الأساس في السنة وفقهها - العبادات في الإسلام

سعيد حوَّى

المقدمة

المقدمة هذا القسم هو القسم الثالث من كتاب الأساس في السنة، وهو في العبادات الرئيسية في الإسلام، وقد جاء بعد قسم العقائد، لأن العقيدة الصحيحة هي أساس العبادة الصحيحة، كما جاء قبل قسم الحياتيات والأخلاقيات والسلوكيات، لأن مناهج الحياة في الإسلام إنما يُستقام عليها عندما توجد عبادة وعقيدة، وكان القسم الأول في السيرة، لتتعرف أولاً على الرسول صلى الله عليه وسلم الذي جاءنا بالإسلام من عند الله عقيدة وعبادة وشريعة وشعيرة ومنهاج حياة. * * * لقد خلق الله الإنس والجن لعبادته: قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1). وأرسل الرسل للعبادة: قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (2). {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (3). وقال نوح عليه السلام: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} (4). * * * وأصل العبودية في اللغة: الخضوع والتذلل، قال الراغبفلا افى في المفردات: "العبودية إظهار التذلل، والعبادة أبلغ منها لأنها غاية التذلل ولا يستحقها إلا من له غاية الإفضال ولهذا قال تعالى: {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (5).

_ (1) الذاريات: 56. (2) الأنبياء: 25. (3) العنكبوت: 36. (4) نوح: 3. (5) الإسراء: 23.

فالعبادة تعني الطاعة والخضوع لغةً. والعبادة في الشريعة تأتي بمعنى عام وتأتي بمعنى خاص: أما هي بمعناها العام فتأتي: ويراد بها فعل الطاعات واجتناب المعاصي والإخلاص لله في ذلك، ويدخل في العبادة بهذا المعنى: فعل المباح إذا قصد به وجه الله تعالى فالنيات تجعل العادات عبادات، وبعضهم أطلق على العبادة بمعناها العام اصطلاح العبودية، فالعبودية أوسع في الاصطلاح من العبادة بمعناها الخاص، وعُرفت: بأنها أعمال العبد الإرادية الموافقة لما أمر الله به. فالعبادة بالمعنى العام تشمل جميع أعمال المرء الإرادية قلبية كانت أو سلوكية، فإذا وافقت ما أمر الله به فهي طاعة، وإن خالفته فهي معصية. قال ابن تيمية: "العبادة: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، فالصلاة والزكاة، والصيام، والحج، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف النهي عن المنكر، والجهاد للكفار والمنافقين، والإحسان للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل، والمملوك من الآدميين والبهائم، والدعاء والذكر والقراءة، وأمثال ذلك: من العبادة ... ". ثم يقول: "وكذلك حب الله ورسوله، وخشية الله والإنابة إليه، وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه، والشكر لنعمه، والرضا بقضائه، والتوكل عليه، والرجاء لرحمته، والخوف من عذابه، وأمثال ذلك هي من العبادة لله .. " أ. هـ. أما العبادة بمعناها الخاص: فتطلق على أعمال من الإسلام بعينها، كُلِّف العباد بالقيام بها لتكون تربية عملية على الخضوع الكامل فقد اتفق العلماء على اعتبار الصلاة وما يحيط بها، والزكوات، والصدقات، والأوقاف، والصوم، والاعتكاف، وصدقة الفطر، والحج، والعمرة، والأضاحي أنها من العبادات بمعناها الخاص، واتفقوا على أن الأذكار والدعوات وتلاوة القرآن وحفظه من العبادات بمعناها الخاص، وأن العلم والتعليم الشرعيين وما يستتبع

ذلك من أمر بمعروف ونهي عن منكر ونصيحة من العبادات بمعناها الخاص، وأن الجهاد في سبيل الله كذلك، فالعبادة بمعناها الخاص ذكرُ وشكرُ وإقامة شعائر، وهذا الذي ذكرناه كله فيه ذكر وشكر وإقامة شعائر، أو أنه يوصل إلى ذلك أو أنه لابد منه لإقامة ذلك كله، ثم إن ما ذكرناه كله فيه معنى التوجه المباشر لله تعالى في فعلٍ أمَرَ به وحضَّ عليه، ومن ههنا جعلنا هذه الموضوعات كلها في هذا القسم، وإنما أسميناه قسم العبادات الرئيسية في الإسلام، ملاحظين معنى العبادة في الاصطلاح العام التي تدخل فيها هذه الأشياء وزيادة. * * * 1 - * روى البخاري عن رسولنا عليه السلام قوله: طولكن أفضل الجهاد حج مبرور". فإذا كان الحج عبادة بيقين، فالجهد إذن عبادة بيقين، والذكر والتسبيح والدعاء والركوع والسجود ومعرفة الله، كل ذلك من عبادات الملائكة: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} (1)، {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} (2)، {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} (3)، (4)، {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} (5)، {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ} (6) عندما نتأمل هذه المعاني لا شك أن الأذكار والدعوات وتلاوة القرآن والعلم، كل ذلك من العبادات الرئيسية، وإنما نذكر هذا حتى لا يستغرب القارئ جمعنا موضوعات هذا القسم تحت عنوان العبادات الرئيسية. وقد قال الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (7) فالحكمة من تشريع الصلاة هي ذكر الله تعالى وارتبط بالصلاة لإقامة الذكر - أذكار بعينها وتلاوة قرآن وما يستتبع ذلك من

_ 1 - البخاري (3/ 381) 25 - كتاب الحج، 4 - باب فضل الحج المبرور. (1) الأنبياء: 20. (2) غافر: 7. (3) الصافات: 165. (4) الصافات: 166. (5) البقرة: 30. (6) آل عمران: (7) طه: 14.

فكر- ولذلك أتبعنا جزء الصلاة ببحث الأذكار والدعوات وببحث تلاوة القرآن لأنهما ألصق بالصلاة، وإنما جرت عادة المؤلفين في الفقه أن يذكروا الزكاة بعد الصلاة لأنهم يتحدثون في العادة عن الأحكام، وإنما انصب كلامنا في هذا القسم على العبادات الرئيسية، فكان الأليق - في اجتهادنا - أن يكون محل الأذكار وتلاوة القرآن عقب الصلاة مباشرة، لأن هذه المعاني تتكامل مع بعضها في تعميق معاني العقيدة، وتصفية القلب، وهي المنط الرئيسي للسير إلى الله وتحقيق العبودية له جل جلاله. ويكمل عمل الزكاة في الإسلام الصدقات، والأوقاف ولذلك جعلنا هذه المعاني في جزء واحد، ولأن بين الصوم والاعتكاف وصدقة الفطر ارتباطاً ما، فقد جعلناها في جزء واحد، ولأن بين الحج والعمرة والهدي والأضاحي صلات فقد جعلناها في جزء واحد، ولأن بين العلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صلات فقد جعلناها في جزء واحد. * * * ولقد ابتدأنا هذا القسم بذكر العلم والأمر بالمعروف والنهيّ عن المنكر وختمناه بذكر الجهاد للإشعار بان العبادة محاطة بهاتين الفريضتين، وأن استمرار العبادة في الأرض منوط بهاتين الفريضتين، وهما فريضتان أصبحتا محل غفلة من الكثيرين، وذلك من جملة الحِكَم التي دعتنا لجعل هذين الجزأين في هذا القسم. ملاحظات: إن القارئ يلحظ في هذا الكتاب أننا قد نعدّد الروايات ومعناها واحد وذلك للتوثيق من ناحية، ومن ناحية أخرى لأن من بعض أهدافنا من هذا الكتاب إبراز اهتمامات الصحابة رضوان الله عليهم وإبراز السياسات النبوية، فمن خلال كثرة الروايات ندرك أنَّ القضية التي كثرت الروايات فيها كانت محل اهتمام ومحلّ تركيز، فلينتبه المربّون لذلك. إن الأقسام الثلاثة الآتية: قسم العبادات، قسم الحياتيات والعاديات، وقسم الحكم وحقوق الإنسان، فيها أنواع من الأبحاث، أبحاث فقهية، وأبحاث لا تدخل عادة في أبواب الفقه، وإذا كنا نستهدف في هذا الكتاب عرض السنة وفقهها مع الاختصار في الفقهيات

فقد كان علينا أن نرجع إلى كتب الفقه الجامعه، ككتاب الفقه على المذاهب الأربعة، وكتاب بداية المجتهد، كما رجعنا إلى كتب الفقه المذهبية والكتب التي تشرح أحاديث الأحكام، كنبل الأوطار فاعتبرنا أمثال هذه الكتب مراجع لنا. وقد ظهر- ونحن نعمل في الكتاب - كتاب الفقه الإسلامي وأدلته للدكتور وهبة الزحيلي فاعتبرناه مرجعاً رئيسياً من مراجعنا. وقد تحرينا في كتابنا ألا نذكر إلا أمّهات المسائل في الاجتهادات الفقهية وما تمسّ الحاجة إليه إلى جانب العرض الإجمالي - مع التبرير لأئمة الاجتهاد فيما اختلفوا فيه- مراعين أن يفتح آفاق الإنسان وما يمكن أن يترخص به الإنسان في حالة الضرورة من آراء الأئمة معتمدين على الفكرة التي أكدناها كثيراً: إنه لابد لكل مسلم أن يتفقه على مذهب إمام ليعرف دقائق الأحكام ومن لم يفعل ذلك فإنه لني كون فقيهاً أبداً، إلا أفراداً عندهم من الفراغ وتوقد الذهن ما يستطيعون أن يصلوا إلى ما لا يصل إليه غيرهم. وبعد فهذا أوان الشروع في عرض أجزاء الكتاب.

تمهيد في: العبادات في الإسلام

تمهيد في: العِبَادات في الإسلام

تمهيد: في العبادات في الإسلام إن أصل معنى العبادة لغةً: - التذلل والخضوع والانقياد والطاعة. وشرعاً: الخضوع والانقياد الكامل لله مع الرضا، والتسليم واليقين والمحبة، والإخلاص لله تعالى. ولذلا قالوا العبادة تجمع أصلين: غاية الحب بغاية الذل، والخضوع فمن خضع وهو مبغض لا يكون عابداً ومن أحب ولم يخضع لا يكون عابداً وأضاف بعضهم عنصر الخوف لتكون العبادة على الكمال. فلابد من مجموع عناصر لتحقق العبادة التي قصد الشارع إليها: - القيام بالفعل والالتزام بما شرع الله. - الميل النفسي والحب لله. - استحضار الخوف والرجاء. - أن تكون العبادة إرادية مقصودة. ولا تُقبل العبادة إلا إذا كانت صحيحة صواباً وخالصة لله. أي أن تكون على الوجه المشروع، وأن تكون خالصة لله تعالى، فإذا كان العمل خالصاً ولم يكن صواباً لم يُقبل، وإذا كانت العبادة صواباً ولم تكن خالصة لا تُقبل، والخالص أن يكون لله، والصواب أن تكون مع السنة وكما شرع الله {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (1). وللنية الدور الفاصل في العبادة، فالعادة بالنية الصالحة؛ تصبح عبادة والعبادة بلا نية غير معتبرةُ فالنية تُعطي الفعل قيمته الحقيقية، وتفرق بين العبادة والعادة وعليها يتوقف

_ (1) الكهف: 110.

قبُول العمل عند الله عز وجل. يقول المناوي: شرعت النية تمييزاً للعبادة عن العادة ولتمييز مراتب العبادات بعضها عن بعض. أ. هـ. ويفترض في العبادة الحقّة أن تُحدث الأثَر الذي من أجله شرعها الله {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (1)، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (2). فلا يكفي أن تكون العبادة صوراً وحركات تؤدي على انه ينبغي أن ننبه إلى أنه لا يجوز لأحد أن يتذرع لترك العبادة أنها لم تحدث الأثر الذي نص عليه في الكتاب والسنة، بل عليه أن يؤديها، ويحاول أن يرتقي، حتى تحدث الأثر المطلوب وبعض الناس ينفرون من كلمة العبودية إذ يشعرون أنها تعني تقييد حرية الإنسان والحد من كرامته فنقول: إن العبادة هي الحرية الحقيقية إذ يتحرر الإنسان بالعبادة من شهواته وأهوائه ونزوات نفسه كما أن العبادة لله والانقياد له تعني أن تكون هناك حرية لكن حرية مسؤولة ضمن شرع الله والضوابط التي تكفل السعادة والحياة السليمة ثم إن الفطرة بطبعها تميل للخضوع للغير فمن لم يخضع لله خضع لهواه أو لصنم بشري أو شيطاني آخر. إن الضوابط الخُلُقية والقوانين الاجتماعية لاتنفي الحرية وإنما هي أشبه بعلامات لتنظيم المرور وتحقيق العدل في إفساح المجال للحرية أمام الناس بالتساوي، والعبادة تكريم وتشريف، لذا نجد أن الحكمة الأساسية التي ذكرها القرآن لخلق الناس كانت العبادة {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (3)، وغاية الرسل جميعاً كانت تحقيق العبودية لله تعالى. وعندما وصف الله رسوله وهو في أعلى مقاماته وصفه بالعبودية {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} (4)، ومدح الله عبادة المؤمنين بقوله: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} (5).

_ (1) العنكبوت: 45. (2) البقرة: 183. (3) الذاريات: 56. (4) الإسراء: 1. (5) الفرقان: 63.

وأشرنا إلى أن العبادة تأتي بمعنى عام ومعنى خاص وأنها بالمعنى الخاص تعني مجموع الشعائر والطاعات المحددة التي شرعت بقصد العبادة المحضة لإظهار الخضوع والتقرب إلى الله. وأنها بالمعنى العام كل ما يصدر عن المسلم من عمل أو قول بنية صالحة يبتغي بها وجه الله إذا وافقت شرعه. ولذا فإن التصور الإسلامي الشمولي للعبادة يجعل من سائر أنشطة المسلم الاعتقادية والفكرية والعقلية والنفسية والبدنية والمالية قربات وطاعات، ينال بها الأجر من الله إذا ابتغى بها مرضاة الله. والحقيقة فإن العبادة بمعناها الخاص غرضها تهيئة المسلم للعبادة الكبرى الشاملة التي تجعل من المسلم في كل حركة وسكتة عبداً خالصاً لله تعالى. ومن خلال المفهوم الشامل للعبادة تتحقق غاية الوجود الإنساني {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1). ويكون الإنسان دائم الصلة بربه والمراقبة له فيجعل من دنياه وسيلة لآخرته ويخرج الإنسان من دائرة الغفلة والانغماس في الملذات والشهوات. وتعدد أنواع العبادات يمنع الإنسان من السآمة والملل؛ فلا يستغرق في عبادة واحدة بل في أنواع كثيرة حتى في عمله الدنيوي إذا نوى به نية صالحة .. وشمول العبادة يصبغ حياة المسلم بالصبغة الربانية ويجعله مشدوداً لله تعالى. ومن هنا يتبين خطأ من يحصر العبادة في الصلاة والزكاة والحج والصوم. وننوّه إلى أن للعبادة بمعناها الخاص خصائص ومميزات في الإسلام، فمن خصائصها الإخلاص لله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (2). وكذلك فإن العبادة صلة مباشرة بني العبد وربه فلا واسطة ولا وسيلة: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي

_ (1) الذاريات: 56. (2) البينة: 5.

قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} (1). والعبادات بمعناها الخاص أمور توقيفية تؤدي كما وردت فعدد ركعات الفرض وأوقات الفروض محددٌ ونصاب الزكاة وشروطها محددة، ووقت الصيام محدد وأعمال الحج محددة وهكذا. لكن يجب أن نعلم أن من العبادات ما هو خير موضوع، للمسلم أن يتوسع فيه ما يشاء، فله أن يصلي من النوافل ما يشاء، وله أن يتصدق ما يشاء، ويصوم متى شاء، بعد الفريضة، مما لم يرد فيه نهي، والعبادات في الإسلام مبنية على اليسر ورفع الحرج. فهي يسيرة في مقاديرها وشروطها، وما شرع من رخص في الظروف الاستثنائية مظهر من مظاهر التيسير. وللعبادات في الإسلام آثار تشمل نواحي كثيرة في حياة المسلم، فهي تحمي العقيدة وتقويها وتقوي الجانب الروحي في الإنسان، وتجعله ثابتاً في معارك الحياة وذلك أن الصبر هو الوسيلة الأولى لمواجهة الحياة ولا شيء كالعبادة يعلمنا الصبر فالصوم صبر، وتحمل مشاق الحج صبر، ... كما أن العبادة تنمي شعور المراقبة لله تعالى وهي وسيلة شكر واعتراف بعميم فضله تعالى. كما أن العبادة تجعل من المسلم شخصية إنسانية متكاملة متوازنة عندما تحقق فيه الكمال البشري وتطهر ذاته وتنمي روح الإرادة فيه وتجعله يشعر بالعزة والاستعلاء والتميّز وتحمي الفرد والمجتمع من القلق والشقاء والأمراض النفسية وكيف يقلق من كان دائم الصلة بربه يلتجئ إليه يستمد العون منه يخضع له لا لغيره؟!. والعبادة طريق إلى الفضيلة والخلق وإصلاح النفس وتزكيتها. وهي ترسخ مبادئ الإسلام الهامة في حياة المسلم، كاحترام النظام، والوقت، وصيانة قيم الحياة، والمساواة والتعاون والتوحيد وإيجاد مجتمع متحاب غير متباغض ولا متنازع كما

_ (1) البقرة: 186.

أن للعبادات آثاراً طيبة على جسم الإنسان وصحته، ففي الغسل والوضوء والصوم الشيء الكثير. ولأهم من كل ما مضى، محو الذنوب، وتكفير السيئات، واستحقاق الثواب والفوز برضوان الله. هذه لمحة واضحة سريعة حول العبادة في الإسلام، أردنا أن يدخل القاريء قسم العبادات ولديه مفهوم واضح حول العبادة في الإسلام مما يضيء له الدرب ويساعده على العبادة على وجه أكمل (1).

_ (1) من مراجعنا في هذا التمهيد: كتاب نظام الإسلام - العبادة والعقوبة للدكتور محمد عقلة. ونظام الإسلام/ العبادة/ للأستاذ محمد المبارك، والعبادة في الإسلام للدكتور يوسف القرضاوي وروح الدين الإسلامي للشيخ عفيف طبارة.

الجزء الأول في العلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير والنصيحة

الجزء الأول في العلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير والنصيحة وفيه مقدمة وبابان: الباب الأول في العلم الباب الثاني في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي النصيحة والدعوة إلى الخير

المقدمة في: الجامع بين موضوعات هذا الجزء

المقدمة في: الجامع بين موضوعات هذا الجزء بين الأمر بالمعروف والدعوة إلى الخير والنصيحة علاقة جامعة، إنها كلها نصح وإرادة خير للآخرين، وكلها تعليم وزيادة، كما أنها اثر عن العلم ومن ههنا كان بينها وبين العلم ارتباط، والأثر المباشر للعلم هو التعليم، والتعليم أمر عملي بالخير ونهي عملي عن المنكر، ونصيحة علمية لخلق الله ولذلك كان بين هذه الموضوعات كلها علاقة. وقد جعلنا هذا الجزء في العبادات الرئيسية لأن العلم عبادة: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (1) والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير عبادة لأنها طريق الفلاح، وطرق الفلاح كلها عبادة، قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (2)، ولقد جعل الله التواصي بالحق والصبر ركناً من أركان الفلاح بقوله: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (3). 2 - *وفيما روى أحمد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "الدين النصيحة". فالنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الخير والعلم والتعليم كلها عبادات، بل هي من أرقى العبادات، ولذلك جمعناها في هذا الجزء وقدمناها في الذكر لأن العلم هو الطريق للمعرفة التي تسبق العمل، ولأن إشاعة الخير تعين السالكين على السير. * * *

_ (1) فاطر: 28. (2) آل عمران: 104. (3) العصر: من 1: 3. 2 - رواه أحمد (1/ 351) في المسند. قال في مجمع الزوائد: "مقتضى رواية أحمد الانقطاع بين عمرو وابن عباس". مسلم (1/ 74) 1 - كتاب الإيمان، 23 - باب: بيان أن الدين النصيحة. أبو داود (4/ 268) كتاب الأدب، باب النصيحة. النسائي (7/ 156) 39 - كتاب البيعة، 31 - النصيحة للإمام.

الباب الأول في العلم

الباب الأول في العلم وفيه مقدمة وفصول * المقدمة

المقدمة

المقدمة قال تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (1) دل ذلك على أن العلم ينبغي الاستزادة منه. وقال تعالى {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (2)، دل ذلك على فضل العلم وأهله، كما أن الآية حددت نوعاً من أنواع العلوم التي ينبغي الاستزادة منها وطلب الزيادة وهو العلم بالله وصفاته ووحيه وقال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (3). دل ذلك على فضل العلم وأهله كما دل على نوع العلم الذي تطلب الاستزادة منه وطلب الزيادة وهو العلم الذي تعقبه الخشية من الله تعالى وأول ذلك العلم بالكتاب والسنة، فهما العلم الذي جاءنا عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم ففسروا المراد بالعلم الذي يعقب خشيةً من الله وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} (4)، دل ذلك على أن أهل العلم هم الذين يفضلون الآخرة على الدنيا، ويقومون بواجب النصيحة للخلق. وقال تعالى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (5)، {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} (6). دل ذلك أن العالم هو الذي رأى أن القرآن هو الحق وأنه يهدي إلى صراط الله، وأنه هو الذي يرى بقلبه أن القرآن معجزات واضحات. وقال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (7) أي ويرفع الذين أوتوا العلم درجات على غيرهم، فدل ذلك على فضل العلم، وقال تعالى:

_ (1) طه: 114. (2) آل عمران: 18. (3) فاطر: 28. (4) القصص: 80. (5) سبأ: 6. (6) العنكبوت: 49. (7) المجادلة: 11.

{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (1). دل ذلك على أن طلب العلم وتعليم العلم جهاد. وقال تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} (2) أطلق الدراسة وقيد التعليم للإشعار بأن دراسة الرباني متعددة وأن محل تركيزه في التعليم ينبغي أن يكون على القرآن. * * * إن علوم الدنيا يشترك فيها البر والفاجر، وقد يزيد الرجل العادي في علوم الدنيا على أهل العلوم الربانية. 3 - * روى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنتم أعلم بأمر دنياكم"، فالعلم الذي يتمحض للدنيا من مثل معرفة قوانين الكون المادية، ومن مثل الخبرة بالصناعة والتجارة والزراعة والسياسة الدنيوية المحضة والحياة الاقتصادية المحضة يشترك فيه البر والفاجر وهو مطلوب من المسلمين كفروض كفائية وقد يتقن الكافر في هذه الشؤون ما لا يتقنه المسلم. وقد أثبت الله للكافرين في هذه الشؤون علماً فقال: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} (3) {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} (4). دل ذلك على أن العلم الذي حضَّ عليه الإسلام بشكل أولي هو العلم الشرعي ومع أن العلوم الدنيوية فروض كفائية لكن المسلم يأخذها غير غافل عن الآخرة، وغير مهمل للعلوم الشرعية.

_ (1) التوبة: 122. (2) آل عمران: 79. 3 - رواه مسلم في صحيحه، 43 - كتاب الفضائل (4/ 1836) 38 - باب وجوب امتثال ما قاله شرعاً، دون ما ذكره من معايش الدنيا. (3) الروم: 7. (4) النجم: 29: 30.

نقول هذا ليُعلم أن الإسلام فيه حضٌّ على العلوم الدنيوية المرتبطة بالآخرة، ولكن عامة نصوصه تحضُّ على العلوم الشرعية لأنها هي الجانب الذي هو محل الغفلة من الناس وهي الجانب الذي هو محل التكليف العيني في حق كل إنسان، ومع أن بعض العلوم الشرعية من باب فروض الكفايات ولكن هذه الفروض تختلف عن غيرها من فروض الكفايات الدنيوية بأنها لابد منها لإقامة الدين وإيصال فروض العين لكل مسلم. * * * قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (1). إنه لا يقوم الإنسان بحمل الأمانة التي تَحمّلها وحُمِّلها، وهي القيام بالتكليف الإلهي إلا بالخروج من الجهل والظلم، وذلك لا يكون إلا بالعلم والعدل، وإنما بُعث الرسل عليهم الصلاة والسلام ليعلموا الإنسان وليزكوه فيتحقق بالعلم وبالعدل. {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} (2). {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} (3). فكما أنه بالميزان يقوم الناس بالقسط، فكذلك يقوم بالقرآن القسط، وهكذا فالطريق للعدل هو العلم، وبذلك يخرج الإنسان من الظلم والجهل، والعلم الذي يخرج به الإنسان من الظلم والجهل هو العلم الذي بُعث به الأنبياء ويتمثل في الرسالة الخاتمة: بالكتاب والسنة وما ينبثق عنهما وما يخدمهما ويدخل في ذلك علوم اللغة العربية وأصول الفقه وعلوم القرآن وعلوم السنة والفقه والعقائد والأخلاق.

_ (1) الأحزاب: 72. (2) البقرة: 151. (3) الحديد: 25.

والعلم في الإسلام على ستة أحوال: فريضة وواجب وسنة ومندوب ومكروه وحرام. والفريضة نوعان عينية وكفائية، ومن الفروض العينية معرفة الإسلام إجمالاً ومعرفة ما يجب على الإنسان تطبيقه منه تفصيلاً وما يستلزم ذلكن ومن الفروض الكفائية كل العلوم التي تحتاجها إقامة الدين والدنيا، والواجب من العلوم هو ما كان دون الفريضة وفوق السنة، كحفظ شيء من القرآن زائد على ما هو فرض، والمسنون من العلوم هو علم الكتاب والسنة حفظاً وفهماً، والمندوب هو التبحر في كل علم مفروض كفاية أو عيناً، والمكروه من العلوم ما أدى إلى مكروه، ويدخل في ذلك كل ما يعتبر من اللغو الذي لا فائدة منه، والحرام من العلوم هو ما كان حراماً بعينه، كالسحر أو ما أدى إلى حرام. والعَالِم الكامل هو من وَرِثَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم العلم والعمل والحال والصفة والهيئة وقام بتعليم الكتاب والسنة وتزكية الأنفس. والعلم الشرعي الأخروي هو علم الكتاب، وعلم السنة التي هي شارحة الكتاب، فالله عز وجل وصف كتابه بقوله: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} (1) فهناك من أرجع الضمير في (إنه) على القرآن، فالقرآن هو علم الساعة، ومن ههنا كان علم الكتاب والسنة هو العلم الشرعي المطلوب وكذلك كل ما انبثق عنهما مما يحقق مقاصدهما ثم أحاط بذلك مما يخدمهما أو يفصّل في شيء عن مقاصدهما فهذا أشرف العلم عند أهل الآخرة، وأهله أفضل الناس وأشرفهم بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. 4 - * روى أحمد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وإن العلماء ورثة الأنبياء ... ". ولقد انعكس الأمر حتى عند بعض المتدينين لانتكاس القلوب والعياذ بالله.

_ (1) الزخرف: 61. 4 - أحمد في المسند (5/ 196). الترمذي (5/ 49) 42 - كتاب العلم، 19 - باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، وهو حديث حسن.

والعلم مطلقاً هو معرفة كل شيء، فهو المقدمة لإقامة الدين أو لإعمار الدنيا وسياستها، وقد مر معنا أن في الإسلام علوماً مفروضة فرض عين على كل مسلم، وهي العلوم التي يطالب بها المسلم للقيام بحق التكليف الرباني عليه، وتختلف من شخص لشخص على حسب الطاقة والمسؤولية. والظروف التي يواجهها، وهناك علوم مفروضة فرض كفاية وهي كل علم اختصاصي مفيد تحتاجه إقامة الدين أو إعمار الدنيا على ضوء الدين، وهذا النوع من العلوم المفروضة فرض كفايةن تُطالب بها الأمة بمجموعها، بمعنى أن على الأمة أن تخرج من أبنائها مَنْ يغطون احتياجاتها في كل علم من العلوم المفروضة فرض كفاية وما أكثر ذلك، وإذا تعين مسلم للقيام بفرض من فروض الكفاية فقد أصبح هذا الفرض في حقه فرض عين فهو آثم إن لم يتعلمه، وأي علم فرطت فيه الأمة فإن الأمة بمجموعها تكون آثمة بسبب ذلك، ويسقط الإثم عمن يبذل استطاعته، ويتأكد الإثم في حق الذي يستطيع ولا يفعل أو لا يبذل جهداً في ذلك، ولعل أهم ما يجب أن ينصب عليه التخطيط للأمة الإسلامية هو أن نُحْصي فروض الكفاية في حق كل بلد وقرية، وفي حق كل قطر أو مجموعة أقطار وفي حق العالم الإسلامي، وفي حق الأمة الإسلامية جميعاً والمسلمين حيث كانوا، ويسار في سياسة تعليمهم لإقامة فروض العين وفروض الكفاية، نقول هذا للتأكيد على أن الإسلام قد حضَّ على العلوم الدينية والعلوم الدنيوية وطالب أهل ذلك أن يخلصوا في كل العلوم لله عز وجل، وعندئذ تصبح العلوم كلها أخروية. * * * ولكن من طبيعة العلوم الدنيوية أن ترى الناس مندفعين إليها وعاكفين عليها. ثم إن العلوم الدنيوية ذات نفع محسوس وبالتالي فنها تغري وتخدع وتغر، ومن ثم انصبت النصوص على الحضِّ على العلوم الدينية حتى لا يظن الظان أن العلوم الدنيوية هي الأفضل، بل العلوم الدينية هي الأفضل، لأنه إذا قام الدين قامت الدنيا، وإذا لم يقم فلا دين ولا دنيا، فالدين الصحيح هو الذي تقوم به الدنيا قياماً سليماً لأنه هو الذي يحدد الفرائض وهو الذي يعلّم الناس أن يضعوا الأمور في مواضعها ويعرِّف الناس على صيغ العدل الكاملة وبدون ذلك لا تقوم دنيا.

- الشريعة الإسلامية هي التي تعلّ العدل الاجتماعي ولذلك فرضت الزكاة، وهي التي تقيم العدل القضائي ولذلك فرض القصاص، وهي التي تعاقب على أي اعتداء على المجتمع ولذلك شرعت الحدود. والشريعة هي التي تقيم العدل في العلاقات الاقتصادية المتوازنة، ولذلك أجازت البيع وحرمت الربا، وهي التي تقيم العدل على مستوى الأسرة والمجتمع والحكم، وهي التي تقيم العدل في باطن الإنسان وظاهره، ومن تأمل الشريعة عرف أنها كلها عدل وأنه لا مطمع بإقامة عدل كامل إلا بها، والعدل مطلب يتطلع إليه كل سويّ. والشريعة الإسلامية هي التي تحدد الفرائض المطلوبة من كل فرد على حدة، ومن الأمة بمجموعها ومن الإنسان والناس، والفرائض كثيرة منها الفرائض نحو الله ومنها الفرائض نحو الناس، ومنها فروض العين وفروض الكفاية، ومنها فروض يطالب بها ظاهر الإنسان ومنها فروض يطالب بها باطنه، وكل ذلك مرتبط بعضه ببعض. والشريعة الإسلامية هي التي تعرّفك كيف تضع الأمور مواضعها فيتحقق الفرد بصفة الحكمة ويتحقق المجموع بهذ الصفة، فهي التي تعرّفك كيف تتعامل مع الآباء، وهي التي تعرّفك كيف تضع الأمور في مواضعها في قضايا الحكم والسياسة وقضايا العلاقات الاجتماعية والاقتصادية، وعلاقة الناس ببعضهم، ثم هي التي تعرّف قلبك كيف يكون على مقتضى الحكمة، وأخلاقك كيف ينبغي أن تكون، لذلك قلنا إنه إذا لم يقم الدين الحق فإن الدنيا نفسها تكون في حالة شقاء ومصداق ذلك في كتاب الله: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (1) ولذلك ولغيره كانت العلوم الدينية أشرف من العلوم الدنيوية، لأنه بها يقوم الدين والدنيا وهذا من حكمة الحضّ على التفقه في دين الله. * * * إن الدنيا بالنسبة للآخرة لا تساوي شيئاً، وإذا كانت الدنيا بالنسبة للآخرة هذا شأنها

_ (1) طه: 123، 124.

فالعلوم التي لا توصل الإنسان إلى النجاة في الآخرة لا تساوي شيئاً، ومن ههنا انصب التذكير والحض على تعلم العلوم الدينية، سواء كانت مفروضة فرض عين أو فرض كفاية، هذا مع أنه قد رأينا أن كل ما تحتاجه إقامة الدنيا على ضوء الشريعة هو من فرائض الكفاية التي تصبح في حق بعض الأشخاص فريضة عينية، لكنها مع ذلك تأتي في الدرجة الثانية. * * * وقولنا إن العلوم الدنيوية تأتي في الدرجة الثانية إنما هو في الشرف والفضل عند الله وعند أهل الإيمان، وليست بالضرورة في الأجر، فقد يؤجر الإنسان على إقامة فرض كفاية دنيوي أكثر بكثير من أجره على فرض كفاية ديني. فمثلاً من فروض الكفاية الدينية تعلّم علم القراءات ومن فروض الكفاية في عصرنا تعلّم علوم الذرة ولو قدر أن بعض المسلمين توجهوا بإخلاص نحو هذه العلوم الكفائية الدنيوية وفتح الله عليهم بها، وترتب على ذلك أن وُجِدَ وضعٌ جديد قَويَ به الإسلامُ والمسلمون مع ضرورة كل من العلمين علم القراءات وعلم الذرة، ترى أن القائمين بفرض الكفاية هذين أكثر أجراً؟ ربما كا الثاني أعظم أجراً. إنه لا يبعد أن يكون القائم ببعض فروض الكفاية الدنيوية أكثر أجراً من القائم بفرض من فروض الكفاية في العلوم الدينية إذا صحت النيات، ولكن على العموم فعلوم الشريعة أشرف وأفضل وأكثر أجراً، وكلما كان العلم أقرب إلى اللب كان أفضل، ويتناقض كلما ابتعدنا عن الغايات إلى الوسائل مع أن الجميع فرض كفاية. فالاختصاص والتبحر في علم الكتاب والسنة والفقه وأصوله أفضل من الاختصاص في علوم اللغة، مع أن علوم اللغة لابد منها لفهم الكتاب والسنة وإدراك كيفية استنباط الأحكام. * * * وعلى كل الأحوال سواء كان العلم فرض عين أو فرض كفاية وسواء كانت فروض الكفاية دينية أو دنيوية، فإذا صحت النية فإنَّ العلم من أفضل العبادات، لأنه في العلوم

الدينية شرط الوجود للعبادة والعبودية، كما أنه شرط صحة القبول، وهو في أمور الدنيا شرط الإتقان والإحكام والتطوير الصالح. * * * وإذا كانت إقامة الدين والدنيا من باب فروض الكفايات، فإنَّ التبحر في هذه العلوم مندوب إليه، كما نص على ذلك ابن عابدين - من فقهاء الحنفية - في حاشيته، وتأمل كيف أنه لو أحكمنا هذه الفكرة، فكرة إيجاد المختصين المتبحرين في كل علم ديني أو دنيوي كيف يكون حال المسلمين؟ ثم كيف يكون حال هذا العالم؟ * * * وكما أن هناك فروضاً عينية وكفائية علمية، فهناك فروض كفائية علمية عملية، فالعلم يسبق العمل، وقد كنا حاولنا أن نبرز هذا المعنى وأن ندلل عليه في رسالة تحت عنوان: (فلنتذكر في عصرنا ثلاثاً) وكان مما ذكرناه في هذه الرسالة ما يلي: من أهم الأفكار الموجهة للمسلم في حياته وللأمة الإسلامية في سيرها فكرة فروض العين وفروض الكفاية، فمن خلال استقراء لنصوص الشريعة، ومعانيها ومبانيها وروحها، وصل العلماء إلى أن الفروض قسمان: فروض عينية ويطالب بها كل مسلم، وفروض كفائية يطالب بها المسلمون .. وكلا النوعين من الفروض ينقسم إلى قسمين: إلى فروض عملية، وفروض علمية: فالصلاة مثلاً، لها جانب نظري علمي هو من باب فروض العين، وكذلك الجانب التطبيقي منها وهو من فروض العين وإتقان علم الطب فريضة كفائية وأن يقوم الطبيب المختص بالخدمة فرض كفائي آخر. إن فهم فكرة فروض العين وفروض الكفاية من أهم ما يطالب به الفرد وتطالب به الأمة، لأنه بمقدار ما يستوعب المسلم ما هو مفروض عليه فرض عين، وبمقدار ما يستوعب فروض الكفاية التي تطالب بها الأمة ويعمل لإقامتها، وبمقدار ما تستوعب الأمة فروض

الكفايات وتعمل من أجل تحقيقها يقوم الإسلام قياماً كاملاً، وأي قصور في إقامة فروض العين وفروض الكفاية من الناحية النظرية أو العملية يترتب عليه ضرر للأمة وللأفراد. إن بعض فروض العين له طابع الاستمرار والديمومة وقد تطرأ على أصل الحكم طوارئ بسبب العوارض، وبعض فروض العين يستجد بسبب من بعض المستجدات أو بسبب من بعض الظروف، وقل مثل ذلك في فروض الكفايات، فكثير من فروض الكفايات تطالب بها الأمة بسبب من مستجدات تحدث. فمثلاً عندما تكون الفطرة سليمة والقلب صالحاً فإن ما يطالب به المسلم في باب تزكية النفس كفريضة عينية أقل مما يطالب به مسلم وجد في بيئة مريضة فوجدت بسبب ذلك أمراض نفسية عنده، مثل هذا فريضة العين في حقه نظرياً وعملياً تختلف عن الإنسان الأول، وفروض الكفاية في بيئة بدوية تختلف عن فروض الكفاية في بيئة مدنية، وفروض الكفاية في عصر الطيران والذرة والكهرباء تختلف عن عصر آخر .. ومن ههنا فإن فهم فروض العين وفروض الكفاية في كل عصر وبيئة مهم لأهل كل عصر وبيئة. ولنبدأ الموضوع من أوله: لحظ العلماء أن هناك نصوصاً تتحدث عن فرائض يطالب بها الفرد من مثل: 5 - * ما رواه ابن ماجه عن النبي صلى الله عليه وسلم "طلب العلم فريضة على كل مسلم"، ومن مثله قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} (1) فقد أكدت المطالبة الفردية بذلك في قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (2) بينما هناك فرائض لا يمكن أن ينفذها كل فرد فهي مطلب تطالب به الجماعة ككل من مثل قوله تعالى: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا} (3) فقد ذكر في هذه السورة بعض الحدود، وبالضرورة العقلية فإنه لا يطالب

_ 5 - ابن ماجه (1/ 81) المقدمة 17 - باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، قال في الزوائد: إسناده ضعيف وقال السيوطي سئل النووي عن هذا الحديث، فقال: إنه ضعيف، أي سنداً. وإن كان صحيحاً، أي معنى. وقال المزي: هذا الحديث روى من طرق تبلغ رتبة الحسن، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب". (1) البقرة: 183. (2) البقرة: 185. (3) النور: 1.

كل فرد بإقامة حد الزنى على كل من زنى، وأمثال ذلك في الشريعة كثير من مثل قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} (1) ومن مثل قوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (2) ومن مثل قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} (3). ومن مثل ما ذكرناه استنبط العلماء أن هناك فروضاً عينية يطالب بها كل مكلف وهناك فروض كفائية تُطالب بها الأمة. * * * إن إحصاء فروض الكفاية ومعرفة فروض العين من أهم الأمور في حق الفرد أو في حق الأمة، بل يجب أن يكون ذلك هو البداية ولذلك فنه من المهم بالنسبة للدعاة والعاملين للإسلام بل وللعاملين في حقل تطوير الأمة أن يحصوا هذه الأمور وأن يعمموها وأن يعملوا على تحقيقها في أرض الواقع، هذا مع ملاحظة أنه لا يستطيع فرد في الغالب أن يحيط بفروض الكفاية فلابد من تضافر جهود كثيرة ليصار إلى الإحصاء والتحديد .. وأنا سأحاول في هذه الكلمة القصيرة أن أضع اليد على نقاط علام. * * * هناك عدد من القواعد نستطيع أن نستهدي بها في موضوع فروض الكفايات: أولاً: إن كل ما تحتاجه إقامة الدين والدنيا هو من فروض الكفايات. ثانياً: كل ما تحتاجه عملية أداء الحقوق إلى أصحابها هو من فروض الكفايات. ثالثاً: كل ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ومن ذلك فروض الكفاية فالوسائل الموصلة إلى كل فرض منها تدخل في الفروض الكفائية، فإذا اعتبرنا هذه القواعد الثلاث

_ (1) البقرة: 178. (2) البقرة: 234. (3) البقرة: 216.

- وهي من البدهيات عند العلماء - هادية لنا في بحثنا عن فروض الكفايات فكم هي فروض الكفايات؟ إن باستطاعتنا من خلال هذه القواعد الثلاث فقط أن نسجل عشرات الألوف من فروض الكفاية، فإذا عرفنا أن بعض فروض الكفايات لها جانب علمي نظري ولها جانب علمي تطبيقي، وأن الجانب العلمي تدخل فيه عشرات العلوم، وأن الجانب التطبيقي يحتاج إلى عشرات الاختصاصات ندرك سعة دائرة المطلوب .. ولنضرب أمثلة تخدم ما نحن فيه: العلوم التي تحتاجها عملية استخراج البترول كثيرة، والأدوات التي تحتاجها هذه العملية كثيرة، والعلوم والصناعات التي تؤمن هذه الوسائل كثيرة واستخراج البترول من البر أو البحر له علومه ووسائله، وإذا استخرج البترول فهناك تكريره وتسويقه وهناك المواد المتفرعة عنه، وكل مادة لها استعمالاتها وتتوضع حول ذلك صناعات كثيرة والصناعات تحتاج إلى أسواق وتسويق، وكل ذلك يحتاج إلى اختصاصات، وأنابيب البترول وصناعاتها وتركيبها والاستفادة منها وتثمير الأموال واستثمارها بما يحقق مصلحة الأمة، كل ذلك فروض متتالية يأخذ بعضها برقاب بعض. حاول أن تستقصي هذه السلسلة من المطلوبات والخبرات والأدوات والوسائل التي تتوضع حولها فإنك تصل إلى مئات من فروض الكفاية في هذا الجانب فقط، وعلى مستوى قطر من الأقطار. فإذا نظرت إلى هذا كله من خلال احتياجات الأمة الإسلامية كلها في واقعها وأقطارها، فإنك تصل إلى أنه يجب أن يوجد عشرات الألوف من المختصين وأهل الخبرة في هذا الشأن وحده لتغطية احتياجات الأمة الإسلامية في كل مكان. فإذا عممت مثل هذا التحليل على الزراعات والصناعات والتجارات عسكرياً ومدنياً وأدخلت في الصناعات صناعة الأدوية، وصناعة أدوات الصحة، وصناعة السلاح والعتاد، وصناعة وسائل النقل الجوية والبحرية والبرية .. فهل تستطيع أن تحصي إحصاءً دقيقاً هذه الفروض؟

فإذا عرفت أن العلم سابق العمل، فكم من فروض الكفايات أنت بحاجة إليها علمياً؟ وكم ينبغي أن تكون برامج التعليم والتنمية ضخمة ومتعددة لتغطي مثل هذا؟ وهذا كله بعض ما تحتاجه إقامة الحياة الدنيا. * * * دعنا الآن نضرب أمثلة على بعض ما تحتاجه إقامة الدين من فروض الكفايات: إن الدين لا يقوم قياماً كاملاً إلا إذا قام كل مسلم بواجبه ووجدت دولة مسلمة تقيم الإسلام؛ لان مهمة الدولة المسلمة في تعريفات الفقهاء إقامة الدين والدنيا، وقد ضربنا أمثلة على بعض فروض الكفايات التي تحتاجها إقامة الدنيا ولنر بعض ما تحتاجه إقامة الدين. هناك علوم لابد منها لبقاء الإسلام واستمراره، من ذلك علوم اللغة العربية، المنطق، أصول الفقه، علم العقائد، علم الفقه، علم الأخلاق والسلوك، وعلم التفسير وعلوم القرآن، علم السنة وعلوم الحديث، السيرة وحياة الصحابة، رواة الحديث وطبقات العلماء، التاريخ الإسلامي، علم القراءات، العلوم التي تقتضيها إقامة الحجة على الآخرين، حاضر الأمة الإسلامية وواقع المسلمين، العلوم التي يحتاجها الوعي السياسي الإسلامي ... هذه العلوم وأمثالها تحتاج إلى مختصين يغطون احتياجات المسلمين فهيا -لا في قطر واحد بل على مستوى العالم - على حسب الضرورة والحاجة. فهناك علم يكفي البلد أن يوجد فيه واحد، وهناك علم يجب أن يكون في البلد الواحد عشرات من المختصين فيه، وهذه العلوم لا يكفي أن يوجد فهيا المختص، بل لابد أن تصل إلى العامة، وههنا تأتي فروض الدعوة وفروض التعليم، وعن هذه تنبثق فكرة المدارس وفكرة الكتاب والجريدة والمجلة والإذاعة وأن تقوم كل من هذه بما يملأ ساحة هذه الدوائر كلها بالعلم، ثم أن توجد أدوات ذلك ووسائله واحتياجاته، كل ذلك يدخل في باب فروض الكفايات. هذا كله في الجانب الإعلامي والتعليمي من أجل إقامة الدين فقط. * * *

ومن أجل أن يقوم الدين في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أنت بحاجة إلى اختصاصيين كثير وإلى التزام كثير، وهذا يحتاج إلى سياسة وقانون وقضاء فكم من مختصين أنت بحاجة إليهم لتملأ ساحة العمل بما يغطي احتياجات الأمة في كل ساحات العمل هذه. فإذا عرفت أن المجتمع الإسلامي تحرسه الدولة، وهذا يقتضي وجود أجهزة، ويسهر عليه الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والدعاة، وهذا يحتاج إلى عاملين، وإذا عرفت أن حياة المجتمع الإسلامي منوطة بالجهاد، والجهاد يحتاج إلى مقاتلين وعتاد ونظريات وتدريب وتخطيط وأنَّ هذا في عصرنا معقد وأن ذلك كله يدخل في باب فروض الكفايات .. عرفت بعض الكفايات التي تحتاجها الأمة في عصرنا لإقامة دينها. * * * دعنا الآن نفكر على مستوى جزء من واقعنا، كأن نفكر على مستوى قطر لم يبق فيه نظام إسلامي وعم فيه الجهل، أو غلب، فما فروض الكفايات في مثل هذه الحالة؟ أول الواجبات هي تغطية فريضة الدعوة إلى الله في القطر، وهذا يقتضي ملاكاً عريضاً لتصل الدعوة إلى كل دوائر القطر، وكل ما يقتضيه ذلك فهو من فروض الكفايات: الدعاة في صفوف الرجال والنساء، وفي صفوف العمال والفلاحين والمثقفين، وفي الأحياء والمؤسسات، وفي المدارس والجامعات، وفي المساجد والمقاهي، والدعاة الذين يغطون هذا كله والجهاز الإداري الذي يدير عجلة الدعوة وينسق بين جهود الدعاة كل ذلك من فروض الكفاية. ثم إن الدعوة هي باب التربية والتكوين والتعليم فمن استجاب للدعوة فقد وجب عليه أن يتعلم وأن يأخذ التربية الإسلامية التي يقتضيها قيام المسلم بواجباته في عصره فأنْ يوجد المسلمون والمربون الذين يغطون احتياجات الأمة في هذا الباب وأن يوجد الجهاز الإداري الذي ينظم هذا كله وينسق بين جهود المعلمين والمربين بحيث يصبح كل مسلم وقد أخذ حظه على الكمال والتمام من العلوم الإسلامية ومن الثقافة والتربية اللتين يقتضيهما وجوده في هذا العصر من خلال الحلقات والمذكرات والدراسات فذلك كله من فروض الكفاية.

والدعوة الإسلامية تقتضي عملاً إعلامياً ضخماً. 6 - * روى أبو داود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم". والحديث الآخر يقول: 7 - * روى مسلم "فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل". إن في العالم أجهزة إعلام ضخمة تنشر مبادئ أو تدافع عن موقف أو تهاجم مبادئ ونصيب الإسلام من عداء هذه الأجهزة ليس قليلاً، ثم إن الإسلام يجب أن ينشر ويعمم وللمسلمين مواقف يجب أن تعرف وأن يقنع بها المسلمون على الأقل، وهذا كله يقتضي جهازاً إعلامياً، والإعلام في عصرنا: جريدة ومجلة وفيديو وشريط مسجل وإذاعة وتليفزيون ورسالة وكتابة وخطابة ومحاضرات وتعليقات، وهو مع هذا كله اختصاص وفن وعلم، وإذا ما أنشأت جريدة أو مجلة فأنت بحاجة إلى ملاك كاتب وطابع وإداري، وإذا ما أنشأت مجلة فالأمر كذلك ويتوضع حول هذا نشر وتوزيع وتعميم وهذا يرتبط به أن يكون هناك مراسلون ووكالات أنباء ومحللون ومحررون واستراتيجيون وكل ذلك إذا تعين يدخل في فروض الكفايات. والإعلام بطبيعته هو الوجه لآخر للعمل السياسي، والعمل السياسي جزء من العمل الإسلامي ألا ترى أن أهم صراعات الإسلام في عصرنا هي الصراعات الفكرية والصراعات السياسية، فالنظريات السياسية العالمية تصارع الإسلام على أرضه. ومن هنا لابد أن يوجد عمل سياسي إسلامي سواء ارتبط بالعمل الدعوي أو لم يرتبط، سواء كان من خلال عمل حزبي أو من خلال توجيهات عفوية .. المهم أن وجود العمل السياسي الإسلامي هو من باب فروض الكفايات بالقدر المتاح والممكن.

_ 6 - أبو داود (3/ 10) كتاب الجهاد، باب كراهية ترك الغزو. 7 - مسلم (1/ 70) 1 - كتاب الإيمان، 20 - باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان.

وعندما نقول: عمل سياسي إسلامي فهذا يحتاج إلى اختصاصيين كثر في شؤون كثيرة: التوعية السياسية، الإدراك السياسي، القدرة على استيعاب الموقف السياسي، القدرة على اتخاذ القرار السياسي الحكيم المستوعب للزمان والمكان، المشاركة في العمل السياسي المتاح، نقل الأوضاع السياسية إلى أطوار متقدمة ومنسجمة مع الإسلام أو تحقق أهدافه أو تبعد العمل السياسي عن الانحراف، التخطيط للتطوير السياسي الإسلامي في المؤسسات والنقابات، السير المتدرج نحو الأهداف السياسية الكبرى التي لا تتحقق بسرعة، كل هذه القضايا وأمثالها تدخل في باب فروض الكفايات، والجهاز الإداري الذي ينسق بين هذا كله وينظم هذا كله هو من باب فروض الكفايات، كذلك وإذا سقط قطر من أقطار الأمة الإسلامية بيد الكفر والكافرين وتعين الجهاد للإنقاذ فالتحريض، والتدريب، وتركيز النيات، وتأمين السلاح، وإيجاد الملاكات القيادية، ووجود الخطط العملية، وتأمين الشبكات التنظيمية التي خدم الحاضر والمستقبل والتي تصب في خدمة الجهاد، وإنضاج نظريات المعركة، والسير المتواصل نحو الهدف، ووجود الجهاز الإداري والقيادي الذي يضع هذه الأمور كلها موضع التنفيذ، كل ذلك من فروض الكفايات، ولما كان المال هو الوسيلة الضرورية لإقامة فروض الكفايات المذكورة فوجود الجهاز الإداري الذي يقود عملية تأمين المال اللازم ووجود شبكة قوية لجمع التبرعات والوصول إلى كل فرد قادر على الدفع وإقناعه بذلك كل ذلك من باب فروض الكفايات. وفي الحالة التي نتحدث عنها تكون فروض الكفايات التي يطالب بها المسلمون في القطر مضيّعة لا تجد من يقيمها، وههنا تأتي مهمة القائمين على العمل الإسلامي أن يوجهوا المستجيبين لدعوة الله وخاصة الطلاب بحيث يكون لكل فرد اختصاص حياتي يقيم به فريضة كفائية وهؤلاء لابد من التنسيق فيما بينهم، ومن ههنا يأتي تنظيم أمر الاختصاصات الحياتية وترتيبها في كل قطاعات الحياة، والتوجيه نحو ذلك. فالأطباء المسلمون والصيادلة المسلمون والمهندسون المسلمون بل والرياضيون المسلمون، والتجار المسلمون والحرفيون المسلمون ثم الاختصاص المتفرع عن اختصاص أصيل، والجهاز الإداري الذي ينظم ذلك كله، كل ذلك من فروض الكفايات.

ويتوضع حول الجوانب الدعوية والإعلامية والسياسية والمالية والفنية أشياء كثيرة، فأن يوجد المختصون فيها والقائمون عليها والمقيمون لها كل ذلك من فروض الكفايات، وعلى هذا فالقائمون على العمل الإسلامي في قطر من نوعية الأقطار التي ذكرناها عليهم أن يراعوا ذلك. من ههنا ومما تقدم ندرك أهمية حصر العلوم المفروضة فرض كفاية في حق المسلمين في أقطارهم إذا كانوا في السلطة أو لم يكونوا، إذا كانوا في مجتمع غريب أو كانوا في مجتمع قريب لأن ذلك يؤثر تأثيراً جوهرياً على سير العمل، فإذا اتضحت هذه الأمور فقد آن الأوان لنتحدث عن فروض العين: * * * إن المحصلة الكبرى لإقامة فروض الكفاية تظهر في وجود المسلم الذي يقيم فروض العين والمختص بفرض من فروض الكفاية، فالمسلم ينبغي أن يكون له اختصاص حياتي، وأجود أنواع الاختصاص هو ما يحقق به المسلم فرض كفاية، هذا مع ملاحظة أنه إذا تعين مسلم لفرض من فروض الكفاية فقد أصبح هذا الفرض في حقه فرض عين، فلو تعين إنسان للقضاء أو للفتوى أو لتعليم علم بعينه أو لإتقان اختصاص بعينه فعندئذ يكون في حقه فريضة عينية. 1 - إن أول فرض العين في حق المسلم أن يعرف الإسلام معرفة إجمالية وأن يؤمن به، وأن يقر بذلك بإعلانه الشهادتين. 2 - وثاني فروض العين في حقه أن يعرف تفصيلاً من الإسلام ما يستطيع أن يؤدي فرائض التكليف المطالب به. 3 - ومن فروض العين في حق المكلف: التوحيد والعبادة وزكاة النفس. 4 - ومن فروض العين في حقه أن يعرف المحرمات وأن يتركها وأن يعرف المطلوبات ويقوم بها. 5 - ومن فروض العين أن يقيم حق الله في والديه وأرحامه وجيرانه.

6 - ومن فروض العين أن يؤدي حق الله في طاعة الإمام ولزوم الجماعة. 7 - ومن فروض العين أن يكون كسبه حلالاً وأن ينفق على من تجب عليه نفقته بالمعروف. وإذا كان له مال فالزكاة في حقه فرض عين والحج في حقه فرض عين، والجهاد بالمال إذا تعين فريضة عينية، وإذا أصبح الجهاد فريضة عينية فعليه أن يقوم بذلك نية وتدريباً وإعداداً واستعداداً ومباشرة. وجماع فروض العين أن يكون الإنسان تقياً، فالتقوى هي مطلب الله من العبد، والتقوى كما صورتها مقدمة سورة البقرة إيمان وصلاة وإنفاق واتباع للقرآن وخلاص من الكفر والنفاق. * * * وبعض فروض العين واحدة في الأوضاع العادية في حق المسلمين جميعاً، وبعضها يختلف سعة وضيقاً من شخص لشخص فما يُطالب به إنسانٌ صالحُ الفطره من زكاة النفس أقل من إنسان عنده أمراض نفسية. وما يطالب به خالص الإيمان أقل مما يطالب به إنسان في قلبه مرض من أمراض النفاق، وما يطالب به عامل بسيط أقل مما يطالب به تاجر غني واسع الثراء واسع العلاقات. وما يطالب به إنسان في بيئة غير ما يطالب به إنسان في بيئة أخرى، فإنسان يعيش في أرض بدعة وأرض كفر يطالب بما يحصن به نفسه وأهله. وإذا ثارتْ شُبْهةٌ مضلة يجب على المكلّف أن يحصن نفسه من هذه الشُبهة، وإذا وجدت تيارات ضالة وتيارات هادية فعلى المسلم أن يحصن نفسه من التيارات الضالة ويكون جزءاً من التيار الهادي. وإذا وجدت في الشريعة نوافل لتحصين الفرائض، وإذا وجدت في الشريعة فكرة الورع والاحتياط من أجل عدم قربان الحرام فهذا يوصلنا إلى أن المسلم عليه أن يفعل

الكثير ليطمئن على قيامه بفروض عينه، وقبل أن نذكر بعض التفصيلات المطلوبة من مسلم معاصر نحب أن نذكِّر بنوعين من الفروض: 1 - فرض الوقت. 2 - فرض العصر والظرف. 1 - فرض الوقت: لا تغيب الفرائض والمحرمات القطعية عمن يعيشون في البيئات الإسلامية، والتذكير بها مفيد، وهذه مهمة ضرورية متجددة، يقوم بها الوعاظ في مجال الوعظ ويتذاكر بها المسلمون في مذاكراتهم، وقوة الواعظ تظهر في قدرته على التأثير والإقناع واستجاشة العواطف فهو يجذب إلى الفرائض المقصرين ويأخذ بحجز المذنبين فيبعدهم عن الذنب، وهو يبعث على الارتقاء الحثيث، دافعاً بعد الفرائض نحو الواجبات والسنن والآداب، منفراً عن المخالفات ولو لم تصل إلى درجة التحريم، فما أعظمها مهمة!!. فهي جزء من مهمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومن استهان بها أو حقرها فهو على جهل عظيم، وليس غرضي في هذا البحث أن أذكر فيما هو مذكور أو محل تذكر، إنما الغرض أن أذكر فيما عنه غفلة، ومن ههنا جاء هذا العنوان: فرض الوقت. * * * لنتصور أن إنساناً أراد الدخول في الإسلام فما هو فرض وقته؟ لا شك أن فرض وقته المباشر هو أن يعرف بإجمال الشهادتين وأن ينطق بهما مسلماً فإذا دخل في الإسلام مثلاً بعد أن دخل وقت الظهر فما هو فرض وقته المباشر؟ لا شك أن فرضه المباشر هو أن يتعلم الصلاة بإجمال وأن يمارس صلاة الظهر، وإذن فالمراد بفرض الوقت هو ما يطلب من الإنسان في لحظته التي هو فيها. * * * لنتصور أنني رأيت إنساناً يغرق وأنا قادر على إنقاذه أو جائعاً وأنا قادر على إطعامه، أو

يرتكب منكراً وأنا قادر على تغييره، فههنا يفترض علي فوراً أن أفعل ما أستطيع فعله فهذه كلها فرائض وقت وجبت عليَّ بسبب ظرف طارئ، افترض عليّ الإسلام أن أتعامل معه نوع تعامل. إن فرض الوقت هذا يغفل عنه الكثيرون، وقد يقعون بسبب ذلك في محذورات كبيرة، فمثلاً لو أن إنساناً أراد الدخول في الإسلام وطلب من مسلم أن يصفه له فواجب الوقت في حق المسلم أن يبادر فوراً للوصف، حتى قال بعضهم: لو أن المسلم وقتذاك طلب إلى هذا الراغب أن يؤجل فإنه يرتد بذلك. * * * مما مر تعرف المراد من قولنا: فرض الوقت وتعرف أهمية ذلك، وخطورة عدم القيام بفرض الوقت، وخطورة تأجيله عن وقته، ومن ههنا تتوضع حول هذه الفكرة أمور كثيرة: ففي باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هناك فرائض وقت، وفي باب الجهاد هناك فرائض وقت، وفي باب الأسرة والجوار هناك فرائض وقت، وفيما يطرأ على الإنسان أو يعرض له فرائض وقت، والمسلم كما يحاسب نفسه على الفرائض الثابتة فإنه يحاسب نفسه على التقصير في فرائض الوقت، ولما كان العلم يسبق العلم فالعلم بفقه فرض الوقت هو البداية الصحيحة للقيام بهذا النوع من الفرائض. 2 - فرض العصر وفرض الظرف: من المعلوم أن هناك فرائض عينية في الشريعة الإسلامية كالصلاة في حق المكلف، وهناك فروض كفائية تطالب بها الأمة فإذا فعلها بعضهم سقطت عن الأمة، وإلا فإن الأمة كلها تأثم، ويسقط الإثم عمن أمر ونهى وبذل استطاعته، وفروض الكفاية هذه تكون فرض عين في حق من تعين لها فلا يستطيعها غيره، وكذلك هي في حق من يعلم شيئاً عنها يجهله غيره، إذا اتضح هذا نقول:

كل علم تحتاجه الأمة الإسلامية فهو فرض كفاية، والعلوم متوسعة متنامية متطورة، وكل عصر له مستحدثاته التي هي أثر عن علم من العلوم، فالكهرباء والذرة وما تفرع عنهما من مخترعات ومستحدثات هذه كلها وليدة عصرنا وبالتالي فهذان بالنسبة للمسلمين في عصرنا فرضان بينما هما في عصور سابقة لم يكونا موجودين أصلاً فلا مطالبة بهما فهذا نموذج على ما أسميناه فرض العصر. * * * الجهاد في شريعتنا يكون أحياناً فرض عين، وأحياناً فرض كفاية، وأحياناً تكون مباشرته فرض عين إذا توافرت شروط، وأحياناً يكون فرض عين ولا تجب مباشرته لعدم توافر شروط، وأحياناً تكون مقدماته الموصلة إلى الغايات فرائض كفائية أو فرائض عينية، وهناك حالات من الغلبة تصيب المسلمين لا يستطيعون التغلب عليها من خلال معركة جزئية بل تحتاج إلى جهود متواصلة طويلة قد تستغرق جيلاً أو جيلين أو أكثر مثل هذه الأمور تدخل في فرائض العصر من مثل القضية الفلسطينية في زمن الحروب الصليبية وفي عصرنا، وقد يكون هذا النوع من الفرائض واجبات عصر في حق مسلمي العالم وقد تكون فرائض عصر في حق أهل قطر. * * * والمسلمون مكلفون أن تكون كلمة الله هي العليا في العالم، وهذا الصراع منهم يقتضي في مرحلة من المراحل نوعاً من العمل الخاص، تدخل فيه الاقتصاديات والإداريات والاستراتيجيات والتحركات السياسية وغيرها، فالجديد الذي يحتاجه الصراع المستمر بين الحق والباطل يدخل في فرائض العصر. * * * وكل قرن جديد يحتاج معه الإسلام إلى تجديد، وهذا التجديد قد يقتضي أساليب وأسباباً تناسب القرن، فالتنظيم الممتد الواحد الذي يغطي العالم مثلاً تحتاجه الأمة

الإسلامية في كل حين ولكنه في عصرنا يعتبر سبيلاً وحيداً لإقامة فرائض كثيرة، فكل ما يحتاجه هذا التنظيم الذي هو شرط لحسن المواجهة يدخل في فرائض العصر. هذه النماذج على فرائض العصر تعطينا تصوراً عنه ويبقى تحديد كل ما يدخل في فرائض العصر واجب أهل الفتوى، وتذكير المسلمين بذلك ودعوتهم وتفجير طاقاتهم واجب كل من يستطيع ذلك من وعاظ ودعاة وقادرين. * * * والمسلم الذي لا يدرك واجبات عصره مقصر وقد يكون آثماً، وهو في كل الأحوال يعيش في غير عصره، ولعل من أهم فروض عصرنا: محاولة إنقاذ الأمة الإسلامية من تفرقها، والعمل من أجل وحدتها وتقدمها المدني، والعمل لإعادة الأقطار المسلوبة والخلافة المفقودة. إذا اتضح ما مر فقد آن لنا أن نتحدث تفصيلاً عن بعض فروض العين في عصرنا ولنجعلها تحت ثلاثة عناوين: العلم، والعمل، والحال .. ملاحظين فروض العصر والوقت وتيارات العصر وتعقيداته وتأثير ذلك على العقل والقلب والنفس. أولاً: في العلم: أ - أخذ حظ من علم أصول الفقه على قدر استطاعة الإنسان لأنه ما لم يحصل المسلم ذلك فإنه يكون معرضاً للوقوع في خطر الرفض للأحكام أو في خطر الوقوع في براثن الغلاة. ب- أخذ حظ من علوم اللغة العربية على قدر استطاعة الإنسان لأنه ما لم يكن ذلك فقد يقع الإنسان فريسة الخطأ بيد الحَرْفيين أو بيد المؤولين. ج- أخذ حظ من علم الأصول الثلاثة بحيث يكون عند الإنسان تصور عن أدلة وجود الله عز وجل وأدلة رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم وبحيث يكون عنده تصور شامل عن الإسلام. د- أخذ حظ من علم العقائد حتى لا يكون فريسة الوقوع في أسر فرقة ضالة أو في

أسر أفكارها. هـ- أخذ حظ من الفقه عامة، ومن الفقه المذهبي خاصة، الأول ليعرف كيف يتصرف أمام الوقائع والثاني ليعرف كيف يراجع عويصات المسائل. و- حفظ شيء من القرآن وإتقان تلاوته. ز- حفظ شيء من السنة والاطلاع على ما أمكن من متونها ويدخل في ذلك التعرف على السيرة النبوية ومعالم في حياة الصحابة. ح- الاطلاع على فقه الدعوة والحركة المعاصرين بحيث يطمئن إلى الكينونة في الجماعة التي يعطيها ولاءه وينطلق بالدعوة على بصيرة. ط- الاطلاع على بعض الدراسات الإسلامية الحديثة التي تحتاجها بيئته أو تحتاجها مناعة وحصانة. ي- الاطلاع على شيء من التاريخ الإسلامي وواقع المسلمين يحصنه ويطلق طاقاته في الخدمة الإسلامية. ك- الاطلاع على الثقافة العسكرية الحديثة بحيث يكون عنده شيء من الإلمام بالكيفية التي يمكن أن يمارس فيها الجهاد في هذا العصر. ل- أخذ حظ من علوم تزكية النفس والسير إلى الله. م- المطالعة والمدارسة في كل ما ينمي الوعي الإسلامي بحيث يعرف الإنسان مشكلات المسلمين وكيفية حلها. ن- الاطلاع على ما ينمي حسه الأمني بحيث لا يتصرف تصرفاً يضر أمته. ثانياً: العمل: أ - أول ما يطالب به العبد من العمل بعد التعرف على الله عبادته، والفروض مقدمة على النوافل ويدخل في ذلك الصلاة والصوم والزكاة والحج والأمر بالمعروف والنهي عن

المنكر والجهاد. ب- الكسب الحلال وأداء الحقوق فيه. جـ- القيام بحقوق الوالدين والأرحام والجوار. د- نية الجهاد والتدريب على أدوات القتال ووسائله. هـ- الكينونة في الصف الإسلامي وحسن التعامل مع المسلمين ويدخل في ذلك لزوم إمام المسلمين وجماعتهم إن كان لهم جماعة وإمام. و- القيام بالحقوق الطارئة والعارضة. ز- اجتناب المحرمات وما قاربها وإقامة الفرائض والواجبات. ح- القيام بفروض الكفاية التي يتعين لها. ط- مباشرة الجهاد إذا أصبح فرضاً عينياً وتوافرت شروط فرضية مباشرته. ي- نية المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والالتزام بالأحكام. ثالثاً: الحال القلبي والنفسي: ويدخل في ذلك أن يكون قلبه سليماً وفطرته مستقيمة ونفسه مزكاة، وههنا نلفت النظر إلى أن ما يوصل إلى مثل هذه المعاني المفروضة فهو فريضة، ومن ههنا نقول: قد تكون بعض الأمور في الأصل مندوبة فإذا تعين كطريق للوصول إلى هذه الأحوال الشريفة فإنها تصبح فريضة ومما يدخل في مثل هذه الفريضة: أ - التحقق بالإيمان والإخلاص والتوكل والزهد في الدنيا ومحبة الله ورسوله. ب- والخلاص من الكفر والنفاق والفسوق والعصيان والإثم والأمراض القلبية من مثل الحسد والرياء والغل والحقد وأمثال هذه الأمراض. أ. هـ. وفي غمرة الكلام عن فروض العين وفروض الكفاية بشقيها العلمي والعملي، التي بابها

ومفتاحها العلم فإنه لا يفوتنا أن نشير إلى أن المطلوبات الشرعية من المسلم أوسع من أن تكون فرضاً فقط، فهناك الفريضة والواجب والسنة والأدب، والمروءة، والأريحية، والذوق والسياسات النبوية، وكلها مطلوبات عينية من المسلم وعلى المسلم أن يحصل العلم فيها وأن يتحقق بالعمل، ولابد - ونحن سنعرض أحاديث باب العلم -أن نتعرض لهذا، وقد كنا كتبنا رسالة تحت عنوان - أخلاقيات وسلوكيات تتأكد في القرن الخامس عشر الهجري - ننقل لك بعض المقتطفات منها ليكون هذا الأمر واضحاً لديك: والكلام عن الذوقيات والمروءات يجرنا إلى الكلام عن أدب العلاقات، فما من شيءٍ أدل على زكاة النفس في الإسلام من أدب العلاقات، وليس هناك شيء أصعب على النفس من الأدب في بعض الأحوال، لذلك كانت مجاهدة النفس لحملها على الكمال في أدب العلاقات من أعظم ما يطالب به المسلم. كان نور الدين الشهيد رحمه الله حازماً ومن حزمه أنه كان لا يسمح لأمير من أمرائه أن يجلس في حضرته إلا بإذنه لم يستثن من ذلك إلا نجم الدين أيوب والد صلاح الدين ولكنه كان مع العلماء والصالحين على غاية من الاحترام والتواضع والإجلال، انظر هذا الأدب وتأمل إلى أي حد يستطيع إنسان ذو صفة رسمية في عصرنا، عصر البروتوكول أن يتواضع لعالم عامل صالح أمام الجماهير. إن كثيراً ما ترفض نفس الصغير توقير الكبير، وكثيراً ما ترفض نفس الكبير رحمة الصغير، وكثيراً ما تأنف أنفس أولي الأمر من استشارة من دونهم، وكثيراً ما يشتط المستشار إذا استشير، وكل هذه مظاهر من جموحات النفس ورعوناتها، ولذلك قلنا: إن من أعظم علامات زكاة النفس قيامها بأدب العلاقات ملاحظاً في ذلك الحكم الشرعي أولاً ثم المروءات والذوقيات. إن أدب العلاقات واسع، فهناك أدب الولد مع الوالدين، وأدب الوالدين مع الأولاد ذكوراً وإناثاً، وأدب الإخوة مع بعضهم ذكوراً وإناثاً، وأدب الصاحب والجار مع الصاحب والجار، وأدب الموظف والعامل مع الزملاء ومع العمل وهكذا دوائر العلاقات البشرية كلها.

وإذا كان أدب العلاقة مع الخلق له هذه الأهمية، فما بالك بأدب العلاقة مع الخالق .. إنك لو حصرت الحياة البشرية الكاملة بأدبين أدب العلاقة مع الخالق وأدب العلاقة مع الخلق لم تعدَّ. وأدب العلاقة مع الخالق يقتضي أدب العلاقة مع الخلق فكلما كملت العلاقة الأولى كملت الثانية. وأدب العلاقة مع الخالق ينحصر بالإيمان والفعل والترك: فالإيمان بالوحي وترك المحرمات والمكروهات وفعل الواجبات والسنن والآداب والأريحيات والمروءات من مقتضى حسن التعامل مع الله عز وجل. وليس هناك في أدب العلاقات مع الخلق أعظم من القيام بحق الوالدين وحق العلماء والأولياء والمربين ثم الأرحام والجوار والأصحاب. وفي أدب العلاقات نجد كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتألف الخلق جميعاً حتى استخرج النفاق من قلوب أكثرية المنافقين، وكيف استخرج أحقاداً وعداوات من قلوب موتورين حتى أصبح أحب إليهم من أبكارهم .. وكيف كان يضع الحزم في محله واللين في محله، وكان يغلب عليه اللين ويكفي أن الله أدبه بقوله: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} (1). لقد كان ليّن الكلمة، رحيم القلب، حريصاً على المؤمنين، يعفو ويصفح، ويستغفر لذنوبهم، ويشاورهم، فأي أدب في العالم أرفع من هذا الأدب، إن إحياء آداب النبوة وسياستها من أهم ما يطالب به المسلم على مدى العصور وذلك لا يطيقه إلا من اجتمع له علم وذكر وما ذلك إلا لدقة الأدب، انظر إلى أدبه عليه الصلاة والسلام في الإنصات: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ} (2)

_ (1) آل عمران: 159. (2) التوبة: 61.

لقد اتهمه المنافقون بأنه شديد الإصغاء ويستطيع كل إنسان أن يؤثر عليه فأكد الله أنه كثير الإنصات حتى شبهه بالأذن، إلا أنه يعرف من يصدق وأن إنصاته رحمة للمؤمنين أما أن يستجره أحد لموقف غير صحيح فلا: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} (1). ولدقة السياسات النبوية قلنا: إنها تحتاج إلى علم لتعرف وإلى ذكر ليستطيعها الإنسان ولذلك قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (2) فمن لم يكن له ذكر كثير فإن اتِّباعه قليل. في الشريعة فرائض وواجبات وسنن وآداب، وفيها محرمات ومكروهات، وهي مع تحديدا لهذه الأمور بشكل صريح أو ضمني يعرف من النصوص مباشرة أو بشكل غير مباشر، فهي قد وضعت أصولاً لضبط التعامل مع الرأي العام مما يدخل في ما يصطلح عليه الناس: الذوق ومراعاة الرأي العام. وهذه قضية تغيب عن الكثيرين حتى إنك لتجد بعض المتدينين المتشددين يسقطون قضايا الذوق ومراعاة عواطف الناس ومشاعرهم، حدثني بعض شيوخنا أنه كان في جلسة علمية فامتخط إنسان وألقى بمخاطه على الأرض بشكل جاف، فاستعمل شيخنا حق الشيخ في التأديب فنبهه على ذلك فسأله التلميذ: أعندك نص في عدم الجواز فهذا نموذج على نمط من التفكير يلغي قضايا الأذواق ومراعاة الرأي العام. * * * ولا شك أن الأذواق قد تمرض وأن الرأي العام قد يكون ضالاً مضللاً، وإذا كان أهل السنة والجماعة لا يعتبرون العقول نفسها ميزاناً للتحسين والتقبيح، فمن باب أولى ألا تعتبر الشريعة الأذواق والرأي العام ميزانين، خاصة وهما مرتبطان إلى حد كبير بالعواطف،

_ (1) الحجرات: 3. (2) الأحزاب: 21.

ولذلك نقول ابتداءً: إنه لا قيمة للذوق ولا للرأي العام إذا عارض الفرائض والواجبات والسنن والآداب، أو دخل في دائرة المكروهات أو المحرمات، وإذن فمراعاة الرأي العام وقضايا الأذواق إنما راعاها الشارع في المباحات ولذلك نجد في القرآن الكريم قوله تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} (1). 8 - * روى مسلم قوله عليه الصلاة والسلام لعائشة: "لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لهدمت البيت وبنيته على قواعد إبراهيم". فالأول جاء في سياق مواقف المسلمين من اليهود، والثاني في مراعاة الرأي العام الجاهلي في قضية لا يترتب عليها عمل .. ولننتقل إلى قضية أخرى وهي قضية الأيحيات والمروءات: 9 - * روى مالك في الموطأ عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما بُعِثْت لأتمم مكارم الأخلاق" فالرسول صلى الله عليه وسلم حصر بعثته بأن المراد منها استكمال بناء الصرح الأخلاقي في هذا العالم، وهذا يفيد انه عليه الصلاة والسلام لم يبدأ البناء الأخلاقي من الصفر، بل هناك أخلاق بعث بها الرسل وأتمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهناك مكارم للأخلاق تعارف عليها الناس أنها من مكارم الأخلاق وهي فعلاً كذلك. وجاء الرسول صلى الله عليه وسلم ليقر أمثال هذه الأخلاق وليكملها، ولم تزل الأريحيات والمروءات مما تواطأ الناس على إكبارها واحترامها، إلا من فسدت فطرته ومرض عقله. وقضايا الأريحيات والمروءات لا تدخل تحت حصر، وقد تتجاوز حدها فتصبح جاهلية، وقد تنقص حتى يحتقر المخل، إن بعض ما يدخل في المروءات والأريحيات يدخل في أبواب الحكم الشرعي من فريضة أو واجب أو سنة أو أدب وإذا تجاوزت الأريحيات حدها كأن دخل صاحبها بها في الإسراف والتبذير أو طرأ عليها عارض كالرياء والعجب

_ (1) البقرة: 150. 8 - مسلم (2/ 969) 15 - كتاب الحج، 69 - باب نقض الكعبة وبنائها. 9 - الموطأ (2/ 904) 47 - كتاب حسن الخلق، 1 - باب ما جاء في حسن الخلق. قال ابن عبد البر: وهو حديث مدني صحيح متصل عن أبي هريرة وغيره.

وحب الثناء والمدح، فإن ما صاحبها يدخل في باب المحظورات. وقد تكون أحياناً من باب المباحات، ولكنها إذ تؤدي إلى احتقار صاحبها وغيبته وازدرائه فإنها تخرج صاحبها بسبب من ذلك إلى دائرة المحظورات، فمثلاً لو وقعت من إنسان تمرة فأهملها فرآها إنسان فأخذها فطالب الأول الآخر بها فذلك طلب مباح في الأصل ولكنه مخل بالمروءة. إن موضوع الأريحيات والمروءات عميق في الفطرة البشرية وهو يختلف من شعب إلى شعب في القوة والضعف وفي السعة والضيق، ولعل العرب من أكثر الشعوب تأثراً بهذه الموضوعات، وقد يكون ذلك من حكم اختيارهم لحمل الرسالة الإسلامية، فهذه الرسالة تحتاج إلى نوع من النفسيات تهزها الأريحية والمروءة، وتبقى مشدودة، إلى كل كمال. وما أظن شعباً تهزه المروءات والأريحيات يسبق الشعب العربي في ذلك، وادرس أدب هذا الشعب نثراً وشعراً لترى أن الحديث عن الأريحيات والمروءات يشكل جزءاً كبيراً من أدبه. ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان له في هذا القدم الأعلى، ألا ترى أن الله حرم عليه وعلى آل بيته الأكل من الصدقات .. 10 - * روى البخاري في صحيحه ما قالته خديجة له يوم رجع بالوحي وأخبرها أنه قد خشي على نفسه فقالت: كلا والله لا يخزيك الله أبداً: إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، تحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. ولقد قال ابن الدغنة وهو مشرك لأبي بكر يوم فكر في الهجرة إلى الحبشة الكلمات نفسها وأجاره، مما يشير إلى أنه قد استقر في ضمير العرب أن هذه المعاني من مكارم الأخلاق التي ترفع صاحبها وتجعله أهلاً للحرص عليه. * * * إن الإسلام والذوق والمروءة مترادفات، ومتكاملات فإذا تعارض ما ظنه الناس ذوقاً

_ 10 - البخاري (1/ 23) 1 - كتاب الوحي.

مع الإسلام أو تعارض ما ظنه الناس مروءة مع الإسلام، فذلك علامة على فساد الذوق وسخف المروءة، أما إذا لم يتعارض شيء من ذلك مع الإسلام، فالذوق مقبول، بل مطلوب، والمروءات مقبولة، بل مطلوبة، وهل ذلك إلا العرف والمعروف. {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (1). {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (2). أنْ ترتب بيتك على ما ترتاح له الأذواق بما لا يتناقض مع شريعة، وأن تلبس لكل حالة لبوسها الذي يريح القلوب والأبصار، وأن تقدم للناس النظيف الجميل، أليس ذلك في محله من الحكمة؟ واقرأ هذا النص: 11 - * روى أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم "إنكم قادمون على إخوانكم فأصلحوا رحالكم وأحسنوا لباسكم حتى تكونوا كأنكم شامة في أعين الناس، فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش". وألا تسمح لنفسك أن تسف في القول والعمل، وألا تسمح لحد أن يسف بحضرتك بما ينقض وقاراً أو حلماً أو كمالاً، وألا تسمح لنفسك أن تفعل ما ينكره عقل أو شرع أو عرف أليس ذلك من الحكمة؟، واقرأ ما يقوله علي رضي الله عنه: "لا تفعل ما يسبق إلى العقول إنكاره وإن كان عندك اعتذاره". عندما تدرس التربية النبوية، تجد التربية للأذواق مستمرة، وتجد الحوادث المعبرة عن سلامة الذوق كثيرة في حياة الصحابة. فمثلاً عندما يراق الماء في العلية التي كان يسكنها أبو أيوب والتي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسكن أسفل منها بناء على رغبته للتسهيل على ضيفانه، نجد أبا أيوب يلتقط الماء خشية أن ينزل منه شيء على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيؤذيه، إنك تجد ههنا ذوقاً رفيعاً.

_ (1) سورة الأعراف: 199. (2) سورة آل عمران: 110. 11 - أبو داود (4/ 58) كتاب اللباس، باب ما جاء في إسبال الإزار، وإسناده حسن.

وعندما تجد أبا طلحة يضع الثوب أمام عينيه، ثم يتقدم ليضعه على صفية زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما وقعت عن البعير، نجد ههنا ذوقاً رفيعاً، وعندما يُتوفى ابن أم سليم ويأتي أبو طلحة يسألها عن الطفل فتقول له: هو أسكن ما كان وتتزين له حتى يواقعها ثم تتطلف بالإعلام، ثم يدعو رسول الله أن يبارك لهما في ليلتهما، فإنك تجد قمة الذوق، وعندما يُسأل العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أهو أكبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. يقول: رسول الله أكبر وأنا أسن تجد كذلك ذوقاً رفيعاً. ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يربي على أنواع من الذوق الرفيع في الأسماء وفي السلوك، فهذا جانب يجب أن نعطيه أهمية في عصرنا وأن نحيي وقائعه، فالإسلام كله ذوق، فالتوحيد أعلى درجات ذوق القلب، والعبادات أعلى درجات ذوق الجسد والاستئذان والسلام ووضع اليد على الفم أثناء التثاؤب، وعلى الأنف أثناء العطاس، ورحمة الكبير للصغير وتوقير الصغير للكبير، وأن يقدم الرجل مهراً للمرأة، وأن يستأنس بين يدي ما يريد، وأن يتلطف في الخطاب، وأن يبتعد عن الكبر والخيلاء والتكلف، كل ذلك ذوق رفيع، وعلى المسلم أن ينمي حسه الذوقي، فإذا دخل على العلماء فبالأدب، وإذا سأل فبالأدب، وإذا خالط أهل الفضل فبالأدب. * * * في قضايا المروءات والأريحيات يذكر وفاء سول الله صلى الله عليه وسلم الذي ليس له مثيل، يذكر وفاءه لخديجة في إدامة ذكرها وإكرام صديقاتها، ويذكر وفاءه للمشركين والكافين إذا أسدوا له معروفاً، فها هو يقول يوم بدر: 12 - * روى أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم "لو كان المطعم بن عدي حياً وكلمني في هؤلاء النتنى لأعطيتهم له" وها هو يوصي بأقباط مصر خيراً لأن لهم رحماً وصهراً وما ذاك إلا لأن هاجر رضي الله عنها منهم، ولأن مارية القبطية رضي الله عنها منهم. ونجد وفاءه عليه السلام لأهل السابقة والمواقف، فهذا حاطب بن أبي بلتعة يعفو عنه مع عظم ما أتى

_ 12 - أحمد (4/ 80).

لأنه شهد بدراً، وانظر في قضايا المروءات والأريحيات كيف أنه عليه السلام ما ضرب خادماً ولا امرأة في حياته، وكيف أكرم أبو قتادة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أن يقتل به امرأة، وكان عليه السلام لا يسبقه أحد في خلق. أ. هـ. وبعد هذه المقدمة الطويلة عن العلم وما يستتبعه من عمل فقد آن أن نعرض فصول باب العلم:

الباب الأول في العلم - الفصل الأول: فضل العلم بدين الله. - الفصل الثاني: الترغيب في إكرام العلماء وإجلالهم وتوقيرهم والترهيب من إضاعتهم وعدم المبالاة بهم. - الفصل الثالث: الترهيب من تعلم العلم لغير وجه الله تعالى. - الفصل الرابع: الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير. - الفصل الخامس: الترغيب في سماع الحديث وتبليغه. - الفصل السدس: الترهيب من الدعوى في العلم والقرآن. - الفصل السابع: الترهيب من كتم العلم. - الفصل الثامن: وجوب التعلم والتعليم. - الفصل التاسع: الترهيب من أن يعلم ولا يعمل بعلمه ويقول ما لا يفعل. - الفصل العاشر: الترهيب من المراء والجدال والمخاصمة والمحاجة والقهر والغلبة - الفصل الحادي عشر: بعض آداب التعليم والتعلم. - الفصل الثاني عشر: ذهاب العلماء ورفع العلم. - الفصل الثالث عشر: كتابة الحديث ونسخ النهي عن ذلك.

الفصل الأول في فضل العلم بدين الله

الفصل الأول في فضل العلم بدين الله قال الله سبحانه وتعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (1). {كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} (2) قال ابن عباس: كونوا عُلماء فُقهاء. وقيل: سُمي العلماء ربانيين، لأنهم يرُبُّون العلم، أي: يقومون به، يُقال لكل منْ قام بإصلاح شيءٍ وإتمامه: قد ربَّه، يرُبُّه، فهو رَبٌّ له. وقيل: سُموا الربانيين، لأنهم يُرَبُّون المتعلمين بصغار العلُوم قَبْلَ كبارها. وقيل: الربانيون: العلماء بالحلال والحرام. وقال الله سبحانه وتعالى إخباراً عن إبراهيم صلى الله عليه وسلم: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (3)، يُقْتَدى بهُداك وبسُنَّتكَ. وقال مالكٌ: الحكمةُ: الفقهُ في دين الله، وقال العلْمُ: الحكمةُ، ونورٌ يهدي الله به من يشاءُ، وليس بكثرة المسائل. شرح السنة 1/ 183 - 184. 13 - * روى البخاري ومسلم عن حميد [بن عبد الرحمن بن عوف الزهري] قال: سمعتُ معاوية وهو يخطبُ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ "مَن يُرد الله به خيراً يُفقههُ في الدين، وإنما أنا قاسمٌ، ويُعطي اللهُ، ولن يزال أمرُ هذه الأمة مستقيماً

_ (1) التوبة: 122. (2) آل عمران: 79. (3) البقرة: 124. 13 - البخاري (1/ 164) 3 - كتاب العلم، 13 - باب من يرد الله ب خيراً يفقهه في الدين. مسلم (2/ 719) 12 - كتاب الزكاة، 33 - باب النهي عن المسألة. (يفقهه في الدين) الفقه: الفهم والدراية، والعلم في الأصل، وقد جعله العُرف خاصاً بعلم الشريعة، وخاصة بعلم الفروع، فإذا قيل: فقيه، علم أنه العالم بعلوم الشرع، وإن كان كل عالم بعلم فقيهاً، يقال: فَقِه الرجل - بالكسر-: إذا لم، وفقُه - بالضم - إذا صار فقيهاً، وتفقَّه: إذا تعاطى ذلك، وفقَّهه الله، أي: عرَّفه وبصَّره.

حتى تقوم الساعة، وحتى يأتي أمرُ الله". 14 - * روى البزار عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله بعبدٍ خيراً فقههُ في الدين وألهمه رُشدَهُ". 15 - * روى الإمام أحمد عن قيس بن كثير رحمه الله قال: كنتُ جالساً مع أبي الدرداء في مسجد دمشق، فجاءه رجلٌ، فقال: يا أبا الدرداء، إني جئتُك من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، لحديث بلغني أنك تُحدثُه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما جئتُ لحاجةٍ، قال: فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من سلك طريقاً يطلبُ فيه علماً: سلك الله به طريقاً من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضيً لطالب العلم، وإنَّ العَالِم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض، والحيتانُ في جوف الماء، وإنَّ فضل العالِمِ على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإنَّ العلماءَ ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهما، ورثُوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافرٍ". وفي رواية (1) عن عثمان بن أبي سَودة عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه.

_ 14 - كشف الأستار (1/ 84) كتاب العلم - باب فضل العالم والمتعلم. مجمع الزوائد (1/ 121) قال الهيثمي: رواه البزار والطبراني في الكبير، ورجاله موثقون. 15 - أحمد (5/ 196). وأبو داود (3/ 317) كتاب العلم - باب الحث على طلب العلم. الترمذي (5/ 48) 42 - كتاب العلم، 19 - باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، وقال الترمذي: لا نعرف هذا الحديث إل من حديث عاصم بن رجاء بن حيوة، وليس هو عندي بمتصل هكذا بهذا الإسناد. ابن ماجه (1/ 81) المقدمة، 17 - باب فضل العلماء والحث على طلب العلم. الدارمي (1/ 98) باب فضل العلم والعالم. الإحسان بترتيب ابن حبان (1/ 151) كتاب العلم، ذكر وصف العلماء الذين لهم الفضل. (1) أبو داود (3/ 317) كتاب العلم - باب الحث على طلب العلم. وقيس بن كثير بن قيس كما ذكره أبو داود، وهو أكثر كما قال الحافظ في التقريب، وهو ضعيف ولكن تابعه عند أبي داود وعثمان بن أبي سودة. (تضع أجنحتها لطالب العلم) معنى وضع أجنحة الملائكة لطالب العلم: التواضع والخشوع، تعظيماً لطالب العلم، وتوقيراً للعلم، لقوله تعالى (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) [الإسراء: 24] وقيل: وضع الجناح معناه: الكفُّ عن الطيران، أراد: أن الملائكة لا تزال عنده، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما من قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفتْهم =

16 - * روى البخاري عن أبي واقد الليثي رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ في المسجد والناسُ معه، إذْ أقبل ثلاثةُ نفرٍ، فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذهب واحدٌ، فوقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما أحدهما: فرأى فُرْجَة في الحلْقَةِ، فجلس فيها، وأما الآخر: فجلس خلفهم، وأما الثالث: فأدبر ذاهباً، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم: فأوى إلى الله عز وجل، فآواه الله، وأما الآخرُ، فاستحيا، فاستحيا الله منه، وأما الآخر: فأعْرَضَن فأعرضَ الله عنه". 17 - * روى الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه مَرَّ بسوقِ المدينة فوقف عليها، فقال يا أهل السوق ما أعجزكم!. قالوا: وما ذاك يا أبا هريرة؟ قال ذاك ميراثُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، يُقسَمُ وأنتمْ هاهنا، ألا تذهبون فتأخذون نصيبكمْ منه قالوا وأين هو؟ قال في المسجد فخرجوا سراعاً، ووقف أبو هريرة لهم حتى رجعوا فقال لهم: مالكمْ؟ فقالوا يا أبا هريرة قد أتينا المسجد فدخلنا فيه فلم نر فيه شيئاً يُقسمُ فقال لهم أبو هريرة: وما رأيتمْ في المسجد أحداً؟ قالوا بلى رأينا قوماً يُصلُّون، وقوماً يقرءون القرآن، وقوماً يتذاكرون الحلال والحرام، فقال لهم أبو هريرة: ويحكمْ فذاك ميراُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم. 18 - * روى البخار يعن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "مثلُ ما بعثني الله به مِنَ

_ = الملائكة". وقيل: معناه: بسط الجناح وفرشه لطالب العلم، لتحمله عليها، وتبلغه حيث يريد، ومعناه: المعونة. 16 - الموطأ (2/ 960) 53 - كتاب السلام، 3 - باب جامع السلام. البخاري (1/ 156) 3 - كتاب العلم، 8 - باب من قعد حيث ينتهي به المجلس. مسلم (4/ 1713) 39 - كتاب السلام، 10 - باب من أتى مجلساً فوجد فرجة فجلس فيها. الترمذي (5/ 73) 43 - كتاب الاستئذان، باب (29). 17 - مجمع الزوائد (10/ 1234) كتاب العلم، باب فضل العلم وإسناده حسن، وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن. 18 - البخاري (1/! 75) 3 - كتاب العلم، 20 - باب فضْلِ منْ عَلِم وعَلَّم. ومسلم (4/ 1787) 43 - كتاب الفضائل، 5 - باب بيان ما بعث النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم.

الهُدى والعلم كمثَل الغيث الكثير أصاب أرضاً، فكان منها نقيةٌ قَبِلَتِ الماء فأنبتتِ الكلأ والعُشب الكثير، وكانت منها أجادِبُ أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفةً أخرى إنما هي قيعانٌ لا تُمسِك ماءً ولا تنبت كلأً. فذلك مثل من فقِه في دين الله ونفعهُ ما بعثني الله به فعلم وعلَّم، ومثلُ من لم يرفعْ بذلك رأساً ولم يقبلْ هدى الله الذي أُرسلْتُ به". قال البغوي بعد إيراد هذا الحديث: العلوم الشرعية قسمان: علم الأصول، وعلم الفروع، أما علم الأصول، فهو معرفة الله سبحانه وتعالى بالوحدانية، والصِّفَات، وتصديق الرسل، فعلى كل مكلفٍ معرفته، ولا ينفع فيه التقليدُ لظهور آياته، ووضوح دلائله، قال الله تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) [فصلت: 53]. وأما علمُ الفروع، فهو علم الفقه، ومعرفةُ أحكام الدِّين، فينقسم إلى فرض عينٍ،

_ = (غيث): الغيث هو المطر. (الكلأ والعشب): العشب والكلأ والحشيش كلها أسماء للنبات. ولكن الحشيش مختص باليابس. والعشب والكلأ، مقصوراً، مختصان بالرطب. والكلأ بالهمز يقع على اليابس والرطب. (أجادب): هي الأرض التي لا تنبت كلأ. وقال الخطابي: هي الأرض التي تمسك الماء فلا يسرع فيه النضوب. (قيعان): جمع القاع. وهي الأرض المستوية، وقيل الملساء، وقيل التي لا نبات فيها، وهذا هو المراد في هذا الحديث. الفقه في اللغة الفهم. قال النووي: أما معاني الحديث ومقصوده فهو تمثيل الهدى الذي جاء به صلى الله عليه وسلم بالغيث. ومعناه أن الأرض ثلاثة أنواع. وكذلك الناس. فالنوع الأول من الأرض ينفع بالمطر فيحيا بعد أن كان ميتاً. وينبت الكلأ فتنتفع بها الناس والدواب والزرع وغيرها. وكذا النوع الأول من الناس يبلغه الهدى والعلم فيحفظه فيحيا قلبه ويعمل به ويعلمه غيره. فينتفع وينفع. والنوع الثاني من الأرض مالا تقبل الانتفاع في نفسها لكن فيها فائدة وهي إمساك الماء لغيرها. فينتفع بها الناس والدواب. وكذا النوع الثاني من الناس لهم قلوب حافظة لكن ليست لهم أفهام ثاقبة ولا رسوخ لهم في العلم يستنبطون به المعاني والأحكام وليس عندهم اجتهاد في الطاعة والعمل به. فهم يحفظونه حتى يأتي طالب محتاج متعطش لما عندهم من العلم أهل للنفع والانتفاع فيأخذه منهم فينتفع به. فهؤلاء نفعوا بما بلغهم. والنوع الثالث من الأرض السباخ التي لا تنبت، ونحوها. فهي لا تنتفع بالماء ولا تمسكه لينتفع به غيرها. وكذا النوع الثالث من الناس ليست لهم قلوب حافظة ولا أفهام واعية. فإذا سمعوا العلم فلا ينتفعون به ولا يحفظونه لنفع غيرهم.

وفرض كفاية، أما فرض العين، فمثلُ علم الطهارة والصلاة والصوم، فعلى كل مكلف معرفته. 19 - * روى ابن ماجة قول النبي صلى الله عليه وسلم: "طلبُ العلم فريضةٌ على كل مسلمٍ". وكذلك كلُّ عبادة أوجبها الشرع على كل واحدٍ، فعليه معرفة علمها، مثلُ علم الزكاة إن كان له مالٌ، وعلمِ الحجِّ إنْ وجب عليه. وأما فرض الكفاية، فهو أن يتعلم ما يبلُغُ به رُتبة الاجتهاد، ودرجة الفُتيا. فإذا قعدَ أهلُ بلدٍ عن تعلمه، عصوْا جميعاً، وإذا قام واحدٌ منهم بتعلمه فتعلمَهُ، سقط الفرضُ عن الآخرين، وعليهم تقليدُه فيما يعِنُّ لهم من الحوادث، قال الله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (1). قال سفيان الثوريُّ: إنما العِلم عندنا الرُّخَصُ عن الثقات، أما التشديد، فكل إنسان يُحسنه. ا. هـ. روى ابن ماجه عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر لأنْ تغدُوَ فتعلمَ آيةً من كتاب الله خيرٌ لك من أن تُصلِّيَ مائة ركعةٍ، ولأنْ تغدو فتعلَّمَ باباً من العلم عُمِلَ به أو لمْ يُعملْ به خيرٌ لك من أن تُصلِّي ألف ركعةٍ". 20 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الدنيا ملعونةٌ ملعونٌ ما فيها إلا ذكر الله، ما والاه، وعالماً ومُتعلِّماً".

_ 19 - ابن ماجه (1/ 81) المقدمة، 17 - باب فضل العلماء والحث على طلب العلم. (1) النحل: 43. ابن ماجه (1/ 79) المقدمة، 16 - باب فضل من تعلم القرآن وعلمه قال المنذري إسناده حسن. 20 - الترمذي (4/ 561) 37 - كتاب الزهد، 14 - باب ما جاء في هوان الدنيا على الله عز وجل وقال حديث حسن. ابن ماجه (2/ 1377) 37 - كتاب الزهد، 3 - باب مثل الدنيا.

21 - * روى البخاري ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا حسد إلا في اثنتين: رجلٌ آتاهُ الله مالاً فسلطهُ على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكة فهو يقضي بها ويُعلِّمُها". 22 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابنُ آدم انقطع عملهُ إلا مِنْ ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ، أوْ علمٍ يُنتفعْ به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له". 23 - * روى ابن ماجه عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خيرُ ما يخلُفُ الرجل من بعده ثلاثٌ: ولدٌ صالحٌ يدعو له، وصدقةٌ تجري يبلغُهُ أجرها، وعلمٌ يُعملُ به من بعده". 24 - * روى الترمذي عن أبي أمامة قال: ذُكِرَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان: أحدهما عابدٌ، والآخر عالمٌ، فقال عليه أفضل الصلاة والسلام: "فضلُ العالِمِ على العابد كفضلي على أدناكُمْ"، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله وملائكته، وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جُحْرِهَا، وحتى الحُوتَ ليُصلُّون على مُعَلِّم الناس الخيرَ". قال: مُعلِّمُ الخير يستغفرُ له كل شيءٍ حتى الحيتانُ في البحرِ. 25 - * روى الطبراني عن حُذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى

_ 21 -

الله عليه وسلم: "فضلُ العلمِ أحبُّ إليّ من فضل العبادة، وخيرُ دينكم الورعُ". 26 - * روى أحمد عن صفوان بن عسالٍ المرادي رضي الله عنه قال: أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد متكيءٌ على بُرْدٍ له أحمر، فقلتُ له: يا رسول الله إني جئتُ أطلبُ العلم، فقال: "مرحباً بطالب العلم إن طالب العلم تحفُّهُ الملائكة بأجنحتها يركبُ بعضهم بعضاً حتى يبلغوا السماء الدنيا من محبتهم لما يطلُبُ". 27 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نفَّسَ عن مؤمن كُربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربةً من كربِ يوم القيامة ومن سترَ مسلماً سترهُ الله في الدنيا والآخرة، ومن يسَّرَ على معسرٍ يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقاً يلتمسُ فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، وما اجتمع قومٌ في بيت من بيوت الله يتلُون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا

_ = البخاري وابن حبان، وضعفه ابن معين. كشف الأستار (1/ 85) كتاب العلم، باب فضل العالم والمتعلم، قال البزار: لا نعلمه مرفوعاً إلا من حديث حذيفة بهذا الوجه. الحاكم (1/ 92، 93) كتاب العلم وهو حديث صحيح. 26 - أحمد (4/ 240). الطبراني في الكبير (8/ 64). وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 131) كتاب العلم، باب طالب العلم، وقال الهيثمي ورجاله رجال الصحيح. ابن حبان (1/ 150) كتاب العلم، باب ذكر بسط الملائكة أجنحتها لطالب العلم. الحاكم (1/ 100) كتاب العلم، وصححه وأقره الذهبي. 27 - مسلم (4/ 2074) 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 11 - باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر. أبو داود (4/ 287) كتاب الأدب، 69 - باب في المعونة للمسلم. و (3/ 317) كتاب العلم، باب الحث على طلب العلم. الترمذي (5/ 28) كتاب العلم، باب: فضل طلب العلم. ابن ماجه (1/ 82) المقدمة، 17 - باب فضل العلماء والحث على طلب العلم. ابن حبان (1/ 150) كتاب العلم، ذكر تسهيل الله جل وعلا طريق الجنة على من يسلك في الدنيا طريقاً يطلب فيه علماً. الحاكم (1/ 99) كتاب العلم، في فضل طلاب الحديث. قال صحيح على شرطهما.

حفتهم الملائكة، ونزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمةُ، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن أبطأ به عمله لم يسرعْ به نسبهُ". 28 - * روى ابن ماجه عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من جاء مسجدي هذا لم يأته إلا لخيرٍ يتعلمه أو يُعلمه فهو بمنزلة المُجاهد في سبيل الله، ومن جاء لغير ذلك فهو بمنزلة الرجل ينظرُ إلى متاع غيره". 29 - * روى البخار يعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الناسُ معادنُ، خيارُهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فَقُهوا، الناس تبعٌ لقريش في هذا الشأن، مسلمهم تبع لمسلمهم، وكافرهم تبعٌ لكافرهم، تجدون من يخر الناس أشد الناس كراهية لهذا الشأن؛ حتى يقع فيه". وفي رواية (1) الناس تبع لقريش في الخير والشر. 30 - * روى الإمام أحمد عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الناسُ معادنُ فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقُهوا". 31 - * روى الترمذي عن أنسٍ بن مالكٍ رضي الله عنه قال: كان أخوانِ على عهد

_ 28 - ابن ماجه (1/ 82، 83) المقدمة، 17 - باب فضل العلماء والحث على طلب العلم. وقال في الزوائد: إسناده صحيح على شرط مسلم. 29 - البخاري (6/ 526) 61 - كتاب المناقب - باب قوله تعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى). مسلم (3/ 1451) 33 - كتاب الإمارة-1 - باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش. (1) مسلم (3/ 1451) 33 - كتاب الإمارة، 1 - باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش. ومعناه في الإسلام والجاهلية كما هو مصرح به في الرواية الأولى لأنهم كانوا في الجاهلية رؤساء العرب وأصحاب حرم الله وأهل حج بيت الله وكانت العرب تنظر إسلامهم. فلما أسلموا وفتحت مكة تبعهم الناس وجاءت وفود العرب من كل جهة ودخل الناس في دين الله أفواجاً. وكذلك في الإسلام هم أصحاب الخلافة والناس تبع لهم. وبين صلى الله عليه وسلم أن هذا الحكم مستمر إلى آخر الدنيا، وما بقي من الناس اثنان. 30 - أحمد (4/ 101). مجمع الزوائد (1/ 121) كتاب العلم - باب فضل العالم والمتعلم وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح. (فَقُهَ): بضم لقاف أي صار فقيهاً. 31 - الترمذي (4/ 574) 37 - كتاب الزهد، 33 - باب التوكل على الله، وقال الترمذي: حسن صحيح.

النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أحدهما يحترفُ، وكان الآخرُ يلزم النبي صلى الله عليه وسلم ويتعلمُ منه، فشكا المحترفُ أخاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال "لعلكَ به تُرْزَقُ". 32 - * روى الترمذي عن الفضيل بن عياضٍ رحمه الله قال: عالمٌ عاملٌ معلمٌ يدعى عظيماً في ملكوت السماء. 33 - * روى البخاري عن مجاهد بن جبير قال: كان ابنُ عباس يُوثِق مولاه عكرمة بقيدٍ على تعليم الفرائض والعلم فقال: قيد ابنُ عباس عكرمة على تعليم القرآن والسنن والفرائض. وإليك هذه النصوص والآثار استئناساً: روى ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الصدقة أن يتعلم المرء المسلمُ علماً ثم يعلمه أخاهُ المسلم". روى ابن عبد البر عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العلْمُ علمان: علمٌ في القلب فذاك العلمُ النافع، وعلمٌ على اللسان فذاك حجة الله على ابن آدم". روى الطبراني في الكبير عن ابن مسعود قال: نعم المجلس الذي تذكر فيه الحكمة. روى الطبراني عن أبي العبيد بن العامري وكان ضرير البصر وكان عبد الله بن مسعودٍ يُدنيه، فقال لعبد الله بن مسعود من نسأل إذا لم نسألك؟، فرق له فقال: (1) ما

_ = (يحترف) الحرفةُ: الصنعة والمعيشة التي يكتسب منها الإنسان. 32 - الترمذي (5/ 50) 42 - كتاب العلم، 19 - باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة. وإسناده صحيح. 33 - البخاري (5/ 75) 44 - كتاب الخصومات، 7 - باب التوثق مما تخشى معرَّته. ابنا ماجه (1/ 89) المقدمة، 20 - باب ثواب معلم الناس الخير، وفي الزوائد إسناده ضعيف. ابن عبد البر في كتاب العلم عن الحسن مرسلاً بإسناد صحيح، وقد ضعفه بعض العلماء. الطبراني (9/ 211). مجمع الزوائد (1/ 167) كتاب العلم، باب فيمن نشر علماً أو دل على خير. وقال الهيثمي رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن. الطبراني (9/ 234).

الأواه؟ قال: الرحيم. قال: فما الأمة؟: قال: الذي يعلمُ الناس الخير. قال: فما القانتُ؟: قال: المطيع. قال فما الماعونُ؟: قال: ما يتعاون الناسُ بينهم. قال فما التبذيرُ؟: قال: إنفاق المال في غير حقه، وفي رواية: في غير حله، وفي رواية (1): كان عبد الله بن مسعود يحدث الناس كل يوم فإذا كان يوم الخميس انتابه الناس من الرساتيق والقرى فجاءه رجلٌ أعمى فذكر نحوه. أقول: سؤاله عن الأمَّة إشارة إلى قوله تعالى: (? ٹ ٹ ٹ ...) (2) وأبو العبيدين هو معاوية بن سبرة بن حصين السُّوائي. وقوله: "فمنْ أخذَ به أخذَ بحظٍ وافرٍ" يعني: من ميراث النبوة. قال ابن عباس: تدارُسُ العلم ساعةً من الليل خيرٌ من إحيائها، وفي رواية: تذاكرُ العلم بعض ليلةٍ أحبُّ إليَّ من إحيائها. وقال قتادة: بابٌ من العلم يحفظه الرجل لصلاح نفسه وصلاح من بعده، أفضلُ من عبادة حولٍ. وقال الثوري: ليس عملٌ بعد الفرائض أفضل من طلب العلم. وعنه أيضاً: ما أعلم اليوم شيئاً أفضل من طلب العلم، قيل له: ليس لهم نيَّةٌ! قال: طلبُهم له نيّةٌ. وقال الحسن: من طلب العلم يُريدُ به ما عند الله، كان خيراً له مما طلعتْ عليه الشمسُ. وقال ابن وهب: كنت عند مالكٍ قاعداً أسأله، فرآني أجمع كتبي لأقومَ، قال مالكٌ: أين تُريد؟ قال: قلت: أبادِرُ إلى الصلاة، قال: ليس هذا الذي أنت فيه دون ما تذهب إليه إذا صحّ فيه النية، أو ما أشبه ذلك. وقال الزهري: ما عُبِدَ الله بمثلِ الفقه.

_ (1) الطبراني (9/ 233). مجمع الزوائد (7/ 35) وقال الهيثمي: رواه كله الطبراني بأسانيد ورجال الروايتين الأوليين ثقات. (2) النحل: 12.

وقال سفيان الثوري: ما أعلم عملاً أفضل من طلب العلم وحفظه لمن أراد الله به. وقال سفيان في تفسير الجماعة: لو أن فقيهاً على رأس جبل لكان هو الجماعة. وقال الحسن بن صالح: إن الناس يحتاجون إلى هذا في دينهم، كما يحتاجون إلى الطعام والشراب في دنياهم. قال مطرِّفُ بن عبد الله بن الشِّخِّير: حظّ من علم أحبُّ إليَّ من حظٍ من عبادة. وقال الشافعي: طلبُ العلم أفضلُ من صلاة النافلة. انظر شرح السنة 1/ 279 - 280.

فائدة

فائدة: إن العلوم الإسلامية التي ينبغي أن يركز عليها يمكن حصرها في عشرة: أولاً: القرآن وعلومه ويدخل فيه علم التفسير وعلم التلاوة والقراءات. ثانياً: السنة النبوية وعلومها. ثالثاً: الأصول. رابعاً: علوم اللغة العربية. خامساً: العقائد. سادساً: الفقه. سابعاً: الأخلاق والتزكية. ثامناً: علم الأصول الثلاثة وأنظمة الإسلام. تاسعاً: التاريخ الإسلامي وحاضر العالم الإسلامي ويدخل فيه دراسة التآمر على الإسلام والمسلمين. عاشراً: فقه الدعوة في عصرنا. والملاحظ أن بعض هذه العلوم يحظى بالاهتمام وبعضها لا يحظى بذلك وبعض العلوم تعطي بعض حيثياتها حجماً أكبر مما تحتاجه وبعض العلوم لا يحسن اختيار الزاد المناسب فيه. ومما ورد في متن حاشية ابن عابدين في فقه الحنفية ص 34 ج 1 (العلوم ثلاثة: علم نضج وما احترق وهو علم النحو والأصول وعلم لا نضج ولا احترق وهو علم البيان والتفسير وعلم نضج واحترق وهو علم الحديث والفقه). ومن الملاحظات على هذه العبارة أنه اعتبر الفقه قد احترق أي من كثرة ما اشتغل به واستجمعت مسائله والأمر ليس كذلك فلا زال هناك جديد وكل جديد يحتاج إلى فقه.

والنقطة المهمة في العبارة وهي صادقة: أن علم الحديث نضج واحترق فلقد تكلم سلف الأمة في التصحيح والتضعيف وتقعيد أصوله بما لا مزيد عليه ونحن نشهد في عصرنا ضجيجاً ضارياً حول هذه الحقيقة ونشهد محاولات وكأنها تريد استئناف النظر في السنة النبوية وتعطي لهذا الموضوع حجماً يغطي على كل العلوم وهذا نوع من الشغب وإثارة الفوضى واستفراغ جهود في غير محلها وصرف للأمة عما ينبغي. إن وجود المحدثين في الأمة فرض كفاية ولا يمكن أن تكون الأمة كلها من طبقة المحدثين. * * *

الفصل الثاني في: الترغيب في إكرام العلماء وإجلالهم وتوقيرهم والترهيب من إضاعتهم وعدم المبالاة بهم

الفصل الثاني في: الترغيب في إكرام العلماء وإجلالهم وتوقيرهم والترهيب من إضاعتهم وعدم المبالاة بهم 34 - * روى البخاري عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمعُ بين الرجلين من قتْلَى أُحُدٍ (يعني في القبر) ثم يقول: "أيهما أكثرُ أخذاً للقرآنِ؟ فإذا أُشير إلى أحدهما قدمهُ في اللحْدِ". 35 - * روى أبو داود عن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ مِنْ إجلال الله إكرامه ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه، ولا الجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المُقْسِطِ". 36 - * روى أحمد عن عبد الله بن بُسْرٍ رضي الله عنه قال: لقد سمعتُ حديثاً منذ زمانٍ: إذا كنت في قومٍ عشرينَ رجلاً أو أقل أو أكثر فتصفحت وجوههُمْ فلم ترَ فيهمْ رجلاً يُهابُ في الله عز وجل فاعلمْ أن الأمر قد رقَّ. 37 - * روى الطبراني عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "البركةُ مع أكابرِكُمْ". 38 - * روى أحمد عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه سلم قال: "ليس منَّا منْ لم يوقِّرِ الكبيرَ، ويرحمِ الصغير، ويأمر بالمعروف وينه عن المنكر".

_ 34 - البخاري (3/ 212) 23 - كتاب الجنائز، 75 - باب من يقدم في اللحد. 35 - أبو داود (4/ 261) كتاب الأدب، 23 - باب في تنزيل الناس منازلهم، وهو حديث حسن. 36 - أحمد (4/ 188). 37 - الحاكم (1/ 62) كتاب الإيمان، قوال صحيح على شرط البخاري، ووافقه الذهبي. مجمع الزوائد (8/ 15) كتاب الأدب باب الخير والبركة مع الأكابر، وقال الهيثمي: رواه البزار والطبراني في الأوسط. 38 - أحمد (1/ 257).

39 - * روى الحاكم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يبلغُ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف حق كبيرنا". وفي رواية (1) للترمذي: ويوقر شرف كبيرنا. 40 - * روى أحمد عن عبادة ابن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس من أمتي من لم يُجِلَّ كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعَالِمنا حقه". رواه الطبراني والحاكم (2) إلا أنه قال: ليس منَّا. * * *

_ = ومجمع الزوائد (8/ 14) كتاب الأدب، باب: توقير الكبير ورحمة الصغير. وقال في إسناد أحمد ليث بن أ [ي سليم وهو مدلس. (1) الترمذي (40/ 322) 28 - كتاب البر والصلة، 15 - باب ما جاء في رحمة الصبيان. ابن بان (1/ 341) باب الرحمة - ذكر الزجر عن ترك توقير الكبير. 39 - الحاكم (1/ 62) كتاب الإيمان، وقال صحيح على شرط مسلم. الترمذي (4/ 321، 322) 28 - كتاب البر والصلة، 15 - باب ما جاء في رحمة الصبيان. 40 - أحمد (5/ 323). مجمع الزوائد (8/ 14) كتاب الأدب، باب: توقير الكبير ورحمة الصغير وقال الهيثمي: إسناده حسن. (2) الحاكم (1/ 62) كتاب الإيمان.

الفصل الثالث في: الترهيب من تعلم العلم لغير وجه الله تعالى

الفصل الثالث في: الترهيب من تعلم العلم لغير وجه الله تعالى 41 - * روى أبو داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تعلَّمَ علماً مما يُبتغى به وجهُ الله تعالى لا يتعلمه إلا ليُصيبَ به عرضاً من الدنيا لم يجدْ عرْفَ الجنَّةِ يوم القيامةِ يعني ريحَها". 42 - * روى ابن ماجه عن جابرٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تعلَّمُوا العِلْمَ لتُبَاهُوا به العلماء، ولا تُمارُوا به السُّفهاء، ولا تخيَّرُوا به المجالس، فمنْ فعل ذلك فالنارُ النارُ". وفي رواية (1) بدل (ولا تخيروا به المجالس) قال (ولا لتحدثوا به في المجالس). 43 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أوَّلَ الناس يُقْضَى يوم القيامةِ عليه رجلٌ استشهِدَ فأُتي به فعرفَهُ نعمهُ فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلتُ فيك حتى استشهدْتُ. قال: كذبت ولكنك قاتلت لأن يُقال جرئٌ فقد قيل، ثم أُمر به فسُحب على وجهه حتى أُلْقِيَ في النار، ورجلٌ تعلَّم العلم وعلمهُ، وقرأ القرآن، فأُتيَ به فعرفَهُ نعمهُ فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمتُ العلم وعلمته، وقرأتُ فيك القرآن. قال: كبت ولكنك تعلمت ليُقال عالمٌ، وقرأت القرآن ليُقال

_ 41 - أبو داود (3/ 323) كتاب العلم، باب ف يطل بالعلم لغير الله تعالى. ابن ماجه (1/ 93) المقدمة، 23 - باب الانتفاع بالعلم والعمل به. ابن حبان (1/! 48) كتاب العلم، ذكر وصف العلم الذي يتوقع دخول النار في القيامة لمن طلبه. الحاكم (1/ 85) كتاب العلم، وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. 42 - ابن ماجه (1/ 93) المقدمة، 23 - باب الانتفاع بالعلم والعمل به. قال في الزوائد: رجال إسناده ثقات. ابن حبان (1/ 147) كتاب العلم، باب: ذكر وصف العلم الذي يتوقع دخول النار في القيامة لمن طلبه. الحاكم (1/ 86) كتاب العلم، لكن بلفظ (ولا لتحيزوا). (1) الحاكم (1/ 86) كتاب العلم. 43 - مسلم (3/ 1514) 33 - كتاب الإمارة، 43 - باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار.

قارئٌ فقد قيل، ثم أُمر به فسُحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجلٌ وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال فأتى به فعرفهُ نعمهُ فعرفها، قال، فما عملت فيها؟ قال: ما تركتُ من سبيلٍ تُحبُّ أنْ يُنفق فيها إلا أنفقتُ فيها لك. قال: كذبتَ ولكنك فعلت ليُقال هو جوادٌ فقدْ قيلَ، ثم أُمر به فسُحب على وجهه ثم ألقى في النار". 44 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رفعه: يكونُ في آخر الزمان رجالٌ يخْتِلون الدنيا بالدين، يلبسَون للناس جلودَ الضأن من اللين، ألسنتهُم أحلى من العسل وقلوبهم قلوبُ الذئاب يقولُ اللهُ تعالى أبي تغترون أم علي تجترئون! فبي حلفتُ لأبعثنَّ على أولئك منهم فتنةً تدعُ الحليم منهم حَيرانَ. 45 - * روى الحاكم عن ابن بريدة أن معاوية خرج من حمام حمص فقال لغلامه ائتني لبْستيَّ فلبسهما ثم دخل مسجد حمص فركع ركعتين فلما فرغ إذا هو بناس جلوس فقال لهم ما يجلسكم؟ قالوا صلينا صلاة المكتوبة ثم قص القاص فلما فرغ قعدنا نتذاكر سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال معاوية: ما من رجل أدرك النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم أقل حديثاً عنه مني إني سأحدثكم بخصلتين حفظتهما من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما من رجل يكون على الناس فيقوم على رأسه الراجل يحب أن تكثر الخصوم عنده فيدخل الجنة قال وكنت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوماً فدخل المسجد فإذا هو بقوم في المسجد قعود فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم "ما يقعدكم؟ " قالوا صلينا الصلاة المكتوبة ثم قعدنا نتذاكر كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّ الله إذا ذكر شيئاً تعاظم ذكره". * * *

_ (1) (جرئ): بفتح الجيم وكسرِ الرَّاء وبالمدِّ: أيْ شُجاع حاذِقٌ. 44 - الترمذي (4/ 604) 37 - كتاب الزهد، باب 59. 45 - الحاكم (1/ 94) كتاب العلم، وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.

الفصل الرابع في: الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير

الفصل الرابع في: الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير 46 - * روى ابن ماجه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ مما يلحَقُ المؤمنَ منْ عملِهِ وحسناتِهِ بعدَ موْتِهِ علماً علمَهُ ونشرَهُ، وولداً صالحاً تركهُ، أو مصحفاً ورثَهُ، أو مسجداً بناهُ، أو بيتاً لابن السبيل بناهُ، أو نهراً أجراهُ، أوْ صدقةً أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقُهُ من بعدِ موتهِ". 47 - * روى مسلم عن أبي مسعودٍ البدريِّ أنَّ رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم ليستحمِلَهُ فقال: إنهُ قد أُبْدعَ بي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ائْتِ فُلاناً فأتاهُ فحملَهُ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ دلَّ على خيرٍ فلهُ مثلُ أجرِ فاعله، أو قال عاملهِ". 48 - * روى ابن حبان عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: أتى رجلٌ النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال: "ما عندي ما أُعْطيكَهُ، ولكن ائتِ فلاناً" فأتى الرجُلَ فأعطاهُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ دلَّ على خير فلهُ مثلُ أجرِ فاعلِهِ، أو عَاملِه". الدالُّ على

_ (1) 46 - ابن ماجه (1/ 88، 89) المقدمة، 20 - باب ثواب معلم الناس الخير. ابن خزيمة (4/ 122 ن 123) كتاب الزكاة، 450 - (باب ذكر الدليل على أن أجر الصدقة المحبسة يكتب للمحبس بعد موته ما دامت الصدقة جارية). 47 - مسلم (3/ 1506) 33 - كتاب الإمارة 38 - باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله. أبو داود (4/ 333) كتاب الأدب، باب في الدال على الخير. الترمذي (5/ 41) 42 - كتب العلم، 14 باب ما جاء الدال على الخير كفاعله. [قوله] أبدع بي: هو بضم الهمزة وكسر الدال: يعني هلكت دابتي وهي مركوبي، يقال أبدع به إذا كلّت ركابه أو عطبت وبقي منقطعاً به كأنه جعل إبداعاً أي إنشاء أمر خارج عما اعتيد منها. 48 - الإحسان بترتيب ابن حبان (1/ 255) كتاب البر والإحسان، باب ذكر إعطاء الله جل وعلا الآمر بالمعروف وثواب العامل وكذلك ذكره في كتاب الصلاة (3/ 89) باب ذكر الخبر الدال على أن المؤذن يكون له كأجر من صلى بأذانه. كشف الأستار عن زوائد البزار (1/ 90) كتاب العلم، باب الدال على خير كفاعله. المعجم الكبير للطبراني (17 م 226) فيما رواه أبو عمرو الشيباني عن ابن مسعود. قال النووي: فيه فضيلة الدلالة على الخير والتنبيه عليه والمساعدة لفاعله وفيه فضيلة تعليم العلم ووظائف العبادات لا سيما لمن يعمل بها من المتعبدين وغيرهم والمراد بمثل أجر فاعله أن له ثواباً بذلك الفعل كما أن لفاعله ثواباً ولا يلزم أن يكن قدر ثوابهما سواء. شرح صحيح مسلم 13/ 39.

الخير كفاعله. 49 - * روى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "منْ دعا إلى هُدى كان له من الأجر مثل أجُور منْ تبعهُ لا ينقصُ ذلك من أجورهمْ شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقصُ ذلك من آثامهم شيئاً". 50 - * روى الحاكم عن علي رضي الله عنه في قوله تعالى: (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) (1) قال: علمُوا أهليكُمْ الخيرَ. 51 - * روى أبو داود عن سهل بن سعدٍ الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والله، لأن يُهْدَى بُهداك رجلٌ واحدٌ خيرٌ لك من حُمْر النَّعَم".

_ 49 - مسلم (4/ 2060) 47 - كتاب العلم، 60 - باب من سن سنة حسنة وسيئة. 50 - الحاكم (2/ 494) كتاب التفسير، وقال صحيح على شرطهما، ووافقه الذهبي. (1) التحريم: 6. 51 - أبو داود (3/ 322) كتاب العلم، باب فضل العلم، وإسناده صحيح.

الفصل الخامس في: الترغيب في سماع الحديث وتبليغه

الفصل الخامس في: الترغيب في سماع الحديث وتبليغه 52 - * روى أبو داود عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "نضَّر الله أمرأ سمع منا شيئاً فبلغهُ كما سمعهُ فرُبَّ مُبلَّغٍ أوعى من سامعٍ". 53 - * روى ابن حبان عن زيدٍ بن ثابتٍ قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "نضر الله أمرأ سمع منا حديثاً فبلغَهُ غيرهُ فرُبَّ حامل فقهٍ إلى من هو أفقهُ منه، ورُبَّ حاملِ فقهٍ ليس بفقيهٍ ثلاثٌ: لا يغُلُّ عليهنَّ قلبُ مسلمٍ: إخلاصُ العمل لله، ومناصحةُ وُلاةِ الأمر ولزومُ الجماعةِ، فإن دعوتهُمْ تحُوطُ من وراءهمْ ومنْ كانت الدنيا نيتهُ فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدُّنيا إلا ما كُتب له، ومنْ كانت الآخرةُ نيتهُ جمع الله أمرهُ

_ 52 - أبو داود (3/ 322) كتاب العلم - باب فضل نشر العلم. الترمذي (5/ 34) 42 - كتاب العلم، 7 - باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع، وقال الترمذي: حسن صحيح. الإحسان بترتيب ابن حبان (1 م 143) كتاب العلم، ذكر دعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم لمن أدى من أمته حديثاً سمعه. (قوله نضر) هو بتشديد الضاد المعجمة وتخفيفها حكاه الخطابي، ومعناه الدعاء له بالنضارة، وهي النعمة والبهجة والحسن، فيكون تقديره: جمله الله وزينه، وقيل غير ذلك (الترغيب). (أوعى): أحفظ وأكثر استيعاباً وفهماً. 53 - الإحسان بترتيب ابن حبان (1/ 143) كتاب العلم - ذكر رحمة الله جل وعلا من بلغ أمة المصطفى صلى الله عليه وسلم حديثاً صحيحاً عنه. أبو داود (3/ 322) كتاب العلم، باب فضل نشر العلم. الترمذي (5/ 34) 42 - كتاب العلم، 7 - باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع وقال الترمذي، حسن صحيح. ابن ماجه (1/ 84) المقدمة، 18 - باب من بلغ علماً. (ثلاث): أي ثلاث خِلال. (لا يغل عليهن قلب مسلم): يُغِل بضم الياء الإغلال: الخيانة ويروى بفتحهما. من الغل: الحقد والشحناء، أي لا يدخل المسلم حقد يزيله عن الحق. والمعنى: أن هذه الخلال الثلاث تستصلح بها القلوب فمن استمسك بها طهر قلبه من الغل والخيانة والشر، و (عليهن): حال أي لا يغل عليهن قلب مؤمن.

وجعل غناه في قلبه، وأتتهُ الدُّنْيا وهي راغمةٌ". قوله: (ولزوم الجماعة، فإن دعوتهم تحوط من وراءهم): أول ما يدخل في كلمة لزوم الجماعة هنا حضور صلاة الجماعة فإن دعاء المسلمين ينفعهم وينفع غيرهم. ومما يدخل في لزوم الجماعة التزام أهل السنة والجماعة وعقائدهم وفقههم والبعد عن الشذوذ العقدي والفقهي. أقول: لزوم جماعة المسلمين هنا تفيد لزوم الإمام الراشد ذي العقيدة السليمة والأعمال المستقيمة، فدعوة هؤلاء تحفظ المسلمين من الضياع والضلال. 54 - * روى أحمد عن جُبير بن مُطعِمٍ قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيف (خيف مني) يقول: "نضَّرَ الله عبداً سمع مقالتي فحفظها ووعاها وبلغها من لَمْ يسمعها فرُبَّ حاملِ فقهٍ غيرُ فقيه، ورُبَّ حامِ لفقهٍ إلى من هو أفقهُ منهُ. ثلاثٌ لا يُغِلُّ عليهنَّ قلبُ مؤمنٍ، إخلاصُ العمل لله، والنصيحة لأئمةِ المسلمين، ولزومِ جماعتهم، فإنَّ دعوتهُمْ تحفظُ من وراءهُمْ". 55 - * روى أحمد عن أبان بن عثمان رحمه الله قال: خرج زيدُ بن ثابت من عند مروان نصف النهار، قلنا: ما بعث إليه في هذه الساعة إلا لشيء سأله عنه، فقُمْنَا فسألناه؟ فقال: نعم، سألنا عن أشياء سمعناها من رسول الله صلى الله عليه وسلم: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قول: "نَضَّر اللهُ أمرأً سمع منَّا حديثاً فحفظه حتى يُبلِّغَه غيره، فرُبَّ حاملِ فقهٍ إلى من هو أفقه منه، ورُب حامل فقه ليس بفقيه".

_ 54 - أحمد (3 - 225) (4/ 80). ابن ماجه (1/ 84) المقدمة، باب من بلغ علماً. الطبراني "المعجم الكبير" (17/ 49). مجمع الزوائد (1/ 137) كتاب العلم، باب في سماع الحديث وتبليغه. 55 - أحمد (1/ 437) مجمع الزوائد (1/ 137، 138). أبو داود (3/ 322) كتاب العلم، باب فضل نشر العلم. الترمذي (1/ 33) 42 - كتاب العلم، باب: ما جاء في الحث على تبليغ السماع. الدارمي (1/ 75) باب الاقتداء بالعلماء. ابن ماجه (1/ 85) المقدمة، 18 باب: من بلغ علماً.

56 - * روى الطبراني عن مكحولٍ قال دخلتُ أنا وابنُ أبي زكريا وسليمان بن حبيبٍ على أبي أمامة بحمص فسلمنا عليه فقال: إنَّ مجلسكم هذا من بلاغ الله لكم واحتجاجه عليكم وإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بلغَ فبلَّغُوا. وفي رواية (1) عن سُليم بن عامر قال: عن سُليم بن عامر قال: كنا نجلس إلى أبي أمامة فيحدثنا حديثاً كثيراً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا سكت قال: أعَقَلْتُمَ بلغُوا كما بُلِّغْتُم. 57 - * روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بلِّغُو عني ولو آيةً، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليَّ مُتعمداً فليتبوَّأْ مقعده من النار". فائدة: قال الطيبي، ولا منافاة بين إذنِه هنا، ونهيه في خبرٍ آخر عن التحديث، وفي آخر عن النظر في كتبهم لأنه أراد هنا: التحديث بقصصهم نحو قتل أنفسهم لتوبتهم، وأراد بالنهي: العمل بالأحكام لنسخها بشرعه أو النهي في صدر الإسلام قبل استقرار الأحكام الدينية، والقواعد الإسلامية، فلما استقرت أُذن لأمن المحذور. ا. هـ. وقال ابن حجر: قوله (وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج) أي لا ضيق عليكم في الحديث عنهم لأنه كان تقدم منه صلى الله عليه وسلم الزجر عن الأخذ عنهم والنظر في كتبهم ثم حصل التوسع في ذلك، وكأن النهي وقع قبل استقرار الأحكام الإسلامية والقواعد الدينية خشية الفتنة، ثم لما زال المحذور وقع الإذن في ذلك لما في سماع الأخبار التي كانت في زمانهم من الاعتبار، وقيل معنى قوله "لا حرج": لا تضيق صدوركم بما تسمعونه عنهم من الأعاجيب فإن ذلك وقع

_ 56 - مجمع الزوائد (1/ 139، 140) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن. (1) مجمع الزوائد (1/ 140) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن. 57 - البخاري (6/ 496) 60 - كتاب أحاديث الأنبياء، 50 باب ما ذكر ع بني إسرائيل. الترمذي (5/ 40) 42 - كتاب العلم، 13 - باب ما جاء في الحديث عن بني إسرائيل، وقال حسن صحيح. (لا حَرجَ) الحرجُ: الضيقُ والإثم، ويريد: أنكم مهما قلتم عن بني إسرائيل فإنهم كانوا في حالٍ أكثر منها وأوسعَ، فلا ضيق عليكم فيما تقولونه، ولا إثم عليكم، وليس هذا إباحة للكذب في أخبار بني إسرائيل ورفع الإثم عمن نقل عنهم الكذب، ولكن معناه: الرخصة في الحديث عنهم على البلاغ، وإن لم يتحقق ذلك بنقل الإسناد، لأنه أمر قد تعذر، لبُعد المسافة وطول المدة. ابن الأثير.

لهم كثيراً، وقيل لا حرج في أن لا تحدثوا عنهم لأن قوله أولا "حدثوا" صيغة أمر تقتضي الوجوب فأشار إلى عدم الوجوب وأن الأمر فيه للإباحة بقوله "ولا حرج أي في ترك التحديث عنهم. وقيل المراد رفع الحرج عن حاكي ذلك لما في أخبارهم من الألفاظ الشنيعة نحو قولهم (اذهب أنت وربك فقاتلا) وقال مالك المراد جواز التحدث عنهم بما كان من أمر حسن، أما ما عُلِم كذبه فلا. وقيل المعنى حدثوا عنهم بمثل ما ورد في القرآن والحديث الصحيح. وقيل المراد جواز التحدث عنهم بأي صورة وقعت من انقطاع أو بلاغ لتعذر الاتصال في التحدث عنهم، بخلاف الأحكام الإسلامية فإن الأصل في التحدث بها الاتصال، ولا يتعذر ذلك لقرب العهد. وقال الشافعي: من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجيز التحدث بالكذب، فالمعنى حدثوا عن بني إسرائيل بما لا تعلمون كذبه، وأما ما تجوزونه فلا حرج عليكم في التحدث به عنهم وهو نظير قوله "إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم" ولم يرد الإذن ولا المنع من التحدث مما يقطع بصدقه" ا. هـ ابن حجر. 58 - * روى أحمد قول النبي صلى الله عليه وسلم "ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وكتبه ورسله، فإن كان باطلاً لم تصدقوهم وإن كان حقاً لم تكذبوه" ويؤيده ما أخرجه البخاري (1). عن أبي هريرة رضي الله عنه قال "كان أهلُ الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسّرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تصدِّقوا أهل الكتاب ولا تكذِّبوهم وقولوا (آمنا بالله وما أنزل ...) ". قال البغوي: وهذا أصل في وجوب التوقف عماي شكل من الأمور والعلوم، فلا يُقضى فيه بجواز ولا بُطلان، وعلى هذا كان السلف، وقد سئل عثمان عن الجمع بين الأختين من ملك اليمين؟ قال: أحلتهما آية، وحرمتهما آية، ولم يقضِ فيه بشيء، وقطع علي بتحريمه، وإليه ذهب عامة الفقهاء.

_ 58 - أحمد (4/ 136). أبو داود (3/ 318) كتاب العلم - باب رواية حديث أهل الكتاب. (1) البخاري (8/ 170) 65 - كتاب التفسير، 11 - باب (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا).

ولو حدثت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من هو متَّهَم في حديثه، فلا يُصدق، ولا يُعمل به، لأنه دين، ولو حدثه ثقة وفي إسناده رجل مجهول لا يجب العملُ به، ولا يكذبه صريحاً، لأن المجهول قد يكون صالحاً لحديث أهل الكتاب، بل يقول: هو ضعيف ليس بقوي وما أشبهه. شرح السنة 1/ 269. 59 - * روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهُ: كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء، وكتابكم الذي أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدث تقرؤونه محضاً لم يشب وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله وغيروه وكتبوا بأيديهم الكتاب، وقالوا: هو (مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا) (1) ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم، لا والله ما رأينا منهم رجلاً يسألكم عن الذي أنزل عليكم. 60 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنهُ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "حدِّثُوا عن بني إسرائيل ولا حرج". 61 - * روى أحمد عن عمران بن حصين قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا عامة ليله عن بني إسرائيل لا يقوم إلا إلى عُظْمِ صلاة، وفي رواية (2) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي اللهُ عنهما قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا عن بني إسرائيل حتى يصبح ما يقوم إلا إلى عُظْم صلاة.

_ 59 - البخاري (13/ 333) 96 - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، 25 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء". (1) البقرة: 79. 60 - أبو داود (3/ 322) كتاب العلم، باب الحديث عن بني إسرائيل. وهو صحيح. 61 - أحمد (4/ 444). كشف الأستار (1/ 120، 122) كتاب العلم، باب التاريخ. الطبراني "المعجم الكبير" (18/ 207). مجمع الزوائد (1/ 191) كتاب العلم، باب الحديث عن بني إسرائيل. وقال الهيثمي: رواه البزار وأحمد، والطبراني في الكبير، وإسناده صحيح. (2) أبو داود (3/ 322) كتاب العلم، 11 - باب الحديث عن بني إسرائيل. وإسناده حسن. العُظم: يقال عُظْم الشيء: أكبره، كأنه أراد لا يقوم إلا إلى الفريضة.

62 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: تسمعون ويسمعُ منكم، ويُسمع ممن يَسْمَع منكم. 63 - * روى البخاري عن محمود بن الربيع رضي الله عنه قال: "عَقَلْتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم مَجةً مَجَّها في وجهي من دَلْوٍ من بئر كانت في دارنا، وأنا ابنُ خمس سنين". أقول: يفهم من هذا أن الطفل عنده قابلية للتلقي والحفظ فليبدأ بتعليمه منذ الصغر، ولذلك ترجم البخاري الحديث بقوله: (متى يصح سماع الصغير). 64 - * روى البخاري ومسلم عن سمرة بن جُندُب رضي الله عنه قال: "لقد كنتُ على عهد رسول الله صلى الله عليه وغلاماً، فكنتُ أحفظُ عنه، فما يمنعُني من القول إلا أن هاهنا رجالاً هم أسنُّ مني، وقد صليتُ خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأةٍ ماتت في نفاسها، فقام عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة وسطها". أقول: في لحديث أدب ألا يتصدر الصغار للتعليم بحضرة كبار أهل العلم إلا إذا احتيج إليهم. قال البخاري في صحيحه: (قال ربيعة: لا ينبغي لأحد عنده شيء من العلم أن يضيِّعَ نفسه). قال ابن حجر: ومراد ربيعة أن من كان فيه فهم وقابلية للعلم لا ينبغي له أن يهمل نفسه فيترك الاشتغال لئلا يؤدي ذلك إلى رفع العلم. أو مراده الحث على نشر العلم في أهله لئلا يموت العالم قبل ذلك فيؤدي إلى رفع العلم. أو مراده أن يشهر العالم نفسه ويتصدى للأخذ عنه لئلا يضيع علمه. وقيل مراده تعظيم العلم وتوقيره، فلا يهين نفسه بأن يجعله عرضاً للدنيا.

_ 62 - أبو داود (3/ 322) كتاب العلم -باب الحديث عن بني إسرائيل، وإسناده حسن. 63 - البخاري (1/ 172) 3 - كتاب العلم، 18 - باب متى يصح سماع الصغير، (11/ 241) 81 - كتاب الرقاق، 6 - باب العمل الذي يبتغي به وجه الله. (مجة) المجة: الدفعة من الماء ترميها من فيك. 64 - البخاري (3/ 201) 23 - كتاب الجنائز، 63 - باب أين يقوم من المرأة والرجل؟ مسلم (2/ 664) 11 - كتاب الجنائز، 27 - باب أين يقوم الإمام من الميت للصلاة عليه.

الفصل السادس في: الترهيب من الدعوى في العلم والقرآن

الفصل السادس في: الترهيب من الدعوى في العلمِ والقرآنِ 65 - * روى الشيخان عن أُبِّي بن كعبٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قامَ موسى صلى الله عليه وسلم خطيباً في بني إسرائيل فسُئِلَ أيُّ الناس أعلمْ؟ فقال أنا أعْلَمُ فعَتَبَ الله عليه إذْ لمْ يرُدَّ العلم إليه، فأوحى الله إليه أن عبداً من عبادي بمجمع البحرين هو أعلمُ منك. قال يا ربِّ كيف به؟ فقيل له احمِلْ حُوتاً في مكتلٍ فإذا فقدتهُ فهو ثَمَّ. [فذكر الحديث في اجتماع بالخضر إلى أنْ قال]: فانطلقا يمشيان على ساحل البحر ليس لهما سفينةٌ، فمرتْ بهما سفينةٌ فكلمُوهمْ أن يحملوهما فعُرِفَ الخضرُ فحملُوهُما بغير نولٍ فجاء عصفورٌ فوقع على حرف السفينة فنقر نقرة أو نقرتين في البحر، فقال الخضر: يا موسى ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كنقرة هذا العصفور في هذ البحر". فذكر الحديث بطوله. وفي رواية (1): بينما موسى يمشي في ملإٍ من بني إسرائيل إذ جاءهُ رجلٌ، فقال له: هل تعلمُ أحداً أعلمُ منك؟ قال موسى: لا، فأوحى الله إلى موسى بل عبدنا الخضرُ، فسأل موسى السبيل إليه. 66 - * روى البزار عن عُمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يظهرُ الإسلامُ حتى تختلفَ التُّجَّارُ في البحر، وحتى تخُوضَ الخَيْلُ في سبيل الله، ثم يظهرُ قومٌ يقرؤون القرآن يقولون من أقرأُ منَّا؟ منْ أعلمُ منا؟ من أفقه منا؟ " ثم قال لأصحابه: "هلْ في أولئك من خيرٍ؟ " قالوا: اللهُ

_ 65 - البخاري (1/ 218) 3 - كتاب العلم، 44 - باب ما يستحب للعالم إذا سئل أي الناس أعلم فيكل العلم إلى الله. مسلم (4/ 1847) 43 - كتاب الفضائل -46 - باب من فضائل الخضر عليه السلام. (1) أحمد (5/ 116). (مكتل) القفة والزنبيل. 66 - كشف الأستار (1/ 99) كتاب العلم، باب - ما يخاف على العالم، ورجاله موثقون. مجمع الزوائد (1/ 86) كتاب العلم، باب - كراهية الدعوى، وقال الهيثمي عن حديث عمر: ورجال البزار موثقون، وعن حديث العباس فيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف.

ورسوله أعلمُ. قال: "أولئك منكمُ من هذه الأمة وأولئك هم وقودُ النار". 67 - * روى الطبراني عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قام ليلة بمكة من الليل فقال: "اللهم هل بلغتُ (ثلاث مرات) " فقام عمر بن الخطاب، وكان أواهاً، فقال: اللهم نعم، وحضت وجهدت ونصحت، فقال: "ليطهرن الإيمان حتى يُرد الكفر إلى مواطنه، ولتُخاضَّنَّ البحارُ بالإسلام، وليأتين على الناس زمان يتعلمون فيه القرآن يتعلمونه ويقرؤونه، ثم يقولون قد قرأنا وعلمنا، فمن ذا الذي هو خيرٌ منا، فهل في أولئك من خيرٍ؟ " قالوا يا رسول الله: من أولئك؟ قال: "أولئك منكمْ، وأولئك هم وقود النار".

_ 67 - مجمع الزوائد (1/ 186) وقال: رجاله ثقات إلا أن هند بن الحاث الخثعمية التابعية لم أر من وثقها ولا جرحها، وقال ابن حجر عنها مقبولة. [أي عند المتابعة]. قوله (منكم): أي من المسلمين والله أعلم. (الأواه): المتأوه المتضرع وقيل كثير البكاء وقيل الكثير الدعاء.

الفصل السابع في الترهيب من كتم العلم

الفصل السابع في الترهيب من كتم العلم 68 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "منْ سُئل عن علمٍ فكتمهُ أُلْجِمَ يوم القيامة بلجامٍ من نارٍ". وفي رواية (1) لابن ماجه قال: "ما مِنْ رجلٍ يحفظُ علمنا فيكتمُهُ إلا أتى يوم القيامة ملجُوماً بلجامٍ من نارٍ". 69 - * روى ابن حبان عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كتم علماً ألْجَمَهُ الله يوم القيامةِ بلجامٍ من نارٍ". 70 - * روى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سُئِلَ عن علمٍ فكتمهُ جاء يوْمَ القيامة مُلْجماً بلجامٍ منْ نارٍ". قال ابن الأثير (بلجام من نار) المُمْسِك عن الكلام ممثَّل بمن ألجم نفسه بلجام، والمعنى: أن الملجم نفسه عن قول الحق والإخبار عن العلم يُعاقب في الآخرة بلجام من نار، وذلك في العلم الذي يلزمه تعليمه إياه، ويتعين عليه فَرْضه، كمن رأى كافراً يريد الإسلام،

_ 68 - أبو داود (3/ 321) باب كراهية منع العلم. الترمذي (5/ 29) باب ما جاء في كتمان العلم، وقال: حديث حسن. ابن ماجه (1/ 97) مقدمة- 24 باب من سئل عن علم فكتمه. ابن حبان "الإحسان" (1/ 54) كتاب العلم - باب ذكر إيجاب العقوبة في القيامة على الكاتم العلم الذي يحتاج إليه في أمور المسلمين. الحاكم (1/ 101) المستدرك - كتاب العلم وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (1) ابن ماجه (1/ 96) 24 - باب من سئل عن علم فكتمه. 69 - ابن حبان "الإحسان" (1/ 154) كتاب العلم - باب ذكر خبر ثانٍ يصرح بصحة ما ذكرناه. الحاكم (1/! 02) المستدرك - كتاب العلم وقال صحيح، ووافقه الذهبي. 70 - الطبراني "المعجم الكبير" (11/ 145). مجمع الزوائد (1/ 163) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلي، والطبراني في الكبير، ورجال أبي يعلي رجال الصحيح.

فيقول: علَّموني ما الإسلام، وما الدين؟ وكمن يرى رجلاً حديث عهد بالإسلام، ولا يُحسن الصلاة وقد حضر وقتُها، يقول: علموني كيف أصلي؟ وكمن جاء مُستفتيا في حلال أو حرام يقول: أفتوني، أرشدوني، فإنه يلزم في مثل ذلك أن يُعَرَّف الجواب: فمن منعه استحق الوعيد، (أقول: وكذلك في كل ما يجب بيانه وتعين على إنسان بعينه) وليس الأمر كذلك في نوافل العلم التي لا يلزم تعليمها. قال سفيان الثوري: ذاك إذا كتم سنة، وقال: لو لم يأتني أصحاب الحديث لأتيتهم في بيوتهم ولو أني أعلم أحداً يطلب الحديث بنية لأتيته في منزله حتى أحدثه. ومنهم من يقول إنه علم الشهادة. 71 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "إنكم تقولون: إن أبا هريرة يُكثِرُ الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: ما بالُ المهاجرين والأنصار لا يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل حديث أبي هريرة، وإن إخواني من المهاجرين كان يشغَلُهم الصَّفْقُ بالأسواق، وكنتُ ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني، فأشهدُ إذا غابوا، وأحفظُ إذا نسُوا، وكان يشغل إخواني من الأنصار عملُ أموالهم، وكنت امرأ مسكيناً من مساكين الصُّفَّة، أعي حين ينسوْنَ، ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث يُحدِّثه: "أنه لن يَبْسُط أحد ثوبه حتى أقضي مقالتي ثم يجمع إليه ثوبه، إلا وعي ما أقول"ن فبسطتُ نمرةً عليَّ، حتى إذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته جمعتُها إلى صدري، فما نسيتُ من مقالة رسول الله صلى الله عليه تلك من شيءٍ. وفي رواية (1): قال أبو هريرة. وذكر نحوه، وفي آخره "ولولا آيتان أنزلهما الله في كتابه

_ 71 - البخاري (13/ 321) 96 - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة 22 - باب الحجة على من قال إن أحكام النبي صلى الله عليه وسلم كانت ظاهرة. مسلم (4/ 1939، 1940) 44 - كتاب فضائل الصحابة، 35 - باب من فضائل أبي هريرة الدوسي رضي الله عنه. (1) مسلم (4/ 1940) 44 - كتاب فضائل الصحابة، 35 - باب من فضائل أبي هريرة رضي الله عنه. (أهل الصُّفة) الصُّفة: صُفة كانت في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة يكون فيها متشردو المهاجرين وفقراؤهم، ومن لا منزل له منهم، وأهلها منسوبون إليها، وهم متفرغون للعلم والعبادة والجهاد ولم يكن عددهم ثابتاً. (نمرة) النمرة: كل مئزر مخطط من مآزر الأعراب، وجمعها نِمار.

ما حدثت شيئاً أبداً (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) (1). وفي أخرى (2) نحوه، مع ذكر الآيتين. وفي آخره "فما نسيتُ شيئاً سمعتُه منه". 72 - * روى البخاري عن أبي هريرة قال: قلت لرسول الله: إني أسمع منك حديثاً كثيراً أنساهُ، قال: "ابسُطْ رداءك، فبسطتُه، فغرف بيده، ثم قال: ضُمَّه، فضممْته، فما نسيت شيئاً بعدُ". وفي أخرى (3) لهما قال: إن الناس يقولون: أكثر أبو هريرة، والله الموعدُ، وما كنتُ لأكذب على رسول الله صلى الله علي وسلم كي تهتدُوا وأضِلَّ، ولولا آيتان في كتاب الله عز وجل ما حدثتُ حديثاً، ثم يتلو: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى ...) إلى قوله (وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ). 73 - * روى البخاري إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلُهم الصَّفقُ بالأسواق، والأناصر كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإن أبا هريرة كان يلزمُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبَعِ بطنه، ويحضر مالا يحضُرون، ويحفظُ مالا يحفظون ... الحديث. 74 - * روى الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مثل

_ (1) البقرة: 159، 160. (2) مسلم (4/ 1939) 44 - كتاب فضائل الصحابة، 35 - باب فضائل أبي هريرة رضي الله عنه. 73 - البخاري (1/ 215) 3 - كتاب العلم -42 - باب حفظ العلم. (3) البخاري (1/ 213) 3 - كتاب العلم، 42 - باب حفظ العلم. البخاري (1/ 213) 3 - كتاب العلم، 42 - باب حفظ العلم. الترمذي (5/ 684) 50 - كتاب المناقب، 47 - باب مناقب لأبي هريرة رضي الله عنه. 74 - مجمع الزوائد (1/ 164) قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، فيه ابن لهيعة وهو ضعيف. (الصفق) في البيع: صوت وقع وَقْع يد البائع على يد المشتري عند عقد التبايع. قوله: على ملء بطني أي: ألازمه وأقنع بقُوْتي ولا أجمع مالاً لذخيرة ولا غيرها ولا أزيد على قوتي. (أموالهم) أراد بالأموال هاهنا: البساتين التي كانت للأنصار.

