ولعالم البرزخ أسبابه وقوانينه، وللقيامة وما يكون بعدها أسباب وقوانين، وكل ذلك بعلم الله وإرادته وقدرته، فإذا ما جاءت النصوص القرآنية أو النصوص الحديثية الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يصح أن يستغرب شيء منها لأن ذلك كفر بوجود الله وصفاته أصلًا، ومن رأى عظمة هذا الكون وامتداده ملايين السبين الضوئية وأنه كله بقدرة الله كيف يستغرب شيئًا على هذه القدرة أخبر الله عز وجل عنه أو أخبر رسوله صلى الله عليه وسلم أن الله فاعله. - قال تعالى: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (1). - لقد خلق الله عز وجل الماء والعرش، ثم من الماء خلق مجرات هذا الكون {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} (2) ثم خلق الأرض بعد السماء ثم خلق السماوات السبع بعد الأرض، فال تعالى: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} (3)، {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} (4)، {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ} (5) {وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} (6). والسماوات السبع والكرسي والعرش مغيبة عنا في فهمي بدليل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حديث صحيح: "والله لقد رأيت ما أنتم لاقون في دنياكم وآخرتكم" (7) قال الشيخ

_ (1) الرعد: 5 (2) الذاريات: 47. (3) النازعات: 27، 28، 29، 30 (4) البقرة: 29. (5) الطلاق: 12. (6) فصلت: 12 (7) المستدرك (1/ 330) وصححه، ووافقه الذهبي، وقد ورد تقريبا من هذا المعنى في سياقات عند البخاري ومسلم.

عبد الفتاح أبو غدة في كتاب (التصريح بما تواتر في نزول المسيح عليه السلام): وظاهر الحديث في رؤية الجنة والنار أنه صلى الله عليه وسلم رآهما رؤية عين، فمن العلماء من حمل ذلك على أن الحجب كشف له صلى الله عليه وسلم دونها، فرآهما على حقيقتهما، ومنهم من حمل ذلك على أنها مثلتا له في الحائط كما ينطبع الصورة في المرآة، فرآي جميع ما فيها. ويشهد لكل من هذين القولين أحاديث ذكرها الحافظ بن حجر في "فتح الباري" 2: 448. وقال القاضي عياض: القول الأول- وهو أنها رؤية عين حقيقة- أولى كما حكاه عن النووي في "شرح صحيح مسلم" 6: 207، وأقره. أ. هـ. أقول: وجمهور العلماء يذهبون أن الجنة الأن فوق السماء السابعة فهي كالجزء منها، فإذا رآها الرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرها غيره، فذلك دليل على إنها مغيبة، وهذا يجعلنا نستأنس أن السماوات السبع كلها مغيبة عنا. - وجعل الكرسي سقفا للسماوات السبع: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} (1). وجعل العرش سقفا لهذا العالم: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} (2). وقد ورد في الحديث: "ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض" (3). - وخلق الملائكة والإنس والجن والحيوانات والنباتات والجنة والنار. - وكما أن الخلق كان بقدرة الله عز وجل ابتداء فإنه يحتاج إلى إمداد الله باستمرار، قال تعالى: {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ} (4)، ولذلك شبه بعضهم هذا الكون للإمداد الإلهي كنور الكهرباء في احتياجه لإمداد المولد الكهربائي ولله المثل الأعلى، ولذلك فلا محل لتساؤل من يتساءل أنه إذا مات الإنسان والحيوان وتفرقت أجزاؤهما فأصبحت في أجسام أخرى كيف تحشر هذه الأجسام نفسها فذرة الآن غير ذرة اللحظة السابقة واللاحقة، {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} (5)، ولا محل للتساؤل كيف تعرض الأعمال كلها تعرض الأيام والليالي وكيف تشهد الأرض والأعضاء مع

_ (1) البقرة: 255. (2) هود: 7. (3) الحديث رواه ابن جرير، وهو صحيح. (4) الإسراء: 20. (5) يس: 13.

أن بعض الأعضاء في الأحياء تتجدد. نقول هذا بمناسبة أن علماء أهل السنة والجماعة يذكرون أن ما مر على الأجساد من أعراض وما مر من أزمنة يعرض كذلك على قول قوي لعلماء العقائد في الإسلام، فالزمن وما حدث فيه والأعراض التي مر عليها الإنسان والأحوال كلها تعرض يوم القيامة على الأنسان، قال الشيخ أديب الكيلاني رحمه الله وهو يشرح عقائد أهل السنة والجماعة: فما كان من الأعراض الملازمة للذات من بياض وطول ونحوه يعاد متعلقًا بها، وما كان من غير ذلك- كالكفر والمعاصي والإيمان والطاعة- فإنه يعاد مصورًا بصور حية، فتكون حسنة من الحسنات وقبيحة في السيئات، هذا هو الظاهر. وهذه الإعادة ليست دفعة واحدة بل هي على التدرج حسبما كانت في الدنيا، لكنها تمر كلمح البصر، وربك على كل شيء قدير. قال تعالى: {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (1) اهـ. وقال: الأرجح أن جميع أزمنة الأجسام- التي مرت عليها في الدنيا- تعاد لتشهد الإنسان وعليه، بما أوقع فيها من الطاعات والآثام، لكنها إعادة على التدريج حسبما مرت في الدنيا وإن كانت في الآخرة أسرع أهـ. ونعود للسياق الرئيسي في موضوعنا: - هذا الكون بما فيه ماذا سيحدث له؟ إنه سيكون هناك نفخة في الصور يحدث فيها ما يحدث وهي التي تسمى نفخة الصعق ثم تكون نفخة أخرى يكون فيها بعث كل من مات من الأحياء، وبالنفخة الأولى تقوم القيامة وبالنفخة الثانية يبدأ اليوم الآخر على قول: قال الشيخ أديب الكيلاني رحمه الله: إن اول اليوم الآخر من وقت الحشر إلى ما لا يتناهى على الصحيح. وقيل حتى يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار. وإنما سمي آخرًا لأنه متصل لآخر أيام الدنيا لا أنه آخرها.

_ (1) غافر: 17.

وسمي يوم القيامة لقيام الناس من قبورهم بين يدي خالقهم، ولقيام الحجة لهم أو عليهم وله أسماء نحو الثلاثمائة أهـ. ومنهم من يرى أن هناك نفخة قبل النفخة الأولى تسمى نفخة الفزع، والقول الراجح أنهما نفختان فقط. - فماذا يحدث في النفخة الأولى وما بعدها: أما السموات السبع فتطوى، والأرضون الست ماعدا أرضنا تجمع: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} (1)، ومجرات هذا الكون كلها تطوى فكما كانت كتلة واحدة ثم انفصلت ترجع كتلة واحدة: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} (2) أما البشر والجن والحيوانات الموجودة وقتذاك فتصعق وتموت، وأما الأرض فتؤجج بحارها نارًا وتدك جبالها وتنسف وتمد بعد أن كانت كروية فتصبح كالبساط الواحد لا معلم فيها من جبال أو وديان أو أنهار أو غير ذلك. أما الملائكة فيصعقون إلا بعضهم، ثم هؤلاء المستثنون على قول، وأما الأرواح التي قبضت من قبل فتصعق إلا روح موسى عليه السلام- على قول- وأما الجنة وما فيها من الحور العين فلا يحدث لها شيء والنار لا يحدث لها شيء والعرش والكرسي في الظاهر لا يصيبهما مما يحدث شيء وقد أخذ العلماء هذه الاستثناءات من قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} (3)، ومن استقراءات وتحقيقات كثيرة يرد معنا بعضها. أما الشمس والقمر فيكوران ويجمعان مع بعضهما كما ورد في نص صحيح، ويحتمل أن يدمجا مع بقية العوالم والمجرات ليعود الكون كله كتلة واحدة وذلك كله مقدمة لتكوين جديد ووضع جديد. - وفي النفخة الثانية يتم البعث والنشر للمخلوقات جميعًا، والنصوص تحدثنا بإجمال عن

_ (1) الزمر: 67. (2) الأنبياء: 104. (3) الزمر: 68.

حشر الحيوانات لتحقيق العدل ثم إفناؤها فتكون ترابًا، وتحدثنا بشيء من التفصيل عن أوضاع للحيوانات لها ارتباط بقضايا الإنسان كالحيوانات التي تجب فيها الزكاة ولا يؤدي الإنسان زكاتها، وعن الحيوانات التي يقتلها الإنسان عبثًا. قال الشيخ الأديب الكيلاني رحمه الله عن البعث والحشر: البعث عبارة عن إحياء الموتى وإخراجهم من قبورهم بعد جمع الاجزاء الأصلية وهي التي من شأنها البقاء من أول العمر إلى آخره، ولو قطعت قبل موته بخلاف التي ليس نت شأنها ذلك، كالظفر مثلًا، والحشر عبارة عن سوقهم جميعًا إلى الموقف، وهو الموضع الذي يقفون فيه لفصل القضاء، ووزن الاعمال، ومنه إما إلى جنة أو إلى نار، وهو أرض لم يعص الله عليها. ولا فرق في الحشر بين من يجازي ومن لا يجازي، كالبهائم والوحوش، على ما ذهب إليه المحققون، وصححه النووي. وذهبت طائفة إلى أنه لا يحشر إلا من يجازي، أما السقط -إن لم ينفخ فيه الروح- فكسائر الأجسام التي لا روح فيها، وأما -إن نفخت فيه- فيحشر ويصير عند دخول الجنة كأهلها في الجمال والطول. اهـ. - ويوم القيامة مدته خمسون ألف سنة قال تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} (1)، وقد ورد في نصوص حديثية صحيحة هذا التحديد، ويختلف حال الناس في استشعار طوله وفي مكثهم في الموقف واستقرارهم في الجنة أو النار. - وبعد البعث يحشر الناس إلى أرض المحشر ومركزها بلاد الشام، وهناك يكون الموقف، فمن الخلق من يكون في ظل الرحمن، ومنهم من يكون بالعراء، ويخلق الله شمسًا دانية من العباد وتكون شدة الحر أكثر منحر الدنيا بعشرة أمثال، ويؤمر الناس بالاصطفاف والوقوف استعدادًا كوقفة الجندي وصف العساكر "ويؤتى بالنار لها سبعون ألف زمام على كل زمام سبعون ألف ملك ويؤتى بالجنة فتكون ملاصقة للنار وعلى النار الصراط".

_ (1) المعارج: 4.

- ويطول الوقوف ويفزع الناس إلى الأنبياء ليشفعوا لهم ليبدأ فصل القضاء إما إلى جنة وإما إلى نار فلا يشفع لفصل الخطاب إلا محمد صلى الله عليه وسلم وعندئذ تبدأ مواقف جديدة متعددة، فمن ذلك ما يصفه الله عز وجل بقوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ} (1). وتؤمر كل أمة أن تتبع ما كانت تعبد من دون الله، وتميز الأمم عن بعضها بعضًا، ويكون هناك جدال وعتاب ومعاذير وإقامة حجج، ويكون هناك في موقف من المواقف عرض للأمم كلها على النار فتجثوا الأمم كلها باركة على ركبها حول النار، وفي موقف من المواقف تشهد الأنبياء على أممها، وتشهد أمتنا لصدق الرسول صلى الله عليه وسلم، يكون هناك حوار بين الأتباع والمتبوعين، وفي موقف من المواقف يدعى أئمة الهدى وأئمة الضلالة، فيرجع أئمة الهدى بالبشرى لمن تابعهم، ويرجع أئمة الضلالة ببشارة السوء لمن تابعهم. وفي هذه الأجواء تكون براءة من المتبوعين على الضلال، ويتمنى الأتباع لو أنهم أعيدوا إلى الحياة الدنيا ليتبرأوا ممن اتبعوهم، ثم يطير صحف أعمال العباد فآخذ بيمينه وآخذ بشماله وآخذ وراء ظهره، ويقال إن الآخذين وراء ظهورهم هم أصحاب الشمال أنفسهم، ثم يبدأ الحساب وهو قبل الوزن والميزان. قال الشيخ الأديب الكيلاني رحمه الله: والحساب حق: أي ثابت بالكتاب والسنة والإجماع وهو توقيف الله الناس على أعمالهم خيرًا كانت أم شرًا، قولًا كان أو فعلًا، بعد أخذهم كتبها، ويشمل الحساب المؤمن والكافر من الإنس والجن، إلا من استثنى الله تعالى منهم اهـ. والنصوص تدل على أن بعض أهل الجنة لا يحاسبون. ويذهب بعض الناس إلى أن بعض أهل الكفر لا يحاسبون، ولكن الظاهر أن هذا القول مرجوح، لأن إدخال أهل الجنة بدون حساب فضل، أما أهل النار فمن سنة الله عز وجل أن يقيم عليهم الحجج كاملة. قال الشيخ أديب: ولا يشغله سبحانه محاسبة أحد عن أحد بل يحاسب الناس جميعاً معاً، حتى أن كل أحد يرى أنه المحاسب وحده وكيفية الحساب مختلفة، فمنه اليسير والعسير، والسر والجهر، والتوبيخ والفضل والعدل. اهـ.

_ (1) البقرة: 210.

وفي مقام الحساب وفي مقامات أخرى تكون شهادات، قال الشيخ الأديب الكيلاني رحمه الله: وفيه شهادة الألسنة والأيدي والأرجل والسمع والجلد والأرض والليل والنهار والحفظة، أما الانبياء والأولياء وسائر الصلحاء فهم عن كل هذا مبعدون اهـ. وبعد الحساب: يكون الوزن والميزان فتدعى الأمم كلها إلى الوزن والميزان، فتحضر الأمم للوزن جاثية على ركبها. قال تعالى: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا} (1). وهكذا يحضر الناس وبيد كل واحد منهم صحيفته، قال الشيخ الأديب الكيلاني رحمه الله: إن أخذ الصحف واجب لوروده بالكتاب والسنة ولانعقاد الإجماع عليه، فمن أنكره كفر، والصحف هي الكتب التي كتب فيها الملائكة ما فعله العباد في الدنيا، ولكل مكلف صحيفة واحدة يوم القيامة، وإن كانت متعددة في الدنيا اهـ. فكل إنسان بيده صحيفته، ولكل إنسان كتابه الذي ضم ما سجلته الملائكة عليه، وهناك الكتاب الذي سجل فيه كل شيء على الأفراد والأمم. ويبدأ الوزن والميزان، أما الكافرون فلا قيمة لأعمالهم ولا وزن، وأما المؤمنون فتوزن حسناتهم وسيئاتهم إلا من يستثنى ممن لا حساب عليهم أصلًا، وفي هذا المقام يقول الشيخ أديب رحمه الله: والميزان: هو ميزان واحد على الراجح له قصبة وعمود وكفتان، كل منهما أوسع من أطباق السموات والأرض، وجبريل آخذ بعموده ناظر إلى لسانه وميكائيل أمين عليه، ومحله بعد الحساب، وقيل لكل عامل موازين يوزن بكل منها صنف من عمله. وقد بلغت أحاديثه مبلغ التواتر، فيجب الإيمان به، ونمسك عن تعيين حقيقته. وقال: أما الكفر فلا فائدة في وزنه، لأن عذابه دائم، وقد ورد في كلام القرطبي ما يدل على أنه يوزن حيث قال: فتجمع له هذه الأمور وتوضع في ميزان الكافر فيرجح الكفر بها. وقال: اختلف العلماء في الموزون فذهب جمهور المفسرين، إلى أن الموزون هي الكتب

_ (1) الجاثية: 28.

المشتملة على أعمال العباد بناء على أن الحسنات مميزة بكتاب، والسيئات بآخر. وذهب بعضهم إلى أن الموزون أعيان الأعمال، فتصور الاعمال الصالحة بصورة حسنة نورانية، ثم تطرح في كفة النور، وهي اليمنى، فتثقل بفضل الله سبحانه. وتصور الأعمال السيئة بصورة قبيحة ظلمانية، ثم تطرح في كفة الظلمة، وهي الشمال، فتخف وهذا في المؤمن. أما الكافر فتخف حسناته وتثقل سيئاته بعدل الله سبحانه وتعالى. وقيل: قد يوزن الشخص نفسه. وقال: يجازي الله على السيئات بعقاب يليق بها، إن جازى عليها، وله أن يعفو عنها إن لم تكن كفرًا، وإلا خلد صاحبه في النار، والسيئة ما يذم فاعلها عليها شرعًا، صغيرة كانت أو كبيرة. وسميت سيئة لأن فاعلها يساء عند المقابلة عليها يوم القيامة. والمراد بها التي عملها العبد حقيقة، أو حكمًا بأن طرحت عليه لظلامة اجترحها بعد نفاد حسناته، فإنه يؤخذ من حسنات الظالم ويعطى للمظلوم، فإذا نفدت حسنات الظالم طرح عليه من سيئات المظلوم، ثم قذف بالظالم في النار. أما الحسنات فيضاعفها الله تعالى بفضله، إذ لا يجب عليه ذلك. والحسنة مما يمدح عليها صاحبها شرعًا، وسميت حسنة لحسن وجه صاحبها عند رؤيتها يوم القيامة، المراد الحسنات المقبولة المعمولة للعبد أو ما في حكمها بأن عملها عنه غيره كما إذا تصدق غيره عنه بصدقة. أما الحسنات المأخوذة نظير ظلامة فلا تضاعف. والحسنات المردودة ما خالطها الرياء، فهذه لا ثواب فيها أصلًا. الحسنة التي يهم الإنسان بفعلها ولكنه لا يفعلها تكتب حسنة واحدة من غير تضعيف .. وأقل مراتب التضعيف عشر مراتب، وقد تضاعف إلى سبعين، إلى سبعمائة، أو أكثر من غير انتهاء إلى حد تقف عنده. وتفاوت هذه المراتب إنما هو تبع لما يقترن بالحسنة من إخلاص، وحسن نية اهـ. ويعرف بالوزن والميزان كل إنسان نتيجة عمله والظاهر أنه قبل الوزن يحاول الناس أن يشربوا من أحواض أنبيائهم عليهم الصلاة والسلام، وتشرب هذه الأمة من حوض رسولها صلى الله عليه وسلم، فيرد من يرد ويشرب من يشرب ويحبس الناس في الظلمة دون الصراط، وههنا

يحدث تبدل جديد للأرض، فمال الأرض في النهاية إلى أن تكون خبزة يأكلها أهل الجنة وتوجد سموات جديدة، والظاهر أنه في هذا الموقف يؤمر آدم بأن يخرج بعث النار فيخرج من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، ويخرج عنق من النار فيأخذ أصنافًا من الناس ويبدأ أهل النار يردون على النار أفواجًا أفواجًا كل أمة مع أئمتها في الضلال وأئمة الضلال يدخلون النار قبل أتباعهم، والسابقون من الأمم في الغواية يدخلون النار قبل اللاحقين، فكل شيء في الآخرة على غاية من الترتيب والنظام والعدل والانضباط. ومن كتب له المرور على الصراط لا يمر إلا بعد شفاعة جديدة من رسولنا صلى الله عليه وسلم، فبعد أن يلجأ الناس إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مرة ثانية فيحيلون الأمر إلى رسولنا عليه الصلاة والسلام فيشفع ويؤذن بالمرور على الصراط، والظاهر أن المنافقين يبقون مع المؤمنين طامعين فيأن يعبروا معهم على الصراط، فيضرب بينهم وبين المؤمنين بسور باطنه فيه الرحمة وظاهرة من قبله العذاب، فبعض العلماء يقولون إن هذا السور يضرب في أول الصراط، والظاهر أنه لا يعبر على الصراط إلا من له نور مهما كان هذا النور ضعيفًا، والذين يمرون على الصراط بعضهم تكون سيئاتهم أكثر من حسناتهم فلا يعبرون بل يسقطون في النار، وبعضهم تكون حسناتهم أكثر فيعبرون، وبعضهم تتساوى حسناتهم وسيئاتهم فيعبرون، وهؤلاء هم أهل الأعراف الذين يكونون في مكان بين الجنة والنار أمدًا من الزمن، ومالهم إلى الجنة بإذن الله. وعلى ضوء صحائف الأعمال التي تكون بيد المارين على الصراط تقتص الملائكة من بعض المؤمنين لبعض، فينجو من نجا، ويسقط في النار من لا تكفي حسناته الزائدة على سيئاته ليأخذها من له عليه حق، حتى إذا تجاوز الناجون الصراط يبقى بعضهم على الأعراف، ويحبس الأخرون فلا يؤذن لهم بدخول الجنة حتى يشفع بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذه شفاعة ثالثة تكون بعد أن يلجأ الناس إلى الأنبياء فيحيلونهم على رسولنا عليه الصلاة والسلام. وفي هذا المقام تنزع الاحقاد من القلوب، وتبدأ شفاعات بمن دخل النار من أهل الإيمان، ثم يدخل أهل الجنة الجنة وتستمر الشفاعات، ويخرج أهل الإيمان من النار،

وعندئذ يذبح الموت بين الجنة والنار، ويكتب الخلود لكل من أهل الجنة والنار، وكل في موطنه، وفي ذبح الموت أعظم بشارة لأهل الجنة وأعظم كآبة لأهل النار. ومن كلام الشيخ أديب الكيلاني رحمه الله عن الصراط والجنة والنار ما يلي: كذا الصراط ... [أي] في وجوب الإيمان به، لورود الدليل السمعي، مثل أخذ العباد الصحف ومثل الوزن والميزان. ومعناه -لغة- الطريق الواضح، لأنه يصرط المارة أي يبتلعهم، وشرعًا: هو جسر ممدود على متن جهنم يرده الأولون والآخرون حتى الكفار. إلا أن الحليمي ذهب إلى أنهم لا يمرون، ويجوز أنه قصد بالكفار الذين لا يمرون من تلقي بهم الملائكة في النار من الموقف. وكل من يمر ساكت إلا الأنبياء يقولون: "اللهم سلم سلم". وفي بعض الروايات "أنه أدق من الشعرة وأحد من السيف"، وهو المشهور ونازع في ذلك العز بن عبد السلام والشيخ القرافي، وغيرهما كالبدر الزركشي. قالوا: على فرض صحة ذلك فهو محمول على غير ظاهره، بان يؤول: بأنه كناية عن شدة المشقة، وحينئذ فلا ينافي ما ورد في الأحاديث الدالة على قيام الملائكة على جنبيه، وكون الكلاليب فيه. وزاد القرافي: والصحيح أنه عريض، وفيه طريقان يمنى ويسرى، فأهل السعادة يسلك بهم ذات اليمين، وأهل الشقاوة يسلك بهم ذات الشمال، وفيه طاقات، كل طاقة تنفذ إلى طبقة من طبقات جهنم. وقال بعضهم: إنه يدق ويتسع بحسب ضيق النور وانتشاره، فعرض صراط كل أحد بقدر انتشار نوره فإن نور كل إنسان لا يتعداه إلى غيره. ومن هنا كان دقيقًا في حق قوم، عريضًا في حق آخرين. وتفاوتهم في المرور إنما هو بحسب تفاوتهم في الإعراض عن حرمات الله تعالى، فمن كان منهم أسرع إعراضًا عما حرم الله كان أسرع مرورًا في ذلك اليوم. النار التي هي دار العذاب ثابتة بالكتاب والسنة، واتفاق علماء الامة. أوجدها الله تعالى فيما مضى كالجنة التي هي دار الثواب. فالنار حق كالجنة، وهما موجودتان الآن. ولم يرد نص صريح في تعيين مكانهما، كما في شرح المقاصد. إلا أن الكثيرين على أن الجنة فوق السموات السبع وتحت العرش، وأن النار تحت الارضين السبع. والحق تفويض

علم ذلك إلى اللطيف الخبير. واختلف في الجنة هل هي سبع جنات متجاورات، أو أربع، أو جنة واحدة؟ فذهب ابن عباس إلى أنها سبع، أفضلها وأوسطها الفردوس وهي أعلاها، والمجاورة لا تنافي العلو، وفوقها عرش الرحمن، ومنها تنفجر أنهار الجنة، ويليها في الأفضلية "عدن" ثم "الخلد" ثم "النعيم" ثم "المأوى" ثم "دار السلام" ثم "دار الجلال. وذهب الجمهور إلى أنها واحدة، وهذه الأسماء كلها جارية عليها لتحقق معانيها. وأولاد المشركين في الجنة على الصحيح، ولا فرق في السعادة والشقاوة بين إنسي وجني. الناس في الموقف على حالتهم التي ماتوا عليها. ثم يدخل المؤمنون الجنة جردًا مردًا أبناء ثلاث وثلاثين سنة، طول كل واحد منهم ستون ذراعًا، وعرضه سبعة أذرع، ثم لا يزيدون ولا ينقصون اهـ. -ومما مر معنا نعرف أن لرسولنا صلى الله عليه وسلم ثلاث شفاعات متميزة، لا يشاركه فيها غيره، وهذه الشفاعات الثلاث هي المقام المحمود، يطلق على ثلاثتها المقام المحمود، ويطلق على كل منها المقام المحمود، وله شفاعات أخرى، فالمقام المحمود يتمثل بثلاث شفاعات: الشفاعة الأولى: بعد طول المقام في الموقف وهي التي تسمى الشفاعة لفصل الخطاب وهي التي يكون بعدها الجدال والمعازير والشهادات والحساب والميزان. الشفاعة الثانية: للإذن لعبور الصراط وتكون بعد لجوء إلى الأنبياء وإحالة على رسول الله صلوات الله وتسليماته. الشفاعة الثالثة: تكون كذلك بعد لجوء إلى الأنبياء وإحالة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي الشفاعة للإذن بدخول الجنة. -وكثيرًا ما يحدث أن رواة الاحاديث يتحدثون بمناسبة الكلام عن المقام المحمود عن شفاعة من هذه الشفاعات الثلاث ويطوون غيرها، فيلتبس الفهم على القارئ، والتحقيق أن الأمر كذلك.

- ونحن إذا نعرض نصوص السنة قد لا تقف لبيان هذه الحقيقة اكتفاء بما ذكرناه هنا، فليبق القارئ على ذكر لذلك. - ومن عقائد أهل السنة والجماعة أنه في الموقف وفي الصراط وفي الجنة وفي النار يكون للملائكة وظائفهم. - وفي الموقف يرى أهل الإيمان الله عز وجل نوع رؤية وإنما تكون الرؤية للجلال والجمال في الجنة وذلك أعظم نعيم أهل الجنة. - والنار على طبقات والجنة على درجات ومنازل وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من أصناف الملذات والنعيم والبهجة والسرور والمتعة. - والجن المؤمنون لهم ما للإنس المؤمنين، والكافرون من الجن لهم ما للإنس الكافرين، وكذلك شأن الفساق من الجن. - ومشاهد القيامة ووصف النار والجنة يأخذ من الكتاب والسنة حيزًا كبيرًا؛ لأن ذلك هو المقصد الثاني من بعثة الرسل عليهم الصلاة والسلام بعد معرفة الله عز وجل، وقد أعاد بعض المفسرين الضمير في قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} (1) على القرآن، فمن أعظم مقاصد القرآن تبيان أمر اليوم الآخر، قال تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} (2). - ولكي تقوم الحجة على الخلق قيامًا كاملًا جعل الله عز وجل كتابه القرآن معجزًا، وجعل فيه من المعجزات الكثير، وجعل أمر محمد صلى الله عليه وسلم بينًا، وأظهر على يديه وعلى لسانه من المعجزات الكثير، وأرسل قبله الرسل وبعث الأنبياء مبشرين بما بشر به، ومنذرين بما أنذر به ليكون ذلك توطئة وتمهيدًا وتشييدًا لصرح الإيمان. - وقد رأينا في هذا القسم كيف أن الأديان السابقة فيها شواهد على صحة المعاني

_ (1) الزخرف: 61. (2) الأعراف: 53.

الكبرى التي بعث بها محمد صلى الله عليه وسلم، ورأينا أنها حرفت وبدلت وطمست معالمها وأصبحت أحكامها ضائعة أو بحاجة إلى تغيير فجاءت الرسالة الخاتمة مصححة وناسخة ومبينة ومطالبة للإنس والجن باتباعها وحدها. - ولا مطمع لمن يريد أن يعرف تفصيلات ما يجري في اليوم الآخر إلا بأن يستعرض نصوص الكتاب والسنة وفهوم الراسخين في العلم من علماء هذه الأمة. - ونختم هذا العرض الإجمالي بالتذكير: أن الله عز وجل يجعل لرسولنا عليه الصلاة والسلام ولأمتنا من الكرامة والفضل ما يمتازون به على غيرهم من الأمم يظهر ذلك في الموقف وفيما بعده وفي الجنة. - وهذا لا ينفي أن يكون للأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين من كل الأمم ميزانهم، وهناك تفصيلات ستمر معنا، وبعضه قد مر من قبل في القسم السابق عند الكلام عن فضل الأمة المحمدية. - وها نحن سنعرض عليك نصوصًا من الكتاب والسنة في فقرات متعددة تجعلك على بيان في هذه الحقيقة العظمى التي غفل عنها أكثر الخلق. فائدة: من عقائد أهل السنة والجماعة ما ذكره الشيخ اللقاني: وواجب تعذيب بعض ارتكب ... كبيرة ثم الخلود مجتنب وقد شرح هذا البيت أديب الكيلاني بقوله: وواجب تعذيب بعض: إن تعذيب بعض غير معين من عصاة هذه الأمة، ارتكبوا الكبيرة، من غير تأويل ويعذرون به، وماتوا بلا توبة، ثابت وواقع شرعًا، بخلاف من ارتكب صغيرة أو كبيرة بتأويل، كما يقع من البغاة المتأولين، أو ارتكبها من غير تأويل لكنه مات بعد التوبة. والمقصود هنا أمة الإجابة. والمراد ببعض طائفة، ولو واحدًا من كل صنف من أصناف العصاة كالزناة، وقتلة الأنفس، وشاربي الخمر. فلابد من نفوذ

الوعيد في طائفة من كل صنف، أقلها واحد. وهذه المسألة على طريقة الماتريدية، من أنه لا يجوز تخلف الوعيد. وذهب الأشاعرة إلى جواز تخلفه، لأنه على تقدير المشيئة، فإن شاء عذب، وإن شاء غفر. نعم، قد ورد تعذيب بعض الموحدين، والشفاعة فيهم، لكن لا يعم الأنواع كلها. والحاصل: أن الناس قسمان مؤمن وكافر فالكافر مخلد -إجماعًا- في النار. والمؤمن قسمان، طائع وعاص، فالطائع -إجماعًا- في الجنة، والعاصي على قسمين، تائب وغير تائب فالتائب -إجماعًا- في الجنة، وغير التائب متروك للمشيئة، وعلى تقدير عذابه لا يخلد في النار اهـ (شرح جوهرة التوحيد). * * *

الفقرة الثانية في: النفختين وفي: يوم القيامة

الفقرة الثانية في: النفختين وفي: يوم القيامة بمناسبة الكلام عن يوم القيامة يمر علينا ذكر الصوم الذي تتم فيه النفختان: النفخة الأولى، والنفخة الثانية، نفخة الإماتة وما يعقبها، ونفخة الإحياء وما يعقبها، والصور أشبه بالقرن والنافخ فيه هو إسرافيل بإجماع العلماء. - وبمناسبة الكلام عن النفخة الأولى يمر معنا أن هناك خلقًا مستثنين من الإماتة قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} (1)، وهناك تحقيقات للعلماء فيمن يستثنى من الصعق. والمطلوب منا الإيمان بالاستثناء إجمالًا دون الدخول في التفصيلات، وكما أن بعض الأحياء مستثناة من الصعق فهناك بعض المخلوقات لا يدخل عليها تغير بسبب النفخة الأولى كالعرش. - وبمناسبة الكلام عن النفخة الثانية تمر معنا كلمة عجب الذنب وهو العظم اللطيف الذي هو في أسفل الصلب وهو رأس العصعص وهو أول ما يجمع من الأرض في ابن آدم يوم القيامة، وهو الذي يبقى منه ليعاد تركيب الخلق عليه والظاهر أن هذا الجزء من الإنسان إذا مات لا يدخل في تركيب أي جسم آخر، وليس المراد ببقائه أنه لا يتحلل، بل المشاهد أنه يحترق ويتحلل، ولكن الله عز وجل يحفظ أجزاءه فحيثما ذهبت فهي محفوظة، وهي أول ما تجمع يوم القيامة ثم يبنى عليها الإنسان من المطر الذي ينزله الله عز وجل ويتضمن أجزاء المخلوقات ليذهب كل جزء إلى صاحبه. - وبمناسبة الكلام عن النفختين نذكر المدة بينهما، ومجموع الروايات تفيد أنها أربعون سنة والله أعلم. - وبمناسبة الكلام عن النفخة الأولى يذكر ما يحدث للأرض، فالأرض لها تبدلات متعددة، والتبدل الأول هو ما يحدث من تسجير البحر بأن تصبح نارًا، والجبال تندك فتكون كالصوف المندوف ثم تصبح كالهباء المنبث في الهواء، ثم تسوى الأرض جميعًا فلا

_ (1) الزمر: 68.

يبقى فيها ارتفاع أو انخفاض، ثم تمد مدًا بعد أن كانت كروية، ثم تحدث لها تبدلات أخرى كما ذكرنا من قبل وكما سنرى من بعد، فقد نقل الألوسي عن بعضهم أن الأرض تبدل صفتها ابتداء ثم تبدل ذاتها بعد أن تحدث أخبارها قال: ولا مانع أن تكون هناك تبدلات على أنحاء شتى. قال ابن كثير في النهاية: وفي صحيح مسلم، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: سئل أين يكون الناس يوم تبدل الأرض والسموات؟ فقال: "في الظلمة دون الجسر". وقد يكون المراد بذلك تبدلًا آخر غير هذا المذكور في هذا الحديث، وهو أن تبدل معالم الأرض فيما بين النفختين، نفخة الصعق، ونفخة البعث، فتسير الجبال، وتميد الأرض، ويبقى الجميع صعيدًا واحدًا، لا اعوجاج فيها ولا روابي ولا أودية قال الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا} (1). أي لا انخفاض فيها ولا ارتفاع وقال تعالى: {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا} (2). وقال تعالى: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} (3). وقال تعالى: {وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} (4). وقال تعالى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا * وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا} (5). اهـ (النهاية في الفتن والملاحم). - وبمناسبة النفخة الثانية تذكر بعض النصوص الصحيحة أن أول من تنشق عنه الأرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أبو بكر ثم عمر. والنصوص القرآنية والحديثية كثيرة وحسبنا أن نذكر ههنا بعضها مع ملاحظة أن النصوص كثيرًا ما تتحدث عن أكثر من مشهد من مشاهد يوم القيامة.

_ (1) طه: 105 - 107. (2) النبأ: 20. (3) القارعة: 5. (4) الحاقة: 14. (5) الكهف: 47، 48.

1 - النصوص القرآنية

1 - النصوص القرآنية {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ * فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ} (1). {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ * فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ * قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ * فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (2). {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا * كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} (3). {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} (4).

_ (1) تبارك: 25، 26، 27. (زلفة): أي رأوا العذاب قريبًا منهم. (سيئت وجوه الذين كفروا): كئبت واسودت غمًا ودلًا. (2) يس: 48 - 54. (وهم يخصمون): يختصمون في أمورهم غافلين. (الأجداث): القبور. (ينسلون): يسرعون في الخروج 42 - 46. في الآيات نص على النفختين الأولى والثانية. (3) النازعات: 42 - 46. (مرساها): إرساؤها أي إقامتها وإثباتها. (منتهاها): أي إلى ربك مردها ومرجعها، فهو الذي يعلم وقتها على التعيين. (4) الأنبياء: 104. (السجل): هو ما تحفظ الأوراق بين دفتيه وهذا يفيد أن مجرات هذا الكون وسماواته كلها تصبح كتلة واحدة، كما أنها كتلة واحدة ثم انفصلت عن بعضها

{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ} (1). التبدل يكون بالذات والصفات، وأول تبدل للأرض يكون بالصفات يوم القيامة عند النفخة الأولى، ثم يكون التبدل بالذات بعد انتهاء الحساب والناس محبوسون قبل الصراط، وللسموات تبدلان كذلك، تبدل في الصفات بأن يجمع الكون كله إلا ما شاء الله كتلة واحدة وذلك في النفخة الأولى، ثم تبدل آخر مع التبدل الثاني للأرض. {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ} (2). في الآيات دليل على طي السموات وقد رأينا ذلك من قبل فهي تطوى مع غيرها إلا ما شاء الله استثناءه. وقوله تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ} يحتمل اللوح المحفوظ ويحتمل صحف الأعمال وذلك يكون بعد الموقف الطويل والشفاعة لفصل الخطاب وبعد العرضتين الأولى والثانية وعندئذ يكون الحساب والميزان والظاهر أن شهادة الأنبياء وغيرهم إنما تكون في هذا المقام قبل بدء الحساب والله أعلم. {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلَّا لَا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ * يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ * بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} (3).

_ (1) إبراهيم: 48 - 50. (الأصفاد): القيود. (مقرنين في الأصفاد): أي مجموعة أيديهم إلى أرجلهم أو أن كل كافر مقرون مع شيطانه بالأغلال. (2) الزمر: 67 - 70. (3) القيامة: 7 - 15. وقوله تعالى: {لَا وَزَرَ}: أي لا ملجأ.

والظاهر أن جمع الشمس مع القمر يكون مع طي السموات وغيرها وذلك في النفخة الأولى. {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} (1). التكوير: اللف للرفع. والمراد هنا: ذهاب ضوئها بين يدي دمجها مع غيرها في كتلة واحدة. انكدار النجوم: انقضاؤها بدمجها مع بعضها ومه ما شاء الله. تسيير الجبال: يكون بعد دكها حتى تكون هباء فتسوى مع بقية الأرض، تسجير البحر: جعلها نارًا، وذلك كله يكون بالنفخة الأولى. العشار: هي الإبل. وتعطيلها: عدم وجود مالك لها، وحشر الوحوش: دليل على أن الحيوانات تبعث لإقامة العدل ثم تكون ترابًا، وهذا وهذا مع تزويج الأنفس للأجساد، وما جاء بعد ذلك في الآيات يكون بعد النفخة الثانية، والله أعلم. {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ * وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ * لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ * لِيَوْمِ الْفَصْلِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} (2). {طُمِسَتْ} طمس النجوم: ذهاب ضوئها بين يدي دمجها مع غيرها، وفسرها بعضهم بالانسحاق وما ذكرناه هو تفسيرها، وقوله تعالى: {وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ}: أي صدعت وانشقت بين يدي دمجها مع غيرها، وقوله تعالى: {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ}: أي عين لها الوقت الذي تحضر فيه للشهادة على أممها وذلك -الله أعلم- بعد الشفاعة لفصل الخطاب وقبل الحساب والميزان {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا

_ (1) التكوير 1 - 14. (2) المرسلات: 8 - 15.

وَتَخَلَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} (1). ذكر البيضاوي عند قوله تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} عن علي رضي الله عنه أنها تشق من المجرة، وهذا يكون مقدمة لدمجها مع بعضها. وقوله تعالى: {وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ} أي بسطت وزالت جبالها وآكامها وخرجت من الكروية إلى الانبساط، وهذا وهذا يكون بالنفخة الأولى. وقوله تعالى: {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} ألقت ما في جوفها من الكنوز والأموات وتكلفت في الخلو أقصى جهدها حتى لم يبق شيء في باطنها والظاهر أن هذه الأخيرة في النفخة الثانية وما سبقها يكون في النفخة الأولى. {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} (2). (الانفطار): الانشقاق، وهو وانتثار الكواكب مقدمة لجمعها كتلة واحدة، وتفجير البحار: أي فتحها على بعضها وذلك مقدمة لتسجيرها ثم لجعل الأرض لا ارتفاع فيها ولا انخفاض وذلك في النفخة الأولى، يحدث بهذه النفخة نوع من بعثرة القبور، والظاهر أن مقدمة ذلك في النفخة الأولى حتى إذا كانت النفخة الثانية كان الإحياء والبعث. {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا * يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا * وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا * وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا} (3). الظاهر أن هذا المشهد يتحدث عن النفخة الثانية في أوله، وفي آخره يتحدث عما يكون في النفخة الأولى. {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} (4).

_ (1) الانشقاق: 1 - 5. (2) الانفطار: 1 - 5. (3) عم: 17 - 20. (4) الحاقة: 13 - 18.

بدأ هذا المشهد في الحديث عما يكون في النفخة الأولى ثم انتقل إلى الحديث عما يكون في النفخة الثانية، وقد عرض النص مجريات الأمور بما أفاد أن ما يجري في النفخة الثانية استمرار لما يجري في النفخة الأولى. {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} (1). للمفسرين أكثر من قول حول هذا المشهد متى يكون، فبعضهم جعل هذه زلزلة هائلة تكون قبل طلوع الشمس من مغربها وبعضهم جعلها زلزلة تكون بعد النشور، وبعض النصوص تشير إلى أنها زلزلة معنوية تكون في أحد مشاهد يوم القيامة، وذلك يوم يقول الله لآدم عليه السلام أخرج بعث النار، فيخرج من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين. {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (2). المراد بالزلزال: النفختان الأولى والثانية على رأي بعض المفسرين، وإخراج الأرض أثقالها كقوله تعالى: {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ}، وتتمة السورة تتحدث عما يكون بعد النفخة الثانية. {الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ * يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ * فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ} (3). المراد بالقارعة ما يحدث في النفخة الأولى، ثم السورة تتحدث عن بعض آثار النفخة الأولى، وعما يجري في النفخة الثانية.

_ (1) الحج: 1 - 2. (2) الزلزلة: 1 - 8. (3) القارعة: 1 - 11.

{أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ * إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ} (1). {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} (2). وقوله تعالى: {إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} يدل على أن هناك خلقاً يثبت الله قلوبهم فلا يصيبهم الفزع، وقوله تعالى: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} أي كل من المحشورين يأتون إلى المحشر طائعين خاضعين، وقد يراد بقوله: {دَاخِرِينَ}: الذلة فعندئذ يراد بها المجرمون والذين يصيبهم الفزع، أما أولياؤه جل جلاله فلهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الأخرة. {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا * يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا * نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا * وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا * يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا * يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا * وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} (3). في هذا المشهد حديث عما يكون بعد النفخة الثانية وإجابة على سؤال له صلة بالنفخة الأولى. وهذا المشهد يتحدث عن كون المجرمين يحشرون عميا زرق العيون لعماهم، وهناك نصوص تذكر أنهم يحشرون سود الوجوه، ومن هول الموقف فإنهم يتناجون سرا، وقوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ} أي ملكًا يدعوهم إلى مكان الحشر وقوله في وصفهم لاتباع الداعي: {لَا عِوَجَ لَهُ} أي لا يعوج له مدعو ولا يعدل عنه. ومعنى: {وَعَنَتِ

_ (1) العاديات: 9 - 11. (2) النمل: 87. (3) طه: 102 - 112.

الْوُجُوهُ} أي ذلت وخضعت وذلك وصف لوجوه المجرمين يوم القيامة. {كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} (1). دك الأرض يكون بالنفخة الأولى ومجيء الملائكة واصطفافهم يكون بعد أن يجمع الناس في المحشر وبعد ذلك يؤتى بجهنم تجرها الملائكة. ويكون المآل أن الكافرين يوثقون وثاقاً لا مثل له في الدنيا ويعذبون عذابًا لا مثل له في الدنيا. {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى * فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} (2). * * *

_ (1) الفجر: 21 - 26. (2) النازعات: 34 - 41.

2 - النصوص الحديثية

2 - النصوص الحديثية 1166 - * روى البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ... ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما، فلا يتبايعانه، ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته، فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه، فلا يطعمها". 1167 - * روى الطبراني عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما هلك قوم لوط إلا في الأذان ولا تقوم الساعة إلا في الأذان". قال الطبراني معناه عندي والله أعلم في وقت أذان الفجر وهو وقت الاستغفار والدعاء. 1168 - * روى الطبراني عن أبي رزين قال قلت يا رسول الله كيف يحيي الله الموتى؟ قال: "أو ما مررت بوادي قومك محلًا ثم يمر به محلا ثم به خضرًا ثم تمر به محلا ثم تمر به خضرا كذلك يحيي الله الموتى". 1169 - * روى البزار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لتقمصن بكم قماص البكر" يعني الأرض. أقول: هل هذا يكون قبل النفخة الأولى أو أن المراد به النفخة الاولى؟ قولان للعلماء.

_ 1166 - البخاري (11/ 352) 81 - كتاب الرقاق، 40 - باب حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب .. إلخ وروي نحوه أحمد (2/ 369). وروي نحوه مسلم (4/ 2270) 52 - كتاب الفتن، 27 - باب قرب الساعة. (يليط حوضه): يطينه ويصلحه. 1167 - مجمع الزوائد (10/ 332). وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير آدم بن علي، وهو ثقة. 1168 - مجمع الزوائد (1/ 85). وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون. 1169 - كشف الأستار (4/ 154). مجمع الزوائد (10/ 332). وقال: رواه البزار ورجاله ثقات (قماص): الحركة والاضطراب. ... (البكر): الناقة، وفي رواية: البقر. ... (لتقمصن بكم الأرض): يريد الزلازل.

1170 - * روى الطبراني عن عقبة بن عامر: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يطلع عليكم قبل الساعة سحابة سوداء من قبل المغرب مثل الترس فلا تزال ترفع في السماء وتنتشر حتى تملأ السماء ثم ينادي مناد أيها الناس أتى أمر الله فلا تستعجلون". قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فو الذي نفسي بيده إن الرجلين ينشران الثوب فلا يطويانه وإن الرجل ليمدر حوضه فلا يسقي منه شيئًا أبدا والرجلين ينشران الثوب فلا يطويانه وإن الرجل ليمدر حوضه فلا يسقي منه شيئًا أبدا والرجل يحلب ناقته فلا يشربه أبدا. 1171 - * روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن، وحنا جبهته، وأصغى سمعه، ينتظر أن يومر فينفخ؟ " فكأن ذلك ثقل على أصحابه، فقالوا: فكيف نفعل يا رسول الله، أو نقول؟ قال: "قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا". وربما قال: "توكلنا على الله". وفي رواية: ("كيف أنتم ... ". قال الحافظ في "الفتح" 11/ 317: بعد ذكر حديث أبي سعيد هذا: وأخرجه الطبراني من حديث زيد بن أرقم، وابن مردويه من حديث أبي هريرة، ولأحمد والبيهقي من حديث ابن عباس، وفيه جبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، وهو صاحب الطور يعني إسرافيل، وفي أسانيد كل منها مقال، وللحاكم بسند حسن عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة ورفعه: إن طرف صاحب الصور منذ وكل بعد مستعد، وينظر نحو العرش مخافة أن يؤمر قبل أن إليه طرفه كان عينيه كوكبان دريان. 1172 - * روى البخاري (تعليقًا) عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال في قوله

_ 1170 - المعجم الكبير (17/ 325). مجمع الزوائد (10/ 321). رواه الطبراني وقال: ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن عبد الله مولى المغيرة، وهو ثقة. (يمدر حوضه): يطينه ويصلحه بالمدر وهو الطين المتماسك، لئلا يخرج الماء من الحوض. 1171 - الترمذي (4/ 620) 38 - كتاب صفة القيامة، 8 - باب ما جاء في شأن الصور. وقال: هذا حديث حسن. 1172 - البخاري (11/ 367) 81 - كتاب الرقاق، 43، باب نفخ الصور. وقال الحافظ في الفتح: وصله الطبري وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.

تعالى: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [المدثر: 8]: الصور، قال: والراجفة: النفخة الأولى، والرادفة: الثانية. 1173 - * روى أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما الصور؟ قال: "قرن ينفخ فيه". 1174 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بين النفختين أربعون" قيل: أربعون يومًا؟ قال أبو هريرة: أبيت، قالوا: أربعون شهرًا؟ قال: أبيت، قالوا: أربعون سنة؟ قال: أبيت. "ثم ينزل من السماء ماء، فينبتون كما ينبت البقل، وليس من الإنسان شيء إلا بلي، إلا عظم واحد، وهو عجب الذنب، منه يركب الخلق يوم القيامة". ولمسلم (1) طرف في ذكر عجب الذنب، قال: "إن في الإنسان عظما لا تأكله الأرض أبدا، فيه يركب يوم القيامة" قالوا: أي عظم هو يا رسول الله؟ قال: "عجب الذنب". وفي رواية (2) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل ابن آدم تأكله الأرض، إلا عجب

_ 1173 - أحمد (2/ 126). وأبو داود (4/ 236) كتاب السنة، باب في الشفاعة. والترمذي (5/ 373) 48 - كتاب التفسير، 41 - باب ومن سورة الزمر. وقال: حديث حسن صحيح. والدارمي (2/ 325) كتاب الرقائق، باب في نفخ الصور. وابن حيان (9/ 209). والمستدرك (2/ 502). 1174 - البخاري (8/ 689) 65 - كتاب التفسير، 1 - باب يوم ينفخ في الصور (سورة 78) عم يتساءلون. مسلم (4/ 2270) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 28 - باب ما بين النفختين. (1) مسلم (4/ 2271) الموضع السابق. (2) مسلم (4/ 2271) الموضع السابق. والموطأ (1/ 239) 16 - كتاب الجنائز، 16 - باب جامع الجنائز. وأبو داود (4/ 236) كتاب السنة، باب ذكر البعث والصور. والنسائي (4/ 111) كتاب الجنائز، 117 - باب أرواح المؤمنين. (عجب الذنب): هو عظم الصلب المستدير الذي يكون في أصل العجز، وأصل الذنب. =

الذنب، منه خلق، وفيه يركب". أقول: الظاهر أن أجزاء عجب الذنب لا يدخل في تركيب أجزاء أخرى فليس المراد ألا تتحلل، والمشاهد أنها تحترق وتتحلل، ولكن لهذا الجزء من الأنسان ميزه على غيره، بحيث يحفظ الله أجزاءه ثم تجمع يوم القيامة ويعاد بناء الإنسان عليها. 1175 - * روى ابن ماجه عن أبي هريرة؛ قال: قال رجل من اليهود، بسوق المدينة: والذي اصطفي موسى على البشر فرفع رجل من الأنصار يده فلطمه، قال: تقول هذا؟ وفينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "قال الله عز وجل: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} (1) فأكون أول من رفع رأسه. فإذا أنا بموسى أخذ بقائمة من قوائم العرش. فلا أدري أرفع رأسه قبلي، أو كان ممن استثنى الله عز وجل. ومن قال: أنا خير من يونس بن متى، كذب". أقول: لا يصح لأحد أن يفضل أحدًا عند الله إلا بوحي، وعلى هذا فلا يصلح أن يفضل أحدًا أحدًا على يونس عليه السلام من عنه نفسه، وإلا فالنصوص تذكر صراحة تفاضل النبيين وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم أفضلهم. وقل مثل ذلك في أي تفضيل بين البشر ومن ذلك التفضيل بين الصحابة فمن من عند نفسه فقد افترى، ومن فضل بحق بناء على نص فقد اهتدى، وعلى ذلك يحمل كلام بعض الدعاة إلى الله إذ ينهون عن التفضيل بين الصحابة، فمرادهم التفضيل بلا نص. 1176 - * روى مالك عن كعب بن مالك رضي الله عنه كان يحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما نسمة المؤمن طير يعلق في شجر الجنة، حتى يرجعه الله في جسده يوم يبعثه".

_ 1175 - ابن ماجه (2/ 1428) 37 - كتاب الزهد، 33 - باب ذكر البعث. وفي الزوائد إسناده صحيح، ورجاله ثقات. (1) الزمر: 68 1176 - الموطأ (1/ 240) 16 - كتاب الجنائز، 16 - باب جامع الجنائز. والنسائي (4/ 108) 21 - كتاب الجنائز، 117 - باب أرواح المؤمنين ولم يذكر "يعلق". وابن ماجه (2/ 1428) 37 - كتاب الزهد، 22 - باب ذكر القبر والبلى. (النسمة): الروح والنفس ... (يعلق): يأكل.

أقول: رزق الشهداء في الجنة واضح في النصوص، وهذا الحديث يوسع الدائرة فيعمم، والظاهرة أنه مخصوص ببعض النصوص الأخرى، فهو في الجملة يدل على أن بعض المؤمنين ولو كانوا غير شهداء فإن لهم عند ربهم كرامة الكينونة في الجنة في الحياة البرزخية، ولا شك أن مقام الرسل والانبياء أرقى من مقام الشهداء ويوم عرج برسول الله صلى الله عليه وسلم رأى عددًا من الأنبياء في السماوات فقد رأى في كل سماء رسولًا من الرسل كما ورد في قصة الإسراء. * * *

3 - بعض ما يكون بالنفخة الأولى

3 - بعض ما يكون بالنفخة الأولى قال تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} (1). {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} (2). {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ} (3). {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ * إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا} (4). (بست الجبال): فتتت. {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} (5). {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ} (6). {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} (7). {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} (8). {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلَّا لَا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ} (9).

_ (1) التكوير: 1 - 6. (2) الانفطار: 1 - 3. (3) الانشقاق: 1 - 3. (4) الواقعة: 1 - 5. (5) الأنبياء: 104. (6) المرسلات: 8 - 10. (7) الزمر: 68. (8) الحاقة: 13 - 16. (9) القيامة: 7 - 12.

1177 - * روى ابن ماجه عن عبد الله بن عمر؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو على المنبر يقول: "يأخذ الجبار سماواته وأرضيته بيده" وقبض يده فجعل يقبضها ويبسطها ثم يقول: "أنا الجبار. أنا الملك. أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ " قال ويتمايل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يمينه وعن شماله. حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه حتى أني لأقول: أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم؟. (يأخذ الجبار) هذا الحديث كالتفسير لقوله تعالى: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}. أقول: لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تحدث عن يوم القيامة ومشاهدها ظهر التأثر البالغ عليه عليه الصلاة والسلام وهذا أدب ينبغي أن يفطن له كل مسلم وخاصة الدعاء إلى الله، فلا يمرون بمشاهد يوم القيامة إلا وقلوبهم يقظى وتأثرهم بها بالغ مبلغة من أنفسهم ومن سامعيه. 1178 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: الشمس والقمر مكوران يوم القيامة. قال ابن الأثير: (مكوران) التكوير: لف العمامة، والمراد: أن السماء والأرض تجمعان وتلفان كما تلف العمامة.

_ 1177 - ابن ماجه (2/ 1429) 37 - كتاب الزهد، 22 - باب ذكر البعث. وأخرجه نحوه مسلم (4/ 2148) 50 - كتاب صفات المنافقين، الحديث الرابع والعشرون. وأحمد (2/ 88). مجمع الزوائد (1/ 84). وقال: رواه الطبراني في الكبير، وقال: هكذا رواه يحيى بن بكير فقال عن عبد الله ابن عمر. ورجاله رجال الصحيح. 1178 - البخاري (6/ 297) 59 - كتاب بدء الخلق، 4 - باب صفة الشمس والقمر.

4 - بعض ما يكون بالنفخة الثانية

4 - بعض ما يكون بالنفخة الثانية قال تعالى: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} (1). {وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ}، {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} (2). {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} (3). {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} (4). {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} (5). 1179 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تقيء الأرض أفلاذ كبدها، مثل الأسطوان من الذهب والفضة، فيجيء القاتل، فيقول: في هذا قتلت، ويجيء القاطع، فيقول: في هذا قطعت رحمي، ويجيء السارق، فيقول: في هذا قطعت يدي، ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئًا". وفي رواية الترمذي مثله ولم يذكر السارق وقطع يده (6). قال ابن كثير في النهاية: وذكرنا في التفسير: أن الكافر إذا قام من قبره أخذ بيده الشيطان، فيلزمه ولا يفارقه حتى يرمى بهما إلى النار، وقال تعالى: {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ * قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ} (7). اهـ (النهاية في الفتن والملاحم).

_ (1) الزمر: 68. (2) التكوير: 4، 5، 7. (3) النمل: 87. (4) القارعة: 4 - 5. (5) الأنعام: 38. 1179 - مسلم (2/ 701) 12 - كتاب الزكاة، 18 - باب الترغيب في الصدقة قبل أن يوجد من لا يقبلها. (6) الترمذي (4/ 493) 34 - كتاب الفتن، 36 - باب (منه) حدثنا واصل بن عبد الأعلى. وقال: حديث حسن صحيح غريب. (تقئ الأرض أفلاذ كبدها): الأفلاذ: القطع جمع فلذة، والقيء: مستعار لهما في إخراج كنوزها، كما يخرج القيء الطعام من الجوف. (7) ق: 27، 28.

الفقرة الثالثة في الحشر

الفقرة الثالثة في الحشر - بعد البعث والنشر يكون الحشر، ومركز الحشر بلاد الشام، والحشر سوق الناس والجن ومن يبعثهم الله من الخلائق إلى مكان الحساب الذي تجتمع فيه الخلائق وفيه يحاسبون وتوزن أعمالهم ويعرف كل مصيره؛ فالحشر جمع الخلائق كلهم إلى الموقف بعد بعثهم وإحيائهم قال تعالى: {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} (1). - وكربات الحشر والموقف وما يكون فيه وما يكون يعده شيء هائل إلا على أهل هذا المقام {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (2). - والناس يحشرون عراه حفاه مختونين ومن تحقيقات العلماء أخذًا من بعض النصوص أن رسولنا عليه الصلاة والسلام يبعث كاسيًا وأن إبراهيم عليه السلام أول من يكسى في الموقف. - ويجمع الناس في الموقف ويخلق الله شمسًا تدنو من رؤوس العباد فيصيب الناس من الحر عشرة أضعاف حر الدنيا إلا من يظله الله بظله وفي مرحلة يؤتى بالنار إلى المحشر كما ورد في نصوص صحيحة، ويؤتى بالجنة فتكون قريبة، قال تعالى {وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ} (3)، وقال: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ} (4)، وذلك لكي يبتهج المتقون ويستبشروا ويحزن الآخرون ويخافوا {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ} (5). وفوق النار الصراط والصراط طريق العبور إلى ما بعده، ومن هناك إلى الجنة بعد الشفاعة الثالثة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

_ (1) الكهف: 47. (2) الأنعام: 82. (3) التكوير: 13. (4) ق: 31. (5) الشعراء: 90، 91.

ويطول الموقف بعد الحشر على الناس وهم في الحر والعرق إلا من وردت النصوص أنهم في ظل الله يومذاك ومن الوقافين عند الحق، والذين ينظرون المعسرين أو يضعون عنهم، والواصلون الأرحام، والأمهات اللواتي ترعى يتامى زوجها، والمطعمون الطعام، والعارفون بالله والمتحابون بالله وأصحاب الأخلاق الحسنة والقائمون بحقوق الله، ومنهم السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله الذين ورد فيهم الحديث الصحيح المعروف. - وعلى طول يوم القيامة وهو خمسون ألف سنة فإنه يخفف على المؤمن فلا يحس بطوله بل هو عليه كوقت قصير من نهار. - وبعض أهل الموقف يخصون بمزيد من العذاب. - ويطول الموقف والناس صافون أقدامهم رافعو رؤوسهم ينتظرون فصل القضاء. - وأهل الإيمان في الظل محشورون مع من يحبونه من أهل الفضل. ولواء الحمد بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والكافرون محشورون مع من يحبونهم. وبعد طول المقام يفزع الناس إلى الأنبياء ليشفعوا في فضل القضاء فلا يستجيبون إلا رسولنا عليه الصلاة والسلام فإنه يَشْفَع ويُشَفَّعُ. وبعد شفاعته عليه الصلاة والسلام لفصل الخطاب تحدث أحداث كبرى، فتتبع كل أمة ما كانت تعبد من دون الله، وتتميز الأمم عن بعضها، وتكون هناك عرضتان فيهما جدال ومعاذير ثم تطير الصحف آخذ بيمينه وآخذ بشماله وآخذ وراء ظهره وفي هذه المقامات تكون هناك شهادات الأنبياء على أقوامهم وشهادات أخرى، ويستدعى دعاة الضلالة ودعاة الهداية ليرجع أولئك ببشارة السوء امن تابعهم، ويرجع هؤلاء ببشارة الخير لمن تابعهم، ويزداد عطش الناس فيردون على أحواض أنبيائهم، فمنهم من يشرب ومنهم من يرد، ويكون الحساب والميزان، وبعد الحساب والميزان يحبس الناس قبل الصراط، وعندئذ يحدث تبدل جديد للسموات والأرض ثم يفزع الناس إلى الأنبياء ليؤذن لهم بالمرور على الصراط فيحيلون الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكون الشفاعة الثانية، ويؤذن بالمرور على الصراط.

وعند الحساب والميزان تكون شفاعات وبعد ذلك تكون شفاعات. والحيوانات يقضى بينها ثم تكون ترابًا. ومن الحشر إلى أن يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار تكون هناك مظاهر الجلال الإلهي وتتجلى هيبة الملائكة من ربهم وطاعتهم له، وتظهر مظاهر من كثرة جند الله وضبطهم للأمور على مقتضى أمر الله وتظهر الجندية الكاملة للملائكة ويظهر من جلال الله ما تزداد به قلوب المؤمنين رهبة وتبلغ قلوب الكافرين الحناجر، وكل وصف إلا وصف النصوص لما يرجى في عرصات اليوم الآخر قاصر عن تأدية المراد، ومع دقة الوصف في النصوص، فالنصوص تذكر أنه يوم يأتي تأويلها على أرض الواقع يظهر للكثيرين أكثر مما قدروه أو توقعوه، قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} (1)، وقال تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} (2)، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحابه شيء، فخطب، فقال: "عرضت علي الجنة والنار، فلم أر كاليوم في الخير والشر، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبكيتم كثيرًا". قال فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أشد منه. قال: غطوا رؤوسهم ولهم خنين (3). والنصوص في الحشر والموقف وما يكون في ذلك اليوم الطويل كثيرة. نسأل الله أن يجعلنا من أهل كرامته وولايته وهذه بعض نصوص من الكتاب والسنة في هذا الشأن وقد مرت وستمر معنا نصوص كثيرة لها علاقة بهذا المقام.

_ (1) الزمر: 67. (2) الزمر: 47. (3) البخاري (8/ 280) 65 - كتاب التفسير، 12 - باب {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ ...}. ومسلم (4/ 1832) 43 - كتاب الفضائل، 37 - باب توقيره صلى الله عليه وسلم. ولهما روايات أخرى.

1 - النصوص القرآنية

1 - النصوص القرآنية {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ * تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ * فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا * يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ * وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا * يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ * كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى * تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى * وَجَمَعَ فَأَوْعَى} (1). أقول: إن الحديث الصحيح الذي يتحدث عن عذاب من لا يؤدي زكاة الأنعام يذكر صراحة أن يوم القيامة مدته خمسون ألف سنة وذلك صريح في مدة يوم القيامة كما نصت عليه سورة المعارج. {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ * يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} (2).

_ (1) المعارج: 1 - 18. (المعارج): مصاعد الملائكة. (المهل): المعدن المذاب. (العهن): الصوف المصبوغ ألوانًا. (الحميم): الصديق أو القريب المشفق. (الفصيلة): العشيرة. (الشوى): جلد الرأس. (أوعى): أمسك ماله في وعاء وربط عليه. (2) المعارج: 42 - 44. (نصب): أحجار عظموها في الجاهلية. (يوفضون): يسرعون. (ترهقهم ذلة): تغشاهم مهانة شديدة.

{وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} (1). أقول: وللمفسرين أكثر من اتجاه في فهم الآية فبعض المفسرين ذهب إلى أن هذا يحدث لهم بعد الموقف حيث يؤمر بهم إلى النار، وبعضهم حملها على أنهم يحشرون بعد نشرهم إلى أرض المحشر هكذا، وبعضهم حملها محامل أخرى والكلام يراد به الكافرون والظاهر أن الكافر يوم القيامة تكون له أكثر من حالة بالنسبة للعمى والصم والبكم، ففي بعض المواقف يكون أعمى وأصم وأبكم وفي بعض المواقف يكون بصيرًا سميعًا متكلمًا وفي بعض المواقف قد يسلب منه السمع أو البصر أو الكلام. والله أعلم. {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ * فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ * هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} (2). أقول: وهذا الحوار يكون بين المشركين وبين ما كانوا يعبدون من دون الله أو بينهم وبين ما يصورون لهم ممن كانوا يعبدون من دون الله وهذا يكون بعد شفاعة فصل الخطاب إذ تؤمر كل أمة أن تتبع ما كانت تعبد من دون الله. {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} (3). {وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} (4) {يَوْمَ

_ (1) الإسراء: 67. (البكم): الخرس. (2) يونس: 28 - 30. (فزيلنا بينهم): أي فرقنا بينهم وقطعنا الوصل التي كانت بينهم. (3) يونس: 45. (4) يونس: 54.

يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا} (1). {يَدْعُوكُمْ} أي يبعثكم {فَتَسْتَجِيبُونَ} أي: فتنبعثون للمحاسبة والجزاء. وقوله {بِحَمْدِهِ}: حامدين الله على كمال قدرته، والظاهر أن هذا يقوله الكافر والمؤمن بعد إذ انكشف الغطاء فليس أمام الكافر إلا إعلان الولاء والحمد لله ولا ينفعه ذلك. {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ} (2). إن لكل نبي أمته وبعض أمم الأنبياء منهم مسلمون ومنهم كافرون، وبعض الأمم كلهم كافرون، والمراد بالآية والله أعلم أن الكافرين من أمة كل رسول يحشرون مع بعضهم بعضًا، وقوله تعالى (يوزعون) أي يحبس أولهم على آخرهم حتى يجتمعوا جميعًا، وتكون المخاطبة والمحاسبة والظاهر أن الخطاب يكون بعد الشفاعة لفصل الخطاب، وتميز كل أمة كانت تعبد شيئًا سوى الله عن غيرها، ومواقف القيامة متعددة وفي كل موقف قد توجد حال لا تكون في موقف آخر. {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ * ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ * انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} (3). الظاهر أن هذا المشهد يكون بعد إذ يخاطب المشركون مجتمعين مع ما أشركوا به بعد شفاعة فصل الخطاب، فيغيب عنهم شركاؤهم بعد إذ يجمعون بهم أو بما يخيل لهم أنهم شركاؤهم، ويحدث الجدال فيما بينهم فيخاطبون بعد غيب الشركاء، ويحلفون كاذبين أنهم لم يكونوا مشركين والمراد بالفتنة في الآية كذبهم الذي هو مظهر خبثهم كما أن النار تفتن الذهب فتخلص زيفه من جوهره.

_ (1) الإسراء: 52. (2) النمل: 83 - 85. (3) الأنعام: 22 - 24.

{وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} (1). {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَاحَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} (2). من مواقف يوم القيامة أن يعرض الكافرون على النار وحدهم، ومن المواقف أن تجثو الأمم كلها حول النار كما سنرى، ولكن الموقف الذي يتحدث عنه هذا النص خاص بعرض الكافرين وحدهم على النار ليندموا على ما فعلوا ثم يعرضون بعد ذلك على ربهم ليعترفوا بأن ما بعث به الرسل عليهم السلام كان حقًا. {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَامَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ} (3). يتحدث هذا المشهد عما يكون من تقريع وتوبيخ من الله عز وجل للشياطين ولأتباعهم من الإنس إذ استمتع الشياطين بطاعة الإنس واستمتع أتباعهم من الإنس بالملذات والشهوات التي دعاهم إليها الشياطين. والظاهر أن هذا الخطاب للفريقين يكون في إحدى العرضتين اللتين تكونان بعد الشفاعة لفصل الخطاب.

_ (1) الأنعام: 27 - 29. (2) الأنعام: 30، 31. (3) الأنعام: 128 - 130.

{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ * وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ * وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ * وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ * وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ * ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} (1). بعد الموقف الطويل والشفاعة لفصل الخطاب والجدال والمعاذير وبعد تطاير الصحف فإن أحد مشاهد يوم القيامة أن تجثو الأمم على ركبها كل منهم معه صحيفته. وهناك الكتاب الذي يجمع ما كتبته الملائكة عن فعل كل مكلف من الأمم ليكون ذلك بيد يدي الحساب والميزان، ومن المعلوم أنه من أنواع العذاب أن يجلس الإنسان على ركبتيه وأطراف أصابعه فذلك لا يتحمله الإنسان في الدنيا كثيرًا، والظاهر أن هناك أكثر من موقف من مواقف القيامة يجثو الناس على ركبهم من الهول كما سنرى. {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا * إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ * بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا} (2). قوله تعالى {وَرَاءَ ظَهْرِهِ}: أي بشماله من وراء ظهره، وذلك يكون عند تطاير الصحف وبعد الشفاعة لفصل الخطاب وبعد عرضتين من عرضات ثلاث يكون في كل منها إقامة حجة.

_ (1) الجاثية: 27 - 35. (2) الانشقاق: 6 - 15.

وقوله تعالى: {لَنْ يَحُورَ}: لن يرجع أي كان غير مؤمن باليوم الآخر. - {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا * يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا * وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا * أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا * وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا * الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا * وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَاوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} (1). قوله تعالى: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ}: إشارة إلى رؤيتهم الملائكة عند الموت والضمير في قوله تعالى {وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا} قد يرجع إلى الكفار وقد يرجع إلى الملائكة فإن رجع إلى الكفار فالمراد أنهم يطلبون أن يحال بينهم وبين لقاء الله وإن رجع الضمير على الملائكة فالمراد أن الملائكة تقول لهم: حرامًا محرمًا عليكم الجنة والبشرى. وقوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} أي أبطلنا أعمالهم فلا قيمة لها ولا وزن لأن شرط قبول العمل هو الإيمان، وقوله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} فيه إشارة إلى غمام يكون بعد شفاعة فصل الخطاب وعند تطاير صحف الأعمال وعندئذ يكون نزول الملائكة مع أن للملائكة نزولًا ووجودًا قبل ذلك وهذه الآية تشبه قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} (2). {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ * أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ * هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ * وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا

_ (1) الفرقان: 21 - 29 (2) البقرة: 210

اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ} (1). قوله تعالى: {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} المراد به على رأي بعض المفسرين الموقف الذي ينفصل فيه أهل الإيمان عن أهل الكفر ذلك يكون بعد شفاعة فصل الخطاب إذ يأمر الله عز وجل كل أمة أن تتبع ما كانت تعبد من دون الله، وقوله تعالى {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ} هذا يكون يوم القيامة في أكثر من موقف يكون عند الحساب وعند الميزان ويكون قبل ذلك عندما ينكرون ما كانوا عليه من الشرك، وهذا الموقف قد يتعدد والله أعلم بتفصيلاته وإنما استأنسنا لما ذكرناه استئناسًا ببعض النصوص. وفي تميز أهل الإيمان عن أهل الكفر قال ابن كثير في النهاية: فإذا نصب كرسي فصل القضاء انماز الكافرون عن المؤمنين في الموقف إلى ناحية الشمال، وبقي المؤمنون عن يمين العرش، ومنهم من يكون بين يديه، قال الله تعالى: {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} (2). وقال تعالى: {ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ} (3). اهـ. (النهاية في الفتن والملاحم). {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ * وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (4). قوله تعالى عن الكاذبين على الله بأن وصفوه بما هو منزه عنه أو لم يعطوا الألوهية حقها وجوههم مسودة ذكر البيضاوي في تفسيرها: مسودة مما ينالهم من الشدة أو مما يتخيل عليها من ظلمة الجهل. أقول ولا مانع من حملها على ظاهرها بأن يعاقبهم الله بأن تكون وجوههم سوداء مظلمة. والظاهر أن الكافرين تصيبهم تلونات قبيحة متعددة يوم القيامة فإنهم يحشرون زرقًا وإذا رأوا صحائفهم سوداء اسودت وجوههم ومن قبل ذلك تسود

_ (1) يس: 59 - 67. (2) يس: 59. (3) يونس: 28. (4) الزمر: 60 - 61.

وجوهم، وهكذا سواد على سواد وظلمة على ظلمه، ولعل الذين يفتخرون ببياض الألوان في هذه الدنيا وينتقصون من كانت خلقتهم سوداء ويعاقبون بما عابوا عليه غيرهم في الدنيا إذا كانوا من أهل الإيمان، والمعروف أن المسلم لا عبرة عنده للسواد الخلقي وأن الكافرين وحدهم هم الذين يعطون لهذا الأمر وضعه المقيت في الدنيا. والمفازة هي الفلاح. {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا * وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا * وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} (1). {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ * وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ * وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ} (2). {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} (3).

_ (1) الكهف: 47 - 49. قوله تعالى: {وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا} أي مصطفين كالجند في وقفة هيبة وخوف. وقوله تعالى {كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} أي عراه غير مختونين لا شيء معكم .. وقوله تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ} أي صحائف الأعمال وذلك يكون قبل الحساب وبعد مواقف متعددة تكون يوم القيامة. (2) إبراهيم: 42 - 45. قوله تعالى: {لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} محلقين مقبلين بأبصارهم لا تطرف هيبة وخوفًا. قوله تعالى: {مُهْطِعِينَ} مسرعين إلى الداعي. {مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ}: رافعيها. {لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ} تبقي شاخصة لا تطرف أو لا يرجع إليهم نظرهم فينظرون إلى أنفسهم. {وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ}: أي خالية عن الفهم لفرط الدهشة والحيرة أو هي من الخوف كأنها غير موجودة. (3) هود: 18. {الْأَشْهَادُ}: الملائكة والنبيون والجوارح.

قوله تعالى {يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ} أي في أحد مشاهد الموقف بعد شفاعة الخطاب بأن يحسبوا وتعرض أعمالهم. {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} (1). هذا يدل على أن الكافرين لا تنفعهم شفاعة، وأنهم يكونون يوم القيامة في غاية الخوف. {وَيَاقَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} (2). {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} (3). {أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ} عمله المقدر له. {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا} أي كتاب أعماله وهذا يكون قبيل الحساب والميزان. وفي الآية دليل على أنه لا يدخل النار أحد إلا بحساب على خلاف من قال: كما أن بعض أهل الجنة يدخلون الجنة بلا حساب فبعض أهل النار يدخلون النار بلا حساب. {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا} (4). أقول: إنما ينتفع الوالد بالولد والولد بالوالد يوم القيامة إذا كانا مؤمنين وأراد لله ذلك أما من سوى أهل الإيمان فلا ينتفع أحد بأحد.

_ (1) غافر: 18. (الآزفة): يوم القيامة لقربها. (كاظمين) ممسكين على الغم الممتلئين منه (الحميم): القريب المشفق أو الصديق القريب. (2) غافر: 32، 33. (يوم التناد) يوم القيامة للنداء فيه إلى المحشر. (يوم تولون مدبرين): ذاهبين هاربين. (3) الإسراء: 13، 14. (4) لقمان: 33.

{قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} (1). (المعيشة الضنك): المعيشة الضيقة، وحملها بعضهم على الشقاء النفسي والجسدي في الدنيا لغير أهل الإيمان، وحملها بعضهم على الحياة البرزخية، وقوله تعالى {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} دليل لمن ذهب أن أول ما يحشر الكافر يوم القيامة يحشر وهو أعمى وهناك اتجاه يقول: إن هذا الحشر يكون بعد إذ يؤمر بالكافرين إلى النار فيحشرون عمياً بكماً صماً ليدخلوا النار وهم كذلك. {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا * لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} (2). قوله تعالى: {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا} هذه صفة للكيفية التي يذهب بها الكفار إلى النار وهى أنهم يساقون كما تساق البهائم وتدفع دفعا ويدخلون النار وهم عطاش. {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ} (3). {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} (4). {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} (5).

_ (1) طه: 123 - 126. (2) مريم: 85 - 87. (3) الأحقاف: 20. (4) الأحقاف: 34. (5) النساء: 69.

في هذه الآية دليل على أن أهل الإيمان يحشرون مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين فهم معهم في المواقف وهم معهم في الجنة، ولذلك فإن على أهل الإيمان أن يطيعوا الله والرسول وأن يحبوا الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين فإن المرء يحشر مع من أحب. {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ} (1). قوله تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} يدل على أن هناك أئمة ضلال كما أن هناك أئمة هداية وكما أن المؤمن يحشر مع أئمته فإن الكافر يحشر مع أئمته ويدخل النار معهم. {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا * وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا} (2). قوله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} أي بنبيهم أو بمقدمهم في الدين ويحتمل النص معاني أخرى وعلى المعنى المذكور فالآية تدل على أنه في موقف من مواقف يوم القيامة يدعى كل إمام لقوم فأئمة الهدى يكرمون ويرجعون إلى أتباعهم مبشرين وأئمة الضلال يهانون ويرجعون إلى أتباعهم يائسين موئيسين بائسين مبئسين. {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ * يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ * وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ} (3). قوله تعالى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ}: أي إلى النار كما كان يقدمهم في الدنيا إلى الضلال وهذا دليل على أن إمام القوم في الهدى أو في الضلالة يكون معه أتباعه إما إلى جنه إن كان من

_ (1) القصص: 41، 42. (2) الإسراء: 71، 72. (الفتيل). أدنى شيء وأقله. (3) هود: 96 - 99.

أهل الهداية وإما إلى نار إن كان من أهل الضلال وهذا يجعلنا نؤكد على أن يحب الإنسان الصالحين وأن يكون له إمام في الخير ينتسب إليه ويتعاون معه على ما يرضي الله ويطيعه في المعروف. {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ * وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} (1). {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ} (2). قوله تعالى: {فَهُمْ يُوزَعُونَ} يحبس أولهم على آخرهم. وشهادات الأعضاء على الإنسان من زيادة إقامة الحجة. والشهادة تكون عند الحساب والميزان وتكون في مواقف أخرى، ولا يدخل احد النار إلا أن تقول عليه الحجة كاملة بشهادة الملائكة والأنبياء والأعضاء. وقوله تعالى {يَسْتَعْتِبُوا} أي يطلبوا العتبى وهي الرجوع إلى ما يحبون. {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ * فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً

_ (1) فصلت: 47، 48. (آذناك): أخبرناك وأعلمناك. (محيص): مهرب ومفر من العذاب. (2) فصلت: 19 - 24.

بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ} (1). قوله تعالى: {وَقَيَّضْنَا}: أي وقدرنا. {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ * فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ * خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ * مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} (2). قوله تعالى {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ}: الداع هنا: إسرافيل إذ ينفخ في الصور. {إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ}: فظيع تنكره النفوس لأنها لم تعهد مثله وهو هول القيامة، {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ} مسرعين مادين أعناقهم إليه أو ناظرين إليه، ويحتمل أن يكون الداعي هنا إسرافيل ويحتمل أن يكون ملكا آخر يدعو الناس إلى مركز الحشر. {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (3). {لِيَوْمِ الْجَمْعِ} هو اليوم الذي يجمع الله عز وجل فيه الملائكة والإنس والجن والوحوش والأنعام، {الْجَمْعِ ذَلِكَ} أي اليوم الذي يغبن فيه الناس بأن يأخذ المؤمنون منازلهم في الجنة ويأخذ الكافرون منازل المؤمنين في النار لو كانوا كفارا. {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} (4). في الآية دليل على أن موقفًا من مواقف يوم القيامة يكون للرسل عليهم الصلاة والسلام اجتماع بأمر الله فيسألهم ربهم عما أجابتهم به أقوامهم توبيخًا لهذه الأقوام فينفون العلم إما لهول الموقف أو ينفون العلم المحيط قال البيضاوي: أي لا علم لنا بما كنت تعلمه إنك أنت علام الغيوب فتعلم ما نعلمه مما أجابونا وأظهروا لنا وما لا نعلم مما أضمروا في قلوبهم.

_ (1) فصلت: 25 - 29. (2) القمر: 4 - 8. (3) التغابن: 9، 10. (4) المائدة: 109.

وقيل: لا علم لنا إلى جنب علمك أو لا علم لنا بما احدثوا بعدنا وإنما الحكم للخاتمة اهـ. (تفسير البيضاوي). {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ} (1). {إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا} (2). {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} (3). قوله تعالى {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ} المراد بالشهيد هنا: نبي الأمة فهو يشهد عل إجابة أمته، {وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والمراد بكلمه هؤلاء إما أمته وإما الأنبياء جميعا وإما المؤمنون ممن استجاب له فإنه يشهد لهم وإما الكفرة. والآية تدل على أن للأنبياء عليهم الصلاة والسلام شهادة على أقوامهم أنهم بلغوهم رسالات الله. {وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ} (4). {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ}] (5). قوله تعالى {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا} أي على النار {خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ} متذللين متقاصرين مما يحلقهم من الذل {يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ} أي يبتدئ نظرهم إلى النار من تحريك لأجفانهم ضعيف، وقد رأينا وسنرى أن النار يؤتى بها إلى المحشر كما رأينا أن الكافرين يعرضون على النار في أحد مواقف يوم القيامة والآيات التي تدل على أن هناك حالات يبصر بها الكافرون يوم القيامة تشير إلى أن للكافرين بالنسبة للإبصار والصم البكم حالات يوم القيامة فتارة ينطقون ويسمعون ويبصرون وأخرى لا يكون لهم ذلك، ويوم

_ (1) المجادلة: 18. (2) الإنسان: 37. (3) النساء: 41، 42. (4) الشورى: 44. (5) الشورى: 45.

القيامة طويل وأحواله كثيرة. {وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ * وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ * اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ} (1). قوله تعالى {وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ} إنكار لما اقترفوه لأنه مدون في صحائف أعمالكم تشهد عليه جوارحكم. {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (2). هناك بياض وسواد خلقيان في الدنيا فهذا وهذا لا يقربان من الله او يبعدان بل العبرة في الدنيا والآخرة للتقوى، وأما السواد الذي يصيب الكافرين يوم القيامة فإنه عقوبة لهم والبياض إكرام لأهل الإيمان وجعل بعضهم النص على ظاهره لكن البيضاوي في تفسيره قال البياض والسواد كنايتان عن ظهور بهجة السرور وكآبة الخوف فيه وقيل يوسم أهل الحق ببياض الوجه والصحيفة وإشراق البشرة وسعى النور بين يديه ويمينه وأهل الباطل بأضداد ذلك ا. هـ (تفسير البيضاوي). {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا} (3). {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ * بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ} (4).

_ (1) الشورى: 45 - 47. (2) آل عمران: 106، 107. (3) آل عمران: 30. (4) الأنبياء: 38 - 40.

{وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَاوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ * إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ * لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ * لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ} (1). قوله تعالى {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ}: دليل على أن من عبد من دون الله مآله النار إلا من عبد وهو كاره فهذا تحدثت عنه الآية اللاحقة {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ}، و {حَصَبُ جَهَنَّمَ} وهو ما يرمى به إليها وتهيج به وهذه الآية تشبه الآية {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} (2). {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} (3). {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ * قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ * وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ * وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ * فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ} (4). {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ * وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} (5). في هذا المشهد ثلاثة خطابات للكافرين من الله تعالى خطاب يسألهم فيه عما أشركوا وخطاب يسألهم فيه عما أجابوا المرسلين وخطاب يسألهم فيه مرة أخرى عما أشركوا وفي الخطاب الأول يتبرأ الشياطين والمعبودون ممن أشرك بهم وفي الخطاب الثاني يتحير الكافرون بماذا يجيبون وفى الخطاب الثالث يطلب من الأنبياء أن يشهدوا على أقوامهم وعلى تبليغهم رسالات الله وهذه الخطابات تكون بعد شفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم لفصل الخطاب وبعد أن تتميز

_ (1) الأنبياء: 97 - 100. (2) البقرة: 24. (3) الأنبياء: 101 - 103. (4) القصص: 62 - 66. (5) القصص: 74، 75.

الأمم عن بعضها بعضا والله أعلم. {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى * وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى} (1). {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} (2). {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ * وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ * فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ * وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ * قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ * تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ * فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ * فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (3). قوله تعالى {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ} أي قربت بحيث يرونها {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ} أي أظهرت حتى يروها والمعروف أن النار يؤتى بها إلى المحشر وكذلك الجنة ولكن الجنة تكون بعد النار والعبور إليها يكون على الصراط، والجنة والنار مرئيتان لأهل الموقف. وقوله تعالى {فَكُبْكِبُوا فِيهَا} أي في النار (هم والغاوون) أي الضالون والمراد بالكبكبة تكرير الكب حتى يستقروا في قعرها. والضمير (هم) يعود عل الآلهة المعبودة من دون الله فهم وعبادهم يكبكبون في النار هذه الكبكبة الهائلة. {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ

_ (1) طه: 74 - 76. (2) البروج: 10، 11. (3) الشعراء: 90 - 102.

الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ} (1). من المعلوم أنه بعد الشفاعة بفصل الخطاب وبعد العرضتين اللتين يكون فيها جدال ومعاذير تطير صحف الأعمال فالمؤمنون يأخذونها بأيمانهم والكافرين يأخذونها بشمالهم وقوله تعالى {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} أي اجعلوا الأغلال في عنقه ويديه {ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ} أي أدخلوه أو احرقوه فيها، {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ} قال البيضاوي: "أي أدخلوه فيها بأن تلفوها على جسده وهو فيها بينها مرهق لا يقدر على حركه"، والغسلين: صديد أهل النار. {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (2). الآية الأولى تدل على أن أهل الإيمان آمنون مما يصيب الكافرين من هلع وفزع وجزع وإهانة وسوء مصير. {انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ * انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ * لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ * إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} (3). قوله تعالى {انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} أي إلى النار {انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ} أي إلى ظل دخان جهنم وهو يتشعب لعظمه وهو كقوله تعالى: {وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ} (4)، وللتأكيد على أن ظل الدخان فيه مزيد من العذاب قال {لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ}، وقوله تعالى عن النار {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} الشرر هو ما تطاير من النار متفرقاً، كالقصر: كالبناء المشيد في العظم والارتفاع {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} كأن الشرر إبل سود في الكثرة والتتابع وسرعة الحركة واللون. -وتطلق العرب على الجمل الأسود الأصفر (الجمالة) جمع جمل.

_ (1) الحاقة: 25 - 37. (2) النمل: 89 - 90. (3) المرسلات: 29 - 34. (4) الواقعة: 43 - 44.

{هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ * وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} (1). قوله تعالى {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ} معناه أي بما لا ينفع أو لا ينطقون أصلا {وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} لأنه لا محل لاعتذارهم بعد ما فعلوه. والظاهر أن عدم النطق وعدم السماح بالاعتذار يكون في بعض المواقف وإلا فقد أخبرنا الله عز وجل أن كل نفس تجادل عن نفسها: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا} (2)، ولكن هناك مرحله في الموقف لا محل فيها لنطق أو اعتذار لهيبة الموقف وهناك مرحلة ينتهي فيها النطق والاعتذار لأن الحجج قد قامت على أهل النار من جهات متعددة فلا فائدة في نطق ولا اعتذار. {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ * فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} (3). {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ} أي بين الحق والمبطل. {كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} (4). يرى المؤمنون الله عز وجل في عرصات القيامة كما يرونه في الجنة والظاهر أن الآية تتحدث عن رؤيته في عرصات القيامة بدليل ما بعد ذلك وقوله تعالى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} أي بهية متهللة، {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ} أي شديدة العبوس. {تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} أي تتوقع داهية تكسر فقار الظهور. {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ} (5). {الصَّاخَّةُ} أي النفخة، {مُسْفِرَةٌ} أي مضيئة {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ} أي

_ (1) المرسلات: 35 - 37. (2) النحل: 111. (3) المرسلات: 38 - 40. (4) القيامة: 20 - 25. (5) عبس: 33 - 42.

غبار وكدورة {تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ} أي يغشاها سواد وظلمه. {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا} (1). {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا * ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا * ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا * وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} (2). وقوله تعالى {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ} أي لنحشرن كل كافر مع شيطانه مقرونا به. {ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا} الظاهر أن هذا يكون لجميع الخلق ليزداد السعيد سعادة بأن أنجى من هذه النار ويزداد الكافر هولا بما يرى من مال {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ} أي من كل أمة {أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} أي أكثر عصيانا فنطرحهم فيها {ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا} أي أولى بالعذاب بالنار {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} الكافرون يردونها مسجونين فيها أبدًا وعصاة المؤمنين يسجنون فيها مؤقتا والمؤمنون يردون عليها فوق الصراط في طريقهم إلى الجنة، {كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} كان ورودهم واجبًا أوجبه الله على نفسه وقضى بأن وعد به وعدًا لا يمكن خلفه وقيل أقسم عليه. {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} بأن يعبروا إلى الجنة {وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} أي باركين على الكرب كما كانوا جاثين حولها والظاهر أن الآيات تتحدث عن مشهد من مشاهد يوم القيامة وذلك بعد الحساب والميزان فإن الجميع يؤخذ بهم حتى يجثوا حول النار فيشاهدوها عن قرب. {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ) (3). هذا المشهد يكون بعد أن تميز الأمم عن بعضها بعضًا ويرى المؤمنون ربهم ويتعرفون عليه فعندئذ يسجد أهل الإيمان ويريد أهل النفاق أن يسجدوا فلا يستطيعون وذلك بعد

_ (1) الفرقان: 34. (2) مريم: 68 - 72. (3) ن: 42، 43.

الشفاعة لفصل الخطاب. {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} (1). {نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ} أي من الحياء والخزي قائلين: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا} أي أبصرنا ما وعدتنا وسمعنا منك تصديق رسلك والظاهر أن هذا المشهد يكون بعد أن تقوم عليهم الحجة بشهادة الملائكة والنبيين والأعضاء.

_ (1) السجدة: 12.

2 - نصوص حديثية

2 - نصوص حديثية 1180 - * روى البخاري ومسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يحشر الناس يوم القيامة على ثلاث طرائق: راغبين وراهبين، واثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة على بعير، وتحشر بقيتهم النار، تقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسى معهم حيث أمسوا". أقول: هذه النار التي تحشر الناس إلى الموقف غير النار التي مر ذكرها معنا على أنها آخر أشراط الساعة فتلك تكون قبل قيام الساعة. 1181 - * روى الترمذي عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف: صنفا مشاة، وصنفا ركبانا، وصنفا على وجوههم"، قيل: يا رسول الله، وكيف يمشون على وجوههم؟ قال: "إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم، أما إنهم يتقون بوجوههم كل حدب وشوك". 1182 - * روى الترمذي عن بهز بن حكيم رحمه الله عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنكم تحشرون رجالاً وركبانا، وتجرون على وجوهكم".

_ 1180 - البخاري (11/ 377) 81 - كتاب الرقاق، 45 - باب الحشر. مسلم (4/ 2195) 51 - كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، 14 - باب فناء الدنيا، وبيان الحشر يوم القيامة. والنسائي (4/ 115) 21 - كتاب الجنائز، 118 - باب البعث. (طرائق): جمع طريقة: وهي الحالة. (تقيل): من القائلة، والقيلولة: كسر الحر. 1181 - الترمذي (5/ 305) 48 - كتاب التفسير، 18 - باب ومن سورة بني إسرائيل. وقال: حديث حسن. 1182 - الترمذي (5/ 305) 48 - كتاب التفسير، 18 - باب ومن سورة بني إسرائيل. وقال: حديث حسن. وهو حسن بشواهده.

1183 - * روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ} (2) أيحشر الكافر على وجهه؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أليس الذي أمشاه على رجليه في الدنيا قادر على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة؟ " قال قتادة حين بلغه: بلى، وعزة ربنا. 1184 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول لله صلى الله عليه وسلم: "يبعث كل عبد على ما مات عليه". 1185 - * روى الطبراني عن جرير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من يتزود من الدنيا ينفعه في الآخرة". 1186 - * روى أبو يعلى عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنتم الغر المحجلون". 1187 - * روى أحمد عن عبد الله بن عمرو قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما وطلعت الشمس فقال: "يأتي قوم يوم القيامة نورهم كنور الشمس" قال أبو بكر: نحن هم يا رسول الله؟ قال: "لا ولكم خير كثير، ولكنهم الفقراء المهاجرون الذين يحشرون من أقطار الأرض".