الذي يتعلم العلم ثم لا يحدث به كمثل الذي يكنز الكنز فلا ينفق منه". يجب على العالم أن يُعَلَّمَ وأن يعمل فإذا قصر في التعليم والعمل كان مقصراً مرتين وإذا عمل أحدهما كان مقصراً مرة. فإذا كان تقصيره في فريضة متعينة عليه استحق بذلك العذاب إلا أن يعفو الله عز وجل أما العالم المنافق فيكفيه نفاقه يوبقه. 75 - * روى البخار يعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين، فأما أحدها: فبثثته فيكم، وأما الآخر: فلو بثثته قُطع هذا البُلْعُوم". أقول: في الحديث إشارة إلى أن ما كل ما يُعلم يقال: فبعض العلم لا يجب الكلام فيه. 76 - * روى البخار يعن أبي ذرٍّ الغِفاري رضي الله عنه قال: "لو وضعتم الصَّمْصامَة على هذه - وأشار إلى قفاه - ثم ظننتُ أني أُنْفِذُ كلمةً سمعتُها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تجيزوا عليَّ لأنفذْتُها". قال الحافظ في "الفتح": هذا التعليق رويناه موصولاً في مسند الدارمي وغيره من طريق الأوزاعي، حدثني أبو كثير يعني مالك بن مرثد عن أبيه قال: أتيت أبا ذر وهو جالس عند الجمرة الوسطى وقد اجتمع عليه الناس يستفتونه، فآتاه رجل فوقف عليه ثم قال: ألم تُنه عن الفتيا، فرفع رأسه إليه فقال: أرقيب أنت علي؟ ل وضعتم ... فذكر مثله، ورويناه في "الحلية" من هذا الوجه. أقول: هذا دليل على أن نشر العلم الشرعي مأذون به من الشارع ولا يحتاج إلى إذن من أحد.

_ 57 - البخاري (1/ 116) 3 - كتاب العلم، 42 - باب حفظ العلم. قال البخاري: البُلعوم: مجرى الطعام. (وعاءيْن) الوعاء: ما يجعل فيه الشيء يُحرز فيه، كأنه أراد به: عِلْمَين في وعاءين. 76 - البخاري (1/ 160) 3 - كتاب العلم، 10 - باب العلم قبل القول والعمل. (الصمصام والصمصامة): السيف.

الفصل الثامن في وجوب التعلم والتعلم

الفصل الثامن في وجوب التعلّم والتعلم 77 - * روى الطبراني عن علقمة بن سعيد بن عبد الرحمن بن أبْزَى عن أبيه عن جدهِ قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ فأثنى على طوائف من المسلمين خيراً، ثم قال: "ما بالُ أقوامٍ لا يُفقِّهُون جيرانهُمْ، ولا يُعَلِّمُونهُم، ولا يعطونهُمْ، ولا يأمرونهم ولا ينهونهم، وما بال أقوامٍ لا يتعلمون من جيرانهم، ولا يتفقهون، ولا يتعظون. والله ليُعَلِّمَنَّ قومٌ جيرانهم، ويفقهونهم، ويعظونهم، ويأمرونهم، وينهونهم، وليتعلمن قومٌ من جيرانهِم، ويتفقهون، ويتعظون أو لأعاجلنهم العقوبة"، ثم نزل فقال: "قومٌ من ترونهُ عني بهؤلاءِ؟ " قال: "الأشعريين هم قومٌ فقهاء، ولهم جيرانٌ جٌفاةٌ من أهل المياه والأعرابِ". فبلغ ذلك الأشعريين، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله ذكرت قوماً بخيرٍ، وذكرتنا بشرٌّ فما بالنا؟ فقال: "ليُعَلِّمَنَّ قومٌ جيرانهم، وليعظنهم، وليأمرنَّهُم، ولينهونهم، وليتعلمن قومٌ من جيرانهم، ويتعظون ويتفقهون أو لأعاجلنهم العقوبة في الدنيا"، فقالوا: يا رسول الله أنُفَطِّنُ غيرنا فأعاد قوله عليهم فأعادوا قولهم، أنفط غيرنا. فقال ذلك أيضاً، فقالوا أمهلنا سنة فأملهم سنة ليفقهوهم، ويعلموهم، ويعظوهم"، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: (ٹ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) (1) الآية. أقول: هذا الحديث نص في فرضية التعلم، والتفقه، وهو أصل أصيل في إلزامية التعليم الشرعي وعلى هذا فالمسلمون مكلفون أن ينظموا عملية إيصال العلوم الشرعية المطلوبة إلى

_ 77 - مجمع الزوائد (1/ 164) باب في تعليم من لا يعلم، قال الهيثمي: وفيه بكير بن معروف وثقه أحمد في رواية، وضعفه في أخرى، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به. وقال ابن حجر: قال النسائي ليس به بأس، وقال في التقريب صدوق فيه لين. (1) المائدة: 78.

كل رجل وامرأة وأن يهيئوا كل ما يلزم لذلك، وفي الحديث دليل على أن شر العلم وجلسات الوعظ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الخير واجبةً على المسلمين. * * *

الفصل التاسع في الترهيب من أن يعلم ولا يعمل بعلمه ويقول ولا يفعله

الفصل التاسع في الترهيب من أن يَعْلم ولا يعمل بعلمه ويقول ولا يفعله 78 - * روى مسلم عن زيد بن أرقم رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهُمَّ إني أعوذُ بك من علمٍ لا ينفع، ومن قلبٍ لا يخشع، ومن نفسٍ لا تشبعُ، ومنْ دعوةٍ لا يُستجابُ لها". 79 - *روى الشيخان عن أسامة بن زيدٍ رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يُجاءُ بالرجل يوم القيامة فيُلْقى في النار فتندلقُ أقتابُهُ فيدور بها كما يدور الحمار برحاهُ، فتجتمعُ أهل النار عليه فيقولون: يا فلان ما شأنك، ألست كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن الشر وآتيه. قال وإني سمعته يقول: "يعني النبي صلى الله عليه وسلم- "مررتُ ليلة أُسري بي بأقوام تُقْرَضُ شفاههم بمقاريض من نارٍ، قلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال خطباء أمتك الذين يقولون مالا يفعلون". 80 - * روى الترمذي عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزولُ قدما عبدٍ حتى يُسأل عن عمرهِ فيم أفناهُ، وعن علمِه فيم فعل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاهُ؟ ". 81 - * روى الترمذي عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

_ 78 - مسلم (4/ 2088) 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 18 - باب التعوذ من شر ما عمل وشر ما لم يعمل. الترمذي (5/ 519) 45 - كتاب الدعوات، باب 69. النسائي (8/ 263/264) 50 - كتاب الاستعاذة 21 - باب الاستعاذة من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق رواه عن أنس- وفي نفس الموضع في باب الاستعاذة من دعاء لا يسمع. عن أبي هريرة. 79 - البخاري (6/ 331) 59 - كتاب بدء الخلق -10 - باب صفة النار وأنها مخلوقة. مسلم (4/ 2290) 53 - كتاب الزهد والرقائق، 7 - باب عقوبة من يأمر المعروف ولا يفعله وينهى عن المنكر ويفعله. 80 - الترمذي (4/ 612) 38 - كتاب صفة القيامة، 1 - باب في القيامة - قال: هذا حديث صحي. 81 - الترمذي (4/ 612) 38 - كتاب صفة القيامة -1 - باب في القيامة هذا حديث غريب لا نعرفه.

"لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يُسأل عن خمسٍ: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وما عمل فيما علمَ؟ ". 82 - * روى الطبراني عن جُندب بن عبد الله الأزدي رضي الله عنه صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مثلُ الذي يُعَلِّمُ الناس الخيرَ وينسى نفسه كمثل السراج يضيءُ للناس ويحرقُ نفسهُ". 83 - * روى أحمد عن عمرا نبن حُصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أخوَفَ ما أخافُ عليكم بعدي كل منافقٍ عليم اللسانِ". ومما يستأنس به في هذا المقام. عن مالك بن دينار عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما مِنْ عبدٍ يخطبُ خطبةً إلا الله عز وجل سائلهُ عنها" أظنه قال: ما أرادبها. قال جعفر: كان مالكُ بن دينارٍ إذا حدث بهذا الحديث بكى حتى ينقطع، ثم يقول: تحسبُونَ أن عيني تقرُّ بكلامي عليكمْ، وأنا أعلمُ أن الله عز وجل سائلي عنه يوم القيامة ما أردت به؟. رواه ابن أبي الدنيا والبيهقي مرسلاً بإسناد جيد [ترغيب]. وعن لقمان يعني ابْنَ عامرٍ قال: كان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: إنما أخشى من ربي يوم القيامة أنْ يدعوني على رؤوس الخلائق فيقول لي يا عويمرُ فأقولُ لبيك ربِّ، فيقول ما عملت فيما علمت؟. رواه البيهقي (ترغيب، وعليه إشارة الحسن). * * *

_ 82 - الطبراني في الكبير (2/ 166)، ومجمع الزوائد (1/ 184) وإسناده حسن. 83 - أحمد (1/ 22)، مجمع الزوائد (1/ 187) وقال: رواه البزار وأحمد وأبو يعلي ورجاله موثقون. كشف الأستار عن زوائد البزار (1/ 97، 98) كتاب العلم - باب التحذير من علماء السوء. الطبراني "المعجم الكبير" (18/ 37)، مجمع الزوائد (1/ 187) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والبزار ورجاله رجال الصحيح.

الفصل العاشر في الترهيب من المراء والجدال والمخاصمة والمحاججة والقهر والغلبة

الفصل العاشر في الترهيب من المراء والجدال والمخاصمة والمحاججة والقهر والغلبة 84 - * روى أبو داود عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا زعيم ببيتٍ في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وببيتٍ في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً وببيتٍ في أعلى الجنة لمن حسن خلقه". 85 - * روى الترمذي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "منْ ترك الكذب وهو باطلٌ بُني له في ربض الجنة، ومن ترك المراء وهو محقٌّ بُني له في وسطها، ومن حسن خلقه بُني له في أعلاها". 86 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ضلَّ قومٌ بعد هُدىً كانوا عليه إلا أوُتوا الجدل" ثم قرأ: (ما ضربوه لك إلا جدلا) (1). 87 - * روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أبغض الرجال إلى الله الألدُّ الخصمُ". أقول: إن المسلم مطالب بإقامة الحجة وهو ما دام في حدود إقامة الحجة من أجل

_ 84 - أبو داود (4/ 253) كتاب الأدب، 8 - باب حسن الخلق، وسنده قوي كما قال الأرنؤوط. ربضُ الجنة: ما حولها. 85 - الترمذي (4/ 358) 28 - كتاب البر والصلة، 58 - باب ما جاء في المراء، وقال: حديث حسن. 86 - الترمذي (5/ 378) 48 - كتاب تفسير القرآن، 45 - باب سورة الزخرف وقال: حسن صحيح. ابن ماجه (1/ 19) المقدمة، 7 - باب اجتناب البدع والجدل. (1) الزخرف: 58. 87 - البخاري (5/ 106) 46 - كتاب المظالم، 15 - باب قول الله تعالى [204 البقرة]: (وهو ألدُّ الخصام). مسلم (4/ 2054) 47 - كتاب العلم، 2 - باب في الألد الخصم. الترمذي (5/ 214) 48 - كتاب تفسير القرآن، 3 - باب سورة البقرة. النسائي (8/ 247) 49 - كتاب آداب القضاة، 34 - باب الألد الخصم. (الألدُّ) بتشديد الدال المهملة: هو الشديد الخصومة [الخصم] بكسر الصاد المهملة: هو الذي يحجُّ من يخاصمه بالباطل.

الإسلام أو من أجل تأكيد حق أو دفع باطل أو شبهة أو بدعة فإنه مأجور، وقد تكون إقامة الحجة في حق بعض الناس فريضة عينية والمذموم هو ما تجاوز إقامة الحجة، فالله عز وجل نهانا أن نجادل أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن قال تعالى (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (1) فإذا كان هذا مطلوباً في مجادلة أهل الكتاب فمن باب أولى غيرهم، وكثيراً ما يغيب عن الجدال حسن النية، وأحياناً يرافقه غضب وحدة وشدة وإيذاء وتجاوز للحق إلى الباطل، وهذه كلها تنتفي إذا تأدب الإنسان بآداب الشرع فاكتفى بالقدر الذي يحتاجه إحقاق الحق وإبطال الباطل أما الجدال الدنيوي فمهما تساهل الإنسان في حقه الشخصي فيه فذلك من مكارم الأخلاق. 88 - * روى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: هجرتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً، فسمع أصوات رجلين اختلفا في آيةٍ فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعْرَفُ في وجهه الغضبُ، فقال: "إنما هلك منْ كان قبلكم باختلافهم في الكتاب". 89 - * روى أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً يتدارؤون، قال الرمادي: يتماروْنَ، فقال: "إنما هلك من كان قبلكم بهذا ضربُوا كتاب الله بعضه ببعضٍ، وإنما نزل كتاب الله عز وجل يُصَدِّقُ بعضه بعضاً، فلا تُكذبوا بعضه ببعضٍ، فما علمتم منه فقولوه، وما جهلتم فكْلِوهُ إلى عالمه".

_ (1) العنكبوت: 46. 88 - مسلم (4/ 2053) 47 - كتاب العلم، 1 - باب النهي عن اتباع متشابه القرآن. (_هجَّرْتُ) هجرت إليه: بكرْتُ وقصدتُ، ويجوز أن يكون من الهاجرة، أي: قصدته وقت الهاجرة، وهو شدة الحر. 89 - أحمد (2/ 195، 196). ابن ماجه (1/ 33) المقدمة، 10 - باب في القدر. البغوي في شرح السنة (1/ 360) وحسن إسناده المحقق. وقال في مجمع الزوائد إسناده صحيح، ورجاله ثقات. قوله: (يتدارؤون) يريد: يختلفون، ومنه قوله سبحانه وتعالى: (فادَّارأتُمْ فيها) [البقرة: 72] أي: تدارأتم وتدافعتم واختلفتم.

90 - * روى أحمد عن أبي سلمة، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المِرَاءُ في القرآن كُفْرٌ". واختلفوا في تأويله، ف قيل: معنى المراء: الشك، كقوله سبحانه وتعالى: (فلا تكن في مرية) (1) أي: في شكٍّ، وقيل: المراء: هو الجدال المشكك، وذلك أنه إذا جادل فيه، أدّاه إلى أن يرتاب في الآي المتشابهة منه، فيؤديه ذلك إلى الجحود، فسماه كفراً باسم ما يُخشى من عاقبته إلا من عصمه الله. وتأوَّله بعضهم على المراء في قراءته، وهو أن يُنكرَ بعض القراءات المروية، وقد أنزل الله القرآن على سبعة أحرُفٍ، فتوَّعدهم بالكفر لينتهوا عن المراء فيها، والتكذيب بها، إذ كلُّها قرآنٌ منزلٌ يجب الإيمان به. وكان أبو العالية الرِّياحي إذا قرأ عنده إنسانٌ لم يقل: ليس هو كذا، ولكن يقول: أما أنا فأقرأ هكذا قال: شُعيب بن أبي الحبحاب: فذكرتُ ذلك لإبراهيم، فقال: أرى صاحبك قد سمع أنه من كفر بحرفٍ، فقد كفر بكُلِّه. شرح السنة (1/ 261 - 263).

_ 90 - أحمد (2/ 286). (1) هود: 17. أبو داود (4/ 199) كتاب السنة، 5 - باب النهي عن الجدال في القرآن. الحاكم (2/ 223) وصححه، ووافقه الذهبي.

الفصل الحادي عشر في بعض آداب التعليم والتعلم

الفصل الحادي عشر في بعض آداب التعليم والتعلم 1 - التَّخَوُّلُ بالموعظةِ: 91 - * روى الشيخان عن شقيق بن سلمة قال: كان عبدُ الله بن مسعود يُذكِّر الناس في كل خميس، فقال له رجلٌ: يا أبا عبد الرحمن، لوددْتُ أنك ذكرتَنا كل يوم، قال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكْرَه أن أُمِلَّكم، وإني أتَخُوَّلُكم بالموعظة، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوَّلُنَا بها مخافة السآمةِ علينا". واختصره الترمذي (1) والبخاري أيضاً قال: قال عبد الله. "كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة مخافة السآمة علينا". وفي رواية (2) قال: "كنا نَنْتَظِرُ خُروج عبد الله، إذ جاءنا يزيدُ بن معاوية الكوفي النخعي، فقلنا: ألا تجلسُ؟ فقال: لا، ولكن أنا أدخُل، فأُخرجُ لكم صاحبكم، وإلا جئتُ فجلستُ، فدخل فخرج به وأخذ بيده، فقام عبد الله علينا، فقال: أما إني أخبرُ بمكانكم، ولكنه يمنعني من الخروج إليكم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتخوَّلُنا بالموعظة في الأيام كراهية السآمة علينا". أقول: هناك موعظة وهناك تعليم فمجالس الوعظ يلاحظ فيها حال الناس وإقبالهم وفراغهم واستعدادهم أما إعطاء العلم لأهله والراغبين فيه فهذا كان دائماً في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم والعلماء الربانيين.

_ 91 - البخاري (1/ 162) 3 - كتاب العلم، 12 - باب من جعل لأهل العلم أياماً معلومة. مسلم (4/ 2172) 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، 19 - باب الاقتصار في الموعظة. (1) الترمذي (5/ 142) 44 كتاب الأدب، 72 - باب ما جاء في الفصاحة والبيان. (2) أحمد (1/ 377، 425). قال ابن الأثير: (أتَخَولكم) التَّخَوُّل: التعهد للشيء وحفظه، قال الهروي: وقال أبو عمرو: الصواب "يتحوّلنا" بالحاء غير المعجمة، أي: يطلب أحوالنا التي نَنْشَط للموعظة فيها، فيعظنا، قال الجوهري، وكان الأصمعي يقول: "يتخوَّلُنا" بالنون، أي: يتعهد. ا. هـ (لكن لفظ الحديث في الصحيح يتخولنا). (السآمة): الضجر والملل.

2 - في أدب السؤال والاختبار

روى البخاري عن عكرمةُ أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حدِّثِ الناس مرةً في الجمعة، فإن أبَيْتَ فمرتين، فإن أكثرت فثلاثاً، ولا تُملَّ الناس هذا القرآن، ولا ألفيناك تأتي القوم وهم في حديث من حديثهم، فتقُصَّ عليهم، فتقْطَع عليهم حديثهم، فتُمِلَّهم، ولكن أنصبت، فإذا أمروك فحدثهم وهم يشتهونه، وانظر السجعَ من الدعاء فاجتنبه، فإني عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يفعلون ذلك. قال ابن مسعود: حدِّث القوم ما حدَجُوك بأبصارهم وأقبلت عليك قلوبهم فإذا انصرفت عنك قلوبهم فلا تحدثهم، قيل وما علامة ذلك؟ قال: إذا التفت بعضهم إلى بعض ورأيتهم يتثاءبون فلا تحدثهم. وقوله حدجُوك: أي رموك بأبصارهم، يشتهون حديثك. شرح السنة 1/ 313. 2 - في أدب السؤال والاختبار: 92 - * روى البخاري عن ابن عمر كنا عند الني صلى الله عليه وسلم فقال "أخبروني بشجرة تشبه أو كالرجل المسلم لا يتحاتُّ ورقُا ولا ولا ولا ولله تؤتي أكلها كلَّ حينٍ" فوقع في نفسي أنها النخلةُ، ورأيتُ أبا بكرٍ وعمر لا يتكلمان، فكرهت أن أتكلم، فلما لم يقولوا شيئاً قال صلى الله عليه وسلم: "هي النخلةُ". فلما قمنا، قلتُ لعمر: يا أبتاه والله لقد كان وقع في نفسي أنها النخلةُ فقال ما منعك أن تتكلم؟ قال: لم أركم تكَلَّمون فكرهت أن أتكلم أو أقول شيئاً فقال عمر لئن كنت قُلتها أحبُّ إليَّ من كذا وكذا. ومن روايته (1) فوقع الناس في شجر البوادي ووقع في نفسي أنها النخلة. - ومنها (2): بينا نحن عنده صلى الله عليه وسلم إذا أُتِيَ بجُمَّار نخلة فقال: "إن من

_ = البخاري (11/ 138) 80 - كتاب الدعوات، 20 - باب ما يكره من السجع في الدعاء. "لا ألفينك" ألفيت فلاناً: إذا وجدته، ولا ألفينَّك، أي: لا ألقاك، ولا أجدك على الحالة التي أشار إليها. 92 - البخاري (8/ 377) 65 - كتاب التفسير، - باب (كشجرة طيبة أًلها ثابت وفرعها في السماء). (1) البخاري (1/ 145) 3 - كتاب العلم، 3 - باب من رفع صوته بالعلم. (2) البخاري (9/ 569) 70 - كتاب الأطعمة، 42 - باب أكل الجمار. (جُمَّار النخلة): قلب النخلة وشحمتها.

الشجر شجرةً لها بركةٌ كبركة المسلمِ"، فظننت أنه يعني النخلة فأردتُ أن أقول هي الخلةُ، فنظرت فإذا أنا عاشر عشرة أنا أحدثُهم. فسكتُ فقال: "فقال: "هي النخلةُ". في دليل على أنه يجوز للعالم أن يطرح على أصحابه ما يختبرُ به علمهم. أما ما رُوي عن معاوية أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الأغلُوطاتِ فقال الأوزاعي: هي شرار المسائل، فمعناه: أن يقابل العالِمُ بصعاب المسائل التي يكثُرُ فيها الغلطُ، ليُسْتَزَلَّ ويُستسْقط فيها رأيُه. وروى عن عبد الله بن مسعود أنه قال: أنذرتكم صِعابَ المنطق. يريد المسائل الدقاق والغوامض. وإنما نهي عنها، لأنها غير نافعة في الدين، ولا يكاد يكون إلا فيما لا يقع أبداً. ويُكره للرجل أن يتكلف بسؤال ما لا حاجة به إليه، فإن دعتِ الحاجة إليه، فلا بأس، كما روي أن عمر أراد إظهار فضل عبد الله بن عباس على القوم، فسألهم عن قول الله تعالى: (إذا جاء نصر الله والفتح) قال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نُصرنا وفُتح علينا، وقال بعضهم: لا ندري، ولم يقل بعضهم شيئاً، فقال لابن عباس ما تقول؟ قال: قلت: أجلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمَهُ الله تعالى له، قال عمر، ما أعلمُ منها إلا ما تعلم. وروى أن رجلاً سأل أُبيَّ بن كعب عن مسألةٍ فيها غموضٌ، فقال: هل كان هذا؟ قال: لا، قال: فأمهلني إلى أن يكون. شرح السنة 1/ 308. 93 - * روى الشيخان عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه رضي الله عنهما أنَّ

_ = مسلم (4/ 2164، 2165) 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، 15 - باب مثل المؤمن مثل النخلة. الترمذي (5/ 151) 44 - كتاب الأمثال، 4 - باب ما جاء في مثل المؤمن القارئ للقرآن وغير القارئ. 93 - البخاري (13/ 264) 96 - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، 3 - باب ما يكره من كثرة السؤال. مسلم (4/ 1831) 43 - كتاب الفضائل، 37 - باب توقيره صلى الله عليه وسلم، وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه. أبو داود (4/ 201، 202) كتاب السنة، 7 - باب لزوم السنة.

النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعظمُ المسلمينَ في المسلمينَ جُرماً من سأل عن شيءٍ لم يكنُ حُرِّمَ، فحُرِّمَ من أجل مسألته". قال البغوي: المسألة وجهان. أحدهما: ما كان على وجه التبيُّنِ والتعلم فيما يُحتاج إليه من أمر الدين، فهو جائز مأمور به، قال الله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) [النحل: 43] وقال الله تعالى: (فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك) [يونس: 94] وقد سألت الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم مسائل، فأنزل الله سبحانه وتعالى بيانها في كتابه، كما قال الله عز وجل: (ے ےيسألونك عن الأهلة) [البقرة: 189] (ويسألونك عن المحيض) [البقرة: 222] (يسألونك عن الأنفال) [الأنفال: 1]. والوجه الآخر: ما كان على وجه التكلُّفِ، فهو منكروه، فسكوت صاحب الشرع عن الجواب في مثل هذا زجرٌ وردع للسائل، فإذا وقع الجوابُ، كان عقوبة وتغليظاً. والمراد من الحديث هذا النوعُ من السؤال، وقد شدد بنو إسرائيل على أنفسهم بالسؤال عن وصفِ البقرة مع وقوع الغُنيةِ عنه بالبيان المتقدم، فشدد الله عليهم. قال سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عُبيد بن عمير، قال: إن الله أحل حلالاً، وحرم حراماً، فما أحل، فهو حلال، وما حرم، فهو حرام، وما سكت عنه، فهو عفوٌ. قال سفيان: يريد قوله سبحانه وتعالى: (لا تسألوا عن أشياء) [المائدة: 101]. وروى عن ابن عمر أنه سُئل عن شيء، فقال: لا أدري، ثم قال: أتريدون أن تجعلوا ظهورنا جُسوراً لكم في نار جهنم أن تقولوا: أفتانا ابنُ عمر بهذا. شرح السنة 1/ 310. أقول: كان هذا في زمن النبوة أما الآن فلم يعد هناك تشريع مستقل إلا أننا نأخذ من الحديث أدباً: أن الإنسان في حياته العملية لا يكثر من سؤال من تلزم طاعته ولا يثير من المسائل أمام الأمراء ما يترتب عليه مشقة لنفسه أو للناس.

_ = (الجرم): الذنب.

94 - * روى الحاكم عن شعبة عن زياد بن عِلاقةَ سَمع أسامة بن شيكٍ قال: أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه عنده كأن على رؤوسهم الطير، فسلمتُ وقعدتُ فجاء أعراب يسألونه حتى قالوا: أنتداوى؟ قال: "تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له دواءً". فسألوه عن أشياء. فقال: "عباد الله، وضع الله الحرج إلا امرؤٌ افترض أمراً ظلماً فلك حرجٌ وهُلْكٌ" قالوا ما خيرُ ما أُعطي الناسُ؟ قال: "خُلُقٌ حسنٌ". 95 - * روى الشيخان أن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه كتب إلى معاوية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان ينهى عن قِيلَ وقال، وإضاعة المال. وكثرة السُّؤال". أقول: كثرة السؤال فيما لا يعني هي المنهي عنها أما فيما يعني فهي مطلوبة. وكذلك يه مطلوبة من طالب العلم، فطالب العلم لا يصل إلى حقيقة العلم إلا بلسان سؤول وقلب عقول. 96 - * روى الطبراني عن أبي فراس رجل من أسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم "سلوني عما شئتُم". فقال رجل يا رسول الله: من أبي؟ قال: "أبوك فلان الذي تُدعى إليه". وسأله رجل: في الجنة أنا؟ قال: "في الجنة". وسأله رجل في الجنة أنا؟ قال: "في النار". فقال عمر: رضينا بالله ربا. أٌول: من مجموع الروايات لهذا الحديث ومن قول عمر ي حديث آخر: رضينا بالله رباً نعرف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سلوني عما شئتم في حالة غضب" فكان

_ 94 - المستدرك (4/ 399) كتاب الطب. صحيح رواه عشرة من أئمة المسلمين عن زياد. اقترض: أي نال منه بالغيبة، وهو افتعل من القرض. 95 - البخاري (5/ 68) 43 - كتاب الاستقراض، 19 - باب ما ينهى عن إضاعة المال، وقول الله تعالى (والله لا يحب الفساد). مسلم (3/ 1341) 30 - كتاب الأقضية، 5 - باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة، والنهي عن منع وهات. 96 - مجمع الزوائد (1/ 161) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح.

إنكاراً على السائلين، يفهم من ذلك أن السائل عليه أن يتخير لسؤاله من الأحوال ما هو مناسب. 97 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن يبرح الناس يتساءلون: هذا الله خالقُ كل شيء، فمن خلق الله؟ " وفي رواية (1) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل: إن أُمتك لا يزالون يقولون: ما كذا؟ ما كذا؟ حتى يقولوا: هذا الله خالقُ الخلق؛ فمن خلق الله عز وجل؟ ". وفي رواية عن أبي هريرة (2) رفعه: "لا يزال الناس يسألونكم عن العلم حتى يقولوا هذا الله خالق كل شيء فمن خلق الله"، قال أبو هريرة وهو آخذ بيد رجل صدق الله ورسوله سألني اثنان وهذا ثالث. وفي رواية (3) يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا من خلق كذا حتى يقول من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينتهِ. 98 - * ولأبي داود نحوه وقال "فإذا قالوا ذلك فقولوا الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ثم ليتفل عن يساره ثلاثاً وليستعذ من الشيطان". وفي أخرى (4): "لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا خلقُ الله فمن خلقَ الله فمن وجد من ذلك شيئاً فليقل آمنت بالله ورسله".

_ 97 - البخاري (13/ 265) 96 - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، 3 - باب ما يكره من كثرة السؤال، ومن تكلف ما لا يعنيه. مسلم (1/ 120) 1 - كتاب الإيمان، 60 - باب بيان الوسوسة في الإيمان. (1) مسلم (1/ 121) 1 - كتاب الإيمان، 60 - باب بيان الوسوسة في الإيمان. (2) مسلم (1/ 121) 1 - كتاب الإيمان، 60 - باب بيان الوسوسة في الإيمان. (3) مسلم (1/ 120) 1 - كتاب الإيمان، 60 - باب بيان الوسوسة في الإيمان. 98 - أبو داود (4/ 221) كتاب السنة، 19 - باب في الجهمية. (4) مسلم (1/ 119) 1 - كتاب الإيمان، 60 - باب بيان الوسوسة في الإيمان.

قال العلماء: هذا إذا لم تغلب الشبهة على قلبه وتفلسف له وإلا وجب عليه سؤال أهل العلم لكشف تلك الشبهة وإزالتها ووجب على العالم الإجابة لأنه علم واجب. (وهبي). 99 - * روى الدارمي عن سليمان بن يسار إن رجلاً قدم المدينة فجعل يسألُ عن متشابه القرآن فأرسل إليه عمرُ وقد أعدَّ له عُرجوناً، فقال من أنت! قال أنا عبدُ الله صَبيغ فأخذ عمر العرجون وقال أنا عبد الله عمر، فجعل يضربُه حتى دميَ رأسهُ فقال يا أمير المؤمنين حسبُك قد ذهب الذي كنت أجدُ في رأسي. قال الشوكاني في فصل المحكم والمتشابه من القرآن: اعلم أنه لا اختلاف في وقوع النوعين فيه لقوله سبحانه - منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات - واختلف في تعريفهما فقيل المحكم ما له دلالة واضحة والمتشابه ماله دلالة غير واضحة فيدخل في المتشابه المجمل والمشترك، وقيل في المحكم هو متضح المعنى وفي المتشابه هو غير المتضح المعنى وهو كالأول ويندرج في المتشابه ما تقدم. والفرق بينهما أنه جعل في التعريف الأول الاتضاح وعدمه للدلالة، وفي الثاني لنفس المعنى. وقيل المحكم ما عرف المراد منه إما بالظهور وإما بالتأويل والمتشابه ما استأثر الله بعلمه، وقيل المحكم ما لا يحتمل من التأويل إلا وجهاً واحداً والمتشابه ما احتمل أوجها، وقيل المحكم الفرائض والوعد والعيد والمتشابه القصص والأمثال، وقيل المحكم الناسخ والمتشابه المنسوخ، وقيل المحكم هو معقول المعنى والمتشابه هو غير معقول المعنى، وقيل غير ذلك. اهـ إرشاد الفحول. وقال بعضهم: المحكم: ما حمل على معناه الراجح بحسب وضعه في اللغة. والمتشابه: ما حمل على معناه المرجوح، لقيام الدليل العقلي على استحالة المراد بظاهره الراجح، حتى احتاج إلى تأويل. انظر متشابه القرآن لزرزور ص 15 فما بعدها. واختلافهم في تعريف المتشابه يعود إلى اختلافهم في الآيات المتشابهة وما يدخل فيه وما لا يدخل. قال البغوي:

_ 99 - الدارمي (1/ 54) باب كراهية الفتيا.

وقيل: المحكم: هو الذي يُعرف بظاهره معناه (1). وأما المتشابه، ففيه أقاويل، أحدها ما قال الخطابيُّ وجماعةٌ: ما اشتبه منه، فلم يُتَلقَّ معناه من لفظه، وذلك عن ضربين. أحدهما: إذا رُدّ إلى المحكم عُرف معناه، والآخر: مالا سبيل إلى معرفة كُنهه، والوقوف على حقيقته، ولا يعلمه إلا الله، وهو الذي يتبعه أهل الزيغ يبتغون تأويله، كالإيمان بالقدر والمشيئة، وعلم الصفات ونحوها مما لا نُتَعبَّدْ به، ولم يُكشف لنا عن سره، فالمتبع لها مُبتَغٍ للفتنة، لأنه لا ينتهي منه إلى حدٍّ تسكن إليه نفسه، والفتنة: الغلوُّ في التأويل المظلم. شرح السنة 1/ 222. 100 - * "روى الشيخان عن أبي هريرة رفعه: "دعوني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم كثرةُ سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيءٍ فاجتنبوه وإذا أمرتُكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم". روى الحاكم عن الأعمش عن شقيقٍ عن عبد الله قال: لقد سألني رجلٌ عن شيء ما أدري ما أقول؟ قال: أرأيت رجلاً مؤدباً نشيطاً حريصاً على الجهاد يقولُ يعزِمُ علينا أمراؤنا أشياء لا نُحصيها فقلتُ والله ما أدري ما أقول لك إلا أنا كنا نكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلعله لا يأمرنا بشيءٍ إلا فعلناه وما أشبهُ ما غَبرَ من الدنيا إلا كالثَّغْب شُربَ صفْوُه وبقي كدرُهُ وإن أحدكم لن يزال بخير ما اتقى الله، وإذا حاك في نفسه شيء أتى رجلاً فسأله فشفاه، وايمُ الله ليشوكن أن لا يجدوه. روى الدارمي عن ابن مسعود وقد سُئل عن شيءٍ فقال ابن مسعود للسائل: "ما سألتمونا عن شيءٍ من كتاب الله أو سُنةِ نبيه أخبرناكم ولا طاقة لنا بما أحدثتم".

_ 100 - البخاري (13/ 251) 96 - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، 2 - باب الاقتداء بسنن الرسول صلى الله عليه وسلم. مسلم (2/ 975) 15 - كتاب الحج، 73 - باب فرض الحج مرة في العمر. الترمذي (5/ 47) 42 - كتاب العلم، 17 - باب في الانتهاء عما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. الحاكم (1/ 122) كتاب العلم، وقال صحيح الإسناد على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. (الثَّغب): مسيل الماء في الوادي. الدارمي (1/ 46) 16 - باب التورع عن الجواب فيما ليس فيه كتاب ولا سنة.

3 - في حسن التلقي والإلقاء والمدارسة

3 - في حسن التلقي والإلقاء والمدارسة: 101 - * روى البخار يعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبُّون أن يُكذبَ الله ورسوله؟ " 102 - * روى لبخاري عن عبد الله بن أبي مُليكة "أن عائشة رضي الله عنها كانت لا تسمع شيئاً لا تفهمه إلا راجعتْ فيه حتى تفهمه". 103 - * روى الطبراني عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم تكلم ثلاثاً لكي يُفهم عنه. 104 - * روى أحمد عن أبي أُمامة قال: قال فتى من قيش: يا رسول الله ائذنْ لي في الزنى فأقبل القوم عليه وزجروه فقال: "ادْنُه" فدنا. فقال: "أتحبه لأمِّك؟ " قال لا والله، جعلني الله فداك. قال: "ولا الناسُ يحبونه لأمهاتهم". ثم قال له مثل ذلك في ابنته وأخته وعمته وخالته في كل ذلك يقول: "أتحبُه لكذا؟ " فيقول لا والله، جعلني الله فداك. فيقول صلى الله عليه وسلم "ولا الناسُ يحبونه، فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهِّرْ قلبه وحصِّنْ فرجه"، فلم يكن بعد ذلك يلتفتُ إلى شيء. 105 - * روى الطبراني في الوسط عن ابن عمر قال: لقد عشت برهة من دهري وإن أحدنا يُؤتي الإيمان قبل القرآن وتنزل السورةُ على محمد صلى الله عليه وسلم فنتعلمُ حلالها وحرامها وما ينبغي أن نقف عنده منها كما تعلمون أنتم القرآن ثم لقد رأيت رجالاً يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأُ ما بين فاتحة الكتاب إلى خاتمته ما يدري ما آمره ولا زاجرهُ وما ينبغي أن يقف عنده وينثره نَثْرَ الدَّقَلِ.

_ 101 - البخاري (1/ 235) 3 - كتاب العلم، 49 - باب من خص بالعلم قوماً دون قوم. 102 - البخاري (1/ 196) 3 - كتاب العلم، 36 - باب من سمع شيئاً فراجعه حتى يعرفه. 103 - مجمع الزوائد (1/ 129) باب في أدب العالم، وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، وإسناده حسن. 104 - أحمد (5/ 257). مجمع الزوائد (1/ 129) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. 105 - مجمع الزوائد (1/! 65) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. (الدقل) بفتحتين: رديء التمر. (كنثر الدقل): أي كما يتساقط الرطب اليابس من العِذْقِ إذا هُزَّ.

4 - في مجال العلم والعلماء وأدبهما

106 - * روى الطبراني عن فضالة بن عبيد كان إذا أتاه أصحابه قال: تدارسوا وانشروا وزيدوا زادكم الله خيراً وأحبّكم وأحبَّ منْ يحبُّكم، رُدوا علينا المسائل فن أجر آخرها كأجر أولها واخلطوا حديثكم بالاستغفار. 107 - * روى الطبراني عن أبي نضرة (1) كان أبو سعيد يقول: تحدثوا فإن الحديث يُذكر بعضه بعضاً. 108 - * روى الحاكم عن علي: "تذاكروا الحديث فإنكم إن لا تفعلوا يندَرِس". 109 - * روى الحاكم عن عبد الله: "تذاكروا الحديث فإن ذكر الحديث حياته". 110 - * روى الدارمي عن كثير بن مُرة قال: "لا تحدث الباطل للحكماء فيمقتُوك ولا تحدث الحكمة للسفهاء فيكذبوك، ولا تمنع العلم أهله فتأثم، ولا تضعْه في غير أهله فتجهل، إن عليك في علمك حقاً كما أن عليك في مالك حقاً". 4 - في مجال العلم والعلماء وأدبهما: 111 - * روى الحاكم عن أبي سعيد قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا جلسوا كان حديثهم يعني الفقه إلا أنْ يقرأ رجل سورة أو يأمر رجلاً بقراءة سورةٍ. 112 - * روى الحاكم عن يزيد بن عميرة أن معاذ بن جبلٍ لما حضرته الوفاةُ قالوا يا أبا عبد الرحمن أوصنا، قال: أجلسوني ثم قال إن العلم والإيمان مكانهما من التمسهما وجدهما قال: ذلك ثلاث مرات فالتمسوا العلم عند أربعةِ رهط: عند عويمر، أبي الدرداء وعند سلمان الفارسي وعند ابن مسعود وعند عبد الله بن سلام فإني سمعتُ رسول الله صلى

_ 106 - الطبراني "المعجم الكبير" (18/ 299). مجمع الزوائد (1/ 161) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون. 107 - مجمع الزوائد (1/ 161) وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. 108 - الحاكم (1/ 95) كتاب العلم وصححه ووافقه الذهبي. 109 - الحاكم (1/ 95) كتاب العلم وصححه ووافقه الذهبي. 110 - الدارمي (1/ 105) 33 - باب التوبيخ لمن يطلب العلم لغير الله. 111 - الحاكم (1/ 94) وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي. 112 - الحاكم (1/ 98) وقال صحيح على شرط الشيخين.

5 - من الأدب عدم التكلف

الله عليه وآله وسلم يقول: "إنه عاشرُ عشرةٍ في الجنة". أقول: في الأثر للبحث عمن هم مظنة الإيمان والعلم ليأخذ المسلم علمه منهم. 113 - * روى الحاكم عن بريدة قال: كنا إذا قعدنا عد رسول الله صلى الله عليه سلم لم نرفعْ رؤوسنا إليه إعظاماً له. 114 - * روى الحاكم عن عبد الرحمن بن قُرط قال: دخلتُ المسجد فإذا حلقة كأنما قطعتْ رؤوسُهم وإذا رجل يحدثهم فإذا هو حذيفة قال: كان الناسُ يسألون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الخيرِ وكنتُ أسألهُ عن الشر ... الحديث. أردنا منه أوله. 115 - * عن الحاكم أيضاً عن سلمان أنه كان في عصابةٍ يذكرون الله فمر بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجاء نحوهم قاصداً حتى دنا منهم، فكفوا عن الحديث إعظاماً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "ما كنتم تقولون؟ فإني رأيتُ الرحمة تنزلُ عليكم فأحببتُ أن أشارككم فيها". 116 - * روى الحاكم عن جابر: "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، قال أولي الفقه والخير". وورد أيضاً عن ابن عباس رضي الله عنهما وأولي الأمر منكم، يعني أهل الفقه والدين أوجب الله طاعتهم. 5 - من الأدب عدم التكلف: 117 - * روى البخاري عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال: "كنت عند عُمر،

_ 113 - أخرجه الحاكم وقال على شرطهما ووافقه الذهبي. 114 - الحاكم (1/ 113) و (121). 115 - الحاكم (1/ 122) وقال صحيح على شرط الشيخين. 116 - أخرجه الحاكم وصححه وقال: له شاهد، ووافقه الذهبي. 117 - البخاري (13/ 265) 96 - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، 3 - باب ما يكره من كثرة السؤال، وم تكلف مالا يعنيه.

6 - في الاقتداء

فسمعته يقول: نُهينا عن التكلُّفِ". ويدخل في ذلك عدم التقعر في الكلام، وعدم التكلف للوعظ ولا يعني ذلك عدم التحضير. 6 - في الاقتداء: 118 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود قال: لا يُقلدنَّ أحدكم دينه رجلاً فإن آمن آمن وإن كفر كفر وإن كنتم لابد مقتدين فاقتدوا بالميت فإن الحيَّ لا يؤمنُ عليه الفتنةُ, 7 - من آداب أهل العلم، التواضع والخوف من الله: 119 - * روى الدارمي عن عاصم بن ضمرة أنه رأى أناساً يتبعون سعيد بن جبير قال: فأراه قال نهاهم، وقال: إن صُنْعَكُم هذا أو مشيكُم هذا مذلةٌ للتابع، وفتنةٌ للمتبوع. 120 - * روى الدارمي عن بسطام بن مسلم قال: كان محمد بن سيرين إذا مشى معه الرجل قام فقال: ألك حاجةٌ؟ فإن كنت له حاجة قضاها، وإن عاد يمشي معه قام فقال ألك حاجةً؟ 121 - * روى الدارمي عن إبراهيم قال: كانوا يكرهون أن تُوطأ أعقابُهم. 122 - * روى الدارمي عن الحسن: أن ابن مسعودٍ كان يمشي والناس يطؤون عقبهُ فقال: لا تطؤوا عقبي فوالله لو تعلمون ما أغلقُ عليه بابي ما تبعني رجلٌ منكم.

_ = (التكلفُ) تكلفتُ الأمر: إذا ألزمت نفسك به على مشقةٍ ولم يلزمك" والمراد به هاهنا: كثرة السؤال والبحث عن الأشياء الغامضة التي لا يجب البحث عنها، والأخذ بظاهر الشريعة، وقبول ما أتت به، والإذعان لما صدر عنها. 118 - الطبراني في الكبير (9/ 166) ورجاله رجال الصحيح. ومجمع الزوائد (1/ 180) كتاب العلم وقال: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح. 119 - الدارمي (1/ 133) باب- من كره الشهرة والمعرفة. 120 - الدارمي (1/ 133) باب- من كره الشهرة والمعرفة. (قام): وقف. 121 - الدارمي (1/ 133) باب- من كره الشهرة والمعرفة. (موطأ الأعقاب): هو من كان كثير الأتباع. 122 - الدارمي (1/ 134) باب- من كره الشهرة والمعرفة.

8 - في العلم بالسنن وآداب الرواية

123 - * روى الدارمي عن صالح قال سمعت الشعبي قال: وددْتُ أني نجوتُ من علمي كفافاً لا لي ولا علي (1). 124 - * روى الدارمي عن علي قال إن الفقيه حق الفقيه من لم يُقنط الناس من رحمة الله ولا يؤمنهم من عذاب الله ولا يُرخص لهم في معاصي الله أنه لا خير في عبادة لا علم فيها ولا خير في علمٍ لا فهم فيه ولا خير في قراءة لا تدبر فيها. 8 - في العلم بالسنن وآداب الرواية: 125 - * روى الطبراني عن حُميدٍ قال كنا مع أنس بن مالك فقال: والله ما كل ما نحدِّثُكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعناه منه ولكن لم يكن يُكذب بعضنا بعضاً. 126 - * أخرج الحاكم عن البراء قال ليس كلنا سمع حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت لنا ضيعة وأشغال ولكن الناس كانوا لا يكذبون يومئذ فيحدِّث الشاهد الغائب. أقول: هذا أصل في أن الصحابة عدول لا تضر جهالتهم. 127 - * روى أحمد عن البراء قال ما كل الحديث سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحدثنا أصحابُه عنه كانت تشغلنا عنه رِعْيةُ الإبل. 128 - * روى الطبراني عن ابن مسعود قال لا يزالُ الناسُ صالحين متماسكين ما أتاهم

_ 123 - الدارمي (1/ 134) باب - من كره الشهرة والمعرفة. (الكفاف): هو الذي لا يفضل عن الشيء ويكون بقدر الحاجة. 124 - الدارمي (1/ 89) باب - من قال العلم الخشية وتقوى الله. وفيه ليث بن أبي سليم صدوق اختلط فترك، وحسن إسناده بعضهم. 125 - الطبراني "المعجم الكبير" (1/ 246) ورجاله رجال الصحيح. 126 - الحاكم (1/ 127) وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. 127 - أحمد (4/ 283) ومجمع الزوائد (1/ 154) وقال رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. الرعيةُ: الماشية الراعية والماشية المرعية. والرعية: الحالة التي يكون عليها الرعي من الرعاية. 128 - الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 120).

العلمُ من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ومن أكابرهم فإذا أتاهم من أصاغرهم هلكوا. أقول: هذا أصل في الحرص على الرواية عن الأكابر لأنهم يعرفون كيف يضعون الأمور في مواضعها والنصوص في محالها ويعرفون الدقائق والحقائق والأسباب المؤثرة في الفتوى. 129 - * روى أحمد عن أبي حُميد وأبي أُسيد رفعاه: "إذا سمعتم الحديث عني تعرفُه قلوبُكم وتلينُ له أشعاركم وأبشارُكم وترون أنه منكم قريبٌ فأنا أولاكم به، وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم وتنفرُ أشعارُكم وأبشارُكم منه وترون أنه منكم بعيدٌ فأنا أبعدكم منه". أقول: هذا الحديث أصل في التفتيش عن علل الحديث الذي أصبح علماً برأسه، ولكن هذا لا يستطيعه إلا الأئمة الذين أحاطوا بالسنة رواية ودراية، أو الأئمة المجتهدون الذين أحاطوا بالشريعة رواية ودراية، ولا يصح أن يدَّعي هذا المقام أحد إذا لم يكن من مثل ما ذكرناه، فإنه إن فعل فذلك باب من أبواب الضلال العريض، فقد قالوا إن منكرَ الحديث الصحيح فاسق ومنكِرَ المتواتر كافر، فلا يؤمن على أحد يتكلم بدون علم إثباتاً أو نفياً لصحة حديث أو لقبول حديث موضوع أن يدخل في دائرة الفسوق أو الضلال أو الكفر. 130 - * روى مسلم عن مجاهد رحمه الله قال: جاء بُشير العدويُّ إلى ابن عباس رضي الله عنه، فجعل يُحدِّث ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [قال رسول الله صلى الله عليه وسلم] وجعل ابنُ عباس لا يأذن لحديثه، ولا ينظر إليه، فقال بُشيرٌ: يا ابن عباس مالي لا أراك تسمعُ لحديثي، أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تسمع؟ فقال ابن عباس: إنا كنا مرةً إذا سمعنا رجلا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ابتدرتْهُ أبصارُنا، وأصْغَيْنَا إليه بأسماعنا، فلما ركب الناس الصعبَةَ والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرفُ".

_ = مجمع الزوائد (1/! 35) باب- أخذ كل علم من أهله، وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله موثقون. 129 - أحمد (3/ 497). كشف الستار (1/ 105) باب- معرفة أهل الحديث بالصحة والضعف. مجمع الزوائد (1/! 49) وقال الهيثمي: رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح. 130 - مسلم (1/! 3) المقدمة، 4 - باب النهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط فيها. (لا يأذن لحديثه): لا يصغي. (الصعبة والذلول) أراد بالصعبة والذلول: شدائد الأمور وسهولتها.

وفي رواية (1) "فأما إذْ ركبتم كل صعبةٍ وذلولٍ، فهيهات". 131 - * روى مسلم عن عبد الله بن أبي مُليكة قال: "كتبتُ إلى ابن عباسٍ، أسأله أن يكتُب لي كتاباً، ولا يُخفي عليَّ، فقال: ولدٌ ناصحٌ، أنا أختارُ له الأمور اختياراً، وأخفي عنه؟ قال: فدعا بقضاء علي بن أبي طالب، فجعل يكتب منه أشياء، [ويمرُّ به الشيء، فيقول: والله ما قضى بهذا عليٌّ، إلا أن يكون ضلَّ] ". وفي أخرى (2) قال: "أتيتُ ابن عباسٍ أسأله أن يكتب لي كتاباً، ولا يخفي عليَّ، فأتى ابن عباس بكتابٍ، يزعُم الذي معه: أنه من قضاء عليٍّ، فأكذب ابن عباس الذي هو معه، ومحاهُ إلا قدر - وأشار سفيان بذراعه". زاد في رواية وقال: ما قضى بهذا عليٌّ قطُّ. أقول: هذا الأثر والذي قبله أصلان في التحقيق والتدقيق والتثبت الذي ينبغي أن يكون عليه أهل العلم. 132 - * روى ابن ماجه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قلت لزيد بن أرقم حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كَبُرْنا ونسينا" والحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد. 133 - * روى ابن ماجه عن عمرو بن ميمون قال: ما أخطأني ابن مسعود عشية خميس إلا أتيته فيه فما سمعته يقول لشيء قط، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان ذات عشية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فنكس فنظرت إليه وهو قائم محللة أزرار قميصه قد أغرورقت عيناه وانتفخت أوداجه، قال أوْ دون ذلك أو فوق ذلك أو قريباً من ذلك أو شبيهاً بذلك.

_ (1) مسلم (1/ 13) المقدمة، 4 - باب النهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط فيها. 131 - مسلم (1/ 13) المقدمة، 4 - باب النهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط فيها. (2) مسلم (1/ 14) المقدمة 4 - باب النهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط فيها. 132 - ابن ماجه (1/ 11) المقدمة، 3 - باب التوقي في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. 133 - ابن ماجه (1/ 10) المقدمة، 3 - باب التوقي في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي الزوائد إسناده صحيح احتج بجميع رواته، ورواه الحاكم من طريق ابن عمرو.

134 - * روى الطبراني عن أبي إدريس الخولاني قال رأيتُ أبا الدرداء إذا فرغ من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا أو نحوه أو شكله. أقول: هذه أصول في الاحتراس إذا حدث الإنسان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. 135 - * روى أحمد عن عليّ إذا حدثتكم عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً فظنوا به الذي هو أهياه وأهداه وأتقاه. 136 - * روى الدارمي عن قرظة بن كعبٍ قال بعثنا عمر إلى الكوفة وشيعنا فمشى معنا إلى موضع يقال له صرار. فقال أتدرون لم مشيتُ معكم؟ قلنا: لحقّ صُحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولحق الأنصار، قال لكني مشيتُ معكم لحديث أردتُ أن أحدثكم به، فأردت أن تحفظوه لممشاي معكم: إنكم تقدمُون على قومٍ للقرآن في صدورهم هزيزٌ كهزيز المرجَلِ فإذا رأوكم مدوا إليكم أعناقهم وقالوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فأقِلُّوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أنا شيككم. رواه الحاكم ووافقه الذهبي وهذا لفظه: عن قرظة بن كعب قال خرجنا نُريد العراق فمشى معنا عمر إلى صرار فتوضأ ثم قال أتدرون لم مشيت معكم قالوا: نعم نحن أًحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مشيت معنا. قال: إنكم تأتون أهل قرية لهم دَوِيّ بالقرآن كدويِّ النحل فلا تصدوهم بالأحاديث فتشغلوهم جردوا القرآن وأقِلوّا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وامضوا وأنا شريككم، فلما قدم قرظة قالوا حدثنا قال: نهانا ابن الخطاب. إلا أن الحاكم قال: (فلا تبدؤهم بالأحاديث فيشغلونكم) والتصحيح من تذكرة الحفاظ فلا تصدوهم. أقول: هذا أصل في أن العالم ينبغي أن يكون حكيماً (1)، فإذا وجد الناس يشتغلون بالهم

_ 134 - مجمع الزوائد (1/ 141) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. 135 - أحمد (1/ 126). الدارمي (1/ 146) 49 - باب تأويل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. ابن ماجه (1/ 9) المقدمة. أهياه: من الهيئة: صورة الشيء وشكله وحالته الحسنة. 136 - الدارمي (1/ 85) كتاب العلم-27 - باب من هاب الفتيا مخافة السقط. الحاكم (1/ 102) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

فلا يشغلهم بمهم عن الأهم، كما أنه أصل في إعطاء القرآن أولوية في الحفظ والتلاوة والتدبر. 137 - * روى الشيخان عن أبي هريرة: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كذبَ عليَّ مُتعمداً فليتبوأ مقعده من النار". 138 - * روى مسلم عن سَمُرة بن جُندب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حدث عني بحديث يرى أنه كذبٌ فهو أحدُ الكاذبين". أقول: رُويت كلمة الكاذبين على الجمع وعلى التثنية. 139 - * روى مسلم عن المغيرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن كذباً عليَّ ليس ككذبٍ على أحدٍ، فمن كذب عليَّ فليتبوأْ مقعدهُ من النار". قال أبو عيسى: سألت أبا محمد عبد الله بن عبد الرحمن، قلت: من روى حديثاً وهو يعلم أن إسناده خطأ يكون قد دخل في هذا الحديث؟ فقال: لا إنما معنى الحديث إذا روى حديثاً، ولا يعرف لذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أصلاً، فأخاف أن يكون قد دخل في هذا الحديث. قال مالك: لا يكون الرجل إماماً وهو يحدث بكل ما سمع. شرح السنة 1/ 267. قال البغوي: اعلم أن الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم أعظمُ أنواع الكذب بعد ذلك الكافر على الله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن كذباً عليَّ ليس ككذبٍ على أحدٍ، من كذب عليَّ مُتعمداً فليتبوأ مقعده من النار". ولذلك كره قوم من الصحابة والتابعين إكثار الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم خوفاً من الزيادة والنقصان، والغلط فيه، حتى إن من التابعين كان يهاب رفع المرفوع، فيوقفه على الصحابي، ويقول: الكذب عليه أهون من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم (1)، ومنهم من يُسنِد

_ 137 - البخاري (1/ 202) 3 - كتاب العلم، 38 - باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم. مسلم (1/ 10) المقدمة، 2 - باب تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. 138 - مسلم (1/ 9) المقدمة، 1 - باب وجوب الرواية عن الثقات، وترك الكذابين. 139 - مسلم (1/ 10) المقدمة، 2 - باب تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم

الحديث حتى إذا بلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال، ولم يقل: رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يقول: رفعه، ومنهم من يقول: رواية، ومنهم من يقول: يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك هيبتةً للحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخوفاً من الوعيد. شرح السنة 1/ 255. 140 - * روى الطبراني عن أوس بن أوس رفعه: "من كذب على نبيه أو على عينيه أو على والديه لم يرِحْ رائحة الجنة". 141 - * روى البخاري عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال: قلت لأبي: ما لي لا أسمعك تُحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يُحدِّث فلان وفلان؟ قال: أما إني لم أفارقه منذ أسلمت، ولكني سمعته يقول: "من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار". وفي رواية (1): ما يمنعك أن تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يحدث عنه أًحابك؟ قال: أما والله، لقد كان لي منه وجهٌ ومنزلةٌ، ولكني سمعته يقول ... وذكر الحديث. 142 - * روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إني ليمنعُني أن أحدثكم حديثاً كثيراً: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من تعمد عليَّ كذباً فليتبوأ مقعده من النار". 143 - * روى الترمذي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كذب عليَّ - حسبتُ أنه قال: متعمداً - فليتبوأ مقعده من النار". 144 - * روى الشيخان عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله

_ 140 - الطبراني "المعجم الكبير" (1/ 217). ومجمع الزوائد (1/ 148) وقال رواه الطبراني في الكبير، وإسناده حسن، ورواه القضاعي في مسند الشهاب. راح الشيء يراحُه ويريحه: أي وجد ريحه. 141 - البخاري (1/ 200) 3 - كتاب العلم، 38 - باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم. (1) أبو داود (3/ 319، 320) كتاب العلم، باب في التشديد في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. (وجه): لفلان وجه ومنزلة: إذا كان محفوظاً محترماً كريماً على النسا. 142 - مسلم (1/ 10) المقدمة، 2 - باب تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. 143 - الترمذي (5/ 36)، 42 - كتاب العلم، 8 - باب ما جاء في تعظيم الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. 144 - البخاري (1/ 199) 3 - كتاب العلم، 38 - باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم. مسلم (1/ 9) المقدمة -2 - باب تغليظ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

9 - في حفظ الحديث

صلى الله عليه وسلم: "لا تكذبوا عليَّ، فإنه من كذب عليَّ يلجُ النار". 9 - في حفظ الحديث: 145 - * روى الطبراني في الأوسط عن أبي نضرة قال قلت لأبي سعيد أكْتِبْنا قال: لن نكتبكم ولن نجعله قرآنا، ولكن خذوا عنا كما أخذنا عن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان أبو سعيد يقول تحدثوا فإن الحديث يذكر بعضه بعضاً. أقول: قوله ولن نجعله قرآنا: فيه إشارة إلى أن الصحابة كانوا يعطون للقرآن من الأهمية والأولوية والخصوصية ما لا يعطونه لغيره وليس في ذلك امتهان لما سوى القرآن من العلم ولكن إشارة إلى ما هو أفضل من الفاضل. 146 - *روى الطبراني عن أبي بُردة بن أبي موسى قال: كتبت عن أبي كتاباً فقال لولا أن فيه كتاب الله لأحرقتُه ثم دعا بمركنٍ أو بإجّانة فغسلها ثم قال عِ عني ما سمعت مني ولا تكتبْ عني فإني لم أكتب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً، كدت أن تُهلك أباك. فائدة: سنرى أن الآخِرَ من فعل رسول الله صلى الله لعيه وسلم الإذن بالكتابة للحديث الشريف والأمر به، فقد أمر بكتابة ما طلب أبو شاه فيه فقال: اكتبوا لأبي شاه وسيرد أمره صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص رض الله عنه بأن يكتب عنه فإنه لا يُخرج من فمه إلا حقاً، وتمام الكلام في شرح النووي عند حديث مسلم (لا تكتبوا عني غير القرآن ..) ويبقى الحفظ مستحباً ولكن مع وجود الكتابة. وفي العصور المتأخرة أهمل الناس الحفظ ووجد من يروّج لذلك وهو خطأ كبير وشر مستطير يكادان يقضيان على العلم كما عُرف عن السلف وتوارثته الأمة.

_ = الترمذي (5/ 35) 42 - كتاب العلم، 8 - باب ما جاء في تعظيم الكذب على رسول الله صلى الله عيه وسلم. 145 - الطبراني في الأوسط. 146 - الطبراني في الكبير. كشف الأستار (1/ 110) كتاب العلم، باب جواز الكتابة. الإجانة: ما يغسل فيه الثياب.

10 - الترهيب من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم

147 - * روى الطبراني عن ثُمامة قال: قال لنا أنس: قيّدوا العلم بالكتابة. 10 - الترهيب من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: 148 - * روى الترمذي عن المقدام بن معدِ يكرب رفعه: ألا هل عسى رجلٌ يبلغُه الحديث عني وهو متكئ على أريكته فيقول بيننا وبينكم كتاب الله فما وجدنا فيه حلالاً استحللناه وما وجدنا فيه حراماً حرمناه وإن ما حرَّم رسولُ الله كما حرم الله. ولأبي داود (1) ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا يوشك رجلٌ شبعان على أريكته بنحوه. رواه أيضاً ابن ماجه (2) والترمذي وحديث أبي داود من حديثهما. أقول: الإيمان بالسنة والتسليم لها فريضتان وإنكار حديث صحيح مع الأدب فسوق أما إذا رافق الإنكار سوء أدب مع رسول الله صلى الله علي وسلم أو سنته فذلك كفر وإنكار سنة متواترة كفر، وتكذيب النقلة الصادقين فسوق والعلم بالسنة أصل من أصول العلم وشرط من شروط الاجتهاد. 11 - في آداب الفتوى والتثبت والمشاورة فيها: 149 - * روى الطبراني عن زيد بن ثابتٍ قال كنتُ أكتبُ الوحيَّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إذا نزل عليه الوحيُ أخذتهُ برحاءُ شديدةٌ وعرقَ عرقاً شديداً مثل الجُمان، ثم سُرِّيَ عنه،

_ 147 - الطبراني "المعجم الكبير" (1/ 246). مجمع الزوائد (1/ 152) وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. 148 - الترمذي (5/ 38) 42 - كتاب العلم، 10 - باب ما نهى عنه أن يقال عند حديث النبي صلى الله عليه وسلم. (1) أبو داود (4/ 200) كتاب السنة، باب لزوم السنة. (2) ابن ماجه (1/ 6) المقدمة، 2 - باب تعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والتغليظ على من عارضه. 149 - مجمع الزوائد (1/ 152) رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال موثقون. (برحاء): شدة الكرب من ثقل الوحي. (الجمان): اللؤلؤ الصغار. (سرى عنه): كشف عنه الكرب.

فكنت أدخل عليه بقطعة الكتفِ أو كسرةٍ فأكتبُ وهو يُملي عليَّ فما أفرغُ حتى تكاد رجلي تنكسرُ من ثقل القرآن حتى أقول لا أمشي على رجلي أبداً فإذا فرغتُ قال: اقرأ فأقرأه فإن كان فيه سقطٌ أقامهُ ثم أخرجُ به إلى الناس. قال النووي في التقريب عن الحديث الذي يدخل في باب الوجادة: هو من باب المنقطع وفيه شوب اتصال وجازف بعضهم وقال: حدثنا وأخبرنا ... أقول: في هذا الحديث أدب التثبت من الكتاب بعد إملائه. 150 - * روى الطبراني في الأوسط عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أن عيسى عليه السلام قال: إنما الأمورُ ثلاثةٌ: أمر تبيَّنَ لك رُشدهُ فاتبعه، وأمرٌ تبين لك غيهُ فاجتنبه، وأمرٌ اختلف فيه فرُدَّهُ إلى عالمٍ. أقول: هذا أصل في أن يرجع المسلم إلى أهل الاختصاص حيثما أشكل عليه أمر. 151 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ أُفْتيَ بغير علمٍ، كان إثمه على من أفتاه". زاد في رواية (1): "ومنْ أشار على أخيه بأمرٍ يعلم أن الرُّشد في غيره، فقد خانهُ". 152 - * روى الطبراني في الأوسط عن عليٍّ قال: قلتُ يا رسول الله إن نزل بنا أمرٌ ليس فيه بيان أمرٍ ولا نهي فما تأمرني؟ قال: "شاوروا فيه الفقهاء والعابدين ولا تُمضوا فيه رأي خاصةٍ".

_ 150 - مجمع الزوائد (1/ 157) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون. 151 - أبو داود (3/ 321) كتاب العلم، 8 - باب التوقِّي في الفتيا. ابن ماجه (1/ 20) المقدمة، 8 - باب اجتناب الرأي والقياس. الدارمي (1/ 57) 19 - باب الفتيا وما فيه من الشدة. الحاكم (1/ 126). (1) أبو داود (3/ 321) كتاب العلم، 8 - باب التوقي في الفتيا. 152 - الطبراني فيالأوسط، مجمع الزوائد (178) وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله موثقون من أهل الصحيح.

هذا أصل في فكرة الاجتهاد الجماعي وأن يتذاكر أهل العلم والعبادة في المسائل الجديدة قال الكوثري في إحدى مقالاته عن أبي حنيفة وكان يرأس هناك مجمعاً فقهياً عظمياً كيانه من نحو أربعين عالماً من أفذاذ أصحابه، يتدارسون فيه الفقه ويحاكمون بين أدلة المسائل إلى أن يستبين الصواب ككوكب الصبح فتدون المسائل الممحصة في الكتاب، وهذه كانت طريقة بديعة جداً في التفقيه، وبها ارتفع شأن العراق في الفقه في جميع البيئات العلمية. قال الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد 14 - 247) بسنده إلى ابن كرامة قال: كنا عند وكيع يوماً فقال رجل: أخطأ أبو حنيفة، فقال وكيع كيف يقدر أبو حنيفة يخطئ ومعه مثل أبي يوسف وزفر في قياسهما ومثل يحيى بن أبي زائدة وحفص بن غياث وحبان ومندل في حفظهم الحديث، والقاسم بن معن في معرفته باللغة العربية، وداود الطائي وفضيل بن عياض في زهدهما وورعهما. ومن كان هؤلاء جلساءه لم يكد يخطئ لأنه إن أخطأ ردوه. ا. هـ. ولقد كان شيخنا محمد الحامد رحمه الله يكثر من الاستشارة إذا واجهته مسألة، وفي ذكر العُبَّاد مع العلماء إشارة إلى ضرورة اجتماع العلم مع الورع لتكون الفتوى أكثر انسجاماً مع الشريعة. 153 - * روى البغوي عن ابن سيرين قال: سئل حذيفة عن شيءٍ، فقال: إنما يُفتى أحدُ ثلاثةٍ: من عرف الناسخ والمنسوخ، قالوا: ومن يعرف ذلك؟ قال: عمر. أو رجلٌ ولي سلطاناً فلا يجد بُدا، أو مُتكلِّفٌ. 154 - * روى أحمد عن عوف بن مالك الأشجعي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يقُصُّ إلا أميرٌ أو مأمورٌ أو مختالٌ". حكى عن ابن شريح أنه قال هذا في الخطبة. وكان الأمراء يلون الخطبة يعظون فيها الناس. والمأمور: من يقيمه الإمام خطيباً،

_ 153 - البغوي في شرح السنة (1/ 303) باب التوقي عن الفتيا، وإسناده صحيح. 154 - أحمد (6/ 23). أبو داود (3/ 323) كتاب العلم، 13 - في باب القصص.

12 - في فرضية تحصيل العلوم الضرورية

والمختال: من نصب نفسه لذلك اختيالاً وتكبراً، وطلباً للرياسة من غير أن يُؤمر به. شرح السنة 1/ 303. أقول: بعد أن زالت الخلافة الراشدة استبدل العلماء بأمر الأمير الإجازة من أهلها لأهلها. 12 - في فرضية تحصيل العلوم الضرورية: 155 - * روى البخار يعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتعلمتُ له كتاب يهود - وفي رواية: بالسريانية - وقال: إني والله، ما آمنُ يهود على كتابي، فما مر بي نصفُ شهرٍ حتى تعلمته وحذفته، فكنت أكتب له إليهم، وأقرأ له كتبهم. أقول: هذا الحديث أصل في أن كل علم احتاجه المسلمون لإقامة دينهم ودنياهم أو احتاجته دولتهم أو تعاملهم مع الآخرين فإن عليهم أن يحصّلوه، وهذه القضية متجددة متوسعة على مدى العصور، فما يطالب به أهل الجيل اللاحق أكثر مما يطالب به الجيل السابق على حسب المستجدات والاحتياجات وضرورات الحياة وضرورات الصراع الإسلامي مع كل ما سوى الإسلام، وهو كذلك دليل من أدلة فكرة فروض الكفاية، وعلى العلماء والأمراء أن يلحظوا ذلك في التربية والتخطيط. 13 - الأدب في تغير اجتهاد العالم: 156 - * روى الدارمي عن الحكم بن مسعودٍ أتينا عمر في المشتركة فلم يُشرِّك ثم أتيناه العام المقبل فشرَّك فقلنا له فقال تلك على ما قضينا وهذه على ما قضيناه.

_ 155 - البخاري (13/ 185) 93 - كتاب الأحكام، 40 - باب ترجمة الحكام هل يجوز ترجمان واحد. أبو داود (3/ 318) كتاب العلم، 2 - باب رواية حديث أهل الكتاب. الترمذي (5/ 67) 43 - كتاب الاستئذان، 22 - باب ما جاء في تعليم السُّريانية. قال: هذا حديث حسن صحيح. (حذقته): حذقت الشيء أحذقه: إذا علمتُه وأتقنته. 156 - الدارمي (1/ 154) 54 - باب الرجل يفتي بالشيء ثم غيّره.

14 - في اجتناب أهل الهوى والابتداع

(المسألة المشتركة)، مثل: ماتت زوجة وتركت زوجاً وأماً وإخوة لأم وإخوة لأبوين، فالنصف للزوج والسدس للأم والثلث للإخوة لأمٍّ ولا يشاركهم الأخوة لأبوين به أخذ أبو بكر وأخذ عمر رضي الله عنهما به أولاً، ثم قال بقول عثمان، وهو إشراك الإخوة لأبوين مع الإخوة لأم وتسمى مشتركةٌ وعثمانية. عن مجمع الأنهر 2/ 756. هذا الأثر أصل في أن الظروف من ناحية وتغير الأحوال قد يترتب عليه تغير الاجتهاد وقد يتغير الاجتهاد كأثر عن زيادة العلم، ومن ههنا تتغير الأحكام بتغير الأزمان وتتجدد أقضية لتجدد اجتهاد أو لتجدد حوادث. ومن ههنا فإن عملية التقنين في المجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية علمية تحتاج إلى إعادة نظر مستمرة ولا يدخل في دائرة النظر ما فيه نص قطعي الدلالة قطعي الثبوت فلا اجتهاد في مورد النص ولا اجتهاد إلا من أهله في محله. 14 - في اجتناب أهل الهوى والابتداع: 157 - * روى الطبراني عن عوف بن مالك رفعه: "تفترقُ أُمتي على بضعٍ وسبعين فرقة أعظمها فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم فيحلون الحرام ويحرمون الحلال". أقول: هذا نموذج على من يفتون بلا علم كأثر من تحكيم عقل أو هوى لا كما توهَّم بعضهم أنه في القياس الشرعي من أهله. 158 - * روى الحاكم عن أبي عامرٍ عبد الله بن يحيى قال حججنا مع معاوية بن أبي سفيان فلما قدمنا مكة أخبر بقاصٍّ يقصُّ على أهل مكة مولى لبني فروخ فأرسل إليه معاوية فقال أمرت بهذه القصص؟ قال: لا، قال (1): فما حملك على أن تقص بغير إذن: قال: ننشئ علماً علمناه الله عز وجل فقال معاوية لو كنت تقدمت إليك لقطعت منك

_ 157 - الطبراني "المعجم الكبير" (18/ 50، 51). كشف الأستار (1/ 96) باب التحذير من علماء السوء. ومجمع الزوائد (1/ 179) وقال الهيثمي: قلت عند ابن ماجه طرف من أوله رواه الطبراني في الكبير والبزار ورجاله رجال الصحيح. 158 - الحاكم (1/ 128) كتاب العلم، وقال هذه أسانيد تقام بها الحجة في تصحيح هذا الحديث.

طائفة، ثم قام حين صلى الظهر بمكة فقال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إن أهل الكتاب تفرقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة وتفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة ويخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه فلا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله" والله يا معشر العرب لئن لم تقوموا بما جاء به محمد صلى الله ليه وآله وسلم لغير ذلك أحرى أن لا تقوموا به. 159 - * روى أبو داود عن يزيد بن عميرة وكان من أصحاب معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كان لا يجلس مجلساً للذكر، إلا قال حين يجلس: الله حكمٌ قسطٌ، هلك المرتابون، فقال معاذ بن جبل يوماً: إن وراءكم فتناً يكثرُ فيها المال، ويُفتح فيها القرآن حتى يأخذه المؤمن والمنافق، والرجل والمرأة، والعبد والحرُّ، والصغير والكبير، فيوشك قائلٌ أن يقول: ما للناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآنظ؟ وما هم بمُتِّبِعيَّ حتى أبتدع لهم غيره، فإياكم وما ابتدع، فإنما ابتدع ضلالةً، وأحذركم زيغة الحكيم، فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان لحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحق، قال: قلت لمعاذ: وما تدري رحمك الله أن الحكيم قد يقول كلمة الضلالة، وأن المنافق يقول كلمة الحق؟ قال: بلى، اجتنبْ من كلام الحكيم المشتهرات التي يقال: ما هذه؟ ولا يثنينك ذلك عنه، فإنه لعله يُراجع، وتلقَّ الحق إذا سمعته، فإن على الحق نوراً. وفي رواية (1): ولا يُنبئنك ذلك عنه وفيها "بالمشتبهات" عوض "المشتهرات". وفي أخرى (2) قال: بلى، ما تشابه عليك من قول الحكيم، حتى تقول: ما أراد بهذه الكلمة؟

_ 159 - أبو داود (4/ 202) كتاب السنة، 7 - باب لزوم السنة. (1) أبو داود (4/ 202) نفس الموضع السابق. (2) الدارمي (1/ 67) 21 - باب تغيير الزمان وما يحدث فيه. (القسط): العدل. (زيغة الحكيم): الزيغُ، وأراد به: الميل عن الحق، والحكيم: العالم العارف، أراد به: الزلل والخطأ الذي يعرض للعالم العارف، أو يتعمده لقلة دينه.

15 - الاغتباط في العلم والحكمة من الأدب

أقول: هذا نموذج على صنفٍ من الناس يحمله حب الرئاسة على ركوب متن الابتداع والعياذ بالله تعالى. 15 - الاغتباط في العلم والحكمة من الأدب: قال الله سبحانه وتعالى (وقل رب زدني علما) (1). 160 - * روى البخار يعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا حسد إلا في اثنين رجل آتاه الله مالاً، فسلطه على هلكته في حق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويُعلمها". قال البغوي: المراد من الحسد المذكور في الحديث هو الغبطةُ، فإن الغبطة هي أن يتمنى أن يكون له مثل ما لأخيه من غير أن يتمنى زوالها عن أخيه. والحسد المذموم أن يرى الرجل لأخيه نعمة يتمناها لنفسه وزوالها عن أخيه. قال ابن الأعرابي: الحسد مأخوذ عن الحسدل، وهو القُراد، والحسد يقشِرُ القلب، كما يقشرُ القرادُ الجلد، فيمصُّ الدم. ومعنى الحديث: التحريض والترغيب في التصدق بالمال، وتعلُّمِ العلم. وقيل: إن فيه تخصيصاً لإباحة نوع من الحسد، وإن كانت جملتُه محظورةً، كقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل الكذب إلا في ثلاث: الرجل يكذبُ في الحرب، ويُصلحُ بين اثنين، ويُحدثُ أهلهُ". وقيل: لا حسد إلا في اثنين، أي: لا يضر الحسد إلا في اثنين، وهو أن يتمنى زوالها عن أخيه، فيضره، والأول أولى. شرح السنة 1/ 229.

_ (1) طه: 114. 160 - أحمد (1/ 385) البخاري (1/! 65) 3 - كتاب العلم، 15 - باب الاغتباط في العلم. مسلم (3/ 559) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 47 - باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه. مجمع الزوائد (3/ 108) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

16 - من آداب طالب العلم إتقان علوم اللسان: 161 - * روى مسلم عن ابن أبي عتيق قال: تحدثتُ أنا والقاسم عند عائشة حديثاً - وكان القاسم رجلاً لحاناً - وكان لأم ولدٍ، فقالت عائشة: مالك لا تحدث كما يتحدث ابن أخي هذا؟ أما إني [قد] علمتُ من أين أُتيت؟ هذا أدبتْهُ أمه، وأنت أدبتْكَ أمُّكَ، قال: فغضب القاسم وأضبَّ عليها، فلما رأى مائدة عائشة قد أُتي بها قام، قالت: أين؟ قال: أصلي، قالت: اجلس، قال: غني أصلي، قالت: اجلس غُدَرُ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا صلاة بحضرة الطعام، ولا وهو يُدافعه الأخبثان". أقول: كلام عائشة رضي الله عنها يدل على أن من آداب طالب العلم أن يتقن علوم اللسان، وألا يلحن في كلامه (1). * * *

_ 161 - مسلم (1/ 393) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 16 - باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله في الحال وكراهة الصلاة مع مدافعة الأخبثين. (لحاناً): كثير اللحن والخطأ في كلامه. (أضبَّ): الضبُّ: الحقد، يقال: أضبَّ فلان على غل في صدره: أضمره. (غُدَرُ): أكثر ما يستعمل هذا في النداء بالشتم، يقولون: يا غُدَر، وهو من الغدرْ: ترك الوفاء. وإنما قالت له ذلك لأنه مأمور باحترامها لأنها أم المؤمنين وعمته وأكبر منه وناصحة له ومؤدبة، فكان حقها أن يحتملها ولا يغضب عليها.

الفصل الثاني عشر في رفع العلم وذهاب العلماء

الفصل الثاني عشر في رفع العلم وذهاب العلماء قال الله سبحانه وتعالى: (1). قال البغوي: قِيلَ هو موتُ العلماء. 162 - * روى الشيخان عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أشراط الساعة أن يُرفع العلمُ، ويكثر الجهلُ". 163 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله لا يقبضُ العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس - وفي رواية: من العباد - ولكن يقبضُ العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً: اتخذ الناس رؤوساً جُهالاً، فسئلُوا، فأفتوا بغير علمٍ، فضلُّوا وأضلُّوا". زاد في رواية (2)، قال عروة: "ثم لقيتُ عبد الله بن عمرو على رأس الحوْل، فسألته؟ فردَّ عليَّ الحديث كما حدث، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول". 164 - * وللبخاري عن عروة: "حجَّ علينا عبد الله بن عمرو بن العاص، فسمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله لا ينزعُ العلم بعد أن أعطاهموه [انتزاعاً]، ولكن ينتزعهُ منهم مع قبض العلماء بعلمهم، فيبقى ناس جُهَّال، فيُستفتون، فيفتون برأيهم، فيَضِلُّون ويُضِلُّون". فحدثتُ عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن عبد الله بن عمرو حجَّ بعدُ، فقالت: يا ابن أختي، انطلقْ إلى عبد الله بن عمرو

_ (1) الرعد: 41. 162 - البخاري (1/ 178) 3 - كتاب العلم، 21 - باب رفع العلم وظهور الجهل. مسلم (4/ 2056) 47 - كتاب العلم، 5 - باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان. 163 - البخاري (1/ 194) 3 - كتاب العلم، 34 - باب كيف يقبض العلم. مسلم (4/ 2058) 47 - كتاب العلم، 5 - باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان. (2) مسلم (4/ 2058) نفس الموضع السابق. 164 - البخاري (13/ 282) 96 - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، 7 - باب ما يذكر من ذم الرأي وتكلف القياس.

فاستثبت لي منه الذي حدثتني عنه، فجئته. فسألته، فحدثني به بنحو ما حدثني، فأتيت عائشة فأخبرتها، فعجبت، وقالت: والله، لقد حفظ عبد الله بن عمرو". 165 - * روى مسلم عن أبي الأسود، عن عروة قال: "قالت لي عائشة: يا ابن أختي، بلغني أن عبد الله بن عمرو مارٌّ بنا إلى الحج، فألقهُ، فسائله، فإنه قد حمل عن النبي صلى الله عليه وسلم علماً كثيراً، قال: فلقيته، فساءلته عن أشياء يذكرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عروة: فكان فيما ذكر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله لا ينتزعُ العلم من الناس انتزاعاً، ولكن يقبض العلماء، فيرفعُ العلم معهم، ويُبقي في الناس رؤوساً جُهالاً" - وفي أخرى (1) "ويبقى في الناس رؤوسٌ جُهالٌ- يُفْتُونهم بغير علم. فيضلون ويُضِلون". قال عروة: فلما حدثتُ عائشة بذلك أعظمتْ ذلك وأنكرته، وقالت: أحدثك أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول هذا؟ قال عروة: حتى إذا كان قابلٌ قالت له: إن ابن عمرو قد قَدِم فألقه، ثم فاتحْهُ حتى نسأله عن الحديث الذي ذكره لك في العلم، قال: فلقيته فسألته، فذكره على نحو ما حدثني به في مرَّته الأولى، قال عروة: فلما أخبرتها بذلك قالت: ما أحسبه إلا قد صدق، أراهُ لم يزدْ فيه شيئاً ولم ينقُص. وله في رواية (2) عمر بن الحكم عن عبد الله بن عمرو، بمثل حديث هشام بن عروة. 166 - * روى الترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فشخَصَ ببصره إلى السماء، ثم قال: "هذا أوانٌ يُختلسُ العلم م الناس حتى لا يقدروا منه على شيءٍ"، فقال زيادُ بن لبيد الأنصاري: كيف يُختلسُ منا وقد قرأنا

_ 165 - مسلم (4/ 2059) 47 - كتاب العلم، 5 - باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان. الترمذي (5/ 31) 42 - كتاب العلم 5 - باب ما جاء في ذهاب العلم. (1) مسلم (4/ 2059) نفس الموضع السابق. (2) مسلم (4/ 2058) نفس الموضع السابق. (انتزاعاً): أي محواً من الصدور وذكر في الفتح أن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا كان في حجة الوداع. 166 - الترمذي (5/ 31، 32) 42 - كتاب العلم، 5 - باب ما جاء في ذهاب العلم. قال: هذا حديث حسن غريب. (شخص ببصره): إذا نظر إلى شيء دائماً، فلا يرد عنه نظره. (يُختلس): الاختلاس: الاستلاب، وأخذ الشيء بسرعة.

القرآن؟ فوالله لنقرأنه، ولنقرئنه أبناءنا ونساءنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثكلتك أمك زياد، إن كنت لأعدك من فقهاء أهل المدينة، هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى، فماذا تُغني عنهم؟ " قال جُبير: فلقيت عبادة بن الصامت، فقلت: ألا تسمع ما يقول أخوك أبو الدرداء؟ فأخبرته بالذي قال أبو الدرداء، فقال: صدق أبو الدرداء، إن شئت لأحدثنَّك بأوَّلِ علم يُرفعُ، أول علم يرفع من الناس: الخشوعُ، يوشك أن تدخل المسجد الجامع فلا ترى فيه رجلاً خاشعاً". 167 - * روى أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تكثرُ الفتنُ ويكثرُ الهرجُ ويُرفع العلم" فلما سمع عمر أبا هريرة يقول يرفع العلم قال عمر: أما إنه ليس يُنزعُ من صدور الرجال ولكن تذهبُ العلماء. أقول: إن على العلماء أن يورثوا العلم وأن يخرجوا ورّاثاً كاملين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا ذهب عالم وُجد من يسد مسده، والملاحظ أن تلاميذ ابن مسعود كانوا يدركون أن إظهار الإسلام بالعلم والعمل والدعوة عامل من عوامل تجديد الإسلام، وإبقائه، لذلك فإن على أهل العلم أن يتحركوا ويحركوا قضايا العلم والعمل والدعوة. قال البغوي: وقال عبد الله بن مسعود: لا تقومُ الساعة حتى يُرفع القرآنُ، ثم يُفيضون في الشعر. وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: لا تقومُ الساعة حتى يرجع القرآنُ من حيث نزل، له دويٌّ حول العرش، كدويِّ النحل يقول الرب: مالك؟ فيقول: يا رب أُتلى، ولا يُعملُ بي. قال عمر بن الخطاب: من سَوَّده قومه على الفقه، كان حياةً له ولهم، ومن سوده قومه على غير فقه، كان هلاكاً له ولهم.

_ = (ثكلتك أمك): الثكل: فقد الأم ولدها، وهذا الكلام يجري على ألسنة العرب ولا يريدون به الدعاء كقولهم: تربت يداك. (يوشك): الإيشاك والوشْك: الإسراع. 167 - أحمد (2/ 481).

وعن زياد بن جُبير، قال: قال عمر، هل تدري ما يهدمُ الإسلام؟ قلت: لا، قال: يهدمه زلة العالم، وجدال المنافق بالكتاب، وحُكْمُ الأئمة المضلين. وقال ابن مسعود: عليكم بالعلم قبل أن يُقبَضَ، وقبضهُ: ذهابُ أهله، وعليكم بالعلم، فإن أحدكم لا يدري متى يُفتقر إليه، وعليكم بالعلم وإياكم والتنطُّعَ والتعمُّقَ، وعليكم بالعتيق. وقال عقبة بن عامر: تعلموا قبل الظانين: يعني الذين يتكلمون بالظن. وقال ابن مسعود: لا يزالُ الناس صالحين متماسكين ما أتاهم العلمُ من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ومن أكابرهم، فإذا أتاهم من أصاغرهم، هلكُوا. وقال سليمان: لا يزال النسا بخير ما بقي الأول حتى يتعلم الآخرُ، فإذا هلك الأول قبل أن يتعلم الآخر هلك الناس. وقيل لسعيد بن جبير: ما علامة هلاك الناس؟ قال: إذا هلك علماؤهم. وقال الحسن: قال عبد الله بن مسعود: مواتُ العالِم ثُلْمةٌ في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار. وقال سفيان بن عيينة: وأي عقوبةٍ أشدُّ على أهل الجهل أن يذهب أهل العلم. قال ربيعة: لا ينبغي لأحد عنده شيءٌ من العلم أن يُضيع نفسه. قال سفيان: تعوَّذوا بالله من فتنة العابد الجاهل، وفتنة العالم الفاجر، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتونٍ. قال الشعبي: ما جاء من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فخُذْهُ، ودعْ ما يقول هؤلاء الصعافقةُ. قيل: الصعافقة: الذين يدخلون السوق بلا رأس مال، وقيل: هم رُذالةُ الناس، أراد الذين لا علم لهم، فهُم بمنزلة التجار الذين ليس لهم رأس مال.

_ = كشف الأستار للبزار (1/ 125) كتاب العلم - باب ذهاب العلم وأهله. مجمع الزوائد (1/ 202) قال الهيثمي: رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح.

وقال مالك بن أنس: لا تأخذ العلم من أربعةٍ، وخذه مما سوى ذلك: من مُعلن للسفه وإن كان أروى الناس، ولا من كذاب يكذب في حديث الناس وإن كنت لا تتهمُه بكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا من صاحب هوى يدعو إلى هواه، ولا من شيخ له فضل وعبادة إذا كان لا يعرفُ ما يُحدثُ به. اهـ.

الفصل الثالث عشر في كتابة الحديث ونسخ النهي عن ذلك

الفصل الثالث عشر في كتابة الحديث ونسخ النهي عن ذلك 168 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنها قال: كنتُ أكتبُ كل شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه، فنهتني قريشُ، وقالوا: تكتبُ كل شيءٍ ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشرٌ يتكلم في الغضب والرضى؟ قال: فأمسكتُ عن الكتاب، حتى ذكرتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأومأ بإصبعه إلى فيه، وقال: "اكتبْ، فوالذي نفسي بيده، ما يُخرجُ منه إلا حقاً". 169 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب - فذكر قصةً في الحديث - فقال أبو شاهٍ: اكتبوا لي يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله لعيه وسلم: "اكتبوا لأبي شاهٍ" وفي الحديث قصة. 170 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحدٌ أكثرُ حديثاً عنه مني، إلا ما كان من ابن عمرو، فإنه كان يكتبُ، ولا أكتبُ". 171 - * روى البخاري عن يزيد بن شريك بن طارقٍ التيمي رحمه الله قال: رأيتُ علياً على المنبر يخطبُ، فسمعتُه يقولك لا والله، ما عندنا من كتابٍ نقرؤهُ إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة، فنشرها فإذا فيها أسنانُ الإبل وأشياء من الجراحات، وفيها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المدينةُ حرمٌ، ما بين عيرٍ إلى ثورٍ (1)، فمن أحدث فيها حدثاً أو

_ 168 - أبو داود (3/ 318) كتاب العلم - باب في كتابة العلم. 169 - البخاري (1/ 205) 3 - كتاب العلم، 39 - باب كتاب العلم. الترمذي (5/ 39) 42 - كتاب العلم، 12 - باب ما جاء في الرخصة فيه. 170 - البخاري (1/ 206) 3 - كتاب العلم -39 - باب كتابة العلم. الترمذي (5/ 40) 42 - كتاب العلم، 12 - باب ما جاء في الرخصة فيه. 171 - البخاري (13/ 275) 96 - كتاب الاعتصام، 5 - باب ما يكره من التعمق والغلو في الدين والبدع. مسلم (2/ 994) 15 - كتاب الحج، 85 - باب فضل المدينة المنورة. (حدثا): الحدث: الأمر المنكر، مما نهى عنه الشرع وحرَّمه.

آوى مُحدثاً، فعليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبلُ الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً، ذمةُ المسلمين واحدةٌ، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلماً، فعليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبلُ الله منه يوم القيامة عدلاً ولا صرفاً، ومن والى قوماً بغير إذن مواليه - وفي رواية (1): ومن ادَّعى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه - فعليه لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً". 172 - * روى البخاري عن أبي جُحيفة - وهب بن عبد الله السوائي- قال: قلت لعليٍّ: هل عندكم شيء من الوحي مما ليس في القرآن؟ قال: لا، والذي فلق الحبَّة، وبرأ النسمة، إلا فهماً يعطيه الله رجلاً في القرآن، وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقلُ، وفكاك الأسير، وأن لا يُقتلَ مسلمٌ بكافرٍ. 173 - * روى مسلم عن أبي الطفيل عن علي: ما خصنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء لم يعم به الناس كافة إلا ما كان في قراب سيفي هذا، وأخرج صحيفة مكتوبٌ فيها: "لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من سرق منار الأرض، ولعن الله من لعن والده، ولعن

_ = (آوي محدثاً): يروى بكسر الدال، وهو فاعل الحدث، وبفتحها، وهو الأمر المحدث، والعمل المبتدع الذي لم تجر به سُنة، كأنه رضى به ولم ينكره، والأول الوجه. (أخفر): أخفرت الذمام: إذا نقضته، وغدرت به. (صرفاً ولا عدلاً): العدل: الفريضة، والصرف: النافلة، وقيل: العدل: الفدية، والصرف: التوبة. (والى قوماً): واليتُ آل فلان: إذا صرتَ من مواليهم، وانتميت إليهم، ولم يكونوا مواليك. (بغير إذن مواليه): قال الخطابي: يدل ظاهره: أنهم إذا أذنوا له جاز أن يُوالي غيهم، وليس الأمر على ذلك، فإنهم لو أذنوا له لم يجز له، ولا ينتقل ولاؤه عنهم، وإنما ذكر الإذن واشترطه تأكيداً لتحريمه عليه، ومنعه منه، فإنه إذا استأذن أولياءه في مُوالاة غيرهم منعوه من ذلك، وإذا استبدَّ به دونهم، خفي أمرُه عليهم، وربما تم له ذلك، فإذا تطاول عليه الزمانُ عُرف بولاء من انتقل إليهم، فيكون ذلك سبباً لبطلان حق مواليه. (أو انتمى): الانتماء: الانتساب والالتجاء إلى قوم. 172 - البخاري (12/ 246) كتاب الديات، باب العاقلة. (فلقَ الحبة): بفتح الحاء هاهنا، وهي كالحنطة والشعير، وفلقُها: شقُّها للإنبات. (برأ النسمة): النسمةُ: كل ذي روح، وبرأها: خلقها. (العقل): الدية، التي تكون على عاقلة القاتل خطأ وعاقلة الرجل أهله ومن ينصره. (فكاك الأسير): وفكُّه: إطلاقه. 173 - مسلم (3/ 1567) 35 - كتاب الأضاحي، 8 - باب تحريم الذبح لغير الله تعالى، ولعن فاعله.

الله من آوى محدثاً". 174 - * روى النسائي عن أبي حسان قال: قال علي: ما عهد إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً دون الناس، إلا صحيفة في قرابِ سيفي، فلم يزالوا به حتى أخرج الصحيفة، فإذا فيها: "المؤمنون تتكافأُ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يدٌ على من سواهم، ولا يُقتل مؤمن بكافرٍ، ولا ذو عهدٍ في عهده". قال الحافظ في "الفتح" 1/ 182: والجمع بين هذه الأحاديث أن الصحيفة كانت واحدة، وكان جميع ذلك مكتوباً فيها، فنقل كل واحد من الرواة عنه ما حفظه. (عير إلى ثور) عير جبل بالمدينة معروف فأما "ثور" فجبيل صغير خلف أحدٍ وقد رد الجمال المطري في تاريخه على من أنكر وجود ثور وقال إنه خلف أحد شماليه صغير مدور يعرفه أهل المدينة خلفاً وسلفاً. أقول: عند الحنفية المراد بالكافر في الحديث: الكافر الحربي. 175 - * روى مسلم عن أبي سعيدٍ الخُدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تكتبوا عني غير القرآن، وفي رواية (1) قال: لا تكتبوا عني ومن

_ 174 - النسائي (8/ 24) كتاب القسامة، باب تعظيم المعاهد، وسنده حسن كما قال الحافظ في الفتح 12/ 231. (تتكافأ دماؤهم): التكافؤ: التساوي، وفلان كفء فلان: إذا كان مثله. (يسعى بذمتهم أدناهم): الذمة: الأمان، ومنه سمى المعاهد ذمياً، لأنه أُومِنَ على ماله ودمه بالجزية، ومعنى قوله: يسعى بذمتهم أدناهم: أن أدنى المسلمين إذا أعطى أماناً لأحد فليس لأحد من المسلمين أن ينقض ذمامه ولا يخفر عهده. (وهم يدٌ على من سواهم): أي: ذوو يد، يعني قدرةً واستيلاءً على غيرهم من أصحاب الملل. (لا يُقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده): لهذا الكلام تأويلان، أحدهما: لا يُقتل مسلم بكافر، ولا ذو عهد في حال مُعاهدته بكافر، كأنه قال: لا يقتل مسلم ولا معاهد بكافر، والآخر: لا يقتل مسلم بكافر، ولا يقتل المعاهد في حال معاهدته. 175 - مسلم (4/ 2298) 53 - كتاب الزهد والرقائق، 16 - باب التثبت في الحديث، وحكم كتابة العلم. (1) مسلم (4/ 2298) نفس الموضع السابق. قال ابن الأثير: (لا تكتبوا عني غير القرآن) الجمع بين قوله: لا تكتبوا عني غير القرآن وبين إذنه في الكتابة: أن الإذن في الكتابة ناسخ للمنع منه بإجماع الأمة على جوازه، ولا يُجمعون إلا على أمر صحيح، وقيل: إنما نهى عن الكتابة: أن يُكتب الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة، فيختلط به، فيشتبه على القارئ.

كتب عني غير القرآن فليمْحُه - وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب عليَّ [قال همام: أحسبه قال]: متعمداً، فليتبوأ مقعده من النار". 176 - * روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: استأذنا النبي صلى الله عليه وسلم في الكتابة، فلم يأذن لنا. أقول: لقد رأينا أن المنع من كتابة الحديث كان أولاً ثم نسخ إلا أن هذا المنع يجعلنا أن نفهم أن لكتاب الله أولوية وخصوصية تقدمه على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كانت السنة وحياً كذلك. قال النووي: قال القاضي: كان بين السلف من الصحابة والتابعين اختلاف كثير في كتابة العلم فكرهها كثيرون منهم وأجازها أكثرهم ثم أجمع المسلمون على جوازها وزال ذلك الخلاف واختلفوا في المراد بهذا الحديث الوارد في النهي فقيل هو في حق من يوثق بحفظه ويخاف اتكاله على الكتابة إذا كتب وتحمل الأحاديث الواردة بالإباحة على من لا يوثق بحفظه كحديث اكتبوا لأبي شاه وحديث صحيفة علي رضي الله عنهُ وحديث كتاب عمرو بعث به أبو بكر رضي الله عنه أنساً رضي الله عنه حين وجهه إلى البحرين وحديث أبي هريرة أن ابن عمرو بن العاص كان يكتب ولا أكتب وغير ذلك من الأحاديث وقيل إن حديث النهي منسوخ بهذه الأحاديث وكان النهي حين خيف اختلاطه بالقرآن فلما آمن ذلك أذن في الكتابة وقيل إنما نهي عن كتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة لئلا يختلط فيشتبه على القارئ في صحيفة واحدة والله أعلم ا. هـ. 177 - * روى البخاري عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله "كتب إلى أبي بكر بن حزمٍ: انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه، فإني خفتُ دروس العلم، وذهاب العلماء، ولا يُقبل إلا حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وليُفشوا العلم (1)، وليجلسوا حتى يُعلَّمَ من لا

_ 176 - الترمذي (5/ 38) 42 - كتاب العلم، 11 - باب ما جاء في كراهية كتابة العلم، وهو حديث حسن. 177 - البخاري (1/ 194) 3 - كتاب العلم، 34 - باب كيف يقبض العلم. (وليفشوا العلم): فشا الشيء يفشو: إذا ظهر.

يعْلَمُ، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سراً. قال العيني في شرح البخاري: لم يقع وصل هذا التعليق عند الكشميهني ولا كريمة ولا ابن عساكر، ووقع وصله للبخاري عند غيرهم، وهو بقوله في بعض النسخ: حدثنا العلاء بن عبد الجبار، قال: حدثنا عبد العزيز بن مسلم عن عبد الله بن دينار بذلك، يعني حديث مر بن عبد العزيز، ولكن إلى قوله: ذهاب العلماء، قال الحافظ في "الفتح": وهو محتمل لأن يكون ما بعده ليس من كلام عمر أو من كلامه، ولم يدخل في هذه الرواية، والأول أظهر، وبه صرح أبو نعيم في "المستخرج"، ولم أجده في مواضع كثيرة إلا كذلك، وعلى هذا فبقيته من كلام المصنف أورده تلو كلام عمر ثم بين أن ذلك غاية ما انتهى إليه كلام عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى. * * *

الباب الثاني في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي النصيحة والدعوة إلى الخير

الباب الثاني في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي النصيحة والدعوة إلى الخير وفيه مقدمة وفصول * المقدمة.

المقدمة

المقدمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ميزان الإيمان: 178 - * روى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإنْ لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان". 179 - * روى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحض على مجاهدة خلف السوء: "فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل". وأصحاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هم المؤهلون للتجارة إذا نزل العذاب {أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} (1) {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ} (2) وقد علق الله عز وجل الفلاح في الدنيا والآخرة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (3)، وجعل الخيرية لهذه الأمة على غيرها بأوصاف ثلاثة {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (4)، كما جعل التواصي بالحق والتواصي بالصبر من أركان النجاة: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (5). وعرف الرسول صلى الله عليه وسلم الدين بأنه النصيحة وذلك لتبيان أهميتها في دين الله قال عليه الصلاة والسلام:

_ (1) 178 - مسلم (1/ 69) 1 - كتاب الإيمان، 20 - باب كون النهي ن المنكر من الإيمان. 179 - مسلم (1/ 69، 70) 1 - كتاب الإيمان، 20 - باب كون النهي عن المنكر من الإيمان. (1) الأعراف: 165. (2) هود: 116. (3) آل عمران: 104. (4) آل عمران: 110. (5) العصر: 1: 3.

180 - * فيما رواه مسلم: "الدينُ النصيحةُ قالوا: لمن يا رسول الله قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم". ومن ثم كان للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير والنصيحة لخلق الله المكان العظيم في دين الله. ويدخل في الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أبواب كثيرة: فالنصح والنصيحة أمر بمعروف ودعوة إلى خير، والوصايا والتناصح كذلك والوعظ أياً كانت صفته فردياً أو جماعياً أمر بمعروف ودعوة إلى خير، والخطب والمحاضرات وتعليم الناس الخير، وأمرهم باجتناب الشر دعوة للخير وأمر ضمني بالمعروف ونهي ضمني عن المنكر، ودوائر الدعوة إلى الخير والمعروف كثيرة، دائرة النفس، ودائرة الأسرة، ودائرة الجوار، ودائرة العمل، ودائرة العامة والخاصة، ودائرة الشعب والحكم، وكلك النهي عن المنكر، ثم وسائل الدعوة كثيرة: الكلمة الطيبة، والكلمة المباشرة والكلمة غير المباشرة، والكلمة المكتوبة والكلمة المسموعة، وكذلك النهي عن المنكر، ثم الدعوة إلى الخير والمعروف والنهي عن المنكر لابد فيه من الجهد الفردي العفوي، ولابد فيه من العمل المنظم فلا هذا يغني عن مبادرة الفرد ولا مبادرة الأفراد تغني عن الترتيب، ثم لابد من جهد الدولة ولابد من جهد الأفراد والمؤسسات والهيئات والجماعات والمجموعات على المستوى المحلي والعالمي. * * * إن تعميق الإسلام في نفس الفرد وتطبيقه في حياة الأمة وتعميمه في العالم كله متوقف على النشاط في العلم والتعليم والدعوة إلى الخير والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لذلك جاءت نصوص الكتاب مؤكدة على هذه المعاني تأكيداً كبيراً فأوجبت الخيرية لمن فعل ذلك وأوجبت اللعنة على من ترك ذلك (1). (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ ٹ

_ 180 - مسلم (1/ 74) 1 - كتاب الإيمان، 23 - باب بيان أن الدين النصيحة.

بِاللَّهِ} (1). {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} (2). وذكرت الآيات من أخلاق المرسلين النصيحة: {وَنَصَحْتُ لَكُمْ} (3). "وأمرت الآيات بالدعوة". {وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ} (4). {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} (5). ولقد كتبت في رسالة أخلاقيات وسلوكيات تتأكد في القرن الخامس عشر الهجري: "إن شعار هذا القرن وشعار كل قرن ينبغي أن يكون: كل مسلم داعية إلى الله، كل مسلم معلم للخير، كل مسلم مرب للنفس البشرية، فذلك يدخل في الاقتداء الذي يطالب به كل مسلم بقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (6). فلقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله على بصيرة: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (7) ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معلماً: {وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} (8). ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مربياً: {وَيُزَكِّيكُمْ} (9). ولابد للمسلم أن يأخذ حظه من ذلك، فهو كذلك مع أهله وجيرانه وأرحامه وأقربائه وأصحابه ومعارفه ومع الناس جميعاً ما استطاع إلى ذلك سبيلاً ا. هـ". إن المسلم ينبغي أن تكون عنده ثلاث توجيهات، توجه نحو ذاته بالعكوف على إصلاحها وتزكيتها وتعليمها وتثقيفها والارتقاء بها من خلال العلم والذكر والعبادة وطاعة

_ (1) آل عمران: 110. (2) المائدة: 78، 79. (3) الأعراف: 93. (4) القصص: 87. (5) النحل: 125. (6) الأحزاب: 21. (7) يوسف: 108. (8) البقرة: 151. (9) البقرة: 151.

أهل الفقه والصلح، وتوجه نحو الخارج بالتعليم والدعوة والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وهذه قضايا يجب أن ينطلق المسلم فيها بمبادرة ذاتية منه وينبغي أن تكون خلقاً له تنبع من ذاته، وألا يعلقها على شيءٍ، والتوجه الثالث أن يكون على انسجام مع مسيرة الصف الإسلامي في توجهه نحو تحقيق الأهداف وإقامة دين الله وبذلك يؤدي المسلم حق الله عز وجل وينال مرضاته. وفيما يلي فصول في موضوعات هذا الباب:

الفصل الأول: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. الفصل الثاني: في الدعوة إلى الخير قولاً وعملاً وفي التضحية. الفصل الثالث: من سنته عليه الصلاة والسلام في الدعوة والنصح والموعظة.

الفصل الأول: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الفقرة الأولى في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 181 - * روى أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقبله، وذلك أضعفُ الإيمان". قال محمد بن علان الصديقي: ولا فرق في وجوب الإنكار بين أن يكون الآمر ممتثلاً ما أمر به مجتنباً ما نهى عنه أو لا، ولا بين كون كلامه مؤثراً أو لا، وظاهر كلام المصنف الإجماع على ذلك. فقول البعض بسقوط الوجوب عند العلم بعدم التأثير أخذاً من أحاديث تصرح بذلك ليس في محله، ولا بين كون الآمر ولياً أو غيره إجماعاً أخذاً بعموم "من" الشامل لذلك جميعه. نعم إن خشي من ترك استئذان الإمام مفسدة راجحة أو مساوية من انحرافه عليه بأنه افتيات عليه لم يبعد وجوب استئذانه حينئذ. ويشترط لجواز الإنكار ألا يؤدي إلى شهر سلاح، فإن أدى إلى ذلك فلا يكون للعامة بل يرتبط بالسلطان، وشرط وجوبه تارة وجوازه أخرى ألا يخاف على نفس ونحو عضو ومال له أو لغيره وإن قل مفسدة فوق مفسدة المنكر الواقع، وإيجاب بعض العلماء الإنكار بكل حال وإن فعل المنكر وقُبل منه غلوٌ مخالف لظاهر هذا الحديث وغيره ولا حجة له فيما احتج به. وإذا جاز التلفظ بكلمة الكفر عند الخوف أو الإكراه كما في الآية، فليجز ترك الإنكار لذلك بالأولى، لأن الترك دون الفعل ف القبح، وألا يغلب على ظنه أن المنهي يزيد فيما هو فيه عناداً، وأن يكون المنكر مجمعاً عليه أو يعتقد فاعله حرمته أو حله، ولا ينافي ما تقرر من الوجوب قوله تعالى: عليكم أنفسكم لا ضركم من ضل إذا اهتديتم - لأنه صلى الله عليه وسلم سئل عنها، فقال "ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، فإذا رأيت شحاً مطاعاً وهوى متبعاً ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأيٍّ برأيه فعليك بنفسك" الحديث (1). ففيه تصريح بأن الآية محمولة على ما إذا عجز المنكرُ، ولا شك في سقوط الوجوب حينئذ، على أن معناها عند

_ 181 - أحمد (3/ 20). صحيح مسلم (1/ 69) 1 - كتاب الإيمان - 20 - باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان وأن الإيمان يزيد وينقص وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان.

المحققين أنكم إذا فعلتم ما كلفتم به لا يضركم تقصير غيركم، ومما كلفنا به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا لم يمتثلها المخالف فلا عتب حينئذ لأن الواجب الأمر والنهي لا القبول. دليل الفالحين 1/ 465 (1). 182 - * روى مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحابٌ يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمنٌ، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، ليس وراء ذلك من الإيمان حبةُ خردل". قال النووي في شرح مسلم 2/ 28: وأما الحواريون المذكورون فاختلف فيهم، فقال الأزهري وغيره: هم خلصان الأنبياء وأصفياؤهم، والخلصان الذين نُقوا من كل عيب، وقال غيرهم: هم أنصارهم وقيل: المجاهدون، وقيل: الذين يصلحون للخلافة بعدهم. قال النووي: الضمير في "إنها" هو الذي يسميه النحويون: ضمير القصة والشأن، ومعنى "تخلف": تحدث، وهو بضم اللام، وأما "الخلوف" فبضم الخاء، وهو جمع خلف بإسكان اللام وهو الخالف بشرٍّ، وأما بفتح اللام فهو الخالف بخير، هذا هو الأشهر، وقال جماعة من أهل اللغة، منهم أبو زيد: يقال كل واحد منهما بالفتح والإسكان، ومنهم من جوَّز الفتح في الشر، ولم يجوِّز الإسكان في الخير. 183 - * روى الشيخان عن أبي الوليد عُبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، في العُسر واليسر، والمنشط والمكره وعلى أثرةٍ علينا،

_ 182 - صحيح مسلم (1/ 70) كتاب الإيمان- باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان وأن الإيمان يزيد وينقص وأن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر واجبان. (حواريون): الحواريُّ: الناصرُ، والمختص بالرجال المصافي له، ومنه الحواريون أصحاب المسيح [عيسى] عليه السلام. (خلوف): جمع خلف، وهو من يجيء بعد من مضى، قال الله تعالى: (فخلف من بعدهم خلفٌ) [مريم: 59]. 183 - البخاري (13/ 5) كتاب الفتن - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "سترون بعدي أموراً تنكرونها". مسلم (3/ 1470) كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية. (المنشطُ) و (المكرهُ): بفتح ميميْهما أي في السهل والصعب. =

وعلى أن لا تُنازع الأمر أهلهُ، إلا أن تروْا كفراً بواحاً، عندكم من الله تعالى فيه بُرهان، وعلى أن تقول بالحق أينما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم". 184 - * روى البخاري عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهمُوا على سفينةٍ، صار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا!!! فإن تركوهم وما أرادوا، هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً". 185 - * روى مسلم عن أم المؤمنين أم سلمة هند بنت أبي أُمية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنه يُستعمل عليكم أمراءُ فتعرفُون وتُنكرون، فمن كره فقد بريء، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع!!! " قالوا: يا رسول الله ألا نقاتلهُمْ؟ قال: "لا. ما أقاموا فيكم الصلاة". معناه من كَرَه بقلبه ولم يستطعْ إنكاراً بيدٍ ولا لسانٍ فقد برئ من الإثم وأدَّى وظيفته، ومن أنكر بحسب طاقته فقد سلم من هذه المعصية ومن رضي بفعلهم وتابعهُم فهو العاصي. [الرياض]. 186 - * روى البخاري ومسلم عن أم المؤمنين أم الحكمِ زينب بنت جحش رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعاً يقول: "لا إله إلا الله!!! ويلٌ للعرب من شر! ٍ قد اقترب؛ فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثلُ هذه" (1) وحلَّق بأصبعيه الإبهام

_ = (بواحاً): بفتح الباء الموحدة وبعدها واو ثم ألف ثم حاءٌ مهملة أي ظاهراً لا يحتمل تأويلاً. 184 - البخاري (5/ 132) كتاب الشركة - باب هل يقرع في القسمة؟ والاستهام فيه. (القائم في حدود الله تعالى): معناه: المنكر لها، القائم في دفعها وإزالتها، والمراد بالحدود: ما نهى الله عنه. و (استهمُوا) اقترعوا. 185 - مسلم (3/ 1481) كتاب الإمارة - باب وجوب الإنكار على الأمراء بما يخالف الشرع وترك قتالهم ما صلوا ونحو ذلك. 186 - البخاري (13/ 106) كتاب الفتن -باب يأجوج ومأجوج.

والتي تليها فقلت: يا رسول الله أنهْلِكُ وفينا الصالحون؟ قال: "نعم، إذا كثُر الخبث". 187 - * روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والجلوس في الطرقات"، فقالوا: يا رسول الله ما لنا من مجالسنا بُد؛ نتحدَّثُ فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإذا أبيتُم إلا المجلس فأعطُوا الطريق حقه"، قالوا: وما حقُّ الطريق يا رسول الله؟ قال: "غضُّ البصر، وكفُّ الأذى، وردُّ السلام، والأمر بالمعروف، والنهيُّ عن المنكر". قال العلقمي: زاد أبو داود (1) في الخصال المطلوبة لمن جلس على الطرق إرشاد ابن السبيل، وتشميت العاطس إذا حمد. زاد سعيد بن منصور: وإغاثة الملهوف. زاد البزار (2): وأعينوا على الحمولة. زاد الطبراني (3): وأعينوا المظلوم واذكروا الله كثيراً وفي حديث أبي طلحة: وحُسن الكلام وعند الترمذي (4) وأفشوا السلام وعند الطبراني وأهدوا الأغنياء فالمجموع أربعة عشر ا. هـ دليل الفالحين 1/ 476. 188 - * روى مسلم عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتماً من ذهب في يد رجلٍ فنزعه فطرحه وقال: "يعمدُ أحدُكم إلى جمرةٍ من نارٍ فيجعلُهَا في يده؟ " فقيل للرَّجلِ بعد ما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم: خُذْ خاتمك انتفعْ به، قال: لا والله لا آخذهُ أبداً وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

_ = مسلم (4/ 2207) كتاب الفتن وأشراط الساعة- باب اقتراب الفتن، وفتح ردم يأجوج ومأجوج. كثر الخبث: أي كثرة المعاصي وشاع الزنا. 187 - البخاري (5/ 112) كتاب المظالم - باب أفنية الدور والجلوس فيها والجلوس على لاصعدات. مسلم (3/ 1675) كتاب اللباس والزينة - باب النهي عن الجلوس في الطرقات وإعطاء الطريق حقه. (1) أبو داود (4/ 256) كتاب الأدب -13 - باب في الجلوس في الطرقات. (2) البزار (2/ 425) كتاب الأدب - باب الجلوس على الطريق. (3) مجمع الزوائد (8/ 61، 62) باب الجلوس على الصعيد، 3 - وإعطاء الطريق حقه. (4) الترمذي (5/ 74) كتاب الاستئذان - باب ما جاء في الجالس على الطريق. 188 - مسلم (3/ 1655) 37 - كتاب اللباس والزينة -11 - باب تحريم خاتم الذهب على الرجال، ونسخ ما كان من إباحته في أول الإسلام.

189 - * روى أحمد عن أبي سعيد الحسنِ البصريِّ أن عائذ بن عمرو رضي الله عنهُ دخل على عُبيد الله بن زياد فقال: أي بُنيِّ!! إني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن شر الرعاء الحُطمةُ"، فإياك أن تكون منهم!! فقال له: اجلس؛ فإنما أنت نُخالةُ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: وهل كانت لهم نُخالةٌ؟ إنما كانت النخالة بعدهُم وفي غيرهم. 190 - * روى الترمذي عن حُذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليُوشكنَّ الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يُستجاب لكم". روى أبو داود عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن أوَّل ما دخل النقصُ على بني إسرائيل كان الرجلُ يَلْقَى الرجل فيقول: يا هذا!! اتق الله ودع ماتصنع؛ فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك، ضرب الله قلوب بعضهم ببعضٍ، ثم قال: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ} إلى قوله .. {فَاسِقُونَ} (1). ثم قال: "كلاَّ والله لتأمُرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرُنَّه على الحق أطراً، ولتقصرنَّهُ على الحق قصراً أو ليضربنَّ الله

_ 189 - مسلم (3/ 1461) 33 - كتاب الإمارة - باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية والنهي عن إدخال المشقة عليهم. أحمد (5/ 64). (الحطمة): الذي يحطم رعيته بتكليفهم مال ايطيقون، وأصله العنيف برعاية الإبل في السوق والإيراد والإصدار ويلقي بعضها على بعض، ضرب مثلاً لوالي السوء. 190 - الترمذي (4/ 468) 34 - كتاب الفتن، 9 - باب ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقال: هذا حديث حسن. أبو داود (4/ 121) كتاب الملاحم، 17 - باب الأمر والنهي. الترمذي (5/ 252، 253) 48 - كتاب تفسير القرآن 6 - باب ومن سورة المائدة. (1) المائدة: 78: 81.

بقلوب بعضكم على بعضٍ، ثم ليلعننكم كما لعنهم". ولفظ الترمذي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لما وقعتْ بنو إسرائيل في المعاصي نهتهُم علماؤهم فلم ينتهوا، فجالسوهم في مجالسهم، وواكلوهم وشاربوهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعضٍ، ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون" -فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان متكئاً - فقال: "لا والذي نفسي بيده حتى تأطِرُوهم على الحق أطراً". قال محقق (الجامع) وأخرجه الطبري 10/ 493، من حديث سفيان الثوري، حدثنا علي ابن بذيمة عن أبي عبيدة أظنه عن مسروق، عن عبد الله قال ... فذكره. وقد علق عليه لعلامة أحمد شاكر رحمه الله بقوله: وطريق سفيان عن علي بن بذيمة يأتي مرسلاً عن أبي عبيدة، حيث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيه ذكر عبد الله بن مسعود وهو المعروف من رواية سفيان. وروى الترمذي في السنن في التفسير. قال عبد الله بن عبد الرحمن: قال يزيد بن هارون: وكان سفيان الثوري لا يقول فيه عبد الله يعني أنه مرسل من خبر أبي عبيدة، فأفادنا الطبراني هنا أن سفيان الثوري رواه مرة أخرى عن أبي عبيدة بقوله: أظنه عن مسروق عن عبد الله فلم يذكر "عبد الله" فحسب، بل شك في أن أبا عبيدة رواه عن مسروق عن عبد الله، فإذا صح ظن سفيان هذا، فإنه حديث صحيح الإسناد غير منقطع ولا مرسل ا. هـ. وإن لم يصح، فهو حديث ضعيف وقد جزم بعض العلماء بضعفه لانقطاع السند. فائدة إملائية: بمناسبة ذكر حرف الألف في كلمة ابن من قوله تعالى: {وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ}. إن العلم المذكر إذا جاء بعده (ابن) وبعده علم مؤنث: أثبتت ألف (ابن) انظر تهذيب الأسماء واللغات للنووي رحمه الله. وهو كذا في رسم المصاحف. وأخرج مسدد والبيهقي وصححه عن علي قال: "الجهاد ثلاثةٌ: جهادٌ بيد، وجهادٌ

بلسان، وجهادٌ بقلب: فأول ما يُغلبُ عليه من الجهاد: جهادُ اليد، ثم جهادُ اللسان ثم جهادُ القلب، فإذا كان القلب لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً نُكسَ وجُعل أعلاه أسفله". 191 - * روى الطبراني عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: "جاهدوا المنافقين بأيديكم فإن لم تستطيعوا إلا أن تكفهِرُّوا في وجوههم فاكفهرُّوا في وجوههم"! 192 - * روى مسلم عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: كنا عند عمر فقال: أيكم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرُ الفتن؟ فقال قوم: نحن سمعناه، فقال: لعلكُم تعنُون فتنة الرجل في أهله وجاره؟ قالوا: أجل، قال: تلك يُكفرُها الصلاة والصيام والصدقة، ولكن أيكم سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر التي تموجُ موجَ البحر؟ قال حذيفة: فأسكت القوم، فقلت: أنا، قال: أنت لله أبوك، قال حذيفة: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تُعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأيُّ قلب أُشْرِبَها نُكِتَ فيه نكتةٌ سوداء، وأيُّ قلب أنكرها نكت فيه نكتةٌ بيضاء، حتى تصير على قلبين: أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنةٌ، ما دامت السماوات والأرض، والآخر: أسود مُرباداً، كالكوز مُجَخِّياً، لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً، إلا ما أُشرب من هواهُ".

_ 191 - مجمع الزوائد (7/ 276) وقال الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما شريك وهو حسن الحديث وبقية رجاله رجال الصحيح. 192 - مسلم (1/ 128) 1 - كتاب الإيمان، 65 - باب بيان أن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً. (كالحصي عُوداً عودا): قال الحميدي: في بعض الروايات "عَرْضَ الحصير" والمعنى فيهما: أنها تحيط بالقلوب كالمحصور المحبوس، يقال: حصره القوم: إذا أحاطوا به، وضيقوا عليه، قال: وقال الليث: حصير الجَنْب: عِرْق يمتد معترضاً على الجنب إلى ناحية البطن، شبه إحاطتها بالقلب بإحاطة هذا العِرق بالبطن، وقوله "عُودا عوداً" أي مرة بعد مرة، تقول: عاد يعود ُ عودة وعُوداً. (أُشر بها): أُشْرِب القلب هذا الأمر: إذ دخل فيه وقبِلَهُ وسكن إليه، كأنه قد شربه. (نُكت فيه نكتة سوداء): أي أثر فيه أثراً أسود، وهو دليل السخط ولذلك قال في حالة الرضى: نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير القلوب على قلبين، أي على قسمين. (مرباداً): المربادُّ والمُرْبَدُّ: الذي في لونه رُبدة، وهي بين السواد والغُبرة. (كالكوز مجخيا): المجخي: المائل عن الاستقامة والاعتدال هاهنا، وجخي الرجل في جلوسه: إذا جلس مستوفزاً، وجخي في صلاته: إذا جافى عضديه عن جوفه ورفع جوفه عن الأرض وخوى. ابن الأثير.

-* روى الطبراني عن طارق بن شهاب قال: جاء عتريسُ بن عرقوبٍ الشيباني إلى عبد الله فقال: هلك من لم يأمر بالمعروف وينه عن المنكر فقال بل هلك من لم يعرف قلبه المعروف وينكر المنكر. 194 - * روى أحمد عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إنكم منصورُون ومصيبون ومفتوحٌ عليكم، فمن أدرك ذلك منكم فليتق الله، وليأمر بالمعروف، ولينه عن المنكر، ومن كذب عليَّ متعمداً فليتبوأْ مقعدهُ من النار". 195 - * روى أحمد عن أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه قال: يا أيها الناس: إنكم تقرؤون هذه الآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} (1) وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، أوْشك أن يعمهم الله بعقابٍ منه". 196 - * روى أبو داود عن أبي أمامة الشعباني قال: سألتُ أبا ثعلبة الخُشْنيَّ رضي الله عنه قال: قلت: يا أبا ثعلبة، كيف تقول في هذه الآية: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ}؟ قال: أما والله لقد سألتُ عنها خبيراً، سألت عنها رسول الله صلى الله علي وسلم، فقال: "ائتمرُوا بالمعروف، وانتهوا عن المنكر، حتى إذا رأيتم شُحاً مطاعاً، وهوى مُتبعاً ودُنيا

_ (1) 193 - مجمع الزوائد (7/ 275) كتاب الفتن، باب الإنكار بالقلب، وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. 194 - أحمد (1/ 436). أبو داود (3/ 319، 320) كتاب العلم، باب في التشديد في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. الترمذي (4/ 524) 34 - كتاب الفتن، باب رقم 70. (فليتبوأْ): أي: فليتخذ له مباءة، والمباءة: المنزل. 195 - أحمد (1/ 2). أبو داود (4/ 122) باب الأمر والنهي. الترمذي (4/ 468) 34 - كتاب الفتن، 9 - باب ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. (1 المائدة: 105. (الشُحُّ): البخل الشديد، وطاعته: أن يتبع الإنسان هوى نفسه لبخله، وينقاد له. 196 - أبو داود (4/ 123) كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي. =

مؤثرةً، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك، ودعْ عنك العوامَّ، فإن من ورائكم أيام الصبْرِ، الصبرُ فيهن مثلُ القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم" وزاد أبو داود (1) في حديث: قيل: يا رسول الله، أجرُ خمسين رجلاً منَّا، أو منهم؟ قال: بل أجرُ خمسين رجلاً منكم". الآية محمولة على ما إذا عجز المنكرُ ومعناها عند المحققين أنكم إذا فعلتم ما كلفتم به لا يضركم تقصير غيركم. انظر دليل الفالحين 1/ 465. 197 - * روى أبو يعلي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيكون بعدي خُلفاء يعملون بما يعلمون ويفعلون ما يؤمرون، وسيكون بعدي خلفاءُ يعملون بما لا يعلمون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن أنكر عليهم بريء، ومن أمسك يده، سلم ولكن من رضي وتابع". 198 - * روى الطبراني عن عبد الله يعني ابن مسعودٍ قال: إنَّ من أكبر الذنب أنْ يقول الرجل لأخيه اتق الله، فيقول: عليك نفسك أنت تأمرني؟

_ (1) أبو داود (1/ 123) نفس الموضع السابق. = (دنيا مؤثرة): أي: محبوبة مشتهاة مقدمة على أمر الآخرة. 197 - مجمع الزوائد (7/ 270) باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقال الهيثمي: رواه أبو يعلي ورجاله رجال الصحيح غير أبي بكر محمد بن عبد الملك ابن زنجويه فهو ثقة. 198 - الطبراني (9/ 119). مجمع الزوائد (7/ 271) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.

الفقرة الثانية: في فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الفقرة الثانية: في فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 199 - * روى أبو داود عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفضلُ الجهاد كلمة عدلٍ عند سلطانٍ جائرٍ". 200 - * روى النسائي عن أبي عبد الله طارق بن شهاب البجليِّ الأحمسي رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم وقد وضع رِجْلَه في الغرز - أيُّ الجهاد أفضل؟ قال: "كلمة حق عند سلطانٍ جائرٍ". 201 - * روى الترمذي عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تبَسُّمُك في وجه أخيك صدقةٌ، وأمرُك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغُك من دلوك في دلو أخيك صدقةٌ". قال القاضي: يحتمل تسميتها صدقة أن لها أجراً كما للصدقة أجر، وأن هذه الطاعات تماثل الصدقات في الأجور، وسماها صدقة على طريق المقابلة وتجنيس الكلام وقيل معناها أنها صدقة على نفسه (شرح مسلم للنووي 7/ 11). 202 - * روى مسلم عن عبد الله بن فرُّوخ أنه سمع عائشة رضي الله عنها تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنهُ خُلِق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصلٍ، فمن كبر الله، وحمد الله، وهلل الله، وسبح الله، واستغفر الله (1)، وعزل حجراً

_ 199 - أبو داود (4/ 124) كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي. وهو حديث صحيح لغيره. الترمذي (4/ 471) 34 - كتاب الفتن، 13 - باب ما جاء في أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر. وقال هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. 200 - النسائي (7/ 161) 39 - كتاب البيعة، 37 - باب فضل من تكلم بالحق عند إمام جائر. (الغَرْز): بغين معجمة مفتوحة، ثم راء ساكنة ثم زاي وهو ركابُ كُورِ الجمل إذا كان من جلد أو خشب، وقيل: لا يختصُّ بجلدٍ وخشب. 201 - الترمذي (4/ 339، 340) 28 - كتاب البر والصلة، 36 - باب ما جاء في صنائع المعروف، وقال هذا حديث حسن غريب. 202 - مسلم (2/ 698) 12 - كتاب الزكاة، 16 - باب أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف.

عن طريق الناس، أو شوكةً، أو عظماً، أو أمر بمعروفٍ، أو نهي عن منُكرٍ، عدد تلك الستين والثلاثمائة السُّلاميِّ، فإنه يُمسي يومئذٍ وقد زحزَح نفسه عن النار" وفي رواية (1) "يمشي". 203 - * روى أحمد عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسُ محمدٍ بيده إن المعروف والمنكر لخليقتان يُنصبان للناس يوم القيامة؛ فأما المعروفُ فيبشرُ أصحابه ويعدُهم الخير، وأما المنكر فيقول إليكم إليكم وما يستطيعون له إلا لزوماً". 204 - * روى أبو داود عن عُرس بن عميرة الكندي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا عُملتِ الخطيئةُ في الأرض، كان من شهدها وكرهها - وفي رواية (2) - فأنكرها، كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها، كان كمن شهدها". 205 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود قال: "يذهب الصالحون أسلاخاً ويبقى أهل الريبِ من لا يعرف معروفاً ولا يُنكرُ منكراً". 206 - * روى الطبراني عن عبد العزيز بن أبي بكرة أن أبا بكرة، تزوج امرأة من بني غُدانةَ، وأنها هلكتْ فحملها إلى المقابر فحال إخوتُها بينه وبين الصلاة فقال: لهم لا تفعلوا فإني أحق بالصلاة منكم قالوا صدق صاحبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى عليها، ثم إنه دخل القبر

_ (1) مسلم (2/ 698) نفس الموضع السابق. (السُّلامي): المفصل وجمعه سُلاميات. 203 - أحمد (4/ 391). كشف الأستار (4/ 102) كتاب الفتن، باب في أهل المعروف وأهل المنكر، قال البزار: لا نعلمه يروي عن أبي موسى إلا بهذا الإسناد. مجمع الزوائد (7/ 262) 220 - كتاب الفتن، باب في أهل المعروف وأهل المنكر. 204 - أبو داود (4/ 124) كتاب الملاحم، 17 - باب الأمر والنهي. أبو داود، نفس الموضع. 205 - الطبراني (9/ 109). مجمع الزوائد (7/ 280) وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. 206 - مجمع الزوائد (7/ 280) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات.

فدفعوه دفعاً عنيفاً؛ فوقع فغُشي عليه؛ فحُمِلَ إلى أهله فصرخَ عليه يومئذ عشرون من ابن وبنت له، قال عبد العزيز وأنا يومئذ من أصغرهم فأفاق إفاقة فقال لا تصرخوا عليَّ فوالله ما من نفس تخرجُ أحبُّ إلي من نفس أبي بكرة، ففزعَ القومُ فقالوا لم يا أبانا؟ قال إني أخشى أن أدرك زماناً لا أستطيع أن آمُرَ بالمعروف ولا أنهى عن منكر ولا خير يومئذٍ.

الفقرة الثالثة: في الأخذ بالرخصة أو العزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الفقرة الثالثة: في الأخذ بالرخصة أو العزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 207 - * روى البزار عن ابن عمر سمعت الحجاج يخطب فذكر كلاماً أنكرته، فأردت أن غيره فذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ينبغي للمؤمن أن يُذِلَّ نفسهُ"، قلتُ: يا رسول الله كيف يُذل نفسه؟ قال: "يتعرضُ من البلاء لما لا يُطيق". 208 - * روى الترمذي عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينبغي للمؤمن أن يُذل نفسهُ"، قالوا: كيف يُذلُّ نفسه؟ قال: "يتعرَّض من البلاء لما لا يُطيقُ". 209 - * روى أبو يعلي عن المعلي بن زيادٍ قال: لما هزم يزيدُ بن المُهَلَّب أهل البصرة قال المعلي: فخشيت أن أجلس في حلقة الحسن بن أبي الحسن فأُوجدُ فيها فأُعرَفُ، فأتيت الحسن في منزله فدخلت عليه فقلت يا أبا سعيد: كيف بهذه الآية من كتاب الله؟ قال أيَّةُ آيةٍ من كتاب الله؟ قلت: قول الله في هذه الآية {وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} قال يا عبد الله إن القوم عرضوا عليّ السيفُ فحال السيفُ دون الكلام. قلت: يا أبا سعيد فهل تعرف لمتكلمٍ فضلاً؟ قال: لا. قال المعلى: ثم حدثني بحديثين قال ثنا أبو سعيد الخدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يمنعَنَّ أحدكم رهبةُ الناس أن يقول بحق إذا رآه أو يذكرُ بعظيم فإنه لا يُقرِّبُ من أجلٍ ولا يُبعدُ من رزقٍ"، قال ثم حدث الحسن بحديثٍ آخر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (1) "ليس للمؤمن أن يُذِلَّ نفسه قيل وما إذلاله نفسه قال يتعرض من البلاء

_ 207 - كشف الأستار عن زوائد البزار (4/ 112) كتاب الفتن - باب لا ينبغي للمؤمن أن يُذلَّ نفسه. قال البزار: لا نعلمه يُروى عن ابن عمر إلا بهذا الإسناد. مجمع الزوائد: (7/ 275) كتاب الفتن. باب فيمن خشي من ضرر على غيره ونفسه. 208 - الترمذي (4/ 523) 34 - كتاب الفتن، باب 67 وقال: هذا حديث حسن غريب. وفي سنده عليُّ بن زيد بن جدعان وهو ضعيف وقد صحح بعض العلماء هذا الحديث بالطريق السابق، أقول: في هاتين الروايتين إشارة إلى صورة من الصور التي يسع المسلم فيها محض الإنكار القلبي ولا يجب عليه فيها الإنكار اللساني. 209 - رواه أبو يعلي ورجاله رجال الصحيح.

ما لا يطيقُ" قلت يا أبا سعيد فيزيد الضبي وكلامه في الصلاة، قال: أما إنه لم يخرج من السجن حتى ندم قال المعلى: فقمت من مجلس الحسن فأتيت يزيد فقلت: يا أبا مودودٍ بينما أنا والحسن نتذاكر إذ نصب أمرك نصباً فقال: مه يا أبا الحسن. قال: قلتُ: قد فعلتُ قال: فما قال؟: قلتُ: قال: أما إنه لم يخرج من السجن حتى ندم على مقالته. قال يزيد: ما ندمت على مقالتي وايمُ الله لقد قمت مقاماً أخطر فيه بنفسي قال يزيد: فأتيت الحسن قلت: يا أبا سعيد غُلبنا على كل شيء، نُغلبُ على صلاتنا؟ فقال: يا عبد الله إنك لم تصنع شيئاً، إنك تُعرضُ نفسك لهم، ثم أتيته فقال: مثل مقالته. قال فقمتُ يوم الجمعة في المسجد ولحكم بين أيوب يخطبُ فقلت رحمك الله الصلاة احتوشتني. فلما قلت ذلك قام الرجال يتعاوروني فأخذوا بلحيتي وتلبيبتي وجعلوا يجؤَوُن بطني بنعال سيوفهم، قال: ومضوا بي نحو المقصورة فما وصلتُ إليها حتى ظننتُ أنهم سيقتلوني دونها. قال: ففُتح لي بابُ المقصورة قال: فقمتُ بين يدي الحكم وهو ساكتٌ فقال: أمجنون أنت؟ وما كنا في صلاة فقلتُ: أصلح الله الأمير هل من كلام أفضل من كتاب الله، قال: لا. قلت: أصلح الله الأمير أرأيت لو أن رجلاً نشر مصحفاً يقرؤه غدوةً إلى الليل كان ذلك قاضياً عنه صلاته؟ قال: والله لأحسبك مجنوناً. قال وأنس بن مالك جالس تحت منبره ساكت فقلت يا أنس يا أبا حمزة أنشدُك الله فقدت خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبته أبمعروفٍ قلت أم بمنكر؟ أبحقٍ قلت أم بباطلٍ؟ قال: فلا والله ما أجابني بكلمةٍ. قال له الحكم بن أيوب يا أنسُ قال: يقول لبيك أصلحك الله قال: وكان وقت الصلاة قد ذهب. قال: كان بقي من الشمس بقيه. قال: احبسوه قال يزيد: فأقسِمُ لك يا أبا الحسن يعني للمعلى لما لقيتُ من أصحابي كان أشدَّ عليَّ من مقالي قال بعضهم مُراءٍ، وقال بعضهم مجنون. قال: وكتب الحكم إلى الحجاج أن رجلاً من بني ضبة قام يوم الجمعة قال الصلاة وأنا أخطبُ وقد شهد الشهودُ العدول عندي أنه مجنونٌ فكتب إليه الحجاج (1): إن كانت قامت الشهود العدول أنه مجنونٌ

_ = (أخطر) الخطر: الإشراف على الهلاك وخوف التلف وأخطر جعل نفسه خطراً لقرنه فبارزه. (احتوشتني): احتوشى القوم على فلان جعلوه وسطهم ومراده أحاطت له الصلاة. (التلبيب): أعلى الصدر من الثياب. (يجؤون): أي يضربون.

فخل سبيله، وإلا فاقطعْ يديه ورجليه واسمر عينيه واصلبه. قال: فشهدوا عند الحكم أني مجنون فخلى عني، قال المعلى عن يزيد الضبي: مات أخ لنا فتبعنا جنازته فصلنيا عليه فلما دفن تنحيت في عصابة فذكرنا الله وذكرنا معادنا فإنا كذلك إذ رأينا نواصيَ الخيل والحِرابَ فلما رآه أصحابي قاموا وتركوني وحدي فجاء الحكُم حتى وقف عليَّ فقال: ما كنتم تصنعون قلتُ: أصلح الله الأمير مات صاحبٌ لنا فصلينا عليه ودفناه وقعدنا نذكر ربنا ونذكر معادنا ونذكر ما صار إليه، قال: ما منعك أن تفِّرَ كما فروا. قلتُ: أصلح الله الأمير أنا أبرأُ من ذل من ذلك ساحة وآمنُ الأمير أن أفر! َ قال: فسكت الحكم، فقال عبد الملك بن المهلب وكان على شرطته تدري من هذا؟ قال من هذا؟ قال: هذا المتكلم يوم الجمعة قال: فغضب الحكم وقال: أما إنك لجريء خذاه، قال: فأخذت فضربني أربعمائة سوط فما دريتُ متى تركني من شدة ما ضربني قال: وبعثني إلى واسط فكنت في ديماس الحجاج حتى مات الحجاجُ. أقول: في هذه القصة نموذج على ظلمٍ كان يستجيز معه أنس بن مالك والحسن البصري ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكما أن في هذه القصة نموذجاً على من يبذل نفسه ويتحمل الأذى لقوله حقٍّ حتى يقولها عند سلطان جائر وهو بذلك مأجور ومبرور، ولو قتل كان من سادة الشهداء فالأخذ بالعزيمة في ذا المقام هو الأرقى والأخذ بالرخصة جائز، وقد نص فقهاء الحنفية أن من أمر بمعروفٍ أو نهى عن منكرٍ فقُتل فهو شهيد مأجور، ولو لم يتغير المنكر أو يتحقق المعروف. وينبغي أن يوجد بين المسلمين من يقوم بفرض الكفاية، حتى يسقط الإثم عن المسلمين وإذا تعين إنسان بذلك وجب عليه، وعلى المسلمين أن يفتشوا عن الطريق الأقوم لإقامة فروض الكفايات. 210 - * روى الطبراني عن أبي جعفر الخَطْميِّ أن جده عُمير بن حبيب بن حماشة وكان قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم عند احتلامه، أوصى ولده فقال: يا بُنيَّ إياك ومجالسة السفهاء فإن مجالستهم داءٌ، ومن يحلُمْ عن السفيه يُسَرَّ ومن يجبْه يندمْ ومن لا يرضى بالقليل مما يأتي به السفيهُ يرضى بالكثير (1)، وإذا أراد أحدكم أن يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر

_ = (ديماس): بالفتح والكسر وهو السرداب المظلم والمراد به سجن الحجاج. 210 - مجمع الزوائد (8/ 64) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط والكبير ورجاله ثقات.

فليوطِّنْ نفسه على الصبر على الأذى ويثق بالثواب من الله تعالى فإنه من وثق بالثواب من الله عز وجل لم يضُره مسُّ الأذى. 211 - * روى أحمد على ابن عباس رفعه: "ليس الخبرُ كالمعاينة، إن الله أخبر موسى بما صنع قومه في العجل فلم يُلقِ الألواحَ، فلما عاين ما صنعوا ألقى الألواح فانكسرتْ". أقول: في هذا الأثر إشارة إلى أن حال المؤمن وهو يرى المنكر غير حاله وهو يسمعه فالمسلم إذا شاهد المنكر غضب وبذل جهداً فإنهائه ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغضب لنفسه، ولكن إذا انتهكت حرمات لله كان لا يقوم لغضبه شيء حتى ينتهي المنكر.

_ 211 - أحمد (1/ 271). كشف الأستار (1/ 111) باب الخبر والمعاينة. ابن حبان (8/ 32) ذكر السبب الذي من أجله ألقى موسى الألواح. مجمع الزوائد (1/ 153) وقال الهيثمي: رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط، ورجاله رجال الصحيح وصححه ابن حبان. ا. هـ.

الفقرة الرابعة: في الغضب لله والشدة في النهي عن المنكر

الفقرة الرابعة: في الغضب لله والشدة في النهي عن المنكر 212 - * روى الشيخان عن أبي مسعود عُقبة بن عامر البدريِّ رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لأتأخر عن صلاة الصُّبح من أجل فلان مما يُطيل بنا، فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم غضب في موعظةٍ قط أشد مما غضب يومئذ، فقال "يا أيها الناس إن منكم منفرين فأيكم أم الناس فيُوجز فإن من ورائه الكبير والصغير وذا الحاجة". 213 - * روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم رسول الله من سفر وقد سترت سهوةً بقرامٍ فيه تماثيلُ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم هتكهُ وتلوَّن وجهه وقال: "يا عائشة إن أشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة الذين يُضاهون بخلق الله". 214 - * روى الشيخان عنها: أن قريشاً أهمهمْ شأنُ المرأة المخزومية التي سرقتْ، فقالوا: من يكلمُ فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: من يجتريء عليه إلا أسامة بن زيد حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه أسامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتشفع في حدٍ من حدود الله تعالى؟!!! " ثم قام فخطب ثم قال: "إنما أهلك من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف قاموا عليه الحد، وايمُ الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".

_ 212 - البخاري (13/ 135) 93 - كتاب الأحكام، 13 - باب هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان. مسلم (1/ 340) 4 - كتاب الصلاة، 37 - باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام. 213 - البخاري (10/ 386) 77 - كتاب اللباس، 91 - باب ما وطئ من التصاوير و 92 - باب من كره القعود على الصور. مسلم (3/ 1668) 37 - كتاب اللباس والزينة، 26 - باب تحريم تصوير صورة الحيوان. (السهوةُ): كالصفة تكون بين يدي البيت، و (القرام) بكسر القاف ستر رقيق و (هتكه) أفسد الصورة التي فيه. 214 - البخاري (6/ 513) 60 - كتاب أحاديث الأنبياء، 54 - باب حدثنا أبو اليمان. مسلم (3/ 1315) 29 - كتاب الحدود، 2 - باب قطع السارق الشريف وغيره.

215 - * روى الشيخان عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نُخامةً في القِبلة فشقَّ ذلك عليه حتى رُؤي في وجهه، فقام فحكه بيده فقال: "إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يُناجي ربه، وإن ربه بينه وبين القبلة فلا يبزُقنَّ أحدكمْ قِبَلَ القبلة، ولكن عن يسره أو تحت قدمه، ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه، ثم ردَّ بعضه على بعض فقال: "أو يفعل هكذا". قال النووي: والأمرُ بالبُصاقِ عن يساره أو تحت قدمه هو فيما إذا كان في غير المسجد، فأمَّا في المسجد فلا يبْصق إلا في ثوبه.

_ 215 - البخاري (1/ 507) 8 - كتاب الصلاة، 33 - باب حَكَّ البزاق باليد من المسجد. مسلم (1/ 388، 389) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 13 - باب النهي عن البصاق في المسجد.

الفقرة الخامسة: في وجوب امتثال ما يأمر به والانتهاء عما ينهى عنه

الفقرة الخامسة: في وجوب امتثال ما يأمر به والانتهاء عما ينهى عنه ونختم هذا الفصل بالتذكير بأن من أمر بمعروفٍ أو نهى عن منكرٍ فالأصل في حقه أن يكون متحققاً بما أمر، منتهياً عما نهى. قال الله تعالى: (1). وقال تعالى: (2). وقال تعالى إخباراً عن شُعيبٍ عليه السلام: (3). 216 - *روى الشيخان عن أبي زيد أسامة بن حارثة رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يُؤْتَى بالرجل يوم القيامة، فيُلقى في النار، فتندلق أقتابُ بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار في الرحا، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان!! مالك؟ لمْ تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى كنت آمرُ بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه". 217 - * روى أحمد عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مررتُ ليلة أُسري بي بأقوام تُقرض شفاههم بمقاريض من نارٍ، قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: خطباءُ أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون".

_ (1) البقرة: 44. (2) الصف: 2. (3) هود: 88. 216 - البخاري (6/ 331) 59 - كتاب بدء الخلق، 10 - باب صفة النار وأنها مخلوقة. مسلم (4/ 2290) 53 - كتاب الزهد والرقائق، 7 - باب عقوبة من يأمر بالمعروف ولا يفعله، وينهى عن المنكر ويفعله. قوله (تندلق): هو بالدال المهملة ومعناه تخرجُ، و (الأقتاب) الأمعاء واحدها قتب. 217 - أحمد (3/ 120). ابن حبان (1/ 135) ذكر وصف الخطباء الذين يتكلمون على القول دون العمل.

الفصل الثاني في الدعوة إلى الخير قولا وعملا وفي النصيحة

الفصل الثاني في الدعوة إلى الخير قولاً وعملاً وفي النصيحة 218 - * أخرج أحمد والطبراني عن تميم الداريِّ ضضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدرٍ، ولا وبرٍ إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيزٍ أو بذل ذليلٍ عزاً يُعزُّ الله به الإسلام وأهله وذُلاً يُذلُّ الله به الكفر" وكان تميم الداري يقول: عرفتُ ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان منهم كافراً الذل والصغار والجزية. أقول: هذه بشارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم بانتصار عالمي للإسلام وأرجو أن يكون ما نحن فيه مقدمة لذلك، فليترك المسلم اليأس والقنوط وليباشر الدعوة إلى الله فلعله يكون شريكاً في هذا الخير. 219 - * روى مسلم عن أبي مسعودٍ عقبة بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دلَّ على خيرٍ فله مثل أجر فاعله". 220 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من دعا إلى هدىً كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً". 221 - * روى الشيخان عن أبي العباس سهل بن سعدٍ الساعدي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر (1): "لأعطينَّ هذه الراية غداً رجلاً يفتحُ الله على

_ 218 - أحمد (4/ 103). الطبراني "المعجم الكبير" (2/ 58). مجمع الزوائد (6/ 14) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح. 219 - مسلم (3/ 1506) 33 - كتاب الإمارة، 38 - باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب وغيره. 220 - مسلم (4/ 2060) 47 - كتاب العلم، 6 - باب من سن سنة حسنة أو سيئة، ومن دعا إلى هدى أو ضلالة.

يديه، يُحبُّ الله ورسوله، ويحبهُ الله ورسوله، فبات الناس يدُوكون ليلتهم أيهم يُعطاها؟ فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يُعطاها، فقال: أين عليُّ بن أبي طالب؟ فقيل: يا رسول الله!! هو يشتكي عينيه، قال: فأرسلوا إليه، فأُتي به، فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه، ودعا له، فبرئ حتى كأن لم يكن به وجعٌ، فأعطاه الراية، فقال عليُّ رضي الله عنه يا رسول الله هل أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال: انفذْ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعُهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجبُ عليهم من حق الله تعالى فيه، فوالله لأن يَهْديَ الله بك رجلاً واحداً خرٌ لك من حُمْرِ النعم". 222 - * روى الشيخان عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس من نفسٍ تقتل ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كِفلٌ من دمها؛ لأنه كان أول من سن القتل". المقصود بابن آدم الأول قابيل لأنه أول من سن القتل بقتله أخيه هابيل والكفل: النصيب والحظ أي سينال نصيبه من الظلم كلما قتلت نفسٌ ظلماً. 223 - * روى مسلم عن أبي عمرو جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: كنا في صدر النهار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء قومٌ عُراةٌ مُجتابي النِّمار -أو العباءِ - متقلدي السيوف،

_

عامتهم بل كلهم من مُضر؛ فتمعَّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى منهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فمر بلالاً فأذن وأقام، ثم صلى ثم خطب فقال: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} إلى آخر الآية: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (1)، والآية الأخرى التي في آخر الحشر: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} (2) "تصدق رجلٌ من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع بُرِّه من صاع تمره"، حتى قال ولو بشق تمرةٍ، فجاء رجلٌ من الأنصار بصُرةٍ كادت كفهُ تعجز عنها - بل قد عجزت - ثم تتابع الناس، حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه ولم يتهلل كأنه مُذهبة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيءٌ، ومن سن في الإسلام سنةٌ سيئةً كان عليه وزرها ووزرهُ من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء". 224 - * روى مسلم عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سن سُنة خيرٍ فاتُّبع عليها، فله أجره ومثل أجور من اتبعه، غير منقوصٍ من أجورهم شيئاً، ومن سن سنة شرٍّ، فاتُّبع عليها، كان عليه وزره ومثل أوزار من اتبعه، غير منقوصٍ من أوزارهم شيئاً. 225 - * روى مسلم عن تميم الداريِّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله لعيه وسلم قال: "إنَّ

_ = ومعنى (مُجتابين) لابسيها قد خرَّقوها في رءُوسهم. (والجوْبُ) القطع. ومنه قول تعالى: (وثمود الذين جابوا الصخر بالواد) أي نحتوه وقطعوه. وقوله (تمعر) هو بالعين المهملة أي تغر. وقوله: (رأيت كومين) بفتح الكاف وضمها، أي صُبرتين. وقوله: (كأنه مُذهبة) هو بالذال المعجمة وفتح الهاء والباء الموحدة، قاله القاضي عياض وغيره، وصحفه بعضهم فقال: (مدهنة) هو بدال مهملة وضم الميم وبالنون، وكذا ضبطه الحميدي، والصحيح المشهور هو الأول، والمراد به على الوجهين الصفاء والاستنار. [النووي في الرياض]. (1) النساء: 1. (2) الحشر: 18. 224 - مسلم (4/ 2059) 47 - كتاب العلم، 6 - باب من سن سنة حسنة أو سيئة، ومن دعا إلى هدى أو ضلالة. الترمذي (5/ 2059) 42 - كتاب العلم، 15 - باب ما جاء فيمن دعا إلى هدى فاتبع أو ضلالة. وقال حديث حسن صحيح. 225 - مسلم (1/ 74) 1 - كتاب الإيمان، 23 - باب بيان أن الدين النصيحة.

الدِّينَ النصيحةُ، قلنا: لِمَنْ يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم". وعند النسائي (1) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الدينَ النصيحةُ، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم". وفي رواية (2) أبي داود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الدين النصيحةُ، إن الدين النصيحةُ، إن الدين النصيحةُ، قالوا: لمنْ يا رسول الله؟ قال: لله عز وجل، وكتابه، ورسوله، وأئمة المؤمنين وعامتهم، أو أئمة المسلمين وعامتهم". ومما جاء في شرح النووي على صحيح مسلم حول هذا الحديث: (الدين النصيحة) قال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله: النصيحة كلمة جامعة. معناها حيازة الحظ للمنصوح له. ومعنى الحديث: عماد الدين وقوامه النصيحة. كقوله "الحج عرفة" أي عماده ومعظمه عرفة. (لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) أما النصيحة لله تعالى فمعناها منصرف إلى الإيمان به ونفي الشريك عنه. وحقيقة هذه الإضافة راجعة إلى العبد في نصحه نفسه. فالله سبحانه وتعالى غني عن نصح الناصح. وأما النصيحة لكتابه سبحانه وتعالى فالإيمان بأنه كلام الله تعالى وتنزيله لا يشبهه شيء من كلام الخلق، والعمل بمحكمه والتسليم لمتشابهه. وأما النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتصديقه على الرسالة والإيمان بجميع ما جاء به. وأما النصيحة لأئمة المسلمين فمعاونتهم على لاحق وطاعتهم فيه وأمرهم به. والمراد بأئمة المسلمين الخلفاء وغيرهم ممن يقومون بأمور المسلمين من أصحاب الولايات. وأما نصيحة عامة المسلمين، وهم من عدا ولاة الأمور، فإرشادهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم. (شرح النووي 2/ 38). 226 - * روى الشيخان عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال زياد بن علاقة:

_ (1) النسائي (7/ 156، 157) 31 - النصيحة للإمام. (2) أبو داود (4/ 286) 68 - باب في النصيحة. 226 - البخاري (13/ 193) 93 - كتاب الأحكام، 43 - باب كيف يبايع الإمام الناس.

سمعت جرير بن عبد الله [البجلي] يقول- يوم مات المغيرة بن شعبة-: "قام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: عليكم باتقاء الله وحدهُ لا شريك له، والوقار والسكينة، حتى يأتيكم أميرٌ، فإنما يأتيكم الآن، ثم قال: استعفوا لأميركم، فإنه كان يُحبُّ العفو، ثم قال: أما بعدُ، فإني أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أبايعك على الإسلام، فشرط عليَّ: والنُّصُحَ لكل مسلم، فبايعته على هذا، ورب هذا المسجد، إني لكم لناصحٌ، ثم استغفر ونزل". وفي رواية (1) لهما: قال جرير: "بايعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلمٍ". وفي رواية (2) النسائي قال: "بايعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، وأن أنصح لكل مسلمٍ". وفي أخرى (3): "بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلمٍ". وفي أخرى (4) قال: أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أبايعك على السمع والطاعة فيما أحببتُ وكرهتُ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: أو تستطيعُ ذلك يا جرير؟ أو تطيقُ ذلك؟ قال: قل: فيما استطعتُ، فبايعني، والنُّصح لكل مسلمٍ". وفي أخرى (5) قال: "أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبايع، فقلت: يا رسول الله، ابسُطْ دك حتى أبايعك، واشترط عليَّ، وأنت أعلمُ، قال: أبايعُك على أن تعبد الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتناصح المسلمين، وتفارق المشركين". وأخرج الرواية الثانية، وزاد فيها "وعلى فراق المشرك".

_ = مسلم (1/ 75) 1 - كتاب الإيمان، 23 - باب بيان أن الدين النصيحة. (1) مسلم (1/ 75) 1 - كتاب الإيمان، 23 - باب بيان أن الدين النصيحة. (2) النسائي (7/ 140) البيعة على النصح لكل مسلم. (3) نفس الموضع السابق. (4) نفس الموضع السابق. (5) نفس الموضع السابق.

227 - * روى الشيخان عن أبي يعلي معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: "ما من عبد يسترعيه الله رعيةً يموتُ يوم يموتُ وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة". وفي رواية (1): "فلم يحُطها بنصيحةٍ لم يجد رائحة الجنة". وفي رواية (2) لمسلم: "ما من أميرٍ يلي أمور المسلمين ثم لا يجهدُ لهم وينصحُ لهم إلا لم يدخلْ معهم الجنة". * * *

_ 227 - البخاري (13/ 127) 93 - كتاب الأحكام، 8 - باب من استرعى رعية فلم ينصح لها. (1) هذه الرواية في نفس الموضع السابق. مسلم (1/ 125) 1 - كتاب الإيمان، 63 - باب استحقاق الوالي الفاسق لرعيته النار. (2) مسلم ص 126.

الفصل الثالث من سنته عليه الصلاة والسلام في الدعوة والنصح والموعظة

الفصل الثالث من سنته عليه الصلاة والسلام في الدعوة والنصح والموعظة 228 - * روى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته، الإمام راعٍ ومسئولٌ عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسئولٌ عن رعيته، والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها ومسئولةٌ عن رعيتها، والخادمُ راعٍ في مال سيده ومسئولٌ عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسئولٌ عن رعيته". 229 - * روى الشيخان عن عليٍّ رضي الله عنه قال: كنا في جنازةٍ في بيقعِ الغرْقَدِ، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حولَهُ، ومعه مخصرةٌ فنكس وجعل ينكُتُ بمخصرتِه ثم قال: "ما منكم من أحد إلا وقد كُتبَ مقعدهُ من النار ومقعده من الجنة، فقالوا: يا رسول الله، أفلا نتكِلُ على كتابنا؟ فقال: اعملوا فكلٌ ميسرٌ لما خُلقَ له. وذكر تمام الحديث". 230 - * روى الإمام أحمد عن ابن عباس قال: لما مرض أبو طالب دخل عليه رهط من قريش فيهم أبو جهلٍ فقالوا: إن ابن أخيك يشتمُ آلهتنا ويفعلُ ويفعل ويقول ويقولُ فلو بعثت إليه فنهيتهُ، فبعث إليه فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فدخل البيت وبينهم وبين أبي طالب قدرُ مجلس رجلٍ قال: فخشي أبو جهل لعنه الله إن جلس إلى جنب أبي طالب أن يكون أرقَّ له عليه فوثب فجلس في ذلك المجلس ولم يجدْ رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلساً قُربَ عمه فجلس عند الباب فقال له أبو طالب: أي ابن أخي! ما لقومك يشكونك؟ يزعمون أنك تشتم آلهتهم وتقول وتقول، قال: وأكثروا عليه من القول، وتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (1):

_ 228 - البخاري (5/ 178) 49 - كتاب العتق، 17 - باب كراهية التطاول على الرقيق. مسلم (3/ 1459) 33 - كتاب الإمارة، 50 - باب فضيلة الإمام العادل، وعقوبة الجائر. 229 - البخاري (11/ 494) 82 - كتاب القدر، 4 - باب وكان أمر الله قدراً مقدوراً. مسلم (4/ 2039) 46 - كتاب القدر، 1 - باب كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه. 230 - أحمد (1/ 227، 362) الترمذي (5/ 365) 48 - كتاب تفسير القرآن، 39 - باب من سورة "ص"، وقال الترمذي: حديث حسن. الحاكم (2/ 432) بمعناه، وقال: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي: صحيح.

"يا عم! إني أريدُهم على كلمةٍ واحدة يقولونها تدين لهم بها العربُ وتؤدي إليهم بها العجمُ الجزية، ففزعوا لكلمته ولقوله، فقال القومُ: كلمةً واحدةً نعم أيبك عشراً، فقالوا: وما هي؟ وقال أبو طالب: وأيُّ كلمةٍ هي يا ابن أخي؟ قال صلى الله عليه وسلم: "لا إله إلا الله"، فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم وهم يقولون: "أجعلَ الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عُجاب"، قال: ونزلت من هذا الموضوع -إلى قوله: {بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ} (1). 231 - * روى البخاري عن ابن المسيب عن أبيه أن أبا طالب لما حضرته الوفاةْ دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهلٍ فقال: "أي عم! قل: "لا إله إلا الله" كلمةً أحاجُّ لك بها عند الله"، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالبٍ! أترغبُ عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخِرَ ما كلمهم به: على ملة عبد المطلب؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لأستغفرنَّ لك ما لم أنه عنك"، فنزلت {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} (2) ونزلت {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} (3). 232 - * روى أحمد عن عدي بن حاتم قال: جاءت خيلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بعقربٍ فأخذوا عمتي وناساً، فلما أتوا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فصُفُّوا له". قالت: يا رسول الله! بان الوافد وانقطع الولد وأنا عجوزٌ كبيرةٌ ما بي من خدمة فُمنَّ عليَّ مَنَّ الله عليك، فقال: "ومن وافدُك؟ " قالت: عديُّ بن حاتمٍ، قال: "الذي فر من الله ورسوله؟ " قالت فمُنَّ عليَّ، فلما رجع ورجلٌ إلى جنبه - نرى أنه عليٌّ- قال: "سليه حُملاناً"، قال: فسألته فأمر لها. قال عديٌّ: فأتتني فقالت: لقد فعلت فعلةً ما كان

_ (1) ص: 5: 8. 231 - البخاري (7/ 193) 63 - كتاب مناقب الأنصار، 40 - باب قصة أبي طالب. (2) التوبة: 113. (3) القصص: 56. 232 - أحمد (4/ 378). الترمذي (5/ 201) 48 - كتب تفسير القرآن، 2 - باب "ومن سورة الفاتحة" وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث سماك. وقال ابن كثير في التفسير: وقد روي حديث عدي هذا من طرق وله ألفاظ كثيرة يطول ذكرها. (الحُمْلان): مصدر حمل يحمل حُملانا: ما يركب عليه.

أبوك يفعلها وقالت: ايته راغباً أو راهباً فقد أتاه فلانٌ فأصاب منه وأتاه فلانٌ فأصاب منه، قال: فأتيته فإذا عنده امرأةٌ وصبيانِ - أو صبي - فذكر قربهم منه، فعرفتُ أنه ليس مُلك كسرى وقيصر. فقال له: يا عديُّ بن حاتم! ما أفرَك؟ أفرَّك أن يقال: "لا إله إلا الله؟ ما أفرك؟ أفرك أن يقال: "الله أكبر"، فهل شيءٌ هو أكبر من الله عز وجل؟ فأسلمتُ فرأيتُ وجهه استبشر وقال: إن المغضوب عليهم اليهودُ، وإن الضالين النصارى. قال: ثم سألوه، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فلكم أيها الناس! أن تَرْضخوا من الفضل، ارتضخ امرؤٌ بصاعٍ، ببعض صاعٍ، بقبضةٍ، ببعض قبضةٍ - قال شعبة: وأكثر علمي أنه قال: بتمرة بشق تمرة - وإن أحدكم لاقى الله فقائلٌ ما أقول: ألم أجعلك سميعاً بصيراً؟ ألم أجعل لك ما لا وولداً؟ فماذا قدمتَ؟ فينظرُ من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله فلا يجدُ شيئاً، فما يتقي النار إلا بوجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرةٍ فإن لم تجدوه فبكلمة لينةٍ، إني لا أخشى عليكم الفاقة لينصرنَّكم الله وليعطينكم - أو ليفتحن عليكم - حتى تسير الظعينةُ بين الحيرة ويثرب، إن أكثر ما يُخاف السرقُ على ظعينتها. قال ابن كثير في التفسير: وقد روي حديث عدي هذا من طرق وله ألفاظ كثيرة يطول ذكرها. 233 - * روى ابن عبد البر عن معاوية بن حيدة القُشيري قال: أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! ما أتيتك حتى حلفتُ أكثر من عدد الأنامل - وطبقَ بين كفيه إحداهما على الأخرى - أن لا آتيك ولا آتي دينك أمراً لا أعقلُ شيئاً إلا ما علمني الله، وإني أسألك بوجه الله العظيم بم بعثك ربُّنا إلينا؟ قال: "بدين الإسلام، قال: وما دينُ الإسلام؟ قال أن تقول: أسلمتُ وجهي لله وتخليتُ، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وكل مسلمٍ على كل مسلم محرمٌ أخوان نصيران، لا يقبل الله ممن أشرك بعد ما أسلم عملاً حتى يُفارق المشركين، ما لي أمسكُ بحُجَزِكم عن النار! ألا! وإن ربي داعيَّ وإنه سائل هل بلغت عبادي؟ فأقولُ: ربّ! قد بلغتُ، ألا (1)!

_ = (أن ترضخوا): أن تعطوا. (السِّرَق): أي السرقة. 233 - ابن عبد البر في الاستيعاب (1/ 323) وصححه.

فليبلغ شاهدكم غائبكم، ألا! ثم إنكم تُدعون مقدمةً أفواهكم بالقدام، ثم إن أوَّل شيء يُنبيء عن أحدكم لفخذهُ وكفُّهُ، قال: قلتُ: يا رسول الله! هذا ديننا؟ قال: هذا دينك وأينما تُحسن يكفكَ". 234 - * روى أحمد عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل الحِجْرَ في غزوة تبوك قام فخطب الناس فقال: "يا أيها الناسُ! لاتسألوا نبيكم عن الآيات! هؤلاء قوم صالح سألوا نبيهم أن يبعث لهم ناقةً، ففعل، فكانت ترِدُ من هذا الفج فتشرب ماءهم يوم وردها ويحلبون من لبنها مثل الذي كانوا يُصيبون عن غِبِّها ثم تصدرُ من هذا الفج فعقروها، فأجَّلهم الله ثلاثة أيامٍ - وكان وعد الله غير مكذوبٍ - ثم جاءتهم الصيحة فأهلك الله من كان منهم بين السماء والأرض إلا رجلاً كان في حرم الله فمنعه حرم الله من عذاب الله؛ قيل: يا رسول الله! من هو؟ قال: أبو رِغالٍ". 235 - * روى مسلم عن معاوية بن الحكم السُّلَمي رضي الله عنه قال: بينا أنا أُصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجلٌ من القوم، فقلت: يرحمُك الله، فرماني القومُ بأبصارهم، فقلت: واثكل أماهُ!! ما شأنكم تنظرون إليَّ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يُصمتونني لكني سكتُّ، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فبأبي هو وأمي، ما رأيتُ معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه - فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني ثم قال: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيءٌ من كلام الناس (1)، إنما هي التسبيحُ

_ = (مقدمة أفواهُكم بالفِدام): هو ما يشد على فم أبريق وكوز من خرقة لتصفية الشراب، أي يمنعون من الكلام بأفواههم حتى تتكلم جوارحهم. 234 - كشف الأستار (2/ 356) باب غزوة تبوك. مجمع الزوائد (6/ 194) وقال الهيثمي: رواه البزار والطبراني في الأوسط، وأحمد بنحوه، ورجال أحمد رجال الصحيح. (الفج): الطريق الواسع. (الغب): من إيراد الإبل أي أن ترد الماء يوماً وتدعه يوماً ثم تعود. (عقروها): نحروها، وأصل العقر ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف وهو قائم. 235 - مسلم (1/ 381) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 7 - باب تحريم الكلام في الصلاة. (الشكل): بضم الثاء المثلثة المصيبة والفجيعة. (ما كهرني): أي ما نهرني.

والتكبيرُ، وقراءةُ القرآن"، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول الله إني حديث عهد بجاهلية، وقد جاء الله بالإسلام، وإن منا رجالاً يأتون الكُهَّانَ، قال: "فلا تأتهم"، قلت: ومنا رجالٌ يتطيرون، قال: "ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنَّهم". * * *

الجزء الثاني في الصلاة وما يحيط بها

العبادات في الإسلام الجزء الثاني من قسم العبادات الرئيسية وهو في الصلاة وما يحيط بها

المقدمة

المقدمة قد يصيبك العجب عندما ترى سعة هذا الجزء الذي يتحدث عن الصلوات، ولكن إذا عرفت أن الصلاة هي العبادة الأولى وهي العبادة الكبرى، وإذا عرفت أن الصلوات هي حياة الأيام والأسابيع والسنين والأوقات والأوضاع والمناسبات، وإذا عرفت أن الصلوات هي المنظم لحياة المسلم وللحياة الإسلامية كلها، وهي مظهر حياة الإسلام وحيويته وإذا عرفت أن كثيراً من أصول التكليف، وفروعه تعتبر امتداداً لأصول في الصلاة بل إن التكليف كله ينسجم مع الصلاة ويتكامل معها بل يعتبر انبثاقاً عنها، وإذا عرفت أن الصلاة محل التركيز الثاني بعد التوحيد في دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنها للقلب البشري وللحياة البشرية دواء وغذاء وارتقاء، إذا عرفت هذا كله لما تعجبت من كثرة النصوص الواردة في الصلوات. وخذ أمثلة على التكامل بين الصلاة والتكاليف الإسلامية الأخرى: الطهارة والنظافة تتكاملان، كما أن بين الصلاة والتكاليف الأخلاقية تكاملاً، فالصلاة بما فيها من خضوع لله تنفي الكبر والعجب، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، وبين ستر العورة في الصلاة وستر العورة خارج الصلاة صلة وتكامل، وبين إعمار المساجد حساً ومعنىً، وبين الذكر والعلم وصلاة الجماعة والجمعة صلة وتكامل. ولئن كان أرقى أنواع العبادة في الإسلام الذكر والفكر والدعاء، فإن أرقى صيغ الأداء للذكر والفكر والداء هي الصلاة، لأنه اشترط لها شروط خاصة، وتؤدي على هيئة خاصة فاجتمع للذكر والفكر والدعاء فيها ما لم يجتمع في غيرها، من استقبال للقبلة إلى الطهارة إلى الستر إلى الركوع إلى السجود .... واستيعاب هذه المواضيع وما يتفرع عنها لابد منه وهذا يقتضي سعةً وتوسعاً، وإذا كان فقه الصلاة هو الذي لي فقه التوحيد في الأهمية، فإن المسلم لا يبالي ما يبذل من جهد في ذات الله للتفقه في الصلاة. إن الصلوات وما يحيط بها هي الإطار الجامع والصاهر، فهي التي تصهر النفس بالإسلام

فتنورها وتزكيها وهي التي تصهر المجتمع الإسلامي ببعضه وبالإسلام حتى يذوب هذا المجتمع في بوتقة الإسلام، وهي التي تجدد قوة الإيمان وتقوي ما ضعف من صلة المسلم بإسلامه وإخوانه المسلمين، وهي مع بقية العبادات تصهر الشعوب والألوان في بوتقة الإنسانية الواحدة، لذلك وغيره أعطاها الكتاب والسنة ما أعطياها. والصلاة لم يخل منها دين بعث الله به رسولاً فقد قال تعالى لموسى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (1). وقال إبراهيم عليه السلام: {اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} (2). 236 - * روى أبو داود عن النبي عليه السلام لوفد ثقيف: "ولا خير في دين لا ركوع فيه". والأصل أن تستغرق الصلاة حياة الإنسان لذلك فرضت ليلة الإسراء والمعراج في الملأ الأعلى خمسين صلاة ثم خففت إلى خمس لها أجر خمسين، وفتح الباب للتطوع. وقد درج بعض الوعاظ والدعاة على أن يركزوا في عصرنا على معانٍ أخرى، ويقولوا ليست الصلاة هي كل شيء في الإسلام وهذا صحيح ولكن قد يشعر السامع أحياناً بعدم أهمية الصلاة نتيجة لذلك، فلابد أن يلحظ الواعظ ذلك. إن للصلاة انعكاساتها على حياة الشخص وعلى حياة الأمة، ولها تأثيراتها الحضارية على حياة الأمة كلها يظهر ذلك في العمران وفي اللباس وفي طرائق الحياة. وتكاد الصلاة أن تحوي كل رموز التكليف الرباني، كما أن تكليفاتها تخرج عن دائرتها إلى دوائر حياتية أخرى، فالطهارة شرط للصلاة لكن لها انعكاساتها خارج الصلاة، وستر العورة شرط في الصلاة ولكنه أدب المسلم خارجها، فالصلاة عبادة لله وهي في الوقت نفسه تدريب على نمط حياة هي الحياة الإسلامية: {أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} (3) {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (4).

_ (1) طه: 14. (2) إبراهيم: 40. 236 - أبو داود (3/ 162، 164) كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب ما جاء في خبر الطائف، وإسناده حسن. (3) هود: 87. (4) العنكبوت: 45.

ومتى اعتاد المسلم على أن يقيم الصلاة فقد فتحت أمامه أبواب الولوج إلى الإسلام كله، فبواسطتها يسمع المسلم كلمة الخير ويصبح عنده استعداد لقبولها، ولذلك فمن المهم جداً أن يركز الدعاة عليها. وقد شرعت لنا الصلوات الخمس وهي الفريضة المجمع عليها، وشرعت لنا صلاة الجمعة كبديل عن صلاة الظهر يوم الجمعة، وشرعت لنا صلوات يومية زيادة على الفريضة هي رواتب الصلوات الخمس، وسنة الضحى ووتر الليل وقيامه، والنوافل المطلقة وأكدت المطالبه بالوتر وشرعت لنا صلاتان في السنة هي صلاتا العيدين، وشرعت لنا صلاة التسابيح يومياً أو أسبوعياً أو سنوياً أو عُمرياً، كما شرعت لنا صلوات المناسبات: استخارة، كسوف، خسوف، استسقاء، صلاة الحاجة، والمنزل والقدوم وصلاة وداع المنزل وصلا الخوف وصلاة تحية المسجد وصلاة الجنازة وسجدة التلاوة وسجدة الشكر وشرع للمسلم أن يصلي في غير أوقات المنع أو الكراهة ما شاء من النوافل. وللصلوات شروط وأركان وواجبات وسنن وآداب ومكروهات ونواقض، ولبعض الصلوات أحكام خاصة كصلاة الخوف والعيدين وهناك صلاة الجنازة وسجدتا التلاوة والشكر فهذه لها هيئاتها التي تشارك الصلوات في شيء من مطلوباتها ولها خصوصياتها. وهناك طواريء تطرأ كالمرض والسفر والمطر يوجد بسببها ترخيصات وللمرأة خصوصياتها في الصلاة وهناك صلاة الطواف وهناك طواريء تطرأ بسبب الحركة الجهادية يترتب عليها أحكام خاصة في الجهاد وهناك حالات الإكراه وحالات الضرورة والاضطراب، وكل ذلك له أحكامه. والأئمة المجتهدون حاولوا أن يضعوا كل فعل وكل قول مرتبط في الصلاة في إطار تفصيلي من حيث قوة الإلزام. فهناك الفرائض التي لا تجوز بدونها الصلاة، وهناك ما دون ذلك مما تجوز به الصلاة وتكون ناقصة بحسبه وهناك الأفعال التي تبطل الصلاة أصلاً وهناك ما لا يبطل الصلاة ولكن يجعل فيها خللاً، وفي هذا كله نجد المجمع عليه ونجد المختلف فيه وما اختلف فيه بين الأئمة فالأمر فيه واسع ولا يختلف الأئمة عادة فيما كان قطعيَّ الثبوت قطعي الدلالة وقد

يختلفون فيما سوى ذلك، وما اختلف فيه أئمة الاجتهاد فالأمر فيه واسع، وما دام المرء على مذهب إمام وتوافرت فيه شروط الاجتهاد أو الفتوى فلا حرج عليه، فما اختلفوا إلا حيث يحتمل المقام اختلافاً. * * * إن إقامة الصلاة تعني إقامةً لأوامر كثيرة طالب الله عز وجل بها المكلفين، فحين تقيم الصلاة فإنك تقيم الكثير من أوامر الله عز وجل {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (1) {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} (2) {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} (3) {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} (4) {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (5) {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} (6) {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} (7) {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} (8) {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} (9) {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} (10) {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} (11) {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (12). ويكفيك لتعرف عظمة الصلاة أن تتدبر قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} (13). {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (14) فمبنى الدين القيم على توحيد العبادة لله، والإخلاص فيها وإقام

_ (1) الأعراف: 31. (2) المائدة: 6. (3) البقرة: 150. (4) النساء: 103. (5) البقرة: 238. (6) المزمل: 20. (7) الأعراف: 204. (8) الحج: 77. (9) الواقعة: 74. (10) الأعلى: 1. (11) الروم: 17، 18. (12) الأحزاب: 56. (13) البقرة: 45. (14) البينة: 5.

الصلاة وإيتاء الزكاة. * * * وعرض نصوص الصلاة المتعلقة في السُّنَّة على طريقة التقسيمات الفقهية الدقيقة من الصعوبة بمكان لتداخل المواضيع في النصوص بعضها ببعض، ثم إن مجموع الروايات لا يحاط بها، وقد أردنا أن نسهل وأن بسط ما استطعنا، كما حاولنا أن نعرض الصلاة عرضاً يخفُّ على نفس القارئ، كما حاولنا أن نقدم بعض المواضيع لشعورنا أنها تحتاج في عصرنا إلى تركيز وزيادة تذكير. * * * هذا وإننا نذكر القارئ أنه لابد لمريد الآخرة من قراءة كتب الفقه المعتمدة فإنها هي التي جمعت الأحكام بعضها إلى بعض، وذكرت أمهات المسائل وأعطت الجواب على الفرعيات الكثيرة، فحاول يا أخي أن تقرأ كتاباً من كتب الفقه على مذهب إمام، وحاول أن تكون قراءتك على عالمٍ متقنٍ فقيهٍ ورعٍ بصير بموارد الفتوى ومصادرها. فهناك قضايا في الشريعة نصوصها قطعية الثبوت قطعية الدلالة ما ذكرنا فهذه لا يختلف فيها أئمة أهل السُّنة والجماعة أما ما سوى ذلك من النصوص فقد يجمعون على فهم موحد فيه وقد يختلفون وهناك مسائل مبناها على القياس فقد يجمعون عليها وقد يختلفون فما أجمعوا عليه لا يسع مسلماً أن يشذّ فيه وما اختلفوا فيه فإن المسلم يسعه أن يتبع أي واحد منهم. والأصل أن يكون المسلم على مذهب إمام وأن يتفقه في مذهبه ولا يترك مذهبه في مسألة إلى مذهب آخر إلا إذا كانت هناك ضرورة أو ترجح لديه - إن كان من أهل العلم - دليل مذهبٍ آخر، أو نزل على حكم القضاة العدول فيما لا يخرج عن آراء أئمة الاجتهاد. إن أئمة الاجتهاد هم الجهة الوحيدة التي تستطيع أن تضع كل نص في محله في بناء الشريعة، ومن ههنا، كان لكلامهم وزن خاص عندما يتعاملون مع النصوص فهماً أو توجيهاً أو تخصيصاً أو تقييداً، ويعرفون ما يدخل في دائرة القياس وما لا يدخل وما

يخرق الإجماع وما لا يخرق، نحن في هذا الكتاب نعرض للمواضيع الفقهية عرضاً إجمالياً يتسم بالاختصار المركز ونتخير من المسائل والفوائد والأقوال ما نرى أن هناك ضرورة في التعرف عليه، وفي أقصى حدود الاختصار معتمدين على أن المسلم له دراساته في الفقه والعقائد والأصول وغير ذلك من أصول الثقافة الإسلامية وفروعها. على ضوء هذا التقديم تُقْبِل على كثيرٍ من المواضيع الفقهية التي ستمر بنا فيما يأتي من هذا الكتاب ومن ذلك فقه الصلاة: يَعْرِضُ بعض الفقهاء أحكام الصلوات الخمس فيذكر أن لها شروطاً وأركاناً وواجبات وسنناً وآداباً، وأن هناك مكروهاتٍ تنزيهية وتحريمية ومفسداتٍ تطرأ عليها فالمفسد يبطلها والمكروه تحريماً يوجب إعادتها، والمكروه تنزيهاً يُتساهل فيه، وكذلك الأدب والسنة، أما ترك الواجب عمداً؛ فيوجب إعادتها مادام الوقت باقياً كارتكاب المكروه تحريماً، وإذا أخل إنسان بركن أو شرط لغير عذر مقبول شرعاً فإن صلاته تبطل لأن الشرائط والأركان فرائض في الصلاة. فإذا انتهوا من ذلك تحدثوا عن الوتر على اعتبار أنه الأقوى إلزاماً بعد الصلوات الخمس ويذكرون بعض خصوصيات الوتر، ثم يتحدثون عن نوافل وصلوات بعضها فرض كفاية كصلاة الجنازة وبعضها سنة كفاية كصلاة التراويح في المسجد وبعضها واجب في رأيهم كصلاة العيد وبعضها سنن مؤكدة وبعضها سنن غير مؤكدة، ويتحدثون في هذا الخِضَّم عن نوافل مطلقة ونوافل مقيدة فالصلاة خير موضوع. وهناك بعض الصلوات التي تختص بهيئة، ويلزم فيها بعض الشروط كصلاة الجنازة وهناك سجدتا التلاوة والشكر اللتان يلزم فيهما بعض الشروط ولهما أحكامهما الخاصة، وهناك طوارئ تؤثر على بعض الأحكام، وهناك صلوات لها أحكام زائدة على أحكام الصلوات الخمس ويرافقها آداب، وكل ذلك سيمر معنا تفصيلاً إلا أننا رأينا أن نؤخر صلاة الجنازة فنذكرها في القسم الرابع من هذا الكلام عن آداب التعامل مع الموت. وكنا ذكرنا بعض أحكام النذر ومن ذلك نذر الصلاة في قسم العقائد ونحن في هذا الجزء سنتعرض لما يتعرض له الفقهاء في أمهات مسائل الصلاة.

نبدأ بالحديث عن شروط الصلاة وهي خمسة: الطهارة، ستر العورة، استقبال القبلة، دخول الوقت، النية. ثم نتحدث عن أركان الصلاة وواجباتها وهيئاتها وأهم تلك الأركان والواجبات: تكبيرة الإحرام - القيام للقادر- قراءة القرآن - الركوع - الرفع من الركوع- السجود مرتين لكل ركعة- الجلوس بين السجدتين- القعود الأول في الصلاة الثلاثية والرباعية - القعود الأخير في كل صلاة - التشهد - السلام - الطمأنينة في أفعال الصلاة - الترتيب في أداء الصلاة - موالاة أفعالها - ترك الكلام الأجنبي عن الصلاة - ترك الفعل الكثير من غير جنس الصلاة. وسنن الصلاة وآدابها كثيرة ومن ذلك: أذكارها، والأذكار التي تأتي بعدها، هناك سنن داخل الصلاة وهناك سنن خارجة عنها. والمكروهات المفسدات كل ذلك سيأتي تفصيله معنا، وتفصيل ما يتعلق بالصلاة. وهكذا نجد أمامنا أبواباً كثيرةً كلها تحتاج إلى دراسة وفقه وسنعرض نصوص الصلاة وما يتعلق بها على أبواب، وهذه أبواب هذا الجزء:

الباب الأول: في نصوص مُذكرة ببعض الأصول في الصلاة. الباب الثاني: في شروط الصلاة. الباب الثالث: في أفعال الصلاة وأقوالها وما يدخل فيها من أركان وواجبات وسنن وآداب. الباب الرابع: في أفعال ممتنعة في الصلاة وأفعال جائزة. الباب الخامس: في المساجد والجماعة والجمعة. الباب السادس: في صلوات الليل والنهار في الأحوال العادية عدا الصلوات الخمس. الباب السابع: في الصلوات السنوية. الباب الثامن: في الصلوات في الأحوال العارضة. الباب التاسع: في صلاة المناسبات. الباب العاشر: في السجدات.

الباب الأول في نصوص مذكرة ببعض الأصول في الصلاة

الباب الأول في نصوص مذكرة ببعض الأصول في الصلاة وفيه الفصول التالية * الفصل الأول: في وجوب الصلاة وفرضيتها والمحافظة عليها وتعجيلها. * الفصل الثاني: في قضاء الفائتة. * الفصل الثالث: في صلاة الصبي. * الفصل الرابع: في ذكر بعض من لا تقبل صلاتهم.

الفصل الأول: وجوب الصلاة وفرضيتها والمحافظة عليها، وتعجيلها وما يتصل بذلك.

الفصل الأول: وجوب الصلاة وفرضيتها والمحافظة عليها، وتعجيلها وما يتصل بذلك. وفيه فقرات

الفقرة الأولى: في وجوب الصلاة وفرضيتها

الفقرة الأولى: في وجوب الصلاة وفرضيتها 237 - * روى الشيخان عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً". 238 - * روى مسلم عن أبي مالكٍ الأشجعي عن أبيه. قال: كان الرجل إذا أسلم علمه النبي صلى الله عليه وسلم. ثم أمره أن يدعو بهؤلاء الكلمات "اللهم! اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني". 239 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بين الرَّجُل وبين الشرك: تركُ الصلاة". وفي رواية (1) الترمذي "بين الكفر والإيمان: تركُ الصلاة" وله في أخرى (2) "بين العبد وبن الشرك أو الكفر: تركُ الصلاة". وفي أخرى (3) "بين العبد وبين الكفر: تركُ الصلاة". وأخرج (4) أبو داود الرواية الآخرة من روايات الترمذي. 240 - * روى أحمد عن بُريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " العهدُ الذي بيننا وبينهم: الصلاةُ، فمن تركها فقد كفر".

_ 237 - البخاري (1/ 49) 2 - كتاب الإيمان، 2 - باب دعاؤكم إيمانكم. مسلم (1/ 45) 1 - كتاب الإيمان، 5 - باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام. 238 - مسلم (4/ 2073) 48 - كتاب الذكر والدعاء، 10 - باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء. 239 - مسلم (1/ 88) 1 - كتاب الإيمان، 35 - باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة. (1) الترمذي (5/ 13) 41 - كتاب الإيمان، 9 - باب ما جاء في ترك الصلاة. (2) الترمذي (5/ 13) 41 - كتاب الإيمان، 9 - باب ما جاء في ترك الصلاة. (3) الترمذي (5/ 13) 41 - كتاب الإيمان، 9 - باب ما جاء في ترك الصلاة. (4) أبو داود (4/ 219) كتاب السنة، 15 - باب في رد الإرجاء 240 - أحمد (5/ 346). الترمذي (5/ 14) 41 - كتاب الإيمان، 9 - باب ما جاء في ترك الصلاة. النسائي (1/ 231) كتاب الصلاة، 8 - باب الحكم في تارك الصلاة. الحاكم (1/ 6) كتاب الإيمان وصححه ووافقه الذهبي.

241 - * روى الترمذي عن عبد الله بن شفيقٍ رحمه الله قال: "كان أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركهُ كفرٌ غير الصلاة". 242 - * روى أحمد عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ترك الصلاة متعمداً فقد حَبِطَ عملهُ". تعليق: أهل السنة يرون أن الإيمان هو: الإقرار باللسان والتصديق بالجنان وثمرته العمل بالأركان، وأهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في النار لا يخلدون إذا ماتوا وهم موحدون، وإن لم يكونوا تائبين وقد لقوا الله تعالى عارفين مؤمنين، فهم في مشيئته وحكمه إن شاء غفر لهم وعفا نهم، بفضله كما قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1) في كتابه العزيز وإن شاء عذبهم في النار بقدر جنايتهم بعدله ثم يخرجهم منها برحمته ا. هـ (العقيدة الطحاوية) والصلاة والزكاة والصوم من الأعمال فلا يكفُرُ تاركها المؤمن بها. وجماهير العلماء حملت النصوص التي مرت معنا على تارك الصلاة المستحل أو على أن المراد بذلك ما يقابل الشكر - أي كفر عملي - فالحنفية والشافعية والمالكية هذا رأيهم وقال الإمام أحمد بكفر تارك الصلاة كفراً حقيقياً يستوجب الخلود في النار وتارك الصلاة عند الإمام أحمد يقتل كفراً لأنه مرتد عنده، فهذه عقوبته دنيوياً عند أحمد، والحنفية يروْنَ أن عقوبته الدنيوية الحبس والضرب ضرباً شديداً حتى يسيل منه الدم، حتى يصلي ويتوب أو يموت في السجن، وقال الشافعية والمالكية: تارك الصلاة بلا عذر ولو ترك صلاة واحدة يستتاب ثلاثة أيام كالمرتد وإلا قُتِلَ إن لم يتب، ويقتل حداً لا كفراً أي لا يحكم بكفره وإنما يقتل عقوبةً وبعد الموت يغسَّل ويصلي عليه ويدفن مع المسلمين. 243 - * روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "سأل رجلٌ نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم،

_ 141 - الترمذي (5/ 17) 41 - كتاب الإيمان، 9 - باب ما جاء في ترك الصلاة وإسناده حسن. 242 - أحمد (6/ 442) ورجاله رجال الصحيح. (1) النساء: 116. 243 - مسلم (1/ 40، 41، 42) 1 - كتاب الإيمان، 2 - باب بيان الصلوات، 3 - باب السؤال عن أركان الإسلام، 4 - باب بيان الإيمان الذي يدخل به الجنة.

فقال: يا رسول الله، كم فرض الله على عباده من الصلوات؟ قال: "افترض الله على عباده صلواتٍ خمساً"، قال: يا رسول الله، هل قبْلَهُنَّ أو بعدَهُنَّ من شيء؟ قال: "افترض الله على عباده صلوات خمساً"، فحلف الرجل لا يزيدُ عليه شيئاً، ولا ينقص منه شيئاً"، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن صدق ليدخُلَنَّ الجنة". 244 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "فُرِضَتْ على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أُسري به الصلاة خمسين، ثم نُقِصَت حتى جُعلت خمساً، ثم نُودي: يا محمدُ، إنه لا يُبدلُ القول لديَّ، وإن لك بهذه الخمس خمسين". أقول: قد كانت الصلاة مفروضة قبل ليلة الإسراء والمعراج إلا أن استقرار الفريضة على خمس صلوات في اليوم والليلة هو الذي حصل في تلك الليلة وقد مرت معنا تفصيلات ذلك في قسم السيرة، كما مر معنا الخلاف في تحديد زمن الإسراء والمعراج والذي عليه العمل أنه كان في سبع وعشرين من رجب على خلافٍ كثيرٍ في تحديد السَّنة ومن الأقوال في ذلك أنه كان قبل سنة ونصف من الهجرة. 245 - * روى الترمذي عن الحارث الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تبارك وتعالى أمر يحيى بن زكريا بخمس كلماتٍ: أن يعمل بها، ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها، وإنه كاد أن يُبطئ بها، فقال له عيسى: إن الله أمرك بخمس كلماتٍ: أن تعمل بها، وتأمُرَ بني إسرائيل أن يعملوا بها (1)، فإما

_ = الترمذي (3/ 14) كتاب الزكاة - باب ما جاء إذا أديت الزكاة فقد قضيت ما عليك. النسائي (1/ 228) 5 - كتاب الصلاة، 4 - باب كم فرضت في اليوم والليلة. 244 - البخاري (6/ 374) 60 - كتاب أحاديث الأنبياء، 5 - باب ذكر إدريس عليه السلام. مسلم (1/ 145) 1 - كتاب الإيمان، 74 - باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات وفرض الصلوات. الترمذي (1/ 417) أبواب الصلاة، 159 - باب كم فرض الله على عباده من الصلوات. النسائي (1/ 217) 5 - كتاب الصلاة، 1 - فرض الصلاة وذكر اختلاف الناقلين. 245 - الترمذي (5/ 148) 45 - كتاب الأمثال، 3 - باب ما جاء في مثل الصلاة والصيام والصدقة وقال هذا حديث حسن صحيح غريب، وهو كما قال. ابن حبان (8/ 43) ذكر تشبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم عيسى ابن مريم بعروة بن مسعود. الحاكم (1/ 421) كتاب الصوم.

أن تأمُرهم، وإما أن آمُرَهم، فقال يحيى: أخشى إن سبقتني بها أن يُخْسَفَ بي أو أُعذب، فجمع الناس في بيت المقدس، فامتلأ المسجد، وقعدوا على الشُّرَف، فقال: إن الله أمرني بخمس كلمات: أن أعمل بهن، وآمركم أن تعملوا بهن، أولهن: أن تعبدوا الله، ولا تشركوا به شيئاً، فإن مثل من أشرك بالله شيئاً كمثل رجل اشترى عبداً من خالص ماله بذهب أو ورق، فقال: هذه داري، وهذا عملي، فاعمل وأدِّ إليَّ، فكان يعمل ويؤدي إلى غير سيده، فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك؟ وإن الله أمركم بالصلاة، فإذا صلَّيتُم فلا تلتفتوا، فإن مثل ذلك كمثل رجلٍ في عصابة معه صُرَّة فيها مسك، كلهم يعجب - أو يعجبه - ريحها، وإنَّ ريح الصائم أطيبُ عند الله من ريح المسك، وآمرُكم بالصدقة، فإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدوُّ، فأوثقوا يديه إلى عنقه، وقدموه ليضربوا عنقه، فقال: أنا أفدي نفسي منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم، وآمركم أن تذكروا الله، فإن مثل ذلك مثل رجل خرج العدو في أثره سراعاً، حتى إذا أتى على حصن حصين أحرز نفسه منهم، وكذلك العبدُ لا يُحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهن: السمع، والطاعةُ، والجهادُ، والهجرةُ، والجماعة، فإنه من فارق الجماعة قيد شِبْر، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، إلا أن يُراجع، ومن دعا دعوى الجاهلية، فإنه من جثيِّ جهنم"، فقال رجل: يا رسول الله وإن صام وإن صلَّى؟ قال: "وإن صام وإن صلَّى، فادْعوا بدعوى الله التي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله".

_ (العصابة): الجماعة من الناس، قيل: تبلغ الأربعين. (الرِّبْقَة) في الأصل: حبلٌ فيه عُرىً كثيرة تُشد به الغنم، الواحدة منها رِبْقة، فاستعار للإسلام ربقة، يعني بها: العروة يشُد بها المسلم نفسه من عُرى الإسلام. (جُى): جمع جثوة بالضم، وهي الشيء المجموع من جماعات جهنم، هذا فيمن رواه مخففة، ومن رواها "جُثِيّ"- مشددة - فإنه أراد الذين يجثون على الركب، واحدها: جاثٍ، من قوله تعالى: (حول جهنم جثياً) [مريم: 68].

246 - * روى أحمد عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يخْطُب في حجة الوداع، فقال: "اتقوا الله، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدُّوا زكاة أموالكم، وأطيعوا ذا أمركم، تدخُلوا جنَّةَ ربِّكم" قال الراوي: قلت لأبي أمامة: منذُ كم سمعت هذا الحديث؟ قال: سمعتُه وأنا ابن ثلاثين سنة. 247 - * روى ابن خزيمة عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حافظ على هؤلاء الصلوات المكتوبات لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ في ليلة مائة آية لم يكتب من الغافلين، أو كُتِبَ من القانتين". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الكلام أربعة، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر". 248 - * روى ابن خزيمة عن سَمُرة بن جُندبٍ، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه: "هل رأى أحدٌ منكم رؤيا"؟ فيقُصُّ عليه من شاء الله أن يقُصَّ"، وإنه قال لنا ذات غداةٍ: "إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني، فقالا لي: انطلقْ انطلقْ، فأتينا على رجل مضطجعٍ، وإذا آخَرُ قائم على رأسه بصخرةٍ، وإذا هو يهوي بالصخرة فيبلغُ رأسه فيُدهدَهُ الحجرُ هاهنا، فيتبعُه فيأخذه فما يرجعُ إليه حتى يصبح رأسه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به كما فعل المرة الأولى"، فذكر الحديث بطوله، وقال: قالا: أما إنا سنخبرُك، أما الرجل الذي أتيت عليه يُثْلَغُ رأسه، فإنه رجلُ يأخذُ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة". أقول: لقد ثبتت فرضية الصلوات الخمس بالكتاب والسنة والإجماع، أما السنة فقد رأينا في هذا الفصل وفي قسم العقائد مايكفي في إثبات ذلك، وأما الكتاب فأوضح آية تدل على أنها خمس هي قوله تعالى: (1)، فأقل

_ 246 - أحمد (5/ 251). الترمذي (2/ 516) كتاب الصلاة، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. الحاكم (1/ 389) كتاب الزكاة - باب التغليظ في منع الزكاة. قال حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. 247 - ابن خزيمة (2/ 180) جماع أبواب صلاة التطوع بالليل، وإسناده صحيح. 248 - ابن خزيمة (2/ 69) جماع أبواب الأفعال المكروهة في الصلاة، 365 - باب التلغيظ في النوم عند الصلاة المكتوبة. (1) البقرة الآية: 238.

عدد يدخل في الأمر هو العدد خمسة، وذلك أن الصلوات جمع، وأقل الجمع الذي له وسط هو الخمسة فمثلاً: لو كانت الصلوات ثلاثة لكان ما سوى الوسطى ثنتين وليس ذلك جمعاً، وقد استدل بعضهم أن الصلوات خمس لقوله تعالى {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} (1)، وعلى كل فالسنة المتواترة أن الصلوات المفروضة خمس، وعلى ذلك انعقد الإجماع. * * *

_ (1) الروم آية: 17، 18.

الفقرة الثانية: في فضل الصلاة مطلقا

الفقرة الثانية: في فضل الصلاة مطلقاً 249 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه صلى الله عليه وسلم قال: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعةِ: كفاراتٌ لما بينهن" زاد في رواية (1) "ما لم تُغش الكبائر" وزاد في أخرى (2) "ورمضان إلى رمضان: مُكفِّراتٌ لما بينهنَّ، إذا اجتنبت الكبائرُ". 250 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسلُ فيه كل يوم خمس مرات، ما تقولون ذلك يُبقي من درنه؟ " قالوا: لا يُبقي من درنه شيئاً، قال: "فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بها الخطايا". وفي رواية (3) "مثل الصلوات الخمس، مثلُ نهرٍ عظيم ببابِ أحدكم يغتسلُ فيه كل يوم خمس مراتٍ، فإنه لا يُبقي من درنه شيئاً". 251 - * روى مسلم عن جابر رض الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل الصلوات الخمس كمثل نهرٍ جارٍ غمرٍ على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مراتٍ"، قال الحسن وما يُبقي ذلك من الدَّرن؟. 252 - * روى أحمد عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: "كان رجلان أخوانِ،

_ 249 - مسلم (1/ 209) 2 - كتاب الطهارة، 5 - باب الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر. (1) مسلم (1/ 209) نفس الموضع السابق. (2) مسلم (1/ 209) نفس الموضع السابق. 250 - البخاري (2/ 11) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 6 - باب الصلوات الخمس كفارة. مسلم (1/ 462) 5 - كتبا المساجد ومواضع الصلاة، 51 - باب المشي إلى الصلاة. (3) الترمذي (5/ 151) 45 - كتاب الأمثال، 5 - باب مثل الصلوات الخمس. النسائ (1/ 230) 5 - كتاب الصلاة، 7 - باب فضل الصلوات الخمس. (درنه) الدرن: الوسخ. 251 - مسلم (1/ 463) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 51 - باب المشي إلى الصلاة. 252 - أحمد (1/ 177). مجمع الزوائد (1/ 297) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الأوسط ورجال أحمد رجال الصحيح.

فهلك أحدهما قبل صاحبه بأربعين ليلةً، فذكرتْ فضيلةُ الأول منهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألم يكن الآخر مسلماً؟ " قالوا: بلى، وكان لا بأس به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما يُدريكم ما بلغتْ به صلاتُه؟ إنما مثلُ الصلاة كمثل نهرٍ عذبٍ غمرٍ بباب أحدكم، يَقْتَحِمُ فيه كل يوم خمس مرات، فما ترون ذلك يُبقي من درنه؟ فإنكم لا تدرون ما بلغتْ به صلاتهُ". 253 - * روى الشيخان عن حمران مولى عثمان قال: "كنتُ أضعُ لعثمان طهوره، فما أتى عليه يومٌ إلا وهو يُفيضُ عليه نُطفةً - يعني من ماء - وقال: قال عثمان: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند انصرافنا من صلاتنا - أُراه قال: العصر - فقال: "ما أدري، أحدِّثُكُم، أو أسْكُتُ؟ " قال: فقلنا: يا رسول الله، إن كان خيراً فحدثنا، وإن كان غير ذلك فالله ورسوله أعلم، قال: "ما من مسلم يتطهرُ فيُتمُّ الطهارة التي كتب الله عليه، فيصلي هذه الصلوات الخمس، إلا كانت كفاراتٍ لما بينها". وفي رواية (1) "أنَّ عثمان لما توضأ قال: والله لأحدثنكم حديثاً لولا آيةٌ في كتاب الله ما حدثتكموه، سمعت رسول الله صلى الله لعيه وسلم يقول: "لا يتوضأ رجلٌ وضؤه، ثم يصلي الصلاة، إلا غُفِرَ له ما بينه وبين الصلاة التي تليها". قال عروة بن الزبير: الآية {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} إلى قوله- {اللَّاعِنُونَ} (2). وفي رواية (3) للبخاري: "أن عثمان توضأ، فأحسن الوضوء، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فأحسن الوضوء، ثم قال: "من توضأ نحو هذا الوضوء، ثم أتى المسجد

_ = ابن خزيمة (1/ 160) كتاب الصلاة، 7 - باب في فضائل الصلوات الخمس. (اقتحمتُ) الأمر وغيره: إذا دخلت فيه وألقيت نفسك إليه. (غمر): يقال غمرهُ البحر غمراً: إذا علاه أي كثير يغمر من يدخله ويغطيه. 253 - البخاري (1/ 259) 4 - كتاب الوضوء، 24 - باب الوضوء ثلاثاً. مسلم (1/ 207) 2 - كتاب الطهارة، 4 - باب فضل الوضوء والصلاة عقبه. (1) مسلم (1/ 206) 2 - كتاب الطهارة، 4 - باب فضل الوضوء والصلاة عقبه. (2) البقرة: 159. (3) البخاري (1/ 266) 4 - كتاب الوضوء، 28 - باب المضمضة في الوضوء.

فركع ركعتين، ثم جلس، غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه". وفي أخرى (1) لمسلم قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ توضأ للصلاة فأسبغ الوضوء، ثم مشى إلى الصلاة المكتوبة، فصلاها مع الناس، أو مع الجماعة، أو في المسجد، غُفِرَ له ذنوبُهُ". وفي أخرى (2) لهما "أن عثمان توضأ يوماً وضوءاً حسناً، ثم قال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، فأحسن الوضوء، ثم قال: منْ توضأ هكذا، ثم خرج إلى المسجد، لا ينهزُه إلا الصلاةُ، إلا غُفِرَ له ما خلا من ذنبهِ". وفي أخرى (3) عن عمرو بن سعيد بن العاص "أن عثمان دعا بطهوره، فقال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من امريء مسلم تحضُره صلاةٌ مكتوبةٌ، فيُحسِنُ وضوءها، وخُشوعها وركوعها، إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب، ما لم يأتِ كبيرةً، وذلك الدهر كله". 254 - * روى مالك "ان عثمان جلس يوماً على المقاعد، فجاءه المؤذِّنُ فآذنه بصلاةِ العصر، فدعا بماءٍ، ثم قال: والله لأحدثنكم حديثاً لولا آيةٌ في كتاب الله ما حدثتكموه، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الل عليه وسلم يقول: "ما من امرئ يتوضأُ فيُحسنُ وضوءهُ، ثم يصلي الصلاة إلا غُفِرَ له ما بينه وبين الصلاة الأخرى حتى يصليها". قال مالك: أُراه يريد هذه الآية (4).

_ (1) مسلم (1/ 208) 2 - كتاب الطهارة، 4 - باب فضل الوضوء والصلاة عقبه. (2) البخاري (1/ 259) 4 - كتاب الوضوء، 24 - باب الوضوء ثلاثاً ثلاثاً. مسلم (1/ 208) 2 - كتاب الطهارة، 40 باب فضل الوضوء والصلاة عقبه. (3) مسلم (1/ 206) 2 - كتاب الطهارة، 4 باب فضل الوضوء والصلاة عقبه. 254 - الموطأ (1/ 30) 2 - كتاب الطهارة، 6 - باب جامع الوضوء. (نطفة) النطفة: الماء القليل، وقد يطلق على الكثير، وقيل: هو الماء الذي لا كدر فيه، وسواء قليله وكثيره. (ينهزه) نهزهُ ينهزهُ: إذا دفعه وحمله على فعل الشيء. (زُلفا) الزلف جمع: زلفة، وهي الطائفة من أول الليل. (4) هود: 114.

255 - * روى مسلم عن أبي أمامة الباهليِّ رضي الله عنه قال: "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ونحن قعودٌ معه، إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله، إني أصبتُ حداً، فأقِمْه عليَّ، فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أعاد، فسكت عنه، وأقيمت الصلاة، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، تبعه الرجل، فاتبعْتُه أنظر ماذا يرُدُّ عليه، فقال له: "أرأيت حين خرجت من بيتك، أليس قد توضأت فأحسنت الوضوء؟ " قال: بلى يا رسول الله، قال: "ثم شهدت الصلاة معنا؟ " قال: نعم يا رسول الله، قال: "فإن الله قد غفر لك حدَّك"- أو قال: "ذنْبَكَ". قال محقق الجامع: وقد جزم النووي وجماعة أن الذنب الذي فعله كان من الصغائر، بدليل أن في بقية الخبر أنه كفَّرته الصلاة، بناء على أن الذي تكفره الصلاة من الذنوب الصغائر، لا الكبائر، وهو لم يزن، وإنما فعل أشياء دون ذلك، وظن ما ليس زنا زناً، فلذلك كفرت ذنبه الصلاةُ. ا. هـ. 256 - * روى ابن خزيمة في صحيحه ما يبين أن الإثم الذي ارتكبه هو دون الزنا. 257 - * روى أحمد عن عبد الله قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إني لقيت امرأة في البستان، فضممتها، إليَّ وباشرتها وقبلتها وفعلت بها كل شيء إلا إني لم أجامعها. فسكت النبي صلى الله عليه وسلم. فنزلت هذه الآية: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} (1). فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقرأها عليه. فقال عمر: يا رسول الله صلى آله خاصة أو للناس كافة؟ فقال: "لا. بل للناس كافة". 258 - * روى أبو داود عن عُقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ 155 - مسلم (4/ 2117) 49 - كتاب التوبة، 7 - باب قوله تعالى: إن الحسنات يذهبن السيئات. (حداً) الحدُّ: ما أمر به الله تعالى من العقاب لمن أذنب ذنباً، ومعنى قوله: "أصبتُ حداً" أي: أصبتُ ذنباً يوجب عليَّ حداً. 256 - ابن خزيمة (1/ 160 - 162) كتاب الصلاة، 7 - باب في فضائل الصلوات الخمس. 257 - أحمد (1/ 445) وإسناده صحيح. (1) هود: 115. 258 - أبو داود (2/ 4) تفريع أبواب صلاة السفر، باب الأذان في السفر.

يقول: "عجبُ ربُّكَ من راعي غنمٍ في رأس شَظيَّةٍ للجبل يؤذِّنُ بالصلاة ويصلي، فيقول الله عز وجل: انظروا إلى عبدي هذا، يؤذِّنُ ويقيمُ الصلاة، يخاف مني، قد غفرتُ لعبدي وأدخلتُه الجنة". 259 - * روى أحمد عن مالك بن أنس بلغهُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "استقيموا ولن تُحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمنٌ". وفي رواية (1) "واعملوا، وخير أعمالكم الصلاة". 260 - * روى أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله لعيه وسلم "حُبِّبَ إليَّ [وفي رواية: من دنياكم] النساء، والطيبُ، وجُعلتْ قرةُ عيني في الصلاة". 261 - * روى مسلم عن ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه قال: "كنتُ أبيتُ مع رسول الله صلى الله لعيه وسلم، فآتيه بوضوئه وبحاجته، فقال لي: "اسألني"، فقلت: إني أسألك مرافقتك في الجنة، قال: "أو غير ذلك؟ "، قلتُ: هو ذاك، قال: "فأعني على نفسك بكثرة السُّجودِ". 262 - * روى مسلم عن معدان بن أبي طلحة قال: "لقيتُ ثوبان مولى رسول الله

_ = النسائي (2/ 20) 7 - كتاب الآذان، 26 - باب الأذان لمنْ يُصلي وحده وإسناده صحيح. (شظية) الشظية من الجبل: قطعة انقطعت منه ولم تنفصل، كأنها انكسرت منه ولم تنكسر، والجمع: الشظايا. 259 - أحمد (5/ 282). (1) الموطأ (1/ 34) 2 - كتاب الطهارة، 6 - باب جامع الوضوء. الدارمي (1/ 168) كتاب الصلاة، باب ما جاء في الطهور. ابن حبان (2/ 187) كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء وهو صحيح بطرقه. 260 - أحمد (3/ 199)، (3/ 128، 285) وإسناده حسن. النسائي (7/ 61، 62) 36 - كتاب عشرة النساء، 1 - باب حب النساء. 261 - مسلم (1/ 353) 4 - كتاب الصلاة، 43 - باب فضل السجود والحث عليه. أبو داود (2/ 35) كتاب الصلاة، 23 - باب وقت قيام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل. 262 - مسلم (1/ 353) 4 - كتاب الصلاة -4 - باب فضل السجود والحث عليه. الترمذي (2/ 230) أبواب الصلاة، 286 - باب ما جاء في كثرة الركوع والسجود وفضله. النسائي (2/ 228) 12 - كتاب التطبيق، 80 - باب ثواب من سجد لله عز وجل سجدة.

صلى الله عليه وسلم، فقلت: أخبرني بعمل أعمله يُدخلُني الجنة- أو قلت: بأحب الأعمال إلى الله - فسكت، ثم سألته فسكتن ثم سألته الثالثة، فقال: سألتُ عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: عليك بكثرة السُّجود لله، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحطَّ عنك بها خطيئة. قال معدان: ثم أتيتُ أبا الدرداء فسألته، فقال مثل ما قال لي ثوبان". 263 - * روى أحمد عن أبي الطفيل عامر بن واثلة أن رجلاً مر على قوم فسلم عليهم، فردوا عليه السلام، فلما جاوزهم قال رجل منهم: إني لأُبْغِضُ هذا في الله، فقال أهل المجلس: بئس والله ما قُلتَ، لتبينَّه، قُمْ يا فلانُ، رجلٌ منهم فأخبِرْهُ، قال: فأدركه رسولهم فأخبره بما قال، فانصرف الرجل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني مررت بمجلسٍ من المسلمين فيهم فلانٌ سلمتُ عليهم فردوا السلام، فلما جاوزتُهم أدركني رجلٌ منهم فأخبرني أن فلاناً قال: لا الله إني لأبْغِضُ هذا الرجل في الله فادعُه يا رسول الله فسله على ما يُبْغِضُني؟ فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عما أخبره الرجلُ، فاعترف بذلك وقال: لقد قلتُ ذلك يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فلِمَ تُبْغِضُه؟ " قال: أنا جارُه وأنا به خابرّ والله ما رأيتُه صلى صلاة قط إلا هذه الصلاة المكتوبة التي يُصليها البَّرُ والفاجرُ قال: سلهُ يا رسول الله هل رآني أخرْتُها عن وقتها أو أسأتُ الركوع والسُّجود فيها فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا. قال: والله ما رأيته يصوم قط إلا هذا الشهر الذي يصومه البر والفاجر قال: سله يا رسول الله هل رآني فرَّطْتُ فيه أو تنقَّصْتُ من حقه شيئاً فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا. قال: والله ما رأيته يعطي سائلاً قطُّ ولا رأيته ينفق من ماله شيئاً في شيءٍ من سبيل الله بخير إلا هذه الصدقة التي يؤديها البرُّ والفاجرُ قال فسله يا رسول الله هل كتمتُ من الزكاة شيئاً قط أو ما كست فيها طالبها فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قم إن أدري لعله خير منك". 264 - * روى الطبراني في الثلاثة عن عبد الله بن مسعودٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (1):

_ 263 - أحمد (5/ 455). مجمع الزوائد (2/ 260) ورجاله رجال الصحيح إلا مظفر بن مدرك وهو ثقة ثبت. 264 - الطبراني في الكبير (9/ 161).

"تحترقون تحترقون فإذا صليتم الصُبح غسلتْه، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم الظهر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم العصر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم المغرب غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم العشاء غسلتها ثم تنامون فلا يُكتبُ عليكم حتى تستيقظوا". 265 - * روى أحمد عن أبي أيوب الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقولُ "إن كل صلاة تحط ما بين يديها من خطيئة". 266 - * روى أحمد عن الحارث مولى عثمان قال: جلس عثمان يوماً وجلسنا معه، فجاء المؤذن فدعا بماء في إناء أظنه يكون فيه مُدٌّ فتوضأ ثم قال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وضوئي هذا ثم قال: "من توضأ وضوئي هذا ثم قام فصلى صلاة الظهر غُفر له ما كان بينها وبين الصبح، ثم صلى العصر غُفر له ما كان بينها وبين صلاة الظهر، ثم صلى المغرب غفر له ما نا بينها وبين العصر، ثم صلى العشاء غفر له ما بينها وبين المغرب، ثم لعله يبيت يتمرغُ ليلته ثم إن قام فتوضأ وصلى الصبح غُفِرَ له ما بينها وبين صلاة العشاء وهن الحسناتُ يذهبن السيئات" قالوا: هذه الحسنات فما الباقيات يا عثمان قال: هن: لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله. 267 - * (1) روى الشيخان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال أبو عمرو الشيباني

_ = الطبراني في الصغير "الروض الداني" (1/ 19). مجمع الزوائد (1/ 298) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الثلاثة إلا انه موقوف في الكبير ورجال الموقوف رجال الصحيح ورجال المرفوع فيهم عاصم بن بهدلة وحديثه حسن. 265 - أحمد (5/ 413). مجمع الزوائد (1/ 298) وإسناده حسن قاله الهيثمي. 266 - أحمد (1/ 71). البزار "كشف الأستار" (1/ 143) كتاب الطهارة، باب صفة الوضوء. مجمع الزوائد (10/ 89) قال الهيثمي ورجاله رجال الصحيح غير الحارث بن عبد الله مولى عثمان بن عفان وهو ثقة. 267 - البخاري (2/ 9) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 5 - باب فضل الصلاة لوقتها.

- واسمه سعد بن إياس - حدثني صاحب هذه الدار - وأشار بيده إلى دار عبد الله قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم "أيُّ العمل أحبُّ إلى الله تعالى؟ قال: "الصلاة لميقاتها"، قلت: ثم أيُّ؟ قال: برُّ الوالدين، قلت: ثم أيُّ؟ قال: "الجهادُ في سبيل الله"، قال: حدثني بهن، ولو استزدتُه لزادني". وفي رواية الترمذي (1) "أيُّ العمل أفضلُ؟ ". وفي رواية لمسلم (2) "فما تركتُ أستزيدُه إلا إرعاءً عليه". 268 - * روى أبو داود عن عبد الله بن حبشي الخثعميِّ رضي الله عنه قال: "سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ الأعمال أفضلُ؟ قال: "طولُ القيامِ"، قيل: فأيُّ الصدقة أفضل؟ قال: "جُهْدُ المُقِلِّ"، قيل: فأيُّ الهجرة أفضل؟ قال: "من هجر ما حرم الله عليه"، قيل: فأيُّ الجهاد أفضل؟ قال: "من جاهد المشركين بماله ونفسه"، قيل: فأي القتل أشرفُ؟ قال: "من أهريق دمه وعُقِرَ جوادُه". وفي رواية النسائي (3): أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: "أيُّ الأعمال أفضلُ؟ قال: "إيمانٌ لا شك فيه، وجهاد لا غُلول فيه، وحجةٌ مبرورةٌ"، قيل: فأيُّ الصلاة أفضلُ؟ قال: "طول القنوت"، قيل: فأيُّ الصدقة أفضل؟ قال: "جُهْدُ المُقلِّ"، قيل: فأيُّ الهجرة أفضل؟ قال: "من هجر ما حرم الله عليه"، قيل: فأيُّ الجهاد أفضل؟ قال: "من جاهد المشركين بنفسه وماله"، قيل: فأيُّ القتل أشرف؟ قال: "من أُهريق دمه، وعُقِرَ جوادُه". 269 - * روى أحمد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "منتظرُ الصلاة بعدَ

_ = مسلم (1/ 90) 1 - كتاب الإيمان، 36 - باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل العمال. النسائي (1/ 292) 6 - كتاب المواقيت، 51 - باب فضل الصلاة لمواقيتها. (1) الترمذي (1/ 325، 326) كتاب أبواب الصلاة، 127 - باب ما جاء في الوقت الأول من ألف من الفضل. (2) مسلم (1/ 89) 1 - كتاب الإيمان، 36 - باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال. 268 - أبو داود (2/ 69) كتاب الصلاة، 12 - باب قيام الليل. (3) النسائي (5/ 58) كتاب الزكاة، 49 - باب جهد المقل، وهو حديث حسن. 269 - أحمد (2/ 352).

الصلاة كفارسٍ اشتد به فرسُه في سبيل الله على كشحِه وهو في الرباط الأكبر. 270 - * روى أحمد عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاني الليلة آت من ربي- وفي رواية: أتاني ربي - في أحسن صورةٍ، فقال لي: يا محمد، قلت: لبي ربي وسعديك، قال: هل تدري فيم يختصمُ الملأُّ الأعلى؟ قلت: لا أعلم، قال: فوضع يده بين كتفي حتى وجدتُ بردَها بين ثدييَّ- أو قال: في نحري - فعلمتُ ما في السموات وما في الأرض - أو قال: ما بين المشرق والمغرب - قال: يا محمد، أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: نعم في الدرجات والكفارات، ونقلِ الأقدام إلى الجماعات، وإسباغ الوضوء في السَّبَراتِ المكروهات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، ومن حافظ عليهن عاش بخير، ومات بخير، وكان من ذنوبه كيوم ولدته أمه، قال: يا محمد، قلت: لبيك وسعديك، فقال: إذا صلتَ، فقل: اللهم إني أسألك فعلَ الخيراتِ، وترك المنكرات، وحُبَّ المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنةً فاقبضْني إليك غير مفتون، قال: والدرجاتُ: إفشاءُ السلام، وإطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيام".

_ = مجمع الزوائد (2/ 36) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الأوسط وفيه نافع بن سلم القرشي، وثَّقه أبو حاتم وبقية رجاله رجال الصحيح. في تعجيل المنفعة (409) نافع بن سليمان القرشي المكي قال البخاري مدني قال ابن حجر، وثقه ابن معين وقال أبو حاتم صدوق يحدث عن الضعفاء مثل بقية. الكشحُ: ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلْف. 270 - أحمد (1/ 368). الترمذي (5/ 366) 48 - كتاب تفسير القرآن، 39 - باب (سورة ص). (الملأ الأعلى) الملأ: أشراف الناس وسادتهم، وأراد بالملأ الأعلى: الملائكة المقربين. (السبرات): جمع سبرة، وهي شدة البرد. وقوله: "المكروهات" أراد به: البرد الشديد، أو العلة تصيب الإنسان، فتأذى بمس الماء، ويتضرر به، وقيل: أراد به إعواز الماء وقلته حتى لا يقدر عليه إلا بالغالي من الثمن. نقل ابن قيم الجوزية عن ابن تيمية أن هذا كان بالمدينة المنورة لما احتبس عنهم في صلاة الصبح ثم أخبرهم عن رؤية ربه سبحانه تلك الليلة في منامه ا. هـ زاد المعاد 3/ 37.

271 - * روى الطبراني في الأوسط عن المِسْوَر ابن مخرمة قال: دخلتُ على عمر بن الخطاب وهو مُسجَّي، فقلت: كيف ترونه؟ قالوا: كما ترى. قلت: أيقظوه بالصلاة فإنكم لن توقظوه لشيءٍ أفزعَ له من الصلاة. فقالوا: الصلاة يا أمير المؤمنين فقال ها الله إذاً ولا حق في الإسلام لمن ترك الصلاة فصلى وإن جُرحَهُ ليثْعُبُ دماً. عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة في إثر صلاة، لا لغو بينهما، كتابٌ في عليين". ودخل ابن عمر المسجد، فرأى قوماً يصلون، فقال: يا أيُّها الناس أبشروا، فإنه ما منكم من بعث النار أحد، ثم قرأ: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: 42] (1). شرح السنة 2/ 174.

_ 271 - مجمع الزوائد (1/ 295) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. (أفزع له): أي يلجأ إليها ويستغيث لدفع الأمر الحدث. (ليثعُبُ دماً): يجري.

الفقرة الثالثة: في الترغيب في المحافظة على الصلاة والترهيب من تركها وفضل النوافل

الفقرة الثالثة: في الترغيب في المحافظة على الصلاة والترهيب من تركها وفضل النوافل 272 - * روى مالك عن عُبادة بن الصامت رفعه: "خمس صلوات افترضهن الله على عباده فمن جاء بهن لم ينتقص منهن شيئاً استخفافاً بحقهن فإن الله جاعلٌ له يوم القيامة عهداً أن يدخله الجنة ومن جاء بهن قد انتقص منهن شيئاً استخفافاً بحقهن لم يكن له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء غفر له". 273 - * روى أحمد عن حنظلة الكاتب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من حافظ على الصلوات الخمس رُكوعهن وسُجودهن ومواقيتهن وعلم أنهن حقٌ من عند الله دخل الجنة، أو قال، وجبت له الجنة، أو قال، حَرُمَ على النار". 274 - * روى أحمد عن بعد الله بن عمروٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوماً فقال: "من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاةً يوم القيامة ومن لم يُحافظُ عليها لم يكن له نورٌ ولا برهانٌ ولا نجاةٌ؛ وكان يوم القيامة مع فرعون وهامان وأُبي بن خلفٍ". 275 - * روى أحمد عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) "لتُنْقَضَنَّ عُرى الإسلام

_ 272 - الموطأ (1/ 123) 7 - كتاب صلاة الليل، 3 - باب الأمر بالوتر. أبو داود (2/ 62) كتاب الصلاة، 2 - باب فيمن لم يوتر. النسائي (1/ 230) 5 - كتاب الصلاة، 6 - باب المحافظة على الصلوات الخمس. ابن ماجه (1/ 449) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 149 - باب ما جاء في فرض الصلوات الخمس والمحافظة عليها. وهو حديث صحيح بطرقه. 273 - أحمد (4/ 267). والطبراني "المعجم الكبير" (4/ 12). مجمع الزوائد (1/ 289) وقال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح. 274 - أحمد (2/ 269). مجمع الزوائد (1/ 292) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط ورجال أحمد ثقات. الدارمي (2/ 301) كتاب الرقائق، باب في المحافظة على الصلاة. ابن حبان (3/ 14) ذكر الزجر عن ترك المرء المحافظة على الصلوات المفروضات. 275 - أحمد (5/ 251)، ورجاله رجال الصحيح.

عروةٌ عروةٌ، فكلما انتقضت عروةٌ تشبث الناسُ بالتي تليها، فأولهن نقضاً الحُكْمُ، وآخرهن الصلاة". 276 - * روى الطبراني عن عبد الله بن قرْط قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى صلاةً ل يُتِمَّها زيد عليها من سبحاته حتى تتم". 277 - * روى أبو داود عن حريث بن قُبيصةَ قدِمْتُ المدينة فقلت اللهم يسرْ لي جليساً صالحاً، فجلست إلى أبي هريرة فقلت: إني سألت الله أن يرزقني جليساً صالحاً، فحدثني بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعل الله أن ينفعني به، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أول ما يحاسبُ به العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيئاً قال الرب تعالى: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فيكمل به ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر أعماله على ذلك". 278 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود أنه كان لا يكاد يصومُ وقال: إني إذا صمتُ ضعفتُ عن الصلاة، والصلاة أحبُّ إليَّ من الصيام فإن صام صام ثلاثة أيامٍ من الشهر وفي بعض طرقه ولم يكن يصلي الضحى (مج). 279 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (1): "قال

_ = ابن حبان (8/ 252، 253) ذكر الأخبار بأن أول ما يظهر من نقض عرى الإسلام من جهة الأمراء فساد الحكم الحكام. الحاكم (4/ 469) وقال هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين وقال الذهبي: صحيح. 276 - مجمع الزوائد (1/ 291) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. (السبحة): النافلة. 277 - أبو داود (1/ 229) كتاب الصلاة، 148 - باب قول النبي كل صلاة لا يتمها صاحبها تتم من تطوعه. الترمذي (2/ 269، 270) أبواب الصلاة، 305 - باب ما جاء أن أول ما يُحاسب به العبدُ يوم القيامة الصلاة. النسائي (1/ 232) - 5 - كتاب الصلاة، 9 - باب المحاسبة على الصلاة، وهو حديث صحيح. 278 - الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 195). مجمع الزوائد (2/ 257) وقال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح. 279 - البخاري (11/ 340) 81 - كتاب الرقاق، 38 - باب التواضع.

الله تعالى: من عادى لي ولياً، فقد أذنته بالحرب، وما تقربَّ إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ من أداء ما افترضتُ عليه، ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أُحبهُ، فإذا أحببتُه كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني أعطيتُه، وإن استعاذ بي أعذته، وما تردَّدتُ عن شيء أنا فاعله، ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءتَه".

الفقرة الرابعة: في فضل صلاة الفجر

الفقرة الرابعة: في فضل صلاة الفجر قال الله سبحانه وتعالى: (1)، أي: وصلِّ، يقال: فرغَ فلان من سبحتهِ، أي: من صلاته. وقال الله سبحانه وتعالى: (2)، وأراد بقرآن الفجر: صلاة الصبح (كان مشهوداً)، أي: تحضُرها ملائكةُ الليل، وملائكةُ النهار. 280 - * روى الترمذي عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله سبحانه وتعالى: (3)، قال: "تشهدهُ ملائكةُ الليلِ، وملائكةُ النهارِ. 281 - * روى مسلم عن أنس بن سيرين قال: سمعتُ جندُبَ بن عبد الله يقول: قال رسول الله صلى الله لعيه وسلم: "من صلَّى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلُبَنكم الله من ذمَّتِهِ بشيءٍ، فإنه من يطلبهُ من ذمته بشيءٍ يُدركه، ثم يكُبَّه على وجهه في نار جهنم". وفي رواية الترمذي (4) مثله، وقال: "فلا تُخْفِروا الله في ذمته". 282 - * روى الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى الفجر في جماعةٍ، ثم قعَد يذكرُ الله حتى تطلُعَ الشمس، ثم صلى

_ (1) آل عمران: 41. (2) الإسراء: 78. (3) الإسراء: 78. 280 - الترمذي (5/ 302) 48 - كتاب تفسير القرآن 18 - باب من سورة إسرائيل، وقال: حسن صحيح. 281 - مسلم (1/ 454) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 46 - باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة. (4) الترمذي (1/ 434) الصلاة، 165 - باب ما جاء في فضل العشاء والفجر في الجماعة. (فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه): أي من يطلبه الله للمؤاخذة بما فرّط في حقه والقيام بعهده، يدركه الله إذ لا يفوت منه هارب. (تُخفروا الله في ذمته): أخفرت العهد: إذا نقضته، والذمة: الأمان والعهد. 282 - الترمذي (2/ 480) أبواب الصلاة، 412 - باب ذكر ما يستحب من الجلوس في المسجد بعد صلاة الصبح، وفيه أبو ظلال وهو ضعيف، لكن للحديث شواهد يتقوى بها، ذكرها المنذري في "الترغيب والترهيب" 1/ 164، 166.

ركعتين، كانت له كأجر حجةٍ وعمرةٍ" قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تامةٍ تامةٍ تامةٍ". 283 - * روى مسلم عن سماك بن حرب قال: قلت لجابر بن سمُرَة: "أكنت تجالس رسول الله صلى الله لعيه وسلم؟ قال: نعم، كثيراً، كان لا يقوم من مُصلاه الذي صلى فيه الصبح أو الغداة حتى تطلع الشمسُ، فإذا طلعت الشمس قام، وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية، فيضحكون، ويتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم". وفي رواية (1) "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الفجر جلس في مُصلاه حتى تطلُعَ الشمسُ حسناً". وأخرجه الترمذي (2) قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر قعد في مُصلاه حتى تطلُع الشمسُ". وأخرجه أبو داود (3) مثل الأولى إلى قوله: "فإذا طلعت الشمس قام". وأخرج الثانية، وقال: "تربع في مجلسه" وأخرجه النسائي (4).

_ 283 - مسلم (1/ 463) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 52 - باب فضل الجلوس في مصلاه بعد الصبح. (1) مسلم (1/ 464) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 52 - باب فضل الجلوس في مصلاه بعد الصبح. (2) الترمذي (2/ 480) أبواب الصلاة، 412 - باب ذكر ما يستحب من الجلوس في المسجد بعد صلاة الصبح. (3) أبو داود (2/ 29) كتاب الصلاة- باب صلاة الضحى. (4) النسائي (3/ 80) 13 - كتاب السهو، 99 - باب قعود الإمام في مصلاه بعد التسليم.

الفقرة الخامسة: في فضل صلاتي الفجر والعصر

الفقرة الخامسة: في فضل صلاتي الفجر والعصر 284 - * روى مسلم عن عُمارة بن رُويبية رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لن يلِجَ النار أحدٌ صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها - يعني الفجر والعصر - فقال له رجلٌ من أهل البصرة: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، فقال الرجل: وأنا أشهدُ أني سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم". وفي رواية (1) أبي داود قال: "سله رجلٌ من أهل البصرة: أخبرني ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكر الحديث، ولم يفسرهما بالفجر والعصر، فقال له رجلٌ: أنتَ سمعته منه؟ - ثلاث مرات - قال: نعم، كُلُّ ذلك يقول: سمعتهُ أُذُنَاي، ووعاه قلبي، قال الرجل: وأنا سمعته صلى الله عليه وسلم يقول ذلك. 285 - * روى الشيخان عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "منْ صلى البرْدَيْن دخل الجنة". قال ابن حجر: والمراد صلاة الفجر والعصر، ويدل على ذلك قوله في حديث جرير "صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها" زاد في رواية لمسلم "يعني العصر والفجر" قال الخطابي: سميتا بردين لأنهما تصليان في بردي النهار وهما طرفاه حين يطيب الهواء وتذهب سورة الحر، ونقل عن أبي عبيد أن صلاة المغرب تدخل في ذلك أيضاً، وقال البزار في توجيه اختصاص هاتين الصلاتين بدخول الجنة دون غيرهما من الصلوات ما محصله: إن من موصولة لا شرطية، والمراد الذين صلوهما أول ما فرضت الصلاة ثم ماتوا قبل فرض الصلوات الخمس، لأنها فرضت أولا ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي، ثم فرضت الصلوات الخمس، فهو خبر عن ناس مخصوصين لا عموم فيه. قلت [أي ابن حجر]: ولا يخفى ما

_ 284 - مسلم (1/ 440) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 37 - باب فضل صلاتي الصبح والعصر. (1) أبو داود (1/ 116) كتاب الصلاة، 8 - باب في المحافظة على وقت الصلوات. 285 - البخاري (2/ 52) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 26 - باب فضل صلاة الفجر. مسلم (1/ 440) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 37 - باب فضل صلاتي الصبح والعصر. (البردين) البردان هاهنا: الغداة والعشي.

فيه من التكلف، والأوجه أن "من" في الحديث شرطية. وقوله "دخل" جواب الشرط، وعدل عن الأصل وهو فعل المضارع كأن يقول يدخل الجنة، إرادة للتأكيد في وقوعه بجعل ما سيقع كالواقع. ا. هـ. 286 - * روى الشيخان عن جرير بن عبد الله: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "فإن استطعتم أن لا تُغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا". أقول: التأكيد على صلاتي الفجر والعصر لأنهما وقتا غفلة ونوم أو لأنَّ الفجر وقت نوم والعصر وقت عمل لبعض الناس فمن حافظ عليهما كان على غيرهما أكثر محافظة. 287 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يتعاقبون فيكم ملائكةٌ بالليل، وملائكةٌ بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر، وصلاة العصر، ثم يعرُج الذين باتوا فيكم فيسألُهم ربُّهم وهو أعلم بهم: كيف تركتُم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يُصلُّون، وتيناهم وهم يُصلون" ولفظه في إحدى روايات ابن خزيمة. عن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "تجتمع ملائكةُ الليل وملائكةُ النهار في صلاة الفجر وصلاة العصر، فيجتمعون في صلاة الفجر، فتصعدُ ملائكةُ الليل وتثبتُ ملائكةُ النهار. ويجتمعون في صلاة العصر، فتصعد ملائكة النهار وتثبت ملائكة الليل. فيسألهم ربهم كيف تركتم عبادي؟ فيقولون أتيناهم وهم يُصلون وتركناهم وهم يُصلون، فاغفر لهم يوم الدين".

_ 286 - البخاري (2/ 52) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 26 - باب فضل صلاة الفجر. مسلم (1/ 439) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 37 - باب فضل صلاتي الصبح والعصر. ابن خزيمة (1/ 164) 11 - باب فضل صلاة الصبح وصلاة العصر. 287 - البخاري (2/ 33) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 16 - باب فضل صلاة العصر. مسلم (1/ 439) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 37 - باب فضل صلاتي الصبح والعصر. النسائي (1/ 240) كتاب الصلاة، 21 - باب صلاة الجماعة. ابن خزيمة (1/ 165) كتاب الصلاة، 12 - باب ذكر اجتماع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر وصلاة العصر جميعاً.

الفقرة السادسة: في ما ورد في العشاء والفجر

الفقرة السادسة: في ما ورد في العشاء والفجر 288 - * روى مالك عن سعيد بن المسيب رحمه الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بيننا وبين المنافقين شُهودُ العشاء والصبح، لا يستطيعونهما، أو نحو هذا". 289 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعودٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما صلاة أثقل على المنافقين من صلاة العشاء والفجر، ولو يعلمون ما فيهما من الفضل لأتوهما ولو حبواً". 290 - * روى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو يعلمُ الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهمُوا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمُون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً". قال البغوي والاستهام: الاقتراع، يقال: استهم القومُ فسهمهم فلانٌ، أي: قرعهُمْ، ومنه قوله تعالى: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} (1) وقيل الإقتراع: استهامٌ، لأنها سهامٌ تكتبُ عليها الأسماء، فمن وقع له منها سهمٌ فاز بالحظ المقسوم. والتهجير: التبكيرُ لصلاة الظهر، والهجير والهاجرةُ: نصف النهار. وقيل: أراد بالتهجير التبكير إلى كل صلاة، لوم يُرد الخروج في الهاجرة، وقال النضرُ بن شُميلٍ عن الخليل قال في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم: "فالمهَجِّرُ كالمُهدي بدنةَّ" أي: المبكر إلى الجمعة. (شرح السنة 2/ 230). 291 - * روى مسلم عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى العشاء في جماعةٍ كان كقيام نصف ليلةٍ، ومن صلى الفجر في جماعةٍ كان كقيام ليلةٍ".

_ 288 - الموطأ (1/ 130) 8 - كتاب صلاة الجماعة، 2 - باب ما جاء في العتمة والصبح. وقال ابن عبد البر: معناه محفوظ من وجوه ثابتة. 289 - مجمع الزوائد (2/ 40) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. 290 - مسلم (1/ 325) 4 - كتاب الصلاة 28 - باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول. (1) الصافات: 141. 291 - مسلم (1/ 454) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 46 - باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة.

الفقرة السابعة: في فضل صلاة العصر وهل هي الصلاة الوسطى؟

الفقرة السابعة: في فضل صلاة العصر وهل هي الصلاة الوسطى؟ 292 - * روى الجماعة عن بعد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الذي تفوتُه صلاةُ العصر كأنما وُتِرَ أهله وماله". وعند أبي داود في رواية أخرى "أُوتِرَ". 293 - * روى البخاري عن أبي المليح قال: كنا مع بُريدة رضي الله عنه في غزاةٍ في يوم ذي غيم، فقال: بكرُوا بصلاة العصر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله". 294 - * روى مسلم عن شقيق بن عقبة عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "نزلت هذه الآية: (حافظوا على الصلوات وصلاة العصر) فقرأناها ما شاء الله ثم نسخها الله، فنزلت: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} (1) فقال رجلٌ - كان جالساً عند شقيقٍ - له: فهي إذاً صلاة العصر؟ فقال البراء: قد أخبرتك كيف نزلت، وكيف نسخها الله، والله أعلم".

_ 292 - البخاري (2/ 30) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 14 - باب إثم من فاتته العصر. مسلم (1/ 435) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 35 - باب التغليظ في تفويت صلاة العصر. أبو داود (1/ 113) كتاب الصلاة، 4 - باب في وقت صلاة العصر. الترمذي (1/ 331) 128 - باب ما جاء في السهو عن وقت صلاة العصر. النسائي (1/ 236) 5 - كتاب المواقيت، 9 - باب التشديد في تأخير العصر. ابن ماجه (1/ 224) 2 - كتاب الصلاة، 7 - باب وقت صلاة المغرب. (وتر أهله وماله): يقال: وترته إذا: نقصته أي نقص أهله وماله وقيل: إن أصل الوتر: الجناية التي يجنيها الرجل على الرجل: من قتله حميمه وأخذه ماله، فشبه ما يلحق هذا الذي تفوته صلاة العصر بمن قُتل حميمه وأُخِذ ماله. 293 - البخاري (2/ 31) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 14 - باب من ترك العصر. النسائي (1/ 236) 5 - كتاب الصلاة، 15 - باب من ترك صلاة العصر. (بكروا): التبكير في الأعمال: المبادرة إليها في أوائل أوقاتها. (حبط): يقال: حبط عمله: إذا بطل. 294 - مسلم (1/ 438) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 36 - باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر. (1) البقرة: 238.

295 - * روى الجماعة إلا البخاري عن أبي يونس مولى عائشة رضي الله عنهما قال: أمرتني عائشةُ رضي الله عنها أن أكْتُبَ لها مصحفاً، وقالت: إذا بلغتَ هذه الآية فآذني {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} (1) قال: فلما بلغتها آذنتها، فأملت عليَّ (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى، وصلاة العصر وقوموا لله قانتين) قالت عائشة: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. أقول: ما أثبتته عائشة رضي الله عنها له حكم تفسير للآية، وهي من باب منسوخ التلاوة. 296 - * روى الترمذي عن سَمُرة بن جُندب وابن مسعود رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الصلاةُ الوُسطى: صلاةُ العصرِ". 297 - * روى الشيخان عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب - وفي رواية يوم الخندق- "ملأ الله قبُورهم وبيوتَهُم ناراً، كما شغلونا عن الصلة الوسطى حتى غابت الشمسُ". وفي رواية (2): "شغلونا عن الصلاة الوسطى: صلاة العصر"، وذكر نحوه وزاد في أخرى (3): ثم صلاها بين المغرب والعشاء.

_ 295 - مسلم (1/ 437) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 36 - باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر. أبو داود (1/ 112) كتاب الصلاة، 4 - باب في قوت صلاة العصر. الترمذي (5/ 217) 48 - كتاب تفسير القرآن 3 - باب من سورة البقرة. النسائي (1/ 236) 5 - كتاب الصلاة، 14 - باب المحافظة على صلاة العصر. الموطأ (1/ 138) 8 - كتاب صلاة الجماعة، 8 - باب الصلاة الوسطى. (1) سبق تخريجها. 296 - الترمذي (1/ 340) أبواب الصلاة، 133 - باب ما جاء في صلاة الوسطى أنها العصر. 297 - البخاري (11/ 194) 80 - كتاب الدعوات، 58 - الدعاء على المشركين. مسلم (1/ 436) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 35 - باب التغليظ في تفويت صلاة العصر. (2) مسلم (1/ 437) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 36 - باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر. (3) في نفس الرواية السابقة في مسلم.

298 - * روى مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: حبسَ المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة العصر حتى احمَرَّت الشمس أو اصفرّت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شغلونا عن الصلاة الوسطى: صلاة العصر، ملأ الله أجوافهم وقبورهم ناراً، أو حشا الله أجوافَهُم وقبورهم ناراً". قال البغوي: اختلف أهلُ العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم في الصلاة الوُسطى، فذهب قوم إلى أنها صلاة الفجر، يُروى ذلك عن عمر، وابن عمر، وابن عباس، [وغيرهم]، وبه قال من التابعين عطاءٌ، وعكرمةُ، ومُجاهدٌ، وهو قول مالك، والشافعي، لأن الله سبحانه وتعالى قال: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] والقُنوت: طولُ القيام، وصلاة الصبح مخصوصةٌ بطول القيام وبالقنوت، ولأن الله تعالى خصَّها في آية أخرى من بين الصلوات، فقال: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] يعني: يشهدُها ملائكةُ الليل وملائكةُ النهار، ولأنها بين صلاتي جمعٍ، وهي لا تُقصر ولا تُجمع إلى غيرها، ولأنها صلاةٌ تُصلى في سوادٍ من الليل، وبياضٍ من النهار، فصارتْ كأنها من الليل والنهار. د وذهب قومٌ إلى أنها صلاة الظهر، يُروى ذلك عن زيد بن ثابت، وأبي سعدٍ الخدري، وأسامة بن زيد، ولأنها في وسط النهار، وهي أوسط صلوات النهار في الطول، ورُفِعت الجماعاتُ لأجلها يوم الجمعة. (1) ا. هـ. 299 - * روى أبو داود عن زيدِ بن ثابتٍ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلي للظُهر

_ = الترمذي (5/ 217) 48 - كتاب تفسير القرآن، 3 - باب من سورة البقرة. أبو داود (1/ 112) كتاب الصلاة، 4 - باب في وقت صلاة العصر. النسائي (1/ 236) 5 - كتاب الصلاة، 14 - باب المحافظة على صلاة العصر. قال محقق الجامع: قال شارح المشكاة: هذا دعاء عليهم بعذاب الدارين من خراب بيوتهم في الدنيا، فتكون "النار" استعارة للفتنة، ومن اشتعال النار في قبورهم. 298 - مسلم (1/ 437) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 36 - باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطي هي صلاة العصر. 299 - أبو داود (1/ 112) كتاب الصلاة، 4 - باب في وقت صلاة العصر. أحمد (5/ 183) وصحح إسناده الأرنؤوط في شرح السنة للبغوي.

بالهاجرة، ولم يكن يصلي صلاةً أشد على أصحاب النبي صلى لله عليه وسلم منها، فنزلت: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} (1)، وقال: إن قبْلها صلاتين، وبعدها صلاتين. قال البغوي: وذهب أكثر أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم إلى أنها صلاة العصر، رواه جماعةٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قول أصحاب الرأي. قال شعيب: وقول أحمد، والذي صار إلي معظم الشافعية لصحة الحديث فيه، وهو قول ابن حبيب، وابن العربي، وابن عطية من المالكية، وقال الحافظ: وهو المعتمد. قال البغوي: وخصها النبي صلى الله عليه وسلم بالتغليظ، روى بُريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ ترك صلاة العصر حبط عملُه" [هو في الصحيح]. وقال قبيصةُ بن ذُؤيب: هي صلاةُ المغرب، لأنها وسط ليس بأقلها، ولا أكثرها، ولم يُنْقَلْ عن أحدٍ من السلف أنها صلاةُ العشاء، وذكرهُ بعض المتأخرين، لأنها بين صلاتين لا تُقصران. وقال بعضهم: هي إحدى الصلوات الخمس لا بعينها، أبهمها الله عز وجل تحيضاً للخلق للمحافظة على أداء جميعها، كما أخفى ليلة القَدرْ في شهر رمضان، وساعة الإجابة في يوم الجمعة. (شرح السنة 2/ 235 فما بعدها).

_ (1) سبق تخريجها.

الفقرة الثامنة: في تعجيل الصلاة إذا أخر الإمام

الفقرة الثامنة: في تعجيل الصلاة إذا أخر الإمام 300 - * روى مسلم عن أبي ذرَّ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سيكون أمراء يُؤخرون الصلاة عن مواقيتها، ألا صل الصلاة لوقتها، ثم أئئتهم، فإن كانوا قد ضلوا كنت أحرزت صلاتك، وإلا صليت معهم، وكانت لك نافلة". قال البغوي: وفي هذا الحديث دليل على أن الخروج على السلطان لا يجوز ما دام يُقيمُ الصلاة، لأنه لم يرخص في ذلك مع تأخيرهم الصلاة عن الوقت، وكيف يجوزُ على من يُصلِّيها لوقتها؟!. عن أبي ذر قال- يعني النبي صلى الله عليه وسلم-: "كيف بك أو كيف أنت إذا بقيتَ في قومٍ يؤخرون الصلاة عن وقتها؟ فصلِّ الصلاة لوقتها، ثم نْ أقيمت الصلاةُ، فصلِّ معهم، فإنها زيادة خيرٍ". قال البغوي: هذا قول أكثر أهل العلم يستحبُّون تعجيل الصلوات في أول الوقت إذا أخر الإمام، ولا يترك أول الوقت لأجل الجماعة، ثم يُصلِّي مع الإمام، والأولى هي المكتوبة عند أكثر أهل العلم، والثانية نافلة (شرح السنة 2/ 240). 301 - * روى أحمد عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعودٍ عن أبيه أن الوليد بن عُقبة أخرَ الصلاة يوماً فقام عبد الله بن مسعود فثوّب بالصلاة بالناس فأرسل إليه الوليدُ ما حملك على ما صنعت أجاءك من أمير المؤمنين أمرٌ فنعما فعلت أم ابتدعتَ؟ فقال: لم يأتني من أمير المؤمنين أمر ولم أبتدع ولكن أبي الله عز وجل علينا ورسوله صلى الله عليه وسلم أن ننتظرك بصلاتنا وأنت في حاجتك.

_ 300 - مسلم (1/ 448) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 41 - باب كراهية تأخير الصلاة عن وقتها المختار. أبو داود (1/ 117) كتاب الصلاة، 9 - باب إذا أخر الإمام الصلاة عن الوقت. الترمذي (1/ 332) أبواب الصلاة، 129 - باب ما جاء في تعجيل الصلاة إذا أخرها الإمام. 301 - أحمد (1/ 450). الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 346، 347). مجمع الزوائد (1/ 324) وقال الهيثمي رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله ثقات.

أقول: في تصرف ابن مسعود إشارة إلى أن الأمير إذا أهمل في إقامة سنة فليس على المسلمين حرج في أن يقيموها، وإن خالفوا رغبة الأمير ما دام ذلك ممكناً في حقهم ولا يترتب عليه إيذاء أو ضرر، ولم تكن هناك مصلحة مرعية أكبر مما أهمله الأمير.

الفقرة التاسعة: في الراحة بالصلاة

الفقرة التاسعة: في الراحة بالصلاة 302 - * روى أبو داود عن سالم بن أبي الجعْدِ قال: "قال رجلٌ من خُزاعة: ليتني صليتُ فاسترحْتُ، فكأنهم عابوا ذلك عليه، فقال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أقم الصلاة يا بلال، أرحنا بها". وفي رواية (1) عن عبد الله بن محمد بن الحنفية قال: "انطلقتُ أنا وأبي إلى صهرٍ لنا من الأنصار نعُودهُ، فحضرتِ الصلاةُ، فقال لبعض أهلهِ: يا جاريةُ، ائتوني بوضوء لعلي أُصلي فأستريح، قال: فأنكرنا ذلك، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قُمْ يا بلالُ، فأرحنا بالصلاة". أقول: وإنما عابوا على الأنصاري قوله، لأنهم فهموا منه أنه يريد الراحة منها، فأفهمهم أنه أراد ما أراده رسول الله صلى الله من الراحة بها ومن قوله رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت أن الصلاة بالنسبة للمسلم راحة ومن تأمل واقع الحال وكثرة الأمراض العصبية عند غير المسلم أدرك محل الصلاة في تأمين راحة الإنسان.

_ 302 - أبو داود (4/ 296) كتاب الأدب، 86 - باب في صلاة العتمة وإسناده صحيح. (1) أبو داود (4/ 297) كتاب الأدب، 86 - باب في صلاة العتمة. قال ابن الأثير: (أرحنا بها) أراد بقوله: "أرحنا بها" أي: آذنا بالصلاة لنستريح بأدائها من شُغْلِ القلب بها، وقيل: كان اشتغاله بالصلاة راحةً له، فإنه كان يعدُّ غيرها من الأعمال الدنيوية تعباً، فكان يستريحُ بالصلاة، لما فيها من مناجاة الله تعالى، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وجُعلت قُرَّةُ عيني في الصلاة" وما أقرب الراحة من قُرَّةِ العين.

الفقرة العاشرة: في السمر بعد العشاء

الفقرة العاشرة: في السَّمَر بعد العشاء 303 - * روى الشيخان عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بكرة النوم قبل العشاء والحديث بعدها". وعند أبي داود "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَنْهي عن النوم قبلها، وعن الحديث بعدها". 304 - * روى أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمُرُ مع أبي بكرٍ في الأمر من أمر المسلمين، وأنا معهما". قال: وفي الباب عند عبد الله بن عمرو، وأوس بن حذيفة، وعمران الحصين. أقول: فهم العلماء أن هذا النص يخصص النهي الوارد في الحديث السابق فأجازوا الحديث بعد العشاء إذا كانت فيه مصلحة عامة أو خاصة ومن باب أولى إذا تحقق في الحديث بعد العشاء مطلب شرعي.

_ 303 - البخاري (2/ 49) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 23 - باب ما يكره من النوم قبل العشاء. مسلم (1/ 447) 40 - باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها. أبو داود (1/ 110) كتاب الصلاة، 2 - باب في وقت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم. الترمذي (1/ 312) أبواب الصلاة، 125 - باب ما جاء في كراهية النوم قبل العشاء واسمر بعدها. 304 - أحمد (1/ 26، 34). الترمذي (1/ 315) كتاب أبواب الصلاة، 126 - باب ما جاء في الرخصة في السمر بعد العشاء، وقال: حديث عمر حديث حسن.

الفقرة الحادية عشر: في تسمية الصلوات

الفقرة الحادية عشر: في تسمية الصلوات 305 - * روى مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تغلبنكم الأعرابُ على اسم صلاتكم، ألا إنها العشاء وهم يُعتمون بالإبل". وفي رواية (1): "على اسم صلاتكم العشاء، فإنها في كتاب الله العشاء وأنها تُعتِمُ بحلاب الإبل". قال الشيخ وهبي: ورد في الحديث الصحيح تسمية العشاء العتمة ففي مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال " .... ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولوْ حبْوا". أقول: ولذلك فسر الأزهري الحديث بما رأيناه إلا أن المتبادر أن الرسول صلى الله عليه وسلم كره أن تسمى صلاة العشاء بالعتمة وكان من سنته عليه الصلاة والسلام تغيير الأسماء إلى ما هو أحسن وأجمل، قال السندي: أي الاسم الذي ذكر الله تعالى في كتابه لهذه الصلاة اسم العشاء والأعراب يسمونها العتمة فلا تكثروا من استعمال ذلك الاسم لما فيه من غلبة الأعراب عليكم بل أكثروا استعمال اسم العشاء موافقة للقرآن. 306 - * روى البخاري عن عبد الله بن مُغفل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تغلبنكم الأعرابُ على سام صلاتكم المغرب، قال وتقول الأعراب: هي العشاء". أقول: كما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغلب اصطلاحات الأعراب اسم صلاة العشاء كذلك كره أن تغلب اصطلاحات الأعراب على اسم صلاة المغرب والموضوع يحتمل أكثر من اتجاه في الفهم إلا أنني أميل إلى هذا الفهم.

_ 305 - مسلم (1/ 445) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 39 - باب وقت العشاء وتأخيرها. (1) نفس الحديث السابق. أبو داود (4/ 296) كتاب الأدب، 86 - باب في صلاة العتمة. النسائي (1/ 270) 5 - كتاب الصلاة، 23 - باب الكراهية في ذلك. (يعتمُون) أعتم بحلاب الإبل: إذا أراحها ثم أناخها في مراحها فحبها حين يدخُل في عتمة الليل، وهي ظلمتُهُ. قال الأزهري: كأن المعنى: لا يغرنكم فعلهم هذا عن صلاتكم، فتؤخروها، ولكن صلوها إذا كان وقتها. وحلابُ الإبل: حلبُها. 306 - البخاري (2/ 43) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 19 - باب من كره أن يقال للمغرب العشاء.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد إن شروط وجوب الصلاة ثلاثة هي: الإسلام والعقل والبلوغ، فتجب الصلاة على كل مسلم عاقل بالغ، وبالنسبة للمرأة ألا يكون عندها مانع من حيض أو نفاس. أولاً: الإسلام: فلا تجب على كافر عند الجمهور- وجوب مُطالبةٍ - لعدم صحتها منه، وهذه المسألة متفرعة على مسألة أصولية: هل الكافر مطالب بأصول الشريعة وفروعها في الدنيا، أو أنه مطالب في الأصول فقط؟ إلا أن العلماء متفقون على أنه لا قضاء على الكافر إذا أسلم لقوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} (1). 307 - * روى أحمد والحديث صحيح: "الإسلام يجبُّ ما قبله". بهذه المناسبة نذكر ما قاله النووي رحمه الله: الصواب الذي عليه المحققون، بل نقل بعضهم الإجماع فيه: إن الكافر إذا فعل أفعالاً جميلة، كالصدقة وصلة الرحم، ثم أسلم ومات على الإسلام، أن ثواب ذلك يكتب له. ثانياً: البلوغ: فلا تجب الصلاة على الصغير ذكراً أو أنثى، ولكن يؤمر بها إذا بلغ سبع سنين، ويضرب عليها إذا بلغ عشر سنين، وقيَّد بعضهم الضرب بأن يكون باليد لا بخشبة ونحوه بما لا يزيد عن ثلاث ضربات إن أفاد وإلا فلا. ثالثاً: العقل: فلا تجب الصلاة على المجنون والمعتوه وهناك تفصيلات فيمن غُطي عقله بعارض من حيث وجوب القضاء أو عدمه. ولا تطلب الصلاة ولا تقضي من حائض ونفساء ولو طرحتْ نفسها بضرب أو دواء أو نحوها. وإذا بلغ الصبي أو أفاق المجنون وطهُرَتْ الحائض أو النفساء أو أسلم الكافر وبقي من الوقت عند الحنابلة والشافعية في الأظهر قدر تكبيرة الإحرام فأكثر وجب قضاء صلاة ذلك

_ (1) الأنفال: 38. 307 - أحمد (4/ 199).

الوقت، كما يجب عند جمهور الفقهاء غير الحنفية، قضاء الصلاة الأخرى التي يمكن جمعها مع الصلاة كالظهر بالنسبة للعصر وكالمغرب بالنسبة للعشاء وقال المالكية: إن كان عنده قدر ما يدرك خمس ركعات في الحضر وثلاثاً في السفر من وقت الثانية وجبت الأولى أيضاً وإن أدرك ركعة فقط وجبت الأخيرة وسقطت الأولى وإن بقي من الوقت ما يسع أقل من ركعة سقطت الصلاتان عند المالكية. والقول الأقوى: أنه لا تجب إلا صلاة الوقت وهناك تفصيلات في كتب كل مذهب حول هذه الشروط، فليراجعها المسلم في كتاب من كتب مذهبه. (راجع مراقي الفلاح ص 28، والمهذب 1/ 50 فما بعدها، والمغني 1/ 396 - 401، والفقه الإسلامي 1/ 564 - 567).

الفصل الثاني في قضاء الفائتة

الفصل الثاني في قضاء الفائتة 308 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من نسي صلاةً فليُصلِّ إذا ذكر، لا كفارةَ لها إلا ذلك، وتلا قتادةُ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (1). وفي رواية (2) "إذا رقد أحدُكم عن الصلاة، أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها، فإن الله عز وجل يقول: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}. وفي رواية (3) الترمذي والنسائي: "من نسي صلاةً فليُصلها إذا ذكرها". وفي أخرى (4) للنسائي، قال: "سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يرقُد عن الصلاة، أو يغفلُ عنها؟ قال: كفارتُها: أن يصليها إذا ذكرها". وفيه دليل: أن الصلاة لا تُجبَر بالمال كما يجبر غيرها من العبادات. لكن قال الحنفية: على المريض والمسافر الذي مات، لم يصل ويصم ما قدر عليه، ولو إيماء بالنسبة للصلاة أن يوصي بما قدر عليه فيخرج عنه وليه من ثلث ما ترك لصوم كل يوم، ولصلاة كل وقت، نصف صاع من بر أو قيمته، وإن لم يوص وتبرع عنه وليه جاز. (مراقي /87 - 88).

_ 308 - البخاري (2/ 70) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 37 - باب من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها. مسلم (1/ 471) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 55 - باب قضاء الصلاة الفائتة. (1) طه: 14. (2) مسلم (1/ 477) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 55 - باب قضاء الصلاة الفائتة. أبو داود (1/ 119) كتاب الصلاة، 10 - باب من نام عن الصلاة أو نسيها. ابن خزيمة (2/ 96) كتاب الصلاة، 131 - باب النائم عن الصلاة والناسي لها يستيقظ أو يذكرها في غير وقت الصلاة. (3) الترمذي (1/ 335) أبواب الصلاة، 131 - باب ما جاء في الرجل ينسى الصلاة. (4) النسائي (1/ 294) 6 - كتاب المواقيت، 53 - فيمن نام عن صلاة. (كفارة) الكفارة: فعَّاله من التكفير: التغطية، وهي المرة الواحدة الساترة للذنب. ومعنى قوله "لا كفارة لها إلا ذلك" أنه لا يلزمه في تركها غُرْم، ولا صدقة، ولا كفارة، ونحو لك، كما يلزم في ترك الصوم في رمضان من غير عذر الكفارةُ، وكما يلزم المحرم إذا ترك شيئاً من واجبات نُسُكه بغير ضرورة أو عذر كفارة دم أو غيره.

309 - * روى البخاري عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: "سِرْنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلةً، فقال بعض القوم: لو عَرَّستَ بنا يا رسول الله؟ قال: "أخافُ أن تناموا عن الصلاة"، فقال بلالٌ: أنا أُوقظُكُم، فاضطجعوا، وأسند بلالُ ظهرهُ إلى راحلته، فغلبتْهُ عيناه، فنام، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وقد طلع حاجب الشمس، فقال: "يا بلال، أين ما قلت؟ " فقال: ما أُلقيتْ عليَّ نومةٌ مثلُها قطُّ، قال: "إنَّ الله قبضَ أرواحَكم حين شاء، وردَّها عليكم حين شاء، يا بلالُ قُمْ فأذِّنْ الناس بالصلاة"، فتوضأ، فلما ارتفعت الشمسُ وابيَاضَّت، قام فصلى بالناس جماعةً. وفي رواية (1) أبي دواد "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفرٍ، فمال رسول صلى الله عليه وسلم، وملتُ معه، فقال: انظُر، فقلتُ: هذا راكبٌ، هذان راكبان، هؤلاء ثلاثةً، حتى صرنا سبعةً، فقال: احفظُوا علينا صلاتنا - يعني صلاة الفجر- فضُرِبَ على آذانهم، فما أيقظهُمْ إلا حرُّ الشمس، فقاموا وساروا هُنيهةً، ثم نزلوا فتوضؤوا، وأذَّنَ بلالُ، فصلُّوْا ركعتي الفجر، ثم صلُّوا الفجر، وركِبوا، فقال بعضهم لبعض: قد فرَّطْنا في صلاتنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تفريطَ في النوم، إنما التفريطُ في اليقظة، فإذا سها أحدُكم عن صلاةٍ فليصلِّها حين يذكرها، ومن الغد للوقت". هذا طرفٌ من حديثٍ طويلٍ قد أخرجه مسلم. وفي أخرى لأبي داود (2)، قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش الأمراء - بهذه القصة - فلم يوقظْنا إلا حَرُّ الشمس وهي طالعةٌ، فقمنا وهلين لصلاتنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

_ 309 - البخاري (2/ 66) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 35 - باب الأذان بعد ذهاب الوقت. النسائي (2/ 106) 10 - كتاب الإمامة، 47 - الجماعة للفائت من الصلاة. (1) أبو داود (1/ 119) كتاب الصلاة، 10 - باب من نام عن الصلاة أو نسيها. مسلم (1/ 473)، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 55 - باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها. (2) أبو داود (1/ 120) كتاب الصلاة، 10 - باب من نام عن الصلاة أو نسيها. (التعيس): نزول المسار آخر الليل نزلة للاستراحة والنوم. (راحلته) الراحلة: الجمل أو الناقة، إذا كان شديداً قوياً يصلح للركوب والأحمال والأسفار. (فضُرِب على آذانهم) يقال للنُّوام: ضُرب على آذانهم، ومعناه: حُجب الصوتُ والحس أن يلجا آذانهم فينتبهوا، فكأنها قد ضرب عليها حجاب. (وهلين) الوهَلُ: الفزع والرعبُ.

رُويداً رُويداً، لا بأس عليكم، حتى إذا تعالت الشمسُ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان منكم يركع ركعتي الفجر [أي سنة الفجر] فليركعْهُما، فقام من كان يركعهما ومن لم يكن يركعهما فركعهما، ثم أمر [رسول الله صلى الله عليه وسلم] أن يُنادي بالصلاة، فنُودي لها، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بنا، فلما انصرف قال: ألا إنا نحمدُ الله أنَّا لم نكنْ في شيء من أمور الدنيا يشغلُنا عن صلاتنا، ولكنْ أرواحُنا كانت بيد الله تعالى، فأرسلها أنَّى شاء، فمن أدرَكَ منكم صلاة الغداةِ من غدٍ صالحاً فلْيَقْضِ معها مثلها". وفي رواية (1) لأبي داود داود والترمذي والنسائي قال: "ذكرُوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم نومَهم عن الصلاة، فقال: أما إنَّه ليس في النوم تفريطٌ، إنما التفريطُ على من لم يُصلِّ حتى يدْخُل وقت الصلاة الأخرى، فمن فعل ذلك فليصلِّها حين ينتبهُ لها". وقال الترمذي والنسائي: "إنما التفريط في اليقظة فإذا نسيَ أحدُكم صلاة أو نامَ عنها، فليصلِّها إذا ذكرها". قال الحافظ في "الفتح": قال الخطابي: لا أعلم أحداً قال بظاهره وجوباً، ويشبه أن يكون الأمر فيه للاستحباب ليحوز فضيلة الوقت في القضاء. قال الحافظ: ولم يقل أحد من السلف باستحباب ذلك أيضاً، بل عدوا الحديث غلطاً من راويه، وحكى ذلك الترمذي وغيره عن البخاري. 310 - * روى أحمد عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيرٍ فعَرَّس من الليل فلم يستيقظْ إلا بالشمس قال: فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً فأذَّنَ فصلى ركعتين. قال: فقالَ

_ (1) أبو داود (1/ 121) كتاب الصلاة، 10 - باب من نام عن الصلاة أو نسيها. الترمذي (1/ 334) أبواب الصلاة، 130 - باب ما جاء في النوم عن الصلاة. النسائي (1/ 294) 6 - كتاب المواقيت، 53 - فيمن نام عن الصلاة. (رُويداً): بمعنى التأني والتمهُّل في الأمور. يقال: سيروا رويداً: أي: على مهل، فيكون نصباً على الحال، ويقال: ساروا سيراً رويداً، فيكون نصباً لأنه صفة المصدر. (تعالت) الشمس: إذا على وارتفعت قال الخطابي: وروي: (تقالَّتْ) يريد استقلالها في السماء وارتفاعها. 310 - أحمد (1/ 259). مجمع الزوائد (1/ 321) كتاب: الصلاة، باب فيمن نام عن صلاة أو نسيها. كشف الأستار عن زوائد البزار (1/ 201) كتاب الصلاة، باب فيمن نام عن صلاة أو نسيها.

ابنُ عرس: ما يسُرُني الدنيا وما فيها يعني للرُخصةِ. أقول: إذا كان فرح ابن عباس لأن الحديث لم يرتب على من فاتته صلاة بسبب النوم إلا القضاء وذلك رخصة ولا شك أن هناك فارقاً بين من نام بعد أن دخل الوقت ففاتته الصلاة وبين من نام قبل دخول الوقت ففاتته الصلاة فالأحاديث المانعة من الإثم هي في من نام قبل الوقت ففاتته الصلاة. 311 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قفَلَ من غزوة خيبر سار ليلةً، حتى إذا أدركه الكرَى عرَّسَ وقال لبلال: اكلأْ لنا الليل، فصلى بلال ما قُدر له، ونام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلما تقارب الفجرُ استند بلالُ إلى راحلته مُواجه الفجر، فغلبت بلالاً عيناه وهو مستندٌ إلى راحلته، فلم يستيقظ رسول الله ولا بلال ولا أحد من أصحابه، حتى ضربتْهم الشمسُ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوَّلهم استيقاظاً، ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أي بلالُ، فقال بلالٌ: أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك - بأبي أنت وأمي يا رسول الله - قال: اقتادُوا، فاقتدوا رواحلهم شيئاً، ثم توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بلالاً، فأقام للصلاة، فصلى بهم الصبح، فلما قضى الصلاة قال: من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها، فإن الله تعالى قال: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (1). وكان ابن شهاب يقرؤها (للذكرى) (2). وفي رواية، قال: عَرَّسنا مع نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلم نستيقظ حتى طلعتِ الشمس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم، "ليأخُذْ كل رجل برأس راحلته، فإن هذا منزلٌ حضرنا فيه الشيطانُ، قال: ففعلنا، ثم دعا بالماء فتوضأ، ثم سجد سجدتين - قال بعض الرواة: ثم صلى سجدتين، ثم أقيمت الصلاة، فصلى الغداة.

_ 311 - مسلم (1/ 471) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 55 - باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها. (1) طه: 14. (2) في نفس الموضع. (ففزع) فزع الرجل من نومه: إذا انتبه. يقال: أفزعتُ الرجل ففزع: أي أنبهتُه فانتبه. (قفل) القفول: الرجوع من السفر. (الكرى): النعاس. (اكلأ) الكلاءة: الحفظ والحراسة.

312 - * روى أبو داود عن أبي هريرة في هذا الخبر، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "تحولوا عن مكانكم الذي أصابتْكم فيه الغفلة، قال: فأمر بلالاً فأذن، وأقام، وصلى". أقول: يلاحظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتاط من أجل أن يستيقظوا للصلاة فكلف بلالاً أن يوقظهم وذلك دأب المسلم في الاحتياط للاستيقاظ للصلاة في وقتها، والملاحظ أن بلالا نام قُبيلَ الفجر ولم يأثم بذلك، ومن ههنا أخذ بعض الفقهاء، أن للمسلم أن ينام قبل دخول الوقت على نية الاستيقاظ للصلاة، وهل يجب على المستيقظ أن يوقظ النائم للصلاة إذا خاف عليه أن تفوته الصلاة، قال الحنفية: يجب عليه الإيقاظ، وقال الشافعية: يستحب له الإيقاظ ولا يجب عليه إلا إذا كان قد كلفه بذلك. قال النووي في المجموع: ويسن إيقاظ النائم للصلاة، ولا سيما إذا ضاق وقتها ويستحب أن يوقظ غيره لصلاة الليل وللتسحر. 313 - * روى أبو داود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما قال: "أقْبَلْنَا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من يكلؤُنا؟ " فقال بلالٌ: أنا، فناموا حتى طلعتِ الشمس، فاستيقظ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقال: "افعلوا كما كنتم تفعلون"، قال: ففعلنا، قال: "فكذلك فافعلوا، لمن نام أو نسيَ". 314 - * روى النسائي عن جُبير بن مُطعمٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في سفرٍ: "من يكلؤُنا الليلةَ، لا نرْقُدَ عن الصلاة، عن صلاة الصبح؟ " فقال بلال: أنا، فاستقبل مطلِعَ الشمس، فضُرِبَ على آذانهم، حتى أيقظهم حرُّ الشمس، فقاموا، فقال: "توَّضؤوا"، ثم أذَّن بلالٌ، فصلى ركعتين، وصلُّوْا ركعتي الفجر، ثم صلُّوْا الفجر.

_ 312 - أبو داود (1/ 119) كتاب الصلاة، 10 - باب من نام عن الصلاة أو نسيها. 313 - أبو داود (1/ 122) كتاب الصلاة، 10 - باب من نام عن الصلاة أو نسيها. 314 - النسائي (1/ 298) كتاب مواقيت الصلاة، 55 - باب كيف يقضي الفائتة.

315 - * روى النسائي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "أدْلَجَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم عَرَّسَ، فلم يستيقظْ حتى طلعتْ عليه الشمس، أو بعضها، فلم يصل حتى ارتفعت الشمس، فصلى. 316 - * روى مالك عن زيد بن أسلم - مولى عمر - رضي الله عنه قال: "عَرَّسَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلةً بطريق مكةَ، ووكَّل بلالاً أن يوقظهم للصلاة، فرقدَ بلال، ورقدُوا، حتى استيقظوا وقد طلعت عليهم الشمس، فاستيقظ القوم وقد فزعُوا، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يركبوا حتى يخرجُوا من ذلك الوادي، وقال: "عن هذا وادٍ به شيطانٌ" فرَكبوا حتى خرجوا من ذلك الوادي، ثم أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزِلوا، وأن يتوَّضؤوا، وأمر بلالا أن يُنادي بالصلاة أو يقيم، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، ثم انصرف وقد رأى من فزعهم، فقال: "يا أيُّهَا الناسُ، إنَّ الله قبَضَ أرواحنا، ولو شاء لردها إلينا في حين غير هذا، فإذا رقد أحدكم عن الصلاة أو نسيها ثم فزع إليها فليُصلها كما كان يُصليها في وقتها"، ثم التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر الصديق، فقال: "إن الشيطان أتى بلالا وهو قائمٌ يُصلي فأضجعه، فلم يزلْ يهدئهُ كما يُهدأ الصبيُّ حتى نام"، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا، فأخبر بلالاٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر، فقال أبو بكر: أشهدُ أنك رسولُ الله". 317 - * روى النسائي عن بُريد بن أبي مريم عن أبيه، قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فأسْرَينا ليلةً، فلما كان في وجه الصُّبْح نزل رسول الله فنام صلى الله عليه وسلم، ونام الناسُ، ولم يستيقظوا إلا بالشمس قد طلعت علينا، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤذِّنَ، فأذن، ثم صلى ركعتين قبل الفجر، ثم أمره فأقام، فصلى بالناس، ثم حدثنا بما هو كائنٌ حتى تقوم الساعةُ".

_ 315 - النسائي (1/ 299) كتاب مواقيت الصلاة، 55 - كيف يقضي الفائت من الصلاة. (أدلج) الإدلاج مخففاً: السير من أول الليل، ومشدد الدال: السير من آخره. 316 - الموطأ (1/ 14) 1 - كتاب وقوت الصلاة، 6 - باب النوم عن الصلاة. 317 - النسائي (1/ 297) كتاب مواقيت الصلاة، 55 - كيف يقضي الفائت من الصلاة.

318 - * روى الشيخان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمسُ، فجعل يسُبُّ كفار قريش، وقال: يا رسول الله، ما كدتُ أصلي العصر حتى كادت الشمسُ تغربُ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله ما صليتُها"، فقُمنا إلى بُطْحَانَ، فتوضأ للصلاة، وتوضأنا، فصلى العصر بعد ما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب. أقول: من هذا الحديث وأمثاله أخذ الحنفية فكرة قضاء الفائتة قبل فريضة الوقت، وأخذوا فكرة ترتيب الفوائت، فلا تصلي صلاة قبل سابقتها ما دامت الفوائت قليلة كما سنرى في المسائل والفوائد في نهاية هذا الفصل. 319 - * روى الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه "أن المشركين شغلُوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق، حتى ذهب من الليل ما شاء الله، فأمر بلالا فأذَّن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء". وفي رواية (1) للنسائي، قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحُبسنا عن صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فاشتد ذلك عليَّ، فقلت: نحن مع رسول الله في سبيل الله؟ فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأذّن وأقام ... وذكر الحديث، وقال فيه: فصلى بنا، ثم طاف علينا، فقال: ما على الأرض عصابةٌ يذكرون الله غيركم".

_ 318 - البخاري (2/ 68) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 36 - باب من صلى بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت. مسلم (1/ 438) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 36 - باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر. الترمذي (1/ 339) أبواب الصلاة، 132 - باب ما جاء في الرجل تفوته الصلوات بأيتهن يبدأ قال هذا حديث حسن صحيح. النسائي (2/ 17) 7 - كتاب الأذان، 22 - الاجتزاء لذلك كله بأذان واحد. 319 - الترمذي (1/ 337) أبواب الصلاة، 132 - ما جاء في الرجل تفوته الصلوات بأيتهن يبدأ. النسائي (2/ 17) 7 - كتاب الأذان، 22 - الاجتزاء لذلك كله بأذان واحد. (1) والرواية الأخرى في نفس الموضع، 23 - باب الاكتفاء بالإقامة لكل صلاة.

320 - * روى النسائي عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه قال: "شغلنا المشركون يوم الخندق عن صلاة الظهر حتى غربت الشمسُ، وذلك قبل أن ينزل في القتال ما نزل، فأنزل الله عز وجل {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} (1) فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً فأقام لصلاة الظهر، فصلاها كما كان يُصليها في وقتها، ثم أقام للعصر، فصلاها كما كان يصليها في وقتها، ثم أقام للمغرب، فصلاها كما كان يصليها في وقتها". 321 - * روى مالك عن نافع - مولى ابن عمر "أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أغمِيَ عليه، فذهب عقلهُ، فلم يقضِ الصلاة. قال مالك: "ذلك فيما نُرَى - والله أعلم- أن الوقت ذهب، فأما من أفاق وهو في وقت، فنه يُصلي". أقول: ما ورد في النص مذهب مالك وهذه قضية فيها خلاف مذهبي سنراه في المسائل والفوائد. 322 - * روى مالك عن نافع مولى ابن عمر أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول: "من نسيَ صلاةً فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام، فإذا سلم الإمام فليصلِّ الصلاة التي نسي، ثم ليصل بعدها الأخرى".

_ 320 - النسائي (2/ 17) 7 - كاب الأذان، 21 - الأذان للفائت من الصلوات. (1) الأحزاب: 25. 321 - الموطأ (1/ 13) 1 - كتاب وقوت الصلاة، 5 - باب جامع الوقوت، وإسناده صحيح. 322 - الموطأ (1/ 168) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 23 - باب العمل في جامع الصلاة، وإسناده صحيح، وروي مرفوعاً بإسناد حسنه بعض العلماء.

مسائل وفوائد حول قضاء الفائتة

مسائل وفوائد حول قضاء الفائتة - إذا فاتت الإنسان صلاةٌ لعذر وأراد أن يصليها فإنه ينوي فيها القضاء، ويرى بعض الفقهاء أنه ينوي في قضائها صلاة آخر وقت - ويعيِّنه- أدركه ولم يصله. - رأينا أن الإمام أحمد يُكفر تارك الصلاة عمداً فهو عنده مرتد، بينما الأئمة الثلاثة لا يكفرونه إلا إذا جحدها أو استخف بها، وفي مذهب أحمد روايتان في وجوب القضاء عليه، إحداهما لا يلزمه والثانية يلزمه قضاء ما ترك من العبادات في حال ردته، والمذاهب الثلاثة الأخرى متفقة على وجوب قضاء الصلاة سواء تركها لعذر مع استثناءات في بعض الأحوال: عند المالكية: لا يجب القضاء لجنون أو إغماء أو كفر أو لفقد الطهورين إذا استغرق الوقت وأجمع الفقهاء على أن الصلاة تسقط عن المرأة أيام الحيض والنفاس، فلا يجب عليها قضاء ما فاتها من الصلوات أثناء ذلك، وذكر الحنفية: وذكر الحنفية: أن الصلاة تسقط عن المجنون والمغمى عليه إذا استمر الجنون أو الإغماء أكثر من خمس صلوات، أما إذا استمر خمس صلوات فأقل وجب عليه القضاء، وأما المرتد فلا يقضي ما فاته زمن الردة وما قبلها إلا الحج، وقال الشافعية: وأما المرتد إذا أسلم فيلزمه قضاء الصلاة، ومن زال عقله بجنون أو إغماء أو بسبب مباح فلا تجب عليه الصلاة ولا قضاء عليه، أما من زال عقله بسبب محرم كمن شرب المسكر، أو تناول دواء من غير حاجة، فيجب عليه القضاء إذا أفاق. وعند الحنابلة: يقضي المغمى عليه جميع الصلوات التي فاتته في حال إغمائه. - قال الحنفية: تقضي الصلاة على الصفة التي فاتت عليها حضراً أو سفراً، فمن فاتته صلاة مقصورة من الصلاة قضاها ركعتين ولو في الحضر، ومن فاتته صلاة تامة في الحضر قضاها كما هي ولو في السفر، وأما صفة القراءة في القضاء سراً أو جهراً فيراعى فيها نوع الصلاة، فإن كانت سرية كالظهر يسر في القراءة، وإن كانت جهرية يجهر فيها إن كان إماما، ويخير بين لجهر والإسرار إن كان منفرداً. - إذا كان الإنسان مسافراً، وترخص في الجمع بين صلاتي الظهر والعصر، والمغرب

والعشاء، ونوى التأخير ووصل إلى بلده، فإنه ينوي القضاء في الصلاة التي فاتته قبل فريضتها. - لا تقضي النوافل عند الحنفية إلا الوتر لأنه واجب عندهم وسنة الصبح إذا فاتت مع فريضتها أما إذا صلى الفريضة في وقتها فلا يصل بعدها سنة الصبح إذا فاتته قبل فريضتها. وتقضي الفائتة في جماعة، ويشترط الحنفية أن تكون صلاة الإمام والمأموم واحدة. - ويجب القضاء فوراً، ويجوز تأخيره عند الحنفية لعذر السعي على العيال، وفي الحوائج على الأصح، وقال الشافعية: إذا فاتت الصلاة لعذر: كنوم ونسيان يندب له القضاء الفوري ندباً، وإذا فاتته لغير عذر يجب عليه القضاء فوراً. - وترتيب الفوائت سنّة عند الشافعية، وهناك تفصيلات كثيرة في المذاهب الثلاثة الأخرى، يمكن أن يعرفها كل إنسان من خلال تفقهه في مذهبه، فجمهور الفقهاء يروْن وجوب الترتيب إذا قلت الفوائت، فعند الحنفية مثلاً: يجب الترتيب ما دامت الفوائت أقل من ست، ولا يجب إذا صارت ستاً فما فوق، وإذا ضاق الوقت الأصليُّ للصلاة الحاضرة أو نسي الفائتة وقت الأداء. - قال الشافعية: وترتيب الحاضرتين المجموعتين تقديماً - بسبب يجيز الجمع عندهم - واجب وأما الترتيب إذا كان الجمع جمع تأخير، فهو سنّة. - من كان عليه فوائت كثيرة لا يدري عددها، فعند الحنفية يجب عليه أن يقضي حتى يغلب على ظنه براءة ذمته وعند المالكية والشافعية والحنابلة حتى يتيقن براءة ذمته. وعند هؤلاء يكفي تعيين الوقت كالظهر، وعند الحنفية ينوي مع تعيين الوقت أول أو آخر صلاة وقت أدركه وقتها ولم يصلِّ. - يجوز عند الحنابلة والشافعية والمالكية القضاء في أي وقت، ولا يجوز عند الحنفية عند طلوع الشمس إلى أن ترتفع قدر رمح أو رمحين، وعند استواء الشمس في وسط السماء إلا أن تميل إلى جهة المغرب، وعند اصفرار الشمس حتى تغرب، وما عدا ذلك فإنه يجوز له القضاء

ولو بعد صلاة الفجر وبعد العصر وذلك قبل اصفرار الشمس أو طلوعها. - قال الحنفية: إذا طلعت الشمس وهو في صلاة الصبح فسدت عليه صلاته، وعليه أن ينتظر حتى ترتفع الشمس قدر رمح أو رمحين، فيصليها قضاءً، وقال المالكية والشافعية والحنابلة، يستمر في صلاتها ويتمها وقد صحت. (انظر: الدر المختار 1/ 485 فما بعدها، والشرح الصغير 1/ 364 فما بعدها، والمهذب 1/ 51، 54، والمغني 1/ 607 فما بعدها، والفقه الإسلامي 2/ 131 - 145). * * *

الفصل الثالث في صلاة الصبي

الفصل الثالث في صلاة الصبي 323 - * روى أبو داود عن سبْرَة بن معبد الجُهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مُرُوا الصبيَّ بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، فإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها" وفي رواية (1) قال: "علموا الصبيَّ الصلاة ابن سبعٍ، واضربوه عليها ابن عشرٍ". أقول: يجب على أولياء الصبي أن يؤهلوه للقيام بالتكليف بعد البلوغ، وذلك يقتضي منهم تعليمه وتأديبه وتعويده على مكارم الأخلاق وترك مساوئها، كما يقتضي تحديد وجهته في أموره الدنيوية على مقتضى الشريعة، فيدرب أو يوجه إلى ما يناسبه من مهنة أو حرفة، وبالنسبة للصلاة فقد حدد الحديث السن التي يجب الأمر فيها بالصلاة وتعليمها، أما ما قبل هذا السن فيندب لأوليائه أن يأمروه ويعلموه، فإذا بلغ عشراً فعلى أوليائه ألا يكتفوا بالأمر بل يزيدوا على ذلك الضرب بيد لا بخشبة ونحوها، إذا لم يصل، وإذا لم يكن لليتيم ولي يرعاه فعلى وصيه وجيرانه ومن يعرفه أن يولوا توجيهه وتعليمه بالقدر الممكن له، وما يقال في حق الذكور، يقال في حق الإناث ويتولى النساء - حال فقد الأولياء - أمر التوجيه والتعليم لهن ولا حرج على الرجال أن يؤدبوا، إذا أُمِنت الفتنة ولم يوجد محظور. 324 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مُروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبعٍ، واضربوهم عليها وهم أبناءُ عشرٍ، وفرِّقُوا بينهم في المضاجع". زاد في رواية (2) "وإذا زوَّجَ أحدُكم خادِمَهُ

_ 323 - أبو داود (1/ 133) كتاب الصلاة، 25 - باب متى يؤمر الغلام بالصلاة. (1) الترمذي (2/ 259) أبواب الصلاة، 299 - باب ما جاء متى يؤمر الصبي بالصلاة. قال حديث حسن صحيح. 324 - أبو داود (1/ 133) كتاب الصلاة، 25 - باب متى يؤمر الغلام بالصلاة. (2) الرواية في أبي داود في نفس الموضع. (وفرقوا بينهم في المضاجع) أراد بالتفريق بين الذكور والإناث من الأولاد عند النوم، لقربهم البلوغ.

= عبدهُ أو أجيرهُ - فلا ينظرُ إلى ما دون السُّرةِ وفوق الرُّكبة". أقول: الأصل: أن الأمة بالنسبة لسيدها كالزوجة في جواز النظر والاستمتاع، فإذا زوّج السيد أمته لأحد، فإن الحديث يحظر عليه أن يرى ما بين السرة والركبة. 325 - * روى أبو داود عن معاذ بن عبد الله بن خُبيبٍ الجُهني قال راويه-[هشامُ بن سعدٍ]-: "دخلنا عليه، فقال لامرأته: متى يُصلِّي الصبيُّ؟ قالتْ: نعم كان رجل منا يذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه سئل عن ذلك؟ فقال: "إذا عرف يمينه من شماله فمروه بالصلاة". أقول: هذا الحديث محمول على الندب، والأمر بالصلاة لسبع محمول على الوجوب. 326 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "عرضني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحُدٍ وأنا ابن أربع عشرة، فلم يُجزْني، وعرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة، فأجازني" قال نافع: "فقدمتُ على عمر بن عبد العزيز وهو خليفةٌ، فحدثته هذا الحديث، فقال: إن هذا لحدُّ ما بين الصغير والكبير، فكتب إلى عُمَّاله: أن يفرضُوا لمن بلغ خمس عشرة سنة، وما كان دون ذلك فاجعلوه في العيال". وانتهت رواية أبي داود والنسائي عند قوله: "فأجازني". وزاد أبو داود في رواية أخرى نحو ما بقي من الحديث. أقول: إن بلوغ الصبي مبلغ الرجال، وبلوغ الفتاة مبلغ النساء هو الذي ينقلهما إلى طور التكليف، فلا يحاسبان على ما يفعلانه قبل البلوغ، والبلوغ بالنسبة للمرأة يكون بالحيض أو بالحبل أو بالاحتلام، فإذا لم يكن شيء من ذلك (1)، فمتى بلغت الخامسة عشرة

_ 325 - أبو داود (1/ 134) كتاب الصلاة، 25 - باب متى يؤمر الغلام بالصلاة. 326 - البخاري (5/ 276) 52 - كتاب الشهادات 18 - باب بلوغ الصبيان وشهادتهم. مسلم (3/ 1490) 33 - كتاب الإمارة، 23 - باب بيان سن البلوغ. الترمذي (4/ 211) 24 - كتاب الجهاد، 31 - باب ما جاء في حد بلوغ الرجل ومتى يفرض له. وقال حديث حسن صحيح غريب من حديث سفيان الثوري. النسائي (6/ 155) 27 - كتاب الطلاق، 20 - باب متى يقع طلاق الصبي. أبو داود (3/ 137) كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب متى يفرض للرجل في المقاتلة.

سنة قمرية يحكم لها بالبلوغ، وأما الذكر فبلوغه بالاحتلام، أو بالإنزال فإذا لم يكن شيء من ذلك، فمتى بلغ الخامسة عشرة سنة قمرية، ولما كانت بعض القضايا تخفي، ويمكن أن يكون فيها دعوى، فإن السن ف حق الغير أو في بعض الأعمال هي الفيصل. 327 - * روى ابن خزيمة عن حَرْمَلة بن عبد العزيز عن عمه عبد الملك بن الربيع عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "علِّموا الصبي الصلاة ابن سبع سنين، واضربوه عليها ابن عشرٍ". قال البغوي في شرح السنة 2/ 407 حول هذه الأحاديث. وفي الحديث دليل على أن صلاة الصبي بعدما عقلَ صحيحة، واختلف أهل العلم في صحة إسلامه، فذهب قوم إلى أنه لا يصحُّ إسلامهُ، كما لا يصح شيء من تصرفاته وعقوده، وهو قول الشافعي. وذهب قوم إلى صحة إسلامه، وهو قول الحسن، وبه قال أصحاب الرأي، وقالوا: لو ارتد لا يُحكمُ بكفره. ولو أدى الفرض في أوَّلِ الوقت قبل البلوغ، ثم بلغ والوقتُ باقٍ اختلفوا في وجوب الإعادة عليه، وهو قول أصحاب الرأي، فأوجب بعضهم الإعادة، وهو قول أصحاب الرأي، ولم يوجب بعضهم، وهو ظاهرُ قول الشافعي. قال الشافعي، على الآباء والأمهات أن يؤدبُوا أولادهم ويعلموهم الطهارة والصلاة، ويضربوهم على ذلك إذا عقلوا، فمن احتلم أو حاض، أو استكمل خمس عشرة، لزمه الفرضُ. وروى عن ابن عباس أنه قيد عكرمةَ على تعليم القرآن والسنن والفرائض. قال ابن عمر: أدِّب ابنك فإنك مسؤول عن ولدك ماذا علمْتَهُ، وهو مسؤول عن بِرِّك وطواعيته لك.

_ 327 - ابن خزيمة (2/ 102) جماع أبواب الفريضة، 402 - باب أمر الصبيان بالصلاة وضربهم على تركها .. إلخ.

قلت [أي البغوي]: وقد قال الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} (1) وفي تعليمهم أحكام الدين، وشرائع الإسلام قيام بحفظهم عن عذاب النار، وقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} (2) وإثني على إسماعيل صلى الله عليه وسلم بها. فقال {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ} (3). وقيل: أراد بالأهل: جميع أمته، وكذلك أهلُ نبي أمته. ورُوي عن علي في قوله: (قوا أنفسكم وأهليكم ناراً). قال علموهم، أدبوهم، وعن ابن عباس مثله، ا. هـ. 328 - * روى البخاري عن ابن عباس، قال: مرّ عليُّ بن أبي طالب بمجنونة بني فلان قد زنت، أمر عمر برجمها. فرجَّعَها عليٌّ وقال لعمر: يا أمير المؤمنين ترجُم هذه؟ قال: نعم. قال: أو ما تذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رُفِع القلمُ عن ثلاثٍ، عن المجنون المغلوب على عقله، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم". قال صدقت فخلَّي عنها.

_ (1) التحريم: 6. (2) طه: 132. (3) مريم: 55. 328 - البخاري (12/ 120) 86 - كتاب الحدود، 22 - باب لا يرجم المجنون والمجنونة.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد - قاس العلماء الصيام على الصلاة في أن الطفل يؤمر به ويعود عليه من سن السابعة، ويضرب عليه إذا بلغ العاشرة ضرباً خفيفاً من باب إظهار الغضب، إذا كان يطيق جسمه ذلك. - متى بلغ الإنسان ذكراً كان أو أنثى أصبح مكلفاً بكل أنواع التكليف من العقيدة إلى العبادة إلى الأخلاق إلى كسب الحلال إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويكلف الذكر بالجهاد، والأنثى لها تكليفاتها الخاصة، هذا وكل نوع من أنواع التكليف يدرب عليه الإنسان قبل البلوغ، وهو بعد أن يبلغ سن التمييز أي السابعة مأجور على ما يفعله من خير غير مأزور على ما يفعله من ذنب، ومن كان له فضل تربيته عليه، فإنه يؤجر بما يفعله من خير، وإذا كان إثم الصبي سببه تقصير من تجبُ عليه تربيته، فإنه يأثم بقدر تقصيره، فكيف إذا دفعه إلى شر، وعوّده عليه، ومما نص عليه الفقهاء أن الأم لا توجه الطفل نحو القبلة لبوله، كنوع من أنواع التعويد على الخير والنهي عن الشر. - لا يعتبر الإنسان مكلفاً قبل البلوغ إلا أن الشافعية والمالكية والحنابلة أوجبوا في ماله الزكاة، والحنفية لا يرون ذلك لأنه عبادة وهو لا يطالب بالعبادات، وإذا كان للإنسان مال قبل البلوغ فنفقته في ماله. - وقد طولب أولياء الولد بأن يبدأوا حياته بأنواع من الخير قياماً بحقه واحتفاءاً به وإشعاراً بما ينبغي في شأنه، ومن ذلك استحباب التأذين في أذن المولود اليمين حين يولد وبعضهم يستحب الإقامة في أذنه اليسرى زيادةً على التأذين في اليمنى، واستحب بعضهم أني قال في أذن المولود اليمنى ما قالته أمُّ مريم (عليها الرضوان): {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (1) وتستقبل ولادة الطفل بالعقيقة وحلق شعر رأسه في اليوم السابع أما العقيقة فيؤكل من لحمها ويوزع، وأما شعره فيتصدق بوزنه ذهباً أو فضةً، ومما يستقبل به حسن اختيار الاسم، وكل ذلك من مظاهر الاعتناء بالطفل. - ومما ينبغي أن يلاحظ في حق الطفل ختانه، على خلاف بين الفقهاء في الوقت

_ (1) آل عمران: 36.

المستحب للختان، وبالنسبة لعورة الصغير فالحنفية قالوا: لا عورة لمن عمره أربع سنين فأقل، فيباح النظر إلى بدنه ومسه، ثم ما دام لم يشته فعورته القبل والدبر ثم تغلظ عورته فيجب ستر ما حول القبل والدبر إلى عشر سنين وبعد العاشرة تعتبر عورته كعورة البالغ. أما المالكية، فعورة الصغير والصغيرة في الصلاة بعد تمام السبع كالبالغ، وأما خارج الصلاة فالطفلة ما دامت دون السنتين وثمانية أشهر لا عورة لها، ويباح نظر الرجل إلى البنت كلها حتى الرابعة وينبغي التنزه عن ذلك، ولكن لا يحق للرجل أن يغسلها، ومتى بلغت الفتاة ست سنين أصبحت كالمرأة في الأحكام، أما الطفل فعورته خارج الصلاة يكون لها حكم الرجال متى بلغ ثلاث عشرة سنة، وابن ثمان سنين فأقل لا عورة له، فيجوز للمرأة النظر إلى جميع بدنه وتغسيله، وابن تسع إلى اثنتي عشرة سنة، يجوز للمرأة النظر إلى جميع بدنه ولكن لا يجوز تغسيله. وقال الشافعية: عورة الصغير ولو غير مميز كالرجل ما بين السرة والركبة، وعورة الصغيرة كالكبيرة، وعلى هذا فيحتاط في شأن عورة الطفل والطفلة الصغيرة، إلا فيما لابد منه. وقال الحنابلة: الصغير الذي لم يبلغ سبع سنين لا عورة له، وبنت سبع إلى عشر عورتها في الصلاة ما بين السرة والركبة وأما خارج الصلاة فمثل الكبيرة فعورتها أمام المحارم ما بين السرة والركبة، ويستحب لها الاستتار وستر الرأس كالبالغة احتياطاً أمام الأجانب فعورتها جميع بدنها إلا الوجه والرقبة والرأس واليدين إلى المرفقين والساق والقدم، وابن عشر وبنت عشر كالبالغ في أحكام العورة، والمسلم في شأن ابنه وابنته يحتاط ما أمكن، فيعودهما على الستر منذ الصغر، ويعودهما على عدم الظهور بغير المنظر الأكمل، والأم تراعي ذلك ما أمكن، والحرج مرفوع شرعاً. - ومما ينبغي أن يلحظه الدعاة في عصرنا أن يركزوا في خطاب غير المسلمين أثناء دعوتهم إلى الإسلام، على أن الإسلام دين يرعى الطفولة والأمومة والضعفاء ويراعي حق المرأة، وأنه دين رحمة للإنسان والحيوان، فهذه معان لها تأثيرها في قلوب الكثيرين، إلا أن المسلم ينبغي أن يكون دقيقاً وهو يعرض هذه المعاني، فإن مما يخشى منه، أو يقول كلمة

غير دقيقة فقهياً: فيقع في تحريم حلال أو تحليل حرام، فهو عندئذ بين كفر وفسوق. (انظر في أحكام العورة: رد المحتار 1/ 270 وما بعدها، والشرح الصغير 1/ 285، والمهذب 1/ 64 فما بعدها، والمغني 1/ 577 والفقه الإسلامي 1/ 584 وما بعدها و 596 وما بعدها).

الفصل الرابع في ذكر بعض من لا تقبل صلاتهم

الفصل الرابع في ذكر بعض من لا تُقبل صلاتهم 329 - * روى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أبَقَ العبدُ لم يقبل له صلاة حتى يرجع إلى مواليه". وفي رواية (1) عن عروة بن رويم: عن ابن الديلمي، الذي كان يسكن بيت المقدس، أنه مكث في طلب عبد الله بن عمرو بن العاص بالمدينة فسأل عنه، قالوا: قد سار، إلى مكة، فأتبعهُ فوجده قد سار إلى الطائف، فأتبعه فوجده في زرعة يمشي مخاصراً رجلاً من قريشٍ، والقرشي يزنُّ بالخمر، فلما لقيتهُ سلمْتُ عليه، وسلم عليَّ. قال: ما غدا بك اليوم ومن أين أقبلت؟ فأخبرته ثم سألته هل سمعت يا عبد الله بن عمرو رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر شراب الخمر بشيء؟ قال نعم. فانتزع القرشي يده ثم ذهب، فقال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يشربُ الخمر رجل من أمتي فيُقْبَلُ له صلاةٌ أربعين صباحاً". أقول: إن هناك حيثيتين في إقامة الصلاة الأولى: سقوط إثم الترك بإقامتها، والثانية: نوال الأجر بفعلها، فمن أقام الصلاة ممن وردت فيهم نصوص أنه لا تُقبل صلاتهم، فهؤلاء يسقط الإثم عنهم بإقامة الصلاة، ولكن لا ينالون ثواب الصلاة التي وُعد بها غيرهم. 330 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من شَرِب الخمر لم تُقبَل له صلاةٌ أربعين صباحاً، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحاً، فإن تاب، تاب الله

_ 329 - مسلم (1/ 83) 1 - كتاب الإيمان، 32 - باب تسمية العبد الآبق كافراً. ابن خزيمة (2/ 69) جماع أبواب الصلاة، 364 - باب نفي قبول صلاة المرأة الغاضبة لزوجها، وصلاة العبد الآبق. (1) ابن خزيمة (2/ 68) جماع أبواب الصلاة، 363 - باب نفي قبول صلاة شارب الخمر. (أبق العبد): هرب. (يزن): يتهم. 330 - الترمذي (4/ 290) 27 - كتاب الأشربة، 1 - باب ما جاء في شارب الخمر، وقال الترمذي: حديث حسن.

عليه، فإن عاد لم يقبل الله صلاة أربعين صباحاً فإن تاب، تاب الله عليه فإن عاد في الرابعة لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحاً، فن تاب لم يتب الله عليه، وسقاه من نهر الخبال". قيل: يا أبا عبد الرحمن، وما نهرُ الخبال؟ قال: نهر من صديد أهل النار". وفي رواية (1) قال: "من شرب الخمر فلم يُنتشِ، لم تقبل له صلاة ما دام في جوفه أو عروقه منها شيء، وإن مات مات كافراً، وإن انتشى، لم تقبل له صلاة أربعين يوماً، وإن مات فيها مات كافراً"، جعله موقوفاً على ابن عمر. 331 - * روى مسلم عن مُصعب بن سعدٍ، قال دخل عبد الله بن عمر على ابن عامر يعودهُ وهو مريضٌ. فقال: ألا تدعو الله لي، يا ابن عمر؟ قال: إني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ "لا تُقْبَلُ صلاةٌ بغير طهورٍ، ولا صدقةٌ من غلولٍ" وكنت على البصرة. 332 - * روى الشيخان عن همام وهب بن مُنبِّهٍ؛ قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن محمدٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكر أحاديث منها: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تُقبلُ صلاة أحدكم، إذا أحدث، حتى يتوضأ". 333 - * روى أحمد عن عائشة ترفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُقبلُ صلاة الحائض

_ (1) النسائي (8/ 316) 51 - كتاب الأشربة، 44 - ذكر الآثام المتولدة عن شرب الخمر. 331 - مسلم (1/ 204) 2 - كتاب الطهارة، 2 - باب وجوب الطهارة للصلاة. (غلول) الغلول الخيانة: وأصله السرقة من مال الغنيمة قبل القسمة. (وكنت على البصرة) فمعناه إنك لست بسالم من الغلول فقد كنت والياً على البصرة، وتعلقت بك تبعات من حقوق الله تعالى وحقوق العباد. ولا يقبل الدعاء لمن هذه صفته كما لا تقبل الصلاة والصدقة إلا من متصون والظاهر، والله أعلم، أن ابن عمر قصد زجر ابن عامر وحثه على التوبة وتحريضه على الإقلاع عن المخالفات. ولم يرد القطع حقيقة بأن الدعاء للفساق لا ينفع، فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم والسلف والخلف يدعون للكفار وأصحاب المعاصي بالهداية والتوبة. 332 - البخاري (12/ 329) 90 - كتاب الحيل، 2 - باب في الصلاة. مسلم (1/ 204) 2 - كتاب الطهارة، 2 - باب وجوب الطهارة للصلاة. 333 - أحمد (6/ 150).

إلا بخمار". 334 - * روى أحمد عن بعض أمهات المؤمنين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى عرافاً فسأله عن شيء، لم تُقبلْ له صلاةٌ أربعين ليلة" (1). * * *

_ = الترمذي (2/ 215) أبواب الصلاة، 277 - باب ما جاء لا تقبل صلاة المرأة إلا بخمار. ابن ماجه (1/ 215) 1 - كتاب الطهارة وسننها، 132 - باب إذا حاضت الجارية لم تصل إلا بخمار. المراد هنا بالحائض: المرأة البالغة ليس المراد المتلبسة بالحيض فهذه لا تجوز صلاتها ولا تطالب بالصلاة. 334 - أحمد (4/ 68). مسلم (4/ 1751) 39 - كتاب السلام، 35 - باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان. (العراف). هو الذي يدعي معرفة الغيب.

الباب الثاني في شروط الصلاة

الباب الثاني في شروط الصلاة وفيه مقدمة وفصول * الفصل الأول: في الطهارة وهي الشرط الأول من شروط الصلاة. * الفصل الثاني: في دخول الوقت وهو الشرط الثاني من شرط الصلاة. * الفصل الثالث: في ستر العورة وهي الشرط الثالث من شروط الصلاة. * الفصل الرابع: في استقبال القبلة وهي الشرط الرابع من شروط الصلاة. * الفصل الخامس: في النية وهي الشرط الخامس من شروط الصلاة.