_ 1183 - البخاري (8/ 492) 65 - كتاب التفسير، تفسير سورة (25)، 1 - باب الذين يحشرون على وجوههم ... إلخ. مسلم (4/ 2161) 50 - كتاب صفات المنافقين، 11 - باب يحشر الكافر على وجهه. (2) الفرقان: 34 1184 - مسلم (4/ 2206) 51 - كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، 19 - باب الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت. 1185 - المعجم الكبير (2/ 305). مجمع الزوائد (10/ 311) وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. 1186 - مجمع الزوائد (10/ 344) وقال: رواه أبو يعلي ورجاله رجال الصحيح. 1187 - أحمد (2/ 222). مجمع الزوائد (10/ 258). وقال: رواه أحمد والطبراني في الأوسط والكبير وزاد في الكبير: (ثم قال: طوبي للغرباء طوبي للغرباء، قيل: من الغرباء؟ قال: ناس صالحون قليل في ناس سوء كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم). وفي رواية: فقال أبو بكر وعمر: نحن هم. وله في الكبير أسانيد ورجال أحدها رجال الصحيح.

أقول: الخصوصية لا تقتضي الأفضلية، فالذين ذكروا ليس أفضل من أبى بكر ولكن لهم خصوصية. 1188 - * روى الطبراني عن أبى أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان يوم القيامة قامت ثلة من الناس يسدون الأفق، نورهم كالشمس، فيقال: النبي الأمي فيتحشحش لها كل نبي فيقال محمد وأمته، ثم تقوم ثلة أخرى تسدما بين الأفق، نورهم مثل كل كوكب في السماء فيقال النبي الأمي فيتحشحش لها كل نبي ثم يحثى حثيتين فيقال: هذا لك يا محمد وهذا منى لك يا محمد ثم يوضع المزان ويؤخذ في الحساب". 1189 - * روى أبو يعلى عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيت الناس جمعوا للحساب". 1190 - (3) روي الطبراني عن ابن مسعود قال: "إنكم مجموعون بصعيد واحد ينفذكم البصر وتسمعون الداعي". 1191 - * روى البزار عن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول لنا: "إنكم تحشرون إلى بيت المقدس ثم تجتمعون يوم القيامة". أقول: من المعلوم أن نار عدن التي تخرج قبيل الساعة تحشر الناس إلى الشام فالنص يحتمل الإشارة إلى هذا ويحتمل الإشارة إلى ما يحدث من اجتماع المؤمنين في مرحلة نزول المسيح عليه السلام ويحتمل الحشر بعد البعث وفي كل الأحوال فإن مركز الحشر بلاد الشام ومركز بلاد الشام بيت المقدس.

_ 1188 - مجمع الزوائد (10/ 408). قال: رواه الطبراني، ورجاله وثقوا. التحشحش: التحرك للنهوض. 1189 - مجمع الزوائد (10/ 345). وقال: رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح. 1190 - مجمع الزوائد (10/ 343). وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير رباح النخفي وهو ثقة. 1191 - كشف الأستار (4/ 153). والمعجم الكبير (7/ 264). مجمع الزوائد (10/ 343). وقال: رواه البزار والطبراني، وإسناده الطبراني حسن.

1192 - * روى البخاري ومسلم عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء، كقرصة النقي ليس فيها علم لأحد". وفي رواية (1) إلى قوله (كقرصة النقي) ثم قال: قال سهل، أو غيره "ليس فيها معلم لأحد". 1193 - * روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يحشر الناس حفاة عراة غرلا" قالت عائشة، فقلت: الرجال والنساء جميعا ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال: "الأمر أشد من أن يهمهم ذلك". وفى رواية (2) "من أن ينظر بعضهم إلى بعض". وللنسائي (3) في أخري قال: "لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه". 1194 - * روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر يقول: "إنكم ملاقو الله حفاة عراة غرلا" وزاد في رواية (4) في أوله: "مشاة" وزاد في رواية (5): قال سفيان هذا مما يعد أن ابن عباس

_ 1192 - البخاري (11/ 372) 81 - كتاب الرقاق، 44 - باب يقبض الله الأرض يوم القيامة. مسلم (4/ 2150) 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، 2 - باب في البعث والنشور ... إلخ. (عفراء): أرض عفراء: بيضاء، والعفرة: البياض. (النقي): أراد به الخبز الأبيض الحوارى. (1) البخاري (11/ 372): الموضع السابق. 1193 - البخاري (11/ 372) 81 - كتاب الرقاق، 45 - باب الحشر. مسلم (4/ 2194) 51 - كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، 14 - باب فناء الدنيا، وبيان الحشر يوم القيامة. والنسائي (4/ 114) 21 - كتاب الجنائز، 118 - باب البعث. (2) مسلم (4/ 2194): الموضع السابق (3) النسائي (4/ 114): الموضع السابق 1194 - البخاري (11/ 377) 81 - كتاب الرقاق، 45 - باب الحشر. مسلم (4/ 2195) 51 - كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، 14 - باب فناء الدنيا، وبيان الحشر يوم القيامة. (4) البخاري (11/ 377): الموضع السابق. (5) البخاري (11/ 377): الموضع السابق.

سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم. وفي أخرى (1) قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة، فقال: "يا أيها الناس إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلاً {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} (2) إلا إن أول الخلائق يكسى يوم القيامة: إبراهيم عليه السلام، ألا وإنه سيجاء برجال من أمتي، فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب، أصحابي، فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ} -إلى قوله- {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (3) قال: "فيقال لي: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم". زاد في رواية (4): "فأقول: فسحقاً، فسحقاً". أقول: هذا النص محمول على من ارتد من أصحابه بعد وفاته وقتل وهو مرتد وهؤلاء الذين حدث لهم ذلك ناس قليلون من جفاة الأعراب الذين لم يتأثروا بالتربية النبوية وسمير معنا هذا الموضوع بمناسبة الكلام عن الحوض وننقل هناك بعض ما ذكره ابن حجر حوله. 1195 - * روى البخاري ومسلم عن نافع مولي ابن عمر عن ابن عمر رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} (5) قال: "يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه".

_ (1) مسلم (4/ 2195): الموضع السابق. (2) الأنبياء: 104. (3) المائدة: 117، 118. (4) البخاري (11/ 464) 81 - كتاب الرقاق، 53 - باب في الحوض. 1195 - البخاري (11/ 392) 81 - كتاب الرقاق، 47 - باب قوله تعالى {أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ ...}. مسلم (4/ 2195) 51 - كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، 15 - باب في صفة يوم القيامة، أعاننا الله على أهوالها. والترمذي (4/ 615) 78 - كتاب صفة القيامة، 2 - باب ما جاء في شأن الحساب والقصاص. وقال: حديث حسن صحيح. (5) المطففين: 6.

1196 - * روى مسلم عن المقداد الأسود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق، حتى تكون منهم كمقدار الميل" زاد الترمذي "أو اثنين" قال سليم بن عامر: فو الله ما أدري ما يعنى بالميل: أمسافة الأرض، أو الميل الذي تكحل به العين؟ - قال: "فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما" وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى فيه. وفي رواية الترمذي (1) قال: "فتصهرهم الشمس، فيكونون في العرق كقدر اعمالهم" ... الحديث. أقول: مر معنا من قبل أن الشمس والقمر يكوران يوم القيامة وهذا يفيد أن شمسنا الحالية لا تبقى فالشمس المذكورة في الحديث شمس أخرى والله أعلم فأمر القيامة غيب. 1197 - * روى البخاري ومسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يعرق الناس يوم القيامة، حتى يذهب في الأرض عرقهم سبعين ذراعا، وإنه يلجمهم حتى يبلغ آذانهم". 1198 - * روى الطبراني في الأوسط عن عبد العزيز العطار عن أنس بن مالك لا أعلمه إلا رفعه قال "لم يلق ابن آدم شيئا منذ خلقه الله عز وجل أشد عليه من الموت

_ 1196 - مسلم (4/ 2196) 51 - كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، 15 - باب في صفة يوم القيامة، أعاننا الله على أهوالها. والترمذي (4/ 614) 38 - كتاب صفة القيامة، 2 - باب ما جاء في شأن الحساب والقصاص. وقال: حديث حسن صحيح (1) الترمذي (4/ 614): نفس الموضع. (حقويه): الحقو: مشد الإزار عند الخصر. 1197 - البخاري (11/ 392) 81 - كتاب الرقاق، 47 - باب قول الله تعالى: {أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ ...}. مسلم (4/ 2196) 51 - كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، 15 - باب في صفة يوم القيامة، أعاننا الله على أهوالها. 1198 - مجمع الزوائد (10/ 334). وقال: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده جيد. ورواه أحمد (3/ 154) باختصار عنه ولم يشك في رفعه، وإسناده جيد.

أهون مما بعده وإنهم ليقلون من هول ذلك اليوم شدة حتى يلجمهم العرق حتى إن السفن لو أجريت فيه لجرت". 1199 - * روى مسلم عن عبدالله بن مسعود رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بالنار يومئذ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها". 1200 - * روى البخاري ومسلم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يجمع الله الناس يوم القيامة، فيهتمون لذلك" وفى رواية: "فيلهمون لذلك فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا، حتى يريحنا من مكانتنا هذا؟ " قال: "فيأتون آدم فيقولون: أنت آدم أبو الخلق، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك. اشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا، فيقول: لست هناكم، فيذكر خطيئته التي أصاب. فيستحي ربه منها، ولكن ائتوا نوحا أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض" قال: "فيأتون نوحا، فيقول: لست هناكم، فيذكر خطيئته التي أصاب، فيستحي ربه منها، ولكن ائتوا إبراهيم الذي اتخذه الله خليلا، فيأتون إبراهيم، فيقول: لست هناكم، وذكر خطيئته التي أصاب، فيستحى ربه منها، ولكن ائتوا موسى الذي كلمه الله وأعطاه التوراة" قال: "فيأتون موسى، فيقول: لست هناكم ويذكر خطيئته التي أصاب، فيستحي ربه منها، ولكن ائتوا عيسى روح الله وكلمته فيأتون عيسى روح الله وكلمته، فيقول: لست هناكم، ولكن ائتوا محمد، عبدا غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فيأتونني، فاستأذن على ربى، فيؤذن لي، فإذا رأيته وقعت ساجدا، فيدعني ما شاء الله، فيقال: يا محمد، ارفع، قل يسمع، سل تعطه اشفع تشفع، فأرفع رأسي، فأحمد ربى

_ 1199 - مسلم (4/ 2184) 51 - كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، 12 - باب في شدة حر نار جهنم، ... إلخ. 1200 - البخاري (8/ 160) 65 - كتاب التفسير، سورة البقرة، 1 - باب قول الله: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا}. مسلم (1/ 180) 1 - كتاب الإيمان، 84 - باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها.

بتحميد يعلمنيه ربي، ثم أشفع، فيحد لي حدا، فأخرجهم من النار، وأدخلهم الجنة، ثم أعود فأقع ساجدًا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقال لي: ارفع يا محمد، قل يسمع، سل تعطه، اشفع تشفع، فأرفع رأسي، فأحمد ربي بتحميد يعلمنيه، ثم أشفع، فيحد لي حداً، فأخرجهم من النار، وأدخلهم الجنة" قال: فلا أدري في الثالثة أو في الرابعة "فأقول: يا رب، ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن" أي وجب عليه الخلود. أقول: بدأ الحديث يذكر طلب الشفاعة لفصل القضاء، ثم ذكر الشفاعة للإخراج من النار ودخول الجنة، فالحديث طوى ما حدث من شفاعة لفصل الخطاب لأنها قد حصلت وذكر شفاعات أخرى لأن السامع يفهم ذلك من سياق الخطاب. قال ابن كثير في توضيح هذا المعنى في كتابه النهاية: والعجب كل العجب من إيراد الأئمة لهذا الحديث من أكثر طرقه لا يذكرون أمر الشفاعة الأولى في أن يأتي الرب لفصل القضاء كما ورد هذا في حديث الصور كما تقدم وهو المقصود في هذا المقام، ومقتضى سياق أول الحديث أن الناس إنما يستغيثون إلى آدم فمن بعده من الأنبياء طمعًا في أن يفصل بين الناس ويستريحوا من مقامهم ذلك كما دلت عليه سياقاته من سائر طرقه فإذا وصلوا إلى المحشر فإنما يذكرون الشفاعة في عصاة الأمة وإخراجهم من النار، وكان مقصود السلف في الاقتصار على هذا المقدار من الحديث هو الرد على الخوارج ومن تابعهم من المعتزلة الذين أنكروا خروج أحد من النار بعد دخولها يذكرون هذا القدر من الحديث الذي فيه النص الصريح في الرد عليهم فيما ذهبوا إليه من البدعة المخالفة للأحاديث. اهـ. 1201 - * روى البزار موقوفا عن حذيفة قال: يجمع الله الناس في صعيد واحد ولا تكلم نفس فأول من -أحسبه قال- يتكلم محمد صلى الله عليه وسلم فيقول: "لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك والمهدي من هديت وعبدك بين يديك

_ 1201 - كشف الأستار (4/ 167). مجمع الزوائد (10/ 377) وقال: رواه البزار موقوفًا ورجاله رجال الصحيح.

ومنك وإليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك تباركت وتعاليت سبحانك رب البيت" فهذا قوله {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}. 1202 - * روى أحمد عن كعب بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يبعث الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي على تل ويكسوني ربي حلة خضراء ثم يؤذن لي فأقول ما شاء الله أن أقول فذلك المقام المحمود". أقول: المقام المحمود هو الذي يشفع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل الموقف بعد طول الوقوف ليفصل الله عز وجل في شأنهم وهذه الشفاعة هي التي تسمى شفاعة فصل الخطاب ولرسول الله صلى الله عليه وسلم شفاعتان بعدها تكونان بعد أن يلجأ الناس إلى الأنبياء، فيحال الأمر عليه، وهي الشفاعة لجواز الصراط، والشفاعة لدخول الجنة وله مع ذلك ست شفاعات أخرى سنراها والشفاعات الثلاثة الأولى كلها تدخل تحت ما يسمى المقام المحمود. 1203 - * روى الطبراني عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن شئتم أنبأكم بأول ما يقول الله عز وجل للمؤمنين يوم القيامة وبأول ما يقولون". قالوا: نعم قال: "إن الله عز وجل يقول للمؤمنين: هل أحببتم لقائي؟ فيقولون: نعم يا ربنا، فيقول: لم؟ فيقولون: رجونا رجمتك وعفوك. فيقول: فقد وجبت لكم رحمتي". 1204 - * روى الترمذي عن عمرة بن شعيب رحمه الله عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان، يساقون إلى سجن في جهنم، يقال

_ 1202 - أحمد (3/ 456). مجمع الزوائد (7/ 51) وقال: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. 1203 - المعجم الكبير (20/ 125). مجمع الزوائد (10/ 358). وقال: رواه الطبراني بسندين أحدهما حسن. 1204 - الترمذي (4/ 655) 38 - كتاب صفة القيامة، 47 - باب حدثنا سويد بن نصر. وقال: حديث حسن صحيح. =

له: بولس، تعلوهم نار الأنيار، يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال". 1205 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أول من يدعى يوم القيامة: آدم عليه السلام، فتراءى ذريته، فيقال لهم: هذا أبوكم آدم؟ فيقول: لبيك وسعديك، فيقول: أخرج بعث جهنم من ذريتك، فيقول: يا رب، كم أخرج؟ فيقول: اخرج من كل مائة تسعة وتسعين"، فقالوا: يا رسول الله، إذا أخذ منا من كل مائة تسعة وتسعون فماذا يبقى ما؟ قال: "إن أمتي في الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود". 1206 - * روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يقول الله عز وجل يوم القيامة: يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك" زاد في رواية: "والخير في يديك فينادى بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار، قال: يا رب، وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون، فحينئذ تضع الحامل حملها، ويشيب الوليد {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} " (1) فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم. زاد بعض الرواة (2): قالوا: يا رسول الله، أينا ذلك الرجل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعون، ومنكم واحد -ثم أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض، أو كالشعرة البيضاء في

_ = (طينة الخبال): جاء تفسيرها في بعض الحديث: قيل: يا رسول الله، وما طينة الخبال؟ قال: "هي صديد أهل النار". 1205 - البخاري (11/ 378) 81 - كتاب الرقاق، 45 - باب الحشر. 1206 - البخاري (8/ 441) 65 - كتاب التفسير، تفسير سورة الحج، 1 - باب {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى}. مسلم (1/ 201) 1 - كتاب الإيمان، 96 - باب قوله: "يقول الله لآدم أخرج بعث النار ... " (1) الحج: 2. (2) البخاري (8/ 441) الموضع السابق

جنب الثور الأسود". وفي رواية (1): "أو كالرقمة في ذراع الحمار- وإني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة"، فكبرنا، ثم قال: "ثلث أهل الجنة" فكبرنا، ثم قال: "شطر أهل الجنة" فكبرنا. 1207 - * روى البخاري عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله: يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك، والخير في يدي". قال: "يقول: أخرج بعث النار، قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فذاك حين يشيب الصغير، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكرى وما هم بسكرى ولكن عذاب الله شديد". فاشتد ذلك عليهم فقالوا: يا رسول الله أينا ذلك الرجل؟ قال: "أبشروا، فإن من يأجوج ومأجوج ألفا ومنكم رجل". ثم قال: "والذي نفسي بيده، إني لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة". قال فحمدنا الله وكبرنا. ثم قال: "والذي نفسي بيده، إني لأطمع أن تكونوا شطر أهل الجنة إن مثلكم في الأمم كمثل الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالرقمة في ذراع الحمار". قال ابن حجر في فتح الباري: قوله (أخرج بعث النار) ... معناها هنا ميز أهل النار من غيرهم، وإنما خص بذلك آدم لكونه والد الجميع ولكونه كان قد عرف أهل السعادة من أهل الشقاء، فقد رآه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء وعن يمينه أسودة ... وعن شماله أسودة الحديث كما تقدم في حديث الإسراء، وقد أخرج ابن أبي الدنيا من مرسل الحسن قال: يقول الله لآدم: يا آدم أنت اليوم عدل بيني وبين ذريتك، قم فانظر ما يرفع إليك من أعمالهم ... وفي التوفيق بين العددين من كل ألف واحد ومن كل مائة واحد قال الكرماني: والمقصود

_ (1) مسلم (1/ 202) الموضع السابق. 1207 - البخاري (11/ 388) 81 - كتاب الرقاق، 46 - باب قوله عز وجل: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}.

من العددين واحد وهو تقليل عدد المؤمنين وتكثير عدد الكافرين اهـ. قلت: ومقتضى كلامه الأول تقديم حديث أبي هريرة على حديث أبي سعيد فإنه يشتمل على زيادة، فإن حديث أبي سعيد يدل على أن نصيب أهل الجنة من كل ألف واحد، وحديث أبي هريرة يدل على عشرة فالحكم للزائد، ومقتضى كلامه الأخير أن لا ينظر إلى العدد أصلا بل القدر المشترك بينهما ما ذكره من تقليل العدد، وقد فتح الله تعالى في ذلك بأجوبة أخر وهو حمل حديث أبي سعيد ومن وافقه على جميع ذرية آدم فيكون من كل ألف واحد، وحمل حديث أبي هريرة ومن وافقه على من عدا يأجوج ومأجوج فيكون من كل ألف عشرة، ويقرب ذلك أن يأجوج ومأجوج ذكروا في حديث أبي سعيد دون حديث أبي هريرة، ويحتمل أن يكون الأول يتعلق بالخلق والثاني بخصوص هذه الأمة، ويقربه قوله في حديث أبي هريرة "إذا أخذ منا" لكن في حديث ابن عباس "وإنما أمتي جزء من ألف جزء" ويحتمل أن تقع القسمة مرتين مرة من جميع الأمم قبل هذه الأمة فيكون من كل ألف واحد ومرة من هذه الأمة فقط فيكون من كل ألف عشرة، ويحتمل أن يكون المراد ببعث النار الكفار ومن يدخلها من العصاة فيكون من كل ألف تسعمائة وتسعون كافرًا ومن كل مائة تسعة وتسعون عاصيًا والعلم عند الله تعالى. قوله (فذاك حين يشيب الصغير وتضع، وساق إلى قوله شديد) ظاهرة: أن ذلك يقع في الموقف، وقد اسشكل بأن ذلك الوقت لا حمل فيه ولا وضع ولا شيب، ومن ثم قال بعض المفسرين: إن ذلك قبل يوم القيامة، لكن الحديث يرد عليه، وأجاب الكرماني بأن ذلك وقع على سبيل التمثيل والتهويل، وسبق إلى ذلك النووي فقال: فيه وجهان للعلماء فذكرهما وقال: التقدير أن الحال ينتهي إلى أنه لو كانت النساء حينئذ حوامل لوضعت: كما تقول العرب: وأصابنا أمر يشيب منه الوليد، وأقول: يحتمل أن يحمل على حقيقته، فإن كل أحد يبعث على ما مات عليه فتبعث الحامل حاملًا والمرضع مرضعة والطفل طفلًا، فإذا وقعت زلزلة الساعة، وقيل ذلك لآدم ورأى الناس آدم وسمعوا ما قيل له وقع بهم من الوجل ما يسقط معه الحمل ويشيب له الطفل وتذهل به المرضعة). اهـ (الفتح).

أقول: وقع في رواية أبي هريرة (أول من يدعى يوم القيامة آدم عليه السلام): هذه الأولية هنا تحتمل الأولية المطلقة وتحتمل الاولية النسبية فإن كان المراد الأولية المطلقة فذلك يكون حين يميز أهل النار من أهل الجنة في الموقف قبل الحساب والميزان وإقامة الحجج، وإن كان المراد الأولية النسبية وهي ما تدل عليه النصوص التي تذكر خطاب الله لرسولنا عليه الصلاة والسلام آذنا له بالشفاعة لفصل الخطاب، فذلك يكون في موقف من مواقف يوم القيامة وذلك بعد أن يتم الحساب والميزان وعندئذ ينادى آدم ليخرج بعث النار، وهذا الذي أرجحه في هذا المقام، وهذه النصوص الواردة في بعث النار تدل على كثرة يأجوج ومأجوج بالنسبة لسكان الأرض، وهذا يرجح ما ذكرناه أثناء الكلام عن يأجوج ومأجوج ويرد على من يزعم أن سد يأجوج ومأجوج لا زال موجودًا يحجزهم عن الخروج وأنهم وإياه في مكان ما على الأرض لا زال مجهولًا، فهذا يتعارض تعارضًا صريحًا مع الواقع المعروف ومع هذه النصوص، ثم إن النصوص القرآنية الواردة في يأجوج ومأجوج لا تفيد ما يذكره هؤلاء بل هي محمولة على ما اتجهنا إليه دون تكلف. 1208 - * روى أحمد عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل يقول يوم القيامة لآدم عليه السلام: قم فجهز من ذريتك تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار، وواحدًا إلى الجنة"، فبكى أصحابه وبكوا ثم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ارفعوا رؤوسكم فو الذي نفسي بيده ما أمتي في الأمم إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود" فخفف ذلك عنهم. 1209 - (2) روي أبو يعلي عن أنس قال: نزلت {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ} إلى قوله {وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} على النبي صلى الله عليه وسلم في مسير له فرفع بها صوته حتى ثاب إليه أصحابه، فقال: "أتدرون أي يوم هذا؟ يوم يقول الله لآدم: قم فابعث بعثًا إلى النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار، وواحدًا إلى الجنة" فكبر ذلك

_ 1208 - أحمد (6/ 441). مجمع الزوائد (10/ 393) وقال: رواه أحمد والطبراني وإسناده جيد. 1209 - مجمع الزوائد (10/ 394) وقال: رواه أبو يعلي ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن مهدي، وهو ثقة.

على المسلمين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سددوا وقاربوا وأبشروا فو الذي نفسي بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير أو كالرقمة في ذراع الدابة. إن معكم لخليقتين ما كانتا في شيء قط إلا كثرتاه: يأجوج ومأجوج ومن هلك من كفرة الجن والإنس". 1210 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يخرج عنق من النار يوم القيامة، له عينان تبصران، وأذنان تسمعان، ولسان ينطق، يقول: إني وكلت بثلاثة، بمن جعل مع الله إلها آخر، وبكل جبار عنيد، وبالمصورين". أقول: الظاهر أن هذا العنق يخرج بعد أن تقام الحجة على الناس قيامًا كاملًا بالشهادات وبالصحف وبالوزن والميزان. 1211 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات، فأما عرضتان، فجدال ومعاذير وأما العرضة الثالثة، فعند ذلك تطير الصحف في الأيدي، فآخذ بيمينه وآخذ بشماله". أقول: وقد تعجب ابن كثير في كتابه النهاية من تضعيف الترمذي للحديث وناقش ذلك. الظاهر أنه بعد الوقوف الطويل والإذن بالشفاعة لفصل القضاء تكون العرضة الأولى ويكون السؤال عن الشرك وعن الاستجابة للرسل ويكون تنصل وعتاب، وفي العرضة الثانية تشهد الرسل وينكر الكافرون ويشهد محمد صلى الله عليه وسلم وأمته على صدق شهادة الرسل وتقوم

_ 1210 - الترمذي (4/ 701) 40 - كتاب صفة جهنم، 1 - باب ما جاء في صفة النار. وقال: حديث حسن صحيح غريب. (عنق): العنق: طائفة من الناس، والمراد به: طائفة من النار كالعنق. (جبار عنيد): الجبار: القهار المتكبر، والعنيد: الجائر عن الحق، كالمعاند له. 1211 - الترمذي (4/ 617) 38 - كتاب صفة القيامة، 4 - باب ما جاء في العرض. وقال: لا يصح هذا الحديث من قبل أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة، وقد رواه بعضهم عن الحسن عن أبي موسى. وإسناده ضعيف فإن الحسن البصري لم يسمع من أبي هريرة ولا من أبي موسى الأشعري، قال الحافظ في "الفتح" بعد نقل كلام الترمذي هذا: وأخرجه البيهقي في "البعث" بسند حسن عن عبد الله بن مسعود موقوفًا.

الحجة على الخلق، ثم تطير الصحف فيعرف كل إنسان ذنوبه ثم يكون الحساب والميزان وقد ذهب ابن كثير في كتابه النهاية إلى أن الحساب يكون قبل الميزان، قال رحمه الله: قال أبو عبد الله القرطبي: قال العلماء: إذا انقضى الحساب، كان بعده وزن الأعمال؛ لأن الوزن للجزاء، فينبغي أن يكون بعد المحاسبة، فإن المحاسبة لنفس الأعمال، والوزن لإظهار مقاديرها، فيكون الجزاء بحسبها قال: وقوله: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} يحتمل أن يكون ثم موازين متعددة توزن فيها الأعمال، ويحتمل أن يكون المراد الموزونات، فجمع باعتبار تنوع الأعمال الموزونة، والله سبحانه وتعالى أعلم. اهـ (النهاية في الفتن والملاحم). وبمناسبة الكلام عن حديث العرضات الثلاث نقل ابن حجر في فتح الباري ما يلي: قال الترمذي الحكيم: الجدال للكفار يجادلون لأنهم لا يعرفون ربهم فيظنون أنهم إذا جادلوا نجوا، والمعاذير اعتذار الله لآدم وأنبيائه بإقامته الحجة على أعدائه، والثالثة للمؤمنين وهو العرض الأكبر. اهـ. أقول: أما ما ذكره الترمذي الحكيم في الجدال فمسلم، أما ما بعده فغير مسلم؛ فكيف يعتذر الله عز وجل والموقف موقف جلال، وتخصيص العرضة الثالثة بالمؤمنين يتنافى مع النص: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} (1). 1212 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء". 1213 - * روى أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يقتص

_ (1) الإسراء: 13. 1212 - مسلم (4/ 1997) 45 - كتاب البر والصلة والآداب، 15 - باب تحريم الظلم. والترمذي (4/ 614) 38 - كتاب صفة القيامة، 2 - باب ما جاء في شأن الحساب والقصاص. وقال: حديث حسن صحيح. (الجلحاء) شاة جلحاء: لا قرن لها. 1213 - أحمد (2/ 363). =

للخلق بعضهم من بعض حتى للجماء من القرناء وحتى للذرة من الذرة". أقول: الظاهر أن الاقتصاص للحيوانات من بعضها بعضا يتقدم على حساب المكلفين لأنه بعد أن يتقص منها يقال لها كوني ترابًا فتكون ترابًا فيتمنى الكافر لو أنه كان معها، قال تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا * ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا * إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا} (1)، غير أن هناك الحيوانات التي لم تؤد زكاتها، فهذه يعذب أهلها بها، فهذه قد تؤخر، على أن النصوص لم تحدد المقام الذي يقال فيه للحيوانات كوني ترابًا، فتكون ترابًا. 1214 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم، أن يقال له: ألم نصح لك جسمك؟ ونروك من الماء البارد؟ "؟ 1215 - * روى الترمذي عن أبي سهيد الخدري، وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بالعبد يوم القيامة، فيقول له: ألم أجعل لك سمعًا وبصرًا ومالًا وولدًا؟ وسخرت لك الأنعام والحرث؟ وتركتك ترأس وتربع؟ فكنت تظن أنك ملاقي يومك هذا؟ فيقول: لا، فيقول له: اليوم أنساك كما نسيتني". وقال: معنى قوله "اليوم أنساك كما نسيتني": اليوم أتركك في العذاب.

_ = مجمع الزوائد (10/ 352) وقال: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. (1) النبأ: 38 - 40. 1214 - الترمذي (5/ 448) 48 - كتاب تفسير القرآن، 89 - باب ومن سورة التكاثر. وقال: حديث غريب. وإسناده قوي، وصححه ابن حيان. 1215 - الترمذي (4/ 619) 38 - كتاب صفة القيامة، 6 - باب (منة) حدثنا عبد الله بن محمد ... إلخ. وقال: حديث صحيح غريب. وإسناده حسن. (ترأس): الترؤس: التقدم على القوم وأن يصير رئيسهم. (وتربع): أي: تأخذ المرباع، وهو ما يأخذه رئيس الجيش لنفسه من المغانم وهو ربعها، وقد روي "تربع" بتاءين من التنعم والرتع، يقال: رتعت الإبل، وأرتعها صاحبها: إذا كانت في موضع خصيب.

الفقرة الرابعة في: مشاهد من القرآن الكريم فيما يجري في اليوم الآخر من حوار

الفقرة الرابعة في: مشاهد من القرآن الكريم فيما يجري في اليوم الآخر من حوار إن الإنسان في الدنيا عندما يجد نفسه في خطر فإنه يبذل غاية وسعه للخلاص من الخطر، وعندما يكون للإنسان حق يجادله فيه الآخرون، ثم يظهر حقه فإن له مقالًا، وعندما يقهر الظالمون يعتذرون، فالإنسان له طبيعته ومواقفه، واليوم الآخر هو يوم الفصل فيما كان الناس يختلفون فيه، وهو اليوم الذي تظهر فيه الأمور على حقائقها، وينكشف فيه صدق الرسل، ويرى الناس تحقق الوعد والوعيد. وفي هذا كله تجد الإنسان يجادل عن نفسه أقصى الجدال لعل ذلك ينفعه، وترى أهل الباطل يعتذرون أشد الاعتذار لعل ذلك ينفعهم، وترى الحوار بين أهل الباطل فيما بينهم، وترى الحوار بين أهل الحق فيما بينهم، وترى الحوار بين أهل الجنة وأهل النار، وترى مناشدة أهل النار للملائكة وأهل الجنة، وترى الكلمة الطيبة من الملائكة لأهل الجنة، وكل ذلك تجد تفصيلاته في القرآن. وفي هذه الفقرة سنعرض نماذج على ذلك للتذكير كي لا يخلو الكتاب من هذا الجانب المهم من مشاهد اليوم الآخر: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ * وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ * أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ * قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ * قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ * يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ * وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ *

لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} (1). قوله تعالى: {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} السائق والشهيد ملكان، وقيل: السائق كاتب السيئات، والشهيد كاتب الحسنات. وقوله تعالى: {وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ}: المراد بالقرين الملك الموكل عليه، والعتيد الحاضر، أي يقول الملك هذا ما هو مكتوب عندي حاضر لدي. {أَلْقِيَا} هذا خطاب للملكين السائق والشهيد. قوله تعالى: {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} القرين هنا هو الشيطان المقيض له والمقيد معه {رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} أي ما أضللته، وكأن هذا جواب على شكوى من الإنسان باتهام الشيطان؛ ولذلك قال تعالى: {قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ}، وهذا يفيد أن حوارًا يجري بين الشيطان وبين قرينه من الإنس يحمل كل منهما الآخر مسؤولية الضلال. والظاهر أن هذا الحوار بين الشيطان وقرينه في موقف الحساب. {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (2). قال تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} (3) هذان السؤالان قائمان في موقف الحساب: يسأل الذين أرسل إليهم عن قبول الرسالة وإجابة الرسل، ويسأل المرسلون عن البلاغ وعما أجابتهم به أقوامهم، وفي هذه الآيات نموذج على سؤال المرسلين، والمرسل إليهم ينكرون عادة أن رسلهم بلغتهم ويتبرؤون، فيشهد محمد صلى الله عليه وسلم وأمته أن الرسل قد بلغت ومن خلال هذا النص الذي معنا نفهم أن النصارى الذين أشركوا

_ (1) ق: 19 - 35. (2) المائدة: 116 - 119. (3) الأعراف: 6.

يزعمون أن دعوة عيسى كانت أمرًا لهم بأن يتخذوه وأمه إلهين، وعيسى عليه الصلاة والسلام ينفي ويرد. {إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ * ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ} (1). الظاهر أن القائلين للمجرمين في النار هم الملائكة. والمشركون عندئذ يعرفون أنهم ما كانوا يدعون جهة يعتد بها، والظاهر أن هذا السؤال يكون في مرحلة تسبق المرحلة التي يقرن فيها مع المشركين ما كانوا أشركوا به. {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (2). قوله تعالى: {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ}: الظاهر أن هذا على الصراط، وذكر الأيمان لأن فيها صحائف الاعمال المنيرة، وقوله تعالى: {قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ} القائل للمنافقين هذا القول هو المؤمنون أو الملائكة {فَالْتَمِسُوا نُورًا} أي اطلبوا النور إما من الموقف أو من الدنيا إشعارًا لهم بأن النور إنما يكون من العقائد الصالحة والأعمال الطيبة في الدنيا. وقوله تعالى: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ} أي بحائط له باب يدخل منه المؤمنون فيؤول بهم إلى الجنة، ولذلك قال: {بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} وذلك لئلا يقرب هذا الباب المنافقون. ويبدو أن هذا كائن إما في أول الصراط

_ (1) غافر: 71 - 74. (2) الحديد: 12 - 15.

أو في آخر الصراط أو في مكان ما على الصراط. {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَالَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ * وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} (1). قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ} أي يتعام عن القرآن ويعرض عنه {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا} نسلط {فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} أي مصاحب {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ} الضمير في الكلمتين يعود على الإنسان الضال وقرينه؛ فإن هؤلاء يتعاونون على صد الخلق عن سبيل الله، وهم يتصورون أنهم مهتدون بذلك كما نرى حال الكافرين في عصرنا دعاة ومدعوين، فكل صاحب دعوة يتوهم أنه يدعو الناس إلى هداية، {حَتَّى إِذَا جَاءَنَا} أي ذلك الإنسان الذي أضله الشيطان {قَالَ يَالَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ}، وذلك أن الكفار يحشرون مقرنين مع شياطينهم. {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} (2). {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا} أي المتبعون ممن كانوا يتبعونهم، ويدخل في المتبعين هما أئمة الضلال ومن عبد من دون الله، والظاهر أن هذا يكون بعد شفاعة فصل الخطاب. وقوله تعالى: (وتقطعت بهم الأسباب) أي الوصل التي كانت بينهم من الاتباع والاتفاق على الدين والأغراض الداعية إلى ذلك وهذا نموذج على الحوار بين الأتباع والمتبوعين عندما تؤمر كل طائفة أن تتبع ما كانت تعبد من دون الله أو عندما يدعى كل أناس بإمامهم وذلك بعد شفاعة فصل الخطاب. {وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا

_ (1) الزخرف: 36 - 39. (2) البقرة: 165 - 167.

وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ * وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ * {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} (1). هذا نموذج على ما تتلقى به الملائكة أصحاب النار من سؤال، وهو سؤال يأتي بعد أن قامت عليهم الحجة، وهم يجيبون على هذا السؤال معترفين مقرين بعد إذ رأوا أن إنكارهم من قبل لم يفدهم لكثرة الشهود ولقطعية الشهادات. {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ * فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ * قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} (2). هذا نموذج على نوع مما يحدث من خطاب لأهل النار من الله عز وجل، ومن دعاء وجواب من أهل النار، وظاهر النص أن الخطاب مباشر من الله عز وجل لأهل النار، وبعض المفسرين ذهب إلى أنه بالواسطة. {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ * وَقَالُوا يَاوَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ * هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ * احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ * وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ * وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ

_ (1) تبارك: 6 - 12. (2) المؤمنون: 101 - 115.

عَنِ الْيَمِينِ * قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ * فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ * فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ * فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ * إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ * وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ * بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ * إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ * وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ * أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ * فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ * لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ * وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ * كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ * فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ * قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ * قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ * أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ * أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ * فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ * ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ} (1). قوله تعالى: {وَقَالُوا يَاوَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ * هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} يحتمل هذا النص أن يكون من إجابة بعضهم لبعض، أو من إجابة الملائكة لهم، {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ} أي وأشباهم، والخطاب من الله عز وجل، وهذا يفيد أن عباد الأصنام أو عباد صنم ما أو عباد الكواكب أو عباد كوكب ما، وهكذا قل في سائر المشركين أنهم يحشرون مع بعضهم بعضًا، والأمر بحشر الأصناف بعضها مع بعض من الله عز وجل. والظاهر كما أنه تحشر الأصناف مع بعضها فإنها تدخل النار مع بعضها وهذا مقتضى قوله تعالى: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ} (2)، وقوله تعالى: {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} أي فعرفوهم طريقها ليسلكوها {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} عن عقائدهم وأعمالهم، ومعنى قوله {وَقِفُوهُمْ} أي واحبسوهم يوم الموقف. {مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ} هذا سؤال يوجه إليهم تبكيتا

_ (1) الصافات: 19 - 68. (2) الملك: 8.

وتوبيخًا، والسائل إما الله تعالى، وإما الملائكة، وفي السؤال إشارة إلى أن سر اشتراكهم في الكفر هو التناصر، {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} أي الرؤساء والأتباع أو الكفرة والقرناء {قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} أي بأقوى ما تستطيعون أن تأتونا به من الشبه لتضلونا، فيجيب المتبوعون ما يجيبون به، وفي النص نموذج على حوار متعدد بين أكثر من متكلم. {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا * وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (1). قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ} أي محبوسون عند ربهم وذلك يكون في موقف الحساب قبل الوزن والميزان وبعد الشفاعة لفصل الخطاب. {يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ} أي يتحاورون وهذا الحوار بين المتبوعين من الأنس من السادة والكبراء وأئمة الضلالة وبين أتباعهم، وقوله تعالى على لسان المستضعفين: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} أي بل مكركم في الليل والنهار حتى فتنتمونا وأمررتم علينا ضلالكم فأضللتمونا، ومن يشهد في عصرنا سهر الدوائر الكافرة ودأبها على الإضلال يرى ما ذكرته الآية واقعًا حيًا وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا} المراد بذلك ما يقيدون به في النار بعد إذ يدخلونها. {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ * فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} (2).

_ (1) سبأ: 31 - 33. (2) سبأ: 40 - 42.

هذا نموذج على سؤال الله والملائكة وجوابهم فهناك ناس عبدوا الملائكة من دون الله وأظهر ما يظهر ذلك في ديانة الصابئة الموجودين في العراق حاليًا إذ يعبدون الأرواح العلوية. {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ * وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ * قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ * إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} (1). هذا نموذج للحوار بين أئمة الضلالة وأتباعهم في النار، كما أنه نموذج على حوار أهل النار للملائكة وطلبهم منهم تخفيف العذاب ولو يومًا واحدًا ورد الملائكة عليهم، وأمثال هذه النصوص التي تتحدث عن الحوار بين الأتباع والمتبوعين تؤكد أن على المسلم أن يختار للاقتداء والاتباع من يطمئن إلى ربانيته وولايته، وأن يكون مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وذلك بحبهم وطاعتهم. {الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} (2). {وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ * وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ * وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ * وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} (3). قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا} أي نبيا يشهد لهم وعليهم بالإيمان والكفر، وفي هذا المقام مقام شهادة الأنبياء على الأمم {لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} أي ولا هم يسترضون. وبعد هذا المقام يشكو المشركين متبوعيهم إما من باب

_ (1) غافر: 47 - 52. (2) غافر: 70. (3) النحل: 84 - 87.

الطلب أن يضاعف لهم العذاب، وإما من باب الاعتراف بأنهم كانوا مخطئين، ويكذبهم المتبوعون ويستسلم الجميع لحكم رب العالمين حين لا ينفعهم الاستسلام الذي كان مطلوبا منهم في الدنيا بأن يدخلوا الإسلام ويستسلموا لله فيه. وتتمة المشهد هو: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ} (1) وقد مر معنا من قبل. {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} (2). قوله تعالى: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا} أي عن ذاتها وتسعى في خلاصها لا يهمها غيرها فتقول نفسي نفسي ولكن النفس الكافرة لابد أن توفى أعمالها أما النفس المؤمنة فلله فيها مشيئة وهناك شفاعات تصيبها وتنفعها. {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ * الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ * وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (3). وهذا نموذج آخر على ما يكون من سؤال وجواب وحوار يوم القيامة وفيه دعوة للكينونة من أهل التقوى والبعد عن الشرك ومظاهره. {وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا * وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} (4).

_ (1) النحل: 89. (2) النحل: 111. (3) النحل: 27 - 32. (4) الكهف: 52 - 53.

{وَيَوْمَ يَقُولُ} أي الله تعالى للكافرين: {نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ} أي زعمتم أنهم شركائي أو شفعاؤكم يمنعونكم من عذابي والمراد ما بعد من دونه، وقيل إبليس وذريته (فَدَعَوْهُمْ} أي فنادوهم (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ} أي بين الكافرين وآلهتهم {مَوْبِقًا} مهلكا يشتركون فيه وهو النار أو عداوة هي في شدتها هلاك. {وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ * وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (1). قوله تعالى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ} أي لما أحكم وفرغ منه ودخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار فإن الشيطان يقوم خطيبا في الأشقياء من الثقلين، وفي النص نموذج على الحوار بن الأتباع والمتبوعين في النار ومحاولة الشيطان أن يخرج من لوم اللائمين على إغوائهم وقوله {مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} أي ما أنا بمغيثكم ولا أنتم تغيثونني. {هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ * هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ * وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ} (2). قوله تعالى: {حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} أي شراب يغلي، والغساق صديد أهل النار {وَآخَرُ} أي وعذاب آخر {مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ} من مثله أجناس. {هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ * قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ * قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا النَّارِ} (3).

_ (1) إبراهيم: 21 - 22. (2) ص: 55 - 58. (3) ص: 59 - 61.

النص يدل على أن أئمة الضلال يدخلون النار قبل أتباعهم فيكون بين الأتباع والمتبوعين هذا التخاصم الذي ذكره النص الكريم. {وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ * أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ * إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ} (1). {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا * فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا} (2). {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ} أي للجزاء {وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} أي كل معبود سواه {فَيَقُولُ} أي الله تعالى للمعبودين {أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ}. {قَالُوا} الظاهر من السياق أن المراد بذلك أن من عبد فلم يرض أو عبد ولم يشعر يقولون {سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا} أي هالكين {فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا} أي دفعاً للعذاب عنكم {وَلَا نَصْرًا} يعينكم أحد عليه، وفي النص دليل على أن كثيرا ممن عبد من دون الله لا مسؤولية عليهم. {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ * وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} (3). في النص دليل على أن الأمم المتقدمة في الزمن تدخل النار قبل الأمم المتأخرة في الزمن، ومن سبق في الضلال فتابعه عليه لاحقون يلومون السابقين، والسابقون يشمتون

_ (1) ص: 62 - 64. (2) الفرقان: 17 - 19. (3) الأعراف: 38 - 39.

بهم؛ لأن اللاحقين يدعون فضلاً على المتقدمين كما نرى في عصرنا؛ إذ يرى اللاحقون أنهم قد سبقوا المتقدمين في العلم والتقدم، وبعد استكمال النار أهلها يدعو اللاحقون أن يضاعف الله للسابقين العذاب فيعرفهم أن العذاب المضاعف للجميع لمن ضل وأضل بسبب ضلاله وإضلاله، ولمن ضل متابعا للأولين بسبب ضلاله وتقوية الضلال وأهله بتقليد الضالين. {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ * وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ * وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ * أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} (1). (أهل الأعراف): قوم تساوت سيئاتهم وحسناتهم فلا هم استحقوا النار فيدخلونها، ولا استحقوا الجنة فيدخلونها لكنهم يطمعون أن يدخلوها بفضل الله وهم داخلون في المآل، ويكونون قبل دخولهم الجنة بين أهل الجنة والنار، والنص يدل على أن حوارًا يجري بين أهل الجنة والنار، وبين أهل الأعراف وأهل النار وهذا يفيد أن أهل الجنة يطلعون على أهل النار وذلك من تمام النعمة والاعتبار ليشكروا. {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ * الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} (2). {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ * ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ

_ (1) الأعراف: 44 - 49. (2) الأعراف: 50 - 51.

أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا * سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ * وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ * كَلَّا وَالْقَمَرِ * وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ * وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ * إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ * نَذِيرًا لِلْبَشَرِ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ * كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ * فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ * فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} (1). هذا نموذج آخر على حوار بين أهل الجنة وأهل النار. {النَّاقُورِ} الصور {نُقِرَ} نفخ {لِآيَاتِنَا عَنِيدًا} أي معاندًا جاحدًا للحق. {سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا} سأكلفه عذابًا شاقا لا يطاق. {وَبَسَرَ} اشتد في العبوس وكلوح وجهه {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} سأدخله جهنم {لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ} مسودة للجلود محرقة لها {الْكُبَرِ} الدواهي العظيمة {رَهِينَةٌ} أي مرهونة عنده تعالى بعملها {مَا سَلَكَكُمْ} ما أدخلكم {حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ} حمر وحشية شديدة النفار {قَسْوَرَةٍ} أسد. {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ * قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ * قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ * أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ

_ (1) المدثر: 8 - 51.

الْعَظِيمُ * لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} (1). هذا نموذج على حوار بين أهل الجنة فيما بينهم ونموذج على أن أهل الجنة يطلعون على أهل النار. والمراد بالقرين في الآيات الصاحب الكافر في الدنيا، والذي يجمعه مع المؤمن سبب من عمل مشترك أو جوار أو غير ذلك من الأسباب التي تجعل المؤمن يجالس الكافر، وكيف أن الكافر كان ينكر على المؤمن إيمانه. فههنا المؤمن يخاطب الكافر هذا الخطاب المذكور في الآية وقد جاءت هذه الآيات بعد الكلام عن اجتماع أهل الجنة على شرابهم فهم يتحدثون ويجرهم الحديث إلى هذا الموقف. {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (2). قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} أي خيارًا أو عدولًا مزكين بالعلم والعمل {شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ أي على معاصريكم وعلى من قبلكم وبعدكم {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} فيشهد لكم بالعدالة، وشهادته لكم بالعدالة في الموقف تأكيد لشهادتكم على الأمم، وهذا يكون عندما تنكر الأمم أن رسلها قد بلغتها وذلك في موقف من مواقف القيامة. * * * وبعد: فلقد حرصنا ألا يخلو الكلام عن اليوم الآخر من الإكثار من النصوص القرآنية ليزداد المسلم فهما وبصيرة بما يجري في اليوم الآخر، وحرصنا أن نبين ما استطعنا تسلسل الأحداث في اليوم الآخر لأن الكتابة في هذا الشأن قليلة فاقتضى هذا منا الإكثار من النصوص والنقول والتعليقات

_ (1) الصافات: 50 - 61. (2) البقرة: 143.

الفقرة الخامسة في: أحاديث تصف بعض ما في الموقف وما بعده

الفقرة الخامسة في: أحاديث تصف بعض ما في الموقف وما بعده 1216 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال: "هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة ليست في سحابة"؟ قالوا: لا، قال: "فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس في سحابة"؟ قالوا: لا. قال: "فو الذي نفسي بيده، لا تضارون في رؤية ربكم إلا كما تضارون في رؤية أحدهما، فيلقى العبد ربه، فيقول: أي فل، ألم أكرمك وأسودك وأزوجك، وأسخر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى يا رب. فيقول: أظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا، فيقول: فإني أنساك كما نسيتني، ثم يلقى الثاني، فيقول: أي فل: ألم أكرمك وأسودك وأزوجك، وأسخر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى يا رب. فيقول: أظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا، فيقول: فإني أنساك كما نسيتني، ثم يلقى الثالث، فيقول: أي فل، ألم أكرمك وأسودك، وأزوجك، وأسخر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى يا رب، فيقول: أظننت أنك ملاقي؟ فيقول: أي رب: آمنت بك وبكتابك وبرسلك، وصليت وصمت وتصدقت، ويثني بخير ما استطاع، فيقول ها هنا إذن، ثم يقول: الآن نبعث شاهدا عليك، فيتفكر في نفسه: من ذا الذي يشهد عليه؟ فيختم على فيه، ويقال لفخذه: انطقي، فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعلمه، وذلك ليعذر من نفسه، وذلك المنافق ذلك الذي يسخط الله عليه". أقول: في الحديث عن الرؤية وهي خاصة بأهل الإيمان، وكلام عن المحاسبة والمخاطبة في موقف من مواقف القيامة وهي عامة كما هو ظاهر من الحديث.

_ 1216 - مسلم (4/ 2271) 53 - كتاب الزهد والرقائق، حديث رقم (16). (تضارون): روي بتخفيف الراء من الضير، يقال: ضاره يضيره.

1217 - * روى البخاري عن سعيد بن المسيب، وعطاء بن يزيد الليثي أن أبا هريرة أخبرهما: أن الناس قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: "هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب"؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: "فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب"؟ قالوا: لا، قال: "فإنكم ترونه كذلك، يحشر الناس يوم القيامة، فيقول: من كان يعبد شيئا فليتبع، فمنهم من يتبع الشمس، ومنهم من يتبع القمر، ومنهم من يتبع الطواغيت، وتبقى هذه الأمه فيها منافقوها، فيأتيهم الله، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: هذا مكاننا حتى يأتنا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا؟ فيدعوهم، ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم، فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته، ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل، وكلام الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم، وفي جهنم كلاليب، مثل شوك السعدان، هل رأيتم شوك السعدان"؟ قالوا: نعم، قال "فإنها مثل شوك السعدان، غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله تعالى، تخطف الناس بأعمالهم، فمنهم من يوبق بعمله، ومنهم من يخردل، ثم ينجو، حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار" وفي رواية: "فمنهم المؤمن بقي بعمله، ومنهم المجازى حتى ينجى- حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد، وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله، فيخرجونهم، ويعرفونهم بآثار السجود، وحرم الله على النار أن تأكل أثر السجود، فيخرجون من النار، فكل ابن آدم تأكله النار، إلا أثر السجود فيخرجون من النار قد امتحشوا، فيصب عليهم ماء الحياة، فينبتون كما تنبت الحبه في حميل السيل،

_ 1217 - البخاري (2/ 292) 10 - كتاب الأذان، 129 - باب فضل السجود. (السعدان): نبت ذو شوك معقف من مراعي الإبل. (يوبق): أوبقته الذنوب، أي: أهلكته. (يخردل) المخردل: المرمي المصروع، وقيل: هو المقطع، والمعنى أنه تقطعه كلاليب الصراط، حتى يقع في النار. (امتحشوا): الامتحاش: الاحتراق، وقيل: هو أن تذهب النار الجلد، وتبدي العظم. (الحبة): بكسر الحاء: البرورات، وبفتحها، كالحنطة والشعير. (حميل السيل): الزبد وما يلقيه على شاطئئه، وهو فعيل بمعنى مفعول. =

ثم يَفرُغُ الله من القصاص بين العباد، ويبقى رجل بين الجنة والنار- وهو اخر أهل النار دخولا الجنة- مقبل بوجهه قبل النار، فيقول: يارب، اصرف وجهي عن النار، قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاها، فيدعو الله بما شاء أن يدعوه، فيقول: هل عسيت إن أفعل ذلك تسأل غير ذلك؟ فبقول: لا وعزتك، فيعطي الله ما شاء من عهد وميثاق، فيصرف الله وجهة عن النار، فإذا أقبل بوجهه على الجنة، ورأى بهجتها، سكت ما شاء الله أن يسكت، ثم قال: يا رب، قدمني عند باب الجنة، فيقول الله له: أليس قد أعطيت العهود والمواثيق أن لا تسأل غير الذي كنت سألت؟ فيقول: يا رب لا أكون أشفى خلقك، فيقول: فما عسيت إن أعطيت ذلك أن تسأل غيره؟ فيقول: لا وعزتك، لا أسألك غير هذا، فيعطى ربه ما شاء من عهد وميثاق، فيقدمه إلى باب الجنة فإذا بلغ بابها، رأى زهرتها وما فيها من النضرة والسرور" - وفى رواية (1): "فإذا قام إلى باب الجنة انفهقت له الجنة: فرأى ما فيها من الحبرة والسرور، فسكت ما شاء الله أن يسكت فيقول: يا رب أدخلني الجنة، فيقول الله: ويحك! يا ابن ادم ما اغدرك؟ أليس قد أعطيت العهود أن لا تسأل غير الذي قد أعطيت؟ فيقول: يا رب، لا تجعلني أشقى خلقك، فيضحك الله منه، ثم يأذن له في دخول الجنة، فيقول: تمن. فيتمنى، حتى إذا انقطع أمنيه، قال الله تعالى: تمن من كذا وكذا -يذكره ربه- حتى إذا انتهت به الأماني قال الله: لك ذلك ومثله معه" قال أبو سعيد الخدري لأبى هريرة رضي الله عنهما: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله: لك ذلك وعشرة أمثاله" قال أبو هريرة: لم أحفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا

_ = (قشبني ريحها): آذاني، والقشب، السم، والقشيب: المسموم، فكأنه قال: قد سمني ريحها. (ذكاها): ذكا النار، مفتوح الأول مقصورًا: اشتعالها ولهبها. (الزهرة): الحسن والنضارة والبهجة. (1) البخاري (13/ 419) 97 - كتاب التوحيد، 24 - باب قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ...}. (انفهقت): أي انفتحت واتسعت. (الحبرة): السرور والنعمة

قوله: "لك ذلك ومثله معه" قال أبو سعيد: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لك ذلك وعشرة أمثاله" قال أبو هريرة: وذلك الرجل اخر أهل النار دخولا الجنة. وفي رواية مسلم (1) عن عطاء وابن المسيب، وقال أبو هريرة: إن الناس قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ .... وساق الحديث بمثله. هكذا قال مسلم، ولم يذكر لفظه، وأخرجه البخاري عن عطاء وحده بنحوه. ورواه الترمذي (2) عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أخصر من هذا: أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: "يجمع الله الناس يوم القيامة في صعيد واحد، ثم يطلع عليهم رب العالمين، فيقول: ألا يتبع كل إنسان ما كان يعبد، فيمثل لصاحب الصليب صليبه، ولصاحب التصاوير تصاويره، ولصاحب النار ناره، فيتبعون ما كانوا يعبدون، ويبقى المسلمون فيطلع عليهم رب العالمين، فيقول: ألا تتبعون الناس؟ فيقولون: نعوذ بالله منك نعوذ بالله منك، الله ربنا وهذا مكاننا حتى نرى ربنا، وهو يأمرهم ويثبتهم". قالوا: وهل نراه يا رسول الله؟ قال: "وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر "؟ قالوا: لا، يا رسول الله قال: " فإنكم لا تضارون في رؤيته تلك الساعة، ثم يتوارى، ثم يطلع، فيعرفهم نفسه، ثم يقول: أنا ربكم فاتبعوني، فيقوم المسلمون، ويوضع الصراط، فيمر عليه مثل جياد الخيل والركاب وقولهم عليه: سلم سلم، ويبقى أهل النار، فيطرح منهم فيها فوج فيقال: هل امتلأت؟ فتقول: هل من مزيد؟ ثم يطرح فيها فوج، فيقال: هل امتلأت؟ فتقول: هل من مزيد؟ حتى إذا أوعبوا فيها وضع الرحمن قدمه فيها، وأزوى بعضها إلى بعض، ثم قال: قط، قالت: قط قط، فإذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار: أتي بالموت ملببا فيوقف

_ (1) مسلم (1/ 163 - 167) 1 - كتاب الإيمان، 81 - باب معرفة طريق الرؤية. (2) الترمذي (4/ 6910 39 - كتاب صفة الجنة، 20 - باب ما جاء في خلود أهل الجنة وأهل النار. (زويت): الشيء إلى الشيء: ضمت بعضه إلى بعض، وجمعته إليه. (قط قط): بمعنى حسبي وكفاني. (ملببا): كأنه أخذ بتلابيبه، وهو استعارة، والأخذ بالتلابيب: أن يجمع على الإنسان ثوبه، ويأخذ بمقدمه فيجر به.

على السور الذي بين أهل الجنة وأهل النار، ثم يقال: يا أهل الجنة، فيطلعون خائفين، ثم يقال: يا أهل النار، فيطلعون مستبشرين، يرجون الشفاعة، فيقال لأهل الجنة وأهل النار: هل تعرفون هذا؟ فيقول- هؤلاء وهؤلاء- قد عرفناه، هو الموت الذي وكل بنا، فيضجع، فيذبح ذبحا على السور، ثم يقال لهم: يا أهل الجنة، خلود لا موت، ويا أهل النار، خلود لا موت". وروى النسائي (1) منه طرفا من وسطه، وهو قوله: "فتأتي الملائكة فتشفع ويشفع الرسل" وذكر الصراط، فقال رسول الله صلى لله عليه وسلم: "فأكون أول من يجيز، فإذا فرغ الله من القضاء بين خلقه، وأخرج من النار من يريد أن يخرج، أمر الله الملائكة والرسل أن تشفع، فيشفعون بعلاماتهم، إن النار تأكل كل شيء من بني آدم إلا موضع السجود، فيصب عليهم ماء الحياة، فينبتون كما تنبت الحية في السيل". أقول: في النص الذي مر معنا عدد من مشاهد يوم القيامة وهى بعض من كل، وهي تعطينا تصورا عن تعليم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن طريقة وعظه، فالنص ابتدأ بالإجابة على سؤال ثم كان هناك تذكير بأكثر من مشهد من مشاهد يوم القيامة مما يناسب حال السامعين، وقد طوى النص مشاهد كثيرة من مشاهد يوم القيامة جاءت بمناسبات أخرى أو ذكرها القرآن الكريم ومنه نعلم أن الواعظ يتخير لوعظه ما يناسب حال السامعين، والمحدث يتخير لحديثه ما يناسب حال المخاطبين وقل مثل ذلك في المحاضرة والخطبة والدرس والعلم والتعليم وقد حاولنا أثناء العرض الإجمالي ومن خلال التعليقات أن ننقل أكبر قدر من مشاهد يوم القيامة مع إبراز تسلسل الأحداث بالقدر الذي أسعفتنا فيه المراجع ولم نقف عند الكثير من النصوص؛ لأن أمر القيامة غيب والمسلم مستقر في قلبه التنزيه والتسليم فلا يفوته أن يفهم النصوص على ضوء التنزيه ولا يفوته مع التنزيه أن يسلم: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} (2).

_ (1) النسائي (2/ 229) 12 - كتاب التطبيق، 81 - باب موضع السجود. (2) الأعراف: (53).

1218 - * روى مسلم عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه قال: أن ناسا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم- وفي رواية: قال: قلنا- يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم، فهل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب؟ وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البد صحوا ليس فيها سحاب"؟ قالوا: لا، يا رسول الله، قال: "ما تضارون في رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما، إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن: لتتبع كل أمة ما كانت تعبد، فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله -من الأصنام والأنصاب- إلا يتساقطون في النار، حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر، وغبر أهل الكتاب، فيدعى اليهود، فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزيرا ابن الله، فيقال: كذبتم، ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فماذا تبغون؟ قالوا: عطشنا يا ربنا فاسقنا، فيشار إليهم: ألا تردون؟ فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضا، فيتساقطون في النار، ثم يدعى النصارى، فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال لهم: كذبتم، ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فماذا تبغون؟ فيقولون: عطشنا يا ربنا فاسقنا، فيشار إليهم: ألا تردون؟ فيحشرون إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضا، فيتساقطون في النار، حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر، أتاهم الله في أدنى صورة من التي رأوه فيها، قال: فما تنظرون؟ تتبع كل أمه ما كنت تعبد، قالوا: يا ربنا، فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم، ولم نصاحبهم، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، لا نشرك بالله شيئا -مرتين أو ثلاثا- حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب، فيقول: هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها؟ فيقولون: نعم، فيكشف عن ساق، فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله به بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد الله

_ 1218 - مسلم (1/ 167) 1 - كتاب الإيمان، 81 - باب معرفة طريق الرؤية. (غبر): جمع غابر، وهو الباقي، وغبرات جمع الجمع. (الحطم): الكسر والدق، أي ينكسر بعضها على بعض. =

اتقاء ورياء، إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة، كلما أراد أن يسجد خر على قفاه، ثم يرفعون رؤوسهم وقد تحول في صوبته التي رأوه فيها أول مره، فقال: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا، ثم يضرب الجسر على جهنم، وتحل الشفاعة، ويقولون: اللهم سلم سلم" قيل: يا رسول الله، وما الجسر؟ قال: "دحض منزلة، فيه خطاطيف وكلاليب، وحسكه تكون بنجد، فيها شويكة، ويقال لها: السعدان، فيمر المؤمنون كطرف العين، وكالبرق والريح، وكالطير، وكأجاويد الخيل والركاب، فناج مسلم ومخدوش مرسل، ومكدوس في نار جهنم، حتى إذا خلص المؤمنون من النار، فو الذي نفسى بيده، ما من أحد منكم بأشد مناشدة لله في استيفاء الحق من المؤمنون يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار" وفي رواية "فما أنتم بأشد مناشدة في الحق قد تبين لكم من المؤمنين يومئذ للجبار إذا رأوا أنهم قد مجوا في إخوانهم، فيقولون: ربنا كانوا يصومون معنا، ويصلون ويحجون، فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم، فتحرم صورهم على النار، فيخرجون خلقا كثيرا قد أخدت النار إلى نضف ساقه، وإلى ركبتيه، ثم يقولون: ربنا ما بقى فيها أحد ممن أمرتنا به، فيقول: ارجعوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقولون: ربنا، لم نذر فيها أحدًا ممن

_ = (اتقاء): فعلت ذلك اتقاء، أي خوفا. (طبقة): الطبقة والطبق: الصحيفة الواحدة. (دحض): الدحض: الزلق، وهو الماء والطين. (مزلة): موضع الزلل، وأن لا يثبت القدم على شيء فيسقط صاحبها. (خطاطيف): الخطاطيف كالكلاليب. المعقفة: المعوجة. (كأجاويد الخيل): الجواد: الفرس الرائع للذكر والأنثي، والجمع جياد وأجاويد، وكأن أجاويد جمع الجمع. (مخدوش): المخدوش: المجروح، و"المكدوس" قال الحميدي: كذا وقع في الروايات: مكدوس، وقد سمعت بعضهم يقول: إنه تصحيف من الرواة، وإنما هو مكردس، فإن صحت الرواية في مكدوس، فلعله من الكدس، وهو المجتمع من الطعام، فكأن الإنسان تجمع يداه ورجلاه ويشد، ويلقى في النار، وهو بمعنى المكردس، وقد جاء في بعض نسخ مسلم "مكدوش" بالشين المعجمة، فإن صح، فهو من الكدش بمعنى الخدش، والكدش أيضًا: السوق الشديد، والكدس -بالسين المهملة- إسراع المثقل في السير، فيجوز أن يكون منه، كأنه مثقل بذنوبه، ولهمن يحثه على المشي، وذلك أكد في تعذيبه وتعبه.=

أمرتنا، ثم يقول: ارجعوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقًا كثيرًا، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدًا، ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقا كثيرًا، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها خيرا" وكان أبو سعيد يقول: إن لم تصدقوني بهذا الحديث، فاقرؤوا إن شئتم: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} (1). "فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيخرج منها قومًا لم يعلوا خير قط، قد عادوا حمما، فيلقيهم في نهر أفواه الجنة، يقال له: نهر الحياة، فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل، ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر، ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر، وما يكون منها إلا الظل، يكون أبيض"؟ فقالوا: يا رسول الله، كأنك كنت ترعى بالبادية، قال: "فيخرجون كاللؤلؤ، في رقابهم الخواتيم، يعرفهم أهل الجنة، هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه، ثم يقول: ادخلوا الجنة، فما رأيتموه فهو لكم، فيقولون: ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من العالمين، فيقول: لكم عندي أفضل من هذا، فيقولون: يا ربنا، أي شيء أفضل من هذا؟ فيقول: رضاي، فلا أسخط عليكم بعده أبدا". قال مسلم: قرأت على عيسى بن حماد- زغبة- المصري هذا الحديث في الشفاعة، وقلت له: أحدث بهذا الحديث عنك، أنك سمعته من الليث بن سعد؟ فقال: نعم. وقال مسلم عن أبي سعيد: إنه قال: قلنا: يا رسول الله، أنرى ربنا؟ قال: "هل تضارون في رؤية الشمس إذا كان يوم صحو"؟ قلنا. لا ... وساق الحديث، حتى انقضى إلى أخره، وزاد بعد قول: "بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه": "فقال لهم: لكم ما رأيتم ومثله معه". قال أبوسعيد: بلغني أن الجسر أدق من الشعرة، وأحد

_ (1) النساء: 40. (حمما): جمع حممة، وهي الفحمة.

من السيف، وليس فيه: "فيقولون: ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من العالمين" وما بعده. وفي رواية (1) قال: قلنا: يا رسول الله هل نرى ربنا؟ قال: "هل تضارون في رؤية الشمس إذا كانت صحوا"؟ قلنا: لا، قال: "فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم يومئذ، إلا كما تضارون في رؤيتها". قال: "ثم ينادي مناد: ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون، فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم، وأصحاب الأوثان مع أوثانهم، وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم، حتى يبقى من كان يعبد الله عز وجل من بر وفاجر، وغبرات من اهل الكتاب، ثم يؤتي بجهنم تعرض كأنها السراب، فيقال لليهود: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا بعبد عزيرا ابن الله، فقال: كذبتم، لم يكن لله صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟ قالوا: نريد أن تسقينا، فيقال: اشربوا، فيتساقطون في جهنم، ثم يقال للنصارى: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال: كذبتم، لم يكن لله صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟ فيقولون: نريد أن تسقينا، فيقال: اشربوا، فيتساقطون، حتى يبقى من كان يعبد الله من بر وفاجر، فيقال لهم: ما يحبسكم وقد ذهب الناس؟ فيقولون: فارقناهم ونحن أحوج منا إليهم اليوم، فإنا سمعنا مناديا ينادي: ليلحق كل قوم ما كانوا يعبدون، وإنما ننتظر ربنا، قال: فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا؟ فلا يكلمه إلا الأنبياء، فيقال: نعم، الساق، فيكشف عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن، ويبقى من كل يسجد لله رياء وسمعة، فيذهب كيما يسجد، فيعود ظهرة طبقًا واحدًا ثم يؤتي بالجسر، فيجعله بين ظهري جهنم" قلنا: يا رسول الله، وما الجسر؟ قال: "مدحضة مزلة، عليها خطاطيف وكلاليب، وحسكة مفلطحة،

_ (1) البخاري (13/ 420) 97 - كتاب التوحيد، 24 - باب قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ....}. (مفلطحة): المفلطح: الذي فيه عرض.

لها شوكة عقيفة تكون بنجد، يقال لها: السعدان، يمر المؤمن عليها كالطرف وكالبرق، وكالريح، وكأجاويد الخيل والركاب، فناج مسلم، وناج مخدوش، ومكدوس في نار جهنم، حتى يمر آخرهم، يسحب سحبا، فما أنتم بأشد لي مناشدة في الحق قد تبين لكم من المؤمن يومئذ للجبار، فإذا رأوا أنهم قد نجوا شفعوا في إخوانهم، يقولون: ربنا، إخواننا كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا، ويعملون معنا، فيقول الله عز وجل: اذهبوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه، ويحرم الله صورهم على النار بذنوبهم، فبعضهم قد غاب في النار إلى قدميه، وإلى أنصاف ساقيه، فيخرجون من عرفوا، ثم يعودون، فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار فأخرجوه، فيخرجون من عرفوا، ثم يعودون، فيقول: اذهبوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه، فيخرجوه من عرفوا- قال أبو سعيد: فإن لم تصدقوني، فاقرؤوا {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} (1) - فيشفع النبيون، والملائكة، والمؤمنون، فيقول الجبار: بقيت شفاعتي، فيقبض قبضة من النار، فيخرج أقواما قد امتحشوا، فيلقون في نهر بأفواه الجنة، يقال له: ماء الحياة، فينبتون في حافتيه كما تنبت الحبة في حميل السيل، قد رأيتموها إلى جانب الصخرة، فما كان من الشمس منها كان أخضر، وما كان إلى جانب الظل منها كان أبيض، فيخرجون كأنهم اللؤلؤ، فيجعل في رقابهم الخواتيم فيدخلون الجنة، فيقول أهل الجنة: هؤلاء عتقاء الرحمن، أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه، فيقال لهم: لكم ما رأيتم ومثله معه". وفي رواية النسائي (2) طرف منه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما مجادلة أحدكم في الحق يكون له في الدنيا بأشد مجادلة من المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين

_ (عقيفة). المعفف: الملوى مثل الصنارة، والتعقيف: التعويج. (مناشدة) " المناشدة: المسألة. (1) النساء: 40. (2) النسائي (8/ 112) 1 - كتاب القيامة، 18 - باب زيادة الإيمان.

أُدخلوا النار"، قال: "ربنا، إخواننا كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا، ويحجون معنا، فأدخلهم النار"؟ قال: "فيقول: اذهبوا فأخرجوا من عرفتم منهم" قال: "فيأتون فيعرفونهم بصورهم، فمنهم من أخذته النار إلى أنصاف ساقيه، ومنهم من أخذتم إلى كعبيه، فيخرجونهم، فيقولون: ربنا قد أخرجنا من أمرتنا" قال: "ثم يقول: أخرجوا من كان في قلبه وزن دينار من إيمان، ثم من كان في وزن بصف دينار، حتى يقول: من كان في قلبه وزن ذرة" قال أبو سعيد: فمن لم يصدق، فليقرأ هذه الآية {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} (1). أقول: الملاحظ أن الروايات التي مرت معنا وبعض الروايات التي ستمر معنا في هذه الفقرة تتحدث عن رؤية الله عز وجل في المحشر قبل دخول الجنة ورؤية الله عز وجل ثانية لأهل الإيمان في المحشر وفي الجنة، وفي حديث أبي سعيد تركيز على مواقف بعينها أما محل هذه المواقف بالنسبة لتسلسل الأحداث يوم القيامة فإنه يحتاج إلى استشراف لعامة النصوص. والظاهر من النصوص أن إدخال أهل النار النار وإدخال أهل الجنة الجنة أنه يكون بعد إقامة أنواع من الحجج ولكن كما ذكر ابن كثير في النهاية أن بعض الرواة يطوون ذكر بعض المشاهد ويركزون على بعض المشاهد، ردا على جاحد أو مبتدع وقد يكون هذا الطي من رسول الله صلى الله عليه وسلم لتركيز معنى معين عند أصحابه في جلسة من الجلسات ثم يركز على معنى آخر في جلسة أخرى فقد كان من سنته عليه الصلاة والسلام تركيز المعاني في الأنفس حتى إنه كان يكرر الكلمة ثلاثا لتعقل منه. وقد مرت معنا في رواية أبي سعيد كلمة يحسن أن نقف عندها لأنها تصادفنا كثيرًا وهي قوله عن الصراط: "بلغني أن الجسر أدق من الشعر واحد من السيف" فهذه العبارة حملها بعضهم على الحقيقة، والتحقيق آنها محمولة على المجاز كما مر معنا في العرض الإجمالي لأن نصوصًا أخرى تتحدث عن جنبتي الصراط وليس لحد السيف جانبان.

_ (1) النساء: 40.

1219 - * روى مسلم عن أبي الزبير رضي الله عنه سمع جابرًا يسأل عن الورود؟ فقال نجيء نحن يوم القيامة عن كذا وكذا، انظر- أي ذلك فوق الناس- قال: فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد: الأول فالأول، ثم يأتينا ربنا بعد ذلك، فيقول: من تنظرون؟ فنقول: ننظر ربنا، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: حتى ننظر أليك، فيتجلى لهم يضحك، قال: فينطلق بهم، ويتبعون، ويعطى كل إنسان منهم- منافق أو مؤمن- نورا ثم يتبعونه، وعلى جسر جهنم كلاليب وحسك، تأخذ من شاء الله، ثم يطفأ نور المنافقين، ثم ينجو المؤمنين، فتنجو أول زمرة، وجوههم كالقمر ليلة البدر، سبعون ألفا، لا يحاسبون، ثم الذين يلونهم كأضوأ نجم في السماء. ثم كذلك، ثم تحل الشفاعة، ويشفعون حتى يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، فيجعلون بفاء الجنة، ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء، حتى ينبتوا نبات الشيء في السيل، ويذهب حراقه، ثم يسأل حتى تجعل له الدنيا وعشرة أمثالها معها. 1220 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم قيامًا أربعين سنة شاخصة أبصارهم ينتظرون فصل القضاء" قال: "وينزل الله عز وجل في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي ثم ينادي مناد أيها الناس ألم ترضوا من ربكم الذي خلقكم ورزقكم وأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا أن يولى كل أناس منكم ما كانوا يعبدون في الدنيا أليس ذلك عدلا من ربكم؟ قالوا بلى" قال: "فيطلق كل قوم إلى ما كانوا يعبدون ويقولون في الدنيا". قال: "فينطلقون ويمثل لهم أشباه ما كانوا يعبدون فمنهم من ينطلق إلى الشمس، ومنهم من ينطلق إلى القمر والأوثان من الحجارة وأشباه ما كانوا يعبدون" قال: "ويمثل لمن كان يعبد عيسى شيطان عيسى ويمثل لمن كان يعبد عزيرا شيطان عزير، ويبقى محمد صلى الله عليه وسلم وأمته" قال:

_ 1219 - مسلم (1/ 177) 1 - كتاب الإيمان، 84 - باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها. 1220 - المعجم الكبير (9/ 417). مجمع الزوائد: (10/ 340) وقال: رواه كله الطبراني من طرق، ورجاله أحدهما رجال الصحيح، غير أبي خالد الدالاني وهو ثقه. قال الحافظ ابن حجر: أبو خالد الدالاني صدوق يخطئ كثيرًا وكان يدلس. أقول: وطيق الطبراني الأخرى حسنة السند متصلة والله أعلم.

"فيتمثل الرب تبارك وتعالى فيأتيهم فيقول ما لكم لا تنطلقون كانطلاق الناس فيقولون: إن لنا لإلها ما رأيناه. فيقول: هل تعرفونه إن رأيتموه؟ فيقولون: إن بيننا وبينه علامة إذا رأيناها عرفناها". قال: "فيقول: ما هي فنقول: يكشف عن ساقه" قال: "فعند ذلك يكشف عن ساقه فيخر كل من كان نظره ويبقى قوم ظهورهم كصياصي البقر يريدون السجود فلا يستطيعون وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون، ثم يقول: ارفعوا رؤوسكم فيرفعون رؤوسهم فيعطيهم نورهم على قدر أعمالهم: فمنهم من يعطى نوره مثل الجبل العظيم يسعى بين يديه، ومنهم من يعطى نوره أصغر من ذلك ومنهم من يعطى مثل النخلة بيده، ومنهم من يعطى أصغر من ذلك حتى يكون آخرهم رجلا يعطى نوره على إبهام قدميه يضيء مرة ويطفأ مرة فإذا أضاء قدم قدمه وإذا طفئ قام". قال: "والرب تبارك وتعالى أمامهم، حتى يمر في النار فيبقى أثره كحد السيف" قال: "فيقول: مروا فيمرون على قدر نورهم: منهم من يمر كطرفة العين، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالسحاب، ومنهم من يمر كانقضاض الكوكب، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كشد الفرس، ومنهم من يمر كشد الرحل حتى يمر الذي يعطى نوره على ظهر قدميه يجثو على وجهه ويدية ورجليه تخر يد وتعلق يد وتخر رجل وتعلق رجل، وتصيب جوانبه النار فلا يزال كذلك حتى يخلص فإذا خلص وقف عليها فقال: الحمد لله فقد أعطاني الله ما لم يعط أحدًا إذ نجاني منها بعد إذ رأيتها". قال: "فينطلق به إلى غدير عند باب الجنة فيغتسل فيعود إليه ريح أهل الجنة وألوانهم فيرى ما في الجنة من خلل الباب فيقول رب أدخلني الجنة فيقول الله: أتسأل الجنة وقد نجيتك من النار؟ فيقول: رب اجعل بيني وبينها حجابا لا أسمع حسيسها" قال: "فيدخل الجنة ويرى أو يرفع له منزل أمام ذلك كأن ما هو فيه إليه حلم فيقول: رب أعطني ذلك المنزل، فيقول له: لعلك إن أعطيتكه تسأل غيره، فيقول: لا، وعزتك لا أسألك غيره، وأنى منزل أحسن منه، فيعطى فينزله. ويرى أمام ذلك منزلا كأن ما هو فيه إليه حلم، قال: رب أعطني ذلك المنزل، فيقول الله تبارك وتعالى له: فلعلك إن أعطيتكه تسأل

غيره فيقول وعزتك يا رب وأنى منزل يكون أحسن منه، فيعطاه وينزله ثم يسكت فيقول الله جل ذكره: مالك لا تسأل؟ فيقول: رب قد سألتك حتى قد استحييتك وأقسمت حتى استحييتك. فيقول الله جل ذكره: ألم ترض أن أعطيك مثل الدنيا منذ خلقتنا إلى يوم أفنيتها وعشرة أضعافه، فيقول: أتهزأ بي وأنت رب العزة؟ فيضحك الرب تبارك وتعالى من قوله" قال: فرأيت عبدالله بن مسعود إذا بلغ هذا المكان من هذا الحديث ضحك، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، قد سمعتك تحدث هذا الحديث مرارا كلما بلغت المكان ضحكت، قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث هذا الحديث مرارا كلما بلغ هذا المكان من هذا الحديث ضحك حتى يبدو أضراسه قال: "فيقول الرب جل ذكره: لا ولكني على ذلك قادر، سل: فيقول: ألحقني بالناس، فيقول الحق بالناس" قال: "فينطلق يرمل في الجنة حتى إذا دنا من الناس رفع له قصر من درة فيخر ساجدًا فيقال له: ارفع رأسك، مالك؟ فيقول: رأيت ربي أو تراءى لي ربي فيقال له: إنما هو منزل من منازلك" قال: "ثم يلقى رجلا فيتهيأ للسجود له، فيقال له، مه. فيقول: رأيت أنك ملك من الملائكة، فيقول: إنما أنا خازن من خزانك وعبد من عبيدك، تحت يدي ألف قهرمان على مثل ما أنا عليه" قال: "فينطلق أمامه حتى يفتح له القصر" قال: "وهو من درة مجوفة، سقائفها وأبوابها وأغلاقها ومفاتيحها منها تستقبله جوهرة خضراء مبطنة كل جوهرة تفضي إلى جوهرة على غير لون الأخرى، في كل جوهرة سرر وأزواج ووصائف أدناهن حوارء عيناء عليها سبعون حلة يرى مخ ساقها من وراء حللها، كبدها مرآته وكبده مرآتها، إذا أعرض عنها إعراضه ازدادت في عينه سبعين ضعفاً عما كانت قبل ذلك فيقول لها: والله لقد ازدادت في عينه سبعين ضعفاً عما كانت قبل ذلك فيقول لها: والله لقد ازددت في عيني سبعين ضعفا وتقول له: وأنت ازددت في عيني سبعين ضعفاً، فيقال له: أشرف فيشرف. فيقال له: ملك ميسرة مائة عام ينفذه بصرك" قال: فقال عمر ألا تسمع ما يحدثنا ابن أم عبد يا كعب عن أدنى أهل الجنة منزلاً فكيف أعلاهم؟ قال: يا أمير المؤمنين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت. إن الله جل ذكره خلق دارًا جعل فيها ما شاء

من الأزواج والثمرات والأشربة ثم أطبقها فلم يرها أحد من خلقه لا جبريل ولا غيره من الملائكة، ثم قال كعب {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (1) قال: وخلق دون ذلك جنتين وزينهما بما شاء وأراهما من شاء من خلفه، ثم قال: من كان كتابه غي عليين نزل في تلك الدار التي لم يرها أحد حتى أن الرجل من أهل عليين ليخرج فيسير في ملكه فلا تبقى خيمة من خيم الجنة إلا دخلها من ضوء وجهه فيستبشرون لريحه، فيقولون: واها لهذا الريح، هذا ريح رجل من أهل عليين قد خرج يسير في ملكه، قال: ويحك يا كعب إن هذه القلوب قد استرسلت فاقبضها. فقال كعب: إن لجهنم يوم القيامة لزفرة ما من ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا لركبتيه حتى إن إبراهيم خليل الله ليقول: رب نفسي نفسي. حتى لو كان لك عمل سبعين نبيًا إلى عملك لظننت أن لا تنجو. وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقوم الناس لرب العالمين ألف سنة شاخصة أبصارهم ينتظرون فصل القضاء" قال: فذكر مثل حديث زيد بن أبي أنيسة. أقول: من الملاحظ أنه قد ورد معنا في هذا النص تحديد للزمن الذي يسبق فصل الخطاب، فأول الرواية ذكرت أربعين سنة، وآخر النص ذكر رواية أخرى حددته بألف عام، ولمثل هذا كان للتحقيق من أهله محله في فهم النصوص، وفي جمع بعضها مع بعض وفي ترجيح الأخذ ببعضها، وبسبب من هذا وجد في كل علم أئمة هدى سلمت لهم الأمة فمع إيماننا بعدالة الصحابة جميعًا ومع ثقتنا بالعدول من الرواة فإن للوهم أو للخطأ محلاً في الرواية، ولذلك أحالنا القرآن في سياقه على الراسخين في العلم في كل ما تشابه من القرآن، وهو المنقول تواترًا والمحفوظ من الله عز وجل فكيف بما تشابه من نصوص السنة التي لم يوجد في كل نص منها تواتر بل وجد في بعضها تواتر لفظي أو معنوي وبعضها لم يوجد فيه تواتر أصلًا، ثم هي لم يدخل كل نص منها بالتحديد في دائرة الحفظ الإلهي، ومن هنا كان الرجوع في فهم غير القطعيات في الشريعة إلى فهوم الراسخين في العلم من أئمة الهدى هو الذي ينبغي أن

_ (1) السجدة: 17.

يكون ملاذ المؤمن قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: "وبين ذلك امور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس" ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا "فرب مبلغ أوعى من سامع"، وكما يكون هذا يكون العكس فرب مبلغ لا يعي أن يضع النصوص في مواضعها، ولا يحملها على محاملها الصحيحة ولا يعطيها محلها في مجموعة النصوص الواردة في الموضوع الواحد، ومن ههنا فإننا لا نعطي حق الإمامة في الدين والاجتهاد في الفهم إلا لمن توافرت فيه شروطه، ثم إن الصحابة أنفسهم قد يوجد عند بعضهم من العلم مالا يوجد عند الآخر مع أن الجميع لا يفوتهم قطعي في الشريعة ولا معلوم من الدين بالضرورة، ولكن قد يفوت بعضهم ما عند الآخر فإذا جمع ما عند الجميع وترك ما خالف فيه الثقة الثقات وما كان فيه عله تمنع الأخذ به استقام الأمر ويبقى القرآن هو الأصل والسنة شارحة له وكل ذلك يجعلنا نحتاج لتحقيقات الراسخين في العلم. وعلى كل الأحوال إذا فاتنا أن نعرف تحقيقات الراسخين في العلم فلا يفوتنا ونحن نقرأ نصوص السنة الثابتة التسليم، وإذا وجدنا تعارضا مع القطعيات المرجع، وإذا لم يكن هناك قطعيات فالتفويض لله والتصديق بما ورد على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم- كما أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم- هو العاصم، كما لا يفوتنا في كل الأحوال ونحن نقرأ نصوص الكتاب والسنة أن يكون من جملة أهدافنا التأثر والجد والتشمير ليوم النشور، وهذا يتحقق في كل الأحوال سواء عرفنا تحقيق أهل التحقيق في الفهم الدقيق نتيجة الرسوخ في العلم والتدبر العميق أو لم نعرفه، ولنحذر أهل الشذوذ الذين يخالفون إجماع الراسخين في العلم ممن يسيئون الظن الهدى الذين أجمعت الأمة على إمامتهم. 1221 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوة، فرفع إليه الذراع- وكانت تعجبه- فنهس منها نهسه وقال: "أنا سيد الناس

_ 1221 - البخاري (8/ 295) 65 - كتاب التفسير، 5 - باب {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا}. وله طرف فيه: (6/ 371) 60 - كتاب الأنبياء، 3 - باب قول الله عز وجل: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ}. مسلم (1/ 184) 1 - كتاب الإيمان، 84 - باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها. والترمذي (4/ 622) 38 - كتاب صفة القيامة، 10 - باب ما جاء في الشفاعة. وقال: حديث حسن صحيح. (فنهس): النهس: أخذ اللحم بمقدم الأسنان.

يوم القيامة هل تدرون مم ذاك؟ يجمع الله الأولين والأخرين في صعيد واحد، فيبصرهم الناظر، ويسمعهم الداعي، وتدنو منهم الشمس، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون، فيقول الناس: ألا ترون إلى ما أنتم فيه، إلى ما بلغكم، ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض: أبوكم آدم، فيأتونه، فيقولون: يا آدم، أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، وأسكنك الجنة، ألا تشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه وما بلغنا؟ فقال: إن ربي غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة، فعصيت، نفسي، نفسي، نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح، فيأتون نوحًا فيقولون: يا نوح، أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وقد سماك الله عبدًا وشكورًا، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا تشفع لنا عند ربك؟ فيقول: إن ربي غضب اليوم غضبًا لم يغضب مثله، ولن يغضب بعد مثله، وإنه قد كان لي دعوة دعوت بها على قومي، نفسي، نفسي، نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم، فيأتون إبراهيم فيقولون: أنت بني الله، وخليله من أهل الأرض، اشفع لنا إلى ربك، إما ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول لهم: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعد مثله، وإني كنت كذبت ثلاث كذبات ... فذكرها نفسي، نفسي، نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى، فيأتون موسى فيقولون: أنت رسول الله، فضلك برسالاته وبكلامه على الناس، اشفع لنا إلى ربك، أما ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغصب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قد قتلت نفسًا لم أومر بقتلها، نفسي، نفسي، نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى، فيقولون: يا عيسى، أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، وكلمت الناس في المهد، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول عيسى، إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، ولم يذكر ذنبًا، نفسي، نفسي، نفسي،

اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد، فيأتون محمدًا صلى الله عليه وسلم "وفي رواية "فيأتوني فيقولون: يا محمد، أنت رسول الله وخاتم الأنبياء، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك، إلا ترى ما نحن فيه؟ فأنطلق، فآتي تحت العرش، فأقع ساجدًا لربي، ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي، ثم يقال: يا محمد، ارفع رأسك، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأرفع راسي، فأقول: أمتي يا رب، أمتي يا رب، أمتي يا رب، فيقال: يا محمد، أدخل من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب" ثم قال "والذي نفسي بيده، إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة، كما بين مكة وهجر- أو كما بين مكة وب صرى" وفي كتاب البخاري: "كما بين مكة وحمير". أقول: مر معنا أن رسولنا صلى الله عليه وسلم ثلاث شفاعات كلها تدخل تحت مسمى المقام المحمود سوى شفاعاته الأخرى: شفاعة لفصل الخطاب، وشفاعة لعبور الصراط، وشفاعة لدخول الجنة، وكل هذه الشفاعات تكون بعد أن يلجأ الناس إلى بعض الأنبياء فيحيل كل منهم على آخر حتى يصل الأمر إلى رسولنا عليه الصلاة والسلام، وكثيرًا ما تتشابه النصوص فلا يعرف القارئ أي شفاعة من هذه الشفاعات يراد بنص من نصوص الشفاعة العظمى، ولا يكلف المسلم أن يعرف كيف يحمل كل نص من هذه النصوص على مقام بعينه بل يخشى عليه من الخطأ فيكفيه أن يعرف أصل المسألة مع التسليم والتفويض والجد والتشمير. وبمناسبة هذا الحديث الذي مر معنا نقول: إن العلماء يخشون أن يفهم فاهم من هذا الحديث وامثاله ما يتنافى مع عصمة الأنبياء وهي قضية مجمع عليها عند أهل السنة والجماعة فما يرد من ذكر المعاصي في حق الأنبياء محمول على أنها كانت قبل النبوة قال فرعون لموسى: {وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ} (1). أي قتله القبطي فقال موسى عليه السلام {فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} (2) {فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ} (3) أو هي محمولة على أنها من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين، أو أنها محمولة على اجتهاد مأذون لهم فيه فلم

_ (1) الشعراء: 11. (2) الشعراء: 20. (3) الشعراء: 21.