مقدمة

مقدمة الشرط: في اصطلاح العلماء: هو ما يتوقف عليه وجود الشيء، وكان خارجاً عن ماهيته، فالوضوء مثلاً شرط للصلاة خارج عنها. وشروط الصلاة عند الحنفية خمسة، وهي شروط مجمع عليها بين العلماء مع خلاف في بعض التفصيلات، ومع زيادات عند بعضهم عليها، الشرط الأول: الطهارة، الشرط الثاني: دخول الوقت، الشرط الثالث: ستر العورة، الشرط الرابع: استقبال القبلة، الشرط الخامس: النية. والدليل القرآني للنية قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (1). والدليل القرآني لاستقبال القبلة قوله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} (2). والدليل القرآني لستر العورة قوله تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (3) قال ابن عباس: المراد به الثياب في الصلاة. والدليل القرآني لدخول الوقت: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} (4) أي فرضاً مؤقتاً محدوداً بوقت. والدليل القرآني لاشتراط الطهارة قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} (5). وقوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} (6). والشروط كلها في اصطلاح الفقهاء فرائض، فهي كالأركان في فرضيتها، غير أن الركن يكون داخل الماهية، والشرط خارجها.

_ (1) البينة: (5). (2) البقرة: (150). (3) الأعراف: (31). (4) النساء: (103). (5) المائدة: (6). (6) المدثر: (4).

فشروط الصلاة إذن خمسة كما ذكرنا، فلا تصح الصلاة بدون معرفة الوقت يقيناً أو بغلبة ظن بالاجتهاد، ويجب ستر العورة في الصلاة ولو كان خالياً في ظلمة عند القدرة، وحد العورة التي يفترض سترها في الصلاة يدخل فيه: القبل والدبر وما حولهما والفخذان والركبة عند الحنفية، وأما المرأة فكلها عورة في الصلاة ما عدا الوجه والكفين وما عدا القدمين عند الحنفية والجمهور وإن خالفوا الحنفية في ستر الركبة بالنسبة للرجال لكنهم يقولون يجب ستر شيء منها ومن السرة، وبعضهم يرى ستر السرة اتفق الفقهاء على أن استقبال القبلة شرط في صحة الصلاة، إلا في شدة الخوف، وصلاة النافلة للمسافر على الراحلة، وإلا مع العجز كالمربوط والمريض الذي لا قدرة له على التحول على خلاف في الأخير فيما إذا كان يجد من يحوله أو لا يجد، ويجب التحري والاجتهاد في القبلة إذا اشتبهت عليه جهتها ولم يجد أحداً ثقة يخبره عن علم. والنية عزم القلب على فعل العبادة تقرباً إلى الله، وهي واجبة في الصلاة باتفاق العلماء لتتميز العبادة عن العادة، وليتحقق في الصلاة الإخلاص لله تعالى. ويدخل في الطهارة: الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر، والحدث الأكبر: الجنابة والحيض والنفاس، والطهارة من الحدث الأصغر بالوضوء، ومن الحدث الأكبر بالغسل، والتيمم بديل عنهما بشروطه، والطهارة من الحدثين شرط في كل صلاة- مفروضة أو نافلة - وهي فريضة حتى في سجدة التلاوة وسجدة الشكر، فمن صلى بغير طهارة لم تنعقد صلاته، كما يدخل في الطهارة: الطهارة عما اعتبره الشرع نجاسة على خلاف في القدر المعفو عنه، وعلى خلاف عند بعض المالكية في هذا الموضوع، فمشهور مذهب المالكية أن الطهارة من النجس سنة مؤكدة وهي رخصة يُفتى بها عند الضرورة، إلا أن المفتى به عند المالكية أنها فرض والجمهور على أنه يشترط لصحة الصلاة الطهارة من النجس الذي لا يعفى عنه في الثوب والبدن والمكان. ونحن سنبدأ في عرض الشرط الأول للصلاة وهو الطهارة، وإذ كان يتوضع حول بحث الطهارة مواضيع متعددة لتعلق الطهارة بالصلاة وغيرها، فسنذكر ذلك كله بهذه المناسبة.

الفصل الأول: في الطهارة وهي الشرط الأول من شروط الصلاة

الفصل الأول: في الطهارة وهي الشرط الأول من شروط الصلاة. وفيه مقدمة وفقرات الفقرة الأولى: في أهمية الطهارة. الفقرة الثانية: في أحكام المياه. الفقرة الثالثة: في الأعيان الطاهرة. الفقرة الرابعة: في قضاء الحاجة والاستنجاء. الفقرة الخامسة: في الوضوء ونواقضه. الفقرة السادسة: في المسح على الخفين. الفقرة السابعة: في الغسل وموجباته. الفقرة الثامنة: في التيمم. الفقرة التاسعة: في الأوضاع الاستثنائية التي لها أحكام خاصة في الطهارة.

مقدمة

مقدمة الطهارة: معنى تعبدي من آثارها النظافة ولكنهما لا يتلازمان دائماً، فقد يكون الإنسان نظيفاً وليس طاهراً وقد يكون طاهراً وليس نظيفاً، ولكن لارتباط الطهارة في الغالب بالماء، ولكون الماء أداة النظافة الرئيسية فقد ارتبطت الطهارة بالنظافة، ولكنهما لا يتطابقان ولا يتلازمان، فالطهارة مقصودة بذاتها في شريعتنا، والنظافة مقصودة بذاتها في شريعتنا، وهذه عبادة وهذه عبادة أخرى إذا صحت النية، فإذا اغتسلت المرأة وهي حائض بماء نظيف طاهر فهي نظيفة ولكن لا يحكم لها بالطهارة، وإذا اغتسل الجنب بماء وسخ طاهر فإنه يحكم له بالطهارة مع أنه غير نظيف، وقد تكون الثياب نظيفة وليست طاهرة كأن غسلت بالكحول على رأي من يعتبر الكحول نجساً (وهي قضية خلافية)، وقد تكون وسخة ويحكم لها بالطهارة، فالطهارة إذن معنى تعبدي يحكم به إذا توافرت شروط ذلك من انتفاء مانع وتحقيق مطلوب. * * * والطهارة يقابلها النجاسة، وكما أن الطهارة معنى تعبدي يعطيه الشارع وصفه ويحدد شروطه، فكذلك النجاسات يعطيها الشارع وصفها ويحددها، وهي شيء قد يتلازم مع الضرر والقذارة وقد لا يتلازم، فما يخرج من الإنسان فيه معنى الضرر والقذر والنجاسة، ودم الإنسان والحيوان نجس وضار، ولا يعتبره بعضهم قذراً، والجراثيم ضارة ومستقذرة وليست نجسة، وقد يكون الشيء وسخاً ليس ضاراً ولا نجساً كالثوب الملوث بالطين، ومن ههنا كانت قضية الطهارات والنجاسات لا تخضع لمقاييس الاجتهاد البشري بل هي أحكام شرعة يقررها الشارع. والمسلم مطالب بالعلم بأحكام الطهارة والنجاسة ومطالب بالطهارة حيث وجبت لعبادة، كما أنه مطالب بالنظافة ومطالب بالابتعاد عما هو ضار وقذر. * * * والنجاسات أنواع فمنها الحسي كالبول والغائط والدم ومنها المعنوي كالكفر والحدث

الأكبر والحدث الأصغر. والطهارات أنواع: فمنها الطهارة المعنوية من الشرك والكفر وأمراض القلوب، ومنها الطهارة الحسية بالغسل للحائض والنفساء إذا طهرتا وللجنب، وبالوضوء للمحدث حدثاً أصغر مع إزالة النجاسات الحسية عن الثوب والبدن والمكان لمريد الصلاة أو الطواف، أو إزالة الحدث الأصغر والأكبر لمريد من القرآن، أو إزالة الحدث الأكبر لمريد المرور بالمسجد أو تلاوة القرآن. وعلى هذا فالقدر المطلوب من الطهارة يختلف باختلاف العبادة المرادة: فالإنسان يطالب أولاً بالطهارة من الكفر بأن يُسْلم، فإذا أسلم ودخل وقت صلاة يفترض عليه الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر - إلا المرأة إذا كانت حائضاً أو نفساء، فإذا أحدث حدثاً أصغر وأراد مس القرآن فعليه أن يتوضأ. * * * ولفقه الطهارة صلة بتكليفات كثيرة، فله ارتباط بالصلاة لأن الطهارة شرطها الأول، وله صلة بأحكام المساجد وتلاوة القرآن والطهر من الحيض والنفاس ترتبط به أحكام كثيرة في حق المرأة من عدم وجوب الصيام في رمضان إلى وجوب الغسل والصلاة، وللحيض والنفاس والطهر منهما أحكام تتعلق بالحياة الزوجية كما ترتبط بهما أو بواحد منهما أحكام العدة للمطلقات والمتوفى عنهن أزواجهن كالحوامل. وللطهارة صلة ببعض أحكام الحج، ومن ثم كان لفقه الطهارة أهمية كبيرة فدع عنك جهل الجاهلين بل كفر الكافرين، وتنطع المتنطعين. * * * والحيض والنفاس والجنابة تسبب الحدث الأكبر الذي يحتاج إلى غسل، والبول والغائط والاستحاضة تسبب الحدث الأصغر الذي يحتاج إلى وضوء، والمادة المطهرة الرئيسية من النجاسات الحسية هي الماء، والمادة المطهرة الأصلية من الحدثين الأكبر والأصغر هي الماء، وهناك حالات استثنائية ينوب فيها عن الماء غيره، وهناك حالات عارضة أو طارئة، وهناك حالات خاصة لها أحكام خاصة ومن ههنا غيره تدخل في أبحاث الطهارة مباحث متعددة:

- البحث في أحكام الوضوء والغسل على اعتبار أنهما العبادتان اللتان يزال بهما الحدث الأصغر والحدث الأكبر. - البحث في أحكام المياه على اعتبار أنها مادة الطهارة الأساسية والرئيسية والأصلية. - البحث في التيمم كنائب عن الغسل والوضوء في حالات تعذر استعمال الماء أو فقدانه. - ويتوضع حول هذا أبحاث المسح على الخفين كنائب عن غسل الرجلين في الوضوء ضمن شروط، وأبحاث المسح على الأربطة والجبائر إذا كانت هناك كسور أو جروح أو حروق أو بثور، وتبحث عادة في أبحاث الطهارة موجبات الحدث الأكبر من حيض أو نفاس أو جنابة بسبب جماع أو احتلام أو خروج مني، وتبحث عادة موضوعات الأعذار التي تؤثر على بعض الأحكام الأصلية كسلس البول وانفلات ريح. وتبحث عادة موضوعات الاستنجاء والاستبراء والحمامات في هذا الباب لارتباطها بالطهارة. ولكون الطهارة هي الشرط الأول من شروط الصلاة فإنها تقدم عادة في الذِّكر. * * * والطهارة وتطبيقاتها العملية تترك بصماتها الواضحة على الحياة الشخصية للمسلم وعلى بيته وعلى بيئته ومجتمعه، ومن ثم فإنها تترك بصماتها المميزة على الحضارة الإسلامية: فالمياه الطهور وطريقة استعمالها للطهارة والحمامات والمراحيض النظيفة ذات المياه الجارية للبيت والمسجد وأدوات الطهارة ولوازمها وتنظيم الحياة التعبدية على أساس الطهارة، وارتباط جواز بعض الأمور أو حرمتها بالطهارة كل ذلك مَعْلَمٌ كبير من معالم الحياة الإسلامية ينعكس بشكل تلقائي على أمور كثيرة: أولها نظافة جسم الإنسان وثيابه ونظافة أطرافه، وثانيها أنه في المجتمع الإسلامي تجد عوازل بين بعض الأشياء والإنسان كالكلاب، وثالثها أن المجتمع الإسلامي مجتمع وقاية. * * * وسنرى أثناء عرض النصوص أن هناك تلازماً بين طهارة الظاهر والباطن فطهارة

الظاهر تنعكس على الباطن فتزيل آثار الخطايا وتساعد على طهارة الروح، وكل ذلك يترك آثاره على التعامل الحياتي بين المسلمين، إن الإمام ليعكر عليه أن تكون طهارة المأموم ناقصة، أليس ذلك دليلاً على أن للطهارة تأثيراتها على الروح والقلب وعلى الغير وبالتالي على السلوك. وكما أن الطهارة مدخل لبعض العبادات فهي عبادة بعينها وكما ارتبطت بها معان روحية كثيرة، فقد ارتبطت بها معان حسية كأثر عفوي عنها. خذ مثلاً ارتباط الوضوء والصلاة بالسواك، إن أمراض الفم لها تأثيراتها على الجسد كله، واستعمال السواك أو ما يقوم مقامه يشكل تسعين بالمائة من لوازم الوقاية، ونظافة الأطراف في الوضوء، ونظافة الجسد بالغسل وتنظيم الليل والنهار على ضوء الصلاة- كل ذلك له تأثيراته الحسية. وكنا ذكرنا أن النظافة والطهارة تتلازمان أحياناً وتتكاملان أحياناً، فليس كل طاهر نظيفاً وليس كل نظيف طاهراً، كما قلنا: إن الطهارة مطلب شرعي والنظافة مطلب شرعي كذلك، وبالتالي فالمسلم مطالب بقدر الاستطاعة أن يكون طاهراً، ونظيفاً وبالتالي فهو مطالب بأن يطهر نفسه وثيابه عن النجاسات الحسية والمعنوية وعن الأوساخ والأقذار الحسية والمعنوية. وكما أن النظافة مطلب، فحسن السَّمْت والهيئة مطلب، إلا إذا أدى إلى مفسدة أو حال دون واجب، فالأصل في المسلم أن يكون حسن السمت حسن الهيئة، لكن هناك مواطن لا يجتمع القيام بالواجب مع مثل هذا فيترك هذا الأصل العام للأصل الخاص، فالإحرام بالحج - عادةً - يرافقه شيء من الشعث، والطواف حول البيت والسعي بين الصفا والمروة يقتضيان ترك العادات في ذات الله، والقتال والجهاد والقيام ببعض الأعمال الدنيوية كل ذلك يرافقه نوع من التبذل، وتعويد النفس على الاخشيشان وحملها على ترك التعبد للمظهر، كل ذلك حالات راعاها الشارع وأدَّب عليها ولكنها تكاد تكون استثناءً من الأصل العام الذي هو المطالبة بحسن السمت وحسن المظهر من أجل مراعاة أصول خاصة لقضايا خاصة أعطاها الشارع في أوقاتها أو في أوضاعها أحكاماً خاصة بها. وسنرى كثيراً مما له علقة في هذه الشؤون في مواطنها من هذا الكتاب، لكننا أحببنا

أن نُذكر بها ههنا لاستكمال الإشارة إلى تكامل الطهارة مع غيرها في تكميل ذات المسلم، ولأن النظافة وحسن السمت مرتبطان بالصلوات، فلا يعتبر الحديث عنهما ههنا خارجاً عن الصلاة، لأن الصلاة هي المنظم لحياة المسلم، فالمسلم يندب هل أن يدخل الصلاة أو يذهب إلى المسجد وهو طيب الرائحة ويكره أن يدخل الصلاة أو يذهب إلى المسجد في ثياب العمل إذا كانت تؤذي أو تصيب الغير أو المسجد بالأوساخ إلا للضرورة، ويكره للمسلم أن يُشَمَّ منه رائحة كريهة. وبعد، فعدا عن كون الطهارة هي الفطرة، وهي النظافة لهذه الفطرة إذا أصاب الفطرة غبارٌ ودخنٌ فإنها طريق إلى محبة الله عز وجل، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (1). وقال: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} (2). فإلى فقرات هذا الفصل.

_ (1) البقرة: 222. (2) التوبة: 108.

الفقرة الأولى: في أهمية الطهارة

الفقرة الأولى: في أهمية الطهارة 335 - * روى مسلم عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الطُّهور شطرُ الإيمان، والحمد لله تملأُ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن - أو تملأ - ما بين السماوات والأرض، والصلاةُ نورٌ، والصدقةُ بُرهانٌ، والصبرُ ضياءٌ، والقرآن حجةٌ لك أو عليك، كل الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها، أو موبقها". أقول: تأتي كلمة الإيمان ويراد بها الصلاة كما في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} (1) فقد جاءت في سياق السؤال عمن صلى قبل تحويل القبلة، وإنما سميت الصلاة إيماناً لأنها تذكر بكل معاني الإيمان، وعن إقامتها تنبثق شعب الإيمان، وسواء كان المراد بالإيمان هنا الصلاة أو الإيمان مطلقاً فالحديث يدل على أهمية الطهارة بالنسبة للصلاة أولاً، وبالنسبة للإيمان مطلقاً إما بشكل مباشر أو من خلال الصلاة. 336 - * روى مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يقبل الله صلاةً بغير طُهور، ولا صدقةً من غُلول".

_ 335 - مسلم (1/ 203) 2 - كتاب الطهارة، 1 - باب فضل الوضوء. الترمذي (5/ 535) 49 - كتاب الدعوات، باب 86. النسائي إلى قوله: "أو عليك" (5/ 5) 23 - كتاب الزكاة، 1 - باب وجوب الزكاة. ابن ماجه إلى أنه قال: "إسباغ الوضوء شطر الإيمان" (1/ 102) 1 - كتاب الطهارة وسننها، 5 - باب الوضوء شطر الإيمان. (1) البقرة: (143). (برهان): دليل على صدق الإيمان. (معتقها): محررها من العذاب. (موبقها): مهلكها، ويقال أوبقته الذنوب والخطايا إذا قيدته وحبسته. 336 - مسلم (1/ 204) 2 - كتاب الطهارة، 2 - باب وجوب الطهارة للصلاة.

337 - * روى أحمد عن علي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مفتاحُ الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليمُ". أقول: الطهارة رفع حدث أو إزالة نجس بماء أو ما أعطاه الشرع حكمه بشروطه، وطهارة الحدث تختص بالبدن، وطهارة الخبث تكون في البدن والثوب والمكان. والخبث عين مستقذرة شرعاً، والحدث وصف شرعي يحل في الأعضاء يزيل الطهارة، وطهارة الحدث ثلاث: كبرى وهي الغسل، وصغرى وهي الوضوء، وبدل منهما عند تعرهما وهو التيمم.

_ (طهُور) الطهور: الماء الطاهر المطهر الذي يرفع الحدث ويزيل النجس، وهو مفتوح الطاء، وأما الطهور- بالضم - فالتطهر، وهو المراد في هذا الحديث، وكذلك الوُضُوء والوَضُوء- بالفتح والضم- مثله. (غلول) الغلول: الخيانة في الغنيمة والسرقة منها. 337 - أحمد (1/ 123). أبو داود (1/ 16) 1 - كتاب الطهارة، 31 - باب فرض الوضوء. الترمذي (1/ 9) كتاب الطهارة، 3 - باب ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور. ابن ماجه (1/ 101) 1 - كتاب الطهارة، 3 - باب مفتاح الصلاة الطهور.

الفقرة الثانية: أحكام المياه

الفقرة الثانية: أحكام المياه قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} (1) وقال: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ} (2). الكلام عن المياه أصل أصيل في الطهارة لأنها هي مادتها الأصلية، فالأصل في الماء أنه طاهر مطهر، وتطرأ عليه طوارئ تجعله طاهراً غير مطهر، وعندئذ فهو يزيل الخبث عند الحنفية ولا يزل الحدث، كما تطرأ عليه طوارئ فتجعله متنجساً، وعندئذ فإنه لا يزيل حدثاً ولا خبثاً ويُنجس ما أصابه، والإجماع منعقد على أن النجاسة إذا غيَّرت أحد أوصاف الماء الثلاثة: اللون أو الطعم أو الرائحة، فإنه ينجُس، وقال الحنفية: الماء الطاهر غير المطهر: هو ما استعمل على وجه القربة لله تعالى، فماء الوضوء مثلاً لو جمع، فإنه طاهر غير مطهر، وكل ما نزل من السماء أو نبع من الأرض، ما دام باقياً على أصل الخلقة أو تغير بشيء لم يسلبه طهوريته كتراب طاهر أو ملح أو نبات مائي ولم يكن مستعملاً فإنه طاهر مطهر، واتفق الفقهاء على أن كل ما يغير الماء مما لا ينفك عنه غالباً فإنه لا يؤثر على طهوريته، فطول المكث والتراب الطهور والخضرة التي تعلو على وجه الماء، وما يصيبه في مقره وممره، وما يخالطه مما يعسر الاحتراز عنه كالتبن وورق الشجر، وأن ما يخالطه من المعادن والكبريت، كل ذلك لا يؤثر على طهوريته. طهارة ماء البحر وأنواع المياه: 338 - * روى مالك عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إنا نركبُ البحر، ومعنا القليلُ من الماء، فإن توضأنا به

_ (1) الفرقان: (48). (2) الأنفال: (11). 338 - الموطأ (1/ 22) 2 - كتاب الطهارة، 3 - باب الطهور للوضوء. أحمد (5/ 365) وإسناد رجاله ثقات. الترمذي (1/ 101) كتاب الطهارة، 52 - باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور. أبو داود (1/ 21) 1 - كتاب الطهارة، 41 - باب الوضوء بماء البحر. النسائي (1/ 50) كتاب الطهارة، 47 - باب ماء البحر.

أنواع المياه

عطشنا، أفنتوضأ من ماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هو الطَّهُور ماؤه، الحِلُ ميتته". 339 - * روى البزار عن موسى بن سلمة قال أوصاني سنانُ بن سلمة أن اسأل ابن عباس عن ماء البحر وعن أي شهرٍ أصومُ، فأتيتُ ابن عباس فقلت: إن أخي أمرني أن أسألك عن الوضوء من ماء البحر، فقال هما البحران لا يضُرُّك بأيهما توضأت وعن أي الشهر أصومُ فقال أيام البيض. فقلت: إنا نكونُ في هذه المغازي فنُصيبُ السبي أفأعتِقُ عن أمي ولم تأمرني؟ قال: أعتقْ عن أمِّك. أنواع المياه: ماء طاهر مطهر: ويسمى الطهور والمطلق الطاهر في نفسه المطهر لغيره: وهو كل ما نزل من السماء أو نبع من الأرض وبقي على أصل الخلقة لم يتغير أحد أوصافه الثلاثة بنجاسة (لون أو طعم أو ريح) أو تغير بما لا يسلب طهوريته كالتراب وذلك كماء الأودية والعيون والينابيع والآبار والأنهار والبحار وماء الثلج والبرد عذب أو مالح. وماء طاهر غير طهور يزيل الخبث ولا يزيل الحدث عند الحنفية كالماء المستعمل وماء النبات والورد. وماء نجس: وهو ما وقعت فيه نجاسة غير معفو عنها بتفصيل عند المذاهب بحسب كثرة الماء أو قلته ونوع النجاسة. ويزيد الحنفية الماء الطاهر المكروه تنزيهاً، وهو ما شربت منه الهرة ونحوها، ومشكوك في طهوريته وهو ما شرب منه حمار أو بغل.

_ = (الطهور ماؤه): الماء الطاهر: ليس بنجس، وقد يكون مطهراً كالماء المطلق، وغير مطهر كالماء المستعمل في طهارة الحدث، فأما الطهور فهو الطاهر المطهر، فإذا لم يكن مطهراً، فليس بطهور، و"فعول" من أبنية المبالغة، فكان هذا الماء قد انتهى في طهارته إلى الغاية. 339 - كشف الأستار (1/ 143، 144) كتاب الطهارة، باب الوضوء بماء البحر. مجمع الزوائد (1/ 126) وقال الهيثمي: روا البزار ورجاله رجال الصحيح.

(انظر مراقي الفلاح (3 - 5) والشرح الصغير 1/ 30 - 36 والمهذب 1/ 5 والفقه الإسلامي 1/ 113 فما بعدها). 340 - * روى أبو داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "قيل: يا رسول الله، إنه يُستقى لك من بئر بُضاعة، وهي بئر تُلْقَى فيها لحومُ الكلاب، وخرقُ المحائِضِ، وعُذَرُ الناس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الماء طهورٌ لا ينجسه شيء". وفي رواية (1) قال: "قيل: يا رسول الله، أنتوضأ من بئر بُضاعة، هي يُطرح فيها الحيضُ ولحمُ الكلاب والنتنُ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الماء طهورٌ لا ينجسه شيء". أخرجه أبو دود، وقال: سمعت قتيبة بن سعيدٍ قال: سألتُ قيِّمَ بئر بُضاعة عن عمقها؟ فقال: أكثرُ ما يكون الماء فيها إلى العانة، قلتُ: فإذا نقص؟ قال: دون العورة". قال أبو داود: قدرْتُ بئر بُضاعة بردائي - مددتُه عليها، ثم ذرعْتُه- فإذا عرضا: ستةُ أذرع، وسألتُ الذي فتح لي باب البُستان فأدخلني إليه: هل غُيِّرَ بناؤها عما كانت عليه؟ فقال: لا، ورأيت فيها ماءً متغير اللون. ومن وجهات النظر حول بئر بضاعة ما قاله صاحب إعلاء السنن بعد تعليق طويل: فقول القائل "يا رسول الله! أنتوضأ من بير بضاعة؟ وهي بير يطرح فيها لحوم الكلاب والحيض إلخ" معناه: كانت تطرح، ولكنه أبداه في صورة الحال حكاية للحال الماضية، لأجل تصويرها وإحضارها مبالغة في تهجينه والتنفير عنه، ونظيره قولك: "كنت سرت أمس حتى أدخل البلد" كما ذكره الجامي في شرح الكافية (ص 287) وهذا لعمري توجيه حسن. وأسند البيهقي في المعرفة عن الشافعي انه قال: "كانت بير بضاعة كثيرة الماء

_ 340 - أبو داود (1/ 18) كتاب الطهارة، 34 - باب ما جاء في بئر بضاعة. (1) أبو داود (1/ 17) كتاب الطهارة، 34 - باب ما جاء في بئر بضاعة. الترمذي (1/ 95) كتاب الطهارة، 49 - باب ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء. النسائي (1/ 174) 2 - كتاب المياه، 1 - باب ذكر بئر بضاعة وهو حديث حسن صحيح بطرقه وشواهده. (عُذَر) العذرةُ: الغائط، والعُذَرُ جنسٌ لها، وجمعها: العذرات، وتروي الكلمة بفتح عين وكسر ذال وتروي بكسر عين وفتح ذال. الحيض: أي الخرق التي يستثفر بها النساء، واحدتها: حيضة، بكسر الحاء.

واسعة كان يطرح فيها من الأنجاس ما لا يغير لها لوناً ولا طعماً ولا تظهر فيها ريح" (آثار السنن 1: 6) قلت: وهذا لا يتصور إلا بكونها أزيد من عشر في عشر لما تشاهد في الحياض الكبيرة، أنها تتغير بإلقاء النجاسة فيها سريعاً، فلابد أن كانت بئر بضاعة أوسع وأزيد من تلك الحياض، حتى أمنت التغير بإلقاء لحوم الكلاب والحيض والنتن فيها. ويؤيده أن تلك البئر قد أطلق عليها اسم الغدير عند عبد الرزاق في مصنفه (1) عن أبي سعيد الخدري بعينه: "أن النبي توضأ أو شرب من غدير كان يلقي فيه لحوم الكلاب والجيف، فذكر ذلك، فقال: إن الماء لا ينجسه شيء" كذا في كنز العمال (5: 140) ومع الاحتمال لا يصح الاستدلال. فحديث بير بضاعة لا يصلح متمسكاً للشافعية أصلاً. وإنما الذي اضطرنا إلى توضيح حديث بئر بضاعة وأنه لا يمكن حمله على ظاهره مطلقاً إلا أن يكون كبيراً أو فيه ماء كثير، وأنه لا يظن بالنبي أنه كان يتوضأ من بير هذه صفته مع نزاهته وإيثاره الرائحة الطيبة ونهيه عن الامتخاط في الماء والبول في الماء الراكد فدل أن ذلك كان في الجاهلية فشك المسلمون في أمرها، فبين أنه لا أثر لذلك مع كثرة النزح) ا. هـ الإعلاء 1/ 178. ثم ما اتفق عليه الفقهاء وأجمعوا من أحكام حول المياه وطهارتها وما ينجسها قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسة، فغيرت للماء طعماً أو لوناً أو رائحة، أنه نجس ما دام كذلك) فالتغير المذكور في بئر بضاعة ينبغي ألا يكون تغيراً بنجس حتى يجوز الوضوء منه، أما إذا وقعت النجاسة في الماء فلم تغير له لوناً أو طعماً أو ريحاً، فالعبرة عند الفقهاء لجريانه أو لكثرته، والمالكية يرون أن ما كان قدر آنية الوضوء أو الغسل فما دونهما قليل، وعندئذ فهم يحكمون بكراهة الماء فقط إذا حلت فيه نجاسة قليلة كالقطرة ولم تغيره، ولا كراهة فيما زاد على ذلك، والشافعية والحنابلة يعتبرون أن ما كان دون القُلَّتين فهو قليل ينجس إذا وقعت فيه نجاسة ولو لم تغير أحد أوصافه، والحنفية يرو أن ما كان دون عشرة أذرع في عشرة فهو قليل ينجس ولو بقطرة نجاسة، وينبغي أن يكون عمق الماء إذا بلغ عشرة في عشرة - ليعتبر كثيراً لا تؤثر فيه النجاسة أنه لو اغترف منه المغترف لا يرى قعره، على أنهم يختلفون فيما لو كان الماء سطحه دون العشر

ولكن كثير بحيث لو أنه صب فيما مساحته عشرة في عشرة، فإنه يملؤه بالشرط المذكور، فبعضهم يعتبره في هذه الحالة كثيراً، وعلى هذا فبئر بضاعة متوافر فيه هذا المعنى، فهو كثير، لا تؤثر فيه نجاسة إلا إذا غيرت لوناً أو طعماً أو رائحة. والذراع: حوالي ستين سنتمتراً أو أكثر من ستين سنتمتراً بقليل في اصطلاحاتنا الحالية والقلتان تقدران بـ (270) لتراً. وحول تحديد الحنفية للكثير بعشرة أذرع في عشرة اعتراض لبعض المحدثين، قال البغوي في شرح السنة (2/ 59): وقدَّر بعض أصحاب الرأي الماء الكثير الذي لا ينجس بأن يكون عشرة أذرع في عشرة أذرع وهذا تحديد لا يرجع إلى أصل شرعي يعتمد عليه. وحَدَّه بعضهم بأن يكون في غدير عظيم بحيث لو حرك منه جانب لم يضطرب منه الجانب الآخر وهذا في غاية الجهالة لاختلاف أحوال المحركين في القوة والضعف) ا. هـ. أقول: ليس الأمر كما ذكر الشيخ البغوي فإن الحنفية لم يقولوا باديء الأمر أ، هـ عشرة ف عشرة، ولا أنه بحيث لو حرك طرفه لا يتحرك الطرف الآخر. وإنما في ظاهر الرواية يعتبر فيه رأي المبتلي، وأصح حدَّه ما لا يخلص بعضه إلى بعض في رأي المبتلي واجتهاده ولا يناظر المجتهد فيه، وكان محمد يوقت في ذلك بعشر ثم رجع إلى قول أبي حنيفة، وقال لا أوَقِّت فيه شيئاً فظاهر الرواية أولى. ولكن منعاً للوسوسة وتوسعة على الناس قدَّره الفقهاء عشرة في عشرة أذرع فهو تيسيرٌ وإن لم يرجع إلى أصل ثم هو يعادل القلتين كما سننقل تحقيقه في كلم صاحب إعلاء السنن بعد قليل. وأما موضوع اختلاف القوة فقد ذكرنا أنها تعتبر بحسب كل شخص هو المبتلي بذلك الماء فلا اعتراض على الحنفية وليس من غايته الجهالة كما قال رحم الله. انظر اللباب 1/ 21 - 22.

حد الماء القليل والكثير

حد الماء القليل والكثير: 341 - * روى أحمد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسألُ عن الماء يكون في الفلاة من الأرض وما ينوبه من الدواب والسباع؟ فقال: "إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث". وفي رواية (1) أخرى لأبي داود (فإنه لا ينجُس). قال الخطابي وقد استدل بهذا الحديث من يرى سؤرَ السباع نجساً لقوله: "وما ينوبه من السباع" أي: يطرُقُه ويرده، إذ لولا أن شُرب السباع منه ينجسه، لما كان لسؤالهم عنه ولا لجوابه إياهم بتقدير القُلتين معنى. وقيل: معنى قوله: "يحمل الخبث" أي: أنه إذا كان قلتين لم يحتمل أن يكون فيه نجاسة، لأنه ينجس بوقوع الخبث فيه، فيكون على الأول قد قصد أول مقادير المياه التي لا تنجس بوقوع النجاسة فيها، وهو ما بلغ القلتين فصاعداً، وعلى الثاني: قصد آخر المياه التي تنجس بوقوع النجاسة فيها، وهو ما انتهى في القِلَّة إلى القُلتين، فحينئذ تكون القُلتان إذا وقعت فيهما النجاسة نجستين، فإذا زادتا على القلتين احتملتا النجاسة، وهذا هو على خلاف المذهب، فإن من ذهب إلى تحديد الماء بالقُلتين - وهو مذهب الشافعي رحمه

_ 341 - أحمد (2/ 12). أبو داود (1/ 17) كتاب الطهارة، 33 - باب ما ينجس الماء. الترمذي (1/ 97) كتاب الطهارة، 50 - باب ما ينجس الماء. النسائي (1/ 175) 2 - كتاب المياه، 2 - باب التوقيت في الماء. الدارمي (1/ 186) كتاب الصلاة "باب فرض الوضوء والصلاة"، باب قدر الماء الذي لاينجس. الحاكم (1/ 133) وهو حديث صحيح. (1) أبو داود (1/ 17) كتاب الطهارة، 33 - باب ما ينجس الماء. (ينوبه) ناب المكان وانتابه، ينوبه وينتابه: إذا تردد إليه مرةً بعد مرةٍ، ونوبةً بعد نوبةٍ. (قلتين) القلةُ: إناء للعرب كالجرة الكبيرة، أو الحُبُّ، وهي معروفة بالحجاز وهجر، تسعُ القُلة مزادة من الماء، قد قدرها الفقهاء مئتين وخمسين رطلاً إلى ثلاثمائة والرطل العراقي 406 غ وهو المراد هنا، وقدرتا بـ (195.112) كلغم أو (270) لتر. (لم يحمل الخبث) أي: يدفعه عن نفسه، كما يقال: فلان لا يحملُ الضيم: إذا كان يأباهُ ويدفعه عن نفسه.

الله تعالى- إنما أراد: أنه إذا كان قُلتين، ووقعت في نجاسة لم تُغير لونه ولا طعمه ولا ريحه، فإنه لا ينجس، وأما على التأويل الآخر، فليس مذهباً له. أقول: أخذ بهذا الحديث الشافعية والحنابلة، ولم يأخذ به الحنفية والمالكية، لأنهم أعلوه بالاضطراب وجهالة قدر القُّلَّة، ورد الذين أخذوا به على هذه الاعتراضات، والقلتان في اصطلاحات عصرنا تعدل برميلاً، والحديث أصل أصيل في الباب الذي يسميه الفقهاء (الأسار) والأسآر: جمع سؤر، والسؤر هو بقية الماء في الإناء أو في الحوض، واتفق العلماء على طهارة أسآر المسلمين وبهيمة الأنعام، فإذا كان الماء قليلاً باصطلاح الحنفية فحكم السؤر عندهم مرتبط بحكم لعاب الشارب، فإن كان نجساً تنجس الماء القليل، وإن كان طاهراً لم يتنجس. وإليك هذا التحقيق المطَّول في موضوع القُلَّتين: قال صاحب إعلاء السنن: (وأما حديث القلتين فلم يوقف على حقيقته كما سيأتي، فالاحتجاج به لا صح على ما قالوا والحديث رواه الشافعي وأحمد والأربعة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني والبيهقي من حديث عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن أبيه، ولفظ أبي داود: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الماء وما ينوبه من السباع والدواب، فقال رسول الله: "إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث". ولفظ الحاكم: فقال: "إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء" وفي رواية لأبي داود وابن ماجة: "فإنه لا ينجس". قال الحاكم: صحيح على شرطهما وقد احتجا بجميع رواته، وقال ابن مندة: إسناده على شرط مسلم. وقال: (وقال ابن عبد البر في التمهيد: "ما ذهب إليه الشافعي من حديث القلتين مذهب ضعيف من جهة النظر غير ثابت من جهة الأثر، لأنه حديث تكلم فيه جماعة من أهل العلم ولأن القلتين لم يوقف على حقيقة مبلغهما في أثر ثابت ولا إجماع". وقال في الاستذكار: "حديث معلول رده إسماعيل القاضي، وتكلم فيه" وقال الطحاوي: "إنما لم نقل به لأن مقدار القلتين لم يثبت" وقال ابن دقيق العيد: "هذا الحديث قد صححه بعضهم وهو صحيح على طريق الفقهاء، لأنه وإن كان مضطرب الإسناد مختلفاً في بعض

ألفاظه، فإنه يجاب عنه بجواب صحيح، بأن يمكن الجمع بين الروايات، ولكني تركته، لأنه لم يثبت عندنا بطريق استقلالي يجب الرجوع إليه شرعاً تعيين مقدار القلتين". قلت: كأنه يشير إلى ما رواه ابن عدي من حديث ابن عمر: "إذا بلغ الماء قلتين من قلال هجر لم ينجسه شيء" وفي إسناده المغيرة بن صقلاب، وهو منكر الحديث، قال النفيلي: لم يكن مؤتمناً على الحديث. وفيه أيضاً [يعني التلخيص الحبير]: "لكن أصحاب الشافعي قووا كون المراد قلال هجر، بكثرة استعمال العرب لها في أشعارهم، كما قال أبو عبيد في كتاب الطهور" وفيه أيضاً: "قال الخطابي: قلا لهجر مشهورة الصنعة، معلومة المقدار، والقلة لفظ مشترك، وبعد صرفها إلى أحد معلوماتها وهي الأواني، تبقى مترددة بين الكبار والصغار، والدليل على أنها من الكبار، جعل الشارع الحد مقدراً بعدد، فدل على أنه أشار إلى أكبرها لأنه لا فائدة في تقديره بقلتين صغيرتين مع القدرة على تقديره بواحدة كبيرة" (1: 6) وفي فتح الباري (1: 300): "ويرجع في الكبيرة إلى العرف عند أهل الحجاز" وفي تابع الآثار (ص 68): "وما روي من أحاديث القلتين يحمل على ما إذا كان الماء مبسوطاً على الأرض، كما يكون في الحياض وقد وقعت الأحاديث في جواب السؤال عنها، والمبسوط من القلتين إذا كان عمقه بحيث لا تنحسر الأرض بالاغتراف منه، كان في السعة حيث لا يتحرك طرف منه بحركة طرف آخر، وهذا هو حد الكثير في المذهب، أي الحنفي وقدروه للضبط على العوام بعشر في عشر. هذا من إفادات سيد العلماء في عصره مولانا (رشيد أحمد المحدث الكنكوهي)، وجربناه نحن، فوجدناه نحن، فوجدناه كذلك، والسرفي قيد البسط أن النجاسة تضمحل ولا تؤثر في كل وجه الماء الذي هو محل للاغتراف للوضوء وإذا قلت السعة قوي أثر النجاسة في أجزاء وجه الماء، فتدبر ا. هـ". وقال صاحب الإعلاء عند حديث (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فلْيُرقْهُ ثم ليغسله سبع مرات): فيه حكم النبي صلى الله عليه وسلم بنجاسة الماء بولوغ الكلب، وأمر بإراقته، وهو لا يغير، فثبت أن القليل من الماء يفسد بوقوع النجس فيه، تغير أو لا، والإناء يعم الصغير والكبير، فيدخل

فيه الدن أيضاً، وأما حديث القلتين فغير ثابت لاضطراب متنه وإسناده، وقد بسط الكلام فيه العلامة النيموي في آثار السنن (1: 4 - 6) فمن شاء فليراجعه. وحسبنا من ذلك قول الذهبي في الميزان بعد ما نقل كلام الخطيب فيما رواه الحسن بن محمد بن يحيى العلوي بسنده عن جابر مرفوعاً: "عليُّ خير البشر، فمن أبي فقد كفر": هذا حديث منكر، ما رواه سوى العلوي بهذا الإسناد، وليس بثابت. قلت: فإنما يقول الحافظ "ليس بثابت" في مثل خبر القلتين، وخبر "الخال وارث" لا في مثل هذا الباطل الجلي، نعوذ بالله من الخذلان" (1: 242). [يقصد أن الذهبي قد حكم أن حديث القلتين ليس بثابت، في موطن رده على الخطيب]. وإن سَلِمَ ثبوته فمحمول على الماء المبسوط على وجه الأرض، كما يشعر به لفظ الترمذي عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسأل عن الماء يكون في الفلاة من الأرض وما ينوبه من السباع والدواب، قال: "إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث" (1: 11) ولا يخفى أن الماء في الفلاة أكثر ما يكون مبسوطاً على وجه الأرض وقدر القلتين يبلغ العشر في العشر بعد بسطه، أفاده الشيخ في تابع الآثار نقلاً عن الشيخ المحدث (الكنكوهي) فإن قلت: هب أن أكثر ماء الفلاة يكون مبسوطاً، ولكنه ربما يكون غير مبسوط، ولفظ الحديث عام، فما وجه تخصيصه؟ قلت: وجهه ما سيأتي من الأدلة الدالة على نجاسة البئر بوقوع النجاسة فيها ولو لم يتغير ماؤها، وماء الآبار يكون أكثر من القلتين عادة، لا سيما بير زمزم فإن ماءها لا ينقطع، فعلم أن حديث القلتين ليس بوارد في الآبار ونحوها، بل هو وارد في المبسوط على الأرض كما دل ليه بعض ألفاظ الحديث، كما مر. وقال عند الحديث عن الزنجي الذي وقع في زمزم: لا يخفى أن ماء زمزم أكثر من القلتين بكثير ولا يتصور تغيره بمجرد موت واحد فيه، ومع ذلك أمر ابن عباس بنزحه لا ندباً فقط، بل وجوباً مؤكداً، حتى أمر بدس العين التي جاءت من قبل الركن بالقباطي والمطارف، فإن مثل تلك المبالغة لتحصيل مندوب يعد من الغلو في الدين، والصحابة براء منه، وكان ذلك بمحضر منهم، فكان كالإجماع على نجاسة البئر بوقوع نجس فيها، ولو لم يتغير ماؤها، وهو قول أصحابنا. واعلم أن البيهقي

أحكام الأسآر والآبار

قد علَّ أثر ابن سيرين هذا حيث قال في المعرفة: "وابن سيرين عن ابن عباس مرسل" وزاد الزيلعي نقلاً عنه: "لم يلقه ولا سمع منه، وإنما هو بلاغ بلغه" وأجاب عنه العلامة النيموي في التعليق الحسن "بأن الأثر صحيح، وإسناده متصل، وما زعموا من أنه مرسل فليس بصحيح، لأن ابن سيرين كان حين وفاة ابن عباس شاباً ابن خمس وثلاثين أو نحوها، فما المانع له أن يسمع منه؟ ومع ذلك قد صرح بسماعه منه الحافظ الذهبي في الطبقات في ترجمته، قال: سمع محمد أبا هريرة وعمران بن حصين وابن عباس وابن عمر وطائفة". انتهى (1: 9). قلت: وإن سلم إرساله فليس يضرنا، فإن مراسيل ابن سيرين صحاح عند القوم، كمراسيل ابن المسيب، قال في الجوهر النقي (1: 343): طقال أبو عمر في أوائل التمهيد وكل من عرف بأنه لا يأخذ إلا عن ثقة، فتدليسه وترسيله مقبول. فمراسيل سعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين وإبراهيم النخعي عندهم صحاح ا. هـ (انظر إعلاء السنن 1/ 172 - 177). وإنما أطلنا في هذا الموضوع لإزالة توهُّمٍ عند بعض الناس أن مذهب الحنفية يعارض الحديث. أحكام الأسآر والآبار: 342 - * روى مالك عن يحيى بن عبد الرحمن "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج في ركبٍ، فيهم عمرو بن العاص، حتى وردُوا حوضاً، فقال عمرو: يا صاحب الحوض، هل تردُ حوضك السباعُ؟ فقال عمر: يا صاحب الحوض، لا تخبرنا، فإنا نردُ على السباع وتردُ علينا". قال المالكية: سؤر الدواب والسباع، وحتى سؤر الكلب والخنزير طاهر، ومذهبهم في الأصل أن ما لا يغير طعم الماء أو لونه أو ريحه لا ينجسه، وهذا الأثر يصلح أن يكون دليلاً لهم إلا أن الأثر يحتمل أكثر من اتجاه، فقد يكون عمر رضي الله عنه لا يرى أن يُسأل عما هو خلاف الأصل مما يشاهده الإنسان، فالأصل في الماء الطهارة (1)، فإذا لم يوجد طعم

_ 342 - الموطأ (1/ 33) 2 - كتاب الطهارة، 3 - باب الطهور للوضوء، وهو حسن بشواهده.

النجاسة أو لونها أو ريحها فلا ينبغي للإنسان أن يسأل، وقد يكون الماء الموجود في الحوض قلتين فأكثر فلا يؤثر عليه شيء نجس لم يغير أوصافه. 343 - * روى أحمد عن كبشة بنت كعب بن مالك، وكانت تحت ابن أبي قتادة، أن أبا قتادة دخل عليها، فسكبتْ له وضوءا، فجاءت هرةٌ تشرب منه، فأصغى لها الإناء حتى شربتْ، قالت كبشةُ: فرآني أنظرُ إليه، فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟ قالت: قلت: نعم، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنها ليس بنجسٍ إنها من الطوافين عليكمْ أو الطوَّافات". قال البغوي في شرح السنة: قوله: "أصغى لها الإناء" أي: أماله ليسهل عليها التناول. وروى عن عائشة، قالت في الهرة: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بفضلها. وهذا قول عامة أهل العلم أن سُؤرَ الهرةِ طاهر، وقوله "إنما هي من الطوافين عليكم أو الطوافات" يُتأول على وجهين. أحدهما: شبهها بالمماليك وبخدم البيت الذين يطوفون على أهله للخدمة، كقوله سبحانه وتعالى: {طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ} (1) يعني المماليك والخدم. وقال إبراهيم: إنما الهرة كبعض أهل البيت، ومنه قول ابن عباس: إنما هو من متاع البيت. والآخر شبهها بمن يطوف للحاجة والمسألة، يريد أن الأجر في مواساتها كالأجر في مواساة من يطوف للحاجة والمسألة.

_ 343 - أحمد (5/ 203). الموطأ (1/ 23) 2 - كتاب الطهارة، 3 - باب الطهور للوضوء. أبو داود (1/ 19) 1 - كتاب الطهارة، 38 - باب سؤر الهرة. ابن حبان (1/ 294) باب الأسآر، ذكر الخبر الدال على أن أسآر السباع كلها طاهرة. الحاكم (1/ 159، 160). ابن خزيمة (1/ 55) 79 - باب الرخصة في الوضوء بسؤر الهرة. (1) النور: 58.

واختلف أهل العلم في سؤر السباع، فذهب أكثرهم إلى طهارته، إلا سؤر الكلب والخنزير، فإنه نجس عند الأكثرين، وذهب قوم إلى نجاسة سؤر السباع إلا سؤر الهرة، وهو قول أصحاب الرأي، وقال مالك والأوزاعي: إذا شرب الكلب من إناء، ولم يجد ماء غيره، توضأ به، وقال الثوري: يتوضأ به، ثم يتيمم. وذهب أصحاب الرأي إلى أن سؤر الحمار والبغل مشكوك فيه، فإذا لم يجد ماء آخر، يجمع بين الوضوء به والتيمم، وبلغنا أن سفيان الثوري قال: لم نجد في أمر الماء إلا السعة. وقال الربيع: سُئل الشافعي عن الذبابة تقع على النتن، ثم تطير فتقع على ثوب الرجل؟ قال الشافعي: يجوز أن يكون في طيرانها ما ييبس ما برجليها، فإن كان كذلك، وإلا فالشيء إذا ضاق اتسع. "ا. هـ شرح السنة 2/ 70 و 72". أقول: سؤر الآدمي وما يؤكل لحمه طاهر مال م تكن جلالة، وسؤر الكلب نجس وكذا الخنزير وسباع البهائم. وسؤر الهرة مكروه تنزيهاً مع وجود غيره وكذا سؤر الدجاجة المخلاة وسباع الطير وسواكن البيت كالحية ما لم تُرَ النجاسة. وسؤر البغل والحمار الأهلي مشكوك فيه فيتوضأ به أو يغتسل ويتيمم يقدم أيهما شاء ومذهب المالكية في الأسآر واسع. وقال الشافعية والحنابلة سؤر الكلب والخنزير نجس، أما الآدمي والحيوان المأكول اللحم والهر والفأر والخيل والبغال والحمير والسباع فطاهرة. عن: ابن سيرين أن زنجياً وقع في زمزم، يعني فمات، فأمر به ابن عباس فأخرج، وأمر بها أن تنزح، قال: فغلبتهم عين جاءتهم من الركن فأمر بها فدست بالقباطي والمطارف حتى نزحوها، فلما نزحوها انفجرت عليهم. رواه الدارقطني، وإسناده صحيح. (إعلام السنن 1/ 176).

عن: عطاء أن حبشياً وقع في زمزم فمات، فأمر ابن الزبير، فنزح ماءها فجعل الماء لا ينقطع، فنظر، فإذا عين تجري من قبل الحجر الأسود، فقال ابن الزبير: حسبكم. رواه الطحاوي وإسناده صحيح وابن أبي شيبة، ورجاله رجال الصحيحين، وصححه ابن الهمام في (فتح القدير). (إعلاء السنن 1/ 177). وأورد أيضاً عن: أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله، ثم ليطرحه، فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء". أقول: من الناحية الفقهية فإنه يقاس على الذبابة كل ما لا دم له سائل فإن وقوعه في الإناء لا ينجسه، وقد نقلنا في كتابنا الرسول صلى الله عليه وسلم وفوائد جمة حول هذا الحديث انظرها (ص 36 - 40). وكل ما هو مثل الذباب من حيث إنه لا دم له سائلٌ فهو في حكمه، إلا أن هذا الحكم في الذباب ثبت بالنص، وفي غيره بالقياس. ودلالة حديث الباب ظاهرة، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يحكم بنجاسة ما في الإناء بوقوع الذباب فيه مطلقاً، سواء مات أو لم يمت (إعلاء السنن 1/ 180). أقول إذا سقط آدمي في بئر وبقي حياً لا ينجس البئر إذا لم يكن على بدنه نجاسة وكذا الحيوان مأكول اللحم إذا أخرج حياً ولا نجاسة على بدنه. أما إذا سقط خنزير ولو خرج حياً أو وصل الماء إلى لعاب الكلب وخرج حياً فإن البئر ينجس وقال الحنابلة: إذا وقعت الفأرة أو الهرة ونحوهما في مائع أو ماء يسير ثم خرجت حية فهو طاهر. وعند الحنفية: إذا مات آدمي في بئر فإن البئر ينجس والجمهور قالوا: لا ينجس ولا ينجس البئر بموت حيوان لا دم له سائل. وتنجس البئر بوقوع نجاسة فيها وإن قلت كقطرة خمر أو بول وينزح جميع ماء البئر

النهي عن البول في الماء

عند الحنفية ولا تنجس البئر بالبعر والروث والخثي إلا إن كان كثيراً ولا تُنجَّس بخره الحمام والصقور مما يؤكل من الطيور غير الدجاج والأوز والبط والأصح أنه لا ينجس بخره الطيور غير المأكولة اللحم، وعند الشافعية روث جميع البهائم والطيور نجس، وقال المالكية والحنابلة: روث وبول الحيوان المأكول طاهر، وروث وبول محرم الأكل نجس. ويجب نزح ماء البئر كله أو مائتي دلو إذا لم يمكن نزح البئر كله: إذا مات آدمي أو حيوان كبير أو كلب أو شاة، وكذا إن تفسخ الحيوان صغيراً كان أو كبيراً ويُنزح أربعون دلواً إلى ستين إذا كان الحيوان متوسطاً كالحمامة والدجاجة. وإذا كان اثنان من الحيوان المتوسط ينزح جميع الماء وإذا احتُمِلَ وجود نجاسة على هذا الحيوان كبول أو دم لسبب ما نزح جميع الماء صغيراً أو كبيراً، فالفأرة الهاربة من الكلب أو المجروحة إذا وقعت في بئر ينزح جميع الماء. وينزح عشرون إلى ثلاثين إذا مات حيوان صغير كالعصفور والفأر. انظر الفقه الإسلامي 1/ 136 - 139. النهي عن البول في الماء: 344 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "نحن الآخِرُون السابقون"، وقال: "لا يبُوَلنَّ أحدُكم في الماء الدائم الذي لايجري، ثم يغتسلُ فيه". وفي رواية (1) مثله، ولم يذكر: "نحن الآخِرُون السابقون".

_ 344 - البخاري (1/ 345، 346) 4 - كتاب الوضوء، 69 - باب البول في الماء الدائم. مسلم (1/ 235) 2 - كتاب الطهارة، 28 - باب النهي عن البول في الماء الراكد. (1) في المواضع السابقة. (الماء الدائم): الواقف الساكن الذي لا يجري، لأنه قد دام في مكانه وثبتَ. والغسل: إنما يكون من الجنابة، (الجنابة): يقال: أجْنَبَ الرجل يُجنِبُ وجَنُبَ يجْنُبُ فهو جُنبٌ، ويقال للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث بلفظ واحد، وأصل الجنابة: البُعْدُ، وإنما قيل لمن خرج منه المنيُّ، أو جامع ولم يُنْزِلْ: جُنُبٌ، لأنه نُهي أن يقْرَبَ الصلاة ومواضعها، ما لم يطهر، فتجنبَها وأجْنَبَ عنها، أي: بعُد عنها، وقيل: لمجانبته الناس وبعدِهِ منهم حتى يغتسل، والأول أحْسَنُ. (ابن الأثير).

الماء المستعمل وحكمه

وفي رواية (1) الترمذي والنسائي (2) "لا يبولنَّ أحدكم في الماء الدائم، ثم يتوضأ منه" وللنسائي (الماء الراكد). 345 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يُبال في الماء الراكدِ. 346 - * روى ابن خزيمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يبولنَّ أحدُكم في الماء الدائم ثم يتوضأُ منه أو يشربُ". 347 - * روى الطبراني في الأوسط عن جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُبال في الماء الجاري. أقول: الحكمة في النهي واضحة، فالبول قَذَرٌ ونجسٌ وفيه ضرر، والذوق يقتضي ألا يفعل الإنسان ذلك في الماء، ولكن هل يؤثر البول على طهارة الماء؟ المسألة مرتبطة بكثرة الماء وقلته، واصطلاحات الفقهاء في الكثرة والقلة، وفيما إذا غَيَّر البول أوصاف الماء أو لم يغير، والحديث الخير يدل على ما ذكرناه من قبل أن المسلم مطالب بالطهارة والنظافة في آن واحد. الماء المستعمل وحكمه: 348 - * روى البخاري عن أبي جُحيفة رضي الله عنه قال: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرةِ، فأُتِيَ بوضوء فتوضَّأ ونحن بالبطْحَاء، فجعل الناسُ يأخذون من فضل وضوئه، فيتَمَسَّحون به - وفي رواية (3): فرأيتُ الناس يبْتَدِرُون ذلك الوضوء، من

_ (1) الترمذي (1/ 100) أبواب الطهارة، 51 - باب ما جاء في كراهية البول في الماء الراكد. (2) النسائي (1/ 49، 125) كتاب الطهارة، 46 - باب الماء الدائم، 140 - باب النهي عن البول في الماء الراكد والاغتسال منه. 345 - مسلم (1/ 235) 2 - كتاب الطهارة، 28 - باب النهي عن البول في الماء الراكد. النسائي (1/ 125) 140 - باب النهي عن البول في الماء الراكد والاغتسال فيه. 356 - ابن خزيمة (1/ 50) 73 - باب النهي عن الوضوء من الماء الدائم الذي قد بيل فيه. 347 - مجمع الزوائد (1/ 204) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات. 348 - البخاري (1/ 576) 8 - كتاب الصلاة، 94 - باب السترة بمكة وغيرها. (3) مسلم (1/ 360) 4 - كتاب الصلاة، 47 - باب سترة المصلي.

أصاب منه شيئاً تمسَّحَ به، ومن لم يُصِبْ منه أخذ من بللِ يَدِ صاحبه - ثم رأيت بلالاً أخرج عنزةً فركزها، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في حُلَّةٍ حمراء مُشَمِّراً، فصلى إلى العنزة بالناس ركعتين، ورأيتُ الناس والدوابَّ يمرُّون بين يدي العنزة". وفي أخرى (1) "وقام الناسُ، فجعلوا يأخذون يديه يمْسَحُون بها وُجُوهَهم، قال: فأخذتُ بيده فوضعتُها على وجهي، فإذا هي أبْرَدُ من الثلج، وأطْيَبُ رائحةً من المسك". وفي رواية (2) النسائي قال: شهدتُ النبي صلى الله عليه وسلم بالبطحاء وأخرج بلالٌ فضل وضوئه، فابتدره الناس فنلتُ منه شيئاً، وركز له العنزة فصلى بالناس، والحُمُرُ والمرأةُ والكلابُ يمرون بين يديه. 349 - * روى الشيخان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: مرضتُ، فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يعُوداني، فوجداني قد أُغْميَ عليَّ، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضبَّ عليَّ وضوءه. أقول: ذكر الحديثين في باب المياه سببه أن الفقهاء يتحدثون عن الماء المستعمل في إزالة حدث أو في ما يقرب إلى الله، فالحديثان يدلان على طهارة الماء المستعمل، فالحنفية يعتبرونه طاهراً غير مطهر، ولكن غير مطهر للحدث وهو مطهر للخبث، والمالكية يكرهون استعماله في إزالة الحدث ويوافقون الحنفية في أنه يزيل النجس، والماء المستعمل عند الشافعية، ولا خلاف بين العلماء أن الماء المستعمل في التبرد والتنظيف طاهرٌ مطهرٌ غير مكروه لكنه غير نظيف، فالأصل ألا يستعمل إلا في الحالة الضرورية.

_ (1) البخاري (6/ 565) 61 - كتاب المناقب، 23 - باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم. (2) النسائي (1/ 87) 1 - كتاب الطهارة، 103 - باب الانتفاع بفضل الوضوء. (الوضوء) بفتح الواو: الماء الذي يُتوضأ به، وبضم الواو: الفعل نفسه، وهو من الوضاءة: الحُسْن. (عنزة) العنزة: عُكازة بقدر نصف الرُّمح، في رأسها شبه السنان من حديد، كانت تُحمل مع الأمراء. 349 - البخاري (10/ 114) 75 - كتاب المرضى، 5 - باب عيادة المغمي عليه. مسلم (3/ 1235) 23 - كتاب الفرائض، 2 - باب ميراث الكلالة. النسائي (1/ 87) 1 - كتاب الطهارة، 103 - باب الانتفاع بفضل الوضوء.

وذكر الشوكاني في (نيل الأوطار 1/ 24) أن بعض الحنفية قالوا بنجاسة الماء المستعمل لكن قال ابن عابدين خاتمة المحققين في (رد المحتار 1/ 134). (قوله وهو طاهر - أي المستعمل - رواه محمد عن الإمام وهذه الرواية هي المشهورة عنه، واختارها المحققون قالواك عليها الفتوى لا فرق في ذلك بين الجنب والمحدث) ا. هـ. لكن استدل من قال من الحنفية على نجاسة الماء المستعمل بما يلي: عن ابن عمر رضي الله عنه قال: "من اغترف من ماء وهو جنب فما بقي نجس" أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، (عمدة القارئ 2: 23) قلت [أي: سند صحيح، رجاله رجال الصحيحين، إلا أبا سنان، فإنه من رجال مسلم. (قال صاحب إعلاء السنن 1/ 183 - 184). قال العيني: "وهذا الأثر من أقوى الدلائل لمن ذهب من الحنفية إلى نجاسة الماء المستعمل فافهم". ا. هـ (2: 23) وحمله بعضهم على ما إذا كان بيده قذر. قلت: لا يكون إذن لقوله "وهو جنب" معنى، لأن غسل القذر لا يختص بالجنب، بل وجب غسله عام له ولغيره، والقيد يدل على أن لمعنى الجنابة أثراً في الحكم، وليس هو إلا ما قاله الحنفية من نجاسة الماء المستعمل. وأيضاً ففي هذا الأثر مايدل على نجاسة الباقي بعد الاغتراف دون الذي اغترفه، وهذا لا يتصور فيما إذا كان بيده قذر. وبالجملة فتأويله بنحو ذلك لا يخلو ن تعسف مستغنى عنه، والحق ما قاله العيني إنه من أقوى الدلائل لنجاسة الماء المستعمل، وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة، وروى أبو يوسف عنه أنه نجس نجاسة خفيفة كما في فتح القدير (1: 74)]. أقول: إن صح الحديث فهو في المستعمل في إزالة الجنابة فحسب، على أنه يُتوَقَّف في الأخذ بهذا الحكم لما صح من أحاديث في طهارة الماء المستعمل وقد حققنا أن الرأي المشهور المُفتى به عند الحنفية طهارة الماء المستعمل، أما فائدة القيد وهو جنب أن يغلب وجود النجاسة حال الجنابة.

كيفية الاغتسال من الماء الدائم

كيفية الاغتسال من الماء الدائم: 350 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يغتسل أحدُكم في الماء الدائم وهو جُنبٌ"، قالوا: كيف يفعل يا أبا هريرة؟ قال: "يتناوله تناولاً". أقول: إذا كان الماء جارياً أو كثيراً بأن كان عشرة أذرع في عشرة على مذهب الحنفية صح للإنسان أن ينزل فيه وأن يغتسل من الجنابة ولو كان على بدنه نجاسة، أما إذا كان أقل من عشرة في عشرة، وكان على بدنه نجاسة فإن نزوله في الماء ينجسه، وعندئذ فإنه يغترف لإزالة النجاسة وبعد إزالته يصح أن ينزل فيه فيغتسل إذا كان الماء كافياً لأن ينزل فه ويغتسل، وهناك صورة ما إذا كان الماء قليلاً كأن كان في طبق فوضع الإنسان قدميه فيه وأخذ منه وصبّ على رأسه وجسمه فعندئذ يكون ما تقاطر في الطبق مستعملاً فإذا ما غلب المستعمل على الماء لم يعد الماء مطهراً، ففي مثل هذه الحالة لابد أن يغترف الإنسان من الماء وصب على نفسه خارج الإناء وعند الشافعية إذا كان الماء أقل من قلتين، فلا يصح لمريد الوضوء أو الغسل من الجنابة أن يمد يده إلا بنية الاغتراف بأن يقصد نقل الماء من إنائه لغسله ما خارجه، فإذا لم ينو الاغتراف ابتداء، فإن الماء يصبح مستعملاً غير طهور، ولذلك نلحظ في حديث أم سلمة الذي سيمر بعد قليل أنها ذكرت بجواز اغتسال الرجل بفضل المرأة شرط أن تكون كيسة، والمراد بالكيسة هنا الفطنة الفقهية. الاغتسال بفضل المرأة والعكس: 351 - * روى مالك عن نافع - مولى ابن عمر - رضي الله عنهم أن ابن عمر كان يقول: "لا بأس أن يُغتسل بفضل المرأة، ما لم تكن حائضاً أو جنباً". أقول: هذا مذهب لابن عمر، ومن ههنا اشترط بعض الفقهاء شروطاً في طريقة استعمال الماء لتبقي له طهوريته (1)، والحنفية لا يعتبرون الماء المتبقي بعد اغتسال الحائض أو الجنب

_ 350 - مسلم (1/ 236) 2 - كتاب الطهارة، 29 - باب النهي عن الاغتسال في الماء الراكد. 351 - الموطأ (1/ 52) 2 - كتاب الطهارة، 22 - باب جامع غسل الجنابة وإسناده صحيح.

مستعملاً أو نجساً إلا إذا أصابته نجاسة أو غلب الماء المستعمل على أًل الماء، فالماء يبقى طاهراً مطهراً، إن أخذت منه الحائض أو الجنب وإن كان قليلاً. 352 - * روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كنتُ أغتسلُ أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحدٍ، تختلفُ أيدينا فيه من الجنابة". وللبخاري (1): قالت: "كنت أغتسلُ أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناءٍ واحد من الجنابة". وله في أخرى (2): قالت: "كان يُوضعُ لي وللرسول صلى الله عليه وسلم هذا المِرْكَنُ فنشرعُ فيه جميعاً. ولمسلم (3) قالت: "كنت أغتسلُ أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء بيني وبينه واحد فيُبادرُني، حتى أقول: دع لي، دع لي، قال: وهما جُنُبَان". وفي رواية (4) لهما قالت: "كنتُ أغتسلُ أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحدٍ، من قدحٍ يُقال له: الفرقُ". وفي رواية (5) لهما نحوه، قال سفيان: والفرَقُ: ثلاثة آصُع. وفي أخرى (6) للنسائي قالتُ: "لقد رأيتُني أغتسلُ أنا والنبيُّ صلى الله عليه وسلم من هذا، فإذا تَوْرٌ

_ 352 - البخاري (1/ 373) 5 - كتب الغسل، 8 - باب مسح اليد بالتراب لتكون أنقى. مسلم (1/ 256) 3 - كتاب الحيض، 10 - باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة. (1) البخاري (1/ 374) 5 - كتاب الغسل، 9 - باب هل يُدخل الجنب يده في الإناء قبل أن يغسلها. (2) البخاري (13/ 305) 96 - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، 16 - باب ما ذكر النبي وحض على اتفاق أهل العلم وما اجتمع عليه الحرمان مكة والمدينة. (3) مسلم (1/ 257) 3 - كتاب الحيض، 10 - باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة. (4) البخاري (1/ 363) 5 - كتاب الغسل، 2 - غسل باب الرجل مع امرأته. مسلم (1/ 255) 3 - كتاب الحيض، 10 - باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة. (5) البخاري ومسلم نفس الموضع السابق. (6) النسائي (1/ 203) 4 - كتب الغسل، 12 - باب ترك المرأة نفض رأسها عند الاغتسال. البخاري (1/ 364) 5 - كتاب الغسل، 3 - باب الغسل بالصاع ونحوه وهذه الرواية ذُكرت بالمعنى. (المِرْكن): بكسر الميم وسكون الراء وفتح الكاف: الإجانَة التي تغسل فيها الثياب. (الفَرْقْ): بفتح الراء وسكونها: إناء من نحاس يسع ستة عشر رطلاً، قال الجوهري: الفرق: مكيال معروف بالمدينة، وهو ستة عشر رطلاً، وقد يُحرَّك ا. هـ، وقد قدَّر بعضهم الفرق في مقاييس عصرنا بعشرة كيلو غرام وذلك على مذهب أبي حنيفة، وهو أقل من ذلك في تقدير الشافعية. (تَوْرَ): إناء صغير. =

موضوع مثل الصاع، أو دُونه، فنشرعُ فيه جميعاً، فأُفيضُ على رأسي بيدي ثلاث مراتٍ، وما أنقضُ لي شعراً. 353 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم وميمونة كان يغتسلان من إناءٍ واحدٍ. وفي رواية (1) يغتسلُ من فضل ميمونة. 354 - * روى النسائي عن أم هانئ رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اغتسلَ هو وميمونة من إناء واحدٍ، في قصعةٍ فيها أثرُ العجين". أقول: من هذا الحديث وأمثاله أخذ الفقهاء أحكام الماء إذا خالطه مائع أو جامد طاهر وتأثير ذلك على طهوريته، قال الحنفية: تجوز الطهارة بماء خالطه شيء جامد طاهر كالتراب والأوراق والأشجار والزعفران والصابون والأشنان ما دام باقياً على رقته وسيلانه، فلو خرج الماء عن طبعه أو حدث له اسم جديد كأن صار ماء الصابون ثخيناً أو صار ماء الزعفران صبغاً لا تجوز الطهارة به، كذلك إذا كان التغير عن طبخ فغير أحد أوصافه أو أوصافه كلها (اللون والطعم والرائحة)، والحديث يذكر أثر العجين مبيناً عدم تأثيره على طهورية الماء، ولا خلاف بين العلماء في جواز التوضؤ بماء خالطه طاهر لم يغيره، ومن كلام الحنفية أن ما خالط الماء مما يُقصد به التنظيف كالصابون والأشنان والخطمي والسدر لا يؤثر على طهوريته. ومن كلام الحنفية ف المائعات الطاهرات إذا خالطت الماء: أن العبرة في ذلك للغلبة في

_ = (الصاع): هو عند الإمام الشافعي = 2751 غراماً وعند الإمام أبي حنيفة =3800 غراماً. 353 - البخاري (1/ 366) 5 - كتاب الغسل، 3 - باب الغسل بالصاع ونحوه. مسلم (1/ 257) 3 - كتاب الحيض، 10 - باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة. (1) مسلم - نفس الموضع السابق. 354 - النسائي (1/ 131) 1 - كتاب الطهارة، 149 - باب ذكر الاغتسال في القصعة التي يعجن فيها، وإسناده حسن.

الوزن إذا كان المخالط لوصف له كالماء المستعمل وماء الورد المنقطع الرائحة أو بالغلبة في الوصف بظهور وصفين لمائع له أوصاف ثلاثة، كالخل: له طعم ورائحة ولون فأي الوصفين ظهر منع صحة الوضوء ولا يضرُّ ظهور وصف واحد لقلته أو بالغلبة كظهور وصف واحد من مائع له وصفان فقط كاللبن له اللون والطعم ولا رائحة له. والمائع الطاهر لا يحصل به التطهير أي إزالة الحدث باتفاق الحنفية لأن إزالة الحدث خص بالماء في النص القرآني، لكن تحصل به الطهارة الحقيقية أي إزالة النجاسة عن الثوب والبدن والمقصود بالمائع الطاهر ما ينعصر كماء الورد والخل وعصير الشجر والثمر. وقال المالكية يسلب الطهورية عن الماء كل طاهر يخالط الماء مما يفارقه غالباً ويغير أحد أوصافه ولم يكن من أجزاء الأرض ولا دابغاً لإنائه ولا مما يعسر الاحتراز عنه، ومن ذلك اللبن والعسل والزبيب المنبوذ في الماء وعصير الليمون. ومن كلام الشافعية: أن مما يسلب الطهورية: التمر والدقيق المطروح في الماء، والمنقوع في الماء كالعرق سوس. (راجع رد المحتار 1/ 124 وما بعدها، بداية المجتهد 1/ 80 والمغني 1/ 11 وما بعدها والفقه الإسلامي 1/ 93 - 94). 355 - * روى أحمد عن ابن عباسٍ: إن امرأةً من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اغتسلت من جنابة فتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم بفضله، فذكرت ذلك له، فقال: "إن الماء لا ينجسه شيء" وله عند البزار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أراد أن يتوضأ فقالت له امرأة من نسائه إني توضأتُ من هذا فتوضأ منه وقال: "إن الماء لا يُنجسُهُ شيء". أقول: من سياق الحديث نعرف أن المراد من قوله (1): "إن الماء لا يُنَجِّسُه شيء" هو الحدث، فالماء لا ينجسه الحدث كما رأينا والإجماع منعقد على أن الخبث ينجسه إذا غير

_ 355 - أحمد (1/ 235). كشف الأستار (1/ 132) كتاب الطهارة، باب الماء لا ينجسه شيء. مجمع الزوائد (1/ 213) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات.

طعمه أو ريحه أو لونه، إذا كان كثيراً أما قليلاً فينجسه سواء غيَرَ أو لم يغير. 356 - * روى النسائي عن ناعمٍ - مولى أم سلمة - أن أم سلمة سُئلت: "أتغتسلُ المرأة مع الرجل؟ قالت: نعم، إذا كانت كيسةً، رأيتُني أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نغتسلُ من مِرْكنٍ واحدٍ، نُفيضُ على أبداننا حتى نُنْقيها، ثم نُفيضُ عليها الماء". واغتسال أم سلمة مع النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة من إناءٍ واحدٍ مذكور في الصحيحين. 357 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من جِفْنَةٍ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليتوضأ منها- أو يغتسل - فقالت: إني كنت جنباً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الماء لا يُجْنِبُ". أقول: وقد مر معنا أنهما يشترطون لمن أراد أن يُدخل يده في الإناء لإزالة الجنابة أن ينوي الاغتراف، وظاهر الحديث أنه لا يشترط ذلك، والحنفية يرون أن غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء لابد منه إذا كانت على اليد نجاسة فعندئذ يُمِيْلُ الإنسانُ الإناء فيغسل النجاسة عن يديه أو يغترف فيغسل النجاسة ثم يغترف للغسل. 358 - * (1) روى أحمد عن حُميد الحِمْيَري قال: لقيتُ رجلاً صحبَ النبي صلى الله عليه وسلم أربع

_ 356 - النسائي (1/ 129) 1 - كتاب الطهارة، 146 - باب ذكر اغتسال الرجل والمرأة من نسائه من إناءٍ واحد. (كَيَّسة) الكيس خلاف الحُمق، وأراد به هاهنا: حسن الأدب في استعمال الماء مع الرجل. 357 - أبو داود (1/ 18) كتاب الطهارة، 35 - باب الماء لا يجنب. الترمذي (1/ 94) - أبواب الطهارة، 48 - باب ما جاء في الرخصة في ذلك أو الماء لا يجنب. ابن ماجه (1/ 132) 1 - كتاب الطهارة وسنها، 33 - باب الرخصة بفضل وضوء المرأة. الدارمي (1/ 187) كتاب الصلاة والطهارة، باب الوضوء بفضل وضوء المرأة. الحاكم (1/ 159) كتاب الطهارة. (إن الماء لا يُجنبُ) يعني: أنه إذا غمس في الجنب يده لا ينجُس، وحقيقته: أنه لا يصير بمثل هذا الفعل لى حالٍ يجتنبُ، فلا يستعمل، وأصل الجنابة: البعدُ. 358 - أحمد (4/ 110، 111). أبو داود (1/ 21) كتاب الطهارة، 40 - باب النهي عن ذلك. النسائي (1/ 130) 1 - كتاب الطهارة، 147 - باب ذكر النهي عن الاغتسال يفضل الجنب.

سنين، كما صحبهُ أبو هريرة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تَغْتَسِلَ المرأة بفضل الرجل، أو يغتسل الرجل بفضل المرأة. زاد مُسدد: وليغترفا جميعاً. أخرجه أبو داود والنسائي، إلا أنه زاد في أوله (1) "نهى أن يَمْتَشِط أحدنا كل يوم، أو يبول في مُغْتَسَلِه" وهذه الزيادة قد أخرجها أبو داود وحدها. أقول: سيمر معنا في باب الزينة أمرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بإكرام الشعر، فالنهي عن الامتشاط كل يوم إما منسوخ وإما محمول على كراهة التنزيه لمن يفعل ذلك لغير ضرورة، وأما النهي عن الاغتسال بفضل المرأة في الحديث فهو إما منسوخ وإما أنه في حق المرأة التي لا تحسن فقه استعمال الماء، وفي هذه الحالة نفسها فالنهي محمول على كراهة التنزيه. 359 - * روى أبو داود عن الحكم بن عمرو - الغِفاري- أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى أن يتوضأ الرجلُ بفضل طهور المرأة". وزاد الترمذي (2) في رواية أو قال: "بسُؤرِها". وقد مر معنا ما يُحملُ عليه مثل هذا الحديث. وقال صاحب (عون المعبود) عن هذا لحديث ما يلي: قال النووي حديث الحكم بن عمرو ضعيف ضعفه أئمة الحديث منهم البخاري وغيره وقال الخطابي: قال محمد بن إسماعيل: خبر الأقرع في النهي لا يصح، واعلم أن تطهير الرجل بفضل المرأة وتطهيرها بفضله فيه مذاهب: الأول: جواز التطهير لكل واحد من الرجل والمرأة بفضل الأخر شرعاً، جميعاً أو تقدم أحدهما على الآخر والثاني: كراهة تطهير الرجل بفضل المرأة وبالعكس والثالث: جواز التطهير لكل منهما إذا اغترفا جميعاً والرابع: جواز التطهير ما لم تكن

_ (1) أبو داود (1/ 8) كتاب الطهارة، 15 - باب في البول في المستحم. 359 - أبو داود (1/ 21) كتاب الطهارة، 40 - باب النهي عن ذلك. الترمذي (1/ 93) أبواب الطهارة، 47 - باب ما جاء في كراهية فضل طهور المرأة. (2) الترمذي: نفس الموضع السابق، وإسناده حسن.

المرأة حائضاً والرجل جنباً والخامس: جواز تطهير المرأة بفضل طهور الرجل وكراهة العكس والسادس: جواز التطهير لكل منهما إذا شرعا جميعاً للتطهير في إناء واحد سواء اغترفا جميعاً أو لم يغترفا كذلك ولكل قائل من هذه الأقوال دليل يذهب إليه ويقول به، لكن المختار في ذلك ما ذهب إليه أهل المذهب الأول لما ثبت في الأحاديث الصحيحة تطهيره صلى الله عليه وسلم مع أزواجه وكل منهما يستعمل فضل صاحبه وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم اغتسل بفضل بعض أزواجه وجمع الحافظ الخطابي بين أحاديث الإباحة والنهي فقال في معالم السنن: كان وجه الجمع بين الحديثين إن ثبت حديث الأقرع أن النهي إنما وقع عن التطهير بفضل ما تستعمله المرأة من الماء وهو ما سال وفضل عن أعضائها عند التطهير دون الفضل الذي يبقى في الإناء ومن الناس من جعل النهي في ذلك على الاستحباب دون الإيجاب وكان ابن عمر رضي الله عنه يذهب إلى أن النهي عن فضل وضوء المرأة إنما هو إذا كانت جنباً أو حائضاً فإذا كانت طاهراً فلا بأس به قال: وإسناد حديث عائشة في الإباحة أجود من إسناد خبر النهي وقال النووي: إن المراد النهي عن فضل أعضائها وهو المتساقط منها وذلك مستعمل وقال الحافظ في الفتح: وقول أحمد إن الأحاديث من الطريقين مضطربة إنما يصار إليه عند تعذر الجمع وهو ممكن بأن تحمل أحاديث النهي على ما تساقط من الأعضاء والجواز على ما بقي من الماء وبذلك جمع الخطابي أو يحمل النهي على التنزيه جمعاً بن الأدلة والله أعلم. ا. هـ (العون 1/ 31)، وانظر (نيل الأوطار 1/ 31 - 32). 360 - * روى مالك عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "كان الرجالُ والنساءُ يتوضؤون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً من إناءٍ واحدٍ".

_ 360 - الموطأ (1/ 24) 2 - كتاب الطهارة، 3 - باب الطهور للوضوء. البخاري (1/ 298) 4 - كتاب الوضوء، 43 - باب وضوء الرجل مع امرأته وفضل وضوء المرأة. أبو داود (1/ 20) كتاب الطهارة، 39 - باب الوضوء بفضل وضوء المرأة. النسائي (1/ 57) كتاب الطهارة، 57 - باب وضوء الرجال والنساء جميعاً. ابن ماجه (1/ 134) 1 - كتاب الطهارة وسننها، 36 - باب الرجل والمرأة يتوضأن من إناءٍ واحد. ابن خزيمة (1/ 63) كتاب الوضوء، 93 - باب ذكر الدليل على أن لا توقيت في قدر الماء الذي يتوضأ به المرء. وهذا الحديث أخرجه البخاري إلى قوله "جميعاً".

الاغتسال والوضوء بالماء الحار

ولأبي (1) داود قال: كنا نتوضأ نحن والنساءُ من إناءٍ واحدٍ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وزاد في رواية (نُدْلي فيه أيدينا). الاغتسال والوضوء بالماء الحار: 361 - * روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "توضأ عمر بالحميم في جَرِّ نصرانية، ومن بيتها". وهو في تراجم أبواب البخاري، فإنه قال في أحدِ أبواب كتاب الوضوء قولاً مجملاً: وتوضأ عمر بالحميم، ومن بيت نصرانية. قال الحافظ في الفتح: وصله سعيد بن منصور وعبد الرزاق وغيرهما بإسناد صحيح بلفظ "أن عمر كان يتوضأ بالحميم ويغتسل منه" ورواه ابن أبي شيبة والدارقطني بلفظ "كان يسخن له ماء في قمقم ثم يغتسل منه" قال الدارقطني: إسناده صحيح وقوله "من بيت نصرانية" وصله الشافعي وعبد الرزاق وغيرهما، عن ابن عيينة عن زيد بن أسلم عن أبيه به. ولفظ الشافعي "توضأ من ماء في جرة نصرانية" ولم يسمعه ابن عيينة من زيد بن أسلم، ... ورواه الإسماعيلي من وجه آخر عنه بإثبات الواسطة (عن زيد بن أسلم عن أبيه) ... ثم قال الحافظ: ففيه دليل أيضاً على جواز التطهر بفضل وضوء المرأة المسلمة لأنها لا تكون أسوأ حالاً من النصرانية، وفيه دليل أيضاً على جواز استعمال مياه أهل الكتاب من غير استفصال. [م]. الوضوء بغير الماء: 362 - * روى أبو يعلي عن عكرمة قال: "النبيذ وضوء لمن لم يجد غيره". قال

_ (1) أبو داود (1/ 20) كتاب الطهارة، 39 - باب الوضوء بفضل وضوء المرأة. (كان الرجال والنساء): أي الرجل وزوجته أو الرجل وأمتُه. 361 - البخاري (1/ 298) 4 - كتاب الوضوء، 43 - باب وضوء الرجل مع امرأته وفضل وضوء المرأة. (بالحميم) الماء الحار. (جر نصرانية) الجر: جمع جرة: وهي الإناء من الخزف، وتجمع أيضاً على جرار. 362 - مجمع الزوائد (1/ 215) كتاب الطهارة، باب الوضوء بالنبيذ، قال الهيثمي: رواه أبو يعلي ورجاله ثقات.

الأوزاعي: إن كان مسكراً فلا توضأ به. أقول: المسكر نجس فشيء عادي أن لا يستعمل أصلاً، ونبيذ التمر أو الزبيب لا يصلح لإزالة الحدث، ويصلح عند الحنفية لإزالة الخبث، ولعله المراد هنا، فالوضوء قد يطلق على مجرد النظافة وعلى كل فهذا أثر، فما ورد في النص مذهب لقائله. 363 - * روى الطبراني عن حُميد بن هلال قال كان أبو رِفاعة يُسخِّنُ الماء لأصحابه ثم يقول أحسنوا الوضوء من هذا فأحسن من هذا فيتوضأُ بالماء البارد. قوله (فأحسن من هذا): أي أما أنا فسأتوضأ بالماء البارد وسأحسن الوضوء منه. 364 - * روى الدارقطني عن أسلم مولى عمر رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب كان يُسَخَّنُ له ماءٌ في قُمْقُمَةٍ ويغتسل به. 365 - * روى ابن أبي شيبة عن سلمة بن الأكوع أنه كان يسخن الماء يتوضأ به.

_ 363 - مجمع الزوائد (1/ 214) كتاب الطهارة، باب الوضوء بالماء الساخن، وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. 364 - الدارقطني (1/ 37) كتاب الطهارة، باب الماء الساخن، وإسناده صحيح. 365 - التلخيص الحبير (1/ 22) وإسناده صحيح.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد - يصاب بعض الناس بمرض الوسوسة في الطهارة ودواء ذلك العلم والأخذ برخص الأئمة، قال سفيان الثوري: (العلم رخصة من ثقة، وأما التشدد فيعرفه كل الناس)، وأي رخصة أقوى من رخصة يقول بها إمام مجتهد، وأدب الفقيه إذا رأى وسوسة إنسان أن يدله على الرخص كقول المالكية في أن الماء ولو قل لا ينجسه إلا ما غَيَّر لونه أو طعمه أو ريحه، وكقول بعض المالكية إن طهارة البدن والثياب والمكان سنة وليست شرطاً لصحة الصلاة، وكما يلاحظ ذلك من الموسوس يلاحظ في المرضى وأصحاب الأعذار وحالات الضرورة. - من الرخص العظيمة في فقه الشافعية أن النجاسة غير المرئية إذا مر عليها الماء يطهرها، ويبقى الماء طاهراً أما إذا أُدخلت في الماء فإنها تنجس وتبقى نجسة مثال ذلك لو أن امرأة وضعت ثياباً متنجسة بنجاسة غير مرئية في غسالة وصبت عليها الماء فإن هذا الماء يطهرها ويبقى طاهراً، أما لو وضعت الماء أولاً ووضعت الثياب فيه، فإن الثياب تنجسه وتبقى نجسة، وفي الصورة الأولى يصبح الماء مستعملاً عندهم لا يزيل حدثاً ولا خبثاً. وشروط ذلك ثلاثة أن يَرِدَ الماء على النجاسة لا ترد هي عليه وأن ينفصل طاهراً لم يتغير أحد أوصافه وقد طهر المحل، وألا يزيد وزنه بعد اعتبار ما يأخذه الثوب من الماء ويعطيه من الوسخ (الفقه الإسلامي 1/ 124). - مرّ معنا أن الماء الجاري لا ينجسه شيء إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريح، والماء الجاري عند الحنفية ما يذهب بتبنة. - إذا كان الماء يصب في حوض ويخرج منه فله حكم الماء الجاري عند الحنفية، ومما له حكم الماء الجاري جرن الحمام الذي يصب فيه الماء والناس يغترفون منه عند الحنفية. - مر معنا أن الماء عند الشافعية والحنابلة إذا بلغ قلتين لا يحمل خبثاً إلا إذا غير لونه أو طعمه أو ريحه، إلا أنه إذا زال اللون أو الطعم أو الريح بنفسه أو بمكاثرة الماء فإنه يعود طاهراً، وتظهر ثمرة ذلك في أشياء كثيرة منها ما لو كان نهر يمر ببلد وتصبُّ فيه قاذوراتها

فيظهر لون النجاسة أو طعمها أو ريحها فإن الماء ينجس، حتى إذا استمر الماء إلى مجراه لم يعد لطعم النجاسة أو ريحها أو لونها أثر عاد طاهراً، وكذلك لو صفي ماء النهر المتنجس مقدار قلتين فأكثر بحيث لا يظهر أثر للنجاسة يعود الماء طاهراً. - من المعروف أن السحاب ماء متبخر، وماء المطر طهور وعلى هذا فأي ماء تبخر ثم جمع يكون طاهراً مطهراً. - مر معنا أن الماء إذا بلغ قلتين لا ينجس عند الحنابلة والشافعية ولا يسري هذا عندهم على غير الماء. - ذكر فقهاء الحنابلة أن من الماء المستعمل الذي يفقد طهوريته ما غسل به الميت، لأنه غسل تعبدي، ومنه الماء اليسير الذي غمس به القائم من الليل يده فغسلها وكان الغاسل مسلماً عاقلاً بالغاً وكان الغمس قبل غسل اليد ثلاثاً. - لا يصير الماء مستعملاً إلا بعد انفصاله عن محل الاستعمال ويعفى عن يسير الماء المستعمل الواقع في الماء. - وههنا نقطة ينبغي التنبه لها، فلو صب الإنسان ماء على يده مثلاً للوضوء، فعليه ألا يفصل يده عن المحل حتى يبلغ الماء المحل، فإذا فصل يده أصبح الماء الذي بيده مستعملاً وما يتقاطر من محل الوضوء يعتبر مستعملاً، فإذا لم يكن قد بلَّغ المحل بالماء فكأنه في هذه الحالة يبلغه بعد الفصل بماء مستعمل. - قال الحنفية: لا تنجس البئر ببعر الإبل والغنم وروث الفرس والبغل والحمار وخثي البقر إلا أن يستكثره الناظر أو ألا يخلو دلو عن بعرة ونحوه، ولا تنجس البئر بخرء حمام وعصفور ونحوهما مما يؤكل من الطيور غير الدجاج والأوز والبط، والأصح أنه لا ينجس البئر بخرء الطيور غير المأكولة اللحم مثل سباع الطير. - وقال المالكية والحنابلة: روث وبول الحيوان المأكول طاهر، وروث وبول المحرم الأكل نجس، إلا أن مذهب الحنابلة على أنه إذا بلغ الماء قلتين لا ينجس إلا إذا تغير طعمه ولونه وريحه.

- وقال المالكية: إذا وقعت دابة نجسة في بئر وغيرت الماء وجب نزح جميعه، فإذا لم تغيره استحب أن ينزح منه بقدر الدابة وبعض الماء، منها، وعند الحنفية تفصيلات كثيرة لأحكام الآبار، ولهم أدلتهم الصحيحة من فتاوى الصحابة والتابعين لا كما يزعم بعضهم. ونكتفي بهذا القدر محيلين كل مسلم على مذهبه الفقهي ليعرف فتاوى المذهب في ما يبتلى به.

الفقرة الثالثة: في الأعيان الطاهرة والنجاسات والمطهرات

الفقرة الثالثة: في الأعيان الطاهرة والنجاسات والمطهرات الأصل في الأشياء الطهارة ما لم تثبت نجاستها بدليل شرعي، وهناك أشياء متفق على نجاستها عند الفقهاء، وهناك أشياء مختلف عل نجاستها، وكذلك المطهرات من النجاسة، هناك أشياء اتفقوا على أنها مطهرة، وأشياء اختلفوا في تطهيرها. والنجاسات ترتبط بها أحكام متنوعة، منها ماله علاقة في الصلاة ومنها ما له علاقة في الطعام والشراب ومنها ماله علاقة بأشياء أخرى. والنجاسات على أنواع: فمنها نجاسة الاعتقاد، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} (1) ومنها النجاسة من الحدث، ومنها النجاسات الحسية، وقد قسم الحنفية النجاسة الحسية إلى مغلظة ومخففة، وإلى جامدة ومائعة، وإلى مرية وغير مرئية، وأوصلوا أنواع المطهرات إلى ثمانية عشر نوعاً. ومن ههنا ندرك أن فقه هذا الموضوع واسع ونحن نستعرض له من خلال النصوص ونذكر من الفوائد والمسائل ما تدعو إليه الحاجة، متقيدين بالمذاهب الأربعة محيلين من يريد التفقه على مذهبه أو من أراد التوسع على كتب الفقه العامة وعلى كتب آيات الأحكام وشرح أحاديث الأحكام. حكم بول الصغير والصغيرة: 366 - * روى الشيخان عن أمِّ قيسٍ بنت محصنٍ رضي الله عنها أنها أتتْ بابنٍ لها صغير، لم يأكل الطعام، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حِجْرِه، فبال على ثوبه، فدعا بماءٍ فنضحهُ، ولم يغسلهُ. وفي رواية (2): "فلم يزِدْ على أن نضح بالماء".

_ (1) التوبة: (28). 366 - البخاري (1/ 325) 4 - كتاب الوضوء، 59 - باب بول الصبيان. مسلم (1/ 238) 2 - كتاب الطهارة، 31 - باب حكم بول الطفل الرضيع وكيفية غسله. (2) مسلم (1/ 238) 2 - كتاب الطهارة، 31 - باب حكم بول الطفل الرضيع وكيفية غسله.

وفي أخرى (1): فدعا بماءٍ فرشَّه. 367 - * روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: أُتِيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي" فبال على ثوبه، فدعا بماءٍ فأتبعه إيَّاه". وفي رواية (2): أُتِيَ بصبي فحَنَّكَه، فبال عليه. ولمسلم (3): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُؤتى بالصبيان فيُبَرَّكُ عليهم ويحنكهم، فأُتِيَ بصبيٍّ ... وذكر الحديث". 368 - * روى أحمد عن أبي ليلى قال كنتُ عند النبي صلى الله عليه وسلم وعلى صدره أو بطنه الحسنُ أو الحسينُ عليهما السلام فبال فرأيتُ بولهُ أساريعَ فقمتُ إليه فقال "دعوا ابني لا تُفْزِعُوه حتى يقضي بوله" ثم اتبعهُ الماء ثم قام فدخل بيت تمرْ الصدقة ومعه الغلام فأخذ تمرةً فجعلها في فيه فاستخرجها النبي صلى الله عليه وسلم وقال "إن الصدقة لا تحلُّ لنا". 369 - * روى أبو داود عن لبابة بنت الحارث رضي الله عنها قالت: "كان الحسنُ بن عليٍّ في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، فبال على ثوبه، فقلتُ: يا رسول الله، البَسْ ثوباً، وأعطني إزارك حتى أغسلهُ، قال: "إنما يُغسلُ من بول الأنثى، ويُنضحُ من بول الذكر".

_ (1) مسلم (نفس الموضع السابق). النسائي (1/ 157) 189 - باب بول الصبي الذي لم يأكل الطعام. 367 - البخاري (11/ 151) 80 كتاب الدعوات، 31 - باب الدعاء للصبيان بالبركة ومسح رءوسهم. مسلم (1/ 237) 2 - كتاب الطهارة، 31 - باب حكم بول الطفل الرضيع وكيفية غسله. (2) البخاري (9/ 587) 71 - كتاب العقيقة، 1 - تسمية المولد غداة يُولد لمن لم يعقَّ عنه. (3) مسلم (1/ 237) 2 - كتاب الطهارة، 31 - باب حكم بول الطفل الرضيع وكيفية غسله. (ويحنكُهم) تحنيكُ الصبي عند الولادة: هو أن يمضغ تمرة، يُدلك بها حنكُه، ويوضع منها في فمه. (فيبرك عليهم بركتَ) على آل فلان: إذا دعوت لهم بالبركة، وقلت: بارك الله لكم وفيكم، ونحو ذلك. 368 - أحمد (4/ 348). مجمع الزوائد (1/ 284) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله ثقات. (أساريع) أي طرائق. 369 - أبو داود (1/ 102) كتاب الطهارة، 137 - باب بول الصبي يصيب الثوب، وهو حديث حسن.

370 - * روى أبو داود عن أبي السمح رضي الله عنه قال: "كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم "وكان إذا أراد أن يغتسل قال: "وَلِّنِي"، فأوليه قفاي، فأستُرهُ بذلك، فأُتي بحسنٍ - أو حسينٍ - فبال على صدره، فجئت أغسله، فقال: "يُغْسَلُ من بول الجارية، ويُرشُّ من بول الغلام". واختصره النسائي، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُغسلُ من بول الجارية، ويُرشُّ من بول الغلام". 371 - * روى الترمذي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في بول الغلام الرضيع: "يُنضحُ بولُ الغلام، ويُغسلُ بول الجارية" قال قتادة: هذا ما لم يطعما، فإذا طعما غُسِلاً جميعاً. وفي رواية (1) أبي داود قال عليٌّ: يُغسل من بول الجارية، ويُنضَحُ من بول الغلام ما لم يَطْعم. فائدة: قال الإمام اللكنوي رحمه الله تعالى: وحمل أصحابنا (أي الحنفية) النَّضح والرش على الصب الخفيف بغير مبالغة ودلك، والغسل على الغسل مبالغة فاستويا في الغسل. ويؤيده ما روى أبو داود عن الحسن عن أمه أنها أبصرت أم سلمة تصب على بول الغلام ما لم يطْعَمْ، فإذا طعم غسلته وكانت تغسل بول الجارية (التعليق الممجد ص 4). وقال الشيخ ظفر أحمد: (فيثبت بهذه الآثار أن حكم بول الغلام الغَسْلُ، إلا أن ذلك الغسل يجزئ عنه الصب، وأن حكم بول الجارية الغسل أيضاً، إلا أن الصب لا يكفي فيه

_ 370 - أبو داود (1/ 102) كتاب الطهارة، 137 - باب بول الصبي يصيب الثوب. النسائي (1/ 158) 190 - باب بول الجارية، وإسناده حسن. 371 - الترمذي (2/ 509) 430 - باب ما ذكر في نضح بول الغلام الرضيع وقال الترمذي: رفع بعضهم هذا الحديث، ووقفه بعضهم ولم يرفعه. (1) أبو داود (1/ 103) كتاب الطهارة، 137 - باب بول الصبي يصيب الثوب، وإسناده صحيح. (يُنضحُ) النضحُ: رش الماء على الشيء، ولا يبلغ الغَسْلَ.

لأن بول الغلام يكون في موضع واحد لضيق مخرجه، وبول الجارية يتفرق لسعة مخرجه، فأمر في الغلام بالصب يريد به إسالة الماء في موضع واحد، وفي بول الجارية بالغسل لأنه يقع في مواضع متفرقة. قاله الزيلعي عن الطحاوي). ومما يؤيد استعمال النضح بمعنى الغسل ما في الترمذي في المذي يصيب الثوب عن سهل بن حنيف قلت يا رسول الله كيف بما يصيب ثوبي منه؟ قال: (يكفيك أن تأخذ كفاً من ماء فتنضح به ثوبك) الحديث وصححه الترمذي وحسنه (1/ 17). ومنه ما في مسلم عن علي رضي الله عنه قال: أرسلت المقداد بن الأسود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن المذي يخرج من الإنسان كيف يفعل به؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "توضأ وانضح فرجك" (1/ 143)، قال النووي: أما قوله صلى الله عليه وسلم "وانضح فرجك" فمعناه اغسله فإن النضح يكون غسلاً ويكون رشاً وقد جاء في الرواية الأخرى "يغسل ذكره" (فتعين حمل النضح عليه) ا. هـ عن إعلاء السنن (1/ 293 - 294). أقول: هذا توجيه الحنفية والمالكية للأحاديث الواردة في النضح من بول الصبي، فهم لا يفرقون بين بول الصغير والكبير، إلا أن المالكية قالوا يعفى عما يصيب ثوب المرضعة أو جسدها من بول الطفل أو غائطه سواء كانت أماً أو غيرها إذا كانت تجتهد في درء النجاسة عنها خلال نزولها بخلاف المفرطة، ولكن يندب لها غسله إن تفاحش وقرر الشافعية والحنابلة أن ما تنجس ببول أو قيء صبي لم يطعم غير لبن للتغذي ينضح، وتحنيك الطفل أول ولادته لا يؤثر على الحكم، ولا يجزئ في بول البنت إلا الغسلُ. (اللباب 1/ 51) والشرح الصغير 1/ 73 والمهذب 1/ 49). 372 - * روى أبو داود عن الحسن البصري عن أمه: أنها أبصرتْ أمَّ سلمة تصُبُّ الماء على بول الغلامِ ما لم يطعَمْ، فإذا طعِمَ غسلتْهُ، وكانت تغسِلُ بول الجارية".

_ 372 - أبو داود (1/ 103) كتاب الطهارة، 137 - باب بول الصبي يصيب الثوب، وهو حديث صحيح.

نجاسة البول وكيفية تطهيره

نجاسة البول وكيفية تطهيره: 373 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأي أعرابياً يبولُ في المسجد، فقال: "دعُوه"، حتى إذا فرغَ دعا بماءٍ فصبَّه عليه. وفي رواية (1) قال: بينما نحنُ في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ جاء أعرابيُّ، فقام يبولُ في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مهْ، مهْ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُزْرِمُوه، دعُوه، فتركوه حتى بال"، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه، فقال له: "إنَّ هذه المساجدَ لا تصلُحُ لشيءٍ من هذا البول والقذَرِ، إنما هي لذكرِ الله، والصلاة، وقراءة القرآن" أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال: "وأمر رجلاً من القوم، فجاء بدلْوٍ من ماءٍ، فسنَّه عليه". وفي أخرى (2): أن أعرابياً قام إلى ناحية المسجد، فبال فيها، فصاح به الناسُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسل: "دعُوه" فلما فرغَ أمر رسول الله صلى الله بذنُوبٍ، فصُبَّ على بوله". وفي أخرى (3): "فبال في طائفة المسجد، فزجره الناس، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم فلما قضى بوله: أمر بذنُوبٍ من ماءٍ، فأُهريقَ عليه".

_ 373 - البخاري (1/ 322) 4 - كتاب الوضوء، 57 - باب ترك النبي والناس الأعرابي حتى فرغ من بوله في المسجد. مسلم (1/ 236) 2 - كتاب الطهارة، 30 - باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في المسجد وأن الأرض تطهر بالماء من غير حاجة إلى حفرها. النسائي (1/ 47، 48) 45 - باب ترك التوقيت في الماء. (1) مسلم (1/ 237) 2 - كتاب الطهارة، 30 - باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في المسجد (2) مسلم (1/ 236) 2 - كتاب الطهارة، 30 - باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات. (3) البخاري (1/ 324) 4 - كتاب الوضوء، 58 - باب صب الماء على البول في المسجد. (لا تُزرمُوه) بتقديم الزاي المعجمة على الراء، أي: لا تقطعوا بوله. يقال: زرم الدمعُ: إذا انقطع. (فسنه عليه) سننتُ الماء على الثوب وعلى الأرض ونحو ذلك: إذا صببته عليه، وقد جاء في كتاب مسلم. "فشنه" بالشين المعجمة، أي: فرَّقه عليه من جميع جهاته، ورشه عليه، ومنه: شننتُ الغارة: إذا فرقتها من جميع الجهات والنواحي. (فأهريق) يقال: هراق الماء يُهرِيقه: إذا صبه، وأصله أراقه: فقُلبت الهمزة هاء، ويقال أيضاً: أهرقهُ يُهْرِقه، وأهْراق، يُهريق بفتح الهاء. (بذنوب) الذنوب: الدلو العظيمة، وكذلك السجْل، قال: ولا يسمى بذلك إلا إذا كان فيها ماءً.

من أنواع المطهرات

أقول: تطهرُ الأرض وكل ما كان ثابتاً بها كالشجر والكلأ والبلاط عند الحنيفة بالجفاف بالشمس أو بالهواء أو بغير ذلك، بشرط زوال أثر النجاسة، وهي طهارة تجيز الصلاة عليها عندهم ولا تجيز التيمم، أما طهارة الأرض لجواز التيمم عندهم فلابد من إسالة الماء عليها ثلاث مرات، وقال غير الحنفية لا تطهر الأرض بالجفاف، وإنما تطهر بكثرة إفاضة الماء عليها من مطر أو غيره حتى تول عين النجاسة أخذاً من هذا الحديث وقد وجه الحنفية هذا الحديث بنحو ما ذكرناه عنهم واستدلوا بنصوص أخرى على مذهبهم والحديث دليل من أدلة الإجماع على أن البول نجس. 374 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابياً دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ، فصلى ركعتين ثم قال: اللهُمَّ ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد تحجَّرْتَ واسعاً"، ثم لم يلْبَثْ أن بال في ناحية المسجد، فأسرع إليه الناسُ، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: "إنما بُعثْتم مُيَسِّرين، ولم تُبْعَثُوا معسرين، صُبُّوا عليه سجلاً من ماءٍ، أو قال: "ذَنُوباً من ماءٍ". من أنواع المطهرات: 375 - * روى مالك عن أم سلمة رضي الله عنها قالت لها امرأة: "إني أُطيلُ ذَيْلي، وأمشي في المكان القذر؟ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُطهرهُ ما بعده". (يطهره ما بعده) قوله: يطهره ما بعده في هذا الحديث، وقوله فالحديث اللاحق: فهذه بهذه معناه عند الشافعي رحمه الله (1): فيما كان يابساً لا يعلقُ بالثوب منه

_ 374 - البخاري (1/ 323) 4 - كتاب الوضوء، 58 - باب صب الماء على البول في المسجد. أبو داود (1/ 103) كتاب الطهارة، 138 - باب الأرض يصيبها البول. الترمذي (1/ 276) أبواب الطهارة، 112 - باب ما جاء ف البول يصيب الأرض. النسائي (1/ 48) 45 - باب ترك التوقيت في الماء. (تحجرْتَ واسعاً) أي: ضيقت السعة، وأصله: اتخذت عليه حجرة، أي: حظيرة أحاطت به من جوانبه. 375 - الموطأ (1/ 24) 2 - كتاب الطهارة، 4 - باب ما لا يجب منه الوضوء. أبو داود (1/ 104) كتاب الطهارة، 140 - باب في الأذى يصيب الذيل. الترمذي (1/ 266) أبواب الطهارة، 109 - باب ما جاء في الوضوء من الموطيء وهو حديث صحيح بشواهده.

شيء، فأما إذا كان رطباً، فإنه لا يطهر إلا بالغسل، وقال مالك: هو أن يطأ الأرض القذِرة، ثم يطأ الأرض اليابسة النظيفة، فإن بعضها يُطهر بعضاً، وأما النجاسةُ- مثل البول ونحوه، يُصيب الثوب أو بعض الجسد - فإن ذلك لا يُطهره إلا الماء إجماعاً. 376 - * روى أبو داود عن امرأة من بني عبد الأشهل رضي الله عنها قالتْ: "قلتُ: يا رسول الله، إن لنا طريقاً إلى المسجد مُنتْنِةً، فكيف نفعلُ إذا مُطِرنا؟ قالت: فقال: "أليس بعدها طريقٌ هي أطيبُ منها؟ " قلتُ: بلى، قال: "فهذه بهذه". أقول: اعتبر الحنفية: أن تكرار المشي في الثوب الطويل الذي يمس الأرض النجسة ثم الطاهرة يطهر الثوب، وقال المالكية: يطهر ثوب المرأة الطويل الذي تجره على الأرض المتنجسة اليابسة فيتعلق به الغبار بشرط أن تكون إطالته للستر لا للخيلاء (المراقي 30) واختلفوا في النجاسة الرطبة، والتطهير يحصل إذا كانت غير لابسة لخف، فإذا كانت لابسة لخف فلا عفو. (الشرح الصغير 1/ 78) والحنابلة يوافقون الحنفية إلا أنهم يقيدونه بيسير النجاسة وإلا وجب غسله، والشافعية: يحملون الأحاديث على النجاسة اليابسة وإلا فلابد من الغسل. 377 - * روى ابن خزيمة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي فخلع نعليه، فخلع الناس نعالهم، فلما انصرف قال: "لِمَ خلعْتم نِعالَكُم؟ " فقالوا: يا رسول الله رأيناك خلعت، فخلعنا. فقال: "إن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما خبثاً، فإذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعله فلينظر فيهما خبث، فليمسحهما بالأرض، ثم ليُصْلِّ فيهما".

_ 376 - أبو داود (1/ 104) كتاب الطهارة، 140 - باب في الأذى يصيب الثوب، وإسناده صحيح. 377 - ابن خزيمة (2/ 107) باب الصلاة في النعلين، وإسناده صحيح. كشف الأستار (1/ 289، 290) باب الصلاة في النعلين، وقال البزار: لا نعلم رواه هكذا إلا أبو حمزة. مجمع الزوائد (2/ 55، 56) وقال الهيثمي: رواه البزار والطبراني في الأوسط وفي إسنادهما عباد بن كثير البصري سكن مكة، ضعيف وقال الهيثمي أيضاً في ص 56 رواه البزار والطبراني في الأوسط والكبير قال البزار: لا نعلم رواه هكذا إلا أبو حمزة انتهى، وأبو حمزة هو ميمون الأعور ضعيف.

هذا حديث يزيد بن هارون. وقال محمد بن يحيى في حديث أبي الوليد، فقال: "إن جبريل أخبرني (1) أن فيهما قذراً أو أذى". 378 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وطيء أحدكم بنعله الأذى، فإن التراب له طهُور". وفي رواية (2) "إذا وطيء الأذى بخُفَّيه فطهورهما الترابُ". 379 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعودٍ قال: كنا نُصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا نتوضأُ من موطيءٍ. أقول: قال الحنفية: يطهر الخف والنعل المتنجس بنجاسة ذات جُرْمٍ سواء كانت جافة أو رطبة بالدّلك، والمراد بالنجاسة ذات الجرم كل ما يرى بعد الجفاف كالغائط والروث والدم والمني والبول والخمر الذي أصابه تراب، فإذا لم تكن النجاسة ذات جرم فيجب غسلها بالماء ثلاث مرات ولو بعد الجفاف ويترك الخف في كل مرة حتى ينقطع التقاطر وتذهب النداوة ولا يشترط اليبس، وقال الشافعي ومحمد من الحنفية: لا يطهر النعل بالدَّلك لا رطباً ولا يابساً. وقال المالكية: يطهر الخف والنعل من أرواث الدواب وأبوالها في الطرق والأماكن التي تطرقها الدواب كثيراً بخلاف غير الدواب كالآدمي والكلب والهر ونحوه، وقال الحنابلة: لا يطهر النعل بالدلك بل يجب غسله، لكن يعفى عن يسير النجاسة على أسفل الخف والحذاء بعد الدلك. (رد المحتار 1/ 205 فما بعدها، مراقي الفلاح 30، الشرح الصغير 1/ 78 وما بعدها، والفقه الإسلامي 1/ 92 فما بعدها).

_ (1) ابن خزيمة (2/ 107) باب الصلاة في النعلين، وإسناده صحيح. 378 - أبو داود (1/ 105) كتاب الطهارة، 141 - باب في الأذى يُصيب النعل. (2) أبو داود: نفس الموضع السابق. 379 - مجمع الزوائد (1/ 285) وقال الهيثمي. رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات.

حكم المني

حكم المني: 380 - * روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كنتُ أغسِلُ الجنابة من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيخرُجُ إلى الصلاة وإن بُقَعَ الماء في ثوبه". وفي رواية (1): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغسلُ المنيَّ، ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب، وأنا أنظرُ أثر الغسلِ فيه. ولمسلم (2): أن رجلاً نزل بعائشة، فأصبح يغسل ثوبه، فقالت عائشة: إنما كان يُجْزئُكَ- إن رأيته - أن تغسل مكانه، فإن لم ترَهُ نضحت حوله، فلقد رأيتُني أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركاً، فيُصلي فيه. وله في أخرى (3): قالت عائشة في المنيِّ كنتُ أفرُكه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وله في أخرى (4): من حديث عبد الله بن شهاب الخولاني قال: "كنتُ نازلاً على عائشة، فاحتملتُ في ثوبي، فغمستُهما في الماء، فرأتني جارية لعائشة، فأخبرتها، فبعثتُ إليَّ عائشة، فقالت: ما حملك على ما صنعت بثوبيك؟ قال: قلت: رأيت ما يرى النائم في منامه، قالت: هل رأيت فيهما شيئاً؟ قلت: لا، قالت: فلو رأيت شيئاً غسلته، لقد رأيتُني وإني لأحكُّه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يابساً بظُفُري". وفي رواية (5) الترمذي: "أنها غسلت منيًّا من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم". وله في أخرى (6): قال همامُ بن الحارث: "ضاف عائشة ضيفٌ، فأمرتْ له بملحفةٍ

_ 380 - البخاري (1/ 332) 4 - كتاب الوضوء، 64 - باب غسل المني وفركه، وغسل ما يُصيب من المرأة. مسلم (1/ 239) 2 - كتاب الطهارة، 32 - باب حكم المني. (1) مسلم: نفس الموضع. (2) مسلم (1/ 238) 2 - كتاب الطهارة، 32 - باب حكم المني. (3) مسلم: نفس الموضع السابق. (4) مسلم (1/ 239، 240) 2 - كتاب الطهارة، 32 - باب حكم المني. (5) الترمذي (1/ 201) أبواب الطهارة، 86 - باب غسل المني من الثوب. (6) الترمذي (1/ 199) أبواب الطهارة، 85 - باب ما جاء في المني يُصيب الثوب وقال الترمذي: حسن صحيح. (ضاف ضيف) ضِفْتُ الرجل: إذا نزلت به، وأضفْتُه: إذا أنزلته.

صفراء، فنام فيها، فاحتلم، فاستحيي أن يُرسلَ بها إليها وبها أثرُ الاحتلام، فغمسها في الماء، ثم أرسل بها، فقالت عائشةُ: لمَ أفسد علينا ثوبنا؟ إنما كان يكفيه أن يفْرُكه بأصابعه، وربما فركْتُه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصابعي". 381 - * روى الطبراني عن ابن عباس قال: "لقد كنا نسْلتُه بالأذْخَرِ والصوفة يعني المني". أقول: قال الحنفية والمالكية: المني نجس وقال الشافعية على الأظهر والحنابلة المني طاهر، لكن يستحب غسله أو فركه، وقال الحنفية: يجب غسل رطبه فإذا جف على الثوب أجزأ فيه الفرك، وقال المالكية: يجب غسل أثره رطباً أو يابساً، ويلاحظ أن الجميع متفقون على أن المذي إذا سبق المني ينبغي غسله وأن العضو ينبغي أن يكون مغسولاً مسبقاً بالماء، فإن كان عليه أثر بول بسبب تنشيفه دون غسله فإن المني يتنجس فيجب غسله. وبعد تحقيق طويل في إعلاء السنن (1/ 270 - 273) قال: فالصواب أن المني نجس يجوز تطهيره بأحد الأمور الواردة وهذا خلاصة ما في المسألة من الأدلة من جانب الجميع ا. هـ. والأمور الواردة: الفرك إذا يبس والنضح والغسل وسلتُه بعرق الأذخر. جاء في الدر المختار (1/ 207): ويطهر مني (أي محله) يابس بفرك ولا يضر بقاء أثره إن طهر رأس الحشفة. 382 - * روى ابن خزيمة عن أم قيس بنت محصن، قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يصيب الثوب. فقال: "اغسليه بالماء والسدر وحكيه بضلع".

_ 381 - الطبراني "المعجم الكبير" (11/ 51). مجمع الزوائد (1/ 280) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. (سلت الشيء): أماطه وأزاله. 382 - ابن خزيمة (1/ 141) 210 - باب استحباب غسل دم الحيض من الثوب بالماء والسدر، وإسناده صحيح.

فائدة

فائدة: سؤر الإنسان وعرقه طاهر، وإذا عرق الإنسان وكان قد استعمل لمسح الدبر أو القبل أو المني حجراً أو ورقاً أو ما ينوب منابهما وعرق فإن ذلك لا يؤثر على نجاسة ثيابه ولا يزيد من بقعة النجس على بدنه، إلا إذا ظهر أثر الغائط فيجب غسله إذا زاد عن مقدار الدرهم عند الحنفية كما سنرى. 383 - * روى ابن خزيمة عن عائشة، قالت: تتخذُ المرأةُ الخرقة، فإذا فرغ زوجها ناولته فيمسحُ عنه الأذى، ومسحتْ عنها، ثم صليا في ثوبيهما. 384 - * روى أبو داود عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: سأل أخته أم حبيبة- زوج النبي صلى الله عليه وسلم-: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي يُجامِعُها فيه؟ فقالت: نعم، ما لم ير فيه أذى. 385 - * روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُصلي في شُعُرِنا - أو لُحُفِنا - شك أحد رواته. وفي رواية (1): أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي في ملاحفنا. وأخرج النسائي (2) الرواية الثانية، وفي رواية (3) الترمذي: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي في لُحُفِ نسائه.

_ 383 - ابن خزيمة (1/ 142) 212 - باب الرخصة في غسل الثوب من عرق الجنب: وإسناده صحيح. 384 - أبو داود (1/ 100) كتاب الطهارة، 133 - باب الصلاة في الثوب الذي يصيب أهله فيه. النسائي (1/ 155) كتاب الطهارة، 186 - باب المني يُصيب الثوب. (أذى) الأذى هاهنا: أراد به النجاسة. 385 - أبو داود (1/ 101) كتاب الطهارة، 134 - باب الصلاة في شعر النساء. (1) أبو داود: نفس الموضع السابق، وإسناده صحيح، والجمع بين الروايتين أنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل تارة، ويترك تارة، فهو أمر مباح. (2) النسائي (8/ 217) 48 - كتاب الزينة، 115 - باب اللحف. (3) الترمذي (2/ 496) أبواب الصلاة، 420 - باب في كراهية الصلاة في لحُف النساء. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم رُخصةٌ في ذلك. (شعرنا) الشعُرُ: جمع شعار، وهو الثوب الذي يلي الجسد، وإنما خصَّه بالذكر لأنه أقرب إلى أن تناله النجاسة من الدثار، حيث يُباشرُ الجسد.

386 - * روى مالك عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أنه كان يعرقُ في الثوب وهو جُنبٌ، ثم يصلي فيه". 387 - * روى مالك عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب: أنه اعتمَر مع عمر بن الخطاب في ركبٍ فيهم عمرو بن العاص، وأن عمر بن الخطاب عرَّسَ ببعض الطريق قريباً من بعض المياه، فاحتلم عمر، وقد كاد أن يُصبح، فلم يجدْ مع الركب ماء، فركب حتى جاء الماء، فجعل يغسل ما رأى من ذلك الاحتلام حتى أسفر، فقال له عمرو بن العاص: أصبحت ومعنا ثيابٌ، فدعْ ثوبك يُغسل، فقال له عمر بن الخطاب: واعجباً لك يا ابن العاص، لئن كنت تجدُ ثياباً، أفكلُّ الناس يجدُ ثياباً؟ والله لو فعلتُها لكانت سُنَّة، بل أغسلُ ما رأيتُ، وأنضحُ ما لم أر". قال الزرقاني في شرح الموطأ قال أبو بعد الملك: هذا مما عُدَّ أن مالكاً وَهِمَ فيه لأن أصحاب هشام: الفضل بن فضالة وحماد بن سلمة ومعمراً قالوا عن هشام عن أبيه عن يحيى ابن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه فسقط لمالك عن أبيه (م). حكم الدم ودم الحيض: 388 - * روى الجماعة عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: "جاءت امرأةٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إحدانا يُصيب ثوبها من الحيضة: كيف تصنع به؟ فقال: "تحُتُّهُ، ثم تقرصُه بالماء، ثم تنضحُه، ثم تُصلي فيه".

_ 386 - الموطأ (1/ 52) 2 - كتاب الطهارة، 22 - باب جامع غسل الجنابة، وإسناده صحيح. 387 - الموطأ (1/ 50) 2 - كتاب الطهارة، 20 - باب إعادة الجنب للصلاة، وغسله إذا صلى ولم يذكر. (عَرَّسَ) التعريس: نزول المسافر آخر الليل نزلة للنوم والراحة. (أسفرَ) الصبحُ: إذا أضاء وانتشر ضوؤه. 388 - البخاري (1/ 330) 4 - كتاب الوضوء، 63 - باب غسل الدم. مسلم (1/ 240) 2 - كتاب الطهارة، 33 - باب نجاسة الدم وكيفية غسله. أبو داود (1/ 99) كتاب الطهارة، 132 - باب المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها. الترمذي (1/ 254) أبواب الطهارة، 104 - باب ما جاء في غسل دم الحيض من الثوب. ابن ماجه (1/ 206) 1 - كتاب الطهارة وسننها، 118 - باب في ما جاء في دم الحيض يصيب الثوب.

وفي رواية (1) النسائي: أن امرأةً استفتت النبي صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يُصيب الثوب؟ قال: "حُتِّيه، ثم اقرصيه بالماء، ثم انضحيه وصلي فيه". وفي رواية (2) أخرى لأبي داود قالت: سمعتُ امرأةً تسألُ رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تصنع إحدانا بثوبها إذا رأت الطهر: اتُصلي فيه؟ قال: "تنظُر، فإن رأت فهي دماً فلتقرُصْهُ بشيء من ماء، ولتنضح ما لم تر، ولتُصلِ فيه". وفي أخرى (3) بهذا المعنى، وفيه "حُتِّيه، ثم اقْرُصيه بالماء، ثم انضحيه". 389 - * روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانتْ إحدانا تحيض، ثم تقرُصُ الدم من ثوبها عند طُهرها، فتغسله، وتنضحُ على سائره، ثم تصلي فيه. وفي رواية (4) أبي داود قالت: "كنتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلينا شعارُنا، وقد ألقينا فوقَهُ كساءً، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الكساء فلبسه، ثم خرج فصلى الغداة، ثم جلس، فقال رجلٌ: يا رسول الله، هذه لُمعةٌ من دمٍ في الكساء، فقبصَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها مع ما يليها، وأرسلها إليَّ مصرورةً في يد الغلام، فقال: "اغسلي هذا، وأجفِّيها، ثم أرسلي بها إليَّ"، فدعوتُ بقصعتي فغسلتُها، ثم أجففتُها، فأحرْتُها إليه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم نصف النهار وهو عليه". وفي أخرى (5) له قالت مُعاذةُ: سألتُ عائشة عن الحائض يُصيبُ ثوبها الدمُ؟ قالت: تغسِلُه، فإن لم يذهب أثره فلتغيِّرهُ بشيء من صُفرةٍ، قالت: ولقد كنتُ أحيضُ عند

_ (1) النسائي (1/ 195) 3 - كتاب الحيض والاستحاضة، 26 - باب دم الحيض يصيب الثوب. (2) أبو داود، الموضع السابق. (3) أبو داود، نفس الموضع ص 100. (تحُّته) الحثُّ والحك سواء. (تقرُصُه) القرص: الأخذ بأطراف الأصابع، وإنما أمرها بالحت والقرص، لأن غسل الدم بها أذهب وأبلغ من الفرك بجميع اليد. 389 - البخاري (1/ 410) 6 - كتاب الحيض، 9 - باب غسل دم المحيض. (4) أبو داود (1/ 105) كتاب الطهارة، 142 - باب الإعادة من النجاسة تكون في الثوب. (5) أبو داود (1/ 98) كتاب الطهارة، 131 - باب في الرجل يسلم فيؤمر بالغسل.

رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث حيضٍ جميعاً، لا أغسِلُ لي ثوباً". وله في أخرى (1) قال خِلاسُ الهجري: سمعت عائشة تقول: "كنتُ أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيتُ في الشِّعارِ الواحد وأنا حائضٌ طامث، فإن أصابه مني شيءٌ، غَسَل مكانه، لم يعدُهُ، ثم صلى فيه". وأخرج النسائي (2) هذه الرواية الآخرة. 390 - * روى أبو داود عن أم قيسٍ بنت محصن رضي الله عنها قالت: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يكونُ في الثوب؟ قال: "حُكِّيه بضلَع، واغسليه بماءٍ وسدرٍ". أقول: دم الآدمي غير الشهيد، ودم الحيوان غير المائي، نجس بإجماع، على خلاف بين الفقهاء بالقدر المعفو عنه، والمراد بدم الشهيد: الدم الملاصق له، فهذا طاهر في حقه ومن ثم فإن الدم المسفوح ينبغي غسله سواء كان دم حيض أو غيره. ودم المسك ودم الكبد والطحال والقلب وما يبقى في عروق الحيوان بعد الذبح الشرعي ودم القمل والبرغوث ليس بنجس. (اللباب 1/ 49 فما بعدها، والشرح الصغير 1/ 53، والمهذب 1/ 46 فما بعدها).

_ (1) أبو داود (1/ 70) كتاب الطهارة، 107 - باب في الرجل يصيب منها ما دون الجماع. (2) النسائي (1/ 188) 3 - كتاب الحيض والاستحاضة، 11 - باب نوم الرجل مع حليلته في الشعار الواحد. (شعارنا) الشعار: الثوب الذي يلي الجسد، وأراد به هاهنا: الإزار الذي كان يتغطى به عند النوم. (لُمعة) اللمعة: القدرُ اليسير من أي الألوان كانت، يقال: في الثوب لمعة من سواد، أو صُفرة، أو حُمرة، جمعها لُمع. (أحرْتُها) إليه، أي: رددتها إليه، حار يحور: إذا رجع. (تقرصُ) يقال: قرصت الدم من الثوب بالماء، أي: قطعته، كأنها تقصد إليه من سائر الثوب فتغسله، فكأنه قطعٌ وحيازةٌ. (طامث) الطامث: المرأة الحائض، والطمثُ: الحيض. لم يعده) أي: لم يتعده ولم يتجاوزه. 390 - أبو داود (1/ 100) كتاب الطهارة، 132 - باب المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها. النسائي (1/! 96) 3 - كتاب الحيض والاستحاضة، 26 - باب دم الحيض يصيب الثوب. (بضلع) الضلعُ للحيوان معروف، وقيل: أراد بالضلع هاهنا: عوداً شبيهاً بالضلع عريضاً معوجاً.

391 - * روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه، فإذا أصابه شيءٌ من دم قالت بريقها فمصعتْه بظفرها". وعند أبي داود مثله، وله في أخرى (1) قالت: قد كان يكون لإحدانا الدَّرعُ، فيه تحيضُ، وفيه تُصيبها الجنابةُ، ثم ترى فيه قطرةً من دمٍ، فتقصَعُه بريقها. وفي أخرى (2) له قالت: "ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد، فيه تحيض، فإن أصابه شيء من دم بلته بريقها، ثم قصعته بريقها". أقول: الرِّيق من المطهرات عند الحنفية، فتطهر أصبعٌ وثديٌ تنجسا بالقيء بلحس ثلاث مرات، وعن طريق الإرضاع للولد، ويطهر فم شارب الخمر بترديد ريقه وبلعه عنده، ولا يجوز للعاقل المكلف أن يبلع ريقه المتنجس. (رد المحتار 1/ 205). حكم لعاب الكلب: 392 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا شَرِبَ الكلبُ في إناء أحدكم فليغسله سبع مراتٍ". وفي رواية (3) قال: "وإذا ولَغَ الكلبُ في إناء أحدِكم فيُرِقْهُ، ثم ليغسِلْه سبع مرارٍ".

_ 391 - البخاري (1/ 412) 6 - كتاب الحيض، 11 - باب هل تصلي المرأة في ثوب حاضت فيه. أبو داود (1/ 98) كتاب الطهارة، 132 - باب المرأة تغسل ثوبها الذي تحيض فيه. (1) أبو داود (1/ 100) كتاب الطهارة، الباب السابق. (2) أبو داود (1/ 98) الكتاب السابق، والباب السابق. (فمصعته بظفرها) مصعته، بالصاد والعين غير المعجمتين، أي: حركته وعركته بظفرها، أراد المبالغة في الحك. (فتقصع بريقها) هكذا جاء في رواية لأبي داود، وقد جاء في أخرى "فقصعته بريقها" والقصع-بالقاف والصاد غير المعجمة-: هو شدة المضغ وضمُ بعض الأسنان إلى بعض، ونحوٌ من هذا أراد: بالقصع. 392 - البخاري (1/ 274) 4 - كتاب الوضوء، 33 - باب الماء الذي يُغسل به شعر الإنسان. مسلم (1/ 234) 2 - كتاب الطهارة، 27 - باب حكم ولوغ الكلب. (3) مسلم، نفس الموضع السابق.

وفي أخرى (1): "طُهُورُ ناء أحدكم، إذا ولغ فيه الكلب: أن يغسله سبع مرات، أولاهنَّ بالتراب". وفي رواية (2) لأبي داود بمعناه، ولم يرفعه، وزاد "وإذا ولغَ الهِرُّ غُسِلَ مرةً". وفي أخرى (3) له: "إذا ولغَ الكلبُ في الإناء: فاغسلوه سبع مراتٍ، السابعة بالتراب". وفي رواية (4) الترمذي قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُغسلُ الإناءُ إذا ولغ فيه الكلب سبع مرات، أُولاهنَّ أو أُخراهنَّ بالتراب، وإذا ولغتْ في الهرةُ غُسِلَ مرةً". 393 - * روى مسلم عن عبد الله بن مُغَفَّلٍ رضي الله عنه قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب، ثم قال: "ما بالهُمْ وبالُ الكلاب؟ " ثم رخص في كلب الصيد وكلب الغنم، وقال: "إذا ولغ الكلبُ في الإناء فاغسلوه سبع مراتٍ، وعفَّرُوه الثامنة في التراب". 394 - * روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كانت الكلابُ تُقْبِلُ

_ (1) مسلم، نفس الموضع السابق. أبو داود (1/ 19) كتاب الطهارة، 37 - باب الوضوء بسؤر الكلب. (2) أبو داود، نفس الموضع السابق. (3) أبو داود، نفس الموضع السابق. (4) الترمذي (1/ 151) أبواب الطهارة، 68 - باب ما جاء في سؤر الكلب. (ولغَ) الكلب في الإناء إذا شرب فيه أو منهُ. 393 - مسلم (1/ 235) 2 - كتاب الطهارة، 27 - باب حكم ولوغ الكلب. أبو داود (1/ 19) كتاب الطهارة، 37 - باب الوضوء بسؤر الكلب. النسائي (1/ 54) كتاب الطهارة، 53 - باب تعفير الإناء الذي ولغ فيه الكلب بالتراب. وقالا: "والثامنة عفروهُ بالتراب". (عفروه) التعفيرُ: التمريغ في العفر، وهو التراب. 394 - البخاري (1/ 278) 4 - كتاب الوضوء، 33 - باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان. أبو داود (1/! 04) كتاب الطهارة، 139 - باب في طهور الأرض إذا يبست.

وتُدْبِرُ في المسجد في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكونوا يَرُشُّون شيئاً من ذلك. وفي رواية (1) أبي داود قال: كنتُ أبيتُ في المسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنتُ فتي شاباً عزباً، وكانت الكلاب تبول وتُقبلُ وتُدبر في المسجد ... الحديث". (تبول وتقبل وتدبر في المسجد) أراد بقوله: تبول وتقبل وتدبر في المسجد، أنها تبول خارج المسجد، ثم تُقْبلُ وتدبر في المسجد عابرةً، إذْ لا يجوز أن يترك الكلاب حتى تمتهن المسجد وتبول فيه، وإنما كان عبورها فيه حيث لم يكن له أبواب، وأما البول فلا. [ابن الأثير]. 395 - * روى أبو داود عن داود بن صالح بن دينارٍ التمار عن أُمِّه أن مولاتها أرسلتها بهريسة إلى عائشة، قالت: فوجدتُها تُصلي، فأشارت إليَّ: أن ضعيها، فجاءت هرةً فأكلت منها، فلما انصرفت عائشةُ من صلاتا أكلتْ من حيثُ أكلت الهرة، فقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنها ليست بنجسٍ، إنما هي من الطوافين عليكم، وإني رأيتُ رسول الله صلى الله عليه سلم يتوضأ بفضلها. أقول: مر معنا من قبل الإشارة إلى الأسآر، وأن الحنفية يقولون: إن الحكم على سؤر الشارب يختلف بحسب طهارة أو نجاسة لحم الشارب، لأن المؤثر في الحكم مخالطة لعاب الشارب للماء أو لغيره، ولما كان الكلب عندهم نجساً فسؤره نجس، وأما بالنسبة للهرة فسؤرها المائي طاهر مطهر، لكنه يكره عندهم استعماله تنزيهاً مع وجود غيره، عند المالكية: أن سؤر الكلب طاهر، وغسل الإناء الذي ولغ فيه سبع مرات إنما هو عبادة، وأما الهرة فسؤرها طاهر إلا إذا رؤي في فمها نجاسة فيكون سؤرها نجساً ويقولون بكراهة استعمال الماء كالحنفية، قوال الشافعية والحنابلة: سؤر الكلب نجس، وسؤر الهرة طاهر ولا يكره استعماله، والقائلون بنجاسة سؤر الكلب، يقولون بنجاسته إذا شرب من الماء القليل مع ملاحظة الاختلاف في حد القلة والكثرة، ويشهد له: أن بعض الروايات تذكر الإناء، وقد رأينا أن المالكية يقولون بأن غسل ما ولغ فيه الكلب سبع مرات أمر تعبدي

_ 395 - أبو داود (1/ 20) كتاب الطهارة، 38 - باب سؤر الهرة.

حكم الفأرة وتطهير ما وقعت فيه ونحوها

لا للنجاسة، والشافعية والحنابلة والحنفية: أن الغسل سبع مرات أولاهن أو إحداهن بالتراب للنجاسة، إلا أن الحنفية يعتبرون الثلاثة الأولى فريضة وما سوى ذلك مندوب، والظاهر أن الحكمة في استعمال التراب هي: مراعاة الجانب الصحي. حكم الفأرة وتطهير ما وقعت فيه ونحوها: 396 - * روى البخاري عن ميمونة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سُئل عن فأرةٍ وقعت في سمنٍ؟ فقال: "ألقُوها وما حولها، وكلوا سمنكُمْ". 397 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وقعت الفأرةُ في السمن، فإذا كان جامداً فألقوها وما حولها، وإن كان مائعاً فلا تقربُه". أقول: من المطهرات عند الحنفية عزل الجزء المتنجس عن غيره إذا أمكن ذلك، فيطهر الدهن الجامد والسمن الجامد والدبس الجامد بعزل الجزء المتنجس، فإن وقعت النجاسة في مائع كالزيت والسمن الذائب لا يقبل الطهارة عند الجمهور، وعند الحنفية: يطهر بصب الماء عليه بقدره ثلاث مرات أو يوضع في إناء مثقوب ثم يصب عليه الماء فيعلو الدهن ويرفع بشيء أو يفتح الثقب حتى يذهب الماء ومن هذا نعرف موقف الحنفية فيما إذا وقعت فأرة في الدهن الذائب أو الزيت فماتت فيه، فإنهم يخرجونها ويطهرون الدهن بما ذكرنا ويحملون الحديث في إهراق السمن المائع على الندب، هذا إذا ماتت الفأرة، أما إذا بقيت حية فإنها لا تنجس ما وقعت فيه، وقال الحنابلة إذا وقعت الفأرة أو الهرة ونحوهما في مائع أو ماء يسير ثم خرجت حية فهو طاهر. (رد المحتار 1/ 205 فما بعدها)، (المغني 1/ 35 فما بعدها)، (الفقه الإسلامي 1/ 98 فما بعدها).

_ 396 - البخاري (9/ 668) 72 - كتاب الذبائح والصيد، 34 - باب إذا وقعت الفأرة في السمن الجامد. 397 - أبو داود (3/ 364) كتاب الأطعمة، باب في الفأرة تقع في السمن.

حكم الحيوان المذكى

حكم الحيوان المذَكَّى: 398 - * روى أبو داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بغلامٍ يسلخُ شاةً وما يُحْسَنُ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تَنَحَّ حتى أُريكَ"، فأدْخَل يده بين الجلد واللحم، فدخسَ بها حتى دخلتْ إلى الإبط، ثم مضى فصلى للناس، ولم يتوضأ. زاد في رواية (1): يعني (لم يمسَّ ماءً). أقول: هذا الحديث نص في طهارة الحيوان المأكول اللحم إذا ذُكِّيَ بالذبح، ومن الأشياء المتفق عليها عند الفقهاء طهارة الحيوان المذكى ذكاة شرعية، وعلى هذا فالدم الذي يبقى في العروق واللحم بعد الذبح طاهر لأنه ليس بمسفوح، ولهذا حل تناوله مع اللحم، ومن كلام المالكية أن من الطاهرات الدم الباقي في العروق من الحيوان المذكي، أو في قلبه أو ما يرشح من اللحم لأنه جزء المذكى، وجزؤه طاهر، لكن ما بقي على محل الذبح هو من باقي المسفوح فهو نجس، وكذا إذا دخل شيء من الدم إلى البلعوم فوصل إلى المعدة فإنه نجس تجب الطهارة منه. حكم الدباغة والإهاب المدبوغ: 399 - * روى مسلم عن عبد الله بن عباسٍ رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا دُبغ الإهابُ فقد طهُرَ". وفي رواية (2): قال مرثَدُ بن عبد الله اليزني: "رأيتُ على عبد الرحمن بن وعلة السبئيِّ فروا فمسسْتُهُ، فقال مالك تمسُّه؟ قد سألتُ عبد الله بن عباس قلت: إنا نكون

_ 398 - أبو داود (1/ 47) كتاب الطهارة، 73 - باب الوضوء من مس اللحم النيء وغسله. (1) أبو داود، نفس الموضع. (فدخس بها) الدخسُ- بالخاء المعجمة-: الدَّسُ، أراد: أنه أدخل يده بين اللحم والجلد. 399 - مسلم (1/ 277) 3 - كتاب الحيض، 27 - باب طهارة جلود الميتة بالدباغ. (الإهاب): الجلد قبل أن يُدبغ، وقيل: هو كلُّ جلدٍ، دُبغ أو لم يُدبغ. (2) مسلم (1/ 278) نفس الكتاب السابق، نفس الموضع السابق.

بالمغرب، ومعنا البربرُ والمجُوس، نُؤتي بالكبش قد ذبحوه، ونحنُ لا نأكلُ ذبائحهم، ويأتونا بالسقاء يجعلون فيه الودَك؟ فقال ابن عباس: قد سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال: "دبِاغُه طهُورُه". وأخرج الترمذي (1) والنسائي (2): قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيُّما إهابٍ دُبِغَ فقد طهُر". وللنسائي (3): أن [عبد الرحمن] بن وعلة سأل ابن عباس فقال: إنا نغْزُوا هذا المغرب، وإنهم أهل وثَنٍ، ولهم قربٌ يكون فيها اللبنُ والماء؟ فقال ابن عباس: الدباغُ طهور، قال ابن وعلة: عن رأيك، أو شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم". 400 - * روى أبو داود عن عالية بنت سُبيعٍ قالت: كان لي غنمٌ بأُحُدٍ، فوقع فيها الموتُ، فدخلتُ على ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرتُ ذلك لها، فقالت لي ميمونةُ: لو أخذت جُلودها فانتفعت بها؟ قالتْ: فقلت: أو يحلُّ ذلك؟ قالت: نعم، مرَّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالٌ من قريشٍ يجُرّثون شاةً لهم مثل الحمار، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أخذتم إهابها؟ " قالوا: إنها ميتةٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُطهِّرها الماءُ والقَرَظُ". 401 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مرَّ

_ (1) (الودك): دسم اللحم. (السقاء): الظرف من الجلود يُحمل فيه الماء نحو القربة. (ابن الأثير). (1) الترمذي (4/ 221) 25 - كتاب اللباس، 7 - باب ما جاء في جلود الميتة إذا دُبِغَت. (2) النسائي (7/ 173) كتاب الفرع والعتيرة، 4 - جلود الميتة. (3) النسائي، نفس الموضع. 400 - أبو داود (4/ 66) كتاب اللباس، باب في أُهُب الميتة. النسائي (7/ 175) كتاب الفرع والعتيرة، 5 - ما يدبغ به جلود الميتة، وهو حسن بشواهده. (القرظ) هو ورق السلم أي يطهره خلط الماء بالقرظ ودباغة الجلد به. 401 - البخاري (4/ 413) 34 - كتاب البيوع، 101 - باب جلود الميتة قبل أن تدبغ. مسلم (1/ 276) 3 - كتاب الحيض، 27 - باب طهارة جلود الميتة بالدباغ.

بشاة ميتةٍ، فقال: "هلا انتفعتُم بإهابها؟ " قالوا: إنها ميتةً؟ قال: "إنما حرُم أكلها". وفي رواية (1) قال: تُصُدَّق على مولاةٍ لميمونة بشاةٍ، فماتت، فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "هلا أخذتُم إهابها فدبغتمُوه فانتفعتم به؟ " فقالوا: إنها ميتةٌ؟ فقال: "إنما حَرُمَ أكلها". وللبخاري (2) قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعنزٍ ميتةٍ، فقال: "ما على أهلها لو انتفعوا بإهابها؟ ". 402 - * روى مالك عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يُستمتع بجلود الميتة إذا دُبغتْ. وللنسائي (3) قالت: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جُلود الميتة؟ فقال: "دبغُها ذكاتُها". وفي أخرى (4) قال: "ذكاةُ الميتة دباغُها". 403 - * روى البخاري عن سودة بنت زمعة رضي الله عنها قالت: ماتت لنا شاةٌ، فدبغنا مسكها، ثم ما زلنا ننبِذُ فيها حتى صار شَنًّا.

_ (1) مسلم، نفس الموضع. (2) البخاري (9/ 658) 72 - كتاب الذبائح والصيد، 30 - باب جلود الميتة. 402 - الموطأ (2/ 498) 25 - كتاب الصيد، 6 - باب ما جاء في جلود الميتة. أبو داود (4/ 66) كتاب اللباس، باب في أهُب الميتة. النسائي (7/ 176) 41 - كتاب الفرع والعتيرة، 6 - الرخصة في الاستمتاع بجلود الميتة إذا دبغت. (3) النسائي (7/ 174) 41 - كتاب الفرع والعتيرة، 4 - جلود الميتة. (4) النسائي، نفس الموضع السابق، وهو حديث صحيح. 403 - البخاري (11/ 569) 83 - كتاب الأيمان والنذور، 21 - باب إذا حلف أن لا يشرب نبيذاً فشرب طلاء أو سكراً أو عصيراً لم يحنث في قول بعض الناس. النسائي (7/ 173) 41 - كتاب الفرع والعتيرة، 4 - باب جلود الميتة. (مسكها) المسك- بفتح الميم-: الجلد. (شنْا) الشَّنّ والشنة: القِرْبَةُ الباليةُ.

404 - * روى أبو داود عن سلمة بن المحَبق رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء في غزوة تبوك على أهل بيتٍ، فإذا قربةٌ معلقةٌ، فسأل "الماء؟ " فقالوا: يا رسول الله، إنها ميتةٌ، فقال: "دباغُها طهورُها". أقول: لا خلاف بين الفقهاء أن مأكول اللحم إذا ذبح فجلده طاهر، أما جلد ميتته: فالمشهور عند المالكية والحنابلة أنه نجس دبغ أم لم يدبغ، فهو محرم لا يصح استعماله، وقال الحنفية والشافعية: تطهر الجلود النجسة بالموت وغيره بالدباغ، والحنفية يعتبرون التشميس والتتريب واستعمال المواد التي تساعد على تنشيف فضلات الجلد وتطييبه، كل ذلك دباغاً. ويشترط الشافعية استعمال المواد المعتادة في الدباغ كالقرظ وقشور الرمان وغير ذلك شرطاً للطهارة وصحة الانتفاع. 405 - * استدل المالكية والحنابلة بما روى أحمد عن عبد الله بن عُكَيْم، قال: "كتب إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبْلَ وفاته بشهر: "أنْ لا تنتفعوا من الميتة بإهابٍ ولا عصبٍ". قالوا فهو ناسخ لما قبله من الأحاديث وما ورد من قوله صلى الله عليه وسلم أيضاً أيما إهاب دبغ فقد طهر فمحمول على الطهارة اللغوية لا الشرعية فلا تجوز الصلاة به. قبله من الأحاديث وما ورد من قوله صلى الله عليه وسلم أيضاً إيما إهاب دبغ فقد طهر فمحمول على الطهارة اللغوية لا الشرعية فلا تجوز الصلاة به.

_ 404 - أبو داود (4/ 66) كتاب اللباس - باب في أهُبِ الميتة وهو حديث حسن. 405 - أحمد (4/ 310). أبو داود (4/ 67) كتاب اللباس، باب من روى أن لا ينتفع بإهاب الميتة. الترمذي (4/ 222) 25 - كتاب اللباس، 7 - باب ما جاء في جلود الميتة إذا دُبغت. النسائي (7/ 175) 41 - كتاب الفرع والعتيرة، 5 - ما يدبغ به جلود الميتة. ابن ماجه (2/ 1194) 32 - كتاب اللباس، 27 - باب من قال لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب. قال النووي في "الخلاصة" وحديث ابن عكيم أُعِلَّ بأمور ثلاثة: أحدها: الاضطراب في سنده، والثاني: الاضطراب في متنه فروي قبل موته بثلاثة أيام، وروي بشهرين، وروي بأربعين يوماً، والثالث: الاختلاف في صحبته، قال البيهقي وغيره: لا صحبة له فهو مرسل. وقال الحازمي في كتابه "الناسخ والمنسوخ"، وحكى الخلال في كتابه: أن أحمد توقف في حديث ابن عكيم، لما رأى تزلزل الرواة فيه، وقيل: إنه رجع عنه، قال: وطريق الإنصاف أن حديث ابن عكيم ظاهر الدلالة في =

حكم جلود السباع

ورد الآخرون أن هذا الحديث فيه اختلاف واضطراب لا يقاوم الطرق الصحيحة التي أثبتت طهارة الجلد بالدباغ ويحمل حديث ابن عكيم على منع الانتفاع به قبل الدباغ وحينئذ يسمى إهاباً وبعد الدباغ يسمى جلداً. (انظر نيل الأوطار 1/ 73 فما بعدها) و (بداية المجتهد 1/ 78) و (المغني 1/ 66 وما بعدها). حكم جلود السباع: 406 - * روى أبو داود عن أسامة الهذلي رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن جُلودِ السِّباع. أقول: قال الحنفية: إذا ذبح السبع كان جلده طاهراً في كل الأحوال، ما عدا جلد الخنزير، أما إذا مات فجلده يطهر بالدباغ إلا أننا منهيون عن استعمال بعض جلود السباع لمعان أخرى، وقال المالكية والحنابلة: إذا ذبح ما لا يؤكل لحمه يكون جلده نجساً دبغ أو لم يدبغ فمن باب أولى إذا مات موتاً. حكم اللعاب والبزاق: 407 - * روى ابن ماجه عن أبي هريرة رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم حامِلَ الحُسينِ بن علي على عاتقه ولعابه يسيلُ عليه. أقول: وهذا يدل على أن سؤر الإنسان ولعابه طاهر.

_ = النسخ ولكنه كثير الاضطراب. ا. هـ نصب الراية لأحاديث الهداية ص 120، وقال الأرناؤوط ف شرح السنة: رواه أًحاب السنن وهو ضعيف لاضطرابه، كما ذكر غير واحد. 406 - أبو داود (4/ 69) كتاب اللباس، باب في جلود النمور والسباع. والترمذي (4/ 241) 25 - كتاب اللباس، 32 - باب ما جاء في النهي عن جلود السباع. النسائي (7/ 176) 41 - كتاب الفرع والعتيرة، 7 - باب النهي عن الانتفاع بجلود السباع. الحاكم (1/ 36) ووافقه الذهبي. 407 - ابن ماجه (1/ 216) 1 - كتاب الطهارة وسننها، 135 - باب اللعاب يصيب الثوب. وإسناده صحيح.

408 - * روى أبو داود عن أبي نضرة رضي الله عنه قال: "بزَق رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوبه، وحَكَّ بعضه ببعضٍ، وعن أنس مثله". بول ما يؤكل لحمه: 409 - * روى الطبراني عن ابن سيرين قال نحر ابن مسعود جزوراً فتلطَّخَ بدمها وفرْثها وأقيمت الصلاةُ فصلى ولم يتوضأ. أقول: قال المالكية والحنابلة: بول ما يؤكل لحمه من الحيوان وروثه طاهر، وقال الشافعية والحنفية: البول والقيء والروث من الحيوان والإنسان مطلقاً نجس، ولكن الحنفية اعتبروا أن بول ما يؤكل لحمه نجساً نجاسة مخففة وكذلك روثه عند أبي يوسف ومحمد، وإذا كانت نجاسته مخففة فإنه يعفى عن مقدار ربع أدنى ثوب تجوز به الصلاة وعلى هذا يحمل تصرف ابن مسعود، أما ما أصابه من دم فهو دم ما بعد الذكاة.

_ 408 - أبو داود (1/ 106) كتاب الطهارة، 143 - باب البصاق يصيب الثوب، وهو حديث صحيح. 409 - الطبراني المعجم الكبير (9/ 284). مجمع الزوائد (2/ 57، 58) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد - قال الحنفية: الشيء الصقيل الذي لا مسام له كالسيف والمرآة والزجاج والآنية المدهونة والظفر والعظم والزبدية الصينية، وصفائح الفضة غير المنقوشة، تطهر بالمسح الذي يزول به أثر النجاسة. - قال الحنفية: الأرض وكل ما كان ثابتاً بها لاصقاً فيها كأنه جزء منها، بحيث لا يمكن نقله كالشجر والكلأ والبلاط تطهر بالجفاف سواء بالشمس أو الهواء أو بغير ذلك على شرط زوال أثر النجاسة، ومن نعلم حكم السجاد المسمى الآن بالموكيت إذا لصق في الأرض وحكم الورق الذي يلصق على الجدران فهذان ماداما ملصقين يكفي في طهارتهما الجفاف وزوال أثر النجاسة وإذا أزيل أثر النجاسة بأي شيء وترك حتى جف فقد أصبح طاهراً. - قال الحنفية- يطهر القطن وأمثاله بالندف وذهاب أثر النجاسة منه إذا كانت النجاسة قليلة. - قال الشافعية: لو طبخ لحم في نجس أو تشربت حنطة النجاسة يطهران بصب الماء عليهما. - يستعمل بعضهم لسهولة نتف الريش عن الطيور المذبوحة أن يلقوها بماء يغلي ثم يخرجونها منه وينتفون الريش بعد ذلك فعلى مذهبي الشافعية والحنفية إذا صب عليها الماء تطهر وعند الحنفية إذا صب عليها الماء تطهر وعند الحنفية تغسل ثلاثاً، هذا قبل الطبخ عند الحنفية. - قال الحنفية: إذا استحالت العين النجسة بنفسها أو بواسطة أصبحت طاهرة كالخمر إذا تخللت بنفسها أو بالواسطة، والميتة إذا صارت ملحاً، والروث إذا أحرق فصار رماداً والدهن المتنجس بجعله صابوناً، والنجاسة إذا دفنت في الأرض وذهب أثرها بمرور الزمان وكما تطهر الخمر إذا تخللت فإن وعاءها يطهر لطهارتها. - قال الحنفية: الذبح الشرعي بشروطه يطهر كل الحيوان المأكول اللحم ويطهر جلد الحيوان غير المأكول اللحم إلا الآدمي لكرامته والخنزير لنجاسة عينه. مستدلين بقوله صلى الله عليه وسلم: دباغ الأديم ذكاته، فألحق الذكاة بالدباغ وبما أن الجلد يطهر بالدباغ فيطهر بالذكاة

لأن الذكاة كالدباغ، في إزالة الدماء السائلة والرطوبات النجسة فتفيد الذكاة الطهارة كالدبغ، والحديث الذي استدل به الحنفية أخرجه النسائي بلفظ سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن جلود الميتة فقال: "دباغها ذكاتها" وللدارقطني "طهور كل أديم دباغه" وقال الدارقطني رجال إسناده كلهم ثقات، (الفقه الإسلامي 1/ 104). - قال الحنفية: حفر الأرض وفلاحتها إذا زال أثر النجاسة يطهرها وقالوا: إذا أصيب ثوب الإنسان أو بدنه أو مكان ما بنجاسة ونسي المحل، فأي جزء يغسل يكفي للحكم بالطهارة. - قال المالكية: إذا شك الإنسان في نجاسة ثوب أو حصير أو ما أشبه ذلك يكفي النضح أو ما يشبهه للحكم بالطهارة، والنضح هو رشٌ باليد أو الفم ومثله نزول المطر. - قال الحنفية: من مشى برجل مبلولة على حصير أو سجادة أو ما أشبه ذلك وهي نجسة جافة فلا تنجس رجله وقال المالكية: من مشى برجل مبلولة على نجاسة يابسة يطهره ما بعده، وقالوا: يعفى عن طين المطر ما لم تكن النجاسة غالبة أو عينها قائمة وقالوا يكفي النضح من بول صبي لم يطعم غير الحليب، أو قيئه، قبل مضي حولين عليه. - قال الحنابلة: إذا خَفِيَ موضع النجاسة في مكان كبير، كصحراء واسعة ودار واسعة فلا حكم لها، والمحل كله طاهر. - قال الحنفية: لا ينجس شيء بموت حيوان لا دم له سائل كذبان وصرصور وخنفساء وزنبور وبق وبعوض وعقرب، ولا بموت حيوان مائي كسمك وضفدع وتمساح وسرطان وكلب ماء وخنزيره فإن هذه الأخيرة وإن كان لها دم، لكن ليس لدمها عند الحنفية حكم الدم العادي. - قال العلماء: وجميع النباتات طاهرة ولو كان يحرم استعمالها بسبب أنها سامة أو مخدرة. - قال الحنفية: كل شيء من أجزاء الحيوان والإنسان غير الخنزير، لا يسري فيه الدم سواء كان حياً أو ميتاً، مأكولاً أو غير مأكول، فهو طاهر، كالشعر والريش المجذوذ (أي

المقطوع) والمنقار والظلف والعصب والقرن والحافر والعظم إذا زال دسمه أو طهر مكان الدم منه، ومن ذلك ناب الفيل، أما أصول الشعر المنتوف فنجسة، وأما دمع الحي وعرقه ولعابه ومخاطه فمثل سؤره على اختلاف المذاهب في ذلك مع ملاحظة أن كل حي ولو كلباً أو خنزيراً طاهراً عند المالكية، وعلى هذا فدمعه وعرقه ولعابه ومخاطه طاهر عندهم. - قال الإمام أبو حنيفة: البيضة إذا خرجت من طير طاهرة إلا إذا كان عليها نجاسة ينبغي تطهيرها. - قال الحنفية: لو لف ثوب جاف طاهر في ثوب نجس رطب لا ينعصر الرطب لو عصر لا ينجس كما لا ينجس ثوب رطب نشر على حبل جاف نجس أو على أرض نجسة يابسة ولو تندت الأرض ولم يظهر أثر النجاسة فيه. - قال المالكية البيض الممروق وهو ما اختلط بياضه بصفاره من غير نتونة طاهر، أما البيض المذِرُ وهو ما تغير بعفونة أو زرقة أو صار دماً فنجس، فإذا كسرت بيضة وألقيت على أخواتها وكانت كذلك وأمكن عزلها، فإن ما بقي طاهر. - قال المالكية: فضلات الحيوان المباح أكله من روث وبعر وبول وخرء دجاج وحمام بل وجميع الطيور طاهرة ما لم تستعمل النجاسة أكلاً أو شرباً ففضلتها عندئذ نجسة وخرء الفأر عندهم طاهر كذلك إن لم تصل للنجاسة ولو شكاً، شأنها شأن الدجاج. - قال الشافعية: رطوبة الفرج وهي الماء الأبيض المتردد بين المذي والعرق من الإنسان أو الحيوان ولو غير مأكول طاهر. - من المتفق عليه بين الفقهاء أن ما قطع من الحي في حال حياته كإلية أو سنام جمل أو غير ذلك فحكمه حكم الميتة. - قال الحنفية: يعفي عما دون مقدار درهم وزناً (في الكيف 3.17 غم) أو أقل من قدر مقعر الكف مساحة من النجاسة المغلظة من أجل الصلاة، أما النجاسة المخففة كبول ما يؤكل لحمه فيعفى عن مقدار ربع أدنى ثوب تجوز به الصلاة، وقد أفتى بعض الحنفية بأن نجاسة الكحول نجاسة مخففة، والنجاسات المخففة عند الحنفية، ما تثبت بدليل غير قطعي كبول

ما يؤكل لحمه وخرء طير لا يؤكل، والنجاسات المغلظة عندهم: ما ثبتت بدليل مقطوع به كالدم المسفوح والغائط والبول من غير مأكول اللحم، والخمر وخرء طير لا يزرق في الهواء كدجاج وبط وأوز، ولحم الميتة وإهابها ونجو الكلب ورجيع السباع ولعابها والقيء ملء الفم وكل ما ينقض الوضوء إذا خرج من الإناث كالعذرة والمني والمذي والدم السائل ونجاسة البعر والروث والخثي مغلظة عند أبي حنيفة مخففة عند الصاحبين لعموم البلوى. - قال الحنفية: يعفى عن رشاش بول كرؤوس الإبر في الثوب والبدن، إلا إذا كثر بحيث لو جمع لزاد عن القدر المعفو عنه، ما يعفى عن مثل ذلك في الدم الذي يصيب الجزار وعن أثر الذباب الذي يقع على نجاسة، ويعفى عما يصيب غاسل الميت من غسالته، ويعفى عن بخار النجس وغباره ورماده. - قال المالكية: وسلسل الأحداث عند المعذور وهو عندهم ما خرج بنفسه من غير اختيار كالبول والمذي والمني والغائط يسيل من المخرج بنفسه، فيعفى عنه إذا حكم لصاحبه بأنه صاحب عذر ولا يجب غسله للضرورة إذا لازم كل يوم ولو مرة، وكذلك بلل الباسور إذا أصاب البدن أو الثوب كل يوم ولو مرة، أما اليد أو الخرقة فلا يعفى عن غسلها إلا إذا كثر الرد بها إي إرجاع الباسور بأن يزيد على المرتين كل يوم. وقال المالكية: يطهر موضع الحجامة أو العملية الجراحية إذا مسح بخرقة ونحوها إلى أن يبرأ المحل، كما يعفى عما يسيل من الدمامل بنفسه أو بعصره إذا كان عصره لحاجة أما إذا عصر لغير حاجة فلا يعفى إلا عن قدر الدرهم دون ما زاد عليه. - قال الشافعية: يعفى عن القليل والكثير من دم البثرات والبقابيق والدماميل والقروح والقيح والصديد وموضع الحجامة والفصد وسلسل البول، لكن إذا عصر البثرة أو الدمل فلا يعفى إلا عن قليله فقط. كما يعفى عندهم عن قليل دم الأجنبي ويعفى عندهم عن دم الإنسان ما لم يختلط بدم أجنبي أو يختلط بدم نفسه من موضع آخر، وثياب الخمارين والأطفال والجزارين والكفار طاهرة إذا لم يظهر عليها أثر النجاسة، وكذلك ماء الميزاب الذي لا يقطع بنجاسته ويعفى عندهم عن ميتة دود الفاكهة والخل والجبن والمتخلفة فيها ما لم تخرج منه ثم تطرح فيه بعد موتها وما لم تغيّره، وعن الأنفحة المستعملة للجبن

والكحول المستخدم في الأدوية والعطور، ويعفى عندهم عن روث المحلوبة ونجاسة ثديها إذا وقع في اللبن حال حلبه، وعن نجاسة فم الصبي عند إرضاعه أو تقبيله وعن روث البهائم المختلط بالطين الذي يصيب عسل خلايا النحل. - قال الحنفية: طهارة النجاسة غير المرئية بغسلها ثلاثاً مع العصر أو بوضعها بماء جار أو ماله حكم الماء الجاري كأن وضعت في إناء وصب عليها الماء حتى فاض عن الإناء، أما النجاسة المرئية فطهارتها زوال عينها ويعفى عما يبقى من أثرها إذا شقَّت إزالته، بحيث يحتاج إلى غير الماء القراح كصابون مثلاً. ويطهر الثوب المصبوغ بمتنجس إذا صار الماء صافياً مع بقاء اللون ويطهر الحليب والعسل والدبس إذا أصابته نجاسة بإضافة ماء عليه وغليه على النار ثلاثاً حتى يعود كما كان، ويطهر عند بعض الفقهاء لحم طُبخ بنجس بصبِّ الماء عليه وغليه وتبريده. - إذا ولغ الكلب في إناء فالمالكية يعتبرونه طاهراً وغسله عبادة والحنفية يطهر عندهم هو وسؤر الخنزير بالغسل ثلاثاً وما زاد فمندوب، وعند الشافعية والحنابلة يغسل من ولوغ الكلب والخنزير سبع مرات إحداهن بالتراب ويتعين عند الشافعية التراب بالغسلة الأولى، ويقوم عند الحنابلة الأشنان والصابون والنخالة وأمثال ذلك مقام التواب ولو مع وجوده. - قال الحنفية إذا أصابت النجاسة شيئاً مما لا يعصر: كالحصير والسجاد والخشب فينقع في الماء ثلاث مرات ويجفف في كل مرة فيطهر والأسهل في هذا الشأن مذهب الشافعية كما عرضناه بأن يُمِرَّ الماء على النجاسة بعد إزالة جرمها. - قال الحنفية: لو وقعت ثياب المصلي كالعباءة على أرض نجسة عند السجود لا يضر ذلك. - قال المالكية: من صلى حاملاً نجاسة غير معفو عنها ولا يعلمها ثم عرفها بعد الصلاة، جازت صلاته وليس عليه إعادة وكذلك حكم النسيان عندهم وقالوا: إن لم يجد المصلي غير ثوب عليه نجاسة فإنه يصلي بذلك الثوب، وليس عليه إعادة، ولا يصلي عارياً. - من حمل بيضة استحال باطنها دماً جازت صلاته عند الحنفية بخلاف ما إذا كان

حاملاً قارورة فيها بول أو دم فلا تصح صلاته. - قال الحنفية: لو حمل المصلي صبياً صغيراً في الصلاة عليه نجس، تبطل صلاته إن كان الصبي لا يستمسك بنفسه، أما إذا كان يستمسك بنفسه فلا يُعدُّ حاملاً للنجاسة وتصح صلاته. - قال الشافعية: لو وصل عظمه المنكسر بنجس لفقد الطاهر فهو معذور تصح صلاته معه، ومنه يعرف حكم ما إذا نقل شيء من الإنسان في عملية من مكان إلى مكان آخر، أو نقل إليه شيء من جسم غيره، فهو معفو عنه، مع أن القاعدة التي مرت معنا أن ما أبين من الحي كميتته. - اتفق الفقهاء على أنه إن فرش على المحل النجس شيئاً ساتراً للعورة (أي غير رقيق) جازت صلاته، وقال الحنفية تجوز الصلاة على شيء سميك وجهه الأعلى طاهر والأسفل نجس ولا تصح على ثوب طاهر بطانته نجسة إذا كان مخيطاً بها. - قال الشافعية: إذا حبس في موضع نجس صلى بقدر ما يستطيع إيماءاً أو انحناءاً ولا يسجد على النجاسة في هذه الحالة ويستحب له على المذهب القديم أن يعيدها. - من النجاسات المتفق عليها: لحم الخنزير وجميع أجزائه ودم الآدمي غير الشهيد ودم الحيوان غير المائي الذي انفصل منه إذا كان مسفوحاً. والدم المسفوح نجس ولو كان من سمك وذباب عند المالكية والشافعية وبول الآدمي وقيؤه وغائطه إلا بول الصبي الرضيع فيكتفي برشه عند الشافعية والحنابلة مع أن نجس، وبول الحيوان غير المأكول اللحم وغائطه وقيؤه إلا خرء الطيور وبول الفأر عند الحنفية فيعفى عنهما في الثياب والطعام دون ماء الأواني والخمر نجسة والقيح والمذي والودي كذلك. ولحم ميتة الحيوان غير المائي الذي له دم سائل مأكول أو غير مأكول ولحوم الحيوان غير المأكول وألبانه وما انفصل أو قطع من حي في حال حياته إلا الشعر وما في معناه.

من النجاسات المختلف فيها

من النجاسات المختلف فيها: الكلب فقال الحنفية: إنه ليس بنجس العين، وفم الكلب أو لعابه هو النجس، وقال المالكية إنه طاهر وقال الشافعية والحنابلة: نجس العين. وميتة ما لا دم له سائل، اعتبره الشافعية نجساً، وأجزاء الميتة الصلبة التي لا دم فيها كالقرن والعظم والسن والحافر والخف والظلف نجسة عند غير الحنفية. والفقهاء عدا الشافعية يقولون بطهارة شعر الميتة وصوفها وريشها وجلد الميتة نجس دبغ أو لم يدبغ عند المالكية والحنابلة. أما الحنفية والشافعية فيقولون: تطهر الجلود النجسة بسبب الموت وغيره بالدباغ على اختلاف في وسائل الدباغ. وبول الحيوان المأكول اللحم وفضلاته ورجيعه اعتبره الحنفية والشافعية نجساً إلا أن الحنفية اعتبروا بول ما يؤكل لحمه نجساً نجاسة مخففة إلا روث الخيل وخثي البقر فنجس نجاسة مغلظة عند أبي حنيفة مخففة عند الصاحبين، واعتبره المالكية والحنابلة طاهراً واستثنى المالكية التي تأكل النجاسة أو تشربها. والمني عند الحنفية والمالكية نجس يجب غسل أثره وقال الحنفية إن كان رطباً فيغسل وإن جف أجزأ فيه الفرك. والمذهب الشافعي على طهارة دم البثرات ودم البراغيث وونيم الذباب وماء القروح والنفاطات وموضع الفصد والحجامة، وقال الجمهور غير الحنفية بطهارة الميت الآدمي. انظر: (الدر المختار 1/ 205 فما بعدها)، (اللباب 1/ 24 - 30 و 49 - 54)، (المغني 1/ 52 فما بعدها)، بداية المجتهد 1/ 76 فما بعدها)، (الشرح الصغير 1/ 64 فما بعدها)، (الفقه الإسلامي 1/ 92 - 113 و 1/ 140 فما بعدها). * * *

الفقرة الرابعة: في قضاء الحاجة والاستنجاء والاستبراء عرض إجمالي

الفقرة الرابعة: في قضاء الحاجة والاستنجاء والاستبراء عرض إجمالي القبل والدبر هما المخرجان العاديان لفضلات الإنسان، ويخرج من الدبر الغائط وهو نجس بإجماع، ويخرج من القبل البول وكذلك هو نجس بإجماع، ويخرج من قبل الرجل مذي وهو سائل رقيق يخرج أثناء الشهوة كما يخرج منه ودى وهو سائل أبيض غليظ يخرج عقب البول أحياناً يشبه المني وليس بمني، وهذه كلها تسبب الحدث الأصغر، وتفترض الطهارة منها لصحة الصلاة ويخرج من قُبُل الإنسان المني وهو سائل أبيض يخرج بدفق وبشهوة في الأحوال العادية من الرجل، ويخرج من المرأة مني ودم حيض ودم نفاس، وهذه الثلاثة عند المرأة والمني عند الرجل تسبب الحدث الأكبر وتفترض الطهارة منها لصحة الصلاة، ويخرج من المرأة عادة طهر وهو سائل أبيض يميل إلى الصفرة إذا كثر وله أحكامه كذلك في الطهارة لصحة الصلاة، وفي موضوع قضاء الحاجة التي يتلبس الإنسان بها كثيراً، تتوضع فرائض وسنن وآداب ومكروهات ومحرمات، وعلى المسلم أن يكون فقيهاً في ذلك له، ونحن في هذه الفقرة سنعرض لكثير من المسائل الفقهية بمناسبة عرضنا للنصوص المتعلقة بهذا الموضوع. ونتعرض في هذه المقدمة لبعض الاصطلاحات والتعريفات، فإن قارئ كتب الفقه تمر عليه اصطلاحات الاستنجاء والاستجمار والاستبراء والاستنزاه والاستنقاء، وهذه تعريفات وإيضاحات حولها: فالاستنجاء: إزالة نجس عن قبل أو دبر باستعمال الأحجار وما ينوب منابها كالورق أو استعمال الماء، والأصل أن الحجارة وحدها وما ينوب منابها يكفي، والماء وحده يكفي والجمع بينهما أفضل وبذلك يجتمع للإنسان طهارة ونظافة وصحة. والاستجمار: الاستنجاء بالحجارة. والاستبراء: طلب التيقن من زوال أثر الخارج من القبل أو الدبر. والاستنزاه: طلب براءة المخرج عن أثر الرشح من البول.

والاستنقاء: طلب نقاوة المحل الخارج من النجس. والأصل أنه لا يجوز الشروع في الوضوء حتى يطمئن المرء من زوال أثر رشح البول. قال جمهور الفقهاء: يجب الاستنجاء من كل خارج معتاد من السبيلين: كالبول أو المذي أو الغائط كما تجب الطهارة لكل مكان ومحل من ثوب أو بدن. وقال الحنفية: إذا لم تتجاوز النجاسة المخرج، فالاستنجاء سنة مؤكدة للرجال والنساء، فإذا تجاوزت النجاسة المخرج وكان المتجاوز قدر الدرهم، فعندئذ تجب إزالته بالماء، وإن زاد المتجاوز على قدر الدرهم، افترض الغسل بالماء أو بمائع له حكم الماء في قلع النجاسة، وقال الجمهور يجب الاستنجاء من كل خارج معتاد من السبيلين. (الدر المختار 1/ 230) و (الفقه الإسلامي 1/ 192 - 193). قضاء الحاجة من بول أو غائط يضطر إليه الإنسان كثيراً، والأدب والفقه في شأنه مؤشر كبير على أشياء كثيرة، وهذه الأشياء وإن ألِفَ الناس أن يخجلوا من الحديث عنها في الأحوال العادية فإن الحديث عنها في مقام التعليم لابد منه: هناك آداب ينبغي أن تراعى في محل قضاء الحاجة. وهناك أحكام يجب أن يراعيها قاضي الحاجة. ونحب أن نلفت النظر ههنا بإجمال إلى بعض الأمور: فالأصل إذا كان الإنسان في بيته أن يراعي في المحل نظافته وأن يوجد في المحل ما يلزم للطهارة وللنظافة، وأن يكون المحل بالشكل الذي يساعد على الطهارة والنظافة وذهاب الرائحة وأن يتوافر الماء والورق وأن يكون هناك محل لتصريف الماء وملح لجمع الورق. وهناك أشياء تلاحظ من أجل الآخرين تقتضيها الذوقيات الإسلامية: البعد، تجنب قضاء الحاجة تحت الأشجار المثمرة أو التي يجلس تحتها الناس للظل، وتجنب قضاء الحاجة في طريق الناس، وتجنب كشف العورة أمامهم، عدم التبول في الماء الراكد أو الجاري، عدم الحديث أثناء قضاء الحاجة، ترك السلام على قاضي الحاجة وعدم

التنزه من البول

رده إن سُلِّم عليه. التنزه من البول: 410 - * روى الشيخان عن ابن عباس: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين يُعذبان، فقال: "إنهما ليُعذبان، وما يُعذبان في كبير، أما أحدهما، فكان لا يستترُ من البول، وأما الآخر، فكان يمشي بالنميمة"، ثم أخذ جريدة رطبةً، فشقها بنصفين ثم غرز في كل قبرٍ واحدة فقالوا: يا رسول الله صلى لِمَ صنعتَ هذا؟ فقال: "لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا". وفي رواية (1) (لا يستبرئ) (2) وفي أخرى (لا يستنزهُ) بدل (لا يستتر) وعلى رواية الأكثر (لا يستتر) معناه لا يجعل بينه وبين بوله سترة أي لا يتحفظ، فتوافق رواية لا يستنزه، وفي رواية (لا يتوقى) انظر شرح (السنة 1/ 370). قال في شرح السنة (1/ 371): قوله: "وما يُعذبان في كبيرة" معناه: أنهما لم يُعذبا في أمر كان يكبرُ ويشقُّ عليهما الاحترازُ عنه، لأنه لم يكن يشقُّ عليهما الاستتارُ عند البول، وترك النميمة، ولم يُرِدْ أن الأمر فيهما هينٌ غيرُ كبير في أمر الدين، بدليل قوله: "وإنه لكبير". قال شعيب: وقد رجح هذا التفسير ابن دقيق العيد وجماعة، وقيل: المعنى: ليس بكبير في الصورة، لأن تعاطي ذلك يدل على الدناءة والحقارة، وإن كان كبيراً في الجملة، وقيل: ليس بكبير في اعتقادهما، أو في اعتقاد المخاطبين، وهو عند الله كبير، كقوله تعالى: (ہ ھ ھ ھ ھ ے). قال البغوي: وقوله: "لعله يُخففُ عنهما ما لم ييبسا".

_ 410 - البخاري (3/ 242) 23 - كتبا الجنائز، 88 - باب عذاب القبر من الغيبة والبول. مسلم (1/ 240) 2 - كتاب الطهارة، 34 - باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستراء منه. (1) النسائي (4/ 106) 21 - كتاب الجنائز، 116 - وضع الجيدة على القبر. (2) مسلم (1/ 241) 2 - كتاب الطهارة، 34 - باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه.

قال أبو سليمان الخطابي: فإنه من ناحية التبرك بأثر النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه بالتخفيف عنهما، فكأنه صلى الله عليه وسلم عجل مُدة بقاء النداوة فيهما حداً لما وقعت له المسألة من تخفيف العذاب عنهما، وليس ذلك من أجل أن في الجريد الرطبِ معنى ليس في اليابس. ا. هـ. أقول: وعند بعضهم مزيد عبارة يرحم بسببها من يجاوره. 411 - * روى أحمد عن أبي بكرة قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يمشي بيني وبين رجل آخر إذ أتى على قبرين فقال: "إن صاحب هذين القبرين يعذبان فأتياني بجريدة" قال أبو بكر فاستبقتُ أنا وصاحبي فأتيته بجريدة فشقها نصفين فوضع في هذا القبر واحدة وفي ذا القبر واحدة قال: "لعله يخفف عنهما ما دامتا رطبتين إنهما يُعذبان بغير كبير: الغيبة والبول". وقال أحمد "وما يعذبان في كبير وبلى وما يعذبان إلا في الغيبة والنميمة والبول". أقول: إن الاهتمام بإنقاء البول من محال الاهتمام الكبرى عند المسلمين، ولذلك يستبرئون ويستنقون، ومن المستحبات أن يبول الإنسان قعداً لئلا يصيبه رشاش البول ويكره له البول قائماً إلا لعذر، ومن المستحبات ألا يبول في مهبِّ الريح لئلا تعود النجاسة إليه، وكما يحتاط لبدنه يحتاط لثيابه. 412 - * روى أبو داود عن عبد الرحمن بن حسنةَ قال: (انطلقُت أن وعمرو بن العاص إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج ومعه درقَةٌ، ثم استتر بها، ثم بال، فقلنا: انظُروا إليه يبُول كما تَبُول المرأة، فسمع ذلك، فقال، "ألم تعلموا ما لقي صاحبُ بني إسرائيل (1)؟

_ 411 - أحمد (5/ 35، 36). ابن ماجه (1/ 125) 1 - كتاب الطهارة، 26 - باب التشديد في البول. مجمع الزوائد (1/ 207) كتاب الطهارة، باب الاستنزاه من البول. وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله موثقون إلا شيخ الطبراني محمد بن أحمد بن جعفر الوكيعي المصري فإني لم أعرفه. 412 - النسائي (1/ 27، 28) كتاب الطهارة، 26 - البول إلى السترة. أبو داود (1/ 6) كتاب الطهارة، باب الاستبراء من البول. (الدرقةُ): الجحفة وأراد بها الترس من جلود، ليس فيه خشب والجحفةُ: التُّرْسُ. (صاحب بني إسرائيل): رجل منهم.

كانوا إذا أصابهم البولُ قطعوا ما أصابه البول منهم، فنهاهم، فعُذب في قبره". 413 - * روى أحمد عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عشْرٌ من الفطرة: قَصُّ الشارب، وإعفاء اللحية، والسواكُ، والاستنشاقُ، وقصُّ الأظفار، وغسلُ البراجم، ونتفُ الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء" قال مصعب: نسيتُ العاشرة، إلا أن تكون المضمضة. قال البغوي: قوله: "من الفطرة" فسر أكثر أهل العلم "الفطرة" في هذا الحديث أنها السُّنة، وتأويله: أن هذه الخصال من سُنن الأنبياء صلوات الله عليهم الذين أُمرنا أن نقتدي بهم، وأولُ من أمر بها إبراهيم صلى الله عليه وسلم فذلك قوله: (? ہ ہ ہ ہ ھ) (1). وكُره قصُّ اللحية ا. هـ، وقد ذكر ابن الرفعة بأن الشافعي رضي الله عنه نص على التحريم (شعيب) وغسلُ البراجم: معناه: معالجةُ المواضع التي تتسخُ فيجتمعُ فيها الوسخ بالغسل والتنظيف، وأصل البراجِم: العُقَد التي تكون في ظهور الأصابع: وانتقاص الماء: هو الاستنجاء بالماء، وقيل: معناه: انتقصا البول بالماء، وهو أن يغسل ذكره، فإنه إذا غسل الذكر ارتد البول، ولم ينزل، فإن لم يغسل، نزل منه شيءٌ، وقيل: هو الانتضاح. أماكن قضاء الحاجة والأماكن المنهي عنها: أقول: حكمة الابتعاد عن الناس لقضاء الحاجة واضحة، وهي ألا يسمع الناس من قاضي الحاجة صوتاً أو يتأذوا برائحة أو يروا عورة، وهذه القضايا يحتاط لها الإنسان إذا كان منه أحد قريباً بالقدر المستطاع، وينبغي أن يلاحظ مهندسو البناء أن يضعوا الحمامات

_ = (قطعوا ما أصابه البول منهم) أي من الثياب. (فعذب في قبره) أي الذي نهاهم. 413 - أحمد (6/ 136). مسلم (1/ 223) 2 - كتاب الطهارة، 16 - باب خصال الفطرة. الترمذي (5/ 91، 92) 44 - كتاب الأدب، 14 - باب ما جاء في تقليم الأظفار. (1) البقرة: 124.

والمراحيض في أمكنة يسهل الوصول إليها ويراعى فيها ما ذكرناه. 414 - * روى الترمذي عن المغيرة بن شُعبة رضي الله عنه قال: "كنتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم حاجته، وأبعد في المذْهب". وعند أبي داود (1) "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذهب المذْهب أبْعَدَ". وفي رواية النسائي (2) "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذهب المذْهَب أبعد، قال: فذهب لحاجته وهو في بعض أسفاره، فقال: ائتني بوضوءٍ، فتوضأ ومسح على الخفين". 415 - * روى أبو داود عن اجبر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان إذا أراد البزار انطلق حتى لا يراه أحدٌ". عن ابن عمر كان النبي صلى الله عليه وسلم يذهب لحاجته في المغمس، قال نافع: نحو ميلين من مكة. للموصلي ورجاله ثقات من أهل الصحيح. أقول: قال العلماء: الاستتار وعدم كشف العورة عمن يراه واجب أثناء الاستنجاء وقضاء الحاجة لحرمته والفسق به، ويمسح المخرج من تحت الثياب، وأما الحديث أثناء قضاء الحاجة مع الغير، فإذا كانت العورات مكشوفة لبعضهم بعضاً، فذلك حرام، وإن لم تكن مكشوفة فإنه مكروه، وإذا تعارض كشف العورة مع الاستنجاء يترك الاستنجاء لوقت آخر. 416 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

_ 414 - الترمذي (1/ 32) أبواب الطهارة 16 - باب ما جاء أن النبي كان إذا أراد الحاجة أبعد في المذهب. (1) أبو داود (1/ 1) كتاب الطهارة 1 - باب التخلي عند قضاء الحاجة. (2) النسائي (1/ 18) كتاب الطهارة، 16 - الإبعاد عن إرادة الحاجة. إسناده حسن. (المذهب) المذهب هاهنا: موضع قضاء الحاجة، كالغائط والخلاء. والمرفق، وهو موضع الذهاب. 415 - أبو داود (1/ 1) كتاب الطهارة 1 - باب التخلي عند قضاء الحاجة. 416 - مسلم (1/ 226) 2 - كتاب الطهارة، 20 - باب النهي عن التخلي في الطرق والظلال. أبو داود (1/ 7) كتاب الطهارة - باب المواضع التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البول فيها.

"اتقوا اللاعنين"، قيل: "وما اللاعنان؟ قال: "الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم". 417 - * روى أبو داود عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل". أقول: قال الفقهاء: ولا يقضي حاجة تحت شجرة مثمرة لئلا تسقط عليه الثمرة، قال الشافعية: وكذا في غير وقت الثمر، وأجازه الحنابلة في غير حال الثمر إذا لم يكن المحل يستظل به الناس ويرتفقون به. 418 - * روى أبو داود عن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يُبال في الجُحْرِ". وفي رواية النسائي (1) قال: "لا يبُولن أحدكم في جُحرٍ". أقول: الكراهة في البول في الجحر أو الشق أو الثقب بسبب ما يحتمل أن يكون فهيا من أحياء، وبعضها قد يخرج بسبب ذلك فيؤذي.

_ 417 - أبو داود (1/ 7) 1 - كتاب الطهارة 14 - باب المواضع التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البول فها. (اللاعنين والملاعن) الملاعن: جمع معلنة، وهي الفعلةُ التي يُلعنُ فاعلها، كأنها مظنةُ اللعنِ، كما يقال للولد: مبخلةٌ مجبنةٌ، وأما (اللاعنان) فالأمران الجالبان للعنِ، الباعثان للناس عليه، لأن ذلك سبب للعن من فعله في هذه المواضع المسماة في الحديث، فسميت لاعنة لكونها سبباً للعن، وهي المواضع المطروقة، والظلال التي يستظل بها، فاللاعن: اسم فاعل من لعن، واللعان: بناء للمبالغة، والملاعنُ: الأماكن التي تُوجب اللعن، قال الخطابي: وقوله: "والظل" إنما يريد به: المواضع التي يتخذها الناس مقيلاً ومناخاً ينزلونه، وليس كل ظل يحرمُ القعود فيه للحاجة، فإن النبي صلى الله علي وسلم قد قعد تحت حائشٍ من النخل، و"المواردُ": مجاري الماء. (البراز) بفتح الباء:: موضع قضاء الحاجة، وإنه في الأصل: الفضاء الواسع من الأرض، فكنوا به عن حاجة الإنسان، كما كنوا بالخلاء عنه، قال الخطابي: وأكثر الرواة يروونه بكسر الباء، وهو غلط، قال: وفيه من الأدب: استحباب البعد عند قضاء الحاجة. (قارعة الطريق) وسطها وأعلاها والمواضع التي يطُؤها الناس. (ابن الأثير). 418 - أبو داود (1/ 8) كتاب الطهارة 16 - باب النهي عن البول في الجُحْر. (1) النسائي (1/ 33) كتاب الطهارة 30 - باب كراهية البول في الجحر، وإسناده حسن. (الجُحْر): الثقب، وجمعه جِحَرَةٌ.

419 - * روى الترمذي عن عبد الله بن مغفلٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لايبولن أحدكم في مستحمه، فإن عامة الوسواس منه". وفي رواية (1) أبي داود زيادة بعد "مستحمِّه": ثم "يغتسل فيه" وفي أخرى (2) "ثم يتوضأ فيه ... " الحديث. وزاد القزويني أنه سمع الطنافسي يقول إنما هذا في الحفيرة، وأما اليوم فمغتسلاتهم الجص والصاروج والقير فإذا بال فأرسل عليه الماء فلا بأس. وقال ابن المبارك: قد وُسِّعَ في المُغْتَسَلِ إذا جرى فيه الماء. 420 - * روى أبو داود عن أميمة بنت رُقيقة قالت: "كان للنبي صلى الله عليه وسلم قدحٌ من عيدان تحت سريره يبولُ فيه من الليل". وعند النسائي (3) "كان للنبي صلى الله عليه وسلم: قدح من عيدانٍ يبُول فيه، ويضعه تحت السرير". أقول: وذلك يدل على جواز أن يفعل الإنسان ذلك في بيته على أن يتخلص منه في أقرب فرصة، ومن كلام الفقهاء: يحرم البول في مسجد ولو في إناء لأن ذلك لا يصح له.

_ 419 - الترمذي (1/ 33) أبواب الطهارة 170 باب ما جاء في كراهية البول في المغتسل. النسائي (1/ 34) كتاب الطهارة - باب كراهية البول في المستحم. (1) أبو داود (1/ 7) كتاب الطهارة 15 - باب في البول في المستحم. (2) أحمد (5/ 56)، وهو حسن كما قال الحافظ في "التلخيص" وصححه ابن خزيمة وقد ضعفه بعضهم. (الصاروج) النَّورة وأخلاطها، (القير): القار. (مستحمه) المستحمُّ: موضع الاستحمام، وهو الاغتسال، وسمي مستحماً باسم الحميم، وهو الماء الحار الذي يغتسل به، وإنما يُنهى عن ذلك إذا كان المكان صُلباً، أو لم يكن له مسلكٌ يذهب فيه البول ويسيل، فيوهم المغتسل أنه أصابه شيء من قطره ورشاشه، فيحصل منه الوسواس، [والوسواس] ما يحصل في النفس من الأحاديث والأفكار التي تزعجه، ولا تدعه يستقر على حال. 420 - أبو داود (1/ 7) كتاب الطهارة - باب في الرجل يبول بالليل في الإناء ثم يضعه عنده. (3) النسائي (1/ 31) كتاب الطهارة 28 - باب البول في الإناء.

421 - * روى الطبراني في الأوساط عن بكر بن ماعز قال سمعت عبد الله بن يزيد يحدثُ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يُنقعُ بول في طستٍ في البيت فإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه بول منتقعٌ ولا تبولنَّ في مغتسلك". أقول: ولهذا الحديث قلنا إن على الإنسان أن يتخلص من البول في أقرب فرصة ونحب هاهنا أن نشير إلى موضوع مهم جداً وهو أنه إذا تعارضت مصلحة الإنسان المباحة مع أدب الملائكة فللإنسان أن يفعل ماهو مصلحته، كأكله الثوم في بيته دون أن يؤذي أحداً من البشر. 422 - * روى الطبراني عن حذيفة بن أسيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من آذى المسلمين في طُرقهم وجبت عليه لعنتُهم". حكم استقبال القبلة واستدبارها: 423 - * روى الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يستقبل القِبلةَ ولم يستدبرها في الغائط كُتبتْ له حسنةٌ ومُحي عنه سيئةٌ". 424 - * روى الشيخان عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتيتُمُ الغائط فلا تستقبلوا القِبلةَ ولا تستدبرها، ولكن شرقوا أو غربوا"،

_ 421 - مجمع الزوائد (1/ 204) كتاب الطهارة، باب ما نهى عن التخلي فيه وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن. (النقع): الماء الناقع وهو المجتمع. 422 - الطبراني (3/ 179). مجمع الزوائد (1/ 204) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، وإسناده حسن. 423 - مجمع الزوائد (1/ 206) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح إلا شيخ الطبراني وشيخ شيخه وهما ثقتان. 424 - البخاري (1/ 498) 8 - كتاب الصلاة، 29 - باب قبلة أهل المدينة وأهل الشام بالمشرق. مسلم (1/ 224) 2 - كتاب الطهارة، 17 - باب الاستطابة. أبو داود (1/ 3) كتاب الطهارة، 4 - باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة. الترمذي (1/ 13) أبواب الطهارة، 6 - باب في النهي عن استقبال القبلة بغائط أو ببول.

قال أبو أيوب: فلما قدِمنا الشام وجدنا مراحيض قد بُنيتْ قِبَلَ القِبلةِ، فنَنْحرِف عنها ونستغفر الله عز وجل". وفي رواية (1) الموطأ: قال رافعُ بن إسحاق - مولى لآل الشفاء، وكان يقال له: مولى أبي طلحة- أنه سمع أبا أيوب الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهو بمصر يقول: (والله ما أدري كيف أصنع بهذه الكراييس، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ذهب أحدُكم لغائطٍ أو بولٍ، فلا يستقبل القِبلة ولا يستدبرها بفرْجه؟ ". وأخرج النسائي (2) رواية الموطأ. وله في أخرى (3): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تستقبلوا القِبلة، ولا تستدبروها بغائطٍ أو بولٍ ولكن شرِّقوا أو غرِّبوا". 425 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها". وفي رواية أبي داود (4) والنسائي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما أنا لكم بمنزلة

_ (1) الموطأ (1/ 153) 14 - كتاب القبلة، 1 - باب النهي عن استقبال القبلة والإنسان على حاجته. (2) النسائي (1/ 21) كتاب الطهارة، 19 - النهي عن استقبال القبلة عند لحاجة. (3) النسائي (1/ 22) نفس الموضع. (الغائط): الموضع المنخفض من الأرض، وكان مخصوصاً بمواضع قضاء الحاجة، فسُميت الحاجة باسم مكانها مجازاً. (المراحيض): جمع مِرْحاض، وهو المغتسل ومواضع قضاء الحاجة من الرحْضِ، وهو الغسل. (الكراييس) بياءين معجمتين بنقطتين من تحت كرياس، وهو الكنيف المشرف على سطح بقناةٍ إلى الأرض، فإذا كان أسفل فليس بكرياس. (شرقوا أو غربوا) قوله: شرقوا أو غربوا، أمر لأهل المدينة، ولمن كانت قِبْلَتهُ على ذلك السمت، فأما من كانت قبلته إلى جهة الغرب أو الشرق، فإنه لا يغرِّب ولا يشرِّق ابن الأثير. 425 - مسلم (1/ 224) 2 - كتاب الطهارة، 17 - باب الاستطابة. (4) أبو داود (1/ 3) كتاب الطهارة، 4 - باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة. النسائي (1/ 38) كتاب الطهارة، 36 - باب النهي عن الاستطابة بالروث.

الوالد، أعلْمُكم، فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القِبلة ولا يستدبرها، ولا يستطب بيمينه، وكان يأمرُ بثلاثة أحجارٍ، وينهى عن الرَّوْثِ والرِّمَّة". 426 - * روى أبو داود عن مروان الأصفر قال: "رأيتُ ابن عمر أناخ راحلتهُ مستقبلَ القِبْلَة، ثم جلس يبول إليها، فقلت: أبا عبد الرحمن، أليس قد نُهي عن هذا؟ قال: بلى، إنما نُهي عن ذلك في الفضاء، فإذا كان بينك وبين القِبْلة شيء يسْتُرُك فلا بأس". 427 - * روى أبو داود عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببولٍ، فرأيته قبل أن يُقْبَضَ بعامٍ يستقبلها". 428 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "ارْتَقَيْتُ فوق بيت حفصة لبعض حاجتي، فرأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجتهُ مستقبل الشام، مستدبر القِبْلَةِ". وفي رواية (1) للبخاري ومسلم: "أن ابن عمر كان يقول: "إن ناساً يقولون: إذا

_ (1) (يستطبْ) الاستطابةُ: الاستنجاء، لأن الرجل يُطيب نفسه بالاستنجاء من الخبث، والاستنجاء: إزالة أثر النجوة - وهو الغائط - عن بدنه، وأصله في اللغة: الذهاب إلى النجوة من الأرض لقضاء الحاجة، وهو الموضع المرتفع من الأرض، وكانوا يستترون به إذا قعدوا لقضاء الحاجة، فكنوا بها عن الحدث، كما كنوْا عنه بالغائط، وهو المطمئن من الأرض، وبالبراز، وهو الفسيح من الأرض. (الرمة) الرمة: العظم البالي، و (الروثُ) الغائط. قال الخطابي: واستثناؤه الروث والرمة مخصصا: يدل على أن أعيان الحجارة غير مخصصة بالاستنجاء دون غيرها، لأن تخصيص الروث والرمة بالاستثناء يدل على دخول ما عداهما في حكم الحجارة، وإنما ذكر الحجارة، لأنها كانت أكثر الأشياء وجوداً مما يستنجي به. (الروث) في الأصل: رجيع ذوات الحافر. 426 - أبو داود (1/ 3) كتاب الطهارة، 4 - باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة، وهو حديث حسن. 427 - أبو داود (1/ 4) نفس الموضع السابق. الترمذي (1/! 5) أبوبا الطهارة، 7 - باب ما جاء من الرخصة في ذلك. وقال الحافظ في "التلخيص" (1/ 104) في الاحتجاج به نظر، لأنها حكاية فعل لا عموم لا، فيحتمل أن يكون لعذر، ويحتمل أن يكون من نسيان ونحوه. 428 - البخاري (1/ 250) 4 - كتاب الوضوء، 14 - باب التبرز في البيوت. مسلم (1/ 225) 2 - كتب الطهارة، 17 - باب الاستطابة. الترمذي (1/ 16) أبواب الطهارة، 7 - باب ما جاء في الرخصة في ذلك. (1) البخاري (1/ 247) 4 - كتاب الوضوء، 12 - باب من تبرز على لبنتين.

قعدت على حاجتك فلا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس، فقال عبد الله بن عمر: لقد ارتقيت يوماً على ظهر بيتٍ لنا، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على لبنتين، مستقبل بيت المقدس لحاجته، وقال: لعلك من الذين يُصلُّون على أوراكهم؟ فقلت: لا أدري والله"، قال مالك: يعني الذي يصلي ولا يرتفع عن الأرض، يسجُد وهو لاصقٌ بالأرض. أقول: يكره تحريماً عند الحنفية: استقبال القبلة واستدبارها حال قضاء الحاجة ولو في البنيان، وقال الجمهور غير الحنفية: لا يكره ذلك في المكان المُعَدِّ لقضاء الحاجة، ويحرم استقبالها واستدبارها في البناء غير المعد لقضاء الحاجة وفي الصحراء بدون ساتر مرتفع بقدر ثلثي ذراع تقريباً فأكثر، ولا يبعد عنه أكثر من ثلاثة أذرع، ويكره استقبال عين الشمس والقمر بفرجه، ومما ينبغي أن يراعيه المسلم في بنائه أن لا يجعل المراحيض مستقبلة أو مستدبرة القبلة مراعاة للوارد في ذلك، ولفهم الحنفية في هذا الشأن، فالخروج من الخلاف حيث لا يترتب عليه ضرر أو مكروه عند الآخرين مستحب لدى العلماء. (انظر الدر المختار 1/ 228 والشرح الصغير 1/ 93 والمغني 1/ 162 - 163). حكم البول قائماً: 429 - * روى الشيخان عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: "كنتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم، فانتهى إلى سُباطةِ قومٍ، فبال قائماً، فتنحيتُ، فقال: "ادْنُهْ"، فدنوتُ حتى كنت عند عقبيه، فتوضأ، ومسح على خفيه". وفي رواية (1) عن أبي وائل قال: "كان أبو موسى يُشددُ في البول ويبول في قارورة،

_ = ومسلم الموضع السابق. 429 - البخاري (1/ 328) 4 - كتاب الوضوء، 60 - باب البول قائماً وقاعداً، 61 - باب البول عند صاحبه والتستر بالحائط، (5 - 117) 46 - كتاب المظالم، 27 - باب الوقوف والبول عند سباطة القوم. مسلم (1/ 228) 2 - كتاب الطهارة، 22 - باب المسح على الخفين. (1) مسلم، نفس الموضع السابق. (ادْنه) أمرٌ بالدنو، والهاء فيه للسكت. (انتبذت) الانتباذ: الانفراد والاعتزال ناحية. (سباطة) السباطة: الكناسة والزبالة.

ويقول: إن بني إسرائيل كانت إذا أصاب جلدَ أحدهم بولٌ قرضه بالمقاريض، فقال حذيفة: لوددتُ أن صاحبكم لا يُشدد هذا التشديد، فلقد رأيتُني أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نتماشى، فأتى سُباطة قومس خلف حائطٍ، فقام كما يقوم أحدكم، فبال فانتبذْتُ منه، فأشار إليَّ، فجئتُ، فقمتُ عند عقبه صلى الله عليه وسلم، حتى فرغ". قال الخطابيُّ: سبب بوله قائماً: إما مرض اضطره إليه، كما قد روي "أنه صلى الله عليه وسلم بال قائماً من وجعٍ كان بمأبضْيه" والمأبِض: باطن الركبة، وقيل: للتداوي من وجع الصلب، فإنهم كانوا يتداوون بذلك من وجع أصلابهم، أو أن المكان اضطرَّه إليه، لأنه لم يجدْ للقعود سبيلاً، وفيه أن مُدافعة البول مكروهة، لأنه صلى الله لعيه وسلم (بال قائماً، في السباطة) ولم يؤخرْ ذلك، وأما إدناؤه [حذيفة] إليه مع إبعاده عند الحاجة، فلأن السباطة إنما تكون في أفنية الناس، ولا تخلو من لمار، فأدناه إليه ليستتر به. (ابن الأثير). 430 - * روى مالك عن نافع - مولى ابن عمر - رضي الله عنهم قال: "رأيتُ ابن عمر يبُولُ قائماً". قال الحافظ في الفتح: أقول: إن السنة شبه الدائمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم البول قاعداً، وبذلك استحب العلماء للإنسان أن يبول قاعداً إلا لعذر. 431 - * روى الترمذي عن عائشة قالت: "من حدثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول قائماً فلا تصدقوه".

_ 430 - الموطأ (1/ 65) 2 - كتاب الطهارة، 31 - باب ما جاء في البول قائماً وغيره. قال الحافظ في "الفتح": (1/ 285) قد ثبت عن عمر وعليّ وزيد بن ثابت وغيرهم أنهم بالوا قياماً وهو دال على الجواز من غير كراهة إذا أمن الرشاش، والله أعلم، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عنه شيء. 431 - الترمذي (1/ 17) أبواب الطهارة، 8 - باب ما جاء في النهي عن البول قائماً. النسائي (1/ 26) كتاب الطهارة، 25 - باب البول في البيت جالساً. ابن ماجه (1/ 112) 1 - كتاب الطهارة وسننها، 14 - باب في البول قاعداً. قال محقق شرح السنة (1/ 387). "وفيه شريك بن عبد الله القاضي، وهو سيء الحفظ، لكن تابعه سفيان عند أحمد 6/ 136، 192 وإسناده صحيح، وروى البزار بسند صحيح من حديث بريدة مرفوعاً "من الجفاء أن بول الرجل قائماً".

الاستتار عند قضاء الحاجة وعدم الكلام

الاستتار عند قضاء الحاجة وعدم الكلام: 432 - * روى مسلم عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: "أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه، فأسر إليَّ حديثاً لا أحدثُ به أحداً من الناس، وكان أحبُّ ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته هدفٌ أو حائشُ نخلٍ. فقال في رواية (1): يعني: حائط نخل". 433 - * روى أحمد عن أبي سعيد رضي الله عن قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما يتحدثان، فإن الله يمقتُ على ذلك". من آداب قضاء الحاجة: 434 - * روى أبو داود عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء وضع خاتمه".

_ 432 - مسلم (1/ 268، 269) 3 - كتاب الحيض، 20 - باب ما يستتر به لقضاء الحاجة. (1) في نفس الموضع. (هدف) الهدف: كل شيء مرتفع، ومنه الهدف المتخذ للرمي. (حائش) الحائش: الحائط من النخل، و"العورة" كل ما يُستحيي منه إذا انكشف من الإنسان، وهي من الرجل: ما بين الركبة والسُّرة، ومن المرأة الحرة: جميع بدنها، إلا الوجه واليدين إلى الرسغين، وفي أخمصها وجهان. (ابن الأثير). 432 - أحمد (3/ 36). أبو داود (1/ 4) كتاب الطهارة، 7 - باب كراهية الكلام عند الحاجة. ابن ماجه (1/ 123) 1 - كتاب الطهارة وسننها، 24 - باب النهي عن الاجتماع على الخلاء، والحديث عنده. قال محقق شرح السنة: "وفي سنده عياض بن هلال الأنصاري، ويقال: هلال بن عياض هو مجهول تفرد يحيى بن أبي كثير بالرواية عنه أقول: صححه ابن حبان والحاكم وقال الحاكم: عياض بن هلال الأنصاري شيخ من التابعين مشهور. 434 - أبو داود (1/ 5) كتاب الطهارة، 10 - باب الخاتم يكون فيه ذكر الله يدخل به الخلاء. قال المنذري: الصواب عندي تصحيحه فإن رواته ثقات أثبات. قال محقق الجامع (وإنما نزع خاتمه لأنه كان مكتوباً عليه محمد رسول الله) وهو عند الحاكم ورواه البيهقي أيضاً، ووهم النووي والمنذري في كلامهما على المهذب، فقالا: هذا من كلام المصنف، لا في الحديث، ولكنه صحيح من طريق أخرى في أن نقش الخاتم كان كذلك، ثم قال: كلامهما مستقيم لأنه ليس في السياق الجزم بالتعليل المذكور، وإن كان فيه حكاية النقش.

الأذكار المأثورة لمن يريد قضاء الحاجة

أقول: يندب لمن يريد قضاء الحاجة ألا يحمل مكتوباً ذُكرَ اسم الله عليه أو فيه اسم مكرم. 435 - * روى ابن خزيمة عن ابن عمر: "أن رجلاً مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلم عليه فلم يردَّ عليه السلام". الأذكار المأثورة لمن يريد قضاء الحاجة: 436 - * روى الجماعة إلا الموطأ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء" يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث". وفي رواية (1): "إذا أراد أن يدخل الخلاء"، وفي أخرى (2) "كان إذا دخل الكنيف". فائدة: (إذا دخل الخلاء): يعني أراد دخول الخلاء مثل (إذا قمتم إلى الصلاة) أي إذا أردتم الصلاة وقصدتم ذلك، والمراد أن الأذكار المأثورة يستحب قولها قبل أن يدخل الإنسان موطن النجاسة أو يكشف عورته، وكذلك أذكار ما بعد قضاء الحاجة، تكون بعد ستر العورة والخروج من محل النجاسة، وإذا عطس حمد الله بقلبه. 437 - * روى أبو داود عن زيد بن أرقم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن

_ 435 - ابن خزيمة (1/ 40) 56 - باب كراهية رد السلام يسلم على البائل، وإسناده صحيح. 436 - البخاري (1/ 242) 4 - كتاب الوضوء، 9 - باب ما يقول عند الخلاء. مسلم (1/ 283) 3 - كتاب الحيض، 32 - باب ما يقول إذا أراد دخول الخلاء. أبو داود (1/ 2) كتاب الطهارة، 3 - باب ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء. الترمذي (1/ 10) أبواب الطهارة، 4 - باب ما يقول إذا دخل الخلاء. النسائي (1/ 20) كتاب الطهارة، 18 - ما يقول عند دخول الخلاء. ابن ماجه (1/ 109) 1 - كتاب الطهارة وسننها، 9 - باب ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء. (1) البخاري، نفس الموضع السابق. (2) مسلم (1/ 283) 3 - كتاب الحيض، 32 - باب ما يقول إذا أراد دخول الخلاء. (الخُبْثُ) بسكون الباء: خلاف طيب الفعل من فجورٍ وغيره، وبضمها: جمع خبيث، والخبائث: جمع خبيثة، والمراد بهما: شياطين الجن والإنس، ذُكرانهم وإناثُهم، قال الخطابي: عامة أصحاب الحديث يقولون: "الخُبْثُ" ساكنة الباء، وهو خطأ، والصواب: ضمها. (ابن الأثير). 437 - أبو داود (1/ 2) كتاب الطهارة، 3 - باب ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء، وإسناده صحيح. =

هذه الحُشوش محترة، فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل: أعوذ بالله من الخبث والخبائث". 438 - * روى أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عيه وسلم إذا خرج من الخلاء، قال: "غُفرانك". 439 - * روى الترمذي عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ستْرُ ما بين أعين الجِنِّ وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء أن يقول: بسم الله". حكم غسل اليدين بعد قضاء الحاجة: 440 - * روى أبو داود عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال (1): "أقبَلَ رسول الله

_ = (الحشوش) جمع حُشّ، والمراد به: مواضع قضاء الحاجة، وأصل الحش: جماعة النخل الكثيفة، وكانوا كثيراً ما يقضون حوائجهم فيها قبل اتخاذ الكُنُفِ في البيوت وفيه لغتان: ضمُّ الحاء وفتحها. ومعنى قوله: "محتضرة": يحضرها الجن والشياطين، ومنه قوله تعالى: (وأعوذ بك رب أن يحضرون) [المؤمنون: 98]. 438 - أحمد (6/ 155). أبو داود (1/ 8) كتاب الطهارة، 17 - باب مايقول الرجل إذا خرج من الخلاء. الترمذي (1/ 12) أبواب الطهارة، 5 - باب ما يقول إذا خرج من الخلاء. وقال النووي في "المجموع" هو حديث حسن صحيح. (غفرانك) الغفران: مصدر، وإنما نصبه بإضمار: أطلب، وقيل: في اختصاص هذا الدعاء قولان، أحدهما: التوبة من تقصيره في شكر النعمة التي أنعم بها عليه: من إطعامه، وهضمه، وتسهيل مخرجه، فرأى أن شُكره قاصر عن بلوغ حق هذه النعمة، ففزع إلى الاستغفار منه، والثاني: أنه استغفر من تركه ذكر الله سبحانه مدة لبثه على الخلاء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يترك ذكر الله إلا عند قضاء الحاجة، فكأنه رأى ذلك تقصيراً فتداركه بالاستغفار: (ابن الأثير). 439 - الترمذي (2/ 503، 504) أبواب الصلاة، 426 - باب ما ذكر من التسمية عند دخول الخلاء. ابن ماجه (1/ 109) 1 - كتاب الطهارة وسننها، 9 - باب ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء وفي سنده الحكم بن عبد الله النصري لم يوثقه غير ابن حبان، وللحديث شاهد يتقوى به، وعن أنس مرفوعاً: (ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا وضعوا ثيابهم أن يقولوا: بسم الله)، قوال الهيثمي في المجمع (1/ 205) رواه الطبراني بإسنادين، أحدهما: فيه سعد بن مسلمة الأموي، ضعفه البخاري وغيره، ووثقه ابن حبان، وابن عدي، وبقية رجاله موثقون. 440 - أبو داود (3/ 346) كتاب الأطعمة، باب في طعام الفجاءة.

وسائل الاستنجاء وكيفيته

صلى الله عليه وسلم من شعبٍ من الجبلِ وقد قضى حاجته، وبين أيدينا تمرٌ على تُرْسٍ، أو جحفةٍ، فدعوناه، فأكل معنا، وما مس ماء". 441 - * روى مسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوماً من الخلاء، فقُدم إليه طعامٌ، فقالوا: ألا نأتيك بوضوءٍ؟ قال: "إنما أُمرت بالوضوء إذا قمتُ إلى الصلاة". وفي رواية (1) فقال: "أريدُ أن أصلي فأتوضأ؟ ". وفي أخرى (2): "قضى حاجته من الخلاء، فقرب إليه الطعام، فأكل، ولم يمس ماء". أقول: يستحب لمن قضى حاجته واستنجى أن يغسل يديه، وإذا لم تكن عليهما نجاسة فلا حرج أن يأكل بهما، قد بين هذان الحديثان هذا المعنى الأخير لرفع الحرج عن الأمة. وسائل الاستنجاء وكيفيته: 442 - * روى مسلم عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قيل له: د علمكُمْ نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيءٍ حتى الخِراءةَ؟ قال: فقال: أجلْ، لقد نهانا أن نستقبل القِبْلَة بغائطٍ أو بولٍ، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثةِ أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو بعظمٍ".

_ 441 - مسلم (1/ 282) 3 - كتاب الحيض 31 - باب جواز أكل المحدث الطعام وأنه لا كراهة في ذلك وأن الوضوء ليس على الفور. (1) مسلم (1/ 283) 3 - كتاب الحيض 31 - باب جواز أكل المحدث الطعام وأنه لا كراهة في ذلك وأن الوضوء ليس على الفور. (2) في نفس الموضع السابق. 442 - مسلم (1/ 223) 2 - كتاب الطهارة 17 - باب الاستطابة. أبو داود (1/ 3) كتاب الطهارة، 4 - باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة. الترمذي (1/ 24) أبوب الطهارة 12 - باب الاستنجاء بالحجارة وقال الترمذي: حديث سلمان في هذا الباب حديث حسن صحيح.

وفي رواية (1) قال: "قال له المشركون: إنا نرى صاحبكم يعلمُكم، حتى يعلمكم الخراءة؟ فقال: أجل، إنه نهانا أن يستنجي أحدنا بيمينه، أو يستقبل القِبْلة، ونهى عن الرَّوْث والعظام، وقال: لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار". (نهانا أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار) فيه: بيان أن الاستنجاء أحدُ الطهرين، فإن لم يستعمل الماء فلابد له من الحجر، وبيان أن الاقتصار على دون الثلاثة لا يجزيء وإن أنقى، لأنه علم أن الإنقاء قد يحصل بدون الثلاثة، ومع هذا اشترط الثلاثة، وكان اشتراطها تعبداً وشرطاً في صحة الطهارة. قاله ابن الأثير وهو شافعي، وقد مر معنا أن الحنفية والمالكية عندهم العبرة للإنقاء ولا يجب عدد الثلاثة بل يستحب، وأما عدد الغسلات حال الاستنجاء بالماء فالصحيح انه مفوض إلى الرأي حتى يطمئن القلب للطهارة بيقين أو غلبة ظن. (نهانا أن يستنجي أحدنا بيمينه) النهيُّ عن الاستنجاء باليمين في قول أكثر العلماء: نهيُ تأديبٍ وتنزيهٍ، لأنها مرصدة للأكل والشرب وأكثر الآداب، فنُزِّهتْ عن مباشرة النجاسة. 443 - * روى أحمد عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا استجمر أحدُكم فليستجمرْ ثلاثاً". وفي رواية (2) "إذا تغوط أحدكم فليمسحْ ثلاثَ مراتٍ".

_ (1) مسلم (1/ 224) 2 - كتاب الطهارة 17 - باب الاستطابة. (الخِراءة) قال الخطابي "الخراءة" مكسورة الخاء ممدودة الألف: التخلي والقعود للحاجة، قال: وأكثر الرواة يفتحون الخاء، ولا يمدون الألف. قال ابن الأثير: وقد قال الجوهري في كتاب (الصحاح): إنها الخراءة بالفتح والمد، وهذا لفظه، قال: وقد خريء خراءةً، مثل كره كراهةً ويحتمل أن يكون بالفتح المصدر، وبالكسر الاسم. برجيع، الرجيع: الروْثُ والعذرة، وإنما سمي رجيعاً، لأنه يجرع عن حالته الأولى بعد أن كان طعاماً وعلفاً وغير ذلك. 443 - أحمد (3/ 400). (2) أحمد (3/ 336) مجمع الزوائد (1/ 211) وقال الهيثمي: رواهما أحمد ورجال "إذا استجمر أحدكم" ثقات.

444 - * روى الطبراني عن طارق بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا استجمرتم فأوتروا وإذا توضأتم فاستنثروا". 445 - * روى البزار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استجمر أحدُكم فليوتر إن الله وتِر يحبُ الوتر، أما ترى أن السماوات سبعاً والأرضين سبعاً والطواف سبعاً وذكر أشياء". أقول: نصبت كلمة (سبعاً) في الحديث مع أن ظاهرها أنها خبر (أن) فمحلها الرفع، لكنها نصبت على تقدير أنها خلقت أو جعلت سبعاً والله أعلم. 446 - * روى البزار عن علقمة قال: قال رجل من المشركين لعبد الله: إني لأحسب صاحبكم قد علمكم لك شيء حتى علمكُم كيف تأتون الخلاء، قال: إن كنت مستهزئاً فقد علمنا أن لا نستقبل القبلة بفروجنا وأحسبه قال: ولا نستنجي بأيماننا ولا نستنجي بالرجيع ولا نستنجي بالعظم ولا نستنجي بدون ثلاثة أحجار. أقول: قال الحنفية والمالكية: يستحب الاستنجاء بثلاثة أحجار، ولا يجب ويكفي ما دونه إن حصل الإنقاء أو التنظيف به، وقال الشافعية والحنابلة: الواجب الإنقاء وإكمال الثلاثة، وإن لم تكف الثلاثة وجب الإنقاء بأربعة فأكثر، وإذا زاد عن الثلاثة سن الإيتار، ويكره تحريماً عند الحنفية الاستنجاء بالنجس كالبعر والروث، كما يكره بالعظم أو الطعام كما يكره الاستنجاء بغير قالع كالزجاج ويكره الاستنجاء باليد اليمنى إلا لعذر، هناك أرواث مختلفٌ في طهارتها، فإنه يكره الاستنجاء بها لورود النص بذلك.

_ 444 - الطبراني "المعجم الكبير" (8/ 386). مجمع الزوائد (1/ 211) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون. (استنثروا): أي امتخطوا بعد استنشاق الماء. 445 - كشف الأستار (1/ 127) كتاب الطهارة، باب الاستنجاء بالحجر. مجمع الزوائد (1/ 211) وقال الهيثمي: رواه البزار والطبراني في الأوسط وزاد (والجمار) ورجاله رجال الصحيح. 446 - كشف الأستار (1/ 128) كتاب الطهارة، باب ما يفعل عند قضاء الحاجة. (الرجيع): العذرة والروث، لأنه رجع عن حالته الأولى بعد أن كان طعاماً أو علفاً ويلحق بالرجيع: جنس النجس. مجمع الزوائد (1/ 205) وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله موثقون.

447 - * روى الطبراني عن سُراقة بن مالك بن جُعْشُمٍ أنه كان إذا جاء من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث قومه وعلمهم، فقال له رجل يوماً، وهو كأنه يلعبُ ما بقي لسراقة إلا أن يعلمكم كيف التغوط؟ فقال سراقة: إذا ذهبتم إلى الغائط فاتقوا المجالس على الظل والطرائق خذوا النُّبل واستنشبوا على سوقكم واستجمروا وأوتروا. 448 - * روى أحمد عن عائشة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار يتطيب بهن فإنها تجزئ عنه". أقول: أدب قاضي الحاجة أن يهييء ما يستنجي به قبل قضائها، وأن يستجمر وتراً: أي ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً، وسيمر معنا تفصيل الحكم في ذلك، ومن مثل هذا الحديث نأخذ أنه ينبغي أن يحتوي المرحاض في بيت المسلم على ورق يصلح للاستنجاء، وعلى محل يضع فيه هذا الورق بعد استعماله، وقل مثل ذلك في المراحيض العامة كمراحيض المساجد. 449 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا استجمر أحدكم فليوتِرْ". 450 - * روى أبو داود عن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا بال أحدُكم فلا يمس ذكره بيمينه، وإذا أتى الخلاء فلا يتمسحْ بيمينه، وإذا شرب فلا يشرب نفساً واحداً". وللبخاري (1): "إذا بال أحدكم فلا يأخُذْ ذكره بيمينه، ولا يستَنْجِ بيمينه،

_ 447 - مجمع الزوائد (1/ 204) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن. (النبل) الحجارة التي يستنجي بها. (السوق) جمع ساق. 448 - أحمد (6/ 133). أبو داود (1/ 10، 11) كتاب الطهارة، 21 - باب الاستنجاء بالحجارة. الترمذي (1/ 24) أبواب الطهارة، 12 - باب الاستنجاء بالحجارة وهو حديث صحيح. 449 - مسلم (1/ 213) 2 - كتاب الطهارة، 8 - باب الإيتار في الاستنثار والاستجمار. (الاستجمار): هو الاستنجاء بالحجارة. 450 - أبو داود (1/ 8) كتاب الطهارة، 18 - باب كراهية مس الذكر باليمين في الاستبراء. (1) البخاري (1/ 254) 4 - كتاب الوضوء، 9 - باب لا يمسك ذكره بيمينه إذا بال.

ولا يتنفس في الإناء". وفي رواية لمسلم (1): أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتنفس في الإناء، وأن يمس ذكره بيمينه، وأن يستطيب بيمينه. وفي رواية الترمذي (2): أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يمس الرجلُ ذكرهُ بيمينه. 451 - * روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمنى لطهوره وطعامه، وكانت يده اليسرى لخلائه وما كان من أذى". 452 - * روى أبو داود عن حفصة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجعل يمينه لطعامه وشرابه وأخذه وعطائه، ويجعل شماله لما سوى ذلك". 453 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج لحاجته تبعتُه أنا وغلامٌ منا، معنا إداوةٌ من ماء- يعني: يستنجي به. وفي رواية قال (3): "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الخلاء، فأحمِلُ أنا وغلامٌ نحوي إداوة من ماء، وعنزةً، يستنجي بالماء". وفي أخرى (4): "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل حائطاً، وتبعه غلامٌ ومعه ميضاةٌ، وهو أصغرنا، فوضعها عند سدرةٍ، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته، فخرج علينا وقد استنجى بالماء".

_ (1) مسلم (1/ 225) 2 - كتاب الطهارة، 18 - باب النهي عن الاستنجاء باليمين. (2) الترمذي (1/ 23) أبواب الطهارة، باب ما جاء في كراهة الاستنجاء باليمين. 451 - أبو داود (1/ 9) كتاب الطهارة، 18 - باب كراهية مس الذكر باليمين في الاستبراء، وهو حديث حسن. 452 - أبو داود (1/ 8) كتاب الطهارة، 18 - باب كراهية مس الذكر باليمين في الاستبراء، وهو حديث حسن. 453 - البخاري (1/ 251) 4 - كتاب الوضوء، 16 - باب من حمل معه الماء لطهوره. مسلم (1/ 229) 2 - كتاب الطهارة، 22 - باب المسح على الخفين. (3) البخاري (1/ 252) 4 - كتاب الوضوء، 3 - باب حمل العنزة مع الماء في الاستنجاء. مسلم (1/ 227) 2 - كتاب الطهارة، 21 - باب الاستنجاء بالماء من التبرز. (4) مسلم (1/ 227) 2 - كتاب الطهارة، 21 - باب الاستنجاء بالماء من التبرز. (ميضأة) الميضأة: الإناء الذي يتوضأ منه كالإداوة ونحوها. (السدرة): شجر النبق.

أقول: هذا دليل على أن الماء وحده يكفي كما أن الحجر وحده يكفي والجمع بينهما أفضل قال العلماء وصفة الاستنجاء بالماء أن يفرغ الماء على يده اليسرى قبل أن يلاقي بها الأذى ثم يغسل القبل ثم يغسل الدبر ويوالي صب الماء ويدلكه بيده اليسرى ويسترخي قليلاً حتى ينقيَ. 454 - * روى الترمذي عن مُعاذة بنت عبد الرحمن أن عائشة قالت: "مُرن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء، فإني أستحييهم منه، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله". 455 - * روى النسائي عن جرير بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كنتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى الخلاء، فقضى الحاجة، ثم قال: "يا جرير، هات طهوراً" فأتيته بالماء، فاستنجى، وقال بيده، فدلك بها الأرض". قوله: (ودلك بها الأرض): دليل على أنه يستحب لمن استنجى أن يغسل يده بصابون أو نحه قياساً على الدلك في الأرض من أجل إزالة ما يمكن أن يكون قد تبقى من رائحة. 456 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "جاءني جبريل، فقال: يا محمد، إذا توضأت فانتضح". 457 - * روى مالك عن عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي "أنه سمع عمر بن الخطاب يتوضأ وضوءاً لما تحت إزاره". أقول: المراد بالأثر: الانتضاح الذي ذكره الحديث السابق.

_ 454 - الترمذي (1/ 30، 31) أبواب الطهارة، 15 - باب ما جاء في الاستنجاء بالماء. النسائي (1/ 431) كتاب الطهارة، 41 - الاستنجاء بالماء، وإسناده صحيح. 455 - النسائي (1/ 45) كتاب الطهارة، 43 - باب دلك اليد بالأرض بعد الاستنجاء، وهو حسن لغيره. 456 - الترمذي (1/ 71) أبواب الطهارة، 38 - باب ما جاء في النضح بعد الوضوء، وهو حسن بشواهده. (الانتضاح): رشُ الماء على الثوب ونحوه، والمراد به: أن يرش على فرجه بعد الوضوء ماء ليذهب عنه الوسواس الذي يعرض للإنسان، أنه قد خرج من ذكره بللٌ، فإذا كان ذلك المكان ندياً ذهب ذلك الوسواس، وقيل: أراد بالانتضاح: الاستنجاء بالماء، لأن الغالب كان من عادتهم أن يستنجوا بالحجارة. 457 - الموطأ (1/ 20) 2 - كتاب الطهارة، 1 - باب العلم في الوضوء وإسناده صحيح.

458 - * روى البزار عن انس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأهل قباء: "إن الله قد أحسن الثناء عليكم في الطهور، فما ذاك؟ " قالوا: تجمع في الاستنجاء بين الأحجار والماء. 459 - * روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجارٍ يستطيب بهن، فإنها تُجزئ عنه". أقول: تحدث الفقهاء عن صفة الاستنجاء بالحجارة فقالوا: يمسح بالحجر الأول من الأمام إلى الخلف، وبالثاني من الخلف إلى الأمام وبالثالث كالأول إذا كانت الخصية مدلاة، وكالثاني إذا كانت الخصية غير مدلاة، والمرأة تبتدأ من الأمام إلى الخلف وتثني وتثلث كذلك وقال الشافعية يبدأ بالأول من مقدم الصفحة اليمنى ويديره برفق إلى محل ابتدائه، وبالثاني من مقدم اليسرى ويديره كذلك، ويُمِرُّ الثالث على صفحته ومسربته جميعاً. (مراقي الفلاح 9 والمهذب 1/ 27). 460 - * روى البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائط، فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجارٍ، فوجدتُ حجرين، والتمست الثالث، فلم أجده، فأخذت روثة، فأتيته بها، فأخذ الحجرين، وألقى الروثة، وقال: "إنها رِكْسٌ". 461 - * روى الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال (1): قال رسول الله

_ 458 - البزار كشف الأستار (1/ 130) كتبا الطهارة، باب الجمع بين الماء والحجر. وهو حسن بشواهده. مجمع الزوائد (1/ 212) كتاب الطهارة، باب الجمع بين الماء والحجر وقال الهيثمي: رواه البزار وفيه محمد بن عبد العزيز بن عمر الزهري ضعفه البخاري والنسائي. 459 - أبو داود (1/ 11) كتاب الطهارة، باب الاستنجاء بالحجارة، وهو حسن بشواهده. النسائي (1/ 42) كتاب الطهارة، 30 - الاجتزاء في الاستطابة بالحجارة دون غيرها، وهو حديث حسن بشواهده. 460 - البخاري (1/ 256) 4 - كتاب الوضوء، 21 - باب لا يستنجي بروث. الترمذي (1/ 25) أبواب الطهارة، باب ما جاء في الاستنجاء بالحجرين. النسائي (1/ 39) كتاب الطهارة، 38 - الرخصة في الاستطابة بحجرين. (رِكْسٌ) قال أبو عبيد: هو شبيه بالرجيع، يقال: ركستُ الشيء وأركسته: إذا رددته. 461 - الترمذي (1/ 29) أبواب الطهارة، 14 - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به.

صلى الله عليه وسلم: "لا تستنجوا بالروث ولا بالعظم، فإنه زادُ إخوانكم من الجن". وقال: وقد روى عنه أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن .. الحديث بطوله. فقال الشعبي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تستنجوا بالروث ... " وذكر الحديث. وفي رواية النسائي (1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يستطيب أحدُكم بعظمٍ أو روثة. وفي رواية أبي (2) داود قال: "قدم وفد الجن على النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا محمد، انْه أمتك أن يستنجوا بعظمٍ أو روثةٍ أو حُمَمَةٍ، فإن الله عز وجل جعل لنا فيها رزقاً، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. 462 - * روى البخار يعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: اتبعْتُ النبي صلى الله عليه وسلم وقد خرج لحاجته، وكان لا يلتفتُ - فدنوتُ منه، فقال: "ابغني أحجاراً أستنفضُ بها" أو نحوه، طولا تأتني بعظمٍ ولا روث"، فأتيتُه بأحجارٍ بطرف ثيابي، فوضعتها إلى جنبه، وأعرضتُ عنه، فلما قضى أتبعه بهن. وفي رواية (3) ذكرها رزين وهي في البخاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ابغني أحجاراً أسْتَنْفِضُ بها، ولا تأتني بعظم ولا بروثة" قلت: ما بال العظم والروثة؟ قال: "هما من طعام الجن، وإنه أتاني وفدُ جنِّ نصيبين - ونعم الجنُّ - فسألوني

_ (1) النسائي (1/ 37) كتاب الطهارة، 35 - النهي عن الاستطابة بالعظم. (2) أبو داود (1/ 9) كتاب الطهارة، 20 - باب ما ينهى عنه أن يستنجي به، وهو حديث صحيح وأصله عند مسلم. (حُممه) الحممة: الفحمة، وجمعها: حمم. 462 - البخاري (1/ 255) 4 - كتاب الوضوء، 20 - باب الاستنجاء بالحجارة. (3) البخاري (7/ 171) 63 - كتاب مناقب الأنصار، 31 - باب إسلام سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. (ابغني): أعني على الابتغاء، وهو الطلب، أي: أوجد لي. قال الحميدي: "ابغني" بعنى: ابغ لي، أي: اطلب لي، يقال: بغيتك كذا وكذا، أي بغيت لك، ومنه قوله تعالى: (يبغونكم الفتنة) [التوبة: 47] أي: يبغون لكم. استنفض) الاستنفاضُ- بالضاد المعجمة - إزالة الأذى والاستنجاء، وأصل النفض: الحركة والإزالة، ونفضت الثوب: إذا أزلْت غُباره عنه.

الزاد، فدعوتُ الله لهم أن لا يمروا بعظم ولا روثةٍ إلا وجدوا عليها طعماً". أقول: من قوله عليه السلام (استنفض بهن): فهم العلماء أن الاستبراء يكون بنتر وسلت خفيفين ثلاثاً بأن يجعل إصبعه السبابة من يده اليسرى تحت ذكره من أصله والإبهام فوقه، ثم يسحبه برفق حتى يخرج ما فيه من البول وذلك حتى يغلب على الظن نقاوة المحل من البول، واستبراء المرأة أن تضع أطراف أصابع يدها اليسرى على عانتها، والاستبراء عموماً يختلف باختلاف الناس والقصد أن يظن أنه لم يبق بمجرى البول شيء يخاف خروجه. (مراقي الفلاح 8 والمهذب 1/ 37) و (الفقه الإسلامي 1/ 194).

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد - ليس على من نام أو خرج منه ريح استنجاء باتفاق العلماء. - الأظهر عند الشافعية ألا استنجاء لدود أو بعر بدون لوث. - استبراء كل إنسان بحسبه، فبعض الناس يحتاجون لانقطاع رشح البول إلى مشي أو تنحنح أو انتظار قليل، فعلى كل إنسان أن يعرف حاله وأن يتصرف على ضوء ذلك وألا يسمح للوسوسة أن تغلبه. - ذكر بعض فقهاء الحنفية أن الإنسان إذا كان يطول رشح بوله أو غلبت عليه الوسوسة فبإمكانه أن يدخل فتيلة صغيرة من ورق لين يمتص إلى داخل الذكر بحيث لا تظهر فهذه تمتص الرشح، وما دام الرشح لم يخرج خارج الذكر فإنه لا ينقض الوضوء، وقد كره بعضهم مثل هذا واعتبره بعضهم نوع معالجة فيها مصلحة خاصة لمن يريد استعجال الوضوء ولا يطمئن إلى انقطاع الرشح .. - هناك حالات لا تكفي فيها الحجارة أو الورق أو ما ينوب منابها فلابد من الماء وقت ذاك، من هذه الحالات إذا جف النجس الخارج، وإذا انتقل عن المحل أو تجاوز مقدار الدرهم زائداً عن المحل، أو طرأ عليه شيء رطب أجنبي فوسع دائرة النجاسة، أو كان الخارج من منفذ غير عادي كما يحدث أثناء العمليات وتلوث ما حول المكان، ففي هذه الحالات يتعين استعمال الماء كما يتعين استعمال الماء عند المالكية من المني والمذي ودم الحيض كما يتعين عند المالكية في إزالة بول المرأة بكراً أو ثيباً لتعدية المخرج إلى جهة المقعدة عادة. - يجوز عند الحنفية: الاستنجاء بمائع غير الماء إذا كان يقلع النجاسة كماء الورد والخل ومر معنا أن الماء المستعمل عندهم يزيل النجاسة الحسية. - قال الحنفية: يكره الاستنجاء بأدنى شيء له قيمة، واتفق الفقهاء على أن الاستنجاء يكون بطاهر قالع غير محترم. - ينشف الصائم مقعدته قبل القيام لئلا تجذب المقعدة شيئاً من الماء ولا يبالغ في إدخال

يده خشية الإفطار. يندب لمريد الحاجة أن يلبس نعليه ويستر رأسه ويدخل الخلاء برجله اليسرى ويخرج برجله اليمنى ويعتمد في حال جلوسه على رجله اليسرى لأنه أسهل لخروج الخارج، ولا يتكلم إلا لضرورة، ولا يطيل المقام أكثر من قدر الحاجة، ولا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض، ويكره أن يستنجي بماء في موضعه بل ينتقل عنه إن لم يكن معداً لذلك، ويستحب ألا ينظر إلى السماء ولا إلى فرجه ولا إلى ما يخرج منه، وأن يسبل ثوبه شيئاً فشيئاً حين يقوم، ويحرم قضاء الحاجة على القبر المحترم، ويكره عند القبر. - مر معنا أن النجاسة غير المرئية التي لا تزيد جرم الماء، إذا مر عليها الماء يطهرها ويبقى الماء طاهراً، فلو أن إنساناً كان بحيث يراه النسا كان ذكره متنجساً بمذي أو بول لكنه جاف فإنه يستطيع أن يصب الماء وهو ساتر عورته بمئزر أو سروال، فيطهر المحل والماء الذي يصيب ثيابه طاهر. (انظر حاشية ابن عابدين 1/ 223 فما بعدها) و (الشرح الصغير 1/ 87 فما بعدها) (والمهذب 1/ 27) و (المغني 1/ 150 فما بعدها).

الفقرة الخامسة: في الوضوء ونواقضه

الفقرة الخامسة: في الوضوء ونواقضه عرض عام لأحكام الوضوء: قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} (1). فالإجماع منعقد على أن الطهارة من الحدث الأصغر بالوضوء ومن الحدث الأكبر بالغسل لابد منها لصحة الصلاة. وبالوضوء والغسل تنتظم الطهارة والنظافة في حياة المسلم، وفي ذلك راحة الروح، والروح والقلب والعقل والجسد كلها تتأثر بالوضوء والغسل. وقد أجمع العلماء على أن غسل الوجه واليدين والرجلين ومسح الرأس فرائض في الوضوء وزاد المالكية والحنابلة والشافعية النية فريضة خامسة وأوجب الشافعية والحنابلة الترتيب وأوجب المالكية أيضاً الدلك، وأوجب الحنابلة والمالكية الموالاة، فتكون أركان الوضوء سبعة عند المالكية بإضافة النية والدلك والموالاة إلى الأربعة المذكورة في القرآن، وستة عند الشافعية بإضافة النية والترتيب، وسبعة عند الحنابلة بإضافة النية والترتيب والموالاة. وحدُّ الوجه طولاً ما بين منابت شعر الرأس المعتاد إلى منتهى الذقن، ويدخل في ذلك العظمان اللذان تنبت عليهما الأسنان السفلى، وحدُّ الوجه عرضاً ما بين شحمتي الأذنين والبياض الذي بين العذار والأذن من الوجه عند الحنفية والشافعية، وقال المالكية والحنابلة إنه من الرأس. ويدخل في غسل اليدين المرفقان، والمرفقان ملتقى عظم العضد وذراعه، فالمرفقان فما دونهما يفترض غسلهما في الوضوء، والكعبان داخلان في غسل الرجلين وهما العظمان الناتئان عند مفصل القدم فهذه الثلاثة: الوجه واليدان والرجلان يفترض غسلها، والغسل إسالة الماء على العضو بحيث يتقاطر وأقله قطرتان في الأصح، والفرض هو الغسل مرة أما تكرار

_ (1) المائدة: 6.

الغسل ثلاث مرات فهو سنة وليس بفرض. ومسح الرأس فريضة، والمسح هو إمرار اليد المبتلة على العضو، والرأس منبت الشعر المعتاد من المقدم فوق الجبهة إلى نقرة القفا ويدخل فيه الصدغان مما فوق العظم الناتئ من الوجه، ويفترض عند الحنفية مسح ربع الرأس مرة بمقدار الناصية فوق الأذنين لا على طرف ضفيرة، وقال المالكية والحنابلة في أرجح الوايتين عند الحنابلة: يجب مسح جميع الرأس وليس على الماسح نقض ضفائر شعره ولا مسح ما نزل عن الرأس من الشعر. والظاهر عند الحنابلة وجوب الاستيعاب للرجل وأما المرأة فيجزئها مسح مقدم الرأس فقط. وقال الشافعية: الواجب مسح بعض الرأس ولو شعرة واحدة في حد الرأس بألا يخرج بالمد عنه من جهة نزوله. والنية هي أن ينوي المتطهر بقلبه أداء الفرض أو رفع الحدث أو استباحة ما تجب الطهارة له. والحنفية يرون أن النية سنة، ووقتها قبل الاستنجاء، وقال الحنابلة: وقتها عند أول واجب وهو التسمية في الوضوء، وقال المالكية: وقتها عند غسل الوجه، وقيل أول الطهارة، وقال الشافعية: وقتها عند غسل أول جزء من الوجه مقترنة بذلك. أما الترتيب وهو سنة مؤكدة عند الحنفية والمالكية وفريضة عند الحنابلة والشافعية فهو تطهير أعضاء الوضوء واحداً بعد الآخر كما ورد في النص القرآني أي: غسل الوجه أولاً ثم اليدين ثم مسح الرأس ثم غسل الرجلين، وأما الموالاة وهي سنة عند الشافعية والحنفية، وفريضة عند المالكية والحنابلة، فهي متابعة أفعال الوضوء بحيث لا يقع بينها ما يُعدُّ فاصلاً في العرف، أو هي المتابعة بغسل العضو اللاحق قبل جفاف السابق في حال اعتدال المناخ. وأما الدّك: فإنه سنة عند الحنفية والشافعية والحنابلة وقال المالكية هو فريضة والدلك هو إمرار اليد على العضو بعد صب الماء قبل جفافه، ويكون بباطن الكف لا بظاهر اليد ويندب أن يكون الدلك خفيفاً وتتحقق الفريضة بالمرة الواحدة.

وسنن الوضوء وآدابه كثيرة ستمر معنا من خلال عرض النصوص، ونعرضها ههنا بشكل سريع باختصار شديد كما هي في المذهب الحنفي: سنن الوضوء سبع عشرة: غسل اليدين إلى الرسغين والتسمية والسواك في ابتداء الوضوء والمضمضة ثلاثاً ولو بغرفة، والاستنشاق بثلاث غرفات، والمبالغة في المضمضة والاستنشاق لغير الصائم، وتخليل اللحية الكثة بكف ماء من أسفلها، وتخليل الأصابع، وتثليث الغسل، واستيعاب الرأس بالمسح مرة، ومسح الأذنين ولو بماء الرأس، والدلك، والولاء، والنية، والترتيب كما نص الله تعالى في كتابه، والبداءة بالميامن ورؤوس الأصابع ومقدم الرأس. أما آداب الوضوء فهي خمسة عشر: مسح الرقبة لا الحلقوم، الجلوس في مكان مرتفع، واستقبال القبلة، وعدم الاستعانة بغيره، وعدم التكلم بكلام الناس، والجمع بين نية القلب وفعل اللسان، والدعاء بالمأثور والتسمية عند كل عضو، وإدخال خنصره في صماخ أذنيه، وتحريك خاتمه الواسع فإن كان الماء لا يصل إلا بالتحريك كان واجباً، والمضمضة والاستنشاق باليد اليمنى، والامتخاط باليسرى، والتوضؤ قبل دخول الوقت لغير المعذور، والإتيان بالشهادتين بعده، وأني شرب من فضل الوضوء قائماً، وأن يقول: اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين. ومن آدابه قراءة سورة القدر وصلاة ركعتين في قوت الكراهة ومن الآداب: تعاهد موقيه وكعبيه وعرقوبيه وإخمصيه. وهناك اختلافات يسيرة بين المذاهب في السنن والآداب فبعض السنن تدخل في الآداب عند البعض وبعض الآداب تدخل في السنن وبعض السنن هنا تدخل في الواجبات أو الفرائض عند البعض كما مر معنا بالنسبة للنية والترتيب والدلك والموالاة. والوضوء عند الحنفية خمسة أنواع: 1 - فرض كأن يكون للصالة سواء كانت فرضاً أو نفلاً أو صلاة جنازة أو سجدة تلاوة ولمس القرآن، 2 - واجب للطواف حول الكعبة وقال الجمهور إنه فرض 3 - مندوب وهو التوضؤ لكل صلاة ولمس الكتب الشرعية وللنوم وعقب

الاستيقاظ من النوم مباشرة وقبل غسل الجنابة، وللجنب عند الأكل والشرب والنوم، ومعاودة الوطء، ولقراءة القرآن وللأذان والإقامة وإلقاء خطبة والوقوف بعرفة والسعي بين الصفا والمروة وبعد ارتكاب خطيئة وبعد قهقهة خارج الصلاة، وبعد غسل ميت وحمله وللخروج من خلاف العلماء 4 - وضوء مكروه كإعادة الوضوء قبل أداء صلاة بالوضوء الأول 5 - وضوء حرام كالوضوء بماء مغصوب أو بماء يتيم. وشروط وجوب الوضوء ثمانية: العقل والبلوغ والإسلام والقدرة على استعمال الماء الطهور الكافي ووجود الحدث وعدم الحض والنفاس وضيق الوقت فلا يفترض الوضوء حالاً في أول الوقت ويفترض إذا ضاق الوقت. وشروط صحة الوضوء ثلاثة: 1 - عموم البشرة بالماء الطهور 2 - إزالة ما يمنع وصول الماء إلى العضو 3 - انقطاع كل ما ينقض الوضوء قبل البدء به لغير المعذور، واعتبر الجمهور غير الحنفية الإسلام شرط صحة لا شرط وجوب. ومن مكروهات الوضوء: الإسراف في صب الماء ولطم الوجه أو غيره بالماء، والتكلم بكلام الناس، والاستعانة بالغير بلا عذر، والتوضؤ في موضع نجس، ومبالغة الصائم في المضمضة والاستنشاق وترك سنة من سنن الوضوء. ونواقض الوضوء: 1 - كل خارج من أحد السبيلين معتاد أو غير معتاد إلا لعذر، فالعذر له أحكامه. 2 - الولادة من غير رؤية دم، فالصحيح عند الحنفية أن المرأة لا تكون حينئذ نفساء وإنما عليها الوضوء. 3 - الخارج النجس من غير السبيلين كالدم والقيح والصديد إذا سال إلى موضع يلحقه حكم التطهير عند الحنفية. 4 - القيء عند الحنفية والحنابلة، وعند الحنفية على تفصيل، فالحنفية يقولون: إنما ينقض إذا كان ملء الفم وهو ما لا ينطبق عليه الفم إلا بتكلف 5 - غيبة العقل أو زواله بالمخدرات أو المسكرات أو بالإغماء أو بالجنون أو بالصرع أو بالنوم على تفصيلات في النوم. 6 - لمس المرأة الأجنبية عند الشافعية أما عند الحنفية لا ينقض الوضوء إلا المباشرة الفاحشة وهي أن يلامس كل عضو من كل عض منها، وعند المالكية والحنابلة إذا التقت بشرتا الرجل والمرأة حال اللذة أو الشهوة بتفصيل عند المالكية 7 - من الفرج القبل أو الدبر عند الجمهور غير

الحنفية أما المالكية فينتقض الوضوء عندهم بمس الذكر لا بمس الدبر 8 - القهقهة في الصلاة عند الحنفية دون غيرهم 9 - أكل لحم الإبل عند الحنابلة دون غيرهم لحديث مرسل 10 - غسل الميت عند أكثر الحنابلة دون غيرهم 11 - الشك في الوضوء عند المالكية وقال الجمهور لا ينتقض الوضوء بالشك فمن تيقن الوضوء وشك بالحدث فهو متوضئ 12 - كل ما أوجب الغسل فهو بالضرورة ناقض للوضوء. هذا ولأصحاب الأعذار أحكامهم الخاصة، ويحرم بالحدث الأصغر الصلاة والطواف ومس المصحف وينوب عن غسل الرجلين المسح على الخفين بشروطه وينوب عن الوضوء التيمم بشروطه. (انظر: حاشية ابن عابدين 1/ 63 وبعدها و 1/ 90 وبعدها) و (الشرح الصغير 1/ 104 وما بعدها)، (المغني 1/ 110 وما بعدها)، (المهذب 1/ 15 وما بعدها)، (الفقه الإسلامي 1/ 214 وما بعدها). وإلى عرض النصوص: - فضل الوضوء: 463 - * روى مالك عن أبي هريرة رفعهُ: "ألا أدُلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ " قالوا بلى يا رسول الله قال: "إسباغُ الوضوء على المكاره وكثرةُ الخُطا إلى المسجد وانتظارُ الصلاة، بعد الصلاة فذلكم الرباط ثلاثاً". 464 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسل الله صلى الله عليه سلم قال: (1) "إذا توضأ

_ 463 - الموطأ (1/ 161) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 18 - باب انتظار الصلاة والمشي إليها. مسلم (1/ 219) 2 - كتاب الطهارة، 14 - باب فضل إسباغ الوضوء على المكاره. الترمذي (1/ 73) أبواب الطهارة، 39 - باب ما جاء في إسباغ الوضوء. النسائي (1/ 89) كتاب الطهارة، 39 - باب ما جاء في إسباغ الوضوء. النسائي (1/ 89) كتاب الطهارة، 106 - الأمر بإسباغ الوضوء، 107 - باب الفضل في ذلك. 464 - مسلم (1/ 215) 2 - كتاب الطهارة، 11 - باب خروج الخطايا مع ماء الوضوء.

العبد المسلم- أو المؤمن - فغسل وجهه، خرج من وجهه كل خطيئةٍ نظر إليها بعينيه مع الماء، أو مع آخر قطرِ الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقياً من الذنوب". 465 - * روى مسلم عن عقبة بن عامر [الجهني] رضي الله عنه قال: كانت علينا رعايةُ الإبل، فجاءت نوبتي أرعاها، فروَّحْتُها بالعشي، فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً يُحدث الناس، وأدركت من قوله: "ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يقوم فيصلي ركعتين يُقبل عليهما بقلبه ووجهه، إلا وجبت له الجنة" فقلت: ما أجوَدَ هذا؟ فإذا قائل بين يدي يقول: التي قبلها أجودُ، فنظرتُ، فإذا عمر بن الخطاب، فقال: إني قد رأيتك قد جئت آنفاً، قال: "ما منكم من أحدٍ يتوضأ، فيُبْلِغُ الوضوء، أو يسبغُ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إلا فُتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء". في رواية (1) الترمذي عن أبي إديرس الخولاني، وأبي عثمان [النهدي]: أن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين، فُتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء". أقول: قول عقبة (فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً): نموذج على تذكير رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعليمه لأصحابه، وبهذا الحديث نستأنس بما جرت عليه عادة العلماء أن يخصصوا ما بين

_ 465 - مسلم (1/ 209) 2 - كتاب الطهارة، 6 - باب الذكر المستحب عقب الوضوء. (1) الترمذي (1/ 78) أبواب الطهارة، 41 - باب فيما يقال بعد الوضوء. (روحتُ) الإبل والغنم: إذا أعدتها إلى مراحها، وهو موضع مبيتها.

المغرب والعشاء للوعظ والتعليم وبعضهم يخصص ما بعد العشاء لذلك، لأن الناس يكونون في الغالب قد فرغوا من أعمالهم الدنيوية. 466 - * روى مسلم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من توضأ فأسن الوضوء، خرجت خطاياهُ من جسده، ثم تخرجُ من تحت أظفاره". وفي رواية (1) أن عثمان توضأ ثم قال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مثل وضوئي هذا، ثم قال: "من توضأ هكذا غُفر له ما تقدم من ذنبه، وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة". 467 - *روى الطبراني عن سعد بن عمارة أخى بني سع بن بكر وكانت له صحبة أن رجلاً قال له عظني في نفسي يرحُمك الله. قال: إذا انتهيت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء فإنه لا صلاة لمن لا وضوء له ولا إيمان لمن لا صلاة له، ثم إذا صليت فصلِّ صلاة مودع واترك طلب كثير من الحاجات فإنه فقرٌ حاضرٌ وأجمعِ اليأس مما عند الناس فإنه هو الغني وانظر ما تعتذر منه من القول الفعل فاجتنبه. 468 - * روى مالك عن عبد الله الصُّنابحي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا توضأ العبد المؤمن، فتمضمض: خرجت خطاياه من فيه، فإذا استنثر

_ 466 - مسلم (1/ 216) كتاب الطهارة، 11 - باب خروج الخطايا مع ماء الطهور. (1) البخاري (1/ 259)، 24 - باب الوضوء ثلاثاً ثلاثاً. مسلم (1/ 208) 2 - كتاب الطهارة، 4 - باب فضل الوضوء والصلاة عقبه. 467 - الطبراني (6/ 44). مجمع الزوائد (10/ 236) وقال الهيثمي رواه الطبراني ورجاله ثقات. 468 - الموطأ (1/ 31) 2 - كتاب الطهارة، 6 - باب جامع الوضوء. أحمد (4/ 349). النسائي (1/ 74) 1 - كتاب الطهارة، 85 - باب مسح الأذنين مع الرأس وما يستدل به على أنهما من الرأس. وإسناده صحيح.

خرجت الخطايا من أنفه، وإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه، حتى تخرج من تحت أشفار عينيه، فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه، حتى تخرج من تحت أظفار يديه، فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه، حتى تخرج من أذنيه، فإذا غسل رجليه، خرجت الخطايا من رجليه، حتى تخرج من تحت أظفار رجليه، ثم كان مشيهُ إلى المسجد وصلاته نافلة له". 469 - * روى الحاكم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ فقال: سبحانك اللهم وبحمدك، أستغفرُك وأتوبُ إليك كُتب في رقٍّ، ثم طبع بطابعٍ، ثم رُفِعَ تحت العرش فلم يُكْسَرْ إلى يوم القيامة". 470 - * روى النسائي عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعتُ عمرو بن عبسة يقول: قلتُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف الوضوء؟ قال: "أما الوضوء: فإنك إذا توضأت فغسلت كفيك فأنقيتهما، خرجت خطاياك من بين أظفارك وأناملك، فإذا مضمضت واستنشقت منخريك، وغسلت وجهك ويديك إلى المرفقين، ومسحت رأسك، وغسلت رجليك، اغتسلت من عامةِ خطاياك كيوم ولدتك أمُّكَ" قال أبو أمامة: فقلتُ: يا عمرو بن عبسة، انظر ما تقول، أكل هذا يُعْطَى في مجلس واحدٍ؟ فقال: أما والله لقد كبرتْ سني، ودنا أجلي، وما بي من فقرٍ فأكذِبَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد سمعتهُ أُذناي، ووعاه قلبي من رسول الله صلى الله عليه وسلم. 471 - * (1) روى الطبراني عن أبي أمامة قال: إذ وضعت الطهور مواضعه قعْدت مغفوراً

_ = (أشفار العين) جمع شُفْر، وهو حرف الجفن الذي ينبُتُ عليه الشعر. 469 - الحاكم (1/ 564) كتاب فضائل القرآن، ذكر فضائل سور وأي متفرقة. مجمع الزوائد (1/ 239) قال الهيثمي: رواه الطبراني في الوسط ورجاله رجال الصحيح إلا أن النسائي قال بعد تخريجه في اليوم والليلة هذا خطأ والصواب موقوفاً ثم رواه من رواية الثوري وغندر عن شعبة موقوفاً. ابن السني: في عمل اليوم والليلة ص 11. 470 - النسائي (1/ 91) كتاب الطهارة، 108 - ثواب من توضأ كما أمر. وإسناده حسن. 471 - الطبراني (1/ 223) وقال الهيثمي: رجاله موثقون، وإسناده حسن.

لك. فقال الرجل: يا أبا أمامة: أرأيت إن قام يصلي تكونُ له نافلة؟ قال: لا إنما النافلة للنبي صلى الله عليه وسلم، كيف تكون له نافلة وهو يسعى في الذنوب والخطايا، تكون له فضيلة وأجراً. 472 - * روى أحمد عن عقبة بن عامر رفعه: رجلان من أُمتي يقوم أحدهما من الليل فيعالج نفسه إلى الطهور وعليه عقدٌ، فيتوضأ، فإذا وضأ يده انحلت عقدة، وإذا وضأ وجهه انحلت عقده وإذا مسح رأسه انحلت عقدة وإذا وضأ رجليه انحلت عقدة فيقول الرب تعالى: انظروا إلى عبدي هذا يعالج نفسه ما سألني عبدي فهو له. 473 - * روى مالك عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "استيقموا ولن تُحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمنٌ". 474 - * روى البزار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من بات طاهراً بات في شعاره ملكٌ فلا يستيقظ من ليل إلا قال الملك اللهم اغفر لعبدك كما بات طاهراً". 475 - * روى مسلم عن عثمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أتمَّ الوضوء كما أمرهُ الله، فالصلوات الخمس كفارةٌ لما بينهُنَّ".

_ 472 - أحمد (17/ 306). الطبراني المعجم الكبير (1/ 224). مجمع الزوائد (1/ 224) رواه أحمد والطبراني في الكبير وزاد فيه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم. 473 - الموطأ (1/ 34) 2 - كتاب الطهارة، 6 - باب جامع الوضوء. أحمد (5/ 280). ابن ماجه (1/ 102) 1 - كتاب الطهارة وسننها، 4 - باب المحافظة على الوضوء. الدارمي (1/ 168) كتاب الصلاة، باب ما جاء في الطهور، وله أسانيد عدة وقد رواه أكثر من صحابي. 474 - البزار، كشف الأستار (1/ 150) كتاب الطهارة- باب فيمن يبيت على طهارة. مجمع الزوائد (1/ 226) كتاب الطهارة، باب فيمن يبيت على طهارة، قال الهيثمي: أرجو أنه حسن. (الشعار): الثوب الذي يلي الجسد لأنه يلي شعره. 475 - مسلم (1/ 208) 2 - كتاب الطهارة، 4 - باب فضل الوضوء والصلاة عقبه.

476 - * روى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرةِ فقال: "السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين وإنا بكمْ إن شاء الله لاحقون، وددْتُ أني قد رأيتُ إخواننا" قالوا: يا رسول الله ألسنا إخوانك؟ قال: "بل أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعدُ، وأنا فرطُهمْ على الحوض"، قالوا: يا رسول الله كيف تعرفُ من يأتي بعدك من أمتك؟ قال: "أرأيت لو كان لرجل خيلٌ غُرٌّ محجلة في خيلٍ دهمٍ بهمٍ، ألا يعرفُ خيله"؟ قالوا: بلى، قال: "فإنهم يأتون يوم القيامة غراً محجلين من الوضوء، وأنا فرطُهُمْ على الحوض، فليُذادنَّ رجالٌ من حوضي كما يُذادُ البعير الضالُّ، أناديهم: ألا هلُمَّ، ألا هلُمَّ، ألا هلُمَّ، فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول: فسحقاً، فسحقاً، فسُحقاً". صفة الوضوء: 477 - * روى الشيخان عن عثمان بن عفان رض الله عنه قال حُمران مولى عثمان: إن عثمان دعا بإناءٍ، فأفرغ على كفيه ثلاث مرارٍ، فغسلهما، ثم أدخل يمينه في الإناء، فمضمض، واستنشق، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ويديه إلى المرفقين ثلاث مرارٍ، ثم مسح برأسه، ثم غسل رجليه ثلاث مرارٍ إلى الكعبين، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قال: "من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه، غُفر له ما تقدم من ذنبه". 478 - * روى أبو داود عن حُمْران: رأيتُ عثمان توضأ .. فذكر نحوه، ولم يذكر المضمضة والاستنشاق، وقال فيه: ومسح رأسه ثلاثاً، ثم غسل رجليه ثلاثاً، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ هكذا، وقال: "من توضأ دون هذا كفاه" ولم يذكر أمر الصلاة.

_ 476 - مسلم (1/ 216) 2 - كتاب الطهارة، 12 - باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء. 477 - البخاري (1/ 259) 4 - كتاب الوضوء، 24 - باب الوضوء ثلاثاً ثلاثاً. مسلم (1/ 204) 2 - كتاب الطهارة، 3 - باب صفة الوضوء وكماله. 478 - أبو داود (1/ 26) كتاب الطهارة، 50 - باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.

وله في أخرى (1) عن ابن أبي مُليكة قال: رأيتُ عثمان بن عفان يسأل عن الوضوء؟ فدعا بماء، فأتى بميضأة، فأصغى على يده اليمنى، ثم أدخلها في الماء، فتمضمض ثلاثاً، واستنثر ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل يده اليمنى ثلاثاً، وغسل يده اليسرى ثلاثاً، ثم أدخل يده فأخذ ماء، فمسح برأسه وأذنيه، فغسل بطونهما وظهورهما مرة واحدة، ثم غسل رجليه، ثم قال: أين السائلون عن الوضوء؟ هكذا رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ. 479 - * روى أحمد عن حمران بن أبان قال رأيت عثمان بن عفان دعا بوضوء وهو على باب المسجد فغسل يديه ثم مضمض واستنثر ثم غسل وجهه ثلاثاً ثم غسل يديه إلى المرفقين ثلاث مرات ثم مسح برأسه وأمر بيديه على ظاهر أذنيه ثم مر بهما على لحيته ثم غسل رجليه إلى الكعبين ثلاث مرات ثم قام فركع ركعتين ثم توضأت لكم كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم ركعت ركعتين كما رأيته ركع قال: ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغ من ركعتيه "من توضأ كما توضأتُ ثم ركع ركعتين لا يحدثُ فيهما نفسه غُفِر له ما بينهما وبين صلاته بالأمس". أقول: إن تعليم عثمان وعلي رضي الله عنهما الناس الوضوء وهما خليفتان نموذجان على سنن الخلافة الراشدة وطبيعتها وفطريتها وتواضع أصحابها ومعرفتهم بوظائفهم. 480 - * روى أبو داود عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال عبد خيرٍ: أتانا عليُّ رضي الله عنه، فدعا بطهور، فقلنا: ما يصنعُ بالطهور وقد صلى؟ ما يريد إلا ليعلمنا، فأتى بإناء فيه ماء، وطست، فأفرغ من الإناء على يمينه، فغسل يديه ثلاثاً، ثم تمضمض واستنثر ثلاثاً، فمضمض ونثر من الكف الذي يأخذ فيه، ثم غسل وجهه ثلاثاً، وغسل يده اليمنى ثلاثاً، وغسل يده الشمال ثلاثا، ً ثم جعل يده في الإناء، فمسح برأسه مرة واحدة، ثم غسل رجله اليمنى ثلاثاً، ورجله الشمال ثلاثاً، ثم قال: من سره أن يعلم وضوء

_ (1) أبو داود (1/ 26) كتاب الطهارة، 50 - باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم. 479 - أحمد (1/ 68) ورجاله موثقون. 480 - أبو داود (1/ 27) كتاب الطهارة، 50 - باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.

رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو هذا. وفي رواية (1) قال: صلى عليَّ الغداة، ثم دخل الرحبة، فدعا بماء، فأتاه الغلامُ بإناء فيه ماء وطستٍ، قال: فأخذ الإناء بيده اليمنى، فأفرغ على يده اليسرى، وغسل كفيه ثلاثاً، ثم أدخل يده اليمنى في الإناء، فتمضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً ... ثم ساق قريباً من حديث أبي عوانة، يعني الرواية الأولى، قال: ثم مسح رأسه: مقدمه ومؤخره مرة ... ثم ساق الحديث نحوه. وفي أخرى (2) قال: رأيتُ علياً رضي الله عنه أُتي بكرسي، فقعد عليه، ثم أُتي بكوزٍ من ماءٍ، فغسل يده ثلاثاً، ثم تمضمض مع الاستنشاق بماء واحد ... وذكر الحديث. 481 - * روى النسائي عن الحسين بن عليٍّ قال: دعاني أبي عليُّ بوضوءٍ فقربته له، فبدأ فغسل كفيه ثلاث مرات قبل أن يدخلهما في وضوئه، ثم مضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً، ثم غسل وجهه ثلاث مراتٍ، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثاً، ثم اليسرى كذلك، ثم مسح برأسه مسحةً واحدةً ثم غسل رجلهُ اليمنى إلى الكعبين ثلاثاً، ثم اليسرى كذلك، ثم قام قائماً، فقال: ناولني، فناولته الإناء الذي فيه فضل وضوئه، ثم شرب من فضل وضوئه قائماً، فعجبتُ، فلما رآني، قال: لا تعجبْ، فإني رأيتُ أباك النبي صلى الله عليه وسلم يصنعُ مثل ما رأيتني صنعتُ يقول: لوضوئه هذا وشُرْبِ فضل وضوئه قائماً. وللترمذي (3) [عن عبد خيرٍ] مثله، وفيه فإذا فرغ من طهوره أخذ من فضل طهوره بكفه فشربهُ.

_ (1) أبو داود (1/ 27) كتاب الطهارة، 50 - باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم. (2) أبو داود (1/ 27) كتاب الطهارة، 50 - باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم. 481 - النسائي (1/ 69) كتاب الطهارة، 78 - باب صفة الوضوء. (3) الترمذي (1/ 68) أبواب الطهارة، 37 - باب ما جاء في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم كيف كان؟ وهو حديث صحيح. أقول: الوضوء: بفتح الواو هو آلة الوضوء: أي الماء. الوضوء: بضم الواو فعل الوضوء وكذلك الطَّهُور والطُّهُور. قال الحنفية: يسن الشرب واقفاً من زمزم ولمن توضأ بعد وضوئه.

482 - * روى ابن خزيمة عن ابن عباس قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فغرف غرفة فمضمض استنشق، ثم غرف غرفة فغسل وجهه، ثم غرف غرفة فغسل يده اليمنى، وغرف غرفة فغسل يده اليسرى، وغرف غرفة فغسل يده اليسرى، وغرف غرفة فمسح رأسه وباطن أذنيه وظاهرهما وأدخل أصبعيه فيهما، وغرف غرفة فغسل رجله اليمنى، وغرفة فغسل رجله اليسرى. 483 - *روى الشيخان عن عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري رضي الله عنه قيل له: توضأ لنا وضوء رسول الله صلى الله عيه وسلم، فدعا بإناء، فأكْفَأ منه على يديه، فغسلهما ثلاثاً، ثم أدخل يده فاستخرجها، فغسل وجهه ثلاثاً، ثم أدخل يده فاستخرجها، فغسل يديه إلى المرفقين مرتين، ثم أدخل يده فاستخرجها، فمسح برأسه، فأقبل بيديه وأدبر، ثم غسل رجليه إلى الكعبين، ثم قال: هكذا كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي رواية (1): فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه. وفي رواية (2) قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخرجنا له ماء في تورٍ من صفرٍ، فتوضأ، فغسل وجهه ثلاثاً، ويديه مرتين مرتين، ومسح برأسه، فأقبل به وأدبر، وغسل رجليه. وفي رواية (3) للبخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين.

_ 482 - ابن خزيمة (1/ 77) جماع أبواب الوضوء وسننه، 114 - باب إباحة المضمضة والاستنشاق من غرفة واحدةن والوضوء مرة مرة، وإسناده حسن. 483 - البخاري (1/ 297) 4 - كتاب الوضوء، 41 - باب من مضمض واستنشق من غرفة واحدة. مسلم (1/ 210) 2 - كتاب الطهارة، 7 - باب في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم. (1) البخاري (1/ 289) 4 - كتاب الوضوء، 38 - باب مسح الرأس كله. مسلم (1/ 210) 2 - كتاب الطهارة، 7 - باب في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم. (2) البخاري (1/ 302) 4 - كتاب الوضوء 45 - باب الغسل والوضوء في المحضب والقدح والخشب والحجارة. مسلم (1/ 211) 2 - كتاب الطهارة، 7 - باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم. (3) البخاري (1/ 258) 4 - كتاب الوضوء 23 - باب الوضوء مرتين مرتين.

وله في أخرى (1): أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكر وضوءه، قال: ومسح رأسه بماء غير فضل يديه، وغسل رجليه حتى أنقاهما. وللترمذي (2) بسند حسن صحيح: غسل وجهه ثلاثاً ويديه مرتين وغسل رجليه مرتين، ومسح برأسه مرتين. 484 - * روى أحمد عن يزيد بن البراء بن عازب وكان أميراً بعُمان فكان كخير الأمراء قال: قال أبي اجتمعوا فلأرينكم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وكيف كان يصلي فإني لا أدري ما قدر صحبتي إياكم. قال فجمع بنيه وأهله ودعا بوضوءٍ فتمضمض واستنثر وغسل وجهه ثلاثاً وغسل يده اليمنى ثلاثاً وغسل هذه ثلاثاً يعني اليسرى ثم مسح رأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما وغسل هذه الرجل يعني اليمنى ثلاثاً وغسل هذه الرجل يعني اليسرى ثلاثاً. ثم قال: هكذا ما ألوت أن أيكم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ. أقول: إنما يفترض الغسل والمسح في الوضوء مرة مرة ويسن الغسل ثلاثاً باتفاق، وبعضهم كره مسح الرأس ثلاثاً وبعضهم أجازه وحمل من كره تثليث المسح رواية تكرار المسح على أنه مسحها من مقدم الرأس إلى قفاه ثم أعادها كما مر في رواية سابقة والأمر واسع. 485 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، كيف الطُّهُور؟ "فدعا بماءٍ في إناءٍ"، فغسل كفيه ثلاثاً، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل ذراعيه ثلاثاً، ثم مسح برأسه، فأدخل إصبعيه السباحتين في أذنيه ومسح، بإبهاميه على ظاهر أذنيه، وبالسباحتين باطن أذنيه، ثم غسل

_ (1) مسلم (1/ 211) 2 - كتاب الطهارة، 7 - باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم. (2) الترمذي (1/ 66) أبواب الطهارة، 36 - باب ما جاء فيمن يتوضأ بعض وضوئه مرتين وبعضه ثلاثاً. (الصفر): الذي تُعمل منه الأواني المحكمة: ضرب من النحاس. 484 - أحمد (4/ 288). 485 - أبو داود (1/ 33) كتاب الطهارة، 51 - باب الوضوء ثلاثاً ثلاثاً. (السباحتين) السباحةُ والمسبحةُ: الإصبع السبابة، سميتْ بذلك، لأنه يُشار بها عند التسبيح والتهليل والتحميد، ونحو ذلك.

رجليه ثلاثاً ثلاثاً، ثم قال: "هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا، أو نقص فقد أساء وظلم - أو ظلم وأساء". وفي رواية (1) النسائي مختصراً قال: جاء أعرابيٌّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسأله عن الوضوء؟ فأراه: ثلاثاً ثلاثاً، ثم قال: "هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم". 486 - * روى البخاري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه توضأ فغسل وجهه، وأخذ غرفة من ماءٍ، فتمضمض بها واستنشق، ثم أخذ غرفة من ماءٍ، فجعل بها هكذا - أضافها إلى يده الأخرى - فغسل بها وجهه، ثم أخذ غرفة من ماءٍ فغسل بها يده اليمنى، ثم أخذ غرفة من ماءٍ فغسل بها يده اليسرى، ثم مسح برأسه، ثم أخذ غرفة من ماءٍ فرش على رجله اليمنى حتى غسلها، ثم أخذ غرفة أخرى، فغسل بها رجله - يعني اليسرى- ثم قال: هكذا رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ. وله في أخرى (2) قال: توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة مرة، لم يزد على هذا. 487 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أخبرني عمر بن الخطاب: أن رجلاً توضأ، فترك موضع ظُفرٍ على قدمه، فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "ارجعْ فأحسنْ وضوءك. قال فرجع فتوضأ ثم صلى". أقول: رأينا أن من شروط صحة الوضوء استيعاب المحل المفروض فمن لم يستوعب لا يصح وضوءه ولا تصح صلاته وعلى مذهب الذين لا يعتبرون الموالاة فريضة فإنه يكفي لمن أهمل شيئاً مما يفترض استيعابه أن يغسل المحل المهمل فقط.

_ (1) النسائي (1/ 88) كتاب الطهارة، 105 - باب الاعتداء في الوضوء، وإسناده حسن. (أساء وظلم): أساء الدب بتركه السنة والتأدب بآداب الشرع، وظلم نفسه بما نقصها من حقها الذي فوته من الثواب بترداد المرات في الوضوء. 486 - البخاري (1/ 240) 4 - كتاب الوضوء، 7 - باب غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة. (2) البخاري (1/ 258) 4 - كتاب الوضوء، 22 - باب الوضوء مرة مرة. (رش) سكب الماء قليلاً قليلاً إلى أن صدق عليه مسمى الغسل. 487 - مسلم (1/ 215) 2 - كتاب الطهارة، 10 - باب وجوب استيعاب جميع أجزاء محل الطهارة.

488 - * روى أحمد عن خالد بن معدان عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يُصلي وفي ظهر قدمه لمعةٌ قدر الدرهم لم يُصبها الماء، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء والصلاة. 489 - * روى الشيخان عن بعد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: تخلفَ عنا النبي صلى الله عليه وسلم في سفرةٍ سافرناها، فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة ونحن نتوضأ، فجعلنا نمسح على أرجلنا، فنادى بأعلى صوته: "ويلٌ للأعقاب من النار" مرتين أو ثلاثاً. وللبخاري (1): وقد أرهقنا العصرُ. وفي أخرى (2): وقد حضرتْ صلاةُ العصر. ولمسلم (3) قال: رجعنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، حتى إذا كُنَّا بماءٍ بالطريق تعجل قومٌ عند العصر، فتوضؤوا وهم عجالٌ، فانتهينا إليهم وأعقابُهم تلوحُ لم يمسها الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويل للأعقاب من النار، أسبِغُوا الوضوء". فائدة: (نمسح على أرجلنا) انتزع منه البخاري أن الإنكار عليهم كان بسبب المسح لا بسبب الاقتصار على غسل بعض الرجل وفي إفراد مسلم: فانتهينا إليهم وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء، (فتح الباري 1/ 213).

_ 488 - أحمد (3/ 424). أبو داود (1/ 45) كتاب الطهارة، 67 - باب تفريق الوضوء. 489 - البخاري (1/ 143) 3 - كتاب العلم، 3 - باب من رفع صوته بالعلم. مسلم (1/ 214) 2 - كتاب الطهارة، 9 - باب وجوب غسل الرجلين بكمالهما. (1) البخاري (1/ 265) 4 - كتاب الوضوء، باب غسل الرجلين ولا يمسح على القدمين. (2) مسلم (1/ 214) 2 - كتاب الطهارة، 9 - باب وجوب غسل الرجلين بكمالهما. (3) مسلم (1/ 214) 2 - كتاب الطهارة، 9 - باب وجوب غسل الرجلين بكمالهما. (أرهقتنا) أرهقه يرهقه، أي: أغشاهن ورهقه الأمر يرهقه: إذا غشيه، أراد: أن الصلاة أدركنا وقتها وغشينا. (أسبغوا) إسباغ الوضوء: إتمامه، وإفاضة الماء على الأعضاء تاماً كاملاً، وزيادة على مقدار الواجب، وثوب سابغٌ، أي: واسع، ابن الأثير.

أقول: فلا متكأ في الرواية الأولى لمن شذ فقال: يكفي مسح الأرجل عن غسلها، ذلك خلاف ما استقر عليه الإجماع. قال في الدين الخالص (1/ 226). بعد عرض أدلة وجوب الغسل للرجلين: والرسول صلى الله عليه وآله وسلم، قد بين للأمة أن المفروض عليهم وهو غسل الرجلين لا مسحهما. فتواترت الأحاديث عن الصحابة في حكاية وضوئه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وكلها مصرحة بالغسل، ولم يأت في شيء منها المسح إلا في مسح الخفين (فإن) كانت الآية مجملة في الرجلين باعتبار احتمالها للغسل والمسح، فالواجب الغسل بما وقع منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم من البيان المستمر جميع عمره، وإن كانت غير مجملة، فقد ورد في السنة الأمر بالغسل وروداً ظاهراً. ومنه الأمر بتخليل الأصابع، فإنه يستلزم الأمر بالغسل، لأن المسح لا تخليل فيه، بل يصيب ما أصاب ويخطئ ما أخطأ أ. هـ. (قال) في حجة الله البالغة (1/ 75): ولا عبرة بقوم تجارت بهم الأهواء فأنكروا غسل الرجلين متمسكين بظاهر الآية. فإنه لا فرق عندي بين من قال بهذا القول، وبين من أنكر غزوة بدر وأحد مما هو كالشمس في رابعة النهار ا. هـ. 490 - * روى ابن خزيمة عن ابن مسعود أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسباغ الوضوء. 491 - * روى أحمد عن أبي هريرة (رفعه) "ويلٌ للأعقاب وبطون الأقدام من النار".

_ 490 - ابن خزيمة (1/ 90) - باب الأمر بإسباغ الوضوء. 491 - أحمد (4/ 191). الترمذي (1/ 59) 31 - باب ما جاء ويل للأعقاب من النار. ابن خزيمة (1/ 84) باب التغليظ في ترك غسل بطون الأقدام من الوضوء. مجمع الزوائد (1/ 240) باب فيمن لا يحسن الوضوء، وقال الهيثمي: رواه أحمد هكذا وقال الطبراني في الكبير عن عبد الله الحرث بن جزء الزبيدي قال سمعتي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار" ورجال أحمد والطبراني ثقات.

492 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: والله ما خَصَّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيءٍ دون الناس، إلا ثلاثة أشياء، فإنه أمرنا: أن نُسبغَ الوضوء، ولا نأكل الصدقة، ولا نُنْزِيَ الحُمرَ على الخيل. ونقل ابن خزيمة عن أحد رواة الحديث معللاً للنهي عن إنْزاء الحُمر على الخيل: إن الخيل كانت في بني هاشم قليلة فأحب أن تكثر فيهم. 493 - * روى ابن خزيمة عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من توضأ فأسبغ الوضوء ثم مشى إلىصلاة مكتوبة فصلاها مع الإمام غفر له ذنبه". 494 - * روى أبو داود عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: توضأ للناس كما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأُ، فلما بلغ رأسهُ غرف غرفة من ماءٍ، فتلقاها بشماله، حتى وضعها على وسط رأسه حتى قطر الماء أو كاد يقْطُر، ثم مسح من مُقدمه إلى مؤخره، ومن مؤخره إلى مقدمه. 495 - * روى ابن ماجه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا توضأتم فابدؤوا بميامنكم". 496 - * روى الدارمي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه".

_ 492 - الترمذي (4/ 206) كتاب الجهاد، 23 - باب ما جاء في كراهية أن تنزي الحمر على الخيل، وقال: هذا حديث حسن صحيح. النسائي (1/ 89) كتاب الطهارة، 106 - باب الأمر بإسباغ الوضوء. (نُنْزِي) نزا الذكر على الأنثى: إذا ركبها، وأنزيتُه أنا، يقال ذلك في الحافر والظلف والسباع. 493 - ابن خزيمة (2/ 373) كتاب الإمامة، 15 - باب فضل المشي إلى الجماعة. 494 - أبو داود (1/ 31) كتاب الطهارة، 50 - باب صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم وإسناده حسن، وقال حدثنا محمود بن خالد حدثنا الوليد في هذا الإسناد قال: "فتوضأ ثلاثاً ثلاثاً وغسل رجليه بغير عدد" وإسناده حسن. 495 - ابن ماجه (1/ 141) كتاب الطهارة وسننها، 42 - باب التيمن في الوضوء، وهو حديث صحيح. 496 - الدارمي (1/ 176) كتاب الصلاة والطهارة - باب التسمية في الوضوء، وهو حديث حسن.

497 - * روى أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله لعيه وسلم قال: "لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه". فائدة: قال النووي في الأذكار وجاء في التسمية أحاديث ضعيفة، ثبت عن أحمد بن حنبل أنه قال: لا أعلم في التسمية في الوضوء حديثاً ثابتاً ... إلخ عن شرح الزبيدي على الإحياء. أقول: الظاهر أن التسمية ثابتة في السنة لكن حملها الحنفية على الندب أي لا وضوء كاملاً وذلك لما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم علم الأعرابي الوضوء ولم يذكر التسمية ولأن لبعض العلماء كلاماً في ثبوت ذلك في السنة. قال البغوي (1/ 410): قال أحمد: لا أعلم في هذا الباب حديثاً له إسناد جيد وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لو ترك التسمية أعاد الوضوء وذهب أكثر العلماء إلى أن تركها لا يمنع صحة الطهارة، والخبر إن ثبت فمحمول على نفي الفضيلة وتأوّله جماعة على النية وجعلوا الذكر ذكر القلب وهو أن يذكر أنه يتوضأ لله امتثالاً لأمره. والتسمية سنة الواجب في ظاهر مذهب أحمد ورواية عنه أنها واجبة في الغسل والوضوء والتيمم، (المغني 1/ 102). 498 - * روى النسائي وابن السني عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ، فسمعته يقول: "اللهم اغفِرْ لي ذنبي، ووسِّعْ لي في داري، وبارك لي في رزقي".

_ 497 - أحمد (2/ 418). أبو داود (1/ 25) كتاب الطهارة، 48 - باب التسمية على الوضوء. ابن ماجه (1/ 140) كتاب الطهارة وسننها، 41 - باب ما جاء في التسمية في الوضوء. الحاكم (1/ 146) كتاب الطهارة، وهو حديث حسن. 498 - رواه النسائي وابن السني في كتابيهما عمل اليوم والليلة. وقال النووي إسناده صحيح.

499 - * روى الطبراني في الصغير عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا أبا هريرة إذا توضأت فقل بسم الله والحمد لله فإن حفظتك لا تبرحُ تكتبُ لك الحسنات حتى تحدِثَ من ذلك الوضوء ... ". أقول: قد مر معنا من قبل أنه يندب للمتوضيء أن يختم وضوءه بالشهادتين وبالدعاء: "اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين وقوله سبحانك اللهم وبحمدك، أستغفرك وأتوب إليك". التخليل والسواك: 500 - * روى الترمذي والحاكم عن ابن عباسٍ رفعه: "إذا توضأت فخلِّلْ أصابع يديك ورجليك". 501 - * روى الترمذي عن لقيط بن صبرة: قلت: يا رسول الله أخبرني عن الوضوء، قال "أسبغ الوضوء وخللْ بين الأصابع، وبالغْ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً". 502 - * روى أبو يعلي عن شقيقٍ قال توضأ عثمان بن عفان فخلل أصابع رجليه وقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك. 503 - * روى أحمد عن المستورد بن شدادٍ رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ يدلُكُ أصابع رجليه بخنصره.

_ 499 - الروض الداني (1/ 131) وإسناده حسن. 500 - الترمذي (1/ 57) أبواب الطهارة، 30 - باب ما جاء في تخليل الأصابع وهو صحيح. الحاكم (1/ 182) كتاب الطهارة. 501 - الترمذي (3/ 155) كتاب الصوم، 69 - باب ما جاء في كراهية مبالغة الاستنشاق للصائم. والنسائي (1/ 66) كتاب الطهارة، 71 - باب المبالغة في الاستنشاق. قال النووي حديث لقيط أسانيده صحيحة. 502 - مجمع الزوائد (1/ 235) باب التخليل، وقال الهيثمي: رواه أبو يعلي ورجاله موثقون. 503 - أحمد (4/ 229). أبو داود (1/ 37) كتاب الطهارة، 58 - باب غسل الرجلين. الترمذي (1/ 57) أبواب الطهارة، 30 - باب ما جاء في تخليل الأصابع.

504 - * روى الترمذي عن حسان بن بلال المزني قال: "رأيت عمار بن ياسر توضأ، فخلل لحيته، فقيل له - أو قال: فقلت له - أتخللُ لحيتك؟ قال: وما يمنعني؟ ولقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يُخللُ "لحيتهُ". أقول: يُسن تخليل اللحية الكثّة بكف ماء من أسفلها وتخليل أصابع اليدين والرجلين باتفاق الفقهاء. 505 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك"- وفي أخرى (1): "لولا أن أشق على أمتي، أو على الناس - لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة". 506 - * روى مسلم "لولا أن أشق على المؤمنين" - وفي رواية (2): "على أمتي - لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة". وفي رواية (3) أبي داود: "لولا أن أشق على المؤمنين لأمرتهم بتأخير العشاء، وبالسواك عند كل صلاة". 507 - * روى أحمد بإسناد حسن "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلوةٍ بوضوء ومع كل وضوءٍ بسواكٍ". 508 - * روى أبو داود عن زيد بن خالد الجُهني رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لولا أن أشُق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة"، قال أبو

_ 504 - الترمذي (1/ 44) أبواب الطهارة، 23 - باب ما جاء في تخليل اللحية، وهو حديث حسن. 505 - البخاري (13/ 224) 94 - كتاب التمني، 9 - باب ما يجوز من اللوِّ. (1) البخاري (2/ 274) 11 - كتاب الجمعة 8 - باب السواك يوم الجمعة. 506 - مسلم (1/ 220) 2 - كتاب الطهارة، 15 - باب السواك. (2) مسلم: نفس الموضع. (3) أبو داود (1/ 12) كتاب الطهارة، 25 - باب السواك. 507 - أحمد (2/ 259). (أشق) الأمر الشاق: الشديد الصعب على مباشره. 508 - أبو داود (1/ 12) كتاب الطهارة، 25 - باب السواك. وهو حديث حسن.

سلمة - هو ابن عبد الرحمن-: فرأيتُ زيداً يجلسُ في المسجد، وإن السواك من أذنه موضع القلم من أذن الكاتب، فكلما قام إلى الصلاة استاك". 509 - * روى الطبراني في الأوسط عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لزمتُ السواك حتى خشيتُ أن يُدردني". 510 - * أخرج أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُوضع له ووضؤه وسواكه، فإذا قام من الليل تخلى، ثم استاك". 511 - * روى مسلم عن شُريح بن هانئ قال: "سألت عائشة: بأي شيءٍ كان يبدأُ رسول الله صلى الله علي وسلم إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك". 512 - * روى الشيخان عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يَشُوصُ فاهُ بالسواك". وفي أخرى (1) لمسلم "أنه كان إذا قام ليتهجَّدَ". وفي رواية (2) النسائي قال: "كنا نؤمَرُ بالسواك إذا قمنا من الليل: أن نَشُوص أفوانا بالسواك".

_ 509 - مجمع الزوائد (2/ 99) قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. (يُدردني): يذهب بأسناني، والدرد: سقوط الأسنان. 510 - أبو داود (1/ 15) كتاب الطهارة، 30 - باب السواك لمن قام من الليل. 511 - مسلم (1/ 220) 2 - كتاب الطهارة، 15 - باب السواك. 512 - البخاري (1/ 356) 4 - كتاب الوضوء، 73 - باب السواك. مسلم (1/ 221) 2 - كتاب الطهارة، 15 - باب السواك. أبو داود (1/ 15) كتاب الطهارة، 30 - باب السواك لمن قام من الليل. النسائي (1/ 8) 1 - كتاب الطهارة، 2 - باب السواك إذا قام من الليل. (1) ومسلم في نفس الموضع ص 220. (2) النسائي (3/ 212) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار 11 - ذكر الاختلاف على أبي حصين. (يشوص) شاص فاهُ بالسواك يشُوصُه شوصاً: إذا استاك به. (يتهجد) التهجُّدُ: القيام في الليل إلى الصلاة بعد نومه.

513 - * روى الطبراني عن زيد بن خالد الجُهني قال ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من بيته لشيءٍ من الصلوات حتى يستاك. 514 - * روى أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "السواكُ مطهرةٌ للفم، مرضاةٌ للرب". 515 - * روى البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: "أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يستنُّ بسواك بيده، ويقول: "أُغْ أُغْ"، والسواك في فيه، كأنه يتهَوَّعُ". وعند (1) مسلم قال: "دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وطرف السواك على لسانه" وعند أبي (2) داود قال: "أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نستحملُه، فرأيته يستاكُ على لسانه". قال أبو داود: قال سليمان "دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يستاك، وقد وضع السواك على طرف لسانه، وهو يقول: "إهْ إهْ- يعني: يتهوَّع" قال مسدَّد: كان حديثاً طويلاً اختصرتُه. وعند النسائي (3) قال: "دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسْتَنُّ، وطرف السواك على لسانه، وهو يقول: "عأْ عأْ".

_ 513 - الطبراني "المعجم الكبير" (5/ 254) ورجاله موثقون. 514 - أحمد (6/ 47). النسائي (1/ 10) 1 - كتاب الطهارة، 5 - الترغيب في السواك. الدارمي (1/ 174)، باب السواك مطهرة للفم وإسناده صحيح. 515 - البخاري (1/ 355) 4 - كتاب الوضوء، 73 - باب السواك. (1) مسلم (1/ 220) 2 - كتاب الطهارة، 15 - باب السواك. (2) أبو داود (1/ 13) كتاب الطهارة، 26 - باب كيف يستاك. (3) النسائي (1/ 9) 1 - كتاب الطهارة، 3 - باب كيف يستاك. (يستن) استن بالسواك: إذا استاك به. (يتهوع) التهوُّعُ: التقيؤ، هاع يهوعُ هواعاً: إذا تقيأ، والمراد به هاهنا: إقلاع النخامة من أقصى الحلق وإخراجها ليبصقها، ومن أراد ذلك فعل فِعْلَ من يريد أن يتقيأ. (نستحمله) الاستحمال: طلب شيء يركبه ويحمل عليه أثاثه وزاده، ونحو ذلك.

516 - * روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد أكثرتُ عليكم في السواك". 517 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أراني في المنام أتسوَّكُ بسواكِ، فجاءني رجلان، أحدهما أكبر من الآخر، فناولت الأصغر منهما، فقيل لي: كبِّرْ، فدفعته إلى الأكبر منهما". 518 - * روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستنُّ وعنده رجلان أحدهما أكبر من الآخر، فأوحي إليه في فضل السواك: أن كبِّرْ، أعْطِ السواك أكبرهما. 519 - * روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يستاك فيُعطيني السواك لأغسله، فأبدأ به فأستاكُ، ثم أغسله وأدفعه إليه". 520 - * روى الطبراني عن أبي خيرة الصُّبَاحي قال: كنتُ في الوفد الذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فزودنا الأراك نستاكُ به. فقلنا يا رسول الله: عندنا الجريدُ ولكنا نقبلُ كرامتك وعطيتك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اغفرْ لعبد القيس إذ أسلموا طائعين غير مُكْرهين إذ قعد قومٌ لم يُسلموا إلا خزايا موتورين". أقول (1): السواك أو ما ينوب منابه من فرشاة أو خرقة أو إصبع لتنظيف الأسنان وما حولها من سنن الفطرة، وهو مسنون في كل وقت وسنة عند الحنفية لكل وضوء عند المضمضمة ومن فضائل الوضوء عند المضمضة عند المالكية، وعند الشافعية والحنابلة سنة عند الوضوء بعد غسل الكفين وقبل المضمضة ولتغير رائحة الفم أو الأسنان بنوم أو أكل أو جوع أو

_ 516 - البخاري (2/ 374) 11 - كتاب الجمعة، 8 - باب السواك يوم الجمعة. 517 - البخاري (1/ 356) 4 - كتاب الوضوء، 74 - باب دفع السواك إلى الأكبر. مسلم (4/ 1779) 42 - كتاب الرؤيا، 4 - باب رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم. 518 - أبو داود (1/ 13) كتاب الطهارة، 27 - باب في الرجل يستاك بسواك غيره وهو صحيح. 519 - أبو داود (1/ 14) كتاب الطهارة، 28 - باب غسل السواك، وإسناده صحيح. 520 - مجمع الزوائد (2/ 100) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، وإسناده صحيح. (موتورين) الموتُورُ: المعضول المقهور المصاب.

سكوت طويل أو كلام كثير، وهو سنة مستحبة عند كل صلاة، ويتأكد للصلاة ولتغير الفم واصفرار السنان ولقراءة القرآن أو حديث شرعي أو علم شرعي أو ذكر لله تعالى، أو لدخول منزل أو عند الاحتضار وفي السحر وبعد الوتر، وقال الشافعية ويسن التخلل قبل السواك وبعده من آثار الطعام، ويكره عند الشافعية والحنابلة السواك للصائم بعد الزوال ولا يكره عند المالكية والحنفية. ويستاك الإنسان بيده اليمنى مبتدئاً بالجانب الأيمن عرضاً بالنسبة للأسنان لا طولاً من ثناياه إلى أضراسه اليمنى ثم إلى أضراسه اليسرى أما اللسان فيسن أن يستاك فيه طولاً ولا يستعمل للاستياك شيئاً يؤذي (الفقه الإسلامي 1/ 300 - 303). غسل اليدين: 521 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استيقظ أحدُكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً، فإنه لا يدري: أين باتتْ يدهُ؟ ". وفي رواية (1) قال: "إذا استيقظ أحدكم فليفرغ على يده ثلاث مرات قبل أن يدخل يده في إنائه، فإنه لا يدري فيما باتت يدُه؟ ". وفي رواية (2) "حتى يغسلها" - ولم يقل: ثلاثاً. وقد أخرج (3) البخاري هذا المعنى بزيادة قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا توضأ أحدُكم فليجعلْ في أنفه، ثم لينثُر، ومن استجمر فليوترْ، وإذا استيقظ أحدُكم من نومه فيغسل يده قبل أن يُدخلها في وضوئه، فإن أحدكم لا يدري أين باتتْ يدُه".

_ 521 - مسلم (1/ 233) 2 - كتاب الطهارة، 26 - باب كراهة غمس المتوضئ وغيره يده المشكوك في نجاستها. (1) مسلم: نفس الموضع السابق. (2) مسلم: نفس الموضع ص 234. (3) البخاري (1/ 263) 4 - كتاب الوضوء، 26 - باب الاستجمار وتراً.

وأخرج الموطأ (1) رواية البخاري بزيادة، وأخرج أبو داود الرواية (2) الأولى: وله (3) وللترمذي (4) "حتى يُفرغ عليها مرتين أو ثلاثاً". ولأبي داود (5) أيضاً "فإنه لا يدري أين بات يدُهُ؟ " أو أين كانت يده تطوفُ؟ ". فائدة: قال في (حجة الله البالغة): معناه أن بعد العهد بالتطهر والغفلة عنهما ملياً مظنة لوصول النجاسة والأوساخ إليهما مما يكون إدخال الماء معه تنجيساً له أو تكديراً أو شناعة (1/ 180). قال الشيخ وهبي وغسل اليدين إلى الرسغين سنة في الوضوء كان بعد الاستيقاظ من النوم أولاً، والله أعلم. 522 - * روى ابن خزيمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمِسْ يدَهُ في إنائه أو في وضوئه، حتى يغسلها، فإنه لا يدري أين أتت يده منه". الاستنثار والاستنشاق والمضمضة: 523 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من توضأ فليستنثر، ومن استجمر فليوتر". وفي رواية (6) عن أبي هريرة وأبي سعيد مثله.

_ (1) الموطأ (1/ 19) 2 - كتاب الطهارة، 1 - باب العمل في الوضوء. (2) أبو داود (1/ 26) كتاب الطهارة، 49 - باب في الرجل يُدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها. (3) أبو داود: نفس الموضع السابق ص 25. (4) الترمذي (1/ 36) أبواب الطهارة، 19 - باب ما جاء إذا استيقظ أحدكم من منامه. (5) أبو داود: نفس الموضع ص 26، وسكت عنه المنذري. 522 - ابن خزيمة (1/ 52) 76 - باب النهي عن عمس المستيقظ من النوم يده في الإناء قبل غسلها، وإسناده صحيح. 523 - البخاري (1/ 262) 4 - كتاب الوضوء، 25 - باب الاستنثار في الوضوء. مسلم (1/ 212) 2 - كتاب الطهارة، 8 - باب الإيتار في الاستنثار والاستجمار. (6) مسلم: في نفس الموضع السابق.

وفي رواية (1) لمسلم عن أبي هريرة- يبلُغُ به النبي صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا استجمر أحدكم فليستجمر وتراً، وإذا توضأ أحدُكم فليجعلْ في أنفه ماءً، ثم لينتثر". وفي أخرى (2): أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا توضأ أحدُكم فليستنشق بمنخريه من الماء، ثم لينتثرْ". 524 - * روى النسائي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: دعا بوضوءٍ، فمضمض، واستنشق، ونثر بيده اليسرى، ثم قال: هذا طهور نبي الله صلى الله عليه وسلم". 525 - * روى الترمذي عن عبد الله بن زيد بن عاصم بن عمرو بن عوف المازني رضي الله عنه قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم: مضمض واستنشق من كفٍّ واحد فعل ذلك ثلاثاً". 526 - * روى الجماعة عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شَرِبَ لبناً، فدعا بماءٍ، فمضمض، وقال: "إن له دسماً". 527 - * روى البخاري عن سويد بن النعمان رضي الله عنه قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر، حتى إذا كنا بالصهباء- وهي من أدنى خيبر - صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر، فلما

_ (1) مسلم: في نفس الموضع السابق. (2) مسلم: في نفس الموضع السابق. (لاستنثار) الامتخاط بعد إدخال الماء في الأنف. 524 - النسائي (1/ 67) 1 - كتاب الطهارة، 74 - بأيِّ اليدين يستنثر، وإسناده صحيح. 525 - الترمذي (1/ 42) أبواب الطهارة، 22 - باب المضمضة والاستنشاق من كفٍ واحد وقال: حديث صحيح. 526 - البخاري (1/ 313) 4 - كتاب الوضوء، 52 - باب هل يُمضمض من اللبن. وفي موضع آخر (10/ 70) 74 - كتاب الأشربة، 12 - باب شرب اللبن. مسلم (1/ 274) 3 - كتاب الحيض، 24 - باب نسخ الوضوء مما مست النار. أبو داود (1/ 50) كتاب الطهارة، 77 - باب ف الوضوء من اللبن. الترمذي (1/ 149) أبواب الطهارة، 66 - باب ف المضمضة من اللبن. النسائي (1/ 109) 1 - كتاب الطهارة، 125 - باب المضمضة من اللبن. ابن ماجه (1/ 167) 1 - كتاب الطهارة وسننها، 68 - باب المضمضة من شرب اللبن. 527 - البخاري (1/ 312) 4 - كتاب الوضوء، 51 - باب من مضمض من السويق ولم يتوضأ. الموطأ (1/ 26) 2 - كتاب الطهارة، 5 - باب المضمضة من السويق.

صلى دعا بالأطعمة فلم يُؤتَ إلا بالسويق، فأمر به، فثُري، وأكل وأكلنا، ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم إلى المغرب، فمضمض ومضمضنا، ثم صلى ولم يتوضأ". 528 - * روى مالك عن أبان بن عثمان رحمه الله أن عثمان بن عفان أكل خُبزاً ولحماً، ثم مضمض وغسل يديه، ومسح بهما وجهه، ثم صلى، ولم يتوضأ". أقول: تندب للإنسان المضمضة إذا قام إلى الصلاة بعد طعام أو شراب يبقى أثره في الفم وفي الأصل فإنه يندب للإنسان السواك عند كل صلاة. 529 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استيقظ أحدكم من منامه، فليستنثرْ ثلاث مرات، فإن الشيطان يبيتُ على خياشيمه". 530 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "استنثروا مرتين بالغتين، أو ثلاثاً". أقول: المضمضة والاستنشاق والاستنثار سنن مؤكدة عند الجمهور غير الحنابلة، فالمشهور عند الحنابلة أن المضمضة والاستنشاق واجبان في الوضوء وفي الغُسْل. 531 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه من رواية نُعيم بن عبد الله المُجْمِر عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أُمَّتي يُدْعَونَ يوم القيامة غُرًّا مُحجَّلين من آثار الوضوء فمن استطاع منكم أن يُطيل غُرَّتَه فليفعل".

_ 528 - الموطأ (1/ 26) 2 - كتاب الطهارة، 5 - باب ترك الوضوء مما مسته النار، وإسناده صحيح. 529 - البخاري (6/ 338) 59 - كتاب بدء الخلق، 11 - صفة إبليس وجنوده. مسلم (1/ 213) 2 - كتاب الطهارة، 8 - باب الإيتار في الاستنثار والاستجمار. النسائي (1/ 67) 1 - كتاب الطهارة، 73 - باب الأمر بالاستنثار عند الاستيقاظ من النوم. 530 - أبو داود (1/ 35) كتاب الطهارة، 55 - باب في الاستنثار، وإسناده حسن. 531 - البخاري (1/ 235) 4 - كتاب الوضوء، 3 - باب فضل الوضوء ... إلخ. مسلم (1/ 216) 2 - كتاب الطهارة، 12 - باب استحباب الغرة والتحجيل في الوضوء. (غُراً محجلين) الغُرَّةُ والتحجيلُ: بياض في وجه الفرس وقوائمه، وذلك مما يحسنه ويزينه، فاستعاره للإنسان وجعل أثر الوضوء في الوجه واليدين والرجلين، كالبياض الذي هو للفرس، ولذلك قال بإسباغ لوضوء، فإنه يزيد التحجيل ويطيلُه.

وفي رواية (1) قال: رأيت أبا هريرة يتوضأ: فغسل وجهه، فأسبغ الوضوء، ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد، ثم مسح رأسه، ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق، ثم غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق، ثم قال لي: هكذا رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ، وقال: قال النبي صلى الله ليعه وسلم: "أنتم الغُرُّ المحجلون يوم القيامة: من إسباغ الوضوء" فمن استطاع منكم فليُطل غُرته وتحجيله. وفي أخرى (2) أنه رأى أبا هريرة يتوضأ، فغسل وجهه ويديه حتى كاد يبلغ المنكبين، ثم غسل رجليه حتى رفع إلى الساقين، ثم قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أمتي يأتون يوم القيامة غراً مُحجلين، من أثر الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل". ولمسلم (3) من رواية أبي حازم قال: كنت خلْفَ أبي هريرة، وهو يتوضأ للصلاة، فكان يمُدُّ يده حتى تبلُغ إبطَهُ، فقلت له: يا أبا هريرة ما هذا الوضوء؟ فقال: يا بني فرُّوخَ، أنتم هاهنا؟ لو علمت أنكم هاهنا ما توضأت هذا الوضوء، سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول: "تبلُغ الحِلْيَةُ من المؤمن حيث يبلغُ الوضوءُ". 532 - * روى الطبراني عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من أمتي أحدٌ إلا وأنا أعرفُه يوم القيامة" قالوا يا رسول الله من رأيت ومن لم تر قال "من رأيت ومن لم أر غراً محجلين من آثار الطهور". أقول: إطالة الغرّة تكون بغسل زائد على الواجب من الوجه من جميع جوانبه والتحجيل يكون بغسل زائد على الواجب من اليدين والرجلين إلى ما فوق المرفقين والكعبين وهما مندوبان عند الجمهور، ويكره المالكية إطالة الغرة وتأولوا أحاديث إطالة الغرة.

_ (1) مسلم في نفس الموضع السابق ص 216. (2) مسلم في نفس الموضع السابق ص 216. (3) مسلم (1/ 219) 2 - كتاب الطهارة، 13 - باب تبلغ الحلية حيث يبلغ الوضوء. 532 - مجمع الزوائد (1/ 225) باب فضل الوضوء، وقال الهيثمي رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله موثقون.

- في مقدار الماء

- في مقدار الماء: 533 - *روى الشيخان عن أنس بن مالك رض الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصَّاعِ إلى خمسة أمْدادٍ، ويتوضأ بالمُدِّ. وفي رواية (1) كان يغتسل بخمس مكاكيك، ويتوضأ بمكُّوك. وفي رواية (2): بخمس مكاكيَّ. وفي رواية الترمذي (3): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يُجزيءُ في الوضوء رطلان ماءٍ". وفي أخرى (4) له: أنه كان يتوضأ بالمكُّوك، ويغتسل بخمس مكاكيكَ. 534 - * روى مسلم عن سفينة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُغسِّلُه الصاعُ من الماء من الجنابة، ويوضئه المدُّ. 535 - * روى ابن خزيمة عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يجزيءُ من الوضوء المُدُّ ومن الجنابة الصاعُ" فقال له رجل: لا يكفينا ذلك يا جابر؟ فقال: قد كفى من هو خيرٌ منك وأكثرُ شعراً.

_ 533 - البخاري (1/ 304) 4 - كتاب الوضوء، 47 - باب الوضوء بالمد مسلم (1/ 258) 3 - كتاب الحيض، 10 - باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة. (1) الرواية لمسلم في نفس الموضع ص 257. (2) مسلم: الرواية نفس الموضع ص 257. (3) الترمذي (2/ 507) أبواب الصلاة، 429 - باب قدر ما يجزئ من الماء في الوضوء، قال الترمذي: هذا حديث غريب. (4) الترمذي: نفس الموضع السابق. قال ابن خزيمة: المكوك في هذا الخبر المد نفسه. الصاع: أربعة أمداد = 2751 غراماً فيكون المد = 688 غراماً تقريباً عند الشافعية. وهو عند الحنفية =3800 غراماً فيكون المد = 950 غراماً تقريباً. والرطل = 408 غراماً والمكوك في الأصل = صاع ونصف. 534 - مسلم (1/ 258) 3 - كتاب الحيض، 10 - باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة. الترمذي (1/ 84) أبواب الطهارة، 42 - باب في الوضوء بالمُدِّ. 535 - ابن خزيمة (1/ 62) 91 - باب ذكر الدليل على أن توقيت المد من الماء للوضوء، وإسناده صحيح.

- آداب تتعلق بالوضوء

قال: ابن خزيمة في قوله صلى الله عليه وسلم: "يجزيءُ من الوضوء المد"، دلالة على أن توقيت المد من الماء للوضوء، أن ذلك يجزيءُ، لا أنه لا يجوز النقصان منه ولا الزيادة فيه. 536 - * روى أبو داود عن أم عُمارة رضي الله عنها أن النبي صلى الله ليه وسلم توضأ، فأُتِيَ بإناءٍ فيه ماء قدر ثلثي المدِّ. وزاد النسائي (1): قال شعبة: فأحفظُ: أنه غسل ذراعيه، وجعل يدلكُهما، ومسح أذنيه باطنهما، ولا أحفظ أنه مسح ظاهرهما. أقول: من مكروهات الوضوء الإسراف في صب الماء بأن يستعمل منه فوق الحاجة الشرعية أو ما يزيد على الكفاية، ومن الإسراف الزيادة على الثلاث في الغسلات وعلى المرة الواحدة في المسح عند الجمهور غير الشافعية، والكراهة تنزيهية إلا إذا اعتقد أن ما زاد على الغسلات الثلاثة من أعمال الوضوء فتكون الكراهة تحريمية أما إذا زاد للنظافة أو للطمأنينة، ونحوها فلا كراهة، والإسراف في الماء الموقوف على الوضوء كالماء المُعَدِّ للوضوء في المساجد كراهته تحريمية. - آداب تتعلق بالوضوء: 1 - استعمال الطيب: 537 - * روى الطبراني عن يزيد بن أبي عبيدٍ أن سلمة بن الأكوع كان إذا توضأ يأخذ المِسْكَ فيديفُه في يده ثم مسح به لحيته.