تعليق وتأكيد

يصلوا باجتهادهم إلى ما هو الصواب عند الله فلهم أجر واحد وهذا ليس معصية، وحتى بالنسبة للخطأ في الاجتهاد هم معصومون مآلا لأن الله يصحح لهم، وعلى هذا فما خلقه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم معصوم قطعًا عن الخطأ وغيره، لأنه إن حدث خطأ في الاجتهاد فإنهم يكونون مأجورين فيه ثم يصحح لهم، فالعصمة بالنسبة للمعاصي ثابتة لهم ابتداء وانتهاء، والعصمة بالنسبة للاجتهاد ثابتة لهم انتهاء، وعلى هذا فإنه يجب أن كل ما ورثناه عن رسولنا مما هو من سننه فعلا فإنه معصوم ولكن الرواة غير معصومين، ومن ههنا وجد التحقيق والمحققون والاجتهاد والمجتهدون والرواية والمحدثون والجرح والتعديل إلى غير ذلك مما تحتاجه خدمة الشرعية. تعليق وتأكيد: - ذكر في هذه الأحاديث الجامعة مشاهد من الموقف ما يكون بعده، واختصرت فيها مواقف، فلم تذكر أخذ الصحف والحساب والورود على الحوض، ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من سنته أن يجمع بين تبشير وإنذار، ومن ههنا كان يذكر مشهدًا من مشاهد الإنذار ثم يسارع إلى ذكر مشهد من مشاهد التبشير وقد يطوي أشياء تحدث بين المشاهد ليفصلها في مقام آخر. - رأينا في بعض النصوص أن بعض الرسل عليهم الصلاة والسلام يعتذرون عن أفعال فعلوها أو فعلتها أقوامهم وقد يتوهم متوهم أنهم يعتذرون عن ذنوب تنقض مبدأ العصمة للرسل عليه الصلاة والسلام وهذا وهم خاطئ؛ فالرسل معصومون منه إنما يعتذرون منه لا لأنه ذنب بل لأنهم يعرفون من جلال الله ما يقتضي منهم كثرة الخوف من أفعال هم مأجورون عليها لأنهم فعلوها باجتهاد أو ترخصوا بها في موقف يجوز فيه الترخص، أوهي من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين كما ذكرنا. * * *

الفقرة السادسة في الحوض

الفقرة السادسة في الحوض - أحاديث الحوض بلغت مبلغ التواتر ولذلك يكفر منكر الحوض. - ولكل رسول من الرسل حوضه الذي يرد عليه أمته، وحوض رسولنا صلى الله عليه وسلم هو أكثرهم واردًا. - واختلف العلماء في مكان الحوض هل هو قبل الصراط أو بعده، والراجح أنه قبل الصراط فالناس يعطشون في الموقف. والنصوص تذكر أنه عن الحوض أقوام لكفرهم وردتهم ونفاقهم، والصراط لا يجاوزه إلا أهل الإيمان. - الثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرض عليه أعمال أمته، وبعض أحاديث الحوض يذكر أنه عليه الصلاة والسلام يرد عليه بعض أمته، فتحول الملائكة بينهم وبين الحوض، وأن رسول الله رسول الله صلى الله عليه يتساءل عن سبب ذلك فيخبر أن هؤلاء قد ارتدوا، فهو إذن يجهل ردتهم مما يشير إلى آنه عليه الصلاة والسلام تعرض عليه أعمال آهل الإيمان ولا تعرض عليه أعمال أهل الكفر. - وحوض رسولنا عليه الصلاة والسلام يأتي ماؤه من نهر الكوثر، ونهر الكوثر في الجنة، فمن فضل الله وكرمه أن يخرج من كوثر الجنة ما يصب بالحوض. - والشرب من الحوض يحمي من الظمأ أبدًا فمن شرب منه لا يظمأ بعده وإنما يشرب بعد ذلك تلذذًا. قال الشيخ اديب الكيلاني: قال ملا علي القاري: حديث الحوض رواه من الصحابة بضع وثلاثون وكاد أن يكون متواترًا وقال الدكتور البوطي: الأحاديث الواردة في شأن الحوض ووصفه كثيرة جدًا زات عن حد التواتر. أه. في تعليقه على (شرح جوهرة التوحيد). أقول: ومع أن أحاديث الحوض بلغت مبلغ التواتر إلا أن بعض أهل السنة والجماعة لا

حكم بكفر منكرها بل يحكم بفسوقه أو ضلاله، وقد لحظنا عبارة ملا علي القاري إذ قال "وكاد أن يكون متواترًا فهناك خلاف حوال التواتر. - والنصوص الواردة في الحوض تجدها في أكثر من سياق فهي تذكر مثلًا في الضوء، وتذكر في باب الردة، وهذه بعض نصوص في الحوض:

النصوص

النصوص 1222 - * روى مسلم عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، ما آنية الحوض؟ قال: "والذي نفس محمد بيده، لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها، في الليلة المظلمة المصحية، آنية الجنة، من شرب منها لم يظمأ آخر ما عليه، يشخب فيه ميزابان من الجنة، من شرب منه لم يظمأ، عرضه مثل طوله، ما بين عمان إلى أيلة، وماؤه أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل". أقول: قوله عليه السلام: "لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها في الليلة المظلمة المصحية" إشارة إلي أن عدد نجوم السماء كلها أكثر من آنية الحوض، ولكن آنية الحوض أكثر من النجوم المنظورة في الليلة المظلمة المصحية. وفي هذا التعبير معجزة عظمى فلم تنكشف كثرة نجوم هذا الكون إلا في عصرنا. وعلى هذا الحديث تحمل النصوص التي تطلق أن عدد كيزانه كنجوم السماء. 1223 - * روى أبو داود عن عبد السلام بن أبي حازم أبي طالوت قال: شهدت أبا برزة رضي الله عنه دخل على عبيد الله بن زياد، فحدثني فلان سماه مسلم- يعني ابن إبراهيم- وكان في السماط، فلما رآه عبيد الله، قال: إن محمد يكم هذا لدحداح، ففهمها الشيخ، فقال: ما كنت أحسب أن أبقى في قوم يعير ونني بصحبة محمد صلى الله عليه وسلم، فقال له عبيد الله: إن صحبة محمد صلى الله عليه وسلم لكم زين غير شين، ثم قال: إنما بعثت إليك لأسألك عن الحوض، هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر فيه شيئاً؟ قال أبو برزة نعم، ولا مرتين، ولا ثلاثا، ولا أربعا، ولا خمسا، فمن كذب فلا سقاه الله منه، ثم خرج مغضباً.

_ 1222 - مسلم (4/ 1798) 43 - كتاب الفضائل، 9 - باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته. والترمذي (4/ 630) 38 - كتاب صفة القيامة، 15 - باب ما جاء في صفة أواني الحوض، وقال: حديث حسن صحيح غريب. وليس عنده: "يشخب فيه ميزانان في الجنة". (يشخب): شخب ويشخب شخبا: سال وجرى كما يجري الميزاب. 1223 - أبو داود (4/ 238) كتاب السنة، باب في الحوض، وإسناده صحيح. (السماط): الصف من الناس. (الدحداح): القصير.

1224 - * روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك، قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "يرى فيه أباريق الذهب والفضة كعدد نحوم السماء". 1225 - * روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحة أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من يشرب منه لا يظمأ أبدًا". وفي رواية (1) "مسيرة شهر، وزواياه سواء، وماؤه أبيض من الورق ... " وذكر نحوه. 1226 - * روى مسام عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن حوضي لأبعد من أيلة من عدن، والذي نفسي بيده: إني لأذود عنه الرجال، كما يذود الرجال الإبل الغريبة عن حوضه"، قالوا: يا رسول الله وتعرفنا؟ قال: "نعم، يردون على غرا محجلين من آثار الوضوء، ليست لأحد غيركم". أقول: وصف هنا بعد الحوض كما بين أيله وعدن وفي حديث سابق ما بين عمان وأيله، وأيله تقع في نهاية البحر الأحمر نحو الشمال على خليج العقبة، والمسافتان بين عدن وبينها أو بين عمان وبينها متقاربة وقد يكون المخاطبون بمسافة من المسافات يعرفون هذه أكثر من غيرها.

_ 1224 - البخاري (11/ 463) 81 - كتاب الرقاق، 53 - باب في الحوض، وقوله الله: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}. مسلم (4/ 1801) 43 - كتاب الفضائل، 9 - باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته. والترمذي (4/ 628) 38 - كتاب صفة القيامة، 14 - باب ما جاء في صفة الحوض. وقال: حديث حسن صحيح غريب. وابن ماجة (2/ 1439) 37 - كتاب الزهد، 36 - باب ذكر الحوض. وقول الله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} واللفظ له. 1225 - البخاري (11/ 463) 81 - كتاب الرقاق، 53 - باب في الحوض، وقوله الله: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}. مسلم (4/ 1801) 43 - كتاب الفضائل، 9 - باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته. (1) مسلم (4/ 1793) الموضع السابق. (الورق): الفضة. 1226 - مسلم (1/ 217) 2 - كتاب الطهارة، 12 - باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الضوء.

1227 - * روى البخاري ومسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده: لأذودن رجالا عن حوضي، كما تذاد الغريبة من الإبل عن الحوض". 1228 - * روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو بين ظهراني أصحابه: "إني على الحوض انظر من يرد على منكم، فو الله ليقتطعن دوني رجال، فلأ قولن: أي رب، مني ومن أمتي، فيقول: إنك لا تدري ما عملوا بعدك، مازالوا يرجعون على أعقابهم". 1229 - * روى البخاري ومسلم عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أنا فرطكم على الحوض". 1230 - * روى مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا إني فرط لكم على الحوض، وإن بعد ما بين طرفيه: كما بين صنعاء وأيله، كأن الأباريق فيه النجوم". 1231 - * روى ابن ماجه عن الصنابح الأحمسي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا إني فرطكم على الحوض وإني مكاثر بكم الأمم فلا تقتلن بعدي".

_ 1227 - (البخاري) (5/ 43) 42 - كتاب المساقات، 10 - باب من رأي أن صاحب الحوض والقربة أحق بمائه. مسلم (4/ 1801) 43 - كتاب الفضائل، 9 - باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته. 1228 - مسلم (4/ 1801) 43 - كتاب الفضائل، 9 - باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته. (ليقتطعن): الاقتطاع: أخذ طائفة من الشيء، تقول: اقتطعت طائفة من أصحابه إذا أخذتهم دونه. 1229 - البخاري (11/ 463) 81 - كتاب الرقاق، 53 - باب في الحوض، وقوله الله: (إنا أعطيناك الكوثر). مسلم (4/ 1801) 43 - كتاب الفضائل، 9 - باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته. 1230 - مسلم (4/ 1801) 43 - كتاب الفضائل، 9 - باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته. (الفرط): المتقدم على القوم الواردين الماء. 1231 - ابن ماجة (2/ 1300) 39 - كتاب الفتن، 5 - باب لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض وفي الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات.

1232 - * روى البزار عن أنس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يا معشر الأنصار موعدكم حوضي". 1233 - * روى أبو داود عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلنا منزلا، فقال: "ما أنتم جزء من مائة ألف جزء ممن يرد علي الحوض"، قيل: كم كنتم يومئذ؟ قال: "سبعمائة أو ثمانمائة". 1234 - * روى مسلم عن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إني لبعقر حوضي أذود الناس لأهل اليمن، أضرب بعصاي حتى يرفض عليهم"، فسئل عن عرضه؟ فقال: "من مقامي إلى عمان"، وسئل عن شرابه؟ فقال: "أشد بياض من اللبن، وأحلى من العسل، يغت فيه ميزابان يمدانه من الجنة، أحدهما من ذهب، والآخر من ورق". أقول: ذكر النووي أن المسافات التي وصفت الحوض يدخل فيها القليل تحت الكثير. أقول: والمراد أن يعرف السامع سعة حجمه، على أن راوية مسلم عن ثوبان التي تذكر مسافة أقل يرويها الترمذي في الرواية اللاحقة فيذكر نفس المسافة التي وردت في أحاديث أخرى.

_ 1232 - كشف الأستار (4/ 178). مجمع الزوائد (10/ 361). وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. 1233 - أبو داود (4/ 237) كتاب السنة، باب في الحوض. وإسناده صحيح. 1234 - مسلم (4/ 1801) 43 - كتاب الفضائل، 9 - باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته. (بعقر حوضي أذود: عقر الحوض: مؤخره، وقوله: "لأهل اليمن" أي: لأجل أن يرد أهل اليمن، والذود: الطرد والدفع. (يرفض): يتفرق، وارفض الدمع: إذا جرى متفرقا مترششا، والمراد حتى يسيل عليهم ماء الحوض. (يغت): غت الماء يغت: إذا جرى جريا له صوت، وقيل: يدفق الماء فيه دفقاً متتابعاً.

وفي رواية الترمذي (1)، عن أبي سلام الحبشي ممطور، قال: بعث إلى عمر بن عبد العزيز، فحملت على البريد، فلما دخلت إليه، قلت: يا أمير المؤمنين، لقد شق علي مركبي البريد، فقال: يا أبا سلام ما أردت أن أشق عليك، ولكن بلغني عنك حديث تحدثه عن ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحوض، فأحببت أن تشافهني به، فقلت: حدثني ثوبان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "حوضي مثل ما بين عدن إلى عمان البقاء؛ ماؤه أشد بياضًا من الثلج، وأحلى من العسل، وأكوابه عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدًا، أول الناس ورودًا عليه فقراء المهاجرين الشعث رؤوسًا، الدنس ثيابًا، الذين لا ينكحون المنعمات، ولا تفتح لهم أبواب السدد، لا جرم لا أغسل رأسي حتى يشعث، ولا ثوبي الذي يلي جسدي حتى يتسخ. أقول: وعمان البلقاء هي عمان الأردن التي هي عاصمة المملكة الهاشمية الأردنية في عصرنا، ورغبة عمر في سماع الحديث مشافهة أصل كبير من الأصول التي كان يحرص عليها السلف الصالح، فقد كانوا حريصين على التلقي المباشر ولذلك آثار في التربية القلبية والروحية والسلوكية، فالتلقي من أهل الأنوار، والتلقي من أهل العلم العاملين يعطي طالب العلم سمتا وأدبا وتواضعًا. 1235 - * روى البخاري ومسلم عن حارثة بن وهب رضى الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: حوضه: "ما بين صنعاء والمدينة"، فقال المستورد: ألم تسمه قال: الأواني؟ قال: لا، قال المستورد: ترى فيه الآنية مثل الكوكب.

_ (1) والترمذي (4/ 629) 38 - كتاب صفة القيامة، 14 - باب ما جاء في صفة أواني الحوض. وقال: حديث غريب. وهو حديث حسن. (البريد): خيل البريد: هي المرصدة في الطريق لحمل الأخبار من البلاد. 1235 - البخاري (11/ 465) 81 - كتاب الرقاق، 53 - باب في الحوض، وقوله الله: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ). مسلم (4/ 1797) 43 - كتاب الفضائل، 9 - باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته.

أقول: المسافة الواردة في هذه الرواية وبعض الروايات اللاحقة ورواية مسلم السابقة أقل من المسافة التي ذكرتها روايات أخرى، وقد يكون في ذلك إشارة إلى تناقض حجم الحوض لكثرة الشاربين، فهي تصفه في مرحلة من المراحل أو أن القليل يدخل في الكثير كما ذكر النووي فقال: قال القاضي عياض: وهذا الاختلاف في قدر عرض الحوض ليس موجبا للاضطراب، فإنه لم يأت في حديث واحد بل في أحاديث مختلفة الرواة عن جماعة من الصحابة سمعوها في مواطن مختلفة ضربها النبي صلى الله عليه وسلم في كل واحد منها مثلا لبعد أقطار الحوض وسعته وقرب ذلك من الأفهام لبعد ما بين البلاد المذكورة لا على التقدير الموضوع للتحديد بل للإعلام بعظم هذه المسافة، فبهذا تجمع الروايات. هذا كلام القاضي. قلت: [أي النووي] ليس في القليل من هذه منع الكثير، والكثير على ظاهر الحديث ولا معارضة والله أعلم أهـ. 1236 - * روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أمامكم حوضي، ما بين جنبيه كما بين جربا وأذرح" قال بعض الرواة: هما قريتان بالشام، بينهما مسيرة ثلاث ليال. وفي رواية (2): "وفيه أباريق كنجوم السماء، من ورده فشرب منه لم يظمأ بعدها أبدًا. 1237 - * روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما بين ناحيتي حوضي، كما بين صنعاء والمدينة.

_ 1236 - البخاري (11/ 463) 81 - كتاب الرقاق، 53 - باب في الحوض. مسلم (4/ 1798) 43 - كتاب الفضائل، 9 - باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته. وأبو داود (4/ 237) كتاب السنة، باب في الحوض. (1) مسلم (4/ 1798) الموضع السابق. 1237 - البخاري (11/ 465) 81 - كتاب الرقاق، 53 - باب في الحوض، وقوله الله: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ). مسلم (4/ 1797) 43 - كتاب الفضائل، 9 - باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته.

وفي رواية (1): "مثل ما بين المدينة وعمان". وفي أخرى (2): "ما بين لابتي حوضي". وفي أخرى (3) قال: "يرى فيه أباريق الذهب والفضة، كعدد نجوم السماء". وفي أخرى (4) مثله، وزاد: "أو أكثر من عدد نجوم السماء". وفي أخرى (5) قال: "إن قدر حوضي كما بين أليه وصنعاء اليمن، وإن فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء". 1238 - * روى الطبراني في الأوسط عن انس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أمتي لا يردان الحوض، ولا يدخلان الجنة: القدرية والمرجئة". 1239 - * روى الطبراني عن العرباض بن سارية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لتزدحمن هذه الأمة على الحوض ازدحام الإبل وردت لخمس". 1240 - * روى أحمد عن خولة بنت حكيم قالت: قلت: يا رسول الله إن لك حوضًا؟ قال: "نعم. وأحب على من يرده قومك" ...

_ (1) مسلم (4/ 1801) 43 - كتاب الفضائل، 9 - باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته. (2) مسلم (4/ 1801) الموضع السابق. (لابتي حوضي): اللابة. الحرة، وأراد بها ههنا: الجانب. (3) مسلم (4/ 1801) الموضع السابق. (4) مسلم (4/ 1801) الموضع السابق. (5) مسلم (4/ 1801) الموضع السابق. 1238 - مجمع الزوائد: (7/ 207) وقال: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح غير هارون بن موسى الفروي وهو ثقة. قال في التقريب: لا بأس به. 1239 - المعجم الكبير (18/ 253). مجمع الزوائد (10/ 365) وقال: رواه الطبراني بإسنادين وأحدهما حسن. (وردت لخمس): وردت على الماء بعد عطش خمس ليالي 1240 - أحمد (6/ 410) والمعجم الكبير (24/ 233). =

1241 - * روى أحمد عن يحنش بن عبد الله أن حمزة بن عبد المطلب لما قدم المدينة تزوج خولة بنت قيس بن فهد الأنصارية من بني النجار، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور حمزة في بيتها، وكانت تحدث عنه أحاديث، قالت: فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله: إنه بلغني عنك أنك تحدث أن لك يوم القيامة حوضًا ما بين كذا إلى كذا، قال: "نعم وأحب الناس علي أن يروى منه قومك" قال: فقدمت إليه برمة فيها حريرة، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في البرمة ليأكل فأحرقت أصابعه فقال: "حس" ثم قال: "ابن آدم إن أصابه البرد قال حس وإن أصابه الحر قال حس". 1242 - * روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليردن علي الحوض رجال ممن صاحبني، حتى إذا رأيتهم، ورفعوا إلي، اختلجوا دوني، فلأقولن: أي رب، أصحابي، أصحابي، فليقالن لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك". وفي رواية (1) "ليردن علي ناس من أمتي ... " الحديث، وفي آخره: "فأقول: سحقًا لمن بدل بعدي".

_ = مجمع الزوائد (10/ 261). وقال: رواه أحمد والطبراني وقال: هكذا رواه أبو خالد الأحمر عن خولة بنت حكيم، وقال الناس: عن خولة بنت قيس، ورجالها رجال الصحيح. 1241 - أحمد (6/ 410). والمعجم الكبير (24/ 231). مختصرًا. مجمع الزوائد (10/ 261). وقال: رواه أحمد ورواه الطبراني باختصار. وقال: "وأحب الناس إلى أو من أحب الناس إلى، أن يرده"، وقال فيه: فقدمت إليه العصيدة. ورجال أحمد رجال الصحيح. (البرمة): القدر مطلقا وجمعها برام. (الحريرة): الحسا المطبوخ من الدقيق والدسم والماء. (حس): كلمة يقولها الإنسان إذا أصابه ما أقتضه أو أحرقه غفلة. 1242 - البخاري (11/ 464) 81 - كتاب الرقاق، 53 - باب في حوض وقوله الله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}. مسلم (4/ 1800) 43 - كتاب الفضائل، 9 - باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته. (1) البخاري (11/ 464) موضع سابق. ومسلم (4/ 1793) كتاب الفضائل، 9 - باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته.

1243 - * روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا فرطكم على الحوض، وليرفعن إلى رجال منكم، حتى إذا أهويت إليهم لأناولهم اختلجوا دوني، فأقول: أي رب، أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك؟ ". 1244 - * روى البخاري ومسلم عن أبي حازم رحمه الله عم سهل بن سعد رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أنا فرطكم على الحوض، من ورد شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدا، وليردن على أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم"، قال أبو حازم: فسمع النعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم هذا الحديث، فقال: هكذا سمعت سهلا يقول؟ فقلت: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقا سحقا لمن بدل بعدي". 1245 - * روى مالك عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه أتى المقبرة فسلم على المقبرة فقال: "السلام عليكم، دار قوم مؤمنين! وإنا، إن شاء الله تعالى، بكم لاحقون" ثم قال: "لوددنا أنا قد رأينا إخواننا" قالوا: يا رسول الله! أولسنا إخوانك؟ قال: "أنتم أصحابي. وإخواني الذين يأتون من بعدي. وأنا فرطكم على الحوض" قالوا: يا رسول الله! كيف تعرف من لم يأت من أمتك؟ قال:

_ 1243 - البخاري (13/ 3) 92 - كتاب الفتن، 1 - باب ما جاء في قول الله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا .....}. مسلم (4/ 1796) 43 - كتاب الفضائل، 9 - باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته. (اختلجوا): أي استلبوا، وأخذوا بسرعة. 1244 - البخاري (13/ 3) 92 - كتاب الفتن، 1 - باب ما جاء في قول الله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا ..}. مسلم (4/ 1793) 43 - كتاب الفضائل، 9 - باب إثبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته. 1245 - الموطأ (1/ 28) 2 - كتاب الطهارة، 6 - باب جامع الوضوء. وابن ماجه (2/ 1439) 37 - كتاب الزهد، 36 - باب ذكر الحوض. ومسلم بنحوه (1/ 218) 2 - كتاب الطهارة، 12 - باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء. =

"أرأيتم لو أن رجلاً له خيل غُر محجلة بين ظهراني خيل دهم بهم، ألم يكن يعرفها؟ " قالوا: بلى. قال: "فإنهم يأتون يوم القيامة غرا محجلين، من أثر الوضوء" قال: "أنا فرطكم على الحوض" ثم قال: "ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال. فأناديهم: ألا هلموا! فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، ولم يزالوا يرجعون على أعقابهم، فأقول: ألا سحقاً! سحقاً! ". أقول: الروايات التي تذكر أن هناك أناسا يردون عن الحوض متعددة يمكن أن يحمل بعضها على أمة الدعوة دون إشكال، إلا أن بعضها مما ذكر لفظ الأصحاب، استغله بعض المبتدعة فشككوا في الصحابة رضوان الله عليهم، والأمر لا يحتمل ما ذهبوا إليه، وقد ناقش ابن حجر العسقلاني مناقشة مطولة فيما قيل، وجميع الروايات الواردة في هذه الشؤون. وأبسط ما يقال في هذا الشأن إن المراد بالأصحاب في الحديث هم بعض من مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد دخلوا في الإسلام ثم ارتدوا وحاربهم أبو بكر وماتوا على الردة، أو بعض من الذين تظاهروا بالإسلام وهو منافقون. ومما قاله ابن حجر: قال الفربري: ذكر عن أبي عبد الله البخاري عن قبيصة قال: هم الذين ارتدوا على عهد أبي بكر فقاتلهم أبو بكر، يعني حتى قتلوا وماتوا على الكفر. وقد وصله الإسماعيلي من وجه آخر عن قبيصة. وقال الخطابي: لم يريد من الصحابة أحد وإنما ارتد قوم من جفاة الأعراب ممن لا نصرة له في الدين، وذلك لا يوجب قدحا في الصحابة المشهورين. ويدل قوله "أصحابي" بالتصغير على قلة عددهم. أهـ (فتح الباري).

_ = (دهم): جمع أدهم، والدهمة السواد. (بهم): جمع بهيم: هو الأسود أيضًا، وقيل: الذي لا يخالطه لونه لون سواه، سواء كان أسود أو أبيض أو أحمر، بل يكون لونه خالصًا.

فوائد

فوائد قال ابن كثير في النهاية: إن قال قائل: فهل يكون الحوض قبل الجواز على الصراط أو بعده؟ قلت: إن ظاهر ما تقدم من الأحاديث يقتضى كونه فبل الصراط، لأنه يذاد عنه أقوال يقال عنهم إنهم لم يزالوا يريدون على أعقابهم منذ فارقتهم، فإن كان هؤلاء كفارًا عصاة فهم من المسلمين فيبعد حجبهم عن الحوض لا سيما وعليهم سيما الضوء، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "أعرفكم غراً محجلين من آثار الضوء". ثم من جاوز لا يكون ناجيا مسلما فمثل هذا لا يحجب عن الحوض فالأشبه والله أعلم أن الحوض قبل الصراط. وإذا كان الظاهر كونه قبل الصراط، فهل يكون ذلك قبل وضع الكرسي للفصل؟ أو بعد ذلك؟ هذا مما يحتمل كلا من الأمرين؟ ولم أر في ذلك شيئًا فاصلًا، فالله أعلم أي ذلك يكون. وقال العلامة أبو عبد الله القطبي في التذكر أيضا: واختلف في كون الحوض قبل الميزان، قال أبو الحسن القابسي: والصحيح أن الحوض قبل، قال القرطبي: والمعنى يقتضيه، فإن الناس يخرجون عطاشا من قبورهم كما تقدم، فيقدم على الميزان والصراط، قال أبو حامد الغزالي في كتاب علم كشف الآخرة: حكى بعض السلف من أهل الصنيف: أن الحوض يورد بعد الصراط، وهو غلط من قائله. قال القرطبي: هو كما قال، ثم أورد حديث منع المرتدين على اعقابهم القهقرى عنه. ثم قال: وهذا الحديث مع صحته أدل دليل على أن الحوض يكون في الموقف قبل الصراط، لأن الصراط من جاز عليه سلم .. أهـ (النهاية في الفتن والملاحم). * * *

الفقرة السابعة في: الحساب والميزان عرض إجمالي

الفقرة السابعة في: الحساب والميزان عرض إجمالي - مر معنا أنه في الوقف يحشر الناس ويجمعون مصطفين وينتظرون ثم تكون الشفاعة لفصل القضاء، ثم يعرض الناس على ربهم عرضة يكون فيها جدال واعتذارات وتنصلات وأسئلة وإجابات، ثم تكون عرضة أخرى وتكون بها إقامة حجة، فتشهد الرسل وتشهد هذه الأمة وتشهد الأرض وتقوم الحجة على الخلق، ثم تطير الصحف فآخذ بيمينه وآخذ بشماله وآخذ وراء ظهره، ويكون في هذه المرحلة أو قبلها شرب من الحوض. - ثم يكون الحساب والميزان فيسأل عما كلف به، يسأل عن سمعه وعن بصره وعن فؤاده: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (1). ويسأل عما استرعاه الله، ويسأل عن العمر والعلم والمال والجسم والشباب ويسأل عن النعيم: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} (2). ويسأل عن الآلاء والنعم، ويحاسب على أعماله ما أراد بها فيسأله عن النيات والإخلاص: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (3)، ويحاسب الإنسان على أعمال الظاهر والباطن وخطايا الظاهر والباطن ويحاسب على أمراض القلوب: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} (4). {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا

_ (1) الإسراء: 36. (2) التكاثر: 8. (3) هود: 15 - 16. (4) البقرة: 284.

وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا} (1). وأول ما يحاسب عليه العبد من حقوق الله الصلاة، وأول ما يحاسب عليه من حقوق العباد الدماء، ومن أشد ما يحاسب عليه العبد الزكاة والعقوبة عليها تبدأ عند الموت وتستمر في القبر وتكون في الحشر والموقف ويحتسب عليها. - وشهادات يوم القيامة كثيرة والشهداء كثر: فهناك شهادة الأنبياء وشهادة الملائكة وشهادة الجوارح وشهادة العباد بعضهم على بعض، وشهادة الأرض وكل من هؤلاء يؤدي شهادته في الوقت المناسب يوم القيامة: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ} (2). {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} (3). {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (4). {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (5). {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} (6). {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (7). - وسيجد الكلفون أن الأمو ر مضبوطة في غاية الضبط فكتاب عام محصى فيه كل شيء، وكتاب خاص لكل مكلف على حدة: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (8).

_ (1) آل عمران: 30. (2) النحل: 89. (3) ق: 21. (4) النور: 24. (5) يس: 65. (6) فصلت: 21. (7) الزلزلة: 1 - 8. (8) الجاثية: 29.

{وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} (1). {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} (2). {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ} (3). {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} (4). {وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ} (5). {وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} (6). والنصوص القرآنية في الحساب والميزان وما يتعلق بذلك كثيرة، منها: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا) (7). {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} (8). {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا} (9). {وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} (10).

_ (1) المؤمنون: 63. (2) القمر: 53. (3) القمر: 52. (4) الإسراء: 13، 14. (5) التكوير: 10. (6) الكهف: 49. (7) الإسراء: 13. (8) الحاقة: 25 - 34. (9) الانشقاق: 7 - 12. (10) الأنبياء: 47.

{إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} (1). {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} (2). {وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (3)، {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} (4). {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} (5). {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} (6). {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ} (7). {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} (8). {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} (9). {ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (10). {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا} (11). {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ} (12).

_ (1) ص: 26. (2) الغاشية: 25، 26. (3) الرعد: 41. (4) الرعد: 21. (5) النساء: 40. (6) الأنبياء: 47. (7) القارعة: 6 - 11. (8) الزمر: 31. (9) النمل: 78. (10) آل عمران: 55. (11) النبأ: 17. (12) الزمر: 69 - 70.

{يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (1). - وحقوق العباد يشدد فيها أكثر مما يشدد في حقوق الله إلا حق التوحيد ومع شدة الهول يوم القيامة فإن الله عز وجل خلق مائة رحمة تسعا وتسعين منها أخرها إلى يوم القيامة، ولعل المسلم يخرج من قراءة النصوص الواردة في هذه الفقرة بنية جازمة ألا يظلم أحدًا، وأن يقوم بحقوق الله وحقوق التكليف كاملة ويسعى ليكون من الذين لا حساب عليهم، وقد استقرأ بعضهم النصوص التي وعد أهلها بألا يحاسبوا فذكر من أهل ذلك أنهم الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون، ومن ذلك قوام الليل وقراء القرآن والمخلصون والمؤذنون والدعاة إلى الله ومن قام بحق الله وحق العباد والعلماء العاملون والشهداء والعافون عن الناس والحمادون الله على كل حال. وقد مر معنا من قبل كلام ابن كثير في النهاية أن الحساب يكون قبل الميزان غير أنه من الصعب التمييز بين مجموع النصوص الواردة في الحساب والميزان أيها يكون في الحساب وأيها يكون عند الميزان، وإن كان بعضها واضحًا أنه في الحساب أو أنه في الميزان، ولذلك دمجنا الكلام عن هذين الموضوعين في فقرة واحدة، ولا يدخل في دائرة التكليف أن يعرف المسلم على ما يحمل عليه كل نص مما ورد في الحساب والميزان إلا إذا كان قطعي الثبوت وقطعي الدلالة والمهم بالنسبة للمسلم أن يؤمن بالحساب والميزان وأن يسلم بالنصوص الواردة في ذلك وأن تحمله النصوص الواردة في ذلك على تحرير الاعتقاد وإحسان العمل والبعد عن كل ما يسخط الله عز وجل مما يشتد بسببه الحساب أو يخف بسببه الميزان.

_ (1) المجادلة: 6.

النصوص

النصوص 1246 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كانت عنده مظلمة لأخيه، من عرضه أو شيء منه، فليتحلله منه اليوم، من قبل أن لا تكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه، فحمل عليه". وفي رواية (1) الترمذي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رحم الله عبدًا كانت لأخيه عنده مظلمة ... " الحديث. 1247 - * روى البزار عن ابن الزبير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نوقش الحساب هلك". 1248 - * روى البخاري ومسلم عن أبن أبي مليكة، قال: إن عائشة كانت لا تسمع شيئا لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه، وإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من نوقش الحساب عذب"، فقالت: أليس يقول الله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا} [الانشقاق: 7 - 9]؟ فقال: "إنما ذلك العرض، وليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك". وفي رواية (2) "وليس أحد يناقش الحساب يوم القيامة إلا عذب". وفي أخرى (3) قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس أحد يحاسب إلا هلك".

_ 1246 - البخاري (5/ 101) 46 - كتاب المظالم، 10 - باب من كانت له مظلمة عند الرجل .. إلخ. (1) الترمذي (4/ 693) 38 - كتاب صفة القيامة، 2 - باب ما جاء في شأن الحساب القصاص. 1247 - كشف الأستار (4/ 158). مجمع الزوائد (10/ 350)، وقال: رواه البزار والطبراني في الكبير والأوسط ورجال البزار والكبير رجال الصحيح، وكذلك رجال الأوسط غير عمرو بن أب عاصم النبيل، وهو ثقة. 1248 - البخاري (11/ 400) 81 - كتاب الرقاق، 49 - باب من نوقش الحساب عذب. مسلم (4/ 2204) 51 - كتاب الجنة، 18 - باب إثبات الحساب. (2) البخاري (11/ 400) موضع سابق (3) البخاري (8/ 697) 65 - كتاب التفسير، سورة الانشقاق 1 - باب (فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا). =

قلت: يا رسول الله، جعلني الله فداك، أليس الله تعالى يقول: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا}؟ قال: "ذلك العرض تعرضون، ومن نوقش الحساب هلك". 1249 - * روى الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حوسب عذب". وهو حديث حسن يشهد له الذي قبله. 1250 - * روى البخاري ومسلم عن صفوان بن محرز المازني قال: بينما ابن عمر رضي الله عنه يطوف، إذ عرض له رجل، فقال: يا أبا عبد الرحمن، أخبرني ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في النجوى، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يدنى المؤمن من ربه حتى يضع عليه كنفه، فيقرره بذنوبه: تعرف ذنب كذا وكذا؟ فيقول: أعرف رب، أعرف -مرتين- فيقول: سترتها عليك في الدنيا، وأغفرها لك اليوم، ثم تطوى صحيفة حسناته، وأما الآخرون- أو الكفار، أو المنافقون- فينادى بهم على رؤوس الخلائق: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم، ألا لعنة الله على الظالمين". 1251 - * روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء رجل، فقعد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني، وأشتمهم وأضربهم، فكيف أنا منهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان يوم القيامة يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعقابك إياهم، فإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم: كان كفافًا، لا لك، ولا عليك، وإن كانعقابك إياهم دون ذنوبهم،

_ (1) (نوقش): المناقشة في الحساب: تحقيقه وتدقيقه، والاستقصاء فيه. 1249 - الترمذي (4/ 617) 38 - كتاب صفة القيامة، 5 - باب منه (أي العرض). وقال: حديث صحيح حسن. 1250 - البخاري (8/ 353) 65 - كتاب التفسير، سورة هود، 4 - باب {وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ ...}. مسلم (4/ 2120) 49 - كتاب التوبة 82 - باب قبول توبة القاتل، وإن كثر قتله. (النجوى): في الأصل: السر، والمراد به: مناجاه الله تعالى للعبد يوم القيامة، وسياق الحديث يدل عليه. (كنفه): يقال: أنا في كنف فلان، أي: في ظله وجانبه. 1251 - الترمذي (5/ 320) 48 - كتاب التفسير القرآن، 32 - باب ومن سورة الأنبياء عليهم السلام. وقال: حديث غريب. وهو حديث حسن.

كان فضلًا لك، وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم، اقتص لهم منك الفضل" فتنحى الرجل وجعل يهتف ويبكي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما تقرأ قول الله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} (1) " فقال الرجل: يا رسول الله ما أجد لي ولهؤلاء ولهؤلاء شيئًا خيرًا من مفارقتهم، أشهدك أنهم كلهم أحرار. 1252 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا: "أتدرون ما المفلس؟ " قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال: "إن المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطي هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عيله، ثم يطرح في النار". 1253 - * روى الترمذي عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة، حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه؟ وعن علمه ما عمل به؟ وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيما أبلاه؟ ". 1254 - * روى الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه، حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه؟ وعن شبابه فيا أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه؟ وماذا عمل فيما علم؟ ".

_ (1) الأنبياء: 47. 1252 - مسلم (4/ 1997) 45 - كتاب البر والصلة والآداب، 15 - باب تحريم الظلم. والترمذي (4/ 613) 38 - كتاب صفة القيامة، 2 - باب ما جاء في شأن الحساب والقصاص. 1253 - والترمذي (4/ 613) 38 - كتاب صفة القيامة، 1 - باب في القيامة. وقال: حديث حسن صحيح، وهو كما قال. 1254 - والترمذي (4/ 613) 38 - كتاب صفة القيامة، 1 - باب في القيامة وقال: حديث غريب. وهو حديث حسن، يشهد له الذي قبله.

1255 - * روى أحمد عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أول خصمين يوم القيامة جاران". 1256 - * روى الطبراني عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تجتمعون يوم القيامة فيقال أين فقراء هذه الأمة ومساكينها؟ فيقومون، فيقول: ماذا عملتم؟ فيقولون ربنا ابتليتنا فصبرنا ووليت الامور والسلطان غيرنا فيقول الله جل ذكره صدقتم -أو نحو هذا- فيدخلون الجنة قبل الناس بزمان ويبقى شدة الحساب على ذوي الامور والسلطان" قالوا: فأين المؤمنون يومئذ. قال: "يوضع لهم منابر من نور يظلل عليهم الغمام يكون ذلك اليوم أقصر على المؤمنين من ساعة من نهار". 1257 - * روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله، أنؤاخذ بما عملناه في الجاهلية؟ قال: "من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر". قال النووي: أما معنى الحديث فالصحيح فيه ما قاله جماعة من المحققين أن المراد بالإحسان هنا الدخول في الإسلام بالظاهر والباطن جميعًا وأن يكون مسلما حقيقيا فهذا يغفر له ما سلف في الكفر بنص القرآن العزيز والحديث الصحيح الإسلام يهدم ما قبله وبإجماع المسلمين والمراد بالإساءة عدم الدخول في الإسلام بقلبه بل يكون منقادا في الظاهر مظهرا للشهادتين غير معتقد للإسلام بقلبه فهذا منافق باق على كفره بإجماع المسلمين فيؤاخذ بما عمل في الجاهلية قبل إظهار صورة الإسلام وبما عمل بعد إظهارها لأنه مستمر على كفره وهذا معروف في استعمال الشرع يقولون حسن إسلام فلان إذا دخل فيه حقيقة بإخلاص وساء إسلامه أو لم يحسن إسلامه إذا لم يكن كذلك والله أعلم اهـ. (شرح النووي على مسلم).

_ 1255 - أحمد (4/ 151). مجمع الزوائد (10/ 349). وقال: رواه أحمد بإسناد حسن. 1256 - مجمع الزوائد (10/ 377). وقال رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير أبي كثير الزبيدي وهو ثقة. 1257 - البخاري (12/ 265) 88 - كتاب استتابة المرتدين، 1 - باب إثم من أشرك بالله وعقوبته في الدنيا والأخرة. مسلم (1/ 111) 1 - كتاب الإيمان، 53 - باب هل يؤاخذ بأعمال الجاهلية؟

1258 - * روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء". وللنسائي (1): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أول ما يحاسب عليه العبد: الصلاة، وأول ما يقضى بين الناس: في الدماء". 1259 - * روى الطبراني عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الرب عز وجل: يؤتى بحسنات العبد وسيئاته يوم القيامة فيقيض بعضها ببعض فإن بقيت حسنة واحدة أدخله الله الجنة". قال: قلت: فإن لم يبق؟ قال: " {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ} ": قال قلت: أرأيت قوله: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}. قال: "هو العبد يعمل السر أسره الله له يوم القيامة فيرى قرة أعين". 1260 - * روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضحك، فقال: "هل تدرون مم أضحك؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: "من مخاطبة العبد ربه، فيقول: يا رب ألم تجرني من الظلم؟ " قال "يقول بلى، فيقول: فإني لا أجيز اليوم على نفسي شاهدا إلا مني، فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا، والكرام الكاتبين شهودا" قال "فيختم على فيه، ويقال لأركانه: انطقي، فتنطق بأعماله، ثم يخلى بينه وبين الكلام، فيقول: بعدًا

_ 1258 - البخاري (12/ 187) 87 - كتاب الديات، 1 - باب قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ}. مسلم (3/ 1304) 28 - كتاب القسامة، 8 - باب المجازاة بالدماء في الآخرة. والترمذي (4/ 17) 14 - كتاب الديات، 8 - باب الحكم في الدماء. والنسائي (7/ 83) 37 - كتاب تحريم الدم، 2 - باب تعظيم الدم. (1) النسائي (7/ 83) الموضع السابق. 12459 - مجمع الزوائد (10/ 217). وقال: رواه الطبراني وإسناده جيد. (يقيض): قايضه مقايضة بادله بمتاع. 1260 - مسلم (4/ 2280) 53 - كتاب الزهد والرقائق، الحديث السابع عشر. (لا أجيز اليوم): أي: لا أمضى ولا أقبل على شاهدًا. =

لَكُن وسحقاً، فعنكن كنت أناضل". 1261 - * روى أحمد عن عبد الله بن أنيس أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يحشر الله العباد يوم القيامة" أو قال: "الناس عراة غرلا بهما" قال قلنا: وما بهما؟ قال: "ليس معهم شيء ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الديان أنا الملك، لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى أقصه منه ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده حق حتى أقصه منه حتى اللطمة" قال: قلنا كيف: وإنما نأتي عراة بهما قال: "الحسنات والسيئات". 1262 - * روى أحمد عن حريث بن قبيصة قال: قدمت المدينة، فقلت: اللهم يسر لي جليسا صالحا، قال: فجلست إلى أبي هريرة رضي الله عنه، فقلت: إني سألت الله أن يرزقني جليسا صالحا، فحدثني بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعل الله أن ينفعني به، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله: صلاته، فغن صلحت، فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت، فقد خاب وخسر، فغن انتقص من فريضته شيءيا، قال الرب تبارك وتعالى: انظروا، هل لعبدي من تطوع؟ فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك".

_ = (المناضلة): النضال في السهام: أن ترمي أنت ورام آخر، يطلب كل منكما غلبة صاحبه. والمراد به ها هنا: المجادلة والمخاصمة. 1261 - أحمد (3/ 495). مجمع الزوائد (10/ 351). وقال: هو عند أحمد والطبراني في الاوسط بإسناد حسن. (أقصه): أقتص له. 1262 - أحمد (4/ 103) وهو حديث صحيح بشواهد. والترمذي (2/ 269) أبواب الصلاة، 305 - باب ما جاء أن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة. وقال: حسن غريب. والنسائي (1/ 464) 5 - كتاب الصلاة، 9 - باب المحاسبة على الصلاة. واسم الراوي حريث بن قبيصة ويقال: قبيصة بن حريث، والثاني أشهر.

وفي أخرى (1) عن أبي هريرة بمعناه أخصر منه. 1263 - * روى أبو داود عن تميم الداري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى قال: "ثم الزكاة مثل ذلك، ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك". 1264 - * روى الطبراني عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو غفر لكم ما تأتون إلى البهائم لغفر لكم كثير". 1265 - * روى أحمد عن عقبة بن عامر انه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أول عظم من الإنسان يتكلم يوم يختم على الأفواه فخذه من الرجل الشمال". 1266 - * روى أحمد عن معاوية بن حيدة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "مالي آخذ بحجزكم عن النار ألا إن ربي عز وجل داعي وإنه سائلي هل بلغت عبادي، وإني قائل رب إني قد بلغتهم فليبلغ الشاهد منكم الغائب ثم إنكم مدعوون مقدمة أفواهكم بالفدام، إن أول ما يبين عن أحدكم لفخذه وكفه" قلت يا نبي الله: هذا ديننا قال: "هذا دينكم وأينما تحسن يكفك". 1267 - * روى أحمد عن أبي عسيب قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فمر بي فدعاني فخرجت إليه، ثم مر بأبي بكر رحمه الله فدعاه فخرج إليه، ثم مر بعمر فدعاه فخرج إليه

_ (1) النسائي (1/ 233) 5 - كتاب الصلاة، 9 - باب المحاسبة على الصلاة 1263 - أبو داود (1/ 229) كتاب الصلاة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كل صلاة لا يتمها صاحبها تتم من تطوعه". 1264 - مجمع الزوائد (10/ 217). وقال: رواه الطبراني وإسناده جيد. 1265 - أحمد (4/ 151). والمعجم الكبير (17/ 333). مجمع الزوائد (10/ 351). وقال: رواه أحمد في حديث طويل ورجاله ثقات. 1266 - أحمد (5/ 4، 5) بلفظ: "مالي أمسك بحجزكم ... " (الفدام 9: ما يشهد على فم الإبرايق أو الكوز من خرقة لتصفية الشراب، أي أنهم يمنعون الكلام بأفواههم حتى تتكلم جوارحهم. مجمع الزوائد (10/ 351). وقال: رواه أحمد في حديث طويل ورجاله ثقات. 1267 - أحمد (5/ 81). مجمع الزوائد (10/ 267) وقال: رواه أحمد ورجاله ثقات. =

فانطلق حتى دخل حائطا لبعض الأنصار، فقال لصاحب الحائط "أطعمنا" فجاء بعذق فوضعه فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثم دعا بماء بارد فشرب فقال: "لتسألن عن هذا يوم القيامة" قال: فأخذ عمر العذق فضرب به الأرض حتى تناثر البسر قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال يا رسول الله إنا لمسئولون عن هذا يوم القيامة؟ قال: "نعم إلا من ثلاث: خرقة كف بها عورته أو كسرة سد بها جوعته أو جحر يتدخل فيه من الحر والقر". 1268 - * روى أبو يعلي عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي وكان بيده سواك فدعا وصيفة له -أولها- حتى استبان الغضب في وجهه فخرجت أم سلمة إلى الحجرات فوجدت الوصيفة وهي تلعب ببهمة فقالت ألا أراك تعلبين بهذه البهمة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك فقالت لا والذي بعثك بالحق ما سمعتك: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لولا خشية القود لأوجعتك بهذا السواك"، وفي رواية: "لولا القصاص لضربتك بهذا السواك"، وفي رواية: "لولا مخافة القصاص لأوجعتك بهذا السواك". 1269 - * روى البزار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه: "من ضرب سوطا ظلما اقتص منه يوم القيامة". 1270 - * روى البخاري ومسلم عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: قال رسول الله

_ = (الحائط): البستان. (العذق): العرجون بما فيه من الثمر. (البسر): التمر قبل ـن يكون رطبًا. 1268 - مجمع الزوائد (10/ 353). وقال: روى هذا كله أبو يعلي والطبراني بنحوه، وقال: دعا وصيفة له ولم يشك، وقال: لولا مخافة القود يوم القيامة، وإسناده جيد عند أبي يعلي والطبراني. (بهمة): هي ولد الضأن ذكرا كان أو أنثى. 1269 - كشف الأستار (4/ 164). مجمع الزوائد (10/ 353). وقال: رواه البزار والطبراني في الأوسط، وإسنادهما حسن. 1270 - البخاري (11/ 400) 81 - كتاب الرقاق، 49 - باب من نوقش الحساب عذب. مسلم (2/ 703) 12 - كتاب الزكاة، 20 - باب الحث على الصدقة، ولو بشق تمرة .. إلخ. والترمذي (4/ 611) 38 - كتاب صفة القيامة، 1 - باب في القيامة. وقال: حديث حسن صحيح. وابن ماجه (1/ 66) المقدمة، 13 - باب فيما أنكرت الجهمية. =

صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه، فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه، فلا يرى إلا ما قدم وينظر بين يديه، فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة". زاد في رواية (1): "فمن لم يجد فبكلمة طيبة". 1271 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فينشر له تسعو وتسعين سجلا، كل سجل مثل مد البصر، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئًا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا، يا رب، فيقول: أفلك عذر؟ فيقول: لا، يا رب، فيقول الله تعالى: بلى إن لك عندنا حسنة، فإنه لا ظلم اليوم، فتخرج بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، فيقول: احضر وزنك، فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول: فإنك لا تظلم، فتوضع السجلات في كفة، والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات، وثقلت البطاقة، ولا يثقل مع اسم الله شيء". * * *

_ = (ترجمان) الترجمان: ناقل الكلام من لغة إلى لغة. (أيمن منه وأشام منه): يعني عن يمينه وشماله، واليد اليسرى تسمى: الشؤمى. (1) البخاري الموضع السابق، ومسلم: الموضع السابق 1271 - الترمذي (5/ 24) 41 - كتاب الإيمان، 17 - باب ما جاء فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله. وقال: حسن غريب. وابن ماجة (2/ 1437) 37 - كتاب الزهد، 35 - باب ما يرجى من رحمة الله يوم القيامة. (سجل): السجل: الكتاب الكبير. (بطاقة): البطاقة: رقيعة صغيرة، وهي ما تجعل في طي الثوب يكتب فيها ثمنه. (طاشت): خفت.

الفقرة الثامنة في: الصراط عرض إجمالي

الفقرة الثامنة في: الصراط عرض إجمالي - بعد الحساب والميزان تقرر النتيجة ويكون الحشر إلى أرض أخرى قبل جهنم، وهناك تبدل أرضنا هذه أرضا أخرى وتبدل السموات {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} (1)، فهذا تبدل آخر للأرض كائن، والناس في الظلمة دون الصراط. - والنار مظلمة، الصراط مظلم، وهذه الأرض مظلمة، وإنما ينير لكل إنسان نوره الذي اكتسبه بالإيمان والعمل الصالح. - ويفزع أهل الإيمان إلى الأنبياء ليؤذن للناس بالمرور على الصراط فيعتذرون إلا محمدا صلى الله عليه وسلم فيشفع ويشفع ويكون هو وأمته أول من يجوز على الصراط وهذا الجواز هو الذى فسر فيه بعضهم قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} (2). - ويمر الناس على الصراط بسرعات مختلفة وأنوار مختلفة، والمنافقون لا نور لهم قال تعالى: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ

_ (1) إبراهيم: 48. (2) مريم: 71 - 72.

اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (1)، {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (2). - ولهول المرور على الصراط يقول الانبياء وتقول الملائكة: اللهم سلم سلم. - وعلى ضوء نتيجة الحساب والميزان تدقق الملائكة بأحوال المارين، وقد ورد في حديث صحيح أنه يحبس المؤمنون في قنطرة بين الجنة والنار ليقتص من بعضهم لبعض، وقد فهم بعضهم أن على الصراط قناطر يدقق في كل قنطرة على نوع من الأعمال. - ثم الناس بعد تجاوز قناطر الصراط على نوعين: نوع تساوت حسناتهم وسيئاتهم فهؤلاء أهل الأعراف، وهو سور بين النار والجنة ونوع يكون من أهل الجنان ومن هناك تبدأ مناشدة أهل الجنة ربهم بإخوانهم المؤمنين الذين أدخلوا النار، ولرسولنا صلى الله عليه وسلم في هذا المقام شفاعات: منها الشفاعة بدخول الجنة، فيكون هو وأمته أول الداخلين، ومنها شفاعته لبعض أهل الإيمان من أهل النار. وللأنبياء في ذلك المقام شفاعات بأفراد من أممهم، وللأطفال شفاعات بآبائهم وأمهاتهم، وللعلماء شفاعات بأصحابهم، وللمؤمنين شفاعات بإخوانهم. - وقد ورد في وصف الصراط نصوص يحتمل بعضها المجاز، ولكن الأصل هو الحمل على الظاهر والتسليم حتى يقع: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} (3). - ومما يخفف على المؤمن هول المرور على الصراط ملازمته المساجد، والإحسان في الصدقة، وإقالة المسلم بمصيبته وعثرته، وتيسير الإنسان ما عسر على غيره، وإعانة العباد في حاجاتهم والمشي في قضاء مهماتهم وحماية المؤمن من المنافقين.

_ (1) الحديد: 12 - 15. (2) التحريم: 8. (3) الأعراف: 53.

- وبعد أن ينقى أهل الإيمان ولم يبق إلا دخول الجنة يعطيهم الله خلقهم الذى قدره لهم في الجنة كطول آدم وعرضه ويعطيهم شبابا وحسنا ونضارة. - وإذا كان أهل الإيمان يمرون على الصراط، وبعض العصاة منهم يتساقطون في النار، فإن أهل النفاق لا يعبرون على الصراط أصلا على قول للعلماء، وبعض العلماء يقول: إن السور الذي يضرب بينهم وبين أهل الإيمان يكون في آخر أو في مكان ما منه، وعلى هذا القول فإن أهل النفاق يمرون على الصراط أو على بعضه، ولكنهم لا نور لهم فيسقطون في جهنم وعلى القول بأن السور يضرب بينهم وبين أهل الإيمان قبل الصراط فإن حالهم حال الكافرين الذين يذهب بهم إلى النار، وقد رأينا بعض النصوص التي تفصل فيما يجرى لأهل النار وعليهم، والظاهر أنه بعد الحساب والميزان يخرج ادم بعث النار، ويخرج عنق من النار فيأخذ أصنافا من الناس إلى النار، وكما أنه لا يوجد شيء في هذا الكون إلا على غاية النظام والترتيب والانضباط فكذلك الحال في اليوم الاخر كل شيء بترتيب ونظام وانضباط. - والنصوص الواردة في الصراط كثيرة تمر بمناسبات متعددة وهذه بعض الروايات في ذلك:

النصوص

النصوص 1272 - * روى أحمد عن أبى سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوضع الصراط بين ظهراني جهنم. على حسك كحسك السعدان. ثم يستجيز الناس. فناج مسلم ومخدوج به. ثم ناج ومحتبس به. ومنكوس فيها". 1273 - * روى أحمد عن أبى بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يحمل الناس على الصراط يوم القيامة فتتقادع بهم جنبتا الصراط تقادع الفراش في النار، فينجى الله تعالى برحمته من يشاء" قال: "ثم يؤذن للملائكة والنبيين والشهداء أن يشفعوا فيشفعون ويخرجون فيشفعون ويخرجون" زاد عفان "مرة ويشفعون ويخرجون من كان في قلبه ما يزن ذرة من إيمان". أقول: الملاحظ أن هذا الحديث يذكر أن للصراط جنبتين وهذا يرجح تأويل ما ورد في وصف الصراط بأنه كحد السيف، بأن المرد بذلك صعوبة المرور عليه وأن المرور عليه مخيف وقد ذهب بعضهم إلى أن صراط كل إنسان على حسب حاله.

_ 1272 - أحمد (2/ 11). وابن ماجة (2/ 1430) 37 - كتاب الزهد، 33 - باب ذكر البعث. وهو صحيح. وروى مسلم نحوه (1/ 164) 1 - كتاب الإيمان، 81 - باب معرفة طريقة الرؤية. (حسك): جمع حسكة. نبات تعلق بصوف الغنم. ورقة كورق الرجلة وادق. وعند ورقه شوك ملز صلب ذو ثلاث شعب اهـ قاموس. (السعدان): نبت ذو شول، وهو من جيد مراعي الإبل تسمن عليه. (فناج مسلم إلخ): أي يكونون على أنحاء: فبعضهم مسلمون من آفته. وبعضهم مخدوجون أي ناقصون من خلقتهم. وبعضهم منكوس أي يلقى في النار على رأسه. 1273 - أحمد (5/ 43). والروض الداني (2/ 142) وكشف الأستار (4/ 171). مجمع الزوائد (10/ 359). وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، ورواه الطبراني في الصغير والكبير بنحوه، ورواه البزار أيضًا ورجاله رجال الصحيح. (تتقادع): أي تسقطهم فيها بعضهم فوق بعض.

1274 - * روى الترمذي عن مجاهد بن جبر قال: قال ابن عباس: أتدرون ما سعة جهنم؟ قلت: لا، قال: اجل والله ما تدري، حدثتني عائشة: أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] قالت: قلت: فأين الناس يومئذ يا رسول الله؟ قال: "على جسر جهنم". أقول: وراد في حديث آخر: "في الظلمة دون الجسر" والجمع بينهما أن يكون بعضهم قد بدأ الجواز على الصراط وبعضهم ينتظر. 1275 - * روى الترمذي عن المغيرة بن شعبه رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "شعار المؤمنين على الصراط يوم القيامة: يا رب سلم سلم". 1276 - * روى البخاري عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يخلص المؤمنون من النار، فيحبسون على قنطره بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هذبوا ونقوا، أذن لهم في دخول الجنة، فو الذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا". 1277 - * روى الطبراني في الأوسط عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يجئ الظالم يوم القيامة حتى إذا كان على جسر جهنم بين الظلمة والوعرة لقيه المظلوم فعرفه وعرف ما ظلمه به فما يبرح الذين ظلموا يقصون من الذين ظلموا حتى ينزعوا ما في أيديهم من الحسنات فإن لم تكن لهم حسنات رد عليهم من سيئاتهم حتى يورد الدرك الأسفل من النار".

_ 1274 - الترمذي (5/ 372) 48 - كتاب تفسير القرآن، 41 - باب ومن سورة الزمر. وقال: حديث حسن صحيح غريب. 1275 - الترمذي (4/ 621) 28 - كتاب صفة القيامة، 9 - باب ما جاء في شأن الصور. وقال: هذا حديث غريب. وهو حديث حسن بشواهده. 1276 - البخاري (11/ 395) 81 - كتاب الرقاق، 48 - باب القصاص يوم القيامة. 1277 - ومجمع الزوائد (10/ 354). وقال: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله وثقوا.

فائدة: قال ابن كثير في النهاية بمناسبة الكلام عن الصراط: ثم ينتهي الناس بعد مفارقتهم مكان الموقف، إلى الظلمة التي دون الصراط وهي على جسر جهنم كما تقدم عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أين الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات؟ فقال: "هم في الظلمة دون الجسر". وفي هذا الموضع يفترق المنافقون عن المؤمنين، ويتخلفون عنهم، ويسبقهم المؤمنون، ويحال بينهم وبينهم بسور يمنعهم من الوصول إليهم كما قال تعالى: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (1). وقال تعالى: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (2). وعن عبيد بن عمير، أنه كان يقول: أيها الناس إنه جسر مجسور، اعلاه دحض منزلة، والملائكة على جنبات الجسر يقولون: رب سلم قال: وإن الصراط مثل السيف على جسر جهنم، وإن عليه كلاليب وحسكا، والذي نفسي بيده، إنه ليؤخذ بالكلاب الواحد أكثر من ربيعيه ومضر.

_ (1) الحديد: 13 - 15. (2) التحريم: 8.

وعن سعيد بن أبي هلال قال: بلغنا أن الصراط يوم القيامة وهو على الجسر يكون على بعض الناس أدق من الشعر، وعلى بعض الناس مثل الوادي الواسع. رواه ابن أبي الدنيا. اهـ (النهاية في الفتن). * * *

الفقرة التاسعة في: الشفاعات

الفقرة التاسعة في: الشفاعات - الشفاعة سؤال الخير للغير وهي تكون يوم القيامة من الأنبياء والملائكة والعلماء العاملين والشهداء والصالحين والمؤمنين وأولاد المؤمنين والمؤمنات ممن ماتوا صغيرًا، وتشفع بعض الأعمال فيشفع القرآن ويشفع الصيام. - والشفاعة عند الله لا تكون إلا بإذنه {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} (1) {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} (2). - ومن أعظم شفاعات رسول الله صلى الله عليه وسلم شفاعته لفصل القضاء ثم شفاعته لعبور الصراط ثم شفاعته لدخول الجنة ومن شفاعاته عليه الصلاة والسلام شفاعته في قوم يدخلهم الجنة بغير حساب، ومنها شفاعته في قوم حوسبوا واستحقوا العذاب ألا يعذبوا، ومنها الشفاعة في إخراج عصاة المؤمنين من النار، ومنها شفاعته عليه الصلاة والسلام لأقوام أن ترفع درجاتهم في الجنة. - ومن الأسباب في أن ينال العبد المؤمن شفاعته عليه الصلاة والسلام: الدعاء عقب الأذان، وسؤال الوسيلة والمقام المحمود لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن أسباب الشفاعة الموت في أحد الحرمين، ومن أسبابها كثرة الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. - قال تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} (3) دلت الآية بمفهومها على أن غير الكافرين تنفعهم شفاعة الشافعين من رسل وأنبياء وملائكة وصديقين وشهداء وصالحين وآخرين من أهل الإيمان، وقد مرت معنا نصوص في الشفاعة وستمر معنا نصوص في سياقات أخرى.

_ (1) البقرة: 255. (2) الأنبياء: 28. (3) المدثر: 48.

قال ابن كثير في النهاية ذاكراً أنواع شفاعاته عليه الصلاة والسلام: فالنوع الأول منها: شفاعته الأولى. وهي العظمى، الخاصة به، من بين سائر إخوانه، من المؤمنين والمرسلين، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين وهي التي يرغب إليها فيها الخلق كلهم. حتى الخليل إبراهيم وموسى الكليم. ويتوسل الناس إلى آدم، فمن بعده من المرسلين، فكل يحيد عندها. ويقول: لست بصاحبها. حتى ينتهي الأمر إلى سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة. محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم دائمًا. فيقول: "أنا لها. أنا لها" فيذهب، فيشفع عند الله عز وجل في أن يأتي للفصل بين عباده، ويريحهم من مقامهم ذلك. ويميز بين مؤمنهم وكافرهم، بمجازاه المؤمنين بالجنة. والكافرين بالنار. النوع الثاني والثالث من الشفاعة: شفاعته صلى الله عليه وسلم في أقوام قد تساوت حسناتهم وسيئاتهم ليدخلوا الجنة. وفي أقوام آخرين قد أمر بهم إلى النار، أن لا يدخلوا. النوع الرابع من الشفاعة: شفاعته صلى الله عليه وسلم في رفع درجات من يدخل الجنة فيها، فوق ما كان يقتضيه ثواب أعمالهم. وقد ذكر القاضي عياض وغيره نوعًا أخر من الشفاعة. وهو: الخامس: في أقوام يدخلون الجنة بغير حساب، ولم أر لهذا شاهدًا فيما علمت، ولم يذكر القاضي فيما رأيت مستند ذلك، ثم تذكرت حديث عكاشة بن محصن حين دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يجعله من السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب والحديث مخرج في الصحيحين، كما تقدم، وهو يناسب هذا المقام. وذكر أبو عبد الله القرطبي في التذكرة: نوعا آخر سادسًا من الشفاعة: وهو شفاعته في عمه أبي طالب، أن يخفف عذابه ... واستشهد بحديث أبي سعيد في صحيح مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده أبو طالب فقال: "لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من نار، يبلغ كعبيه، يغلي منه دماغه".

ثم قال: فإن قيل: فقد قال الله تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} (1). قيل له: لا تنفعه في الخروج من النار، كما تنفع عصاة الموحدين. الذين يخرجون منها، ويدخلون الجنة. النوع السابع من الشفاعة: شفاعته صلى الله عليه وسلم لجميع المؤمنين قاطبة، في أن يؤذن لهم في دخول الجنة. النوع الثامن من الشفاعة: شفاعته في أهل الكبائر من أمة محمد ممن دخل النار، فيخرجون منها وقد تواترت بهذا النوع الأحاديث. اهـ (النهاية في الفتن). أقول: والتحقيق أنها عشر شفاعات: فهناك شفاعة فصل الخطاب، وهناك الشفاعة لجواز الصراط وهناك الشفاعة لدخول الجنة، وفي كل من هذه الشفاعات الثلاث يفزع الناس إلى آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، ثم يؤول الأمر إلى أن يشفع محمد صلى الله عليه وسلم ولم يذكر في كلام ابن كثير الشفاعة لجواز الصراط والشفاعة لدخول الجنة مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم يذكر أن الناس يفزعون إليه ثلاث فزعات يوم القيامة، ولغموض هذا المقام فإنه يلتبس على البعض حمل بعض النصوص على محاملها الصحيحة وقد مرت معنا من قبل نصوص كثيرة في الشفاعة وفيما يأتي نذكر بعض النصوص:

_ (1) المدثر: 48.

النصوص

النصوص 1278 - * روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذ -آدم فمن سواه- إلا تحت لوائي، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر" قال: "فيفزع الناس ثلاث فزعات، فيأتون آدم، فيقولون: أنت أبونا آدم، فاشفع لنا إلى ربك، فيقول: إني أذنبت ذنبا فأهبطت به إلى الأرض، ولكن ائتوا نوحًا، فيأتون نوحًا، فيقول: إني دعوت على أهل الأرض دعوة فأهلكوا، ولكن اذهبوا إلى إبراهيم، فيأتون إبراهيم، فيقول: إني كذبت ثلاث كذبات"، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منها كذبة إلا ما حل بها عن دين الله، ولكن ائتوا موسى، فيأتون موسى، فيقول: قد قتلت نفسا، ولكن ائتوا عيسى، فيأتون عيسى، فيقول: إني عبدت من دون الله، ولكن ائتوا محمدًا صلى الله عليه وسلم، فيأتوني، فأنطلق معهم". قال ابن جدعان: قال أنس: فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "فآخذ بحلقة باب الجنة، فأقعقعها، فيقال: من هذا؟ فيقال: محمد، فيفتحون لي ويرحبون، فيقولون: مرحبا، فأخر ساجدًا، فيلهمني الله من الثناء والحمد، فيقال لي: ارفع رأسك، سل تعط، واشفع تشفع، وقل يسمع لقولك، وهو المقام المحمود الذي قال الله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} (1) " قال سفيان: ليس عن أنس إلا هذه الكلمة: "فآخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها". أقول: تحدث عليه الصلاة والسلام عن الفزعات الثلاث ثم اختصر، ففصل في الفزعة الأخيرة وهي الفزعة لدخول الجنة والفزعة الأولى لفصل القضاء والفزعة الثانية لعبور الصراط.

_ 1278 - الترمذي (5/ 308) 48 - كتاب تفسير القرآن 18 - باب ومن سورة بني إسرائيل (الإسراء). وقال: هذا حديث حسن. قال محقق الجامع: وهو كما قال. (فيفزع): فزعت إلى فلان: إذا لجأت إليه، واعتمدت عليه. (ما حل): المماحلة: المخاصمة والمجادلة. (1) الإسراء: 79.

1279 - * روى البخاري ومسلم أبن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل نبي سأل سؤالًا"- أو قال: "لكل نبي دعوة قد دعاها لأمته- وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة". ولمسلم قال (1) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أول الناس يشفع في الجنة، وأنا أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة، وأنا أول من يقرع باب الجنة". 1280 - * روى مسلم عن حذيفة بن اليمان، وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يجمع الله تبارك وتعالى الناس، فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة، فيأتون آدم، فيقولون: يا أبانا، استفتح لنا الجنة فيقول: وهل أخرجكم من الجنة، إلا خطيئة أبيكم؟ لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل الله، قال: "فيقولون إبراهيم: لست بصاحب ذلك، إنما كنت خليلا من وراء وراء، اعمدوا إلى موسى الذي كلمه تكليمًا" قال: "فيأتون موسى، فيقول: ليست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه، فيقول عيسى: لست بصاحب ذلك، فيأتون محمدًا صلى الله عليه وسلم، فيقوم فيؤذن له، وترسل الأمانة والرحم، فتقومان جنبتي الصراط يمينًا وشمالًا، فيمر أولكم كالبرق"، قال: قلت بأبي وأمي: أي شيء كالبرق، قال: "ألم تروا إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين؟ كمر الريح، ثم كمر الطير، وشد الرجال، تجري بهم أ'مالهم، ونبيكم قائم على الصراط، فيقول: رب سلم سلم، حتى تعجز أعمال العباد، حتى يجئ الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفا". أقول: مر معنا أن الناس يفزعون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث فزعات وله كل منها

_ 1279 - البخاري (11/ 96) 80 - كتاب الدعوات، 1 - باب لكل نبي دعوة مستجابة. مسلم (1/ 188) 1 - كتاب الإيمان، 86 - باب اختباء النبي صلى الله عليه وسلم دعوة الشفاعة لأمته. (1) مسلم (1/ 188) 1 - كتاب الإيمان، 85 - باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا أول الناس يشفع ... ". 1280 - مسلم (1/ 186) 1 - كتاب الإيمان، 84 - باب أدنى أهل الجنة منزلة. (تزلفت): أي: تقرب وتدني. (شد): الشد: العدو.

شفاعة ففزعة لفصل الخطاب وفزعة لدخول الجنة وفزعة للإذن بالمرور على الصراط، وهذا الحديث تحدث عن هذه الفزعة. 1281 - * روى البخاري ومسلم عن معبد بن هلال العنزي، قال: انطلقنا إلى أنس بن مالك، وتشفعنا بثابت، فانتهينا إليه وهو يصلي الضحى فاستأذن لنا ثابت، فدخلنا عليه، وأجلس ثابتًا معه على سريره فقال له: يا أبا حمزة، إن أخوانك من أهل البصرة يسألونك أ، تحدثهم حديث الشفاعة، فقال: حدثنا محمد صلى الله عليه وسلم، قال: "إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم إلى بعض، فيأتون آدم، فيقولون: اشفع لذريتك، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بإبراهيم، فإنه خليل الله، فيأتون إبراهيم، فيقول لست لها، ولكن عليكم بموسى، فإنه كليم الله، فيؤتي موسى، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بعيسى، فإنه روح الله وكلمته، فيؤتي عيسى، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بمحمد، فأوتي فأقول: أنا لها، ثم أنطلق فاستأذن على ربي، فيؤذن لي، فأقوم بين يديه، فأحمده بمحامد لا أقدر عليها إلا أن يلهمنيها، ثم آخر لربنا ساجدًا، فيقول: يا محمد، ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: يارب أمتي أمتي، فيقول: انطلق، فمن كان في قلبه مثقال حبة من برة أو شعيرة من إيمان فأخرجه منها، فأنطلق فأفعل، ثم أرجع إلى ربي فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجدًا، فيقال لي: يا محمد، ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: يارب أمتي أمتي، فيقال لي: انطلق، فمن كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجه منها، فأنطلق فأفعل، ثم أعود إلى ربي أحمد بتلك المحامد، ثم أخر له ساجدًا، فيقال لي: يا محمد، ارفع رأسك وقل يسمع لك، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: يارب، أمتي أمتي، فيقال لي: انطلق، فمن كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة من خردل من إيمان

_ 1281 - البخاري (12/ 473) 79 - كتاب التوحيد، 36 - باب كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم. مسلم (1/ 182) 1 - كتاب الإيمان، 84 - باب أدنى أهل الجنة منزلة. (يلهمنيها): الإلهام: ضرب من الوحي الذي يلقيه الله في قلوب عباده الصالحين.

فأخرجه من النار، فأنطلق فأفعل" هذا حديث أنس الذي أنبأنا به، فخرجنا من عنده، فلما كنا يظهر الجبان، قلنا: لو ملنا إلى الحسن فسلمنا عليه وهو مستخف في دار أبي خليفة؟ قال: فدخلنا عليه، فسلمنا عليه، قلنا: يا أبا سعيد، جئنا من عند أخيك أبي حمزة، فلم نسمع بمثل حديث حدثناه في الشفاعة، قال: هيه، فحدثناه الحديث، فقال: هيه، قلنا: ما زادنا؟ قال: قد حدثنا به منذ عشرين سنة، وهو يومئذ جميع، ولقد ترك شيئا ما أدري: أنسى الشيخ، أم كره أن يحدثكم فتتكلوا؟ قلنا له: حدثنا، فضحك وقال: خلق الإنسان من عجل، ما ذكرت لكم هذا إلا وأنا أريد أن أحدثكموه، قال: "ثم أرجع إلى ربي في الرابعة، فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجدًا، فيقال لي: يا محمدًا، ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعطه واشفع تشفع، فأقول: يارب، ائذن لي فيمن قال: لا إله إلا الله، قال: فليس ذلك إليك، ولكن وعزتي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال: لا إله إلا الله" قال: فأشهد على الحسن أنه حدثنا به أنه سمع أنس بن مالك- أراه قال: قبل عشرين سنة- وهو يومئذ جميع. 1282 - * روى البخاري تعليقا: عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يحبس المؤمنون يوم القيامة ... " وذكر نحوه، وفي آخره: "ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن". أي وجب عليه الخلود، ثم تلا هذه الآية {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} (1) قال: وهذا المقام المحمود الذي وعده نبيكم صلى الله عليه وسلم. زاد في رواية (2): فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، ثم يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن برة، ثم يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة". أقول: هذا الحديث يتحدث عن الفزعة الثالثة (الفزعة التي لدخول الجنة) إلا أنه

_ = (الجبان): والجبانة: المقابر. 1282 - البخاري (12/ 422) 97 - كتاب التوحيد، 24 - باب قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ....}. (1) الإسراء: 79. (2) البخاري (12/ 292) 97 - كتاب التوحيد، 19 - باب قول الله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}.

يطوى الكلام عنها لحصولها كما ذكرنا من قبل، ويتحدث عن شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل الإيمان ممن دخلوا النار. 1283 - * روى الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشفع لي يوم القيامة، فقال: "أنا فاعل إن شاء الله" قلت: فأين أطلبك؟ قال: " أول ما تطلبني على الصراط" قلت: فإن لم ألقك على الصراط؟ قال: "فاطلبني عند الميزان" قلت: فإن لم ألقك عند الميزان؟ قال: "فاطلبني عند الحوض، فإني لا أخطئ هذه الثلاثة مواطن". 1284 - * روى الترمذي عن عوف بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتاني آت من عند ربي، فخيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة، وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة، فهي نائلة من مات لا يشرك بالله شيئًا". 1285 - * روى الطبراني في الأوسط عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يفتقد أهل الجنة ناسًا كانوا يعرفونهم في الدنيا فيأتون الأنبياء فيذكرونهم فيشفعون فيهم فيشفعون يقال لهم الطلقاء وكلهم طلقاء يصب عليهم ماء الحياة". 1286 - * روى الطبراني الأوسط والصغير عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يدخل من أهل هذه القبلة النار من لا يحصي عددهم إلا الله ما عصوا الله واجترؤوا على معصيته وخالفوا طاعته فيؤذن لي في الشفاعة فأثني على الله ساجدًا كما أثنى عليه قائما فيقال لي: ارفع رأسك وسل تعطه واشفع تشفع".

_ 1283 - الترمذي (4/ 621) 38 - صفة القيامة، 9 - باب ما جاء في شأن الصراط. وقال: هذا حديث حسن غريب. 1284 - الترمذي (4/ 627) 38 - صفة القيامة، 13 - باب [منه]. وسنده حسن. وابن ماجه بنحوه (281441) 37 - كتاب الزهد، 37 - باب ذكر الشفاعة. وهو عنده عن أبي موسى الأشعري. وفي الزوائد صحيح ورجاله ثقات. 1285 - مجمع الزوائد (10/ 279). وقال: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن. 1286 - الروض الدائي (1/ 80). مجمع الزوائد (10/ 376): وقال: رواه الطبراني في الأوسط والصغير وإسناده حسن.

1287 - * روى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما أهل النار الذين هم أهلها، فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم- أو قال: بخطاياهم- فأمانتهم إماتة، حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة، فجئ بهم ضائر ضائر، فبثوا على أنهار الجنة، ثم قيل: يا أهل الجنة، أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحبة في حميل السيل" فقال رجل من القوم: كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان بالبادية. 1288 - * روى البخاري عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يخرج قوم من النار بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، فيدخلون الجنة يسمون الجهنميين". 1289 - * روى البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يخرج من النار قوم بالشفاعة، كأنهم الثعارير"، قلنا: ما الثعارير؟ قال: "الطغابيس". وفي رواية (1): "إن الله يخرج ناساً من النار فيدخلهم الجنة". وفي أخرى (2): "إن الله يخرج قوماً من النار بالشفاعة". 1290 - * روى ابن ماجه عن أبي موسى الأشعري؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خيرت بين الشفاعة وبين أن يدخل نصف أمتي الجنة. فاخترت الشفاعة.

_ 1287 - مسلم (1/ 172) 1 - كتاب الإيمان، 82 - باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار. (ضبائر ضبائر): الضبائر: جماعات الناس، تقول: رأيتهم ضبائر: أي جماعات في تفرقة، جمع ضبارة. 1288 - البخاري (11/ 416) 81 - كتاب الرقاق، 51 - باب صفة الجنة والنار. وأبو داود (4/ 226) كتاب السنة، باب في الشفاعة. والترمذي (4/ 715) كتاب صفة جهنم، 10 - باب [منه]. 1289 - البخاري (11/ 416) 81 - كتاب الرقاق، 51 - باب صفة الجنة والنار. مسلم (1/ 178) 1 - كتاب الإيمان، 84 - باب أدنى أهل الجنة منزلًا. (الثعارير): صغار القثاء، وهي الضغاييس أيضًا. (1) مسلم: الوضع السابق. (2) مسلم: الوضع السابق. 1290 - ابن ماجه (2/ 1441) 27 - كتاب الزهد، 27 - باب ذكر الشفاعة. وفي الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات.

لأنها أعم وأكفى. أترونها للمتقين؟ لا. ولكنها للمذنبين، الخطائين المتلوثين". 1291 - * روى الطبراني عن أبي إمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أمتي لن تنالهما شفاعتي: إمام ظلوم غشوم، وكل غال مارق". 1292 - * روى أحمد عن أبي موسى قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فعرس بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانتهيت في بعض الليل إلى مناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجده فخرجت أطلبه بارزاً، فإذا رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب ما أطلب. قال فبينا نحن كذلك، إذ أتجه إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فقلنا يا رسول الله: أنت بأرض حرب ولا نأمن عليك، فلولا إذ بدت لك حاجة قلت لبعض أصحابك فقام معك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني سمعت هزيزا كهزيز الرحا، وحنينا كحنين النحل، وأتاني آت من ربي فخيرني بين أن يدخل ثلث أمتي الجنة وبين الشفاعة، فاخترت لهم شفاعتي وعلمت أنها أوسع لهم" قال: فقلنا: يا رسول الله ادع الله أن يجعلنا من أهل شفاعتك فدعا لهما ثم إنهما انتهينا إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبراهم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فجعلوا يأتونه ويقولون: يا رسول الله ادع الله أن يجعلنا من أهل شفاعتك فيدعو لهم. فلما أضب عليه القوم وكثروا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنها لمن مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله". وفي رواية عند الطبراني (1): فسرنا حتى إذا كنا بقريب من الصبح نزل فاجتمعنا حوله وكذلك كنا نفعل فعقل ناقته ثم جعل خده على عقالها ثم نام وتفرقنا فرفعت رأسي فإذا أنا لا أراه في مكانه فذعرني ذلك، فقمت فإذا أنا أسمع مثل هزيز الرحاء من قبل الوادي، إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم مستبشرًا قال: قلت يا رسول الله أين كنت؟ قال: "كأنه راعك

_ 1291 - المعجم الكبير (8/ 337). مجمع الزوائد (5/ 235) وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط، ورجال الكبير ثفات. 1292 - أحمد (4/ 415). (1) مجمع الزوائد (10/ 368) وقال: رواه أحمد والطبراني، وأحد أسانيد الطبراني رجاله ثقات، وقد رواه في الصغير بنحوه.

حين لم ترني في مكاني؟ "قلت: أي والله، قد راعني. قال "أتاني جبريل عليه السلام آنفا فخيرني بين الشفاعة وبين أن يغفر لنصف أمتي فاخترت الشفاعة" فنهض القوم إليه فقالوا: يا رسول الله اشفع لنا قال: "شفاعتي لكم" فلما أكثروا عليه قال: "من لقي الله يشهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة". 1293 - * روى البزار عن عبد الرحمن بن أبي عقيل قال: انطلقت في وفد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيناه فأنخنا بالباب وما في الناس أبغض إلينا من رجل نلج عليه، فما خرجنا حتى ما كان في الناس أحب إلينا من رجل دخلنا عليه فقال قائل منا: يا رسول الله إلا سألت ربك ملكًا كملك سليمان قال: فضحك ثم قال: "فلعل لصاحبكم عند الله أفضل من ملك سليمان، إن الله لم يبعث نبيا إلا أعطاه دعوة، منهم من اتخذ بها دنياه فأعطيها، ومنهم من دعا بها على قومه إذ عصوه فأهلكوا بها وإن الله أعطاني دعوة فاختبأتها عند ربي شفاعة لأمتي يوم القيامة". 1294 - * روى البزار عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي: جعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً وأحلت لي الغنائم ولم تحل لنبي كان قبلي، ونصرت بالرعب مسيرة شهر على عدوي، وبعثت إلى كل أحمر وأسود، وأعطيت الشفاعة وهي نائلة من أمتي من لا يشرك بالله شيئًا. 1295 - * روى الطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن ناسًا من أمتي يعذبون بذنوبهم فيكونون في النار ما شاء الله أن يكونوا، ثم يعيرهم أهل الشرك فيقولون: ما نرى ما كنتم فيه من تصديقكم وإيمانكم نفعكم فلا يبقى موحد إلا أخرجه الله" ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} (1).

_ 1293 - كشف الأستار (4/ 165). مجمع الزوائد (10/ 270) وقال: رواه الطبراني والبزار، ورجالهما ثقات. 1294 - كشف الأستار (4/ 166). مجمع الزوائد (8/ 259) وقال: رواه البزار بإسنادين حسنين. 1295 - مجمع الزوائد (10/ 279) وقال: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح غير بسام الصيرفي وهو ثقة. (1) الحجر: 2.

1296 - * روى الطبراني عن مصعب الأسلمي قال: انطلق غلام منا فآتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني سائلك سؤالا، قال: "وما هو؟ " قال: أسألك أن تجعلني ممن تشفع له يوم القيامة. قال: "من أمرك هذا- أو- من علمك هذا- أو- من دلك على هذا؟ " قال: ما أمرني به أحد إلا نفسي: قال: "فإنك ممن أشفع له يوم القيامة". 1297 - * روى أحمد عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إنه يقال للوالدان يوم القيامة: ادخلوا الجنة فيقولون: يارب حتى يدخل آباؤنا وأمهاتنا" قال: "فيأبون". قال: "فيقولون الله عز وجل: ما لي أراهم محبنطئين ادخلوا الجنة" قال: "فيقولون: يارب آباؤنا فيقول: ادخلوا الجنة أنتم وآباؤكم". 1298 - * روى الترمذي عن عبد الله بن شقيق رحمه الله كنت مع رهط بإيلياء، فقال عبد الله بن أبي الجدعاء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي: أكثر من بني تميم"، قلنا: سواك يا رسول الله؟ قال: "نعم سواي". 1299 - * روى أحمد عن أبي برزة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن من أمتي لمن يشفع لأكثر من ربيعة ومضر وإن من أمتي لمن يعظم للنار حتى يكون ركنا من أركانها". 1300 - * روى أحمد عن أبي إمامة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليدخلن * * *

_ 1296 - المعجم الكبير (20/ 365). مجمع الزوائد (10/ 369). وقال: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح. 1297 - أحمد (4/ 105). مجمع الزوائد (3/ 11). وقال: رواه أحمد، ورجاله ثقات. (محببئطين): قال ابن الأثير: المحبنطي هو الممتع امتناع طلبة لا امتناع إباء. 1298 - الترمذي (4/ 626) 38 - كتاب صفة القيامة، 12 - باب [منه]. وقال: حديث حسن صحيح غريب. وهو كما قال. 1299 - أحمد (4/ 212). مجمع الزوائد (10/ 381)، وقال: رواه أحمد، ورجاله ثقات. 1300 - أحمد (5/ 257). مجمع الزوائد (10/ 281) وقال: رواه أحمد الطبراني بأسانيد، ورجال أ؛ مد وأحد أسانيد الطبراني ورجالهم رجال الصحيح، غير عبد الرحمن بن ميسرة: وهو ثقة.

الجنة بشفاعة رجل ليس بنبي مثل الحيين ربيعة ومضر" فقال رجل: يا رسول الله أو ما ربيعة من مضر قال: "إنما أقول ما أقول". 1301 - * روى البزار عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل ليشفع للرجلين والثلاثة". 1302 - * روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أمتي من يشفع في الفئام من الناس، ومنهم من يشفع للقبيلة، ومنهم من يشفع للعصبة، ومنهم يشفع للواحد، حتى يدخلوا الجنة". وزاد رزين: "وإنما شفاعتي في أهل الكبائر، وإنه ليؤمر برجل إلى النار، فيمر برجل كان قد سقاه شربة ماء على ظمأ، فيقول: إلا تشفع لي؟ فيقول: ومن أ، ت؟ فيقول: ألست أنا سقيتك الماء يوم كذا وكذا؟ فيعرفه؟ فيشفع فيه، فيرد من النار إلى الجنة". * * *

_ 1301 - كشف الأستار (4/ 173). مجمع الزوائد (10/ 382) وقال: رواه البزار، ورجاله رجال صحيح. 1302 - الترمذي (4/ 327) 28 - كتاب صفة القيامة، 12 - باب [منه] وقال: هذا حديث حسن. (الفئام): الجماعة من الناس.

الفقرة العاشرة في: الجنة والنار

الفقرة العاشرة في: الجنة والنار: 1 - المقدمة إن نهايتكم أيها الإنس والجن إما إلى جنة وإما إلى نار فهل أنتم متذكرون أو غافلون؟ - من أجل أن نتذكر هذه النهاية بعث الرسل عليهم الصلاة والسلام وأنزلت الكتب وكانت المعجزات وظهرت الكرامات لتقوم الحجة على الخلق. - وها إن القرآن بين يديك وهو معجزة فيها معجزات يحدثك عما سيكون بين يديك، وها إن محمدًا صلى الله عليه وسلم- من كان القرآن معجزته وأكرمه الله بمعجزات أخرى، ومن بشر به من قبله من الرسل، ومن كانت صفاته وثمراته تدل عليه- أنذرك وبشرك. - وها أنت ترى بقايا الوحي الإلهي في كثير من الأديان مع كثرة التغيير والتبديل تحدثك عما أعده الله لأهل طاعته وأوعد به أهل معصيته. وكما أن الأصل في الأمور الغيبية أن نتلقاها عن المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم فإذا ثبتت عنه كان من واجبنا التسليم فإن أمر الآخرة كله كذلك وأمر الجنة والنار من ذلك. وهناك قضايا من أمر الإيمان يكفي فيها الإيمان الإجمالي وهناك قضايا لابد فيها من الإيمان التفصيلي، وفي كل الأحوال فالإيمان التفصيلي الذي هو أثر عن معرفة النصوص كلها وفهمها حق الفهم على ضوء تحقيقات العلماء الراسخين في العلم من أهل السنة والجماعة هو الأرقى. وإذا مر معك وأنت تقرأ النصوص ما لم تعتد أن تشاهده في الدنيا من أمر الآخرة ففر إلى الإيمان وفر إلى تصديق الله، وفر إلى تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا أصدق من الله ورسوله (وصدق الله ورسوله) (1) (ومن أصدق من الله حيثا) (2) اللهم لا أحد.

_ (1) الأحزاب: 22. (2) النساء: 87.

والنار هي السجن الذي أعده الله للكافرين والعصاة قال تعالى: (وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا) (1) والجنة هي دار السلام ودار النعيم المقيم أعدها الله لأهل الإيمان فكل ما فيها سلام وكل ما فيها سلام قال تعالى: (لهم دار السلام عند ربهم) (2). - والجنة والنار قد خلقهما من قبل فهما موجودتان قال تعالى عن النار (فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين) (3)، (إنا أعتدنا للظالمين نارا) (4). وقال عن الجنة (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين) (5)، فكل من الجنة والنار قد خلق وأعد وكتب له الخلود، والجنة علوية وهي الآن فوق السماء السابعة والنار مغيبة لا يعلم مكانها إلا الله ومن أطلعه الله على ذلك ويوم القيامة يؤتي بالنار ويؤتي بالجنة فتكونان متلاصقتين ويعبر الناس من أرض الحشر إلى الجنة على الصراط وقد مرت معنا نصوص كثيرة تدل على ذلك. - والنار من السعة بمها يهول قال تعالى: (يوم نقول لجنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد) (6) والجنة من السعة بما يهول قال تعالى: (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض) (7) (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض) (8). ولا تستغربن عرض الجنة أن يكون كذلك فمحيط الدائرة أوسع من قطرها والسموات السبع على القول الراجح كروية فإذا كانت الجنة فوق السماء السابعة فمحيط السماء السابعة أكبر من قطرها الذي عرض السموات والأرض. - والجنة والنار باقيتان أبدًا وأما قوله تعالى {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا * لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا * إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا} (9) فالمراد والله أعلم أنهم يعذبون العذاب أحقابًا ثم يكون عذاب أشد أو أنه كلما انتهى حقب بدأ حقب إلى ما لا نهاية له.

_ (1) الإسراء: 8. (2) الأنعام: 127. (3) البقرة: 24. (4) الكهف: 29. (5) آل عمران: 133. (6) ق: 30. (7) الحديد: 21. (8) آل عمران: 123. (9) النبأ: 23 - 25.

- وأما قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} (1) أي غير مقطوع، فليس المراد بالاستثناء نفي الديمومة بل المراد بالاستثناء أن الجنة والنار خالدتان خلود السموات والأرض باستثناء ما حدث للسموات والأرض يوم القيامة فإن ذلك لا يصيبهما وللعلماء اتجاهات أخرى في فهم الآيتين، فمن قطيعات الاعتقاد الإيمان بديمومة الجنة والنار فمن أنكر ذلك وقع في الضلال المبين. قال ابن كثير وهو يتحدث عن أهل الجنة: "وثبت أن أول زمرة منهم على صورة القمر ثم الذين يلونهم في البهاء كأضوأ كوكب دري في السناء، وأنهم يجامعون ولا يتناسلون ولا يتوالدون إلا ما يشاؤون. وأنهم لا يموتون ولا ينامون، لكمال حياتهم وكثرة لذاتهم وتوالي نعيمهم ومسراتهم، وكلما ازدادوا خلودًا ازدادوا حسنًا وجمالًا وشبابًا وقوة وكمالًا، وازدادت لهم الجنة حسنًا وبهاء وطيبًا وضياء، وكانوا أرغب شيء فيها وأحرص عليها وكانت عندهم أعز وأغلى وألذ وأحلى، كما قال تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} " (2). أهـ. (النهاية في الفتن والملاحم). وقال ابن كثير وهو يتحدث عن أهل النار: "إذا خرج أهل المعاصي من النار فلم يبق فيها غير الكافرين فلا يموتون ولا يحييون كما قال تعالى: {وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى} (3). فلا خروج لهم منها ولا محيد لهم بل هم خالدون فيها أبدًا وهم الذين حبسهم القرآن وحكم عليهم بالخلود، كما قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} (4). وقال تعالى في سورة النساء {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ

_ (1) هود: 106 - 108. (2) الكهف: 108. (3) الأعلى: 11 - 12. (4) الأحزاب: 64، 65.

ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} (1) أهـ (النهاية في الفتن والملاحم). ولشيخ الإسلام تقي الدين السبكي رسالة سماها: "الاعتبار ببقاء الجنة والنار"، رد فيها على من ادعى غير ذلك وجمع فيها النصوص القطعية الواردة في ذلك وختمها بقوله: "فهذه الآيات التي استحضرناها في بقاء الجنة والنار وبدأنا لأنا وقفنا على تصنيف لبعض أهل العصر في فنائها. وقد ذكرنا نحو مائة آية منها من ستين في النار، ونحو من أربعين في الجنة، وقد ذكرنا الخلود وما اشتق منه في أربع وثلاثين آية في النار وثمان وثلاثين في الجنة، وذكرنا التأبيد في ثلاث في النار مع الخلود، وفي ثمان في الجنة منها سبع من الخلود. وذكر التصريح بعدم الخروج أو بمعناه في أكثر من ثلاثين. وتضافر هذه الآيات ونظائرها يفيد القطع بإرادة حقيقة معناها، وأن ذلك ليس مما استعمال فيه الظاهر في غير المراد، ولذلك أجمع المسلمون على اعتقاد ذلك ونقلوه خلفًا عن سلف عن نبيهم صلى الله عليه وسلم وهو مركوز في فطرة المسلمين معلوم من الدين بالضرورة، بل وسائر الملل غير المسلمين يعتقدون ذلك، ومن رد ذلك فهو كافر ومن تأوله فهو كمن تأول الآيات الواردة في البعث الجسماني وهو كافر أيضًا" أهـ (الاعتبار). - فحدد يا أخي بصر الإيمان إلى مقرك ومستقرك وأقبل على الله بالذكر والفكر والتأمل في المصير وأكثر من قراءة القرآن فإنه الذي يذكرك بكل شيء، وها نحن نعرض عليك بعض النصوص حول الجنة والنار مع شيء من التعليقات بما يتناسب مع غرض الكتاب، وهي نصوص من الكتاب والسنة فيما وصفت به النار والجنة وبعض نعيم أهل الجنة وبعض عذاب أهل النار وفي بعض ما استحق به أهل الجنة وأهل النار النار ونبدأ هذه الفقرة بذكر مشاهد من القرآن الكريم حول ما ذكرناه.

_ (1) النساء: 168، 169.

2 - مشاهد من القرآن الكريم

2 - مشاهد من القرآن الكريم {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ * إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا * وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ * عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ * مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ * يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ * جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا * وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ * وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ * إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا * لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ * وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ * إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ * وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ * وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ * قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ * ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ} (1). جاءت سورة الواقعة بعد سورة الرحمن وقد ختمت سورة الرحمن بالحديث عن أهل النار وبالجنتين اللتين أعدهما الله للمحسنين ووصفتهما ثم بالحديث عن الجنتين اللتين أعدهما الله لأهل اليمين ووصفتهما، ثم جاءت سورة الواقعة فبدأت بالحديث عن أن الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف: أهل يمين وأهل الشمال وسابقون وفصلت فيما أعد الله لكل، وختمت سورة الواقعة بما أعد الله للمقربين، وهم السابقون، وما أعده لأهل اليمين وما أعده لأهل الشمال. فالصورتان تتكاملان في العرض وقد بدأنا بذكر ما ورد في أوائل سورة الواقعة مما أعده الله

_ (1) الواقعة: 1 - 56.

عز وجل للسابقين وأهل اليمين وأهل الشمال، ونكتفي بتفسير الكلمات التي تحتاج إلى تفسير: {الْوَاقِعَةُ}: القيامة. {كَاذِبَةٌ}: نفس الكاذبة تنكر وقوعها. {خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ}: خافضة للأشقياء رافعة للسعداء. {رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا} زلزلت. {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ}: فتتت. {هَبَاءً مُنْبَثًّا}: غبار متفرقًا منتشرًا. {أَزْوَاجًا} أصنافاً. {الْمَيْمَنَةِ}: اليمن أو اليمين. {الْمَشْأَمَةِ} الشؤم أو الشمال. {ثُلَّةٌ}: أمة كثيرة من الناس. {سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ} منسوجة من الذهب بإحكام. {وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ}: مبقون على هيئة الولدان في البهاء. {بِأَكْوَابٍ}: أقداح. {وَأَبَارِيقَ}: أوان لها عرى وخراطيم. {وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ}: قدح من خمر جارية من العيون. {لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا}: لا يصيبهم صداع بشربها. {وَلَا يُنْزِفُونَ}: لا تذهب عقولهم. {وَحُورٌ عِينٌ}: نساء بيض واسعات الأعين حسناتها. {اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} المصون في أصدافه. {لَغْوًا} كلامًا باطلًا لا خير فيه {تَأْثِيمًا}: نسبة إلى الإثم. {سِدْرٍ}: شجر النبق. {مَخْضُودٍ}: مقطوع شوكه {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} شجر الموز أو مثله نضد بالحمل من أسفله إلى أعلاه {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ}: دائمًا يتقلص. {وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ}: مصبوب يجري في غير أخاديد. {عُرُبًا أَتْرَابًا} متحببات إلى أزواجهن مستويات في السن. {سَمُومٍ}: ريح شديد الحرارة تدخل المسام. {حَمِيمٍ} ماء بالغ الحرارة. {يَحْمُومٍ} دخان شديد السواد. {وَلَا كَرِيمٍ}: لا نافع من أذى الحر. {الْحِنْثِ}: الذنب العظيم- الشرك- {زَقُّومٍ} شجر كريه جدًا في النار {شُرْبَ الْهِيمِ} الإبل العطاش التي لا تروى. {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ * يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * ذَوَاتَا أَفْنَانٍ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ

رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُدْهَامَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (1). هذه الآيات من سورة الرحمن جاءت مباشرة قبل الآيات التي مرت معنا من سورة الواقعة وهي تتحدث عن مضمونها مع تفصيلات هنا أو هناك في الوصف فيما أعده الله لأهل الشمال أو لأهل اليمين أو للسابقين، وقد بدأ الحديث في سورة الواقعة عما أعده الله للسابقين وبدأ الحديث هنا عما أعده الله لأهل النار ثم ثني بالكلام عما أعده الله للمحسنين السابقين بدليل ختم الآيات التي تتحدث عن ذلك بقوله تعالى {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} (2) ثم تحدثت عن الجنتين اللتين أعدهما الله لأهل اليمين وهما دون تلك الجنتين، وقوله تعالى {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} (3) هل المراد به الانشقاق الذي يكون يوم القيامة ثم ما يؤول إليه حال الناس بعد الموقف والسؤال والحساب أو المراد به انشقاق آخر يكون في جهة العلو يسبق إدخال أهل النار النار؟ الآية تحتمل هذا وهذا. وقوله تعالى {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ} (4) يرجع القول الذي يقول بأنه انشقاق آخر غير الانشقاق الأول، فكأن هذا الانشقاق يكون بعد أن يتم الحساب والميزان وتقوم الحجة على الخلق ولم يبق إلا أن يدخل أهل النار النار وأهل الجنة الجنة، ومما قاله

_ (1) الرحمن: 27 - 78. (2) الرحمن: 60. (3) الرحمن: 27. (4) الرحمن: 39.

صاحب كتاب "كلمات القرآن تفسير وبيان" في شرحه الكلمات التي تحتاج إلى شرح في هذا النص ما يلي: {فَكَانَتْ وَرْدَةً}: كالوردة في الحمرة. {كَالدِّهَانِ}: كدهن الزيت في الذوبان. {بِسِيمَاهُمْ}: بسواد الوجوه، وزرقه العيون. {فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي}: بشعور مقدم الرؤوس. {حَمِيمٍ آنٍ}: ماء حار تناهي حرة. {جَنَّتَانِ}: بستان داخل القصر وآخر خارجه. {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ}: أغصان. أو أنواع من الثمار. {عَيْنَانِ}: التسنين والسلسبيل. {زَوْجَانِ}: صنفان: معروف وغريب. {إِسْتَبْرَقٍ}: غليظ الديباج. {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ}: ما يجني من ثمارها. {دَانٍ}: قريب من يد المتناول. {قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ}: قصرن أبصارهن على أزواجهن. {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ}: لم يقتضهن قبل أزواجهن. {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ}: .... أدنى من السابقتين. {مُدْهَامَّتَانِ}: خضراوان شديدتا الخضرة. {نَضَّاخَتَانِ}: فوارتان بالماء لا تنقطعان.

{خَيْرَاتٌ حِسَانٌ}: خيرات الأخلاق حسان الوجوه. {حُورٌ}: نساء بيض حسان. {مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ}: مخدرات في بيوت من اللؤلؤ. {رَفْرَفٍ}: وسائد أو فرش مرتفعة. {وَعَبْقَرِيٍّ}: بسط ذات خمل رقيق. {تَبَارَكَ}: تعالى. أو كثر خيره وإحسانه. {ذِي الْجَلَالِ}: العظمة والاستغناء المطلق. {وَالْإِكْرَامِ}: الفضل التام والإحسان. أهـ. {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} (1). {يُحَلَّوْنَ}: أي يلبسون الحلي في أيديهم من الذهب كما يحلون باللؤلؤ إما مرصع به الذهب في الأيدي أو يحلون فيه أعناقهم، وكلام أهل الجنة هو الكلم الطيب، وهم مهديون هداية كاملة خلقية إلى كل ما يحبه الله ويرضاه فالجنة دار السلام. {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} (2). {جَنَّاتُ عَدْنٍ} أي جنات إقامة أو هي الجنات التي في وسط الجنة. والآية تدل على أن أزواج الصالحين وآباءهم وذرياتهم يقربون من منازل من هم أعلى منهم إذا اجتمع للأولين على منزلة ولهؤلاء صلاح وأن الملائكة تدخل على أصحاب الجنة منازلهم مسلمة عليهم مقدمة لهم ما أراد الله من هدايا وتحف وكل ذلك لزيادة الإكرام والإيناس.

_ (1) الحج: 23، 24. (2) الرعد: 23، 24.

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ * يَاأَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (1). {عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ} أي يلون أمرها وهم الزبانية، وعدتهم كما ورد في سورة المدثر تسعة عشر وهم غلاظ الأقوال شداد الأفعال أو غلاظ الخلق أقوياء على الأفعال الشديدة، ونهى الكافرين عن الاعتذار لا ينفي وقوع الاعتذار منهم ولكنه تأكيد بأن الاعتذار لا ينفعهم. {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ} (2). {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} أي ثمرها دائم لا ينقطع وظلها لا ينسخ كما ينسخ في الدنيا بالشمس والمراد بكلمة {عُقْبَى} المال والمنتهى. {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} (3). الماء الآسن: الماء الذي تغير طعمه وريحه. وخمر الجنة غير خمر الدنيا. وقوله تعالى عن أهل النار {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} أي بدل تلك الأشربة التي لأهل الجنة يشربون ماء حارًا يقطع أمعاءهم من فرط الحرارة. {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا * إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا * إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا *

_ (1) التحريم: 6، 7. (2) الرعد: 35. (3) محمد: 15.

إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا * وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا * عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا * إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا} (1). قال صاحب (كلمات القرآن تفسير وبيان) في شرح المفردات ما يلي: {هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ}: بينا له طريق الهداية والضلال. {سَلَاسِلَ}: بها يفادون وفي النار يسحبون. {أَغْلَالًا}: بها تجمع أيديهم إلى أعناقهم ويقيدون. {كَأْسٍ}: خمر أو زجاجة فيها خمر. {مِزَاجُهَا}: ما تمزج الكأس به وتخلط. {عَيْنًا}: ماء عين أو خمر عين. {يَشْرَبُ بِهَا}: يشرب منها. أو يرتوي بها. {يُفَجِّرُونَهَا}: يجرونها حيث شاءوا من منازلهم. {مُسْتَطِيرًا}: فاشيا منتشرًا غاية الانتشار. {يَوْمًا عَبُوسًا}: تكلح فيه الوجوه لهوله. {قَمْطَرِيرًا}: شديد العبوس.

_ (1) الإنسان: 3 - 23.

{وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً}: أعطاهم حسنا وبهجة في الوجوه. {الْأَرَائِكِ}: السرر في الحجال. والحجال: جمع حجلة متحركة بيت يزين بالقباب والأسرة والستور. {زَمْهَرِيرًا}: بردا شديدًا. {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا}: قريبة منهم ظلال أشجارها. {وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا}: قربت ثمارها لتناولها. {وَأَكْوَابٍ}: أقداح بلا عري وخراطيم. {قَوَارِيرَ}: كالزجاجات في الصفاء. {قَدَّرُوهَا}: جعلوا شرابها على قدر الري. {كَأْسًا}: خمرًا أو زجاجة فيها خمر. {مِزَاجُهَا}: ما تمزج به وتخلط. {تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا}: يوصف شرابها بالسلاسة في الانسياغ. {وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ}: مبقون على هيئة الولدان في البهاء. {لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا}: كاللؤلؤ المفرق في الحسن والصفاء. {ثِيَابُ سُنْدُسٍ}: ثياب من ديباج رقيق". أهـ. {إِسْتَبْرَقٍ}: الديباج الغليظ. والكافور والزنجبيل معروفان وهما في الآخرة غيرهما في الدنيا في الطعم واللذة. {أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ

النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} (1). (النزل): الضيافة، فأهل الجنة ضيوف الله ولكنها ضيافة أبدية وإذا طالب الله العبد أن يكرم ضيفه فكيف تكون ضيافة الله لأهل ضيافته من الإكرام والكرامة مما يزداد إلى ما لا نهاية. {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا} (2). {أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} مما يستقذر من المرأة في الدنيا خلقًا أو خلقًا. (الظل الظليل) الظل الدائم الذي لا ينسخه شيء. {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} (3). {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ * يَاعِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ} (4). {تُحْبَرُونَ} تسرون سرورًا ظاهر الأثر. {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا} (5). {مُتَشَابِهًا}: أي مع مثله في الدنيا في الصورة مختلفاً في الطعم والمقدار.

_ (1) السجدة: 19، 20. (2) النساء: 57. (3) الحديد: 21. (4) الزخرف: 66 - 73. (5) البقرة: 25.

{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ * إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ * وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ * إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (1). قال صاحب "كلمات القرآن تفسير وبيان" في شرح المفردات ما يلي: {كِتَابَ الْأَبْرَارِ}: ما يكتب من أعمالهم. {لَفِي عِلِّيِّينَ}: لمثبت في ديوان الخير. {الْأَرَائِكِ}: الأسرة في الحجال. والحجال: جمع حجلة- محركة- يتزين بالقباب والأسرة والستور. {نَضْرَةَ النَّعِيمِ}: بهجته ورونقه وبهاءه. {رَحِيقٍ}: أجود الخمر وأصفاه. {مَخْتُومٍ}: إناؤه حتى يفكه الأبرار. {خِتَامُهُ مِسْكٌ}: ختام إنائه المسك بدل الطين. {فَلْيَتَنَافَسِ}: فليتسارع أو فليستبق. {وَمِزَاجُهُ}: ما يمزج به ويخلط. {تَسْنِيمٍ}: عين عالية شرابها أشرف. {يَشْرَبُ}: يشرب منها.

_ (1) المصطفين: 18 - 36.

{يَتَغَامَزُونَ}: يشيرون إليهم بالأعين استهزاء. {فَكِهِينَ}: متلذذين باستخفافهم بالمؤمنين. {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ}: جوزوا بسخريتهم بالمؤمنين أهـ. {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ * يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} (1). {وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ} أي مشهود فيه أهل السموات والأرضين، أي كثير شاهدوه، فالجن والإنس والملائكة ممن يشهدونه. {يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ}: أي بإذن الله تعالى وهذا في موقف. وقوله تعالى {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ * وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} (2) في موقف آخر. والاستثناء في قوله تعالى {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} إشارة إلى أن الخلود الحالي للسموات والأرض خلود نسبي ينقطع بيوم القيامة أما خلود الجنة والنار فخلود لا ينقطع بما حدث بمشيئة الله بقيام القيامة. (الزفير) إخراج النفس والشهيق رده بصورتين منكرتين {غَيْرَ مَجْذُوذٍ} أي غير مقطوع. وقد {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} الوارد في أهل الجنة والنار توجيها آخر فقال في كتابه: "كبري اليقينيات الكونية" عند هذه الآية: إن الاستثناء إنما هو من قوله: {شَقُوا} و {سُعِدُوا} أي: جميع الأشقياء خالدون في النار إلا من شاء الله منهم ألا يخلد فيها، وهم العصاة من أهل الإيمان والتوحيد، كما دلت على ذلك الأدلة الكثيرة الأخرى. وجميع أهل السعادة خالدون في الجنة إلا ما شاء الله منهم أن يعذب في النار إلى أمد قبل ذلك، وهو أولئك الذين غمرت حياتهم بالمعاصي والأوزار من المؤمنين، ولم تكتب

_ (1) هود: 102 - 108. (2) المرسلات: 25، 36.

لهم الشفاعة أولاً. وإنما لم يأت الاستثناء بصيغة إلا من شاء الله، لأن المراد من المستثنى منه العدد المجرد، وذلك كقوله تعالى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} فقد عبر عن النساء "بما" لملاحظة العدد". أهـ. {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ * كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ * يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ * لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (1). كما يزوج أهل الجنة من الحور العين فإن لهم زوجاتهم من أهل الدنيا، فليس في الجنة أعزب ولا عزباء والمزوجات من أهل الدنيا يكن أجمل في أعين أزواجهن من الحور العين على جمالهن. {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (2). هناك ناس يريدون العلو لأنفسهم- لا في سبيل الله- ولا يريدون فسادا، وهناك ناس يريدون الفساد مع العلو وهناك ناس يريدون الفساد بلا علو، والذين ينالون رضوان الله هم الذين لا يريدون علوا ولا فسادا وإنما يريدون العلو لكلمة الله بأنفسهم أو بغيرهم مع الإخلاص لله تعالى ومع البعد عن الفساد والإفساد. {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} (3). {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ

_ (1) الدخان: 51 - 57. (2) القصص: 83. (3) الحاقة: 19 - 24.

وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} (1). {زُمَرًا} جمع زمرة والمراد بها الجماعة، وإنما يساقون إلى الجنة زمرًا للإسراع بهم ولأن أهل الجنة يتفاوتون في الدرجات فأهل كل درجة يساقون مع بعضهم وقول الملائكة: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} أي لا يعتريكم بعد مكروه. {طِبْتُمْ} أي حلهرتم من دنس المعاصي وهذا يدل على أن أهل الجنة لا يدخلونها إلا بعد أن ينقبوا تنقية كاملة ظاهرًا وباطنًا، ومن آثامهم وظلمهم. {وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ} ذهب بعضهم إلى أن المراد بالأرض هنا أرض الجنة وحملها بعضهم على التبدل الذي يطرأ على الأرض فتكون به خبرة يأكلها أهل الجنة فتكون لهم وراثة الأرض خالصة لا منازع. {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (2). {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ} أي أيها الداخل إلى الجنة {حَافِّينَ} أي محدقين {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ} أي بين الخلق بإدخال بعضهم الجنة وبعضهم النار والضمير في {وَقِيلَ} يعود على الملائكة أو على أهل الجنة. {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} (3). {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} (4). {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (5).

_ (1) الزمر: 73، 74. (2) الزمر: 75. (3) العنكبوت: 58. (4) الزمر: 20. (5) الذاريات: 15 - 19.

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (1). {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (2). {الْحُسْنَى} أي الجنة {وَزِيَادَةٌ} أي النظر إلى وجه الله الكريم {وَلَا يَرْهَقُ} أي ولا يغشى. {قَتَرٌ} غبرة فيها سواد. {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} (3). نزع الغل من قلوب المؤمنين يكون قبل إدخالهم الجنة. {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا * وَكَأْسًا دِهَاقًا * لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا * جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا * رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا * يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا * ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا * إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا} (4). (المفاز): فوز وظفر بكل محبوب. (الكواعب): هن نساء الجنة وهن النسوة اللواتي لهن تهود مستديرة بأجمل ما يكون من الأحجام. (الأتراب): المتساويات في السن. {الرُّوحُ}: إما جبريل وإما الملك الموكل بالأرواح أو خلق عظيم أعظم من الملائكة وإذا كانت الملائكة والروح على جلالة قدرهم يقفون مصطفين ولا يتكلمون إلا بعد إذن وبشرط أن يكون الكلام صوابًا فهذا يدل على جلالة الموقف وقوة الانضباط فيه. {وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا}: قيل في تفسيرها إن ذلك يقوله الكافر بعد أن

_ (1) يونس: 9، 10. (2) يونس: 26. (3) الحجر: 45 - 48. (4) النبأ: 31 - 40.

يرى أن الحيوانات أصبحت ترابًا بأمرا الله بعد أن يقتص من بعضها لبعض فيتمنى أن لو كان ماله كذلك وقيل غير ذلك. {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ * فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ * وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ * وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} (1). {عِينٍ} جمع عيناء وهي ذات العين الواسعة الجميلة. {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} أي في دخلوا الجنة بشرط وجود الإيمان وهذا يدل على أن صلاح الآباء ينفع الأبناء إذا كانوا مؤمنين. {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ} أي وما أنقصناهم. {رَهِينٌ} أي مرهون عند الله فلا يكفه إلا إيمانه وعمله الصالح. {يَتَنَازَعُونَ فِيهَا} يتجاذبون. {كَأْسًا} خمراً. {لَا لَغْوٌ فِيهَا} لا كلام ساقط. {وَلَا تَأْثِيمٌ} ولا فعل يوجب الإثم على خلاف خمر الدنيا التي يرافقها اللغو والإثم. {اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} المصون. {عَذَابَ السَّمُومِ} نار جهنم النافذة من المسام. {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ * لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً * فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ * فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ} (2). (النمارق المصفوفة): الوسائد والمرافق يتكأ عليها موضوع بعضها إلى جنب بعض. (الزرابي المبثوثة): البسط الفاخرة المفرقة في المجالس. {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا * أُولَئِكَ لَهُمْ

_ (1) الطور: 17 - 28. (2) الغاشية: 8 - 16.

جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا} (1). {الْأَرَائِكِ} جمع أريكة وهي ما يتكأ عليه ويراد به هنا- والله أعلم- السرر التي عليها الأرائك. {وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ * جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ * مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ * وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ * إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} (2). {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} أي ما له من انقطاع وفناء. {جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا * لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا * تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا} (3). {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا}: فسرها بعضهم بأن المراد بذلك الديمومة فلا صباح ومساء في الجنة، وفسرها بعضهم بأن ذلك جرى على عادة أهل الرفاه في الدنيا وذلك عدا ما يشتهونه فهو موفر لهم في كل حال. {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} (4). {الْحَزَنَ}: كل ما يحزن ويغم. (النصب): التعب والمشقة. (اللغوب): الإعياء من التعب والفتور. {قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا * لَهُمْ فِيهَا مَا

_ (1) الكهف: 20 - 21. (2) ص: 49 - 54. (3) مريم: 61 - 63. (4) فاطر: 33، 35.

مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا} (1). {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ * سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} (2). {شُغُلٍ}: نعيم عظيم يلهيهم عما سواه. {فَاكِهُونَ} متلذذون أو فرحون. {مَا يَدَّعُونَ} أي ما يتمنون أو يطلبون. وقال البيذاوي عند قوله تعالى: {فِي شُغُلٍ: أنه أبهم (الشغل) تعظيمًا لما هم فيه من البهجة والتلذذ وتنبيها على أنه أعلى ما يحيط الأفهام ويعرب عن كنهه الكلام أهـ. {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ * وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} (3). {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} (4). {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ) (5). {وَيْلٌ}: عذاب أو هلاك أو واد في جهنم. {هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ}: طعان غياب غياب الناس. {وَعَدَّدَهُ}: أحصاه. أوعده للنوائب. {أَخْلَدَهُ}: يخلده في الدنيا.

_ (1) الفرقان: 15 - 16. (2) يس: 55 - 57. (3) المرسلات: 41 - 45. (4) المائدة: 36 - 37. (5) الهمزة: 1 - 9.

{لَيُنْبَذَنَّ}: ليطرحن. {الْحُطَمَةِ}: جهنم. لحطمها كل ما يلقي فيها. {تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ}: تغشى حرارتها أوساط القلوب. {مُؤْصَدَةٌ}: مطبقة مغلقة أبوابها. {فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ}: بأعمدة ممدودة على أبوابها. وهذا وصف يؤكد أن جهنم سجن ولكنه ليس كسجون الدنيا. {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} (1). {تَبَّتْ}: هلكت أو خسرت أو خابت. {وَتَبَّ}: وقد هلك أو خسر أو خاب. {مَا أَغْنَى عَنْهُ}: ما دفع التباب عنه. {وَمَا كَسَبَ}: الذي كسبه بنفسه. {سَيَصْلَى نَارًا}: سيدخلها أو يقاسي حرها. {فِي جِيدِهَا}: في عنقها. {مِنْ مَسَدٍ}: مما يفتل قويًا من الحبال. قال البيضاوي {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} أي حبل من نار أهـ. أقول: والذين فسروه بأنه حبل من ليف أخذوه على معناه في الدنيا ولا غرابة فالنار فيها شجر الزقوم فحال الآخرة غير حال الدنيا فإذا احترق الشجر والليف في نار الدنيا فإن لنار الآخرة خصائصها، وعلى كل الأحوال فإن النص يفيد الإذلال والمهانة على ما كانت

_ (1) المسد: 1 - 5.

تفعله في الدنيا. {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} (1). {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ}: هذان فوجان اختصموا في اله: وهم المؤمنون والكافرون وقد ذكر الله عز وجل ما أعد للكافرين الذين يخاصمون المؤمنين في الله فقد قدرت لهم على مقادير جثثهم ثياب من النار تحيط بهم إحاطة الثياب، وهل المراد بذلك أن النار التي تحيط بهم هي الثياب أو أن لهم ثيابًا من نار زيادة على نار جهنم؟ النص يحتمل هذا وهذا. والحميم الماء الحار. {وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} سياط من حديد يجلدون بها. {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} (2). أي في الطبقة التي في قعر جهنم لأنهم أخبث الكفرة فقد ضموا إلى الكفر استهزاء بالله وخداعًا للمسلمين. {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} (3). {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} العفائف {الْغَافِلَاتِ} عما قذفن به المؤمنات بالله ورسوله، إن الذين يرمون هؤلاء أي يقذفونهن بالزنا. وقد قيل إن الوعيد المذكور في النص في حق المنافقين الذين قذفوا عائشة رضي الله عنها وقيل إنه في كل قاذف ما لم يتب وتقبل توبته ويعف أصحاب الحقوق عن حقوقهم وما أشد هذا الوعيد في حق كل من يقذف أعراض المؤمنين والمؤمنات.

_ (1) الحج: 19 - 32. (2) النساء: 145. (3) النور: 23 - 25.

{وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (1). {وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ} أي يسحبون بها في النار. {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا} (2). أي يعاد ذلك الجلد بعينه على صورة أخرى أو يزال عنه أثر الإحراق ليعود إحساسه للعذاب كما قال {لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} أي ليدوم لهم ذوقه وقيل يخلق مكانه جلدًا آخر والعذاب في الحقيقة للنفس العاصية. أقول: من أقوال علماء التشريح في عصرنا أن أشد أنواع الأعصاب حساسية بالألم هي أعصاب الجلود، فالآية فيها معجزة علمية من معجزات القرآن. {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} (3). دل النص على أن أهل النار يأكلون ويتمتعون في الدنيا وهم غافلون عن الله، وما كلفهم به، وبذلك استحقوا ما استحقوه من العذاب. {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} (4). هذا الوعيد لمن لا يؤدى حق الله في ماله فإنه يعذب به في نار جهنم، وهناك العذاب في الموقف بوطء الأنعام لمن لم يؤد زكاتها في الدنيا كما ورد في حديث سنورده في جزء الزكاة.

_ (1) الرعد: 5. (2) النساء: 56. (3) المرسلات: 46 - 50. (4) التوبة: 24 - 35.

{إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ * وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} (1). {لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ} لا يخفف عنهم. {مُبْلِسُونَ} آيسون من النجاة. و {مَالِكِ} هو خازن النار ورئيس الزبانية وقولهم {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} أي ليتنا فيكون الجواب {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} أي مقيمون أبدًا لا خلاص بموت أو غيره وهذا من أعظم الأدلة على كفر القائلين بفناء النار. {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (2). ورد في حديث صحيح أن الذي لا يؤدي زكاة ماله يطوقه الله عز وجل يوم القيامة بثعبان يطوق عنقه يأخذ بشدقيه وسيمر معنا الحديث في جزء الزكاة، وهذا يدل على أن من بخل بزكاة الأموال من ذهب وفضة وأمثالهما له عذابه في الحشر، وإذا دخل النار كان له عذاب خاص بسبب ما كنز مما لم يؤد زكاته. {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَالَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} (3). {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (4). {يَشْتَرُونَ} يستبدلون. {بِعَهْدِ اللَّهِ} أي بما عاهدوه عليه. {وَأَيْمَانِهِمْ} أي بما أقسموا أنه لو جاءهم الرسول الحق لأمنوا به ولنصروه. {لَا خَلَاقَ} لا نصيب لهم من رحمة الله في الآخرة. {وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ} أي: بما يسرهم أو لا يكلمهم أصلًا سخطًا منه عليهم لما

_ (1) الزخرف: 74 - 77. (2) آل عمران: 180. (3) الأحزاب: 66 - 68. (4) آل عمران: 77.

قامت عليهم من الحجج ثم أصروا على الكفر. {وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ} نظرة رحمة. {وَلَا يُزَكِّيهِمْ} أي ولا يثني عليهم جزاء على فعلهم في الدنيا إذ أنهم من حبهم للثناء في الدنيا عرفوا الحق وتركوه إرضاء للناس. وعلى القول بأنه لا يكلمهم أصلًا فإن ذلك محمول على بعض مواقف يوم القيامة. {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (1). كما أن من كفر أصلا له من العذاب ما ذكر في ما قبل هذا النص فإن من يكتم ما أنزل الله وهو قادر على إظهاره فإن له هذا العذاب الذي ذكرته الآية، وكذلك من يسأل عن علم يفترض عليه تعليمه فيكتمه يلجم يوم القيامة بلجام من نار، وقوله تعالى {مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ} فسرها البيضاوي بقوله: {مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ}: إما في الحال لأنهم أكلوا ما يتلبس بالنار لكونها عقوبة عليه، أو في المال أي لا يأكلون يوم القيامة إلا النار في بطونهم ملء بطونهم أهـ. {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (2). هناك ناس يرتدون ولا أمل في رجوعهم إلى الإسلام لأنهم ارتدوا بعد قيام الحجة كاملة عليهم، فهؤلاء ينفي الله أن يكونوا محل هدايته مرة أخرى وهؤلاء يستأهلون اللعنة من الله والملائكة والمؤمنين ومن الناس أجمعين في الدنيا وفي الآخرة، وهناك ناس يرتدون ثم يرجعون فيتوبون ويصلحون فهؤلاء يعدهم الله عز وجل مغفرة منه ورحمة. {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ * ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي

_ (1) البقرة: 174. (2) آل عمران: 86 - 89.

كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} (1). {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}: أي أنهم لا يرون الله عز وجل لا في عرصات القيامة ولا بعد دخولهم النار فهم محرومون من هذه الرؤية على خلاف المؤمنين الذين يرون ربهم في عرصات القيامة ويرونه بعد أن يدخلون الجنة. {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} (2). {وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ * يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا * وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا * فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ * يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا * هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ * اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (3). {وَالطُّورِ} قسم بجبل طور سيناء الذي كلم الله عنده موسى. {وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} مكتوب على وجه الانتظام والمراد به القرآن أو اللوح المحفوظ {فِي رَقٍّ} ما يكتب فيه جلدًا أو غيره {مَنْشُورٍ} مبسوط غير مختوم عليه وقد استعير للكتاب المراد في الآية السابقة {وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ} إما كعبة الأرض وإما كعبة السماء وهي في السماء الرابعة والمراد يوم القيامة {إِنَّ عَذَابَ} جواب القسم بما سبق {تَمُورُ السَّمَاءُ} تضطرب وتدور كالرحى وذلك بين يدي طيها كطي السجل {فَوَيْلٌ} هلاك أو حسرة أو شدة عذاب {خَوْضٍ} اندفاع في الأباطيل والأكاذيب {يُدَعُّونَ} يدفعون بعنف وشدة {اصْلَوْهَا} ادخلوها أو قاسوا حرها. {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا * لِلطَّاغِينَ مَآبًا * لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا * لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا * إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا * جَزَاءً وِفَاقًا * إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا * وَكَذَّبُوا

_ (1) المطففين: 15 - 17. (2) البقرة: 24. (3) الطور: 1 - 16.

بِآيَاتِنَا كِذَّابًا * وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا * فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا} (1). قال صاحب "كلمات القرآن تفسير وبيان" في شرح المفردات ما يلي: {كَانَتْ مِرْصَادًا}: موضع ترصد وترقب للكافرين. {لِلطَّاغِينَ مَآبًا}: مرجعا ومأوى لهم. {أَحْقَابًا}: دهورًا متتابعة لا نهاية لها. {بَرْدًا}: نومًا أو روحًا من حر النار. {حَمِيمًا}: ماء بالغًا نهاية الحرارة. {وَغَسَّاقًا}: صديدًا يسيل من جلودهم. {جَزَاءً وِفَاقًا}: جزيناهم جزاء موافقًا لأعمالهم. {كِذَّابًا}: تكذيبًا شديدًا. {أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا}: حفظناه وضبطناه مكتوبًا إما في اللوح المحفوظ أو في صحف الحفظة من الملائكة أو في الكتاب الذي ينسخ عن صحف الملائكة وقد كفر قوم بفهمهم من قوله تعالى {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} إذ وهموا فظنوا أن النار تفنى في النهاية وهو خلاف الإجماع والنصوص المحكمة القطعية، والمراد {لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا * لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا * إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا} فهناك أحقاب يكون هذا عذابهم ثم تأتي أحقاب أخرى فيجمع إلى هذا العذاب عذاب آخر قال تعالى {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا} أو أن المراد أنه كلما انتهى حقب جاء حقب آخر إلى ما لا نهاية. {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} (2). {حَصِيرًا} أي سجنًا يحصرون فيه وبعضهم فسرها بأن المراد فيها أنها فراش ومهاد لهم وهذا لا ينفي كونها سجنًا لقوله تعالى {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ}.

_ (1) النبأ: 21 - 30. (2) الإسراء: 8.

{وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (1). قوله تعالى {وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} أي تغشاهم {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا} أي لفرط سوادها وظلمتها والسواد يصيب الكافرين في الحشر وفي النار وهو في النار أشد. {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} (2). قال البيضاوي: لها سبعة أبواب: يدخلون فيها لكثرتهم أو طبقات ينلونها بحسب مراتبهم في المتابعة وهي جهنم ثم لظى ثم الحطمة ثم السعير ثم سقر ثم الجحيم ثم الهاوية، {لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ} من الأتباع {جُزْءٌ مَقْسُومٌ} أفرز له، فأعلاها للموحدين العصاة والثاني لليهود والثالث للنصارى والرابع للصابئين والخامس والسادس للمشركين والسابع للمنافقين. أهـ. أقول: هذا اتجاه للعلماء فهموه استقراء وأما الجنة فلها ثمانية أبواب كما ورد في نصوص كثيرة. {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ: ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} (3). من عادة الناس في الدنيا أنهم يحمون وجوهم بأيديهم أما في النار فإنهم يحمون أنفسهم بوجوهم، قال البيضاوي {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ} أي يجعله درقة يقي به نفسه لأنه يكون مغلولاً يداه إلى عنقه فلا يقدر أن يتقي إلا بوجهه) أهـ. {يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ * يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ

_ (1) يونس: 27. (2) الحجر: 42 - 44. (3) الزمر: 24.

فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (1). {لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} أي ستحيط بهم يوم يأتيهم العذاب أو هي كالمحيطة بهم الآن لإحاطة الكفر والمعاصي التي توجبها. {يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} أي من جميع جوانبهم {وَيَقُولُ} أي الله أو الملائكة بأمر الله {ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي جزاءه. {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} (2). {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ * وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ * وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ} (3). {فَزِعُوا} خافوا عند الموت أو البعث. {فَلَا فَوْتَ} فلا مهرب ولا نجاة من العذاب. {مَكَانٍ قَرِيبٍ} موقف الحساب. {التَّنَاوُشُ} تناول الإيمان والتوبة. {مَكَانٍ بَعِيدٍ} هو الآخرة. {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ} يرجمون بالظنون. {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} يمكن أن يراد أن مما يعذبون به أن يحال بينهم وبين شواتهم ويمكن أن يراد به أنهم يشتهون الإيمان والعمل الصالح لينجوا بذلك من النار وقد حيل بينهم وبينه لأن محل ذلك الدنيا. {بِأَشْيَاعِهِمْ} بأمثالهم من الكفار. {مُرِيبٍ} موقع في الريبة والقلق. {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ * لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} (4).

_ (1) العنكبوت: 54 - 55. (2) الزمر: 71 - 72. (3) سبأ: 51 - 54. (4) الغاشية: 1 - 7.

قال صاحب "كلمات القرآن تفسير وبيان" في شرح المفردات ما يلي: {الْغَاشِيَةِ}: القيامة تغشى الناس بأهوالها. {خَاشِعَةٌ}: ذليلة خاضعة من الخزي. {عَامِلَةٌ}: تجر السلاسل والأغلال في النار. {نَاصِبَةٌ}: تعبة مما تلاقيه فيها من العذاب. {تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً}: تدخل أو تقاسي نارًا تناهي حرها. {عَيْنٍ آنِيَةٍ}: بلغت أناها (غايتها) في الحرارة. {ضَرِيعٍ}: شيء في النار، كالشوك مر منتن. {وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ}: لا يدفع عنهم جوعا أهـ. {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ * لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَاعِبَادِ فَاتَّقُونِ} (1). {الْخَاسِرِينَ} الكاملين في الخسران. {خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} بالضلال وأهليهم بالإضلال. {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ} أي أطباق من النار. {وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} سمى ما تحتهم لأنه أطباق بالنسبة لمن تحتهم. {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ * يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ * خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ * ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ * إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ} (2). {يَوْمَ الْفَصْلِ} يوم القيامة والحساب. {شَجَرَتَ الزَّقُّومِ} من أخبث الشجر تنبت

_ (1) الزمر: 15 - 16. (2) الدخان: 40 - 50.

في النار، قال عنها ربنا: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ * فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ} (1).: {كَالْمُهْلِ} كالمعدن المذاب. {فَاعْتِلُوهُ} فجروه بعنف وقهر. {سَوَاءِ الْجَحِيمِ} وسط النار. {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} يدل على أن لأئمة الكفر عذابًا أشد من عذاب غيرهم فمقرهم وسط الجحيم {بِهِ تَمْتَرُونَ} تجادلون وتمارون. {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} (2). فسر بعضهم السرادق هنا بما يحيط بالبيت، وفسرها بعضهم بالجدار وقد وردت نصوص في كثافة وعرض جدران النار ستمر معنا. {كَالْمُهْلِ} كالمعدن المذاب. {وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} ساءت مكانًا يقر فيه الإنسان ويسكنه وكأنه محل ارتفاقه وهذا شأ، هـ في الهول والعذاب. {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} (3). {وَاسْتَفْتَحُوا} أي استنصر الرسل بالله على الظالمين. {وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ} خسر وهلك كل متعاظم متكبر. {عَنِيدٍ} معاند للحق بجانب له. {مِنْ وَرَائِهِ} أي أمامه أو من وراء حياته. {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ} أي ما يسيل من جلود أهل النار. {يَتَجَرَّعُهُ} يتكلف بلعه لحرارته ومرارته. {وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ} أي لا يكاد يبتلعه لشدة كراهيته ونتنه. {وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} أي أمامه في كل وقت يستقبل عذابًا أشد مما هو فيه وقيل هو الخلود في النار. {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا

_ (1) الصافات: 64 - 67. (2) الكهف: 29. (3) إبراهيم: 15 - 17.

نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} (1). {وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} رد على من كفر بقوله إن عذاب أهل النار ينقلب عليهم عذوبة فيتلذذون به وهذا من الكفر الذي اشتهر وانتشر في بعض الدوائر. {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا * إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا * وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا * لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا} (2). {إِذَا رَأَتْهُمْ} أي إذا كانت بمرأى منهم وكانوا على مرأى منها. {مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} وهو أقصى ما يمكن أن ترى منه. {سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} سمعوا لها- على بعد المكان- تغيظًا وزفيرًا أي صوت تغيظ، شبه صوت غليانها بصوت المغتاظ وزفيره وهو صوت يسمع من جوفه. {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا} أي في مكان. {ضَيِّقًا} وذلك لزيادة عذابهم فكلما ضاق المكان على الإنسان كان ذلك أشد في عذابه. {دَعَوْا هُنَالِكَ} ينادون في ذلك المكان. {ثُبُورًا} الثبور الهلاك، أي يطلبون الهلاك ولا يجدونه. {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ * الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ} (3). {أَنَّى يُصْرَفُونَ}: كيف يصرفون عن الآيات مع صدقها ووضوحها. {الْأَغْلَالُ} القيود، تجمع الأيدي إلى الأعناق، ومع الأغلال فإن هناك سلاسل يلفون بها ويسحبون بها زيادة في الإهانة والعذاب. {الْحَمِيمِ} الماء البالغ نهاية الحرارة. {يُسْجَرُونَ} أي يحرقون فتزداد النار بهم إيقاداً. قال تعالى: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}. ونختم هذه المشاهد بذكر وصف الكافرين في الدنيا ومواقفهم من الحق فاستحقوا بذلك

_ (1) فاطر: 36 - 37. (2) الفرقان: 11 - 14. (3) غافر: 69 - 72.

{لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ * وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} (1). {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ} أي قوله: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} (2). {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا} أي غير مرئية حيث لا تغني عنهم الآيات والنذر {فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ} أي الأغلال واصلة إلى أذقانهم فلا تخليهم يطأطئون رؤوسهم. {فَهُمْ مُقْمَحُونَ} أي رافعون رؤوسهم غاضون أبصارهم في أنهم لا يلتفتون إلى الحق ولا يعطفون أعناقهم نحوه ولا يطأطئون رؤوسهم له. {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} أي أحاط بهم سدان من أمامهم ومن خلفهم فإن نظروا أمامهم لا يبصرون وإن نظروا خلفهم لا يبصرون وإن نظروا إلى المستقبل لا يبصرون وإن نظروا إلى ماضيهم لا يعتبرون وإن نظروا إلى ماضي الأمم لا يعتبرون. {فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} أي ألبسنا أبصارهم وبصائرهم غشاوة- فأحمد الله يا أخي على أن كنت من أهل الإسلام ولم تكن من هؤلاء الذين تراهم واقعًا يتحرك.

_ (1) يس: 7 - 9. (2) هود: 119.

2 - نصوص حديثيه في النار

2 - نصوص حديثيه في النار 1303 - * روى أحمد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هذه النار جزء من مائة جزء من جهنم". 1304 - * روى الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتدرون مثل ناركم هذه من نار جهنم لهي أشد من دخان ناركم هذه بسبعين ضعفًا". 1305 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ناركم هذه التي توقدون: جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم"، قالوا: والله إن كانت لكافية يا رسول الله، قال: "فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءًا، كلها مثل حرها". أقول: نحن نعلم أن نار الدنيا ليست واحدة في الحرارة فهناك نار في الدنيا هي جزء من مائة جزء من نار جهنم وهناك نار في الدنيا هي جزء من سبعين جزءًا. 1306 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ سمع وجبة، فقال: "أتدرون ما هذا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: "هذا

_ 1303 - أحمد (2/ 379). مجمع الزوائد (10/ 287) وقال: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. 1304 - مجمع الزوائد (10/ 387) وقال: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله الصحيح. 1305 - البخاري (6/ 230) 59 - كتاب بدء الخلق، 10 - باب صفة النار. مسلم (4/ 2184) 51 - كتاب الجنة، 12 - في شدة حر نار جهنم. والترمذي (4/ 709) 40 - كتاب صفة جهنم، 7 - باب ما جاء في صفة جهنم. والموطأ (2/ 994) 57 - كتاب جهنم، 1 - باب ما جاء في صفة جهنم. وليس في الموطأ "كلها مثل حرها". 1306 - مسلم (4/ 2184) 51 - كتاب الجنة، 17 - باب في شدة حر نار جهنم. (وجبة): الوجبة: صوت وقع الشئ.

حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفًا، فهو يهوي في النار الآن حيث انتهى إلى قعرها" زاد في رواية (1): "فسمعتم وجبتها". أقول: هذا النص يدل على أن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يسمعون شيئا من أمر الغيب. 1307 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن رصاصة مثل هذه- وأشار إلى مثل الجمجمة- أرسلت من السماء إلى الأرض- وهي مسيرة خمسمائة سنة- لبلغت الأرض قبل الليل، ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة لسارت أربعين خريفًا الليل والنهار، قبل أن تبلغ أصلها، أو قعرها". وفي كتاب الترمذي المطبوع لو أن رضاضة- بالضاد المعجمة- والرضاضة فتات الشيء وفيه شرح السنة: لو أن رضراضة والرضاض: الحصى الصغار. قال محقق الجامع: وإسناده حسن، وقال الترمذي: هذا إسناد حسن صحيح. وحسن إسناده أيضًا الشيخ شعيب في شرح السنة 15/ 249. لكن ضعفه بعضهم، وظني أن ذلك لوجود دراج أبي السمح إذ قال عنه ابن حجر في التقريب: (صدوق في حديثه عن أبي الهيثم، ضعيف) أ. هـ. لكن الناظر في ترجمته في التهذيب يرى أنه وجد من وثقه ومن ضعفه وها أنذا أنقل ما قيل فيه: "قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: حديثه منكر، وقال أبو داود لما سئل عنه: سمعت أحمد يقول: الشأن في دراج، وقال عثمان الدارمي عن ابن معين: ثقة، قال عثمان: دراج ومشرح بن هامان ليسا بكل ذاك، وهما صدوقان. وقال الدوري عن ابن معين: دراج

_ (1) مسلم (4/ 2185) في الكتاب والباب السابقين. 1307 - الترمذي (4/ 709) 40 - كتاب صفة جهنم، 16 - باب حدثنا سويد ... الخ.

ثقة، وأبو الهيثم ثقة، وقال الآجري عن أبي داوود: أحاديثه مستقيمة إلا ما كان عن أبي الهيثم عن أبي سعيد. وقال النسائي: ليس بالقوى. وقال في موضع آخر: منكر الحديث. وقال أبو الحاتم في حديثه ضعف، وقال الدارقطني: ضعيف. وقال في موضع آخر: متروك. وقال فضلك الرازي لما ذكر له أن ابن معين قال دراج ثقة؛ فقال: ليس بثقة ولا كرامة. وقال ابن عدي: عامة الأحاديث التي أمليتها عن دراج مما لا يتابع عليه، ومما ينكر من حديث: أصدق الرؤيا بالأسحار، والشتاء ربيع المؤمن، والشباع حرام، وأكثروا من ذكر الله حتى يقال: مجنون، ولا حليم إلا ذو عثرات. وأرجو أن أحاديثه بع هذه التي أنكرت عليه لا بأس بها. وقال ابن يونس: كان يقص بمصر، يقال توفي سنة (126). قلت: وذكره ابن حبان في الثقات في عبد الرحمن، وذكر أن أسم أبيه السمح وخرج حديثه في صحيحه، وذكر ابن أبي حاتم عن أحمد بن صالح المصري: دراج لا يعرف اسم أبيه وحكي ابن عدي عن أحمد بن حنبل أحاديث دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد فيها ضعف، وقال ابن شاهين في الثقات: ما كان بهذا الإسناد فليس به بأس. أهـ تهذيب التهذيب (3/ 208 - 209). أقول: يستأنس بهذا النص أن السموات السبع قريبة نسبيًا من الأرض بالنسبة لما نعرفه الآن من أبعاد بين النجوم من جهة وبين المجرات من جهة، وهذا من جملة الأسباب التي حملتنا على القول بأن السموات السبع مغيبة عنا وأنها من أمر الغيب. 1308 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (1) فقال: "لو أن قطرة من الزقوم قطرت في الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم، فكيف بمن يكون طعامهم؟ ".

_ 1308 - الترمذي (4/ 706) 40 - كتاب صفة جهنم، 4 - باب ما جاء في صفة شراب أهل جهنم. وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو كما قال. (1) آل عمران: 102. الزقوم: هو ما وصفه الله تعالى في كتابه العزيز فقال: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} الصافات: 64، 65.

1309 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اشتكت النار إلى ربها، فقالت: رب، أكل بعضي بعضًا، فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فهو أشد ما تجدون من الحر، وأشد ما ترون من الزمهرير". وللبخاري (1): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم، واشتكت النار إلى ربها، فأذن لهم في كل عام بنفسين: نفس في الشتاء، وفي نفس في الصيف، فهو أشد ما تجدون من الحر، وأشد ما تجدون من الزمهرير". ولمسلم (2) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قالت النار: رب أكل بعضي بعضا، فأذن لي أتنفس، فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فما وجدتم من برد أو زمهرير فمن نفس جهنم، وما وجدتم من حر أو حرور فمن نفس جهنم". وفي أخرى (3) له: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان الحر فأبردوا عن الصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم"، وذكر: "أن النار اشتكت إلى ربها، فأذن لها في كل عام بنفسين: نفس في الشتاء، ونفس في الصيف". أقول: إن أمر النار غيب ومحلها غيب وكيفية تنفسها. وتأثيرها على الأرض وأهلها غيب وواجبنا في ذلك كله التسليم لأن أمر الغيب لا يدخل في دائرة البحث المادي ولا يتناقض معه بل يكمله.

_ 1309 - البخاري (2/ 18) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 9 - باب الإيراد بالظهر. مسلم (1/ 431) 5 - كتاب المساجد، 32 - باب استحباب الإيراد بالظهر. (1) البخاري (2/ 18) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 9 - باب في الإيراد بالظهر. (2) مسلم (1/ 432) 5 - كتاب المساجد، 9 - باب الإيراد بالظهر. (3) مسلم (1/ 432) 5 - كتاب المساجد، 9 - باب الإيراد بالظهر.

1310 - * روى البخاري ومسلم عن النعمانين بشير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أهون أهل النار عذابًا يوم القيامة: لرجل يوضع في أخمص قدميه جمرتان، يغلي منهما دماغه". وفي رواية (1): "له نعلان وشراكان من نار يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل، ما يرى أن أحدًا أشد منه عذابًا، وأنه لأهمنهم عذابًا". 1311 - * روى مسلم عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن منهم من تأخذه النار إلى كعبيه، ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه إلى حجزته، ومنهم من تأخذه النار إلى ترقوته". وفي أخرى (2) له: "إن منهم من تأخذه النار إلى كعبيه، ومنهم من تأخذه إلى حجرته، ومنهم من تأخذه إلى عنقه". وفي أخرى (3) مثل الأولى، وجعل مكان "حجزته": "حقويه". 1312 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الحميم ليصب على رؤوسهم، فينفذ حتى يخلص إلى جوفه، فيسلت ما في جوفه حتى يمرق من قدميه- وهو الصهر- ثم يعاد كما كان".

_ 1310 - البخاري (11/ 417) 81 - كتاب الرقاق، 51 - باب صفة الجنة والنار. مسلم (1/ 196) 1 - كتاب الإيمان، 91 - باب أهون أهل النار عذابًا. (1) مسلم: الموضع السابق. 1311 - مسلم (4/ 3185) 51 - كتاب الجنة، 12 - باب في شدة حر نار جهنم. (2) مسلم (4/ 3185) 51 - كتاب الجنة، 12 - باب في شدة حر نار جهنم. (3) مسلم: الموضع السابق. 1312 - الترمذي (4/ 705) 40 - كتاب صفة جهنم، 4 - باب ما جاء في صفة شراب أهل النار. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب. (الحميم): الماء الحار المتناهي الحرارة. (فينفذ): نفذ ينفذ: إذا خرق وجاز في الشئ. (فيسلت): أي: يحلق ويستأصل ما في جوفه. (يمرق): مرق السهم يمرق: إذا نفذ في الرمية. (المهر): الإذابة، صهرت الشحم أصهره: إذا أذبته.

1313 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ضرس الكافر- أو ناب الكافر- مثل أحد، وغلظ جلده: مسيرة ثلاث". وفي رواية الترمذي (1) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ضرس الكافر يوم القيامة مثل أحد، وفخذه مثل البيضاء، ومقعده في النار مسيرة ثلاث مثل الربذة" يعني كما بينها وبين المدينة، والبيضاء: جبل، وقيل: مدينة من مدائن المغرب. وله في أخرى (2): "ضرس الكافر مثل أحد". وفي أخرى (3) قال: "إن غلظ جلد الكافر: اثنان وأربعون ذراعًا، وإن ضرسه مثل أحد، وإن مجلسه من جهنم ما بين مكة والمدينة". أقول: من المعروف في الدنيا أن الأشياء تتمدد بالحرارة والظاهر أن جسم الكافر في تمدد دائم بسبب النار ليزداد عذابًا كلما طالت مدة مكثه في النار. 1314 - * روى الطبراني عن سليم بن عامر الكلاعي قال: قلنا للمقدام بن معدي كرب الكندي: يا أبا كريمة إن الناس يزعمون أنك لم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بلى والله لقد رأيته ولقد أخذ بشحمة أدنى هذه وأنا أمشي مع عم لي ثم قال لعمي: "أترى أنه يذكره". قلنا يا أبا كريمة حدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: سمعته يقول: "يحشر ما بين السقط إلى الشيخ الفاني يوم القيامة في خلق آدم وقلب أيوب وحسن يوسف مردًا مكحلين" فقلنا يا رسول الله فكيف بالكافر قال: "يغلظ للنار حتى يكون غلظ جلده أربعين ذراعًا وقريضة الناب من أسنانه مثل أحد".

_ 131 - مسلم (4/ 2189) 51 - كتاب الجنة، 13 - باب النار يدخلها الجبارون. (1) الترمذي (4/ 703) 40 - كتاب صفة جهنم، 3 - باب ما جاء في عظم أهل النار. وقال: هذا حديث حسن صحيح. (2) الترمذي (4/ 704): في الموضع السابق. (3) الترمذي (4/ 704): في الموضع السابق. 1314 - المعجم الكبير (20/ 280) مجمع الزوائد (10/ 333) وقال: رواه الطبراني بإسنادين، وأحدهما حسن.

1315 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه، قال: "ما بين منكبي الكافر في النار مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع". وفي رواية لم يذكر "في النار". 1316 - * روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزال جهنم يلقى فيها، وتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع رب العزة فيها قدمه، فينزوي بعضها إلى بعض، وتقول: قط قط، بعزتك وكرمك، ولا يزال في الجنة فضل، حتى ينشئ الله لها خلقًا، فيسكنهم فضل الجنة". وفي رواية (1): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزال جهنم تقول: هل من مزيد؟ حتى يضع رب العزة فيها قدمه، فتقول: قط قط وعزتك، ويزوي بعضها إلى بعض". أقول: أجمع أهل السنة والجماعة على أن كل ما ورد في حق الله عز وجل من صفات وأوصاف محمول على ما يليق بجلاله وتنزيهه عن مشابهة خلقه ويفضلون التسليم مع التنزيه ولا ينكرون على الراسخين في العلم من أئمة الهدى إذا أدلوا بما يجمع بين التنزيه وما تحتمله لغة العرب في الخطاب وبما لا يتناقض مع محكم. تقول هذا بمناسبة ذكر القدم في النص وقد مرت معنا من قبل نصوص كانت تقتضي منا مثل هذا التعليق فليكن هذا على ذكر من القارئ حيثما ورد وصف قد يحمله الغافل أو الجاهل على ما لا يليق بالله عز وجل مما يتنافى مع التنزيه أي عن مشابهة الله بخلقه. 1317 - * روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه ويلم: "يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار ثم يقول: انظروا من

_ 1315 - مسلم (4/ 2189) 51 - كتاب الجنة، 13 - باب النار يدخلها الجبارون. 1316 - البخاري (13/ 269) 97 - كتاب التوحيد، 7 باب قول الله تعالى: {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}. مسلم (4/ 2188) 51 - كتاب الجنة، 13 - باب النار يدخلها الجبارون. (1) مسلم (4/ 2187): الموضع السابق. (قط قط): بمعنى حسبي وكفايتي. 1317 - البخاري (1/ 73) 2 - كتاب الإيمان، 15 - باب تفاضل أهل الإيمان. مسلم (1/ 172) 1 - كتاب الإيمان، 83 - باب إثبات الشفاعة.

وجدتم في قلبه مثقال حبةٍ من خردلٍ من إيمان فأخرجوه، فيخرجون منها حممًا قد امتحشوا فيلقون في نهر الحياة-أو الحيا-فينبتون فيه كما تنبت الحبة إلى جانب السيل، ألم تروها كيف تخرج صفراء ملتوية؟ "هذا لفظ مسلم". وعند البخاري: "فيخرجون منها قد اسودوا" وقال: " من خردل من خير". 1318 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه: "إن قومًا يخرجون من النار يحترقون فيها، إلا دارات وجوههم، حتي يدخلو الجنة". وقد جاء في حديث آخر (1): "إن النار لا تأكل مواضع السجود". 1319 - * رواه الترمذي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يعذب ناس من أهل التوحيد في النار حتى يكونوا فيها حممًا، ثم تدركهم الرحمة، فيخرجون، فيطرحون على أبواب الجنة"، قال: فيرش عليهم أهل الجنة الماء، فينبتون كما ينبت الغثاء في حمالة السيل، ثم يدخلون الجنة". 1320 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "تأكل النار ابن آدم إلا أثر السجود حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود".

_ 1318 - (مسلم 1/ 178) 1 - كتاب الإيمان، 84 - باب أذنى أهل الجنة منزلة. (1) النسائي (2/ 329) 12 - كتاب التطبيق، 81 - باب موضع السجود. (دارات): جمع دارة، وهي ما يحيط بالوجه من جوانبه، أراد: أن وجوههم لا تأكلها النار؛ لأنها محل السجود. 1319 - الترمذي (4/ 712) 40 - كتاب صفة جهنم، 10 - باب منه. 1320 - البخاري (13/ 419) 97 - كتاب التوحيد، 24 - باب قول الله تعالى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ}. مسلم (1/ 163) 1 - كتاب الإيمان، 81 - باب معرفة طريق الرؤية. وابن ماجه (/1446) 37 - كتاب الزهد، 38 - باب صفة النار. واللفظ لأبن ماجه.

أقول: هؤلاء الذين يخرجون من النار بعد احتراق ما يحترق مهم هم أهل توحيد، ومن رحم الله عز وجل ببعض أهل التوحيد أنه يميتهم في النار حتى يخرجهم منها فإذا لم يبق في النار إلا كافر فعندئذٍ يذبح الموت بين الجنة والنار، وإذا كان أمثال ما ذكرنا مآلهم إلى الجنة فمن باب أولى أهل الأعراف. 1321 - * روى الطبراني عند عبد الله بن عمرو وقال: أهل النار يدعون مالكًا فلا يجيبهم أربعين عامًا، ثم يقول: إنكم ماكثون، ثم يدعون ربهم فيقولون: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} فلا يجيبهم مثل الدنيا، ثم يقول: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} ثم ييأس القوم فما هو إلا الزفير والشهيق تشبه أصواتهم أصوات الحمير أولها شهيق وآخرها زفير. 1322 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود في قول الله عز وجل {زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ} ... قال: زيدوا عقارب أنيابها كالنخل الطوال. 1323 - * روى الطبراني في الأوسط عن سعيد بن جبير قال: قالت بنو إسرائيل يا موسى يخلق ربك عز وجل خلقًا ثم يعذبهم، فأوحى الله إليه: أن أزرع فزرع، ثم قال أحصد فحصد، ثم قال دره فدراه فاجتمع القماش، فقال: لأي شيءٍ يصلح هذا؟ قال: للنار، قال: فكذلك لا أعذب من خلقي إلا من استأهل النار. فائدة: قال ابن كثير في النهاية ذاكرًا وجهة النظر التي تذكر أن النار طبقات ولكل طبقة اسم:

_ 1321 - مجمع الزوائد (10/ 396) وقال: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح. 1322 - المعجم الكبير (9/ 258). مجمع الزوائد (7/ 48). وقال: رواه الطبراني بأسانيد، ورجال بعضها رجال الصحيح. 1323 - مجمع الزوائد (7/ 201). وقال: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح.

قال القرطبي: قال العلماء: "أعلى الدركات جهنم. وهي المختصة بالعصاة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهي التي تخلى من أهلها فتصفق الرياح أبوابها، ثم لظى، ثم الحطمة، ثم السعير، ثم سقر، ثم الجحيم، ثم الهاوية". فأما المنافقون: ففي الدرك الأسفل من النار بنص القرآن لا محالة. قال القرطبي: " ومن هذه الأسماء ما هو علم للنار كلها لجملتها، نحو جهنم، وسعير، ولظى. فهذه أعلام، وليست لباب دون باب". وصدق فيما قال، رضي الله عنه. اهـ (الفتن والملاحم).

4 - نصوص حديثية في ما وصف به أهل الجنة وبعض نعيم أهلها

4 - نصوص حديثية في ما وصف به أهل الجنة وبعض نعيم أهلها 1324 - * روى مسلم عن أنس وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من يدخل الجنة ينعم، ولا ييأس، ولا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه". 1325 - * روى مسلم عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "دخل أهل الجنة الجنة، ينادي منادٍ: إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدًا، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدًا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدًا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا"-وفي رواية: تبتئسوا-فذلك قوله عز وجل: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (1). 1326 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال الله عز وجل: اعددت لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشرٍ" وأقرؤوا إن شئتم: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} (2). وفي رواية (3)، قال أبو هريرة، أقرؤوا إن شئتم: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}. وفي أخرى (4)، قال: "يقول الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين ما لا

_ 1324 - مسلم (4/ 2181) 51 - كتاب الجنة، 7 - باب في صفات الجنة وأهلها. 1325 - مسلم (4/ 2182) 51 - كتاب الجنة، 8 - باب في دوام نعيم اهل الجنة. والترمذي (5/ 374) 48 - كتاب التفسير، 41 باب "ومن سورة الزمر". (1) الأعراف: 43. 1326 - البخاري (8/ 515) 65 - كتاب التفسير، 1 - باب {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ ...}. مسلم (4/ 2174) 51 - كتاب الجنة، الحديث الثاني. (2) السجدة: 17. (3) البخاري: الموضع السابق. (4) مسلم (4/ 2175) 51 - كتاب الجنة، الحديث الرابع.

عينٌ رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشرٍ ذخرًا، بله ما أطلعكم عليه" ثم قرأ {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}. وفي رواية (1) "من قرات اعين". وللبخاري إلى قوله: "على قلب بشر" (2) ولمسلم نحو الثلاثة، ولم يذكر الآية، وقال: "بله ما أطلعكم الله عليه" (2). قال محقق الجامع: قال البخاري تعليقًا: وقال أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح: قرأ أبو هريرة: قرات أعين، قال الحافظ: "الفتح": وصله أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب "فضائل القرآن" له عن أبي معاوية بهذا الإسناد مثله سواء، وقال ابن الجوزي في "زاد المسير" 6/ 340: وقرأ أبو الدرداء، وأبو هريرة، وأبو عبد الرحمن السلمي، والشعبي وقتادة: قرات أعين، وقال الحافظ في "الفتح" 8/ 396: وقال: أبو عبيد ورأيتها في المصحف الذي يقال له: الإمام "قرة" بالهاء على الوحدة، وهيي قراءة أهل الأمصار. أهـ. 1327 - * روى مسلم عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: شهدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسًا وصف فيه الجنة، حتى انتهى، ثم قال في آخر حديثه: "فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشرٍ" ثم اقترأ هاتين الآيتين {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (4). قال أبو صخر حميد بن زيادٍ، فأخبرت بها محمد بن كعب القرظي، فقال: أبو حازم حدثك بهذا؟ قلت نعم، قال: إن ثم لكيسًا كثيرًا، إنهم أخفوا لله عملًا، فأخفى الله لهم

_ (1)، (2) البخاري: الموضع السابق. (2) مسلم: (4/ 2174) 51 - كتاب الجنة، الحديث الثالث. 1327 - مسلم (4/ 2174) 51 - كتاب الجنة، الحديث الخامس. (4) السجدة: 16، 17. (كيسًا): عقلًا وفطنة.

ثوابًا، ولو قدموا عليه أقر تلك الأعين. 1328 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن موضع سوطٍ في الجنة خير من الدنيا وما فيها" واقرؤوا إن شئتم {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} (1). 1329 - * روى الطبراني عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما خلق الله جنة عدنٍ خلق فيها ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر، ثم قال لها تكلمي فقالت {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} "، وفي رواية للطبراني (2) "خلق الله جنة عدن بيده ودلى فيها ثمارها وشق فيها أنهارها ثم نظر فيها فقال لها تكلمي فقالت: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} فقال وعزتي لا يجاورني فيك بخيل". 1330 - * روى الطبراني في الأوسط عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يدخل أهل الجنة الجنة جردًا مردًا مكحلين". 1331 - * روى الترمذي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه سلم قال: "يدخل أهل الجنة جردًا مردًا مكحلين، أبناء ثلاثين، أو ثلاث وثلاثين سنة". 1332 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهل

_ 1328 - الترمذي (5/ 232) 48 - كتاب التفسير، 4 - باب "ومن سورة آل عمران". وقال هذا حديث حسن صحيح. وهو كما قال. (1) آل عمران: 188. 1329 - المعجم الكبير (11/ 184) (2) مجمع الزوائد (10/ 396). وقال: رواه الطبراني في الأوسط والكبير، وأحد إسنادي الطبراني في الأوسط جيد. 1330 - مجمع الزوائد (10/ 398). وقال: رواه الطبراني في الأوسط، وإسناده جيد. 1331 - الترمذي (4/ 682) 39 - كتاب صفة الجنة، 12 - باب ما جاء في سن أهل الجنة. وقال: هذا حديث حسن غريب. وهو حديث حسن بشواهده. (جردًا): الجرد جمع أجرد، وهو الذي لا شعر عليه. 1332 - الترمذي (4/ 679) 39 - كتاب صفة الجنة، 8 - باب ما جاء في صفة ثياب أهل الجنة. وقال: هذا حديث حسن غريب. وهو حديث حسن بشواهده. =

الجنة، جرد، مرد، كحلى، لا يفنى شبابهم، ولا تبلى ثيابهم". 1333 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أول زمرةٍ يدخلون الجنة: على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكبٍ دري في السماء إضاءة، لا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يتفلون، ولا يمتخطون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوة- الألنجوج عود الطيب-أزواجهم الحور العين، على خلق رجلٍ واحدٍ، على صورة أبيهم آدم ستون ذراعًا في السماء". وفي رواية (2) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أول زمرة تلج الجنة صورهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون فيها، ولا يمتخطون، ولا يتغوطون، آنيتهم فيها الذهب، أمشاطهم من الذهب والفضة، ومجامرهم الألوة، ورشحهم المسك، ولكل واحد منهم زوجتان، يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلبٌ واحدٌ، يسبحون الله بكرة وعشيا". وللبخاري (3) في رواية نحو الثانية، وفيه: "ووقود مجامرهم الألوة" قال أبو اليمان: يعني العود. وفي أخرى (4): قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أول زمرةٍ تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين على آثارهم كأحسن كوكبٍ دري في السماء إضاءة، قلوبهم على قلبٍ واحدٍ، لا تباغض بينهم ولا تحاسد، لك أمرئ زوجتان من الحور العين، يرى مخ سوقهن من وراء العظم واللحم".

_ = (كحلي): جمع كحيل، مثل قتيل وقتلى، والكحيل: الذي تبين أجفانه كأنها مكحولة من غير كحل. 1333 - البخاري (6/ 362) 60 - كتاب أحاديث الأنبياء، 10 - باب خلق آدم وذريته. مسلم (4/ 2180) 51 - كتاب الجنة، 7 - باب من صفات الجنة وأهلها. (الألوة): الألنجوج: من أسماء العود الذي يتبخر به، ومن أسمائه الكباء. (1) البخاري (6/ 318) 59 - كتاب بدء الخلق، 8 - باب ما جاء في صفة أهل الجنة. ومسلم: الموضع السابق. (2)، (3) البخاري: الموضع السابق.

ولمسلم (1): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أول زمرة تدخل الجنة من أمتي على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد نجمٍ ساطع في السماء إضاءة، ثم هم بعد ذلك منازل". ثم ذكر نحو الأولى، وفيه قال ابن أبي شيبة: "على خلق رجل" وقال أبو كريب "على خلق رجلٍ". وفي أخرى من رواية محمد (2) بن سيرين قال: إما تفاخروا، وإما تذاكروا: الرجال أكثر في الجنة، أم النساء؟ فقال أبو هريرة: أولم يقل أبو القاسم صلى الله عليه وسلم "إن أول زمرةٍ تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والتي تليها على أضوأ كوكبٍ دري في السماء، لكل أمريء منهم زوجتان اثنتان، يرى مخ سوقهما من وراء اللحم، وما في الجنة أعزب"؟. وفي رواية ابن عيينة (3): اختصم الرجال والنساء: أيهم في الجنة أكثر؟ فسألوا أبا هريرة فقال قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم ... وذكر مثل ذلك. قوله " لكل أمريء منهم زوجتان اثنتان": قال النووي: إن ظاهره أن النساء أكثر أهل الجنة، وفي الحديث الآخر أنهن أكثر اهل النار فيخرج من مجموع هذا أن النساء أكثر ولد آدم. وهذا كله في الآدميات، وإلا فقد جاء للواحد من أهل الجنة من الحور العدد الكثير. أهـ. وقال ابن حجر: (قوله "ولكل واحد منهم زوجتان" أي من نساء الدنيا، فقدر روى أحمد من وجه آخر عن أبي هريرة مرفوعًا في صفة أدنى أهل الجنة منزلة "وإن له من الحور العين لاثنتين وسبعين زوجة سوى أزواجه من الدنيا" في سنده شهر بن حوشب وفيه مقال، ولأبي يعلي في حديث الصور الطويل من وجه آخر عن أبي هريرة في حديث

_ (1) مسلم (4/ 2179) 51 - كتاب الجنة، 6 - باب أول زمرة تدخل الجنة. (2)، (3) مسلم: الموضع السابق.

مرفوع "فيدخل الرجل على ثنتين وسبعين زوجة مما ينشئ الله وزوجتين من ولد آدم"، وأخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد رفعه "إن أدنى أهل الجنة الذي له ثمانون ألف خادم وثنتان وسبعون زوجة" وقال غريب، ومن حديث المقدام بن معد يكرب عنده: "للشهيد ست خصال" الحديث وفيه: "ويتزوج ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين"، وفي حديث أبي أُمامة عند ابن ماجه والدرامي رفعه: "ما أحد يدخل الجنة إلا زوجه الله ثنتين وسبعين من الحور العين وسبعين وثنتين من أهل الدنيا" وسنده ضعيف جدًا، وأكثر ما وقفت عليه من ذلك ما أخرج أبو الشيخ في "العظمة" والبيهقي في "البعث" من حديث عبد الله ابن أبي أوفى رفعه: "إن الرجل من أهل الجنة ليزوج خمسمائة حوراء أو إنه ليفضي إلى أربعة ألاف بكر وثمانية آلاف ثيب" وفيه راوٍ لم يسم، وفي الطبراني من حديث ابن عباس: "إن الرجل من أهل الجنة ليفضي إلى مائة عذراء" وقال ابن القيم: ليس في الأحاديث الصحيحة زيادة على زوجتين سوى ما في حديث أبي موسى: "إن في الجنة للمؤمن لخيمة من لؤلؤة له فيها أهلون يطوف عليهم" قلت: الحديث الأخير صححه الضياء، وفي حديث أبي سعيد عند مسلم في صفة أدنى أهل الجنة: "ثم يدخل عليه زوجتاه"، وقد أجاب بعضهم باحتمال أن تكون التثنية تنظيرًا لقوله جنتان وعينان ونحو ذلك، أو المراد تثنية التكثير والتعظيم نحو لبيك وسعديك، ولا يخفى ما فيه. واستدل أبو هريرة بهذا الحديث على أن النساء في الجنة أكثر من الرجال كما أخرجه مسلم من طريق ابن سيرين عنه، وهو واضح لكن يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الكسوف المتقدم: "رأيتكن أكثر أهل النار" ويجاب بأنه لا يلزم من أكثريتهن في النار نفي أكثريتهن في الجنة، لكن يشكل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: "اطلعت في الجنة فرأيت أقل سكانها النساء" ويحتمل أن يكون الراوي رواه بالمعنى الذي فهمه من كونهن أكثر سكاني النار يلزم منه أن يكن أقل سكاني الجنة، وليس ذلك بلازم لما قدمته، ويحتمل أن يكون ذلك في أول الأمر قبل خروج العصاة من النار بالشفاعة، والله اعلم) أهـ (الفتح).

1334 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون، ولا ينفلون، ولا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يتمخطون" قالوا: فما بال الطعام؟ قال: "جشأ ورشح كرشح المسك، يلهمون التسبيح والتحميد، كما يلهمون النفس". وفي رواية (2) بدل "التحميد" "الحمد" وفي أخرى (3) "التكبير". وأخرج أبو داود (4) منه "إن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون" لم يزد. 1335 - * روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم، كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق إلى المغرب، لتفاضل ما بينهم" قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء، لا يبلغها غيرهم؟ قال: "بلى، والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين". 1336 - * روى البزار عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خلق الله تبارك وتعالى الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضةٍ وملاطها المسك، وقال لها تكلمي، فقالت: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} فقالت الملائكة طوباك منزل الملوك". 1337 - * روى البزار عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الجنة لبنة من فضةٍ

_ 1334 - مسلم (4/ 2180) 51 - كتاب الجنة، 7 - باب في صفات أهل الجنة. (1) مسلم: الموضع السابق. (2) مسلم: الموضع السابق. (3) أبو داود (4/ 236) كتاب السنة، باب في الشفاعة. 1335 - البخاري (6/ 320) 59 - كتاب بدء الخلق، 8 - باب ما جاء في صفة أهل الجنة. مسلم (4/ 2177) 51 - كتاب الجنة، 3 - باب ترائي أهل الجنة اهل الغرف. 1336 - كشف الأستار (4/ 189). مجمع الزوائد (10/ 397). وقال: رواه البزار مرفوعًا وموقوفًا، والطبراني في الأوسط إلا أنه قال عن النبي صلى الله عليه وسلم ... قال: إن الله خلق جنة عدن بيده لبنة من ذهب ولبنة من فضة والباقي بنحوه، ورجال الموقوف رجال الصحيح، وأبو سعيد لا يقول هذا إلا بتوقيف. 1337 - كشف الأستار (4/ 190). مجمع الزوائد (10/ 396). وقال: رواه البزار، والطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. =

ولبنة من ذهب وملاطها المسك". 1338 - * روى محمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلنا: يا رسول الله ما لنا إذا كنا عندك رقت قلوبنا، وزهدنا في الدنيا، وكانت الآخرة كأنها رأي عينٍ؟ فإذا خرجنا من عندك فأنسنا في أهالينا، وشممنا أولادنا: أنكرنا أنفسنا؟ قال: "لو أنكم إذا خرجتم تكونون على حالكم عندي: لزارتكم الملائكة في بيوتكم، ولصافحتكم في طرقكم، ولو لم تذنبوا لذهب بكم ولجاء الله بخلقٍ جديدٍ يذنبون، فيغفر لهم"، قال: قلت: يا رسول الله مما خلق الخلق؟ قال: "من الماء"، قلت: الجنة ما بناؤها؟ قال: "لبنة من فضةٍ ولبنة من ذهب، وملاطها المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وتربتها الزعفران، من يدخلها ينعم، ولا يبأس، ويخلد ولا يموت، لا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم" ثم قال: "ثلاثة لا ترد دعواهم: الإمام العادل، والصائم حين يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها فوق الغمام، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب تبارك وتعالى: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين". 1339 - * روى الطبراني عن ابن عمر قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الجنة فقال "من يدخل الجنة يحيا فيها لا يموت وينعم فيها لا يبأس، لا تبلي ثيابه، ولا يفنى شبابه" قيل يا رسول الله ما بناؤها؟ قال: "لبنة من ذهبٍ ولبنة من فضة ملاطها

_ = (الملاط): الطين الذي يجعل بين أحجار البناء. 1338 - أحمد (2/ 304). الترمذي (4/ 672) 39 - كتاب صفة الجنة، 2 - باب ما جاء في صفة أهل الجنة. وقال: هذا حديث ليس إسناده بذاك القوي، وليس هو عندي بمتصل. وقد روى هذا الحديث بإسناد آخر عن أبي مدله عن أبي هريرة. وقال محقق الجامع: لفقراته شواهد، فهو حسن بشواهده. وابن ماجه (1/ 577) 7 - كتاب الصيام، 48 - باب في الصائم لا ترد دعوته. والإحسان بترتيب ابن حبان (5/ 180). (الأذفر): مسك أذفر: إذا كان طيب الريح، والذفر: يقال في الطيب والكريه. (يبأس): بئس يبأس، إذا أفتقر واشتدت حاجته فهو بائس. 1339 - مجمع الزوائد (10/ 397) وقال: رواه الطبراني بإسناد حسن.

المسك وترابها الزعفران حصباؤها اللؤلؤ والياقوت". 1340 - * روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "جنتان من فضةٍ، آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهبٍ، آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدنٍ". وفي رواية الترمذي روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (1) "إن في الجنة جنتين من فضة ... " وذكر الحديث. قال ابن حجر: ويعارضه حديث أبي هريرة: قلنا يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها؟ قال: "لبنة من ذهب ولبنة من فضة" الحديث أخرجه أحمد والترمذي وصححه ابن حبان، وله شاهد عن ابن عمر أخرجه الطبراني وسنده حسن وآخر عن أبي سعيد أخرج البزار ولفظه: "خلق الله الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة" الحديث، ويجمع بأن الأول صفة ما في كل جنة من آنية وغيرها، والثاني صفة حوائط الجنان كلها، ويؤيده أنه وقع عند البيهقي في البعث في حديث أبي سعيد: "أن الله أحاط الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة" وعلى هذا فقوله "آنيتهما وما فيهما" بدل من قوله "من ذهب" ويترجح الاحتمال الثاني أهـ (الفتح). 1341 - * روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤةٍ واحدةٍ مجوفةٍ، طولها في السماء ستون ميلًا-وفي رواية: عرضها-للمؤمن فيها أهلون، يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضًا". وفي رواية الترمذي (2) "إن في الجنة خيمة من لؤلؤة: مجوفةٍ، عرضها ستون

_ 1340 - البخاري (13/ 423) 97 - كتاب التوحيد، 24 - باب قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ...}. مسلم (1/ 163) 1 - كتاب الإيمان، 80 - باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى. (1) الترمذي (4/ 674) 39 - كتاب صفة الجنة، 3 - باب ما جاء في صفة غرف الجنة. 1341 - البخاري (8/ 624) 65 - كتاب التفسير، 2 - باب (حور مقصورات في الخيام). مسلم (4/ 2182) 51 - كتاب الجنة، 9 - باب في صفة خيام الجنة. (2) الترمذي (4/ 674) 39 - كتاب صفة الجنة، 3 - باب ما جاء في صفة غرف الجنة.

ميلًا في كل زاوية منها للمؤمن أهلٌ، ما يرون الآخرين، يطوف عليهم المؤمن". 1342 - * روى الترمذي عن عبد الله ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن المرأة من نساء أهل الجنة ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حلةً، حتى يرى مخها، وذلك بأن الله عز وجل يقول: {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} (1) "فأما الياقوت، فإنه حجر لو أدخلت فيه سلكًا ثم استصفيته لأريته من ورائها". 1343 - * روى الطبراني في الأوسط عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينها ريحًا ولأضاءت ما بينهما، ولتاجها على رأسها خير من الدنيا وما فيها". 1344 - * روى الترمذي عن أنس (رفعه): "غدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها، ولقاب قوس أحدكم أو موضع قده في الجنة خير من الدنيا

_ 1342 - الترمذي (4/ 676) 39 - كتاب صفة الجنة، 5 - باب في صفة نساء أهل الجنة. وقال: وروي عن ابن مسعود، ولم يرفعه، وهو أصح من حديث عبيدة بن حميد. والإحسان بترتيب ابن حبان (9/ 244). (1) الرحمن: 58. 1343 - مجمع الزوائد (10/ 418) وقال: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده جيد. 1344 - الترمذي (4/ 181) 23 - كتاب فضائل الجهاد، 17 - باب ما جاء فضل ما جاء في فضل الغدو والرواح. وقال: هذا حديث صحيح. وروى أحمد نحوه (3/ 141). وللبخاري نحوه (6/ 15) 56 - كتاب الجهاد، 6 - باب الحور العين. ولمسلم نحوه (3/ 1499) 33 - كتاب الإمارة، 30 - باب فضل الغدوة والروحة. قوله (ولقاب قوس أحدكم) قال ابن الأثير: (القاب والقيب): بمعنى القدر، وعينها واو، من قولهم قوبوا في هذه الأرض: أي أثروا فيها بوطئهم، وجعلوا في مسافتها علامات. ... يقال: يبني وبينه وقاب رمح وقاب قوس: أي مقدارهما) أهـ. وحكى الهروي عن مجاهد: (قاب قوسين: أي مقدار ذراعين. قال مجاهد: والقوس: الذراع، بلغة أزد شنوءة) أهـ. (قده): القد: السوط، والمعنى لقدر قوس أحدكم والموضع الذي يسع سوطه من الجنة خير من الدنيا وما فيها.

وما فيها ولو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت الدنيا وما فيها ولملأت ما بينها ريحًا، ولنصيفها-يعني: خمارها-خير من الدنيا وما فيها". 1345 - * روى أحمد عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو أن ما يقل ظفر مما في الجنة بدا لتزخرفت له ما بين خواف السموات والأرض، ولو أن رجلًا من أهل الجنة اطلع، فبدا سواره، لطمس ضوء الشمس، كما تطمس الشمس ضوء النجوم". 1346 - * روى الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا وكذا من الجماع" قيل: يا رسول الله أو يطيق ذلك؟ قال: "يعطى قوة مائة ". 1347 - * روى الطبراني في الصغير والأوسط عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله: أنفضي إلى نسائنا في الجنة؟ فقال: "أي والذي نفسي بيده إن الرجل ليفضي في اليوم الواحد إلى مائة عذراء".

_ 1345 - أحمد (1/ 169). والترمذي (4/ 678) 39 - كتاب صفة الجنة، 7 - باب ما جاء في صفة أهل الجنة. وقال: هذا حديث غريب، وهو حديث حسن. (يقل) أقل الشيء يقله: إذا حمله. (تزخرفت): الزخرفة: الزينة، والزخرف: الذهب. (خوافق) السماء: الجهات التي تخرج منها الرياح الأربع. 1346 - الترمذي (4/ 677) 39 - كتاب صفة الجنة، 6 - باب ما جاء في صفة جماع أهل الجنة ... وقال: هذا حديث غريب، وهو حديث حسن. والدرامي (2/ 344). باب في أهل الجنة ونعيمها. وإسناده صحيح من حديث زيد بن أرقم. 1347 - كشف الأستار (4/ 198). مجمع الزوائد (10/ 417) وقال: رواه البزار والطبراني في الصغير والأوسط، ورجال هذه الرواية الثانية رجال الصحيح غير محمد بن ثواب وهو ثقة. قال عنه في التقريب: صدوق ضعفه مسلمة بلا حجة.

1348 - * روى الطبراني عن زيد بن أرقم قال: جاء رجل من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا أبا القاسم: تزعم أن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون قال: "نعم، والذي نفسي بيده إن الرجل ليعطي قوة مائة رجل في الأكل والشرب والشهوة والجماع" فقال اليهودي: إن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة والجنة مطهرة، قال: "حاجة أحدهم عرق يفيض من جلده كريح المسك فإذا بطنه قد ضمر". وفي رواية (1): بينما نحن عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أقبل رجل من اليهود يقال له ثعلبة بن الحارث فقال: السلام عليك يا محمد فقال: "وعليكم". فقال: اليهود تزعم أن في الجنة طعامًا وشرابًا وأزواجًا. فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: "نعم، تؤمن بشجرة المسك" قال: نعم قال "وتجدها في كتابكم" قال: نعم قال "وتجدها في كتابكم" قال: نعم قال: "فإن البول والجنابة عرق يسيل من تحت ذوائبهم إلى أقدامهم مسك". 1349 - * روى الطبراني في الصغير والأوسط عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أزواج الجنة ليغنين بأحسن أصواتٍ سمعها أحدٌ قطٌ، إن مما يغنين: نحن الخيرات الحسان أزواج قومٍ كرام ينظرن بقرة أعيان. وإن مما يغنين به: نحن الخالدات فلا نمتنه نحن الآمنات فلا يخفنه نحن المقيمات فلا يظغنه". 1350 - * روى الطبراني في الأوسط عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الحور في الجنة يغنين يقلن: نحن الحور الحسان هدين لأزواجٍ كرام". 1351 - * روى الطبراني عن عقبة بن عبد السلمي قال: كنت جالسًا مع النبي صلى الله عليه وسلم

_ 1348 - المعجم الكبير (5/ 177). وكشف الستار (4/ 197). (1) المعجم الكبير (5/ 178). مجمع الزوائد (10/ 416) وقال: رواه كله الطبراني في الأوسط وفي الكبير بنحوه وأحمد إلا أنه قال يا أبا القاسم ألست تزعم ان أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون، وقال لأصحابه إن أقر لي بهذه خصمته، والباقي بنحوه. ورواه البزار ورجال أحمد والبزار رجال الصحيح غير ثمامة بن عقبة وهو ثقة. 1349 - مجمع الزوائد (10/ 419) وقال: رواه الطبراني في الصغير والأوسط، ورجاله رجال الصحيح. 1350 - مجمع الزوائد (10/ 419). وقال: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله وثقوا به 1351 - مجمع الزوائد (10/ 414) وقال: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح.

فجاء إعرابي فقال يا رسول الله: أسمعك تذكر في الجنة لا اعلم أكثر شوكًا منها-يعني الطلح-فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يُجعل مكان كل شوكةٍ منها خصوة التيس الملهود- يعني الخصى منها-سبعون لونًا من الطعام لا يشبه لونٌ آخر". 1352 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما في الجنة شجرة إلا وساقها من ذهبٍ". 1353 - * روى الطبراني عن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة شجرة مستقلةً على ساقٍ واحدٍ، عرض ساقها ثنتان وسبعون". 1354 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنةٍ، واقرؤوا إن شئتم: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} (1) ولقاب قوس أحدكم في الجنة خيرٌ مما طلعت عليه الشمس أو تغرب". وفي رواية (2) يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة شجرةً يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، واقرؤوا إن شئتم: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ}. وفي رواية مسلم (3) مثل الأولى إلى قوله: "سنة" ومثل الثانية إلى قوله: "يقطعها" وأخرج الترمذي إلى قوله: "سنة". وأخرج الترمذي الأولى (4)، وله في أخرى (5) زيادة: "وفي الجنة شجرة يسير

_ 1352 - الترمذي (4/ 671) 38 - كتاب صفة الجنة، 1 - باب ما جاء في صفة شجر الجنة. وقال: هذا حديث حسن غريب من حديث أبي سعيد. وإسناده حسن. 1353 - المعجم الكبير (7/ 266). كشف الأستار (4/ 199). مجمع الزوائد (10/ 414) وقال: رواه البزار والطبراني، وإسناد الطبراني حسن. 1354 - البخاري (6/ 319) 59 - كتاب بدء الخلق، 8 - باب ما جاء في صفة الجنة. (1) الواقعة: 20. (2) البخاري (8/ 637) 65 - كتاب التفسير، 1 - باب {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ}. (3) مسلم (4/ 2175) 51 - كتاب الجنة، 1 - باب إن في الجنة شجرة .. (ولقاب) القابُ: القدر. (4) الترمذي (4/ 671) 39 - كتاب صفة الجنة، 1 - باب ما جاء في صفة شجر الجنة. (5) الترمذي (5/ 400) 48 - كتاب التفسير، 57 - باب "ومن سورة الواقعة". =

الراكب في ظلها مائة عامٍ لا يقطعها، واقرؤوا إن شئتم: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} وموضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها، واقرؤوا إن شئتم: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} " (1). 1355 - * روى البخاري ومسلم عن أبي حازم رحمه الله عن سهل بن سعد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها" قال: فحدثتها النعمان بن أبي عياش الزرقي، فقال: حدثني أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عامٍ لا يقطعها". 1356 - * روى الترمذي عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم-وذكر سدرة المنتهى-قال: "يسير الراكب في ظل الفنن منها: مائة سنةٍ، أو يستظل بظلها مائة راكب-شك يحيي-فيها فراش الذهب، كأن ثمرها القلال". 1357 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في الجنة مائة درجةٍ، ما بين كل درجتين مائة عامٍ". 1358 - * روى الترمذي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

_ = وهذه الزيادة قد أخرجها البخاري ومسلم مفردة. (1) آل عمران 185. 1355 - البخاري (11/ 415) 81 - كتاب الرقاق، 51 - باب صفة الجنة والنار. مسلم (4/ 2176) 51 - كتاب الجنة، 1 - باب إن في الجنة شجرة. 1356 - الترمذي (4/ 680) 39 - كتاب صفة الجنة، 9 - باب ما جاء في صفة ثمار أهل الجنة. وقال هذا حديث حسن غريب. وهو حديث حسن. (الفنن): الغصن، وجمعه أفنان. (القلال): جمع قلة وهي حب يسع مزادة من الماء. 1357 - الترمذي (4/ 674) 39 - كتاب صفة الجنة، 4 - باب ما جاء في صفة درجات الجنة. وقال هذا حديث حسن غريب. وهو حديث حسن. 1358 - الترمذي (4/ 675) 39 - كتاب صفة الجنة، 4 - باب ما جاء في صفة درجات الجنة. =

"في الجنة مائة درجةٍ، ما بين كل درجةٍ ودرجةٍ كما بين السماء والأرض والفردوس أعلاها درجة، منها تفجر أنهار الجنة الأربعة، ومن فوقها يكون العرش، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس". 1359 - * روى البزار عن العرباض بن سارية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن سألتم الله فسلوه الفردوس". 1360 - * روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تكون الأرض يوم القيامة خبزةً واحدةً، يتكفؤها الجبار بيده كما يتكفؤ أحدكم خبزته في السفر، نزلًا لأهل الجنة" فأتى رجل من اليهود فقال: بارك الرحمن عليك يا أبا القاسم، ألا أخبرك بنزل أهل الجنة يوم القيامة؟ قال: "بلى" قال: تكون الأرض خبزةً واحدةً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلينا، ثم ضحك حتى بدت نواجذه، ثم قال: ألا أخبرك بإدامهم؟ قال: "بلى" قال: إدامهم بالام ونون. قالوا: وما هذا؟ قال: ثور ونون، يأكل من زائدة كبدهما سبعون ألفًا. 1361 - * روى أحمد عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهود: "إني سائلهم عن تربة الجنة وهي درمكة بيضاء" فسألهم، فقالوا: خبزة يا أبا القاسم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الخبز من الدرمك".