_ 536 - أبو داود (1/ 23) كتاب الطهارة، 44 - باب ما يجزئ من الماء في الوضوء. (1) النسائي (1/ 58) 1 - كتاب الطهارة، 59 - باب القدر الذي يكتفي به الرجل من الماء للوضوء، وإسناده حسن. ابن خزيمة (1/ 62) 91 - باب ذكر الدليل على أن توقيت المد منالماء للوضوء، وإسناده صحيح. 537 - مجمع الزوائد (1/ 240) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. الدُّوّف: الخلط والبل بماء أو نحوه وأصله دفْت الدواء دوفه، إذا بللته بماء وخلطته فهو مدووف على الأصل ويقال: داف يديف.

2 - إحسان الوضوء

2 - إحسان الوضوء: 538 - * روى أحمد عن عبد الملك بن عمير قال سمعت شبيباً أبا روح من ذي الجلاع أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ بالروم فتردد في آية فلما انصرف قال: "إنه لُبِسَ علينا القرآن إن أقواماً منكم يصلون معنا لا يحسنون الوضوء فمن شهد الصلاة معنا فليحسن الوضوء". 3 - التوضؤ لكل صلاة: 539 - * روى البخاري عن أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأُ لكلِّ صلاةٍ، قيل كيف كنتم تصنعون؟ قال: يجزيءُ أحدنا الوضوء مالم يُحدِثْ. 540 - * روى مسلم عن بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح صلى الصلوات بوضوءٍ واحدٍ فقال عمر: فعلت شيئاً لمْ تكُنْ تفعلهُ قال: "عمداً فعلتُهُ يا عمر". 541 - * روى الترمذي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر بوضوءٍ واحد.

_ 538 - أحمد (3/ 471، 472). مجمع الزوائد (1/ 241) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. 539 - البخاري (1/ 315) 4 - كتاب الوضوء، 54 - باب الوضوء من غير حدث. أبو داود (1/ 44) كتاب الطهارة، 66 - باب الرجل يصلي الصلوات بوضوء واحد. الترمذي (1/ 88) أبواب الطهارة، 44 - باب ما جاء في الوضوء لكل صلاة. النسائي (1/ 85) 1 - كتاب الطهارة، 101 - باب الوضوء لكل صلاة. ابن ماجه (1/ 170) 1 - كتاب الطهارة وسننها، 72 - باب الوضوء لكل صلاة والصلوات كلها بوضوء واحد. 540 - مسلم (1/ 232) 2 - كتاب الطهارة، 25 - باب جواز الصلوات كلها بوضوء واحد. أبو داود (1/ 44) كتاب الطهارة، 66 - باب الرجل يصلي الصلوات بوضوء واحد. الترمذي (1/ 89) أبواب الطهارة، 45 - باب ما جاء أنه يصلي الصلوات بوضوءٍ واحد، وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح. النسائي (1/ 86) 1 - كتاب الطهارة، 101 - الوضوء لكل صلاة. ابن ماجه (1/ 170) 1 - كتاب الطهارة وسننها، 72 - باب الوضوء لكل صلاة والصلوات كلها بوضوء واحد. 541 - الترمذي (1/ 91) أبواب الطهارة، 45 - باب ما جاء أنه يُصلي الصلوات بوضوء واحد. وهو حديث صحيح.

4 - التيامن

542 - * روى ابن خزيمة عن محمد بن يحيى بن حبان سأل عبيد الله بن عبد الله بن عمر قال: أرأيت وضوء عبد الله بن عمر لكل صلاة طاهراً كان أو غير طاهرٍ عمن هو؟ قال: حدثته أسماء بنت زيد بن الخطاب، أن عبد الله بن حنظلة ابن أبي عامر الغسيل حدثها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أمر بالوضوء عند كل صلاة طاهراً كان أو غير طاهرٍ، فلما شق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالسواك عند كل صلاة ووُضع عنه الوضوء إلا من حدث. وكان عبد الله يرى أن به قوة على ذلك، ففعله حتى مات. هذا حديث يعقوب بن إبراهيم، غير أن محمد بن منصور قال: وكان يفعله حتى مات. 4 - التيامن: 543 - * روى الستة عن عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب التيامُن ما استطاع في شأنهِ كله في طوهره وترجُّله وتنعُّله. 5 - كراهة الكلام في الوضوء: 544 - * روى ابن خزيمة عن المهاجر بن قُنْقُذ بن عمر بن جدعان: أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ، فسلَّم عليه، فلم يردَّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توضأ، ثم اعتذر إليه، فقال: "إني كرهت أن أذكُر الله إلا على طُهْر" أو قال: "على طهارة". وكان الحسنُ يأخذ به.

_ 542 - ابن خزيمة (1/ 72) 106 - باب الأمر بالسواك عند كل صلاة أمر ندب وفضيلة لا أمر وجوب وفريضة. 543 - البخاري (1/ 523) 8 - كتاب الصلاة، 47 - باب التيمن في دخول المسجد وغيره. مسلم (1/ 226) 2 - كتاب الطهارة، 19 - باب التيمن في الطهور وغيره. أبو داود (4/ 70) كتاب اللباس، باب في الانتعال. الترمذي (2/ 506) أبواب الصلاة، 428 - باب ما يستحب من التيمن في الطهور، وقال هذا حديث حسن صحيح. النسائي (1/ 78) 1 - كتاب الطهارة، 90 - باب بأي الرجلين يبدأ الغسل. ابن ماجه (1/ 141) 1 - كتاب الطهارة وسننها، 42 - باب التيمن في الوضوء. الترجل: ترجيل الشعر: التنعل: لبس النعال. 544 - ابن خزيمة (1/ 103) كتبا الطهارة - جماع أبواب فضول التطهير، والاستحباب من غير إيجاب، وإسناده صحيح.

نواقض الوضوء

أقول: لا يُسلم على من يتوضأ ومن سُلم عليه فلا يجبُ عليه أن يرد السلام حتى ينتهي من وضوئه. نواقض الوضوء: قال تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} (1) وذلك كناية عن الحدث من بول أو غائط. واتفق الفقهاء أن كل خارج من أحد السبيلين معتاد كبول أو غائط أو ريح أو مذي أو ودي أو مني أو غير معتاد كدودة وحصاة ودم، قليلاً كان الخارج أو كثيراً فإنه ينقض الوضوء، والمني ينقض الوضوء ويوجب الغسل وكذلك دم الحيض والنفاس بعد الطهر واستثنى الحنفية في الأصح ريح القبل فهو غير ناقض لأنه اختلاج. واستثنى المالكية الخارج غير المعتاد من المخرج المعتاد في حال الصحة، وأصحاب الأعذار لهم أحكامهم كما سنرى. وقد سبق في العرض الإجمالي ذكر تعداد نواقض الوضوء. وإلى عرض النصوص. - من النواقض: الصوت والريح: 545 - * روى الترمذي عن علي بن طلقٍ رضي الله عنه قال: أتى أعرابيٌّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، الرَّجلُ منَّا يكونُ في الفلاة، فتكون منه الرُّويْحَةُ، ويكون في الماء قِلَّةٌ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا فسا أحدكم فليتوضأْ، ولا تأتُوا النساء في أعجازهنَّ، فإن الله لا يستحي من الحقِّ". وفي رواية (2) أبي داود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا فسا أحدُكم في الصلاة فلينصرف، وليتوضأ، وليعُد الصلاة".

_ (1) المائدة: 6. 545 - الترمذي (3/ 468) 10 - كتاب الرضاع، 12 - باب ما جاء في كراهية إتيان النساء في أدبارهن. قال أبو عيسى: حديث حسن. (2) أبو داود (1/ 53) 1 - كتاب الطهارة، 82 - باب من يحدث في الصلاة.

- المذي والوضوء منه

546 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تُقْبَلُ صلاةُ من أحدث حتى يتوضأ فقال رجلٌ من حضرموت: ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: فُساءٌ، أو ضُراط. وفي رواية (1) قال: "لا وضوء إلا من حدثٍ"، قال له رجل أعجمي: ما الحدث؟ قال: فُساءٌ أو ضُراط". - المذي والوضوء منه: 547 - * روى الشيخان عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال محمد بن الحنفية: قالع عليٌّ: كنتُ رجلاً مذاءً، فاستحييتُ أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، لمكان ابنته، فأمرتُ المقداد بن الأسود، فسأله؟ فقال: "يغسلُ ذكره ويتوضأُ". ولأبي (2) داود عن عروة عن علي بن أبي طالب: قال للمقداد ... فذكر نحو هذا، يعني: رواية الموطأ (3)، قال: فسأله المقداد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ليغْسِلْ ذكره وأُنثَييه". وله في أخرى (4) قال: كنتُ رجلاً مَذَّاءً، فجعلتُ أغتسلُ، حتى تشقق ظهري، قال: فذكرتُ ذلك للنبي صلى الله لعيه وسلم - أو ذُكِرَ له - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تفعلْ، إذا رأيت

_ 546 - البخاري (1/ 234) 4 - كتاب الوضوء، 2 - باب لا تقبل صلاة بغير طهور. مسلم (1/ 204) 2 - كتاب الطهارة، 2 - وجوب الطهارة للصلاة. أبو داود (1/ 16) كتاب الطهارة، 31 - باب فرض الوضوء. الترمذي (1/ 110) أبواب الطهارة، 56 - باب ما جاء في الوضوء من الريح. (1) البخاري (1/ 282) 4 - كتاب الوضوء، 34 - باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين. 547 - البخاري (1/ 283) 4 - كتاب الوضوء، 34 - باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين. مسلم (1/ 247) 3 - كتاب الحيض، 4 - باب المذي. (2) أبو داود (1/ 53، 54) كتاب الطهارة، 83 - باب في المذي. (3) الموطأ (1/ 40) 2 - كتاب الطهارة، 13 - باب الوضوء من المذ. (4) أبو داود (1/ 53) كتاب الطهارة، 83 - باب في المذي. (الأنثيان): الخصيتان.

فائدة

المذي فاغسلْ ذكرك، وتوضأ وضوءك للصلاة، فإذا فضخْتَ الماء فاغتسلْ". وفي رواية (1) الترمذي قال عليٌّ: سألتُ النبي صلى الله عليه وسلم عن المذي؟ فقال: "من المذي الوضوء، ومن المني الغُسْلُ". فائدة: قال الإمام النووي في شرح حديث علي في مسلم أرسلنا المقداد وفيه "انضح فرجك" اغسله فن النضح يكون غسلا ويكون رشاً وقد جاء في الرواية الأخرى "يغسل ذكره" فتعين حمل النضح عليه ا. هـ. 548 - * روى أبو داود عن سهل بن حنيفٍ رضي الله عنه قال: كنتُ ألقى من المذي شدةً وعناءً، وكنتُ أُكثرُ منه الاغتسال، فسألتُ النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال: "إنما يُجزيك من ذلك الوضوءُ"، قلتُ: يا رسول الله، كيف بما يُصيب الثوب منه؟ فقال: "يكفيك أن تأخذ كفاً من ماءٍ فتنضح به حيثُ ترى أنه أصاب من ثوبك". 549 - * روى أبو داود عن عبد الله بن سعدٍ الأنصاري رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يُوجِبُ الغسل؟ وعن الماء يكون بعد الماء؟ فقال: "ذاك المذيُ، وكلُّ فحلٍ يمذي، فلتغسِلْ من ذلك فرجك وأُنْثَييك، وتوضأْ وضوءك للصلاة". 550 - * روى مالك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إني لأجده ينحدر مني

_ (1) الترمذي (1/ 193) أبواب الطهارة، 83 - باب ما جاء في المني والمذي وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (فضختُ) الماء: دفقته، والفضخُ: الدفقُ. والمراد به دفق المني. (المذي): البلل الذي يخرج من الذكر عند الملاعبة، فهو يخرج عند شهوة لا بشهوة، أما المني فيخرج بالشهوة مع الدفق. 548 - أبو داود (1/ 54) كتاب الطهارة، 83 - باب في المذي. الترمذي (1/ 197) أبواب الطهارة، 84 - باب ما جاء في المذي يُصيب الثوب. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وإسناده صحيح. 549 - أبو داود (1/ 54، 55) كتاب الطهارة، 83 - باب في المذي، وهو حديث حسن. 550 - الموطأ (1/ 41) 2 - تاب الطهارة، 13 - باب الوضوء من المذي، وإسناده صحيح. =

- القيء والدم وحكم الوضوء منهما

مثل الخُريزة، فإذا وجد ذلك أحدُكم فليغسلْ ذكرهُ، وليتوضأ وضوءه للصلاة- يعني المذي". أقول: يحتمل أن المراد بما ذكره عمر الودي فهو الذي يخرج عادة كثيفاً أبيض عقب البول. - القيء والدم وحكم الوضوء منهما: 551 - * روى أبو داود عن أبي الدرداء رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاءَ وكان صائماً، فتوضأ، قال معدانُ: ولقيتُ ثوبان في مسجد دمشق، فسألتُه؟ فقال: صدق، وأنا صببتُ له وضوءه". أقول: قال الحنفية والحنابلة: إن القيء ينقض الوضوء، والنقض عند الحنفية: إذا كان القيء ملء الفم وهو ما لا ينطبق عليه الفم إلا بتكلف، والنقض عند الحنابلة إذا كان القيء كثيراً فاحشاً وهو ما يستكثره صاحبه. وهذا حكم القيء عندهم سواء كان طعاماً أو ماء أو دماً من المعدة أو صفرا، أما البلغم والبصاق والنخامة فإنها طاهرة، والجشاء وهو الريح الذي يخرج من فم الإنسان لا ينقض الوضوء، وقال المالكية والشافعية: إن القيء لا ينقض الوضوء وحملوا هذا الحديث على أن المراد به الغسل للتنظيف. 552 - * روى مالك عن المسور بن مخرمة أنه دخل على عمر بن الخطاب رضي الله عنه من الليلة التي طُعن فيها، فأيقظ عمر لصلاة الصبح، فقال عمر: نعم، ولا حظَّ في الإسلام لمن ترك الصلاة، فصلى عمر، وجُرْحُ يثْعَبُ دماً. 553 - * روى أبو داود عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال (1): خرجنا مع رسول الله

_ = والخريزة: تضغير خرزة: الجوهرة. 551 - أبو داود (2/ 311) كتاب الصوم، 31 - باب الصائم يستقيء عامداً. الترمذي (1/ 143) أبواب الطهارة، 64 - باب ما جاء في الوضوء من القيء والرُّعاف. وإسناده حسن. 552 - الموطأ (1/ 39)، 2 - كتاب الطهارة، 12 - باب العمل فيمن غلبه الدم من جرح أو رعاف، وإسناده صحيح. (يثعبُ) ثعبْتُ الماء: إذا فجرته وأسلْتَه. 553 - أبو داود (1/ 50) كتاب الطهارة، 79 - باب الوضوء من الدم، وهذا الحديث صححه ابن خزيمة والحاكم وابن حبان.

- حكم القبلة واللمس

صلى الله عليه وسلم "يعني: في غزوة ذات الرِّقاع - فأصاب رجلٌ امرأة رجلٍ من المشركين، فحلف: أن لا أنتهي حتى أهريق دماً من أصحاب محمدٍ، فخرج يتبعُ أثر النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم منزلاً، فقال: "مَنْ رجلٌ يكلؤُنا؟ " فانتْدِب رجلٌ من المهاجرين، ورجلٌ من الأنصار فقال: "كونا بفَمِ الشعْبِ" فلما خرج الرجلان إلى فم الشعب اضطجع المهاجريُّ، وقام الأنصاري يُصلي، فأتى الرجل، فلما رأى شخصه عرف أنه ربيئةٌ للقوم، فرماه بسهمٍ، فوضعه فيه، ونزعه، حتى رماه بثلاثة أسهُم، ثم ركع وسجد، ثم أنبه صاحبه، فلما عرف أنهم قد نذروا به هرب، فلما رأى المهاجريُّ ما بالأنصاري من الدماء، قال: سبحان الله! ألا أنبهتني أول ما رمى؟ قال: كنتُ في سورةٍ أقرؤها، فلم أُحِبَّ أن أقطعها. أقول: قال الحنفية: الدم والقيح والصديد ناقض للوضوء إذا سال إلى موضع يلحقه حكم التطهير وهو ظاهر الجسد، وقال الحنابلة: إذا كان الدم كثيراً بالنسبة لكل إنسان بحسبه فإنه ناقض، وقال المالكية، والشافعية: لا ينتقض الوضوء بالدم ونحوه، ولكلٍ دليله، وكل قد وجه النصوص الواردة بما يتفق مع مذهب، فمثلاً كانت حالة عمر ضرورة، وكان فعل الصحابي اجتهاداً منه، وقد طعن الحنفية في الحديث. - حكم القبلة واللمس: 554 - * روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَبَّل امرأةً من نسائه، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأْ، قال عروةُ: فقلتُ لها: ومن هي إلا أنتِ؟ فضحكَتْ".

_ = (فانتُدب) الانتدابُ: الإجابة، يقال: ندبتُ فلاناً لهذا الأمر. (فأصاب رجل امرأة رجل): أي سباها. أي: بعثته عليه، فانتدب، أي: أجاب. (ربيئة) الربيئة: الذي يحفظ القوم، ويتطلَّع لهم خبر العدوِّ لئلا يهجم عليهم. نَذِروا به: علموا. 554 - الترمذي (1/ 133) أبواب الطهارة، 63 - باب ما جاء في ترك الوضوء من القبلة.

حكم الوضوء من مس الذكر

وفي رواية (1): "أن النبي صلى الله عليه وسلم قبَّلها ولم يتوضأ". وفي رواية (2): "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل بعض أزواجه، ثم يصلي ولا يتوضأ". أقول: قال الحنفية إن لمس المرأة لا ينقض الوضوء إلا في حالة المباشرة الفاحشة وهي أن يضع كل عضو منه على كل عضو منها دون أن يلتقي الختانان، لأنه إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل. وقال المالكية ينتقض الوضوء بلمس المتوضيء البالغ لشخص يُلتذ به عادة إذا كان اللمس بشهوة ولذة، والقبلة بالفم تنقض الوضوء عندهم، أما في غير الفم فإنها لا تنقض الوضوء إلا إذا كانت بشهوة، وقال الحنابلة في المشهور: ينتقض الوضوء من لمس النساء بشهوة من غير حائل إذا كان الملموس مشتهى عادة، فلا يدخل في ذلك الطفل والطفلة، وقال الشافعية ينتقض الوضوء بلمس الرجل المرأة الأجنبية غير المحرم ولو ميتة أو عجوزاً أو شيخاً هرماً من غير حائل بينما ولو من غير قصد، ولا ينقض مسُّ شعر وسن وظفر، ولا ينتقض الوضوء بلمس صغير أو صغيرة لا يشتهي أحدهما عند ذوي الطباع السليمة. حكم الوضوء من مس الذكر: 555 - * روى أبو داود عن طلق بن عليٍّ اليماني رضي الله عنه قال: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءه رجلٌ كأنه بدويٌّ، فقال يا نبي الله، ما ترى في مسِّ الرجل ذكرَهُ بعد ما يتوضأ؟ فقال: "وهل هو إلا مُضغةٌ منه- أو بضعةٌ منه؟ ". وأما الترمذي (3): فإنه لم يخرج من الحديث إلا قوله: "هل هو إلا مُضغة منه- أو بضعة منه؟ " إلا أنه أخرجه في باب ترك الوضوء من مس الذكر.

_ (1) أبو داود (1/ 45) كتاب الطهارة، 69 - باب الوضوء من القبلة. (2) النسائي (1/ 104) 1 - كتاب الطهارة، 121 - ترك الوضوء من القبلة. وهو حديث حسن. 555 - أبو داود (1/ 46) كتاب الطهارة، 71 - باب الرخصة في عدم الوضوء من مس الذكر. (3) الترمذي (1/ 131) أبواب الطهارة، 62 - باب ما جاء في ترك الوضوء من مس الذكر. فائدة: قال عليِّ بن المديني: وهو أحسن من حديث بسرة (الآتي) (بلوغ المراد 1/ 13) وفي التلخص الحبير لابن حجر 1/ 46: وصححه عمرو بن عليُّ الفلاس وقال: هو أثبت عندنا من حديث بسرة. (وهبي). (مضغة) المضغةُ: قدر اللقمة من اللحم. (بضعة) البضعة: قطعةٌ من اللحم أكبر من المُضغة.

وأما النسائي (1) فإنه قال: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه، وصلينا معه، فلما قضى الصلاة جاءه رجلٌ ... وذكر الحديث. 556 - * روى الترمذي عن بسرة بنت صفوان رضي الله عنها أنها قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مس ذكره فلا يُصلي حتى يتوضأُ". وفي رواية (2) الموطأ عن محمد بن عمرو بن حزمٍ قال: سمعت عروة بن الزبير يقول: دخلتُ على مروان بن الحكم، فتذاكرنا ما يكون منه الوضوء؟ فقال مروان: مِنْ مس الذكر الوضوءُ. قال عروة: ما علمتُ هذا. فقال مروان: أخبرتني بُسرة بنت صفوان، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ" وأخرج أبو داود (3) والنسائي (4) رواية الموطأ وللنسائي (5) نحوه، وفيه: قال عروة: فلم أزلْ أُماري مروان، حتى دعا رجلاً من حرسه، فأرسله إلى بُسرة، وسألها عما حدثت من ذلك؟ فأرسلت إليه بسرة بمثل الذي حدثني عنها مروانُ. وأخرج النسائي (6) رواية الترمذي، وله في أخرى (7) قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مسَّ فرجَهُ فليتوضأ". وفي أخرى (8): "إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه فليتوضأ".

_ (1) النسائي (1/ 101) 1 - كتاب الطهارة، 119 - باب ترك الوضوء من مس الذكر، وهو حديث صحيح. 556 - الترمذي (1/ 126) أبواب الطهارة، 61 - باب الوضوء من مس الذكر. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. (2) الموطأ (1/ 42) 2 - كتاب الطهارة، 15 - باب الوضوء من مس الفرج. (3) أبو داود (1/ 46) كتاب الطهارة، 70 - باب الوضوء من مس الذكر. (4) النسائي (1/ 100) 1 - كتاب الطهارة، 118 - باب الوضوء من مس الذكر. (5) النسائي: نفس الموضع السابق ص 101. (6) النسائي (1/ 216) 4 - كتاب الغسل والتيمم، 30 - باب الوضوء من مس الذكر. (7) النسائي: نفس الموضع السابق ص 216. (8) النسائي: نفس الموضع السابق ص 216. وهو حديث صحيح.

- الوضوء من النوم

- زاد في الأوسط (1) والكبير بعد ذكره أو أنثييه أو رَفغيه. ونقل ابن خزيمة عن مالك وأحمد استحباب الوضوء من مس الذكر دون الوجوب. أقول: قال الحنفية: لا ينتقض الوضوء بمس القبل أو الدبر، وقال المالكية: ينتقض الوضوء بمس الذكر لا بمس الدبر إذا مسه عمداً أو سهواً من غير حائل ببطن الكف أو جنبه أو ببطن إصبع وبجنبه لا بظهره، وذلك عندهم في حق البالغ والبالغة، وقال الشافعية والحنابلة: ينتقض الوضوء بمس قبل ودبر من المرأة والرجل من نفس الإنسان أو من غيره، صغيراً أو كبيراً حياً أو ميتاً ولا يفرِّق الحنابلة بين باطن الكف وظهره، والشافعية لا يرون أن ظاهر الكف وحرفه ورؤوس الأصابع وما بينها ينقض الوضوء، والذي ينقض الوضوء عندهم هو ما يستتر عند وضع إحدى الراحتين على الأخرى مع تحامل يسير وفي الإبهامين بوضع باطن أحدهما على باطن الآخر فما استتر من الكف بهذا الضابط هو الذي ينقض الوضوء، وكل من الأئمة وجه ما ورد بما يتفق مع مذهبه أو اعتبر ما خالفه منسوخاً أو ضعيفاً أو أقل صحة. (الفقه الإسلامي 1/ 277 - 279). - الوضوء من النوم: 557 - * روى مالك عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان ينام جالساً ثم يُصلي ولايتوضأ. 558 - * روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قتادةُ: قال أنس: كان أصحاب رسول الله صلى الله عيه وسلم ينامون ثم يُصلون ولا يتوضؤون، قال: قلت: أسمعته من أنس؟ قال: إيْ والله.

_ (1) الطبراني "المعجم الكبير" (24/ 200). مجمع الزوائد (1/ 245) قال الهيثمي رواه الطبراني في الأوسط والكبير وهو في السنن خلا ذكره الأنثيين والرفغين، ورجاله رجال الصحيح. (رفغيه): الرفغ: بالضم والفتح واحد الأرفاغ وهو الإبط، والأرفاغ أصول المغابن كالآباط والحالب وغيرها من مطاوي الأعضاء وما يجتمع فيه الوسخ والعرق. والمراد هنا: ما حول الدبر. 557 - الموطأ (1/ 22) 2 - كتاب الطهارة، 2 - باب وضوء النائم إذا قام إلى الصلاة، وإسناده صحيح. 558 - مسلم (1/ 284) 3 - كتاب الحيض، 33 - باب الدليل على أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء.

559 - * روى أبو داود عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وكاءُ السَّهِ العينان فمن نام فليتوضأ". أقول: هذا محمول على من نام غير ممكنٍ مقعدته من الأرض أو نام عل هيئة يتوقع معها خروج شيء منه، أما من مكن مقعدته من الأرض أو كان على هيئة لا يتوقع معها خروج شيء منه فلا ينتقض وضوؤه. 560 - * روى أحمد عن رجل قال رأيتُ نبي الله صلى الله عليه وسلم نام حتى نفخ ثم صلى ولم يتوضأ. وهناك روايات تذكر أن ذلك كان في سجوده عليه الصلاة والسلام. أقول: قال الحنفية والشافعية: إن النوم الناقض للوضوء هو الذي لم تتمكن فهي المقعدة من الأرض أو محل الجلوس الذي لا يتوقع معه خروج شيء، ولا ينتقض الوضوء عند الحنفية بالنوم حالة القيام والقعود والسجود في الصلاة وغيرها، لأن بعض الاستمساك باق إذ لو زاد لسقط، فلم يتم الاسترخاء. وقال المالكية والحنابلة: إن النوم الخفيف أو اليسير لاينقض، أما النوم الثقيل فينقض الوضوء، وتعرف النوم الثقيل عند المالكية: هو ما لم يشعر صحبه بالأصوات أو بسقوط شيء من يده أو بسيلان ريقه ونحو ذلك، فإذا شعر بذلك فنومه خفيف ولو طال زمنه فلا ينقض، والنوم اليسير ند الحنابلة: هو ما كان يسيراً عرفاً من جالس أو قائم، فهم كالشافعية في غير الجالس ويزيدون على الحنفية أن النوم الكثير في كل الأحوال ناقض، فإن نام، وشكَّ هل نومه كثير أو يسير اعتبر طاهراً وإن رأى رؤيا فهو نوم كثير. (رد المحتار 1/ 95 المغني 1/ 173 الفقه الإسلامي 1/ 270 - 273).

_ 559 - أبو داود (1/ 52) كتاب اطلهارة، 80 - باب الوضوء من النوم، وهو حديث حسن. (وكاء السه) الوكاءُ: ما يشد به رأس القربة ونحوها، والسَّه: الإست، وقيل هي حلقة الدُّبر. قال محقق الجامع: وروى البيهقي من طريق يزيد بن قسيط أنه سمع أبا هريرة قول: ليس على المحتبي النائم، ولا على القائم النائم، ولا على الساجد النائم وضوء حتى يضطجع، فإذا اضطجع توضأ، قال الحافظ في "التلخيص": وإسناده جيد، وهو موقوف. 560 - أحمد (3/ 414)، إسناده جيد.

الوضوء مما مست النار

561 - * روى الشيخان عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت في حديث الكسوف: قمت حتى تجلاني الغشيُ، وجعلتُ أُصبُّ فوق رأسي ماء، قال عروة: ولم تتوضأ. هذا طرف من حديث طويل. أقول: لم يصل الحال مع أسماء رضي الله عنها إلى الإغماء الكامل ولذلك لم تتوضأ، أما الإغماء الكامل فإنه يذهب معه الحس وقد يترتب عليه خروج شيء من أحد السبيلين فهو أشد من النوم، فيكون ناقضاً للوضوء، والحديث اللاحق يدل على ذلك. 562 - * روى الشيخان عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: دخلت على عائشة، فقلت لها: ألا تحدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: بلى، ثَقُل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أصلي الناسُ؟ " قلنا: لا، وهم ينتظرونك يا رسول الله، قال: "ضعُوا لي ماء في المخضب"، قالت: ففعلنا، فاغتسل، ثم ذهب لينُوء، فأغمي عليه، ثم أفاق، فقال: "أصلَّي الناسُ"؟ قلنا: لا، وهم ينتظرونك يا رسول الله، قال: "ضعُوا لي ماء في المخضب"، قالت: ففعلنا، فاغتسل، ثم ذهب لينوء، فأُغمي عليه، ثم أفاق، فقال: "أصلي الناسُ؟ " قلنا، لا، وهم ينتظرونك يا رسول الله، قال: "ضعوا لي ماء في المخصب"، قالت: ففعلنا، فاغتسل، ثم ذهب لينوء، فأُغمي عليه، ثم أفاق، فقال: أصلي الناسُ؟ " فقلنا: لا، وهم ينتظرونك يا رسول الله. الوضوء مما مست النار: 563 - * (1) روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وجده عبد الله بن قارظٍ يتوضأ على

_ 561 - البخاري (1/ 288) 4 - كتاب الوضوء، 37 - باب من لم يتوضأ إلا من الغشي المثقل. مسلم (2/ 624) 10 - كتاب الكسوف، 3 - باب ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف. 562 - البخاري (2/ 172) 10 - كتاب الأذان، 51 - باب إنما جعل الإمام ليؤتم به. مسلم (1/ 311) 4 - كتاب الصلاة، 21 - باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغيرهما. (مخضب) المخضب: المركن والإجانة. (لينوء) ناء ينوءُ إذا نهض ليقوم. 563 - مسلم (1/ 272) 3 - كتاب الحيض، 23 - باب الوضوء مما مست النار.

ظهر المسجد، فقال: إنما أتوضأ من أثوارِ أقِطٍ أكلتُها، لأني سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقولُ: "توضئوا مما مست النارُ". 564 - * روى أبو داود عن جابر بن عبد الله، قال: كان آخرُ الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم "ترك الوضوء مما مستِ النارُ". 565 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاةٍ وصلى ولم يتوضأْ"، وللبخاري (1): "أنه انتشَلَ عرقاً من قدرٍ" وفي أخرى (2): "تعرقَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم كتفاً"، ولمسلم (3): "أنهُ أكل عرقاً أو لحماً ثم صلى ولم يتوضأ، ولم يمس ماءً". وأخرج أبو داود (4): "أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم كتفاً ثم مسح يدهُ بمسحٍ كان تحتهُ، ثم قام فصلى" وفي أخرى (5): "انتهَشَ منْ كتفٍ، ثم صلى، ولمْ يتوضأ". وفي رواية (6) النسائي قال: "شهدتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل خُبزاً ولحماً، ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأْ".

_ (1) النسائي (1/ 150) 1 - كتاب الطهارة، 122 - باب الوضوء مما غيرت النار. (أقط) الأقط: لبنٌ جامد مستحجر (أثوار) الأثوار: جمع ثور، وهو القطعة من الأقط. 564 - أبو داود (1/ 49) كتاب الطهارة، 75 - باب يترك الوضوء ممامست النار. النسائي (1/ 108) كتاب الطهارة، 123 - باب تر كالوضوء مما غيرت النار. ابن خزيمة (1/ 28) كتاب الطهارة، 31 - باب ذكر الدليل على أن ترك النبي مما مست النار أو غيرت، ناسخ لوضوئه، كان مما مست النار أو غيرت. وهو حديث صحيح. 565 - البخاري (1/ 310) 4 - كتاب الوضوء، 50 - باب من لم يتوضأ من لحم الشاة والسويق. مسلم (1/ 273) 3 - كتاب الحيض، 24 - باب نسخ الوضوء مما مست النار. (1) البخاري (9/ 545) 70 - كتاب الأطعمة، 18 - باب النهش وانتشال اللحم. (2) البخاري: نفس الموضع السابق. (3) مسلم (1/ 273) 3 - كتاب الحيض، 24 - باب نسخ الوضوء مما مست النار. (4) أبو داود (1/ 48) كتاب الطهارة، 75 - باب في ترك الوضوء مما مست النار. (5) أبو داود: نفس الموضع السابق. (انتشل عرقاً): العرقُ: العظم ذو اللحم أُخِذُ منه معظم اللحم. وانتشله: أخذه من القدر باليد. (تعرق) ما على العظم من اللحم: إذا أكلهُ. (انتهس) نهسُ اللحم: أخذه بمقدم الأسنان، وكذلك انتهسته، كذا قال الجوهري. (6) انسائي (1/ 108) 1 - كتاب الطهارة، 123 - باب ترك الوضوء مما غيرت النار.

566 - * روى الشيخان عن ميمونة رضي الله عنها "أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل عندها كتفاً، ثم صلى ولم يتوضأ". أقول: الأكل مما طبخ لا يؤثر على نقض الوضوء، ففعل أبي هريرة إما من باب الورع، وأما لأنه لم يعرف أن الحكم قد نسخ، قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم (4/ 43) (واحتج هؤلاء بحديث توضؤوا مما مست النار، واحتج الجمهور بالأحاديث الواردة بترك الوضوء مما مسته النار وأجابوا عن حديث الوضوء مما مست النار بجوابين: أحدهما أنه منسوخ بحديث جابر رضي الله عنه، قال: كان آخر الأمرين. فذكره والجواب الثاني: أن المراد بالوضوء غسل الفم والكفين ثم إن هذا الخلاف الذي حكيناه كان في الصدر الأول، ثم أجمع العلماء بعد ذلك على أنه لا يجب الوضوء بأكل ما مسته النار، ا. هـ ملخصاً). وجمع الخطابي وغيره بوجه آخر وهو أن أحاديث الأمر محمولة على الاستحباب. (انظر إعلاء السنن 1/ 106). 567 - * روى مالك عن عبد الرحمن بن زيد الأنصاري رضي الله عنه "أن أنس بن مالك قدم من العراق، فدخل عليه أبو طلحة وأُبيُّ بن كعبٍ، فقرب لهما طعامً قد مسته النار، فأكلوا منه، فقام أنسٌ فتوضأ، فقال له أبو طلحة وأُبيُّ بن كعب: ما هذا يا أنسُ؟ أعراقيةٌ؟ فقال أنس: ليتني لم أفعلْ، وقام أبو طلحة وأُبيُّ بن كعبٍ، فصليا ولم يتوضأ". قال الزرقاني في "شرح الموطأ" أي: أبالعراق استفدت هذا العلم وتركت عمل أهل المدينة المتلقي عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال الزرقاني في "شرح الموطأ": فدل فعلهما وإنكارهما - وهما من هما - على أنس ورجوعه إليهما، على أن إجماع أهل المدينة على أن لا وضوء مما مست النار (1)، وهو من

_ 566 - البخاري (1/ 312) 4 - كتاب الوضوء، 51 - باب من مضمض من السويق ولم يتوضأ. مسلم (1/ 274) 3 - كتاب الحيض، 24 - باب نسخ الوضوء مما مست النار. 567 - الموطأ (1/ 27) 2 - كتاب الطهارة، 5 - باب ترك الوضوء مما مسته النار، وإسناده صحيح.

الحجج القوية الدالة على نسخ الوضوء منه، ومن ثم ختم به الباب - يعني مالكاً في الموطأ - وهو يفيد أيضاً رد ما ذهب إليه الخطابي من حمل أحاديث الأمر على الاستحباب، إذ لو كان مستحباً ما ساغ إنكارهما عليه، والله أعلم. 568 - * روى الطبراني عن وائل بن داود عن إبراهيم قال: الوضوء مماخرج وليس مما دخل والصوم مما دخل وليس مما خرج. وروى هذا الحديث مرفوعاً لكن لم يصح، وروى نحوه البيهقي موقوفاً على ابن عباس بسند صحيح، وهذا من جملة أدلة من قال بعدم الوضوء مما مست النار. 569 - * روى مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه "أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: "إن شئت فتوضأْ، وإن شئت فلا تتوضأْ"، قال: أتوضأْ من لحوم الإبل؟ قال: "نعم" فتوضأ من لحوم افبل، قال: أُصلي في مرابض الغنم؟ قال: "نعم"، قال: أصلي في مبارك الإبل؟ قال: "لا". وذكر النووي أن النهي نهي كراهة لما ذكر. قال الحافظ ولي الدين العراقي: يحتمل أن يكون قوله "فإنها من الشياطين" على حقيقته، وإنها أنفسها شياطين، وقد قال أهل الكوفة: إن الشيطان كل عاتٍ متمرد من الإنس والجن والدواب أو مشبهة بها في النفرة والتشويش أو مقارنة لها، فقد روى النسائي وابن حبان في صحيحه وأحمد في مسنده من حديث حمزة بن عمرو الأسلمي مرفوعاً: على ظهر كل بعير شيطان، فإذا ركبتموها فسموا الله. الحديث. 570 - * روى أبو داود عن البراء بن عازبٍ رضي الله عنه قال: (1) "سُئلَ النبي صلى الله عليه وسلم عن

_ 568 - مجمع الزوائد (1/ 243) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله موثقون. 569 - مسلم (1/ 275) 3 - كتاب الحيض، 25 - باب الوضوء من لحوم الإبل. (مرابض الغنم): موضع رُبوضها، وهو الموضع الذي تكون فيه. (مبارك الإبل): موضع بُروكها، وإنما نهى عن مبارك الإبل لما يعرضُ لها من النفار والاضطراب في أكثر أحوالها، وذلك مما يُلهي المصلي ويشغله، أو يؤذيه بحركتها. 570 - أبو داود (1/ 47) كتاب الطهارة، 72 - باب الوضوء من لحوم الإبل.

- مما يستحب له الوضوء

الوضوء من لوحم الإبل؟ فقال: "توضؤوا منها"، وسئل عن لحوم الغنم؟ فقال: "لا توضؤوا منها"، وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل فقال: "لا تصلُّوا في مبارك الإبل فإنها من الشياطين"، وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم؟ فقال: "صلوا فيها، فإنها بركةٌ". وأخرج الترمذي إلى قوله: "لاتوضؤوا (1) منها". أقول: لا ينتقض الوضوء بأكل لحم الإبل إلا عند الحنابلة، واعتبره غيرهم منسوخاً، أما هم فيذهبون إلى أن أكل لحم الإبل على كل حال نيئاً ومطبوخاً ينقض الوضوء علم بذلك الأكل أو لم يعلم. جاء في إعلاء السنن: عن: أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعاً: إذا كان أحدكم على وضوء فأكل طعاماً فلا يتوضأ إلا أن يكون لبن الإبل إذا شربتموه، فتمضمضوا بالماء". رواه الطبراني في الكبير والضياء (كنز العمال 5: 79) قلت: أما إسناد الطبراني فقال في مجمع الزوائد (1: 102): لم أر من ترجم أحداً منهم، وأما إسناد الضياء فصحيح على قاعدة الإمام السيوطي المذكورة في خطبة كنز العمال. ثم قال: (فالوضوء) هنا محمول على المضمضة فإن الحديث يفسر بعضه بعضاً، (إعلاء السنن 1/ 108 - 109). - مما يستحب له الوضوء: 571 - * روى أبو داود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "كُنَّا لا نتوضأ من موطيءٍ، ولا نكُفُّ شعراً ولا ثوباً".

_ (1) الترمذي (1/ 123) أبواب الطهارة، 60 - باب ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل. وهو حديث صحيح. 571 - أبو دود (1/ 53) كتاب الطهارة، 81 - باب في الرجل يطأ الأذى برجله، وإسناده صحيح. (موطئ) الموطئُ: ما يُوطأ في الطريق من الأذى، أراد: أنهم كانوا لا يُعيدون الوضوء من الأذى الذي يُصيبُ أرجلهم، ولا كانوا يغسلونها منه. (لا نكلف شعراً ولا ثوباً) أي: لا نقيها من التراب إذا لينا صيانة لها عن التتَّريب، ولكن نُرسلها فتقع على

572 - * روى الطبراني عن ابن مسعود قال لأن أتوضأ من الكلمة الخبيثة أحبُّ إليَّ من أن أتوضأ من الطعام الطيب. 573 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "بينما رجلٌ يصلي مسبلٌ إزاره، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اذهب فتوضأْ"، فذهب فتوضأ، ثم جاء، فقال رجل: يا رسول الله، مالك أمرته أن يتوضأ؟ قال: "إنه كان يصلي وهو مسبلٌ إزاره، وإن الله لا يَقبلُ صلاة رجلٍ مُسبلٍ إزاره". أقول: هذان النصان: أصلان لما ذهب إليه بعضهم أن الإنسان إذا ارتكب كبيرة أو صغيرة يندب له أن يتوضأ فهذا إنسان خالف السنة في إسبال الإزار فأُمر أن يتوضأ بسبب ذلك وابن مسعود يرى الوضوء من الكلمة الخبيثة. 574 - * روى مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا رعف انصرف فتوضأ، ثم رجع فبنى، ولم يتكلم". أقول: اتفق الفقهاء على أن من سبقه حدث في الصلاة فالأفضل في حقه سواء كان إماماً أو مأموماً، أن يذهب ويتوضأ ويستأنف صلاته وأجازوا له أن يذهب فيتوضأ ويكمل صلاته بشروط كثيرة وتفصيلات كثيرة، ومن أدلتهم في ذلك فعل ابن عمر الذي مر معنا. 575 - * روى أبو يعلي عن جابر قال: سُئل عن الرجُل يضحَكُ في الصلاة، قال: يعيدُ الصلاة ولا يعيد الوضوء. أقول: قال الحنفية إذا ابتسم الإنسان في الصلاة فلا تبطل صلاته ولا ينتقض وضوؤه، والقهقهة ما يكون مسموعاً لجيرانه، والضحك ما يسمعه دون جيرانه (1)، والتبسم

_ الأرض إذا سجدنا مع الأعضاء. 572 - الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 284). مجمع الزوائد (1/ 254) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله موثقون. 573 - أبو داود (1/ 172) كتاب الصلاة، 83 - باب الإسبال في الصلاة. 574 - الموطأ (1/ 38) 2 - كتاب الطهارة، 10 - باب ما جاء في الرعاف، وإسناده صحيح. 575 - مجمع الزوائد (2/ 82) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلي ورجاله رجال الصحيح.

- آداب الانصراف من الصلاة لمن انتقض وضوؤه

ما لا صوت فيه وإن بدت به الأسنان. ويستدل الحنفية لوجوب الوضوء لمن ضحك في الصلاة قهقهة بما ورد عن أبي العالية الرياض أن أعمى تردى في بئر والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه فضحك بعض من كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فأمر النبي من كان ضحك منهم أن يعيد الوضوء ويعيد الصلاة، رواه عبد الرزاق ورجاله رجال الصحيحين وفي آثار السنن إسناده مرسل قوي ا. هـ وللحديث روايات أخرى مسندة ومرسلة. (انظر إعلاء السنن 1 - 95 - 98 ونصب الراية 1/ 47). - آداب الانصراف من الصلاة لمن انتقض وضوؤه: 576 - * روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أحدث في صلاته فلينصرفْ، فإن كان في صلاة جامعةٍ، فليأخذْ بأنفه ولينصرفْ". 577 - * روى الطبراني عن جرير أن عمر صلى بالناس فخرج من إنسان شيءٌ فقال عزمتُ على صاحب هذا إلا توضأ وأعاد الصلاة، فقال جريرٌ لو تعزمُ على كل من سمعها أن يتوضأ ويعيد الصلاة فقال نعم قلت جزاك الله خيراً فأمرهم بذلك. وهذا دخل في باب الستر على من خرج منه ريح كما يدخل في باب الذوقيات التي يحسن بالمسلم مراعاتها.

_ 576 - أبو داود (1/ 291) كتاب الصلاة، 235 - باب استئذان المحدث الإمام. ابن ماجه (1/ 386) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها 138 - باب ما جاء فيمن أحدث في الصلاة كيف نصرف. ابن خزيمة (2/ 108) 413 - باب الأمر بالانصراف من الصلاة إذا أحدث المصلى فيها، وهو حديث صحيح. (فليأخذ بأنفه) إنما أمره أن يأخذ بأنفه، ليوهم القوم أن به رُعافاً، وهو نوع من الأدب في ستر العورة، وإخفاء القبيح، والتورية بالأحسن عن الأقبح، ولا يدخل في باب الرياء والكذب، وإنما هو من باب التجمُّل والحياء، وطلب السلامة من الناس. 577 - الطبراني "المعجم الكبير" (2/ 292). ورجاله رجال الصحيح.

حكم الشك في الوضوء

حكم الشك في الوضوء: 578 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا وضوء إلا من صوتٍ أو ريحٍ". في رواية (1): قال: "إذا كان أحدُكم في المسجد فوجد ريحاً ين إليتيْهِ، فلا يخرجْ حتى يسمع صوتاً، أو يجد ريحاً". في رواية (2): مسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء، أم لا، فلا يخرجنَّ من المسجد حتى يسمَعَ صوتاً أو يجد ريحاً". في رواية (3): أبي داود قال: "إذا كان أحدُكم في الصلاة، فوجد حركةً في دُبره: أحدث أو لم يُحدث، فأشكل عليه، فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً، أو يجد ريحاً. 579 - * روى الطبراني عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يدخل إليه في صلاته أنه أحدث في صلاته ولم يُحدثْ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان يأتي أحدكم وهو في صلاته حتى يفتح مقعدته فيخيل إليه أنه أحدث ولم يُحدث فإذا وجد أحدكم ذلك فلا ينصرف حتى يسمع صوت ذلك بأُذُنه أو يجد ريح ذلك بأنفه". ولأحمد (4): "إن أحدكم إذا كن في الصلاة جاءه الشيطانُ فأنس به كما يأنسُ

_ 578 - الترمذي (1/ 109) أبواب الطهارة، 56 - باب ما جاء في الوضوء من الريح قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. (1) نفس الموضع. (2) مسلم (1/ 276) 3 - كتاب الحيض، 26 - باب الدليل على أن من تيقن الطهارة ثم شك في الحدث فله أن يصلي بطهارته. (3) أبو داود (1/ 45) كتاب الطهارة، 68 - باب إذا شك في الحدث. 579 - الطبراني "المعجم الكبير" (11/ 222). البزار "كشف الأستار" (1/ 147) كتاب الطهارة - باب ما ينقض الوضوء ورجاله رجال الصحيح. (4) أحمد (2/ 330).

بدايته فإذا سكن له أضرط بين إليتيه ليفتنهُ عن صلاته فإذا وجد شيئاً من ذلك فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً". ورجاله رجال الصحيح وهو عند أبي داود (1) باختصار كذا في مجمع الزوائد. في رواية (2): "فإذا سكن له زنقهُ أو ألجمهُ قال أبو هريرة فأنتم ترون ذلك أما المزنوق فتراه مائلاً وأما الملجوم فتراه فاتحاً فاه لا يذكر الله". 580 - *روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود قال إن الشيطان ليطيْفُ بالرجل في صلاته ليْقطع عليه صلاته فإذا أعياه نفخ في دبره فإذا أحس أحدُكم من ذلك شيئاً فلا ينصرف حتى يجد ريحاً أو يسمع صوتاً. 581 - * روى الشيخان عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال: شُكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يُخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، قال: "لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً". ولفظ البخاري (3): أنه شثكي إليه الرجل الذي يُخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، ف قال: "لا ينفتلُ- أو لا ينصرفُ - حتى يسمع صوتاً، أو يجد ريحاً". أقول: اليقين: اليقين لا يزول بالشك فمن توضأ بيقين وشك بالحدث فهو متوضيء ومن أحدث بيقين وشك بالوضوء فهو محدث.

_ (1) أبو داود (1/ 45) كتاب الطهارة، 68 - باب إذا شك في الحدث. (2) أحمد (2/ 330). (زَنَقَه) المزنوق: المربوط بالزناق وهو حلقة توضع تحت حنك الدابة ثم يجعل فيها خيط يشد برأسه تمنع به جماحه، وكذلك المزنوق: المائل شقه لا يذكر الله تعالى. 580 - الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 286) ورجاله موثقون وفيه عنعنة الأعمش لكن يشهد له ما سبق. 581 - البخاري (1/ 237) 4 - كتاب الوضوء، 4 - باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن. مسلم (1/ 276) 3 - كتاب الحيض، 26 - باب الدليل على أن من تيقن الطهارة ثم شك في الحدث فله أن يصلي بطهارته تلك. أبو داود (1/ 45) كتاب الطهارة - باب إذا شك في الحدث. النسائي (1/ 98) كتاب الطهارة، 15 - باب الوضوء من الريح. (3) البخاري (4/ 294) 34 - كتاب البيوع، 5 - باب من لم ير الوساوس ونحوها من الشبهات.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد - مر معنا أن النية واجبة عند الجمهور سنة عند الحنفية: وقال صاحب الهداية: فالنية في الوضوء سنة عندنا، وعند الشافعي فرض، لأنه عبادة، فلا يصح بدون النية، كالتيمم. ولنا أنه لا يقع قربة إلا بالنية، لكن يقع مفتاحاً للصلاة لوقوع طهارة باستعمال الطهر بخلاف التيمم، لأن التراب غير مطهر إلا في حالة إرادة الصلاة أو هو ينبئ عن القصد. (1: 13). وقال في البدائع: ولنا قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} (1) الآية، أمر بالغسل والمسح مطلقاً عن شرط النية، ولا يجوز تقييد المطلق إلا بدليل، ولأن الأمر بالوضوء لحصول الطهارة، لقوله تعالى في آخر آية الوضوء: ولكن يريد ليطهركم، وحصول الطهارة لا يقف على النية، بل على استعمال المطهر في محل قابل للطهارة، والماء مطهر لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: خلق الماء طهوراً لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو لونه أو ريحه. وقال تعالى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} (2)، والطهور اسم الطاهر في نفسه والمطهر لغيره، والمحل قابل على ما عرف. وبه تبين أن الطهارة عمل الماء خلقة وفعل اللسان فضل في الباب، حتى لو سال عليه المطر أجزأه عن الوضوء والغسل فلا يشترط لهما النية لأن اشتراطها لاعتبار الفعل الاختياري، وبه تبين أن اللازم للوضوء معنى الطهارة ومعنى العبادة فيه من الزوائد، فإن اتصلت به النية يقع عبادة، وإن لم تتصل به لا يقع عبادة، لكنه يقع وسيلة إلى إقامة الصلاة، لحصول الطهارة، كالسعي إلى الجمعة. ا. هـ ملخصاً (1: 20). (انظر لزيادة بيان إعلاء السنن 1 - 51 - 55). - إذا تعمد الإنسان الحدث في الصلاة بطلت صلاته بالإجماع، وقال بعض الحنفية: إذا تعمد ذلك قبل السلام وبعد القعود مقدار التشهد جازت صلاته وكره ذلك تحريماً وعليه

_ (1) المائدة: 6. (2) الفرقان: 48.

الإعادة ما دام في الوقت، وإن سبقه الحدث بدون تعمد بطلت صلاته حالاً عند الشافعية والحنابلة وقال الحنفية إذا كان الحدث سماوياً كرعاف، بني على صلاته إنشاء بعد استكمال الطهارة والأفضل أن يستأنف الصلاة، وقال المالكية كالحنفية يجوز البناء على الصلاة في حالة الرعاف بشروط ستة: إن لم يتلطخ بالدم بما لا يزيد على الدرهم، وأن لا يتجاوز أقرب مكان ممكن للطهارة، وإن يكون المكان الذي يغسل فيه قريباً وألا يستدبر القبلة بلا عذر، وألا يطأ في طريقه نجساً وألا يتكلم خلال ذلك، ومن مثل هذا نعرف أفضلية استئناف الصلاة. - قال الشافعية: يسن تثليث مسح الرأس، والجمهور على أنه لا يسن تكراره. - من السنة عند الحنفية والشافعية: البداءة برؤوس الأصابع إلى المرفقين، والبدء بمقدم الرأس إلى الخلف، والبدء بأعلى على الوجه وقال المالكية: يندب البدء في الغسل أو المسح بمقدم العضو سواء في ذلك الوجه أو اليدان أو الرأس أو الرجلان. - ومن آداب الوضوء الجلوس في مكان مرتفع عن محل سقوط الغسالة واستقبال القبلة، وعدم التكلم بكلام الناس، تحريك الخاتم الواسع إذا كان الماء صل إليه حتماً، ويندب تحريك الخاتم الضيق إن علم وصول الماء وإلا فيفرض تحريكه إلا عند المالكية فإنه لا يجب تحريك الخاتم الضيق المأذون فيه، ومما ينبغي أن يراعيه المتوضيء أن تكون المضمضة والاستنشاق باليد اليمنى والامتخاط باليد اليسر، والتوضأ قبل دخول الوقت لغير المعذور، وترك التنشيق بالمنديل عند الحنفية والحنابلة وبعض الشافعية ولم ير ذلك المالكية. ومما ينبغي أن يراعى تخليل اللحية الكثة بأخذ شيء من الماء بالكف وإصابة اللحية من باطنها مع تخليلها بالأصابع، وتخليل أصابع اليدين بالتشبك وأصابع الرجلين بخنصر اليد اليسرى من أسفل خنصر الرجل اليمنى إلى خنصر الرجل اليسرى. - قال المالكية: لا ينتقض الوضوء من السلس الذي يلازم صاحبه نصف الزمن فأكثر وإلا نقضن والسلس عندهم هو ما يسيل بنفسه لمرض: بولاً أو ريحاً أو غائطاً أو مذياً أو دم

استحاضة وعليه أن يتداوى، وإذا انضبط معه في أي وقت أو آخره أو في وسطه وجب عليه أن يصلي حال الانضباط. قال الشافعية: إذا أجريت لإنسان عملية فأصبح الخارج يخرج من مكان دون المعدة، ينتقض الوضوء عندهم بالخارج نتيجة لذلك، وإذا كان ما يخرج من فوق المعدة فلا ينتقض الوضوء، هذا إذا انسد المخرج المعتاد، أما إذا لم ينسد فالأصح أنه لا ينقض سواء كان المخرج تحت المعدة أو فوقها. قال المالكية والشافعية: إن الدم ونحوه لا ينقض الوضوء إلا ما كان دم استحاضة يمكن ضبطها، وعند الحنفية: إذا لم يسل الدم عن محله لا ينقض الوضوء وكذلك إذا سقط لحم من غير سيلان دم أو خرجت دودة من جرح وأنف وأذن. - حرم المالكية والشافعية: مس القرآن بالحدث الأصغر ولو بحائل أو عود، وأجاز الحنفية والحنابلة مسه بعد أو حائل طاهرين وقال الحنفية يحرم على المحدث مس المكتوب من المصحف ولو آية على نقود أو جدار، كما يحرم مس غلاف المصحف المتصل به، ويكره لمسه بالكم تحريماً لتبعيته للامس، ويجوز للصبي مس القرآن أو لوح منه من أجل التعلم والحفظ، ولا يكره مس كتب التفسير إن كان التفسير أكثر، ويجوز حمل الحجب المشتملة على آيات قرآنية ودخول الخلاء بها ومسها ولو للجنب إذا كانت محفوظة بغلاف منفصل عنها. وقال المالكية: ويجوز المس والحمل لمعلمة ومتعلمة بالغتين وإن وجد حيض أو نفاس ولا يجوز ذلك في الجنابة، وقال الحنفية والشافعية: ويباح قلب ورقه بعود، وقال الشافعية: ولا يمنع الصبي المميز من حمل القرآن ومسه للدراسة، ويجوز عندهم حمل التمائم وما على النقد وما على الثياب المطرزة بالآيات القرآنية ككسوة الكعبة، ومن كلام الحنابلة: ويحرم بيع المصحف ولو لمسلم، ولذلك كانوا قديماً يستعملون لفظ (الاستيهاب من الوهبة) إذا أرادوا شراء مصحف وقد تساهل الناس اليوم في ذلك. ودليل عدم جواز مس المصحف إلا لمن كان طاهراً: 582 - * (1) روى الطبراني عن ابن عمر: - "لا يمسُّ القُرآن إلا طاهر" وانظر إعلاء

_ 582 - الطبراني "المعجم الكبير" (12/ 314) وهو حديث صحيح. مجمع الزوائد (1/ 276) قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والصغير، ورجاله موثقون.

السنن 1/ 268 باب أنه لا يمس القرآن إلا طاهر. - قال في كتاب (الدين الخالص) (1/ 250 - 251). الدعاء بعد الوضوء: اتفق العلماء على أنه يستحب لمن توضأ أن يدعو بعد الوضوء - مستقبلاً القبلة رافعاً بصره إلى السماء - بما في حديث عمر. 583 - * روى أحمد أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء وللترمذي وزاد: "اللهم اجعلني من التوابين والمتطهرين". (ويختم الدعاء) بما في حديث أبي سعيد الخدري: 584 - * روى النسائي عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من توضأ فقال: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، كتب في رق ثم طبع بطابع فلا يكسر إلى يوم القيامة". (هذا) الدعاء هو الوارد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أما ما اعتاده بعض الناس وذكره بعض الفقهاء من الدعاء عند كل عضو كقولهم عند غسل الوجه (1): اللهم بيض

_ 583 - أحمد (4/ 146، 153). مسلم (1/ 210) 2 - كتاب الطهارة، 6 - الذكر المستحب عقب الوضوء. أبو داود (1/ 43) كتاب الطهارة، 65 - باب ما يقول الرجل إذا توضأ. الترمذي (1/ 78) أبواب الطهارة، 41 - باب فيما يقال بعد الوضوء. 584 - النسائي: "في عمل اليوم والليلة" مرفوعاً وموقوفاً، وصحح الموقوف. وصحح إسناده الحافظ ابن حجر ثم قال: وإنما اختلف في رفع المتن ووقفه فالنسائي جرى على طريقته في الترجيح بالأكثر والأحفظ، فلذا حكم عليه بالخطأ، وأما على طريقة النووي تبعاً لابن الصلاح، وغيرهم، فالرفع عندهم مقدم لما مع الرافع من زيادة العلم، وعلى تقدير العمل بالطريق الأخرى فهذا مما لا مجال للرأي فيه فله حكم الرفع. مجمع الزوائد (1/ 239) قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح إلا أن النسائي قال بعد تخريجه في اليوم والليلة هذا خطأ والصواب موقوفاً ثم روا همن رواية الثوري وغندر عن شعبة موقوفاً. الحاكم (1/ 564) كتاب فضائل القرآن، ذكر فضائل سور وأي متفرقة، ابن السني: في "عمل اليوم والليلة".

وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه. وعند غسل اليد اليمنى: اللهم أعطني كتابي بيميني لا تعطين كتابي بشمالي. وعند غسل اليد اليسرى: اللهم يسر ولا تعسر، فلم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. قال النووي في الروضة: هذا الدعاء لا أصل له ولم يذكره الشافعي ولا الجمهور. وقال ابن الصلاح: لم يصح فيه حديث. وقد روى فيه عليّ كرم الله وجهه من طرق ضعفة جداً أوردها علاء الدين على المتقي في كنز العمال وين ضعفها. ا. هـ.

الفقرة السادسة: في المسح على الخفين عرض إجمالي

الفقرة السادسة: في المسح على الخفين عرض إجمالي المسحُ على الخفين بدلٌ عن غسل الرجلين في الوضوء، وهو جائز في المذاهب الأربعة في السفر والحضر للرجال والنساء. قال النووي في شرح مسلم: (وقد روى المسح على الخفين خلائق لا يحصون من الصحابة، وصرح جمع من الحفاظ بأن المسح على الخفين متواتر وجمع بعضهم رواته فجاوزوا الثمانين: منهم (العشرة المبشرون بالجنة)، وقال الإمام أحمد فيه أربعون حديثاً عن الصحابة مرفوعاً. وكيفيته: الابتداء من أصابع القدم خطوطاً بأصابع اليد إلى الساق، والواجب في المسح عند الحنفية: قدر ثلاثة أصابع من أصغر أصابع اليد على ظاهر مقدم كل رجل مرة واحدة، ولا يسن تكراره، ولا مسح أسفله، والواجب عند المالكية: مسح جميع أعلى الخف ويستحب أسفله، وعند الشافعية: يكفي مسح في محل الفرض، وهو ظاهر الخف لا أسفله وحرفه وعقبه، ويسن مسح جميعه خطوطاً عندهم، وقال الحنابلة: يجزيء في المسح أن يمسح أكثر مقدم ظاهر الخف خطوطاً بالأصابع، ولا يسن مسح أسفله ولا عقبه. وشروط المسح على الخفين: لبسهما على طهارة كاملة، وأن يكون الخف طاهراً ساتراً للمحل المفروض غسله في الوضوء وهو القدم بكعبيه من سائر الجوانب لا من الأعلى، وإمكان متابعة المشي فيه بحسب المعتاد، وقدَّره الحنفية: باثني عشرة ألف خطوة، والمعتبر عند المالكية أن يمكن تتابع المشي فيه عادة، وأكثر الشافعية على أن الشرط أنه يمكن التردد فيه لقضاء الحاجات للمقيم يوماً وليلة وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، ولا يشترط الحنابلة: إلا إمكان المشي فيه عرفاً واشترط الشافعية والحنابلة: ألا يكون في الخف خرق ولو كان يسيراً، وأجاز المالكية والحنفية: المسك على خف فيه خرق يسير وهو دون ثلاثة أصابع من أصغر أصابع القدم واشترط المالكية كذلك أن يكون الخف من الجلد، وقال الشافعية: لا يجزئ المسح على منسوج لا يمنع نفوذ الماء إلى الرجل من غير محل الخرز لو صب عليه

لعدم صفاقته واشترط الحنفية والشافعية أن يكون الخف مانعاً من وصول الماء إلى الجسد ولكنهم أجازوا مع الجمهور المسح على الخف المصنوع من الجلود أو اللبود أو الخرق أو غيرها إذا توفرت فيها الشروط، فأجاز الحنفية المسح على الجوربين الثخينين إذا كانا يتحملان المشي فرسخاً أي اثني عشرة ألف خطوة، وإذا كان يثبت على الساق بنفسه ولا يرى ما تحته ولا يشف بحيث يرى ما وراءه، كما أجاز الحنابلة المسح على الجورب الصفيق إذا أمكن متابعة المشي فيه والذي لا يبد منه شيء من القدم. وأجاز الشافعية والحنابلة المسح على الخف المشقوق القدم كالزربول الذي له ساق إذا شد في الأصح بواسطة العري بحيث لا يظهر شيء من محل الفرض إذا مشى عليه، ومثله الحذاء الذي يلبسه العسكريون عادة، وإذا لبس الإنسان خفين فوق بعضهما أو ما لهما حكم الخفين فالشافعية لا يجيزون الاقتصار ف المسح على الخف الأعلى، والمذاهب الثلاثة على جوازه، واشترط المالكية والحنابلة لجواز المسح على الخف أن يكون استعماله مباحاً، فلا يصح المسح على خف مغصوب ولا عل حرير بالنسبة للرجل، واشترط الحنفية أن يكون قد بقي من مقدم القدم قدر ثلاثة أصابع من أصغر أصابع اليد إذا قطعت القدم لجواز المسح على الخف، ولكن يمسح خف القدم الأخرى، والمالكية لا يؤقتون وقتاً للمسح ما لم يخلعه أو تصيبه جنابة والجمهور على أن مدة المسح للمقيم يوماً وليلة وللمسافر ثلاثة أيام بلياليها، وتبدأ المدة عند الجمهور من وجود الحدث بعد اللبس، وعلى هذا من توضأ عند طلوع الفجر ولبس الخف، ثم أحدث بعد طلوع الشمس وهو مقيم، فلا تنتهي مدة المسح إلا بعد طلوع الشمس من اليوم الثاني، وإذا مسح خفيه مقيماً حالة الحضر ثم سافر أو عكس بأن مسح مسافراً ثم أقام أتم عند الشافعية والحنابلة مسح مقيم وعند الحنفية من ابتدأ المسح وهو مقيم فسافر قبل تمام يوم وليله مسح ثلاثة أيام ولياليها، ولو أقام مسافر بعد مدة مسح المقيم نزع الخف وغسل رجليه، ويُبطل المسح على الخف نواقض الوضوء والجنابة والحيض ونزع أحد الخفين أو كليهما، ولو كان النزع بخروج أكثر القدم إلى ساق الخف. وخرق الخف أكثر من القدر المعفو عنه عند الحنفية، ومجرد الخرق عند من لا يتساهل بذلك. وإصابة الماء أكثر إحدى القدمين في الخف، ومضي المدة، وهل إذا انتهت مدة المسح أو

- أدلة مشروعيته

بطل بغير الجنابة هل يكفي غسل الرجلين فقط أو لابد من تجديد الوضوء كله؟ قال الحنابلة: ينبغي تجديد الوضوء كله، وقال الحنفية والمالكية والشافعية: على القول الراجح يكفي غسل الرجلين فقط إذا كان متوضئاً. (حاشية ابن عابدين 1/ 173 فما بعدها)، (الشرح الصغير 1/ 152 فما بعدها)، (المهذب 1/ 21 - 22)، (المغني 1/ 282 فما بعدها)، (الفقه الإسلامي 1/ 321 فما بعدها). وإلى نصوص هذه الفقرة: - أدلة مشروعيته: 585 - * روى الشيخان عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فقال: "يا مغيرةُ، خُذِ الإداوة"، فأخذتها، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توارى عني، فقضى حاجته وعليه جُبَّةً شامية، فذهب ليُخرج يده من كُمها فضاقت، فأخرج يده من أسفلها، فصببتُ عليه، فتوضأ وضوءه للصلاة، ومسح على خفيه، ثم صلى. في رواية (1) كنتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأهْويتُ لأنزِع خفيه، فقال: "دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين، فمسح عليهما". ولمسلم (2) أن النبي صلى الله عليه وسلم: توضأ، فمسح بناصيته، وعلى العمامة، وعلى الخُفين. زاد أحمد (3) بعد طاهرتين ثُمَّ لم أمش حافياً بعدُ.

_ 585 - البخاري (1/ 472) 80 كتاب الصلاة، 70 باب الصلاة في الجبة الشامية. مسلم (1/ 229) 2 - كتاب الطهارة، 22 - باب المسح على الخفين. (1) مسلم (1/ 230) 2 - كتاب الطهارة، 22 - باب المسح على الخفين. (2) مسلم (1/ 231) 2 - كتاب الطهارة، 23 - باب المسح على الناصية والعمامة. (3) أحمد (4/ 245) ورجاله رجال الصحيح كذا في مجمع الزوائد. (أهويتُ) بيدي إلى الشيء: إذا مددْتُّها إليه. (توارى) التواري: الاستتار.

586 - * روى أبو داود عن ثوبان رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية، فأصابهم البردُ، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يمسحوا على العصائب والتَّساخين. 587 - * روى مسلم عن بلال بن رباح رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: مسح على الخفين والخمار. في رواية: أبي داود (1): أن عبد الرحمن بن عوف سأل بلالاً عن وُضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: "كان يخرج يقضي حاجته، فآتيه بالماء، فيتوضأ، ويمسح على عماته وموقيه". وعند النسائي (2) قال: "رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين والخمار" وفي أخرى: على الخفين. وله في أخرى (3) قال: "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلالٌ الأسواق، فذهب لحاجته، ثم خرج، قال أسامة: فسألت بلالاً: ما صنع؟ فقال بلال: ذهب النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته، ثم توضأ فغسل وجهه ويديه، ومسح برأسه، ومسح على الخفين، ثم صلى". رواية الترمذي اللاحقة تبين أن المراد بالمسح على العمامة بعد مسح ربع الرأس لفظه (... إنه مسح على ناصيته وعمامته) باب ما جاء في المسح على الجوربين والعمامة، وفي

_ 586 - أبو داود (1/ 36) كتاب الطهارة، 57 - باب المسح على العمامة وللحديث شواهد بمعناه يرتقي بها. (التساخين) التساخين: الخِفافُ، لا واحد لها، وقيل: واحدها: تسخان، وتسخين، قال حمزة الأصفهاني في كتاب "الموازنة": وأما التسخان، فتعريب تشكَنْ، وهو اسم غطاءٍ من أغطية الرأس، كان العلماء والموابذة يأخذونه على رؤوسهم خاصة دون غيرهم: قال وجاء في الحديث ذكر لبس العمائم والتساخين، فقال من تعاطى تفسيره: هو الخف حيث لم يعرف فارسيته، والله أعلم. (والعصائب) أراد بالعصائب: العمائم، لأن الرأس يعصب بها. ابن الأثير. 587 - مسلم (1/ 231) 2 - كتاب الطهارة، 23 - باب المسح على الناصية والعمامة. (1) أبو داود (1/ 39) كتاب الطهارة، 59 - باب المسح على الخفين. الترمذي (1/! 72) أبواب الطهارة، 75 - باب ما جاء في المسح على العمامة. (2) النسائي (1/ 75) كتاب الطهارة، 86 - باب المسح على العمامة. (3) النسائي (1/ 81، 82) كتابالطهارة، 96 - باب المسح على الخفين. (مُوقيه) الموقُ: الخفُّ، وهو نوع مها ساقه إلى القصر (الخمار) العمامة.

مسلم في الوضوء (... ومسح بناصيته وعلى العمامة والخفين) فليس المراد قط: الاكتفاء بالمسح على العمامة عن مسح الناصية وبني هذا الأمر بأكثر، قول أنس رضي الله عنه، رأيت رسول الله صلى الله عيه وسلم يتوضأ وعليه عمامة قطريةٌ فأدخل يده من تحت العمامة فمسح مقدم رأسه ولم ينقض العمامة. رواه أبو داود في باب المسح على العمامة وسكت عنه، تمام الكلام في إعلاء السنن (1/ 7 - 8) (وهبي). 588 - * روى الترمذي عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: "سألتُ جابر بن عبد الله عن المسح على الخفين؟ فقال: السُّنة يا ابن أخي، وسألته عن المسح على العمامة؟ فقال: أمسَّ الشعر". 589 - * روى الشيخان عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه: "بال، ثم توضأ، ومسح على خفيه، فقيل: تفعل هذا؟ فقال: نعم، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ، ومسح على خفيه". قال الأعمش: قال إبراهيم: وكان أصحابُ عبد الله يُعجبُهم هذا الحديث، لأن إسلام جرير بعد نزول المائدة". 590 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود أنهُ كان يمسحُ على الجوربين والنعلين. فائدة: (مسح على الجوربين والنعلين): تأويله أنه صلى الله عليه وسلم أمرَّ اليد على الجورب للمسح قصداً، وعلى النعل تبعاً ليحصل كمال المسح وما كان مسح النعل مقصوداً وهو الظاهر، ولم نقل بمسح النعل لعدم الحاجة إليه، ولعدم بلوغه من الشهرة إلى حد يترك له الغسل الوارد في الكتاب [القرآن]. (إعلاء السنن 1/ 245) (وهبي).

_ 588 - الترمذي (1/ 172، 173) أبواب الطهارة، 75 - باب ما جاء في المسح على العمامة، وإسناده حسن. 589 - البخاري (1/ 494) 8 - كتاب الصلاة، 25 - باب الصلاة في الخفاف. مسلم (1/ 227، 228) 2 - كتاب الطهارة، 22 - باب المسح على الخفين. 590 - الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 288) ورجاله موثقون.

591 - * روى أبو داود عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: "توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومسح على الجوْربين والنعلين". قال أبو داود: كان عبد الرحمن بن مهدي لا يُحدِّثُ بهذا الحديث، لأن المعروف عن المغيرة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين" قال: وروى هذا [أيضاً] عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم: "نه مسح على الجوربين". وليس بالمتصل، ولا بالقوي، قال أبو داود: ومسح على الجوربين عليُّ بن أبي طالب، وابن مسعود، والبراء بن عازب، وأنس بن مالك، وأبو أمامة، وسهل بن سعد، وعمرو بن حريث، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس، رضي الله عنهم. فائدة: قال النسائي في سننه الكبرى: لا نعلم أحداً تابع أبا قيس -راوي حديث المسح على الجوربين- على هذه الرواية والصحيح عن المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم (مسح على الخفين) (إعلاء السنن). قال الشيخ محمد يوسف البنوري رحمه الله تعالى: اتفق الأئمة على جواز المسح على الجوربين المجلدين والمنعلين وكذلك اتفقوا على عدم جوازه على الرقيقين يشفان واختلفوا في الثخينين فالجمهور جوزوه ومنعه أبو حنيفة، وروي عنه الرجوع إلى قول صاحبيه قبل وفاته بأيام وذلك. أنه مسح على جوربيه في مرضه ثم قال لعواده فعلت ما كنت أمنع الناس عنه، فاستدلوا به على رجوعه، قال صاحب الهداية: وعليه الفتوى، ملتقطة بخبر الواحد وغسل الرجلين قطعي فلا يكون المسح على الجوربين بدلاً عنه إلا إذا كان الجورب كالخف الثابت مسحه بالتواتر). (إعلاء السنن 1/ 245) (وهبي). 592 - * روى ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب والحسن أنهما قالا: (يمسح على الجوربين إذا كانا صفيقين).

_ 591 - أبو داود (1/ 41) 61 - باب المسح على الجوربين. الترمذي (1/ 167) أبواب الطهارة، 74 - باب ما جاء في المسح على الجوربين والنعلين، وقال حسن صحيح. ابن حبان (1/ 314) ذكر الإباحة للمرء بالمسح على الجوربين إذا كانا مع النعلين. ابن خزيمة (1/ 99) 152 - باب الرخصة في المسح على الجوربين والنعلين، وإسناده صحيح. 592 - رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، ورجاله رجال الجماعة.

593 - * روى أبو داود عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح أعلاه" وفي رواية (1): يمسح على ظاهر خُفيه". قال أبو داود: رواه الأعمش بإسناده قال: "كنتُ أرى باطن القدمَيْنِ أحقَّ بالغسل من ظاهرهما، حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهرهما" وقال وكيع: يعني الخفين. ما كنت أرى باطن القدمين إلا أحق بالغسل، حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظهر خفيه". والمراد بالمرويات كلها المسح على ظاهر الخفين فعبر عن ذلك بغسل ظاهر القدمين وعبر عما يخالفه بغسل باطن القدمين، والمراد أنه إذا ورد نص فلا محل للاجتهاد ولا للنظر. مدة المسح: 594 - * روى مسلم عن شُريح بن هانئ قال: "أتيتُ عائشة أسألُها عن المسح على الخفين؟ فقالت: عليك بابن أبي طالب فسلهُ، فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألناهُ، فقال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام وليالهُنَّ للمسافر، ويماً وليلةً للمُقيم". 595 - * روى الترمذي عن خُزيمة بن ثابت رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن المسح على الخفين؟ فقال: "للمسافر ثلاثاً، وللمقيم يوماً". وفي رواية: أبي داود (2): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المسحُ على الخفين للمسافر ثلاثة أيام، وللمقيم يوماً وليلة".

_ 593 - أبو داود (1/ 42) كتاب الطهارة، 63 - باب كيف المسح، وهو حديث صحيح. (1) أبو داود، نفس الموضع السابق. 594 - مسلم (1/ 232) 2 - كتاب الطهارة، 24 - باب التوقيت في المسح على الخفين. النسائي (1/ 84) كتاب الطهارة، 99 - التوقيت في المسح على الخفين للمقيم، ولم يذكر عائشة. 595 - الترمذي (1/ 158) أبواب الطهارة، 71 - باب المسح على الخفين للمسافر والمقيم، والحديث حسن. (2) أبو داود (1/ 40) كتاب الطهارة، 60 - باب التوقيت في المسح.

596 - * روى الترمذي عن صفوان بن عسالٍ المُرادي رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفراً أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهُن، إلا من جنابةٍ، ولكن من بولٍ وغائطٍ ونومٍ". وفي أخرى (1) للنسائي قال: رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا مسافرين: أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام وليالهُنَّ".

_ 596 - الترمذي (1/ 159) أبواب الطهارة، 71 - باب المسح على الخفين للمسافر والمقيم. النسائي (1/ 83) كتاب الطهارة، 98 - باب التوقيت في المسح على الخفين للمسافر. وقال إذا كنا مسافرين. (1) النسائي الموضع السابق.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد - يسن في مسح الخفين أن يمسح الرجل خفه الأيمن بيده اليمنى والأيسر بيده اليسرى. - ورد أثناء الكلام عن المسح على الخفين ذكر المسح على العمامة وعلقنا هنالك بما يقتضيه المقام، وههنا نذكر وجهات النظر في ذلك. قال الحنفية: لا يصح المسح على عمامة وقلنسوة وبرقع وقفازين، وقال الحنابلة: من توضأ من الذكور ثم لبس عمامة ثم أحدث وتوضأ جاز له المسح على العمامة، والواجب عندهم مسح أكثر العمامة، وتمسح دوائرها دون وسطها ولا يجوز المسح عندهم على القلنسوة ويشترط لصحة المسح على العمامة ألا تكون محرمة كمغصوبة أو حرير، وأن تكون محنكة وهي التي يدار فيا تحت الحنك كور أو كوران أو تكون ذات ذؤابة وهي طرف العمامة المرخي من الخلف، فلا يجوز المسح على العمامة الصماء لأنه لا يشق نزعها فهي كالقلنسوة، ولا يجوز لأنثى أن تمسح على عمامة لأنها لا تجوز لها كي لا تتشبه بالرجال، ومن الشروط لجواز لمسح على العمامة أن تكون ساترة لما لم تجر العادة بكشفه كمقدم الرأس والأذنين وجوانب الرأس، وقال الشافعية: لا يجوز الاقتصار على المسح على العمامة فلابد من إشراك شيء من الرأس بالمسح وقال المالكية: يجوز المسح على عمامة خيف ينزعها ضرر، ولم يقدر على مسح ما تحتها مما هي ملفوفة عليه كالقلنسوة فإن قدر على مسح بعض الرأس أتى به وكمل على العمامة. (انظر اللباب 1/ 41 والشرح الصغير 1/ 203، والمغني 1/ 300 فما بعدها).

الفقرة السابعة: في الغسل وموجباته وأنواعه عرض إجمال

الفقرة السابعة: في الغسل وموجباته وأنواعه عرض إجمال قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} (1) وقال: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} (2). وقال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} (3). بالغسل والوضوء وما يستتبع ذلك وما يلحقه وما يسبقه كان المسلم أطهر وأنظف إنسان في العالم. والغسل في الإسلام على أنواع: فمنه المفروض ومنه المسنون فالأغسال المفروضة: الغسل من الجنابة: ويكون بخروج المني أو التقاء الختانين ولو من غير إنزال، والغسل من الحيض والنفاس في حق المرأة وتغسيل المسلم الميت غير الشهيد، وإسلام الكافر، سواء كان كافراً أصلياً أو مرتداً، والأخير واجب عند المالكية والحنابلة وقال الحنفية والشافعية يستحب استحباباً إذا لم يكن جنباً ويجزئه الوضوء. والأغسال المسنونة والمندوبة: لغسل لصلاة الجمعة، والغسل لصلاة العيدين، والغسل للإحرام بالحج أو بالعمرة لصلاة، وللوقوف بعرفة بعد الزوال، ولدخول مكة وللمبيت بمزدلفة ولطواف الإفاضة وطواف الوداع، وعند المالكية للسعي، ومن الأغسال المندوبة عند الحنفية الغسل لصلاة الكسوف والخسوف وهي سنة عند الجمهور، ويسن الغسل لمن غسل ميتاً، وبعضهم جعله مستحباً، ويسن الغسل عند الشافعية والحنابلة للمستحاضة عند كل صلاة وقال المالكية إنه مستحب وقال الحنفية يندب لها إذا انقطع دمها. ويندب الغسل للإفاقة من جنون أو إغماء أو سكر، ويندب عند حجامة ونحوها بعد

_ (1) المائدة: 6. (2) النسائي: 43. (3) البقرة: 222.

الشفاء من عملية جراحية مثلاً، ويندب الغسل للتائب من ذنب وللقادم من سفر ولمن أصابته نجاسة وخفي مكانها. وكل غسل ترتبت عليه منفعة أو مصلحة واغتسل صاحبه بنية صالحة فهو مأجور عله، بل الغسل المباح إذا كان بنية صالحة فإن الإنسان يؤجر عليه. وبسبب الغسل كان للحمامات دور كبير في حياة المسلم سواء حمامات البيوت أو الحمامات العامة، وللدخول إليها آداب وأحكام. وفريضة الغسل تعميم الجسد بالماء الطهور ويدخل في ذلك المضمضة والاستنشاق عند الحنفية والحنابلة فقد قالوا: إنهما فريضتان في الغسل وقال المالكية والشافعية: إنهما سنتان وافترض الجمهور غير الحنفية النية عند غسل أول جزء من البدن أي نية فرض الغسل من الجنابة أو من الحدث الأكبر أو استباحة ممنوع لا يصح بدون الغسل كالصلاة والطواف، والنية عند الحنفية سنة والتسمية في ابتداء الغسل سنة عند الجمهور وفرض عند الحنابلة وأوجب المالكية دون غيرهم الدلك ولو بخرقة، ويتعاهد المغتسل بالغسل داخل القلفة إذا لم يكن مختوناً ولا عسر عليه في إيصال الماء إليها، وسُرَّة وبشْرَة الرأس من المرأة وبشرة اللحية والحاجب ولكمال الغسل يبدا المغتسل بالنية والتسمية وغسل ما به من أذى والاستنجاء والوضوء، ويحثي على رأسه ثلاثاً يروي بها أصول الشعر، ويفيض الماء على سائر جسده ويبدأ بشقه الأيمن ويدلك بدنه بيده وينتقل من موضع غسله فيغسل قدميه ويتعاهد في هذا كله الأمكنة التي يخشى ألا يصل إليها الماء. والمرأة لا يجب عليها أن تنقض ضفائرها، ولكن لابد من إيصال الماء إلى بشرة الرأس أما ضفائر الرجال فيجب نقضها عند الحنفية ومن وافقهم وقال الإمام أحمد تنقض المرأة شعرها لغسلها من الحيض والنفاس لكن قال في المغني وقال بعض أصحابنا هذا مستحب غير واجب وهو قول أكثر الفقهاء وهو الصحيح إن شاء الله ا. هـ (1/ 226 - 227) وليس عليها نقضه من الجنابة إذا أروت أصوله. ويكره الإسراف في صب الماء، ومهما استطاع الإنسان أن يقلل من استعمال الماء

ليصيب السنة فذلك أبعد عن الإسراف، ويسن عند الشافعية والحنابلة أن لا ينقص ماء الغسل عن صاع تقريباً ويساوي عندهم حوالي (2700) غراماً، وكما يكره الإسراف في الماء يكره التقتير فيه، وضرب الوجه به، والتكلم بكلام الناس، ويكره الاغتسال في الخلاء إذا أمكن غيره ولا يكره عند الحنابلة للجنب أو الحائض والنفساء أن يأخذ شيئاً من شعره وأظفاره قبل الاغتسال وكرهه بعضهم، ويحرم على الجنب والحائض والنفساء الصلاة ومنها سجود التلاوة، والطواف حول الكعبة، ومس القرآن وتلاوة القرآن بلسانه ولو لحرف أو دون آية على المختار عند الحنفية والشافعية بقصد القراءة فلو قصد الدعاء أو الثناء أو افتتاح أمر أو التعليم أو الاستعاذة أو الأذكار فلا يحرم، وأجاز الحنابلة للجنب قراءة بعض آية ولو كرره ما لم تكن طويلة، كما أجازوا له مع الحنفية تهجئة القرآن، واتفق الفقهاء على أن لا يحرم النظر في القرآن لحائض ونفساء وجنب، كما أن لهم أن يستعرضوا القرآن بقلوبهم لا على ألسنتهم وأن يستمعوا إلى القرآن، وعند المالكية يصح للجنب التعوذ بآية الكرسي والإخلاص والمعوذتين، وأن يرقي نفسه أو غيره ويستدل على حكمٍ، وأن للمرأة قراءة قليل من القرآن إذا كانت حائضاً أو نفساء حال استرسال الدم عليها، أما بعد انقطاعه وقبل غسلها فلا تقرأ منه شيئاً، ويحرم الاعتكاف في المسجد على الجنب والحائض والنفساء إجماعاً، وقال الحنفية والمالكية ويحرم عليهم دخول المسجد مطلقاً ولو عبوراً أو اجتيازاً وحملوا قوله تعالى: {إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} على المسافر الذي حكمه التيمم، وأباح الشافعية والحنابلة عبور المسجد دون المكث فيه، أو التردد فيه لغير عذر، إلا أن إباحة عبور المسجد للحائض والنفساء مقيد بما إذا أمنت تلويثه فإن خافت تلويثه حرم عليها الدخول فيه. ومن كلام النووي: لو احتلم في المسجد وجب عليه الخروج منه إلا أن يعجز عن الخروج لإغلاق المسجد ونحوه، أو خاف على نفسه أو ماله، فإن عجز أو خاف جاز أن يقيم للضرورة. (انظر حاشية ابن عابدين 1/ 102 وما بعدها)، (الشرح الصغير 1/ 160 فما بعدها)، (المهذب 1/ 29 وما بعدها)، المغني 1/ 199 وما بعدها)، (الفقه الإسلامي 1/ 359 وما بعدها).

الجنابة والغسل منها

وسنعرض عروضاً إجمالية بمناسباتها في هذه الفقرة، فإلى ذكر بعض النصوص التي وردت في الجنابة: الجنابة والغسل منها: 597 - * روى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرجتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين إلى قُباء، حتى إذا كنا في بني سالمٍ، وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب عتبان [بن مالك] فصرخ به، فخرج يجرُّ إزاره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعجلْنَا الرجل"، فقال عتبان: يا رسول الله، أرأيت الرجل يُعْجَلُ عن امرأته، ولم يُمْنِ، ماذا عليه؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الماء من الماء". وفي رواية مختصراً (1) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما الماءُ من الماء". 598 - * روى الترمذي عن أُبي بن كعبٍ رضي الله عنه قال: إنما كان الماء من الماء رُخصةً في أول الإسلام، ثم نُهي عنه. وفي رواية (2): أبي داود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جعل ذلك رُخصةً للناس في أول الإسلام لقلة الثياب، ثم أمر بالغسل، ونهى عن ذلك، قال أبو داود: يعني: الماء من الماء. وفي أخرى (3) له قال: إن الفُتيا التي كانوا يفتون: الماء من الماء كانت رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدء الإسلام ثم أمر بالاغتسال بعدُ". أقول: قوله إنما الماء من الماء: أي الاغتسال من المني وكان هذا وحده يوجب الغسل ثم استقر التشريع على أن التقاء الختانين ولو لم يكن مني يوجب الغسل كذلك.

_ 597 - مسلم (1/ 269) 3 - كتاب الحيض، 21 - باب إنما الماء من الماء. (1) مسلم: نفس الموضع السابق. 598 - الترمذي (1/ 184) أبواب الطهارة، 81 - باب ما جاء: أن الماء من الماء. وقال هذا حديث حسن صحيح. (2) أبو داود (1/ 55) كتاب الطهارة، 84 - باب في الإكسال. (3) أبو داود: نفس الموضع السابق. وقد أخرجه ابن خزيمة بإسنادٍ صحيح.

599 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "إنما الماء من الماء: في الاحتلام". 600 - * روى مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه "أنهم كانوا جُلوساً، فذكروا ما يوجب الغُسل، فاختلف في ذلك رهطٌ من المهاجرين والأنصار، فقال الأنصاريون: لا يجبُ الغُسل إلا من الدفقِ، أو من الماء، وقال المهاجرون: بل إذا خالط فقد وجب الغسل، قال أبو موسى: فأنا أشفيكم من ذلك، قال: فقمت فاستأذنت على عائشة، فأُذن لي، فقلت لها: يا أماه - أو يا أم المؤمنين - إني أريد أن أسألك عن شيءٍ، وإني أستحييك؟ فقالت: لا تستحيي أن تسألني عما كنت سائلاً عنه أمك التي ولدتك، فإنما أنا أُمُّك قلت: فما يُوجب الغسل؟ قالت: على الخبير سقطت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جلس بين شُعبها الأربع، ومسَّ الختانُ الختان، فقد وجب الغسل". وفي رواية الموطأ (1): أن أبا موسى أتى عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لها: لقد شق عليَّ اختلافُ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في أمرٍ، إني لأُعْظِمُ أن أستقبلك به، فقالت: ما هو؟ ما كنت سائلاً عنه أمك فاسألني عنه، فقال: الرجلُ يصيب أهله، ثم يكسلُ ولا يُنزلُ؟ فقالت: إذا جاوز الختان الختان، فقد وجب الغُسلُ، فقال أبو موسى الأشعري: لا أسأل عن هذا أحداً بعدك أبداً. في رواية لمسلم (2): أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يُجامع أهله ثم يُكْسِلُ، هل عليهما الغسل؟ - وعائشة جالسةٌ - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني لأفعل ذلك أنا وهذه، ثم نغتسلُ".

_ 599 - الترمذي (1/! 86) أبواب الطهارة، 81 - باب ما جاء: أن الماء من الماء. وهو حديث حسنٌ. 600 - مسلم (1/ 271، 272) 3 - كتاب الحيض، 22 - باب نسخ الماء من الماء ووجوب الغسل بالتقاء الختانين. (1) الموطأ (1/ 46) 2 - كتاب الطهارة، 180 باب واجب الغسل إذا التقى الختانان. (2) مسلم (1/ 272) 3 - كتاب الحيض، 22 - باب نسخ الماء من الماء ووجوب الغسل بالتقاء الختانين. (الدفقُ): كناية ن إنزال المني متدفقاً، لأنه كذلك ينزل. (خالط) المخالطة: كناية عن تغيبب الحشفة في الفرج والمباشرة من غير إنزال. (شُعبها) قيل: إن الشُّعب الأربع: رجلاها، وشفراها، وقيل: ساقاها ويداها. (ابن الأثير).

601 - * روى مالك عن سعيد بن المسيب رحمه الله "أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، وعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون: إذا مس الختان الختان، فقد وجب الغسل". 602 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جلس بين شُعبها الأربع، ثم جهدها، فقد وجب الغُسْلُ" زاد في وراية (1): "وإن لم يُنزل". 603 - * روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن الرجل يجدُ البلل، ولا يذكر احتلاماً؟ قال: "يغتسلُ" وعن الرجل يرى أنه قد احتلم، ولا يجد بللاً؟ قال: "لا غُسل عليه"، قالت أم سلمة: والمرأة ترى ذلك: أعليها غسلٌ؟ قال: "نعم، النساء شقائق الرجال". 604 - * روى الشيخان عن أم سلمة رضي الله عنها أن أمَّ سُلمٍ- وهي امرأة أبي طلحة - قالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة الغُسْل إذا احتلمتْ؟ قال: "نعم، إذا رأت الماء"، فقالت أم سلمة: أو تحتلمُ المرأة؟ فقال: "تربتُ يداكِ، فبم يثشبهها ولدُها؟ ".

_ 601 - الموطأ (1/ 46) 2 - كتاب الطهارة، 18 - باب واجب الغسل إذا التقى الختانان، وإسناده صحيح. 602 - البخاري (1/ 395) 5 - كتاب الغسل، 28 - باب إذا التقى الختانان. مسلم (1/ 271) 3 - كتاب الحيض، 22 - باب "نسخ الماء من الماء" ووجوب الغسل بالتقاء الختانين. (1) مسلم: نفس الموضع السابق. (جهدها) جهدتُه أجهدهُ: إذا أتعبته، والمراد: مباشرته إياها. 603 - أبو داود (1/ 61) كتاب الطهارة، 95 - باب في الرجل يجد البلة في منامه. الترمذي (1/ 189) أبواب الطهارة، 82 - باب ما جاء في مَنْ يستيقظ فيرى بللاً ولا يذكر احتلاماً. وهو حديث حسنٌ. (شقائق) الشقيق: المثل والنظير، كأنه شُقَّ هو ونظيره من شيء واحد، فهذا شق، وهذا شق، ومنه قيل للأخ: شقيق، وشقائق جمع شقيقة تأنيث شقيق. 604 - البخاري (1/ 388) 5 - كتاب الغسل، 22 - باب إذا احتلمت المرأة. مسلم (1/ 251) 3 - كتاب الحيض، 7 - باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المنيّ منها.

- تعميم الجسد بالماء

وزاد في رواية (1): قالت: فضحْتِ النساء. 605 - * روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها: "إن امرأةً قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تغتسل المرأة إذا احتلمت وأبصرت الماء؟ فقال: "نعم"، فقالت لها عائشة: تربت يداك، فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعيها، وهل يكون الشبهُ إلا من قِبَلِ ذلك؟ إذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الولدُ أخواله، وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبه أعمامه. أقول: علو ماء الرجل على ماء المرأة والعكس، علو قوة في بويضة المرأة أو الحيوان المنوي، والله أعلم. - تعميم الجسد بالماء: 606 - *روى أبو داود عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من ترك مُوضع شعرةٍ من جنابةٍ لم يغسلها، فُعِلَ به كذا وكذا من النار"، قال عليٌّ: فمن ثم عاديتُ رأسي، فمن ثم عاديتُ رأسي، فمن ثم عاديتُ رأسي ثلاثاً، وكان يجزُّ شعرهُ. هذا الحديث رجاله ثقات إلا أن فيه رجلاً اختلط، والراوي عنه روى عنه قبل الاختلاط وبعده فلذا ضعفه من ضعفه وقال ابن حجر: إسناده صحيح. 607 - * روى أبو داود عن ثوبان رضي الله عنه قال: "إنهم استفتوُا النبي صلى الله ليه وسلم عن ذلك - يعني الغُسل من الجنابة- فقال: "أما الرجل، فلينشر رأسه فليغسله، حتى يبلغ أصول الشعر، وأما المرأة، فلا عليها أن لا تنقضه، لتغرفْ على رأسها ثلاث غرفات بكفيها".

_ (1) مسلم: نفس الموضع السابق. 605 - مسلم (1/ 251) 3 - كتاب الحيض، 7 - باب وجوب الغسل على المرأة بخروج المني منها. 606 - أبو داود (1/ 65) كتاب الطهارة، 98 - باب الغسل من الجنابة. 607 - أبو داود (1/ 66) كتاب الطهارة، 98 - باب الغسل من الجنابة.

608 - * روى الطبراني عن ابن عمر كان إذا اغتسل فتح عينيه وأدخل أصبعه في سرته. أقول: لا يلزم فتح العين بل يكره لما فيه من الضرر وإنما يلزم تعاهد المآقي وكذلك المواضع التي تحتاج إلى تعاهد كالأذنين والسرة. كيفية الغسل: 609 - * روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة: بدأ فغسل يديه، ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة، ثم يُدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول شعره، ثم يصبُّ الماء على رأسه ثلاث غرفٍ بيديه، ثم يُفيضُ الماء على جلده كله". وفي رواية (1): ثم يخلل بيديه شعره، حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرتهُ، أفاض الماء عليه ثلاث مرات، ثم غسل سائر جسده، وقالت: كنتُ أغتسلُ أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحدٍ، نغترفُ منه جميعاً. ولمسلم (2): كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة، يبدأ فيغسِلُ يديه ثم يُفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يأخذ الماء، فيدخلُ أصابعه في أصول الشعر، حتى إذا رأى أنه قد استبرأ حفن على رأسه ثلاث حفنات، ثم أفاض على سائر جسده، ثم غسل رجليه. وفي أخرى (3) أنه كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه قبل أن يُدخل يديه في الإناء، ثم توضأ مثل وضوئه للصلاة.

_ 608 - الطبراني "المعجم الكبير" (12/ 267). مجمع الزوائد (1/ 272) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح. 609 - البخاري (1/ 360) 5 - كتاب الغسل، 1 - باب الوضوء قبل الغسل. مسلم (1/ 253، 254) 3 - كتاب الحيض، 9 - باب صفة غسل الجنابة. (1) البخاري (1/ 382) 5 - كتاب الغسل، 15 - باب تخليل الشعر. (2) مسلم (1/ 253) 3 - كتاب الحيض، 9 - باب صفة غسل الجنابة. (3) مسلم (1/ 254) 3 - كتاب الحيض، 9 - باب صفة غسل الجنابة

610 - * روى أبو داود عن عائشة: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يغتسل من الجنابة، بدأ بكفيه فغسلهما، ثم غسل مرافغهُ، وأفاض عليه الماء، فإذا أنقاهما أهوى بهما إلى حائط، ثم يستقبل الوضوء ويُفيض الماء على رأسه". وفي أخرى (1) عن جُميع بن عُمير - أحد بني تيم الله بن ثعلبة - قال: دخلتُ مع أمي وخالتي على عائشة، فسألتها إحدهما: " كيف كنتم تصنعون عند الغُسْلِ؟ فقالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يُفيض الماء على رأٍه ثلاث مرات، ونحن نفيضُ على رؤوسنا خمساً من أجل الضُّفُر. 611 - * روى البخاري عن عائشة رض الله عنها قالت: "كنا إذا أصابت إحدانا جنابةٌ، أخذتْ بيدها ثلاثاً فوق رأسها، ثم تأخذ بيدها على شقها الأيمن، وبيدها الأخرى على شقها الأيسر". وأخرجه أبو داود (2) قالت: كانت إحدانا إذا أصابتها جنابةٌ، أخذت ثلاث حفنات هكذا - تعني: بكفيها جميعاً - فتصبُّ على رأسها، وأخذت بيدٍ واحدةٍ، فصبتها عل هذا الشق، والأخرى على الشق الآخر. 612 - * روى الشيخان عن ميمونة رضي الله عنها قالت: "توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوءه للصلاة، غير رجليه، وغسل فرجَهُ وما أصابه من الأذى، ثم أفاض عليه الماء،

_ 610 - أبو دود (1/ 63) كتاب الطهارة، 98 - باب الغسل من الجنابة. (1) أبو داود نفس الموضع السابق. (أروى) أرويتُ الشعر بالماء والدُّهن: إذا أوصلته إلى جميع أجزائه، كأنه قد روي كما يروي العطشان، وكذلك تشريب الشعر بالماء: هو بلُّه جميعه بالماء. (استبرأ)، أي: استقصى وخلص من عهد الغسل، وبرئ منها كما يبرأ من الدين وغيره. (مرافغه) الأرفاغ: المغابن من الآباط وأصول الفخذين، الواحد: رُفْغ ورَفْغ. (يحثي الحثية): المرة الواحدة، والجمع حثيات، مثل حفنة وحفنات. 611 - البخاري (1/ 385) 5 - كتاب الغسل، 19 - باب من بدأ بشقِّ رأسه الأيمن في الغسل. (2) أبو داود (1/ 66) كتاب الطهارة، 100 - باب في المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل. 612 - البخاري (1/ 361) 5 - كتاب الغسل، 1 - باب الوضوء قبل الغسل. مسلم (1/ 254) 3 - كتاب الحيض، 9 - باب صفة غسل الجنابة.

ثم نحى رجليه فغسلهما، هذا غُسله من الجنابة". وفي رواية (1) قالت: "سترتُ النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغتسلُ من الجنابة، فغسل يديه، ثم صب بيمينه على شماله، فغسل فرجه وما أصابه، ثم مسح بيديه على الحائط، أو الأرض، ثم توضأ وضوءه للصلاة غير رجليه، ثم أفاض على جسده الماء، ثم تنحى فغسل قدميه". وفي رواية (2): فغسل فرجه بيده، ثمدلك بها لاحائط، ثم غسلها، ثم توضأ وضوءه للصلاة، فلما فرغ من غسله غسل رجليه. وفي أخرى (3) نحوه قالت: "فأتيتُه بخرقةٍ فلم يُردها، وجعل ينفُضُ بيديه". وفي أخرى (4) "فناولته ثوباً فلم يأخذه وانطلق وهو ينقض يديه". وفي أخرى (5): "أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بمنديل، فلم يمسه، وجعل يقول هكذا - تعني ينفضه". أقول: تنحية الرجلين عن مكان الغسل وغسلهما في مكان آخر إنما يكون إذا كان في المكان الذي يتجمع فيه الماء أما إذا كان الماء المستعمل يذهب كما في حماماتنا اليوم فلا تطلب التنحية، وأما عدم التنشيف فهو من المباحات لأن للزمان والمكان والمناخ ونوع اللباس دخلاً في استعمال المنشفة أو عدم استعمالها. ورد في المستدرك رواية سكت عنها الحاكم والهبي تفيد استعمال رسول الله صلى الله عليه وسلم للتنشيف بعد الوضوء. 613 - * روى الحاكم عن عائشة رضي الله عنها "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له خرقةٌ يُنشفُ بها

_ (1) البخاري (1/ 387) 5 - كتاب الغسل، 21 - باب التستر في الغسل عند الناس. (2) البخاري (1/ 372) 5 - كتاب الغسل، 8 - باب مسح اليد بالتراب لتكون أنقى. (3) البخاري (1/ 382) 5 - كتاب الغسل، 16 - باب من توضأ في الجنابة ثم غسل سائر جسده. (4) البخاري (1/ 384) 5 - كتاب الغسل، 18 - باب نفض اليدين من الغسل عن الجنابة. (5) مسلم (1/ 255) 3 - كتاب الحيض 9 - باب صفة غسل الجنابة. (غسلاً) الغسل، بكسر الغين: ما يغتسلُ به. (فأكفأ) أكفأت الإناء: إذا أملته. 613 - الحاكم (1/ 154)

عدم نقض الضفائر للنساء

بعد الوضوء". عدم نقض الضفائر للنساء: 614 - * روى مسلم عن عبيد بن عمير قال: بلغ عائشة أن عبد الله بن عمرو يأمر النساء - إذا اغتسلن- أن ينقُضن رؤوسهن، قالت: يا عجبا لابن عمرو هذا! يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن، أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن؟ لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناءٍ واحدٍ، ولا أزيدُ على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغاتٍ. وقد ذكرت أم سلمة في رواية لأبي (1) داود: أن المرأة تحثي على رأسها ثلاث حثيات وتغمر قرونها عند كل حفنة. فائدة: الجمهور لم يفرق بين الحيضة والجنابة بالنسبة لنقض الضفائر أخذاً من الحديث السابق عن أم سلمة، إذ ورد في رواية (2) (أفأنقضه للحيضة والجنابة). وقال الإمام أحمد في رواية: عنه يجب النقض في الحيض دون الجنابة. وقد اعتبر البعض أن لفظة (للحيضة) الواردة في الرواية الأخرى (أفأنقضه للحيضة وللجنابة) اعتبرها البعض شاذة لانفراد عبد الرزاق بها عن سفيان الثوري دون يزيد بن هارون الي وافقت روايته رواية ابن عيينة وغيره ولم يرد فيها ذكر الحيضة، والذي اعتبرها شاذة وقال بانه يجب النقض في الحيض واستدل بحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها في الحيض "انقضي رأسك وامتشطي ... ". قال ابن حجر: وظاهر الحديث الوجوب، وبه قال الحسن وطاووس في الحائض دون الجنب، وبه قال

_ 614 - مسلم (1/ 260) 3 - كتاب الحيض، 12 - باب حكم ضفائر المغتسلة. (1) أبو داود (1/ 55، 56) كتاب الطهارة، 100 - باب في المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل. (2) مسلم (1/ 260) 3 - كتاب الحيض، 12 - باب حكم ضفائر المغتسلة. * لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتاد تنشيف أعضائه بعد الوضوء، ولا صح عنه في ذلك حديث البتة؛ بل الذي صح عنه خلافه، أما حديث عائشة كان للنبي صلى الله عليه وسلم خرقة ينشف بها بعد الوضوء، وحديث معاذ بن جبل: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ مسح على وجهه بطرف ثوبه، فضعيفان لا يحتج بمثلهما، في الأول سليمان بن أرقم متروك، وفي الثاني عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي ضعيف، قال الترمذي: لا يصح عن النبي صلى الله عليه مسلم في هذا =

اغتسال المرأة وزوجها

أحمد، ورجح جماعة من أصحابه أنه للاستحباب فيهما، قال ابن قدامة: ولا أعلم أحداً قال بوجوبه فيهما إلا ما روي عن عبد الله بن عمرو. قلت: وهو في مسلم عنه، وفيه إنكار عائشة عليه الأمر بذلك، لكن ليس فيه تصريح بأنه كان يوجبه. وقال النووي: حكاه أصحابنا عن النخعي، واستدل الجمهور على عدم الوجوب بحديث أم سلمة "قالت: يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: طلا". رواه مسلم وفي رواية له للحيضة والجنابة. وحملوا الأمر في حديث الباب على الاستحباب جمعاً بين الروايتين، أو يجمع بالتفصيل بين ما لا يصل الماء إليها إلا بالنقض فيلزم وإلا فلا. ا. هـ. قال صاحب إعلاء السنن وحمله الشيخ (أي صاحب المنتقي) على الاستحباب وعندي أن الأمر بالنقض والامتشاط كان لرفض إحرام العمرة والتحلل منه. ا. هـ. وقد تقرر في لم الأصول أن زيادة الثقة تُبل إذا كانت من ثقة حافظ يُعتمد على حفظه وكانت غير منافية للأصل قال الحافظ ابن حجر في (نزهة النظر ص 345): (وزيادة رويهما) أي الصحيح والحسن (مقبولة ما لم تقع منافية لـ) رواية (من هو أوثق) ممن لم يذكر تلك الزيادة، لأن الزيادة إما أن تكون لا تنافي بينها وبين رواية من لم يذكرها فهذه تقبل مطلقاً، لأنها في حكم الحديث المستقل الذي ينفرد به الثقة ولا يرويه عن شيخه غيره، وإما ان تكون منافية بحيث يلزم من قبولها رد الرواية الأخرى، فهذه الي يقع الترجيح بينها وبين معارضها، فيقبل الراجح ويرد المرجوح. ا. هـ. فورود كلمة الحيضة في الرواية الثانية لا تنافي الحديث الأول الذي ورد فيه ذكر الجنابة فقط وتكون الرواية الثانية بمثابة حديث مستقل يُثبت حكما لم يثبته غيره، والله أعلم. وعلى هذا كان رأي المذاهب الثلاثة المساواة بين الجنابة والحيض في حكم الضفائر. اغتسال المرأة وزوجها: 615 - * روى ابن خزيمة عن معاذة - وهي العدويةُ - قالت (1): سألتُ عائشة أتغْتَسِلُ

_ = الباب شيء. زاد المعاد جـ 1 "الناشر". 615 - ابن خزيمة (1/ 124) كتاب الطهارة، 189 - باب إفراغ المرأة الماء على يد زوجها، وإسناده صحيح.

إذا أراد الرجل العود ماذا يفعل؟

المرأة مع زوجها من الجنابة من الإناء الواحد جميعاً؟ قالت: الماء طهور، ولا يُجنبُ الماء شيء، لقد كنتُ أغتسلُ أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الإناء الواحد. قالت: أبدأه فأفرغُ على يديه من قبل أن يغمسهما في الماء. إذا أراد الرجل العود ماذا يفعل؟ 616 - * روى البخاري عن قتادة "أن أنس بن مالك حدثهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه بغسلٍ واحدٍ". في رواية (1): أن رسول الله صل الله عليه وسلم طاف على نسائه في غسل واحد. 617 - * روى أبو داود عن أبي رافع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه، يغتسلْ عند هذه، وعند هذه، قال: فقلت له: يا رسول الله ألا تجعله غسلاً واحدا؟ قال: "هذا أزكى وأطيبُ وأطهرُ". أقول: دل هذان النصان على أن كلا من الفعلين جائز. 618* روى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتى أحدكم أهله، ثم بدا له أن يُعاود فليتوضأ بينهما وضوءاً". أقول: إن الوضوء قبل المعاودة مندوب وليس واجباً.

_ 616 - البخاري (1/ 391) 5 - كتاب الغسل، 24 - باب الجنب يخرج ويمشي في السوق وغيره. أبو داود (1/ 56) كتاب الطهارة، 85 - باب في الجنب يعودز الترمذي (1/ 259) أبواب الطهارة، 106 - باب ما جاء في الرجل يطوف على نسائه بغسل واحد. النسائي (1/ 143، 144) 1 - كتاب الطهارة، 170 - باب إتيان النساء قبل إحداث الغسل. (1) النسائي: نفس الموضع السابق. 617 - أبو داود (1/ 56) كتاب الطهارة، 86 - باب الوضوء لمن أراد أن يعود. وإسناده حسن. (أزكى) الزكاء: الطهارة والنماء. 618 - مسلم (1/ 249) 3 - كتاب الحيض، 6 - باب جواز نوم الجنب، واستحباب الوضوء له وغسل افرج، إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أو يجامع. أبو داود (1/ 56) كتاب الطهارة، 86 - باب الوضوء لمن أراد أن يعود. الترمي (1/ 261) أبواب الطهارة، 107 - باب ما جءا في الجنب إذا أراد أن يعود توضأ.

- حكم الوضوء بعد الغسل

- حكم الوضوء بعد الغسل: 619 - * روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يتوضأ بعد الغُسل". وعند أبي داود (1) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسلُ ويُصلي الركعتين، وصلاة الغداة، ولا أراه يُحدث وضوءاً بعد الغُسْلِ. أقول: دل ذلك على أن الوضوء يدخل في الغسل فإذا اغتسل الإنسان فقد أصبح طاهراً من الحدث الأكبر والأصغر. مقدار الماء الكافي في الغسل: 620 - * روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها "أن رسول الله صلى الله عيه وسلم كان يغتسل من إناء - هو الفرْق- من الجنابة". وفي رواية: أخرى (2): "كنتُ أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناءٍ واحدٍ، من قدحٍ، يقال له: الفرْق. قال سفيان: والفرْق: ثلاثة آصُعٍ". وفي رواية (3): عن أُمِّ سلمة قالت: وكان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يأخُذْن من رؤوسهن، حتى تكون كالوفرة. وفي رواية (4): نحواً من صاع.

_ 619 - الترمذي (1/ 179) أبواب الطهارة، 79 - باب ما جاء في الوضوء بعد الغسل. النسائي (1/ 137) 1 - كتاب الطهارة، 160 - باب ترك الوضوء من بعد الغسل. (1) أبو داود (1/ 65) كتاب الطهارة، 99 - باب في الوضوء بعد الغسل. وهذا حديث صحيح. 620 - البخاري (1/ 363) 5 - كتاب الغسل، 2 - غسل باب الرجل مع امرأته. مسلم (1/ 255) 3 - كتاب الحيض، 10 - باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة. (2) مسلم (1/ 255) نفس الموضع السابق. (3) مسلم (1/ 256) نفس الموضع السابق. (4) البخاري (1/ 364) 5 - كتاب الغسل، 30 - باب الغسل بالصاع ونحوه. (الفرْقُ) بفتح الراء وسكونها: قدح يسع ستة عشر رطلاً، أي ما يعادل 10 كغم. (الوفرةُ): أن يبلغ شعر الرأسإلى شحمة الأذُن، والجُمةُ أطول من ذلك.

أقول: أخذ المرأة من شعرها حتى يكون كالوفرة ثابت في هذا النص فلا حرج على من فعلته وقد تشدد بعض الفقهاء فمنعوا ذلك احتراساً من تشبه النساء بالرجال. والحرج منفي بهذا النص، والتشبه ممنوع بنصوص أخرى. الاستتار عند الاغتسال: 621 - * روى أبو داود عن يعلي [بن شداد بن أوس] رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يغتسل بالبراز، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "إن الله حيي ستيرٌ يُحبُ الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليسترْ". وللنسائي (1) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل ستير، فإذا أراد أحدكم أن يغتسل فليتوار بشيءٍ". 622 - * روى النسائي عن أبي السمح رضي الله عنه قال: "كنتُ أخدُم النبي صلىلله عليه وسلم، فكان إذا أراد ان يغتسل قال: "ولِّني"، فأوليه قفاي، فأسترُه به". 623 - * روى مسلم عن أم هانيءٍ رضي الله عنها قالت: "ذهبتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح، فوجدتُه يغتسلُ، وفاطمةُ ابنته تسترُه بثوبٍ". وعند النسائي (2) قالت: "ثم أتيتُه بخرقةٍ فلم يُرِدْها". أقول: يحرم على الإنسان أن يغتسل عرياناً بين الناس لأن كشف العورة للناس محرّم، وإن ستره إنسان بثوب فلا بأس ويستحب التستر وإن كان خالياً، ولا يسبح في ماء صاف

_ 621 - أبو داود (4/ 39 - 40) كتاب الحمام، باب النهي عن التعري. النسائي (1/ 200) كتاب الغسل، 7 - باب الاستتار عند الاغتسال. (1) النسائي (1/ 200) في نفس الموضع، وإسناده حسن. (ستير) أي: من شأنه الستر والصون، أوهو فعيل بمعنى مفعول، أي: مستُور. (ابن الأثير). 622 - النسائي (1/ 126) 1 - كتاب الطهارة، 143 - باب ذكر الاستتار عند الاغتسال. ابن ماجه (1/ 201) 1 - كتاب الطهارة وسننها، 113 - باب ما جاء في الاستتار عند الغسل، وإسناده حسن. 623 - مسلم (1/ 264) 3 - كتاب الحيض، 16 - باب تستر المغتسل بثوب ونحوه. النسائي (1/ 126) كتاب الطهارة، 143 - باب ذكر الاستتار عند الاغتسال. (2) النسائي (1/ 200) كتاب الغسل، 7 - باب الغسل، 7 - باب الاستتار عند الاغتسال.

حرمة قراءة القرآن للجنب

إلا مستتراً إذ كان بحضرة من يحرم أن ينظر إليه أما إذا كان الماء كدراً لا يرى فيه الجزء الذي يغطس من الإنسان فعلى الإنسان أن يتستر أثناء الدخول والخروج. 624 - * روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كنا نغتسِلُ وعلينا الضمادُ، ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مُحلات ومحرماتٌ". أقول: للمرأة أن تغتسل وهي حائض أو نفساء للتنظيف لا للطهارة. 625 - * روى أحمد عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه أمر علياً فوضع له غُسلاً ثم أعطاه ثوباً فقال: "استرني وولي ظهرك". 626 - * روى الطبراني عن زينب بنت أبي سلمة أنها دخلتْ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل فأخذ حفنة من ماءٍ فضرب بها وجهي وقال: "وراءك" أي لكاعِ. للتدليل والتأنيب الرفيق وهي كلمة تستعملها العرب ولا تريد معناها. حرمة قراءة القرآن للجنب: 627 - * روى أبو داود عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال عبد الله بن سلمة - وهو المرادي الكوفي: دخلتُ على عليٍّ أنا ورجلان رجلٌ منا، ورجلٌ من بني أسدٍ، أحسب بعثهما عليٌّ وجهاً، وقال: إنكما علجان، فعالجا عن دينكما، ثم قام فدخل المخرج، ثم خرج، فدعا بماءٍ، فأخذ منه حفنةً فتمسح بها، ثم جعل يقرأ القرآن، فأنكروا ذلك، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج من الخلا، فيُقرئنا القرآن، ويأكل معنا اللحم، ولم يكن يحجبه- أو قال: يحجزُه- عن القرآن شيء، ليس الجنابة.

_ 624 - أبو داود (1/ 66) كتاب الطهارة، 100 - باب في المرأة هل تنقض شعرها عند الغسل، إسناده حسن. (الضماد) ضمدتُ الجرح بالضماد: إذا جعلت عليه الدواء، وضمدته بالزعفران والصبر: إذا لطخته بهما. 625 - أحمد (1/ 317)، الطبراني (11/ 291). مجمع الزوائد (1/ 268) كتاب الطهارة. باب التستر عند الاغتسال قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. 626 - الطبراني "المعجم الكبير" (24/ 281). 627 - أبو داود (1/ 59) كتاب الطهارة، 91 - باب في الجنب يقرأ القرآن.

حكم النوم والأكل للجنب

في رواية: الترمذي (1) والنسائي (2) عن عليّ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقرئنا القرآن على كل حال، ما لم يكن جُنباً. ولفظ النسائي (3): كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن على كل حال إلا الجنابة. 628 - * روى الطبراني في الكبير والصغير عن ابن عمر (رفعه): "لا يمسُّ القرآن إلا طاهرٌ". أقول: لا يجوز لمس القرآن للمحدث حدثاً أكبر أو أصغر ويجوز للمحدث حدثاً أصغر أن يقرأ القرآن ويقرئه دون لم سالمصحف ولا يجوز لمحدث حدثاً أكبر أن يقرأ أو يقرئ إلا بالنظر وبالقلب دون تحريك اللسان. حكم النوم والأكل للجنب: 629 - * روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قال أبو سلمة: "سألت عائشة: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرقُد وهو جنبٌ؟ قالت: نعم ويتوضأُ". في رواية (4): عروة قالت: "كان إذا أراد ان ينام وهو جنب غسل فرجهُ وتوضأ للصلاة".

_ (1) الترمذي (1/ 274) أبواب الطهارة، 111 - باب ما جاء في الرجل يقرأ القرآن على كل حال ما لم يكن جنباً، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (2) النسائي (1/ 144) 1 - كتاب الطهارة، 171 - باب حجب الجنب من قراءة القرآن. (3) النسائي: نفس الموضع السابق، وهذا حديث حسن بشواهده. (علجان، فعالجا) يقال: رجل علجٌ: إذا كان شديد الخلق، وثيق البنية، وقوله: (فعالجا دينكما) أي: جاهدا فيه، وابلغا فيه إلى الواجب. (المخرج) يريد بالمخرج: الخلاء، لأنه موضع إخراج النجاسة وإلقائها فيه، فكنى به عنها. (ليس الجنابة) يريد: غير الجنابة، و"ليس" تردد بمعنى "غير" وبمعنى "إلا" تقول: قام القوم ليس زيداً، وما قام أحد ليس زيداً. (ابن الأثير). 628 - الطبراني في الكبير (12/ 314). الروض الداني (2/ 277). مجمع الزوائد (1/ 276) قال الهيثمي: رواه الطبراني في اكبير والصغير ورجاله موثقون. 629 - البخاري (1/ 392) 5 - كتاب الغسل، 25 - باب كينونة الجنب في البيت إذا توضأ قبل أن يغتسل. (4) البخاري (1/ 393) 5 - كتاب الغسل، 27 - باب الجنب يتوضأ ثم ينام.

في رواية مسلم (1): "كان إذا أراد أن ينام وهو جُنبٌ توضأ وضوءه للصلاة قبل أن ينام". وفي أخرى (2): "كان ذا كان جُنباً، وأراد أن يأكل، أو ينام، توضأ وضوءه للصلاة". وفي أخرى (3): عن عبد الله بن أبي قيس قال: سألت عائشة رضي الله عنها: "قلت كيف كان يصنعُ في الجنابة؟ أكان يغتسلُ قبل أن ينام، أو ينام قبل أن يغتسل؟ قالت: كل ذلك قد كان يفعل، فربما اغتسل فنام، وربما توضأ فنام، قلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعةً". وللنسائي (4): "كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ، وإذا أراد أن يأكل غسل يديه". أقول: وضوء المجنب قبل النوم مستحب وليس مفروضاً. ومن كلام الحنابلة: ويكره للجنب ومنقطعة دم الحيض والنفاس ترك الوضوء للنوم فقط والكراهة هنا تنزيهية، ومن كلامهم: يستحب الوضوء لمعاودة الوطء. ويستحب للجنب أن يغسل يديه وفمه قبل الأكل أو يتوضأ، ومن أدب المسلم في كل حال إذا أراد الطعام أن يغسل يديه. 630 - * روى أحمد عنعمار "أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للجُنب إذا أراد أن يأكل أو

_ (1) مسلم (1/ 248) 3 - كتاب الحيض، 6 - باب جواز نوم الجنب، واستحباب الوضوء له وغسل الفرج إذا أراد ان يأكل او يشرب أو ينام أو يجامع. (2) مسلم: نفس الموضع السابق. (3) مسلم: نفس الموضع السابق ص 249. (4) النسائي (1/ 139) 1 - كتاب الطهارة، 164 - باب اقتصار الجنب على غسل يديه إذا أراد أن يأكل. 630 - أحمد (4/ 320). الترمذي (2/ 512) أبواب الصلاة، 432 - باب ما ذكر في الرخصة للجنب في الأكل والنوم إذا توضأ "قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وأعله أبو داود بالانقطاع، فقال: بين يحيى بن يعمر وعمار بن ياسر في هذا الحديث رجل، وقال الدارقطني عن يحيى: إنه لم يلق عماراً، وقال الشيخ حمد شاكر: وعمار قتل بصفين سنة 37، فليس ببعيد أن يلقاه يحيى بن يعمر، وقد روى عن عثمان، وهو أقدم من عمار ويحيى ثقة لم يُعرف بتدليس، فالحديث صحيح كما قال الترمذي، قلت: ويشهد له حديث عائشة" (شرح السنة 2/ 34).

مصافحة الجنب ومخالطته

يشرب وينام أن يتوضأ وضوءه للصلاة". 631 - * روى أحمد عن أم سلمة قالت "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُجنِبُ ثم ينام ثم ينتبه ثم ينام". 632 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ذكر عمر بن الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تصيبه الجنابة من الليل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "توضأ، واغسلْ ذكرك، ثم نمْ". وللبخاري (1) قال: استفتي عمر النبي صلى الله عليه وسلم: أينامُ أحدُنا وهو جُنُبٌ؟ قال: "نعم، إذا توضأ". وفي أخرى (2): "أيرقد أحدنا وهو جنب؟ قال: "نعم، إذا توضأ أحدكم فليرقُدْ" ولمسلم بنحو ذلك (3). 633 - * روى مالك عن نافع - مولى ابن عمر "أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا أراد أن ينام أو يطعم وهو جنب غسل وجهه ويديه إلى المرفقين ومسح برأسه، ثم طعم أو نام". مصافحة الجنب ومخالطته: 634 - * روى الستة عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيهُ في بعض طريق

_ 631 - أحمد (6/ 298). مجمع الزوائد (1/ 275) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. 632 - البخاري (1/ 393) 5 - كتاب الغسل، 27 - باب الجنب يتوضأ ثم ينام. مسلم (1/ 249) 3 - كتاب الحيض، 6 - باب جوز نوم الجنب، واستحباب الوضوء له. (1) البخاري (1/ 393) 5 - كتاب الغسل، 27 - باب الجنب يتوضأ ثم ينام. (2) البخاري (1/ 392) 5 - كتاب الغسل، 26 - باب نوم الجنب. (3) مسلم (1/ 249) 3 - كتاب الحيض، 6 - باب جواز نوم الجنب، واستحباب الوضوء له. 633 - الموطأ (1/ 48) 2 - كتاب اطلهارة، 19 - باب وضوء الجنب إذا أراد ان ينام أو يطعم قبل أن يغتسل، وإسناده صحيح. 634 - البخاري (1/ 390) 5 - كتاب الغسل، 23 - باب عرق الجنب، وأن المسلم لا ينجس.

المدينة وهو جُنُب، فانخنسْتُ منه، فذهب فاغتسل، ثم جاء فقال: "أين كنت يا أبا هريرة؟ " قال: كنت جُنباً، فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة، قال: "سبحان الله! إن المؤمن لا ينجُس". أقول: دل هذ النص على أن سؤر الجنب طاهر وأن للجنب مجالسة الناس ومحادثتهم ومصافحتهم. 635 - * روى الترمذي عن عائشة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُجنِبُ فيغتسلُ ثم يستدفيء بي قبل أن أغتسل". 636 - * روى مالك "كان ابن عمر يعرقُ في الثوب وهو جنب، ثم يصلي فيه" وكذلك عرق الحائض طاهر عند أهل العلم قال ابن عباس (1): أربعٌ لا يجنبن: الإنسان والثوب والماء والأرض يريد: الإنسان لا يُجنبُ بمماسة الجنب، ولا الثوب إذا لبسه الجنب، ولا الأرض إذا أفضى إليها الجنب، ولا الماء ينجس إذا غمس الجنب فيه يده. وقال عطاء (2): يحتجمُ الجنبُ، ويقلم أظفاره، ويحلق رأسه، وإن لم يتوضأ.

_ (1) مسلم (1/ 282) 3 - كتاب الحيض، 29 - باب الدليل على أن المسلم لا ينجس. أبو داود (1/ 59) كتاب الطهارة، 92 - باب في الجنب يصافح. الترمذي (1/ 207) أبواب الطهارة، 89 - باب ما جاء في مُصافحة الجنب. النسائي (1/ 145، 146) 1 - كتاب الطهارة، 172 - باب مماسة الجنب ومجالسته. ابن ماجه (1/ 178) 1 - كتاب الطهارة وسننها، 80 - باب مصافحة الجنب. (انخنست): تنحيت. 635 - الترمذي (1/ 211) أبواب الطهارة، 91 - باب ما جاء في الرجل يستدفيء بالمرأة بعد الغسل. ابن ماجه (1/ 192) 1 - كتاب الطهارة وسننها، 97 - باب في الجنب يستدفئ بامرأته قبل أن تغتسل، والحديث حسن بشواهده. 636 - الموطأ (1/ 52) 2 - كتاب الطهارة، 22 - باب جامع غسل الجنابة، وإسناده صحيح. (1) شرح السنة للبغوي (1/ 31). (2) البخاري (1/ 391) 5 - كتاب الغسل، 24 - باب الجنب يخرج ويمشي في السوق وغيره.

إذا ذكر أنه جنب وهو في الصلاة ماذا يفعل: 637 - * روى الأربعة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أُقيمت الصلاةُ، وعُدلت الصفوف قياماً، فخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قام في مُصلاه ذكر أنه جنبٌ، فقال لنا: "مكانكم"، ثم رجع فاغتسل، ثم خرج إلأينا ورأسه يقطر، فكبر، فصلينا معه". 638 - * روى أبو داود عن أبي بكرة رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الهل عليه وسلم دخل في صلاة الفجر، فأومأ بيده: أن مكانكم، ثم جاء ورأسه يقطُر، فصلى بهم". وفي رواية: بمعناه (1)، قال في أوله: (فكبر) وقال في آخره: "فلما قضى الصلاة قال: "إنما أنا بشر، وإني كنت جُنباً". 639 - * روى مالك عن سليمان بن يسار "أن عمر رضي الله عن صلى بالناس الصبح، ثم غدا إلى أرضه بالجُرْف، فوجد في ثوبه احتلاماص، فقال: إنا لما أصبنا الودك لانت العروق، فاغتسل، وغسل الاحتلام من ثوبه، وعاد لصلاته". في رواية (2): بعد قوله: (احتلاماً) - فقال: "لقد ابتُليتُ بالاحتلام منذ وليتُ أمر الناس، واغتسل، وغسل ما رأى في ثوبه من الاحتلامِ، ثم صلى بعد أن طلعت الشمسُ". وفي رواية (3): زُيَيْدِ بن الصلت قال: "خرجتُ مع عمر بن الخطاب إلى الجُرْفِ،

_ 637 - البخاري (1/ 383) 5 - كتاب الغسل، 17 - باب إذا ذكر في المسجد أنه جنب خرج كما هو ولا يتيمم. مسلم (1/ 422، 423) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 29 - باب متى يقوم الناسُ للصلاة. أبو داود (1/ 60، 61) كتاب الطهارة، 94 - باب في الجنب يُصلي بالقوم وهو ناس. النسائي (2/ 89) 10 - كتاب الإمامة، 24 - إقامة الصفوف قبل خروج الإمام. 638 - أبو داود (1/ 60) كتاب الطهارة، 94 - باب في الجنب يصلي بالقوم وهو ناس. (1) أبو داود: نفس الموضع السابق، وهو حديث حسن. 639 - الموطأ (1/ 49) 2 - كتاب الطهارة، 20 - باب إعادة الجنب الصلاة وغسله إذا صلى ولم يذكر. وغسله ثوبه. (2) الموطأ: نفس الموضع السابق. (3) الموطأ: نفس الموضع السابق. (الودك): دسم اللحم ودهنه الذي يستخرج منه. (الضُّحى) بالضم والقصر: حين تشرق الشمس وتضيءُ وتذهب حمرتها التي تكون لها عند الطلوع، وبالمد والفتح: عند ارتفاع النهار كثيراً والأول: ضحوةُ النهار، ثم بعد الضحى، ثم الضحاء. (ابن الأثير).

- الاغتسال بالماء والخطمي ونحوه

فنظر فإذا هو قد احتلم وصلى ولم يغتسل، فقال: والله ما أُراني إلا قد احتلمتُ وما شعرت، وصليت وما اغتسلتُ، قال: فاغتسل، وغسل ما رأى في ثوبه، ونضح ما لم ير، وأذن، أو أقام، ثم صلى بعد ارتفاع الضحى متمكناً". أقول: قال فقهاء الحنفية منصلى إماماً ثم تبين له بعد الصلاة أنه كان محدثاً، فعليه أن يبلغ من صلى وراءه بالقدر المستطاع أن يعيدوا صلاتهم، ومذهب الشافعية أنه ليس عليهم إعادة. - الاغتسال بالماء والخطْمِي ونحوه: 640 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود قال: "إذا اغتسل أحدُكم وهو جُنُبٌ بالخطمي ثم اغتسل بعد ذلك فليغسلْ رأسه إن شاء بالماء". أقول: الغتسال بماء الخطمي أو السدر أو بماء خالطه ما يزيد التطهير كالصابون جائز، نص على ذلك فقهاء الحنفية وغيرهم. -في الحمام وغُسل الإسلام: اتفقت المذاهب الأربعة على أن من أسلم وهو جنب عليه الاغتسال، قال الحنفية والشافعية يستحب له الاغتسال إذا لم يكن جنباً ويزئه الوضوء وأوجب المالكية والحنابلة الغسل على الكافر إذا أسلم. وأما الحمامات العامة وقد كانت منتشرة كثيراً في الأرض الإسلامية وهي معلم من معالم المدنية الإسلامية، فإن الدخول إليها مباح للرجال ويجب عليهم غض البصر عمال ايحل لهم وصون عوراتهم عن التكشف عند من لا يحل له النظر إليها ويكره له الدخول إذا خشي من المحظور إلا بضوررة وأما النساء فيكره لهن دخول الحمامات العامة بلا عذر من حيض أو نفاس أو مرض أو حاجة للغُسل وعندما لا يمكن أن تغتسل في بيتها لسبب ما.

_ 640 - الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 291). مجمع الزوائد (1/ 273) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن وهو حديث حسنٌ.

ويعتبر الماء الذي يجري في حوض الحمام ويخرج منه في حكم الجار من حيث الطهارة، ولا بأس للمستتر من ذكر الله في الحمام، ولا تكره قراءة القرآن في الحمام عند مالك والنخعي وكره أحمد ذلك لأنه محل للتكشف. 641 - * روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى الرجال والنساء عن دخول الحمام، قالت: ثم رخص للرجال أن يدخلوه في المآزر". ولهما في رواية (1) أبي المليح الهُذلي قال: "دخل على عائشة نسوةٌ من نساء أهل الشام، فقالت: لعلكنَّ من الكورةِ التي تدخلُ نساؤها الحمامات؟ قلن: نعم، قالت أما إني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من امرأةٍ تخلعُ ثيابها في غير بيت زوجها إلا هتكتْ ما بينها وبين الله من حجاب". 642 - * روى الترمذي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام بغير إزارٍ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخِلْ حليلتَه الحمام إلا من عذرٍ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يُدارُ عليها الخمر". في رواية (2): النسائي: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمَّام إلا بمئزرٍ".

_ 641 - أبو داود (4/ 39) كتاب الحمَّام. الترمذي (5/ 113) 44 - كتاب الأدب، 43 - باب ما جاء في دخول الحمَّام. (1) أبو داود (4/ 39) كتاب الحمام. الترمذي (5/ 114) 44 - كتاب الأدب، 43 - باب ما جاء في دخول الحمَّام وهو حديثٌ حسن. (الكورة): اسم يقع على جهة من الأرض مخصوصة، كالشام وفلسطين والعراق ونحو ذلك. 642 - الترمذي (5/ 113) 44 - كتاب الأدب، باب ما جاء في دخول الحمام. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب. الحاكم (4/ 288) كتاب الأدب - باب النهي عن الدخول ف الحمام بغير تستر قال: صحيح على شرط مسلم. (2) النسائي (1/ 198) 4 - كتاب الغسل والتيمم، 2 - باب الرخصة في دخول الحمام وهو حديث حسن.

643 - * روى الطبراني عن ابن عمر "أنه كان يدخل الحمام، فينورُهُ صاحب الحمام، فإذا بلغ حقوهُ قال لصاحب الحمام: أخرجْ". أقول: المراد بالنص أن ما تحت السرة لم يكن ابن عمر يسمح للحماميَّ أن ينظر إليها أو يمسها. 644 - * روى أبو داود عن قيس بن عاصم رضي الله عنه قال: "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد الإسلام، فأمرني أن أغتسل بماءٍ وسدرٍ". إلا أن الترمذي والنسائي قالا: "إنه أسلم، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم. أقول: ذكر السدر استدل به الفقهاء على أن مايخالط الماء من طاهر يزيد في تنظيفه لا يؤثر على طهوريته وليس وجود السدر شرطاً لصحة اغتسال من أسلم. 645 - * روى الطبراني عن قتادة أبي هشام قال أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: "يا قتادة اغتسلْ بماءٍ وسدرٍ واحلقْ عنك شعر الكفر" وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر من أسلم أن يختتن وإن كان ابن ثمانين سنةً". أقول: إن من عادة الكافرين ألا يستحدوا فيحلقوا شعر عاناتهم أو ينظفوا آباطهم من الشعر الذي هو فيها، وذلك يخالف سنن الفطرة، فالنص محمول على إزالة هذا النو من الشعر، هذا إذا كان موجوداً.

_ 643 - الطبراني (12/ 266). مجمع الزوائد (1/ 279) رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. (ينوره): يطلليه، والنورة طلاء لإزالة الشعر، (حقْوَهُ) خصره أو محل شد الإزار. 644 - أبو داود (1/ 98) كتاب الطهارة، 131 - باب في الرجل يسلم فيؤمر بالغسل. الترمذي (2/ 503) أبواب الصلاة، 42 - باب ما ذكر ي الاغتسال عندما يسلم الرجل. النسائي (1/ 109) كتاب الطهارة، 126 - غسل الكافر إذ أسلم. ابن خزيمة (1/ 126) 191 - باب استحباب غسل الكافر إذا أسلم بالماء والسدر. ابن حبان (2/ 270) كتاب الطهارة، ذكر الاستحباب للكافر إذاأسلم أن يكون اغتساله بماء وسدر. 665 - مجمع الزوائد (1/ 283) باب غسل الكافر إذا أسلم. وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله ثقات.

الحيض والنفاس والاستحاضة عرض إجمالي

الحيض والنفاس والاستحاضة عرض إجمالي قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (1). الدماء التي تخرج من فرج المرأة ثلاثة: دم حيض ودم نفاس وهما يوجبان الغسل بعد الهر منهما ودم الاستحاضة وهو ما ليس دم حيض ولا دم نفاس. والحيض دم خارج في حال الصحة من رحم المرأة من يغر ولادة ولا مرض في أمد معين، وبه تصبح الأنثى بالغة مكلفة وقد يأتي الأنثى في سن مبكرة كتسع سنين قمرية وفي العادة فإنه يأتي المرأة شهرياً ما لم تكن حاملاً حتى تصل إلى سن الإياس وهو خمس وخمسون سنة عند الحنفية وسبعون عند المالكية لكنهم يقولون: إن ما بعد الخمسين يحكم عليه النساء صاحبات الخبرة وكذلك يسألن في المراهقة عن دمها، وهي ما كانت بنت تسع إلى ثلاث عشرة، وقال الشافعية ما دامت المرأة حية فالحيض ممكن في حقها، وقال الحنابلة: سن اليأس خمسون. وذهب الحنفية والحنابلة إلى أن الحامل لا تحيض، فما خرج من دم منها قبل الولادة فهو استحاضة، وذهب المالكية والشافعية إلى أن الحامل قد تحيض. والعادة أن أقل طهر بين الحيضتين هو خمسة عشر يوماً عند جمهور الفقهاء فإذا وجد دم قبل ذلك فهو دم استحاضة، وأقل مدة الحيض عند الحنفية ثلاثة أيام بلياليها وأكثره عشرة أيام بلياليها، فما نقص عن ذلك أو زاد فهو استحاضة ومن الاستحاضة عندهم أن لو كان للمرأة عادة أقل من عشرة أيام واستمر الدم معها حتى جاوز العشرة فما زاد على عادتها فهو استحاضة أما إذا لم يتجاوز العشرة فهو حيض فإذا تجاوز فإنها تقضي صلاة الأيام التي زادت عن عادتها ويرى الشافعيةوالحنابلة أن أقل زمن الحيض يوم وليلة: أربع وعشرون ساعة

_ (1) البقرة: 222.

على الاتصال المعتاد في الحيض بحيث لو وضعت قطنة لتلوثت فإذا رأت الدم أقل من يوم وليلة فهو استحاضة وأثره خمسة عشر يوماً بلياليها فإن زاد فهو استحاضة. وعند المالكية تفصيلات كثيرة تراجع في محلها، وأقل الطهر بين النفاس والحيض أو بين الحيضتين خمسة عشر يوماً عند الجمهور وقال الحنابلة أقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوماً ولاحد لأكثر الطهر باتفاق الفقهاء وللطهر في حق الحائض والنفساء علامتان، جفاف الدم حتى إذ وضعت قطنة لم يظهر عليها شيء والقصة البيضاء وهي ماء أبيض رقيق يأتي في آخر الحيض وكل لون في مدة الحيض أو النفاس يعتبر حيضاً أو نفاساً والنقاء المؤقت في مدة الحيض حيض عند الحنفية والشافعية، وعند المالكية والحنابلة تفصيل يراجع في محله، والنفاس عند الحنفية هو الدم الذي يخرج عند خروج أكثر الولد أما ما قبل ذلك فهو دم استحاضة، فتتوضأ إن قدرت وتصلي أو تتيمم ولا تؤخر الصلاة أما المالكية: الدم الي يخرج قبل الولادة هو دم يحض وعلى هذا فلا صلاة عليها عندئذ وقال الحنابلة: الدم النازل قبل الولادة بيومين أو ثلاثة مع أمارة كالطلق، والدم الخارج مع الولادة هو دم نفاس عندهم كالدم الخارج عقب الولادة وعلى هذا فلا صلاة على مثل هذه وقد تلد بعض النساء بلا دم، والفقهاء في هذه الحالة مختلفون هل عليها غسل أول يس عليها، فبعضهم ومنهم بعض الحنفية لا يوجبون عليها غسلاً ولا تعتبر نفساء. ولا حد لأقل النفاس فقد يكون مجة أو دفعة ثم تطهر فعليها الغسل والصلاة والصوم وأكثره عند المالكية والشافعية ستون يوماً، وعند الحنابلة والحنفية: أربعون يوماً وما زاد عن الحد الأعلى فهو استحاضة. ويحرم بالحيض والنفاس: الصلوات كلها، والصوم، ومس المصحف ودخول المسجد. والطواف، والاعتكاف وقراءة القرآن، والجماع، والطلاق إلا أن الطلاق يقع على الراجح عند الأئمة الأربعة وإن كان محرماً. ويتعلق بالحيض والولادة أحكام لها صلة بالعدة سيأتي تفصيل لها، وليس على من وطيء الحائض والنفساء إلا التوبة والاستغفار عند المالكية والشافعية والحنفية ويرى بعض الحنابلة أن على الواطيء والموطوءة إن طاوعت الرجل كفارة، والكفارة نصف دينار،

وقال الشافعية يسن لمن وطيء في إقبال الدم التصدق بدينار ولمن وطيء في إدباره التصدق بنصف دينار، ويجوز للرجل أن يستمتع بما دون الفرج عند الحنابلة وعند بعض الحنفية والجمهور على أن الاستمتاع بما بين السرة والركبة محرم إلا بحائل، ويجوز الاستمتاع في ما سوى ذلك. وإذا انقطع دم الحائض دون عادتها فوق الأيام الثلاثة قال الحنفية: لم يقربها زوجها حتى تمض عادتها وإن اغتسلت اما إذا انقطع لعادتها فلا يجوز لزوجها عند الحنفية أن يقربها إلا إذا اغتسلت أو مضى عليها وقت صلاة بأن تجد من الوقت زمناً يسع الغسل وتحريمه الصلاة ولم تصل فيحل وطؤها قبل الغسل كما يحل وطؤها قبل الغسل إذا انقطع دمها لعشرة أيام وهو أكثر الحيض عندهم. أما المستحاضة فهي التي يخرج منها الدم لا يعتبر دم حيض أو نفاس فهذه لها أحكامها: فالاستحاضة تعتبر حدثاً أصغر، فلا تمنع شيئاً مما يمنعه الحيض والنفاس من صلاة وصوم ولو نفلاً وطواف وقراءة قرآن ومس مصحف ودخول مسجد واعتكاف ووطء، وحكم المستحاضة كحكم أصحاب الأعذار الذي سيأتي معنا، إذا كان دمها لا ينقطع فهي كالمصاب برعاف دائم أو سلس بول أو خروج ريح لا يتحكم فيه صاحبه، ولذلك تفصيلاته، فإذا كانت المستحاضة كذلك، فقد أوجب الشافعية والحنفية والحنابلة أن تتوضأ لوقت كل صلاة، وقال المالكية يستحب للمستحاضة أن تتوضأ لكل صلاة كما يستحب لها بعد انقطاع الدم الغسل من الاستحاضة وتصلي المستحاضة بوضوئها بعد دخول الوقت ما شاءت من الفرائض والنوافل ويبطل وضوؤها بخروج الوقت. وإذا كان الدم مستمراً عند المرأة فمن الضروري أن تعرف كيف تقدر مدة حيضها والمبادئ الأساسية في هذا التقدير العمل بالتمييز لصفة الدم وبناء المعتادة على عدتها السابقة، ورجوع المستحاضة إلى الغالب من عادة النساء، وعند الحنفية أن المبتدأة بظهور الدم واستمراره تقدر حيضها بعشرة أيام وطهرها بعشرين يوماً من كل شهر، وإذا حملت فالدم كله دم استحاضة، وأما من لها عادة من قبل فترد إلى عادتها، وأما التي نسيت عادتها فإنها تأخذ بالأحوط.

- كيف تتطهر الحائض

(حاشية ابن عابدين 1/ 188 وبعدها)، (الشرح الصغير 1/ 207 وبعدها)، (المغني 1/ 306 وبعدها)، (المهذب 1/ 38 وبعدها)، (الفقه الإسلامي 467 وبعدها). وإلى نصوص هذه الموضوعات: - كيف تتطهر الحائض: 646 - * روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها "أن امرأةً من الأنصار سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غُسلها من المحيض؟ فأمرها كيف تغتسل، ثم قال: "خُذي فرصةً من مسكٍ، فتطهري بها"، قالت: كيف أتطهرُبها؟ قال: "تطهري بها"، قالت: كيف أتطهر بها؟ قال: "سبحان الله! تطهري بها"، فاجتذبتها إليَّ فقلتُ: تتبعي بها أثر الدم". ومن الرواة (1) من قال فيه: خذي فرصة ممسكةً، فتوضئي بها ثلاثاً، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم استحيي، وأعرض بوجهه، وقال: "توضئي بها"، فأخذتُها فاجتذبتها، فأخبرتها بما يريد النبي صلى الله عليه وسلم. ولمسلم (2) عن عائشة: أن أسماء سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غُسل المحيض؟ فقال: "تأخذ إحداكُن ماءها وسدرتها، فتطهرُ فتُحسن الطهور، ثم تصُب على رأسها، فتدلكه دلكاً شديداً، حتى تبلغ شؤون رأسها، ثم تصبُّ عليه الماء، ثم تأخذ فرصة ممسكة، فتطهرُ بها"، فقالت أسماء: فكيف تطهر بها؟ قال: "سبحان الله! تطهري بها"، قالت عائشة - كأنها تُخفي ذلك - تتبعين بها أثر الدم، وسألته عن غسل الجنابة؟ فقال: "تأخذُ ماءً، فتطهَّر، فتحسنُ الطهور، أو تبلغُ الطهور، ثم

_ 646 - البخاري (1/ 414) 6 - كتاب الحيض، 13 - باب دلك المرأة نفسها إذا تطهرت من المحيض. مسلم (1/ 260) 3 - كتاب الحيض، 13 - باب استحباب استعمال المغتسلة من الحيض فرصة من مسك في موضع الدم. (1) البخاري (1/ 416) 6 - كتاب الحيض، 14 - باب غسل المحيض. (2) مسلم (1/ 261) 3 - كتاب الحيض، 13 - باب استحباب استعمال المغتسلة من الحيض فرصة من مسك في موضع الدم.

تصبُّ على رأسها، فتدلكه حتى يبلغ شؤون رأسها، ثم تُفيض عليها الماء"، فقالت عائشة: نعم النساء نساء الأنصار لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين". وفي أخرى (1): "دخلت أسماء بنتُ شكلٍ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، كيف تغتسلُ إحدانا إذا طهرتْ من الحيض ... وساق الحيدث". ولم يذكر فيه غُسل الجنابة. أقول: يغلط بعض النساء فيظنن أنه متى انقطع الدم فلم يظهر على الخرقة الخارجية، فقد طهرن من الحيض والنفاس وهذا خطأ، فالعبرة لإدخال قطن أو ما يشبهه إلى الفرج الداخلي فإذا خرج وليس عليها شيء أو عليها الطهر الأبيض الخالص، فعندئذ تطهر، فإذا طهرت عندئذ تغتسل وفي هذا النص ندب إلى أن تضع بعد الطهر قبل الاغتسال أو بعده شيء من الطيب في الفرج للمصلحة التي ذكرت في شرح المفردات. حكم قراءة الحائض القرآن: 647 - *روى الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

_ (1) مسلم: نفس الموضع السابق ص 262. (فرصة من مسكٍ) بكسر الفاء: قطعة من صوف أو قطن أو خرقة من الفرص: القطْعُ، وقوله "من مسك" ظاهره: إن الفرصة من المسك: أي قطعة منه، وعليه المذهب وقول الفقهاء: إن الحائض بعد انقطاع دم الحيض إذا اغتسلت أخذت يسيراً من مسك، فتطيب به مواضع الدم ليذهب ريحه، قالوا: والفرصة: القطعة من كل شيء، وأهل اللغة لم يطلقوا هذا القول، وإن كان القياس يقتضيه، لأنه من الفرْصِ: القطع، فإن لم تجد المسك فتأخذ طيباً غيره، هذا من سنن غسل الحيض عند الفقهاء، لأجل الحديث، وكذلك قوله "فرصة ممسكة" أي مطيبة بالمسك، وهو ظاهر فياللغة، أي: تأخذ قطعة من صوف أو قطن أو خرقة فتطيبها بمسك، وتتبع بها أثر الدم، فيحصل منه الطيب، وقد حكى أبو داود في روايته عن بعضهم (قرْصة) بالقاف، يعني شيئاً يسيراً يؤخذ من المسك، مثل القرصة بأطراف الإصبعين، ولكنه لم يذكر (من المسك) وإنما أورده في آخره حيثه الذي فكر فيه "فرصة ممسكة" قال: مسدّد: كان أبو عوانة يقول (فرصة) وكان أبو الأحوص يقول (قرصة). (شؤون رأسها): مواصل قبائل الرأس ومُلْتَقاها، والمراد: إيصالُ الماء إلى منابت الشعر، مبالغةً في الغسل. (ابن الأثير). 647 - الترمذي (2/ 236) أبواب الطهارة، 98 - ما جاء في الجنب والحائض أنهما لا يقرآن وصححه الشيخأحمد شاكر في تعليقاته على الترمذي وقد ضعفه بعضهم ولا وجه لتضعيفه. قال الترمذي: وهوقول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم مثل سفيان الثوري، وابن =

ما يحل من الحائض

"لا يقرأ الجنب والحائض شيئاً من القرآن". ما يحلُّ من الحائض: 648 - * روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "إن اليهود كانت إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلُوها، ولم يجامعوهن في البيوت، فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي؟ فأنزل الله عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح"، فبلغ ذلك اليهود، فقالوا: ما يُريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه، فجاء أُسيدُ بن حُضيرٍ، وعبادُ بن بشر، فقالا: يا رسول الله، إن اليهود تقول كذا وكذا، أفلا نُجامعهنَّ؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى ظننا أن قد وجد عليهما، فخرجا، فاستقبلهما هديةٌ من لبنٍ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل في آثارهما، فسقاهما، فعرفا: أن لم يجد عليهما. أقول: رأينا أن للفقهاء اتجاهين فيما يصنع الرجل أثناء الحيض، اتجاه يقول: إنه يجتنب الفرج فقط واجاه يقول: إن المرأة تأتزر ما بين سرتها إلى ركبتها ثم يصنع الرجل بعد ذلك ما شاء، وكل أصحاب الاتجاهين وجه النصوص بما يتفق مع مذهبه، فحمل الائتزار على الكمال أو على حين الخشية من قال باجتناب الفرج فقط.