_ = وهو حديث صحيح، وعن البخاري أتم منه. 1359 - كشف الأستار (4/ 191). مجمع الزوائد (10/ 398) وقال: رواه البزار، ورجال ثقات. 1360 - البخاري (11/ 372) 81 - كتاب الرقاق، 44 - باب يقبض الله الأرض يوم القيامة. مسلم (4/ 2151) 50 - كتاب صفات المنافقين، 3 - باب نزل أهل الجنة. (يتكفؤها الجبار): الجبار: اسم من أسماء الله عز وجل، ويتكفؤها أي: يقلبها ويميلها، من قولك: كفأت الإناء: إذا قلبته وكببته. (نزلًا) النزل: ما يعد للضيف من الطعام والشراب. (بالام): قد جاء في متن الحديث أنه الثور، ولعل اللفظة عبرانية. و "النون": الحوت، وهو عربي. 1361 - أحمد (3/ 361). مجمع الزوائد (10/ 399) وقال: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح غير مجالد، ووثقه غير واحد، وإسناده حسن. =

1362 - * روى الطبري عن طارق بن شهاب قال: جاءت اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم: فقالوا: أخبرنا ما أول ما يأكل أهل الجنة إذا دخلوا؟ قال: "أول ما يأكلون كبد الحوت". 1363 - * روى الترمذي عن معاوية: هو جد بهز بن حكيم-رضي الله عنه-أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة بحر العسل، وبحر الخمر، وبحر اللبن، وبحر الماء، ثم تنشق النهار بعد". 1364 - * روى الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الكوثر؟ فقال: "ذلك نهر أعطانيه الله-يعني في الجنة-أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل، فيه طير أعناقها كأعناق الجزر" قال عمر: إن هذه لنعامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكلتها أنعم منها". 1365 - * روى الترمذي عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الكوثر نهر في الجنة، حافتاه من ذهب مجراه على الياقوت والدر، تربته أطيب من المسك، ماؤه أحلى من العسل وأشد بياضًا من الثلج". 1366 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عمر: لما نزلت {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} (1)

_ = (الدرمك): الدقيق. 1362 - المعجم الكبير (386). مجمع الزوائد (10/ 413) وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير إسماعيل بن بهرام وهو ثقة. 1363 - الترمذي (4/ 699) 39 - كتاب صفة الجنة، 11 - باب ما جاء في صفة أنهار الجنة. وقال: هذا حديث حسن صحيح، وهو ما قال. 1364 - الترمذي (4/ 680) 39 - كتاب صفة الجنة 10 - باب ما جاء في صفة طير الجنة. وقال: هذا حديث حسن غريب. وهو حديث حسن. (الجزر): جمع جزور، وهو البعير ذكرًا أو أنثى، إلا أن اللفظة مؤنثة. 1365 - الترمذي (5/ 450) 48 - كتاب التفسير، 91 - باب "ومن سورة النصر". وقال: هذا حديث حسن صحيح. وهو حديث صحيح. وابن ماجه (2/ 1450) 37 - كتاب الزهد، 39 - باب صفة الجنة. 1366 - الترمذي (5/ 449) 48 - كتاب التفسير، 90 - باب "ومن سورة الكوثر". وصححه. (1) الكوثر.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هو نهر في الجنة حافتاه من ذهبٍ يجري على الدر والياقوت، تربته أطيب من ريح المسك، وطعمه أحلى من العسل، وماؤه أشد بياضًا من الثلج". 1367 - * روى أحمد عن أنسٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن طير الجنة كأمثال البخت ترعى في شجر الجنة" فقال أبو بكر: يا رسول الله إن هذه لطير ناعمة. فقال: " أكلتها أنعم منها-قالها ثلاثًا-وإني لأرجو أن تكون ممن يأكل منها". 1368 - * روى أبو يعلي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عرضت على الجنة فذهبت أتناول منها قطفًا أريكموه فحيل بيني وبينه". فقال رجل يا رسول الله: ما مثل الحبة من العنب قال: "كأعظم دلوٍ فرت أمك قط". 1369 - * روى أحمد عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الرجل ليتكئ في الجنة سبعين سنة قبل أن يتحول، ثم تأتيه امرأته فينظر وجهه في حدها أصفى من المرأة، وإن أدنى لؤلؤةٍ عليها تضيء ما بين المشرق والمغرب، فتسلم عليه فيرد السلام ويسألها من أنت؟ فتقول: أنا من المزيد. وإنه ليكون

_ (1) والدرامي (2/ 237) كتاب الرقاق، باب في الكوثر. وأخرج البخاري نحوه (11/ 463) 81 - كتاب الرقاق، 53 - باب في الحوض. وأخرج مسلم نحوه أيضًا (1/ 300) 4 - كتاب الصلاة، 14 - باب حجة من قال ... الخ. 1367 - أحمد (3/ 231). مجمع الزوائد (10/ 414) وقال: رواه الترمذي باختصار، ورواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح غير سيار بن حلتم وهو ثقة. وقال عنه الحافظ بالتقريب: صدوق له أوهام. (البخت): جمال طوال الأعناق. 1368 - مجمع الزوائد (10/ 414). وقال: رواه أبو يعلي وإسناده حسن. (القطف) العنقود. (فرت) أصل الفري: القطع. يقال: فريت الشيء أفريه فريًا إذا شققته وقطعته للإصلاح، فهو مفري وفري، وأفريته: إذا شققته على وجه الإفساد. تقول العرب: تركته يفري الفري: إذا عمل العمل فأجاده. (من النهاية). 1369 - أحمد (3/ 75). =

عليها سبعون ثوبًا أدناها مثل النعمان، من طوبى فينفذها حتى يرى مخ ساقها من وراء ذلك، وإن عليها من التيجان إن أدنى لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق والمغرب". 1370 - * روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة سوقًا يأتونها كل جمعةٍ، فتهب ريح الشمال، فتحثو في وجوههم وثيابهم، فيزدادون حسنًا وجمالًا، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسنًا وجمالًا، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسنًا، فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم حسنًا وجمالًا". 1371 - * روى البزار عن عبد الله بن عمرو قال: وقام آخر فقال: يا رسول الله أخبرنا عن ثياب أهل الجنة أخلق يخلق أم نسج ينسج فضحك بعض القوم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من جاهل يسأل عالمًا؟ " أين السائل؟ قال: أنا ذا يا رسول الله. قال: "تنشق عنها ثمار الجنة". 1372 - * روى الطبراني عن عبد الرحمن بن ساعدة قال كنت أحب الخيل فقلت: يا رسول الله هل في الجنة خيل؟ فقال: "إن أدخلك الله الجنة يا عبد الرحمن كان لك فيها فرس من ياقوت له جناحان يطير بك حيث شئت". 1373 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أدنى مقعد أحدكم من الجنة، من يقول له: تمن فيتمنى، ويتمنى، فيقول له: هل تمنيت؟ فيقول، نعم، فيقول له: فإن لك ما تمنيت ومثله معه".

_ = مجمع الزوائد (10/ 419) وقال: رواه أحمد وأبو يعلي، وإسنادهما حسن. (النعمان): قد يراد بالنعمان في الحديث اللون الأحمر وقد يراد به ما يتنعم به. 1370 - مسلم (4/ 2178) 51 - كتاب الجنة، 5 - باب في سوق الجنة. 1371 - كشف الأستار (4/ 196). مجمع الزوائد (10/ 415) وقال: رواه البزار في حديث طويل، ورجاله ثقات 1372 - مجمع الزوائد (10/ 413) وقال: رواه الطبراني، ورجاله ثقات. 1373 - مسلم (1/ 167) 1 - كتاب الإيمان، 81 - باب معرفة طريق الرؤية.

1374 - * روى الطبراني في الأوسط عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول" إن أسفل أهل الجنة أجمعين درجة لمن يقوم على رأسه عشرة ألاف بندٍ لكل واحد صحيفتان؛ واحدة من ذهبٍ والأخرى من فضةٍ في كل واحدةٍ لون ليس في الأخرى كمثله، يأكل من آخرها مثل ما يأكل من أولها، يجد لآخرها من الطيب واللذة مثل الذي يجد لأولها ثم يكون ذلك ريح المسك والأذفر، لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتمخطون إخوانًا على سرر متقابلين". 1375 - * روى الطبراني عن جابر بن عبد الله قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقيل يا رسول الله أينام أهل الجنة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "النوم أخو الموت وأهل الجنة لا ينامون".

_ 1374 - مجمع الزوائد (10/ 401) وقال: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات. 1375 - كشف الأستار (4/ 193). مجمع الزوائد (10/ 415) وقال: رواه الطبراني في الأوسط والبزار، ورجال البزار رجال الصحيح.

5 - في بعض ما ورد في آخر أهل النار خروجا منه

5 - في بعض ما ورد في آخر أهل النار خروجًا منه 1376 - * روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأعلم آخر أهل النار خروجًا منها، وآخر أهل الجنة دخولًا الجنة: رجل يخرج من النار حبوًا، فيقول الله له: أذهب فادخل الجنة، فيأتيها، فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع فيقول يا رب، وجدتها ملأى، فيقول الله عز وجل: أذهب فادخل الجنة" قال: " فيأتيها، فيخيل إليه أنها ملأى، فيرجع فيقول يا رب، وجدتها ملأى، فيقول الله عز وجل: أذهب فادخل الجنة، فإن لك مثل الدنيا، وعشرة أمثالها، أو إن لك مثل عشرة أمثال الدنيا، فيقول الله عز وجل له: اذهب فادخل الجنة، فإن لك مثل الدنيا، وعشرة أمثالها، أو إن لك عشرة أمثال الدنيا، فيقول: أتسخر بي- أو أتضحك بي-وأنت الملك؟ " قال: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه، فكان يقال: ذلك أدنى أهل الجنة منزلة. قال محقق الجامع: قال الحافظ في "الفتح": قائل "وكان يقال" هو الراوي، وأما قائل المقالة المذكورة، فهو النبي صلى الله عليه وسلم، ثبت ذلك في أول حديث أبي سعيد عند مسلم، ولفظه: "أدنى أهل الجنة منزلة رجل صرف الله وجهه عن النار" ... وساق القصة. ولمسلم (1) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني لأعلم آخر أهل النار خروجًا منها، يخرج منه زحفًا، فيقال له: انطلق فادخل الجنة" قال: "فيذهب فيدخل الجنة، فيجد الناس قد أخذوا المنازل، فيقال له: أتذكر الزمان الذي كنت فيه؟ فيقول نعم، فيقال له: تمن، فيتمنى، فيقال له: لك الذي تمنيت، وعشرة أضعاف الدنيا، فيقول: أتسخر بي وأنت الملك؟ " قال: فلقد رأيت رسول الله يضحك حتى بدت نواجذه. أقول: بالنسبة لآخر أهل الجنة دخولًا إليها هناك آخرية مطلقة، وهناك آخرية

_ 1376 - البخاري (11/ 418) 81 - كتاب الرقاق، 51 - باب صفة الجنة والنار. ... مسلم (1/ 173) 1 - كتاب الإيمان، 83 - باب آخر أهل النار خروجًا. (1) مسلم: الموضع السابق.

نسبية، فالآخرية المطلقة يراد بها آخر من يبقى من أهل الإيمان في النار ثم يخرج منها، والآخرية النسبية متعددة فهناك آخر من يحاسب ممن يستأهل دخول الجنة، وهناك آخر من يعبر الصراط من أهل الجنة، وهناك آخر من يدخل ممن استحقوا دخولها وسبقهم غيرهم، وهناك آخر من يدخل الجنة بالشفاعات. وقد مرت من قبل نصوص في شأن آخر من يدخل الجنة وههنا نصوص وبعضها محمول على آخرية مطلقة وبعضها محمول على آخرية نسبية والتفصيل في ذلك مظنة الخطأ ومظنة الخلط بين المواقف والعبرة الحاصلة بدون هذا التفصيل وإنما أشرنا هذه الإشارة ليعرف القارئ أن من أسباب اختلاف الروايات في هذا الشأن هو ما ذكرناه. 1377 - * روى مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "آخر من يدخل الجنة رجل، فهو يمشي مرة، ويكبو مرة، وتسفعه النار مرة، فإذا جاوزها التفت إليها، فقال تبارك الذي نجاني منك، لقد أعطاني الله شيئًا ما أعطاه أحدًا من الأولين والآخرين، فترفع له شجرة، فيقول: يا رب أدنني من هذه الشجرة فلأستظل بظلها، وأشرب من مائها، فيقول الله عز وجل: يا ابن آدم لعلي إن أعطيتكها سألتني غيرها؟ فيقول: لا، يارب، ويعاهده أن لا يسأله غيرها" قال: "وربه عز وجل يعذره، لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فيستظل بظلها، ويشرب من مائها، ثم ترفع له شجرةً هي أحسن من الأولى، فيقول: أي رب، أدنني من هذه لأشرب من مائها واستظل بظلها، لا أسألك غيرها، فيقول: يا ابن آدم ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ فيقول: لعلي إن أدنيتك منها تسألني غيرها؟ فيعاهده أن لا يسأله غيرها، وربه تعالى يعذره، لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها فيستظل بظلها، ويشرب من مائها، ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة، وهي أحسن من الأوليين، فيقول: أي رب، أدنني من هذه لأستظل بظلها وأشرب من مائها،، لا أسألك غيرها، فيقول: يا ابن آدم ألم تعاهدني أن

_ 1377 - مسلم (1/ 174) 1 - كتاب الإيمان، 83 - باب آخر أهل النار خروجًا. (ما يصريني): منك، أي: مالذي يرضيك ويقطع مسألتك، وأصل التصرية: القطع والجمع، ومنه الشاة المصراة، وهي التي جمع لبنها وقطع حلبه. =

لا تسألني غيرها؟ قال: بلى، يارب، هذه لا أسألك غيرها- وربه عز وجل يعذره، لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فإذا أدناه منها سمع أصوات أهل الجنة، فيقول: أي رب أدخلنيها، فيقول: يا ابن آدم، ما يصريني منك، أيرضيك أن اعطيك الدنيا ومثلها معها؟ قال يارب أتستهزئ مني وأنت رب العالمين" فضحك ابن مسعود، فقال: ألا تسألوني مم أضحك؟ فقالوا: مما تضحك؟ فقال: هكذا ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: مم تضحك يا رسول الله؟ فقال: "من ضحك رب العالمين، حين قال: أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟ فيقول: إني لا أستهزئ منك، ولكني على ما أشاء قادر". 1378 - * روى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أدنى أهل الجنة منزلة، رجل صرف الله وجهه عن النار قبل الجنة، ومثل له شجرةً ذات ظل، فقال: أي ورب، قربني من هذه الشجرة لأكون في ظلها ... " وساق الحديث بنحو حديث ابن مسعود، ولم يذكر: فيقول: "يا ابن آدم، ما يصريني منك؟ ... " إلى آخر الحديث. وزاد فيه "ويذكره الله، سل كذا وكذا، إذا انقطعت به الأماني، قال الله: هو لك وعشرة أمثاله" قال: "ثم يدخل بيته، فتدخل عليه زوجتاه من الحور العين فيقولان: الحمد لله الذي أحياك لنا، وأحيانا لك"، قال: "فيقول: ما أعطي أحد مثل ما أعطيت". 1379 - * روى مسلم عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولًا الجنة، وآخر أهل النار خروجًا منها: رجل يؤتى به يوم القيامة، فيقال أعرضوا عليه صغار ذنوبه، وارفعوا عنه

_ 1378 - مسلم (1/ 175) 1 - كتاب الإيمان، 84 - باب أدنى أهل الجنة منزلة. 1379 - مسلم (1/ 177) 1 - كتاب الإيمان، 84 - باب أدنى أهل الجنة منزلة. ... والترمذي (4/ 713) 40 - كتاب صفة جهنم، 10 - باب حدثنا هناد ... إلخ.

كبارها، فيعرض عليها صغارها، فيقال له: عملت يوم كذا وكذا، وكذا وكذا، وعملت يوم كذا وكذا، وكذا وكذا؟ فيقول: نعم، لا يستطيع أن ينكر، وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه، فيقال له: فإن لك مكان كل سيئة حسنة، فيقول: رب، قد عملت أشياء لا أراها ههنا" قال: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك حتى بدت نواجذه. 1380 - * روى مسلم عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سأل موسى عليه السلام ربه: ما أدنى اهل الجنة منزلة؟ قال: هو رجل يجيء بعد ما أدخل أهل الجنة الجنة، فيقال له: ادخل الجنة، فيقول: أي رب كيف وقد نزل الناس منازلهم، وأخذوا أخذاتهم؟ فيقال له: أما ترضى أن يكون لك مثل ملك ملكٍ من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت رب، فيقول: لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله، فقال في الخامسة: رضيت رب، فيقول هذا لك وعشرة أمثاله، ولك ما اشتهت نفسك، ولذت عينك، فيقول: رضيت رب، قال رب، فأعلاهم منزلة؟ قال: أولئك الذين أردت، غرست كرامتهم بيدي، وختمت عليها، فلم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر"، قال: ومصداقه في كتاب الله عز وجل: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ...} (1) ".

_ 1380 - مسلم (1/ 176) 1 - كتاب الإيمان، 84 - باب أدنى أهل الجنة منزلة. ... والترمذي (4/ 347) 48 - كتاب التفسير، 23 - باب "ومن سورة السجدة". وقد أخرجه إلى قوله: "فيقول رضيت رب" في الثالثة. (1) السجدة 17. قال ابن الأثير: (أخذاتهم): أخذ الناس أخذاتهم، أي نزلوا منازلهم المختصة بهم، زاد الحميدي في غريبه: واستوفوا مراتبهم. والإخاذة: الأرض يأخذها الرجل لنفسه يحوزها، قاله ابن فارس. أهـ.

6 - رؤية الله تعالى في الآخرة

6 - رؤية الله تعالى في الآخرة مقدمة قال تعالى عن الكفار: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} (1). وهذا يفيد أن ذلك عقوبة لهم ويفيد أن أهل الإيمان يرونه. وقال تعالى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (2). وقال تعالى عن موسى: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} (3). فطلبُ موسى الرؤية وهو العارف بربه دليل على إمكانها، وتعليق الله عز وجل إياها على ممكن دليل على إمكانها، ولذلك أجمع أهل السنة على أن رؤية الله تعالى ممكنة عقلًا واجبة نقلًا واقعة فعلًا للمؤمنين دون الكافرين بلا كيف ولا انحصار: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (4)، {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} (5). ومن كلام أهل السنة والجماعة أن من أدعى رؤية الله تعالى في الدنيا يقظة فقد كفر واختلفوا في ثبوت الرؤية فى الدنيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج؛ فالجمهور على ثبوتها والمسألة خلافية منذ عصر الصحابة، والراجح ثبوت الرؤية له عليه الصلاة والسلام. قال النووي: "أعلم أن مذهب أهل السنة بأجمعهم أن رؤية الله تعالى ممكنة غير مستحيلة عقلًا، وأجمعوا أيضًا على وقوعها في الآخرة، وأن المؤمنين يرون الله تعالى دون الكافرين، وزعمت طائفة من أهل البدع: المعتزلة والخوارج وبعض المرجئة أن الله تعالى لا يراه أحد من خلقه وأن رؤيته مستحيلة عقلًا، وهذا الذي قالوه خطأ صريح وجهل قبيح وقد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع الصحابة فمن بعدهم من سلف الآمة على إثبات رؤية الله تعالى في الآخرة للمؤمنين ورواها نحو عشرين صحابيًا عن رسول الله

_ (1) المطففين: 15. (2) القيامة: 22، 23. (3) الأعراف: 143. (4) الشورى: 11. (5) طه: 110.

صلى الله عليه وسلم، وآيات القرآن فيها مشهورة، واعتراضات المبتدعة عليها لها أجوبة مشهورة في كتب المتكلمين من أهل السنة، وكذلك باقي شبههم وهي مستقصاة في كتب الكلام وليس بنا ضرورة إلى ذكرها هنا، وأما رؤية الله تعالى في الدنيا فقد قدمنا أنها ممكنة ولكن الجمهور من السلف والخلف من المتكلمين وغيرهم أنه لا تقع في الدنيا وحكم الإمام أبو القاسم القشيري في رسالته المعروفة عن الإمام أبي بكر بن فورك أنه حكى فيها قولين للإمام أبي الحسن الأشعري: أحدهما وقوعها، والثاني لا تقع، ثم مذهب أهل الحق أن الرؤية قوة يجعلها الله تعالى في خلقه ولا يشترط فيها اتصال الأشعة ولا مقابلة المرئي ولا غير ذلك لكن جرت العادة في رؤية بعضنا بعضًا بوجود ذلك على جهة الاتفاق لا على سبيل الاشتراط. وقد قرر أئمتنا المتكلمون ذلك بدلائله الجلية، ولا يلزم من رؤية الله تعالى إثبات جهة تعالي ن ذلك؛ بل يراه المؤمنون لا في جهة كما يعلمونه لا في جهة والله أعلم". أهـ (شرح النووي على مسلم). وقال ابن حجر: وأدلة السمع طافحة بوقوع ذلك في الآخرة لأهل الإيمان دون غيرهم، ومنع ذلك في الدنيا إلا أنه اختلف في نبينا صلى الله عليه وسلم وما ذكروه من الفرق بين الدنيا والآخرة أن أبصار أهل الدنيا فانية وأبصارهم في الآخرة باقية جيد، ولكن لا يمنع تخصيص ذلك بمن ثبت وقوعه له، ومنع جمهور المعتزلة من الرؤية متمسكين بأن من شرط المرئي أن يكون في وجهة؛ والله منزل عن الجهة، واتفقوا على أنه يرى عباده، فهو راء لا من جهة، واختلف من أثبت الرؤية في معناها فقال قوم: يحصل للرائي العلم بالله تعالى برؤية العين كما في غيره من المرئيات، وهو على وفق قوله في حديث الباب: "كما ترون القمر" إلا أنه منزه عن الجهة والكيفية، وذلك أمر زائد على العلم وقال بعضهم: إن المراد بالرؤية العلم. وعبر عنها بعضهم بأنها حصول حالة في الإنسان نسبتها إلى ذاته المخصوصة نسبة الإبصار إلى المرئيات، وقال بعضهم: رؤية المؤمن لله نوع كشف وعلم، إلا أنه أتم وأوضح من العلم وهذا أقرب إلى الصواب من الأول، وتعقب الأول، بأنه حينئذٍ لا اختصاص لبعض دون بعض؛ لأن العلم لا يتفاوت، وتعقبه ابن التين بأن الرؤية بمعنى العلم تتعدى لمفعولين تقول: رأيت زيدًا

ففيها أي علمته، فإن قلت رأيت زيدًا منطلقًا لم يفهم منه إلا رؤية البصر، ويزيده تحقيقًا قوته في الخبر: "إنكم سترون ربكم عيانًا"، لأن اقتران الرؤية بالعيان لا يحتمل أن يكون بمعنى العلم، وقال ابن بطال: ذهب أهل السنة وجمهور الأمة إلى جواز رؤية الله في الآخرة ومنع الخوارج والمعتزلة وبعض المرجئة، وتمسكوا بأن الرؤية توجب كون المرئي محدثًا وحالًا في مكان، وأولوا قوله {نَاظِرَةٌ} بمنتظرة وهو خطأ لأنه لا يتعدى بإلى، ثم ذكر نحو ما تقدم ثم قال وما تمسكوا به فاسد لقيام الأدلة على أن الله تعالى موجود، والرؤية في تعلقها بالمرئي بمنزلة العلم في تعلقه بالمعلوم، فإذا كان تعلق العلم بالمعلوم لا يوجب حدوثه فكذلك المرئي. قال وتعلقوا بقوله تعالى {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} وبقوله تعالى لموسى: {لَنْ تَرَانِي} والجواب عن الأول: أنه لا تدركه الأبصار في الدنيا، جمعًا بين دليلي الآيتين، وبأن نفي الإدراك لا يستلزم نفي الرؤية لإمكان رؤية الشيء من غير إحاطة بحقيقته، وعن الثاني: المراد لن تراني في الدنيا جمعًا أيضًا، ولأن نفي الشيء لا يقتضي إحالته مع ما جاء من الأحاديث الثابتة على وفق الآية. وقد تلقاها المسلمون بالقبول من لدن الصحابة والتابعين حتى حدث من أنكر الرؤية وخالف السلف، وقال القرطبي: أشترط النفاة في الرؤية شروطًا عقلية كالبنية المخصوصة والمقابلة واتصال الأشعة وزوال الموانع كالبعد والحجب في خبط لهم وتحكم، وأهل السنة لا يشترطون شيئًا من ذلك سوى وجود المرئي، وأن الرؤية إدراك يخلقه الله تعالى للرائي فيرى المرئي وتقترن بها أحوال يجوز تبدلها والعلم عند الله تعالى. أ. هـ. (فتح الباري). وقد مرت معنا نصوص حول الرؤية في ما مضى وهذه نصوص أخرى ولقد خصصنا لهذا البحث عنوانًا لأهميته في عقائد أهل السنة والجماعة:

النصوص

النصوص 1381 - * روى البخاري ومسلم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى القمر ليلة البدر، وقال: "إنكم سترون ربكم عيانًا، كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا عن صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، فافعلوا" ثم قرأ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} (1). 1382 - * روى الطبراني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أتاني جبريل صلى الله عليه وسلم وفي يده مرآة بيضاء فيها نكتة سودا، فقلت: ما هذه يا جبريل؟ قال: هذه الجمعة يعرضها عليك ربك لتكون لك عيدًا ولقومك من بعدك، تكون أنت الأول، وتكون اليهود والنصارى من بعدك" قال: "ما لنا فيها؟ قال: لكم فيها خير، لكم فيها ساعة من دعا ربه فيها بخير هو له قسمٌ إلا أعطاه إياه، أو ليس له بقسم إلا أدخر له ما هو أعظم منه، قلت: ما هذه النكتة السوداء فيها؟ قال: هي الساعة تقوم يوم الجمعة، وهو سيد الأيام عندنا، ونحن ندعوه في الآخرة: يوم المزيد" قال: "قلت: لم تدعونه يوم المزيد؟ قال: إن ربك عز وجل أتخذ في الجنة واديًا أفيح من مسك أبيض، فإذا كان يوم الجمعة نزل تبارك وتعالى من عليين على كرسيه ثم حف الكرسي بمنابر من نور، وجاء النبيون

_ 1381 - البخاري (8/ 597) 65 - كتاب التفسير، 2 - باب {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ}. مسلم (1/ 439) 5 - كتاب المساجد، 37 - باب فضل صلاتي الصبح والعصر. وأبو داود (4/ 233) كتاب السنة، باب في الرؤية. ... والترمذي (4/ 687) 39 - كتاب صفة الجنة، 16 - باب ما جاء في رؤية الرب تبارك وتعالى. (لا تضامون): لا يزدحم بكم في رؤيته. (1) ق: 39. 1382 - مجمع الزوائد (10/ 421). وقال رواه البزار والطبراني في الأوسط بنحوه، وأبو يعلي باختصار، ورجال أبي يعلي رجال الصحيح، وأحد إسنادي الطبراني ... رجاله رجال الصحيح غير عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، وقد وثقه غير واحد وضعفه غيرهم، وإسناد البزار فيه خلاف.

حتى يجلسوا عليها، ثم حف المنابر بكرسي من ذهبٍ، ثم جاء الصديقون والشهداء حتى يجلسوا عليها، ثم يجيء أهل الجنة حتى يجلسوا على الكثيب، فيتجلى لهم ربهم تبارك وتعالى حتى ينظروا إلى وجهه، وهو يقول: أنا الذي صدقتم وعدي، وأتممتم عليكم نعمتي، هذا محل كرامتي فسلوني، فيسألونه الرضى، فيقول عز وجل: رضائي أحلكم داري، وأنالكم كرامتي، فسلوني، فيسألونه حتى تنتهي رغبتهم، فيفتح لهم عند ذلك ما لا عينٌ، رأت ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر إلى مقدار منصرف الناس يوم الجمعة، ثم يصعد تبارك وتعالى على كرسيه، فيصعد معه الشهداء والصديقون-أحسبه قال-: ويرجع أهل الغرف إلى غرفهم، درة بيضاء لا فصم فيها ولا قسم، أو ياقوتة حمراء، أو زبرجدة خضراء منها غرفها وأبوابها، مطردة فيها أنهارها، متدلية فيه ثمارها، فيها أزواجها وخدمها فليسوا إلى شيء أحوج منهم إلى يوم الجمعة ليزدادوا فيه كرامة، وليزدادوا فيه نظرًا إلى وجهه تبارك وتعالى، ولذلك دُعي يوم المزيد". 1383 - * روى مسلم عن صهيب الرومي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة، يقول تبارك وتعالى: تريدون شيئًا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ " قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم تبارك وتعالى" زاد في رواية: ثم تلا هذه الآية {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} (1). 1384 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة ان الناس قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل تضارون في القمر ليلة البدر"؟

_ 1383 - مسلم (1/ 163) 1 - كتاب الإيمان، 80 - باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة- ربهم سبحانه. والترمذي (4/ 687) 39 - كتاب صفة الجنة، 16 - باب ما جاء في رؤية الرب تبارك وتعالى. (1) يونس: 26. 1384 - البخاري (13/ 419) 97 - كتاب التوحيد، 24 - باب قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ...}. مسلم (1/ 163) 1 - كتاب الإيمان، 81 - باب معرفة طريق الرؤية. وهو جزء من حديث طويل.

قالوا: لا يا رسول الله، قال: "فإنكم ترونه كذلك يجمع الله الناس يوم القيامة، فيقول من كان يعبد شيءٍ فليتبعه فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها شافعوها، أو منافقوها، -شك إبراهيم-فيأتيهم الله فيقول: أنا ربكم، فيقولون: هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا جار ربنا عرفناه، فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا فيتبعونه، ويضرب الصراط بين ظهري جهنم، فأكون أنا وأمتي أول من يجزيها، ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل ودعوى الرسل يومئذ: اللهم سلِّم سلِّم ... ". أقول: فالرؤية للمؤمنين ثابتة وكذلك هي بعض مواقف يوم القيامة، وهي ثابتة لبعض المؤمنين في البرزخ، فقد ورد في حديث صحيح أن الله عز وجل كلم والد جابر بعد أن أستشهد كفاحًا أي ليس من وراء حجاب. قال الخطابي عن رؤية الله عز وجل في مواقف القيامة: وهذه الرؤية التي في هذا المقام يوم القيامة غير الرؤية التي في الجنة لكرامة أولياء الله وإنما هذه للامتحان والله أعلم. 1385 - * روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قلنا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: "هل تضارون في رؤية الشمس والقمر إذا كانت صحوًا؟ " قلنا: لا، قال: "فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم يومئذ إلا كما تضارون في رؤيتهما" ثم قال: "ينادي منادٍ ليذهب كل قوم إلى ما كانوا عليه يعبدون فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم، وأصحاب الأوثان مع

_ 1384 - البخاري (13/ 420) 97 - كتاب التوحيد، 24 - باب قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ}. مسلم (1/ 167) 1 - كتاب الإيمان، 80 - باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه. وهو حديث من جزء طويل.

أوثانهم وأصحاب كل آلهةٍ مع آلهتهم، حتى يبقي من كان يعبد الله من بر أو فاجرٍ وغبرات من أهل الكتاب، ثم يؤتى بجهنم تعرض كأنها سراب، فيقال لليهود: ما كنتم تعبدون؟ قالوا كنا نعبد عزيزًا ابن الله، فيقال: كذبتم لم يكن له صاحبة ولا ولد فما تريدون؟ قالوا: نريد أن تسقينا، فيقال اشربوا فيتساقطون في جهنم، ثم يقال للنصارى: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال: كذبتم لم يكن له صاحبة ولا ولد، فما تريدون؟ فيقولون نريد أن تسقينا، فيقال اشربوا فيتساقطون حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجرٍ، فيقال لهم: ما يحبسكم وقد ذهب الناس؟ فيقولون: فارقناهم ونحن أحوج منا إليه اليوم، وإنا سمعنا مناديًا ينادي: ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون وإنما ننتظر ربنا". قال: "فيأتيهم الجبار في صور غير صورته التي رأوه فيها أول مرة، فيقول أنا ربكم، فيقولون أنت ربنا، فلا يكلمه إلا الأنبياء، فيقول: هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟ فيقولون: الساق. فيكشف عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن، ويبقى من كان يسجد لله رياءً وسمعةً فيذهب كي ما يسجد فيعود ظهره طبقًا واحدًا ... ".

7 - في ذبح الموت

7 - في ذبح الموت 1386 - * روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يؤتي بالموت كهيئة كبش أملح، فينادي مناد: يا أهل الجنة، فيشرئبون وينظرون، فيقول لهم: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا الموت، وكلهم قد رآه، ثم ينادي مناد: يا أهل النار فيشرئبون وينظرون، فيقول لهم: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا الموت، وكلهم قد رآه، فيذبح بين الجنة والنار، ثم يقول: يا أهل الجنة خلودً فلا موت، ويا أهل النار خلودً فلا موت"، ثم قرأ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} (1) وأشار بيده إلى الدنيا. وأخرجه (2) الترمذي قال: "إذا كان يوم القيامة أُتي بالموت كالكبش الأملح، فيوقف بين الجنة والنار، فيذبح وهم ينظرون، فلو أن أحدًا مات فرحًا لمات أهل الجنة، ولو أن أحدًا مات حزنًا لمات أهل النار". 1387 - * روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صار أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار، جيء بالموت، حتى يجعل بين الجنة والنار، فيذبح، ثم ينادي مناد: يا أهل الجنة لا موت، يا أهل النار لا موت، فيزداد أهل الجنة فرحًا إلى فرحهم، وأهل النار حزنًا إلى حزنهم".

_ 1386 - البخاري (13/ 428) 65 - كتاب التفسير، 1 - باب (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ). مسلم (4/ 2188) 51 - كتاب الجنة، 13 - باب النار يدخلها الجبارون. (1) مريم: 39. (2) الترمذي (5/ 315) 48 - كتاب التفسير، 20 - باب "ومن سورة مريم". وقال: حديث حسن صحيح. (كبش أملح) الأملح: المختلط البياض والسواد. (فيشرئبون) اشرأب إلى الشيء: إذا تطلع ينظر إليه، ومالت نحوه نفسه. 1387 - البخاري (11/ 415) 81 - كتاب الرقاق، 51 - باب صفة الجنة والنار. مسلم (4/ 2189) 51 - كتاب الجنة، 13 - باب النار يدخلها الجبارون ... إلخ. =

وفي رواية (1): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ثم يقوم مؤذن بينهم، فيقول: يا أهل الجنة لا موت، ويا أهل النار لا موت، كلٌ خالدٌ فيما هو فيه".

_ (1) مسلم: الموضع السابق.

8 - في متفرقات في الجنة والنار وبعض صفات أهلهما وبعض ما يحصل لأهل كل منهما

8 - في متفرقات في الجنة والنار وبعض صفات أهلهما وبعض ما يحصل لأهل كل منهما 1388 - * روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أمرت أن لا أفتح لأحدٍ قبلك". 1389 - * روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا ربنا وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من خلقك؟ فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: وأي شيء أفضل؟ فيقول: أحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبدًا". 1390 - * روى أبو يعلي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سألت ربي اللاهين من ذرية البشر أن لا يعذبهم فأعطانيهم". 1391 - * روى أحمد عن مطرف قال: قال لي عمران: إني لأحدثك بالحديث اليوم

_ 1388 - مسلم (4/ 188) 1 - كتاب الإيمان، 85 - باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم "أنا أول الناس يشفع ... ". 1389 - البخاري (11/ 415) 81 - كتاب الرقاق، 51 - باب صفة الجنة والنار. مسلم (4/ 2176) 51 - كتاب الجنة، 2 - باب إحلال الرضوان. والترمذي (4/ 689) 39 - كتاب صفة الجنة، 18 - باب حدثنا سويد بن نصر. وقال: حديث حسن صحيح. 1390 - مجمع الزوائد (7/ 219). وقال: رواه أبو يعلي من طرق ورجال أحدها رجال الصحيح غير بن عبد الرحمن بن المتوكل وهو ثقة، ولفظها: سألت الله. اللاهين من ذرية البشر فأعطانيهم. (اللاهين): قيل هم البله الغافلون وقيل الذين لم يتعمدوا الذنوب وإنما فرط منهم سهوًا ونسيانًا وقيل هم الذين لم يقترفوا ذنبًا. 1391 - أحمد (4/ 434). مجمع الزوائد (10/ 95) وقال: رواه أحمد موقوفًا وهو شبه المرفوع، ورجاله رجال الصحيح.

لعل الله ينفعك به بعد اليوم: أعلم أن خيار عبد الله يوم القيامة الحمادون. 1392 - * روى مسلم عن أبي التياح قال: كان لمطرف بن عبد الله الشخير امرأتان، فخرج من عند إحداهما، فلما رجع قالت له: أتيت من عند فلانة؟ قال: أتيت من عند عمران بن حصين، فحدثنا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن أقل ساكني الجنة النساء". 1393 - * روى أحمد عن أبي بكر الصديق عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل الجنة بخيلً ولا خبٌ ولا خائنً ولا سيء الملكة، وأول من يقرع باب الجنة المملوكون إذا أحسنوا فيما بينهم وبين الله عز وجل، وفيما بينهم وبين مواليهم". 1394 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عرض علي أول ثلاثة يدخلون الجنة: شهيد، وعفيف متعفف، وعبدٌ أحسن عبادة الله ونصح لمواليه". 1395 - * روى البخاري عن طريف بن تميمة قال: شهدت صفوان وجندبًا وأصحابه وهو يوصيهم فقالوا: هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا؟ قال: سمعته يقول: "من سمع سمع الله به يوم القيامة"، قال: "ومن شاق شقق الله عليه يوم القيامة" فقالوا: أوصنا، فقال: "إن أول ما ينتن من الإنسان بطنه، فمن استطاع أن لا يأكل إلا طيبًا فليفعل، ومن استطاع أن لا يحال بينه وبين الجنة بملء كف

_ 1392 - مسلم (4/ 2097) 48 - كتاب الذكر والدعاء، 26 - باب أكثر أهل الجنة الفقراء. 1393 - أحمد (1/ 4). والترمذي (4/ 343) 28 - كتاب البر والصلة، 41 - باب ما جاء في البخيل. وقال: هذا حديث حسن غريب. مجمع الزوائد (10/ 411) وقال: قلت رواه الترمذي وابن ماجه باختصار-رواه أحمد وأبو يعلي وقد حسنه الترمذي بهذا الإسناد. (الخب): الخداع. (سيء الملكة): أي سيء المعاملة لمملوكيه. 1394 - الترمذي (4/ 176) 23 - كتاب فضائل الجهاد، 13 - باب ما جاء في ثواب الشهداء. قال محقق الجامع: وراه أيضًا أحمد في المسند والحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن. وقال الترمذي: هذا حديث حسن، وهو كما قال. 1395 - البخاري (13/ 128) 93 - كتاب الأحكام، 9 - باب من شاق شق الله عليه.

من دم هراقه فليفعل". قلت [أي راوي كتاب البخاري] لأبي عبد الله: من يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، جندب؟ قال: نعم جندب. مما قال بن حجر في شرحه: (قوله: "من شاق شقق الله عليه": من أدخل على الناس المشقة أدخل الله عليه المشقة فهو من: الجزاء من جنس العمل. قوله: "من سمع سمع الله به": من عمل عملًا على غير إخلاص وإنما يريد ان يراه الناس ويسمعوه جوزي على ذلك بأن يشهره الله ويفضحه ويظهر ما كان يبطنه، وقيل من قصد بعمله الجاه والمنزلة عند الناس ... وقيل من شهر بغيره ... فيكون أيضًا من: الجزاء من جنس العمل، والمراد في الحديث النهي عن القول القبيح في المؤمنين وكشف مساويهم وعيوبهم وترك مخالفة سبيل المؤمنين ولزوم جماعتهم والنهي عن إدخال المشقة عليهم والإضرار بهم وكانت وصية صفوان هذه لمجموعة من الخوارج). وزيد في رواية: قال: فبكى القوم فقال جندب: لم أر كاليوم قط قومًا أحق بالنجاة من هؤلاء إن كانوا صادقين- ولقد صدقت فراسته لذا قال: إن كانوا صادقين فإنهم لما خرجوا بذلوا السيف في المسلمين وقتلوا الرجال والأطفال وعظم البلاء بهم. وفي رواية (1): عن جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من استطاع أن لا يحول بينه وبين الجنة ملء كف من دمٍ يهريقه كأنما يذبح دجاجة كلما يعرض لباب من أبواب الجنة حال بينه وبينه، ومن استطاع منكم أن لا يجعل، في بطنه إلا طيبًا فإن أول ما ينتن من الإنسان بطنه". 1396 - * روى أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سألت ربي عز فوعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفًا على صورة القمر ليلة البدر، فاستزدته فزادني مع كل ألفٍ سبعين الفًا، فقلت: أي رب إن لم يكن هؤلاء

_ (1) المعجم الكبير (2/ 160). مجمع الزوائد (7/ 297) وقال: رواه الطبراني في الأوسط والكبير، ورجاله رجال الصحيح. 1396 - أحمد (2/ 359). مجمع الزوائد (10/ 404) وقال: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح.

مهاجر أمتي قال إذًا أكملهم لك من الأعراب". 1397 - * روى أحمد عن معاوية بن حيدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أنتم توفون سبعين أمة أنتم آخرها وأكرمها على الله عز وجل". 1398 - * روى أحمد عن حذيفة قال: غاب عنا رسول الله فلم يخرج حتى ظننا أنه لن يخرج، فلما خرج سجد سجدةً حتى ظننا أن نفسه قد قبضت فيها، فلما رفع رأسه قال: "إن ربي عز وجل استشارني في أمتي ماذا أفعل بهم؟ قلت: ما شئت ربي هم خلقك وعبادك. فاستشارني الثانية، فقلت له: كذلك، فقال لا نخزيك في أمتك يا محمد، وأخبرني أن أول من يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفًا مع كل ألف سبعون ألف ليس عليهم حساب، ثم أرسل إلى، فقال: أدع تجب وسل تعطه، فقلت لرسوله، أو معطي ربي عز وجل سؤالي؟ قال: ما أرسلني إليك إلا ليعطيك، ولقد اعطاني ربي عز وجل ولا فخر، وغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر وأنا أمشي حيًا صحيحًا واعطاني أن لا تجوع أمتي ولا تغلب، وأعطاني الكوثر من الجنة يسيل في حوضي، وأعطاني العز والنصر والرعب يسير بين يدي ولأمتي شهرًا، وأعطاني إني أول الأنبياء أدخل الجنة وطيب لي ولأمتي الغنيمة وأحل لنا كثيًرا مما شدد على من قبلنا ولم يجعل علينا من حرج". 1399 - * روى أحمد عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل وعدني أن يدخل الجنة من أمتي أربعمائة ألف" فقال أبو بكر زدنا يا رسول الله، قال: "وهكذا" وجمع كفيه فذكر نحوه. 1400 - * روى أحمد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وعدني ربي عز وجل أن

_ 1397 - أحمد (5/ 3). مجمع الزوائد (10/ 397) وقال: رواه أحمد، ورجاله ثقات. 1398 - أحمد (5/ 359). مجمع الزوائد (10/ 86) وقال: رواه أحمد، وإسناده حسن. 1399 - أحمد (3/ 165). مجمع الزوائد (10/ 404) وقال: رواه أحمد والطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح. 1400 - أحمد (3/ 193). =

يدخل الجنة من أمتي مائة الفٍ" فقال أبو بكر رضي الله عنه: زدنا يا رسول الله، قال: "وهكذا" وأشار بيده، قال: يا نبي الله زدنا قال "وهكذا" قال عمر: قطك يا أبا بكر قال: ما لنا ولك يا ابن الخطاب. قال عمر: إن الله إن شاء يدخل الناس الجنة كلهم بحفنةٍ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "صدق الله عمر" 1401 - * روى أحمد عن ابن مسعودٍ قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "كيف أنتم وربع أهل الجنة، لكم ربعها ولسائر الناس ثلاثة أرباعها"، فقلنا: الله ورسوله أعلم. قال: "فكيف أنتم وثلثها" قالوا: فذاك أكثر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أهل الجنة يوم القيامة عشرون ومائة صف أنتم منها ثمانون صفًا. 1402 - * روى أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "هل تدرون أول من يدخل الجنة من خلق الله عز وجل؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "الفقراء المهاجرون الذين تسد بهم الثغور، وتتقى بهم المكاره، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء، فيقول الله عز وجل لمن يشاء من ملائكته: أئتوهم فحيوهم. فتقول الملائكة: نحن سكان سمائك وخيرتك من خلقك أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء فنسلم عليهم" قال: "إنهم كانوا عبادًا يعبدوني لا يشركون بي شيئًا، وتسد بهم الثغور، وتتقى بهم المكاره، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء". قال: "فتأتيهم الملائكة عند

_ = مجمع الزوائد (10/ 404) وقال: رواه أحمد والطبراني في الأوسط، وإسناده حسن. (قطك): حسبك. 1401 - أحمد (1/ 453). والمعجم الكبير (10/ 208). وكشف الأستار (4/ 201). مجمع الزوائد (10/ 403) وقال: قلت: هو في الصحيح باختصار رواه أحمد وأبو يعلي والبزار والطبراني في الثلاثة، ورجالهم رجال الصحيح غير الحارث بن حصيرة وقد وثق. وفي التقريب: صدوق يخطئ. 1402 - أحمد (2/ 168). وكشف الأستار (4/ 256). مجمع الزوائد (10/ 259) وقال: رواه أحمد والبزار والطبراني ورجاله ثقات.

ذلك فيدخلون عليهم من كل بابٍ {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} (1) ". 1403 - * روى أحمد عن عبد الله بن عمر وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أول ثلةٍ تدخل الفقراء المهاجرين الذين تتقى بهم المكاره، وإذا أمروا سمعوا وأطاعوا، وإذا كان لرجلٍ مهم حاجةٌ إلى السلطان لم تقض حتى يموت وهي في صدره، والله عز وجل يدعو يوم القيامة الجنة فتأتي بزخرفها وزينتها، فيقول: إن عبادي الذين قاتلوا في سبيلي وقتلوا وأوذوا في سبيلي وجاهدوا أدخلوا الجنة فيدخلونها بغير حساب". 1404 - * روى الطبراني عن عبد الله بن عمر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "تدخل فقراء أمتي الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفًا"، فقيل: صفهم لنا. فقال: الدنسة ثيابهم، الشعثة رؤوسهم، الذين لا يؤذن لهم على السدات، ولا ينكحون المتنعمات، توكل بهم مشارق الأرض ومغاربها، كل الذي عليهم ولا يعطون كل الذي لههم". 1405 - * روى أحمد عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن المتحابين في الله لترى غرفهم في الجنة كالكواكب الطالع الشرقي أو الغربي، فيقال: من هؤلاء؟ فيقال هؤلاء المتحابون في الله عز وجل".

_ (1) الرعد: 24. 1403 - أحمد (2/ 168). مجمع الزوائد (10/ 259) وقال: رواه أحمد والطبراني وزاد فيه: "أدخلوا الجنة بلا عذاب ولا حساب وتأتي الملائكة فيسجدون ويقولون ربنا نحن نسبحك الليل والنهار ونقدس لك، من هؤلاء الذين آثرتهم علينا؟ فيقول الله جل ذكره: عبادي الذين قاتلوا في سبيلي فأوذوا في سبيلي، فتدخل عليهم الملائكة من كل باب سلم عليكم بما صبرتم فنعم عقبي الدار"، ورجال الطبراني رجال الصحيح غير أبي عشانة وهو ثقة. (ثلة): الجماعة من الناس. 1404 - المعجم الكبير: (12/ 316). مجمع الزوائد (10/ 260) وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط، ورجاله ثقات. ... (السدات): جمع سدة بالضم: باب الدار. 1405 - أحمد (3/ 87). مجمع الزوائد (10/ 422) وقال: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح.

1406 - * روى مسلم عن أبي هريرة رفعه: "يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير". قال النووي: (قيل مثلها في رقتها وضعفها كالحديث الآخر أهل اليمن أرق قلوبًا وأضعف أفئدة وقيل في الخوف والهيبة، والخوف أكثر الحيوان خوفًا وفزعًا كما قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} وكان المراد قوم غلب عليهم الخوف كما جاء عن جماعات من السلف في شدة خوفهم، وقيل المراد متوكلون) أهـ (شرح النووي على مسلم). 1407 - * روى الترمذي عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بمن يحرم على النار، وبمن تحرم عليه النار؟ على كل قريبٍ هينٍ سهلٍ". 1408 - * روى البزار عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل من في الجنة؟ قال: "النبي في الجنة، والشهيد في الجنة والمولود في الجنة، والموءودة في الجنة". 1309 - * روى أحمد عن أبي أُمامة قال: أستضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا، فقيل له: يا رسول الله ما يضحكك؟ قال: "قومٌ يساقون إلى الجنة مقرنين في السلاسل". أقول: المراد بهؤلاء والله أعلم الأسرى الذين يسلمون بعد أسرهم. 1410 - * روى الطبراني عن شريك بن طريفٍ قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن

_ 1406 - مسلم (4/ 2183) 51 - كتاب الجنة، 11 - باب يدخل الجنة أقوام ... الخ. 1407 - الترمذي (4/ 654) 38 - كتاب القيامة، 45 - باب حدثنا هناد. وقال هذا حديث حسن غريب، وهو كما قال. 1408 - كشف الأستار (3/ 30). مجمع الزوائد (7/ 219) وقال: رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح، غير محمد بن معاوية بن مالج، وهو ثقة. وفي التقريب: صدوق ربما وهم. 1409 - أحمد (5/ 256). ومجمع الزوائد (5/ 233) وقال: رواه أحمد والطبراني، وأحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح. 1410 - المعجم الكبير (7/ 308). مجمع الزوائد (10/ 357) وقال: رواه الطبراني بأسانيد، ورجال أحدهما رجال الصحيح.

لن يدخل الجنة أحدٌ منك بعملٍ" قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمةٍ منه وفضلٍ". 1411 - * روى أحمد عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لن يدخل الجنة أحدُ إلا برحمة الله" قالوا: ولا أنت؟ قال: "ولا أنا إلا أن يتغمدني الله" وقال بيده فوق رأسه. 1412 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحدث-وعنده رجل من أهل البادية- "أن رجلًا استأذن ربه في الزرع، فقال: ألست فيما شئت؟ يقول: بلى، ولكن أحب ذلك، فيؤذن له، فيبذر، فيبادر الطرف نباته واستحصاده، وتكويره أمثال الجبال، فيقول الرب سبحانه: دونك يا ابن آدم فإنه لا يشبعك شيء" فقال الأعرابي: إنك لن تجده إلا قرشيًا أو أنصاريًا، فإنهم أصحاب زرعٍ، فأما نحن فلسنا بأصحاب زرعٍ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجدذه. 1413 - * روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن المؤمن إذا أشتهى الولد في الجنة، كان حمله ووضعه وسته في ساعةٍ واحدة كما يشتهي". 1414 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أهل النار، لم أرهما: قومٌ معهم سياط كأذناب البقر، يضربون بها

_ 1411 - أحمد (3/ 52). مجمع الزوائد (10/ 356) وقال: رواه أحمد، وإسناده حسن. 1412 - البخاري (13/ 487) 97 - كتاب التوحيد، 38 - باب كلام الرب مع أهل الجنة 1413 - الترمذي (4/ 695) 39 - كتاب صفة الجنة، 23 - باب ما جاء ما لأدنى أهل الجنة من الكرامة. وقال هذا حديث حسن غريب. وأحمد (3/ 9). وابن ماجه (2/ 1452) 37 - كتاب الزهد، 39 - باب صفة الجنة. والإحسان بترتيب ابن حبان (9/ 247). والدرامي (3/ 337) كتاب الرقاق، باب في ولد أهل الجنة. وقال محقق الجامع: إسناده حسن. 1414 - مسلم (3/ 1680) 37 - كتاب اللباس والزينة، 34 - باب النساء الكاسيات العاريات. =

الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا". 1415 - * روى أحمد عن عمارة بن خزينة قال: بينما نحن عند عمرو بن العاص في حج أو عمرةٍ قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الشعب: إذ قال: "أنظروا هل ترون شيئًا" فقلنا نرى غربانًا منها غراب أعصم أحمر المنقار والرجلين. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة من النساء إلا من كان منهن مثل هذا الغراب في الغربان". أقول: المؤمنات من النساء كثيرات بفضل الله تعالى، ومآلهن الجنة، ولكن قسمًا كبيرًا منهن يدخلن النار بما يفعلنه من موجبات دخول النار، ثم يكون المآل إلى الجنة بفضل الله تعالى، فالنص يتحدث عن مرحلة متقدمة بالنسبة للجنة. 1416 - * روى أحمد عن عبد الرحمن بن شبلٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الفساق أهل النار"، قالوا يا رسول الله: ومن الفساق؟ قال: "النساء" قال رجل: يا رسول الله أولسن أمهاتنا ونساؤنا وأزواجنا وبناتنا؟ قال: "بلى! ولكنهن إذا أعطين لم يشكرن، وإذا ابتلين لم يصبرن". 1417 - * روى البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: قال النبي

_ = (كاسيات عاريات): أي يكشفن بعض أجسامهن وقيل: هو أن يلبسن ثيابًا رقاقًا تصف ما تحتها، فهن كاسيات في ظاهر الأمر، عاريات في الحقيقة. (مائلات مميلات): مائلات، أي: زائغات عن طاعة الله وعما يلزمهن من حفظ الفروج، ومميلات: يعلمن غيرهن الدخول في مثل فعلهن، وقيل: مائلات، أي: متبخترات في مشيهن، مميلات، أي: يملن أعطافهن وأكتافهن وقيل: مائلات إلى الشر، مميلات للرجال إلى الفتنة. (رؤوسهن كأسنمة البخت): البخت: جمال طوال الأعناق. 1415 - أحمد (4/ 197). مجمع الزوائد (10/ 399) وقال: وفي رواية كنا مع عمرو بن العاص في حج أو عمرة حتى إذا كنا بمر الظهران إذا امرأة في هودجها فذكر نحوه، رواه أحمد ورجاله ثقات. (الظهران): موضع بالقرب من مكة. 1416 - أحمد (3/ 428). مجمع الزوائد (10/ 394) وقال: ورواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير أبي راشد الخيراتي، وهو ثقة. 1417 - البخاري (11/ 415) 81 - كتاب الرقاق، 51 - باب صفة الجنة والنار ... . =

صلى الله عليه وسلم: "قمت على باب الجنة، فكان عامة من دخلها المساكين، وأصحاب الجد محبوسون، غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار، وقمت على باب النار، فإذا عامة من دخلها النساء". 1418 - * روى أحمد عن عبد الله بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اطلعت في الجنة فرأيت اكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء". 1419 - * روى البخاري ومسلم عن حارثة بن وهب رضي الله عنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول "ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضعف، لو أقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جواظ مستكبر". ولمسلم (1) في رواية: "ألا أخبركم بأهل الجنة؟ " قالوا: بلى ... وذكره، وكذلك في أهل النار، قالوا: بلى. وله في أخرى (2) مثله، وقال في ذكر أهل النار: "كل جواظ زنيم متكبر". 1420 - * روى مسلم عن عياض بن حماد المجاشعي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته: "ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا، كل مال نحلته عبدًا حلالٌ، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم

_ = مسلم (4/ 2096) 48 - كتاب الذكر والدعاء، 26 - باب أكثر أهل الجنة الفقراء. الجد: الحظ والسعادة. 1418 - أحمد (1/ 334). مجمع الزوائد (10/ 261) وقال: رواه أحمد، وإسناده جيد. 1419 - البخاري (8/ 663) 65 - كتاب التفسير، 1 - باب (عتل بعد ذلك زنيم). ... مسلم (4/ 2190) 51 - كتاب الجنة، 13 - باب حدثنا محمود. (1) مسلم: الموضع السابق. (2) مسلم: الموضع السابق. (عتل): العتل: الغليظ الجافي الذي لا ينقاد إلى الخير. (جواظ): الغليظ الفظ. (زنيم): الزنيم: الدعي الملصق بالقوم وليس منهم، وقيل: هو اللئيم. 1420 - مسلم (4/ 2197) 51 - كتاب الجنة، 16 - باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة ... إلخ.

الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا، وأن الله نظر إلى أهل الأرض، فمقتهم، عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب، وقال: أنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلت عليك كتابًا لا يغسله الماء، تقرؤه نائمًا ويقظان، وإن الله أمرني أن أحرق قريشًا، فقلت: رب إذًا يثلغوا رأسي، فيدعوه خبزة، قال: استخرجهم كما أخرجوك، واغزهم نعنك، وأنفق فسننفق عليك، وابعث جيشًا نبعث خمسة مثله، وقاتل بمن أطاعك، قال: وأهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال. وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زبر له، الذين هم فيكم تبعًا لا يتبعون أهلًا ولا مالًا، والخائن الذي لا يخفي له طمع وإن دق إلا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك" وذكر البخل أو الكذب "والشنظير الفحاش". زاد في (1) رواية: "وإن الله أوحى إلى: أن تواضعوا حتى لا يفخر أحدً على أحدٍ، ولا يبغي أحدً على أحد". وقال في حديثه: "وهم فيكم تبعًا"، لا يبغون أهلًا ولا مالًا" فقلت: فيكون ذلك يا أبا عبد الله؟ قال: نعم، والله لقد أدركتهم في الجاهلية، وإن الرجل ليرعى على الحي ما به إلا وليدتهم يطؤها.

_ (1) مسلم (4/ 2198) 51 - كتاب الجنة، 16 - باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة ... إلخ. (اجتالتهم الشياطين): أي: استخفتهم، فجالوا معهم، ويقال للقوم إذا تركوا القصد والهدى، اجتالتهم الشياطين، أي: جالوا معهم في الضلالة. (أمرني أن أحرق قريشًا): كناية عن القتل، ومثله في ذكر قتال أهل الردة، فلم يزل يحرق اعضاءهم حتى أدخلهم من الباب الذي خرجوا منه، ومنه حديث المواقع في رمضان: "احترقت" أي: هلكت. (الشلغ): الشدخ، وقيل: هو فضحك الشيء الرطب بالشيء اليابس. (لا زبر له) أي: لا عقل له، ولا تماسك، وهو الأصل مصدر. (الشنظير): من $$$ الخلق، والفحاش: المبالغ في الفحش.

1421 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حجبت النار بالشهوات، وحجبت الجنة بالمكاره". 1422 - * روى البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك". 1423 - * روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات". 1424 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لما خلق الله الجنة، قال لجبريل: أذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، فقال: وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها. فحفها بالمكاره، فقال: اذهب فانظر إليها، فذهب إليها ثم جاء وقال: وعزتك لقد خشيت أن لا يدخلها أحد" قال: "ولما خلق الله النار، قال لجبريل: أذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، ثم جاء فقال: وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها، فحفها بالشهوات، فقال: اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، فلما رجع، قال: وعزتك لقد خشيت أن لا يبقى أحد إلا دخلها". وزاد النسائي (1) في ذكر الجنة بعد قوله: "قال لجبريل: اذهب إليها": "وإلى

_ 1421 - البخاري (11/ 320) 81 - كتاب الرقاق، 28 - باب حجبت النار بالشهوات. مسلم (4/ 2174) 51 - كتاب الجنة، الحديث الثاني. وله "حفت" بد "حجبت". 1422 - البخاري (11/ 321) 81 - كتاب الرقاق، 29 - باب الجنة أقرب إلى أحدكم ... الخ. 1423 - مسلم (4/ 2174) 51 - كتاب الجنة، الحديث الأول. والترمذي (4/ 693) 39 - كتاب صفة الجنة، 21 - باب ما جاء حفت الجنة بالمكاره. وقال: حديث حسن غريب من هذا الوجه الصحيح. 1424 - أبو داود (4/ 236) كتاب السنة، في باب خلق الجنة والنار. والترمذي (4/ 693) 39 - كتاب صفة الجنة، 21 - باب ما جاء حفت الجنة بالمكاره. وقال: هذا حديث حسن صحيح. وهو كما قال. (1) النسائي (7/ 3) 35 - كتاب الإيمان والنذور، 3 - باب الحلف بعزة الله تعالى. والإحسان بترتيب ابن حبان (9/ 243). والمستدرك (1/ 27).

ما أعددت لأهلها فيها" وكذلك زاد في ذكر النار مثل. 1425 - * روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يخرج من النار أربعة، فيعرضون على الله عز وجل، فيلتفت أحدهم فيقول: أي رب، إذا أخرجتني منها فلا تعدني فيها، فينجيه الله منها". 1426 - * روى أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل أهل النار يرى مقعده من الجنة فيقول: لو أن الله هداني فتكون عليه حسرة" قال: "وكل أهل الجنة يرى مقعده من النار فيقول: لولا أن الله هداني فيكون له شكرًا". وفي رواية (3): "لا يدخل أحدً النار إلا رأى مقعده من الجنة لو أحسن ليكون عليه حسرةً، ولا يدخل أحدً الجنة إلا رأى مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرًا". 1427 - * روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغةً، ثم يقال: يا ابن آدم، هل رأيت خيرًا قط؟ هل مر بمك من نعيم قط؟ فيقول: لا والله يارب، ويؤتى بأشد الناس بؤسًا من أهل الجنة فيصبغ صبغةً في الجنة فيقال له يا ابن آدم هل رأيت بؤسًا قط؟ فيقول: لا والله يارب، ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط". 1428 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تحاجت الجنة والنار، فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين،

_ 1425 - مسلم (1/ 180) 1 - كتاب الإيمان، 84 - باب أدنى أهل الجنة منزلة. 1426 - أحمد (2/ 512) (3) أحمد (2/ 541). مجمع الزوائد (10/ 399) وقال: رواه كله أحمد، ورجال الرواية الأولى رجال الصحيح. 1427 - مسلم (4/ 2162) 1 - كتاب الإيمان، 84 - باب أدنى أهل الجنة منزلة. والترمذي (4/ 693) 50 - كتاب صفات المنافقين، 12 - باب صبغ أنعم أهل الدنيا ... الخ. (فيصبغ): أي: يغمس في الجنة أو النار غمسة، كأنه يدخل إليها إدخالة واحدة. 1428 - البخاري (8/ 595) 65 - كتاب التفسير، 1 - باب {وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ}. =

وقال الجنة: فمالي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم؟ ". زاد في رواية (1): "وغرتهم فقال الله عز وجل للجنة: أنت رحمتي، أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار إنما أنت عذابي، أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدةٍ منهما ملؤها، فأما النار: فلا تمتلئ حتى يضع رجله". وفي رواية (2): "حتى يضع الله تبارك وتعالى رجله فتقول: قط قط قط، فهنالك تمتلئ، ويزوي بعضها إلى بعض، ولا يظلم الله من خلق أحدًان وأما الجنة فإن الله ينشئ لها خلقًا". وللبخاري (3) قال: "اختصمت الجنة والنار إلى ربهما، فقال الجنة: يا رب ما لها لا يدخلها إلا ضعفاء الناس وسقطهم: وقال النار: يعني أوثرت بالمتكبرين، فقال الله للجنة: أنت رحمتي، وقال للنار: أنت عذابي أصيب بك من أشاء، ولكل واحدةٍ منهما ملؤها، فأما الجنة، فان الله لا يظلم من خلقه أحدًا، وإنه ينشئ للنار من يشاء، فيلقون فيها، فتقول: هل من مزيد؟ ويلقون فيها، فتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع قدمه فيها فتمتلئ، ويزوي بعضها إلى بعض، وتقول قط قط قط". قال معلق فتح الباري: جزم ابن القيم بأن هذا غلط من الراوي، صوابه "ينشئ للجنة" كما تقدم برقم 4850 من طريق عبد الرازق عن همام عن أبي هريرة، وكما في رقم 7384 من طريق قتادة عن أنس، فتبين منهما أن الراوي هنا سبق لفظه من الجنة إلى النار، ويسمونه في مصطلح الحديث (المنقلب) أهـ. وقال ابن حجر: قال أبو الحسن القابسي المعروف في هذا الموضع إن الله ينشئ للجنة

_ = مسلم (4/ 2186) 51 - كتاب الجنة، 13 - باب النار يدخلها الجبارون ... إلخ. (1)، (2) مسلم (4/ 2187): الموضع السابق. (2) البخاري (13/ 434) 97 - كتاب التوحيد، 25 - باب ما جاء في قول الله تعالى {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ ....}. قط: حسبي وكفاني.

خلقًا وأما النار فيضع فيها قدمه فقال: ولا أعلم في شيء من الأحاديث أنه ينشئ للنار خلقًا إلا هذا. أهـ. 1429 - * روى أحمد عن علي بن خالد أن أبا أمامة مر على خالد بن يزيد بن معاوية فسأله عن ألين كلمة سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ألا كلكم يدخل الجنة إلا من شرد على الله شراد البعير على أهله". 1430 - * روى أبو داود عن حارثة بن وهب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة الجواظ، ولا الجعظري" قال: والجواظ: الغليظ الفظ. 1431 - * روى أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عند ذكر أهل النار "وكل جعظري جواظٍ مستكبرٍ جماعٍ مناعٍ، وأهل الجنة الضعفاء المغلوبون". 1432 - * روى الطبراني في الأوسط عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتيت ليلة أسري بي على رجال تقرض شفاهم بمقاريض من نار قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء خطباء أمتك الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون". 1433 - * روى أحمد عن أبي سعيدٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يخرج عنق من

_ 1429 - أحمد (5/ 258). مجمع الزوائد (10/ 403) وقال: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح غير علي بن خالد المدني، وهو ثقة. 1430 - أبو داود (4/ 253) كتاب الأدب، باب في حسن الخلق. وإسناده حسن. (الجواظ): المنوع، وقيل: السمين المختال في مشيته، وقيل: القصير البطين. (الجعظري): الفظ الغليظ المتكبر. 1431 - أحمد (2/ 214). مجمع الزوائد (10/ 393) وقال: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. 1432 - كشف الأستار (4/ 112). مجمع الزوائد (7/ 276) وقال بعد أن ذكر نحو هذا الحديث: رواها كلها أبو يعلي والبزار ببعضها والطبراني في الأوسط، وأحد أسانيد أبي يعلي رجاله رجال الصحيح. 1433 - أحمد (2/ 336). وروايته مختصرة عن أبي هريرة رضي الله عنه. =

النار يوم القيامة فتكلم بلسان طلقٍ زلقٍ لها عينان تبصر بهما ولها لسان تكلم به فتقول: إني أمرت بمن جعل مع الله إلهًا آخر، وبكل جبارٍ عنيد، وبمن قتل نفسٍ بغير نفس، فتنطلق بهم قبل سائر الناس بخمسمائة عام". 1434 - * روى البخاري ومسلم عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن اصحاب الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم: أحيوا ما خلقتم". 1435 - * روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يقول الله تعالى لأهون أهل النار عذابًا: لو كانت لك الدنيا كلها، أكنت مفتديًا بها؟ فيقول: نعم فيقول: قد أردت منك أيسر من هذا، وأنت في صلب آدم: أن لا تشرك بي ولأدخلك النار، وأدخلك الجنة، فأبيت إلا الشرك". وفي رواية له (1) وللبخاري قال: "يجاء بالكافر يوم القيامة، فيقال له: أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبًا، أكنت تفتدي به؟ فيقول: نعم، فيقال له: لقد كنت سئلت ما هو أيسر من ذلك: أن لا تشرك بي".

_ = وكشف الأستار (4/ 185). مجمع الزوائد (10/ 392) وقال: وفي رواية: "فتنطوي عليهم فتقذفهم في جهنم"رواه البزار واللفظ له وأحمد باختصار وأبو يعلي بنحوه، والطبراني في الأوسط، وأحد إسنادي الطبراني رجاله رجال الصحيح. 1434 - البخاري (13/ 528) 97 - كتاب التوحيد، 56 - باب قوله الله تعالى: (والله خلقكم وما تعملون). ... مسلم (3/ 1669) 37 - كتاب اللباس والزينة، 26 - باب تحريم تصوير صورة الحيوان .... الخ. وأحمد (6/ 80). وابن ماجه (2/ 728) 12 - كتاب التجارات 5 - باب الصناعات. 1435 - مسلم (4/ 2160) 50 - كتاب صفات المنافقين، 10 - باب طلب الكافر الفداء .... الخ. (1) مسلم (4/ 2161): الموضع السابق. البخاري (11/ 400) 81 - كتاب الرقاق، 49 - باب من نوقش الحساب عذب.

9 - الجنة والنار مخلوقتان موجودتان

9 - الجنة والنار مخلوقتان موجودتان قال ابن كثير في كتاب النهاية رادًا على من زعم أن الجنة والنار ستخلقان وليستا موجودتين الآن: قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (1). وقال تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (2). وقال تعالى: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} (3). وقال في حق آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (4). وقال تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (5). وثبت في الصحيحين (6) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يقول الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على

_ (1) آل عمران: 13. (2) الحديد: 21. (3) آل عمران: 131. (4) غافر: 46. (5) السجدة: 17 (6) البخاري (8/ 515/516) 65 - كتاب التفسير، تفسير سورة السجدة. =

قلب بشر ذخرًا بله ما أطلعتم عليه". ثم قرأ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}. الآية [بله: تأتي هنا بمعنى فضلًا عما أطلعتم عليه، ومعناها في الأصل: دع]. وفي الصحيحين (1)، من حديث مالك؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أحدكم إذا مات. عرض عليه مقعده بالغداة والعشي. إن كان من أهل الجنة، فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار، فمن أهل النار، فقيل: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة". وفي صحيح مسلم (2)، عن أبي مسعود: "أرواح الشهداء في حواصل طير خضر، تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى قناديل معلقةٍ في العرش". وروينا من حديث الإمام أحمد بن حنبل (3)، حدثنا محمد بن إدريس الشافعي، عن مالك، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب مالك، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما نسمة المؤمن في طائر معلق في شجر الجنة حتى يرجعها الله إلى جسده يوم يبعثه". وتقدم الحديث المتفق عليه (4): من طريق أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات". وذكر الحديث المروي (5) من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة، عن

_ = مسلم (4/ 2175) 51 - كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، حديث 4. (1) البخاري (3/ 243) 33 - كتاب الجنائز، 89 - باب الميت يعرض عليه مقعده. ... مسلم (4/ 2199) 51 - كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، 17 - باب عرض مقعد الميت .... إلخ (2) مسلم (3/ 1502) 33 - كتاب الإمارة، 33 - باب بيان أن أرواح الشهداء في الجنة .... إلخ. وهو مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم. (3) أحمد (3/ 455). (4) البخاري (11/ 320) 81 - كتاب الرقاق، 28 - باب حجبت النار بالشهوات. مسلم (4/ 2174) 51 - كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، حديث 1. (5) الترمذي (4/ 693، 694) 39 - كتاب صفة الجنة، 21 - باب ما جاء حفت الجنة بالمكاره .... إلخ. =

أبي هريرة مرفوعًا: "لما خلق الله الجنة قال لجبريل: اذهب فانظر إليها" الحديث. وتقدم الحديث الآخر (1): "لما خلق الله الجنة، قال لها تكلمي: فقالت: قد أفلح المؤمنون". وفي الصحيحين (2): عن أبي هريرة، وعند مسلم: عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تحاجت الجنة والنار". الحديث. وفيهما (3) عن ابن عمر، مرفوعًا: "الحمى من فحيح جهنم". وفيهما (4): عن أبي ذر، مرفوعًا: "إذا أشتد فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم". وفي الصحيحين (5): "إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار". وقد ذكرنا في حديث الإسراء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأي الجنة والنار ليلتئذ. وقال الله تعالى (6): {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى}.

_ = وقال: حديث حسن صحيح. والنسائي (7/ 3/4) 35 - كتاب الإيمان والنذور، 3 - باب الحلف بعزة الله تعالى. (1) مجمع الزوائد (10/ 397) (2) البخاري (8/ 595) 65 - كتاب التفسير، سورة "ق". مسلم (4/ 2186، 2187) 51 - كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، 13 - باب النار يدخلها الجبارون ... الخ" (3) البخاري (6/ 230) 59 - كتاب بدء الخلق، 10 - باب صفة النار وأنها مخلوقة. مسلم (4/ 1731) 39 - كتاب السلام، 26 - باب لكل داء دواء واستحباب التداوي. (4) البخاري (2/ 18) 9 - كتاب المواقيت، 9 - باب الإبراد بالظهر في شدة الحر. مسلم (1/ 431) 5 - كتاب المساجد، 32 - باب استحباب الإبراد بالظهر ... الخ. (5) البخاري (4/ 112) 30 - كتاب الصوم، 5 - باب هل يقال رمضان أو شهر رمضان .... الخ. مسلم (2/ 758) 13 - كتاب الصيام، 1 - باب فضل شهر رمضان. (6) النجم: 13 - 15.

وفي الصحيحين (1) "ثم أدخلت الجنة، فإذا جنابذ اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك". [جنابذ اللؤلؤ: قباب اللؤلؤ واحدتها جنبذة]. وفي صحيح (2) مسلم: من طريق قتادة: عن أنس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينما أنا أسير في الجنة، إذا أنا بنهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف، فقلت: ما هذا؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك ". وفي مناقب عمر: أنه صلى الله عليه وسلم قال: "أدخلت الجنة فرأيت جارية تتوضأ عند قصرٍ، فقلت: لمن أنت؟ قالت: لعمر بن الخطاب. فأردت أن أدخله، فذكرت غيرتك". فبكى عمر وقال: أو عليك أغار يا رسول الله؟!. والحديث في الصحيحين (3)، عن جابر. وقال لبلال (4): "دخلت الجنة فسمعت خشف نعليك بين يدي في الجنة، فأخبرني بأرجى عملٍ عملته في الإسلام" فقال: ما عملت عملًا في الإسلام أرجى عندي منفعة من إني لا أتطهر طهورًا تامًا في ساعةٍ من ليل ولا نهار، إلا صليت بذلك الطهور ما كتب الله لي أن أصلي. وأخبرني عن الرميصاء أنه رآها في الجنة. أخرجاه (5) عن جابر بن عبد الله.

_ (1) البخاري (6/ 375) 60 - كتاب الأنبياء، 5 - باب ذكر إدريس عليه السلام ... إلخ. مسلم (1/ 149) 1 - كتاب الإيمان، 74 - باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم ... إلخ. (2) وهو في البخاري (11/ 464) 81 - كتاب الرقاق، 53 - باب في الحوض ... إلخ. وأحمد (3/ 191). (3) البخاري (9/ 320) 67 - كتاب النكاح، 107 - باب الغيرة. مسلم (4/ 1862) 44 - كتاب فضائل الصحابة، 2 - باب من فضائل عمر رضي الله عنه. (4) مسلم (4/ 1910) 44 - كتاب فضائل الصحابة، 21 - باب من فضائل بلال رضي الله عنه. أحمد (2/ 323). (5) البخاري (7/ 10) 62 - كتاب فضائل الصحابة، 6 - باب مناقب عمر بن الخطاب. مسلم (4/ 1908) 44 - كتاب فضائل الصحابة، 19 - باب من فضائل أم سليم.

[الرميصاء: قال ابن الأثير: (يقال غمصت العين ورمصت، من الغمص والرمص، وهو البياض الذي تقطعه العين ويجتمع في زوايا الأجفان، والرمص: الرطب منه، والغمص: اليابس، والغمص والرمص: جمع أغمص وأرمص، وانتصبا على الحال لا على الخبر، لأن أصبح تامة، وهي بمعنى الدخول في الصباح. قاله الزمخشري) أهـ من النهاية]. وأخبر في يوم صلاة الكسوف (1)، أنه عرضت عليه الجنة والنار، وأنه دنت منه الجنة، وأنه هم أن يأخذ منها قطفًا من عنب. وفي الصحيحين (2): من طريق الزهري: عن سعيد، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم": رأيت عمرو بن عامر بن لحي الخزاعي ... يجر قصبة في النار". [قصبه: القصب: المعى]. وقال في الحديث الآخر (3): "ورأيت فيها صاحب المحجن". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (4) "دخلت امرأة النار، في هرة حبستها حتى ماتت، فلا هي أطعمتها وسقتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض" "ولقد رأيتها تخمشها". وأخبر (5) عن الرجل الذي ينحي غصن شوكٍ عن طريق المارة، فقال: "فلقد رأيته يستظل به في الجنة". وفي الحديث في صحيح مسلم (6): عن أبي هريرة، بلفظ آخر.

_ (1) البخاري (2/ 540) 16 - كتاب الكسوف، 9 - باب صلاة الكسوف. ومسلم (2/ 626) 10 - كتاب الكسوف، 3 - باب ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف ... الخ. وابن ماجه (1/ 402) 5 - كتاب إقامة الصلاة، 152 - باب ما جاء في صلاة الكسوف. والنسائي (3/ 137/139) 16 - كتاب الكسوف، 14 - باب نوع آخر. (2) البخاري (6/ 547) 61 - كتاب المناقب، 9 - باب قصة خزاعة. مسلم (4/ 2192) 51 - كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، 13 - باب النار يدخلها الجبارون ... الخ. (3) النسائي (3/ 139) 16 - كتاب الكسوف، 14 - باب نوع آخر (4) البخاري (5/ 41) 42 - كتاب المساقاة، 9 - باب فضل سقي الماء (5) مسند أحمد (3/ 154). (6) مسلم (4/ 2021) 45 - كتاب البر والصلة، 36 - باب فضل إزالة الأذى عن الطريق.

وفي الصحيحين (1): عن عمران بن حصين، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار، فرأيت أكثر أهلها النساء". وفي صحيح مسلم (2): من طريق المختار بن فلفل المخزومي: عن أنس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده، لو رأيتم ما رأيت، لضحكتم قليلًا، ولبكيتم كثيرًا" قالوا: يا رسول الله فما رأيت؟ قال: "رأيت الجنة والنار". وأخبر (3) أن المتوضئ إذا تشهد بعد وضوئه فإنه تفتح له أبواب الجنة، يدخل من أيها شاء. وفي صحيح البخاري (4): من حديث شعبة، عن عدي بن ثابتٍ، عن البراء بن عازبٍ، قال: لما توفي إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن له لمرضعًا في الجنة". وقال البيهقي (5): أخبرنا الحاكم .... [وساق سنده]. عن أبي هريرة (6)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أولاد المؤمنين في جبل الجنة، يكفلهم إبراهيم وسارة حتى يردهم إلى آبائهم يوم القيامة". وكذا رواه وكيع: عن سفيان-وهو الثوري-والأحاديث في هذه كثيرة جدًا. وقال الله تعالى (7): {وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}. والجمهور على أن هذه جنة المأوى أهـ (النهاية في الفتن والملاحم).

_ (1) البخاري (9/ 298) 67 - كتاب النكاح، 88 - كفران العشير. ومسلم (4/ 2096) 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 36 - باب أكثر أهل الجنة الفقراء. وهو عند مسلم عن ابن عباس، وليس عن عمران. (2) مسلم (1/ 320) 4 - كتاب الصلاة، 25 - باب تحريم سبق الإمام. (3) مسلم (1/ 210) 2 - كتاب الطهارة، 6 - باب الذكر المستحب عقب الوضوء. (4) البخاري (6/ 320) 59 - كتاب بدء الخلق، 8 - باب ما جاء في صفة الجنة. (5) السنن الكبرى (4/ 9) كتاب الجنائز، باب السقط يغسل ويكفن. (6) أحمد (2/ 326). والمستدرك (1/ 384) وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. (7) البقرة: 35.

الفقرة الحادية عشر {فتعالى الله الملك الحق}

الفقرة الحادية عشر {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} في تاريخ العالم ظهرت ممالك ودول وإمارات وظهر ملوك ورؤساء وأمراء، وكل ذلك يخلقه جل جلاله بعلمه وإرادته وقدرته وكل ما خلقه الله عز وجل إنما خلقه ليتعرف المكلفون على مملكته وأسمائه، فمن خلال معرفة الحكم والملك تعرف أسمي الله: الحكم والملك، ومن خلال سعة الكون تعرف عظمة الله وتعرف أسم الله: العظيم، ولكن مهما تأمل الإنسان وتفكر فإنه لا يقدر الله حق قدره، قال تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} (1)، وقال تعالى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} (2). أنظر إلى اسم الملك وتدبر ما مر معنا في هذا القسم فهل تقدر هذا الاسم حق قدره؟. أنظر إلى سعة هذا الكون وما فيه من مخلوقات غيبية وحسية تعرف سعة مملكته وهو قادر على أن يخلق ما لا يتناهى من أمثالها وغير أمثالها، ثم أنظر إلى انتظام مملكته وحسن تقديره وبديع صنعه ولطيف حكمته وجميل إحسانه، ثم أنظر إلى أن كل ما قضاه أن يكون مسجلًا في أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ، وإن كل ما يجري لا يخرج عما سجله القلم، وأنت ترى عجز الملوك والحكام عن التخطيط الشامل، وترى عجزهم عند تنفيذ كل ما سطروه، ثم أنظر إلى ترتيبات شيءون الملائكة لتعرف أي جند جنده، ثم أنظر إلى اصطفاء الرسل وإنزال الشرائع لتعرف أي كمال في رسله ورسالاته، ثم أنظر إلى قهره في الدنيا وإمداده لتعرف انتقامه وحلمه، ثم تأمل أي سجن أعده للمخالفين عن أمره: {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} (3). وتأمل مكافأة أوليائه بالجنة، ثم تأمل كيف يقيم الحجة على خلقه بالإشهاد والكتابة والحساب لتعرف عدله، ثم تأمل هول الموقف إذ يقف الناس صافين أقدامهم رافعي رؤوسهم غاية الاستعداد والخوف، وكيف تأتي الملائكة صفًا صفًا وكيف تحف الملائكة بالعرش لتعرف أي جلال جلاله. ثم أنظر إلى قبول شفاعة الشفعاء لتعرف أي إكرام إكرامه.

_ (1) الأنعام: 91. (2) طه: 110. (3) الإسراء: 8.

إن غاية ما ذكر من جلال الملوك ومن ترتيباتهم ومن عدلهم ومن قهرهم ومن سعة سلطانهم ومن أعمالهم أن تتعرف من خلال نقصهم على كماله ومن خلال كمالاتهم على حقارة ذلك بالنسبة لكمالاته. فاعرف أيها المسلم أن الملك الحق هو الله عز وجل وكن له عبدًا بكل ما تقتضيه صفات العبودية وترنم مع الحداة: لا تدعني إلا بيا عبده ... فإنه أشرف أسمائي * * *

خاتمة الباب الثاني

خاتمة الباب الثاني ذكرنا في فصل اليوم الآخر بعض ما يكون بين يدي الساعة، كما ذكرنا عن الموت والحياة البرزخية. وذكرنا بعض ما يكون يوم القيامة وما بعد ذلك، وما ذكرناه في هذا الفصل هو بعض ما ورد في اليوم الآخر، فالنصوص في شأن اليوم الآخر أوسع؛ لأن الكلام عن اليوم الآخر نجده من الكثرة في نصوص الكتاب والسنة بحيث يحتاج الإنسان لاستكمال المعرفة للمكنة إلى دراسة الكتاب والدراسة، ولكن الحاجة إلى التعليم تقتضي التبويب. والمطلوب من المسلم أن يكون عنده تصور إجمالي عن اليوم الآخر، ويندب له أن يعرف التفصيلات ما استطاع إلى ذلك سبيلا، كما يطالب المسلم بالتصديق والتسليم، وألا يفر إلى التأويل في شأن اليوم الآخر، إلا إذا وجد الراسخين في العلم من أهل السنة والجماعة يؤولون، فله بهم أسوة، والتفويض أسلم وأحكم وأدل على الإيمان، كما أن مما يندب للمسلم أن يتأمل في ما هو كائن من أحداث اليوم الآخر فيتأمل ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم ووقع، ليزيد ذلك يقينًا فيما أخبر عنه ولم يقع، أنه واقع، فيتذكر قرب الساعة ويتذكر ما يكون بين يديها من أهوال وفتن، فينوي ويدعو أن يكون ظاهرًا وباطنًا على ما هو الأحب إلى الله تعالى. ثم ليتذكر الموت وليتأمل ما ورد في الحياة البرزخية ويجدد مع الله نية، ثم يتذكر النفخة الأولى وما يكون فيها ما يحدث للأرض والسموات، وما يحدث للمخلوقات، ثم يتذكر النفخة الثانية وما يكون بعدها من نشر وحشر، وموقف وشفاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لفصل الخطاب، وما يكون بعد ذلك من جدال ومعاذير، وإقامة حجة وتميز لأهل التوحيد والإيمان عن أهل الشرك والكفر، وليتذكر بعث النار، وليتذكر قبل ذلك الجنة والنار وقد جيء بهما ثم ليتذكر حال العطش، وأن الري لا يكون إلا من الحوض، وليحذر أن يرد عن الحوض، ثم ليتذكر الحساب والميزان وليطلب من ربه أن يكون من الذين يدخلون الجنة بغير حساب. وليتذكر انحباس الناس دون الصراط فلا يعبرون إلا

بشفاعة جديدة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ليتذكر المرور على الصراط، ويتذكر أن على الصراط قناطر، فيتذكر هول المرور وهول المقاصة، ثم ليتذكر أنه حتى إذا تجاوز الصراط فإنه لا دخول إلى الجنة إلا بعد أن يتطهر من أمراضه القلبية كلها، ليكون مؤهلا لهيئة أهل الجنة في طولهم وحسنهم وعرضهم، ثم ليتذكر أنه لا دخول إلى الجنة إلا بشفاعة جديدة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيعرف لهذا الرسول صلى الله عليه وسلم بعض قدره، ثم ليتذكر الجنة وما أعده الله فيها، وليذكر تفاوت الناس في منازلهم فيطلب ويعمل ليكون من أهل عليين وليتذكر النار وأهلها الباقين فيها، وأهلها الذين يخرجون بشفاعات الشافعين، فينوى ويعمل ويدعو ويبكي من أجل أن يكون من الشافعين، وهكذا فلتكن لك يا أخي المسلم جولات من التأملات اليومية فيما سيكون، فهذا باب كثرت عنه الغفلة، فقل داخلوه وهو الذي لو عقل الناس ما نسوه طرفة عين، ومع هذا كله فإنه مما ينبغي أن يكون له من يومك نصيب تلاوة القرآن الكريم والتأمل في كل آية، فإن فيه علم الأولين والآخرين، وتأمل الآيات التي تتحدث عن اليوم الآخر وتدبرها وأعطها حقها من الرهبة والرغبة، فتلك من سنن المرسلين عليهم الصلاة والسلام، ثم ليكن لك نظرك في السنة النبوية وما فيها من تذكير بما يستقبل الإنسان، فإن استطعت أن تبكي فتلك علامة على سلامة القلب وعلى تشربه العلم والحكمة، ولينبثق عن ذلك كله قيام بحق الله ابتداء بكثرة العبادة والذكر، وتوسطًا بالقيام بحقوق الله، وحقوق العباد في المعاملة وانتهاء بتعلق القلب بالله وبيعًا للنفس في مرضاته. ولننتقل الآن إلى الباب الثالث من قسم العقائد وهو تحت عنوان: (مباحث عقدية).

الباب الثالث في: مباحث عقدية

الباب الثالث في: مباحث عقدية وفيه: مقدمة وفصول

المقدمة

المقدمة ذكرنا في قسم السيرة النبوية الكثير من معجزاته عليه الصلاة والسلام، وندر أن يمر معنا قسم إلا وفيه من أعلام نبوته عليه الصلاة والسلام، وأثناء تفسيرنا للقرآن مرت معنا معجزات كثيرة، والمعجزة القرآنية هي أعظم المعجزات على الإطلاق في كل العصور لظهورها وديمومتها، وظهور المعجزة على يد الرسول علامة الرسالة. ولقد كان من سنة الله عز وجل ليتأصل الإيمان ويتعمق ولتبقى حجج الله على خلقه متوالية أن جعل الكرامات على يد أوليائه استمرارًا للمعجزات وتثبيتًا لأهل الإيمان. ومع الكرامات نجد المعونات والتأييدات والتوفيقات التي يكرم الله عز وجل بها عباده المؤمنين على مقتضى الأسباب ولكن بما يظهر معه توفيق الله للمؤمنين أو بركته. ومن المكرمات أو المعونات استجابة الدعاء، وإنما جعل جل جلاله المعجزات بالقدر الذي تقوم به الحجة حتى لا تصبح عادة فتضعف بذلك حجيتها، ومن ناحية أخرى فإن الذين يكذبون بالآيات بعد ظهورها يستحقون العذاب: قال الله تعالى: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} (1). ولقد جعل الله عز وجل ظواهر الكون ومظاهره بحيث يعرف بها الله عز وجل، وجعل عز وجل في المعجزات والكرامات والمعونات مزيدًا من الحجج وعلامة على قدرته، جل جلاله، ومن خلال ذلك يعرف المكلف ربه عز وجل ويعرف رسل ربه وأولياءه، ويقتضي ذلك منه إيمانًا والتزامًا بوحي الله عز وجل، وإجلالًا لله ولرسله وأوليائه. وهذا هو دين الله الإسلام، الذي هو معرفة الله ورسوله والتصديق بقول الله ورسوله، والالتزام بأمر الله ورسوله، وإذا كان الكون وقوانينه وما فيه من روائع وخدمات مسخرًا للإنسان:

_ (1) الإسراء: 59.

{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} (1). {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} (2). {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} (3). وإذا كان الإنسان باحثاً عن المصلحة والمنفعة حريصا عليهما لايني يبحث عن أمور دنياه {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} (4). فقد جعل الله عز وجل أمر استكشاف الدنيا للإنسان ومن ههنا جاء قوله عليه الصلاة والسلام: "أنتم أعلم بأمور دنياكم" (5). وقال جل جلاله: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (6). ومن هذا وغيره قسم علماء العقائد الأحكام التي يصدرها الإنسان إلى ثلاثة: فهناك الحكم العقلي الذي يدرك بمحض العقل. وهناك الحكم العملي الذي يدرك بالتجربة والاستقراء والاستنتاج وهو الذي يسمونه بالحكم العادي. وهناك الحكم الشرعي الذي يعرف بواسطة الوحي. ولكل مجاله، ولكل وسائل البحث فيه ومن لم يعرف أنه لا يتناقض حكم عادي مع حكم عقلي أو شرعي ولا حكم عقلي مع حكم عادي أو شرعي، ولا حكم شرعي مع عقلي أو عادي فقد أخطأ التصور، ومن طلب من الشرع أن يعرفه على الحكم العادي إلا بقدر ما يحتاجه الحكم الشرعي، أو طلب من الشرع أن يعرفه بالحكم العقلي إلا الأحكام العقلية

_ (1) البقرة: 21. (2) هود: 61. (3) لقمان: 20. (4) الأعلى: 16، 17. (5) مسلم (4/ 1836) 43 - كتاب الفضائل، 28 - باب وجوب امتثال ما قاله شرعًا ... (6) الروم: 7.

التي تحتاجها إقامة الحجة على صحة الشرع فإنه يأتي البيوت من غير أبوابها، نعم فقد يخرق الله الحكم العادي بمعجزة أو كرامة لتقوم الحجة على الخلق أو ليزداد أهل الإيمان إيمانًا. وهناك حالة من خرق العوائد تأتي استدراجًا لأصحابها كما يظهر على يد المسيح الدجال وذلا لا يكون إلا إذا كانت حجة الله على أصحاب ذلك قائمة بأنهم كاذبون في دعواهم. إن معرفة هذه القضايا تأتي بالدرجة العليا من الأهمية في قسم العقائد ولذلك أحببنا الإشارة إليها هنا مؤكدين ما مر معنا من قبل، وبمناسبة أننا ضممنا هذا الباب كلاما عن المشوشات على المعجزات والكرامات والمعونات. إن في المعجزات والكرامات حجة لله على خلقه، ويشوش على ذلك في حق بعض الناس الخوارق التي هي من باب الاستدراج كما يظهر على يد المسيح الدجال، وإنما جعل الله عز وجل هذا النوع من الخوارق ليبقى للعقل وللشرع دوره في الإثبات والنفي. فالاستقامة على الشرع شرط وجود الكرامة وإلا فهي استدراج، وموافقة الدعوى للحكم العقلي شرط وجود الخارقة التي هي حجة لصاحبها، فعندما يدعى المسيح الدجال الألوهية وهو أعور، وهو جسد فدعواه تنقضها العقول، فالعقول تثبت أن الله صفات الكمال وأنه تنزه عن صفات الحوادث. ومن ههنا إن هذا النوع من الخوارق تشويشًا على المعجزة والكرامة في حق الجاهلية والسفهاء، وهناك مشوشات أخرى على المعجزات والكرامات: فهناك الكهانة والتنجيم اللذان يشوشان على النبوءة والكشف، واللذان هما أثر عن إيحاء الشياطين وإنما يعرف أصحاب ذلك من الكذب وعدم الاستقامة. ومن المشوشات على المعجزة والكرامة السحر، وهناك فارق بين السحر والخارق: أن السحر يجري على مقتضى عالم الأسباب، بينما المعجزة والكرامة خرق لعالم الأسباب. ومن ههنا أدخلنا في هذا الباب فصولًا حول هذه المشوشات: وقد وقع أهل الجاهلية في إسفافات خطيرة من جملتها قضية تحكيم الأزلام والطيرة التي تعني في النهاية تحكيم الجماد والطير في قرار الإنسان، وقد أبدلنا الله بهما الاستخارة فلا

أروع ولا أشرف. ومن طبيعة الإنسان التفاؤل والتشاؤم، ولذلك تأثيره على سلوك الإنسان وهو بشكل من الأشكال له علاقة بالتوكل، فالتفاؤل يرافقه توكل والتشاؤم إضعاف للتوكل وضعف فيه. والإنسان بطبيعته إذا أصابته مصيبة يفر إلى غيره فإذا كان الفرار إلى الله فما أحلاه، ولكنه يفر أحيانًا إلى عالم الأسباب، فإذا كان فراره مقيدًا بالحكم الشرعي فلا حرج، ومما يفر إليه الإنسان أن ينسب أشياء إلى عالم الأسباب ناسيًا خالقها، ومما يفر إليه الإنسان التميمة والرقي، فإذا فر إلى مباح شرعًا فذلك له وجهه وإلا فقد وقع في المحظور، وقد أدخلنا هذه الأبحاث في هذا الباب لأن لها صلة بالعقائد. ولا زال هذا الإنسان مجهولًا، ولا زال بعض الناس لهم خاصيات، ومن الخواص التي ذكرها الشارع خاصية العين، ولورودها في كلام الشارع ولأن فيها جانبًا غيبيًا أدخلناها في هذا الباب. وانتقال المرض من إنسان لإنسان ومن حيوان لحيوان أو من حيوان لإنسان أو من إنسان لحيوان مشاهد معروف، ولكن هذه قضية متداخلة ومتسلسلة وخفية ولذلك أهدرها الشارع، وعلى هذا نفهم قوله عليه الصلاة والسلام: "لا عدوى" (1) فليس المراد بذلك أن أحدًا لا يعدي أحدًا بمرض فذلك منفي بالمشاهدة ومنفي في أحاديث أخرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وإنما المراد أن العدوى لا يترتب عليها حكم ولا مسألة، ولالتباس هذا الأمر أدخلناه في العقائد. وكان أهل الجاهلية ينذرون لأصنامهم وأوثانهم، والنذر عبادة، ثم إن النذر يعني في النهاية إنشاء لعبادة يوجبها الإنسان على نفسه، وهي قضية يختلف فيها الحكم الفقهي بالحكم الاعتقادي ويقع فيها لبس قد يوصل إلى شرك أو إثم فأدخلنا موضوع النذر ههنا، واليمين

_ (1) البخاري (1/ 171) 67 - كتاب الطب، 25 - باب لا صفر. ومسلم (4/ 1742) 39 - كتاب السلام، 22 - باب لا عدوى ولا طيرة.