_ = المبارك، والشافعي وأحمد، وإسحاق، قالوا: لا تقرأ الحائض ولا الجنب من القرآن شيئاً، إلا طرف الآية والحرف، ونحو ذلك، ورخصوا للجنب والحائض في التسبيح والتهليل. ابن ماجه (1/ 196) 1 - كتاب الطهارة وسننها، 105 - باب ما جاء في قراءة القرآن على غير طهارة. 648 - مسلم (1/ 246) 3 - كتاب الحيض، 3 - باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها. أبو داود (1/ 67) كتاب الطهارة، 103 - باب في مؤاكلة الحائض ومجامعتها وزاد "ولم يشاربوها". الترمذي (5/ 214) 48 - كتاب تفسير القرآن، 3 - باب من سورة القرآن. النسائي إلى قوله "وأن يصنعوا بهن كل شيء إلا الجماع" (1/ 152) 3 - كتاب الحيض والاستحاضة، 181 - باب تأويل قول الله عز وجل ويسئلونك عن المحيض. (وجد عليهما) الموجدة: الغضب، يقال: وجد عليه يجد وجداً، وموجدة: إذا غضب.

649 - * روى الشخيان عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كانت إحدانا إذا كانت حائضاً، وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباشرها، أمرها أن تأتزر بإزارٍ في فوْرِ حيضتها، ثم يباشرها، وأيُّكم كان يملك إربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إرْبَه؟ ". في رواية (1): قالت: كنت أغتسلُ أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحدٍ وكلانا جنبٌ، وكان يأمرني فأتزرُ، فيُباشرني وأنا حائضٌ، وكان يُخرجُ رأسه إليَّ وهو معتكفٌ، فأغسله وأنا حائضٌ". وأخرج أبو داود (2) الرواية الأولى قوال: "في فوح حيضتها". وفي أخرى لأبي داود والنسائي (3) قالت: كان يأمر إحدانا إذا كانت حائضاً: أن تأتزر، ثم يُضاجعها زوجها، وقالت مرة: يباشرها. وفي رواية (4): الموطأ أن عبد الله بن عمر أرسل إلى عائشة يسألها: هل يباشر الرجل امرأته وهي حائضٌ؟ فقالت: لتشُدَّ إزارها على أسفلها، ثم يباشرها إن شاء. وفي أخرى للنسائي (5) عن جُميع بن عمير قال: دخلتُ على عائشة مع أمي وخالتي،

_ 649 - البخاري (1/ 403) 6 - كتاب الحيض، 5 - باب مباشرة الحائض. مسلم (1/ 242) 3 - كتاب الحيض، 1 - باب مباشرة الحائض فوق الإزار. (1) البخاري (1/ 403) 6 - كتاب الحيض، 5 - باب مباشرة الحائض. مسلم (1/ 244) 3 - كتاب الحيض، 3 - باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها والاتكاء في حجرها وقراءة القرآن فيه. (2) أبو داود (1/ 71) كتاب الطهارة، باب في الرجل ما يصيب منها ما دون الجماع. (3) أبو داود (1/ 70) كتاب الطهارة، باب في الرجل يصيب منها ما دون الجماع. النسائي (1/ 151) كتاب الطهارة، باب مباشرة الحائض. (4) الموطأ (1/ 58) 2 - كتاب الطهارة، 26 - باب ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض. (5) النسائي (1/ 189) كتاب الحيض والاستحاضة، 13 - ذكر ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنعه إذا حاضت إحدى نسائه. (يباشرها) المباشرة: المجامعة، وأراد به هاهنا: ما دون الفرج. (فورُ) الشيء: ابتداؤه وأولهُ، وفوُحه: مُعظمه، وأوله أيضاً، مثل فوْعَة الدم، يقال: فاح وفاع بمعنى. (إربه) الإربُ: العضو، والإرْبُ: الحاجة، وكذلك الأرب والإرْبة، والمعنى: أنه صلى الله عليه وسلم كان يغلب هواه، ويكفُّه عن طلبه، وأنتم لا تقدرون، فكان صلى الله عليه وسلم يباشر نساءه وهُنَّ حُيَّض فيما دون الفرج، وغيرهُ لو همَّ بذلك لوقع فيما حرم عليه.

فسألناها كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع إذا حاضت إحداكهن؟ قالت: كان يأمرنا إذا حاضت إحدانا أن تأتزر بإزارٍ واسعٍ، ثم يلتزم صدرها وثدييها. 650 - * روى البخاري عن ميمونة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يُباشر امرأة من نسائه: أمرها فاتزرتْ وهي حائضٌ". وفي رواية (1): كان يباشر نساءه فوق الإزار وهن حُيَّضٌ". وفي رواية (2): "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضطجعُ معي وأنا حائض، وبيني وبينه ثوبٌ". في رواية: أبي داود (3) والنسائي (4): "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يباشر المرأة من نسائه وهي حائض إذا كان عليها إزارٌ إلى أنصاف الفخدين والركبتين محتجزة". 651 - * روى أبو داود عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله ما يحلُّ لي من امرأتي وهي حائضٌ؟ قال: "ما فوق الإزار، والتعفف عن ذلك أفضل". 652 - * روى أبو داود عن عكرمة بن عبد الله عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم ان إذا أراد من الحائض شيئاً ألقي على فرجها ثوباً".

_ 650 - البخاري (1/ 405) 6 - كتاب الحيض، 5 - باب مباشرة الحائض. (1) مسلم (1/ 243) 3 - كتاب الحيض، 2 - باب مباشرة الحائض فوق الإزار. (2) مسلم (1/ 243) 3 - كتاب الحيض، 2 - باب الاضطجاع مع الحائض في لحاف واحد. (3) أبو داود (1/ 70) كتاب الطهارة، باب في الرجل يصيب منها ما دون الجماع. (4) النسائي (1/ 152) كتاب الطهارة، 18 - باب مباشرة الحائض. (محتجزة) الاحتجازُ: شد الإزار على العورة، ومنهُ حُجرة السراويل والحاجز: الحائل بين الشيئين. 651 - أبو داود (1/ 55) كتاب الطهارة، 83 - باب في المذي، وهو حديث حسن. 652 - أبو داود (1/ 71) كتاب الطهارة، 107 - باب في الرجل يصيب منها ما دون الجماع.

مخالطة الحائض ومؤاكلتها ونحو ذلك

مخالطة الحائض ومؤاكلتها ونحو ذلك: 653 - * روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها "كانت تُرجِّلُ النبي صلى الله عليه وسلم وهي حائض، وهو معتكفٌ في المسجد، وهي في حجرتها يُناولها رأسه". 654 - * روى الستة عن عائشة: "كنتُ أغسلُ رأس النبي صلى الله عليه وسلم وأنا حائضٌ". 655 - * روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: "إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتكئ في حجري وأنا حائض، فيقرأُ القرآن". وفي أخرى (1): "كان يقرأ القرآن ورأسهُ في حجري وأنا حائض". وفي رواية النسائي (2) قالت: "كان رأسُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجر إحدانا وهي حائض، وهو يقرأ القرآن". 656 - * روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:

_ 653 - البخاري (3/ 272) 33 - كتاب الاعتكاف، 2 - باب الحائض تُرجَلُ رأس المعتكف. مسلم (1/ 244) 3 - كتاب الحيض، 3 - باب جواز غسل الحائض رأس زوجها. (ترجلُ) الترجيل: تسريح الشعر. 654 - البخاري (4/ 274) 33 - كتاب الاعتكاف، 4 - باب غسل المعتكف و (1/ 401) 6 - كتاب الحيض، 2 - غسل الحائض رأس زوجها وترجيله. مسلم (1/ 244) 3 - كتاب الحيض، 3 - باب جواز غسل الحائض رأس زوجها. أبو داود (2/ 332، 333) كتاب الصوم، 76 - باب المعتكف يدخل البيت لحاجته. الترمذي (3/ 167) 6 - كتاب الصوم، 80 - باب المعتكف يدخل البيت لحاجته. النسائي (1/ 193) 21 - غسل الحائض رأس زوجها. ابن ماجه (1/ 565) 7 - كتاب الصيام، 64 - باب ما جاء في المعتكف يغسل رأسه ويرجله. 655 - البخاري (1/ 401) 6 - كتاب الحيض، 3 - باب قراءة الرجل في حجر امرأته وهي حائض. مسلم (1/ 246) 3 - كتاب الحيض، 3 - باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها. (1) البخاري (13/ 518) 97 - كتاب التوحيد، 52 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم الماهر بالقرآن مع سفرة الكرام البررة وزينوا القرآن بأصواتكم. أبو داود (1/ 68) كتاب الطهارة، 103 - باب في مؤاكلة الحائض ومجامعتها. (2) النسائي (1/ 191) 3 - كتاب الحيض والاستحاضة، 16 - باب الرجل يقرأ القرآن ورأسه في حجر امرأته وهي حائض. 656 - مسلم (1/ 244، 245) 3 - كتاب الحيض، 3 - باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله.

"ناوليني الخمرة من المسجد"، قالت: قلتُ: إني حائض، قال: "إن حيضتك ليست في يدك". وللنسائي (1) قالت: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد قال: "يا عائشة، ناوليني الثوب"، فقالت: إني لا أصلي، فقال: "ليس في يدك"، فناولتُهُ. أقول: وهي مقدار ما يضع عليه وجهه في سجوده من حصير أو نسيجة خوص ونحوه من النبات وقوله من المسجد أي من موضع سجودي في بيتك فهي كانت في بيتها رضي الله عنها، ويغلط من يفهم أنه يطلب منها أن تدخل المسجد لتناوله ما أراد فليس للحائض أن تدخل المسجدز 657 - * روى الدارمي أن إبراهيم كان لا يرى بأساً أن تتناول الحائض من المسجد شيئاً دون أن تدخله. 658 - * روى الشيخان عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "بينما أنا مَضطجعةٌ مع رسول الله صلىلله عليه وسلم في الخميلة، إذ حِضْت، فانسلَلْتُ، فأخذت ثياب حيضتي فلبستها، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنفستِ؟ " قلت: نعم، فدعاني فاضطجعتُ معه في الخميلة. قالت: وكانت هي ورسول الله يغتسلان في الإناء الواحد من الجنابة".

_ أبو دود (1/ 68) كتاب الطهارة، 104 - باب في الحائض تناول من في المسجد. الترمذي (1/ 241) أبواب الطهارة، 101 - باب ما جاء في الحائض تتناول الشيء من المسجد. النسائي (1/ 192) 3 - كتاب الحيض والاستحاضة، 18 - باب استخدام الحائض. (1) النسائي: نفس الموضع السابق. (الخمرة) خصير صغير مصفورٌ من ليف أو غيره بقدر الكف. (ليست حيضتك في يدك) الحيضة - بكسر الحاء-: الحال التي تلزمها الحائض من التجنُّب والتحيُّض، كماقالوا: والقعدة، يريدون الجلوس والقعود، فأما الحيضة- بالفتح - فهي الدفعة الواحدة من دفعات الحيض. 657 - الدارمي (1/ 264) باب دخول الحائض المسجد. 659 - البخاري (1/ 423) 6 - كتاب الحيض، 21 - باب من اتخذ ثياب الحيض سوى ثياب الطهر. مسلم (1/ 243) 3 - كتاب الحيض، 2 - باب الاضطجاع مع الحائض في لحاف واحد. (خملية) الخميلة: كساء له خمل، أو إزار.

- حكم من واقع الحائض

659 - * روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كنت أشربُ من الإناء وأنا حائضٌ، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضعُ فاهُ على موضع فيِّ". وفي رواية أبي داود (1) والنسائي (2) قالت: كنت أتعرَّق العرق وأنا حائض، فأعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيضع فمه في الموضع الذي وضعت فمي فيه، وكنت أشرب من القدح فأناوله إياه، فيضع فمه في الموضع الذي كنت أشرب". وفي رواية (3): للنسائي عن شُريح بن هانئ "سألها: هل تأكل المرأة مع زوجها وهي طامث؟ قالت: نعم، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوني، فآكل معه وأنا عاركٌ، وكان يأخذ العرق فيُقسم عليَّ فيه، فآخذه فأتعرقُ منه، ويضع فمه حيث وضعت فمي من العِرْق، ويدعو بالشراب، فيُقسم عليَّ فيه، قبل أن يشرب منه، فآخذه فأشرب منه، ثم أضعه، فيأخذه فيشرب منه، ويضع فمه حيث وضعت فمي من القدح". 660 - * روى الترمذي عن عبد الله بن سعد الأنصاري رضي الله عنه قال: سألتُ النبي صلى الله عليه وسلم عن مُواكلة الحائض؟ فقال: "واكِلْها". - حكم من واقع الحائض: 661 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وقع الجل بأهله وهي حائض فليتصدق بنصف دينار". وفي رواية (4): أنه قال: "إذا أصابها أول الدم - والدمُ أحمر- فدينار وإذا

_ 659 - مسلم (1/ 245) 3 - كتاب الحيض، 3 - باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله. (1) أبو داود (1/ 68) كتاب الطهارة، 103 - باب في مؤاكلة الحائض ومجامعتها. (2) النسائي (1/ 190، 191) 3 - كتاب الحيض والاستحاضة، 15 - الانتفاع بفضل الحائض. (3) النسائي، الموضع السابق. (أتعرَّق العرْق) العرق: العظم عليه بقية اللحم، وتعرقه: إذا أكل ذلك اللحم الباقي عليه. (عارك) عركت المرأة تعرُك فهي عارك: إذا حاضت. 660 - الترمذي (1/ 240) أبواب الطهارة، 100 - باب ما جاء في مؤاكلة الحائض وسؤرها، وقال حديث حسن غريب. 661 - الترمذي (1/ 245) أبواب الطهارة، 103 - باب ما جاء في الكفارة في ذلك. (4) الترمذي نفس الموضع، وقال الشيخ: شاكر قد روي عن ابن عباس مرفوعا، وهو خطأ واضح، وحديث ابن =

أصابها في انقطاع الدم - والدمُ أصفر- فنصف دينار". وفي رواية (1): أبي داود أن النبي قال في الذي يأتي أهله وهي حائض، قال "يتصدق بدينارٍ، أو نصف دينارٍ". قال أبو داود: هكذا الرواية الصحيحة "دينار، أو نصف دينار" وربما لم يرفعه شعبة. وفي رواية (2): عنه قال: "إذا أصابها في الدم فدينار، وإذا أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار". وأخرج الرواية (3) الأولى من روايتي الترمذي، وقال: وروى الأوزاعي عن يزيد بن أبي مالك عن عبد الحميد بن عبد الرحمن-[وهو ابن زيد بن الخطاب القرشي العدوي]- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أمره أن يتصدق بخمسي دينار". وأخرج النسائي (4) رواية أبي داود الأولى. (الدينار) = مثقال من الذهب والمثقال العجمي = 4.80 غرامات والمثقال العراقي = 5 غرامات. أقول: قد اعتبر بعضهم أن الصدقة في هذا المقام من باب {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (5) (واتبع السيئة الحسنة تمحها) وليست من باب الكفارات، وقد نقل. 662 - * روى الدارمي عن الشعبي وسعيد بن جبير وابن سيرين وابن أبي مليكة وعطاء

_ عباس هذا قد روى بأسانيد كثيرة، وبألفاظ مختلفة، واضطربت فيه أقوال العلماء جدا، وقد وجدت له نحواً من خمسين طريقاً أو أكثر، وذكرها مفصلة يطول به الأمر كثيراً، فليراجع في موضعه في الهامش نفس الصفحات، ا. هـ. (1) أبو داود (1/ 69) كتاب الطهارة، 106 - باب في إتيان الحائض. (2) أبو داود، الموضع السابق. (3) أبو داود، الموضع السابق. (4) النسائي (1/ 188) 3 - كتاب الحيض والاستحاضة، 9 - ذكر ما يجب على من أتى حليلته في حال حيضها. (5) هود: 114. 662 - الدارمي (1/ 242) باب مباشرة الحائض.

ترك الحائض الصلاة والصوم وقضاؤها الصوم

والقاسم وغيرهم أنه ليس على من أتى امرأته وهي حائض إلا التوبة والاستغفار، كما نقل عن إبراهيم جواز إتيان الحائض في مراقها وبين أفخاذها وفي سرتها وفي إليتها ونقل عن مجاهد أن المحرم هو الدبر والفرج فقط ونقل عن قتادة ومجاهد تفسير الأذى في قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} (1) أنه القذر، وإنما ذكرنا هذا للإشارة إلى أن في أقوال الفقهاء من الرخص ما يتسع بحيث لا يحتاج الرجل إلى إتيان المرأة في القبل أثناء الحيض والنفاس، أما الدبر فمحرم في كل الأحوال. ترك الحائض الصلاة والصوم وقضاؤها الصوم: 663 - * روى البخاري عن عائشةرضي الله عنها "أن امرأة قالت لها: أتُجزيءُ إحدانا صلاتها إذا طهرتْ؟ فقالت: أحرُوريَّةٌ أنت؟ كنا نحيضُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يأمرنا به- أو قالت: فلا نفعله". وفي رواية (2): قالت مُعاذة: "سألت عائشة، فقلتُ: ما بال الحائض تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنتِ؟ قلتُ: لستُ بحروريةٍ، ولكني أسألُ، قالت: كان يُصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة". وفي أخرى (3): "أن امرأة سألت عائشة فقالت: أتقضي إحدانا الصلاة أيام محيضها، فقالت: أحرورية أنت؟ قد كانت إحدانا تحيضُ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لا تؤمرُ بقضاءٍ".

_ (1) البقرة: (222). 663 - البخاري (1/ 421) 6 - كتاب الحيض، 20 - باب لا تقضي الحائض الصلاة. (2) مسلم (1/ 265) 3 - كتاب الحيض، 15 - باب وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة. (يجزين) جزيت فلاناً على فعله: إذا فعلت معه ما يُقابل فعله، والمراد به هاهنا: القضاء، فإن منْ يقضي الصلاة الواجبة عليه فقد جُزيَ مثل ما فاته. (أحروريةُ؟) الحرورية: طائفة من الخوارج نزلوا قرية تسمى حرُوراء، كان أول اجتماعهم وتعاهدهم فيها. (3) مسلم، نفس الموضع السابق. وقولها لها: "أحرورية أنت؟ " تريد [به]: أنها خالفت السُّنة، وخرجت عن الجماعة، كما خرج أولئك عن جماعة المسلمين.

فائدة

فائدة: والحكمة في عدم التكليف بقضاء الصلاة لأن في قضاء الصلوات إحراجاً لتضاعف الصلوات لأنها خمس في كل يوم وليلة ولا حرج في قضاء الصوم لأنه في السنة مرة واحدة مع إفصاح النص وهو الأمر بقضاء الصوم فوجب. (الهداية مع البناية 1/ 636) (وهبي). 664 - * روى أبو داود ع أم بُسة - واسمها مُسَّة الأدية قالت: "حججتُ فدخلت على أم سلمة، فقلت: يا أم المؤمنين، إن سمُرة بن جُندب يأمر النساء أن يقضين صلاة المحيض؟ فقالت: لا يقضين، كانت المرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم تقعدُ في النفاس أربعين ليلة لا تصلي، ولا يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء صلاة لانفاس". قال الترمذي: وقد أجمع أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوماً، إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فإنها تغتسل، فإذا رأت الدم بعد الأربعين فإن أكثر أهل العلم قالوا: لا تدع الصلاة بعد الأربعين، وهو قول أكثر الفقهاء، وبه يقول سفيان الثوري، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، قال: ويروي عن الحسن البصري أنه قال: إنها تدع الصلاة خمسين يوماً إذا لم تر الطهر، ويروي عن عطاء بن أبي رباح والشعبي ستين يوماً. أقول: قولها من نساء النبي صلى الله عليه وسلم كانت تريد به زواته وسراريه، فلم يلد له بعد الهجرة إلا مارية، فإن لم تكن تريد مارية فالراجح أنها تريد أهل بيته كفاطمة ابنته رضي الله عنها وإنما ذكرنا هذا التأويل لأن المشهور أن السيدة خديجة رضي الله عنها توفيت قبل ليلة الإسراء وهي الليلة التي فرضت فيها الصلوات الخمس ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولد من غير خديجة إلا مارية سريته رضي الله عنها.

_ = وقيل: إنها شبهتها في سؤالها وتعنُّتها فيه بالحرورية، فإنهم يكثرون المسائل، ويتعنتون الناس بها امتحاناً وافتتاناً. قال الإمام العيني: وقيل كانوا يرون على الحائض قضاء الصلاة وشددوا في ذلك وكانوا يتعمقون في أمور الدين حتى خرجوا منه (البناية على الهداية) 1/ 635). 664 - أبو داود (1/ 83، 84) كتاب الطهارة، 121 - باب ما جاء في وقت النفساء، وهو حسن بشواهده.

مسائل تتعلق بالحائض والنفساء

مسائل تتعلق بالحائض والنفساء: 665 - * روى مالك عن مرجانة- مولاة عائشة قالت: "كان النساء يبعثن إلى عائشة بالدرجة فيها الكُرْسُف، فيه الصُّفرة من دم الحيضة، يسألنها عن الصلاة؟ فتقول لهن: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء - تريد بذلك الطهر من الحيضة". 666 - * روى الطبراني في الأوسط عن أم سلمة قالت: كانت إحدانا تحيض في الثوب فإذا كان يوم طهرها غسلتْ ما أصابه ثم صلتْ فيه وإن إحداكن اليوم تُفرغُ خادمها لغسل ثيابها يوم طهرها. 667 - * روى أبو داود عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "كانت النفساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تعُدُّ نفاسها أربعين يوما، أو أربعين ليلةً، وكنا نطْلي على وجوهنا الورس- يعني: من الكلف". وفي رواية (1): الترمذي قالت: "كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً، وكنا نطلي وجوهنا بالورس من الكلف". - أحكام المستحاضة: 668 - * روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها: "أن أمَّ حبيبة بنت جحشٍ - ختنةَ

_ 665 - الموطأ (1/ 59) 2 - كتاب الطهارة، 27 - باب طهر الحائض. البخاري (1/ 420) 6 - كتاب الحيض، 19 - باب إقبال المحيض وإدباره. (القصة): الجصُّ، ومعناه: أن تُخرج الخرقة أو القطنة التي تحتشي بها المرأة، كأنها قصة لا يخطالها صُفرة ولا كُدرة، وقيل: إن القصة شيء كالخيط يخرج بعد انقطاع الدم كله. 666 - مجمع الزوائد (1/ 282) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله موثقون. 667 - أبو داود (1/ 82) كتاب الطهارة، 121 - باب ما جاء في وقت النفساء. (1) الترمذي (1/ 256) أبواب الطهارة، 105 - باب ما جاء في كم تمكث النفساء، وهو حديث حسنٌ بشواهده. (الورسُ): نبت أصفر يُصبغ به، ويُتخذُ منه حمرة للوجه ليحسن اللون. (الكلَفُ) لون يعلو الوجه، يخالف لونه، يضرب إلى السواد والحمرة، والله أعلم. 668 - البخاري (1/ 426) 6 - كتاب الحيض، 26 - باب عرق الاستحاضة. مسلم (1/ 263) 3 - كتاب الحيض، 14 - باب المستحاضة وغسلها وصلاتها.

رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحت عبد الرحمن بن عوف - استحيضتْ سبع سنين، فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسل الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذه ليست بالحيضة، ولكن هذا عِرْقٌ، فاغتسلي وصلي"، قالت عائشة: فكانت تغتسلُ في مركنِ في حجرة أختها زينب بنت جحشٍ، حتى تلُو حمرةُ الدم الماء" قال ابن شهاب: فحدثت بذلك أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ابن هشام، فقال: يرحم الله هنداً، لو سمعت بهذه الفتيا؟ والله إن كانت لتبكي، لأنها كانت لا تصلي".هذا لفظ حديث مسلم. وهو عند البخاري مختصراً: أن أم حبيبة استُحيضت سبع سنين، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرها أن تغتسل، وقال: "هذا عِرقٌ"، فكانت تغتسلُ لكل صلاة. وفي رواية (1): نحوه إلى قوله: "حتى تعلُو حمرةُ الدم الماء". ولم يذكر ما بعده. وفي أخرى (2) قالت: استفتت أمُّ حبيبة بنت جحش رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أستحاضُ؟ فقال: "إنما ذلك عِرقٌ، فاغتسلي، ثم صلي"، فكانت تغتسل عند كل صلاة". قال الليث: ولم يكر ابن شهاب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أم حبيبة بنت جحش أن تغتسل عند كل صلاة، ولكنه شيء فعلته هي" [وفي رواية: "بنت جحش" ولم يذكر أم حبيبة]. ولمسلم (3): "أن أم حبيبة بنت جحش - التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف - شكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم الدم فقال لها: "امكُثي قدر ما كانت تحبسُك حيضتُك، ثم اغتسلي، فكانت تغتسل عند كل صلاة". وفي رواية (4): "ثم اغتسلي وصلي ... " وفيه، قالت عائشة: رأيت مِرْكنها ملآن دماً".

_ (1) مسلم (1/ 264) نفس الموضع. (2) مسلم (1/ 263) نفس الموضع. (3) مسلم (1/ 264) نفس الموضع السابق. (الختن): كل من كان من قِبَلِ المرأة كالأخ والأب. أم حبيبة بنت جحش حمنة أخت زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم. (4) مسلم، نفس الموضع السابق.

أقول: المستحاضة حال استحاضتها حكمها حكم المعذور الذي يجب عليه أن يتوضأ لوقت كل صلاة بعد دخول الوقت، ولا يعتبر عذره ناقضاً للوضوء في الوقت كله، فيصلي به ما شاء من الفرائض والنوافل وما فعلته حمنة بنت جحش من الاغتسال لوقت كل صلا كان فهماً لها كما قال ابن شهاب لم يُرده الرسول الله صلى الله عليه وسلم، والله أعلم. 669 - * روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: قالت فاطمة بنت أبي حُبيش- وأبو حبيش هو ابن المطلب بن أسد - لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني امرأةٌ أُستحاضُ فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ فقال لها رسلو الله صلى الله عليه وسلم: "إنما لك عرق، وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلي". وفي رواية (1): سفيان "فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرتْ فاغتسلي وصلي". وفي أخرى (2) "ولكن دعيالصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ثم اغتسلي وصلي". وفي أخرى لأبي (3) داود قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم ... فذكر خبرها، ثم قال: "اغتسلي، ثم توضئي لكل صلاة وصلي". وفي أخرى للنسائي (4): "أن فاطمة بنت أبي حبيش كانت تُستحاض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن دم الحيض دمٌ أسود يُعرفُ، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة، وإذا كان الآخر فتوضئي". أقول: تكرر من رسول الله صلى الله لعيه وسلم وصف الاستحاضة بأنها دم عرق أي إنها نزيف وليس

_ 669 - البخاري (1/ 409) 6 - كتاب الحيض، 8 - باب الاستحاضة. مسلم (1/ 262) 3 - كتاب الحيض، 14 - باب المستحاضة وغسلها وصلاتها. (1) البخاري (1/ 420) 6 - كتاب الحيض 19 - باب إقبال المحيض وإدباره. (2) البخاري (1/ 425) 6 - كتاب الحيض، 24 - باب إذا حاضت في شهر ثلاث حيضٍ. (3) أبو داود (1/ 82) كتاب الطهارة، 117 - باب من قال تتوضأُ لكل صلاة. (4) النسائي (1/ 85) 3 - كتاب الحيض والاستحاضة، 6 - الفرق بين دم الحيض والاستحاضة.

هو دم الحيض، والمعروف الآن أن دم الحيض إنما يكون أثراً عن انفجار بويضة المرأة كل شهر مرة ضمن وقت محدد، وما سوى ذلك نزيف فهذا المعنى من معجزاته عليه الصلاة والسلام وأعلام نبوته، فهذا شيء لا يعرف إلا بواسطة وحي في ذلك الزمن. 670 - * روى الطبراني في الصغير عن جابر أن فاطمة بنت قيس سألت رسول الله صلى الله عيه وسلم عن المستحاضة فقال: "تقعدُ أيام أقرائها ثم تغتسل عن كل طهرٍ ثم تحتشي وتصلي". 671 - * روى الطبراني في الأوسط عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر المستحاضة بالوضوء لكل صلاة. أقول: المراد بالنص والله أعلم: أن المرأة تجلس دون صلاة أيام عادتها ثم تغتسل ثم تتوضأ لوقت كل صلاة وتحاول أن تقطع الدم بالاحتشاء أو تخففه بالقدر الممكن، فإذا كان الدم ينقطع بالاحتشاء، ولا يظهر إلى الخارج مدة الصلاة فلا تعتبر من أصحاب الأعذار وفي هذه الحالة إذا خرج الدم فإنه ينقض وضوءها داخل الوقت وسيأتي معنا تفصيل لموضوع أهل الأعذار. 672 - * روى أبو داود عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه سلم في المستحاضة: "تدعُ الصلاة أيام أقرائها، ثم تغتسل وتصلي، والوضوء عند كل صلاة". زاد في رواية (1) "وتصوم وتصلي".

_ 670 - الروض الداني (1/ 153). مجمع الزوائد (1/ 280) وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، وقال البوصيري: رواه أبو يعلي وراجله ثقات. 671 - مجمع الزوائد (1/ 281) وقال الهيثمي: رجال الأوسط فيهم عبد الله بن محمد بن عتيل وهو مختلف في الاحتجاج به. (أيام أقرائها): أيام حيضها. 672 - أبو داود (1/ 80) كتاب الطهارة، 113 - باب من قال تغتسل من طهر إلى طهر. (1) أبو داود، نفس الموضع. الترمذي (1/ 220) أبواب الطهارة، 94 - باب ما جاء أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة، وهو حديث حسن.

أقول: قال المالكية يستحب للمستحاضة أن تتوضأ لكل صلاة وقال الحنفية والشافعية والحنابلة يجب على المستحاضة أن تتوضأ لوقت كل صلاة بعد أن تغسل فرجها وتعصبه وتحشوه بقطن وما أشبهه إلا إذا أضر بها الاحتشاء لكن الحنابلة أجازوا لها الجمع بين الصلاتين بوضوء واحد بحكم أنها مريضة وحمل آخرون الأحاديث التي وردت في الجمع على الجمع الصوري وذلك كأن كان الاحتشاء عندها يقطع الدم لفترة قليلة فعندئذ تؤخر صلاة الظهر إلى ما قبيل العصر، فتصليها حتى إذا دخل وقت العصر صلتها وكذلك المغرب والعشاء. 673 - * روى أبو داود عن حمْنه بنت جحش رضي الله عنها قالت: كنتُ أستحاض حيضةً كثيرةً شديدةً، فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أستفتيه وأخبره فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش، فقلت: يا رسول الله، إني أُستحاضُ حيضةً كثيرةً شديدة، فما ترى فيها؟ قد منعتني الصلاة والصوم، قال: "أنعتُ لك الكُرْسُف، فإنه يثذهب الدم"، قالت: هو أكثر من ذلك، قال: "فاتخذي ثوباً"، قالت: هو أكثر من ذلك، إنما أثُجُّ ثجَّا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سآمرك بأمرين، فأيهما فعلت أجزأ عنك من الآخر، وإن قويت عليهما، فأنت أعلمُ"، قال لها: "إنما هذه ركضعةٌ من ركضات الشيطان، فتحيضي ستة أيام، أو سبعة أيام في علم الله تعالى، ثم اغتسلي، حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت: فصلي ثلاثاً وعشرين ليلة، أو أربعا وعشرين ليلة وأيامها، وصومي، فإن ذلك يجزيك، وكذلك فافعلي كل شهر، كما تحيض النساء، وكما يطهرن، ميقات حيضهن وطهرهن، وإن قويتِ على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر، فتغتسلين وتجمعين بين الصلاتين (1): الظهر

_ 672 - أبو داود (1/ 76، 77) كتاب الطهارة، 110 - باب من قال إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة. (الكُرْسُف) القطن. (أثج ثجاً) ثججتُ الماء أثجه ثجاً: إذا أسلته وأجريته [بكثرة]، أرادت: أن دمها يجري جرياً كثيراً. (ركضعة من الشيطان) الركضةُ: الدفعة، أي: إن الشيطان قد حرك هذا الدم، وليس بدم حيض معتادٍ. قال الخطابيُّ: معناه: أن الشيطان قد وجد بذلك طريقاً إلى التلبيس عليها في أمرها وشأن دينها، ووقت طهرها وصلاتها، حتى أنساها ذلك، فصار في التقدير: كأنه ركضعة نالتها من ركضاته.

والعصر، وتؤخرين المغرب وتعجلي العشاء، ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين: فافعلي، وتغتسلين مع الفجر: فافعلي، وصومي إن قدرت على ذلك"، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وهذا أعجب الأمرين إليَّ". وقال: ورواه عمرو بن ثابت عن ابن عقيل، فقال: قالت حمنة: هذا أعجب الأمرين إليَّ. لم يجعله قول النبي صلى الله عليه وسلم. وفي رواية (1): الترمذي مثله إلى قوله: "فإنه يُذهب الدم" قالت: هو أكثر من ذلك، قال: "فتلجمي" قالت: هو أكثر من ذلك، قال: "فتخذي ثوبا"، قالت: هو أكثر من ذلك، إنما أثُجُّ ثجاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سامرُك بأمرين، أيهما صنعت أجزأ عنك، فإن قويت عليهما، فأنت أعلمُ"، فقال: "إنما هي ركضة من الشيطان ... " وذكر الحديث، وفيه: "ثم تغتسلين مع الصبح وتصلين". أقول: المذاهب الأربعة على عدم وجوب الغسل على المستحاضة من أجل دم الاستحاضة وقد رأينا توجيه ابن شهاب لما ورد في حق حمنة أنا فهمت من الغسل الشهري لانتهاء مدة حيضها أنه أمر بالغسل لوقت كل صلاة وعلى فرض أن الأمر ليس كذلك فالغسل محمول على الاستحباب، وجماهير الفقهاء على عدم جواز الجمع بين صلاتين للمستحاضة إلا ما ذهب إليه الحنابلة وحملوا الجمع هنا على الجمع الصوري. 674 - * روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: "استَحيضت امرأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأُمرتْ أن تُعجل العصر وتؤخر الظهر، وتغتسل لهما غسلاً، وأن تؤخر المغرب، وتعجل العشاء، وتغتسل لهما غسلاً، وتغتسل لصلاة الصبح غسلاً، قال: فقلت لعبد الرحمن [بن القاسم]: عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لا أُحدِّثك عن النبي صلى الله عليه وسلم بشيء".

_ (1) الترمذي (1 - 221، 225) أبواب الطهارة، 95 - باب ما جاء في المستحاضة. (الميقات): الوقت المعهود للحيض، وهو مِفعالٌ من الوقت. (تلجمي) التلجُّم: كالاستثفار، وهو أن تشد المرأة فرجها بخرقة عريضة توثق طرفيها في شيء آخر قد شدته على وسطها، بعد أن تحتشي قطنا، فتمنع بذلك الدم أن يجري أو يقطر. 674 - أبو داود (1/ 79) كتاب الطهارة، 112 - باب من قال تجمع بين الصلاتين وتغتسل لهما غسلاً.

وفي رواية (1): "أن سهلة بنت سهيل استحيضت، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فأمرها أن تغتسل عند كل صلاة، فلما جهدها ذلك أمرها أن تجمع بين الظهر والعصر بغُسل، والمغرب والعشاء بغسل، وتغتسل للصحب". وفي رواية (2): عند عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه: "أن امرأة استحيضت فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرها بمعناه". وفي رواية (3) النسائي: "أن امرأة مستحاضة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قيل لها: إنه عرقٌ عاندٌ، وأُمرتْ أن تؤخر الظهر وتعجل العصر، وتغتسل لما غسلاً واحداً، وتؤخر المغرب وتعجل العشاء، وتغتسل لهما غسلاص واحداً، وتغتسل لصلاة الصبح غسلاً واحداً". 675 - * روى أبو داود عن أسماء بنت عُميسٍ رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله إن فاطمنة بنت أبي حُبيش استحيضت منذ كذا وكذا، فلم تصلِّ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله! هذا من الشيطان، لتجلسْ في مركنٍ، فإذا رأت صُفرة فوق الماء فلتغتسل للظهر والعصر غُسلاً واحداً، وتغتسل للمغرب والعشاء غُسلاً واحداً، وتغتسل للفجر غسلاً واحداً، وتتوضأ فيما بين ذلك". وقال أبو داود: رواه مجاهد عن ابن عباس قال: لما اشتد عليها الغسل: أمرها أن تجمع بين الصلاتين. 676 - * روى مالك عن أم سلمة رض الله عنها أن امرأة كانت تُهراقُ الدماء في عهد

_ (1) أبو داود، نفس الموضع السابق. (2) أبو داود، نفس الموضع السابق. (3) النسائي (1/ 184) 3 - كتاب الحيض والاستحاضة، 5 - باب جمع المستحاضة بين الصلاتين وغسلهما إذا جمعت. 675 - أبو داود (1/ 79) كتاب الطهارة، 112 - باب من قال تجمع بين الصلاتين وتغتسل لهما غسلاً، وهو حديث صحيح. 676 - الموطأ (1/ 62) 2 - كتاب الطهارة، 29 - باب المستحاضة. أبو داود (1/ 71) كتاب الطهارة، 108 - باب في المرأة تستحاض. النسائي (1/ 182) 3 - كتاب الحيض والاستحاضة، 3 - باب المرأة يكون لها أيام معلومة تحيضها كل شهر.

رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتت لها أم سلمة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: "لتنظُرْ عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يُصيبها الذي أصابها، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر، فإذا خلفت ذلك فلتغتسل، ثم لتستثفِرْ بثوب، ثم لتُصلِّ". 677 - * روى أبو داود عن سُميّ- مولى أبي بكر بن عبد الرحمن أن القعقاع وزيد بن أسلم أرسلاه إلى سعيد بن المسيب يسأله: كيف تغتسلُ المستحاضة؟ قال: تغتسل من ظهر إلى ظهر، وتتوضأ لكل صلاة، فإن غلبها الدم استثفَرتْ بثوبٍ". قال أبو داود: وروي عن ابن عمر وأنس بن مالك تغتسل "من ظهر إلى ظهر". وكذلك روى داود [بن أبي هند] وعاصم [بن سليمان] عن الشعبي عن امرأته عن قميرٍ عن عائشة، إلا أن داود قال: كل يوم وفي حديث عاصم عند الظهر وهو قول سالم بن عبد الله، والحسن، وعطاء، [قال أبو داود: قال مالك: إني لأظن حديث ابن المسي بمن طهر إلى طهر، فقلبها الناس من ظهر إلى ظهر]. 678 - * روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت" لقد اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة منأزواجه مستحاضة، فكانت ترى الدم والصُّفرة، وهي تصلي، وربما وضعت الطست تحتها وهي تصلي. 679 - * روى مالك عن عبد الله بن سفيان قال: كنت جالساً مع ابن عمر، فجاءته امرأة تستفتيه، فقالت: إني أقبلت أريد أن أطوف بالبيت، حتى إذا كنت عند باب المسجد هرقت الدماء، فرجعت حتى ذهب ذلك عني، ثم أقبلت حتى إذا كنت عند باب المسجد: هرقت الدماء، فرجعت حتى ذهب ذلك عني، ثم أقبلت حتى إذا كنت عند باب المسجد

_ (خلفتُ) الشيء: إذا تركته وراءك وجاوزته إلى غيره. 677 - أبو داود (1/ 81) كتاب الطهارة، 114 - باب من قال المستحاضة تغتسل من ظهر إلى ظهر. 678 - البخاري (1/ 411) 6 - كتاب الحيض، 10 - باب الاعتكاف للمستحاضة. أبو داود (2/ 334) كتاب الصوم، 78 - باب في المستحاضة تعتكف. 679 - الموطأ (1/ 371) 20 - كتاب الحج، 40 - جامع الطواف، وإسناده صحيح.

فائدة

هرقت الدماء، فقال عبد الله بن عمر: إنما ذلك ركضة من الشيطان، فاغتسلي، ثم استثفري بثوبٍ، ثم طوفي". فائدة: في بيان الواجب على المستحاضة دائمة الدم: قال الشيخ ظفر أحمد: ثم اعلم أن ما في رواية الحاكم (ثم لتغتسل في كل يوم غسلاً واحداً) وكذا وما رواه أبو داود عن أسماء بنت عميس قالت قلت: يا رسول الله إن فاطمة بنت أبي حبيش استحيضت منذ كذا وكذا فلم تصل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "سبحان الله إن هذا من الشيطان لتجلس في مركن، فإذا رأت صفرة فوق الماء فلتغتسل للظهر والعصر غسلاً واحداً وتغتسل للمغرب والعشاء غسلاص واحداً وتغتسل للفجر غسلاً واحداً وتوضأ فيما بين ذلك" قال أبو داود رواه مجاهد عن ابن عباس "لما اشتد عليها الغسل أمرها أن تجمع بين الصلاتين" وفي عون المعبود (قال المنذري حسن) فكل ذلك محمول على الاستحباب ويدل على أن الواجب عليها غسل واحد ما رواه الطبراني في الوسط بإسناد حسن كما في العزيزي (3/ 377) عن بن عمرو بن العاص مرفوعاً (المستحاضة تغتسل من قرء إلى قرء) وهو ظاهر حديث ابن حبان ثم اعلم أن فقهاءنا قاسوا كل معذور على المستحاضة في الحكم. ا. هـ إعلاء السنن (1/ 262 - 263) تعليقاً (وهبي). 680 - * روى أبو داود عن عكرمة قال: عن حمنة بنت جحشٍ "أنها كانت مستحاضة، وكان زوجها يُجامعها" 681 - * روى أبو داود عن أم عطية رضي الله عنها قالت: "كنا لا نعدُّ الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئاً". أقول: قال فقهاء الحنفية ووافقهم آخرون: إن أقل الطهر بين الحيضتين خمسة عشر

_ 680 - أبو دود (1/ 83) كتاب الطهارة، 120 - باب المستحاضة يغشاها زوجها، وإسناده حسن. 681 - أبو داود (1/ 83) كتاب الطهارة، 119 - باب في المرأة ترى الكدرة والصفرة بعد الطهر. النسائي (1/ 186) 3 - باب الحيض والاستحاضة 7 - الصفرة والكدرة. وهو حديث صحيح.

يوماً، فما تراه المرأة في مدة الطهر لا يعتبر حيضاً، وقال فقهاء الحنفية إذا استمر الحيض بأي لون من ألوان الدم إلى ما بعد عادة المرأة وكانت عادتها أقل منعشر فإنها تنتظر حتى العشر فإن طهرت بالعشر اعتبر ذلك كله حيضاً وإن زاد على العشر اعتبر ما زاد على عادتها الأصلية استحاضة، فتغتسل في نهاية الشعر وتقضي ما فاتها من صلاة فيما تركته بعد انقضاء عادتها. كذر في إعلاء السنن (1/ 257) عن علي رضي الله عنه أنه قال: إن الله رفع الحيض عن الحبلى وجعل الدم مما تغيض الأرحام، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال إن الله رفع الدم عن الحبلى وجعله رزقاً للولد. انظر الجوهر النقي (2/ 132) ويقرر الطب الآن أن الدم في حال الحمل يكون دم استحاضة دون حيض فلا يكون دم عادة. أقول: ونقل الدارمي عن الحسن وإبراهيم وعطاء والحكم بن عتبة أن الحامل إذا رأت الدم فهي بمنزلة المستحاضة لاتدع الصلاة وذكر عن عبد الله بن مسعود أن المرأة إذا حزبها الطلق ورأت الدم على الولد فإنها تصلي ما لم تضع وعند الحنفية أنها تصلي ما لم يظهر أكثر الولد وفائدة المسألة تظهر في القضاء فلو أنه ظهر أقله قبل العصر ثم ولدت بعد العصر فإن عليها قضاء صلاة لاظهر إذا لم تكن صلتها كما أن عليها قضاء العصر.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد - لم يعتبر الحنفية النية فرضاً في غسل أو وضوء، فلو أن إنساناً كان جنباً أو كانت امرأة حائضاً أو نفساء وألقى أو ألقت نفسها في ماء كثير بحيث أصاب كل جسمه أو جسمها فإنه يخرج طاهراً وتخرج طاهرة من الحدث الأكبر والأصغر ولو لم توجد النية وقالوا لو انغمس أو انغمست في الماء الجاري أو ما في حكمه ومكث أو مكثت فقد أكملت السُّنة مع الفرض. - قال في كتاب اللباب (1/ 16) وهو حنفي: (والمعاني الموجبة الغسل إنزال): أي انفصال (المني) وهو ماء أبيض خائر ينكسر منه الذكر عند خروجه تشبه رائحته الطلع رطباً ورائحة البيض يابساً (على وجه الدفق): أي الدفع (والشهوة): أي اللذة عند انفصاله عن مقره، ون لم يخرج من الفرج كذلك، وشرطه أبو يوسف، فلو احتلم وانفصل منه بشهوة فلما قارب الظهور شد على ذكره حتى انكسرت شهوته ثم تركه فسال بغير شهوة: وجب الغسل عندهما، خلافاً له، وكذا إذا اغتسل المجامع قبل أن يبول أو ينام ثم خرج باقي منيه بعد الغسل وجب عليه إعادة الغسل عندهما، خلافاً له، وإن خرج بعد البول أو النوم لا يعيد إجماعاً. ا. هـ. - يسن عند الشافعية والحنابلة: أن تُتْبع المرأة بعد غسلها محل دم الحيض والنفاس مسكاً أو طيباً أو ماء فتجعله في قطنة أو غيرها وتدخله فرجها ليقطع رائح الحيض أو النفاس إلا إذا كانت محرمةً أو معتدةً بوفاة زوج. - لا يسن تجديد الغسل بخلاف الوضوء، فيسن تجديده إذا صلى بالأول صلاة ما. - يتميز دم الحيض عن دم الاستحاضة بلونه وشدته ورائحته الكريهة وهذا مهم عند من يرى أن المستحاضة يمكن أن تستأنس على حيضها أو استحاضتها من خلال التفريق بين أنواع الدم. - قال الحنفية: المستحاضة إما مبتدأة وهي التي ابتدأها الدم مع البلوغ أو في أول نفاس ثم استمر، أو معتادة وهي التي سبق لها دم وطهر صحيحان، أو متحيرة وهي التي نسيت عادتها، أما المبتدأة فيقدر حيضها بعشرة أيام وطهرها بعشرين يوماً من كل شهر.

وأما المعتادة فترد إلى عادتها المعروفة في الحيض والطهر، وما زاد على ذلك فهو استحاضة، وأما المتحيرة فهذه تأخذ بالأحوط في حق الأحكام الشرعية وذلك يسبب لها حرجاً كثيراً، فهي عليها عندهم ان تجتنب ما تجتنبه الحائض من قراءة القرآن ومسه ودخول المسجد ونحو ذلك ولا يأتيها زوجها وتغتسل لكل صلاة فتصلي به الفرض والوتر وتقرأ به ما تجوز به الصلاة ولا تزيد. والأرفق بها أن تأخذ بمذهب الحنابلة ومن كلامهم في هذا الشأن: المتحيرة وهي التي تحيرت في حضها بجهلها عادتها وعدم التمييز ولها أحوال ثلاثه: أولاً: الناسية لوقت عادتها وعددها، يكون حيضها في كل شهر ستة أيام أو سبعة بحسب اجتهادها ورأيها فيما يغلب على ظنها أنه أقرب إلى عادتها أو ما يكون أشبه بكونه حيضاً ثم تغتسل وتعتبر فيما بعد ذلك مستحاضة تصوم وتصلي إلى غير ذلك. ثانياً: الناسية عدد عادتها وتذكر وقتها كالتي تعلم أن حيضها في العشر الأول من الشهر ولا تعلم عدده فحكمها كالحالة الأولى تُردُّ إلى غالب الحيض ست أو سبع في أصح الروايتين. ثالثاً: الناسية لوقتها دون عددها بأن لم تدرِ أكانت تحيض في أول الشهر أو أوسطه أو آخره فحكمها أن تجعل أيام حيضتها من أول كل شهر هلالي. وهذا كله إذا لم تكن قادرة على التمييز بين دم الحيض ودم الاستحاضة. (انظر المغني 1/ 321).

الفقرة الثامنة: في التيمم عرض إجمالي

الفقرة الثامنة: في التيمم عرض إجمالي قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} (1). لقد ذكرنا من قبل أن الصلاة هي أرقى العبادات، ولذلك اشترط لها شروط خاصة منها: الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر، كما اشترطت الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر لبعض العبادات الأخرى، وذلك لأهمية هذه العبادات، ورأينا أن مادة الطهارة هي الماء، فإذا تعذر الوصول إليه، أو تعذر استعماله فقد جعل الشارع بديلاً عن ذلك هو التيمم وحكمة ذلك والله أعلم: التيسير من جهة، وأن يشعر المسلم أهمية الصلاة والعبادات الأخرى المنوطة بالطهارة حتى لا تؤدي إلا بشروط أصيلة أو بديلة. وعرف الحنفية التيمم بأنه مسح الوجه واليدين من صعيد مطهر، والنية شرط له، وهو ينوب عن الوضوء وعن الغسل للجنابة والحيض والنفاس. والتيمم ينوب عن الماء في كل ما يتطهر له من صلاة مفروضة أو نافلة أو مس مصحف أو قراءة قرآن أو سجود تلاوة أوشكر أو مكث في مسجد إذا توافرت شروط جواز التيمم. قال الحنفية: يجوز التيمم قبل الوقت ولأكثر من فرض ولغير الفرض من النوافل، ويرتفع به الحدث إلى وقت وجود الماء أو القدرة على استعماله، فإذا أصابه حدث انتقض، ونواقضه نواقض الوضوء، وقال المالكية والشافعية والحنابلة: لا يصح التيمم إلا بعد دخول وقت ما يتيمم له من فرض أو نفل. والنوافل المطلقة يتيمم لها وقت ما شاء إلا في أوقات الكراهة المنهي عن الصلاة فيها، واتفق أئمة المذاهب الأربعة على أن الأفضل تأخير التيمم لآخر الوقت إن رجا وجود الماء حينئذ، فإن يئس من وجوده استحب تقديمه أول الوقت، وقال أحمد: إن تأخير التيمم

_ (1) المائدة: 6.

أولى بكل حال. وقيد الشافعية أفضلية الانتظار فيما إذا تيقن وجود الماء آخر الوقت والحنفية لا يرون التأخير لوقت الكراهة. قال الحنفية: إذا تيمم للنفل يجوز له أن يؤدي به النفل والفرض، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: يجوز للمتيمم أن يؤم المتوضئين إذا لم يكن معهم ماء. والأعذار المبيحة للتيمم: فقد الماء الكافي للوضوء أو الغسل، وفقد القدرة على الاستعمال والمرض المانع من استعمال الماء أو الذي يزيد مدته أو يزداد، والحاجة إلى الماء في الحال أو المستقبل والخوف على النفس أو المال لو طلب الماء، والخوف من الموت، أو على منفعة عضو من أعضائه من شدة البرد إذا استعمل الماء، وفقد آلة استخراج الماء من دلو وحبل، وهناك تفصيلات في كثير من مسائل التيمم تراجع في كتب الفقه. واتفق الفقهاء على أن من تيمم لفقد الماء أو للعجز عن استعماله وصلى ثم وجد الماء أو قدر على استعماله بعد خروج الوقت لا إعادة عليه، وقال الحنفية والمالكية والحنابلة: لا إعادة عليه ولا قضاء بعد أن يصلي ولو زالت الأسباب المبيحة للتيمم في الوقت، وإذا وجد الماء أوزالت الأسباب المبيحة للتيمم والمصلي في صلاته تبطل صلاته. وللتيمم فرائض منها: النية باتفاق المذاهب الأربعة، ومنها: مسح الوجه واليدين مع الاستيعاب، والمطلوب في اليدين عند الحنفية والشافعية مسحهما إلى المرفقن كالوضوء، وعند المالكية والحنابلة إلى الرسغين، أما إلى المرفقين فسنة، والمفروض عند الحنفية والشافعية ضربتان: ضربة للوجه وضربة لليدين، وقال المالكية والحنابلة: الفريضة الضربة الأولى: أي ضرب الكفين على الصعيد، وأما الضربة الثانية فهي سنة. واتفق الفقهاء على وجوب نزع الخاتم في التيمم ولا يجب إيصال التراب إلى منبت الشعر الخفيف فضلاً عن الكثيف، ومن الفرائض عند الشافعية والحنابلة الترتيب بين عضوي التيمم، فالوجه أولاً ثم اليدان، وعند الحنفية والمالكية: مستحب، ومن الفرائض عند الحنابلة والمالكية: الموالاة وقيدها الحنابلة بغير الحدث الأكبر، وقال الشافعية والحنفية:

الموالاة سنة، ومن الفرائض أن يكون التيمم بالصعيد الطاهر، وقد اختلف الفقهاء في تعريف الصعيد، ومن كلام المالكية: الصعيد كل ما صعد على الأرض من أجزائها كتراب ورمل وحجارة وحصى، ويجوز التيمم عندهم على الجليد وهو الثلج المجمد من الماء، ومن كلام الحنفية: يجوز التيمم بكل ما كان من جنس الأرض كالتراب والغبار والرمل والحجر والكلس والكحل والزرنيخ، ويجوز عند المالكية والحنفية التيمم بحجر أو صخرة لا غبار عليهما وبتراب نديٍّ لا يعلق باليد منه غبار، كجرة ماء، كما يجوز التيمم بالغبار كأن ضرب يده على ثوب أو لبد فارتفع غبارٌ. وكيفية المسح: أن يُمِرَّ اليد اليسرى على اليمنى من فوق الكف إلى المرفق ثم باطن المرفق إلى الرسغ، ثم يمر اليمنى على اليسرى كذلك، وكيفما فعل أجزأه إذا أوعب، واتفق الفقهاء على أنه إذا تيمم بأكثر من ضربتين جاز. ومن سنن التيمم التسمية في أوله وتفريج الأصابع حين الضرب على الصعيد، والضرب على الصعيد بباطن الكفين وإقبال اليدين وإدبارهما على الصعيد ثم نفضهما، والصمت واستقبال القبلة والتيامن والبدء بأعلى الوجه، والسواك، وتسن صلاة ركعتين عقبه كالوضوء. ونواقض التيمم كل ما ينقض الوضوء والغسل، وزوال العذر المبيح له، والقدرة على استعمال الماء الكافي ولو مرة إذا وجد، وهناك صورة يذكرها الفقهاء وهي التي يسمون صاحبها فاقد الطهورين وهو الذي يفقد الماء والصعيد: كأن حبس في مكان ليس فيه واحد منهما أو في موضع نجس أو كان مصلوباً أو راكب سفينة لا يصل إلى الماء، أو من عجز عن الوضوء والتيمم معاً كمرض ونحوه كمن كان به قروح لا يستطيع معها مس البشرة بوضوء ولا تيمم، فعند الحنفية والشافعية تجب عليه الصلاة وعليه الإعادةوالقضاء، وقال الحنابلة لا تجب عليه الإعادة، وقال المالكية: تسقط عنه الصلاة أداءً وقضاءً، ولا يصح لفاقد الطهورين أن يؤم متطهراً بماء أو تراب، ويصح أن يؤم مثله (1) وإلى نصوص هذه الفقرة.

_ (1) انظر: حاشية ابن عابدين 1/ 153 وما بعدها، الشرح الصغير 1/ 179 وما بعدها، المهذب 1/ 32 وما بعدها، المغني 1/ 234 وما بعدها اولفقه الإسلامي 1/ 416 وما بعدها.

682 - * روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء - أو بذات الجيش- انقطع عقدٌ لي، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه، وأقام الناس معه، وليسوا على ماء، وليس معهم ماءٌ، فأتى الناسُ إلى أبي بكر، فقالوا: ألا ترى إلى ما صنعتْ عائشةُ؟ أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالناس معه، وليسوا على ماء، وليس معهم ماءٌ، فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضعٌ رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبستِ رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس، وليسوا على ماءٍ، وليس معهم ماءً؟ فقالت عائشة: فعاتبني أبو بكر، وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعنُ بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التحرُّك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماءٍ، فأنزل الله تعالى آية التيمم، فتيممُوا، فقال أُسيدُ بن حُضير- وهو أحد النقباء-: ما هي بأول بركتكُمْ يا آل أبي بكر، قالت عائشة" فبعثنا البعير الذي كنت عليه، فوجدنا العقد تحتهُ. وفي رواية (1): أن عائشة قالت: سقطتْ قلادةٌ لي بالبيداء، ونحن داخلون المدينة، فأناخ النبي صلى الله عليه وسلم، ونزل، فثنى رأسه في حجري راقداً، فأقبل أبو بكر فلكزني لكزة شديدة؛ وقال: حبست الناس في قلادةٍ، فبي الموتُ لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أوجعني، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ وحضرتِ الصبحُ، فالتمس الماء فلم يوجدْ، فنزلت: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (2) قال أُسيدُ بن حضير: لقد بارك الله للناس فيكم يا آل أبي

_ 682 - البخاري (1/ 431) 7 - كتاب التيمم، 1 - باب حدثنا عبد الله بن يوسف، و (7/ 20) 62 - كتاب فضائل الصحابة، 5 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذاً خليلاً. مسلم (1/ 279) 3 - كتاب الحيض، 28 - باب التيمم. (1) البخاري (8/ 273) 65 - كتاب التفسير، 3 - باب (فلم تجدواماءً فتيمموا صعيداً طيباً. (2) المائدة: 6.

بكرٍ، ما أنتم إلا بركةٌ لهم". وفي أخرى (1): "أنها استعارتْ من أسماء قلادةً، فهلكتْ، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناساً منأصحابه في طلبها، فأدركتهم الصلاة، فصلوا بغير وضوءٍ، فلما أتوا النبي صلى الله لعيه وسلم شكوا ذلك إليه، فنزلت آيةُ التيمم، فقال أُسيد بنُ حضير: جزاك الله خيراً، فوالله ما نزل بك أمر قطُّ إلا جعل الله لك منه مخرجاً، وجعل للمسلمين في بركةً". وفي رواية (2) أبي داود قالت: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أُسيد بن حُضير وأُناساً معه في طلب قلادةٍ أضلتها عائشةُ، فحضرت الصلاة، فصلوا بغير وضوءٍ، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فذكروا ذلك له، فأُنزلت آية التيمم". زاد في رواية (3): "فقال لها أُسيد: "يرحمُك الله، ما نزل بك أمرٌ تكرهينهُ إلا جعل الله للمسلمين ولك فيه فرجاً". 683 - * عن شقيق بن سلمة الأسدي قال: "كنتُ جالساً مع عبد الله بن مسعود أبي

_ (1) مسلم، نفس الموضع السابق. (2) أبو داود (1/ 86) كتاب الطهارة، 123 - كتاب التيمم. (3) أبو داود، نفس الموضع السابق. (البيداء) المفازة لا شيء فيها وهي هنا ذو الحليفة اسم موضع قرب المدينة من طريق مكة وإذا ذكرت في السنة ففي الغالب أنها هي المرادة. وفي الحديث دليل على تأديب الرجل أهله وولده وإن لم يكن سلطاناً حيث طعن أبو بكر خاصرة عائشة. (التيمم) في اللغة: القصد: وهو في الشريعة: الفعل المعروف القائم مقام الوضوء (النُّقباء) جمع نقيب: وهو المقدم على جماعة يكون أمرهم مردوداً إليه، كالعريف أو أكبر منه، والمراد بالنقباء: رؤساء الجماعة من الأنصار الذين أسلموا في العقبة، وأصحاب العقبة هم سُبَّاق الأنصار إلى الإسلام، جعلهم النبي صلى الله عليه وسلم نقباء على قومهم، وكان أُسيد بن حضير منهم. (فبعثنا) بعثتُ البعير وغيره: إذا أثرتَهُ ليقوم. (فثنى رأسه في جري) أي عطفه ولوا. (فلكزني) اللكزُ والنخس واحد (ابن الأثير). أقول: وقعت هذه الحادثة في غزوة بني المصطلق التي تسمى غزوة المريسيع وكانت في السنة السادسة للهجرة. 683 - البخاري (1/ 455، 456) 7 - كتاب التيمم، 8 - باب التيمم ضربة. مسلم (1/ 280) 3 - كتاب الحيض، 28 - باب التيمم.

موسى، فقال أبو موسى: أرأيت يا أبا عبد الرحمن: لو أن رجلاً أجنبَ، فلم يجِد الماء شهراً: كيف يصنع بالصلاة؟ فقال عبد الله: لا يتيمم، وإن لم يجد الماء شهراً، فقال أبو موسى: فكيف بهذه الآية في سورة المائدة: (فلم تجدوا ماء) (1)؟ فقال عبد الله: لو رُخِّص لهم في هذه الآية لأوشك إذا برد عليهم الماء أن يتيمَّمُوا بالصعيد، قلت: وإن كرهتم هذا لذا؟ قال، نعم، فقال أبو موسى لعبد الله: ألم ستمعْ قول عمارٍ لعمر: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجبتُ، فلم أجد الماء، فتمرغت في الصعيد كما تمرغُ الدابةُ، ثم أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرتُ ذلك له، فقال: "إنما يكفيك أن تصنع هكذا - وضرب بكفيه ضربةً على الأرض - ثم نفضها، ثم مسح بها ظهر كفه بشماله - أو ظهر شماله بكفه - ثم مسح بها وجهه؟ ". وعند مسلم (2): "إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا، ثم ضرب بيديه إلى الأرض ضربةً واحدةً، ثم مسح الشمال على اليمين، وظاهر كفيْهِ ووجهه - فقال عبد الله: أو لم ترَ عمر لم يقنعْ بقول عمار؟. وفي رواية (3): قال أبو موسى: فدعنا من قول عمارٍ، فكيف تصنع بهذه الآية؟ فما دري عبد الله ما يقول؟ ". وفي أخرى (4): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما كان يكفيك أن تقول هكذا، وضرب بيديه الأرض، فنفض يديه، فمسح وجهه وكفيه". أخرجه البخاري ومسلم، إلا أن مسلماً لم يقل: فقال: إنما كرهتُم هذا لذا؟ قال: نعم. أقول: كانت مناقشة عبد الله بن مسعود في مرحلة، ثم انعقد الإجماع، وحديث عمار هذا أخذ به المالكية والحنابلة ولكنهم استحبوا المسح إلى المرفقين ولم يأخذ به الحنفية

_ (1) المائدة: 6. (2) مسلم، الموضع السابق. (3) البخاري، (1/ 455) 7 - كتاب التيمم، 7 - باب إذا خاف الجنب على نفسه المرض أو الموت أو العطش تيمم. (4) مسلم، الموضع السابق.

والشافعية وقالوا لابد من مسح اليدين إلى المرفقين كالوضوء، وتأولوا حديث عمار، ورأوا أن الآية ذكرت الأيدي والتيمم بدلاً عن الوضوء، والمراد بالأيدي هنا المراد بها في الوضوء، خاصة وأن هناك روايات لحديث عمار تحتمل هذا المعنى، وهي توافق القياس العام فقدمت على حديث الآحاد. 684 - * روى البزار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصعيدُ وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرة، فإن ذلك خير". 685 - * روى الطبراني عن حكيم بن مُعاويةَ عن عمه قال: قلتُ يا رسول الله إني أغيب الشهر عن الماء ومعي أهلي فأصيب منهم قال: "نعم": قلتُ يا رسول الله إني أغيب أشهراً قال: "وإن غبت ثلاث سنينَ". 686 - * روى الدارمي عن عمار بن ياسرٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في التيمم: "ضربة للوجه والكفين". 687 - * روى الشيخان عن عبد الرحمن بن أبزي: أن رجلاً أتى عمر فقال: إني أجنبتُ، ولم أجد ماءً؟ فقال: لا تصلِّ، فقال عمار: أما تذكر يا أمير المؤمنين: إذ أنا وأنت في سريةٍ، فأصابتنا جنابةٌ، فلم نجد الماء، فأما أنت: فلم تُصلَّ، وأما أنا: فتمعكتُ في التراب وصليتُ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما يكفيك: أن تضرب بيديك الأرض، ثم تنفخ، ثم تمسح بهما وجهك وكفيك؟ " فقال عمر: اتق الله يا عمار، فقال: إن شئتَ لم أُحدِّثْ به، فقال عمرُ: نوليك ما توليْتَ.

_ 684 - كشف الأستار (1/ 157) باب التيمم. مجمع الزوائد (1/ 261) وقال الهيثمي: رواه البزار وقال لا نعلمه يروى عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه، قلت ورجاله رجال الصحيح. 685 - مجمع الزوائد (1/ 263) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، وإسناده حسن. 686 - الدارمي (1/ 190) باب التيمم ضربة واحدة، قال عبد الله صح إسناده. 687 - البخاري (1/ 443) 7 - كتاب التيمم، 4 - باب المتيمم هل ينفخ فيهما؟ مسلم (1/ 280، 281) 3 - كتاب الحيض، 38 - باب التيمم.

وفي رواية (1) أبي داود قال: كنتُ عند عمر، فجاءه رجلٌ، فقال: إنا نكون بالمكان الشهر والشهرين؟ فقال عمر: أما أنا فلم أكن أصلي حتى أجد الماء، قال: فقال عمار: يا أمير المؤمنين، أما تذكُرُ إذ كنتُ أنا وأنت في الإبل، فأصابتنا جنابةٌ، فأما أنا فتمعكتُ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرتُ ذلك له، فقال: إنما كان يكفيك أن تقول هكذا، وضرب بيديه إلى الأرض، ثم نفخهما، ثم مسح بهما وجهه ويديه إلى نصف الذراع؟ فقال عمر: يا عمار، اتق الله، فقال: يا أمير المؤمنين، إن شئت والله لم أذكره أبداً، فقال عمر: كلا والله، لنولينك من ذلك ما توليتَ. وهناك روايات متعددة عن عمار وغيره تذكر الذراعين والمرفقين والآباط والمناكب وهي بمجموعها يقوي بعضها بعضاً لذلك ذهب من ذهب من الأئمة إلى وجوب مسح اليدين إلى المرفقين احتياطاً لهذه الروايات وقياساً على الوضوءؤ. وترجم البخاري لأحد الأبواب بقوله (باب التيمم للوجه والكفين) قال الحافظ: أي هو الواجب المجزئ، وأتى بذلك بصيغة الجزم مع شهرة الخلاف فيه لقوة دليله، فإن الأحاديث الواردة في صفة التيمم لم يصح منها سوى حديث أبي جهيم وعمار، وما عداهما فضعيف أو مختلف في رفعه ووقفه، والراجح عدم رفعه. فأما حديث أبي جهيم فورد بذكر اليدين مجملاً، وأما حديث عمار فورد بذكر الكفين في الصحيحين وبذكر المرفقين في السنن، وفي رواية إلى نصف الذراع، وفي رواية إلى الآباط. فاما رواية المرفقين وكذا نصف الذراع ففيهما مقال، وأما رواية الآباط فقال الشافعي وغيره: إن كان ذلك وقع بأمر النبي صلى الله عليه وسلم فكل تيمم صح للنبي صلى الله عليه وسلم بعده فهو ناسخ له، وإن كان وقع بغير أمره فالحجة فيما أمر به. ومما يقوي رواية الصحيحين في الاقتصار على الوجه والكفين كون عمار كان يفتي بعد النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وراوي الحديث أعرف بالمراد به من غيره ولا سيما الصحابي

_ (1) أبو داود (1/ 88) كتاب الطهارة، 123 - باب التيمم. (سرية) السرية: قطعة من الجيش تبلغ أربعمائة ينفذون في مقصد. (فتمعكتُ) التمعُّك: التمرُّغُ في التراب. (نوليك ما تلويت) أي: نكِلُك إلى ما قلت، ونرُدُّ إليك ما وليته نفسك، ورضيت لها به.

فائدة

المجتهد. اهـ. فائدة: 688 - * روى الدارقطني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله ليه وسلم: "التيمم ضربتان ضربةٌ للوجه وضربةٌ لليدين إلى المرفقين". وقال الخطابي شارح سنن أبي داود: على الكفين أصح في الرواية، ووجوب الذراعين أشبه بالأصول وأصح في القياس قلت - العيني - لأن الله تعالى أوجب في الوضوء غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس في صدر الآية وأسقط منها عضوين في التيمم فبقي العضوان فيه على ما كانا في الوضوء وإنما ذكر الوجه واليدين لجل إسقاط العضوين الآخرين إذ لولا ذلك لم يحتج إلى ذكرهما، لأنه كان يؤخذ حكمه من الوضوء ا. هـ (البناية على الهداية للعيني) (1/ 496) (وهبي). أقول: قال الحنفية والشافعية: التيمم ضربتان: ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين وذلك هو الواجب، وقال المالكية والحنابلة: التيمم الواجب: ضربة واحدة للوجه واليدين، وتستحب ضربتان، أخذاً من حديث عمار، والملاحظأن الروايات عن عمار مختلفة، ولإنكار عمر عليه وزنٌ عند من رجح الاتجاه الآخر. 689 - * روى الشيخان عن عمران بن حُصينٍ رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً معتزلاً لم يُصلِّ في القوم، فقال: "يا فلانُ، ما منعك أن تُصلي مع القوم؟ فقال: يا رسول الله أصابتني جنابةٌ، ولا ماء، فقال: عليك بالصعيد، فإنه يكفيك".

_ 688 - الدارقطني (1/ 180) باب التيمم، وصحح وقفه ورفعه أبو حنيفة رحمه الله تعالى، انظر عقود الجواهر المنيفة للزبيدي (1/ 40). 689 - البخاري (1/ 457) 7 - كتاب التيمم، 9 - باب حدثنا عبدان. مسلم (1/ 574، 575) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 55 - باب قضاء الصلاة الفائتة، واستحباب تعجيل قضاءها، أخرجه مسلم في جمله من حديث طويل. النسائي (1/ 171) كتاب الطهارة، 202 - باب التيمم بالصعيد.

690 - * روى أحمد عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: اجتمعت غنيمة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا أبا ذر، أبدُ فيها، فبدوت إلأى الربذة، فكانتُ تُصيبني فسكتُّ، فقال ثكلتك أمك أبا ذرٍّ، لأمك الويلُ، فدعا لي بجارية سوداء، فجاءت بعسٍّ فيه ماءٌ، فسترتني بثوب، واستترت بالراحلة، واغتسلتُ، فكأني ألقيت عني جبلاً. فقال الصعيدُ الطيب وضوء المسلمولو إلى عشر سنين، فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك، فإن ذلك خير". 691 - * روى الطبراني عن قتادة رضي الله عنه قال بلغنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم لما نزلتْ هذه الآية (ے ولا جنبا إلا عابري سبيل) (1) فرخص للمسافر إذا كان مسافراً وهو جُنُبٌ لا يجدُ الماء أن يتيمم ويُصلي. 692 - * روى أبو داود عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "خرجنا في سفر، فأصاب رجلاً منا حجر فشجَّه في رأسه، فاحتلم، فسأل أصحابه: هل تجدون لي رخصةً في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدرُ على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأُخبرَ بذلك، قال: "قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذْ لم يعلموا، فإنما شفاءُ العيِّ السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر - أو يعصِبَ، شك موسى - على جرحه خرقةً، ثم يمسحُ عليها، ويغسلُ سائر جسده".

_ 690 - أحمد (5/ 146، 147، 155، 180). أبو داد (1/ 90، 91) كتاب الطهارة، 124 - باب التيمم في الحضر. الترمذي (1/ 212) أبواب الطهارة، 92 - باب ما جاء في التيمم للجنب إذا لم يجد الماء. قال: هذا حديث حسن صحيح. النسائي (1/ 171) كتاب الطهارة، 203 - باب الصلوات بتيمم واحد وصححه النووي، وقواه الحافظ 691 - مجمع الزوائد (7/ 14) قال الهيثمي رواه الطبراني في حديث طويل وهو مرسل وبقية رجاله ثقات. (1) النساء: 43. 692 - أبو داود (1/ 93) كتاب الطهارة، 127 - باب في المجروح يتيمم، وهو حسن بشواهده. (فشجه) شج رأسه: إذا ضربه بشيء فكسره وفتحه. (قتلهم الله) يقال: قتله الله، وقاتله الله: إذا دعا عليه بالقتل والهلاك. (العيُّ) قُصور الفهم، وشفاء هذا المرض: بالسؤال عما جهله ليعرف.

أقول: قال الحنفية والمالكية: يكتفي بالمسح على العصابة التي تكون فوق الجرح ولا يجب التيمم ويرى الشافعية: في الأظهر أنه يجمع بين المسح والتيمم أخذاً من هذا الحديث، وقال الحنابلة: إذا لم تجاوز العصابة قدر الحاجة يكتفي بالمسح عليها وإذا تجاوز لضرورة الربط وغيره يجمع بين التيمم والمسح. قال البغوي (1/ 120): والجريح إذا قدر على غسل بعض أعضاء طهارته عليه أن يغسل الصحيح ويتيمم لأجل الجريح سواء كان أكثر أعضائه صحيحاً أو جريحاً للحديث. وذهب أصحاب أبي حنيفة إلى عدم الجمع بين الغسل والتيمم فإن كان أكثر أعضائه صحيحاً غسل الصحيح ولا تيمم عليه وإن كان الأكثر جريحاً اقتصر على التيمم ا. هـ ملخصاً. 693 - * روى أبو داود عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: احتملتُ في ليلةٍ باردةٍ في غزوة ذات السلاسل، فأشفقتُ إن اغتسلتُ أن أهلك، فتيممْتُ ثم صليتُ بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي صلىلله عليه وسلم، فقال: "يا عمرو، صليت بأصحابك وأنت جُنبٌ؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت: إني سمعت الله عز وجل يقول: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) (1) فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقل شيئاً". وفي رواية (2): أن عمرو بن العاص كان على سرية ... وذكر الحديث نحوه. قال: "فغسل مغابنه وتوضأ وُضوءه للصلاة، ثم صلَّى بهم". فذكر نحوه، ولم يكر التيمم". قال أبو داود: روى هذه القصة عن الأزاعي عن حسَّان بن عطية قال فيه: "فتيمم". أقول: دل هذا النص على أن من خاف على نفسه من استعمال الماء البارد جاز له التيمم

_ 693 - أبو داود (1/ 92) كتاب الطهارة، 126 - باب إذا خاف الجنب البرد أيتيمم. (1) النساء: (29). (2) أبو داود: نفس الموضع السابق، وهو حيث حسن له شاهد. (مغابنه) المغابن: مكاسر الجلد والأماكن التي يجتمع فيها الوسخ والعرق.

فإذا تيمم سقطت الجنابة، فإذا كان استعمال الماء للوضوء لا يضره توضأ بعد التيمم. 694 - * روى أبو داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عن قال: خرج رجلان في سفر، فحضرت الصلاةُ وليس معهما ماءٌ، فتيمما صعيداً طيباً فصليا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما الصلاة والوضوء، ولمي عد الآخر، ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرا ذلك له، فقال للذي لم يُعِدْ: "أصبتَ السُّنَّة، وأجزأتْك صلاتُك، وقال للذي توضأ وأعاد: لك الأجرُ مرتين". قال: وروي عن عطاء بن يسارٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ... ذِكْرُ أبي سعيد في هذا الحديث: ليس بمحفوظ، وهو مرسل. وفي أخرى (1) عن عطاء بن يسار: أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ... بمعناه. وفي رواية (2) النسائي: أن رجلين تيمما وصليا، ثم وجدا ماء في الوقت فتوضأ أحدهما، وعاد لصلاته ما كان في الوقت، ولم يعد الآخر، فسألا النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال للذي لم يُعِدْ: "أصبت السنة، وأجزأتك صلاتك، وقال للآخر: أما أنت فلك مثلُ سهم جمعٍ". 695 - * روى مالك عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "أقْبَل من أرضه بالجُرْفِ، فحضرت العصرُ بمربد النعم، فتيمم وصلى، ثم دخل المدينة والشمس مرتفعةٌ، فلم يُعِدْ". وفي رواية (3) نافع: "أنه أقبل هو وابن عمر من الجرف، حتى إذا كان بالمربد: نزل عبدُ

_ 694 - أبو داود (1/ 93) كتاب الطهارة، 128 - باب في المتيمم يجد الماء بعد ما يصلي فيالوقت. (1) أبو داود: نفس الموضع السابق ص 94. (2) النسائي (1/ 213) 4 - كتاب الغسل والتيمم، 27 - باب التيمم لمن لم يجد الماء بعد الصلاة وهو حديث حسن. (سهم جمْع) أراد: أنه هسم من الخير جُمع له فيه حظان، كذا قال الخطابي، وقال الأصمعي: أراد به: سهم الجيش، قال: والجمع هاهنا أراد به الجيش، واستدل بقوله تعالى (سيُهزَمُ الجمعُ) [القمر: 45] وقوله تعالى: (فلما تراءى الجمعان) [الشعراء: 61]. 695 - الموطأ (1/ 56) 2 - كتاب الطهارة، 24 - باب العمل في التيمم. (3) الموطأ: نفس الموضع السابق.

الله فتيمم صعيداً طيباً، فمسح بوجهه ويديه إلى المرفقين ثم صلى". وفي أخرى (1): "أن عبد الله بن عمر كان يتيمم إلى المرفقين". 696 - * روى الشيخان عن أبي الجُهَيمِ" "أقبل النبيُّ صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جملٍ فلقيهُ رجلٌ فسلم عليه فلم يرُدَّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السلام". قال في فتح الباري: قال النووي: هذا الحديث محمول على أنه صلى الله عليه وسلم كان عادماً للماء حال التيمم. قلت: وهو مقتضى صنيع البخاري، لكن تعقب استدلاله به على جواز التيمم في الحضر بأنه ورد على سبب، وهو إرادة ذكر الله، لأن لفظ السلام من أسمائه، وما أريد به استباحة الصلاة. وأجيب بأنه لما تيمم في الحضر لرد السلام - مع جوازه بدون الطهارة- فمن خشي فوت الصلاة ف الحضر جاز له التيمم بطريق الأولى لعدم جواز الصلاة بغير طهارة مع القدرة. وقيل يحتمل أنه لم يرد صلى الله عليه وسلم بذلك التيمم رفع الحدث، ولا استباحة محظور، وإنما أراد التشبه بالمتطهرين كما يشرع الإمساك في رمضان لمن يباح له الفطر، أو أراد تخفيف الحدث بالتيمم كما يشرع تخفيف حدث الجنب بالوضوء كما تقدم، واستدل به ابن بطال على عدم اشتراط التراب قال: لأنه معلوم أنه لم يعلق بيده من الجدار تراب، ونوقض بأنه غير معلوم بل هو محتمل، وقد سبق من رواية الشافعي ما يدل على أنه لم يكن على الجدار تراب، ولهذا احتاج إلى حته بالعصا ا. هـ.

_ (1) الموطأ: نفس الموضع السابق، وإسناده صحيح. (بمربد النعم) المرْبدُ: موقف الإبل، من ربد في المكان: إذا أقام فيه، والنعم: الإبل. 696 - البخاري (1/ 441) 7 - كتاب التيمم، 3 - باب التيمم في الحضر إذا لم يجد الماء وخاف فوت الصلاة. مسلم (1/ 281) 3 - كتاب الحيض، 28 - باب التيمم. ابو داود (1/ 90) كتاب الطهارة، 124 - باب التيمم في الحضر. النسائي (1/ 165) 1 - كتاب الطهارة، 195 - باب التيمم في الحضر.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد - قال الحنفية: يجوز التيمم بأن لم يجد ماءً أصلاً أو وجد ماءً لا يكفيه، أو خاف الطريق إلى الماء أو كان بعيداً عنه بمقدار ميل (1848 م) أو (4000 خطوة أو أكثر) أو مقدار ميلين عند المالكية أو احتاج إلى ثمنه أو وجده بأكثر من ثمن المثل، وقال الشافعية: إن تيقن فقْدَ الماء حوله تيمم بلا طلب، وإن توهم وجود الماء أو ظن قربه أو شك فيه، فتش عنه مقدار حوالي 185 م وقال الحنفية: يجب عليه طلب الماء إلى 400 خطوة إن ظن قربه مع الأمن، وقال الحنابلة يطلبه فيما قرب منه عادة، والأظهر عند الشافعية والحنابلة أنه إذا وجد ماء لا يكفيه وجب استعماله ثم يتيمم. - إذا لم يجد ماءً إلا بالشراء، لا يجب عليه شراؤه فوق ثمن المثل إذا كان يملك ذلك زائداً عن دينه ومؤونة سفره ونفقة من معه ممن عليه نفقته إنسانً أو حيواناً، وإّا وهب له ماء أو أعير دلواً وجب القبول، أما لو وهب له ثمنه فلا يجب قبوله بالإجماع. - لو نسي الماء في رحله فتيمم وصلى ثم تذكر وهو في الصلاة يقطع ويعيد ومثله لو ظن فناء الماء فتيمم وكان الماء موجوداً وعرف ذلك أثناء الصلاة يقطع ويعيد، أما إذا أنهى صلاته ثم تذكر أو عرف توضأ وأعاد في الأظهر عند الشافعية وأبي يوسف والمالكية ولم يُعِدْ عند أبي حنيفة ومحمد. - يتيمم العاجز الذي لا قدرة له على الماء كالمكره والمحبوس، ولا يعيد عند الأكثر، واستثنى الحنفية المكره على ترك الوضوء فإنه يتيمم ويعيد صلاته. - يتيمم الإنسان إذا خاف باستعمال الماء على نفس أو منفعةِ عضوٍ أو حدوث مرض من نزلة أوحمى أو نحو ذلك، أو خاف من استعماله زيادة المرض أو طوله، أو تأخر برئه، ويعرف ذلك بإخبار طبيب عارف ولو غير مسلم عند المالكية والشافعية، كماي عرف ذلك بالعادة. - قال أبو حنيفة: القادر بقدرة الغير لا يعتبر قادراً، فمن كان مريضاً لا يقدر على الحركة جاز له التيمم ولو وجد من يناوله الماء، وقال الحنابلة: إذا وجد من يناوله الماء

فعليه الوضوء. (انظر في تفصيل ذلك حاشية ابن عابدين 1/ 470 - 471). - إذا اعتقد الإنسان أوظن أنه يحتاج إلى الماء ولو في المستقبل احتياجاً مؤدياً إلى الهلاك أو شدة الأذى لنفسه، أو لحيانه فإنه يتيمم، وكذا إن كانوا رفقة، ومن أصناف الحاجة الاحتياج للماء لعجن أو طبخ لهم ضرورة، ومن كان على بدنه أوثوبه نجاسة أزالها عند غير المالكية، فإذا لم يبق معه ماء تيمم. - من صور جواز التيمم خوف عدو آدمي أو حريق أو لص سواء خاف على نفسه أو ماله أو على ما اؤتمن عليه كالحارس مثلاً، أو خافت امرأة فاسقاً عند الماء أو خاف مديون مفلس الحبس، أو خاف فوات مطلوبه كتحصيل شارد. - يجوز لمن كان بقربه ماء ولم يقدر على استخراجه بفقد الآلة من حبل أو دلو أن يتيمم، وقال الحنابلة يلزمه طلب الآلة بالاستعارةويلزمه قبول عارية، وإن قدر على استخراج ماء بئر بثوب ببله ثم بعصره لزمه ذلك إلا إذا أدى لك إلى أن ينقص ثمن الثوب أكثر من ثمن الماء المستخرج. - قال الحنابلة إذا علم المسافر وجود الماء في مكان قرب ولكن إذا قصده خاف خروج الوقت تيمم وصلى ولا إعادة عليه. - قال الحنفية يتيمم من فقد الماء خوف فوات صلاة جنازة ولو جنباً، أو فوت صلاة عيد، ولخوف فوت صلاة كسوف، وهذا الحكم في الصلوات التي لا بدل لها أو التي لا تقضي أما الجمعة والفرائض الخمس فلا يتيمم لها إذا وجد الماء وخاف خروج الوقت. - الراجح من آراء العلماء: أن الإنسان إذا تيمم ودخل في الصلاة ثم زال عذره أثناء الصلاة بوجود الماء مثلاً بطلت صلاته ويتوضأ ويعيد. - رأينا أن النية شرط لصحة التيمم، قال الحنفية: والنية التي تشترط لصحة الصلاة أن ينوي الطهارة من الحدث، أو استباحة الصلاة، أو نية عبادة مقصودة لا تصح بدونطهارة كالصلاة أو سجدة التلاوة أو صلاة جنازة، أما إذا نوى التيمم لدخول المسجد ومس المصحف أو للأذان والإقامة أو تيمم المحدث حدثاص أصغر لقراءة القرآن أو للسلام أو رده فلا يصح له أن

يصلي بهذا التيمم، أما إذا كان الإنسان جنباً وتيمم لقراءة القرآن يصح له أن يصلي بهذا التيمم. - اتفق الفقهاء على وجوب نزع الخاتم في التيمم بخلاف الوضوء، وأوجب المالكية والحنفية: تخليل الأصابع، وقال الشافعية والحنابلة يندب التخليل إذا استوعب المسحُ اليدين. - قال الحنفية على المقيم في البلد طلب الماء قبل التيمم مطلقاً، سواء ظن قربه أو لم يظن. أما المسافر فلا يجب عليه الطلب إلا إذا غلب على ظنه وجود الماء ويطلبه بنفسه أو برسوله بمنقدار 400 ذراع ويكفيه النظر في الجهات الأربع إذا كان بالإمكان استكشاف الماء بالنظر، وإن لم يغلب على ظنه قرب الماء لا يجب طلبه. انظر: (حاشية ابن عابدين 1/ 153 فما بعدها)، (الشرح الصغير 1/ 179 وما بعدها)، (المهذب 1/ 34 وما بعدها)، (المغني 1/ 234 وما بعدها)، (الفقه الإسلامي 1/ 416 وما بعدها).

الفقرة التاسعة: في الأوضاع الاستثنائية التي لها أحكام خاصة في الطهارة

الفقرة التاسعة: في الأوضاع الاستثنائية التي لها أحكام خاصة في الطهارة قال تعالى في سياق الأمر بالوضوء والاغتسال: {أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} (1). وقال في سياق الأمر في الصوم: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (2). وقال تعالى في سياق تحريم أكل الميتة والدم ولحم الخنزير: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} (3). من هذه الآيات نعرف أن اليسر ورفع الحرج ومراعاة حالات الضرورة جزء من شريعة الله، ومن ههنا كانت للأوضاع الأصلية أحكامها وللأوضاع الاستثنائية أحكامها. وسنجد هذا المعنى في كثير من مواضيع الفقه ومن ذلك موضوع الطهارة. وقد رأينا فيما مر معنا كثيراً من أحكام الأوضاع الاستثنائية وأخرنا إلى هذه الفقرة موضوعين: موضوع أحكام المعذور في الاصطلاح الفقهي، وموضوع أحكام الجبيرة وما يلحق بها مما يشبهها من ضمادات للجروح وغير ذلك. الحقيقة أن بعض المواضيع الفقهية مماي نبغي أن تهتم به المستشفيات والأطباء المسلمون والممرضون والممرضات، ومن ذلك: أحكام هذين الموضوعين وموضوع الجمع بين الصلوات لعذر، وموضوع الحالات التي تطرأ على قدرة الإنسان على الصلاة، والحالات التي تسقط بها صلاة الجمعة في بعض الحوال، ومن ذلك حالة المرض وحالات رعاية المرضى وأمثال ذلك، ونقتصر هنا على الموضوعين اللذين ذكرناهما:

_ (1) المائدة: 6. (2) البقرة: 185. (3) البقرة: 173.

1 - المعذور

1 - المعذور كلمة المعذور اصطلاح يستعمله الفقهاء لمن وجدت معه حالات خاص بشروط خاصة، فتكون له أحاكم خاصة، فالمعذور في تعريف الحنفية: من به سلس بول لا يمكنه إمساكه، واستطلاق بطن أو انفلات ريح أو رعاف دائم أو نزف دم جرح او استحاضة، وكذا كل ما يخرج بوجع ولو من أذن وثدي وسرة من دم أو قيح أو صديد أو ماء الجرح والنفطة وماء البثرة والثدي والعين والأذن. ولا يعطي الإنسان أحكام المعذور عند الحنفية حتى يستوعب عذره تمام وقت صلاة مفروضة، بألا يجد في جميع وقتها زمناً يتوضأ ويصلي فيه خالياً عن الحدث، كأن يستمر تقاطر بوله مثلاً أو خروج دم مثلاً، من ابتداء الظهر إلى العصر، فإذا وجد ذلك أصبح هذا الإنسان صاحب عذر، وله أحكام أصحاب الأعذار كما سنراها. ويبقى صاحب عذر ما دام عذره يظهر في جزء من أوقات الصلاة اللاحقة ولو مرة في كل وقت كأن يرى الدم مرة واحدة فقط في وقت العصر أو المغرب أو العشاء وهكذا. أي أن شرط الاستمرار في الوقت الأول فقط، أما في باقي الأوقات فيكفي أن يرى العذر مرة واحدة. وعند المالكية إذا ظهر عذره في جزء من اليوم يبقى صاحب عذر، ويخرج عن كونه صاحب عذر عند الحنفية فلا تنطبق عليه أحكامه إذا انطقع عنه عره وقت صلاة كاملاً، ولا يعود صاحب عذر إلا إذا استمر عذره وقت صلاة كاملاً من جديد وعندئذ تعود له أحكام المعذور. ومتى ثبتت لإنسان أحكام المعذور عند الحنفية، فإنه يتوضأ لوقت كل فرض بعد دخول الوقت ولا يعتبر عذره ناقضاً لوضوئه ويصلي بهذا الوضوء داخل الوقت ما شاء من الفرائض والنوافل، وإذا كان عذره لا ينقض الوضوء فإن غير العذر ينقضه وينقضه خروج الوقت الذي توضأ به، وهناك وقت مهمل لا يعتبر وقتاً لفريضة وهو ما بين طلوع الشمس إلى الظهر، فإذا توضأ في هذا الوقت فإنه يصح له أن يصلي وقت الظهر فيه ولا يعتبر عذره ناقضاً لوضوئه حتى يخرج وقت الظهر، وعلى المعذور أن يخفف عذره بالقدر المستطاع كأن تحتشي المستحاضة، أو تضع ضماداً على المحل، أو يحتشي الرجل، وإذا كان الاحتشاء لا يسبب ضرراً وينقطع به العذر يجب الاحتشاء للصلاة.

ولا يجب على المعذور غسل ما يصيب ثوبه أكثر من قدر الدرهم إذا اعتقد أنه لو غُسل تنجس بالسيلان قبل الفراغ من الصلاة، فإن لم يتنجس قبل الفراغ من الصلاة وجب عليه الغسل على ما عليه الفتوى عند الحنفية، وقد رأينا أن المشهور عند المالكية سنية الطهارة من الناجسة فبالإمكان الاستفادة من هذه الرخصة حين المشقة كما رأينا أن من ظهر عذره في 24 ساعة ولو مرة عند المالكية يبقى صاحب عذر وبالتالي فإن عذره لا ينقض وضوءه ما دام كذلك، ويستحب له استحباباً أن يتوضأ إذا لم يوجد ناقض غير العذر. وأدب العلماء أن يفتوا في المسائل المختلف عليها بمذاهبهم ويحضوا على مراعاة المذاهب الأخرى إن كانت أحوط. ومما ذكره المالكية أن وضوء المعذور ينتقض بعذره نفسه إذا خرج عذره خروجاً اعتيادياً كما إذا بال البول المعتاد أو أمذى بلذة معتادة أو أخرج الريح متعمداً، والظاهر أنه لا يخالفهم غيرهم بذلك. والحنابلة يشاركون الحنفية في الحد الذي يعطي به الإنسان حكم المعذور، وفي استمراره، وفي ضرورة الوضوء بعد دخول الوقت. ومن المسائل التي تذكر في بحث المعذور: ما لو أن المعذور توضأ قبل الوقت ولم يخرج عذره حتى صلى بعد دخول الوقت فهذا جائز، ولكن لو خرج عذره بعد ذلك وأراد الصلاة فلابد من وضوء جديد. ومن كلام الحنابلة: وينوي المعذور استباحة الصلاة ولا تكفيه نية رفع الحدث. ومن كلام الشافعية: لو استمسك الحدث بالجلوس في الصلاة وجب الجلوس بلا إعادة. انظر (الدر المختار 1/ 202 وما بعدها)، (المغني 1/ 340 وما بعدها)، (الفقه الإسلامي 1/ 288 وما بعدها).

2 - أحكام الجبيرة وما يشبهها

2 - أحكام الجبيرة وما يشبهها الجبيرة هي الكلمة المختصرة للتعبير عن نفسها وعن الأحوال المشابهة لها. فالأصل تطلق الجبيرة على الخشب والقصب أو الجبس التي تشد وتسوى على موضع الكسر أو الخلع لينجبر، وإذاً في كل ما يُعدُّ لوضعه على كسرو العظام لجبرها، وأدخلوا في حكمها عصابة الجراحة ولو بالرأس وعصابة موضع الفصد والكي، وضماد القرحة، والضمادات التي توضع على مواضع العمليات الجراحية قال ابن جزي المالكي: الجبائر هي التي تشد عل الجراح والقروح والفصاد، وعلى هذا فعندما نقول الجبيرة إنما نريد بها هذا المعنى الواسع. والجبيرة منها ما يتجاوز محل الحاجة ومنها ما لا يتجاوز محل الحاجة، ومحل الحاجة هو ما لابد منه للاستمساك، ومن الجبائر ما لو نزع لا يترتب عليه ضرر ومنها ما لو نزع يترتب عليه ضرر، ومن الجبائر ما لا يصل إلى ما تحته الماء ككثير من الضمادات الحالية، منه ما يصل إلى تحته الماء فيسبب ضرراً للإنسان. ولأنواع الجبائر أحكام، وللعلماء تفصيلات كثيرة في شأنها فأول ما يقال: إن المسح على الجبائر أو غسلها مشروع بشروط وعلى تفصيلات، قال الحنفية: المسح على لجبيرة واجب وقال أبو حنيفة: إذا كان المسح على الجبيرة يضره سقط عنه المسح وجازت الصلاة بدونه. وقال المالكية والشافعية والحنابلة: المسح فرض ولابد منه وشروط جواز المسح: 1 - ألا يمكن نزع الجبيرة أو يخاف من نزعها بسبب الغسل حدوث مرض أو زيادته أو تأخر البرء وقال المالكية يجوز المسح إن خيف شدة الألم وذلك كله إن كان الجرح ونحوه في أعضاء الوضوء في حالة الحدث الأصغر أو في الجسد في حالة الحدث الأكبر. 2 - ألا يمكن غسل أو مسح نفس الموضع بسبب الضرر، فإن كان الغسل لا يسبب ضرراً وجب الغسل على المحل نفسه وإن كان الغسل يسبب ضرراً والمسح لا يسبب ضرراً وجب المسح على الموضع نفسه وإلا مسح على الجبيرة. 3 - ألا تتجاوز الجبيرة قدر الحاجة وهو ما لابد منه للاستمساك، فإن تجاوزت قدر الحاجة وخاف من نزعها تلفاً أو ضرراً تيمم للزائد على قدر الحاجة، ومسح ما حاذي محل

الحاجة وغسل ما سوى ذلك، وأفتى الحنفية: بأن الجبيرة وإن زادت على الحاجة وكان حلها وغسل ما تحت الزيادة يضر بالجرح جاز المسح على الجبيرة ولا يجب التيمم. ولم يشترط الحنفية والمالكية وضع الجبيرة على طهارة، فسواء وضعها وهو متطهر أو غير متطهر، جاز المسح عليها ولا يعيد الصلاة إذا صح. والمفتي به عند الحنفية أن يكفي مسح أكثر الجبيرة مرة واحدة فلا يشترط استيعاب وتكرار ونية، ولا يقدر المسح بمدة وإنما يبطل المسح على الجبيرة إذا أحدث، أما حال نزعها او سقوطها أو تغيرها فإن الحنفية قالوا: إن حدث شيء من هذا لبرءٍ، زال العذر وبطل المسح وغسل المحل وصلى بطهارة كاملة، وإن تم البرء في الصلاة بطلت الصلاة وغسل المحل واستأنف الصلاة ون سقطت أو غيرت من غير برء لم يبطل المسح. وإذا رمد وأمره طبيب مسلم حاذق ألا يغسل عينه، أو انكسر ظفره أو تشققت أقدامه، أو حصل به داء وجعل عليه دواءً جاز له المسح إذا وجدت الضرورة، وإن أضره المسح تركه. ولا يجب الجمع بين المسح على الجبيرة والتيمم عند الحنفية. وقال الحنابلة إن تجاوزت الجبيرة محل الحاجة وخيف الضرر من نزعها، مسح على المحاذي لمحل الحاجة وتيمم للزائد على قدر الحاجة وغسل ما سوى ذلك، وإذا لم يكن على الجرح ضماد وأضره الغسل او المسح، غسل الصحيح وتيمم للجرح وإذا تعددت العصائب أو الجراحات تيمم لكل واحدة منها. ولا تجب إعادة الصلاة بعد البرء عند المالكية والحنفية سواء وضع الجبيرة على طهارة أو لا. ويأخذ الفقهاء أحكام المعذور والجبيرة مما ورد من نصوص في التيمم والاستحاضة. فائدة: يخدر عادة من تجري لهم عمليات جراحية وقد يستمر غيابهم عن الوعي فترة طويلة، وقد مر معنا أن الشافعية يقولون: لا يجب القضاء على منْ زال عقله بسببمباح إذا أفاق، وقال الحنفية إذا زاد الإغماء على أكثر من خمس صلوات سقط القضاء، أما إن استمر خمس صلوات فأقل وجب عليه القضاء. ولا يجب القضاء على المغمي عليه عند المالكية مطلقاً.

انظر: (الدر المختار 1/ 186 - 188) (المغني 1/ 277 وما بعدها)، (المهذب 1/ 27)، (الفقه الإسلامي 1/ 347) وما بعدها). * * *

الفصل الثاني: في دخول الوقت وهو الشرط الثاني من شروط الصلة وما يتعلق بذلك.

الفصل الثاني: في دخول الوقت وهو الشرط الثاني من شروط الصلة وما يتعلق بذلك. وفيه مقدمة وفقرات المقدمة: وفيها عرض إجمالي لفقرات الفصل. الفقرة الأولى: في مواقيت الصلاة. الفقرة الثانية: في أوقات الكراهة. الفقرة الثالثة: في الجمع بن صلاتين. الفقرة الرابعة: في الأذان والإقامة. الفصل الثالث: في الشرط الثالث من شروط الصلاة وهو ستر العورة. الفصل الرابع: في الشرط الرابع من شروط صحة الصلاة وهو استقبال القبلة. الفصل الخامس: في الشرط الخامس من شروط الصلاة وهو النية.

المقدمة وفيها عرض إجمالي

المقدمة وفيها عرض إجمالي قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} (1). أي فريضة مؤقتة بوقت، لذلك وللسنة المتواترة أجمع المسلمون على أن الصلوات الخمس مؤقتة بمواقيت معلومة محدودة، وتجب الصلاة بأول الوقت وجوباً موسعاً إلى أن يبقى من الوقت ما يسعها فيضيق الوقت، ويفترض مباشرةُ أعمال الصلاة، وفي المناطق القطبية ونحوها يقدرون الأوقات بحسب أقرب البلاد إليهم. ووقت الفجر يبدأ من طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس، والفجر الصادق هو البياض المنتشر ضوؤه معترضاً في الأفق ويقابله الفجر الكاذب وهو الذي يطلع مستطيلاً متجهاً إلى الأعلى في سوط السماء، ثم تعقبه ظلمة. والفجر الصادق هو الذي تتعلق به الأحكام الشرعية كلها من بدء الصوم ووقت الصبح وانتهاء وقت العشاء. ووقت الظهر من زوال الشمس إلى مصير ظل كل شيء مثله سوى ظل أو فيء الزوال، وزوال الشمس هو ميلها عن وسط السماء ويسمى بلوغ الشمس إلى وسط السماء حالة الاستواء، وغذا تحولت الشمس من جهة المشرق إلى جهة المغرب حدث الزوال، وعندئذ يبدأ وقت الظهر، وينتهي وقته عند الجمهور بصيرورة ظل الشيء مثله في القدر والطول مع إضافة مقدار ظل أو فيء الاستواء أي الظل الموجود عند الزوال، ويعرف الزوال بالنظر إلى عمود منتصب في أرض مستوية، فإذا كان الظل ينقص فهو قبل الزوال وإن وقف لا ينقص ولا يزيد فهو وقت الاستواء وإذا أخذ الظل في الزيادة علم ان الشمس زالت. ووقت العصر يبدأ من خروج وقت الظهر وينتهي بغروب الشمس. ووقت المغرب يبدأ من غروب الشمس بالإجماع إلى مغيب الشفق الأحمر عند الشافعية وبعض الحنابلة، أما عند أبي حنيفة فيستمر وقت المغرب حتى غياب الشفق

_ (1) النساء: 103.

الأبيض الذي يستمر بعد غياب الشفق الأحمر باثنتي عشرة دققة. ووقت العشاء يبدأ من مغيب الشفق الأحمر إلى طلوع الفجر الصادق. وللصلاة في أول وقتها فضل على تفصيلات للفقهاء: فقد استحب الحنفية الإسفار بصلاة الصبح للرجال وتأخير العصر حتى يصير ظل كل شيء مثليه سوى فيء الزوال، والإبراد بالظهر أثناء الحر مستحب عند عامة الفقهاء، واستحب المالكية التأخير عن أول الوقت رجاء إدراك الجماعة واستحب الحنابلة وآخرون تأخير العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه. وإذا أدرك المصلي جزءاً من الصلاة في الوقت وقعت أداء عند المالكية والشافعية إن وقعت ركعة بسجدتيها في الوقت، وإلا فهي قضاء. وقال الحنفية والحنابلة في أرجح الروايتين عن أحمد تدرك الفريضة أداء كلها بتكبيرة الإحرام في الوقت المخصص لها وعند الحنفية بالنسبة لصلاة الفجر خاصة تبطل الصلاة إذا طلعت الشمس أثناء الصلاة، وعليه والقضاء بعد ارتفاع الشمس. ومن جهل الوقت بسبب عارض اجتهد وتحرى حتى يتيقن من دخول الوقت أو يغلب على ظنه ذلك ويستحب تأخيرها قليلاً إلا ان يخشى خروج الوقت. وثبت في السنة النهي عن الصلاة في أوقات خمسة على تفصيلات عند الفقهاء: أولاً: ما بعد صلاة الصبح حتى ترتفع الشمس مقدار رمح في رأي العين وذلك بمقدار ثلث ساعة بعد طلوع الشمس. ثانياً: وقت طلوع الشمس حتى ترتفع قدر رمح. ثالثاً: وقت الاستواء إلى أن تزول الشمس أي يدخل وقت الظهر. رابعاً: وقت اصفرار الشمس حتى تغرب. خامساً: بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس.

وقد حرم الحنابلة النافلة في هذه الأوقات الخمسة، وحرم المالكية النفل عند الشروق والغروب والاستواء وكرهوا تنزيهاً التنفل بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر إلى أن تصفر الشمس، وكره الحنفية كراهة تحريمية الصلاة في الأوقات الخمسة إلا قضاء الفريضة بعد صلاة الفجر والعصر وهناك تفصيلات واستثناءات عند بعض الفقهاء في هذا المقام ستمر معنا. (انظر: حاشية ابن عابدين 1/ 238) و (الشرح الصغير 1/ 219 وما بعدها) و (المهذب 1/ 51) و (المغني 1/ 370 وما بعدها والفق الإسلامي 1/ 507 وما بعدها). أما الجمع فقد أجاز جمهور الفقهاء في حالات الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، وهناك حالتان أجمعت المذاهب الأربعة على جواز الجمع فيهما، وهي الظهر والعصر جمع تقديم يوم عرفة للمحرم بالحج، والجمع بين المغرب والعشاء جمع تأخير للمحرم بالحج في مزدلفة. وأسباب الجمع عند المالكية بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء هي السفر والمطر والوحل مع الظلمة والمرض، وجمع عرفة ومزدلفة على تفصيلات عندهم. وأجاز الشافعية الجمع في السفر مطلقاً والمطر جمع تقديم، الحج بعرفة ومزدلفة على تفصيلات عندهم، وأجاز الحنابلة الجمع في السفر والمرض والإرضاع والعجز عن الطهارة والعجز عن معرفة الوقت، والاستحاضة ونحوها، والعذر أو الشغل على تفصيلات عندهم، ولا يجوز الجمع عند الحنفية أبداً إلا يوم عرفة للمحرم ومزدلفة، ولكل أدلته المعتبرة. انظر (الشرح الصغير 1/ 487 فما بعدها)، (المهذب 1/ 104)، (المغني 2/ 271 وما بعدها)، (الفقه الإسلامي 2/ 349 وما بعدها). وقد رُبط دخول أوقات الصلوات الخمس بالأذان الذي هو قول مخصوص يعلم به وقت الصلاة المفروضة أو افعلام بوقت الصلاة بألفاظ مخصوصةن وقد دل عليه القرآن والسنة المتواترة والإجماع.

قال تعالى: (وإذا ناديتم إلى الصلاة) (1). كما ربطت الصلوات الخمس بالإقامة. والأذان والإقامة سنتان مؤكدتان للرجال جماعة في كل مسجد للصلوات الخمس والجمعة، ولا يشرعان لنافلة أو منذورة أو وتر أو صلاة جنازة أو عيد أو كسوف أو تراويح أو استخارة أو غير ذلك من الصلوات. ولكون الأذان من شعائر الإسلام قال الحنابلة: الأذان والإقامة فرضاً كفاية للصلوات الخمس المؤداة والجمعة، وبناء عليه يقاتل أهل بلد تركوهما. والحنفية يفتون بقتال أهل بلدة أو قرية تركوا الأذان. ويشترط في الأذان والإقامة أن يكونا بعد دخول الوقت، وأجاز الجمهور أن يؤذن للصبح قبل طلوع الفجر الصادق، ثم يؤذن بعد دخول الوقت، وأن يكونا باللغة العربية، وأن يكونا مسموعين لبعض الناس، إلا المنفرد فيكفيه إسماع نفسه، وينبغي الترتيب والموالاة بين ألفاظ الأذان والإقامة، وألا يتعاور جمل الأذان والإقامة أكثر من شخص، أما الأذان الجماعي فغير مكروه وينبغي أن يكون المؤذن مسلماً عاقلاً، ويسن في المذاهب الأربعة أن يتولى الإقامة من تولى الأذان فإن أقام غير المؤذن جاز. وصيغة الأذان وكيفيته منقولة تواتراً فينبغي الالتزام به ومن سنن الأذان أن يكون المؤذن حسن الصوت مرتفعه، وأن يؤذن على مكان مرتفع بقرب المسجد، وأن يكون المؤذن متوضئاً طاهراً صالحاً عالماً بأوقات الصلاة، وأن يجعل أصبعيه في أذنيه أثناء الأذان، وأن يتأنى في الأذان ويسرع في الإقامة، وأن يستقبل القبلة في الأذان والإقامة، ويستحب في حي على الصلاة أن يحول وجهه يميناً وفي حي على الفلاح أن يحول وجهه شمالاً من غير أن يحول قدميه، ويستحب أن يكون المؤذن محتسباً، ويستحب أن يؤذن في أول الوقت، ويستحب ألا يقوم الإنسان قبل فراغ المؤذن للصلاة أو للتوجه إليها.

_ (1) المائدة: 58.

وإجابة المؤذن والمقيم كما ورد في المأثور، والدعاء المأثور بعد ذلك والدعاء فيما بين الأذان والإقامة، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الأذان ودعائه المأثور، كل ذلك مما ينبغي أن يراعيه المسلم. ويندب الأذان في أذن المولود اليمنى عن دولادته كما تندب الإقامة في أذنه اليسرى، ويندب الأذان وقت الحريق ووقت الحرب، وخلف المسافر ومنها الأذان حيث أراد الإنسان طرد الشيطان عن نفسه وعن غيره. انظر (حاشية ابن عابدين 1/ 256 وبعدها)، (الشرح الصغير 1/ 246 فما بعدها)، (المهذب 1/ 51)، (المغني 1/ 402 وما بعدها)، (الفقه الإسلامي 1/ 535 وما بعدها). وإلى فقرات هذا الفصل.

الفقرة الأولى: في مواقيت الصلاة

الفقرة الأولى: في مواقيت الصلاة: 697 - * روى مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه سائل، سأله عن مواقيت الصلاة؟ فلم يرُدَّ عليه شيئاً. قال: وأمر بلالاً، فأقام الفجر حين انشقَّ الفجرُ، والناسُ لا يكادُ يعرفُ بعضهم بعضاً، ثم أمرهُ فأقام الظهر حين زالت الشمس، والقائل يقول: قد انتصف النهار، وهو كان أعلم منهم، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة، ثم أمره فأقام بالمغرب حين وقعت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفقُ، ثم أخرَ الفجر من الغد حتى انصرف منها والقائل يقول: قد طلعت الشمس، أو كادت، ثم أخر الظهر حتى كان قريباً من وقت العصر بالأمس، ثم أخر العصر حتى انصرف منها، والقائل يقول: قد احمرَّت الشمسُ، ثم أخرَ المغرب حتى كان عند سقوط الشفق - وفي رواية: فصلى المغرب قبل أن يغيب الشفقُ في اليوم الثاني - ثم أخر العشاء حتى كان ثُلُثُ الليل الأول ثم أصبح فدعا السائل، فقال: "الوقتُ بين هذين". وأخرجه (1) أبو داود، وقال فيه: فأقام الفجر حين كان الرجلُ لا يعرفُ وجه صاحبه، أوأن الرجل لا يعرفُ من إلى جنبه وفيه: ثم أخر العصر حتى انصرف منها وقد اصفرت الشمسُ وقال في آخره: ورواه بعضهم، فقال: ثم صلى العشاء إلى شطرِ الليل. وفي ألفاظ أبي داود خلاف عن لفظ مسلم. وأخرجه النسائي (2) مثل لفظ مسلم. 698 - * روى مسلم عن بُريدة رضي الله عنه: أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت الصلاة؟ فقال له: "صلِّ معنا هذين اليومين" وذكر نحو الحديث السابق. 699 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عباس رض الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

_ 697 - مسلم (1/ 429) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 31 - باب أوقات الصلوات الخمس. (1) أبو داود (1/ 108) كتاب الصلاة، 1 - باب في المواقيت. (2) النسائي (1/ 260، 261) 6 - كتاب المواقيت، 15 - آخر وقت المغرب. (الشفق) الحمرة التي تكون في الأفق الغربي بعد المغرب عند الشافعي رحمه الله، والبياضُ الذي يبقى به بعد ذهاب الحمرة عند أبي حنيفة رحمه الله، فهو من الأضداد. 698 - مسلم (1/ 428) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 31 - باب أوقات الصلوات لخمس. 699 - أبو داود (1/ 107) كتاب الصلاة، 1 - باب في المواقيت.

"أمَّني جبريلُ صلوات الله عليه عند البيت مرتين، فصلى الظهر في الأولى منهما حين كان الفيءُ مثل الشِّراك، ثم صلى العصر حين كان كل شيءٍ مثل ظله، ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس وأفطر الصائم، ثم صلى العشاء حين غاب الشفق، ثم صلى الفجر حين برق الفجر وحرُم الطعام على الصائم، وصلى المرة الثانية الظهر حين كان ظلُّ كل شيءٍ مثله، لوقت العصر بالأمس، ثم صلى العصر حين كان ظل كل شيء مثليه، ثم صلى المغرب لوقته الأول، ثم صلى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل، ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض، ثم التفت إليَّ جبريلُ، فقال: يا محمدُ، هذا وقتُ الأنبياء من قبلك، والوقت فيما بين هذين الوقتين". 700 - * عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم يُعلمه مواقيت الصلاة، فتقدم جبريل، ورسول الله صلى الله علي هوسلم خلفهُ والناس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم:

_ = الترمذي (1/ 278، 279) أبواب الصلاة، 113 - باب ما جاء في مواقيت الصلاة. ابن خزيمة (1/ 168) كتاب الصلاة، 13 - باب ذكر الدليل على أن فرض الصلاة كان على الأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم كانت خمس صلوات. (قدر الشراك) الشراك: سيرٌ من سيور النعل، وليس قدر الشراك في هذا على التحديد، ولكن الزوال لا يستبان إلا بأقل ما يُرى من الفيء، وأقله فيما يُقدر: هو ما بلغ قدر الشراك أو نحوه، وليس هذا المقدار مما يتبين به الزوال في جميع البلدن، إنما يتبين ذلك في مثل مكة من البلاد التي يقل فيها الظل، فإذا كان أطول يوم في السنة واستوت الشمس فوق الكعبة، لم يُر لشيء من جوانبها ظلٌّ، فكل بلد يكن أقرب إلى خط الاستواء ومُعدل النهار، يكون الظل فيها أقصر، وكلما بعد عن خط الاستواء ومعدل النهار، يكون الظل فيه أطول. (وجبت الشمس) سقطت مع الغيب، يعني: غربت. (أسفر الصبح) إذا أضاء، وإسفارُ الأرض: هوأن يُبسط عليها ضوء الصبح فتظهر، فاستعار الإسفار لها، وإنما هو للصبح، (ابن الأثير). 700 - أحمد (3/ 330 - 331). الترمذي (2/ 281) أبواب الصلاة، 113 - باب ما جاء في مواقيت الصلاة عن النبي صلى الله عليه وسلم. النسائي (1/ 255) 6 - كتاب المواقيت، 10 - باب آخر وقت العصر. ابن حبان (3/ 16) باب مواقيت الصلاة، وذكر وصف أوقات الصلوات المفروضات. الحاكم (1/ 195 - 196) وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح مشهور من حديث عبد الله بن المبارك، والشيخان لم يخرجاه لقلة حديث الحسين بن علي الأصغر" ووافقه الذهبي، وذكر البخاري أنه أصلح شيء في هذا الباب.

وذكر نحو الحديث السابق إلا أنه ذكر أن صلاة المغرب في اليومين كانت في أول وقتها. 701 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن للصلاة أولاً وآخراً، وإن أوَّل وقت صلاة الظهر: حين تزولُ الشمس، وآخر وقتها: حين يدخل وقت العصر. وإن أول وقت العصر: حين يدخل وقتها، وإن آخر وقتها: حين تصفَرُّ الشمس. وإن أول وقت المغرب: حين تغرُبُ الشمس، وإن آخر وقتها: حين يغيب الشفقُ، وإن أول وقت العشاء: حين يغيب الشفق، وإن آخر وقتها: حين ينتصف الليل. وإن أول وقت الفجر: حين يطلع الفجر، وإن آخر وقتها: حين تطلعُ الشمس". وفي رواية (1) النسائي، قال: قال رسول الله صلى الله علي هوسلم: "هذا جبريل جاءكم يعلمُكم دينكم، فصلى الصبح حين طلع الفجرُ، وصلى الظُهر حين زاغت الشمس، ثم صلى العصر حين رأى الظل مثله، ثم صلى المغرب حين غربت الشمس وحل فطر الصائم، ثم صىل العشاء حين ذهب شفقُ الليل، ثم جاءه الغد، فصلى به الصبح حين أسفر قليلاً، ثم صلى به الظهر حين كان الظلُّ مثله، ثم صىل العصر حين كان الظل مثليه، ثم صلى المغرب بوقتٍ واحدٍ، حين غربت الشمس وحل فطر الصائم، ثم صلى العشاء حين ذهب ساعةٌ من الليل، ثم قال: الصلاة ما بين صلاتك أمس وصلاتك اليوم". 702 - * روى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صليتُم الفجر فإنه وقتٌ إلى أن يطلُع قرنُ الشمس الأول ثم إذا صليتم الظهر فإنه وقتٌ إلى أن يحضُر العصر، فإذا صليتم العصر فإنه وقتٌ إلى أن تصفر الشمس، فإذا صليتم المغرب فإنه وقتٌ إلى أن يسقط الشفق، فإذا صليتم العشاء فإنه وقت إلى نصف الليل".

_ 701 - الترمذي (1/ 283، 284) أبواب الصلاة، 114 - باب منه. (1) النسائي (1/ 449، 250) 6 - كتاب المواقيت، 6 - آخر وقت الظهر، وهو حديثٌ حسن. (زاغت الشمس) إذا مالت عن وسط السماء نوهو وقت الزوال، وأول وقت الظهر. 702 - مسلم (1/ 426) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 31 - باب أوقات الصلاة.

703 - * روى الشيخان عن أبي المِنْهال سيار بن سلامة الرياحي قال: دخلت أنا وأبي على أبي برزة الأسلمي، فقال له أبي: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلي المكتوبة؟ فقال: كان يصلي الهجير التي تدعونها الأولى: حين تدحضُ الشمس، ويصلي العصر، ثم يرجع أحدنا إلى رحْلِه في أقصى المدينة والشمس حيةٌ- ونسيتُ ما قال في المغرب - وكان يستحِبُّ أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة، وكان يكرهُ النوم قبلها، والحديث بعدها، وكان ينفتِلُ من صلاة الغداة حين يعرفُ الرجل جليسه، ويقرأ بالستين إلى المائة، وفي رواية (1) ولا يبالي بتأخير العشاء إلى ثلث الليل، ثم قال: إلى شطر الليل، ثم قال مُعاذ عن شعبة: ثم لقيتُه مرة أخرى، فقال: أو ثلث الليل. 704 - * روى الشيخان عن محمد بن عمرو بن الحسن بن عليٍّ بن أبي طالب قال: كان الحجاج يؤخرُ الصلوات، فسألنا جابر بن عبد الله؟ - وفي رواية قال: قَدِمَ الحجاجُ المدينة، فسألنا جبار بن عبد الله؟ - فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة، والعصر والشمس نقيةٌ، والمغرب إذا وجبتْ، والعشاء: أحياناً يؤخرها، وأحياناً يُعجلُ، إذا رآهم اجتمعوا عجلَ، وإذا رآهم أبطؤوا أخر، والصبح كانوا - أو كان النبي صلى الله عليه وسلم- يصليها بغلسٍ.

_ 703 - البخاري (2/ 26) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 13 - باب وقت الصعر. مسلم (1/ 447) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 40 - باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها. (1) مسلم (1/ 447) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 40 - باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها. ابن ماجه (1/ 229) 2 - كتاب الصلاة، 12 - باب النهي عن النوم قبل صلاة العشاء وعن الحديث بعدها. (الهجيرُ): والهاجرة: شدة الحر وقوته والمراد نا: صلاة الظهر. (تدحض الشمس): دحضت الشمس تدحض: إذا زالت ومالت عن وسط السماء إلى المغرب، من الدحْض: الزلق، كأنها قد زلقت عن وسط السماء. (والشمس حية): إذا كانت الشمس مرتفعة عن المغرب لم يتغيرْ نورها بمقارنة الأفق، قيل: هي حية، كأن مغيبها وتغير لونها موتُها. 704 - البخاري (2/ 41) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 18 - باب وقت المغرب. مسلم (1/ 446) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 40 - باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها. أبو داود (1/ 109) كتاب الصلاة، 2 - باب في وقت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وكيف كان يصليها. النسائي (1/ 264) 6 - كتاب المواقيت، 18 - باب تعجيل صلاة العشاء. (بغلس) الغلس: ظلمة آخر الليل قبل طلوع الفجر، وأول طلوعه.

705 - * روى أبو داود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كان قدرُ صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر في الصف: ثلاثة أقدامٍ إلى خمسة أقدامٍ، وفي الشتاء: خمسة أقدام إلى سبعة أقدامٍ. وقت صلاة الفجر: 706 - * روى الجماعة عن عائشة رضي الله عنها قالت: كُن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر متلفعاتٍ بمرُوطهنَّ ثم ينقلبن إلىبيوتهن حين يقضين الصلاة، لا يعرفهن أحدٌ من الغلس. وفي رواية (1): ثم ينقلبن إلى بيوتهن، وما يعرفْنَ من تغليس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة. وفي رواية (2) بنحوه. وفي أخرى (3) للبخاري: أن رسول الله

_ 705 - أبو داود (1/ 110) كتاب الصلاة، 3 - باب في وقت صلاة الظهر. النسائي (1/ 251) 6 - كتاب المواقيت، 6 - باب آخر وقت الظهر، وإسناده صحيح. (ثلاثة أقدام) أقدام الظل التي يُعرف بها أوقات الصلاة معروفة. وهذا أمر يختلف باختلاف الأقاليم والبلدان، ولا تستوي في جميع المدن والأمصار، لأن العلة في طول الظل وقصره: هي زيادة ارتفاع الشمس في السماء وانحطاطها، وكلما كانت أعلى، وإلى مُحاذاة الرؤوس في مجراها أقرب، كان الظل أقصر، وينعكس بالعكس، ولذلك يُرى ظل الشتاء أبداً أطول من ظل الصيف في كل مكان. وكانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة والمدينة، وهما من الإقليم الثاني، ويذكرون: أن الظل فيهما: من أول الصيف في شهر آذار: ثلاثة أقدام وشيء، ويشبه أن تكون صلاته إذا اشتد الحر متأخرة عن الوقت المعهود قبله، فيكون الظل عند ذلك خمسة أقدام، أو خمسة وشيئاً وفي كل كانون: سبعة أقدام، أو سبعة وشيئاً، فقول ابن مسعود يُنزل على هذاالتقدير في ذلك الإقليم، دون سائر الأقاليم، ابن الأثير. 706 - البخاري (2/ 54) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 27 - باب وقت الفجر. مسلم (1/ 446) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 231 - باب استحباب التبكير بالصبح في أولوقتها، وهو التغليس. أبو داود (1/ 115) كتاب الصلاة، 7 - باب في وقت الصبح. النسائي (1/ 271) 6 - كتاب المواقيت، 25 - باب التغليس في الحضر. ابن ماجه (1/ 220) 2 - كتاب الصلاة، 2 - باب وقت صلاة الفجر. (1) مسلم، الموضع السابق. (2) مسلم نفس الموضع السابق. (3) البخاري (2/ 351) 10 - كتاب الأذان، 165 - باب سُرعة انصراف النساء من الصبح وقلة مُقامهن في المسجد. (متلفعاتٍ بمروطهن): تلفعت المرأة بمرطها: أي تلحفتْ به وتغطتْ، واللفاعُ: الثوب يُتغطى به، والمروط: الأكسيةُ.

صلى الله عليه وسلم كان يصلي الصبح بغلسٍ، فينصرفن نساء المؤمنين لا يعرفن من الغلس، ولا يعرف بعضهن بعضاً. 707 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله علي وسلم صلى يوم خيبر صلاة الصبح بغلسٍ وهو قريب منهم، فأغار عليهم، فقال: "الله أكبر، خربتْ خيبرُ وإنا إذا نزلنا بساحة قوم ساء صباح المنذرين". 708 - * روى الترمذي عن رافع بن خديج رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أسفروا بالفجر، فإنه أعظم للأجر". وفي رواية (1) أبي داود، قال: "أصبحوا بالصبح، فإنه أعظم لأجوركم، أو أعظم للأجر". وفي رواية (2) للنسائي، قال: "أسفروا بالفجر" لم يزد، وإسناده حسن.

_ 707 - البخاري (1/ 479، 480) 8 - كتاب الصلاة، 12 - باب ما يذكر في الفخذ. مسلم (3/ 1426) 32 - كتاب الجهاد والسير، 43 - باب غزوة خيبر. أبو دود في سننه وهو طرف من حديث طويل. النسائي (1/ 271، 272) 6 - كتاب المواقيت، 26 - التغليس في السفر. ابن خزيمة في صحيحه. 708 - الترمذي (2/ 289) أبواب الصلاة، 1170 باب ما جاء في الإسفار بالفجر. (1) أبو داود (1/ 115) كتاب الصلاة، 7 - باب في وقت الصبح. (أسفروا بالفجر) أي صلوا الفجر مسفرين، يعني وقد أضاء وقيل: معناه: طولوها إلى الإسفار. (أصبحوا بالصبح) أي: صلوها مصبحين، وهو عند طلوع الصبح. (2) النسائي (1/ 272) 6 - كتاب المواقيت، 27 - الإسفار. ويقول الترمذي: وقد رأى غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي والتابعين الإسفار بصلاة الفجر، وبه يقول سفيان الثوري، وقال الشافعي وأحمد وإسحاق: معنى الإسفار: أن يصح "يضيء" الفجر لا يشك فيه، ولم يروا أن معنى الإسفار تأخير الصلاة. ا. هـ. ونقل الشارح بعض أقوال العلماء في التأول للجمع بين الحديثين ثم قال (1/ 145): "أسلم الأجوبة وأولاها ما قال الحافظ ابن القيم في إعلام الموقعين، بعد ذكر حديث رافع بن خديج ما لفظه: وهذا بعد ثبوته إنما المراد الإسفار دواما لا ابتداء، فيدخل فيها مغلساً، ويخهرج مسفراً، كما كان يفعله صلى الله عليه وسلم، فقوله موافق لفعله، لا مناقض له، وكيف يظن به المواظبة على فعل ما الأجر الأعظم في خلافه؟ انتهى كلام ابن القيم. =

709 - * روى النسائي عن محمود بن لبيد رضي الله عنه عن رجال من الأنصار من قومه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما أسفرتم بالصبح، فإنه أعظم للأجر". 710 - * روى ابن ماجه عن مُغيث بن سُمي قال: صليتُ مع بعد الله بن الزبير الصبح بغلسٍ فلما سلم أقبلْتُ على ابن عمر فقلت: ما هذه الصلاة؟ قال: هذه صلاتنا كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكرٍ وعمر فلمَّ طُعن عمر أسفر بها عثمان. وقد استحب الحنفية الإسفار بالفجر واستحب غيرهم التغليس قال الزيلعي: وتأول الخصوم الإسفار في هذه الأحاديث بظهور الفجر. وهذا باطل، فإن الغلس الذي يقولون به هو اختلاط ظلام الليل بنور النهار كما ذكره أهل اللغة، وقبل ظهور الفجر لا يصح صلاة الفجر، فثبت أن المراد بالإسفار إنما هو التنوير، وهو التأخير عن الغلس وزوال الظلمة، وأيضاً فقوله: "اعظم الأجر" يقتضي حصول الأجر في الصلاة بالغلس، فلو كان الإسفار هو وضوح الفجر وظهوره لم يكن في وقت الغلس أجر، لخروجه عن الوقت ا. هـ وفي رد صاحب الإعلاء على من قال إن الإسفار بمعنى ظهور الفجر مستدلين برواية أبي داود (أصبحوا) قال: ثم إن السيوطي رحمه الله قد عد حديث "أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر" من المتواترات بهذا اللفظ في رسالته (الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة) ولفظ "أصبحوا" ليس بمتواتر فيكون لفظ "أسفروا" أرجح وأولى، واحتمال تصرف الرواة فيه أبعد. (انظر الإعلاء 2/ 17 - 20)، (وانظر الدين الخالص 2/ 23).

_ = وقال البغوي في شرح السنة (1/ 196) ذهب أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين فمن بعدهم إلى أن التغليس بالفجر أفضل، منهم أبو بكر، وعمر، وبه قال مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق وذهب بعضهم إلى الإسفار، وهو قول الثوري، وأصحاب الرأي. وقال الأرناؤوط: وقد جمع الإمام الطحاوي وهو "حنفي"- رحمه الله- بين حديث الإسفار وبين حديث التغليس بأن يدخل في الصلاة مغلساً، ويطول القراءة حتى ينصرف عنها مسفراً، فقد قال: فالذي ينبغي الدخول في الفجر في وقت التغليس، والخروج منها في وقت الإسفار على موافقة ما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهو قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد بن الحسن، واختاره ابن القيم في "إعلام الموقعين". "الناشر". 709 - النسائي (1/ 272) 6 - كتاب المواقيت، 27 - الإسفار. 710 - ابن ماجه (1/ 221) 2 - كتاب الصلاة، 2 - باب وقت صلاة الفجر، وقال السندي: إسناده صحيح.

وقت صلاة الظهر

وقت صلاة الظهر: 711 - * روى أبو داود عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: [كنا إذا] كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر، فقلنا: زالت الشمس أو لم تزلْ؟ صلى الظهر، ثم ارتحل. وفي رواية (1)، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل منزلاً لم يرتحل حتى يُصلي الظهر، فقال له رجل: وإن كان بنصف النهار؟ قال: "وإن كان بنصف النهار". 712 - * روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيتُ أحداً كان أشد تعجيلاً للظهر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا من أبي بكر، ولا من عمر. 713 - * روى الترمذي عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد تعجيلاً للظهر منكم، وأنتم أشدُّ تعجيلاً للعصر منه. 714 - * روى البخاري عن أنس بن مالك يقول: كان النبي صلىلله عليه وسلم إذا اشتد البر بكر بالصلاة وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة يعني الجمعة. وقال يونس بن بكير أخبرنا أبو خلدة وقال: بالصلاة ولم يذكر الجمعة. وقال بشر بن ثابت: حدثنا أبو خلدة: صلى بناأمير الجمعة ثم قال لأنس: كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر؟ 715 - * روى مالك عن القاسم بن محمد رحمه الله قال: ما أدركتُ الناس إلا وهم يُصلون الظهر بعشي. 716 - * روى الجماعة عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا اشتدَّ

_ 711 - أبو داود (2/ 4) كتاب الصلاة، - باب المسافر يصلي وهو يشك في الوقت. (1) النسائي (1/ 248) 6 - كتاب المواقيت، 3 - باب تعجيل الظهر في السفر. والحديث حسن. 712 - الترمذي (1/ 292) أبواب الصلاة، 118 - باب ما جاء في التعجيل بالظهر، وقال: حديث حسن. 713 - الترمذي (1/ 303) أبواب الصلاة، 121 - باب ما جاء في تأخير صلاة العصر، وهو حديث حسن. 714 - البخاري (2/ 388) 11 - كتاب الجمعة، 17 - باب إذا اشتد الحر يوم الجمعة. 715 - الموطأ (1/ 9) 1 - كتاب وقوت الصلاة، 1 - باب وقوت الصلاة. وإسناده صحيح. "وبعشي": قال مالك: يريد الإبراد بالظهر. 716 - البخاري (2/ 15) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 9 - باب الإبراد بالظهر في شدة الحر. مسلم (1/ 430) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 32 - باب استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحر.

الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم". 717 - * روى الشيخان عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فأراد المؤذنُ أن يؤذن للظهر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبردْ"، ثم أراد أن يؤذن، فقال له: "أبردْ"، حتى رأينا فيء التلُول، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن شدة الحر من فيح جهنم، فإذا اشتد الحر فأبردا بالصلاة". وفي رواية (1): أذن مؤذنُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أبرد، أبردْ"- أو قال: "انتظر، انتظر"، وقال: "إن شدة الحر من فيح جهنم، فإذا اشتد الحرُّ فأبردُوا عن الصلاة"، قال أبو ذر: حتى رأينا فيء التلول. 718 - * روى النسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلىلله عليه وسلم إذا كان الحرُّ أبرد بالصلاة، وإذا كان البردُ عجلَ. 719 - * روى مسلم عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة في الرمضاء، فلم يُشكنا. وفي رواية (2)، قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكونا إليه

_ (1) أبو داود (1/ 110) كتاب الصلاة، 3 - باب [في] وقت صلاة الظهر. الترمذي (1/ 295) أبواب الصلاة، 119 - باب ما جاء في تأخير الظهر في شدة الحر. النسائي (1/ 248) 6 - كتاب المواقيت، 5 - الإبراد بالظهر إذا اشتد الحر. ابن ماجه (1/ 222) 2 - كتاب الصلاة، 4 - باب الإبراد بالظهر في شدة الحر. 717 - البخاري (2/ 20) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 10 - باب الإبراد بالظهر في السفر. مسلم (1/ 431) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 32 - باب استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحر. أبو داود (1/ 110) كتاب الصلاة، 3 - باب في وقت صلاة الظهر. الترمذي (1/ 296) أبواب الصلاة، 119 - باب ما جاء في تأخير الظهر في شدة الحر. (1) البخاري (1/ 248) 6 - كتاب المواقيت، 4 - تعجيل الظهر في البرد، وقال إسناده حسن، ابن خزيمة (1/ 169) كتاب الصلاة، 16 - باب ذكر الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد بقوله: الصلاة في أول وقتها، قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بتبريد الظهر في شدة الحر. 719 - مسلم (1/ 433) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 33 - باب استحباب تقديم الظهر في أول الوقت في غير شدة الحر. (2) النسائي (1/ 247) 5 - كتاب الصلاة، 2 - أول وقت الظهر.

حر الرمضاء، فلم يُشكنا، قال زهير لأبي إسحاق: أفي الظهر؟ قال: نعم، قلت: أفي تعجيلها؟ قال: نعم. زاد الطبراني بعد فلم يشكنا قال: إذا زالت الشمس فصلوا. 720 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك، قال: كنا إذا صلنا خلف النبي صلى الله عليه ومسلم سجدنا على ثيابنا اتقاء الحر. قال البغوي في (شرح السنة 2/ 201): الاختيار عند أكثر أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم تعجيل صلاة الظهر، رُوي عن عائشة قالت: ما رأيتُ أحداً كان أشد تعجيلاً للظهر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من أبي بكر وعمر. وقال في (2/ 206): واختلف أهل العلم في تأخير صلاة الظهر في شدة الحر، فذهب ابن المبارك، وأحمد، وإسحاق إلى تأخيرها، والإبراد بها في الصيف، وهو الأشبه بالاتباع. وقال الشافعي: تعجلها أولى، إلا أن يكون إمام مسجد ينتابُه الناسُ من بُعدٍ، فإنه يُبْرِدُ بها في الصيف، فأما من صلى وحده، أو جماعة في مسجدٍ بفناء بيته لا يحضره إلا من كان بحضرته، فإنه يعجلها، لأنه المشقة عليهم في تعجيلها. ا. هـ. قال صاحب إعلاء السنن بعد إيراد حديث أنس في تعجيل الصلاة في البرد وتأخيرها في الحر: والحديث يدل على استحباب الإبراد بصلاة الظهر في شدة الحر وتعجيله في الشتاء، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه. قال النووي: اختلفوا في الجمع بين هذه الأحاديث، وحديث خباب رواه مسلم: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء فلم يشكنا (أي لم يزل

_ الطبراني "المعجم الكبير" (4/ 79). مجمع الزوائد (1/ 306) قال الهيثمي: قلت هو في الصحيح خلا قوله إذا زالت الشمس فصلوا -وقال رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون. (الرمضاء): شدةُ الحر على وجه الأرض، وأصل الرمضاء: الرمْلُ إذا لفحته الشمس فاشتد حرُّه. (فلم يشكنا) أشكيت الرجل: إذا أزلت شكواه، ولم يُشكنا، أي: لم يُزل شكوانا. يظهر أن هذا كان أولاً ثم أمروا بتأخير الظهر صيفاً. (وهبي). 720 - البخاري (2/ 23) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 11 - باب وقت الظهر عند الزوال. مسلم (1/ 433) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 33 - باب استحباب تقديم الظهر في أول الوقت في غير شدة الحر.

شكوانا) فقيل: الإبراد رخصة والتقديم أفضل، واعتمدوا على حديث خباب (وهذا على قول البعض) وقال آخرون: المختار استحباب الإبراد لكثرة أحاديثه المشتملة على فعله والأمر به، وحديث خباب محمول على أنهم طلبوا تأخيراً زائداً على قدر البراد. والصحيح الإبراد، وبه قال جمهور العلماء، وهو المنصوص للشافعي رحمه الله، وبه قال جمهور الصحابة ا. هـ ملخصاً. وأيضاً فحديث خباب مكي وأحاديث الإبراد بالظهر مدنية. والمتأخر ناسخ للمتقدم فلعله صلى الله عليه وسلم لم يزل شكواهم لكون وقت الإبراد بالظهر اجتماع المشركين في الحرم، وكانوا يستهزءون بالصلاة ويؤذون المصلين فأراد أن يفرغ من صلاة الظهر قبل اجتماعهم، والعصر والمغرب كان يصليهما غالباً في دار الأرقم. والله تعالى أعلم ا. هـ. انظر (الإعلاء 2/ 34 - 36)، (الدين الخالص 2/ 11). فائدة: لأبي حنيفة رأي هو أن آخر وقت الظهر حتى يصير ظل كل شيء مثليه وله أدلة منها: رواية (حتى صار ظل كل شيء مثليه) التي وردت معنا، وحديث أبي ذر السابق الذي فيه حتى رأينا فيء التلول، ففي رواية للبخاري (حتى يساوي الظلُّ التلول)، قال صاحب الإعلاء حتى ساوى الظل التلول. قال الشيخ -أطال الله بقاءه-: الحديث نص في بقاء الوقت بعد المثل، كما هو المشهور من مذهب إمامنا الأعظم - رحمه الله تعالى -إذ من المعلم اللازم عادةً أن الأجسام المنبطحة إذا كان ظلها مساوياً لها يكون ظل الأجسام المنتصبة زائداً على المثل لا محالة، فارتفع احتمال كون هذا الظل مع الظل الأصلي مساوياً للتلول. ثم لما كان الأذان بعد هذه الزيادة على المثل كانت الصلاة بعد الزيادة الكثيرة عليه ضرورة، فانقطع الاحتمال المذكور رأساً وأساساً، وثبت المدعي بلا غبار اهـ. انظر (الإعلاء 2/ 2 - 3). والأحوط في هذا أن يصلي الظهر قبل أن يصير ظل كل شيء مثله والعصر بعد أن يصير ظل كل شيء مثليه على أن الجمهور ومنهم الصاحبان قالوا: أول وقت العصر عندما يصير ظل كل شيء مثله سوى فيء الزوال، وانظر موطأ الإمام مالك برواية محمد بن الحسن

وقت العصر

الشياني (ص 31 - 32). وقت العصر: 721 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العصر والشمس مرتفعةٌ حيةٌ، فيذهب الذاهب إلى العوالي، فيأتيهم والشمس مرتفعة، وبعض العوالي من المدينة: على أربعة أميال ونحوه. وفي رواية (1): يذهب الذاهب منا إلى قُباء. وفي أخرى (2)، قال: كنا نُصلي العصر، ثم يخرج الإنسان إلى بني عمرو بن عوف، فيجدهم يصلون العصر. وفي أخرى (3)، قال أسعدُ بن سهل بن حُنيفٍ: صلينا مع معمر بن عبد العزيز الظهر، ثم خرجنا حتى دخلنا على أنس بن مالك فوجدناه يصلي العصر، فقلت: يا عم، ما هذه الصلاة التي صليت؟ قال: العصر، وهذه صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كنا نصلي معه. وفي أخرى (4) لمسلم، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر، فلما انصرف أتاه رجل من بني سلمة، فقال: يا رسول الله، إنا نريد أن ننحر جزوراً لنا، وإنا نُحب أن تحضرها؟ قال: "نعم"، فانطلق وانطلقنا معه، فوجدنا الجزور لم تُنحرْ، فنُحرت، ثم قطعت، ثم طُبخ منها، ثم أكلنا قبل أن تغيب الشمس. 722 - * روى الشيخان عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: "كُنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى القمر ليلة البدر، وقال: "إنكم سترون ربكم عياناً، كما

_ 721 - البخاري (2/ 28) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 13 - باب وقت العصر. مسلم (1/ 433) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 34 - باب استحباب التبكير بالعصر. (1) البخاري، الموضع السابق، مسلم، نفس الموضع السابق ص 434. (2) البخاري ص 26، الموضع السابق، مسلم، نفس الموضع السابق. (3) البخاري، نفس الموضع السابق، مسلم، نفس الموضع السابق. (4) مسلم ص 435، نفس الموضع السابق. (العوالي): أماكن بنواحي المدينة معروفة. (أميال): جمع ميل، وكل ثلاثة أملاي فرسخ والميل = 1846 متراً والفرسخ =5544 متراً. (جزوراً) الجزور: يقع على الذكر والأنثى من الإبل، إلا أن اللفظ مؤنث. قوله (ياعم): ليس عمه على الحقيقة، وإنما هوعلى سبيل التوقير، لأنه أكبر. 722 - البخاري (2/ 33) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 16 - باب فضل صلاة العصر.

يرون هذا القمر، لا تضامُّون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا عن صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، فافعلوا"، ثم قرأ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} (1). 723 - * روى أبو داود عن علي بن شيبان رضي الله عنه قال: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يُؤخرُ العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية. 724 - * روى الطبراني عن أبي أيوب عن عبد الله أظنه ابن عمرو قال شعبة كان أحياناً يرفعه وأحياناً لا يرفعه قال وقت العصر ما لم يحضر وقت المغرب. 725 - * روى الشيخان عن رافع بن خديجٍ قال: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العصر، فننحر جزُوراً، فتُقسمُ عشر قسمٍ، فنأكل لحماً نضيجاً قبل أن تغرب الشمس. 726 - * روى مالك عن العلاء بن عبد الرحمن أنه قال: دخلنا على أنس بن مالك بعد الظهرِ، فقام يُصلي العصر، فلما فرغ من صلاته ذكرنا تعجيل الصلاة، أو ذكرها،

_ مسلم (1/ 439) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 37 - باب فضل صلاتي الصبح والعصر. أبو داود (4/ 233) كتاب السنة، 20 - باب في الرؤية، وقال: "ليلة أربع عشرة". الترمذي (4/ 687) 39 - كتاب صفة الجنة، 16 - باب ما جاء رؤية الرب تبارك وتعالى. (1) ق: 39. (لا تضامون) روي بتخفيف الميم من الضيم: الظلم، المعنى: إنكم ترونه جميعكم لا يُظلم بعضكم في رؤته، فيراه البعض دون البعض، وروي بتشديد الميم: من الانضمام والازدحام، أي: لا يزدحم بكم في رؤيته، ويضم بعضكم إلى بعض من ضيق، كما يجري عند رؤية الهلال مثلاً، دون رؤية القمر، إذا يراه كل منكم موسعاً عليه منفرداً به. (كما ترون) قال: قد يخيل إلى بعض السامعين أن الكاف في قوله: "كما ترون" كاف التشبيه للمرئي، وإنما هو كاف التشبيه للرؤية، وهو فعل الرائي. ومعناه: ترون ربكم رؤية ينزاح معها الشك، كرؤيتكم القمر ليلة البدر، لا ترتابون فيه ولا تمترون. (ابن الأثير). 723 - أبو داود (1/ 111) كتاب الصلاة، 2 - باب في وقت صلاة العصر، وهو حديث حسن بشواهده. 724 - مجمع الزوائد (1/ 308) باب وقت صلاة العصر، وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. 725 - البخاري (5/ 128) 47 - كتاب الشركة، 1 - باب الشركة في الطعام والنهد والعروض. مسلم (1/ 435) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 34 - باب استحباب التبكير بالعصر. 726 - الموطأ (1/ 220) 15 - كتاب القرآن، 10 - باب النهي عن الصلاة بعد الصبح والعصر. مسلم (1/ 434) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 34 - باب استحباب التبكير بالعصر.

فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تلك صلاة المنافقين، تلك صلاة المنافقين، تلك صلاة المنافقين، يجلس أحدهم حتى إذا اصفرت الشمسُ، وكانت بين قرني الشيطان، أو على قرن شيطان، قام فنقر أ {بعاً لا يذكر الله فيهن إلا قليلاً". 727 - * روى البخاري عن أبي المليح قال: كنا مع بُريدة في غزوة في يوم ذي غيمٍ، فقال: بكروا بصلاة العصر، فإن النبي صلى الله عليه سلم قال: "من ترك صلاة العصر حبط عمله". وقال الطيبي: وليس ذلك من إحباط ما سبق من عمله، فإن ذلك في حق من مات مرتداً، بل يحمل الحبط على نقصان عمله من يومه لا سيما في الوقت الذي يقرب من أن تُرفع فيه أعمال العباد إلى الله تعالى. كذا في (العزيزي 2 - 134). وقيل المراد بالحبط الإبطال، أي بطل انتفاعه بعمله في وقت ينتفع به غيره في ذلك الوقت، وفي (شرح الترمذي): ذكر أن الحبط على قسمين: حبط إسقاط، وهو إحباط الكفر للإيمان وجميع الحسنات، وحبط موازنة، وهو إحباط المعاصي للانتفاع بالحسنات عند رجحانها عليها إلى أن تحصل النجاة، فيرجع إليه جزاء حسناته، وأقرب الوجوه في هذا ما قاله ابن بزيزة أن هذا على وجه التغليظ وأن ظاهره غير مراد- والله تعالى أعلم - لأن الأعمال لا يحبطها إلا لاشرك أهـ. (عمدة القاري) ملخصاً. 728 - * روى الشيخان عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: كنا نُصلي المغرب مع النبي صلى الله عليه وسلم: فينصرفُ أحدنا وإنه ليُبْصِرُ مواقع نَبْلِهِ.

_ 727 - البخاري (2/ 31) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 14 - باب إثم من فاتته العصر. 728 - البخاري (2/ 40) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 18 - باب وقت المغرب. مسلم (1/ 441) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 38 - باب بيان أن أول وقت المغرب عند غروب الشمس.

وقت المغرب

وقت المغرب: 729 - * روى أبو داود عن مرثد بن عبد الله الغنوي رضي الله عنه قال: قدم علينا أبو أيوب غازياً، وعُقبةُ بن عامرٍ يومئذٍ على مصر، فأخرَ عقبةُ المغرب، فقام إليه أبو أيوب، فقال: ما هذه الصلاة يا عقبة؟ قال: إنا شُغلنا، قال: أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تزالُ أمتي بخير"- أو قال: "على الفطرة" - "ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم؟ ". 730 - * روى ابن ماجه عن (الحارث بن وهبٍ) رفعه: "لن تزال أمتي على الإسلام ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم". 731 - * روى أحمد عن السائب بن يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزال أمتي على الفطرة ما صلوا المغرب قبل طلوع النجم". وقت العشاء: 732 - * روى الطبراني في الأسط عن عائشة: سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن وقت العشاء قال: "إذا ملأ الليل بطن كل واد". 733 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: أعتم النبي صلى الله عليه وسلم

_ 729 - أبو داود (1/ 113) كتاب الصلاة، 5 - باب في وقت المغرب، وإسناده حسن. ابن خزيمة (1/ 174، 175) كتاب الصلاة، 22 - باب التغليظ في تأخير صلاة المغرب. (تشتبك النجوم) اشتباك النجوم: ظهور صغارها بين كبارها حتى لا يخفى منها شيء. 730 - ابن ماجه (1/ 225) 2 - كتاب الصلاة، 7 - باب وقت صلاة المغرب. وفي الزوائد: إسناده حسن. الحاكم (1/ 190، 191) باب في مواقيت الصلاة، حديث صحيح. 731 - أحمد (3/ 449). الطبراني "المعجم الكبير" (7/ 154). مجمع الزوائد (1/ 310) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورجاله موثقون. 732 - مجمع الزوائد (1/ 313) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح. 733 - البخاري (13/ 224) 94 - كتاب العتق- 9 - باب ما يجوز من اللوِّ، وقوله تعالى (لو أن لي بكم قوة). مسلم (1/ 444) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة - 39 - باب وقت العشاء وتأخيرها.

بالعشاء، فخرج عمر، فقال: الصلاة يا رسول الله، رقد النساء والصبيان، فخرج ورأسه يقطرُ، يقول: "لولا أن أشق على أمتي - أو على الناس"، وقال سفيان مرة: "على الناس - لأمرتهم بالصلاة هذه الساعة". كذا في حديث ابن عُيينة. وفي رواية (1)، قال: أخر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الصلاة، وذكر فيه: فخرج، وهو مسحُ الماء عن شِقه، يقول: "إنه للوقتُ، لولا أن أشق على أمتي". وعند البخاري (2) من حديث عبد الرزاق عن ابن جريج، قال: حدثني نافع عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم شُغِلَ عنها للةً، فأخرها حتى رقدنا في المسجد، ثم استيقظنا، ثم رقدنا، ثم استيقظنا، ثم خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: "ليس أحدٌ من أهل الأرض ينتظر الصلاة غيركم"، وكان ابن عمر لا يبالي: أقدمها، أم أخرها، إذا كان لا يخشى أن يغلبه النوم عن وقتها، وقلما كان يرقُد قبلها. قال ابن جريج (3): قلت لعطاءٍ، فقال سمعت ابن عباس يقول: أعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلةً بالعشاء، حتى رقد الناسُ، واستيقظوا، ورقدوا، واستيقظوا، فقام عمر، فقال، الصلاة، قال عطاء: قال ابن عباس: فخرج نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم كاني أنظُر إلي الآن يقطُر رأس ماء، واضعاً يده على رأسه، فقال: "لولا أن أشُقَّ على أمتي لأمرتُهم أن يُصلُّوها هكذا"، قال: فاستثبتُّ عطاء: كيف وضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على رأسه، كما أنبأه ابن عباس؟ فبدد لي عطاء بين أصابعه شيئاً من تبديد، ثم وضع شيئاً من أطراف أصابعه على قرن الرأس، ثم ضمها يُمرُّها كذلك على الرأس، حتى مستْ إبهامه طرف الأذن مما يلي الوجه على الصُّدغ وناحية اللحية، لا يُقصر ولا يبطُشُ، إلا كذلك. 734 - * روى مسلم عن أبي بُردة، عن أبيه. قال: صلينا المغرب مع رسول الله

_ (1) البخاري: نفس الموضع السابق ص 224. (2) البخاري (2/ 50) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 24 - باب النوم قبل العشاء لمن غُلب. (3) البخاري: نفس الموضع السابق ص 50. 734 - مسلم (4/ 1961) 44 - كتاب فضائل الصاحبة، 51 - باب بيان أن بقاء النبي صلى الله عليه وسلم أمان لأصحابه، وبقاء أصحابه أمان للأمة.