بالله فيه معنى التعظيم لله واليمين بغيره فيه تعظيم لذلك الغير، وفي كل الأحوال فإن الأمر مرتبط بالعقائد بشكل من الأشكال وإن كانت تفريعات من مسائل الإيمان تدخل في كتب الفقه، فأدخلنا هذا الموضوع ههنا. فهذه موضوعات هذا الباب الذي أسميناه: مباحث عقدية: السحر والكهانة والتنجيم وقطع نسبة الأشياء إلى الله والطيرة والفأل والشؤم والعدوى والعين والرقي والنذور والإيمان وقد جعلناها في فصول هذا الباب: الفصل الأول: في بعض المشوشات الزائفة على النبوة: السحر والكهانة والتنجيم. الفصل الثاني: في نسبة الحادثات إلى الأسباب مقطوعة عن الله عز وجل. الفصل الثالث: في الطيرة والفأل والشؤم والعدوى وما يجري مجراها. الفصل الرابع: في العين والتمائم والرقي. الفصل الخامس: في النذر. الفصل السادس: في اليمين. * * *

الفصل الأول في: بعض المشوشات الزائفة على النبوة السحر والكهانة والتنجيم

الفصل الأول في: بعض المشوشات الزائفة على النبوة السحر والكهانة والتنجيم وفيه: مقدمة ونقول ونصوص

المقدمة

المقدمة إذا أردت أن تقيم الحجة على الناس برسالات الرسل، فإن من جملة ما تحتج به خوارق العادات التي تظهر على أيديهم أو معهم، وهي التي تسمى بالمعجزات ومن جملة ذلك: إخبار الرسل عن مستقبل لم يقع فيقع كما أخبروا فإذا ما احتججت على الناس بهذا فر بعض الناس من هذه الحجج: فتحدثوا عن السحر وعن الكهانة وعن التنجيم وكأنهم يعتبرون أن ما يظهر على أيدي الرسل عليهم الصلاة والسلام هو من هذا القبيل. قال تعالى: {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} (1). وغاب عن هؤلاء أن المعجزة لا دخل لعالم الأسباب بها، أما السحر فهو جزء من عالم الأسباب، عرفه من عرفه، وجهله من جهله، وكذلك قل فيما يحصل من غرائب بسبب رياضة روحية أو تدريبات خاصة، فما هي إلا من عالم الأسباب، أما المعجزة فليست كذلك، ولذلك كان من المهم جدًا أن يكون عند المسلم معرفة المسلم معرفة يفرق بها بين ما هو سحر وخارق للعادة سواء كان معجزة لرسول أو كرامة لولي، كذلك من المهم جدًا أن تكون عند المسلم معرفة يفرق بها بين ما هو كهانة أو تنجيم، وبين ما هو نبوءة نبي، فنبوءات الأنبياء حق خالص فما أخبروا به أنه واقع، فإنه كائن حتمًا، أما الكهانة والتنجيم فإنهما يختلط فيهما الحدس والتوسم والكذب والاحتمال، فالفارق كبير بين وحي هو أثر عن علم الله المحيط، وبين إيحاءات الشياطين وهواجس الكاذبين، وإذا صدق الكاهن يومًا فهي مرة مختلطة بأكاذيب، وهي إما بالحدس أو من باب إلقاءات الشياطين الذين قد يسمعون الكلمة من الملائكة حال استراقهم السمع فيخلطون بها ما يخلطون. المهم أن يكون عند المسلم معرفة يميز بها بين ما هو سحر وتنجيم وكهانة، وبين ما هو معجزة وكرامة ونبوءة صادقة، والإسلام إذ ذكر المعجزة والكرامة، وأنباء الغيب لم ينف أن يكون هناك سحر وكهانة وتنجيم، إلا أنه حرم السحر والكهانة والتنجيم، وحرم على المسلم أن يكون ساحرًا أو يتبع الساحر أو يصدق الكاهن والمنجم، ومن ههنا فإن التعرف

_ (1) القمر: 2.

على السحر والكهانة والتنجيم له ثلاثة آثار عملية. الأثر الأول: التمييز بين ذلك، وما يصدر عن الأنبياء والأولياء. الأثر الثاني: ينأى المسلم بنفسه أن يدخل في دائرة دعاوي السحرة والكهنة والمنجمين. الأثر الثالث: أن يعتقد أن السحر والكهانة لهما وجودهما، فلقد نص القرآن في أكثر من مكان على أن للسحر وجودًا قال تعالى: {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} (1)، والكهانة ذكرت في السنة النبوية وإّا كان الأمر كذلك فقد عقدنا هذا الفصل ليكون المسلم على ذكر لهذه الأمور، وهذه تقول ونصوص تشير إلى بعض ما ذكرناه:

_ (1) البقرة: 102.

نقول في: السحر والكهانة والتنجيم

نُقول في: السحر والكهانة والتنجيم قال فريد وجدي في دائرة معارفه عن السحر: قال العلماء هو ما يستعان في تحصيله بالتقرب إلى الشياطين مما لا يقدر عليه الإنسان. قال ابن خلدون في مقدمته: هو علم بكيفية الاستعدادات، تقتدر النفوس البشرية به على التأثيرات في عالم العناصر ... ولما كانت هذه العلوم مهجورة عند الشرائع لما فيها من الضرر ولما يشترط فيها من الوجهة إلى غير الله من كوكب أو غيره؛ كانت كتبها كالمفقودة بين الناس إلا ما وجد في كتب الأمم والأقدمين فيما قيل نبوة موسى عليه السلام مثل النبط والكلدانيين، وكانت هذه العلوم في أهل بابل من السريانيين والكلدانيين، وفي أهل مصر من القبط وغيرهم، وكان لهم فيها التأليف والآثار، ولم يترجم لنا كتبهم فيها إلا القليل مثل الفلاحة النبطية من أوضاع أهل بابل فأخذ الناس منها هذا العلم، وتفننوا فيه ووضعت بعد ذلك الأوضاع مثل مصاحف الكواكب السبعة وكتاب طمطم الهندي في صور الدرج والكواكب وغيرهم. [و] أعلم أن وجود السحر لامرية فيه بين العقلاء من أجل التأثير الذي ذكرناه وقد نطق به القرآن، قال الله تعالى: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} (1). وقد شاهد الأوربيون أن في الأقيانوسية عقيدة تأثير الساحر على الإنسان منتشرة كل

_ (1) البقرة: 102.

الانتشار، ويكيفه للاستيلاء عليه أن يملك خصلة من شعره أو أي قطعة من جسمه وقد لا يعوزه غير خرقة كانت له. وللسحرة في أفريقيا شأن يذكر؛ فأين يتوجه السائح يجد الساحر معتبرًا كأنه شخص إلهي عنده الأسرار الملكوتية يشفي من الأمراض ويطرد المردة والجنة وينزل الأمطار على الأماكن المجدية. فلا يتحول ملك الصقع الذي هو فيه لمحاربة عدو أو لسكني جهة أو للبحث عن أنعام ضالة إلا استشارة، وجعل رأيه متنزلًا من حكيم حميد، ويدعونه هناك مانجانا أو نيانجا. [و] تكثر عند الأفريقيين القائم والتعاويذ والطلاسم فإنهم يعزون لها أمورا خارقة للعادة تحفظ من الحسد وتشفي من الأمراض وتجلب الرزق وتوجب المحبة والانعطاف فإذا بدا لأحدهم أن طلسما أخطأ غرضا ولم ينتج النتيجة المنتظرة منه لا يشك في أصله ولا يزيد على أن يبدله بسواه معتقدًا فيه العقيدة عينها التي كانت عنده لسابقه. ولما احتل الإسبانيون أمريكا وجدوا للسحر الاعتبار نفسه الذي لأمثالهم في جميع بقاع الأرض. رأوهم منقطعين في الفيافي يأوون إلى الغيران صائمين متقشفين محافظين على رسوم محدودة من الرياضة يزعمون أنها وصلتهم إلى مناجاة الأرواح والتسلط على نواميس الطبيعة. ورأوا للسحرة في أمريكا الشمالية اطلاعًا واسعًا على خواص النباتات، فكانوا يصفونها للأمراض المختلفة، وكانوا يزعمون أنهم بالتأثير على صورة الشخص أو تمثاله ينتقل ذلك التأثير إلى صاحب الصورة أو التمثال فيضره أو ينفعه كما يريد الساحر. وقد دلت المخطوطات المصرية القديمة التي وجدت على ورق البردي أن السحر كان له في مصر الاعتبار الأعلى عند جميع الطوائف حتى رتبت له رسوم وطقوس وجعلت له وظائف يقوم بها رجال الدين. [و] الأمم التي تعتبر أنبغ الأمم في السحر والنجامة هم الكلدانيون. وقد ذكر القرآن الكريم السحر في مواضيع كثيرة وقد مضى متقدمو الأمة معتقدين

وجدوه وأنه من العلوم السرية التي يتحصل عليها بالرياضة وغيرها. ومال بعضهم وكثير من المتأخرين إلى زعم أن السحر سرعة في اليد وصناعة في التمويه وليس لها سبب ما وراء الطبيعة. وهو قول ليس له دليل يسنده، كما أنه ليس لنا دليل على إثبات السحر إلا لما نص عليه القرآن، ثم ما تقرؤه في كتب الخوارق التي ظهرت في أوروبا من منذ تسعين سنة باسم اسبرتزم وغيره مما يرينا جلياً أن هنالك عالماً روحانياً وفيه من الكائنات ما لا نتصوره وأننا نستطيع أن نناجي تلك الكائنات وتناجيا بوسائل خاصة. ومتى كان هذا ممكنا وتقرر أن الوجود عامر بالآيات المغيبة عنا فلا يبعد أن يكون السحر تابعاً لقوى روحانية وأنه ليس بمجرد صناعة أو سرعة في يد الساحر. أهـ. وقال فريد وجدي في دائرة معارفه عن التنجيم: قال العلامة ابن خلدون في مقدمته: هذه الصناعة يزعم أصحابها أنهم يعرفون بها الكائنات في عالم العناصر قبل حدوثها من قبل معرفة قوى الكواكب وتأثيرها في المولدات العنصرية مفردة ومجتمعة. ثم إنه يشترط مع العلم بقوى النجوم وتأثيراتها مزيد حدس وتخمين وحينئذ يحصل عنده الظن بوقوع الكائن. وقد بان لك بطلان هذه الصناعة من طريق الشرع، وضعف مداركها مع ذلك عن طريق العقل مع مالها من المضار في العمران الإنساني بما تبعث في عقائد العوام من الفساد، إذا اتفق الصدق من أحكامها في بعض الأحايين اتفاقًا لا يرجع إلى تعليل ولا تحقيق فيلهج بذلك من لا معرفة له ويظن أطراد الصدق في سائر أحكامها وليس كذلك فيقع في رد الأشياء إلى غير خالقها. ثم ما ينشأ عنها كثيرًا في الدول من توقع القواطع وما يبعث عليه ذلك التوقع من تطاول الأعداء والمتربصين إلى الفتك والثورة، وقد شاهدنا من ذلك كثيرًا فينبغي أن تحظر هذه الصناعة على جميع أهل العمران لما ينشأ عنها من المضار في الدين والدول. ولكن لا يجوز لنا الانتقال من هذه المادة حتى نورد تاريخ علم التنجيم من المصادر

الأوروبية ليكون المبحث تامًا من كل وجه فنقول: يطلق التنجيم عند الأوروبيين على صناعة الإنباء بالحوادث المستقبلية من النظر في الكواكب والحوادث العلوية. وقد رأى العلماء الباحثون في أساطير كل أمة أقوالا عن هذه الصناعة وإن لم تكن بالغة من الإتقان مبلغًا يرفعها إلى درجة العلوم المقررة. أول أمة رقت هذا العلم إلى درجته المعروفة هي أمة الكلدانيين، ثم أخذه عنهم المصريون الأقدمون وعن هؤلاء أخذه اليونان فنقله عنهم الهنديون والرومانيون. وانتقل هذا العلم من العالم القديم إلى القرون الوسطى، واشتغل به ناس كثيرون وعكفوا عليه وما زال آخذًا من الأذهان محلا إلى القرن الماضي حيث انتشرت العلوم الكونية وعرف الناس حقائق الأجرام السماوية فقل الاشتغال به وكاد يزول لولا أن العالم لا يخلو في كل زمان من رؤوس لا ترى لها لذة إلا التمسك بكل قديم وإن ناقض العقل والحس معًا، ولا تزال هذه الصناعة تأوي إلى رؤوس في الشرق والغرب فيتلقف بعض الناس ما يقوله أهلها كأنه الوحي، ويذهبون في النظر فيه وتأويله وتوجيهه كل مذهب ويلتمسون لقائليه الأعذار مهما كذبتهم الحوادث حتى إننا لنرى أن من الناس من يسهل عليه أن يتهم عقله في فهم أقوال أولئك الأفاكين ولا يسهل عليه أن يتهمهم بالإفك. على أن مبنى هذه الصناعة ظاهر البطلان، لا يحتاج إلى إطالة بيان، وذلك أن أكثر الأقدمين كانوا يؤلهون الكواكب ويعبدونها وكانوا يتخيلون أن لكل منها نصيبًا من إرادة الكون، وكان الكلدانيون والمصريون من أكثر الأمم تشبثًا بهذه العقيدة، فلا عجب أن تكون صناعة التنجيم نتيجة لازمة لهذه العقائد الباطلة، فما دامت الكواكب آلهة وأبناء آلهة وأن لها أرواحاً وحياة وتصريفاً في الكون فما الذي يمنع من تعرف إرادتها، بوجهة حركاتها، أو بوقت اقترانها بسواها، فلما جاء الإسلام وأسقط الآلهية الخيالية والحسية وقرر عبادة الخالق الحق وحده لم يبق لصناعة التنجيم مجال لأن طبيعة الإسلام تنافي التأثير لغير الله أهـ. وقال فريد وجدي في دائرة معارفه عن الكهانة: والكهانة هي استخدام الجن في معرفة الأمور المغيبة، وقد كانت هذه الصناعة معروفة عند العرب فكان إذا ناب أحدهم أمر يريد معرفة دخيلته أو مستقبله منه ذهب إلى الكاهن

فأخبره بما يهمه منه. وكان لكل كاهن منهم صاحب من الجن يحضر إليه فيخبره بما يريد، وليس هذا الاستخدام ببعيد عن العقل؛ فإن ما يحصل في أوروبا من استحضار الأرواح يسهل فهمه على الباحثين أهـ. وقال البغوي في شرح ألسنة: "فالكاهن: هو الذي يخبر عن الكوائن في مستقبل الزمان، ويدعي معرفة الأسرار، ومطالعة علم الغيب، وكان في العرب كهنة يدعون معرفة الأمور، فمنهم من كان يزعم أن له رئيسًا من الجن، وتابعة تلقي إليه الأخبار، ومنهم من كان يدعي أنه يستدرك الأمور بفهم أعطيه. والعراف هو الذي يدعي معرفة الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها، كالمسروق من الذي سرقها، ومعرفة مكان الضالة، وتتهم المرأة بالزنى، فيقول: من صاحبها، ونحو ذلك من الأمور. ومنهم من يسمى المنجم كاهنًا" أهـ. وقال البغوي في شرح السنة (1) مثبتًا السحر وإمكانية تأثيره على أجساد الأنبياء وأن ذلك لا يترتب عليه ضرر في مهمات الرسل: قال الله سبحانه وتعالى: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} (2) وقال جل ذكره: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} (3) وقال سبحانه وتعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} (4). وقال سبحانه وتعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} (5). فنفي السحر جهل، والرد على من نفاه لغو وفضل. فأما زعموا من دخول الضرر في الشرع بإثباته، فليس كذلك، لأن السحر إنما يعمل في أبدانهم [أي في أبدان الأنبياء] وهم بشر يجوز عليهم من العلل والأمراض ما يجوز على

_ (1) شرح السنة (12/ 184). (2) البقرة: 102. (3) طه: 69. (4) الفلق: 4. (والنفاثات): السواحر تنفث، أي: تنفل بلا ريق. (5) طه: 66. (يخيل): أي. يشبه، والتخايل: كل ما لا أصل له.

غيرهم، وليس تأثير السحر في أبدانهم بأكثر من القتل، وتأثير السم، وعوارض الأسقام فيهم، وقد قتل زكريا وابنه وسم نبينا صلى الله عليه وسلم بخيبر. فأما أمر الدين، فإنهم معصومون فيما بعثهم الله جل ذكره، وأرصدهم له، وهو جل ذكره حافظ لدينه، وحارس لوحيه أن يلحقه فساد أو تبديل، وإنما كان خيل إليه أنه يفعل الشيء من أمر النساء خصوصًا، وهذا من جملة ما تضمنه قوله: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} (1). فلا ضرر إذا يلحقه فيما لحقه من السحر على نبوته وشريعته والحمد لله على ذلك، والسحر من عمل الشيطان يفعل في الإنسان بنفثه، ونفخه، وهمزه، ووسوسته، ويتلقاه الساحر بتعليمه إياه، ومعونته عليه، فإذا تلقاه عنه، استعمله في غيره بالقول والنفث في العقد، وللكلام تأثير في الطباع والنفوس، ولذلك صار الإنسان إذا سمع ما كره يحمي ويغضب، وربما حم منه، وقد مات قوم بكلام سمعوه، ويقول امتعضوا منه، ولولا طول الكتاب لذكرناهم. هذا كلام الخطابي في كتابه أهـ. وقال النووي رحمه الله في شرح مسلم (2): عمل السحر حرام، وهو من الكبائر بالإجماع، وقد عده النبي صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات، ومنه ما يكون كفرًا، ومنه ما لا يكون كفرًا، بل معصية كبيرة، فإن كان فيه ما يقتضي الكفر، كفر واستبيت منه، ولا يقتل، فإن تاب، قبلت توبته، وإن لم يكن فيه ما يقتضي الكفر، عزر، وعن مالك: الساحر كافر يقتل بالسحر ولا يستتاب، بل يتحتم قتله كالزنديق، قال عياض: وبقول مالك قال أحمد وجماعة من التابعين. أهـ.

_ (1) البقرة: 102. (2) شرح مسلم (14/ 176).

نصوص في: السحر والكهانة والتنجيم

نصوص في: السحر والكهانة والتنجيم 1436 - * روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: "سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إنه ليخيل إليه فعل الشيء وما فعله، حتى إذا كان ذات يوم وهو عندي، دعا الله ودعاه، ثم قال: "أشعرت يا عائشة، أن الله قد أفتاني فيما استفتيته فيه؟ " قلت: وما ذاك يا رسول الله؟ فقال: "جاءني رجلان، فجلس أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، ثم قال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب، قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي، من بني زريق، قال: فماذا؟ قال: في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر، قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذي أروان- ومن الرواة من قال: في بئر ذروان، قال: في بئر ذروان، قال: وذروان: بئر في بني زريق- فذهب النبي صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه إلى البئر فنظر إليها، وعليها نخل، قال: ثم رجع إلى عائشة، فقال: "والله لكأن ماءها نقاعة الحناء، ولكأن نخلها رؤوس الشياطين" قلت: يا رسول الله، أفأخرجته؟ قال: "لا، أما أنا فقد عافاني الله وشفاني، وخشيت أن أثور على الناس منه شرًا، وأمر بها فدفنت". وفي رواية (1): كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سحر، حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن. وفيها: رجل من بني زريق حليف ليهودي وكان منافقًا. قال محقق الجامع: قال النووي في شرح مسلم: قال القاضي عياض: كل ما جاء في

_ 1436 - البخاري (10/ 225) 76 - كتاب الطب، 50 - باب السحر. مسلم (4/ 1719) 29 - كتاب السلام، 17 - باب السحر. (1) البخاري (10/ 1719) 76 - كتاب الطب، 49 - باب هل يستخرج السحر؟. (مطبوب) المطبوب: السحور، سمي بذلك تفاؤلا بالطب الذي هو العلاج، كما قيل المديغ: سليم تفاؤلا بالسلامة. (جف طلعة) الجف: وعاء الطلع وغشاؤه الذي يكنه. (أثور) بمعنى: أثير، أي: أظهر وأهيج.

الروايات من أنه يخيل إليه فعل شيء لم يفعله ونحوه فمحمول على التخيل بالبصر، لا لخلل تطرق إلى العقل، وليس في ذلك ما يدخل لبسا على الرسالة ولا طعنًا لأهل الضلالة، قال: وقد جاء روايات هذا الحديث مبينة أن السحر إنما تسلط على جسده وظواهر جوارحه، لا على عقله وقلبه واعتقاده. 1437 - * روى النسائي عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: سحر النبي صلى الله عليه وسلم رجل من اليهود، فاشتكى لذلك أيامًا، فأتاه جبريل فقال: إن رجلا من اليهود سحرك، عقد لك عقدًا في بئر كذا وكذا، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستخرجها فحلها، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما أنشط من عقال، فما ذكر ذلك لذلك اليهودي ولا رآه في وجهه قط. أقول: والظاهر أن هذه حادثة أخرى غير التي ذكرتها الرواية السابقة. 1438 - * روى مالك عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها أعتقت جارية لها عن دبر منها، ثم إن عائشة مرضت، فدخل عليها سندي، فقال: إنك مطبوبة، فقالت: من طببني؟ قال: امرأة من نعتها كذا وكذا، وقد بال في حجرها صبي، فقالت عائشة: ادع لي فلانة، لجارية لها تخدمها، فوجدوها في بيت جيران لها، في حجرها صبي قد بال، فقالت: حتى اغسل بول هذا الصبي، فغسلته: ثم جاءت فقالت لها عائشة: أسحرتيني؟ فقالت: نعم، فقالت: لم؟ قالت: أحببت العتق، قالت عائشة: والله لا تعتقي أبدًا، فأمرت ابن أخيها أن يبيعها من الأعراب ممن يسيئ ملكتها، ثم اتبع بثمنها رقبة حتى أعتقها، ففعلت. قالت عمرة: فلبثت عائشة ما شاء الله من الزمان، ثم إنها رأت في النوم أن اغتسلي من ثلاث أبور يمد بعضها بعضا، فإنك تشفين فاغتسلت، فشفيت".

_ 1437 - النسائي (7/ 112) 27 - كتاب تحريم الدم، 20 - سحرة أهل الكتاب. وإسناده صحيح. 1438 - رواه مالك وإسناده صحيح. قال الشيخ شعيب الأرناؤوط في تعليقه على شرح السنة للبغوي (12/ 189): وهو مما انفرد بروايته أبو مصعب الزهري العوفي قاضي المدينة أخذ رواه الموطأ عن مالك، وقد قالوا: إن في موطئه زيادة نحو مائة حديث عن سائر الموطآت، وهو من آخر الموطآت التي عرضت على مالك رحمه الله.

أقول: إن كلام السندي لعائشة يدل على أن هناك ناسًا يكتشفون السحر والساحر، وقد وجد في البيئات الإسلامية من يحلون السحر إذا وقع بطريق مشروع، مثل هذا لا حجر عليه ولا إنكار فيه، وهناك فارق بين الساحر وبين من يحل السحر أو يكتشفه. 1439 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من اقتبس علمًا من النجوم اقتبس شعبة من السحر، زاد ما زاد". 1440 - * روى البخاري عن قتادة بن دعامة قال: خلق الله هذه النجوم لثلاث، جعلها الله زينة السماء، ورجومًا للشياطين، وعلامات نهتدي بها، فمن تأول فيها غير هذا، فقد أخطأ حظه، وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا يعنيه، وما لا علم له به، وما عجز عن علمه الأنبياء والملائكة، صلوات الله عليهم أجمعين. وعن الربيع مثله، وزاد: والله ما جعل الله في نجم حياة أحدٍ ولا رزقة ولا موته، وإنما يفترون على الله الكذب، ويتعللون بالنجوم. قال محقق الجامع: ذكره البخاري تعليقًا 6/ 211 في بدء الخلق، باب في النجوم إلى قوله: ولا علم له به، قال الحافظ في "الفتح": وصله عبد بن حميد من طريق شيبان عنه به، وزاد في آخره: و'ن ناسًا جهلة بأمر الله قد أحدثوا في هذه النجوم كهانة، من غرس بنجم كذا كان كذا، ومن سافر بنجم كذا كان كذا، ولعمري ما في النجوم نجم إلا ويولد به الطويل والقصير، والأحمر والأبيض، والحسن والدميم، وما علم هذه النجوم وهذه الدابة وهذا الطائر شيء من هذا الغيب. أهـ. أقول: إنما ترمى الشياطين بالشهب، والشهب جزء من عالم النجوم، فأطلق هنا الكل وأريد الجزء وذلك من باب قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ

_ 1439 - أبو داود (4/ 15) كتاب الطب 220 - باب في النجوم. وابن ماجه (3/ 1228) 32 - كتاب الأدب، 28 - باب تعلم النجوم. وهو حديث حسن. 1440 - البخاري (6/ 295) 59 - كتاب بدء الخلق، 2 - باب في النجوم.

فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا} (1). قال ابن الأثير: (الرجوم) جمع رجم، وهو مصدر سمي به ما يرجم به، ومعنى كونها رجومًا لهم: أن الشهب التي تنقض لرمي الشياطين، منفصلة من نار الكواكب، لا أنهم يرجمون بالكواكب أنفسها، لأنها ثابتة في الفلك على حالها، وما ذاك إلا كقيس يؤخذ من نار، والنار ثابتة في مكانها. أهـ. أقول: ليس شرطًا أن تكون الشهب منفصلة عن الكواكب المرئية، بل قد تكون قطعًا من كواكب منفجرة، والمعروف أن في مجموعتنا الشمسية كوكبًا متفجرًا أضحت أجزاؤه مبعثرة، وموقعه بين المريخ والمشتري. 1441 - * روى مسلم عن صفية بنت أبي عبيد رحمها الله عن بعض أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى عرافًا فسأله عن شيء فصدقة/ لم تقبل له صلاة أربعين يومًا". 1442 - * روى الطبراني عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أتى عرافًا لم تقبل له صلاة أربعين ليلة". 1443 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى كاهنًا فصدقة بما يقول، أو أتى امرأة في دبرها- في رواية: امرأة حائضًا- فقد برئ مما أنزل على محمد".

_ (1) آل عمران: 172. 1441 - مسلم (4/ 1751) 29 - كتاب السلام، 25 - باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان. (غراقًا) العراف كالكاهن، وقيل: هو الساحر. 1442 - مجمع الزائد (5/ 118) وقال: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات. 1443 - أبو داود (4/ 15) كتاب الطب، باب الكاهن. وأحمد (2/ 408). والترمذي (1/ 243) كتاب الطهارة، 102 - باب ما جاء في كراهية إتيان الحائض. =

أقول: هناك ناس لهم صلة بجن مؤمنين، فهؤلاء يمكن أن يعرفوا بواسطة هؤلاء الجن بعض أحداث وقعت، فإذا ثبت صدقهم فإن هؤلاء لا يدخلون في باب الكهانة والعرافة وما يقدمونه من خدمات ليس بمستنكر إذا كانوا لا يلبسون على الناس، ولا يقربون محرمًا، وأمرهم ولا يستعملون وسيلة حركها الشارع. 1444 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قضي الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم، قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق، وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترق السمع- ومسترقو السمع هكذا، بعضه فوق بعض- ووصف سفيان بكفه، فحرقها، وبدد بين أصابعه- فيسمع الكلمة، فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيان الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدركها الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا، كذا وكذا؟ فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء" وذكر في رواية: قراءة من قرأ (فرغ) وقال سفيان عن عمرو: (فزع) قال: وهي قراءتنا. أقول: إن الناقل إلى الكاهن هو شيطان من الشياطين، وهو غير مؤتمن على النقل عن الملائكة أو غيرهم، وهذا فارق كبير بين وحي الأنبياء وكهانة الكهان، وحي الأنبياء معصوم، لأنه يصل إلينا بواسطة معصومين من الملائكة والنبيين، وغير ذلك محله الاتهام

_ = وابن ماجه (1/ 201) 1 - كتاب الطهارة، 122 - باب النهي عن إتيان الحائض. والدرامي (1/ 251) كتاب الصلاة والطهارة، باب من أتى امرأته في دبرها. وهو حديث صحيح. 1444 - البخاري (8/ 527) 65 - كتاب التفسير، 1 - باب {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا ...}. والترمذي (5/ 362) 48 - كتاب التفسير، 35 - باب ومن سورة سبأ- وقال حديث حسن صحيح. (خضعانًا) الخاضع: المطيع المنقاد الذليل، وخضعانًا جمعه. (صفوان) الصفوان: الحجر الأملس. (فزع عن قلوبهم) أي: كشف عنها الفزع، ومن قرأ (فزع) بالراء والغين المعجمة، أراد: فرغت قلوبهم من الخوف. (فحرفها) حرفها: أي أمالها عن جهتها المستقيمة.

والتكذيب، وقد يصدق الكذوب. 1445 - * روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان؟ فقال: "ليسوا بشيء" قالوا: يا رسول الله إنهم يحدثونا أحيانًا بالشيء، فيكون حقًا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني، فيقذفها في أذن وليه، فيخلطون معها مائة كذبة". زاد في رواية (1): "فيرقوها في أذن وليه كقرقرة الدجاجة". وفي رواية (2): "فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة". وفي رواية (3)، قالت: سألت أنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .... وذكرت مثله. وللبخاري في رواية (4)، قال: "الملائكة تحدث في العنان- والعنان: الغمام- بالأمر يكون في السماء، فتسمع الشياطين الكلمة، فتقرها في أذن الكاهن كما تقر

_ 1445 - البخاري (10/ 216) 76 - كتاب الطب، 46 - باب الكهانة. مسلم (4/ 1750) 29 - كتاب السلام، 25 - باب تحريم الكهانة. (الكهان): جمع كاهن، وهو الذي يخبر عن بعض المضمرات فيصيب بعضًا ويخطئ أبعاضًا، برغم أن الجن تخبره بذلك كما كان يفعله في الجاهلية شق وسطيح، وغيرهما من الكهان، وهو ما أبطله الإسلام وحرمه، ونهى عن الذهاب إليه، واستماع كلامه وتصديقه بما يخبر به. (يخطفها): أي: يسلبها بسرعة. (فيقذفها) يقذفها: أي يلقيها إليه. (1) البخاري (13/ 252) 97 - كتاب التوحيد، 57 - باب قراءة الفاجر والمنافق. (كقرقرة الدجاجة) القرقرة: ترديدك الكلام في أذن الأضم حتى يفهم كما يستخرج ما في القارورة شيئًا بعد شيء إذا أفرغت، ومن رواه كقر الدجاجة، أراد: صوتها إذا قطعته، يقال: قرت الدجاجة تقر قرا وقريرا: إذا قطعت صوتها، فإن رددته قيل: قرقرت قرقرة، ومنه ضر الباب: إذا صوت، وصرصر البازي، لما في صوته من الترديد، والمعنى: أن الجني يقذف تلك الكلمة إلى وليه الكاهن فيتسامع به الشياطين، كما تؤذن الدجاجة بصوتها صاحباتها فتتجاوب، ومن شأنها: أن الواحدة منهن إذا صاحت صاح سائرهن. قال الخطابي: ويجوز أن تكون الرواية "كقر الزجاجة" بالزاي، وتغضدها الرواية الأخرى "كما تقر القارورة" والقارورة: الزجاجة. يقول: فيقره في أّن الكاهن، كما يقر الشيء في القارورة وفي الزجاجة، والله علم. (2) مسلم (4/ 1750) 29 - كتاب السلام، 35 - باب تحريم الكهانة. (3) مسلم: نفس الوضع السابق. (4) البخاري (6/ 338) 59 - كتاب بدء الخلق، 11 - باب صفة إبليس وجنوده.

القارورة، فيزيدون معها مائة كذبة". وفي أخرى له نحوه، وزاد في آخره، "من عند أنفسهم". قال البغوي في شرح السنة في تفسير الخطف: يخطفها الجني. أي: يأخذها ويستلبها بسرعة، كما قال الله سبحانه وتعالى: {إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ} (1) أي استرق السمع بسرعة أهـ. أقول: لابد من التفريق بين ما هو إخبار عن المستقبل وبين ما هو إخبار عن حاصل، وبين صلة إنسان مسلم بجني مسلم، وبين صلة بالشياطين، فصلة الإنسان المسلم بجني مسلم ثابتة وواقعة، وقد يترتب عليها شيء من نفع. 1446 - * روى مسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: أخبرني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار: أنهم بينا هم جلوس ليلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمي بنجم واستنار، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما كنتم تقولون في الجاهلية إذا رمي بمثل هذا؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، كنا نقول: ولد الليلة رجل عظيم، ومات رجل عظيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإنها لا يرمى بها لموت أحدٍ ولا لحياته، ولكن ربنا- تبارك اسمه- إذا قضى أمرًا سبح حملة العرش، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا، ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: ماذا قال ربكم؟ فيخبروهم ما قال، فيستخير بعض أهل السموات بعضًا، حتى يبلغ الخبر هذه السماء الدنيا، فيخطف الجن السمع فيقذفون إلى أوليائهم، ويرمون، فما جاؤوا به على وجهه فهو حق، ولكنهم يفرقون فيه ويزيدون".

_ (1) الصافات: 10. 1446 - مسلم (4/ 1750) 39 - كتاب السلام، 35 - باب تحريم الكهانة. والترمذي: (5/ 362) 48 - كتاب التفسير، 35 - باب ومن سورة سبأ. وقال: حديث حسن صحيح.

وفي رواية (1): رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم" وزاد "وقال الله: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} (2). وللترمذي (3) في أخرى: أن ابن عباس قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ... وذكر الحديث، ولم يذكر فيه: عن رجل من الأنصار. 1447 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود قال: من أتى كاهنا أو عرافًا وتيقن بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم. * * *

_ (1) مسلم (4/ 751) 39 - كتاب السلام، 35 - باب تحريم الكهانة. (2) سبأ: 32. (3) الترمذي (5/ 363) 48 - كتاب التفسير، 35 - باب "ومن سورة نبأ". وقال: حديث حسن صحيح. 1447 - المعجم الكبير: (10/ 93). مجمع الزوائد: (5/ 118) وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط إلا أنه قال فصدقه. وكذلك رواية البزار ورجال الكبير والبزار ثقات.

الفصل الثاني في: نسبة الحادثات إلى الأسباب مقطوعة عن الله عز وجل

الفصل الثاني في: نسبة الحادثات إلى الأسباب مقطوعة عن الله عز وجل وفيه: مقدمة ونصوص

مقدمة

مقدمة الإيمان بالأسباب جزء من عقيدة المسلم. ولكن الجزء الآخر من عقيدة المسلم ألا يعتمد عليها، فهذا ينافي التوكل، وألا يجعل لها تأثيرًا فهذا يتنافى مع الإيمان بشمول تعلق الإرادة الإلهية بالحوادث وشمول تعلق القدرة الإلهية بما تعلقت به الإرادة، وذلك قول بالقوة المودعة التي ذهب إليها المعتزلة وهو نوع شرك يصل بصاحبه إلى ضلال أو كفر، ولذلك قال علماؤنا: من عطل الأسباب فقد كفر، ومن جعل لها تأثيرًا فقد أشرك. فالمسلم لا ينفي ارتباط الأسباب ببعضها ولكن يعتقد أن كل ما جرى ويجري إنما هو بعلم الله وإرادته وقدرته ولذلك كان من أذكار المسلم: لا حول ولا قوة إلا بالله. وكنموذج على ما قلناه لنأخذ حادثة المطر، فأن يتعرف الإنسان على احتمالات نزول المطر فهذا شيء مقر والله عز وجل قال: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} (1)، ومن القديم كان العربي من خلال شمه للرياح ورؤيته للسحاب يدرك إمكانية نزول المطر، فهذا جزء من عالم الأسباب لا اعتراض ولا إنكار بل ينبغي إثباته وقد طورت في عصرنا وسائل لاستكشاف احتمالات ما يجري ولكن ما تقدمه هذه الوسائل يبقى في حدود الاحتمالات، ولكن الشيء الذي يكمل هذا التصور أن نعتقد أن ما يحدث هو بإرادة الله وعلمه وقدرته، وأن إنزال المطر النافع هو أثر رحمته وعنايته، فمن غفل عن ذلك مع صحة الاعتقاد فلا إثم عليه، ومن اعتقد أنه لا تدخل لله في ما يجري، ونسب ما يحدث إلى الأسباب قاطعًا إياها عن المسبب فهو ضال إن كان يقول بالقوة المودعة، وكافر إن كان يؤمن بأنه لا دخل ابتداء وانتهاء لله فيما يجري. وهذا موضوع مباحثه طويلة وأدلته كثيرة وقد وفق أهل السنة والجماعة فيه للحق، وضل عنه كثيرون، وكنموذج على بعض ما ورد في هذا الشأن ما ورد في موضوع نزول المطر، فالله عز وجل قال: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} (2)، وقال {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى

_ (1) الأعراف: 57. (2) فاطر: 27.

مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ * فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} (1)، وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ} (2). ومن ههنا لفت رسول الله صلى الله عليه وسلم النظر إلى أن المسلم يستقبل المطر بنسبته إلى الله كدأب المسلم في كل شيء، وهذا لا ينفي الإيمان بعالم الأسباب. وهذه نصوص في هذه المسألة تعرف منها موقف الإسلام بالقول بالأسباب، وألا يجعل لها تأثيرًا بل المؤثر هو الله، قال تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} (3).

_ (1) الروم: 48 - 50. (2) النور: 43. (3) الرحمن: 29.

النصوص

النصوص 1448 - * روى البخاري ومسلم عند زيد بن خالد رضي الله عنه، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية في أثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف، أقبل على الناس، فقال: "هل تدرون ماذا قال ربكم؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: قال: "أصبح من عبادي مؤمن بي، وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي، كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي، مؤمن بالكوكب. وفي رواية (1) النسائي قال: مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "ألم تسمعوا ما قال ربكم الليلة؟ قال: ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح طائفة منهم كافرين، يقولون: مطرنا بنوء كذا، ونوء كذا، فأما من آمن بس وحمدني على سقياي، فذلك الذي آمن بي، وكفر بالكوكب، ومن قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك الذي كفر بي، وآمن بالكوكب". قال ابن الأثير: (إثر سماء) السماء هاهنا: المطر، سمي بذلك، لأنه ينزل من السماء. (النوء): واحد الأنواء، وهي ثمان وعشرون منزلة، ينزل القمر كل ليلة في منزلة منها، ويسقط في الغرب كل ثلاث عشرة ليلة منزلة مع طلوع الفجر، وتطلع أخرى مقابلها، فتنقضي جميعها مع انقضاء السنة، وكانت العرب تزعم أن مع سقوط المنزلة، وطلوع رقيبها: يكون مطر، فينسبون المطر إلى المنزلة، ويقولون: "مطرنا بنوء كذا" وإنما سمي نوءًا، لأنه إذا سقط الساقط منها بالمغرب ناء الطالع بالمشرق، ينوء نوءًا، أي:

_ 1448 - البخاري (2/ 333) 10 - كتاب الأذان، 156 - باب يستقبل الإمام الناس إذا سلم. مسلم) 1/ 83) 1 - كتاب الإيمان، باب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء. وأبو داود (4/ 16) كتاب الطب، 22 - باب في النجوم. والموطأ (1/ 113) 12 - كتاب الاستقساء، 2 - باب الاستطار بالنجوم. (1) النسائي (2/ 164) 17 - كتاب الاستسقاء، 16 - باب كراهية الاستمطار بالكوكب.

نهض وطلع، وقيل: إن "النوء": هو الغروب فهو من الأضداد، قال أبو عبيد: لم نسمع في النوء أنه السقوط، إلا في هذا الموضع، وإنما غلظ النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الأنواء، لأن العرب كانت تنسب المطر إليها، فأما من جعل المطر من فعل الله تعالى، وأراد بقوله: "مطرنا بنوء كذا" أي: في وقت كذا، وهو هذا النوء الفلاني، فإن ذلك جائز، فقد قيل: "إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أراد أن يستسقى، فنادي بالعباس بن عبد المطلب: كم بقي من نوء الثريا؟ فقال: إن العلماء بها يزعمون أنها تعترض في الأفق سبعًا بعد وقوعها، فما مضت تلك السبع حتى غيث الناس، وأراد عمر: كم بقي من الوقت الذي قد جرت العادة أنه إذا تم أتى الله بالمطر، وأما قوله: "كافر بي" فيحتمل أنه أراد به الكفر الذي هو ضد الإيمان، ويحتمل أنه أراد به الكفر الذي هو ضد الشكر، يعني أنه كفر نعمة الله، حيث نسبها إلى غيره. وعلى النجوم المنهي عنه: هو ما يدعيه أهل التنجيم من علم الكائنات والحوادث التي لم تقع وستجئ في المستقبل، وأنهم يدركون معرفتها بتسيير الكواكب، وانتقالاتها واجتماعها وافتراقها، وأن لها تأثيرًا أختياريًا في العالم، فأما من يعرف من النجوم لمعرفة الأوقات، والاهتداء بها في الطرقات، ومعرفة القبلة وأشباه ذلك، فليس به بأس. أهـ. 1449 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألم تروا إلى ما قال ربكم؟ قال: ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين، يقولون: الكوكب، وبالكوكب". وفي رواية (1): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما أنزل الله من السماء من بركة إلا أصبح فريق من الناس بها كافرين، ينزل الله الغيث، فيقولون: الكوكب كذا وكذا". وفي رواية النسائي (2)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل ما أنعمت

_ 1449 - مسلم (1/ 84) 1 - كتاب الإيمان، 22 - باب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء. (1) مسلم: نفس الموضع. (2) النسائي (3/ 164) 17 - كتاب الاستسقاء، 16 - باب كراهية الاستمطار بالكوكب.

على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين، يقولون: الكوكب، وبالكوكب". 1450 - * روى النسائي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أمسك الله القطر عن عباده خمس سنين، ثم أرسله لأصبحت طائفة من الناس كافرين، يقولون: سقينا بنوء المجدح". 1451 - * روى الطبراني عن العباس بن عبد المطلب قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة فالتفت إليها فقال: "إن الله قد برأ هذه الجزيرة من الشرك ولكن أخاف أن تضلهم النجوم"، قال: "ينزل الغيث فيقولون مطرنا بنوء كذا وكذا". * * *

_ 1450 - النسائي (3/ 165) 17 - كتاب الاستسقاء، 16 - باب كراهية الاستمطار بالكوكب. وفي سنده عتاب بن حنين ويقال ابن أبي حنين: المكي، لم يوثقه غير ابن حيان، وباقي رجاله ثقات. (المجدح): بكسر الميم: نجم يقال له: "الدبران" وبعضهم بضم الميم. 1451 - مجمع الزوائد (8/ 114). وقال: رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط باختصار، وإسناد أبى يعلى حسن.

الفصل الثالث في: الطيرة والفأل والشؤم والعدوى وما يجري مجراها

الفصل الثالث في: الطيرة والفأل والشؤم والعدوى وما يجري مجراها وفيه: مقدمة ونصوص

المقدمة

المقدمة للوهم تأثيره على الإنسان حتى قالوا: ما قادك شيء مثل الوهم. وكثيرًا ما تعصف الأوهام بالإنسان، فتخرجه من دوائر الطمأنينة والتعقل إلى دوائر القلق والحيرة والخرق، وجاءت شريعة الإسلام وأعطت الإنسان التثبت والتعقل والطمأنينة من خلال الذكر والتوكل والتشريع بحيث غدا حرًا من تعبد الأوهام. ومن مظاهر تعبد الإنسان للوهم أن يحكم في تصرفاته الجمادات والحيوانات، فترى أهل الجاهلية يستقسمون بالأزلام بأن يضعوا أقلامًا في شيء ما، وبعض هذه الأقلام مكتوب عليها: نعم أو لا، فإذا أراد الإنسان السفر أو غيره أدخل يده هو أو غيره فإذا خرج سهم يقول له: لا، ترك، وإذا خرج سهم يقول: نعم، فعل، فهذا مظهر من تحكيم الجماد بالإنسان، وكان من عاداتهم الطيرة التي نهى عنها الشرع، ومن صورها: إذا أراد إنسان أن يسافر أو يعمل عملا أرسل الطير، فإن رجعت عن يمينه تفاءل فأقدم، وإن رجعت عن شماله تشاءم وأحجم، فهذا مظهر من مظاهر تحكيم الحيوان بالإنسان، وعدا عن كون هذا وهذا استخفافًا في العقل البشري فهو كذلك تحكيم للوهم في إرادة الإنسان، ولذلك تأثيراته على أعصاب الإنسان وجسمه وقلبه، ولا زال بعض الناس يفعلون شبيهًا بهذا فترى بعضهم يبحث عن حظه يضربه نرد أو بإلقاء علبة أو بغير ذلك من صور، كلها تحوي فكرة تعبيد النفس للوهم، والتشاؤم كله تعبيد للنفس للوهم، وما يترتب على ذلك من انعكاسات تظهر في أمراض نفسية شتى، وما أكثر أمراض النفس التي تعد في عصرنا من اكتئاب إلى السويداء إلى الخوف إلى القلق والتشاؤم دخل في هذه الأمراض، وللعدوى دخل كبير في الوهم مع أنها حاصلة إلا أن كثرة الخشية من العدوى تورث التوهم الذي يؤدي إلى خلل مع علاقات الناس، كما أنها قد تؤدي إلى شرور بين الناس خاصة إذا أخذ الناس يرفعون دعاوي على بعضهم بأن فلانًا أعداني، أو أن إبل فلان أعدت إبلي، وهي قضايا ظنية، ومن الناحية الطبية، فالعدوى في كثير من الأحيان إنما توجد إذا وجد عند الجهة الأخرى استعداد للعدوى. ومن ههنا أقر الشارع العدوى كحقيقة، وعلم الإنسان الاحتياط ولكنه أهدر آثارها.

وهكذا عالج الإسلام الذي أنزله الله طبًا للإنسان في كل شيء، عالج الوهم في حياة الإنسان وحرره من أن يتعبد للجمادات أو الحيوانات أو للأوهام بأي شكل من أشكال التعبد والطاعة، ومن ههنا حرم الإسلام والاستسقام بالأزلام وحرم الطيرة وعالج التشاؤم وأهدر العدوى، فلم يعلق عليه آية مسؤولية، وأبدلنا كله توكلا على الله وطمأنينته قلب لقضائه، واستخارة حيث تندب الاستخارة، واستشارة حيث تندب الاستشارة، وحسن ظن بالله، وحسن ظن في الخلق في محله، وغير ذلك مما يكون عليه المسلم السوي في اعتقاده وأعماله وفي نفسه وقلبه وعقله، وهذه قضايا لا يعرف قيمتها إلا من عرف كيف تتمزق النفس بالأوهام عندما يكون إسلام أو عندما لا يكون إسلام، لم يصل بعد إلى القلب فيجعله يستقر باليقين، {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (1). ولارتباط هذه المعاني بالعقيدة والإيمان فقد عقدنا هذا الفصل في هذا الباب.

_ (1) الرعد: 28.

النصوص

النصوص 1452 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا عدوى، ولا صفر، ولا هامة" فقال أعرابي: يا رسول الله، فما بال إبل تكون في الرمل كأنها الظباء، فيأتي البعير الأجرب، فيدخل فيها فيجربها كلها؟ فقال: "فمن أعدى الأول". قال البخاري: ورواه الزهري عن أبي سلمه عن عبد الرحمن، وسنان بن أبي سنان، وفي رواية سنان وحده: بنحو ذلك. وفي رواية لأبي سلمه (1): أنه سمع أبا هريرة بعد يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يوردن ممرض على مصح". وأنكر أبو هريرة حديث الأول، قلنا: ألم تحدث: أنه "لا عدوى؟ " فرطن بالحبشية، قال أبو سلمه: فما رأيته نسي حديثًا غيره. وفي رواية أخرى (2) عن أبي سلمه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا عدوى" وتحدث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يورد ممرض على مصح". قال الزهري: قال أبو سلمه: كان أبو هريرة يحدث بهما كليهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صممت أبو هريرة بعد ذلك عن قوله: "لا عدوى"، وأقام على أن "لا يورد ممرض على مصح". قال: فقال الحارث بن أ [ي ذباب- وهو ابن عم أبي هريرة- قد كنت أسمعك يا أبا هريرة تحدثنا مع هذا الحديث حديثًا آخر قد سكت عنه، كنت تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا عدوى" فأبي أبو هريرة أن يعرف ذلك، وقال: "لا يورد ممرض على مصح". فماراه الحارث في ذلك حق غضب أبو هريرة فرطن بالحبشية، فقال للحارث: أتدري ماذا قلت؟ قال: لا، أبو هريرة: إني قلت: "أتيت". قال أبو سلمه: ولعمري، لقد كان أبو هريرة يحدثنا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا عدوى". فلا

_ 1452 - البخاري (10/ 171) 76 - كتاب الطب، 25 - باب لا صفر. مسلم (4/ 1742) 29 - كتاب السلام، 23 - باب لا عدوى ولا طيرة. (1) البخاري (10/ 241) 76 - كتاب الطب، 53 - باب لا هامة. (2) مسلم (4/ 1743) 39 - كتاب السلام، 33 - باب لا عدوى ولا طيرة.

أدري: أنسي أبي هريرة، أو نسخ أحد القولين الآخر؟ وفي رواية أخرى (1) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا طيرة، وخيرها الفأل". قيل: يا رسول الله، وما الفأل؟ قال: "الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم". وعند البخاري (2): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر". وله في أخرى (3) زيادة: "وفر من المجذوم كما تفر من الأسد". وفي رواية لمسلم (4): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا عدوى، ولا هامة، ولا نوء، ولا صفر". وفي أخرى (5): "لا عدوى، ولا هامة، ولا طيرة، وأحب الفأل الصالح". قال أبو داود: قال بقية: سألت محمد بن راشد عن قوله: "ولا هامة"؟ فقال: كان أهل الجاهلية يقولون: ليس أحد يموت فيدفن إلا خرج من قبره هامة. وعن قوله: "ولا صفر"؟ قال: كانوا يستشئمون بدخول صفر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا صفر". قال: وسمعت من يقول: هو وجع يأخذ في البطن، يزعمون أنه يعدي. قال أبو داود: وقال مالك: كان أهل الجاهلية يحلون صفر عامًا، ويحرمونه عامًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صفر". (ولا هامة) الهام جمع هامة، وهو طائر كانت العرب تزعم أن عظام الميت تصير هامة فتطير، وكانوا يقولون: إن القتيل تخرج من هامته - أي: رأسه- هامة، فلا تزال تقول: اسقوني، حتى يقتل قاتله.

_ (1) البخاري (10/ 212) 76 - كتاب الطب، 43 - باب الطيرة. ومسلم (4/ 1745) 39 - كتاب السلام، 34 - باب الطيرة والفأل. (2) البخاري (10/ 215) 76 - كتاب الطب، 43 - باب لا هامة. (3) البخاري (10/ 158) 76 - كتاب الطب، 43 - باب الجذام. (4) مسلم (4/ 1744) 39 - كتاب السلام، 33 - باب لا عدوى ولا طيرة. (5) مسلم (4/ 1746) 39 - كتاب السلام، 34 - باب الطيرة والفأل.

(لا يورد مُمرض على مُصح) الممرض: هو الذي إبله مراض، والمصح: الذي إبله صحاح، فنهى أن يورد اصحب الإبل المراض إبله على إبل ذي الإبل الصحاح. (فرطن) الرطانة: التكلم بالعجمية أي لغة كانت. (فماراه) المماراة والمجادلة: المخاصمة. (أتيت) أي: ذهبت وتغير عليك حسك، فتوهمت ما ليس بصحيح صحيحًا. (خيرها الفأل) هو مثل أن يكون الرجل مريضًا، فيسمع آخر يقول: يا سالم. أو يكون طالبًا، فيسمع آخر يقول: يا واجد. فيقع في ظنه أن يبرأ من مرضه، ويجد ضالته، فيتوقع صحة هذه البشرى، ويتنفس بذلك نفسه؛ لأنه وقع من القائل على جهة الاتفاق، تقول منه: تفاءلت، والافتئال: افتعال منه، فالفأل: فيما يرجى وقوعه من الخير، ويتحسن ظاهره ويسر، والطيرة: لا تكون إلا فيما يسوء، وإنما أحب النبي صلى الله عليه وسلم الفأل: لأن الناس إذا أملوا فائدة من الله، ورجوا عائدته عند كل سبب ضعيف أو قوي: فهم على خير، وإن لم يدركوا ما أملوا، فقد أصابوا في الرجاء من الله وطلب ما عنده، وفي الرجاء لهم خير معجل، ألا ترى أنهم إذا قطعوا أملهم ورجاهم من الله كان ذلك من الشر؟. فأما الطيرة: فإن فيها سوء الظن، وقطع الرجاء، وتوقع البلاء وقنوط النفس من الخير، وذلك مذموم بين العقلاء، منهي عنه من جهة الشرع. (ولا نوء) النوء: واحد الأنواء، وهو ثمانية وعشرون نجمًا، هي منازل القمر، تسقط كل ثلاث عشرة ليلة، منها منزلة من طلوع الفجر وتطلع أخرى مقابلها، فتنقضي هذه الثمانية والعشرون مع انقضاء السنة، وكانت العرب تزعم أن مع سقوط المنزلة وطلوع نظيرها يكون مطر، فينسبون المطر إلى المنزلة، ويقولون: مطرنا بنوء كذا، وإنما سمي نوءًا لأنه إذا سقط الساقط منها بالمغرب ناء الطالع بالمشرق، أي: طلع ونهض، وقيل: إن النوء هو الغروب، وهو من الأضداد، قال أبو عبيد: ولم يسمع في النوء أنه السقوط إلا في هذا الموضع. وإنما غلظ النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الأنواء، لأن العرب كانت تنسب المطر إليها، فأما من

جعل المطر من فعل الله عز وجل، وأراد بقوله: مطرنا بنوء كذا، أي: في وقت كذا، وهو هذا النوء الفلاني، فإن ذلك جائز. وفي معنى النوء قال البغوي في شرح السنة: قوله: "ولا نوء" أراد به ما كانت العرب تنسب المطر إلى أنواء الكواكب الثمانية والعشرين التي هي منازل القمر، وتقول: مطرنا بنوء كذا، فأبطل الشرع أن يكون بنوء النجوم شيء إلا بإذن الله أ. هـ. أقول: لقد لاحظنا في الحديث الذي مر معنا إثبات العدوى، ولذلك ورد: لا يوردن ممرض على مصح. كما رأينا أن فيه نفي العدوى، والجمع بينهما أن الشارع أثبت العدوى كواقع، وطالب بالاحتياط منها، ونفى أن يترتب على العدوى مسؤولية قضائية. وقد مر في الحديث النهي عن التشاؤم بذكر ما جرت عادة العرب أن تتشاءم منه، ومن ذلك التشاؤم من صفر، وأبطل الحديث خرافة الهامة التي كانت موجودة عند العرب في الجاهلية ولا زالت بعض الشعوب تتشاءم حيث لا ينبغي التشاؤم، ومن ذلك تشاؤم الغربيين بالعدد رقم- 13 - ، وهو من قبيل تشاؤم الجاهلية. 1453 - * روى الترمذي عن عبيد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامًا، فقال: "لا يعدي شيء شيئًا". فقال أعرابي: يا رسول الله، فما بال الإبل يأتيها البعير الأجرب الحشفة بذنبه فيجربها كلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فمن أجرب الأول منها؟ ألا لا عدوى ولا صفر، إن الله خلق كل نفس وكتب حياتها ورزقها ومصائبها ومحابها". 1454 - * روى مسلم عن عمرو بن الشريد رضي الله عنه، عن أبيه قال: كان في وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم: "إنا قد بايعناك، فارجع".

_ 1453 - الترمذي (4/ 450، 541) 33 - كتاب القدر، 9 - باب ما جاء لا عدوى، وهو حديث حسن. قال ابن الأثير: (يعدي): أعدى المريض: إذا تجاوز من واحد إلى آخر، كما يتعدى الجرب. 1454 - مسلم (4/ 1752) 29 - كتاب السلام، 36 - باب اجتناب المجذوم ونحوه.

أقول: هذا الحديث أحد الأدلة على أن العدوى ثابتة بالشرع، وإنما المنفي هو إثبات المسؤولية المادية بسببها. 1455 - * روى الطبراني عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى"، فقال أعرابي: يا رسول الله فإنا نأخذ الشاة الجربة فنطرحها في الغنم فتجرب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أعرابي من أجرب الأولى". 1456 - * روى أبو داود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الطيرة شرك، الطيرة شرط، الطيرة شرك"- ثلاثًا- "وما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل". وفي رواية الترمذي (1) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الطيرة من الشرك، وما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل". ورواه أيضًا ابن حبان (2). (الطيرة) ما يتشاءم به من الفأل الرديء وغيره، واشتقاقها من الطير، وكانت العرب تتطير من الغراب والأخيل ونحوهما من الطير، وتتشاءم به، وترى أن ذلك مانع من الخير، فنفى الإسلام ذلك، وقال: "ولا طيرة": وهو مصدر، كالتطير، تطير الرجل تطيرًا وطيرة، كما قالوا: تخيرت الشيء تخيرًا وخيرة، ولم يجئ من المصادر على هذا القياس غيرهما. وقال البغوي في شرح السنة مبينًا ماهية الطيرة: وذلك أن العرب كانت تتطير ببروح الطير وسنوحها، فيصدهم ذلك عما يمموه من مقاصدهم، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون لشيء منها تأثير في اجتلاب نفع، أو ضر، ويقال:

_ 1455 - المعجم الكبير: (11/ 228). مجمع الزوائد: (5/ 102) وقال: رواه الطبراني بأسانيد، ورجال بعضها رجال الصحيح. 1456 - أبو داود (4/ 17) كتاب الطب، باب في الطيرة. (1) الترمذي (4/ 160 - 161) 22 - كتاب السير، باب ما جاء في الطيرة وقال: هذا حديث حسن صحيح. (2) الإحسان بترتيب ابن حبان: (7/ 642).

الطيرة أن يخرج لأمر، فإذا رأي ما يحب، مضى، وإن رأى ما يكره انصرف، فأما ما يقع في قلبه من محبوب ذلك ومكرهه، فليس بطيرة، إذا مضى لحاجته، وتوكل على ربه. قال ابن عباس: إن مضيت، فمتوكل، وإن نكصت فمتطير. وقال إبراهيم: قال عبد الله: لا تضر الطيرة إلا من تطير. أهـ. (وما منا إلا) في هذا الكلام محذوف، تقديره: وما منا إلا ويعتريه التطير، ويسبق إلى قلبه الكراهة له، فحذف ذلك اختصارًا واعتمادًا على فهم السامع، وقد جاء في كتاب الترمذي أن هذا من كلام ابن مسعود، وليس من الحديث، والله أعلم. 1457 - * روى أحمد عن بريدة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يتطير من شيء، وكان إذا بعث عاملًا سأل عن اسمه؟ فإذا أعجبه فرح به، ورئي بشر ذلك في وجهه، وإن كره اسمه رئى كراهية ذلك في وجهه. قال ابن الأثير: (بشر) البشر: طلاقة الوجه وأمارات الفرح التي تظهر على الإنسان عند رؤية ما يسر، أو سماعه. أهـ. قال البغوي: وينبغي للإنسان أن يختار لولده وخدمة الأسماء الحسنة أ. هـ. 1458 - * روى مسلم عن معاوية بن الحكم، قال: قلت يا رسول الله: منا رجال يتطيرون؟ قال: "ذلك شيء تجدونه في أنفسكم، فلا يصدنكم". قال: قلت: ومنا رجال يأتون الكهان؟ قال: "فلا تأتوهم". قال: قلت: ومنا رجال يخطون. قال: "خط نبي، فمن وافق علمه علم".

_ 1457 - أحمد (5/ 237). وأبو داود (4/ 19): كتاب الطب، 34 - باب في الطيرة. 1458 - مسلم (1/ 383) 5 - كتاب المساجد، 7 - باب تحريم الكلام في الصلاة.

قال البغوي في شرح السنة في تفسير قوله عليه السلام "يخطون": قال الخطابي: فقد يحتمل أن يكون معناه: الزجر عنه، إذ كان من بعده لا يوافق خطه، ولا ينال حظه من الصواب؛ لأن ذلك إنما كان آية لذلك النبي، وعلمً لنبوته، فليس لمن بعده أن يتعطاه طمعًا في نيله والله أعلم. روي عن طاووس قال: سمعت ابن عباس يقول: إن قومًا يحسبون بأبي جاد، وينظرون في النجوم، وما أرى لمن فعل ذلك من خلاق أهـ. أقول: أبي جاد: المراد بها الأحرف الأبجدية نسبة على (أبجد هوز) والمعروف أن العرب تعطي لكل حرف منها عددًا، وبعض الناس يحسبون أعداد الأحرف لشيء ما وعلى ضوء ذلك يقدمون أو يحجمون. وهذا الذي نهى عنه ابن عباس وسفه أهله لأنه تحكم وتحكيم لغير العاقل بالعاقل، وهو في الأصل شيء غير معقول المعنى ولم يأت به شرع. 1459 - * روى البخاري ومسلم، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا عدوى، ولا طيرة، ويعجبني الفأل". قالوا: وما الفأل؟ قال: "كلمة طيبة". وروى البخاري مثله (1)، وقال: "ويعجبني الفأل الصالح: الكلمة الحسنة". وروى مسلم مثله (2)، وقال: "ويعجبني الفأل: الكلمة الحسنة، الكلمة الطيبة". قال ابن الأثير: (لا عدوى) يقال: أعداه المريض: إذا أصابه منه بمقارنته ومجاورته أو مؤاكلته ومباشرته.

_ 1459 - البخاري (10/ 244) 76 - كتاب الطب، 54 - باب لا عدوى. مسلم (4/ 1746) 29 - كتاب السلام، 34 - باب الطيرة والفأل. (1) البخاري (10/ 214) 76 - كتاب الطب، 44 - باب الفأل. (2) مسلم (4/ 1746) 29 - كتاب السلام، 34 - باب الطيرة والفأل.

1460 - * روى الطبراني، عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يبلغنا من لقاحنا". فقام رجل فقال: أنا. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما اسمك"؟ قال: صخر أو جندل. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجلس". ثم قال: "من يبلغنا لبن لقاحنا"؟ فقام رجل آخر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما اسمك" قال: يعيش. قال: "بلغنا من لقاحنا". 1461 - * روى الترمذي، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعجبه إذا خرج لحاجة: أن يسمع: يا راشد، يا نجيح. وفي الصحيحين (1) معناه عن أبي هريرة رضي الله عنه. 1462 - * روى الطبراني، عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن ينال الدرجات العلى من تكهن أو استقم أو رجع من سفر تطيرًا". وفي رواية: "أو تطير طيرة ترده عن سفر لم ينظر إلى الدرجات العلى". 1463 - * روى أبو داود عن قطن بن قبيصة عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "العيافة والطيرة والطرق: من الخبث". قال ابن الأثير: (العيافة): زجر الطير والتفاؤل بها، كما كانت العرب تفعله، عاف الطير يعيفه: إذا زجره.

_ 1460 - المعجم الكبير: (17/ 292). مجمع الزوائد (5/ 106) وقال: رواه الطبراني، وفيه سعيد بن أسد بن موسى، روى عنه أبو زرعة الرازي ولم يضعفه أحد، وبقية رجاله ثقات. 1461 - الترمذي (4/ 161) 22 - كتاب السير، 47 - باب ما جاء في الطيرة. وقال: هذا حديث حسن صحيح، وهو كما قال. (1) البخاري (10/ 214) 76 - كتاب الطب، 44 - باب الفأل. مسلم (4/ 1745) 39 - كتاب السلام، 34 - باب الطيرة والفأل. 1462 - مجمع الزوائد (5/ 118). وقال: رواه الطبراني بإسنادين، ورجال أحدهما ثقات. 1463 - أبو داود (4/ 16) كتاب الطب، باب في الخط وزجر الطير، وهو حديث حسن، وقال أبو داود: الطرق: الزجر، والعيافة: الخط.

(الطرق): الضرب بالعصا، وقيل: هو الخط في الرمل، كما يفعله المنجم لاستخراج الضمير ونحوه، وقد جاء في كتاب أبي داود: أن الطرق: الزجر، والعيافة: الخط. (الجبت) كل ما عبد من دون الله، وقيل: هو الكاهن والشيطان. قال البغوي في شرح السنة: وأراد بالعيافة: زجر الطير. والطرق: هو الضرب بالحصى، وأصل الطرق: الضرب: ومنه سميت مطرقة الصائغ والحداد؛ لأنه يطرق بها. وقال ابن سيرين: الجبت: الساحر، والطارق: الكاهن. قال ابن جرير في (جامع البيان) 8/ 465: والصواب من القول في تأويل {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} أن يقال: يصدقون بمعبودين من دون الله يعبدونهما من دون الله، ويتخذونهما إليهن، وذلك أن "الجبت" و"الطاغوت" اسمان لكل معظم بعبادة من دون الله أو طاعة أو خضوع له كائنًا مال كان ذلك المعظم من حجر أو إنسان أو شيطان، وإذ كان ذلك كذلك، وكانت الأصنام التي كانت الجاهلية تعبدها، كانت معظمة بالعبادة من دون الله، فقد كان جبوتًا وطواغيت، وكذلك الشياطين التي كانت تطيعها في معصية الله، وكذلك الساحر والكاهن اللذان كان مقبولًا منهما ما قالا في أهل الشرك بالله. أهـ. أقول: الحاصل أن الحديث نهى عن ضرب الرمل الذي عرفنا فيما مضى أن الخط فيه لاستخراج أمر كان معجزة لنبي، وقد حرم في شريعتنا، كما حرم في الحديث الطيرة التي هي زجر الطير والبناء على خط سيرها سلبًا أو إيجابًا من العمل، كما نهى الحديث عن ضرب الحصى للبناء على ذلك، كأن يضرب الإنسان حصاة فإذا وقعت في مكان مضى لشانه وإلا أحجم، فكل ذلك وكل ما أدخله الشراح في شرح الحديث من صور على اختلاف تفسيراتهم، كل ذلك يدخل في إتباع خطوات الشيطان، فهي من الجبت الذي هو عبادة غير الله والخضوع له.

1464 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا عدوى، ولا صفر، ولا غول". قال ابن الأثير: (ولا غول) الغول: هذا الحيوان التي كانت العرب تزعم أنه يعرض لها في بضع الأوقات والطرق، فيغتال الناس، وإنه ضرب من الشياطين، وليس قوله: "ولا غول" نفيًا لعين الغول ووجوده، وإنما فيه إبطال زعم العرب في اغتياله وتلونه في الصور المختلفة، يقول: لا تصدقوا بذلك. أهـ. أقول: إن النصوص أثبتت إمكانية تشكل الجن ببعض الصور، فهذه الحيثية ليست منفية في الحديث، ولكن تصورًا وهميًا من تصورات الجاهلية عن شيء يسمونه الغول فيتوهمون بسببه، قد أبطله الإسلام. وقد قال الله عز وجل عن الإنسان: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} (1) فالإنسان، محفوظ إلا إذا قضى الله عليه قضاء، ولذلك فإن المسلم يغلب عليه حال التوكل فلا يخشى إلا الله، فإذا داهمه أمر عمل بمقتضى أمر الله. 1465 - * روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى، ولا طيرة، وإنما الشؤم في ثلاث: في الفرس، والمرأة، والدار". وفي رواية (2) قال: ذكروا الشؤم عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "إن كان الشؤم: ففي الدار، والمرأة، والفرس".

_ 1464 - مسلم (4/ 1745) 39 - كتاب السلام، 33 - باب لا عدوى ولا طيرة. (1) الرعد: 11. 1465 - البخاري (10/ 212) 76 - كتاب الطب، 43 - باب الطيرة. مسلم (4/ 1747) 39 - كتاب السلام، 34 - باب الطيرة والفأل. (2) البخاري (6/ 60) 56 - كتاب الجهاد، 47 - باب ما يذكر من شؤم الفرس. مسلم (4/ 1748) 39 - كتاب السلام، 34 - باب الطيرة والفأل.

ولمسلم (1): "في المرأة والفرس والمسكن". 1466 - * روى أبو داود عن سعد بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "لا هامة، ولا عدوى، ولا طيرة، وغن تكن الطيرة في شيء: ففي الفرس، والمرأة، والدار". 1467 - * روى أبو داود عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال وجل: يا رسول الله، غنا كنا في دار، كثر فيها عددنا، وكثر فيها أموالنا، فتحولنا إلى دار أخرى، فقل فيها عددنا، وقلت فيها أموالنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ذروها ذميمة". قال ابن الأثير: (ذروها ذميمة) أي: اتركوها مذمومة، وإنما أمرهم بالتحول عنها إبطالًا لما وقع في نفوسهم من أن المكروه غنما أصابهم بسبب الدار وسكناها، فإذا تحولوا عنها انقطعت مادة ذلك الوهم، وزال ما خامرهم من الشبهة والوهم الفاسد، والله أعلم. 1468 - * روى أحمد عن أبي حسان نحوه وفيه: قالت عائشة: والذي أنزل القرآن على محمد ما قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم قط إنما قال: "كان أهل الجاهلية يتطيرون من ذلك". وفي رواية (2): "كان أهل الجاهلية يقولون: الطيرة في الدار والمرأة والدابة". ثم قرأت عائشة: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ} (3) الآية.

_ (1) مسلم الموضع السابق. 1466 - أبو داود (4/ 19) كتاب الطب، باب في الطيرة. وهو حديث صحيح. 1467 - أبو داود (4/ 19) كتاب الطب، باب في الطيرة. وإسناده حسن. 1468 - مسند أحمد (6/ 240). (2) مسند أحمد (6/ 246). مجمع الزوائد (5/ 104). وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. (3) الحديد: 22.

1469 - * روى البخاري ومسلم عن سهل بن سعد رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن كان في شيء: ففي الفرس والمرأة والمسكن". يعني: الشؤم. وفي رواية مسلم والنسائي عن جابر مثله (1). قال ابن الأثير: (إن كان الشؤم في شيء) يعني: إن كان ما يكره ويخاف عاقبته ففي هذه الثلاثة، وتخصيصه المرأة والفرس والربع والدار؛ لأنه لما أبطل مذهب العرب في التطهير بالسوانح والبوارح من الطير والظباء ونحو ذلك، قال: فإن كان لأحدكم دار يكره سكناها، أو امرأة يكره صحبتها، أو فرس لا يعجبه ارتباطه، فليفارقها، بأن ينتقل عن الدار، ويبيع الفرس، ويطلق الزوجة، وكان محل هذا الكلام محل استثناء الشيء من غير جنسه، وسبيله سبيل الخروج من كلام إلى غيره. وقد قيل: إن شؤم الدار. ضيقها وسوء جارها، وشؤم الفرس: أن لا يغزى عليها، وشؤم المرأة: أن لا تلد. قال ابن حجر حول هذا الحديث: قال ابن قتيبة: ووجهه أن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم وأعلمهم أن لا طيرة، فلما أبوا أن ينتهوا بقيت الطيرة في هذه الأشياء الثلاثة. قلت: فمشى ابن قتيبة على ظاهره، ويلزم على قوله: أن من تشاءم بشيء منها نزل به ما يكره، قال القرطبي: ولا يظن به أنه يحمله على ما كانت الجاهلية تعتقده بناء على أن ذلك يضر وينفع بذاته فإن ذلك خطأ، وإنما عنى أن هذه الأشياء هي أكثر ما يتطير به الناس، فمن وقع في نفسه شيء أبيح له أن يتركه ويستبدل به غيره.

_ 1469 - البخاري (6/ 60) 56 - كتاب الجهاد، 47 - باب ما يذكر من شؤم الناس. مسلم (4/ 1748) 39 - كتاب السلام، 34 - باب الطيرة والفأل. والموطأ (3/ 972) 54 - كتاب الاستئذان، 8 - باب ما يتقى من الشؤم. (1) مسلم (4/ 1748) 39 - كتاب السلام، 34 - باب الطيرة والفأل ... والنسائي (6/ 230) 28 - كتاب الخيل 50 - باب شؤم الخيل.

قال ابن العربي: معناه إن كان خلق الله الشؤم في شيء مما جرى من بعض العادة فإنما يخلقه في هذه الأشياء، قال المازري: مجمل هذه الرواية: إن يكن الشؤم حقًا فهذه الثلاث أحق به، بمعنى أن النفوس يقع فيها التشاؤم بهذه أكثر مما يقع بغيرها. وجاء عن عائشة أنها أنكرت هذا الحديث، فروى أبو داود الطيالسي في مسنده عن محمد بن راشد عن مكحول قال: قيل لعائشة إن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشؤم في ثلاثة". فقالت: لم يحفظ، إنه دخل وهو يقول: "قاتل الله اليهود، يقولون الشؤم في ثلاثة". فسمع آخر الحديث ولم يسمع أوله. قلت: ومكحول لم يسمع من عائشة فهو منقطع، لكن روى أحمد وابن خزيمة والحاكم من طريق قتادة عن أبي حسان، أن رجلين من بني عامر دخلا على عائشة فقالا: إن أبا هريرة قال: غن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الطيرة في الفرس والمرأة والدار". فغضبت غضبًا شديدًا وقالت: ما قاله، وإنما قال: "إن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون من ذلك". انتهى. ولا معنى لإنكار ذلك على أبي هريرة مع موافقة من ذكرنا من الصحابة له في ذلك، وقد تأوله غيرها على أن ذلك سبق لبيان اعتقاد الناس في ذلك، لا أنه إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم بثبوت ذلك، وسياق الأحاديث الصحيحة يبعد هذا التأويل لأنه صلى الله عليه وسلم. إنما بعث ليعلمهم ما يلزمهم أن يعتقدوه. قال عبد الرزاق في مصنفه عن معمر: سمعت من يفسر هذا الحديث يقول: شؤم المرأة إذا كانت غير ولود، وشؤم الفرس إذا لم يغز عليه، وشؤم الدار جار السوء، وروى أبو داود في الطب عن ابن القاسم عن مالك، أنه سئل عنه فقال: كم من دار سكنها ناس فهلكوا. قال المازري: فيحمله مالك على ظاهره، والمعنى أن قدر الله ربما اتفق ما يكره عن سكني الدار فتصير في تلك كالسبب فتسامح في إضافة الشيء إليه اتساعًا. وقال ابن العربي: لم يرد مالك إضافة الشؤم إلى الدار، وغنما هو عبارة عن جري العادة فيها فأشار إلى أنه ينبغي للمرء الخروج عنها صيانة لاعتقاده عن التعلق بالباطل. وقيل: معنى الحديث أن هذه الأشياء يطول تعذيب القلب بها مع كراهة أمرها لملازمتها بالسكنى والصحبية ولو لم يعتقد الإنسان الشؤم فيها، فأشار الحديث إلى الأمر بفراقها ليزول التعذيب. أ. هـ (فتح الباري).

أقول: في النصوص التي ذكرت الشؤم في الدار والمرأة والفرس حض على حسن الاختيار للمرأة والمسكن والفرس وإباحة لمفارقة ما يكرهه الإنسان منها، فكأن هذه النصوص تبين أن هذا النوع الذي يمكن أن يدخل في مسمى الطيرة لا يعتبر من الطيرة المنهى عنها والتي كان عليها الجاهلية، ويبدو أن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون في بعض الأحوال من مجرد رؤية المرأة أو الفرس أو الدار، فهذا النوع من الطيرة منفي في الإسلام وعلى هذا يحمل كلام عائشة رضي الله عنها، وعلى الأول تحمل الروايات الأخرى. * * *

الفصل الرابع في: العين والتمائم والرقي

الفصل الرابع في: العين والتمائم والرقي وفيه: مقدمة ونصوص

المقدمة

المقدمة لم تزل في الإنسان عوالم مجهولة، ولم تزل تستكشف في الإنسان خواص وخصائص، ولم يزل الإنسان يستكشف من دقائق أسرار الكون ما يقرب إليه فهم الكثير من المغيبات، فتأثير الإشعاعات المختلفة على الجسم البشري مثلًا يقرب إلينا فكرة أن يكون لبعض أعين الناس خاصية التأثير في إنسان آخر أو في شيء ما، وهذا كلام تقوله لتقريب فكرة الإصابة بالعين التي أثبتها الشارع، إنه من خلال استقراء لحوادث كثيرة نجد أن إنسانًا ما تعرض لنوع من الضرر أو المرض بسبب رؤية من إنسان رافقتها كلمة أو لم ترافقها وهذا الموضوع أثبته الشارع وتكلم عنه وفيه جانب غيبي، ولذلك رأينا الحديث عنه وإثباته في هذا الباب، ونحن وإن كنا قد حاولنا في ما مر أنفًا أن تقرب موضع الإصابة بالعين إلى الأذهان بما ذكرناه، إلا أن أصل الموضوع لا يبحث هكذا في العادة، فالله عز وجل إذا أراد أن يصيب إنسانًا بإصابة، أصابه بها عن طريق عالم الأسباب أو بشكل مباشر، وقد جعل الله عز وجل جزءًا من عالم الأسباب أن يصيب أناسًا بأعين ناس، وجعل لهذا النوع من الإصابات وقاية كي لا يقع وعلاجًا إن وقع. وبعض نصوص هذا الفصل تتحدث عن هذه الشؤون. والإنسان إذا وقع في مأزق يفر في العادة فرارين، فرارًا إلى الله بالدعاء، وفرارًا إلى عالم الأسباب بأخذ بها، فمثلًا إذا مرض المريض دعا وبحث عن العلاج، واجتماع هذين الفرارين مباح للمسلم بل مطلوب منه، ومن ههنا نجد أن الإسلام حض على الوقاية كما حض على التداوي وأذن مع التداوي بالرقية وهي نوع دعاء من الأخ لأخيه أو من الإنسان لنفسه أو هي طلب استشفاء أو شفاء من الله تعالى لنفس الإنسان أو لأخيه. ومن ههنا وجدت نصوص في الرقية وإذا كان للرقية دخل في أمر الغيب لأنها طلب فاء من الله مباشرة فقد أدخلناها في أبحاث هذا الفصل، وقد ذهب بعض العلماء إلى جواز حمل نوع من المكتوبات يعلقها الإنسان على نفسه وعلى أهله، ليحرزهم من شر وهي ما يسمى بالتمائم، والذين أجازوهم بشروط من مثل أن تكون مفهومة وأن لا يكون فيها

شرك وأن تكون بشيء مشروع؛ وإذ كان الأمر يختلط فيه ما هو مخل بالاعتقاد بما هو مباح فقد رأينا لذلك أن ندخل هذا البحث ههنا وهكذا كان عنوان الفصل: في: العين والتمائم والرقي.

النصوص

النصوص 1 - في: العين 1470 - * روى مسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عله وسلم: "العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغتسلوا". (إذا استغسلتم فاغسلوا) كان من عادتهم: أن الإنسان إذا أصابته العين من احد جاء إلى العائن، فجرد من ثيابه وغسل جسده ومعاطفه ووجهه وأطرافه، وأخذ المعين ذلك الماء فصبه عليه، فيبرأ بإذن الله تعالى. قال الشوكاني في نيل الأوطار: ظاهرة: إثبات العين التي تصيب إما بما جعل الله تعالى فيها من ذلك وأودعه إياها، وإما بإجراء العادة بحدوث الضرر عند تحديد النظر. قال المازري: أخذ الجمهور بظاهر الحديث وأنكره طوائف من المبتدعة لغير معنى: لأن كل شيء ليس محالًا في نفسه ولا يؤدي إلى قلب حقيقة ولا فساد دليل فهو من مجوزات العقول فإذا أخبر الشرع بوقوعه لم يكن لإنكاره معنى. وهل من فرق بين إنكارهم هذا وإنكارهم ما يخبر به في الآخرة من الأمور. أهـ. 1471 - * روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان يؤمر العائن، فيتوضأ، ثم يغتسل منه المعين. 1472 - * روى أحمد عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العين حق

_ 1470 - مسلم (4/ 1719) 39 - كتاب السلام، 16 - باب الطب والمرضى والرقي. 1471 - أبو داود (4/ 9) كتاب الطب، باب ما جاء في العين. وإسناده حسن. (العائن): الذي تصيب عينه. (المعين): المصاب بالعين. 1472 - مسند أحمد (2/ 439). مجمع الزوائد (5/ 107). وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

ويحضرها الشيطان وحسد ابن آدم". أقول: ذكر الحسد بمناسبة الإصابة بالعين فيه إشارة إلى التأثير النفسي، فالإنسان يمكن أن يؤثر نفسيًا في إنسان آخر، وتختلف قوة التأثير من إنسان لآخر، وكم كلمة أمرضت إنسانًا، فكيف إذا اجتمع على نفس التأثير النفسي والكلمة الحاسدة ووسوسة الشيطان، وما يمكن أن يكون في أعين بعض الناس من خواص. 1473 - * روى البزار عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله وسلم: "أكثر من يموت من أمتي بعد كتاب الله وقضائه وقدر بالأنفس". قال البزار: يعني بالعين. أقول: ذكرت هذا الحديث هنا لتفسير البزار الأنفس بالأعين، وعندي أن النفس هنا قد يراد بها معنى آخر، فقد يراد بالنفس الدم، ومن عناوين الفقهاء: (ما لا نفس سائلة له) أي ما لا دم سائلًا له، فإذا كان المراد بالنفس هنا الدم ففي الحديث معجزة طبية، فما عرف في عصرنا أن أمراض الدم وما يطرأ عليه هي من أكثر مسببات الموت. 1474 - * روى أبو داود عن شيبان القتباني أن مسلمة بن مخلد استعمل رويفع بن ثابت على أسفل الأرض، قال شيبان: فسرنا معه من كوم شريك إلى علقماء- أو من علقماء إلى قوم شريك - يريد: علقام، فقال رويفع: إن كان أحدنا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأخذ نضو أخيه، على أن له النصف مما يغنم ولنا النصف، وإن كان أحدنا ليطير له النصل والريش، وللآخر القدح، ثم قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا رويفع، لعل الحياة ستطول بك بعدي، فأخبر الناس أنه من عقد لحيته، أو تقلد وترًا أو استنجى برجيع دابة أو عظم، فإن محمدًا منه بريء". 1475 - * روى أحمد عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن العين لتولع

_ 1473 - كشف الأستار (3/ 403)، وقال: لا نعلمه يروى إلا بهذا الإسناد. مجمع الزوائد (5/ 106). وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح خلا طالب بن حبيب بن عمرو وهو ثقة. 1474 - أبو داود (1/ 9) كتاب الطهارة، باب ما ينهى عنه أن يستنجى به. (تقلد وترًا): كانوا يتقلدون الأوتار، ويزعمون أنها ترد العينـ وتدفع عنهم المكاره، فنهوا عن ذلك. 1475 - أحمد (5/ 167). =

الرجل بإذن الله حتى يصعد حالقًا ثم يتردى منه". 1476 - * روى مالك عن محمد بن أبي أسامة بن سهل بن حنيف أنه سمع أباه يقول: اغتسل أبي - سهل بن حنيف - بالخرار، فنزع جبة كانت عليه؛ وعامر بن ربيعة ينظر إليه. وكان سهل شديد البياض، حسن الجلد، فقال عامر: ما رأيت كاليوم، ولا جلد مخبأة عذراء، فوعك سهل مكانه، واشتد وعكه، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بوعكه، فقيل له: ما يرفع رأسه. وكان قد اكتتب في جيش. فقالوا له: هو غير رائح معك يا رسول الله، والله ما يرفع رأسه. فقال: "هل تتهمون أحدًا؟ " قالوا: عامر بن ربيعة. فدعاه رسول الله، فتغيظ عليه، وقال: "علام يقتل أحدكم أخاه؟ ألا بركت؟ اغتسل له". فغسل عامر وجهه، ويديه، ومرفقيه، وركبتيه، وأطراف رجليه، وداخله إزاره، في قدح، ثم صب عليه من ورائه، فبرأ سهل من ساعته. وفي رواية (1) نحوه على قوله: واشتد وعكه وبعده: فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره بالذي كان من شأن عامر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "علام يقتل أحدكم أخاه؟ ألا بركت؟ إن العين حق، توضأ له". فتوضأ له عامر، وصب عليه من خلفه، فراح سهل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس به بأس. وفي بيان ما ينبغي فعله للمصاب قال البغوي: قال الزهري: يؤتي الرجل العائن بقدح، فيدخل كفه فيه، فيمضمض، ثم يمجه في القدح، ثم يغسل وجهه في القدح، ثم يدخل يده اليسرى، فيصب على كفه اليمنى في

_ = وكشف الأستار (3/ 403). وقال: لا نعلم صحابيًا رواه غير أبي ذر، ولا نعلم له إلا هذا الطريق. مجمع الزوائد (5/ 106). وقال: رواه أحمد والبزار، ورجال أحمد ثقات. 1476 - الموطأ (2/ 939) 50 - كتاب العين، 1 - باب الوضوء من العين. (مخبأة عذراء): المخبأة: المخدرة، والعذراء: البكر، والجمع: العذارى. (ألا بركت): من البركة، وهي الزيادة والنماء، أو الثبات والدوام، أي: هلا دعوت له بالبركة. (داخلة إزاره): هي الطرف الذي يلي جسد المؤتزر. وقيل: أراد موضع داخلة إزاره من جسده، لا إزاره. (1) الموطأ (2/ 938) الموضع السابق. قال محقق الجامع: وهو حديث حسن.

القدح، ثم يدخل يده اليمنى، فيصب على يده اليسرى، ثم يدخل يده اليسرى، فيصب على مرفقه الأيمن، ثم يدخل يده اليمنى، فيصب على مرفقه الأيسر، ثم يدخل يده اليسرى، فيصب على قدمه اليمنى، ثم يدخل يده اليمنى، فيصب على قدمه اليسرى، ثم يدخل يده اليسرى، فيصب على ركبته اليمنى، ثم يدخل يده اليمنى، فيصب على ركبته اليسرى، ثم يغسل داخلة إزاره، ولا يوضع القدح في الأرض، ثم يصب على رأس الرجل الذي أصيب بالعين من خلفه صبة واحدة. واختلفوا في غسل داخلة الإزار: قال أبو عبيد: إنما أراد بداخلة إزاره، طرف إزاره: الذي يلي جسده، مما يلي الجانب الأيمن، فهو الذي يغسل قال: ولا أعلمه إلا جاء مفسرًا في بعض الحديث هكذا. أهـ. وقال البغوي في شرح السنة مبينًا أدب الرؤية لما يعجب: وروى هاشم بن عروة، عن أبيه انه كان إذا رأى من ماله شيئًا يعجبه، أو دخل حائطًا من حيطانه قال: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله، وروي عن عائشة أنها كانت لا ترى بأسًا أن يعوذ في الماء، ثم يعالج به المريض، وقال مجاهد: لا بأس أن يكتب القرآن ويغسله، ويسقيه المريض، ومثله عن أبي قلابة، وكرهه النخعي، وابن سيرين. وروي عن ابن عباس أنه أمر أن يكتب لامرأة تعسر عليها ولادتها، آيتين من القرآن وكلمات، ثم يغسل وتسقى. وقال أيوب: رأيت أبا قلابة كتبت كتابًا من القرآن، ثم غسله بماء، وسقاه رجلًا كان به وجع، يعني: الجنون أهـ. وقال الشوكاني في نيل الأوطار: أرشد الشارع إلى ما يدفعه بقوله في قصة سهل بن حنيف المذكورة "ألا بركت عليه" وفي رواية ابن ماجه: "فليدع بالبركة". ومثله عند ابن السني من حديث عامر ابن ربيعة. وأخرج البزار وابن السني من حديث أنس رفعه: "من رأى شيئًا فأعجبه فقال ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم يضره". وقد اختلف في القصاص بذلك، فقال القرطبي: لو أتلف العائن شيئًا ضمنه، ولو قتل فعليه القصاص أو الدية إذا تكرر ذلك

منه بحيث يصير عادة وهو في ذلك كالساحر. قال الحافظ: ولم تتعرض الشافعية للقصاص في ذلك بل منعوه وقالوا: إنه لا يقتل غالبًا ولا يعد مهلكًا. وقال النووي في الروضة: ولا دية فيه ولا كفاترة؛ لأن الحكم إنما يترتب على منضبط عام دون ما يختص ببعض الناس في بعض الأحوال مما لا انضباط له كيف ولم يقع منه فعل أصلًا وإنما غايته حسد وتمن لزوال نعمة، وأيضًا فالذي ينشأ عن الإصابة حصول مكروه لذلك الشخص ولا يتعين المكروه في زوال الحياة فقدي حصل له مكروه بغير ذلك من أثر العين. ونقل ابن بطال عن بعض أهل العلم أنه ينبغي للإمام منع العائن إذا عرف بذلك من مداخلة الناس وأن يلزم بيته، فإن كان فقيرًا رزقه ما يقوم به فإن ضرره أشد من ضرر المجذوم الذي أمر عمر بمنعه من مخالطة الناس، وأشد من ضرر الثوم الذي منع الشارع أكله من حضور الجماعة. قال النووي: هذا القول صحيح متعين لا يعرف عن غيره تصريح بخلافه. أهـ. 1477 - (1) روي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: "إن العين حق". ونهى عن الوشم. 1478 - * روى ابن ماجة عن أبي سعيد، قال: كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يتعوذ من عين الجان ثم أعين الإنس، فلما نزل المعوذتان أخذهما وترك ما سوي ذلك. 1479 - * روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: رخص رسول الله صلي الله عليه وسلم في الرقية من العين، والحمة، والنملة. وفي رواية أبي داود (1) قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "لا رقية إلا من عين أو حمة

_ 1477 - البخاري (10/ 203) 76 - كتاب الطب، 36 - باب العين حق. مسلم (4/ 1719) 39 - كتاب السلام، 16 - باب الطب والمرض والرقي. (الوشم): هو الذي يغير به لون موضع الجسم، بنيل أو كحل، بأن يغرز الجلد بإبرة ويحشى مخارزها بذلك، فيبقى أثره أبدًا. 1478 - ابن ماجه (2/ 1161) 31 - كتاب الطب، 33 - باب من استرقي من العين. 1479 - مسلم (4/ 1725) 39 - كتاب السلام، 21 - باب استحباب الرقية من العين والعلة والحمة والنظرة. والترمذي (4/ 393) 29 - كتاب الطب، 15 - باب ما جاء في الرخصة في ذلك. وقال: حديث حسن غريب. (1) أبو داود (4/ 11) كتاب الطب- باب ما جاء في الرقي.

أو دم يرقأ". وفي رواية لم يذكر العين. قال ابن الأثير: (النملة): قروح تخرج في الجنبين، وقد تخرج في غير الجنب، ترقى فتذهب بإذن الله تعالى. (لا رُقية إلا من عين أو حُمة) تخصيصه العين والحمة لا يمنع جواز الرقية في غيرهما من الأمراض، لأنه قد ثبت أنه رقى بعض أصحابه من غيرهما، وإنما معناه: لا رقية أولى وأنفع من رقية العين والسم، كما قيل في المثل: لا فتى إلا علي، ولا سيف إلا ذو الفقار. 1480 - * روى البخاري عن أم سلمة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجارية في بيتها رأى في وجهها سفعة - يعني: صفرة - فقال: "بها نظرة، استرقوا لها". 1481 - * روى مالك عن عروة بن الزبير رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل بيت أم سلمة وفي بيتها صبي يبكي، فذكروا أن به العين، فقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا تسترقون له من العين؟ ". 1482 - * روى الترمذي عن عمران بن حصين رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا رقية إلا من عين أو حمة".

_ 1480 - البخاري (10/ 199) 76 - كتاب الطب، 35 - باب رقية العين. مسلم (4/ 1725) 39 - كتاب السلام، 21 - باب استحباب الرقية من العين والنملة والحمة والنظرة. (نظرة): يقال به نظرة: إذا أصابته العين من الجن، وقد يطلق أيضًا على الإنس. 1481 - الموطأ (2/ 940) 50 - كتاب العين، 2 - باب الرقية من العين. وهو مرسل، فإن عروة بن الزبير لم يدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو عمر بن عبد البر: مرسل عند جدميع رواة الموطأ، وهو حديث صحيح. 1482 - الترمذي (4/ 394) 29 - كتاب الطب، 15 - باب ما جاء في الرخصة في ذلك. وأبو داود (4/ 11) كتاب الطب، باب ما جاء في الرقى.

1483 - * روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر أن نسترقي من العين. وفي رواية: (1) "أمرني". 1484 - * روى الترمذي عن عبيد الله بن رفاعة الزرقي رضي الله عنه، أن أسماء بنت عميس قالت: يا رسول الله، إن ولد جعفر تسرع إليهم العين. أفأسترقي لهم؟ قال: "نعم، فإنه لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين".

_ 1483 - البخاري (10/ 199) 76 - كتاب الطب، 35 - باب رقية العين. مسلم (4/ 1725) 39 - كتاب السلام، 21 - باب استحباب الرقية من العين والنملة والحمة والنظرة. (1) البخاري: الموضع السابق. 1484 - الترمذي (4/ 395) 29 - كتاب الطب، 17 - باب ما جاء في الرقية من العين. وقال: حديث حسن صحيح. وهو كما قال.

2 - في: التمائم

2 - في: التمائم قال البغوي في شرح السنة: التمائم: جمع التميمة، وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين بزعمهم، فأبطلها الشرع، ويقال: التميمة: قلادة يعلق فيها العود. وقال عطاء: لا يعد من التمائم ما يكتب من القرآن. وسئل سعيد بن المسيب عن الصحف الصغار يكتب فيه القرآن، فيعلق على النساء والصبيان؟ فقال: لا بأس بذلك إذا جعل في كير من ورق، أو حديد، أو يخرز عليه. أهـ. 1485 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا فرغ أحدكم في النوم فليقل: أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعذابه وشر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون، فإنها لن تضره". وكان عبد الله يلقنها من بلغ من أولاده، ومن لمي بلغ منهم، كتبها في صك وغلقها في عنقه. قال محقق الجامع: هذا عمل صحابي، وقد اختلف العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم في تعليق التمائم التي من القرآن وأسماء الله وصفاته، فقالت طائفة: يجوز ذلك، وهو عمل عبد الله بن عمرو بن العاص وغيره من الصحابة والتابعين، وحملوا حديث "إن الرقى والتمائم والتولة شرك" على التمائم التي فيها شرك، وقالت طائفة: لا يجوز ذلك، وهو قول عبد الله بن مسعود وابن عباس وغيرهما من الصحابة والتابعين، والأفضل ترك تعليق التمائم من القرآن وغيره، واستعمال الترقية بالمعوذات وغيرهما كما ورد ذلك عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم في

_ 1485 - الترمذي (5/ 541) 49 - كتاب الدعوات 94 - باب حدثنا محمود بن غيلان ... إلخ. وقال: هذا حديث حسن غريب. وأبو داود (4/ 12) كتاب الطب، باب كيف الرقي؟ ولم يذكر "النوم" إنما قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم من الفزع كلمات ... ، وذكر الحديث، وهو حسن بشواهده. (صك): الصك: الكتاب يكتب به وثيقة بشيء.

أحاديث كثيرة. 1486 - * روى أحمد عن مالك بن أنس رحمه الله سئل عن تعليق التمائم والخرز فقال: ذلك شرك، وقال: بلغني أن ابن عمر قال: سكعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما يبالي ما أتى من شرب ترياقًا، أو تعلق تميمة". 1487 - * روى الترمذي عن عيسى بن حمزة قال: دخلت على عبد الله بن عكيم - أبي معبد الجهني- أعوده وبه حمرة، فقلت: ألا تعلق تميمة؟ فقال: نعوذ بالله من ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تعلق شيئًا وكل إليه". 1488 - * روى أبو داود عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن النشرة، فقال: "هو من عمل الشيطان". قال ابن الأثير: (النشرة) كالتعويذ والرقية، يقال: نشرته تنشيرًا: إذا رقيته وعوذته، وإنما سميت نشرة، لأنها يتشر بها عن المريض، أي: يحل عنه ما خامره من الداء .. أهـ. والنشرة المنهي عنها: هي النوع الذي كان أهل الجاهلية يعالجون به. قال البغوي في شرح السنة: والنشرة: ضرب من الرؤية يعالج بها من كان يظن به مس الجن، سميت نشرة لأنه ينشر بها عنه، أي: يحل عنه ما خامره من الداء، وكرهها غير واحد، منهم إبراهيم وحكي عن الحسن أنه قال: النشرة من السحر، وقال سعيد بن المسيب: لا بأس بها. أهـ.

_ 1486 - أحمد (2/ 223) بنحوه عن عبد الله بن عمرو بن العاص. وأخرجه رزين، وهو حديث حسن. (ترياقًا): الترياق والدرياق معروف، وليس شربه مكروهًا من أجل أن التداوي به حرام، ولكن من أجل ما يقع من لحوم الأفاعي وغيرها من النجاسات، وهي محرمة، وما لم يكن فيه حرام ولا نجس فلا بأس به. 1487 - الترمذي (4/ 403) 29 - كتاب الطب، 24 - باب ما جاء في كراهية التعليق. وهو حديث حسن بشواهده. 1488 - أبو داود (4/ 6) كتاب الطب، باب في النشرة. وإسناده صحيح.

1489 - * روى ابن ماجة عن عمران بن الحصين أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا في يده حلقة من صفر فقال: "ما هذه الحلقة"؟ قال: هذه من الواهنة، قال: "انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهنًا. 1490 - * روى أحمد عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبصر على عضد رجل حلقة أراه قال: من صفر قال: "ويحك ما هذه؟ " قال: من الواهنة. قال: "أما أنها لا تزيدك إلا وهنًا انبذها عنك فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدًا". 1491 - * روى أحمد عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من يعلق تميمة فلا أتم الله له ومن يعلق ودعة فلا ودع الله له". 1492 - * روى أحمد عن عقبة بن عامر الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل إليه رهط فبايع تسعة وأمسك عن واحد فقيل له يا رسول الله بايعت تسعة وتركت هذا؟ قال: "إن عليه تميمة" فأدخل يده فقطعها فبايعه. وقال: "من علق تميمة فقد أشرك".

_ 1489 - ابن ماجه (2/ 1167) 31 - كتاب الطب، 39 - باب تعليق التمائم. وفي الزوائد: إسناده حسن. 1490 - أحمد (4/ 445). ومجمع الزوائد (5/ 103). وقال: رواه أحمد والطبراني وقال: إن مت وهي عليك وكلت إليها: قال وفي رواية موقوفة: انبذها عنك؛ فإنك لو مت وأنت ترى أنها تنفعك لمت على غير الفطرة". وفيه مبارك بن فضالة وهو ثقة وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات. (الواهنة): في النهاية: عرق يأخذ في المنكب وفي اليد كلها، فيرقى منها. وقيل: هو مرض يأخذ في العضد وربما علق عليه جنس من الخرز يقال له خرز الواهنة. وهي تأخذ الرجال دون النساء. وإنما نهاه عنها؛ لأنه إنما أخذها على أنها تعصمه من الألم، فكانت عنده في معنى التمائم المنهي عنها. (انبذها): نبذه: ألقاه، من باب ضرب. 1491 - أحمد (4/ 156). والمعجم الكبير (17/ 297). مجمع الزوائد (5/ 103) وقال: رواه أحمد وأبو يعلي والطبراني، ورجالهم ثقات. (الودع): جمع ودعة، وهو شيء أبيض يجلب من البحر يعلق في حلوق الصبيان وغيرهم، وإنما نهى عنها؛ لأنهم كانوا يعلقونها مخافة العين. 1492 - أحمد (4/ 156). والمعجم الكبير (17/ 297). مجمع الزوائد (5/ 103) وقال: رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد ثقات.

3 - في: الرقى

3 - في: الرقى قال البغوي في شرح السنة: والمنهي من الرقي ما كان فيه شرك، أو كان بذكر مردة الشياطين، أو ما كان منها بغير لسان العرب، ولا يدرى ما هو، ولعله يدخله سحر، أو كفر، فأما ما كان بالقرآن، وبذكر الله عز وجل، فإنه جائز مستحب. أهـ. قال الشوكاني في نيل الأوطار: قال الربيع: سألت الشافعي عن الرقية فقال: لا بأس أن ترقى بكتاب الله وبما تعرف من ذكر الله. قلت: أيرقي أهل الكتاب المسلمين؟ قال: نعم إذا رقوا بما يعرف من كتاب الله وذكر الله. أهـ. أقول: وللشافعي فيما ذهب إليه من جواز رقية أهل الكتاب للمسلمين ما يستدل به كما سنرى، وإذا حدث شفاء فإن ذلك ليس من باب الكرامة للراقي، وإنما هو من باب المعجزة لرسوله. 1493 - * روى مسلم عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: " يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفًا بغير حساب" قالوا: ومن هم يا رسول الله؟ قال: "هم الذين لا يكتوون، ولا يسترقون، وعلى ربهم يتوكلون"، فقام عكاشة فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: "أنت منهم"، فقام رجل فقال: يا نبي الله، ادع الله أن يجعلني منهم، قال: "سبقك بها عكاشة". وفي رواية (1) نحوه، وزاد فيه "ولا يتطيرون" ولم يذكر فيها قول عكاشة إلى آخره.

_ 1493 - مسلم (1/ 198) 1 - كتاب الإيمان، 94 - باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب. (1) مسلم: الموضع السابق.

1494 - * روى أحمد عن عبد الله بن مسعود قال التزمنا الحديث عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ثم غدونا إليه فقال: "عرضت على الأنبياء الليلة بأتمها فجعل النبي يمر ومعه الثلاثة والنبي يمر ومعه العصابة، والنبي يمر ومعه النفر، والنبي ليس معه أحد، حتى مر على موسى رضي الله عنه معه كبكبة من بني إسرائيل فأعجبوني فقلت: من هؤلاء؟ فقيل هذا أخوك موسى معه بنو إسرائيل" قال: "فقلت فأين أمتي؟ فقيل: لي: انظر عن يمينك فنظرت فإذا الأفق قد سد بوجوه الرجال فقيل لي أرضيت؟ فقلت: رضيت رب" قال: "فقيل لي إن مع هؤلاء سبعين ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب" فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فدى لكم أبي وأمي وإن استطعتم أن تكونوا من السبعين الألف فافعلوا، فإن قصرتم فكونوا من أهل الضراب، فإن قصرتم فكونوا من أهل الأفق فأني قد رأيت ثم ناسًا يتهاوشون": فقام عكاشة بن محصن فقال: ادع الله لي يا رسول الله أن يجعلني من السبعين، فدعا له، فقام رجل آخر فقال: ادع الله يا رسول الله أن يجعلني منهم فقال: "سبقك بها عكاشة". ثم تحدثنا فقلنا: من ترون هؤلاء السبعين الألف؟ فقال: قوم ولدوا في الإسلام ثم لم يشركوا بالله شيئًا حتى ماتوا، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون". 1495 - * روى البخاري عن عامر عن عمران بن حصين قال: لا رقية إلا من عين أو حمة، فذكرته لسعيد بن جبير، فقال: حدثنا ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عرضت على الأمم، فجعل النبي والنبيان يمرون معهم الرهط، والنبي ليس معه أحد، حتى رفع لي سواد عظيم، فقلن: ما هذا؟ أمتى هذه؟ قيل: بل هذا موسى وقومه، قيل: انظر إلى الأفق، فإذا سواد عظيم قد ملأ الأفق، ثم

_ 1494 - أحمد (1/ 401). والمعجم الكبير (10/ 6). وكشف الأستار (4/ 203). مجمع الزوائد (10/ 405). وقال: رواه أحمد بأسانيد، والزار أتم منه، والطبراني وأبو يعلي باختصار كثير، وأحد أسانيد أحمد والبزار رجاله رجال الصحيح. 1495 - البخاري (10/ 155) 76 - كتاب الطب، 17 - باب من اكتوى أو كوى غيره، وفضل من لم يكتو.

قيل لي: انظر ها هنا وها هنا في آفاق السماء، فإذا سواد قد ملأ الأفق، قيل: هذه أمتك، ويدخل الجنة من هؤلاء سبعون ألفًا بغير حساب" ثم دخل ولم يبين لهم، فأفاض القوم، وقالوا: نحن الذين آمنا بالله، واتبعنا رسوله، فنحن هم، أم أولادنا الذين ولدوا في الإسلام، فإنا ولدنا في الجاهلية، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج فقال: "هم الذين لا يسترقون، ولا يتطيرون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون"، فقال عكاشة بن محصن: أمنهم أنا يا رسول الله؟ فقال: "نعم"، فقال آخر: أمنهم أنا؟ فقال: "سبقك بها عكاشة". وللبخاري في أخرى (1) على ابن عباس قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا، فقال: "عرضت على الأمم، فجعل يمر النبي معه الرجل، والنبي معه الرجلان، والنبي معه الرهط، والنبي ليس معه أحد، ورأيت سوادًا كثيرًا سد الأفق، فرجوت أن تكون أمتي، فقيل: هذا موسى، ثم قيل: انظر، فرأيت سوادًا كثيرًا سد الأفق، فقيل: انظر هكذا وهكذا، فرأيت سوادًا كثيرًا سد الأفق، فقيل: هؤلاء أمتك، ومع هؤلاء سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب" فتفرق الناس، ولم يبين لهم، فتذاكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أما نحن فولدنا في الشرك، ولكنا آمنا بالله ورسوله، ولكن هؤلاء هم أبناؤنا، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "هم الذين لا يتطيرون، ولا يسترقون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون" فقام عكاشة ابن محصن، فقال: أمنهم أنا يا رسول الله؟ فقال: "نعم"، فقال آخر: أمنهم أنا؟ فقال: "سبقك بها عكاشة". أقول: الرقية في حق بعض الناس ليست هي الأكمل؛ لأن لهم قدمًا عظيمًا في التوكل، والإشارة في هذه الأحاديث إلى فضل ترك الاسترقاء من أمثال هؤلاء لا ينفي جواز الرقية فقد فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال البغوي عند قوله: "لا رقية إلا من عين أو حمة أو نملة"

_ (1) البخاري (10/ 211) الموضع السابق.

ولم يرد به نفي جواز الرقية في غيرهما، بل تجوز الرقية بذكر الله سبحانه وتعالى في جميع الأوجاع. ومعنى الحديث: لا رقية أولى وأنفع منهما. أهـ. 1496 - * روى الترمذي عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اكتوى أو استرقى، فقد برئ من التوكل". أقول: التقدير: فقد برئ من التوكل الكامل بدليل ما سيأتي من أن بعض الصحابة قد استرقوا وبعضهم قد اكتوى ففعلهم لا ينفي أن أصل التوكل موجود عندهم لكن كمال التوكل يقتضي عدم الاكتواء والاسترقاء وهو مقام أصحابه في الأمة الإسلامية قلة. 1497 - * روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لأهل بيت من الأنصار في الرقية من كل ذي حمة. وفي رواية (1) قال: سألت عائشة عن الرقية من الحمة؟ فقالت: رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرقية من كل ذي حمة. أقول: لقد رأينا كلام العلماء أكثر من مرة: في أن الترخيص في الرقية المقيدة لا ينفي الإطلاق بدليل فعل الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة كما سنرى. 1498 - * روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لآل بيت من الأنصار أن يرقوا من الحمة والأذن، قال أنس: كويت من ذات الجنب

_ 1496 - الترمذي (4/ 393) 29 - كتاب الطب، 14 - باب ما جاء في كراهية الرقية. وقال: حديث حسن صحيح. وأحمد (4/ 249). وابن ماجه (2/ 1154) 31 - كتاب الطب، 23 - باب الكي. وابن حبان (7/ 629) 1497 - البخاري 010/ 205) 76 - كتاب الطب، 27 - باب رقية الحية والعقرب. مسلم (4/ 1724) 29 - كتاب السلام، 21 - باب استحباب الرقية من العين والنملة والحمة والنظرة. (1) البخاري: الموضع السابق. 1498 - البخاري (10/ 172) 76 - كتاب الطب، 26 - باب ذات الجنب.

ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي، وشهدني أبو طلحة، وأنس بن النضر، وزيد بن ثابت، وأبو طلحة كواني. قال ابن الأثير: (الحمة) بالتخفيف: سم العقرب ونحوها، كالزنبور وغيره، وقد تسمى إبرة العقرب والزنبور حمة. 1499 - * روى أبو داود عن الشفاء بنت عبد الله رضي الله عنها، قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة، فقال: "ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة؟ ". 1500 - * روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى الإنسان الشيء منه، أو كانت به قرحة أو جرح، قال بإصبعه هكذا - وضع سفيان سبابته بالأرض ثم رفعها- وقال: "بسم الله تربة أرضنا، بريقة بعضنا، يشفى به سقيمنا، بإذن ربنا". 1501 - * روى الترمذي عن أبي سعيد الخضري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ ويقول: "أعوذ بالله من الجان، ومن عين الإنسان" فلما نزلت المعوذتان، أخذ بهما، وترك ما سواهما. 1502 - * روى البخاري عن عبد العزيز بن صهيب قال: دخلت أنا وثابت على أنس ابن مالك، فقال ثابت يا أبا حمزة، اشتكيت، فقال أنس: ألا أرقيك برقية رسول الله

_ 1499 - أبو داود (4/ 11) كتاب الطب، باب ما جاء في الرقى. (النملة): قروح في الجنب. 1500 - البخاري (10/ 206) 76 - كتاب الطب، 38 - باب رقية النبي. مسلم (4/ 1724) 39 - كتاب السلام، 21 - باب استحباب الرقية من العين والنملة والحمة والنظرة. 1501 - الترمذي (4/ 395) 29 - كتاب الطب، 16 - باب ما جاء في الرقية بالمعوذتين. وقال: حديث حسن غريب، قال محقق الجامع، وهو كما قال. 1502 - البخاري (10/ 206) 76 - كتاب الطب، 38 - باب رقية النبي. وأبو داود (4/ 11) كتاب الطب، باب كيف الرقى. =

صلى الله عليه وسلم؟ قال: بلى، قال: "اللهم رب الناس، مذهب الباس، أشف، أنت الشافي، لا شافي إلا أنت، شفاء لا يغادر سقمًا". 1503 - * روى البخاري ومسلم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوذ بعض أهله، يمسح بيده اليمنى ويقول: "اللهم رب الناس، مذهب الباس، أشف، أنت الشافي، لا شافي إلا أنت، شفاء لا يغادر سقمًا". وفي رواية (1): فلما مرض صلى الله عليه وسلم وثقل، أخذت بيده لأصنع به نحو ما كان يصنع، فانتزع يده من يدي، ثم قال: "اللهم اغفر لي، واجعلني مع الرفيق الأعلى، " فذهبت أنظر فإذا هو قد قضى. 1504 - * روى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد، اشتكيت؟ فقال: "نعم". قال: باسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، باسم الله أرقيك. 1505 - * روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى رقاه جبريل، يقول: باسم الله يبريك، ومن كل داء يشفيك، ومن شر حاسد إذا حسد، ومن شر كل ذي عين. 1506 - * روى مسلم عن عثمان بن أبي العاص الثقفي الطائفي رضي الله عنه أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعًا يجده في جسده منذ أسلم، فقال له: "ضع يدك على الذي يألم من جسدك، وقل: باسم الله، ثلاث مرات، وقل سبع مرات: أعوذ بالله

_ = والترمذي (3/ 303) 8 - كتاب الجنائز، 4 - باب ما جاء في التعوذ للمريض. وقال حديث حسن صحيح. 1503 - البخاري (10/ 206) 76 - كتاب الطب، 38 - باب رقية النبي صلى الله عليه وسلم. مسلم (4/ 1722) 39 - كتاب السلام، 19 - باب استحباب رقية المريض. (1) مسلم (4/ 1722) الموضع السابق. 1504 - مسلم (4/ 1718) 39 - كتاب السلام، 16 - باب الطب والمرض والرقى. والترمذي (3/ 303) 8 - كتاب الجنائز، 4 - باب ما جاء في التعوذ للمريض. وقال حديث حسن صحيح. 1505 - مسلم (4/ 1718) 39 - كتاب السلام، 16 - باب الطب والمرض والرقى. 1506 - مسلم (4/ 1728) 39 - كتاب السلام، 24 - باب استحباب وضع يده على موضع الألم، مع الدعاء.

وقدرته من شر ما أجد وأحاذر". وعند الموطأ (1) "بعزة الله وقدرته من شر ما أجد" قال: فقلت ذلك، فاذهب الله ما كان بي، فلم أزل آمر بها أهلي وغيرهم. وفي رواية الترمذي (2) وأبي داود (3) مثل الموطأ، وأول حديثهما: أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وبي وجع قد كاد يهلكني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "امسح بيمينك سبع مرات، وقل: أعوذ بعزة الله وقدرته" .. الحديث. 1507 - * روى الترمذي عن محمد بن سالم الربعي البصري قال: قال لي ثابت البناني: يا محمد، إذا اشتكيت فضع يدك حيث تشتكي، ثم قل: "باسم الله، أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد من وجعي هذا"، ثم ارفع يدك، ثم أعد ذلك وترًا، فإن أنس بن مالك حدثني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثه بذلك. 1508 - * روى البخاري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن نفرًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مروا بماء فيهم لديغ- أو سليم - فعرض لهم رجل من أهل الماء، فقال: هل منكم من راق، فإن في الماء رجلًا لديغًا أو سليمًا؟ فانطلق رجل منهم، فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء، قبرًا، فجاء بالشاء إلى أصحابه، فكرهوا ذلك، وقالوا: أخذت على كتاب الله أجرًا، حتى قدموا المدينة، فقالوا: يا رسول الله، أخذ على كتاب الله أجرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله". 1509 - * روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كنا في مسير

_ (1) الموطأ (2/ 942) 50 - كتاب العين، 4 - باب التعوذ والرقية في المرض. (2) الترمذي (4/ 408) 26 - كتاب الطب، 29 - باب حدثنا إسحاق بن موسى، وقال: حديث حسن صحيح. (3) أبو داود (4/ 12) 27 - كتاب الطب، باب كيف الرقى. 1507 - الترمذي (5/ 574) 49 - كتاب الدعوات، 126 - باب في الرقية إذا اشتكى. وقال حسن غريب من هذا الوجه، قال محقق الجامع: وهو كما قال. 1508 - البخاري (10/ 198) 76 - كتاب الطب، 34 - الشروط في الرقية بفاتحة الكتاب. 1509 - البخاري (9/ 54) 66 - فضائل القرآن، 9 - باب فضل فاتحة الكتاب. مسلم (4/ 1728) 39 - كتاب السلام، 23 - باب جواز أخذ الأجرة على الرقية بالقرآن والأذكار.

لنا، فنزلنا منزلًا، فجاءت جارية، فقالت: إن سيد الحي سليم، وغن نفرنا غيب، فهل منكم راق، فقام معها رجل ما كنا نأبنه برقية، فرقاه فبرأ، فأمر له بثلاثين شاة، وسقانا لبنًا، فلما رجع قلنا له: أكنت تحسن رقية؟ أو: كنت ترقي؟ قال: لا، ما رقيت إلا بأم الكتاب، قلنا: لا تحدثوا شيئًا حتى نأتي - أو نسأل - رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قدمنا المدينة ذكرناه للنبي، فقال: "وما كان يدريه أنها رقية، اقسموا، واضربوا لي بسهم". وفي رواية (1) قال: انطلق نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرة سافروها، حتى نزلوا علي حي من أحياء العرب، فاستضافوهم، فأبوا أن يضيفوهم، فلدغ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا بكم، لعلك عندهم بعض شيء؟ فأتوهم، فقالوا: يا أيها الرهط، إن سيدنا لدغ، وسعينا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فهل عند أحدكم منكم من شيء؟ فقال بعضهم: إني والله لأرقي، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيقونا، فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلًا، فصالحوهم على قطيع من الغنم، فانطلق يتفل عليه ويقرأ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فكأنما أنشط من عقال، فانطلق يمشي، وما به قلبه، قال: فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه، وقال بعضهم: اقتسموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم فنذكر له الذي كان، فننظر الذي يأمرنا به، فقدموا على النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا له، فقال: "وما يدريك أنها رقية؟ " ثم قال: "قد أصبتم، اقسموا، واضربوا لي معكم سهمًا"، وضحك النبي صلى الله عليه وسلم. وفي رواية الترمذي (2) قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية ... وكذر نحوه، وفيه "أن أبا سعيد هو الذي رقاه، وفيه: أنه قرأ {الْحَمْدُ} سبع مرات، وأن الغنم كانت ثلاثين شاة.

_ (1) البخاري (4/ 453) 27 - كتاب الإجارة، 16 - باب ما يعطي في الرقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب. (2) الترمذي (4/ 398) 29 - كتاب الطب، 20 - باب ما جاء في أخذ الأجرة على التعويذ. وقال هذا حديث حسن.

قال ابن الأثير: (سليم) السليم: اللديغ: سمي به تفاؤلًا له بالسلامة. (النفر) هاهنا: الرجال خاصة، أرادت: أن رجالنا غيب، والغيب: الغائبون عن الحي، جمع غائب. (نأبنه) أبنه بكذا يأبنه ويأبنه: إذا اتهمه به. (جعلًا) الجعل: الأجرة التي تجعل لك على أمر تفعله. (يتفل) التفل: أكثر من النفث، فإن النفث لا يكون معه بزاق يرى، والتفل لابد له من ذلك. (أنشط من عقال) العقال: الحبل الذي تشد به ركبة البعير لئلا يسرح، وأنشطت البعير" إذا حللت عقاله، ونشطته: إذا شددته، وقد جاء في بعض الروايات: "كأنما نشط من عقال، والمعروف: أنشط. (قلبة) ما به قلبة، أي: ما به علة، قيل: هو مأخوذ من القلاب وهو داء يأخذ البعير، فيشتكي منه قلبه، فيموتا من يومه. 1510 - * روى أبو داود عن خارجة بن الصلت التميمي عن عمه علاقة بن صحار قال: أقبلنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتينا على حي من العرب، فقالوا: إنا قد أنبئنا أنكم قد جئتم من عند هذا الرجل بخير، فهل عندكم من دواء، أو رقية، فإن عندنا معتوهًا في القيود؟ قال: فقلنا: نعم، قال: فجاؤوا بمعتوه في القيود، فقرأت عليه فاتحة الكتاب ثلاثة أيام غدوة وعشية، كلما ختمتها أجمع بزاقي، ثم أتفل، قال: فكأنما أنشط من عقال، فأعطوني جعلًا، فقلت: لا، حتى أسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "كل، فلعمري من أكل برقية باطل، لقد أكلت برقية حق".

_ 1510 - أبو داود (4/ 14) كتاب الطب، باب كيف الرقى؟. (معتوه): المعتوه: المجنون.

وفي رواية (1) عن عمه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم، ثم أقبل راجعًا من عنده، فمر على قوم عندهم رجل مجنون موثق بالحديد، فقال أهله: إنا حدثنا أن صاحبكم هذا جاءكم بخير، فهل عندك شيء تداويه؟ فرقيته بفاتحة الكتاب، فبرأ، فأعطوني مائة شاة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته قال: "هل إلا هذا؟ "- وفي رواية (2): "هل قلت غير هذا؟ "- قلت: لا، قال: "خذها، فلعمري لمن أكل برقية باطل، لقد أكلت برقية حق". 1511 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في رقية الحية لبني عمرو بن حزم، قال أبو الزبير: فسمعت جابر بن عبد الله يقول: لدغت رجلًا منا عقرب، ونحن جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل: يا رسول الله، أرقي؟ قال: "من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل". وفي رواية (3) قال: رخص النبي صلى الله عليه وسلم لآل حزم في رقية الحية، وقال لأسماء بنت عميس: "مالي أرى أجسام بني أخي ضارعة، تصيبهم الحاجة"، قالت: لا، ولكن العين تسرع إليهم، قال: "ارقيهم"، قالت: فعرضت عليه، فقال: "ارقيهم". وفي أخرى (4) قال جابر: كان لي خال يرقي من العقرب، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقى، قال: فأتاه، فقال، يا رسول الله، إنك نهيت عن الرقى، وإني أرقي من العقرب؟ فقال: "من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل". وفي أخرى (5) قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقى، فجاء آل عمرو بن حزم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، إنه كانت عندنا رقية نرقى بها من العقرب، وإنك نهيت

_ (1) أبو داود (4/ 13) الموضع نفسه. (2) أبو داود (4/ 13) الموضع نفسه. 1511 - مسلم (4/ 1726) 29 - كتاب السلام، 21 - باب استحباب الرقية من العين والنملة والحمة والنظرة. (3) مسلم: الموضع السابق. (ضارعة): رجل ضارع الجسم، أي: ضعيف الجسم، ناحل الجسم. (4) مسلم: الموضع السابق. (ضارعة): رجل ضارع الجسم، أي: ضعيف الجسم، ناحل الجسم. (5) مسلم: الموضع السابق. (ضارعة): رجل ضارع الجسم، أي: ضعيف الجسم، ناحل الجسم.

عن الرقى، قال: فعرضوها عليه، فقال: "ما أرى بأسًا، من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل". 1512 - * روى ابن ماجة عن أبي هريرة؛ قال: لدغت عقرب رجلًا فلم ينم ليلته. فقيل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن فلانًا لدغته عقرب فلم ينم ليلته. فقال: "أما إنه لو قال، حين أمسى: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، ما ضره لدغ عقرب حتى يصبح". قال في النهاية: (أعوذ بكلمات الله التامات): إنما وصف كلامه بالتمام لأنه لا يجوز أن يكون في شيء من كلامه نقص أو عيب. كما يكون في كلام الناس. وقيل: معنى التمام ههنا أنها تنفع المتعوذ بها وتحفظه من الآفات وتكفيه. 1513 - * روى ابن ماجة عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفث في الرقية. 1514 - * روى الترمذي عن أبي خزامة عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله أرأيت رقاة نسترقي بها، ودواء نتداوى به، وتقاة نتقيها: هل ترد من قدر الله شيئًا؟ قال: "هو من قدر الله". 1515 - * روى مالك عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي أبو بكر ويهودية ترقيني، فقال: ارقيها بكتاب الله. أخرجه الموطأ عن عمرة: أن أبا بكر دخل على عائشة وهي تشتكي ويهودية ترقيها ...

_ 1512 - ابن ماجة (2/ 1162) 31 - كتاب الطب، 35 - باب رقية الحية والعقرب. في الزوائد: إسناده صحيح، رجاله ثقات. 1513 - ابن ماجة (2/ 1166) 31 - كتاب الطب، 38 - باب النفث في الرقية. وإسناده صحيح. 1514 - الترمذي (4/ 399) 29 - كتاب الطب، 21 - باب ما جاء في الرقى والأدوية، وقال: هذا حديث حسن صحيح. (تقاة): التقاة: ما يتقي ويحذر. 1515 - الموطأ (2/ 943) 50 - كتاب العين، 4 - باب التعوذ والرقية في المرض، ورجاله إسناده ثقات.

1516 - * ابن ماجة عن شقيق بن سلمة قال: سمعت عبد الله يقول: عليكم بالشفاءين: القرآن، والعسل. 1517 - * روى أحمد عن محمد بن حاطب قال: دنيت إلى قدر وهي تغلي، فأدخلت يدي فيها فاحترقت، أو قال فورمت. فذهبت بي أمي إلى رجل بالبطحاء فقال شيئًا ونفث، فلما كان في إمرة عثمان قلت لأمي: من كان ذلك الرجل؟ قالت: رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورواه الطبراني بنحوه (1)، إلا أنها قالت: يا محمد احترقت يد محمد. وفي رواية (2) عنده: فانطلقت بي أمي إلى رجل جالس في الجبانة فقالت: يا رسول الله، فقال: يا لبيك وسعديك، ثم أدنتني منه، فجعل ينفث ويتكلم بكلام لا أدري ما هو، فسألت أمي بعد ذلك ما كان يقول؟ قالت: كان يقول: "أذهب الباس رب الناس أشف أنت الشافي لا شافي إلا أنت". 1518 - * روى أحمد عن محمد بن حاطب قال: انصب على يدي شيء من قدر، فذهب بي أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مكان: قال: فقال كلامًا فيه: "أذهب الباس رب الناس" أحسبه قال: "وأشف أنت الشافي" قال: وكان يتفل. 1519 - * روى الطبراني عن علي قال: لدغت النبي صلى الله عليه وسلم عقرب وهو يصلي فلما فرغ قال: "لعن الله العقرب لا تدع مصليًا ولا غيره" ثم دعا بماء وملح فجعل يمسح عليها

_ 1516 - ابن ماجة (2/ 1142) 31 - كتاب الطب)، 7 - باب العسل. في الزوائد: إسناده صحيح، رجاله ثقات. والحاكم (3/ 300) وصححه، ووافقه الذهبي. وفيض القدير (4/ 342) وقال المناوي: قال البيهقي في "شعب الإيمان": الصحيح موقوف على ابن مسعود. 1517 - أحمد (3/ 418)، ومجمع الزوائد (5/ 112). وقال ورجال أحمد، ورجال هذا الطريق رجال الصحيح. (1) مجمع الزوائد (5/ 113). (2) أحمد: الموضع السابق. 1518 - أحمد (4/ 259)، (3/ 418). مجمع الزوائد (5/ 112). وقال: رجال أحمد رجال الصحيح. 1519 - الروض الداني (2/ 87). مجمع الزوائد (5/ 111)، قال الهيثمي: رواه الطبراني في الصغير وإسناده حسن.

ويقرأ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}. 1520 - * روى مسلم عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله، كيف ترى في ذلك؟ قال: "اعرضوا على رقاكم"، ثم قال: "لا بأس بما ليس فيه شرك". 1521 - * روى الطبراني عن عبادة بن الصامت قال: كنت أرقي من حمة العين في الجاهلية، فلما أسلمت ذكرتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "اعرضها علي" فعرضتها عليه فقال: "أرق بها فلا بأس بها" ولولا ذلك ما رقيت بها إنسانًا أبدًا. 1522 - * روى أبو داود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قالت زينب امرأته قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الرقى والتمائم والتولة شرك"، قالت: قلت: لم تقول هذا؟ والله، لقد كانت عيني تقذف، وكنت أختلف إلى فلان اليهودي فيرقيني، فإذا رقاني سكنت، فقال عبد الله: إنما ذلك عمل الشيطان، كان ينخسها بيده، فإذا رقاها كف عنها، إنما كان يكفيك أن تقولي كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أذهب الباس، رب الناس، أشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقمًا". قال البغوي في شرح السنة: والتولة: ضرب منن السحر. قال الأصمعي: وهو الذي يحبب المرأة إلى زوجها، وهو بكسر التاء، فأما التولة بضم التاء: فهو الداهية أهـ.

_ 1520 - مسلم (4/ 1727) 29 - كتاب السلام، 32 - باب لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك. وأبو داود (4/ 10) كتاب الطب- باب ما جاء في الرقى. 1521 - مجمع الزوائد (5/ 111) وقال الهيثمي: رواه الطبراني وإسناده حسن. 1522 - أبو داود (4/ 6) كتاب الطب - بباب في تعليق التمائم. (التولة): بكسر التاء وفتح الواو: ما يحبب المرأة إلى زوجها من أنواع السحر، وقيل: التولة: بكسر التاء وضمها- شبيه بالسحر.

1523 - * روى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنه، رفعه: "من عاد مريضًا لم يحضر أجله فقال عنده سبع مرات": أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك، إلا عافاه من ذلك المرض". 1524 - * روى الطبراني عن رافع بن خديج قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابن نعيمان فقال: "أذهب الباس رب الناس إله الناس". * * *

_ 1523 - أبو داود (3/ 187) كتاب الجنائز- باب الدعاء للمريض عند العيادة. والترمذي (4/ 410) 21 - كتاب الطب، 2 - باب حدثنا محمد بن المثنى ... وقال: حديث حسن غريب. والمستدرك: (3/ 213) وصححه، ووافقه الذهبي. 1524 - معجم الزوائد (5/ 114) وقال: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.

الفصل الخامس في النذر

الفصل الخامس في النذر وفيه: عرض إجمالي وفقرات ومسائل وفوائد

عرض إجمالي

عرض إجمالي أدخلنا فصل النذر في مباحث العقائد؛ لأن النذر في الأصل إنشاء عبادة، وقد وقع بعض الناس في صور من الغلو في النذر تقتضي تصحيحًا، ومن ههنا أدخلناه في مباحث العقيدة، وإن جرت عادة الفقهاء أن يدخلوه في أبواب الفقه. ونحن إذا أدخلناه ههنا فإنا سنتحدث عن بعض مسائله في الأقسام التالية: فأول ما نتكلم به عن النذر هو أن الأصل في المسلم أن يبتعد عن النذور، وأن يفعل الخير ما استطاع دون أن ينذر؛ لأنه إذا نذر ما يجب الوفاء به فقد يدخله ذلك في دائرة الحرج؛ لأنه قبل النذر يكون في فسحة، فإذا نذر ما يجب الوفاء به افترض عليه الوفاء لقوله تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} (1)، {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} (2)، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (3)، {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ} (4) {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} (5)، والنذر نوع من العهد من الناذر مع الله عز وجل ويدخل في العقود والعهود. ومن ثم قال الشافعية والحنابلة: النذر مكروه كراهة تنزيه لا تحريم: وقال الحنفية:؛ هو مباح في الطاعات. وفرق المالكية بين النذر المطلق واعتبروه مندوبًا، وبين النذر المكرر، كصوم كل يوم خميس مثلًا فمكروه. ولا يصح النذر من الصبي أو المجنون أو الكافر. والنذر على أنواع: الأول: قربة، فيجب الوفاء بها على تفصيل بين المذاهب، الثاني: معصية، فيحرم الوفاء بها، وهناك خلاف حول وجوب كفارة اليمين بمثل هذا النذر، الثالث: المكروه: فيكره الوفاء به، وهو كسابقه في وجوب كفارة اليمين في الخلاف، والنوع الرابع: النذر المباح، فيباح الوفاء به وتركه وفيه تفصيلات: أما بالنسبة للنذر بقربة، فيفرق الحنفية بين القربة المقصودة لذاتها من جنسها واجب، وبين القربة التي ليست مقصودة بذاتها وليس من جنسها واجب.

_ (1) الحج: 29. (2) الإنسان: 7. (3) المائدة: 1. (4) الإسراء: 34. (5) النحل: 91.

فالشافعية: أوجبوا الوفاء بكل قربة كعيادة المريض والسلام والزيارة والصوم والحج والاعتكاف، وأما الحنفية: فلم يوجبوا الوفاء إلا بنذر عبادة مقصودة لذاتها من جنسها واجب: كصلاة وصيام، أما ما لم يكن من جنسها واجب فلا يجب الوفاء به كعيادة المرضى والوضوء وتكفين الميت ومس المصحف والأذان وبناء المساجد ومن نذر المعصية يحرم عليه الوفاء بها ولا يجب عند الجمهور على الناذر شيئًا، وقال أبو حنيفة والحنابلة: عليه كفارة يمين. وكذلك النذر بالمكروه: يكره الوفاء به وعلى صاحبه كفارة يمين عند الحنفية. وأما إذا نذر المباح، فيباح له أن يفعله أو أن يتركه، وقال الحنفية والمالكية والشافعية: في الأصح لا كفارة عليه إن لم يف بنذره، وقال الحنابلة: إن لم يف فعليه كفارة يمين. والصيغة التي ينعقد بها النذر عند الحنفية هو النذر لله صراحة أو صمنًا مثل قوله: لله علي كذا، أو علي كذا، أو علي نذر أو هذا هدي أو صدقة، أو مالي صدقة أو ما أملاك صدقة. والنذر في العادة على نوعين: مطلق ومقيد، فالمطلق مثل أن يقول: علي أن أصوم كذا، أو أصلي كذا، وأما المقيد فهو المعلق بشرط كقوله: إن قدم فلان أو شفى الله مريضي فعلي كذا. وكلا النوعين يجب الوفاء به إذا تحققت شروط وجوب الوفاء. ولا يعتبر النذر بالفريضة أو الواجب سواء عينيًا أو كفائيًا من باب النذر؛ لأنه واجب في أصل الشرع، ولكنه يتأكد القيام به. ومن كلام الشافعية: أن نذر اللجاج يسمى أيضًا يمين اللجاج والغضب، ويمين الغلق، وهو الذي قصد به الناذر حث نفسه على فعل شيء أو منعها غير قاصد للنذر ولا القربة، مثل قوله: إن لكمت فلانًا فلله علي صوم، فالأظهر عندهم في هذا النوع أن الناذر بالخيار إن شاء وفى بما التزم، وإن شاء كفر كفارة يمين. وقال الحنابلة مثل ذلك.

وإن نذر صلاة ركعتين في المسجد الحرام فأداها في ما هو أقل شرفًا منه أو في ارض عادية أجزأه عند أئمة الحنفية ما عدا زفر، وقال المالكية: يلزمه أن يؤدي الصلاة والاعتكاف في المكان الذي سمى، وقال الشافعية إذا نذر الصلاة أو الاعتكاف في المساجد الثلاثة: المسجد الحرام أو مسجد المدينة أو مسجد الأقصى، لزمه الأداء في المكان وكذلك قال الحنابلة. * * *

الفقرات

الفقرات الفقرة الأولى: في حكم النذر ومتى يجب الوفاء به. الفقرة الثانية: في النذر فيما لا يطيق. الفقرة الثالثة: في حكم مراعاة المكان في النذر. الفقرة الرابعة: في قضاء الحي نذر الميت. الفقرة الخامسة: في نذر الجاهلية إذا وافق عبادة إسلامية. الفقرة السادسة: في متى يكون للنذر حكم يمين. الفقرة السابعة: في نذر صيام يوم النحر. الفقرة الثامنة: في نذر المقيم بمكة أو بالمدينة المنورة الصلاة ببيت المقدس. الفقرة التاسعة: في موضوعات متعددة.

الفقرة الأولى في: حكم النذر ومتى يجب الوفاء به

الفقرة الأولى في: حكم النذر ومتى يجب الوفاء به. 1525 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يأتي ابن آدم النذر بشيء لم أكن قدرته له، ولكن يلقيه النذر إلى القدر قد قدر له، فيستخرج به من البخيل، فيؤتيني عليه ما لم يكن يؤتيني عليه من قبل". وفي رواية (1): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يأتي ابن آدم النذر بشيء لم أكن قدرته له، ولكن يلقيه النذر إلى القدر قد قدر له، يستخرج به من البخيل". وأخرج مسلم (2): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن النذر لا يقرب من ابن آدم شيئًا لم يكن قدر له، ولكن النذر يوافق القدر، فيخرج بذلك من البخيل ما لم يكن البخيل يريد أن يخرج". وفي أخرى له (3) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النذر، وقال: "أنه لا يرد من القدر شيئًا، وإنما يستخرج به من البخيل". وفي أخرى (4) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تنذروا، فإن النذر لا يغني من القدر شيئًا، وإنما يستخرج به من البخيل".

_ 1525 - البخاري (11/ 576) 83 - كتاب الإيمان والنذور، 26 - باب الوفاء بالنذر، وقول الله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ}. قال ابن حجر في (فتح الباري): هذا من الأحاديث القدسية لكن سقط منه التصريح بنسبته إلى الله عز وجل. (1) البخاري (11/ 499) 82 - كتاب القدر، 6 - باب إلقاء العبد النذر إلى القدر. (2) مسلم (3/ 1262) 26 - كتاب النذر، 20 باب النهي عن النذر وأنه لا يرد شيئًا. (3) مسلم: الموضع السابق. (4) مسلم: الموضع السابق.

قال ابن الأثير: (النهي عن النذر) إنما هو تأكيد لأمره، وتحذير عن التهاون به بعد إيجابه، ولو كان معناه الزجر عنه حتى لا يفعل، لكان في ذلك إبطال حكمه، وإسقاط لزوم الوفاء به، إذ كان بالنهي يصير معصيةً، فلا يلزم الوفاء به، وإنما وجه الحديث: أنه قد أعلمهم أن ذلك أمر لا يجر لهم في العاجل نفعًا، ولا يصرف عنهم ضرًا، ولا يرد قضاءً، فلا تنذروا على أنكم تدركون بالنذر شيئًا لم يقدره الله لكم، أو يصرف به عنكم ما جرى به القضاء عليكم، فإذا فعلتم ذلك فاخرجوا عنه بالوفاء، فإن الذي نذرتموه لازم لكم. 1526 - * روى الطيراني عن ابن عمر: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر وأمر بالوفاء به. وفي أصل النذر قالت المذاهب الأربعة ما يلي: الحنابلة- قالوا: النذر مكروه ولو عبادة لنهيه عليه الصلاة والسلام عنه وقال: "إنه لم يأت بخير" "وإنما يستخرج به من البخيل"، والنذر لا يرد قضاء ولا يملك الناذر به شيئًا جديدًا ولا يرفع واقعًا، فإذا وقع منه وجب الوفاء به ... [على تفصيل]. المالكية- قالوا: النذر المطلق مندوب، وهو ما أوجبه على نفسه شكرًا لله تعالى على ما حصل ووقع فعلا من نعمة أو دفع نقمة، كمن نجاه الله من كربة أو شفى مريضه أو رزقه مالًا أو علمًا فنذر لله قربة يفعلها شكرًا، فالإقدام على مثل هذا النذر مندوب والوفاء به فرض لازم. أما النذر المعلق: وهو أن ينذر قربة معلقا على شيء في المستقبل محبوب وليس للعبد فيه مدخل كقوله: إن شفى الله مريضي فعلي كذا فاختلف فيه؛ فبعضهم يقول بالكراهة وبعضهم يقول بالجواز، ومحل هذا فيمن لا يعتقد أن مثل هذا النذر نافع في حصول غرضه، وإلا كان محرمًا والناذر الذي يعتقد أن نذره ينفع يخالف قول النبي صلى الله عليه وسلم، إنه لا ينفع فإذا وقع يجب الوفاء به، وإذا علق النظر على أمر من فعل العبد كقوله: إن فعلت كذا فعلي كذا فإنه مكروه بلا خوف وكذا إذا نذر نذرا مكروها كأن نذر أن يصوم كل يوم فإنه يثقل على النفس فعله فيكره ويجب الوفاء بهما بعد وقوعهما على أي حال. أما

_ 1526 - مجمع الزوائد (4/ 185) وقال: رواه الطبراني في الكبير بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح.

نذر ما لا طاقة له به فهو حرام. الحنفية- قالوا: النذر الصحيح المستكمل للشروط الآتية قربة مشروعة، أما كونه قربة فلما يلازمه من القرب كالصلاة والصوم والحج ونحوهما، وأما كونه مشروعًا فللأوامر الوردة بإيفائه. الشافعية- قالوا: الإقدام على النذر قربة في نذر التبرر، لأنه مناجاة لله تعالى، ولذلك لا يصح من الكافر. مكروه في نذر اللجاج. اهـ (من الفقه على المذاهب الأربعة). وها نحن ننقل لك من كتاب الفقه على المذاهب الأربعة ما تعرف به شروط وجوب النذر عند الحنفية: قال صاحب كتاب الفقه على المذاهب الأربعة معرفًا النذر وذاكرًا شروط وجوب الوفاء به على مذهب الحنفية: النذر هو أن يوجب المكلف على نفسه أمرًا لم يلزمه به الشارع. وحكمه وجوب الوفاء به متى كان صحيحًا مستكملا للشرائط الآتي بيانها لقول الله تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ}. ولابد للناذر من أن ينذر لله تعالى، فلا يحل النذر لولي ولا لمقرب وإن وقع يكون باطلًا. ويشترط لصحة النذر سبعة شروط: الأول: أن يكون من جنس المنذور فرض أو واجب اصطلاحي على الأصح كالصوم والصلاة والصدقة، فإذا نذر أن يصوم تطوعًا فإنه يجب عليه الوفاء؛ لأن الصوم من جنسه فرض وهو صوم رمضان. وكذا إذا نذر أن يصلي نافلة فإنه يجب عليه الوفاء؛ لأن الصلاة من جنسها واجب هو الصلوات الخمس. وكذا إذا نذر أن يتصدق فإن الصدقة من جنسها واجب وهو الزكاة إلا الاعتكاف فإنه يجب عليه الوفاء بنذره، مع أنه ليس من جنسه واجب على التحقيق، لأن الإجماع منعقد على وجوب الوفاء بنذره. وإذا لم يكن من جنس المنذور فرض أو واجب اصطلاحي فإنه لا يجب على الناذر الوفاء به كعيادة المريض، ودخول المسجد ولو مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، أو المسجد الأقصى. أو

الحرم المكي، لأنه ليس من جنسها فرض مقصود. وكذا لو نذر تسبيحًا أو دعاء عقب الصلاة فإنه لا يجب الوفاء به؛ لأنه ليس من جنسه فرض. أما إذا نذر تكبيرًا فإنه يجب الوفاء به؛ لأن التكبير من جنسه فرض وهي تكبيرة الإحرام. وكذا إذا نذر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يجب الوفاء به على الصحيح؛ لأنه من جنسها فرض وهو الصلاة عليه في العمر مرة. الثاني: أن يكون المنذور عبادة مقصودة، فلا يصح النذر بما هو وسيلة كالوضوء، والاغتسال، ومس المصحف، والأذان، وتشييع الجنازة وعيادة المريض، وبناء المساجد وغير ذلك، فهذه الأمور وإن كانت قربة إلا أنها غير مقصودة لذاتها، بل المقصود هو ما يترتب عليها، فالضابط الكلي في صحة النذر: أن يكون المنذور عبادة مقصودة من جنسها فرض. الثالث: أن لا يكون المنذور معصية لذاته، فإذا نذر أن يقتل فلانا أو يشرب الخمر أو يزني كان يمينًا ولزمته الكفارة بالحنث. أما إذا نذر أن يصوم يوم عيد الفطر أو الأضحى فإنه يكون قد نذر محرمًا لعارض لا لذاتها، فإن الصيام في ذاته طاعة، وتحريمه في هذا اليوم عارض بنهي الشارع، فيصح نذره ويلغو لأنه يوم العيد فيجب قضاؤه في يوم آخر. ومثله ما إذا نذر أن يصلي ركعتين من غير وضوء، فإنه يصح نذره؛ لأن نذر الصلاة صحيح ويلغو قيد من غير وضوء، فيجب أن يصلي ركعتين بوضوء، لأن التزام المشروط وهو الصلاة التزام الشرط وهو الوضوء، وكذا نذر أن يصلي ركعة واحدة فإنه يلزمه أن يصلي ركعتين. وكذا نذر أن يصلي ثلاثة فإنه يلزم بأربعة. الرابع: أن لا يكون فرضًا عليه قبل النذر، فلو نذر حجة الإسلام لم يلزمه شيء غيرها. الخامس: أن لا يكون ما التزمه أكثر مما يملكه، فلو نذر ألفا وهو لا يملك إلا مائة يلزم بالمائة فقط. السادس: أن يكون ممكن الوقوع، فلو نذر مستحيلًا كأن يصوم أمس فإنه لا يصح نذره، وكذا إذا نذرت الحائض أن تصوم أيام حيضها فهو باطل؛ لأن صوم أيام الحيض

مستحيل شرعًا، وكذا إذا نذرت أن تصوم غدًا ثم أصبحت حائضًا فإن نذرها باطل، وهذا عند محمد، وقال أبو يوسف: يجب عليها القضاء في الصورة الثانية. السابع: أن لا يكون ملكًا للغير. واعلم أن النذر المطلق لا يتقيد بزمان ولا مكان ولا دراهم ولا فقير، فإذا نذر أن يتصدق يوم الجمعة بهذا الدرهم على فلان فتصدق يوم الخميس أو يوم السبت بغير هذا الدرهم على شخص آخر جاز. وكذا لو عين شهرًا للاعتكاف أو للصوم فجعل صح، وكذا إذا نذر أن يحج سنة كذا فحج سنة قبلها صح، أما النذر المعلق فإنه يتعين فيه الوقت فقط: إذ لا يصح تقديمه على وقوع المعلق عليه بخلاف تأخيره عنه فإنه جائز. أما تعيين الفقير والدرهم. والمكان فيه فليس بلازم، فيصح أن يدفع غير الدرهم للنذور لفقير آخر غير الذي ذكره، فلو نذر لفقراء مكة جاز الصرف لفقراء غيرها، سواء كان النذر مطلقًا أو معلقًا. والنذر عمل اللسان، والقياس يقتضي أنه لا ينعقد إلا بلفظ: لله علي كذا، أو علي كذا، أما إذا قال: إن عوفيت صمت كذا، فإنه لا ينعقد به النذر قياسًا، وينعقد استحسانًا. اهـ. * * *

الفقرة الثانية في: النذر فيما لا يطيق

الفقرة الثانية في: النذر فيما لا يطيق 1527 - * روى البخاري ومسلم عن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال: نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله الحرام حافية، فأمرتني أن أستفتي لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتيته فقال: "لتمش ولتركب". وفي رواية الترمذي (1): حافيةً غير مختمرةٍ، فقال: "مروها فلتختمر ولتركب ولتصم ثلاثة أيام". وأخرج أبو داود الروايتين (2)، وأخرج النسائي (3) الثانية. قال البغوي في شرح السنة: "نذرها ترك الاختمار معصية، لأن ستر الرأس واجب على المرأة، فلم ينعقد فيه نذرها، وكذلك الحفاء، ولو نذر رجل أن يحج حافيًا، فلا يلزم الحفاء أيضًا لما فيه من إتعاب البدن، ولو نذر أن يحج ماشيًا يلزمه المشي إلا أن يعجز، فيركب من حيث عجز، ويلزمه المشي من دويرة أهله، وقيل: من الميقات، وإذا ركب لعجز هل يلزمه شيء أم لا؟ اختلف أهل العلم فيه، فذهب أكثرهم إلى أن عليه دم شاة، وهو قول مالك، وأظهر قولي الشافعي، وأصحهما، وذهب بعضهم إلى أنه لا يجب إلا على وجه الاحتياط لحديث أنس أنه أمره بالركوب مطلقًا، ولم يأمره بفدية وحيث أمر، فاستحباب، كما روي: "ولتهد بدنة"، ولا تجب البدنة لزومًا" اهـ.

_ 1527 - البخاري (4/ 79) 28 - كتاب جزاء الصيد، 27 - باب من نذر المشي إلى الكعبة. مسلم (2/ 1264) 26 - كتاب النذر، 4 - باب من نذر أن يمشي إلى الكعبة. (1) الترمذي (4/ 116) 21 - كتاب النذور والأيمان، باب حدثنا محمود بن غيلان ... إلخ. وقال: حديث حسن. (2) أبو داود (3/ 233) كتاب الأيمان والنذور، باب ما جاء في النذر في المعصية. (3) النسائي (7/ 19) 35 - كتاب الأيمان والنذور 32 - باب من نذر أن يمشي إلى بيت الله تعالى.

1528 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن أختي نذرت أن تمشي إلى البيت- أو قال: أن تحج ماشيةٌ- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئًا فلتحج راكبةً، ولتكفر يمينها". أقول: إن على المسلم أن يحتاط فلا ينذر، وإذا نذر فبما يطيق ويتورط كثيرون من الناس، فينذرون ما لا يطيقون، والحديث يفتيهم أن يدفعوا كفارة يمين عما عجزوا عن الوفاء به. 1529 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: إن أخت عقبة بن عامرٍ نذرت أن تحج ماشية، وإنها لا تطيق ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله لغني عن مشي أختك، فلتركب، ولتهد بدنة". وفي أخرى (1): "إن الله تعالى لا يصنع بمشي أختك إلى البيت شيئًا". أقول: مر معنا قول البغوي: إن قوله عليه الصلاة والسلام: "ولتهد بدنة" ليس محمولا على اللزوم، وإذن فهو محمول على الاستحباب. 1530 - * روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى شيخًا يهادى بين ابنيه، فقال: "ما بال هذا؟ قالوا: نذر أن يمشي، قال: "إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغنيٌ، وأمره أن يركب".

_ 1528 - أبو داود (3/ 234) كتاب الأيمان والنذور، باب ما جاء في النذر في المعصية. وهو حديث صحيح. 1529 - أبو داود (3/ 234) كتاب الأيمان والنذور، باب ما جاء في النذر في المعصية. وهو حديث صحيح. (1) أبو داود (3/ 236): الموضع السابق. وهو عن عقبة بن عامر في هذه الرواية 1530 - البخاري (4/ 78) 28 - كتاب جزاء الصيد، 27 - باب من نذر المشي إلى الكعبة. مسلم (3/ 1263) 26 - كتاب النذر، 4 - باب من نذر أن يمشي إلى الكعبة. وأبو داود (3/ 235) كتاب الأيمان والنذور، باب ما جاء في النذر في المعصية. والترمذي (4/ 111) 21 - كتاب النذور والأيمان، 9 - باب ما جاء فيمن يحلف بالمشي ولا يستطيع. والنسائي (7/ 30) 35 - كتاب الأيمان والنذور، 42 - باب ما الواجب على من أوجب على نفسه نذرًا فعجز عنه. وابن ماجه (1/ 89) 11 - كتاب الكفارات، 20 - باب من نذر أن يحج ماشيا. قال ابن الأثير: (يهادى) جاء فلان يهادى بين رجلين، أي: يمشي متكئًا عليهما من ضعفه.

1531 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أدرك شيخًا يمشي بين ابنيه، يتوكأ عليهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما شأن هذا؟ " قال ابناه: يا رسول الله كان عليه نذر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اركب أيها الشيخ فإن الله غني عنك وعن نذرك". 1532 - * روى الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: نذرت امرأة أن تمشي إلى بيت الله، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال: "إن الله لغني عن مشيها، مروها فلتركب". أقول: هذه نذرت حجًا والحج فريضة وعبادة مقصودة، ونذرت مشيًا، وهو ليس من جنسه واجب، وليس عبادة مقصودة، وقد رأينا قول الحنفية: أن النذر في كل من هاتين الحالتين لا يجب. ولذلك نجد النص ألغى المشي وأوجب الحج، ولكن لاحترام كلمة النذر لله أوجبت بعض النصوص لمن عجز عن الوفاء بنذر أن يعتبر كلامه يمينًا ويكفر عن يمينه، وبعضهم حمل ذلك على الندب حيث لا يجب الوفاء، وعلى الوجوب حيث يجب الوفاء وعجز. 1533 - * روى مالك عن عروة بن أذينة الليثي قال: خرجت مع جدةٍ لي عليها مشي إلى بيت الله، حتى إذا كنا ببعض الطريق عجزت، فأرسلت مولى لها يسأل ابن عمر رضي الله عنهما، فخرجت معه، فسأل ابن عمر؟ فقال له: مرها فلتركب ثم لتمش، من حيث عجزت. أقول: الظاهر أن ابن عمر أفتى بأن تجمع بين المشي والركوب بعد المكان الذي عجزت فيه، وذلك مذهبه لكن صاحب كتاب الفقه الإسلامي وأدلته قال: من قال: لله علي أن

_ 1531 - مسلم (3/ 1264) 26 - كتاب النذر، 4 - باب من نذر أن يمشي إلى الكعبة. وأبو داود: (2/ 235) كتاب الأيمان والنذور، 21 - باب ما جاء في النذر في المعصية. 1532 - الترمذي (4/ 111) 21 - كتاب الأيمان والنذور، 9 - باب ما جاء فيمن يحلف بالمشي ولا يستطيع. وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. وقال: وفي الباب عن أبي هريرة، وعقبة بن عامر، وابن عباس. 1533 - الموطأ (2/ 473) 22 - كتاب النذور والأيمان، 2 - باب فيمن نذر مشيًا إلى بيت الله فعجز. ورجاله ثقات.

أحج ماشيًا يلزمه الحج ماشيًا ... فإن عجز عن المشي ركب وعليه دم عند الحنفية والمالكية والشافعية وفي رواية عن أحمد، والدم عند المالكية بدنة أو بقرة أو شاة إن لم يجد بدنة أو بقرة، والأرجح عند الحنابلة أنه إذا عجز عن المشي ركب وعليه كفارة. * * *

الفقرة الثالثة في: حكم مراعاة المكان في النذر

الفقرة الثالثة في: حكم مراعاة المكان في النذر 1534 - * روى أبو داود عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال: نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلًا ببوانة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ " قالوا: لا، قال: "هل كان فيها عيد من أعيادهم"؟ قالوا: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذرٍ في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم". أقول: نص فقهاء الحنفية أن تعيين المكان والفقير والدرهم ليس بلازم، وعلى هذا فإن الذبح ببوانة يحمل الحنفية الوفاء به على الندب لا على اللزوم. 1535 - * روى أبو داود عن عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جده أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إني نذرت إن انصرفت من غزوتك سالمًا غانمًا أن أضرب على رأسك بالدف؟ قال: "إن كنت نذرت فأوفي بنذرك، وإلا فلا"، قالت: ونذرت أن أذبح لمكان كذا وكذا- مكانٍ يذبح فيه أهل الجاهلية- فقال: "هل كان بذلك المكان وثنٌ من أوثان الجاهلية يعبد؟ " قالت: لا، قال: "هل كان فيه عيدٌ من أعيادهم؟ " قالت: لا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوفي بنذرك". أقول: الضرب بالدف ليس من جنسه فريضة أو واجب وعلى هذا ففتوى الحنفية أنه لا يجب الوفاء به والأمر بالوفاء هنا محمول على الندب.

_ 1534 - أبو داود (3/ 238) كتاب الأيمان والنذور، باب ما يؤمر به من الوفاء للنذر. وإسناده صحيح. (بوانة): اسم موضع في أسفل مكى دون ياسلم. 1535 - أبو داود (3/ 237) كتاب الأيمان والنذور، باب ما يؤمر به من الوفاء بالنذر. وإسناده صحيح. وأحمد (5/ 356). وإسناده حسن أيضًا. ومسلم (4/ 1935) 44 - كتاب فضائل الصحابة، 34 - باب فضائل حسان بن ثابت، رضي الله عنه.

وقال البغوي- وهو شافعي- في شرح السنة: قال أبو سليمان الخطابي: ضرب الدف ليس مما يعد في باب الطاعات التي يتعلق بها النذور، وأحسن حاله أن يكون من باب المباح غير أنه لما اتصل بإظهار الفرح بسلامة مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم من بعض غزواته، وكانت فيه مساءة الكفار، وإرغام المنافقين، صار فعله كبعض القرب، ولهذا استحب ضرب الدف في النكاح لما فيه من إظهاره، والخروج به عن معنى السفاح الذي لا يظهر، ومما يشبه هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم في هجاء الكفار: "اهجوا قريشًا فإنه أشد عليها من رشقٍ بالنبل" أخرجه مسلم (1). اهـ. أقول: لا كفارة على من نذر مباحًا، ولا يجب عليه الوفاء عند الحنفية والمالكية والشافعية في الأصح، وقال الحنابلة عليه كفارة يمين إذا لم يف بنذر مباح. ومن كلام صاحب الفقه الإسلامي: لو نذر صدقة ما لا يملك لا يصح نذره بالاتفاق، فإذا قال: كل ما أملك في المستقبل فهو صدقة، وكل ما أشتريه أو أرثه فهو صدقة صح النذر خلافًا للشافعية. * * *

_ (1) مسلم (4/ 1935) 44 - كتاب فضائل الصحابة، 34 - فضائل حسان بن ثابت رضي الله عنه.

الفقرة الرابعة في: قضاء الحي نذر الميت

الفقرة الرابعة في: قضاء الحي نذر الميت 1536 - * روى مالك عن عبد الله بن أبي بكرٍ بن عمرو بن حزم عن عمته أنها حدثته عن جدته أنها كانت جعلت على نفسها مشيًا إلى مسجد قباء، فماتت ولم تقضه، فأفتى عبد الله بن عباسٍ ابنتها أن تمشي عنها. أقول: أصل هذا النذر لا يجب الوفاء به إلا على الاستحباب، ولا يجب على أحد وفاء نذر الميت إلا إذا تطوع، فإذا تطوع إنسان بذلك فالمرجو أن يسقط النذر عن صاحبه. 1537 - * روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عباسٍ رضي الله عنهما قال: استفتى سعد بن عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم في نذرٍ كان على أمه، فتوفيت قبل أن تقضيه، فأمره أن يقضيه عنها. وفي أخرى للنسائي (1): "أن سعدًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن أمي ماتت وعليها نذر، أفيجزئ عنها أن أعتق عنها؟ قال: "أعتق عن أمك". 1538 - * روى الطبراني عن مروان بن قيسٍ- وكان قد أخذ الرعية عن أهله على عهد

_ 1536 - الموطأ (2/ 472) 22 - كتاب النذور والأيمان، 1 - باب ما يجب من النذور في المشي. ورجاله ثقات. 1537 - البخاري (5/ 389) 55 - كتاب الوصايا، 19 - باب ما يستحب لمن توفي فجاءة أن يتصدقوا عنه. مسلم (3/ 1260) 26 - كتاب النذر، 1 - باب الأمر بقضاء النذر. وأبو داود (3/ 236) كتاب الأيمان والنذور، باب في قضاء النذر عن الميت. والترمذي (4/ 117) 21 - كتاب الأيمان والنذور، 18 - باب ما جاء في قضاء النذر عن الميت. وقال: حديث حسن صحيح. والنسائي (7/ 20) 35 - كتاب الأيمان والنذور، 35 - باب من مات وعليه نذر. وابن ماجه (1/ 689) 11 - كتاب الكفارات، 19 - باب من مات وعليه نذر. (1) النسائي (6/ 253) 30 - كتاب الوصايا، 1 - باب الكراهية في تأخير الوصية. 1538 - المعجم الكبير (20/ 259). مجمع الزوائد (4/ 192) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات.

النبي صلى الله عليه وسلم- قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أبي توفي وقد جعل عليه أن يمشي إلى مكة وأن ينحر بدنةً ولم يترك مالا فهل يقضى عنه أن يمشى عنه وأن ينحر عنه بدنة من مالي؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "تعم اقض عنه وانحر عنه، وامش عنه أرأيت لو كان على أبيك دين لرجل فقضيت عنه من مالك أليس يرجع الرجل راضيًا؟ فإن الله تعالى أحق أن يرضى". أقول: يلاحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعمق فكرة الوفاء بالنذر سواء كان الوفاء به مباحًا أو مندوبًا، أو مفروضًا، وذلك لتعميق الأدب مع الله ألا يعد الإنسان ربه وعدًا إلا وفى به، وهذا يقتضي من المربين شيئين، أولًا: أن يعظموا على المسلم فكرة الالتزام مع الله، وأن يؤدبوه على عدم الإقدام على ذلك فيما لا مندوحة عنه. ثانيًا: إذا التزم بنذر أو وعد مع الله أن يفي به، فإذا كان الالتزام مع المخلوق أو الوعد له يطلب الوفاء به، فحق الله أولى. * * *

الفقرة الخامسة في: نذر الجاهلية إذا وافق عبادة إسلامية

الفقرة الخامسة في: نذر الجاهلية إذا وافق عبادة إسلامية 1539 - * روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه قال: يا رسول الله، إني نذرت في الجاهلية أن اعتكف يومًا في المسجد الحرام؟ قال: "أوف بنذرك". قال المالكية: يندب للكافر بعد إسلامه فعل النذر المشروع في الإسلام الذي نذره حال كفره، وذهب بعض الفقهاء إلى وجوب الوفاء لهذا النذر، حتى إن بعضهم ذهب إلى أنه يجب الوفاء به أسلم أو لم يسلم، وهذا مبني على القول بأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة كما أنهم مخاطبون بأصولها. * * *

_ 1539 - البخاري (4/ 274) 33 - كتاب الاعتكاف، 5 - باب الاعتكاف ليلًا. مسلم (3/ 1277) 27 - كتاب الأيمان، 7 - باب نذر الكافر، وما يفعل فيه إذا أسلم. وأبو داود (2/ 242) كتاب الأيمان والنذور، باب من نذر في الجاهلية ثم أدرك الإسلام. والترمذي (4 - 112) 21 - كتاب النذور والأيمان، 11 - باب ما جاء في النذر وجعله عن ابن عمر عن عمر. وقال: حديث حسن صحيح. والنسائي (7/ 21) كتاب الأيمان والنذور، 26 - باب إذا نذر ثم أسلم قبل أن يفي.

الفقرة السادسة في: متى يكون للنذر حكم اليمين

الفقرة السادسة في: متى يكون للنذر حكم اليمين قال الحنابلة وهم يذكرون الصور التي ينقلب فيها النذر إلى يمين: ينقسم النذر المنعقد إلى ستة أقسام: الأول: النذر المطلق وهو أن يقول: على نذر، أو لله علي نذر ولم ينو بنذره شيئًا معينًا سواء قال: إن فعلت كذا، أو لم يقل، فيلزمه بهذا كفارة يمين. الثاني: نذر اللجاج والغضب، وهو تعليق النذر بشرط يقصد منه الناذر المنع من المعلق عليه، أو الحث عليه، أو التصديق عليه إن كان خبرًا كقول: إن كلمتك فعلي صوم كذا، يريد منع نفسه من كلامه وكقول: إن لم أضربك فعلي صلاة كذا، يريد حث نفسه على ضربه. وكقول: إن لم أكن صادقًا فعلي صوم كذا يريد تحقيق الخبر، وحكم هذا النذر أن الناذر مخير بين كفارة اليمين إذا وجد الشرط وبين فعل المنذور. الثالث: نذر المباح كقوله: لله علي أن ألبس ثوبي أو أركب دابتي، وحكم هذا أن الناذر مخير أيضًا بين فعل المنذور وكفارة اليمين. فنذر المباح كالحلف بفعله، فإنه إذا حلف أنه يأكل أو يشرب فإنه يكفر أو يفعل. الرابع: نذر المكروه كالطلاق وأكل الثوم والبصل وترك السنة ونحو ذلك، وحكم هذا أنه يستحب للناذر أن يكفر كفارة اليمين، فإذا فعل المكروه فلا كفارة عليه؛ لأنه وفى بنذره. الخامس: نذر المعصية كشرب الخمر، وصوم يوم الحيض والنفاس، ويوم العيد، وأيام التشريق، وحكم هذا أنه لا يجوز الوفاء به، ويقضي الصوم في أيام أخرى وعليه كفارة، فإن وفى أثم ولا كفارة بنذره عليه.

وقال الحنفية: ينقسم النذر إلى قسمين: نذر معلق على شرط، ونذر مطلق. والنذر المعلق ينقسم إلى قسمين: الأول: معلق على شيء يراد وقوعه كقوله: إن شفى الله مريضي فلله علي كذا، فإنه معلق على شفاء المريض وهو مرغوب في حصوله للناذر.، وحكم هذا لزوم الوفاء به عند تحقيق المعلق عليه متى استوفى الشروط ... الثاني: معلق على شيء لا يراد حصوله كقوله: إذا دخلت الدار فعلي كذا نذر، أو إن كلمت فلانا. وهذا القسم هو يسمى نذر اللجاج عند الشافعية، لأن المقصود منه المنع عن الفعل. وحكمه أن ناذره مخير بين فعل المنذور وبين كفارة اليمين. وقال المالكية: تجب الكفارة بأربعة أمور: الأول: النذر المبهم، وهو الذي لم يعين فيه المنذور كأن يقول: لله علي نذر، أو نذر لله علي إن فعلت كذا، أو إن لم أفعل كذا فإنه تجب فيه الكفارة إن حنث، وكذا إذا قال: إن شفى الله مريضي علي نذر، أو لله علي نذر فشفى الله مريضه، فإنه يجب عليه كفارة اليمين اهـ من (الفقه على المذاهب الأربعة). وقال الشافعية: من نذر يريد البر فيجب عليه الوفاء، ومن نذر اللجاج ويسمى نذر الغضب ويمين الغلق، وهو النذر المرتبط بما لا يريد وقوعه بأن يقصد الناذر حث نفسه على شيء أو منعها مثل: إن كلمت فلانًا فلله علي صوم، فالناذر هاهنا بالخيار إن شاء وفى وإن شاء كفر كفارة يمين.

1540 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من نذر نذرًا لم يسمه، فكفارته كفارة يمينٍ، ومن نذر نذرًا لا يطيقه، فكفارته كفارة يمينٍ، ومن نذر نذرًا أطاقه، فليف به" وفي رواية: إنه موقوف. 1541 - * روى مسلم عن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كفارة النذر إذا لم يسم شيئًا، كفارة اليمين". 1542 - * روى مالك عن عائشة رضي الله عنها سئلت عن رجلٍ، قال: مالي في رتاج الكعبة؟ فقالت: يكفره ما يكفر اليمين. أقول: نص فقهاء الحنفية على أن نذر العبادة غير المقصودة لذاتها لا ينعقد به النذر، ومن ذلك ما هو وسائل للعبادة كبناء المساجد، ومن ههنا كان نذر الإنسان مالا للكعبة لا ينعقد نذرًا وفيه كفارة يمين على مذهب عائشة رضي الله عنها، واعتبر هذا النذر الوارد في النص فقهاء الشافعية وآخرون أنه نذر لجاج وغضب وكفارته كفارة يمين. 1543 - * روى أبو داود عن سعيد بن المسيب رحمه الله أن أخوين من الأنصار كان بينهما ميراث، فسأل أحدهما أخاه القسمة، فقال له الآخر: إن عدت تسألني القسمة فكل مالي في رتاج الكعبة، فعاد يسأله، فأتى عمر، فقال له: إن الكعبة لغنية عن مالك، كفر عن يمينك، وكلم أخاك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يمين عليك، ولا نذر في معصية الرب، ولا في قطيعة الرحم، ولا فيما لا تملك".

_ 1540 - أبو داود (3/ 241) كتاب الأيمان والنذور، باب من نذر نذرًا لا يطيقه. روى هذا الحديث وكيع وغيره عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند، أوقفوه على ابن عباس، والوقوف أصح. 1541 - مسلم (3/ 1265) 26 - كتاب النذر، 5 - باب في كفارة النذر. ولم يقل: "إذا لم يسم شيئًا". وأبو داود (3/ 241) كتاب الأيمان والنذور، باب من نذر نذرًا لم يسمه، ولم يقل: "إذا لم يسم شيئًا". والترمذي (4/ 106) 21 - كتاب النذور والأيمان، 4 - باب ما جاء في كفارة النذر إذا لم يسم. وقال: حديث حسن صحيح غريب. والنسائي (7/ 26) 25 - كتاب الأيمان والنذور، 41 - باب كفارة النذر. ولم يقل: "إذا لم يسم شيئًا". 1542 - الموطأ (3/ 481) كتاب النذور والأيمان، 9 - باب جامع الأيمان. 1543 - أبو داود (3/ 237) كتاب الأيمان والنذور، باب اليمين في قطيعة الرحم.

قال ابن الأثير: (الرتاج): الباب، يقال: جعلت مالي في رتاج الكعبة، أي: جعلته لها، وليس المراد الباب نفسه، وإنما المعنى: أن يكون ماله هديًا إلى الكعبة أو في كسوتها والنفقة عليها. أقول: في هذه الرواية نموذج على ما يسمى بنذر اللجاج وهي إحدى الصور التي نص عليها فقهاء الحنابلة والشافعية أنها تنقلب يمينًا. 1544 - * روى النسائي عن عمران بن حصين رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نذر في معصيةٍ، ولا فيما لا يملك ابن آدم". وفي أخرى (1) له قال: "لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمينٍ". وفى أخرى (2) "لا نذر في غضب الله، وكفارته كفارة يمينٍ". وهذا طرف من حديث طويل أخرجه مسلم وأبو داود (4). 1545 - * روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا نذر في معصيةٍ، وكفارته كفارة يمينٍ". 1546 - * روى مالك عن يحيى بن سعيدٍ رحمه الله أنه سمع القاسم بن محمدٍ يقول:

_ 1544 - النسائي (7/ 19) 35 - كتاب الأيمان والنذور، 31 - باب النذر فيما لا يملك. (1) النسائي (7/ 26) الموضع السابق. النسائي (7/ 28) الموضع السابق. (2) مسلم (2/ 1262) 36 - كتاب النذر، 3 - باب لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك العبد. أبو داود: (3/ 239) كتاب الأيمان والنذور، 37 - باب في النذر فيما لا يملك. 1545 - أبو داود (3/ 232) كتاب الأيمان والنذور، 21 - باب ما جاء في النذر في المعصية. والترمذي (4/ 103) 21 - كتاب النذور والأيمان، 1 - باب ما جاء عن رسول الله ... وقال: هذا حديث لا يصح. والنسائي (7/ 28) 35 - كتاب الأيمان والنذور، 41 - كفارة النذر. (الكفارة) معروفة، وأصلها من: التغطية والستر، وهي فعالة من ذلك. 1546 - الموطأ (2/ 476) 22 - كتاب النذور والأيمان، 4 - باب مالا يجوز من النذور في معصية الله. وإسناده صحيح.

أتت امرأة إلى عبد الله بن عباسٍ، فقالت: إني نذرت أن أنحر ابني، فقال ابن عباسٍ: لا تنحري ابنك، وكفري عن يمينك فقال شيخ عند ابن عباس: إن الله تعالى قال: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: 2] ثم جعل فيه من الكفارة ما رأيت. أقول: من نذر أن يذبح ولده نحر شاةً عند أبي حنيفة وجزورًا عند مالك، وقال الشافعية: لا شيء عليه. وقال أحمد في رواية عنه: عليه كفارة يمين، ومن نذر ذبح نفسه أو أجنبي فهو نذر معصية ولا قياس فيه، وعليه كفارة يمين عند أحمد أو ذبح كبش ويطعمه المساكين، ولا شيء عليه عند الشافعية وآخرين. 1547 - * روى الطبراني عن مسروقٍ قال: أتي عبد الله بضرعٍ فأخذ يأكل منه فقال للقوم: ادنوا: فدنا القوم وتنحى رجل منهم، فقال عبد الله: ما شأنك؟ قال: إني حرمت الضرع. قال: هذا من خطوات الشيطان: ادن وكل وكفر يمينك، ثم تلا {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ}. أقول: لا يعتبر فقهاء الحنفية نذر المعصية منعقدًا ولا يوجبون فيه شيئًا، وما ورد من أن كفارته كفارة يمين فمحمول على الندب. ونص فقهاء الحنابلة على أن نذر المعصية يحرم الوفاء به وتجب به كفارة يمين، أما تحريم الحلال ففيه كفارة يمين بنص القرآن قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} (1)، {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (2). * * *

_ 1547 - المعجم الكبير (9/ 206). مجمع الزوائد (4/ 19). وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح. (1) التحريم: 1. (2) التحريم: 2.

الفقرة السابعة في: نذر صيام يوم النحر

الفقرة السابعة في: نذر صيام يوم النحر 1548 - * روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، سأله رجلٌ فقال: نذرت أن أصوم كل يوم ثلاثاء، أو أربعاء، ما عشت، فوافقت هذا اليوم يوم النحر، قال: أمر الله بوفاء النذر، ونهانا أن نصوم يوم النحر، فأعاد عليه، فرد مثله، لا يزيد عليه. وفي روايةٍ (1) قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بوفاء النذر، ونهى عن صوم هذا اليوم. وللبخاري (2) من حديث حكيم بن أبي حرة الأسلمي، أنه سمع ابن عمر في رجلٍ نذر أن لا يأتي عليه يوم- سماه- إلا صام، فوافق يوم أضحى أو فطرٍ، فقال: لقد كان لك في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ، لم يكن يصوم يوم الأضحى والفطر، ولا يرى صيامهما. وفي أخرى (3)، أنه سئل عمن وافق نذره في الصوم أضحى أو فطرًا؟ فقال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بوفاء النذر، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم هذين اليومين، فأعاد عليه ولم يرد على هذا. أقول: فتوى الحنفية أنه يجب على الناذر أن يفطر وأن يقضي يومًا بدله، وكذلك صوم أيام التشريق ويوم الفطر، والحنابلة أنه يجب عليه أن يفطر وعليه كفارة يمين، وعلى كل من المذهبين فإنه إن صام أجزأ عنه وأثم. وجمهور العلماء على أنه لا يصح نذره ولا يجوز له أن يصوم ولا يجب عليه أن يقضيه.

_ 1548 - البخاري (11/ 591) 83 - كتاب الأيمان والنذور، 32 - باب من نذر أن يصوم أيامًا فوافق النحر أو الفطر. مسلم (2/ 800) 13 - كتاب الصيام، 22 - باب النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى. (1) البخاري (4/ 240) 30 - كتاب الصوم 67 - باب صوم يوم النحر. (2) البخاري (11/ 590) 83 - كتاب الأيمان والنذور 32 - باب من نذر أن يصوم أيامًا ... (3) البخاري (11/ 590) الموضع السابق.

الفقرة الثامنة في: نذر المقيم بمكة أو بالمدينة المنورة الصلاة ببيت المقدس

الفقرة الثامنة في: نذر المقيم بمكة أو بالمدينة المنورة الصلاة ببيت المقدس 1549 - * روى الطبراني عن عطاء بن أبي رباحٍ قال: جاء الشريد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا فقال: يا رسول الله إني نذرت إن الله عز وجل فتح عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ههنا فصل". ثلاث مرات. 1550 - * روى مسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن امرأةً شكت شكوى، فقالت: إن شفاني الله لأخرجن فلأصلين في بيت المقدس فبرأت، ثم تجهزت تريد الخروج، فجاءت ميمونة تسلم عليها، فأخبرتها بذلك، فقالت: اجلسي فكلي ما صنعت، وصلي في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "صلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد، إلا مسجد الكعبة". 1551 - * روى أبو داود عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رجلًا قام يوم الفتح، فقال: يا رسول الله، إني نذرت لله عز وجل إن فتح الله عليك مكة: أن أصلي صلاة في بيت المقدس- زاد في روايةٍ: ركعتين- فقال: "صل ها هنا"، ثم أعاد عليه، فقال: "صل ها هنا"، ثم أعاد عليه: فقال: "فشأنك إذًا". أقول: من نذر أن يصلي في مكان أو يتصدق في مكان حيث ما صلى أو تصدق جازت صلاته وصدقته، فكيف إذا كان في المكان الذي صلى فيه فضل على غيره، إلا أنه لو فعل فلا حرج عليه، وهذا مذهب الحنفية. وقد مر معنا أن من نذر أن يصلي ركعتين في المساجد الثلاثة، فصلاها في أي مكان

_ 1549 - مجمع الزوائد (4/ 192)، وقال: رواه الطبراني في الكبير مرسلًا ورجاله ثقات. 1550 - مسلم (2/ 1014) 15 - كتاب الحج، 94 - باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة. 1551 - أبو داود (3/ 336) كتاب الأيمان والنذور، باب من نذر أن يصلي في بيت المقدس. والدارمي (2/ 184) - ومن كتاب النذور والأيمان، باب من نذر أن يصلي في بيت المقدس ...

أجزأ عنه عند أبي حنيفة وصاحبيه، وقال المالكية لزمه أن يصلي حيث ألزم نفسه. وقال الشافعية: من نذر صلاة في مكان جاز له أن يصلي في غيره إلا إذا نذر الصلاة في مسجد من المساجد الثلاثة فيجب عليه الوفاء كما نذر وكذلك قال الحنابلة. * * *

الفقرة التاسعة في: موضوعات متعددة

الفقرة التاسعة في: موضوعات متعددة 1552 - * روى الطبراني عن علي بن أبي طالبٍ قال: حفظت لكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ستًا: "لا طلاق إلا من بعد نكاحٍ، ولا عتاق إلا من بعد ملكٍ، ولا وفاء لنذرٍ في معصيةٍ، ولا يتم بعد حلمٍ، ولا صمات يومٍ إلى الليل، ولا وصال في الصيام". 1553 - * روى أحمد عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا وفاء لنذر في معصية الله عز وجل". قال البغوي في شرح السنة- وهو شافعي-: فيه بيان أن النذر لا ينعقد في المعصية، ولا يلزمه به شيءٌ حتى لو نذر صوم يوم العيد لا يجب عليه شيء. ولو نذر نحر ولده، فباطل، وإليه ذهب جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم ابن عمر، وهو قول مالك، والشافعي، وذهب قوم إلى أن من نذر معصية يلزمه كفارة يمين، وهو قول الثوري، وأصحاب الرأي، وأحمد، وإسحاق اهـ. 1554 - * روى الطبراني عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نذر إلا فيما أطيع الله عز وجل فيه، ولا مذر في قطيعة رحمٍ، ولا طلاق ولا عتاق فيما لا يملك".

_ 1552 - الروض الداني (1/ 169). مجمع الزوائد (4/ 234) وقال: رواه الطبراني في الصغير، ورجاله ثقات. 1553 - أحمد (3/ 297). مجمع الزوائد (4/ 186) وقال. رواه أحمد، وسليمان بن موسى قيل: إنه لم يسمع من جابر. ورواه برجال الصحيح وهو موقوف على جابر. 1554 - المعجم الكبير (11/ 27). مجمع الزوائد (4/ 186). قال: ورواه الطبراني في الأوسط وزاد: "ولا يمين في غضب" وأسقط: "ولا نذر في قطيعة رحم" ورجال الكبير ثقات.

1555 - * روى البخاري عن عبد الله بن عباسٍ رضي الله عنهما قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجلٍ قائمٍ، فسأل عنه؟ فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يقعد، ويصوم ولا يفطر بنهارٍ، ولا يستظل ولا يتكلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مروه فليستظل، وليقعد، وليتكلم، وليتم صومه". قال مالك: فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بإتمام ما كان لله طاعة، وترك ما كان معصيةٌ، ولم يبلغني أنه أمره بكفارة. أقول: من مثل هذا الحديث نعرف موقف الإسلام من تعذيب الجسد لمجرد التعذيب، وهي قضية كانت تراها بعض الأديان عبادة، وحرمها الإٍسلام، قال تعالى: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} (1)، وهذا من مظاهر قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (2). 1556 - * روى الترمذي عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس على العبد نذرٌ فيما لا يملك". 1557 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا نذر إلا فيما يبتغى به وجه الله تعالى، ولا يمين في قطيعة رحمٍ".

_ 1555 - البخاري (11/ 586) 83 - كتاب الأيمان والنذور، 31 - باب النذر فيما لا يملك وفي معصية. وأبو داود (3/ 235) كتاب الأيمان والنذور، باب ما جاء في النذر في المعصية. (1) الأعراف: 157. (2) الأنبياء: 107. 1556 - الترمذي (4/ 105) 21 - كتاب النذور والأيمان، 3 - باب ما جاء لا نذر فيما لا يملك ابن آدم. وهو طرف من حديث طويل قد أخرجه الجماعة إلا الموطأ. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وهو كما قال، قال: وفي الباب عن عبد الله بن عمرو، وعمران بن حصين. 1557 - أبو داود (3/ 238) كتاب الأيمان والنذور. باب في اليمين في قطيعة الرحم.

قال ابن الأثير: (قطيعة الرحم): أن يقطع بره وإحسانه عن أقاربه وأهله. 1558 - * روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من نذر أن يطيع الله فليف بنذره، ومن نذر أن يعصي الله فلا يف به". وفي رواية (1) "فليطعه، ولا يعصه". 1559 - * روى أحمد عن عمران بن حصين قال: ما قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا إلا أمرنا بالصداقة ونهانا عن المثلة قال: وقال: "إن من المثلة أن ينذر الرجل أن يحج ماشيًا فليهد وليركب". 1560 - * روى الطبراني عن عطاء بن أبي رباح أن رجلاً أتي ابن عباسٍ فقال: إني نذرت لأذبحن نفسي فقال ابن عباس: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}. أقول: لقد مر معنا من قبل ما نعرف به توجيهات هذه النصوص، فالنذر في المعصية لا ينعقد عند بعضهم أصلا، ومن ذلك أن ينذر الإنسان أن يذبح نفسه أو أن يذبح ولده

_ 1558 - البخاري (11/ 585) 83 - كتاب الأيمان والنذور، 31 - باب النذر فيما لا يملك وفي معصية. والترمذي (4/ 104) 21 - كتاب النذور والأيمان، 2 - باب من نذر أن يطيع الله فليطعه. وقال: حديث حسن صحيح. وأبو داود (3/ 232) كتاب الأيمان والنذور، باب ما جاء في النذر في المعصية. والنسائي (7/ 17) 35 - كتاب الأيمان والنذور، 37 - باب النذر في الطاعة. (1) النسائي: الموضع السابق. 1559 - أحمد (4/ 429) والمعجم الكبير (18/ 158). مجمع الزوائد (4/ 189) وقال: رواه أحمد والبزار بنحوه والطبراني في الكبير. ورجال أحمد رجال الصحيح. 1560 - المعجم الكبير (11/ 186). مجمع الزوائد (4/ 190). قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط. وفي رواية في الكبير عن ابن عباس قال: من نذر أن ينحر نفسه أو ولده فليذبح كبشًا، فذكر نحوه، ورجاله رجال الصحيح.

أو أن يقطع رحمه، وبعض الفقهاء أوجب كفارة يمين، وهذا ابن عباس يفتي: من نذر أن يذبح نفسه بأن يذبح كبشًا أخذًا مما فعله إبراهيم عليه السلام إذ أراد أن يذبح ابنه ففداه الله بكبش، وأما النذر فيما لا يملك فله أكثر من صورة: أن ينذر أن يتصدق أو ينحر ملك الغير، فهذا لا ينفذ حتمًا، وأما إن كان هو نفسه لا يملك شيئًا ونذر أن يتصدق، فهل هذا النذر دينًا في ذمته أو أنه لا يجب عليه؟ من العلماء من ذهب إلى أنه لا يجب عليه كما مر معنا. * * *

نقول ومسائل وفوائد

نقول ومسائل وفوائد قال الشوكاني رحمه الله: الراجح عند الكثير من العلماء وجوب الوفاء ممن التزم أن يتصدق بجميع ماله إذا كان على سبيل القربة. وقيل إن كان مليًا لزمه، وإن كان فقيرًا فعليه كفارة يمين، وهذا قول الليث ووافقه ابن وهب وزاد وإن كان متوسطًا يخرج قدر زكاة ماله. والأخير عن أبي حنيفة بغير تفصيل وهو قول ربيعة. وعن الشعبي وابن أبي ليلى لا يلزمه شيء أصلا. وعن قتادة يلزم الغني العشر والمتوسط السبع والمملق الخمس. وقيل يلزم الكل إلا في نذر اللجاج فكفارة يمين. وعن سحنون يلزمه أن يخرج ما لا يضر به. وعن الثوري والأوزاعي وجماعة يلزمه كفارة يمين بغير تفصيل. وعن النخعي يلزمه الكل بغير تفصيل. وإذا تقرر ذلك فقد دل حديث كعب أنه يشرع لمن أراد التصدق بجميع ماله أن يمسك بعضه، ولا يلزم من ذلك أنه لو نجزه لم ينفذ، وقيل إن التصدق بجميع المال يختلف باختلاف الأحوال: فمن كان قويًا على ذلك يعلم من نفسه الصبر لم يمنه وعليه يتنزل فعل أبي بكر الصديق وإيثار الأنصار على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن لم يكن كذلك فلا، وعليه يتنزل "لا صدقة إلا عن ظهر غني"، وفي لفظ: "أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى" اهـ. قال الشرنبلالي في مراقي الفلاح وهو من الحنفية: وعيادة فلان بعينه لا يكون معنى القربة فيه مقصودًا للناذر، بل مراعاة حق فلان، فلا يصح التزامه بالنذر. وفي ظاهر الرواية: عيادة المريض وتشييع الجنازة وإن كان فيه معنى حق الله تعالى فالمقصود حق المريض والميت، والناذر إنما يلتزم بنذره ما يكون مشروعًا حقا لله تعالى مقصودًا. اهـ. قال الطحطاوي في حاشيته على مراقي الفلاح: (قوله: بل مراعاة حق فلان) هو المقصود له. (قوله: فلا يصح التزامه) منه يؤخذ عدم صحة النذر للأموات.

قال في الدر: واعلم أن النذر الذي يقع للأموات من أكثر العوام، وما يؤخذ من الدراهم والشمع والزيت ونحوها إلى ضرائح الأولياء الكرام تقربا إليهم فهو باطل وحرام. اهـ. قال في البحر: لوجوه: منها: أنه نذر لمخلوق، ولا يجوز؛ لأنه عبادة، والعبادة لا تكون لمخلوق. ومنها: أن المنذور له ميت، والميت لا يملك. ومنها: أنه إن ظن الميت يتصرف في الأمور دون الله تعالى كفر، اللهم إلا أن يقول يا الله: إني نذرت لك إن شفيت مريضي، أو رددت غائبي أو قضيت حاجتي أن أطعم الفقراء الذين بباب السيدة نفيسة، أو الفقراء الذين بباب الإمام الشافعي رضي الله عنه، أو الإمام الليث، أو أشتري حصرًا لمساجدهم، أو زيتًا لوقودها. أو دراهم لمن يقوم بشعائرهم إلى غير ذلك مما يكون فيه نفع للفقراء والنذر لله عز وجل. وذكر الشيخ: إنما هو بيان لمحل صرف النذر لمستحقيه القاطنين برباطه أو مسجده فيجوز بهذا الاعتبار، إذ مصرف النذر الفقراء وقد وجد، ولا يجوز أن يصرف ذلك إلى غني غير محتاج إليه ولا لشريف منصب، لأنه لا يحل له الأخذ مالم يكن محتاجًا فقيرًا، ولا لذي نسب لأجل نسبه ما لم يكن فقيرًا، ولا لذي علم لأجل علمه ما لم يكن فقيرًا، ولم يثبت في الشرع جواز الصرف للأغنياء للإجماع على حرمة النذر للمخلوق، ولا ينعقد ولا تشتغل به الذمة، وإنه حرام بل سحت. اهـ. أقول: قد مر معنا أن فقهاء الحنفية يرون أن من نذر أن يتصدق على فقير فله أن يتصدق على غيره، وإن نذر أن يتصدق على فقراء مكان فله أن يتصدق على فقراء مكانٍ آخر. * * *

الفصل السادس في: اليمين

الفصل السادس في: اليمين وفيه: عرض إجمالي وفقرات ومسائل وفوائد

عرض إجمالي

عرض إجمالي جعلنا بحث الأيمان في قسم العقائد؛ لأن اليمين بالله أحد المظاهر الكبرى لاستشعار الإنسان عظمة الله، ولذلك تجده عفويًا على كل لسان وفي كل دين، ولما كان بعض الناس يحلفون بغير الله، وفي ذلك نوع تعظيم يشابه تعظيم الله، فقد ورد التغليظ في ذلك ومنع منه الشارع. وهناك حالات تساهل فيها الشارع لانتفاء شبهة المشابهة في التعظيم، وهذه معان تتعلق بالعقائد تعلقًا صريحًا، ولذلك أدخلناها هاهنا. ولما كان هناك حرمة اسم الله عظيمًا، فقد رتب الشارع على أنواع من الأيمان أحكامًا. وترى المسائل الداخلة في أبحاث الأيمان كثيرة جدًا لكثرة ما يستحدثه الناس في هذا الشأن، ونحن سنحاول أن نعرض لأمهاتٍ من أحكام الأيمان بين يدي النصوص. نقول وبالله التوفيق: اتفق الفقهاء على مشروعية اليمين، إلا أنهم كرهوا الإفراط في الحلف بالله تعالى لقوله تعالى: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} (1) وقال الشافعي: ما حلفت بالله صادقًا ولا كاذبًا، وتتأكد كراهة الأيمان إذا حالت بين الإنسان وبين البر لقوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ} (2) وذكر الحنابلة أن الأيمان خمسة أنواع: أحدها واجب، وهي التي تنجي إنسانًا معصومًا من الهلاك. والثاني مندوب: وهو الذي تتعلق به مصلحة كالإصلاح بين متخاصمين، أو إزالة حقد من قلب مسلم عن الحالف أو غيره أو دفع شر. والثالث المباح: مثل الحلف على فعل مباح أو تركه. والرابع المكروه: وهو الحلف على مكروه أو ترك مندوب. والخامس المحرم: وهو الحلف الكاذب. ومن حلف بالأصنام ونحوها معتقدًا تعظيمها فإنه يكفر بذلك، وإذا جرت على لسانه

_ (1) القلم: 10. (2) البقرة: 224.

بشكل عفوي ولا يقصد التعظيم فقد واقع الحرام وعليه في الحالين أن يتوب وأن ينطق بالشهادتين. وصيغة اليمين المشروعة هي: أن يقسم الإنسان باسم من أسماء الله الحسنى أو بصفة من صفات الله. وهناك صور كثيرة اعتبرها العلماء يمينًا وأوجبوا فيها الكفارة، وهناك صور اختلف الفقهاء في اعتبارها أيمانًا تجب فيها الكفارة. والأيمان على ثلاثة أقسام: يمين منعقدة، وهي التي يجب على من حنث بها الكفارة. ويمين لغو، وهي التي لا يجب على صاحبها شيء. ويمين غموس، وهي التي تغمس صاحبها في النار، وقد اختلف في شأنها، هل تجب فيها الكفارة مع التوبة، أو أن صاحبها يأثم ولا تلزمه كفارة لعظم جريمته. وتعريف اليمين الغموس عند الحنفية والمالكية: بأنها اليمين الكاذبة قصدًا في الماضي أو الحال، أو هي الحلف على أمر ماض أو في الحال متعمدًا الكذب فيه نفيًا أو إثباتًا، وقد ذهب الحنفية والمالكية والحنابلة على الراجح عندهم: أنه يأثم صاحبها ولا كفارة عليه لعظم الجناية ويجب عليه التوبة والاستغفار. وقال الشافعية كما تجب التوبة تجب الكفارة في اليمين الغموس. وقد عرف عامة الفقهاء اليمين اللغو وهو: أن يحلف على أمر يظنه كذلك وليس كذلك. وعرفها الشافعية بأنها التي يسبق اللسان إلى لفظها بلا قصدٍ لمعناها أو يريد اليمين على شيء فيسبق لسانه إلى غيره، فهي اليمين التي لم تنعقد عليها النية. وقد اتفق الفقهاء على أن يمين اللغو لا كفارة فيها. وأما تعريف اليمين المنعقدة: فهي أن يحلف على أمر في المستقبل أن يفعله أو لا يفعله، وحكم هذه اليمين وجوب الكفارة عند الحنث مهما كان الشيء المحلوف عليه، فإن كان المحلوف عليه معصية فإنه يفترض عليه أن يحنث وأن يكفر عن يمينه، وإذا اقتصر الحالف على لفظ: أقسم أو أحلف أو أشهد أو أعزم يكون يمينًا عند الحنفية والحنابلة وفي الأصح عند الشافعية، وقال المالكية يكون يمينًا إن نوى وأراد اليمين بالله. وحروف القسم هي: الباء والواو والتاء. وإذا لم يذكر الحالف شيئًا من هذه الأحرف كأن قال: الله لا أفعل كذا يكون يمينًا عند الجمهور. وقال الشافعية: لا يكون يمينًا إلا بنية، وإذا قال: وايم الله أو وأيمن الله يعتبر يمينًا عند المالكية والحنابلة والحنفية، وقال الشافعية إن نوى اليمين كانت يمينًا. وإلا

لم تكن يمينًا، ومن حلف على غيره أن يفعل شيئًا ما إن نوى يمين نفسه فهو يمين عند الشافعية وآخرين، ويسن للمخاطب أن يبر الحالف ولا يجب عليه، فإن لم يبره المحلوف عليه؛ فالكفارة على الحالف، وإن أراد يمين المخاطب أو لم يرد يمينًا، بل أراد التشفع بالله عز وجل في الفعل لم يكن يمينًا ومن قال إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني أو بريء من الإسلام فقد أفتى الحنفية بأن ذلك يكون يمينًا موجبة للكفارة إذا فعل الشيء المحلوف عليه مع الإثم. وقال المالكية والشافعية وبعض الحنابلة لا يعتبر يمينًا ولا تجب فيه الكفارة، وقد ارتكب بقوله كبيرة من الكبائر، أما لو قالها على قصد الرضى بالكفر أو فعل الفعل كفر في الحال، فإن لم يعرف قصده فقد رجح الشافعية عدم الحكم بكفره، أما إذا قال مثل هذا الكلام كاذبا على فعل فعله في الماضي، فقد كفر بمجرد القول عند كثير من الفقهاء ولا كفارة عليه وإنما عليه التوبة والتشهد، ومن حرم شيئًا من ماله على نفسه أو حرم حلالا على نفسه فإنه يمين عند الحنابلة والحنفية، واتفق الفقهاء على أن اليمين في الدعاوى تكون على نية المستحلف، وأما في غير الدعاوى فقد قال الحنفية: اليمين على نية الحالف إذا كان مظلومًا، وعلى نية المستحلف إن كان ظالمًا، ومن حلف بغير الله وأسمائه وصفاته، فإن كان مما يجري على اللسان ولا يراد به التعظيم، فإنه لا كفارة عليه إجماعًا لكنه مكروه. وقال الشافعي: أخشى أن يكون معصيةً. وبعضهم ذهب إلى أن ما جرى على ألسنة العرب ولا يراد به التعظيم فالأمر فيه واسع. وقال المالكية والحنفية: إذا حلف الحالف على شيء واحد بعينه مرارًا ولا يريد إلا التأكيد فليس عليه إلا كفارة. واحدة، أما إذا لم ينو التأكيد ففي كل يمين كفارة، وقال الحنابلة: ليس عليه إلا كفارة واحدة. ومن حلف فاستثنى بأن قال: إن شاء الله تعالى، أو إلا أن يشاء الله أو إن أعانني الله أو يسر الله، أو بمعونة الله أو بتيسيره، أو إلا أن أحب غير ذلك ونحوه، وكان ذلك متصلًا مع لفظ اليمين لم تنعقد اليمين، وإن فصل الاستثناء عن لفظ اليمين انعقدت. وقال الشافعي لا بأس بالسكتة الخفية للتذكر أو للتنفس أو لانقطاع الصوت. وذكر المالكية أن السعال أو العطاس أو التثاؤب لا يعتبر فصلاً.

والأيمان عند الحنفية: مبنية على العرف والعادة. وقال الشافعية: الأيمان مبنية على الحقيقة اللغوية إلا إذا احتمل اللفظ شيئًا آخر ونواه الحالف فيعمل بنيته. وقال مالك في المشهور من مذهبه: المعتبر في الأيمان: النية فإن عدمت فقرينة الحال، فإن عدمت فعرف اللفظ، فإن عدم فدلالة اللغة. والعبرة عند الحنابلة للنية، فإن لم ينو شيئًا رجع إلى سبب اليمين، ويتفرع على هذا البحث خلافات كثيرة في كثيرة من المسائل، وهناك يمين يسميها الحنفية يمين الغور: وهو أن يخلف الإنسان على شيء في المستقبل، فتكون دلالة الحال ظاهرة على أنه يريد التأقيت كأن يقول شخص لآخر: تعال تغدى معي، فيقول: والله لا أتغدى، ثم رجع إلى منزله فتغدى. ومثل ذلك كل حالة أراد بها صاحب التوقيت ولم يرد الديمومة وكانت دلالة الحال تدل على ذلك إلا أن زفر- من فقهاء الحنفية- اعتبر هذه اليمين منعقدة كغيرها. ومن حلف على شيء غير متصور الوجود أصلا بأن يكون مستحيلا عقلا. كأن قال: والله لأشربن ماء هذا الكوز وليس في الكوز ماء، فقد أفتى أبو حنيفة ومحمد ومالك وبعض الحنابلة بأن هذه اليمين لا تنعقد. أما إذا حلف على ما هو مستحيل عادة لا عقلا فإن الجمهور على أن يمينه منعقدة. وقال الشافعية والحنابلة: لا كفارة ولا حنث على غير المكلف كالصبي والمجنون والنائم، ولا كفارة على المغمى عليه والمخدر لضرورة والساهي والمكره. ومن حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فإنه يستحب له أن يحنث ويكفر عن يمينه، ولا يجوز أن يكفر قبل اليمين باتفاق العلماء، أما إذا حلف وأراد الحنث فقد قال الحنابلة: يجوز فعل الكفارة قبل الحنث وبعده، وكذلك قال الشافعية، إلا أنهم قالوا: الكفارة بعد الحنث أفضل، وقال أبو حنيفة لا يجوز تقديم الكفارة على الحنث، ولا تجب الكفارة على الغور بل هي واجبة على التراخي، والاستعجال بها أفضل، والموسر يخير في الكفارة بين أحد أمور ثلاثة: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو إعتاق رقبة فإذا عجز الإنسان عن الخصال الثلاثة المذكورة لزمه صوم ثلاثة أيام، ولا يصح الصيام إلا إذا كان الإنسان عاجزًا عن المال الذي يصرفه في الكفارة زائدًا عن كفايته في يومه وليلته وكفاية

من تلزمه نفقته، والعبرة للعجز وقت الأداء لا وقت الوجوب عند الحنفية والمالكية والشافعية، والمعتبر عند الحنابلة وقت الوجوب، أي حاله عند الحنث. والإطعام هو أن يقيت الإنسان عشرة مساكين أو مسكينًا واحدًا أيام غداءً وعشاءً، ويكفي عند الحنفية دعوة المساكين إلى الطعام وإباحته لهم، وعند غير الحنفية لابد من التمليك بالفعل أخذًا، ويكفي عند الحنفية أن يدفع للمسكين عن اليوم الواحد نصف صاع من حنطة أو ما يعدل عند الحنفية حوالي ألفي غرام إلا قليلًا أو ثمنه. أما مقدار طعام الإباحة عند الحنفية فأكلتان مشبعتان غداءً وعشاءً أو فطرًا وسحورًا أو غداءين في يومين، فذلك يجزئ عن إطعام مسكين يومًا واحدًا. والعبرة أن يطعمهم مما يطعم أهله، وأجاز أبو حنيفة وأبو محمد إعطاء فقراء أهل الذمة كفارة الأيمان وغيرها من الكفارات والنذور. ويشترط في المدفوع إليهم الطعام أن يكونوا مساكين أحرارًا وإن كان صغيرًا يأكل الطعام يجزئ، وأما الكسوة فلابد من تمليكها عند عامة الفقهاء، وأدنى الكسوة عند الحنفية ما يستر عامة البدن. وقال الحنابلة: تتقدر الكسوة بما تجزئ الصلاة فيه مراعى في ذلك حالة الرجل والمرأة. وقال المالكية: أقل ذك للرجل ثوب يستر جميع بدنه، وللمرأة ما يجوز لها فيه الصلاة وذلك ثوب وخمار. وقال الشافعية: يجزئ أقل ما يطلق عليه اسم الكسوة من إزار أو قميص أو ملحفة فيجوز عند الشافعية الكسوة بالسراويل والعمامة. أما الرقبة فيشترط عند الحنفية أن تكون مملوكة ملكًا كاملًا للمعتق، وأن تكون كاملة الرق سليمة من العيوب سواء كانت صغيرة أو كبيرة، ذكرًا أو أنثى، مسلمة أو كافرة. واتفق الفقهاء على أن الحانث إن لم يجد طعامًا ولا كسوة ولا عتقًا يجب عليه أن يصوم ثلاثة أيام، واشترط الحنفية والحنابلة أن تكون متتابعة، ولا يشترط التتابع عند المالكية والشافعية ولكنه يستحب، ومن أوجب التتابع فإنه يوجب على من قطع التتابع ولو لعذر كمرض أو سفر أو حيض أن يستأنف الصوم من جديد مرة أخرى، وكذلك إذا بدأ صيامه قبل يومي العيد وأيام التشريق فعليه أن يفطر ويبطل التتابع وعليه أن يستأنف الصيام من جديد.

الفقرات

الفقرات الفقرة الأولى: في أقوال العلماء في اليمين. الفقرة الثانية: في بعض ما ورد في القرآن الكريم في اليمين. الفقرة الثالثة: في بعض ما ورد في الحلف بغير الله. الفقرة الرابعة: في اليمين الغموس. الفقرة الخامسة: في أن الاستثناء في اليمين يلغي اليمين. الفقرة السادسة: في من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها. الفقرة السابعة: في متفرقات في الأيمان.

الفقرة الأولى: في: بعض أقوال العلماء في اليمين

الفقرة الأولى: في: بعض أقوال العلماء في اليمين قال البغوي في شرح السنة: وقال بعضهم: قيل للحلف: يمين باسم يمين اليد، وكانوا يبسطون أيمانهم إذا تحالفوا، ويقولون في اليمين: وايمن الله، ويحذف بعضهم النون، فيقول: وايم الله. اهـ. وقال صاحب الهداية- وهو من فقهاء الحنفية-: الأيمان على ثلاثة أضرب: اليمين الغموس، ويمين منعقدة، ويمين لغو. فالغموس: هو الحلف على أمر ماض يتعمد الكذب فيه، فهذه اليمين يأثم فيها صاحبها، لقوله عليه الصلاة والسلام: "من حلف كاذبا أدخله الله النار، ولا كفارة فيها إلا التوبة والاستغفار. وقال الشافعي رحمه الله: فيها الكفارة لأنها شرعت لرفع ذنب هتك حرمة اسم الله تعالى، وقد تحقق بالاستشهاد بالله كاذبا فأشبه المعقودة. ولنا أنها كبيرة محضة والكفارة عبادة تتأدى بالصوم، ويشترط فيها النية فلا تناط بها بخلاف المعقودة لأنها مباحة ولو كان فيها ذنب فهو متأخر متعلق باختيار مبتدأ، وما في الغموس ملازم فيمتنع الإلحاق، والمنعقدة ما يحلف على أمر في المستقبل أن يفعله أو لا يفعله، وإذا حنث في ذلك لزمته الكفارة لقوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} (1) وهو ما ذكرنا. واليمين اللغو أن يحلف على أمر ماض وهو يظن أنه كما قال والأمر بخلافه، فهذه اليمين نرجو أن لا يؤاخذ الله بها صاحبها. ومن اللغو أن يقول: والله إنه لزيد وهو يظنه زيدًا، وإنما هو عمرو، والأصل فيه قوله تعالى {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ} الآية إلا أنه علقه بالرجاء للاختلاف في تفسيره اهـ. وقال صاحب كتاب الفقه على المذاهب الأربعة في حكم اليمين:

_ (1) المائدة: 89.

يختلف حكم الحلف باختلاف الأحوال، فتارة يكون واجبًا إذا توقف عليه واجب، كما إذا توقف عليه إنقاذ إنسان بريء مصون الدم من الهلاك، وقد يكون حرامًا كما إذا حلف على ارتكاب محرم أو حلف بما لا يباح الحلف به. اهـ. ومن كلام المالكية: الأصل في اليمين أن يكون جائزًا متى كان باسم الله تعالى أو بصفة من صفاته ولو لم يطلب منه الحلف، وقد يستحب إذا كان فيه تفخيم أمر من أمور الدين أو حث عليه أو تنفير من محذور، على أن تكثير الحلف من غير ضرورة من البدع الحادثة بعد السلف، ومتى كان اليمين مباحًا كان الحنث مباحًا وعليه الكفارة، إلا أن يكون الخير في الحنث فإنه حينئذ يتبع ذلك في الحكم، فإن حلف على ترك واجب وجب الحنث، وإن حلف على فعل معصية وجب الحنث، وينعكس الحكم إذا حلف على فعل واجب أو ترك معصية وهكذا. والحنابلة: قالوا: الحلف يكون واجبًا وحرامًا كما ذكر، ويكون مكروها إذا كان على فعل مكروه أو على ترك مندوب. ومن الحلف المكروه: الحلف على البيع والشراء لحديث: "الحلف منفق للسلعة ممحق للبركة" (1). ويكون مندوبا إذا تغلقت به مصلحة كإصلاح بين متخاصمين ولو كان الحالف أحد المتخاصمين، أو إزالة حقد في قلب مسلم أو دفع شر عنه أو عن غيره. أما الحلف على فعل الطاعة وترك المعصية فليس بمندوب. ويكون مباحا كالحلف على فعل المباح أو تركه، أو على الخبر بشيء هو صادق فيه أو يظن أنه صادق فيه، ومنه الحلف على فعل الطاعة وترك المعصية اهـ (الفقه على المذاهب الأربعة).

_ (1) ابن ماجة (2/ 745) 12 - كتاب التجارات، 30 - باب ما جاء في كراهية الأيمان في الشراء والبيع.

ومن كلام الشافعية: الأصل في الحلف الكراهة لقوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} (1)، وقد يكون مباحًا غير مكروه كما إذا حلف على فعل طاعة أو ترك مكروه، أو في دعوى عند حاكم مع الصدق، أو كان لتأكيد أمر في حاجة إلى التأكيد، أو كان لتعظيم شأن أمر. ويكون مندوبا إذا توقف عليه فعل مندوب أو ترك مكروه. أما الحنث فتعتريه الأحكام الخمسة، فتارة يكون واجبًا كما إذا حلف على معصية أو ترك واجب، فمن حلف ليشربن الخمر، أو لا يصلي فإنه يفترض عليه أن يحنث وعليه الكفارة. وتارة يكون حرامًا إذا كان بالعكس، كما إذا حلف أن يقيم الصلاة المفروضة أو لا يزني فإنه يفترض عليه البر باليمين ويحرم عليه الحنث، وتارة يكون مندوبًا كما إذا حلف على فعل مندوب وترك مكروه، وتارة يكون مكروهًا كما إذا حلف على ترك مندوب وفعل مكروه. وتارة يكون خلاف الأولى كما إذا حلف على فعل مباح أو تركه كالأكل والشرب، فالأولى أن يبر باليمين صونًا لاسم الله تعالى وهو في جميع الأحوال تجب عليه الكفارة إذا حنث اهـ (الفقه على المذاهب الأربعة). ومن كلام الحنفية: الأصل في اليمين بالله أو بصفة من صفاته أن يكون جائزًا، ولكن الأولى أن لا يكثر منه اهـ (الفقه على المذاهب الأربعة). وقال في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة: لا ينعقد اليمين بغير الله تعالى كالحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم، والكعبة، وجبريل، والولي وغير ذلك من كل معظم، ولا كفارة على الحنث في الحلف به، وإذا قصد الحالف بذلك إشراك غير الله معه في التعظيم كان ذلك شركًا، وإذا قصد الاستهانة بالحلف بالنبي والرسول ونحو ذلك كفر اهـ.

_ (1) البقرة: 224.

أقول: وقد تفنن الناس خلال العصور أنواعًا من الأيمان وأنواعًا من الطرق لتأكيد ما يريدون فاقتضى ذلك فتاوى مطولة وأبحاثًا كثيرة. وها نحن أولًا ننقل لك صورًا من أقوال المذاهب تبين لك نماذج ما ذكرناه، وإذا أردت التوسع في معرفة ذلك فأمامك كتب المذاهب الفقهية التي تجد فيها مئات الصفحات عن الأيمان وأنواعها وما يترتب على كل صيغة من آثار وأحيانًا من بلاء: الحنفية- قالوا: الحلف بالتعليق نحو: علي الطلاق لا أفعل كذا، أو إن فعلت كذا يلزمني الطلاق، إن كان الغرض منه الوثيقة أي اتشاق الخصم بصدق الحالف جاز بدون كراهة، وإن لم يكن الغرض منه ذلك أو كان حلفًا على الماضي فإنه يكره، وكذلك الحلف بنحو: وأبيك ولعمرك ونحو ذلك. الشافعية- قالوا: يكره الحلف بغير الله تعالى ويكره الحلف بالطلاق. الحنابلة- قالوا: يحرم الحلف بغير الله تعالى وصفاته ولو بنبي أو ولي، فمن حلف بذلك يستغفر الله تعالى ويتوب ويندم على ما فرط منه ولا كفارة عليه. ويكره الحلف بالطلاق والعتاق. المالكية- قالوا: الحلف بمعظم شرعا كالنبي والكعبة ونحوهما فيه قولان: الحرمة، والكراهة والمشهور: الحرمة، أما الحلف بما ليس بمعظم شرعا كالحلف بالأنصاب والدماء التي كان يحلف بها في الجاهلية، أو بشيء من المعبودات دون الله تعالى فلا خلاف في تحريمه إذا لم يقصد تعظيمها، وإلا كفر .. وكذلك لا ينبغي الاختلاف في تحريم الحلف بالآباء والأشراف ورؤوس السلاطين وحياتهم وما شاكل ذلك. أقول: المذاهب الأربعة على كراهة الحلف بالطلاق، وعلى وقوع الطلاق إذا حنث بما حلف عليه. إذا حلف على غيره أو سأله بالله: إذا قال لغيره: أقسم عليك بالله، أو أحلف عليك بالله لتفعلن كذا، أو لا تفعل كذا ففيه تفصيل المذاهب:

الحنفية- قالوا: إذا قال رجل لآخر: والله لتفعلن كذا وكذا، أو بالله لتفعلن كذا، فإن أراد به استحلاف المخاطب ولم يرد أن يحلف هو فلا يكون يمينًا ولا شيء عليهما، وإن أراد أن يحلف بذلك أو لم يرد شيئًا فإنه يكون يمينًا، ويحنث إذا لم يطعه المخاطب. وإذا قال له: أقسمت لتفعلن كذا، أو قال: أقسمت بالله، أو أشهد بالله، أو أحلف بالله أو أعزم بالله لتفعلن كذا، سواء قال عليك أو لم يقل فإنه ينعقد يمينًا يلزم به الحالف، ولا شيء على المخاطب إلا إذا أراد به الاستفهام فإنه لا يكون يمينًا حينئذ. المالكية- قالوا: إذا حلف على رجل بأن قال له: حلفت عليك بالله لتفعلن كذا، أو لا تفعل كذا فلم يطعه حنث الحالف وعليه الكفارة، ولا شيء على الآخر: وكذلك إذا قال: أقسمت عليك فإنه إن لم يطعه وجبت الكفارة على من أقسم إلا إذا قصد بذلك غير اليمين، فإنه في هذه الحالة فيه خلاف، والمشهور أنه لا شيء عليه، وكذا إذا لم يقصد شيئًا. ولو قال: حلفت عليك ولم يقل بالله ولم ينوه فلا كفارة عليه. وكذا لو قال: أعزم عليك بالله، أو عزمت عليك بالله، أو سألتك بالله ولم يقصد به اليمين، فالأصح أنه لا يكون يمينًا. ويندب لمن سأله أحد بالله أو أقسم عليه به أن يبر قسمه، وأن يجيبه إلى طلبه إذا لم يكن هناك مانع شرعي ولم يتذرع السائل بذلك إلى الإلحاف ومضايقة الناس، ويتأكد الندب فيما تجب فيه الكفارة. الشافعية- قالوا: إذا قال لغيره: أقسم عليك بالله أو أسألك بالله لتفعلن كذا، فإنه يكون يمينًا إذا قصد به يمين نفسه، أما إذا قصد به يمين المخاطب، أو قصد الشفاعة عنده، أو لم يقصد شيئًا فإنه لا يكون يمينًا، فإذا حلف الشخص على آخر أنه يأكل فإذا أراد تحقيق الأكل وأنه لابد منه كان يمينًا، وإن أراد أتشفع عندك بالله أنك تأكل، أو أراد يمين المخاطب كأن قصد جعله حالفا بالله فلا يكون يمينًا، لأنه لم يحلف حينئذ لا هو ولا المخاطب، ويحمل عند الإطلاق على الشفاعة، ويسن للمخاطب إبراره في القسم إذا أراد

به يمين نفسه. الحنابلة- قالوا: إذا أقسم على غيره فإن قال: والله لتفعلن يا فلان كذا، أو لا تفعلن كذا فلم يطعه حنث الحالف وعليه الكفارة. لا على من لم يطعه على الراجح. وإن قال: أسألك بالله لتفعلن كذا، وأراد بذلك اليمين يكون يمينًا، والكفارة على الحالف أيضًا. أما إذا أراد به الشفاعة فإنه لا يكون يمينًا، ويسن إبرار القسم كما تسن إجابة السؤال بالله. اهـ.

الفقرة الثانية في: بعض ما ورد في القرآن الكريم في اليمين

الفقرة الثانية في: بعض ما ورد في القرآن الكريم في اليمين - قال تعالى: (ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس) (1) أي: لا تجعلوا أيمانكم حائلة بينكم وبين البر والتقوى والإصلاح بين الناس، وقد جاءت النصوص الكثيرة تحض من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها أن يكفر عن يمينه ويأتي بالذي هو خير. - وقال تعالى في اليمين الكاذبة: (ويحلفون على الكذب وهم يعلمون) (2). - وقال تعالى في اليمين اللغو واليمين المنعقدة: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان) (3). - وقال تعالى: (ولكن يؤاخذكم بما كست قلوبكم) (4). - وقال تعالى: (واحفظوا أيمانكم) (5). - وقال تعالى: (ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها) (6). - وقال تعال: (ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا) (7). أقول: وقد بينت السنة الحالات التي يجوز للإنسان أن يحنث فيها وهناك حالات يفترض على الإنسان فيها، أن يحنث، وهناك حالات يندب للإنسان أن يحنث فيها.

_ (1) البقرة: 224. (2) المجادلة: 14. (3) المائدة: 89. (4) البقرة: 225. (5) المائدة: 89. (6) النحل: 91. (7) النور: 22. (ولا يأتل): أي لا يحلف ولا يمتنع.

الفقرة الثالثة في: بعض ما ورد في الحلف بغير الله

الفقرة الثالثة في: بعض ما ورد في الحلف بغير الله 1561 - * روى النسائي عن قتيلة (امرأةٌ من جهينة) أن يهوديًا أنى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنكم تندون وتشركون، تقولون: ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا، أن يقولوا: "ورب الكعبة": ويقول أحدهم: "ما شاء الله، ثم شئت". قال ابن الأثير: (ما شاء الله وشئت) إنما فرق بين قوله: "ما شاء الله وشئت؛ وما شاء الله ثم شئت" لأن الواو قد ذهب قوم إلى أنها موضوعة للجمع والمشاركة، لا للترتيب، فإذا قال: "ما شاء الله وشئت" كان قد جمع بينه وبين الله عز وجل في المشيئة، ولهذا قال القائل بهذا: إذا قلت: (قام زيد وعمرو) يجوز أن يكون عمرو قد قام قبل زيدٍ، فأما إذا قال: "ما شاء الله ثم شئت" ترتبت مشيئة الله تعالى قبل مشيئته فلهذا قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: قولوا: "ما شاء ثم شئت". 1562 - * روى أحمد والترمذي عن سعد بن عبيدة أن ابن عمر سمع رجلا يقول: لا والكعبة، فقال له: لا تحلف بغير الله، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك". وقال الترمذي: هذا على التغليظ.

_ 1561 - النسائي (7/ 6) 35 - كتاب الأيمان والنذور، 9 - باب الحلف بالكعبة. وإسناده حسن. 1562 - أحمد (2/ 125). والترمذي (4/ 110) 21 - كتاب النذور والأيمان، 8 - باب ما جاء في كراهية الحلف بغير الله. وقال: هذا حديث حسن. وهو كما قال. والإحسان بترتيب ابن حبان (6/ 278). والمستدرك (4/ 279) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

أقول: قول الترمذي: "هذا على التغليظ" يفيد أن ابن عمر لا يريد الكفر الحقيقي، وإجماع العلماء منعقد على أن الحلف بالكعبة لا يعتبر يمينًا، والراجح عند العلماء أنه مكروه، وذهب بعضهم إلى أنه حرام. 1563 - * روى الطبراني عن عبد الله قال: لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلى من أن أحلف بغيره وأنا صادق. أقول: هذا من عبد الله رضي الله عنه: يؤكد حرمة الحلف بغير الله حتى إنه ليراه أفظع من اليمين الغموس. 1564 - * روى أبو داود عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يعني في قصة الأعرابي: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أفلح وأبيه إن صدق، أو دخل الجنة وأبيه إن صدق". قال ابن الأثير: (أفلح وأبيه) هذه كلمة جارية على ألسن العرب، تستعملها كثيرًا في خطابها وتريد التأكيد، وأما نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلف الرجل بأبيه، فيحتمل أن يكون هذا القول منه قبل النهي، ويحتمل أن يكون جرى منه على عادة الكلام الجاري على اللسان، وهو لا يقصد به القسم، كاليمين المعفو عنها من قبيل اللغو، أو أنه أراد التأكيد، لا اليمين، فإن هذه اللفظة تجري في كلام العرب على ضربين: للتعظيم، والتأكيد، والتعظيم: هو المنهي عنه، وأما التأكيد، فلا، لقوله: لعمر أبي الواشين لا عمر غيرهم ... لقد كلفتني خطة لا أريدها فهذا توكيد، لأنه لا يقصد أن يقسم بأبي الواشين، وهذا في كلامهم كثير. اهـ. أقول: من كلام ابن الأثير نعرف أن بعض العلماء اعتبر أن هذا الحديث منسوخ، وأن

_ 1563 - المعجم الكبير (9/ 205). مجمع الزوائد (4/ 177) وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. 1564 - أبو داود (3/ 223) كتاب الأيمان والنذور، باب في كراهية الحلف بالآباء.

بعضهم اعتبره أنه مما يجري على ألسنة الناس دون أن يراد فيه القسم ولا التعظيم، وبالإجماع لا كفارة فيه. وهو في أدنى حالاته مكروه بعد ورود النهي الصريح عن الحلف بالآباء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند بعضهم، وعند بعضهم مباح إذا لم يرافقه اعتقاد فاسد. 1565 - * روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال سمعت عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم". وزادوا فيها، قال: قال عمر: فو الله ما حلفت بها منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنها، ذاكرًا ولا آثرًا. وفي أخرى (1) أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع عمر يقول: وأبي، وأبي، فقال: "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفًا فلا يحلف إلا بالله، أو ليسكت". وفي أخرى (2) قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان حالفًا فلا يحلف إلا بالله". وكانت قريش تحلف بأبنائها، فقال: "لا تحلفوا بآبائكم". وللبخاري (3): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت". وله في أخرى (4) أنه قال: "لا تحلفوا بآبائكم" وكانت العرب تحلف بآبائها.

_ 1565 - البخاري (11/ 530) 83 - كتاب الأيمان والنذور، 4 - باب لا تحلفوا بآبائكم. مسلم (3/ 1266) 27 - كتاب الأيمان، 1 - باب النهي عن الحلف بغير الله تعالى. وأبو داود (3/ 222) كتاب الأيمان والنذور، باب الحلف بالآباء. والترمذي (4/ 109) 21 - كتاب النذور والأيمان، 8 - باب في كراهية الحلف بغير الله. وقال: حديث حسن صحيح. والنسائي: (7/ 4) 35 - كتاب الأيمان والنذور، 5 - باب الحلف بالآباء. قوله: (ولا آثرًا) أي: ولا راويًا لها عن أحد. (1) الترمذي (4/ 110) 21 - كتاب النذور والأيمان، 8 - باب ما جاء في كراهية الحلف بغير الله. وقال: حديث حسن صحيح. (2) مسلم (3/ 1267) 27 - كتاب الأيمان، 1 - باب النهي عن الحلف بغير الله. (3) البخاري (11/ 530) 83 - كتاب الأيمان والنذور، 4 - باب لا تحلفوا بآبائكم. (4) البخاري نفس الموضع. وليس فيه: "وكانت العرب تحلف بآبائها".

1566 - * روى ابن ماجة عن ابن عمر قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا يحلف بأبيه، فقال: "لا تحلفوا بآبائكم، من حلف بالله فليصدق، ومن أحلف له بالله فليرض، ومن لم يرض بالله فليس من الله". 1567 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم، ولا بالأنداد، ولا تحلفوا إلا بالله، ولا تحلفوا بالله عز وجل إلا وأنتم صادقون". 1568 - * روى مسلم عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحلفوا بالطواغي ولا بآبائكم". وفي رواية النسائي (1) "لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطواغيت". قال ابن الأثير: (الطواغي) والطواغيت: الأوثان، وهو ما كانوا يعبدونه، وكذلك الشياطين، وكل رأس في ضلالة فهو طاغوت، والجمع: طواغيت، والطواغيت: جمع طاغية. 1569 - * روى أحمد عن بريدة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف بالأمانة فليس منا". قال ابن الأثير: (من حلف بالأمانة فليس منا) قال الخطابي: يشبه أن تكون الكراهة فيها من أجل أنه أمر أن يحلف بالله وصفاته، وليست الأمانة من صفاته، وإنما هي من أوامره، وفرض

_ 1566 - ابن ماجه (1/ 679) 11 - كتاب الكفارات، 4 - باب من حلف له بالله فليرض. قال في الزوائد: رجال إسناده ثقات. 1567 - أبو داود (3/ 222) كتاب الأيمان والنذور، باب في كراهية الحلف بالآباء. والنسائي (7/ 5) 35 - كتاب الأيمان والنذور، 6 - باب الحلف بالأمهات. إسناده صحيح. 1568 - مسلم (3/ 1278) 27 - كتاب الأيمان، 3 - باب من حلف باللات أو العزى. (1) النسائي (7/ 7) 35 - كتاب الأيمان والنذور، 10 - باب الحلف بالطواغيت. 1569 - أحمد (5/ 352). أبو داود (3/ 323) كتاب الأيمان والنذور، باب في كراهية الحلف بالأمانة.

من فروضه، فنهوا عنه، لما في ذلك من التسوية بينها وبين أسماء الله وصفاته، على أن أبا حنيفة وأصحابه قالوا: إذا قال: وأمانة الله،. فهي يمين، وعليه الكفارة، وخالفهم الشافعي في الأمرين. أقول: ووافق الحنفية المالكية والحنابلة، ووافق الطحاوي من الحنفية الشافعية فلم يعتبره يمينًا، وعلى كل الأحوال فالوارد في النصوص: "الحلف بالأمانة" والمسألة المختلف فيها: "الحلف بأمانة الله". 1570 - * روى الطبراني في الأوسط عن ابن عمر، أن رجلا سمع رجلا يحلف بالأمانة فقال: ألست الذي تحلف بالأمانة. أقول: استفهام ابن عمر للإنكار. 1571 - * روى أبو داود عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حلف، فقال: إني بريء من الإسلام، فإن كان كاذبًا، فهو كما قال، وإن كان صادقًا، فلن يرجع إلى الإسلام سالمًا". أقول: إن الجرأة على مثل هذا اليمين حتى لو كان الإنسان صادقًا تعتبر مثلبة ونقصًا في دين الرجل. أما من حيث اعتباره يمينًا فقد قال الحنفية وفي رواية عن أحمد يكون يمينًا موجبة للكفارة إذا فعل الشيء المحلوف عليه. وقال المالكية والشافعية والحنابلة في الرواية الصحيحة عندهم: لا يكون يمينًا ولا كفارة عليه بالحنث فيه، والحلف به معصية إذا قصد تبعيد نفسه عن المحلوف عليه. أما لو حلف على قصد الرضا بالكفر فقد كفر في الحال، فإن لم يعرف قصده فقد رجح الشافعية عدم الحكم بكفره، هذا إذا أضاف قوله إلى المستقبل، أما إذا أضاف قوله إلى الماضي وكان قد واقع ما أراد البراءة منه فقد اختلف في

_ 1570 - مجمع الزوائد (4/ 178) وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات. 1571 - أبو داود (3/ 224) كتاب الأيمان والنذور، باب ما جاء في الحلف بالبراءة وبملة غير الإسلام. والنسائي (7/ 6) 35 - كتاب الأيمان والنذور- باب الحلف بالبراءة من الإسلام. وإسناده حسن. وابن ماجة (1/ 679) 11 - كتاب الكفارات، 3 - باب من حلف بملة غير الإسلام. والمستدرك: (4/ 298) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.

تكفيره ومن لم يكفره بنى عدم تكفيره على أنه لم يقصد الكفر وإنما قصد ترويح كلامه وتصديقه فيه. 1572 - * روى الترمذي عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حلف بملةٍ غير الإسلام كاذبًا فهو كما قال". قال ابن الأثير: (فهو كما قال) معنى هذا القول: هو أن يقول الإنسان في يمينه: إن كان كذا وكذا، فأنا كافر أو يهوديٌ أو نصرانيٌ، ونحو ذلك، ويكون كاذبًا في قوله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا قال ذلك وهو كاذب، فقد صار إلى ما قاله من الكفر وغيره، وهذا ينعقد به يمين عند أبي حنيفة، فإنه لا يوجب فيه إلا كفارة يمينٍ، وأما الشافعي: فلا ينعقد عنده بذلك يمين ولا كفارة فيه. قال البغوي في شرح السنة: إذا حلف الرجل بغير الإسلام، فقال إن فعل كذا، فهو يهودي، أو نصراني، أو بريء عن الإسلام، ففعل، ذهب جماعة من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم إلى أن عليه كفارة اليمين، وبه قال النخعي، وإليه ذهب الأوزاعي، والثوري، وأصحاب الرأي، وأحمد، وإسحاق، وذهب قوم إلى أنه أتى بأمر عظيم، ولا كفارة عليه، وهو قول أهل المدينة، وبه يقول مالك، والشافعي، وأبو عبيد ا. هـ. أقول: وعليه أن يجدد إيمانه بلفظ الشهادتين، وعليه أن يستغفر ويتوب، وعلى مذهب الحنفية عليه أن يجدد عقد زواجه إن حكم بكفره على رأي من يقول بأن من حلف على أمر

_ 1572 - الترمذي (4/ 115) 21 - كتاب النذور والأيمان، 15 - باب ما جاء في كراهية الحلف بغير ملة الإسلام. وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأبو داود (3/ 224) كتاب الأيمان والنذور، باب في الحلف بالبراءة وبملة غير الإسلام. والنسائي (7/ 19) 35 - كتاب الأيمان والنذور، 31 - النذر فيما لا يملك. وهو طرفٌ من حديث قد أخرجه البخاري والترمذي وأبو داود. وزاد النسائي في هذا الطرف زيادة أخرى، هي من جملة الحديث الطويل قال "ومن قتل نفسه بشيء عذبه الله به في نار جهنم".

ماضٍ بمثل هذه الأيمان وكان يعلم أن كلامه لا يوافق ما قاله. 1573 - * روى النسائي عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: كنا نذكر بعض الأمر، وأنا حديث عهد بالجاهلية، فحلفت باللات والعزى، فقال لي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: بئس ما قلت، ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فإنا لا نراك إلا قد كفرت، فلقيته فأخبرته، فقال: "قل: لا إله إلا الله وحده- ثلاث مراتٍ- وتعوذ بالله من الشيطان الرجيم- ثلاث مراتٍ- واتقل عن شمالك- ثلاث مراتٍ- ولا تعد له". وفي أخرى (1) قال: حلفت باللات والعزى، فقال لي أصحابي: بئسما قلت، قلت هجرًا، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فقال: "قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قديرٍ، وانفث عن يسارك- ثلاثًا- وتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم لا تعد". قال ابن الأثير: (فليقل: لا إله إلا الله) قال الخطابي، وفي قوله: "من حلف باللات والعزى، فليقل: لا إله إلا الله" دليل على أن الحالف بهما وبما كان في معناهما لا يلزمه كفارة اليمين، وإنما يلزمه الإنابة والاستغفار، وهو مذهب الشافعي. أقول: الحلف باللات والعزى وما شابه ذلك إن أراد به صاحبة التعظيم فقد كفر وعليه تجديد إيمانه كما يجب عليه تجديد عقد زواجه عند الحنفية. أما إذا جرت على لسانه من غير قصد فكذلك يجب عليه تجديد إيمانه والاستغفار وهذه حالة دون الحالة الأولى. 1574 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف منكم، فقال في حلفه: باللات والعزى، فليقل: لا إله إلا الله، ومن قال

_ 1573 - النسائي (7/ 7) 35 - كتاب الأيمان والنذور، 13 - باب الحلف باللات والعزى. (1) النسائي: الموضع السابق. 1574 - البخاري (11/ 91) 79 - كتاب الاستئذان، 52 - باب كل لهو لباطل إذا شغله عن طاعة الله. مسلم (2/ 1267) 27 - كتاب الأيمان، 2 - باب من حلف باللات والعزى؛ فليقل لا إله إلا الله.

لصاحبه: تعال أقامرك، فليتصدق" قال أبو داود: "يعني بشيء". وقال مسلمٌ: هذا الحرف- يعني قوله: "تعالى أقامرك فليتصدق" لا يرويه أحد غير الزهري، قال: وللزهري نحو من تسعين حرفًا يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشاركه فيه أحد، بأسانيد جيادٍ. (فليتصدق) قال الخطابي: فليتصدق بقدر ما كان جعله خطرًا في القمار. أقول: وهذا من باب: "وأتبع السيئة الحسنة تمحها". قال أبو بكر (ابن خزيمة): فلم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم الحالف باللات ولا القائل لصاحبه تعالى أقامرك، بإحداث وضوء فالخبر دال على أن الفحش في المنطق وما زجر المرء عن النطق به لا يوجب وضوءًا خلاف قول من زعم أن الكلام السيئ يوجب الوضوء. أقول: قال الحنفية: يندب الوضوء لمن قال قولا فيه إساءة، ودليلهم على ذلك الأحاديث الكثيرة التي تذكر أن الوضوء يغسل الخطايا. * * *

_ = وأبو داود (2/ 222) كتاب الأيمان والنذور، باب الحلف بالأنداد. والترمذي (4/ 117) 21 - كتاب النذور والأيمان، 17 - باب: حدثنا إسحاق بن منصور. وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي (7/ 7) 35 - كتاب الأيمان والنذور، 11 - باب باللات. وابن ماجة (1/ 678) 11 - كتاب الكفارات، 2 - باب النهي أن يحلف بغير الله.

الفقرة الرابعة في: اليمين الغموس

الفقرة الرابعة في: اليمين الغموس 1575 - * روى أبود داود عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحلف أحد عند منبري هذا على يمينٍ آثمةٍ، ولو على سواكٍ أخضر، إلا تبوأ مقعده من النار، أو وجبت له النار". وفي رواية الموطأ (2): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف على منبري بيمينٍ آثمةٍ تبوأ مقعده من النار". 1576 - * روى الطبراني عن سلمة بن الأكوع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال على المنبر: "لا يحلف أحد على يمين كاذبةٍ إلا تبوأ مقعده من النار". 1577 - * روى أحمد عن أبي هريرة قال أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبدٍ أو أمةٍ تحلف عند هذا المنبر على يمين آثمة ولو على سواكٍ رطبٍ إلا وجبت له النار". 1578 - * روى الطبراني عن عمران بن حصين قال: كنا نعد اليمين الغموس من الكبائر. أقول: مر معنا أن هناك خلافًا بين الفقهاء حول ما يكفر اليمين الغموس:

_ 1575 - أبو داود (3/ 221) كتاب الأيمان والنذور- 3، باب ما جاء في تعظيم اليمين عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم. والموطأ (2/ 727) 36 - كتاب الأقضية، 8 - باب ما جاء في الحنث على منبر النبي صلى الله عليه وسلم. وإسناده صحيح. 1576 - مجمع الزوائد (4/ 180) وقال: رواه الطبراني في الأوسط والكبير، ورجاله ثقات. 1577 - أحمد (2/ 229). مجمع الزوائد (4/ 179). وقال رواه أحمد ورجاله الثقات. 1578 - مجمع الزوائد (4/ 181) وقال: رواه الطبراني في الكبير، وفيه كثير أبو الفضل، روى عن جماعة، ولم يضعفه أحد، وبقية رجاله ثقات.

فالحنفية قالوا: ليس فيه كفارة يمين وعليه التوبة والاستغفار. والشافعية قالوا: عليه كفارة يمين والتوبة والاستغفار. والجميع متفقون على أنه لابد من رد الحقوق إلى أصحابها. وممن وافق الحنفية في أنه لا تجب فيه الكفارة المالكية وهو الراجح عند الحنابلة. * * *

الفقرة الخامسة في: أن الاستثناء في اليمين يلغي اليمين

الفقرة الخامسة في: أن الاستثناء في اليمين يلغي اليمين قال البغوي في شرح السنة: (والعمل على هذا عند عامة أهل العلم أن الاستثناء إذا كان موصولًا باليمين، فلا حنث عليه، ولا فرق بين اليمين بالله، أو بالطلاق والعتاق عند أكثر أهل العلم. وقال مالك، والأوزاعي: إذا حلف بطلاق أو عتق، فالاستثناء لا يغني عنه شيئًا، ويقع الطلاق والعتاق، وقال أصحاب مالك: الاستثناء إنما يعمل في يمين يدخلها الكفارة حتى قال مالك: إذا حلف بالمشي إلى بيت الله، واستثنى، فاستثناؤه ساقط، والحنث له لازم. واختلف أهل العلم في الاستثناء إذا كان منفصلًا عن اليمين، فذهب أكثرهم إلى أنه لا يعمل إلا أن يكون بين اليمين والاستثناء سكتة يسيرة كسكتة الرجل للتذكر، أو للعي، أو للتنفس، فإن طال الفصل، أو اشتغل بكلام آخر بينهما، ثم استثنى، فلا يصح. وذهب بعضهم إلى أن الاستثناء جائز مادام في المجلس، روي ذلك عن طاووس، والحسن، وقال قتادة: له أن يستثنى مالم يتكلم، أو يقم، وقال أحمد: له أن يستثنى ما دام في ذلك الأمر، وقال ابن عباس: له الاستثناء بعد حين، وقال مجاهد: بعد سنين، وقال سعيد بن جبير: بعد أربعة أشهر) اهـ. 1579 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف، فقال: إن شاء الله، لم يحنث". وعند النسائي (1): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف على يمينٍ، فقال: إن شاء الله، فقد استثنى".

_ 1579 - الترمذي (4/ 108) 21 - كتاب النذور والأيمان، 7 - باب ما جاء في الاستثناء في اليمين. (1) النسائي: (7/ 30) 35 - كتاب الأيمان والنذور، 43 - باب الاستثناء.

1580 - * روى النسائي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف على يمينٍ، فقال: إن شاء الله، فقد استثنى". وفي أخرى (1): "من حلف على يمينٍ فاستثنى، فإن شاء رجع، وإن شاء ترك غير حنثٍ". وفي رواية الترمذي (2): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف على يمينٍ، فقال: إن شاء الله، فلا حنث عليه" قال الترمذي: وقد روي موقوفًا. وفي رواية الموطأ (3) موقوفًا عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول: من قال والله ثم قال: إن شاء الله، ثم لم يفعل الذي حلف عليه، لم يحنث. 1581 - * روى الطبراني عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله لأغزون قريشًا". ثم قال: "إن شاء الله". ثم قال: "والله لأغزون قريشًا". ثم قال: "إن شاء الله". ثم قال: "والله لأغزون قريشًا" ثم قال: "إن شاء الله". 1582 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال سليمان عليه السلام: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة، كل امرأةٍ تأتي بفارسٍ يجاهد في سبيل الله، فقال له الملك قل: إن شاء الله، فلم يقل: إن شاء الله، فلم تحمل منهن إلا امرأةٌ واحدةٌ، جاءت بشق رجلٍ، فقال وايم الذي نفسي بيده، لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانًا أجمعون".

_ 1580 - النسائي (7/ 35) 35 - كتاب الأيمان والنذور، 39 - باب الاستثناء. (1) النسائي: نفس الموضع. (2) الترمذي (4/ 108) 21 - كتاب النذور والأيمان، 7 - باب ما جاء في الاستثناء في اليمين. وقال: هو حديث حسن يشهد له حديث أبي هريرة. (3) الموطأ (2/ 477) 33 - كتاب النذور والأيمان، 6 - باب ما لا تجب فيه الكفارة من اليمين. 1581 - مجمع الزوائد (4/ 182)، وقال: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح. ورواه أبو يعلى أيضًا. 1582 - البخاري (11/ 524) 83 - كتاب الأيمان والنذور، 3 - كيف كان يمين النبي صلى الله عليه وسلم؟. مسلم (3/ 1276) 27 - كتاب الأيمان، 5 - باب الاستثناء. (الشق): من كل شيء: نسفه.

وفي رواية (1) عن أبي هريرة قال: "قال سليمان بن داود: لأطوفن الليلة بمائة امرأةٍ، تلد كل امرأةٍ منهن غلامًا يقاتل في سبيل الله، فقال له الملك: قل: إن شاء الله، فلم يقل، ونسي، فطاف بهن، ولم تلد منهن إلا امرأة نصف إنسان"، قال النبي صلى الله عليه وسلم "لو قال: إن شاء الله لم يحنث، وكان أرجى لحاجته". وفي رواية نحوه (2)، وقال: "تسعين امرأة" قال: "ولو قال: إن شاء الله، لم يحنث، وكان دركا له في حاجته" قال: "وقال مرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو استثنى" وفي رواية (3): "سبعين امرأةٌ". وفي أخرى (4) قال: "كان لسليمان ستون امرأة، فقال: لأطوفن عليهن الليلة" وذكر نحوه، وفي آخره: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولو كان استثنى لولدت كل واحدة منهن غلامًا فارسًا يقاتل في سبيل الله". وللبخاري (5): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال سليمان ابن داود: لأطوفن الليلة على مائة امرأةٍ، وتسعةٍ وتسعين .... " وذكر نحوه، وفيه: "والذي نفس محمدٍ بيده، لو قال: إن شاء الله، لجاهدوا في سبيل الله فرسانًا أجمعون". وله في أخرى (6) نحوه، وقال: "على سبعين امرأة"، وفيه: "ولم تحمل شيئًا". أقول: لا تنافي بين الروايات في ذكر أعداد مختلفة، فبعضها عبر عن الكثرة، وبعضها ذكر أزواجه فيما يبدو دون سراريه، وبعضها ذكر طوافًا على أزواج وسرارٍ.

_ (1) البخاري (9/ 239) 67 - كتاب النكاح، 119 - باب قول الرجل لأطوفن الليلة على نسائي. (2) البخاري (11/ 600) 84 - كتاب كفارات الأيمان، 9 - باب الاستثناء في اليمين. (دركا): الدرك: اللحوق بالشيء. (3) البخاري (6/ 458) 6 - كتاب أحاديث الأنبياء، 40 - باب قول الله تعالى: (ووهبنا لداود سليمان ...). (4) مسلم (3/ 1275) 27 - كتاب الأيمان، 5 - باب الاستثناء. (5) البخاري (6/ 34) 56 - كتاب الجهاد، 23 - باب من طلب الولد للجهاد. (6) البخاري (6/ 458) 60 - كتاب أحاديث الأنبياء، 40 - باب قول الله تعالى: (ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب).

الفقرة السادسة في من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها

الفقرة السادسة في من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها قال البغوي في شرح السنة: قال الله سبحانه وتعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا} (1) الآية. قال الأزهري: {عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} أي: مانعًا لكم عن البر، والاعتراض: المنع، وكل شيء منعك عن أمر تريده فقد اعترض عليك، وتعرض لك، والأصل فيه: الطريق المسلوك يعترض فيه بناءً أو شيء يمنع السابلة من سلوكه، وقيل: العرضة: الاعتراض في الخير والشر يقول: لا تعترضوا باليمين في كل ساعة ألا تبروا ولا تتقوا. اهـ 1583 - * روى البخاري ومسلم عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الرحمن، لا تسأل الإمارة، فإنك إن أتتك عن مسألةٍ وكلت إليها، وإن أتتك عن غير مسألةٍ أعنت عليها، وإذا حلفت على يمينٍ فرأيت غيرها خيرًا منها، فائت الذي هو خيرٌ، وكفر عن يمينك". وفي رواية لأبي داود (2): لم يذكر حديث "الإمارة" وأول حديثه: "إذا حلفت".

_ (1) البقرة: 224. 1583 - البخاري (11/ 516) 83 - كتاب الأيمان والنذور، 1 - باب قول الله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم). مسلم (3/ 1373) 37 - كتاب الأيمان، 3 - باب ندب من حلف يمينًا، فرأى غيرها خيرًا منها، أن يأتي الذي هو خير، ويكفر عن يمينه. والترمذي (4/ 106) 21 - كتاب النذور والأيمان، 5 - باب ما جاء فيمن حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها. وقال: حديث حسن صحيح. والنسائي (8/ 225) 49 - كتاب آداب القضاة، 5 - باب النهي عن مسألة الإمارة. (2) أبو داود (3/ 229) كتاب الأيمان والنذور، باب الرجل يكفر قبل أن يحنث.

وله في أخرى (1): "فكفر عن يمينك، ثم ائت الذي هو خير". وللنسائي (2) أيضا قال: " إذا حلف أحدكم على يمين، فرأى غيرها خيرًا منها، فليكفر عن يمينه، ولينظر الذي هو خير فليأته". أقول: يدخل في هذا الشأن أمور متعددة: فأول ما يدخل فيه: الحلف على المعصية، فيحرم على الإنسان أن يفعلها وتجب في ذلك الكفارة، كما لا يصح للإنسان أن يبر إذا حلف على مكروه وعليه الكفارة، وإذا حلف على مباح فرأى المصلحة في غيرها فله أن يحنث وعليه الكفارة، وهناك حالات تحتاج الموازنة فيها بين الخيرية وغيرها إلى علم وفقه أو فتوى من أهل ذلك، وذلك في الأوضاع الاستثنائية، كأن يكون الإنسان بين ضررين أو شرين فالأخف في الضرر والأخف في الشر يعتبر خيرًا بالنسبة للحالف والأحاديث الواردة في موضع فعل الخير وترك ما دونه كثيرة كما سنرى في هذه الفقرة. ومن حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها هل يجوز له أن يكفر قبل الحنث؟ قال أبو حنيفة: لا يجوز تقديم الكفارة على الحنث مطلقًا، وأجاز تقديم الكفارة على الحنث الحنابلة والشافعية والمالكية، والأفضل عند المالكية والشافعية تأخير الكفارة إلى ما بعد الحنث مراعاة للخلاف. 1584 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف على يمينِ، فرأى غيرها خيرًا منها، فليكفر عن يمينه، وليفعل" زاد في رواية (3) "الذي هو خير".

_ (1) أبو داود: الموضع السابق. (2) النسائي (7/ 11) 35 - كتاب الأيمان والنذور، 16 - باب الكفارة بعد الحنث. 1584 - مسلم (3/ 1273) 27 - كتاب الأيمان، 3 - باب ندب من حلف يمينًا، فرأى غيرها خيرًا منها، أن يأتي الذي هو خير، ويكفر عن يمينه. (3) مسلم: الموضع نفسه.

وفي رواية (1) قال: أعتم رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رجع إلى أهله فوجد الصبية قد ناموا، فأته أهله بطعامه، فحلف لا يأكل من أجل صبيته، ثم بدا له فأكلن فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها، فليأتها، وليكفر عن يمينه". 1585 - * روى مسلم عن تميم بن طرفة الطائي رضي الله عنه، قال: جاء سائلٌ إلى عدي بن حاتم يسأله نفقةً- أو في ثمن خادمٍ، أو في بعض ثمن خادمٍ- فقال: ليس عندي ما أعطيك، إلا درعي ومغفري، فأكتب إلى أهلي أن يعطوكها، قال: فلم يرض، فغضب عدي، فقال: أما والله لا أعطيك شيئًا، ثم إن الرجل رضي، فقال: أما والله لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من حلف على يمينٍ، ثم رأى أتقى لله منها فليأت التقوى" ما حنثت في يميني. وفي أخرى (2) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا حلف أحدكم على اليمين، فرأى خيرًا منها، فليكفرها، وليأت الذي هو خيرٌ". وفي أخرى للنسائي (3): "فليأت الذي هو خيرٌ، وليترك يمينه". 1586 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نحن الآخرون السابقون" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن يلج أحدكم بيمينه في أهله

_ (1) مسلم: (3/ 1371) الموضع السابق. والموطأ (2/ 478)، 22 - كتاب النذور والأيمان، 7 - باب ما تجب فيه الكفارة من الأيمان. والترمذي (4/ 106) 21 - كتاب النذور والأيمان، 5 - باب ما جاء فيمن حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها، وقال: هذا حديث حسن صحيح. (أعتم) الإنسان: إذا دخل في العتمة، وهي ظلمة أول الليل. 1585 - مسلم (3/ 1372) 27 - كتاب الأيمان، 2 - باب ندب من حلف يمينًا، فرأى غيرها خيرًا منها، أن يأتي الذي هو خير، ويكفر عن يمينه. (المغفر): زرد يلبس على الرأس. (2) مسلم: الموضع نفسه. (3) النسائي (7/ 11) 35 - كتاب الأيمان والنذور، 16 - باب الكفارة بعد الحنث. 1586 - البخاري (11/ 517) 82 - كتاب الأيمان والنذور، 1 - باب قول الله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) ...

آثم له عند الله من أن يعطي كفارته التي افترض الله عليه". وللبخاري (1) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من استلج في أهله بيمين، فهو أعظم إثمًا ليبر، يعني الكفارة". قال ابن الأثير: (لج واستلج) في يمينه: إذا لج في الاستمرار عليها، وترك تكفيرها ورأى أنه صادق فيها، وقيل: هو أن يحلف ويرى أن غيرها خير منها، فيقيم على ترك الكفارة والرجوع إلى ما هو خير. (آثم): أكثر إثمًا، لأنه قد أمر أن يأتي الذي هو خير. أقول: اختلف العلماء في القائل (أعاهد الله) هل هو يمين أو لا، فعلى القول بأنها يمين فمن رأى غير ما عاهد عليه الله أبر أو عجز عن الوفاء فإن عليه الكفارة، وعلى القول: إنها ليست بيمين فإنه لا كفارة على صاحبها، وإذا عجز أو رأى غيرها خيرًا منها بالمعيار الشرعي فليأت الذي هو خير ولا كفارة عليه. قال البغوي في شرح السنة: ولو قال: علي عهد الله وميثاقه، فليس بيمين إلا أن يريد به اليمين، وكذلك لو قال: شهدت بالله، أو أشهد بالله، أو عزمت بالله، أو أعزم بالله، فلا يكون يمينا إلا أن يريده، ولو قال: أقسمت بالله، أو حلفت بالله، أو أقسم بالله، أو أحلف بالله، فإن أراد بالأول إخبارًا عن يمين في الماضي، أو أراد بالثاني وعد يمين في المستقبل، فليس بيمين، وإن أراد بها يمينًا في الوقت، فهو يمين، وإن أطلق، ففيه قولان، ولو قال: شهدت أو أشهد، أو عزمت، أو أعزم أو أقسمت، أو أقسم، ولم يقيده بذكر الله، فليس بيمين وإن

_ مسلم (2/ 585) 7 - كتاب الجمعة، 6 - باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة. (1) البخاري: الموضع السابق

نواه، وعند أبي حنيفة: كلها يمين أهـ 1587 - * روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ما كان أبو بكر يحنث قط في يمين، حتى نزلت كفارة اليمين، فلما نزلت حنث إذا رأى غيرها خيرا منها، وكفر. وفي رواية (1)، أن أبا بكر لم يكن يحنث في يمين قط، حتى أنزل الله عز وجل كفارة اليمين، فقال: لا أحلف على يمين فرأيت غيرها خيرًا منها، إلا أتيت الذي هو خير، وكفرت عن يميني. وفي أخرى (2)، إلا قبلت رخصة الله، وفعلت الذى هو خير. 1588 - * روى أبو داود عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها، إلا كفرت عن يميني، وأتيت الذي هو خير". أو قال: "إلا أتيت الذي هو خير، وكفرت عن يميني". وعند النسائي (3) قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما على الأرض يمين أحلف عليهما فأرى غيرها خيرًا منها، إلا أتيته". وله في أخرى (4) قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من الأشعريين نستحمله، فقال: "والله لا أحملكم، وما عندي ما أحملكم عليه"، ثم لبثنا ما شاء الله، فأتي يا بل فأمر بثلات ذود، فلما انطلقنا قال بعضنا لبعض: لا يبارك الله لنا، أتينا

_ 1587 - البخاري (11/ 516) 83 - كتاب الأيمان والنذور، 1 - باب قول الله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ}. (1) البخاري: الموضع السابق (2) البخاري (8/ 275) 65 - كتاب التفسير، 8 - باب {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ}. 1588 - أبو داود (3/ 329) كتاب الأيمان والنذور، باب الرجل يكفر قبل أن يحنث. (3) النسائي (7/ 9) 35 - كتاب الأيمان والنذور، 1 - باب قول الله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ}. (4) النسائي: الموضع السابق.

رسول الله صلى الله عليه وسلم نستحمله، فحلف لا يحملنا، قال أبو موسى: فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرنا ذلك له، فقال: "ما أنا حملتكم، بل الله حملكم، إني والله لا أحلف على يمين، فأرى غيرها خيرًا منها، إلا كفرت عن يميني، وأتيت الذي هو خير". وفي رواية البخاري ومسلم (1) نحو هذه التي للنسائي، وزاد فيها: "فأمر لنا بثلاث ذود عز الذرى" وفيها: "وإني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين، ثم أرى غيرها خيرًا منها، إلا كفرت عن يميني، وأتيت الذي هو خير". زاد في رواية (2): "وأتيت الذي هو خير، وكفرت عن يميني". قال ابن الأثير: (نستحمله) استحملت الإنسان: إذا طلبت منه شيئًا تركبه، أو تحمل عليه متاعك. (الذود) من الإبل: ما بين الثنتين إلى التسع، وقيل: ما بين الثلاث إلى التسع من الإناث خاصة، وقيل: ليس للإناث به اختصاص، إنما اللفظية مؤنثة. (الذرى): الأسنمة، وصفها أنها "غر" أي: أنها بيض حسان لسمنها. أقول: يلاحظ أن بعض الروايات تذكر التكفير ثم الحنث، وبعض الروايات تذكر الحنث ثم التكفير ومن هاهنا وجد من الفقهاء من يقول: إذا كفر ثم حنث تجب عليه إعادة الكفارة، ومنهم من يقول: تجزئ الكفارة ولو كانت قبل الحنث وقد مر معنا هذا من قبل ونزيد الأمر وضوحًا: قال البغوي في شرح السنة: اختلف أهل العلم في تقديم كفارة اليمين على الحنث، فذهب أكثر أهل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم إلى حوازه، كما ورد به الحديث، ويروى ذلك عن ابن عمر، وابن

_ (1) البخاري (11/ 517) 83 - كتاب الأيمان والنذور، 1 - باب قول الله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم). مسلم (3/ 1271) 27 - كتاب الأيمان، 3 - باب ندب من حلف يمينًا، فرأى غيرها خيرًا منه ... إلخ (2) البخاري: الموضع السابق.

عباس، وعائشة، وبه قال الحسن البصري، وابن سيرين، وإليه ذهب مالك، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، إلا أن الشافعي يقول: إن كفر بالصوم قبل الحنث، لا يجوز، إنما يجوز تقديم العتق أو الإطعام، او الكسوة، كما يجوز تقديم الزكاة على الحول. ولا يجوز تعجيل صوم رمضان قبل وقته. وذهب قوم إلى أنه لا يجوز تقديم الكفارة على الحنث، وهو قول أصحاب الرأي، وجوزوا تعجيل الزكاة، وجوز تعجيل الكفارة، وقال الثوري: إن كفر بعد الحنث أحب إلي، وإن كفر قبل الحنث، أجزأه. أهـ. 1589 - * روى النسائي عن الأحوص عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله أرأيت ابن عم لي، آتيه أسأله، فلا يعطيني ولا يصلني، ثم يحتاج إلى فيأتيني فيسألني، وقد حلفت أن لا أعطيه ولا أصله؟ فأمرني أن آتي الذي هو خير وأكفر عن يميني. * * *

_ 1589 - النسائي (7/ 11) 35 - كتاب الأيمان والنذور، 16 باب الكفارة بعد الحنث.

الفقرة السابعة في: متفرقات في الإيمان

الفقرة السابعة في: متفرقات في الإيمان اليمين على نية المستحلف: 1590 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اليمين على نيه المستحلف". وفي رواية قال (1): "يمينك على ما يصدقك به صاحبك" اليمين اللغو: 1591 - * روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها، قالت: أنزلت هذه الآية (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم). [المائدة: 89] في قول الرجل: لا والله، بلى والله". وفي رواية أبي داود (2) في اللغو في اليمين، قالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هو قول الرجل في بيته: كلا والله، وبلى والله". قال ابن الأثير: (اللغو) من الكلام: مالا ينعقد عليه القلب، هذا أصلة، وقيل: اللغو من الكلام: الباطل، وقيل: الكلام المختلط، والكل متقارب، وهو لفظ الحديث قد ذكر معناه، وقيل: هو أن يحلف الإنسان على شيء وهو يرى أنه صادق، ثم تبين له خلافه، وهو

_ 1590 - مسلم (3/ 1274) 37 - كتاب الأيمان، 4 - باب يمين الحالف على نية المستحلف. (1) مسلم الموضع السابق 1591 - البخاري (11/ 547) 83 - كتاب الأيمان والنذور، 14 - باب: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ..). والموطأ (2/ 477) 22 - كتاب النذور والأيمان، 5 - باب اللغو في اليمين. (2) أبو داود (3/ 223) كتاب الأيمان والنذور، باب لغة اليمين. ورواه أيضًا عنها موقوفا. وصحح الدارقطني الوقف على عائشة رضي الله عنها دون الرفع.

بعض ما حلف به رسول الله صلى الله عليه وسلم أو حلف

الخطأ وقيل: هو اليمين في المعصية، وقيل: في الغضب، وقيل: في الهزل والمرء، وقيل: في النسيان. إبرار المقسم: 1592 - * روى ابن ماجه عن البراء عازب قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإبرار المقسم. 1593 - * روى أحمد عن عائشة قالت أهدت امرأة إليها تمرا في طبق فأكلت بعضها وبقي بعض فقالت: أقسم عليك إلا أكلت بقيته فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أبريها، فإن الإثم على المحنث". 1594 - * روى الطبراني عن أبي حازم أن ابن عمر مر على رجل ومعه غنيمات له فقال: بكم تبيع غنمك هذه، بكذا وكذا؟. فحلف أن لا يبيعها. فانطلق ابن عمر فقضى حاجته فمر عليه فقال: يا أبا عبد الرحمن خذها بالذي أعيتني قال حلفت على يمين فلم أكن لأعين الشيطان عليك وأن أحنثك. أقول: هذا ورع من ابن عمر، وإلا فقد كان بإمكانه أن يشتريها منه، وأن يأمره بدفع الكفارة. بعض ما حلف به رسول الله صلى الله عليه وسلم أو حلف: 1595 - * روى البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنها، قال: أكثر ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحلف: "لا، ومقلب القلوب".

_ 1592 - ابن ماجه (1/ 683) 11 - كتاب الكفارات، 12 - باب إبراز القسم. وهو جزء من حديث أخرجه البخاري (11/ 541) كتاب الأيمان والنذور، 9 - باب قول الله تعالى (وأقسموا بالله جهد أيمانهم). 1593 - أحمد (6/ 114). مجمع الزوائد (4/ 182) وقال: ورجال أحمد رجال الصحيح. 1594 - مجمع الزوائد (4/ 183) وقال: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح. 1595 - البخاري (13/ 377) 97 - كتاب التوحيد، 11 - باب مقلب القلوب، وقول الله تعالى: (وتقلب أفئدتهم وأبصارهم).

هل للحلف مكان؟

وأرسله مالك (1) قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "لا، ومقلب القلوب". وعند الترمذي (2) وأبي داود (3): كثيرًا ما كان يحلف بهذه اليمين: "لا، ومقلب القلوب". وفي رواية النسائي (4) قال: كانت يمين يحلف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا، ومقلب القلوب" وفي أخرى (5) له: كانت يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم التي يحلف بها: "لا، ومصرف القلوب". 1596 - * روى أبو داود عن أبي سعيد الخدري رضي اله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اجتهد في اليمين قال: "والذي نفس أبي القاسم بيده". 1597 - * روى ابن ماجه عن أبي هريرة قال: كانت يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا واستغفر الله". هذا نموذج يعلمنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم التأكيد بصورة يمين دون أن يكون يمينا. هل للحلف مكان؟ 1598 - * روى مالك عن أبي غطفان بن طريف المري فال: اختصم زيد ابن ثابت

_ (1) الموطأ (4/ 480) 22 - كتاب النذور والأيمان، 9 - باب جامع الأيمان. (2) الترمذي (4/ 113) 21 - كتاب النذور والأيمان، 12 - باب ما جاء كيف كان يمين النبي صلى الله عليه وسلم. وقال حديث حسن صحيح. (3) أبو داود (3/ 225) كتاب الأيمان والنذور، باب ما جاء في يمين النبي صلى الله عليه وسلم ما كانت. (4) النسائي (7/ 2) 35 - كتاب الأيمان والنذور، 1 - باب أخبرنا أحمد بن سليمان .... (5) النسائي: الموضع السابق 1596 - أبو داود (3/ 226) كتاب الأيمان والنذور، باب ما جاء في يمين النبي صلى الله عليه وسلم ما كانت. وهو حديث حسن. 1597 - ابن ماجه (1/ 677) 11 - كتاب الكفارات، 1 - باب يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كان يحلف بها. وإسناده حسن. 1598 - الموطأ (2/ 728) 36 - كتاب الأقضية، 9 - باب جامع ما جاء في اليمين على المنبر. وإسناده صحيح.=

الترهيب من اقتطاع الحقوق بالإيمان وفي أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر

وابن مطيع إلى مروان وهو أمير المدينة في دار كانت بينهما، فقضى مروان على زيد بن ثابت على المنبر، فقال زيد: أحلف له مكاني هذا، فقال مروان: لا والله، إلا عند مقاطع الحقوق، فجعل زيد يحلف أن حقه لحق، وأبى أن يحلف على المنبر، فجعل مروان يعجب من ذلك. الترهيب من اقتطاع الحقوق بالإيمان وفي أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر: 1599 - * روى الطبراني عن الحارث بن البرصاء قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو يمشي بين جمرتين من الجمار وهو يقول: "من أخذ شيئا من مال امرئ مسلم بيمين فاجرة فليتبوا بيتًا في النار". 1600 - * روى الطبراني عن أبي السمعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أسرق السراق من يسرق لسان الأمير، وإن من اعظم الخطايا من اقتطع مال امرئ مسلم بغير حق، وإن من الحسنات عيادة المريض، وغن من تمام عيادته أن تضع يدك عليه وتسأله كيف هو، وإن من أفضل الشفاعات أن تشفع بين اثنين في نكاح حتى تجمع بينهما، وإن لبسة الأنبياء قبلي السراويل وإن مما يستجاب عنده الدعاء العطس". 1601 - * روى البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من حلف على امرئ مسلم بغير حقه لقي الله وهو عليه غضبان" قال عبد الله: ثم قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مصداقه من الكتاب الله عز وجل {إِنَّ الَّذِينَ

_ = وأخرج البخاري نحوه (5/ 384) 52 - كتاب الشهادات، 23 - باب يحلف المدعي عليه حيثما وجبت عليه اليمين. 1599 - المعجم الكبير (3/ 256). مجمع الزوائد (4/ 181) وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. 1600 - مجمع الزوائد (4/ 181) وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. وفي بعضهم كلام لا يضر. 1601 - البخاري (13/ 423) 97 - كتاب التوحيد، 24 - باب قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}.

يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا ...} إلى آخر الآية (1). زاد في رواية (2) بمعناه، قال: فدخل الأشعث بن قيس الكندي فقال: ما يحدثكم أبو عبد الرحمن؟ قلنا: كذا وكذا، قال: صدق أبو عبد الرحمن كان بيني وبين رجل خصومة في بئر، فاختصمنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شاهداك، أو يمينه"، قلت: إنه إذن يحلف ولا يبالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاخر، لقي الله وهو عليه غضبان" ونزلت الآية {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} إلى آخر الآية. 1602 - * روى أحمد عن عياض بن خالد قال: رأيت رجلين يختصمان عند معقل بن يسار. فقال معقل بن يسار قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حلف على يمين ليقتطع بها مال رجل لقي الله تبارك وتعالى وهو عليه غضبان". 1603 - * روى أبو داود عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حلف على يمين مصبورة كاذبًا، فليتبوا بوجهه مقعده من النار". قال ابن الأثير: (مصبورة) أصل الصبر: الحبس، وقتل فلان صبرًا، أي: حبسا على القتل، وقهرًا عليه، ويمين الصبر: هو أن يلزم الحاكم الخصم اليمين حتى يحلف ويقفه ويلزمه بها، وقوله: "يمين مصبورة" يعني: لازمة لصاحبها من جهة الحكم، وقيل لليمين: مصبورة- وإن كان

_ (1) آل عمران: 77 (2) البخاري (8/ 213) 65 - كتاب التفسير، 3 - باب {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا}. ومسلم (1/ 123) كتاب الإيمان، 61 - باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار وأبو داود (3/ 220) كتاب الأيمان والنذور، 2 - باب فيمن حلف ليقطع بها مالا لأحد. والترمذي (3/ 625) 13 - كتاب الأحكام، 13 - باب ما جاء في أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه. وقال: حديث حسن صحيح. الاقتطاع: أخذ الشيء والاستبداد به، كأنه قطع بعض من كل. 1602 - أحمد (1/ 426) مجمع الزوائد (4/ 179) وقال: ورجال أحمد ثقات. 1603 - أبو داود (3/ 220) كتاب الأيمان والنذور، 1 - باب التغليط في الأيمان الفاجرة. وإسناده صحيح.

صاحبها في الحقيقة: هو المصبور-؛ لأنه إنما صبر من أجلها، فأضيف الصبر إلى اليمين مجازا واتساعًا. (فليتبوأ) تبوأت المنزل: إذا اتخذته سكنا تنزل فيه وتسكنه. 1604 - * روى أحمد عن عدي بن عميرة قال: خاصم رجل من كندة يقال له امرؤ القيس بن عباس رجلا من حضرموت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى على الحضرمي بالبينة فلم يكن له بينة فقضى على امرؤ القيس باليمين. فقال الحضرمي: أمكنته من اليمين يا رسول الله ذهبت والله- أو ورب الكعبة- أرضي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من حلف على يمين كاذبة ليقتطع بها مال أحد لقي الله عز وجل وهو عليه غضبان". قال رجاء: وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} فقال امرؤ القيس: ماذا لمن تركها يا رسول الله؟ قال: "الجنة" قال: أني قد تركتها له كلها. 1605 - * روى مسلم عن وائل بن حجر رضي الله عنه، قال: جاء رجل من حضرموت، ورجل من كنده، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال الحضرمي: يا رسول الله، إن هذا قد غلبني على أرض كانت لأبي، فقال الكندي: هي أرضي في يدي، أزرعها، ليس له فيها حق، فقال البني صلى الله عليه وسلم للحضرمي: "ألك بينة؟ " قال: لا، قال: "فلك يمينه"، قال يا رسول الله، إن الرجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه، وليس يتورع عن شيء، فقال: "ليس لك من إلا ذلك"، فانطلق ليحلف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أدبر: "أما لئن حلف على ماله ليأكله ظلما: ليلقين الله وهو عنه معرض". وفي رواية (1) قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه رجلان يختصمان في أرض

_ 1604 - أحمد (4/ 191). والمعجم الكبير (17/ 108). مجمع الزوائد (4/ 178) وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجالهما ثقات. 1605 - مسلم (1/ 123) 1 - كتاب الإيمان، 61 - باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار. (1) مسلم: الموضع السابق.

فقال أحدهما: إن هذا انتزى على أرضي يا رسول الله في الجاهلية -وهو امرؤ القيس بن عابس الكندي، وخصمه: ربيعة بن عبدان- فقال: "بينتك"، فقال: ليس لي بينة، قال: "يمينه" قال: إذن يذهب بها، قال: "ليس لك إلا ذلك"، قال: فلما قام ليحلف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اقتطع أرضا ظالما، لقي الله وهو عليه غضبان", وفي رواية: ربيعة بن عيدان". 1606 - * روى مسلم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو يعطى الناس بدعاويهم ادعى قوم دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه". ولمسلم وللبخاري (1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين على المدعى عليه. وللبخاري (2) أن أمرأتين كانتا تخرزان في بيت، وفي الحجرة، فخرجت إحداهما، وقد أنقذ بإشفى في كفها، فادعت على الأخرى، فرفع ذلك إلى ابن عباس، فقال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو يعطى الناس بدعواهم، لذهب دماؤهم وأموالهم"، ذكروها بالله، واقرؤوا عليها: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ} (3) فذكروها فاعترفت، فقال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اليمين على المدعى عليه". عليه". 1607 - * روى مسلم عن إياس بن ثعلبة الحارثي -وهو أبو أمامة- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من اقتطع حق امري مسلم بيمين، حرم الله عليه الجنة، وأوجب له

_ = (انتزى على أرضي) أي: " وثب عليها وغلبني على أخذها، والتنزي والانتزاء: تسرع الإنسان إلى الشر، ووثوبه إلى ما ليس له الوثوب إليه. 1606 - مسلم (3/ 1336) 30 - كتاب الأقضية، 1 - باب اليمين على المدعى عليه. وابن ماجه (2/ 778) 13 - كتاب الأحكام، 7 - باب البينة على المدعى، واليمين على المدعي عليه. (1) مسلم: الموضع السابق. والبخاري (8/ 212) 65 - كتاب التفسير، 3 - سورة آل عمران، 3 - باب: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ ...}. (2) البخاري (8/ 213) الموضع السابق. (الإشفي): آلة الخرز للإسكاف. وتنون ولا تنون. (3) آل عمران: 77. 1607 - مسلم (1/ 122) 1 - كتاب الأيمان، 61 - باب وعيد من اقتطع حق مسلم بيمين فاجرة بالنار. والنسائي (8/ 246) 49 - كتاب آداب القضاة، 30 - القضاء في قليل المال وكثيره.

كفارة الأيمان المنعقدة

النار" قالوا: وإن كان شيئًا يسيرًا؟ قال: "وإن كان قضيبا من أراك". وفي رواية الموطأ (1): "وإن كان قضيبا من أراك، وإن كان قضيبا من أراك، وإن كان قضيبا من أراك". قالها ثلاث مرات. 1608 - * روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رأى عيسى رجلا يسرق، فقال له: أسرقت؟ قال: كلا والذي لا إله إلا هو، فقال عيسى: آمنت بالله، وكذبت عيني". كفارة الأيمان المنعقدة: 1609 - * روى مالك عن نافع مولى ابن عمر، أن عبد الله بن عمر كان يقول: من حلف بيمين فوكدها، ثم حنث، فعليه عتق رقبة، أو كسوة عشرة مساكين، ومن حلف بيمين فلم يؤكدها، ثم حنث، فعليه إطعام عشرة مساكين، لكل مسكين مد من حنطة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام. وفي رواية (2) أن ابن عمر كان يكفر عن يمينه بإطعام عشرة مساكين، لكل مسكين مد من حنطة، وكان يعتق المرار، إذا وكد اليمين. أقول: هذا التفريق بين اليمين المؤكدة وغيرها لابن عمر، وإلا فالفقهاء لا يفرقون، فمتى كانت اليمين منعقدة فكفارتها واحدة، وهي ما ذكره الله تعالى بقوله: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} (3).

_ (1) الموطأ (2/ 727) 36 - كتاب الأقضية، 8 - باب ما جاء في الحنث على منبر النبي صلى الله عليه وسلم 1608 - البخاري (6/ 478) 60 - كتاب أحاديث الأنبياء، 48 - باب قول الله [16: مريم] {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ}. مسلم (4/ 1838) 43 - كتاب الفضائل، 40 - فضائل عيسى عليه السلام. 1609 - الموطأ (2/ 479) 33 - كتاب النذور والأيمان، 8 - باب العمل في كفارة اليمين. وإسناده صحيح. (2) الموطأ: الموضع السابق. (المد): مكيال رطلين أو رطل وثلثأو ملء كفي الإنسان المعتدل. (المرار): الجواري الناعمة. (3) المائدة: 89.

المسائل والفوائد

المسائل والفوائد - الكفارة تجب في اليمين المنعقدة عند الحنفية والمالكية سواء كان الحانث عامدًا أو ساهيًا أو مخطئًا أو نائمًا أو مغمى عليه أو مجنونًا أو مكرهًا. - إذا حلف شخص أن يقضي حق غيره في وقت فقضاه قبله لم يحنث بيمينه عند الحنفية والحنابلة. - صفات الله تعالى التي ترد في باب القسم ثلاثة: أحدها: ما لا يستعمل في عرف الناس وعاداتهم إلا في وصف الله كقولهم وعزة الله وعظمته. والثاني: صفة تستعمل لله ولغيره كالقدرة والإرادة والمشيئة فهذه كالأولى يعتبر الحلف بها إذا أضيفت إلى الله يمينًا. الثالث: الحلف بصفة تستعمل لله تعالى ولغيره ولكن يمكن أن يراد بها أكثر من معنى، فمثلا علم الله قد يراد به الصفة وقد يراد له المعلوم فالأصل في مثل هذه الصفات أن الحلف بها يمين إلا أن ينوي الحالف بالعلم المعلوم وبالقدرة المقدور، هذا ما قاله الشافعية والحنابلة في هذا الموضوع والحنفية لا يفرقون بين هذا النوع من الحلف والذي قبله؛ لان العبرة عندهم للعرف فما دام المتعارف عليه أن يحلف بصفات الله فكل صفة له جل جلاله يعتبر الحلف بها يمينا مطلقًا. - إذا قال قائل وعهد الله فهو يمين عند الحنفية والمالكية والحنابلة وفي وجه ضعيف عند الشافعية والراجح عندهم أنها لا تعتبر يمينًا ما لم ينو الحالف بها اليمين. - إذا قال الحالف: ووجه الله فهو يمين. - لو حلف إنسان بالمصحف أو بالقرآن فإن المالكية والشافعية والحنابلة يعتبرونه يمينًا واختلف الحنفية في ذلك وقدماؤهم مجمعون على أن ذلك لا يعتبر يمينًا. ومع أن الشافعية والمالكية والحنابلة اعتبروه يمينًا فإنهم استثنوا من ذلك ما إذا أراد الحالف بهذا الحلف الخطبة

أو الصلاة أو ورق المصحف أو جلده أو نقوشه، وإنما اعتبروه يمينا، لان القرآن كلام الله فالحلف به كالحلف بصفة من صفات الله عز وجل. - ومن حلف بحق الله فأنه يمين عند المالكية والحنابلة والشافعية في الأصح ومن باب أولى أن يحلف بالحق، لأنه اسم من أسماء الله تعالى، وقد اختلف الحنفية في الحلف بحق الله فقال أبو حنيفة ومحمد في رواية عن أبي يوسف: لا يكون يمينًا. - ومن قال حالفًا: لعمر الله فغن الجمهور يعتبرها يمينًا موجبة الكفارة، وقال الشافعي: إن قصد اليمين فهي يمين وإلا فلا. * * *

خاتمة قسم العقائد مؤمنون لا فلاسفة

خاتمة قسم العقائد مؤمنون لا فلاسفة

خاتمة قسم العقائد مؤمنون لا فلاسفة لقد أعطى الإسلام للبحث العقلي وللنظر العلمي مداهما الصحيح، والمسلم إذ يدرس النصوص يبقى مطمئنًا أن النصوص لا تخالف عقلا، ولا علمًا، وهو إذ يدرس العلوم الإسلامية باستيعاب عقل ودقة فهم وتحقيق عليم لا يفوته أن يعرف أدبه مع النصوص فهو بعد إذ يطمئن إلى سلامة الفهم، وإلى مواطأة فهمه لفهوم الراسخين في العلم يعرف أن أدبه مع النص التلقي بالتسليم، والتفاعل القلبي والعملي مع النص بما يقتضيه المقام، فمعرفته أن الله سميع تقتضي منه أن يستشعر أن الله يسمعه، ومعرفته أن الله ليس كمثله شيء تقتضيه أن ينزه الله عز وجل عن كل ما يخطر بباله، ومعرفته أن الله عز وجل ينزل كل يوم في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا تقتضيه أن يكون له في ذلك الوقت تهجد ودعاء واستغفار، ومعرفته بالرسل تقتضي اقتداء، ومعرفته بالملائكة تقتضيه حياء، ومعرفته بالقرآن تقتضيه خشوعا وتأثرا وبكاء واتباعا، ومعرفته بالسنة تقتضي التزاما واهتداء، فهو يتلقى النصوص بعقل مسلم وقلب مخبت، ويعطي كل نص حكمه وحقه، فالمسلم ليس فيلسوفا يسبح في خيالات الأوهام، أو في متاهات الأحلام يتعبد لأصنام العقل، أو يبقى في دائرة الفكر، وإنما هو عقل وقلب وشعور وجسد، وهو في هذا كله يتفاعل مع النصوص تفاعل المؤمن لا تفاعل المتردد، وتفاعل المخبت المطيع الخاشع لا تفاعل العقل الجامد أو القلب القاسي. 'ن أعظم ما تعبد الله عز وجل به عباده، هو معرفته، وإنما يعرف جل جلاله حق المعرفة بما خلق وبما أنزل، والخلق نوعان: مشهود ومغيب، وقد أنزل الكتاب وجعل السنة من الوحي وهي شارحة للكتاب، وبذلك كله يعرف الله عز وجل حق المعرفة. وموقف المسلم العارف بالله من الكتاب والسنة الإيمان بالنصوص والتسليم لله في الحكم سواء في ذلك أحكامه في العقائد أو في العبادات أو في مناهج الحياة، وقد أخذت تصورًا في هذا القسم عن عقائد الإسلام وها إنك في القسم اللاحق تأخذ تصورًا عن عباداته الرئيسية،

وفي القسمين الأخيرين تأخذ تصورًا عن مناهج الحياة في الإسلام. فإلى القسم الثالث من أقسام (الأساس في السنة وفقهها) وهو في العبادات الرئيسية، وليعلم أنه بإقامة العبادات تكون للعقيدة حياتها وحيويتها، ومظهر الحياة والحيوية إقامة العبودية كاملة، وذلك بإقامة مناهج الحياة، وليعلم أن الذكر والفكر مفتاحان من مفاتيح الإسلام للعقل وللقلب، فليكثر المسلم منهما، وليقبل على الأخذ عن الراسخين في العلم، وبدع أهل الشذوذ والأهواء والجدل، فذلك من جملة ما يحفظه ثابت القدم، على الصراط المستقيم. والحمد لله رب العالمين. * * *

§1/1