صلى الله عليه وسلم، ثم قلنا: لو جلسنا حتى نُصلي معه العشاء! قال فجلسنا. فخرج علينا. فقال: "ما زلتُمْ ههنا" قلنا: يا رسول الله! صلينا معك المغرب. ثم قلنا: نجلسُ حتى نصلي معك العشاء: قال: "أحسنتم أو أصبتُمْ" قال فرفع رأسه إلى السماء وكان كثيراً ما يرفع رأسه إلى السماء. فقال: "النجُومُ أمنةٌ للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما تُوعدُ. وأنا أمنةٌ لأصحابي، فإذا ذهبتُ أتى أصحابي ما يوعدون. وأصحابي أمنةٌ لأمتي. فإذا ذهب أصحابي أتى أُمتي ما يُوعدون". 735 - * روى الطبراني في الثلاثة عن المنكدر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خرج ذات ليلة وقد أخرَ صلاة العشاء حتى ذهب من الليل هُنيهةٌ أو ساعةٌ والناسُ ينتظرون في المسجد فقال: "ما تنتظرون؟ " قالوا: ننتظرُ الصلاة. قال: "أما إنكم لن تزالوا في صلاةٍ ما انتظرتموها"، ثم قال: "أما إنها صلاةٌ لم يُصَلِّها أحدٌ ممن كان قبلكم من الأمم، ثم رفع رأسهُ إلى السماء فقال: النجومُ أمانُ السماء فإن طُمستِ النجومُ أتى السماء ما تُوعدُ وأنا أمان أصحابي فإذا قُبِضْتُ أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمان أمتي فإذا قُبض أصحابي أتى أمتي ما يوعدون يا بلالُ أقم". 736 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: "لولا أن أشُقَّ على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نُصفِه". وفي رواية

_ (أمنة للسماء) قال العلماء: الأمنة والأمن والأمان بمعنى. ومعنى الحديث أن النجوم مادامت باقية فالسماء باقية فإذا انكدرت النجوم وتناثرت في القيامة، وهنت السماء فانفطرت وانشقت وذهبت. (وأنا أمنة لأصحابي) أي من الفتن والحروب وارتداد من ارتد من الأعراب، واختلاف القلوب، ونحو ذلك مما أنذر به صريحاً. وقد وقع كل ذلك. (فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون) معناه من ظهور البدع والحوادث في الدين والفتن فيه، وهذه كلها من معجزاته صلى الله عليه وسلم. 735 - الطبراني "المعجم الكبير" (20/ 360 - 361). الروض الداني (2/ 167). مجمع الزوائد (1/ 312) وقال: رواه الطبراني في الثلاثة ورجاله ثقات، ويقول محقق الروض الداني: المنكدر حديثه مرسل كما قال أبو عمر. وقد ولد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تثبت له صحبة كما ورد في أسد الغابة 5/ 75. 736 - الترمي (1/ 310، 311) أبواب الصلاة، 124 - باب ما جاء في تأخير صلاة العشاء الآخرة. ابن ماجه (1/ 226) 2 - كتاب الصلاة، 8 - باب وقت صلاة العشاء.

النسائي (1): "لأمرتهم بتأخير العشاء وبالسواك عند كل صلاة". وهو حديث صحيح. 737 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: [حُميدٌ الطويلُ]: سُئل أنسٌ: اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتماً؟ قال: أخرَ ليلة العشاء إلى شطر الليل، ثم أقبل علينا بوجهه، فكأني أنظرُ إلى وبيص خاتمه، وقال: "إن الناس قد صلوا وناموا، وإنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتموها". وفي أخرى (2)، قال قُرةُ بن خالد: انتظرنا الحسن وراثَ علينا، حتى قرُبْنا من وقت قيامه، فجاء، فقال: دعانا جيراننا هؤلاء، ثم قال: قال أنس: نظرنا النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، حتى كان شطرُ الليل، فبلغه، فجاء فصلى بنا، ثم خطبنا، فقال: "ألا إن الناس قد صلوا ثم رقدُوا، وإنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة". قال الحسنُ: إن الناسَ لا يزالون في خيرٍ ما انتظروا الخير، زاد في رواية (3): كأني أنظر إلى وبيص خاتمه ليلتئذٍ. وعند مسلم (4) قال: نظرْنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلةً حتى كان قريباً من نصف الليل، ثم جاء فصلى، ثم أقبل علينا بوجهه، فكأنما أنظر إلى وبيصِ خاتمه في يده. وله في أخرى (5): أنهم سألوا أنساً عن خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أخَّرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء ذات ليلة إلأى شطر الليلن أو كاد يذهبُ شطرُ الليل، ثم جاء، فقال: إن الناس قد صلوا وناموا، وإنكم لن تزالوا في صلاةٍ ما انتظرتُم الصلاة. قال أنسٌ: كأني أنظر إلى وبيصِ خاتمه من فضة، ورفع إصبعهُ اليُسرى بالخنصر".

_ (1) النسائي (1/ 266، 267)، 20 - ما يستحب من تأخير العشاء. 737 - البخاري (10/ 321) 77 - كتاب اللباس، 48 - باب فص الخاتم. (2) البخاري: (2/ 73) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 40 - باب السمر في الفقه والخير بعد العشاء. (3) البخاري (2/ 148) 10 - كتاب الأذان، 36 - باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة. (4) مسلم (1/ 443) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 39 - باب وقت العشاء وتأخيرها. (5) مسلم، نفس الموضع السابق. (وبيص) الشيء: بريقهُ ولمعانه. (راث) فلان علينا: أي أبطأ وتأخر. (نظرنا) نظرتُ فلاناً: انتظرتهُ.

738 - * روى أبو داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العتمةِ، فلم يخرجْ حتى مضى نحو من شطر الليل، فقال: "خذوا مقاعدكم"، فأخذنا مقاعدنا، فقال: "إن الناس قد صلوا وأخذوا مضاجعهم، وإنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة، ولولا ضعفُ الضعيف وسُقمُ السقيم لأخرت هذه الصلاة إلى شطرِ الليل". 739 - * روى الشيخان عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كنت أنا وأصحابي الذين قدموا معي في السفينة نُزولاً في بقيع بُطحان، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فكان يتناوب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند صلاة العشاء كل ليلة نفرٌ منهم، قال أبو موسى: فوافقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأصحابي، وله بعضُ الشُّغل في أمره، حتى أعتم بالصلاة، حتى ابنهار الليلُ، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم، فلما قضى صلاته قال لمن حضره: "على رسلكم أعلمُكم وأبشروا أن من نعمة الله عليكم: أنه ليس من الناس أحدٌ يصلي هذه الساعة غيركم - أو قال: ما صلى هذه الساعة أحدٌ غيركم"-، لا ندري أي الكلمتين قال: قال أبوموسى: فرجعنا فرحين بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم. 740 - * روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أُقيمتْ صلاةُ العشاء، فقال رجل: لي حاجة، فقام النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُناجيه، حتى نام القومُ، أو بعض القوم، ثم صلوا. 741 - * روى البخاري، قال حميد: سألت ثابتاً عن الرجل يُكلم الرجل بعد ماتُقام الصلاة؟ فحدثني عن أنس قال: أقيمت الصلاة، فعرض للنبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ، فحبسهُ بعدما

_ 738 - أبو داود (1/ 114) كتاب الصلاة، 6 - باب في وقت العشاء الآخرة. النسائي (1/ 268) 6 - كتاب المواقيت، 21 - آخر وقت العشاء، وإسناده صحيح. 739 - البخاري (2/ 47) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 22 - باب فضل العشاء. مسلم (1/ 443) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 39 - باب وقت العشاء وتأخيرها. (ابار الليلُ): إذا ذهب مُعظمه. وقيل: إذا ذهب نصفه. (رسلكم): فقال: افعل هذا الأمر على رسلك- بكسر الراء-: أي على هينتك. 740 - مسلم (1/ 284) 3 - كتاب الحض، 33 - باب الدليل على أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء. 741 - البخاري (2/ 124) 10 - كتاب الأذان، 28 - باب اكللام إذا أقيمت الصلاة.

أقيمت. وفي رواية (1) لهما: قال: أقيمت الصلاة، ورجل يُناجي النبي صلى الله عليه وسلم، فما زال يناجيه حتى نام أصحابه، ثم قام فصلى. وأخرج الترمذي (2): لقد رأيتُ، النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما تُقام الصلاةُ يكلمه الرجل، يقوم بينه وبين القبلة، فما يزال يكلمه، ولقد رأيت بعضهم ينعُسُ من طول قيام النبي صلى الله عليه وسلم له. من أدرك ركعة في الوقت: 742 - * روى الجماعة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أدرك من الصبح ركعةً قبل أن تطلُع الشمسُ فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرُب الشمسُ فقد أدركَ العصر". وفي رواية للبخاري (3) والنسائي (4): "إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليُتمَّ صلاته، وإذا أدرك سجدةً من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليُتمَّ صلاته". إلا أن النسائي قال: أوَّلَ سجدةٍ. في الموضعين. 743 - * روى النسائي عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أدرك

_ (1) البخاري (11/ 85) 79 - كتاب الاستئذان، 48 - باب طول النجوى. مسلم (1/ 284) 3 - كتاب الحيض، 33 - باب الدليل على أن نوم الجالس لا ينقض الوضوء. (2) الترمذي (2/ 396) أبواب الصلاة، 373 - باب ما جاء في الكلام بعد نزول الإمام من المنبر. [نجي] النجي: المناجي، والمناجاة: المحادثة والمكالمة. 742 - البخاري (2/ 56) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 28 - باب من أدرك من الفجر ركعة, مسلم (1/ 424) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 30 - باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة. أبو داود (1/ 112) كتاب الصلاة، 4 - باب [في] وقت صلاة العصر. الترمذي (1/ 353) أبواب الصلاة، 137 - باب ما جاء فيمن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس. النسائي (1/ 257 - 258) 6 - كتاب المواقيت، 11 - من أدرك ركعتين من العصر. ابن ماجه (1/ 229) 2 - كتاب الصلاة، 11 - باب وقت الصلاة في العذر والضرورة. (3) البخاري (2/ 37 - 38) 9 - كتاب مواقيت الصلاة -17 - باب من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب. (4) النسائي (1/ 257) 26 - كتاب المواقيت، 11 - من أدرك ركعتين من العصر. 743 - النسائي (1/ 273) 6 - كتاب المواقيت، 28 - باب من أدرك ركعة من صلاة الصبح. حديث صحيح.

ركعة من الفجر قبل أن تطلع اشمس فقد أدركها، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدركها". فضيلة الصلاة لوقتها: 744 - * روى أبو داود عن أم فروة رضي الله عنها وكانت ممنْ بايعت النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: سُئل النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: "الصلاة لأول وقتها". 745 - * روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة لوقتها الآخِر مرتين، حتى قبضه الله. 746 - * روى مالك عن يحيى بن سعيد رحمه الله قال: إن المصلي ليُصلي الصلاة وما فاتته، ولما فاته من وقتها أعظم من أهله وماله. 747 - * روى الطبراني عن ابن مسعود قال إنكم في زمان الصلاة فيه طويلة والخطبة فيه قصيرة وعلمؤه كثير، وخطباؤه قليلٌ وسيأتي على الناس زمان الصلاة فيه قصيرة والخطبة فيه طويلة خطباؤه كثير وعلمؤه قليلٌ يؤخرون الصلاة صلاة العشي إلى شرق الموتى فمن أدرك ذلك فليصل الصلاة لوقتها وليجعلها معهم تطوعاً إنكم في زمان يُغبطُ فيه الرجلُ على

_ 744 - أبو داود (1/ 115) كتاب الصلاة، 8 - باب في المحافظة على وقت الصلوات. الترمذي (1/ 319) أبواب الصلاة، 127 - باب ما جاء في الوقت الأول من الفضل. ابن خزيمة (1/ 569) كتاب الصلاة، 15 - باب اختيار الصلاة في أول وقتها، وهو حسن بشواهده. 745 - الترمذي (1/ 328) أبواب الصلاة، 127 - باب ما جاء في الوقت الأول من الفضل. الحاكم (1/ 190) كتاب الصلاة، وصححه وأقره الذهبي. 746 - الموطأ (1/ 12) 1 - كتاب وقوت الصلاة، 5 - باب جامع الوقوت، وإسناده صحيح. 747 - الطبراني المعجم الكبير (9/ 113). مجمع الزوائد (7/ 285) كتاب الفتن أعاذنا الله منها، باب في أيام الصبر وفيمن يتمسك بدينه في الفتن. وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح وله طريق في الزهد. (العشيُّ) المراد بها صلاة العصر. شرق الموتى: لعله أراد ارتفاع الشمس عن الحيطان آخر النهار فتصير بين القبور كأنها لجة، يقال شرقت إذا ضعف نورها، وقيل من شرق الميت بريقه إذا غص به وذلك لا يكون إلا عند خروج روحه وانتهاء أمره. (حاذه) أصل الحأذ: ما يقع عليه اللبد من ظهر الفرس.

قلة عياله وخفة حاذِه ما أدعُ بعدي في أهلي أحبُّ إلي موتاً منهم ولا أهلُ بيتٍ من الجعلان وإني لأحبهم كما تحبون أهليكم. 748 - * روى الطبراني عن عبد الرحمن بن يزيد يعني النخعي قال صلى عبد الله وجعل رجل ينظر هل غابت الشمس فقال عبد الله ما تنظرون هذا والله الذي لا إله إلا هو ميقات هذه الصلاة لقول الله عز وجل {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} (1) وهذا دلوك الشمس وهذا غسق اللليل. 749 - * روى البزار عن سعد بن أبي وقاصٍ قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله عز وجل: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} (2) قال هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها. وعن (3) مصعب بن سعد قال قلت لأبي يا أبتاه أرأيت قوله: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} (4) أينا لا يسهو أينا لا يُحدث نفسه قال ليس ذاك إنما هو إضاعة الوقت يلهو حق يضيع الوقت، وفي رواية (5) أخرى قال سعد أو ليس كلنا نفعل ذلك. إذا حضر العِشاء والعَشاء: 750 - * روى مالك عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا

_ (1) الإسراء (78). 748 - مجمع الزوائد (7/ 51). قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. (دلوك الشمس) أي زوالها من كبد السماء أي ميلها إلى جهة الغروب. (2) الماعون: 5. 749 - كشف الأستار (1/ 198) كتاب الصلاة، باب في الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها. (3) مجمع الزوائد (1/ 325) كتاب الصلاة، باب فيمن يؤخر الصلاة عن الوقت. قال الهيثمي: رواه البزار وأبو يعلي مرفوعاً بنحو هذا وموقوفا، وفيه عكرهم بن إبراهيم ضعفه ابن حبان وغيره ورواه الحافظ موقوفاً ولم يرفعه غيره. مجمع الزوائد (1/ 325) كتاب الصلاة، باب فيمن يؤخر الصلاة عن الوقت. (4) الماعون: 5. (5) مجمع الزوائد (1/ 325) كتاب الصلاة، باب فيمن يؤخر الصلاة عن الوقت. وإسناده حسن. 750 - الموطأ (2/ 971) 54 - كتاب الاستئذان، 7 - باب ما جاء من الفأرة تقع في السمن والبدء بالأكل قبل الصلاة.

وضع عشاءُ أحدكم وأقيمت الصلاة، فابدؤوا بالعشاء، ولا تعجلْ حتى تفرغ منه"، وكان ابن عمر يُوضع له الطعام وتُقام الصلاةُ فلا يأتيها حتى يفرُغَ، وإنه ليسمعُ قراءة الإمام. وفي رواية (1): "إذا كان أحدُكم على الطعام فلا يعجَلْ حتى يقضي حاجته منه وإن أُقيمت الصلاةُ". وأخرجه أبو داود (2) قال: "إذا وُضع عشاءُ أحدكم وأُقيمت الصلاة فلا يقوم حتى يفرغ". زاد في رواية (3): وكان عبد الله إذا وُضع غشاؤه- أو حضر غشاؤه - لم يقمْ حتى يفرغ، وإن سمعَ الإقامة، وإن سمعَ قراءة الإمام. وله في أخرى (4) عن عبد الله بن عُبيد بن عُمير، قال: كنت مع أبي في زمان ابن الزبير، إلى جنبِ عبد الله بن عمر، فقال عبادُ بن عبد الله بن الزبير: إنا سمعنا أنه يُبدأ بالعشاء قبل الصلاة؟ فقال عبد الله بن عمر: ويحك، ما كان عشاؤهم؟ أتراه كان مثل عشاء أبيك؟. وفي رواية (5) الترمذي: "إذا وُضع العشاءُ وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء": وتعشى ابن عمر وهو يسمع قراءة الإمام. أقول: يلاحظ بساطة عشاء الصحابة رضوان الله عليهم.

_ البخاري (2/ 159) 10 - كتاب الأذان، 42 - باب إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة. مسلم (1/ 392) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 16 - باب كراهية الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله في الحال، وكراهة الصلاة مع مدافعة الأخبثين. (1) البخاري: نفس الموضع السابق، ص 159. (2) أبو داود (3/ 345) كتاب الأطعمة، 10 - باب إذا حضرت الصلاة والعشاء. (3) أبو داود: نفس الموضع السابق. (4) أبو داود: نفس الموضع السابق. (5) الترمذي (2/ 186) أبواب الصلاة، 262 - باب ماجاء إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤا بالعشاء.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد - يلاحظ أن جبريل عليه الصلاة والسلام عندما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أوقات الصلوات الخمس، وكذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما علم أصحابه أوقات الصلاة، لم تؤخر صلاة إلى وقت كراهة، ومن جملة النصوص التي مرت معنا نعرف أن على الإمام أن يراعي حال المأمومين، وأن يراعي الحالات الطارئة دون أن يؤخر صلاةً إلى وقت الكراهة. - مر معنا في أكثر من مكان تعبير (فيء الزوال) وقد عرِّفَ من قبل أكثر من مرة، وههنا نزيد الأمر تفصيلاً. فنقول: إن الشمس عندما تشرق يكون ظل الأشياء نحو الغرب وكلما ارتفعت تقلص ظلها، فإذا كانت في جهة الجنوب مثلاً بالنسبة لخط الاستواء، فإن العود مثلاً يقصر ويتجه شيئاً فشيئاً إلى جهة الجنوب، فحيثما تناهى في حركة الانحسار وقبل أن يتجه نحوالشرق اتجاهاً مواتياً لاتجاه الشمس فعندئذ تكون الشمس قد وصلت إلى كبد السماء، فلو أننا في هذه الحالة أسقطنا من رأس الظل شاقولاً أو خيطاً فإن مركز الشاقول يكون بعيداً عن مركز القضيب من جهة الغرب شيئاً ما، هذا الشيء هو الذي يسمى فيء الزوال، قد يكون كذا سنتمتراً، فعندما نقول يدخل وقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثله سوى فيء الزوال، أي إن وقت العصر يدخل إذا صار ظل كل شيء مثله زائداً على فيء الزوال. يغلط بعضهم ف فهم اصطلاحٍ ورد في السنة النبوية ويرد في كلام الفهاء وهو استعمال كلمتي الفجر الصادق والفجر الكاذب، فيظن أن الفجر الصادق هو أن نتشر ضوء الصباح، وعلى هذا أجاز بعضهم أن يأكل النسا بعد تأكد طلوع الفجر في رمضان وه مخالف للإجماع، فالفجر الكاذب اصطلاح على شعاع طولاني يكون قبيل الفجر الصادق يظهر ثم يغيب، أما إذا ظهر الفجر الصادق المنتشر في الأفق عراً ثم يبدأ يزداد وضوحاً، فهذا هو الفجر الصادق الذي عُلِّق عليه إمساك الصائم ودخول وقت الفجر، فمتى عرف الإنسان بالرؤية أو بالتقويم الموثق وقت طلوع الفجر أو سمع أول كلمة من الأذان فلا يجوز أن يدخل شيئاً جوفه. - ومن الملاحظ أن أوقات الصلوات وأوقات الصوم والحج علقت بظواهر كونية لا تخفى

على أحد ليكون ذلك إقامة حجة ودفعاً لأي نوع من أنواع التغيير والتبديل وقد رأينا أن البلدان التي يدوم فيا النهار أو الليل فترات طويلة كالقطبين يعتمد أهلهما توقيت أقرب البلدان التي تظهر فيها علامات دخول الأوقات الخمسة، وهناك بلدان يكون فجرها وعشاؤها واحداً فهذه كذلك يصلي أهلها على حسب توقيت أقرب مكان تتميز أوقات الصلوات إليها، وهذا أحد قولين في المذهب الحنفي، قال في مراقي الفلاح: (ومن لم يجد وقتهما) أي العشاء والوتر (لم يجبا عليه) بأن كان في بلد كبلغار وبأقصى المشرق يطلع فيها الفجر قبل مغيب الشفق في أقصر ليالي السنة لعدم وجود السبب وهو الوقت. قال الطحطاوي: (فإن الشمس تمكث عندهم على وجه الأرض ثلاثاً وعشرين ساعة، وتغرب ساعة واحدة على حسب عرض البلد واستظهر الكمال وجوب القضاء استدلالاً بحديث الدجال وتبعه ابن الشحنة فصححه في ألغازه، وذكر في المنح أنه المذهب ولا ينوي القضاء لفقد وقت الأداء. وفرق النهر بأن الوقت موجود حقيقة في يوم الدجال، والمفقود بخلاف العلامة فقط ما نحن فيه، فإن الوقت لا وجود له أصلاً. ورد بأن الوقت موجود قطعاً والمفقود هو العلامة فقط فإذن لا فرق). انظر حاشية الطحاطاوي 142 - 143 وفي (الدر المختار 1/ 242): وفاقد وقتهما مكلف بهما فيقدر لهم ولا ينوي القضاء لفقد وقت الأداء، به أفتى البرهان الكبير واختاره الكمال وتبعه ابن الشحنة في ألغازه فصححه ا. هـ. - بالنسبة لمركبات الفضاء يمكن أن يصلي أصحابها على حسب مواقيت مكان الإقلاع مثلاً أو على حسب مواقيت خط العرض الذي يدورون على سمته، وحيثما تعذر معرفة القبلة أو استقبالها صلى الإنسان إلى أي جهة قدر، وكيفما استطاع، قال تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} (1) وقال: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (2) وإذا لم يكن ماء فائض

_ (1) البقرة: 115. (2) البقرة: 286.

عن الحاجة تيمم الإنسان على شيء من جنس الأرض حجر أو بلاط، وعلى المسلم أن يحتاط فلا يضيع صلاة في كل الظروف، ولكن هل يعيد إذا رجع إلى وضع عادي، كأن عاد مسافر الفضاء إلى الأرض؟ قولان للعلماء والأمر واسع، والاحتياط الإعادة إلا إذا زادت الرحلة على أكثر من خمسة أوقات. - لا خلاف بين الفقهاء أن وقت صلاة الفجر يبدأ من طلوع الفجر الصادق، وينتهي بطلوع الشمس ولكنهم اختلفوا فيما لو طلعت الشمس والإنسان يصلي، هل يتمُّ صلاته أو يقطع؟ فأكثر الفقهاء على أنه يتم، والحنفية قالوا: تبطل صلاته وعليه أن يقضي بعد ارتفاع الشمس مقدار رمح، واختلفوا في الوقت الأفضل لأداء الفجر، فاستحب الحنفية الإسفار للرجال، والتغليس للنساء، واستحب المالكية والشافعية والحنابلة أن تصلي الفجر غلساً في أول وقتها. - لا خلاف بين الفقهاء في أن وقت الظهر يبدأ من زوال الشمس، واختلفوا في نهاية وقته، فقال أكثر العلماء حتى يصير ظل كل شيء مثله سوى فيء الزوال، وقال أبو حنيفة: حتى يصير ظل كل شيء مثليه سوى فيء الزوال، والفارق بين الوقتين حوالي 40 دقيقة، وبالإمكان في حالة الضرورة القصوى الإفتاء بقول أبي حنيفة. واختلفوا هل الأفضل أن تصلي الظهر في أول وقتها دائماً؟ فقال الحنفية والشافعية والحنابلة يستحب الإبراد بها في البلاد الحارة في الصيف بحيث يمشي قاصد المسجد في الظل، وقال المالكية: صلاة الظهر بأول وقتها أفضل، والظاهر أن الأفضلية من أجل مراعاة مشقة الحر في الذهاب إلى المسجد أو لمن كان في وضع يشق عليه، أما لمن كان في بيته أو في حال لا يشق عليه أول الوقت بسبب الحر فالصلاة في أول الوقت هي الأفضل. - لا خلاف بين العلماء أن العصر يدخل بخروج وقت الظهر، لكنا رأينا خلافهم في وقت خروج وقت الظهر، ولا خلاف بينهم أن وقتها ينتهي بغروب الشمس ولا خلاف بينهم أن من بدأها قبل الغروب أتمها بعده، ويكره تأخيرها إلى وقت اصفرار الشمس، ويستحب عند بعض الحنفية تأخير صلاة العصر حتى يصير ظل كل شيء مثليه مراعاة لقول أبي حنيفة.

- لا خلاف بين الفقهاء بأن وقت المغرب يدخل إذا غربت الشمس، والجمهور: على أن وقتها ينتهي بغياب الشفق، والجمهور على أن المراد بالشفق الشفق الأحمر، وبعض الفقهاء قال: إن الشفق الأبيض، وبين غياب الشفقين اثنتا عشرة دقيقة، وهناك اتجاه عند الشافعية والحنفية أن وقت المغرب مضيق ينقضي بمقدار وضوء وستر عورة وأذان وإقامة وخمس ركعات، ويستدلون على ذلك بأن جبريل عليه السلام صلى المغرب في اليومين في وقت واحد، إلا أن الجمهور قالوا: على أن هذا يدل على استحباب المبادرة بصلاة المغرب وكراهة تأخيرها إلى وقت اشتباك النجوم. قال الحنفية: لا يفصل بين أذان المغرب وإقامته إلا بقدر ثلاث آيات أو جلسة خفيفة ولا تصلي نافلة بين أذان المغرب وإقامته، واعتبر بعض الفقهاء أن من السنة أن يصلي الإنسان ركعتين بين أذان المغرب وإقامته. - ويبدأ وقت العشاء في القول المفتى به عند المذاهب الأربعة من غياب الشفق الأحمر إلى طلوع الفجر الصادق، وقال الشافعية والمالكية: الأفضل أن يصلي العشاء في أول وقته، وقال الحنفية: يستحب تأخير العشاء إلى ما قبل ثلث الليل الأول في غير وقت الغيم، وقال الحنابلة: يندب تأخير العشاء إلى آخر وقتها المختار وهو ثلث الليل أو نصفه ما لم يشق على بعض المأمومين، وكره كثير من الفقهاء تأخير العشاء إلى ما بعد منتصف الليل إلا لعذر. - اتفق الفقهاء على أن ما بعد طلوع الشمس إلى وقت الظهر لا فريضة فيه، وأن أول وقت الوتر بعد صلاة العشاء وآخر وقتها ما لم يطع الفجر. - ومن جهل الوقت بسبب عارض كغيم أو حبس في مكان مظلم أو عدم ثقته بأن من يسأله يجيبه بغير علم، فعليه في هذه الحالة الاجتهاد حتى يغلب على ظنه دخول الوقت، ويستحب تأخيرها قليلاً إلا أن يخشى خروج الوقت.

الفقرة الثانية في: أوقات الكراهة

الفقرة الثانية في: أوقات الكراهة 751 - * روى مسلم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: ثلاثُ ساعاتٍ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نُصلي فيهن، أو نقبُر فيهن موتانا: حين تطلعُ الشمس بازغةً حتى ترتفع، وحين يقوم قائمُ الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرُب". 752 - * روى مالك عن عب دالله الصنابحي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الشمس تطلعُ ومعها قرنُ الشيطان، فإذا ارتفعت فارقها، ثم إذا استوت قارنها، فإذا زالت فارقها، فإذا دنت للغروب قارنها، فإذا غربَتْ فارقها، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في تلك الساعات". 753 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يتحرى أحدكم فيصلي عند طلوع الشمس ولا عند غروبها". وفي رواية (1)، قال: "إذا طلع حاجِبُ الشمس فدعُوا الصلاة حتى تبرُزَ، وإذا غاب حاجبُ الشمس فدعو الصلاة حتى تغيب، ولا تحينوا بصلاتكم طلوع الشمس

_ 751 - مسلم (1/ 568) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 51 - باب الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها. أبو داود (3/ 208) كتاب الجنائز، باب الدفن عند طلوع الشمس وعند غروبها. الترمذي (3/ 349) 8 - كتاب الجنائز، 41 - باب ما جاء في كراهية الصلاة على الجنازة عند طلوع الشمس وعند غروبها. النسائي (4/ 82) 21 - كتاب الجنائز، 89 - باب الساعات التي نهي عن إقبار الموتى فيهن. (بازغة) بزغت الشمس: إذا طلعت. (تضيفُ) ضافت الشمس تضيفُ، وضيفتْ تضيفُ: إذا مالت للغروب. 752 - الموطأ (1/ 219) 15 - كتاب القرآن، 10 - باب النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر. والنسائي (1/ 275) 6 - كتاب المواقيت، 31 - الساعات التي نهي عن الصلاة فيها، وإسناده صحيح. 753 - البخاري (2/ 60) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 31 - باب لا يتحرى الصلاة قبل غروب الشمس. (1) البخاري (6/ 275) 59 - كتاب بدء الخلق، 11 - باب صفة إبليس وجنوده. (تحرُّوا) التحري: القصد والعزم على تخصيص الشيء بالفعل والقول. (تحينوا) تحينتُ وقت كذا: أي طلبتُ حينهُ.

ولا غروبها، فإنها تطلعُ بين قرني شيطان - أو الشيطان-" لا أدري أي ذلك قال هشام، يعني: ابن عروة. 754 - * روى مالك عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن عمر كان يقول: لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها، فإن الشيطان يطلعُ قرناه مع طلوع الشمس، ويغرُبان مع غروبها، وكان يضرِبُ الناس على تلك الصلاة. 755 - * روى الطبراني عن عمرو بن دينارٍ قال رأيتُ ابن عمر طاف بعد صلاة الصبح وصلى ركعتين ثم قال إنما تكره الصلاة عند طلوع الشمس لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الشمس تطلعُ بين قرني شيطان". 756 - * روى أبو داود عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه أنه قال قلت: يا رسول الله، أي الليل أسمع؟ قال: "جوفُ الليل الآخر، فصلِّ ما شئت فإن الصلاة مشهودةٌ مكتوبةٌ، حتى تُصلي الصبح، ثم أقصرْ حتى تطلُع الشمس فترتفع قيس رُمْحٍ أو رمحين، فإنها تطلع بين قرني شيطان، ويصلي لها الكفار، ثم صل ما شئت، فإن الصلاة مشهودة مكتوبة، حتى يعدل الرمح ظله، ثم أقصر، فإن جهنم تسجرُ وتُفتح أبوابها، فإذا زاغت الشمس فصل ما شئت، فإن الصلاة مشهودة، حتى تُصلي العصر، ثم أقصر حتى تغرب الشمس، فإنها تغرب بين قرني شيطان، ويصلي لها الكفار ... ".

_ 754 - الموطأ (1/ 221) 15 - كتاب القرآن 10 - باب النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، وإسناده صحيح. 755 - مجمع الزوائد (2/ 229) كتاب الصلاة، باب الصلاة بمكة في كل الأوقات. وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الوسط، وإسناده حسن. 756 - أبو داود (2/ 25) كتاب الصلاة، 10 - باب من رخص فيهما إذا كانت الشمس مرتفعه. النسائي (1/ 279) 6 - كتاب المواقيت، 35 - النهي عن الصلاة بعد العصر، وهو حديث صحيح. (أي الليل أسمع؟) أي: أيُّ أوقات الليل أرجى للدعاء، وأولى بالاستجابة؟ " (جوف الليل الآخر) هو ثلثه الآخر، والمراد: السدس الخامس من أسداس الليل. (مشهودةٌ) أي تشهدها الملائكة، وتكتب أجرها للمصلي. (تُسجرُ جهنمُ) قال الخطابي: قوله: "تسجر جهنمط "بين قرني الشيطان" من ألفاظ الشرع التي أكثرها ينفرد بمعانيها، ويجب علينا التصديق بها، والوقوف عند الإقرار بها وبأحكامها والعمل بها.

وأخرجه النسائي، قال: "قلت: يا رسول الله، هل من ساعةٍ أقرب من الله عز وجل من الأخرى؟ أو هل من ساعة يُبتغى ذكرُها؟ قال: "نعم، إن أقرب ما يكون الربُّ عز وجل من العبد جوفُ الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله عز وجل في تلك الساعة فكُنْ، فإن الصلاة محضورةٌ مشهودةٌ إلى طلوع الشمس، فإنها تطلعُ بين قرنيْ شيطان وهي ساعةُ صلاة الكفار، فدع الصلاة حتى ترتفع قيد رُمحٍ، ويذهب شُعاعها، ثم الصلاة محضورة مشهودة حتى تعتدل فدع الصلاة حتى يفيء الفيءُ، ثم الصلاة محضورةٌ مشهودةٌ، حتى تغيب الشمس، فإنها تغيبُ بين قرني شيطان وهي صلاة الكفار". أقول: هاتان الروايتان من أقوى الأدلة على جواز النفل المطلق وأن اختيار رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه أن يصلي في الليل عدداً معلوماً لا ينفي جواز صلاة أكثر من ذلك عدداً. جاء في (شرح السنة 3/ 321): قوله: "ومعها قرنُ الشيطان" قيل: أراد به حزبه، قال الله سبحانه وتعالى: {وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ} (1) والمرادُ بالقَرْن هاهنا: عبدةُ الشمس، فإنهم يسجدون للشمس في هذه الأوقات، وقيل: "قرْنُ الشيطان" أي: قوَّتُه، من قولهم: فلانٌ مقرنٌ لهذا الأمر، أي: مطيقٌ له، وهو مثلٌ يريد به التسلُّط، وذلك لأن الشيطان إنما يقوى أمره في هذه الأوقات، لأنه يُسَوِّلُ لعبدة الشمس أن يسجدوا لها في هذه الأوقات الثلاثة، وقيل: معناه: أن الشيطان يُدني رأسه من الشمس في هذه الساعات حتى يكون طلوعها وغروبها بين قرنيه، وهما جانبا رأسه من الشمس، فينقلب سجودُ عبدة الشمس للشمس عبادةً للشيطان. اهـ.

_ (1) (قيس - قيد رُمحٍ) قيسُ الشيء: قدرُه، وكذلك: قيدُه، بكسر القاف. (حتى يفيء الفيءُّ) فاء الفيء يفيء: إذا رجع من الغرب إلى جانب الشرق. (1) الأنعام: 60.

757 - * روى أحمد عن سلمة بن الأكوع قال: "كنت أسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم فما رأيته صلى بعد العصر ولا بعد الصبح قطُّ". 758 - * روى أحمد عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبهم وهو مسندٌ ظهره إلى الكعبة فقال: "لا صلاة بعد العصر حتى تغرُب الشمسُ". 759 - * روى أحمد عن أم سلمة قالت صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر ثم دخل بيتي فصلى ركعتين فقلت يا رسول الله صليت صلاةً لم تكن تُصليها قال: "قدِمَ مالٌ فشغلني عن ركعتين كنت أركعُهما بعد الظهر فصليتهما الآن" فقلت يا رسول الله أفنقضيهما إذا فاتتا قال لا. 760 - * روى أحمدعن زيد بن خالد الجُهني أنه رآه عمر بن الخطاب وهو خليفةٌ ركع بعد العصر ركعتين فمشى إليه فضربه بالدرة وهو يصلي كما هو فلما انصرف قال: زيد يا أمير المؤمنين فوالله لا أدعهما أبداً بعد إذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما قال: فجلس عمر إليه وقال: يا زيد بن خالدٍ لولا أني أخشى أن يتخذها الناس سُلماً إلى الصلاة حتى الليل لم أضربُ فيهما.

_ 757 - أحمد (4/ 51). مجمع الزوائد (2/ 226) كتاب الصلاة، باب النهي عن الصلاة بعد العصر وغير ذلك. وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الأوسط ورجال أحمد رجال الصحيح. 758 - أحمد (3/ 95). مجمع الزوائد (2/ 226) كتاب الصلاة، باب النهي عن الصلاة بعد العصر وغير ذلك. وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات. 759 - أحمد (6/ 315). مجمع الزوائد (8/ 264) كتاب علامات النبوه، باب ما جاء في الخصائص. وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلي بنحوه ورجالهما رجال الصحيح. ابن حبان (4/ 149) كتاب الصلاة، باب قضاء الفوائت. 760 - أحمد (4/ 115). الطبراني (5/ 228) (المعجم الكبير). مجمع الزوائد (2/ 223) كتاب الصلاة، باب الصلاة بعد العصر. وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير وإسناده حسن.

أقول: كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلاة العصر قضاء ابتداءً. وكان من سنته إذا فعل شيئاً أثبته، وقد مر معنا حديث أم سلمة: أن قضاء النافلة بعد صلاة العصر خصوصية له عله الصلاة والسلام، ولكن زيداً رأى الفعل ولم يعرف الخصوصية فاقتدى، وسكوت عمر عنه في النهاية ليس إقراراً، وإنما رأى تعلقه بما شاهده من رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكت عنه، وقول زيد لعمر وهو خليفة ما قال يدل على أن من كان له اجتهاد شخصي في محله لا يجب عليه أن يتخلى عن مذهبه لأمر أمير المؤمنين. 761 - * روى مالك عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرُب الشمس، وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمسُ". 762 - * روى أبو داود عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر إلا والشمس مرتفعة". وعند النسائي: إلا أن تكون الشمس بضاء نقيةً مرتفعةً. 763 - * روى مسلم عن أبي بصرة الغفاري رض الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمخمصِ صلاة العصر، فقال: "إن هذه صلاةٌ عُرضت على منْ كان قبلكم فضيعُوها، فمن حافظ عليها كان له أجره مرتين، ولا صلاة بعدها حتى يطلُع الشاهدُ".

_ 761 - الموطأ (1/ 221) 15 - كتاب القرآن، 10 - باب النهي عن الصلاة بعد لاصبح وبعد العصر. مسلم (1/ 566) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 51 - باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها. النسائي (1/ 276) 6 - كتاب المواقيت، 32 - النهي عن الصلاة بعد الصبح. 762 - أبو داود (2/ 24) كتاب الصلاة، 10 - باب من رخص فيهما إذا كانت الشمس مرتفعة. النسائي (2/ 280) 6 - كتاب المواقيت، 36 - الرخصة في الصلاة بعد العصر. ابن خزيمة (2/ 265) جماع أبواب الأوقات التي ينهي عن التطوع فيهن، 568 - باب بيان أن النهي عن الصلاة بعد العصر، وإسناده صحيح. 763 - مسلم (1/ 568) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 51 - باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها. النسائي (1/ 259) 6 - كتاب المواقيت، 14 - تأخير المغرب. (الشاهد): النجْمُ.

764 - * روى مسلم عن العلاء بن عبد الرحمن رحمه الله: أنه دخل على أنس بن مالك في داره بالبصرة حين انصرف من الظهر، ودارُه بجنبِ المسجد، قال: فلما دخلنا عليه، قال: أًليتم العصر؟ فقلتُ له: إنما انصرفنا الساعة من الظهر، قال: فصلوا العصر، فقمنا فصلينا، فلما انصرفنا، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تلك صلاة المنافق، يجلس يرقُب الشمس، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعاً، لا يذكر الله فيها إلا قليلاً". وفي رواية الموطأ (1) وأبي داود (2)، قال: دخلنا على أنس بعد الظهر فقام يُصلي العصر، فلما فرغ من صلاته ذكرنا تعجيل الصلاة - أو ذكرها -قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تلك صلاة المنافقين، تلك صلاة المنافقين، تلك صلاة المنافقين .. وذكر باقي الحديث".

_ 764 - مسلم (1/ 434) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 34 - باب استحباب التبكير بالعصر. الترمذي (1/ 301) أبواب الصلاة، 120 - باب ما جاء في تعجيل العصر. النسائي (1/ 254) 6 - كتاب المواقيت، 9 - باب التشديد في تأخير العصر. ابن خزيمة (1/ 172) كتاب الصلاة، 18 - باب ذكر التغليظ في تأخير صلاة العصر إلى اصفرار الشمس. (1) الموطأ (1/ 220) 15 - كتاب القرآن، 10 - باب النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر. (2) أبو داود (1/ 113) كتاب الصلاة، 4 - باب وقت صلاة العصر.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد - اتفق الفقهاء على أنه لا تنفل بعد صلاة لافجر حتى تطلع الشمس، وأجازوا قضاء الفريضة في هذا الوقت، ولا يقضي عند الحنفية في هذا الوقت سنة الصبح إذا لم يؤدها قبل فريضتها، ويكره تحريماً عندهم تحية مسجد أو منذور أو ركعتا طواف ولا يكره عندهم قضاء وتر أو سجدة تلاوة أو صلاة جنازة، ويكره تنزيهاً التنفل عند المالكية بعد طلوع الفجر إلا سنتها وفريضتها، ويستثنون من الكراهة صلاة الجنازة وسجود التلاوة بعد صلاة الصبح، ولا كراهة عند الشافعية لمن قضى سنة الفجر بعد فريضتها، ولا لمن صلى في حرم مكة وخاصة بعد الطواف، ولا صلاة ذات سبب كصلاة كسوف وتحية مسجد وسنة وضوء وسجدة شكر. وتجوز عند الحنابلة ركعتا الطواف وصلاة الجنازة وكذا إعادة الصلاة جماعة بشرط أن تقام وهو في المسجد أو يدخل المسجد وهم يصلون، ويجوز عندهم قضاء سنة الفجر بعد فريضتها، والمختار عند الإمام أحمد أن يقضي سنة الفجر في وقت الضحى، والحنفية والمالكية على أنه لا تنفل قبل صلاة الفجر بعد طلوع الفجر إلا سنة الفجر، لكن الكراهة عند المالكية تنزيهية. وأجازوا لمن كان له ورد في ليلة وفاته، أن يصليه قبل صلاة الفريضة. - واتفق الفقهاء على أنه لا صلاة وقت طلوع الشمس حتى ترتفع قدر رمح أي بعد طلوعها بمقدار ثلث ساعة، وفي هذا الوقت لا تنعقد أي صلاة عند الحنفية، وإذا كان الإنسان في صلاة فريضة وطلعت الشمس بطلت الصلاة عندهم، فتحرم أي صلاة عندهم في هذا الوقت وقال المالكية والحنابلة والشافعية لا تبطل صلاة فريضة الصبح بطلوع الشمس. وقال المالكية: يحرم النفل لا الفرض في الأوقات الثلاثةويجوز قضاء الفائتة فيها، ويكره تنزيهاً النفل في الوقتين الآخرين بعد طلوع الفجر وبعد أداء العصر إلا لجنازة وسجود تلاوة. وقال الشافعية: تركه الصلاة تحريماً على المعتمد في الأوقات الثلاثة وتنزيهاً في الوقتين الآخرين ولا تنعقد الصلاة في الحالتين إلا الصلاة عند الاستواء يوم الجمعة سواء حضر إلى الجمعة أم لم يحضر. وكذلك لا تكره عند الشافعية في حرم مكة ولا تكره الصلاة ذات السبب غير المتأخر كفائتة وكسوف وتحية مسجد وسنة وضوء وسجدة شكر

وصلاة جنازة وركعتي الطواف، أما ما له سبب متأخر كركعتي الاستخارة والإحرام فإنه لا ينعقد. وتحرم الصلاة قبل الزوال بثلث ساعة عند الحنفية مهما كان نوعها. وقال الحنابلة: يجوز قضاء الفرائض الفائتة في جميع أوقات النهي وإذا طلعت الشمس على من يصلي الصبح أتمها ويجوز فعل ركعتي الطواف وتجوز الجنازة في الوقتين بعد العصر والفجر وهو رأي الجمهور، ولا تجوز في الأوقات الثلاثة إلا لضرورة، ويحرم سجود التلاوة والنافلة وصلاة الكسوف والاستسقاء وتحية المسجد وسنة الوضوء وسنة الاستخارة في الأوقات الخمسة. - يكره تحريماً عند الحنفية أي تنفل بعد أداء صلاة العصر ولو ركعتي طواف أو قضاء نفل أفسده ويجوز عندهم قضاء الفرائض الفائتة قبل تغيُّرِ الشمس ويكره التنفل تنزيهاً عند المالكية بعد أداء صلاة العصر قبل اصفرار الشمس ويندب عندهم ألا تؤخر صلاة الجنازة أو سجود التلاوة إذا كانا في هذا الوقت، وتجوز الصلاة في هذا الوقت عند الشافعية والحنابلة للطائفين، وصلاة الجنازة والصلاة ذات السبب جائزة عند الشافعية، ويجوز في قول عند الحنابلة قضاء السنن الراتبة بعد العصر لكن الصحيح عندهم أن سنة العصر لا تقضي. - يكره التنفل عند الحنفية والمالكية قبل صلاة المغرب وقال الشافعية تستحب ركعتان، وقال الحنابلة تجوز ركعتان، وليست سنة. يكره عند المالكية والحنفية التنفل أثناء خطبة الإمام في الجمعة والعيد والحج والنكاح والكسوف والاستسقاء وذلك من خروج الخطيب حتى يفرغ من الصلاة، وقال المالكية: ويكره التنفل بعد صلاة الجمعة، إلا في البيت أو إلى انصراف الناس من المسجد، وشارك الشافعية والحنابلة الحنفية والمالكية في كراهة الصلاة فيما ذكرناه إلا تحية المسجد إلا لمن يخشى فوات تكبيرة الإحرام على أن تكون قصيرة خفيفة، إلا أن الكراهة تحريمية عند الحنفية تنزيهية عند الحنابلة والشافعية. - يكره التنفل عند الحنفية والمالكية والحنابلة قبل صلاة العيد وبعده ولكن الحنابلة قالوا لا بأس بالتنفل إذا خرج من المصلى ولم يفرق الحنفية بين الإمام والمأموم في الكراهة

سواء كان في المسجد أم في المصلى. - قال الحنفية يكره تحريماً التطوع عند إقامة الصلاة المفروضة إلا سنة الفجر إن لم يخف فوت جماعة الفرض ولو بإدراك تشهده فأن خاف تركها أصلاً، وإذا صلاها فليحاول أن يصليها في مكان بعيد عن صلاة الجماعة، وقال الشافعية والجمهور يكره افتتاح نافلة بعد إقامة الصلاة سواء أكانت راتبة كسنة الصبح والظهر والعصر أو غيرها كتحية المسجد. انظر (حاشية ابن عابدين 1/ 248 - 253)، (المغني 1/ 456 و 2/ 107 وما بعدها)، (2/ 116 - 119)، (الشرح الصغير 1/ 241)، (الفقه الإسلامي 1/ 521 وما بعدها).

الفقرة الثالثة: في الجمع بين صلاتين

الفقرة الثالثة: في الجمع بين صلاتين 765 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمسُ أخَّر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما، فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر، ثم ركب. وفي رواية (1): كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر أخر الظهر، حتى يدخل أولُ وقت العصر. وفي أخرى (2): أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا عجل عليه السيرُ يؤخرُ الظهر إلى أول وقت العصر، فيجمعُ بينهما، ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء. وزاد أبو داود في رواية أخرى (3) بعد قوله: العشاء: حين يغيبُ الشفقُ. وفي رواية النسائي (4) مثل الرواية الثانية وزيادة أبي داود، وفي أخرى (5) للبخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمعُ بين هاتين الصلاتين في السفر، يعني: المغرب والعشاء. 766 - * روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمعُ بين صلاتي الظهر والعصر إذا كان على ظهر سيرٍ، ويجمعُ بين المغرب والعشاء". وفي رواية (6) مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاة في سفرةٍ سافرها في غزوة تبوك، فجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء.

_ 765 - البخاري (2/ 582، 583) 18 - كتاب تقصير الصلاة، 16 - باب إذا ارتحل بعد ما زاغت الشمس صلى الظهر ثم ركب. مسلم (1/ 489) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 5 - باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر. أبو داود (2/ 7) كتاب الصلاة، باب الجمع بين الصلاتين. (1) مسلم (1/ 489) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 5 - باب جواز الجمع بن الصلاتين في السفر. (2) مسلم: نفس الموضع السابق. (3) أبو داود (2/ 7) كتاب الصلاة، باب الجمع بين الصلاتين. (4) السنائي (1/ 287) 6 - كتاب المواقيت، 45 - الوقت الذي يجمع فيه المسافر بين المغرب والعشاء. (5) البخاري (2/ 581) 18 - كتاب تقصير الصلاة، 14 - باب هل يؤذن أو يقيم إذا جمع بين المغرب والعشاء. (تزيغُ) زاغت الشمس تزيغ: إذا مالت عن وسط السماء إلى الغرب. 766 - البخاري (2/ 579) 18 - كتاب تقصير الصلاة، 13 - باب الجمع في السفر بين المغرب والعشاء. (6) مسلم (1/ 490) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 6 - باب الجمع بين الصلاتين في الحضر.

767 - * روى مسلم عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فكان يصلي الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً. وفي رواية (1) قال: فقلت: ما حمله على ذلك؟ فقال: أراد أن لا يُحْرِج أمتهُ. وفي رواية (2) الموطأ وأبي داود (3) والنسائي (4): "أنهم خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، فأخر الصلاة يوماً، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً، ودخل، ثم خرج فصلى الممغرب والعشاء جميعاً". قال الشيخ شعيب في (شرح السنة 4/ 195): وحسين بن عبد الله بن عبيد الله ضعيف، لكن له شاهد من طريق حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن ابن عباس قال: لا أعلمه إلا قد رفعه، قال: كان إذا سافر فنزل منزلاً فأعجبه المنزل أخر الظهر حتى يجمع بين الظهر والعصر، وإذا سار ولم يتهيأ له المنزل أخر الظهر حتى يأتي المنزل فيجمع بين الظهر والعصر، وأخرجه أحمد رقم (2191) والبيهقي (3/ 164) ورجاله ثقات، قال الحافظ في "الفتح": إلا أنه مشكوك في رفعه، والمحفوظ أنه موقوف، وقد أخرجه البيهقي من وجه آخر مجزوماً بوقفه عن ابن عباس، ولفظه: إذا كنتم سائرين ... فذكره نحوه. اهـ. أقول: إذا كان هذا هو نص الحديث فليس شاهداً لحديث حسين بن عبيد الله لأن الشاهد ليس فيه إلا جمع التأخير إذ نه ذكر في المرتين أخر الظهر حتى يجمع بين الظر والعصر، إلا أن لفظ رواية البيهقي هو: 768 - * روى البيهقي عن ابن عباس إذا نزل منزلاً في السفر فأعجبه المنزل أقام فيه حتى يجمع بين الظهر والعصر ثم يرتحل فإذا لم يتهيأ له المنزل مد في السفر فسار فأخر الظهر حتى يأتي المنزل الذي يريد أن يجمع فيه بين الظهر والعصر.

_ 767 - مسلم (1/ 490) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 6 - باب الجمع بين الصلاتين في الحضر. (1) مسلم، الموضع السابق. (2) الموطأ (1/ 143) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 1 - باب الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر. (3) أبو داود (2، 4، 5) كتاب الصلاة، باب الجمع بين الصلاتين. (4) النسائي (1/ 285) 6 - كتاب المواقيت، 42 - الوقت الذي يجمع فيه المسافر بين الظهر والعصر. 768 - البيهقي (3/ 164) كتاب الصلاة، باب الجمع بين الصلاتين في السفر.

ففهموا منه أنه صلى الله عليه وسلم إذا أعجبه المنزل صلى الظهر والعصر أي جمع تقديم ثم يرتحل وإلا أخر الظهر حتى يأتي المنزل الذي يريد، والله أعلم. 769 - * روى أحمد عن عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه: "كان إذا سافر سار بعدما تغرب الشمس، حتى إذا كاد أن يُظلم، ثم ينزل فيصلي المغرب، ثم يدعو بعشائه فيتعشى، ثم يصلي العشاء، ثم يرتحلُ، ويقول: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع". قال الحنفية: الجمع جمع تقديم لم يثبت لأنه من رواية حسين بن عبيد الله وهو ضعيف وقالوا: إن الحاديث التي استدل بها الجمهور على جواز الجمع جمع تأخير تحتمل احتمالاً قوياً الجمع الصوري وهو تأخير الأولى إلى آخر وقتها وتقديم الثانية لأول وقتها فتؤدي الصلاتان وليس بينهما شيء، واستدل الحنفية على عدم جواز الجمع الحقيقي بأن الأحاديث الواردة بتعيين الأوقات ثبتت بالتواتر أو الشهرة فلا يجوز تركها بغير دليل يساويها ولا تعتبر صالحة لتخصيص النص القرآني {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} (1)، واستدلوا بما روى أبو داود عن ابن عمر أنه قال: (ما جمع رسول الله صلى الله عليه سولم بين المغرب والعشاء قط في السفر إلا مرة واحدة) وبما روى عن ابن مسعود رضي الله عنه: (والذي لا إله غيره ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة قط إلا لوقتها إلا صلاتين جمع بين الظهر والعصر بعرفة وبين المغرب والعشاء بجمعٍ). رواه البخاري ومسلم، وفعل علي في هذا النص يشهد للحنفية، وهناك روايات أخرى كثيرة فهم منها الحنفية الجمع الصوري وهي رخصة إذا عرف حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعده صحابته على الصلاة في وقتها. (انظر إعلاء السنن 2/ 81). وإنما أردنا فقط أن يُعرف أن للحنفية دليلهم القوي في المسألة وليس الأمر ما يزعم البعض. 770 - * روىأبو داود عن جابر رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من مكة

_ 769 - أحمد (1/ 136). أبو داود (2/ 10، 11) كتاب الصلاة، باب متى يتم المسافر؟ وهو حديث حسن. (1) النساء: 103. 770 - أبو داود (2/ 7) كتاب الصلاة، باب الجمع بين الصلاتين

قبل غروب الشمس، فجمع بين العشاءين بسرف، وبينهما عشرةُ أميالٍ، وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غابت له الشمس بمكة، فجمع بينهما بسرف، قال هشام بن سعد: بينهما عشرة أميال. 771 - * روى ابن خزيمة عن نافع، قال: كنت مع عبد الله بن عمر وحفص بن عاصم ومساحق بن عمرو، قال: فغابت الشمس، فقيل لابن عمر: الصلاة، قال: فسار، فقيل له الصلاة، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عجل به السير أخرَ هذه الصلاة وأنا أريد أن أؤخرها. قال: فسرنا حتى نصف الليل أو قريباً من نصف الليل. قال: فنزل فصلاها. 772 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة سبعاً وثمانياً: الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، قال أيوب: لعله في ليلة مطيرة؟ قال: عسى. وفي رواية (1) قال: "صليتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم ثمانياً جميعاً، وسبعاً جميعاً، قال عمرو: قلت: يا أبا الشعثاء، أظنه أخر الظهر وعجل العصر، وأخر المغرب وعجل العشاء؟ قال: وأنا أظن ذلك. ولمسلم (2) قال: صلى رسول الله صلى اله عليه وسلم الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً، من غير خوف ولا سفر. زاد في رواية (3): قال: قال أبو الزبير: "فسألت سعيداً: لِمَ فعل ذلك؟ فقال: سألت ابن عباس عما سألتني؟ فقال: أراد

_ = النسائي (1/ 287) 6 - كتاب المواقيت، 45 - باب الوقت الذي يجمع فهي المسافر بين المغرب والعشاء وهو حديث حسن. (سَرف) بكسر الراء: موضع بينه وبين مكة مما يلي طريق المدينة عشرة أميال، وكثير يقولونه بفتح الراء، وهو خطأ. (الميل) 1848 متراً. 771 - ابن خزيمة (2/ 84) جماع أبواب الفريضة في السفر (377) باب الجمع بين الظهر والعصر في وقت العصر، وبين المغرب والعشاء في وقت العشاء وإسناده صحيح. 772 - البخاري (2/ 23) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 12 - باب تأخير الظهر إلى العصر. مسلم (1/ 491) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 6 - باب الجمع بين الصلاتين في الحضر. (1) مسلم: نفس الموضع السابق. (2) مسلم: نفس الموضع السابق ص 489. (3) مسلم: نفس الموضع السابق ص 490.

أن لا يُحْرِجَ أمته". وله في أخرى (1) نحوه، وقال "في غير خوف ولا مطر". وله في أخرى (2): قال عبد الله بن شقيق العُقيلي: خطبنا ابن عباس يوماً بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم، وجعل الناس يقولون: الصلاة، الصلاة، قال: فجاءه رجل من بني تميمي لا يفترُ ولا ينثني: الصلاة، الصلاة، فقال ابن عباس: أتعلِّمُني بالسُّنة؟ لا أبالك، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، قال عبد الله بن شقيق: فحاك في صدري من ذلك شيءٌ، فأتيتُ أبا هريرة فسألته، فصدق مقالته. وفي رواية (3) قال: قال رجلٌ لابن عباس: الصلاة، فسكت، ثم قال: الصلاة، فسكت، ثم قال: الصلاة، فسكت، ثم قال: لا أم لك، تُعلمُنا بالصلاة؟ كنا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي رواية الموطأ (4): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر جميعاً، من غير خوف ولا سفر". قال: قال مالك: أرى ذلك كان في مطرٍ. أقول: من خلال التعليقات والتلعيلات التي وردت في روايات هذا النص: يتضح أن هذا النص محمول على الجمع الصوري أو على عذر غفل بعض الرواة عنه، فلا حجة في النص لمن أجاز الجمع بلا عذر فذلك مخالف لما استقر عليه العلماء وأجمعوا عليه، وقد تعلق بعض الناس بألفاظ وردت في بعض الروايات تفيد جواز الجمع في الحضر لأي حاجة عرضت - واحتمال الخطأ في الرواية وارد - قال صاحب إعلاء السنن (2/ 85) حول حديث ابن عباس هذا: فهو محمول على الجمع الصوري، وحمله على الجمع الحقيقي خلاف الإجماع. قال الترمذي في (علله): جميع ما في هذا الكتاب من الحديث هو معمول به وبه أخذ بعض أهل العلم ما خلا حديثين حديث ابن عباس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر بالمدينة، والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر ولا مطر". إلخ. (2/ 235) فهذا الحديث ظاهره متروك بالإجماع لم يقل به أحد.

_ (1) مسلم: نفس الموضع السابق ص 491. (2) مسلم: نفس الموضع السابق ص 491. (3) مسلم: نفس الموضع السابق ص 492. (4) الموطأ (1/ 44) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، (1) باب الجع بين الصلاتين في الحضر والسفر.

وأخرج الترمذي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من جمع بين الصلاتين من غير عذرٍ فقد أتى باباً من الكبائر". وفيه حنش حسين بن قيس. قال الترمذي: هو ضعيف عند أهل الحديث ضعفه أحمد وغيره اهـ. (1 - 26) قلت: الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك عن حنش عن عكرمة عن ابن عباس ثم قال: حنش بن قيس الرحبي يقال له: أبو علي من أهل اليمن سكن الكوفة ثقة اهـ. (1) وفي التهذيب بعد ذكر الكلام الطويل فيه: وزعم أبو محصن أنه شيخ صدوق. وقال أبو بكر البزار [عنه] لين الحديث اهـ. (2 - 36): على أن لما رواه شاهداً صحيحاً موقوفاً، فقد صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كتب إلى أبي موسى: "واعلم أن جمعاً بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر". أخرجه عبد الرزاق في المصنف (2) عن معمر عن قتادة عن أبي العالية الرياحي كذا في اللآلئ (2 - 13) ورجاله رجال الصحيح (3). (1) قال الذهبي تحته: (قلت: بل ضعفوه). (2) أخرجه في باب من نسي صلاة الحضر والجمع بين الصلاتين في السفر (2 - 552 رقم 22 - 44). (3) وهو موقوف في حكم المرفوع. 773 - * روى مسلمعن ابن عباس أنه قال: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً في غير خوف ولا سفر" قال مالك: أرى ذلك كان في مطر. قال ابن خزيمة: لم يختلف العلماء كلهم أن الجمع بين الصلاتين في الحضر في غير المطر غير جائز، فعلمنا واستيقنا أن العلماء لا يجمعون على خلاف خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم صحيح من جهة النقل، لا معارض له عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يختلف علماءُ الحجاز أن الجمع بين الصلاتين في المطر جائز، فتأولنا جمع النبي صلى الله عليه وسلم في الحضر على المعنى الذي لم يتفق المسلمون على خلافه،

_ 773 - مسلم (1/ 489) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 6 - باب الجمع بين الصلاتين في الحضر. ابن خزيمة (2/ 85) جماع أبواب الأفعال المكروهة في الصلاة، 378 - باب الرخصة في الجمع بين الصلاتين في الحضر في المطر.

إذ غير جائز أن يتفق المسلمون على خلاف خبر النبي صلى الله عليه وسلم من غير أن يُرْووا عن النبي صلى الله عليه وسلم خبراً خلافه، فأما ما روى العراقيون أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بالمدينة في غير خوف ولا مطر، فهو غلط وسهو وخلاف قول أهل الصلاة جميعاً اهـ. قال الحافظ في (الفتح 2/ 23 - 24): واحتمال المطر قال به أيضاً مالك عقب إخراجه لهذا الحديث عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس نحوه، وقال بدل قوله بالمدينة: "من غير خوف ولا سفر". قال مالك: لعله كان في مطر، لكن رواه مسلم وأصحاب السنن من طريق حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير بلفظ: من غير خوف ولا مطر". فانتفى أن يكون الجمع المذكور للخوف أو السفر أو المطر، وجوز بعض العلماء أن يكون الجمع المذكور للمرض، وقواه النووي، وفيه نظر، لأنه لو كان جمعه صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين لعاض المرض لما صلى معه إلا من به نحو ذلك العذر، والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم جمع بأصحابه، وقد صرح بذلك ابن عباس في روايته، قال النووي: ومنهم من تأوله على أنه كان في غيم فصلى الظهر ثم انكشف الغيم مثلاً فبان أن وقت العصر دخل فصلاها، قال وهو باطل لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر فلا احتمال فيه في المغرب والعشاء اهـ. وكأن نفيه الاحتمال مبني على أنه ليس للمغرب إلا وقت واحد، والمختار عنده خلافه، وهو أن وقتها يمتد إلى العشاء، فعلى هذا فالاحتمال قائم. قال: ومنهم من تأوله على أن الجمع المذكور صوري، بأن يكون أخر الظهر إلى آخر وقتها وعجل العصر في أول وقتها. قال: وهو احتمال ضعيف أو باطل لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل اهـ. وهذا الذي ضعفه استحسنه القرطبي ورجحه قبله إمام الحرمين وجزم به من القدماء ابن الماجشون والطحاوي وقواه ابن سيدالنسا بأن أبا الشعثاء وهو راوي الحديث عن ابن عباس قد قال به، وذلك فيما رواه الشيخان من طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار فذكر هذا الحديث وزاد: قلت: يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء، قال: وأنا أظنه. قال ابن سيد الناس: وراوي الحديث أدري بالمراد من غيره. قلت: لكن لم يجزم بذلك، بل لم يستمر عليه، فقد تقدم كلامه لأيوب وتجويزه لأن يكون الجمع بعذر املطر، لكن يقوي ما ذكره من الجمع الصوري أن طرق الحديث كلها ليس فيها تعرض لوقت

الجمع، فإما أن تحمل على مطلقها فيستلزم إخراج الصلاة عن وقتها المحدود بغير عذر، وإما أن تحمل على صفة مخصوصة لا تستلزم الإخراج ويجمع بها بين مفترق الأحاديث، والجمع الصوري أولى والله أعلم. قال المعلق على الفتح في الطبعة السلفية: هذا الجمع ضعيف. والصواب حمل الحديث المذكور على أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلوات المذكورة لمشقة عارضة ذلك اليوم من مرض غالب أو برد شديد أو وحل ونحو ذلك. ويدل على ذلك قول ابن عباس لما سئل عن علة هذا الجمع قال: "لئلا يحرج أمته". وهو جواب عظيم سديد شاف. والله أعلم. قال ابن حجر: وقد ذهب جماعة من الأئمة إلى الأخذ بظاهر هذا الحديث. فجوزوا الجمع في الحضر للحاجة مطلقاً لكن بشرط أن لا يتخذ ذلك عادة، وممن قال به ابن سيرين وربيعة وأشهب وابن المنذر والقفال الكبير وحكاه الخطابي عن جماعة من أصحاب الحديث، واستدل لهم بما وقع عند مسلم في هذا الحديث من طريق سعيد بن جبير قال: فقلت لابن عباس لم فعل ذلك قال: أراد ان لا يحرج أحداً من أمته. وللنسائي من طريق عمرو بن هرم عن أبي الشعثاء أن ابن عباس صلى بالبصرة الأولى والعصر ليس بينهما شيء، والمغرب والعشاء ليس بينها شيء، فعل ذلك من شغل، وفيه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية لمسلم من طريق عبد الله بن شقيق أن شغل ابن عباس المذكور كان بالخطبة وأنه خطب بعد صلاة العصر إلى أن بدت النجوم، ثم جمع بين المغرب والعشاء. وفيه تصديق أبي هريرة لابن عباس في رفعه. وما ذكره ابن عباس من التعليل بنفي الحرج ظاهر في مطلق الجمع، وقد جاء مثله عن ابن مسعود مرفوعاً أخرجه الطبراني ولفظه: "جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء، فقيل له في ذلك فقال: صنعت هذا لئلا تحرج أمتي". وإرادة نفي الحرج يقدح في حمله على الجمع الصوري، لأن القصد إليه لا يخلو عن حرج أهـ. 774 - * (1) روى مالك عن نافع: أن ابن عمر كان إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء في

_ 774 - الموطأ (1/ 145) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 1 - باب الجمع بين الصلاتين في السفر، وإسناده صحيح.

المطر جمع معهم. 775 - * روى ابن خزيمة عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال: "حبسنا يوم الخندق حتى كان بعد المغرب هوياً، وذلك قبل أن ينزل في القتال، فلما كفينا القتال، وذلك قول الله عز وجل: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} (1). فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً، فأقام - يعني الظهر - فصلاها كما كان يصليها في وقتها، ثم أقام العصر فصلاها كما كان يصليها في وقتها، ثم أقام المغرب فصلاها كما كان يصليها في وقتها". وفي رواية (2) في آخرها: وذلك قبل أن ينزل الله عز وجل في صلاة الخوف: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} (3). وقد مر معنا مثل هذه الرواية عن غير ابن خزيمة بأسانيد صحيحة في أكثر من مناسبة: مناسبة غزوة الأحزاب والصلاة الوسطى. قال الحافظ: ونقل الاختلاف في سبب تأخير الصلاة يوم الخندق هل كان نسياناً أو عمداً؟. وعلى الثاني هل كان الشغل بالقتال أو لتعذر الطهارة أو قبل نزول آية الخوف؟ وإلى الأول وهو الشغل جنح البخاري في هذا الموضع ونزل عليه الآثار التي ترجم لها بالشروط المذكورة، ولا يرده ما تقدم من ترجيح كون آية الخوف نزلت قبل الخندق لأن وجهه أنه أقر على ذلك، وآية الخوف التي في البقرة لا تخالفه لأن التأخر مشروط بعدم القدرة على الصلاة مطلقاً، وإلى الثاني جنح المالكية والحنابلة لأن الصلاة لا تبطل عندهم بالشغل الكثير في الحرب إذا احتيج إليه، وإلى الثالث جنح الشافعية، وعكس بعضهم فادعى أن تأخيره صلى الله عليه وسلم للصلاة يوم الخندق دال على نسخ صلاة الخوف، قال ابن القصار:

_ (1) الأحزاب: 25. 775 - ابن خزيمة (2/ 88)، 380 - باب إباحة ترك الأذان للصلاة إذا فات وقتها. (2) ابن خزيمة أيضاً وإسناده صحيح. (3) البقرة: 239. (الهوى) من الليل: الزمان الطويل، وقيل يختص بالليل.

وهوقول من لا يعرف السنن، لأن صلاة الخوف أنزلت بعد الخندق فكيف ينسخ الأول الآخر؟ فالله المستعان. اهـ. 776 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر رضي الله نهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعاً". زاد البخاري (1) في روايةٍ: "كل واحدةٍ منهما بإقامة، ولم يُسبحْ بينهما، ولا على إثر واحدة منهما". ولمسلم (2) قال: "جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمعٍ، ليس بينهما سجدةٌ، وصلى المغرب ثلاث ركعات، وصلى العشاء ركعتين، وكان عبد الله يُصلي بجمعٍ كذلك حتى لحق بالله عز وجل". وله في أخرى (3): "جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمعٍ: صلاة المغرب ثلاثاً، والعشاء ركعتين بإقامة واحدة". أقول: قوله: لم يسبح بينهما، ولا على إثر واحدة منهما: أي لم يتنفل بينهما ولا بعدهما. وجمع: هي مزدلفة نفسها. 777 - * روى ابن خزيمة عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين الظهر والعصر بعرفات بأذان وإقامتين، والمغرب والعشاء بجمعٍ بأذان وإقامتين". 778 - * روى الشيخان عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: ما رأيتُ رسول الله

_ 776 - البخاري (3/ 523) 25 - كتاب الحج، 96 - باب منجمع بينهما ولم يتطوع. مسلم (2/ 937) 15 - كتاب الحج، 47 - باب الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة استحباب صلاتي المغرب والعشاء. (1) البخاري (3/ 523) 25 - كتاب الحج، 96 - باب من جمع بينهما ولم يتطوع. (2) مسلم (2/ 937) 15 - كتاب الحج، 47 - باب الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة واستحباب صلاتي المغرب والعشاء. (3) مسلم (2/ 938) 15 - كتاب الحج، 47 - باب الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة واستحباب صلاتي المغرب والعشاء. 777 - ابن خزيمة (4/ 252) كتاب المناسك، 693 - باب الجمع بين الظهر والعصر بعرفة، والأذان والإقامة لهما، وهو صحيح. 778 - البخاري (3/ 530) 25 - كتاب الحج، 99 - باب متى يصلي الفجر بجمع. مسلم (2/ 938) 15 - كتاب الحج، 48 - باب استحباب زيادة التغليس بصلاة الصبح يوم النحر بالمزدلفة. أبو داود (2/ 193) كتاب مناسك (الحج)، باب الصلاة بجمع. النسائي (5/ 262) 24 - كتاب مناسك الحج، 210 - الوقت الذي يصلي فيه الصبح بالمزدلفة.

صلى الله عليه وسلم صلى صلاةً لغير ميقاتها إلا صلاتين: جمع بين المغرب والعشاء بجمع، وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها. أقول: قوله: وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها: أي قبل ميقاتها الذي اعتاد أن يصليها فيه وإلا فالإجماع منعقد على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الفجر بمزدلفة بعد طلوع الفجر.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد - يجوز الجمع عند الجمهور بين الظهر والعصر تقديماً في وقت الأولى وتأخيراً في وقت الثانية والجمعة كالظهر في جمع التقديم، وبين المغرب والعشاء تقديماً وتأخيراً، والأفضل عند الجميع عدم الجمع خروجاً من الخلاف، وهناك تفصيلات واختلافات عند القائلين بجوازالجمع سنراها. - قال الحنفية: لا يجوز الجمع مطلقاً إلا في يوم عرفة للمحرم بالحج جمع تقديم بين الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين، وفي ليلة المزدلفة جمع تأخير بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامة واحدة، ولا يفصل بين الصلاتين بتنفل، وهذا الجمع الذي أجازه الحنفية اتفقت عليه المذاهب الأربعة. - أجاز المالكية والشافعية والحنابلة الجمع بين صلاتي الظهر والعصر وبين صلاتي المغرب والعشاء تقديماً وتأخيراً في السفر المبيح بقصر الصلاة الرباعية على تفصيلات عندهم في شروط الجواز فاشترط الشافعية أن ينوي مريد الجمع الجمع، فإن أراد التأخير نوى في وقت الأولى تأخيرها إلى وقت الثانية، وإن أراد التقديم نوى تقديم الثانية في أثناء صلاته الأولى ولو مع السلام منها، والأقوى أن ينويها في أول الصلاة، وإذا أراد جمع التقديم فلابد من الترتيب فيبدأ بالأولى ثم الثانية، وإذا أخر يسن له الترتيب، وعليه ألا يفصل بين الصلاتين بفاصل طويل، أما الفاصل اليسير كالأذان والإقامة والطهارة فلا يضر، ويعرف طول الفصل بالعرف، وإذا كان مسافراً ونوى الجمع وأقام بعد النية لم يجز الجمع بل يصلي كلاً من الصلاتين في وقتها، وإذا فات وقت الأولى قضاها قضاءً، وإذا جمع جمع تقديم وانقطع السفر بعد أداء الثانية ولو في وقت الأولى صح الجمع عند الشافعية، ولابد في جمع التأخير أن يتيقن خروج وقت الصلاة الأولى، وإذا تعددت الجمعة في مكان لغير حاجة وشك في السبق لا يصح جمع العصر معها جمع تقديم. - أجاز المالكية والحنابلة والشافعية الجمع بسبب المطر ونحوه من الثلج والبرد. قال الشافعية: يجوز الجمع بسبب المطر أو الثلج والبرد جمع تقديم لمن صلى بجماعة في

مسجد بعيد وتأذى في طريقه باملطر، وقال المالكية: إن المطر والبرد والثلثج والطين مع الظلمة كل منها يجيز جمع التقديم فقط لمن يصلي المغرب والعشاء بجماعة في المسجد على شرط أن يكون المطر غزيراً، والطين كثيراً، وأن يجتمع الوحل مع الظلمة، ولو انقطع المطر بعد الشروع في الجمع جاز الاستمرار فيه، وأجاز الحنابلة الجمع للمطر والثلج والبرد بين المغرب والعشاء كما قال المالكية على شرط أن يكون المطر كثيراً يبل الثياب وتلحق المشقة في الخروج منه، ويعتبرون الوحل الكثير عذراً والريح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة عذرين يبيحان الجمع، وهذه الأعذار تبيح الجمع تقديماً وتأخراً حتى لمن يصلي في بيته أو يصلي في مسجد طريقه مسقوفة وحتى للمقيم في المسجد. - اتفق المالكية على أن المرض يجيز الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء على تفصيلات في الحالات التي تجيز الجمع بسبب المرض، قال الحنابلة: المرض الذي يجيز الجمع هو الذي يؤدي إلى مشقة وضعف يصيبان المريض إن ترك الجمع، والمريض مخير في التقديم والتأخير، فإن استوى عنده الأمران فالتأخير أولى. - توسع الحنابلة في جواز جمع التقديم والتأخير، فأجازوه للمرضع التي يشق عليها تطهير النجاسة وللعاجز عن الطهارة بالماء أو التيمم لكل صلاة، وللعاجز عن معرفة الوقت وللمستحاضة ونحوها من أصحاب الأعذار. وأهم ما توسعوا به جواز الجمع لمن له شغل أو عذر يبيح ترك الجمعة والجماعة كخوف على نفسه أو حرمته أو ماله أو لضرر في معيشة يحتاجها لولم يجمع، وعلى هذا يجوز الجمع لمن كان في جيش ملحد لو عُرفت صلاته سُرح منه أو عامل لو ترك عمله لصلاة سُرِّح منه، أو صاحب زرع له نوبة ماء يسقي منها ولا يستطيع أن يصلي إلا بضرر يترتب عليه. - قال المالكية: إذا صلى الناس بسبب المطر وما أشبهه فإنهم يؤذنون ويقيمون لكل من الصلاتين، الأذان الأول للمغرب في المنارة (المئذنة)، والأذان الثاني في المسجد، ولا يتنفل بين الصلاتين، فالنفل مكروه عندهم لكنه لا يمنع صحة الجمع. - من جمع جمع تقديم المغرب والعشاء فله أن يصلي سنة الثانية منهما ويوتر قبل دخول وقت العشاء.

(انظر: الشرح الصغير 1/ 487 - 497) و (المذهب 1/ 104) و (المغني 2/ 273). - فائدة: في التلخيص الحبير: (ولا يجوز الجمع بين الصبح وغيرها ولا بين العصر والمغرب لأنه لم يرد بذلك نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. - فائدة لمن يتمسك من الحنفية بمذهبهم: قال في الدر: ولا بأس بالتقليد عند الضرورة، لكن بشرط أن يلتزم جمع ما يوجبه ذلك الإمام لما قدمنا أن الحكم الملفق باطل بالإجماع. قال العلامة الشامي: فقد شرط الشافعي رضي الله عنه لجمع التقديم ثلاثة شروط: تقديم الأولى، ونية الجمع قبل الفراغ منها، وعدم الفصل بينهما بما يعد فاصلاً عرفاً، ولم يشترط في جمع التأخير سوى نية الجمع قبل خروج الأولى، [نهر] ويشترط أيضاً أن يقرأ الفاتحة في الصلاة ولو مقتدياً وأن يعيد الوضوء من مس فرجه أو أجنبية وغير ذلك من الشروط والأركان المتعلقة بذلك الفعل، والله تعالى أعلم، (1/ 397). وقال الطحطاوي في حاشيته على مراقي الفلاح: وكثيراً ما يبتلى المسافر بمثله لا سيما الحاج، ولا بأس بالتقليد كما في البحر والنهر (ص 103). اهـ. وموضوع الجمع بين الصلوات من أهم مواضيع عصرنا، والتفقه فيه مهم وخاصة لمن كان في أوضاع استثنائية، وستمر معنا بمناسبات متعدد صور واقعية تحتاج إلى فتوى عملية.

الفقرة الرابعة: في الأذان والإقامة

الفقرة الرابعة: في الأذان والإقامة تشريع الأذان: 779 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون، فيتحينون للصلاة، وليس ينادي بها أحد، فتكلموا يوماً في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوساً مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: قرناً مثل قرن اليهود، فقال عمر: أولا تبعثون رجلاً ينادي بالصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بلال، قم فناد بالصلاة. 780 - * روى أبو داود عن أبي عمير بن أنس رحمه الله عن عمومة له من الأنصار قال: اهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة كيف يجمع الناس لها؟ فقيل: "انصب راية عند حضور الصلاة، فإذا رأوها آذن بعضهم بعضاً، فلم يعجبه ذلك"، فذكر له القنع- وهو شبور اليهود- فلم يعجبه ذلك، فقال: "هو من أمر اليهود"، فذكر له الناقوس، فقال: "هو من أمر النصارى"، فانصرف عبد الله بن زيد الأنصاري، وهو مهتم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأري الأذان في منامه، فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: يا رسول الله، إني لبين نائم ويقظان، إذ أتاني آت فأراني الأذان، وكان عمر بن الخطاب قد رآه قبل ذلك، فكتمه عشرين يوماً، قال: ثم اخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: "ما منعك أن تخبرنا؟ " فقال: سبقني عبد الله بن زيد، فاستحييت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قم يا بلال، فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد فافعل" فأذن بلال، قال بعضهم: إن الأنصار تزعم: لولا أن عبد الله بن زيد كان يومئذ مريضاً لجعله

_ 779 - البخاري (2/ 77) 10 - كتاب الأذان، 1 - باب بدء الأذان. مسلم (1/ 285) 4 - كتاب الصلاة، 1 - باب بدء الأذان. الترمذي (1/ 363) أبواب الصلاة، 139 - باب ما جاء في بدء الأذان، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، غريب من حديث ابن عمر. النسائي (2/ 2، 3) 7 - كتاب الأذان، 1 - بدء الأذان. (فيتحينون) هو طلب الحين والوقت. 780 - أبو داود (1/ 134) كتاب الصلاة، 26 - باب بدء الأذان، وإسناده صحيح. (القنع) قد فسر في الحديث: أنه الشبور، والشبور: هو البوق.

رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذناً. أقول: قوله: (إني لبين نائم ويقظان) فيه إشارة إلى بعض الحالات القلبية التي تحدث للمسلم ويسميها أهل السلوك كشفاً، وإنما شرع الأذان لا بمحض الرؤيا، ولكن بتقرير رسول الله صلى الله عليه وسلم. 781 - * روى أبو داود عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس يعمل ليضرب به للناس لجمع الصلاة، طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوساً في يده، فقلت: يا عبد الله، أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ قلت: ندعو به إلى الصلاة، قال: أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت له: بلى، فقال: تقول: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله. قال: ثم استأخر عني غير بعيد، ثم قال: تقول إذا أقمت الصلاة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته بما رأيت، فقال: "إنها لرؤيا حق إن شاء الله، فقم مع بلال، فألق عليه ما رأيت، فليؤذن به، فإنه أندى صوتاً منك"، فقمت مع بلال، فجعلت ألقيه عليه، ويؤذن به، قال: فسمع بذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته، فخرج يجر رداءه، يقول: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل ما أُري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فلله الحمد". قال أبو داود (1): قال فيه ابن إسحاق عن الزهري: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر. فقال معمر ويونس عن الزهري: الله أكبر الله أكبر. لم يثنيا. وفي أخرى (2)

_ 781 - أبو داود (1/ 135) كتاب الصلاة، 27 - باب كيف الأذان. (1) أبو داود في نفس الموضع. (2) أبو داود (1/ 141) كتاب الصلاة، 29 - باب في الرجل يؤذن ويقيم آخر.

قال: أراد النبي صلى الله عليه وسلم في الأذان أشياء، لم يصنع منها شيئاً، قال فرأى عبد الله بن زيد الأذان في المنام، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره، فقال: "ألقه على بلال"، فألقاه عليه، فأذن، فقال عبد الله: أنا رأيته، وأنا كنت أريده، قال: "فأقم أنت". وأخرجه الترمذي (1) عن عبد الله بن زيد، قال: لما أصبحنا أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته بالرؤيا، فقال: "إن هذه لرؤيا حق، فقم مع بلال، فإنه أندى وأمد صوتاً منك، فألق عليه ما قيل لك، وليناد بذلك"، قال: فلما سمع عمر بن الخطاب نداء بلال بالصلاة، خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجر إزاره، وهو يقول: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي قال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فلله الحمد" فذلك أثبت. قال الترمذي (2): وقد روى هذا الحديث إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق أتم من هذا الحديث وأطول، وذكر قصة الأذان مثنى مثنى، والإقامة مرة. وله في أخرى (3)، قال: كان أذان رسول الله صلى الله عليه وسلم شفعاً شفعاً، في الأذان والإقامة. 782 - * روى الطبراني عن سلمة بن الأكوع قال: "كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مثنى مثنى والإقامة فرادى".

_ (1) الترمذي (1/ 359) أبواب الصلاة، 139 - باب ما جاء في بدء الأذان قال الترمذي: حديث حسن صحيح. (2) الترمذي في نفس الموضع ص 360. (3) الترمذي (1/ 371) أبواب الصلاة، 142 - باب ما جاء أن الإقامة مثنى. وهو حديث صحيح. (شفعاً ووتراً) الشفع: الزوج، والوتر: الفرد أراد: أن الأذان مثنى مثنى، وأن الإقامة فرد فرد قال الخطابي في حديث عبد الله بن زيد: روي هذا الحديث بأسانيد مختلفة، وهذا الإسناد أصحها، وفيه: أنه "ثنى الأذان، وأفرد الإقامة" قال: وهو مذهب أكثر علماء الأمصار، وبه جرى العمل في الحرمين والحجاز، وبلاد الشام، واليمن، وديار مصر، ونواحي المغرب، إلى أقصى هجر من بلاد الإسلام، وهو قول الحسن ومكحول والزهري ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وغيرهم. قال: ولم يزل ولد أبي محذورة- وهم الذين يلون الأذان بمكة- يفردون الإقامة، ويحكونه عن جدهم. قال: وكان سفيان الثوري وأصحاب الرأي يرون الأذان والإقامة مثنى مثنى. وقوله "طاف بي" يريد: الطيف الذي يراه النائم. أقول: قوله (فإنه أندى وأمد صوتاً منك) يدل على استحباب أن يكون المؤذن حسن الصوت قوي الإسماع. 782 - مجمع الزوائد (1/ 331) كتاب الصلاة، باب كيف الأذان. وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، وإسناده حسن.

783 - * روى الطبراني عن أبي جحيفة قال: أذن بلال للنبي صلى الله عليه وسلم مثنى مثنى وأقام مثل ذلك". أقول: اتفق الفقهاء على أن الأذان مثنى مثنى كما اتفقوا على التثويب في أذان الفجر وهي أن يقول المؤذن بعد حي على الفلاح: (الصلاة خير من النوم) مرتين، أما الإقامة فقال الحنفية مثنى مثنى مع تربيع التكبير مثل الأذان إلا أنه يزيد فيها بعد الفلاح قد قامت الصلاة مرتين، وقال المالكية الإقامة فرادى بما في ذلك قد قامت الصلاة، فهي عندهم عشر كلمات، وقال الشافعية والحنابلة: الإقامة فرادى إلا لفظ (قد قامت الصلاة) فإنها تكرر مرتين فهي عندهم إحدى عشرة كلمة والأمر واسع. 784 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما كثر الناس ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء يعرفونه، فذكروا أن ينوروا ناراً، أو يضربوا ناقوساً، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً أن يشفع الأذان، وأن يوتر الإقامة. وفي رواية (1): وأن يوتر الإقامة، إلا الإقامة. أقول: قوله (وأن يوتر الإقامة إلا الإقامة): المراد بالإقامة الأولى إقامة الصلاة، وبالإقامة الثانية قوله قد قامت الصلاة فإنها تثنى وهو الذي أخذ به فقهاء الشافعية والحنابلة. - من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم في تعليم الأذان: 785 - * روى أبو داود عن أبي محذورة رضي الله عنه قال: "قلت: يا رسول الله،

_ 783 - مجمع الزوائد (1/ 330) كتاب الصلاة، باب كيفية الأذان ورجاله ثقات. 784 - البخاري (2/ 82) 10 - كتاب الأذان، 2 - باب الأذان مثنى مثنى. مسلم (1/ 286) 4 - كتاب الصلاة، 2 - باب الأمر بشفع الأذان وإيتار الإقامة. (1) مسلم الموضع السابق. أبو داود (1/ 141) كتاب الصلاة، 28 - باب الإقامة. الترمذي (1/ 370) كتاب الصلاة، 28 - باب ما جاء في إفراد الإقامة. النسائي (2/ 3) 7 - كتاب الأذان، 2 - باب تثنية الأذان. 785 - أبو داود (1/ 136) كتاب الصلاة، 27 - باب كيف الأذان.

علمني سنة الأذان، قال: فمسح مقدم رأسي، قال: تقول: "الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر- ترفع بها صوتك- - ثم تقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله- "تخفض بها صوتك"- ثم ترفع صوتك بالشهادة: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، فإن كان صلاة الصبح قلت: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله". وفي رواية (1) نحو هذا الخبر، وفيه: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، في الأولى من الصبح. قال أبو داود: وحديث مسدد أبين، قال فيه: وعلمني الإقامة مرتين، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله. وقال عبد الرزاق: فإذا أقمت فقلها مرتين: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، أسمعت؟ قال: نعم. قال: وكان أبو محذورة لا يجز ناصيته ولا يفرقها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم مسح عليها. وفي رواية للنسائي (2)، قال: خرجت في نفر، فكنا ببعض طريق حنين، مقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين، فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الطريق، فأذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمعنا صوت المؤذن ونحن عنه متنكبون، فظللنا نحكيه، ونهزأ به، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصوت، فأرسل إلينا حتى وقفنا بين يديه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيكم سمعت صوته قد ارتفع؟ " فأشار القوم إلي وصدقوا، فأرسلهم كلهم وحبسني، فقال: "قم فأذن بالصلاة"، فقمت، فألقى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم التأذين هو بنفسه، قال: "قل: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن

_ (1) أبو داود نفس الموضع، ومسلم (1/ 287) 4 - كتاب الصلاة، 3 - باب صفة الأذان. (2) النسائي (2/ 5، 6) 7 - كتاب الأذان، 5 - كيف الأذان.

لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله"، ثم قال: "ارجع فامدد من صوتك"، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، ثم دعاني حين قضيت التأذين، فأعطاني صرة فيها شيء من فضة، فقلت: يا رسول الله، مرني بالتأذين بمكة، فقال: قد أمرتك به، فقدمت على عتاب بن أسيد، عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فأذنت معه بالصلاة عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي رواية أخرى لمسلم (1) والنسائي: قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان فقال: "الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله"، ثم تعود فتقول: "أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله". قوله: (فأعطاني صرة) استدل به ابن حبان على الرخصة في أخذ الأجرة وعارض به الحديث الوارد في النهي عنه ورده ابن سيد الناس بأن حديث أبي محذورة متقدم على إسلام عثمان بن أبي العاص الراوي لحديث النهي فحديثه متأخر والعبرة بالمتأخر فإنها واقعة يتطرق إليها الاحتمال بل أقرب الاحتمالات فيها أن يكون من باب التأليف لحداثة عهده بالإسلام كما أعطى يومئذ غيره من المؤلفة قلوبهم ووقائع الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال سلبها الاستدلال لما يبقى فيها من الإجمال. وسيرد حديث عثمان بن أبي العاص بعد قليل.

_ (1) مسلم، نفس الموضع السابق. النسائي، نفس الموضع السابق. (متنكبون) نكبت عن الطريق: أي عدلت عنه. قوله (ونهزأ به): كان ذلك قبل أن يسلموا.

أقول لكن المعتمد في الفتوى في عصرنا جواز أخذ الأجرة. أقول: حمل أبو حنيفة الترجيع على أنه كان تعليماً فظنه أبو محذورة ترجيعاً، واختلف العلماء في الترجيع في الأذان (وهو أن يأتي بالشهادتين سراً قبل أن يأتي بهما جهراً)، فأثبته المالكية والشافعية، وأنكره الحنفية والحنابلة، لكن قال الحنابلة: لو أتى بالترجيع لم يكره. ولا بأس بأن ننقل هذا التحقيق في شأن الترجيع: قال صاحب إعلاء السنن: قال المحدث ابن الجوزي في التحقيق: حديث عبد الله بن زيد هو أصل في التأذين، وليس فيه ترجيع، فدل على أن الترجيع غير مسنون اهـ (زيلعي 1 - 137). وقال أيضاً: لا يختلف في أن بلالاً كان لا يرجع اهـ (الجوهر النقي 1 - 104). وقال أيضاً: إن أذان أبى محذورة عليه عمل أهل مكة، وما ذهبنا إليه، عليه أهل المدينة، والعمل على المتأخر من الأمور انتهى (التعليق الحسن 1 - 49). قلت: [أي صاحب الإعلاء] مراده صلى الله عليه وسلم أن بلالاً وغيره من مؤذني المسجد النبوي لم يثبت عنهم الترجيع قط، لا قبل إسلام أبي محذورة ولا بعده، وبلال أذن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض، فلو كان الترجيع مسنوناً وزيادته مشروعة لأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بزيادته في أذانه ولثبت عنه الترجيع ولو مرة، والأمر بخلافه، لأنه لا يختلف في أن بلالاً كان لا يرجع اهـ. قال المعلق على الإعلاء: والدليل على أن بلالاً لم يغير أذانه بعد قصة أبي محذورة ما أخرجه الطحاوي (1 - 80) عن سويد بن غفلة قال: سمعت بلالاً يؤذن مثنى ويقيم مثنى. وسويد بن غفلة مخضرم من كبار التابعين، قدم المدينة يوم دفن النبي صلى الله عليه وسلم، كما في التقريب (ص- 216) فظاهر أنه لم يسمع أذان بلال إلا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم. ثم قال صاحب إعلاء السنن: فالأولى الأخذ بأذانه لأن العمل على المتأخر من الأمور، لا بأذان أبي محذورة لأنه صلى الله عليه وسلم لم يسمع أذانه بعد ما علمه، فلا يبعد أنه زاد الترجيع في أذانه لخطأ في فهمه. وظني أن هذا الكلام في غاية القوة لا يمكن رده.

وقد أجاب علماؤنا عن حديث أبي محذورة بأجوبة: منها أن الروايات عنه مختلفة، فقد جاء في بعضها الترجيع وجاء في بعضها ما يدل على أن أذانه كأذان بلال. وقال العلامة ابن الجوزي في التحقيق: أن أبا محذورة كان كافراً قبل أن يسلم فلما أسلم ولقنه النبي صلى الله عليه وسلم الأذان أعاد عليه الشهادة وكررها ليثبت عنده ويحفظها ويكررها على أصحابه المشركين ... قال بعض الناس: ويرد هذه التأويلات ما روى أبو داود وسكت عنه: حدثنا مسدد ثنا الحارث بن عبيد عن محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة عن أبيه عن جده وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: "تخفض بها صوتك ثم ترفع صوتك" الحديث (1 - 189) ورواه ابن حبان في صحيحه. قلت [أي صاحب الإعلاء]: فيه الحارث بن عبيد أبو قدامة ضعفه غير واحد. وأما محمد بن عبد الملك فقد قال الذهبي في الميزان: محمد بن عبد الملك بن أبي محذورة عن أبيه في الأذان ليس بحجة، يكتب حديثه اعتباراً انتهى. (التعليق الحسن 1 - 50). فثبت أن رواية: "تخفض بها صوتك وترفع بها" ليست بصحيحة؛ والصواب ما رواه الأربعة غير الترمذي بسند جيد من طريق ابن جريح بلفظ: "ارجع وامدد من صوتك". اهـ (إعلاء السنن 2/ 95 - 98). فائدة: المتوارث في الأذان: أن راء (أكبر) في التكبيرتين الأوليين من جملتي (الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر) مفتوحة، وراء التكبيرتين الثانيتين في الجملتين ساكنة، مع أن المتبادر أن راء التكبيرة الأولى في الجملتين ينبغي أن تكون مرفوعة لأنها في الإعراب خبر، وقد علل العلماء لذلك أن الأصل في جمل الأذان الجزم (الله أكبر الله أكبر) فلما أدرجت التكبيرة الأولى مع التكبيرة الثانية انتقلت حركة الألف من لفظ الجلالة (الله) إلى الراء ففتحت بسبب ذلك فقيل: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر). 786 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: إنما كان الأذان على

_ 786 - أبو داود (1/ 141) كتاب الصلاة، 28 - باب في الإقامة. النسائي (2/ 20، 21) 7 - كتاب الأذان، 28 - باب كيف الإقامة، وإسناده حسن.

- فضيلة النداء وإجابته وكراهية الشيطان له

عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرتين، والإقامة مرة مرة، غير أنه كان يقول: "قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة"، يثني، فإذا سمعنا الإقامة توضأنا، ثم خرجنا إلى الصلاة. - فضيلة النداء وإجابته وكراهية الشيطان له: 787 - * روى مالك عن أبي هريرة رضي الله عنه رفعه: لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً". أقول: التهجير: هو الرواح لصلاة الظهر، والعتمة هي صلاة العشاء، وقد كره العلماء الإكثار من تسمية العشاء بالعتمة لحديث، وسبق الموضوع، وقال الحنابلة: الأذان مع الإقامة أفضل من الإمامة وقال الحنفية: الإقامة والإمامة أفضل من الأذان، وفي كل الأحوال فإن للأذان والإقامة فضلهما الكبير. 788 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع التأذين، حتى إذا قضي التثويب، أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه، يقول: اذكر كذا، واذكر كذا، لما لم يكن يذكر من قبل، حتى يظل الرجل ما يدري كم صلى؟ ". وفي رواية (1): "حتى يضل الرجل". وفي أخرى (2): "إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة: أحال له ضراط، حتى

_ 787 - الموطأ (1/ 68) 3 - كتاب الصلاة، 1 - باب ما جاء في النداء للصلاة. البخاري (2/ 96) 10 - كتاب الأذان، 9 - باب الاستهام في الأذان. مسلم (1/ 325) 4 - كتاب الصلاة، 28 - باب تسوية الصفوف وإقامتها. النسائي (2/ 23) 7 - كتاب الأذان، 31 - الاستهام على التأذين. ابن خزيمة (1/ 204) كتاب الصلاة، 44 - باب الاستهام على الأذان إذا تشاجر الناس. (يستهم) استهم القوم على الشيء إذا اقترعوا عليه. 788 - مسلم (1/ 291، 292) 4 - كتاب الصلاة، 8 - باب فضل الأذان وهرب الشيطان عند سماعه. (1) مسلم ص 292 الموضع السابق. (2) مسلم ص 291 الموضع السابق.

لا يسمع صوته، فإذا انتهت رجع فوسوس، فإذا سمع الإقامة ذهب حتى لا يسمع صوته، فإذا انتهت رجع فوسوس". وفي أخرى (1): "إذا أذن المؤذن: أدبر الشيطان وله حصاص". وفي أخرى (2) قال سهيل بن أبي صالح: أرسلني أبي إلي بني حارثة ومعي غلام لنا، أو صاحب لنا، فناداه مناد من حائط باسمه، قال: وأشرف الذي معي على الحائط، فلم ير شيئاً، قال: فذكرت ذلك لأبي، قال: لو شعرت أنك تلقى هذا لم أرسلك، ولكن إذا سمعت صوتاً فناد بالصلاة، فإني سمعت أبا هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الشيطان إذا نودي بالصلاة ولى وله حصاص". 789 - * روى البخاري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع الأذان، فإذا قضي الأذان أقبل، فإذا ثوب بها أدبر، فإذا قضي التثويب أقبل، حتى يخطر بين المرء ونفسه، ويقول: اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يذكر، حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى". أقول: من روايات هذا النص استحب العلماء الأذان حيث ما شعر الإنسان بتسلط من الشيطان على إنسان كالمصروع والمهموم والغضبان وكذلك حال الشجار. 790 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة ذهب حتى يكون مكان الروحاء".

_ (1) مسلم، الموضع السابق. (2) مسلم، الموضع السابق. 789 - البخاري (2/ 84) 10 - كتاب الأذان، 4 - باب فضل التأذين. (التثويب) إقامة الصلاة ها هنا، وهو في موضع آخر قول المؤذن في أذان الفجر: "الصلاة خير من النوم" والأصل فيه الترجيع. (خطر) هذا الشيء في نفسي: إذا دار في خاطري، والمراد: أن الشيطان يعرض بين المرء ونفسه، فيسول له الأماني ويحدثه الأحاديث. (الحصاص) الضراط مع شدة العدو، وقيل: هو أن ينصب أذنيه ويرفع ذنبه، ثم يعدو. 790 - مسلم (1/ 290) 4 - كتاب الصلاة، 8 - باب فضل الأذان وهرب الشيطان منه.

قال الراوي: والروحاء من المدينة: على ستة وثلاثين ميلاً. 791 - * روى النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام بلال ينادي، فلما سكت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال مثل هذا يقيناً دخل الجنة". 792 - * روى أحمد عن عبد الله بن ربيعة السلمي قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فسمع مؤذناً يقول أشهد أن لا إله إلا الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أشهد أن لا إله إلا الله" قال: أشهد أن محمداً رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أشهد أن محمداً رسول الله". فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "تجدونه راعي غنم أو عازباً عن أهله". وزاد قال فهبط الوادي فإذا هو بشاة ميتة فقال: "أترون هذه هينة على أهلها" قالوا نعم قال: "الدنيا على الله أهون من هذه على أهلها". 793 - * روى البزار عن أبي جحيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في سفر فسمع مؤذناً يقول: أشهد أن لا إله إلا الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلع الأنداد"، فقال: أشهد أن محمداً رسول الله فقال: "خرج من النار" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تجدونه صاحب معزى معزبة أو صاحب كلاب". 794 - * روى أحمد عن عبد الله بن مسعود قال بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض

_ 791 - النسائي (2/ 24) 7 - كتاب الأذان، 34 - باب ثواب ذلك. ابن حبان (3/ 89) ذكر البيان بأن الله جل وعلا إنما يغفر للمؤذن ويدخله الجنة بأذانه إذا كان على يقين منه. الحاكم (1/ 204) وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه هكذا، وأقره الذهبي. 792 - أحمد (4/ 336). مجمع الزوائد (1/ 235)، وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. النسائي (1/ 19) 7 - كتاب الأذان، 25 - أذان الراعي. 793 - كشف الأستار (1/ 182) باب الأذان في السفر. ومجمع الزوائد (1/ 235) وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله ثقات. (المعزب) طالب الكلا العازب أي البعيد الذي لم يرع. (صاحب كلاب) أي صاحب صيد. 794 - أحمد (1/ 406، 407).

- ما ينبغي على من سمع الأذان

أسفاره سمع منادياً ينادي الله أكبر الله أكبر فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "على الفطرة". فقال: أشهد أن لا إله إلا الله: فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "خرج من النار". فابتدرناه فإذا هو صاحب ماشية أدركته الصلاة فنادى بها. 795 - * روى ابن خزيمة عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغير عند صلاة الصبح، فإن سمع أذاناً أمسك، وإلا أغار. فاستمع ذات يوم فسمع رجلاً يقول: الله أكبر، الله أكبر، فقال: "على الفطرة". فقال: أشهد أن لا إله إلا الله. قال: "خرجت من النار". قال ابن خزيمة: فإن كان المرء يطمع بالشهادة بالتوحيد لله في الأذان وهو يرجو أن يخلصه الله من النار بالشهادة بالله بالتوحيد في أذانه، فينبغي لكل مؤمن أن يتسارع إلى هذه الفضيلة طمعاً في أن يخلصه الله من النار. خلا في منزله أو في بادية أو قرية أو مدينة، طلباً لهذه الفضيلة. أقول: الأذان والإقامة سنة مؤكدة للرجال جماعة في كل مسجد للصلوات الخمس والجمعة، والمعتمد عند كثير من العلماء: أنه يستحب الأذان، والإقامة للمنفرد، وقال الشافعية والمالكية تستحب الإقامة وحدها لا الأذان للمرأة أو جامعة النساء، وعند الحنفية لا أذان ولا إقامة على المرأة. - ما ينبغي على من سمع الأذان: 796 - * روى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أنه سمع

_ أبو يعلى (9/ 276). الطبراني (10/ 115) في الكبير. مجمع الزوائد (1/ 334) وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير ورجال أحمد رجال الصحيح. 795 - ابن خزيمة (1/ 208) 49 - باب الأذان في السفر، وإسناده صحيح. 796 - مسلم (1/ 288) 3 - باب صفة الأذان، 7 - باب استحباب القول مثل قول المؤذن. أبو داود (1/ 144) كتاب الصلاة، 35 - باب ما يقول إذا سمع المؤذن. الترمذي (1/ 413) أبواب الصلاة، 157 - باب منه آخر، في فضل ما يقول الرجل إذا أذن المؤذن. النسائي (2/ 26، 27) 7 - كتاب الأذان، 28 - الدعاء عند الأذان. (الوسيلة) ما يتقرب به إلى الله تعالى من صالح القول والعمل، وقد جاء في الحديث أنها منزلة من منازل الجنة".

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علين فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة: حلت له الشفاعة". أقول: يجب في الراجح عند الحنفية لمن سمع الأذان أن يجيب مشياً بالأقدام إلى الصلاة وتسن الإجابة اللفظية عند الحنفية وغيرهم: بأن يقول السامع مثل ما يقول المؤذن عقب كل جملة إلا في الحيعلتين فيقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وفي التثويب في أذان الفجر يقول بعد (الصلاة خير على النوم) صدقت وبررت وكما تسن الإجابة في الأذان تسن أو تندب الإجابة للمقيم وتسن الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الأذان، كما يسن الدعاء المأثور لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن مظنة استجابة الدعاء الدعاء بين الأذان والإقامة، وقد اعتاد المؤذنون منذ عهد صلاح الدين الأيوبي أن يجهروا بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإجابة المؤذن مقدمة في الفضل على قراءة القرآن وتسن الإجابة لكل سامع ولو كان جنباً أو حائضاً أو نفساء ويجيب من شغل عن الأذان أو كان في وضع لا يسمح له بالإجابة بعد فراغ المؤذن ما لم يطل الفصل بينه وبين الأذان. 797 - * روى الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سلوا الله لي الوسيلة فإنه لم يسألها لي عبد في الدنيا إلا كنت له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة". 798 - * روى البخاري عن جابر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قال

_ 797 - مجمع الزوائد (1/ 333) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وفيه الوليد بن عبد الملك الحراني وقد ذكره ابن حبان في الثقات وقال مستقيم الحديث إذا روى عن الثقات، وقال الهيثمي. وهذا من روايته عن موسى بن أعين وهو ثقة أقول: الوليد بن عبد الملك صدوق كذا في الجرح والتعديل. 798 - البخاري (2/ 94) 10 - كتاب الأذان، 8 - باب الدعاء عند النداء. أبو داود (1/ 146) كتاب الصلاة، 37 - باب ما جاء في الدعاء عند الأذان. الترمذي (1/ 413) أبواب الصلاة، 107 - باب آخر منه. النسائي (2/ 27) 7 - كتاب الأذان، 38 - باب الدعاء عند الأذان. وهذا بلفظ "الذي وعدته". (مقاماً محموداً) المقام المحمود: هو الشفاعة يوم القيامة، لأن الخلائق يحمدون ذلك المقام.

حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً كما وعدته"- وفي رواية: "الذي وعدته"- "حلت له شفاعتي يوم القيامة". 799 - * روى مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قال المؤذن: الله أكبر، الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر، الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهد أن محمداً رسول الله، قال: أشهد أن محمداً رسول الله، ثم قال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: الله أكبر، الله أكبر، قال: الله أكبر، الله أكبر، ثم قال: لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا الله، من قلبه، دخل الجنة". 800 - * روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قال حين يسمع المؤذن: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله رباً، وبمحمد رسولاً- وفي رواية (1): نبياً- وبالإسلام ديناً، غفر له ذنبه". 801 - * روى البخاري عن أبي أمامة أسعد بن سهل رضي الله عنه قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان وهو جالس على المنبر حين أذن المؤذن، فقال: الله أكبر، الله أكبر، قال معاوية: الله أكبر، الله أكبر، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال معاوية: وأنا، قال:

_ 799 - مسلم (1/ 289) 4 - كتاب الصلاة، 7 - باب استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه. أبو داود (1/ 145) كتاب الصلاة، 46 - باب ما يقول إذا سمع المؤذن. 800 - مسلم (1/ 290) 4 - كتاب الصلاة، 7 - باب استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه. أبو داود (1/ 145) كتاب الصلاة، 35 - باب ما يقول إذا سمع المؤذن. وليس عند أبي داود "ذنبه". الترمذي (1/ 412) أبواب الصلاة، 156 - باب ما جاء ما يقول الرجل إذا أذن المؤذن من الدعاء. النسائي (2/ 26) 7 - كتاب الأذان، 38 - الدعاء عند الأذان. (1) مسلم (1/ 290) 4 - كتاب الصلاة، 7 - باب استحباب القول مثل قول المؤذن لمن سمعه. 801 - البخاري (2/ 396) 11 - كتاب الجمعة، 23 - باب يجيب الإمام على المنبر إذا سمع النداء.

أشهد أن لا إله الله، قال معاوية: وأنا، قال: أشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال معاوية: وأنا، قال: أشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال معاوية: وأنا، فلما أن قضى التأذين، قال: يا أيها الناس، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر حين أذن المؤذن، يقول مثل ما سمعتم من مقالتي. وفي رواية (1): "أنه سمع معاوية يوماً وسمع المؤذن فقال مثله .. إلى قوله: وأشهد أن محمداً رسول الله". وفي أخرى (2): "أنه لما قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: هكذا سمعنا نبيكم يقول". 802 - * روى الجماعة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن". 803 - * روى البزار عن أبي هريرة أنه كان إذا سمع المؤذن يؤذن قال: أشهد بها مع كل شاهد وأتحمل بها على كل جاحد. أقول: كلمة أبي هريرة تدل على أن أمر الذكر والدعاء واسع فمن ذكر أو دعا بشيء داخل في عمومات الشريعة لا يعتبر مبتدعاً إذا لم ينقض سنة أو يفعل منهياً عنه.

_ (1) البخاري (2/ 90) 10 - كتاب الأذان، 7 - باب ما يقول إذا سمع المؤذن. (2) البخاري (2/ 91) 10 - كتاب الأذان، 7 - باب ما يقول إذا سمع المنادي. 802 - البخاري (2/ 90) 10 - كتاب الأذان، 7 - باب ما يقول إذا سمع المنادي. مسلم (1/ 288) 4 - كتاب الصلاة، 7 - باب استحباب القول مثل قول المؤذن. أبو داود (1/ 144) كتاب الصلاة، 35 - باب ما يقول إذا سمع المؤذن. الترمذي (1/ 407) أبواب الصلاة، 154 - باب ما جاء ما يقول الرجل إذا أذن المؤذن. النسائي (2/ 23) 7 - كتاب الأذان، 33 - القول مثل ما يقول المؤذن. ابن ماجه (1/ 238) 3 - كتاب الأذان والسنة فيها، 4 - باب ما يقال إذا أذن المؤذن. 803 - كشف الأستار (1/ 183، 184) باب ما يقول إذا سمع المؤذن، وقال الهيثمي (1/ 133) رواه البزار ورجاله ثقات.

- أجر المؤذن: 804 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المؤذن يغفر له مدى صوته، ويشهد له كل رطب ويابس، وشاهد الصلاة في الجماعة: يكتب له خمس وعشرون صلاة، ويكفر عنه ما بينهما". وفي رواية (2) النسائي قال: "المؤذن يغفر له مدى صوته، ويشهد له كل رطب ويابس وله مثل أجر من صلى". 805 - * روى أحمد عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله وملائكته يصلون على الصف المقدم، والمؤذن يغفر له بمد صوته، ويصدقه من سمعه من رطب ويابس، وله مثل أجر من صلى معه". 806 - * روى أحمد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يغفر للمؤذن منتهى أذانه ويستغفر له كل رطب ويابس سمع صوته". 807 - * روى مالك عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أن أبا سعيد رضي الله

_ 804 - أبو داود (1/ 142) كتاب الصلاة، 30 - باب رفع الصوت بالأذان. (2) النسائي (2/ 12، 13) 7 - كتاب الأذان، 14 - رفع الصوت بالأذان. (مدى صوته) المدى: الأمد والغاية، والمعنى: أنه يستوفي ويستكمل مغفرة الله إذا استوفى وسعه في رفع صوته، فيبلغ الغاية من المغفرة، إذا بلغ الغاية من الصوت، وقيل: إنه تمثيل وتشبيه، يعني أن المكان الذي ينتهي إليه صوته لو قدر أن يكون ما بين أوله وآخره ذنوب تملأ تلك المسافة لغفر الله له. 805 - أحمد (4/ 284). النسائي (2/ 13) 7 - كتاب الأذان، 14 - رفع الصوت بالأذان. 806 - أحمد (2/ 136). كشف الأستار (1/ 180) باب فضل الأذان. مجمع الزوائد (1/ 325) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني. في الكبير والبزار إلا أنه قال ويجيبه كل رطب ويابس. ورجاله رجال الصحيح. 807 - الموطأ (1/ 69) 3 - كتاب الصلاة، 1 - باب ما جاء في النداء للصلاة. البخاري (2/ 87، 88) 10 - كتاب الأذان، 5 - باب رفع الصوت بالنداء. النسائي (2/ 12) 7 - كتاب الأذان، 14 - رفع الصوت بالأذان. (البادية) البرية والصحراء.

عنه قال له: أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك، فأذنت بالصلاة، فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء، إلا شهد له يوم القيامة" قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. 808 - * روى مسلم عن [عيسى بن طلحة] قال: سمعت معاوية يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة". وفي رواية (1) قال راويه: كنت عند معاوية بن أبي سفيان، فجاءه المؤذن يدعوه إلى الصلاة، فقال معاوية: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ... 809 - * روى ابن خزيمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤذنون أمناء، والأئمة ضمناء، اللهم اغفر للمؤذنين، وسدد الأئمة" (ثلاث مرات). هذا لفظ حديث علي بن حجر. وقال الحسين بن الحسن: "أرشد الله الأئمة، وغفر للمؤذنين". [ورواه محمد بن أبي صالح عن أبيه عن عائشة]. 810 - * روى الطبراني عن أبي محذورة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤذنون أمناء الله على فطرهم وسحورهم". - الدعاء بين الأذان والإقامة: 811 - * روى أحمد عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدعوة بين

_ 808 - مسلم (1/ 290) 4 - كتاب الصلاة، 8 - باب فضل الأذان وهرب الشيطان عند سماعه. (1) في نفس الموضع السابق. 809 - ابن خزيمة (3/ 16) كتاب الإمامة في الصلاة، 48 - باب ذكر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم للأئمة بالرشاد، وإسناده صحيح. 810 - مجمع الزوائد (2/ 2) كتاب الصلاة، باب الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن. 811 - أحمد (3/ 225). مجمع الزوائد (1/ 334) كتاب الصلاة، باب الدعاء بين الأذان والإقامة وقال الهيثمي: رواه أبو داود وغيره.

الأذان والإقامة لا ترد فادعوا". قال ابن خزيمة: يريد الدعوة المجابة. 812 - * روى ابن خزيمة عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اثنتان لا تردان أو قل ما تردان، الدعاء عند النداء وعند البأس حين يلتحم بعضهم بعضاً". وإسناده حسن وصححه (1) ابن حبان 297 ولفظه (ساعتان لا ترد على داع دعوته حين تقام الصلاة وفي الصف في سبيل الله). 813 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: "أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن المؤذنين يفضلوننا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قل كما يقولون، فإذا انتهيت فسل تعط". - متى تقام الصلاة ومتى يقوم القوم: 814 - * روى أبو داود عن سماك بن حرب: أنه سمع جابر بن سمرة رضي الله عنه يقول: "كان مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم يمهل فلا يقيم، حتى إذا رأى رسول الله قد خرج أقام الصلاة حين يراه". وفي رواية (2) مسلم قال: كان بلال يؤذن إذا دحضت الشمس، فلا يقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم فإذا خرج أقام الصلاة حين يراه.

_ ورواه أبو يعلى وفيه يزيد الرقاشي. ابن حبان (3/ 101) كتاب الصلاة، ذكر استحباب الإكثار من الدعاء بين الأذانين والإقامة وإسناده صحيح. ابن خزيمة (1/ 222) جماع أبواب الأذان والإقامة، 64 - باب استحباب الدعاء بين الأذان والإقامة وإسناده صحيح. 812 - ابن خزيمة (1/ 219) جماع أبواب الأذان والإقامة، 59 - باب استحباب الدعاء عند الأذان ورجاء إجابة الدعوة عنده. (1) ابن حبان (3/ 110) كتاب الصلاة، باب فضل الصلوات الخمس. 813 - أبو داود (1/ 144) كتاب الصلاة، 35 - باب ما يقول إذا سمع المؤذن. وإسناده حسن. 814 - أبو داود (1/ 148) كتاب الصلاة، باب في المؤذن ينتظر الإمام. الترمذي (1/ 391) أبواب الصلاة، 148 - باب ما جاء: أن الإمام أحق بالإقامة. (2) مسلم (1/ 423) 5 - كتاب المساجد مواضع الصلاة، 29 - باب متى يقوم الناس للصلاة.

- اتخاذ أكثر من مؤذن

815 - * روى الشيخان عن أبي قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني خرجت". قال البغوي: يدل على جواز تقديم الإقامة على خروج الإمام ثم ينتظر خروجه وقد كره قوم من أهل العلم أن ينتظر الناس الإمام وهم قيام، وقال ابن المبارك يقومون عند قوله (قد قامت الصلاة) وقيل عند قوله (حي على الصلاة) وقيل على قدر طاقتهم وقيل يقومون عند قوله (حي على الصلاة) ويكبر الإمام إذا قال (قد قامت الصلاة). - اتخاذ أكثر من مؤذن: 816 - * روى مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنان: بلال، وابن أم مكتوم الأعمى. قال مسلم في عقب هذا الحديث: وعن عائشة (1) مثله، وفي أخرى (2) له عنها قالت: "كان ابن أم مكتوم يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعمى". وأخرج أبو داود (3) الرواية الثانية. أقول: يستحب عند جمهور العلماء أن يكون للجماعة مؤذنان ويصح الاقتصار على واحد وإذا كانت مصلحة الجماعة تقتضي أكثر من اثنين جاز. - حكم أخذ الأجر على الأذان: 817 - * روى أبو داود عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه قال: "إن من آخر ما

_ 815 - البخاري (2/ 119) 10 - كتاب الأذان، 22 - باب متى يقوم الناس إذا رأوا الإمام عند الإقامة؟. مسلم (1/ 422) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 29 - باب متى يقوم الناس للصلاة. الترمذي (2/ 487) أبواب الصلاة، 415 - باب كراهية أن ينتظر الناس الإمام وهم قيام عند افتتاح الصلاة. 816 - مسلم (1/ 287) 4 - كتاب الصلاة، 4 - باب استحباب اتخاذ مؤذنين للمسجد الواحد. (1) في نفس الموضع السابق. (2) مسلم (1/ 287) 4 - كتاب الصلاة، 5 - باب جواز أذان الأعمى إذا كان معه بصير. (3) أبو داود (1/ 147) كتاب الصلاة، 41 - باب الأذان للأعمى. 817 - أبو داود (1/ 146) كتاب الصلاة، 39 - باب أخذ الأجر على التأذين، وإسناده صحيح. الترمذي (1/ 409) أبواب الصلاة، 155 - باب ما جاء في كراهية أن يأخذ المؤذن على الأذان أجراً، وإسناده صحيح.

- الأذان في السفر

عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن أتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً". 818 - * روى ابن خزيمة عن عثمان بن أبي العاص، قال: قلت: يا رسول الله علمني القرآن واجعلني إمام قومي. قال: فقال: "اقتد بأضعفهم واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً". عن يزيد أبي العلاء بهذا الإسناد: نحوه ولم يقل: علمني القرآن. وقال، قال: "أنت إمامهم واقتد بأضعفهم". قوله: (اقتد بأضعفهم): يعني رعاية الضعيف من المصلين فلا يطيل في صلاته رحمة به. ولهذا النص اتفق العلماء أنه يستحب أن يكون المؤذن محتسباً لا يأخذ على الأذان والإقامة أجراً واستقرت الفتوى على جواز الاستئجار للأذان وغيره من القربات الدينية التي تحتاج إلى ارتباط بها للمصلحة الدينية. قال في عارضة الأحوذي (2/ 12 - 13) وأكثر علمائنا على جواز الإجارة على الأذان وكرهها الشافعي وأبو حنيفة وقال الأوزاعي يجاعل عليه ولا يؤاجر. قال في حاشية ابن عابدين (1/ 263) (... نعم قد يقال إن كان قصده من وجد الله، ولكنه بمراعاته للأوقات والاشتغال به يقل اكتسابه عما يكفيه لنفسه وعياله فيأخذ الأجرة لئلا يمنعه الاكتساب عن إقامة هذه الوظيفة الشريفة ولولا ذلك لم يأخذ أجراً فله الثواب المذكور بل يكون جمع بين عبادتين وهما الأذان والسعي على العيال، وإنما الأعمال بالنيات). - الأذان في السفر: 819 - * روى مالك عن نافع مولى ابن عمر رضي الله عنهم: "أن ابن عمر كان لا يزيد

_ 818 - ابن خزيمة (1/ 221) جماع أبواب الأذان والإقامة، 62 - باب الزجر عن أخذ الأجر على الأذان. 819 - الموطأ (1/ 73) 3 - كتاب الصلاة، 2 - باب النداء في السفر وعلى غير وضوء. وإسناده صحيح.

- من آداب الأذان

على الإقامة في السفر إلا في الصبح، فإنه كان ينادي فيها، ويقيم، وكان يقول: إنما الأذان للإمام الذي يجتمع الناس إليه". أقول: هذا اجتهاد من ابن عمر وقد مر معنا ما يدل على أن الأذان للمنفرد في غير العمران مستحب. 820 - * روى أبو داود عن عقبة بن عامر مرفوعاً: "يعجب ربك من راعي غنم في رأس شظية جبل يؤذن بالصلاة ويصلي فيقول الله عز وجل: أنظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة". 821 - * روى البخاري قال صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث ولابن عم له: "إذا سافرتما فأذنا وأقيما وليؤمكما أكبركما". - من آداب الأذان: 822 - * روى الشيخان عن أبي جحيفة رضي الله عنه: "أنه رأى بلالاً يؤذن، قال: فجعلت أتتبع فاه ها هنا وها هنا بالأذان". وفي رواية (1)، قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالأبطح في قبة له حمراء من أدم، قال: فخرج بلال بوضوئه، فمن ناضح ونائل، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه حلة حمراء، كأني أنظر إلى بياض ساقيه، فتوضأ، وأذن بلال، قال: فجعلت أتتبع فاه ها هنا وها هنا، يميناً وشمالاً، يقول: حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، قال: ثم ركزت له عنزة، فتقدم فصلى

_ 820 - أبو داود (2/ 4) كتاب الصلاة، باب الأذان في السفر. وإسناده صحيح. النسائي (2/ 20) 7 - كتاب الأذان، 26 - الأذان لمن يصلي وحده. 821 - البخاري (2/ 111) 10 - كتاب الأذان، 18 - باب أذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة. الترمذي (1/ 399) أبواب الصلاة، 151 - باب ما جاء في الأذان في السفر. النسائي (2/ 8، 9) 7 - كتاب الأذان، أذان المنفردين في السفر. 822 - البخاري (2/ 114) 10 - كتاب الأذان، 19 - باب هل يتبع المؤذن فاه ها هنا وها هنا. (1) مسلم (1/ 360) 4 - كتاب الصلاة، 47 - باب سترة المصلي. (ناضح) الناضح من النضح، وهو رش القليل من الماء. (عنزة) العنزة: شبه العكازة، في أسفلها شبه الحربة.

الظهر ركعتين، يمر بين يديه الحمار والكلب لا يمنع، ثم صلى العصر ركعتين، ثم لم يزل يصلي ركعتين حتى رجع إلى المدينة". أقول: يستحب للمؤذن أن يؤذن على طهارة كاملة، وأن يتوجه بوجهه يميناً عند قوله حي على الصلاة، وشمالاً عند قوله حي على الفلاح. 823 - * روى أبو داود عن امرأة من بني النجار، قالت: كان بيتي من أطول بيت حول المسجد، وكان بلال يؤذن عليه الفجر فيأتي بسحر فيجلس على البيت ينظر إلى الفجر، فإذا رآه تمطى ثم قال: اللهم إني أحمدك وأستعينك على قريش أن يقيموا دينك، قالت: ثم يؤذن، قالت: والله ما علمته كان تركها ليلة واحدة، تعني هذه الكلمات. أن يكون المؤذن يقظاً قائماً على مرتفع حسب الحاجة كمئذنة وسطح مسجد وكان المؤذنون يؤذنون قياماً، قال ابن المنذر: الإجماع على أن القيام في الأذان من السنة.

_ 823 - أبو داود (1/ 143) كتاب الصلاة، 32 - باب الأذان فوق المنارة.

الفصل الثالث في الشرط الثالث من شروط الصلاة وهو: ستر العورة وما له علاقة بلباس المصلي

الفصل الثالث في الشرط الثالث من شروط الصلاة وهو: ستر العورة وما له علاقة بلباس المصلي عرض إجمالي قال تعالى: (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة، ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما) (1). فستر العورة مطلوب إلا في حالات حددها الشارع، وإذا كان ستر العورة مطلوباً في الأحوال العادية، فإنه مطلوب في الصلاة على وجه آكد قال تعالى: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) (2) قال ابن عباس المراد به الثياب في الصلاة. وأجمع العلماء على وجوب ستر العورة في الصلاة وغيرها، إلا في حالات استثنائية. والعورة شرعاً ما يجب ستره وما يحرم النظر إليه، وإذا قيل العورة في الصلاة، فالمراد بها: ما يجب ستره ولو كان يصلي خالياً في ظلمة عند القدرة، وأما العورة خارج الصلاة فقد تتفق مع العورة الواجب سترها في الصلاة وقد لا تتفق، لأن العورة الواجب سترها خارج الصلاة، تختلف باختلاف الناظر فلا عورة مثلاً بين الرجل وزوجته، وعورة المرأة بالنسبة لمحارمها تختلف عن عورتها لغير محارمها، ثم العورة خارج الصلاة تختلف باختلاف حال المكلفين، فعورة الأمة غير عورة الحرة، وأجاز أبو يوسف للنساء العاملات أن يكشفن عن شيء من أذرعهن إذا كانت الحاجة والعمل يقتضيان ذلك، والعورة الواجبة الستر بالنسبة للصبي تختلف باختلاف سنه. وحيثما وجب ستر العورة، فيجب أن يكون الساتر صفيقاً كثيفاً، يستر لون البشرة ولا يصف العورة، فإذا كان الثوب يصف ما تحته أو يتبين معه لون الجلد من ورائه فيعلم

_ (1) الأعراف: 27. (2) الأعراف: 31.

بياضه أو حمرته لم تجز الصلاة به، وإن كان يستر اللون ويصف الخلقة أو الحجم جازت الصلاة به لكنه عند الشافعية للمرأة مكروه، وللرجل خلاف الأولى. والمطلوب هو ستر العورة من جوانبها على الصحيح عند الحنفية فلا يجب الستر من أسفل أو من فتحة قميصه إلا أن يسن له عند الحنفية أن يزر قميصه أو يشد وسطه إن كانت عورته تظهر منه في الركوع أو غيره لنفسه، أما إن كانت تظهر لغيره فيجب أن يفعل ذلك. ومن لم يجد ساتراً لعورته صلى عرياناً عند المالكية وغيرهم، ويصلي في هذه الحالة عند الشافعية متماً الأركان، ويصلي قاعداً يومئ إيماءً بالركوع والسجود عند الحنفية والحنابلة، وإن لم يجد إلا ساتراً نجساً أو حريراً يصلي به فإن صلى عرياناً مع وجود أحدهما بطلت والحرير الطاهر مقدم على النجس عند اجتماعهما وجوباً. وإذا انكشفت العورة فجأة أثناء الصلاة بالريح مثلاً عن غير عمد فسترها في الحال لم تبطل صلاته عند الشافعية والحنابلة وقال المالكية: تبطل الصلاة مطلقاً بانكشاف العورة المغلظة، وقال الحنفية: إذا انكشف ربع العضو من أعضاء العورة فسدت الصلاة إن استمر بمقدار أداء أدنى ركن كركوع مقدار تسبيحة، هذا إذا كان بلا صنعه، فإن كان بصنعه فسد في الحال، ولا تبطل عندهم بما دون ذلك إذا لم يتعمد الكشف. وعورة الرجل عند الحنفية التي يفترض سترها في الصلاة: هي ما تحت سرته إلى ما تحت ركبته وعورة الأمة في الصلاة كعورة الرجل، وعورة المرأة الحرة ومثلها الخنثى: جميع بدنها حتى شعرها النازل في الأصح ما عدا الوجه والكفين والقدمين ظاهرهما وباطنهما على المعتمد. والمفترض عند المالكية الذي لا تجوز بدون ستره الصلاة لهما: السوأتان من الرجل، فهذه هي العورة المغلظة التي يفترض سترها في الصلاة وما زاد على ذلك إلى الركبة فعورة مخففة يكره كشفها في الصلاة عند الرجل وتجب إعادتها في الوقت، والوقت وقت الظهرين معاً إذا كانت الصلاة فيهما، والليل كله إذا كانت الصلاة المغرب أو العشاء، وإلى طلوع الشمس في الصبح، أما عورة الحرة المغلظة فجميع البدن ما عدا الصدر والأطراف

من رأس ويدين ورجلين وما قابل الصدر من الظهر كالصدر، وأما ما سوى ذلك من الوجه والكفين وباطن القدمين فعورة مخففة تجب إعادة الصلاة إذا انكشف شيء منها، ووقت الإعادة في الظهر أو العصر إلى اصفرار الشمس، وإذا كان الانكشاف في العشاءين فوقت إعادة الصلاة الليل كله، وتجب إعادة الفجر ما لم تطلع الشمس. وتكون قد ارتكبت بصلاتها مع كشف العورة المخففة إثماً وكذلك الرجل. وعورة الرجل عند الشافعية في الصلاة ما بين سرته وركبته والركبة عندهم ليست عورة، وكذلك السرة، وعورة الأمة كالرجل في الأصح، وعورة الحرة ومثلها الخنثى ما سوى الوجه والكفين ظاهرهما وباطنهما إلى الرسغين، ومذهب الحنابلة كمذهب الشافعية. ومن كلام المالكية أن الصغير الذي بلغ السابعة يندب له إذا أراد الصلاة أن يستر العورتين المغلظة والمخففة كالرجل وهي ما بين السرة والركبة، وأما الصغيرة فيندب لها ستر العورتين المخففة والمغلظة ولو سترت ما بين السرة والركبة كفاها ولم يأثم بذلك أهلها. وإذا انصب كلامنا فيما مر على أدنى ثوب تسقط به الفريضة، فالمطلوب من المسلم والمسلمة بالنسبة للصلاة أوسع من ذلك لأن ما ذكرنا تجوز به الصلاة مع الكراهة فالله عز وجل قال: (خذوا زينتكم عند كل مسجد) (1) فالمطلوب من المسلم والمسلمة أن يصليا في أكمل هيئة ويعرف ذلك من خلال مكروهات الصلاة كما سيمر معنا. فإذا كانت الصلاة مع رفع الكم مكروهة، فكيف بما هو أوسع من ذلك؟ وإذا كانت الصلاة بثياب المهنة أو مع وجود رائحة غير مستساغة في المسجد فإن ذلك يدلنا على أن المسلم يصلي على أكمل حال من الطهارة والنظافة والطيب والثياب، فكمال الصلاة أن يصلي الرجل في ثوبين أو أكثر كما سنرى ذلك، وكمال الصلاة بالنسبة للمرأة أن تصلي في ثلاثة أثواب: خمار تغطي به الرأس والعنق ودرع تغطي به البدن والرجلين وملحفة صفيقة تستر بها الثياب، والمستحب أن تكثف المرأة جلبابها حتى لا يصف أعضاءها، وتجافي الملحفة عنها في الركوع والسجود حتى لا توصف ثيابها ولقد تفننت المسلمات في استحضار ثياب

_ (1) الأعراف: 31.

نصوص هذا الفصل

لصلواتهن، ففي كل قطر تجد جديداً حميداً، وسيمر معنا موضوع اللباس في أكثر من مكان في هذا الكتاب. انظر: (رد المحتار 1/ 270 - 277)، (الشرح الصغير 1/ 283 - 291)، (المهذب 1/ 64 وما بعدها)، (المغني 1/ 577 وما بعدها)، (الفقه الإسلامي 1/ 579 وما بعدها). وإلى نصوص هذا الفصل: 824 - * روى أبو داود عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده- وكانت له صحبة- قال: "قلت: يا رسول الله، عوراتنا: ما نأتي منها وما نذر؟ قال: "احفظ عورتك إلا من زوجتك، أو ما ملكت يمينك"، قلت: يا رسول الله، فالرجل يكون مع الرجل؟ قال: "إن استطعت أن لا يراها أحد فافعل، قلت: فالرجل يكون خالياً؟ قال: "الله أحق أن يستحيي منه الناس". وفي رواية (1): قلت: يا رسول الله، إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: "إن استطعت أن لا يراها أحد فلا يرينها"، قلت: فإذا كان أحدنا خالياً؟ قال: "الله أحق أن يستحي منه الناس". 825 - * روى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

_ 824 - أبو داود (4/ 40 - 41) كتاب الحمام- باب (ما جاء) في التعري. الترمذي (5/ 97، 98) 44 - كتاب الأدب، 22 - باب ما جاء في حفظ العورة. ابن ماجه (1/ 618) 9 - كتاب النكاح، 28 - باب التستر عند الجماع. الحاكم (4/ 180) وأقره الذهبي. (1) أبو داود نفس الموضع السابق. (عوراتنا) العورات: جمع عورة، وهو ما يجب على الإنسان ستره في الصلاة، وهي من الرجل: ما بين السرة والركبة، ومن المرأة الحرة: جميع جسدها، إلا الوجه واليدين إلى الرسغين. وفي أخمصها وجهان. ومن الأمة: مثل الرجل، وما يبدو منها في حال الخدمة، كالرأس، والرقبة، وأطراف الساق والساعد: فليس بعورة. وما يجب ستره من هذه العورات في الصلاة، يجب في غير الصلاة، وفي وجوبه عند الخلوة تردد، وكل ما يستحيى منه إذا ظهر: فهو عورة، ولهذا يقال للنساء: عورة، وعورة الإنسان: سوءته. والعورة في الحروب والثغور: خلل يتخوف منه القتل. ومنه قوله تعالى: (إن بيوتنا عورة) [الأحزاب: 130] أي: خلل ممكنة من العدو (ابن الأثير). 825 - مسلم (1/ 266) 3 - كتاب الحيض، 17 - باب تحريم النظر إلى العورات. أبو داود (4/ 41) كتاب الحمام، باب [ما جاء] في التعري. الترمذي (5/ 109) 44 - كتاب الأدب، 38 - باب في كراهية مباشرة الرجال الرجال والمرأة المرأة.

"لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا المرأة إلى المرأة في ثوب واحد". وفي رواية (1) مكان "عورة" "عُرية". 826 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع". زاد في رواية (2): وإذا زوج أحدكم خادمه- عبده أو أجيره- فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة". أقول: التفريق بين الأولاد في المضاجع إذا بلغوا عشراً أعم من أن يكون تفريقاً بين الذكور والإناث فقط. 827 - * روى أبو داود عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "يا علي، لا تبرز فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت"، وفي أخرى (3) قال: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كشف الفخذ وقال: "لا تكشف فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت". 828 - * روى أبو داود عن زرعة بن مسلم بن جوهر عن أبيه عن جده: "أنه كان من أهل الصفة، وأنه قال: جلس عندي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً، فرأى فخذي منكشفة، فقال:

_ (1) مسلم ص 267، نفس الموضع السابق. (يفضي) أفضى الرجل إلى الرجل: إذا ألصق جسده بجسده. (عرية) العرية: التعري من الثياب. يقال: عري الرجل من ثوبه يعرى عرياً، فهو عار وعريان، وأعريته أنا، وعريته فتعرى، وأصله: من العراء وهو الفضاء الذي لا ستر فيه (ابن الأثير). 826 - أبو داود (1/ 133) كتاب الصلاة، 25 - باب متى يؤمر الغلام بالصلاة. (2) أبو داود، نفس الموضع السابق. (وفرقوا بينهم في المضاجع) أراد بالتفريق: التفريق بين الذكور والإناث من الأولاد عند النوم، لقربهم من البلوغ (ابن الأثير). 827 - أبو داود (3/ 196) كتاب الجنائز، باب في ستر الميت عند غسله. (3) أبو داود (4/ 40) كتاب الحمام، باب النهي عن التعري. حديث حسن. 828 - أبو داود (4/ 40) كتاب الحمام، باب النهي عن التعري.

"أما علمت أن الفخذ عورة؟ " وفي رواية (1): "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به في المسجد وقد كشف فخذه، فقال له: "غط فخذك فإنها من العورة" إلا أن أبا داود قال: زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد عن أبيه قال: كان جرهد. قدم أكثر العلماء الأخذ بما ورد في حديث جرهد وأمثاله على غيره لأنه قول والقول أرجح من الفعل، ولأن النصوص الأخرى قد تفيد الخصوصية وبعضها فيه تردد في الرواية، فالتمسك بأن الفخذ عورة هو الأولى ولذلك وجه العلماء ما ورد مخالفاً لذلك فقد ضبط بعضهم رواية أنس (ثم حسر الإزار). رواها بضم أوله وكسر ثانية بدليل رواية مسلم (فانحسر)، وقد وافق مسلماً على روايته بلفظ (فانحسر) أحمد بن حنبل عن ابن علية وكذا رواه الطبراني عن يعقوب شيخ البخاري ورواه الإسماعيلي عن القاسم بن زكريا عن يعقوب وقال القرطبي حديث أنس وما معه إنما ورد في قضايا معينة في أوقات مخصوصة يتطرق إليها من احتمال الخصوصية أو البقاء على أصل الإباحة ما لا يتطرق إلى حديث جرهد وما معه لأنه يتضمن إعطاء حكم كلي. 829 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الفخذ عورة". 830 - * روى أحمد عن محمد بن عبد الله بن جحش ختن النبي صلى الله عليه وسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على معمر بفناء المسجد محتبياً كاشفاً عن طرف فخذه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "خمر فخذك يا معمر فإن الفخذ عورة". وفي رواية له (2) عند أحمد أيضاً قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم وأنا معه على معمر وفخذاه مكشوفتان فقال: يا معمر "غط فخذيك فإن الفخذين عورة". إلا أنه قال في الأولى: "فإن الفخذ من العورة".

_ (1) الترمذي (5/ 111) 43 - كتاب الأدب، 40 - باب ما جاء أن الفخذ عورة. حديث حسن. 829 - الترمذي (5/ 111) 43 - كتاب الأدب، 40 - باب ما جاء أن الفخذ عورة، هو حديث حسن. 830 - أحمد (5/ 290). (2) في نفس الموضع السابق. مجمع الزوائد (2/ 52) كتاب الصلاة، باب ما جاء في العورة. قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير إلا أنه قال في الأولى فإن الفخذ من العورة- رجال أحمد رجال ثقات.

831 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من صلى في ثوب فليخالف بين طرفيه". هذه رواية البخاري، وفي رواية (1) أبي داود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم في ثوب فليخالف بطرفيه على عاتقيه". أقول: ومن ههنا كره السدل في الصلاة وهو أن يلقي طرف الرداء من الجانبين ولا يرد أحد طرفيه على الكتف الأخرى أو لا يضم الطرفين بيديه، ومن ههنا نعرف أن الأصل ستر الجسم في الصلاة، ولقد قال العلماء: ليس من المروءة أن يري الإنسان جسمه، فإذا كان هذا مع الخلق، فالأدب مع الخالق في الصلاة أولى. 832 - * روى الجماعة إلا الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن سائلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في ثوب واحد؟ فقال: "أو لكلكم ثوبان؟ "، وفي رواية (2) للبخاري ومسلم قال: "نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيصلي أحدنا في ثوب واحد؟ فقال: "أفكلكم يجد ثوبين؟ " زاد في رواية (3): "قال: ثم سأل رجل عمر؟ فقال: إذا وسع الله فوسعوا: جمع رجل عليه ثيابه: صلى رجل في إزار ورداء، في إزار وقميص، في إزار وقباء، في سراويل ورداء، في سراويل وقميص، في سراويل وقباء، في تبان وقباء، في تبان وقميص- قال: وأحسبه قال: في تبان ورداء، وفي رواية (4) للموطأ عن ابن المسيب قال: سئل أبو هريرة: هل يصلي الرجل في ثوب واحد؟ قال: نعم. فقيل له:

_ 831 - البخاري (1/ 471) 8 - كتاب الصلاة، 5 - باب إذا صلى في الثوب الواحد فليجعله على عاتقه. (1) أبو داود (1/ 169) كتاب الصلاة، 77 - باب جماع أثواب ما يصلي فيه. 832 - البخاري (1/ 470) 8 - كتاب الصلاة، 3 - باب عقد الإزار على القفا في الصلاة. مسلم (1/ 367) 4 - كتاب الصلاة، 52 - باب الصلاة في ثوب واحد. أبو داود (1/ 169) كتاب الصلاة، 77 - باب جماع أثواب ما يصلي فيه. النسائي (2/ 69، 70) 9 - كتاب القبلة، 14 - باب الصلاة في الثوب الواحد. ابن ماجه (1/ 333) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، - باب الصلاة في الثوب الواحد. (2) البخاري (1/ 475) 8 - كتاب الصلاة، 9 - باب الصلاة في القميص والسراويل والتبان والقباء. (3) في نفس الموضع السابق. (4) الموطأ (1/ 140) 8 - كتاب صلاة الجماعة، 9 - باب الرخصة في الصلاة في الثوب الواحد. (تبان) سروال صغير يستر العورة الغليظة وما حولها. (المشجب): خشبات كانت تعد لتوضع الثياب عليها إذا خلعت.

هل تفعل ذلك أنت؟ فقال: نعم، إني لأصلي في ثوب واحد، وإن ثيابي لعلى المشجب". أقول: الصلاة في الثوب الواحد جائزة، وفيما هو أكثر من ذلك كما ورد في رواية عمر أكمل، والأصل أن يتجنب المسلم والمسلمة الثياب التي تصف العورة أو تشف، فمهما استطاع المسلم أن تكون ثيابه غير واصفة للعورة، فذلك أكمل. 833 - * روى النسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "آخر صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم مع القوم: صلى في ثوب واحد متوشحاً به، خلف أبي بكر"، وفي (1) رواية الترمذي: "صلى في مرضه خلف أبي بكر، قاعداً في ثوب متوشحاً به". 834 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يصل أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء"، وقال: "على عاتقيه". أقول: كره العلماء لمن يجد شيئاً زائداً على الإزار يستر به جسمه ثم يصلي بدونه. 835 - * روى أبو داود عن بريدة رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني صلى في لحاف لا يتوشح به، والآخر: أني صلى في سراويل ليس عليه رداء". 836 - * روى الشيخان عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: "كان رجال يصلون مع

_ 833 - النسائي (1/ 79) 10 - كتاب الإمامة، 8 - صلاة الإمام خلف رجل من رعيته. (1) الترمذي (2/ 197) أبواب الصلاة، 268 - باب منه. حديث صحيح. 834 - البخاري (1/ 471) 8 - كتاب الصلاة، 5 - باب إذا صلى في الثوب الواحد فليجعل على عاتقيه. مسلم (1/ 368) 4 - كتاب الصلاة، 52 - باب الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه. أبو داود (1/ 169) كتاب الصلاة، 77 - باب جماع أثواب ما يصلي فيه. النسائي (2/ 71) 9 - كتاب القبلة، 18 - صلاة الرجل في الثوب ليس على عاتقه منه شيء. 835 - أبو داود (1/ 172) كتاب الصلاة، 82 - باب من قال يتزر به إذا كان ضيقاً. هو حديث حسن. (يتوش حبه): يلبسه. 836 - البخاري (1/ 473) 8 - كتاب الصلاة، 6 - باب إذا كان الثوب ضيقاً. مسلم (1/ 326) 4 - كتاب الصلاة، 29 - باب أمر النساء المصليات وراء الرجال.

النبي صلى الله عليه وسلم عاقدي أزرهم على أعناقهم كهيئة الصبيان، ويقال للنساء: لا ترفعن رؤوسكن حتى يستوي الرجال جلوساً". وعند أبي داود نحوه، وفيه: من ضيق الأزر، وفيه: "فقال قائل: يا معشر النساء، لا ترفعن رؤوسكن ... وذكره". 837 - * روى ابن خزيمة عن سهل بن سعد، قال: "كن النساء يؤمرن في الصلاة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يرفعن رؤوسهن حتى يأخذ الرجال مقاعدهم من قباحة الثياب". أقول: لا يفيد ذلك أن الرجال كانوا يصلون مكشوفي العورات وإنما هو أمر للاحتياط. 838 - * روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقبل صلاة الحائض إلا بخمار". أقول: الخمار في الأصل هو ما تغطي به المرأة رأسها وعنقها، والظاهر أن المراد به هنا أن تلبس ما يكمل ستر بدنها في الصلاة، وقد مر معنا أن المرأة في الصلاة كلها عورة ما عدا وجهها وكفيها وهناك خلاف حول وجوب ستر قدميها. 839 - * روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة

_ أبو داود (1/ 170) كتاب الصلاة، 78 - باب الرجل يعقد الثوب في قفاه. النسائي (2/ 70) 9 - كتاب القبلة، 16 - الصلاة في الإزار. 837 - ابن خزيمة (1/ 375) 247 - باب عقد الإزار على العاتقين إذا صلى المصلي. 838 - أبو داود (1/ 173) كتاب الصلاة، 85 - باب المرأة تصلي بغير خمار. الترمذي (2/ 215) أبواب، 277 - باب ما جاء "لا تقبل صلاة المرأة إلا بخمار". ابن خزيمة (1/ 380) 256 - باب نفي قبول صلاة الحرة المدركة بغير خمار. حديث حسن، وإسناده صحيح. (صلاة الحائض) أراد: المرأة التي بلغت المحيض، فاستكملت حد البلوغ، ولم يرد: التي هي حائض عند الصلاة، فإن الحائض لا صلاة عليها، ولا تصح صلاتها لو صلت، فلذلك قال: "لا تصح صلاة الحائض- أي المرأة- إلا بخمار". 839 - البخاري (1/ 482) 8 - كتاب الصلاة، 14 - باب إذا صلى في ثوب له أعلام. مسلم (1/ 391) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 15 - باب كراهة الصلاة في ثوب له أعلام.

لها أعلام، فنظر إلى أعلامها نظرة، فلما انصرف قال: "اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم، وائتوني بأنبجانية أبي جهم، فإنها ألهتني آنفاً عن صلاتي" وفي رواية (1): "أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له خميصة لها أعلام، فكان يتشاغل بها في الصلاة، فأعطاها أبا جهم، وأخذ كساء له أنبجانيا. قال البخاري وقال هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كنت أنظر إلى علمها وأنا في الصلاة، فأخاف أن يفتنني" وأخرجه الموطأ (2) وأبو داود (3) والنسائي (4)، وأخرج الموطأ (5) أيضاً عن عروة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، فجعله مرسلاً من هذا الطريق، وفي رواية أخرى لأبي (6) داود: "وأخذ كردياً كان لأبي جهم، فقيل: يا رسول الله، الخميصة كانت خيراً من الكردي". 840 - * روى الطبراني عن عبد الله بن سرجس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوماً وعليه نمرة فقال لرجل من أصحابه: "أعطني نمرتك، وخذ نمرتي"، فقال: يا رسول الله نمرتك أجود من نمرتي فقال: "أجل ولكن فيها خيط أحمر، فخشيت أن أنظر إليها فتفتني عن صلواتي". وفي رواية: فأخاف أن يفتني. أقول: من هذا النص والذي قبله ندرك أن المسلم عليه أن يراعي في ثياب صلاته معاني

_ (1) مسلم ص 392، الموضع السابق. (2) الموطأ (1/ 97، 98) 3 - كتاب الصلاة، 18 - باب النظر في الصلاة إلى ما يشغلك عنها. (3) أبو داود (4/ 49) كتاب اللباس، باب من كرهه. (4) النسائي (2/ 72) 9 - كتاب القبلة، 20 - الرخصة في الصلاة في خميصة لها أعلام. (5) الموطأ (1/ 98) الموضع السابق. قال ابن عبد البر: هذا مرسل عند جميع الرواة عن مالك. (6) أبو داود (1/ 241) كتاب الصلاة- 166 - باب النظر في الصلاة. (خميصة) ثوب أسود معلم من خز أو صوف. (ألهتني) أي شغلتني. (آنفاً) يقال: فعلت الشيء آنفاً: أي الآن. (بأنبجانية) الأنبجانية: كساء له خمل، وقيل: الأنبجانية: الغليظ من الصوف. (الكردي) رداء كردي. 840 - مجمع الزوائد (5/ 136) باب فيمن ترك اللباس تواضعاً، وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح خلا موسى بن طارق وهو ثقة. (النمرة) بردة من صوف تلبسها الأعراب.

متعددة ومن ثم كره العلماء إرسال الثياب على وجه الخيلاء وكره الحنابلة لبس الثوب الأحمر والصلاة فيه. وفي هاتين الروايتين أن المسلم يحتاط فلا يلبس من الثياب ما يشغله التأمل فيه عن صلاته، وهو أمر مستحب ويختلف من إنسان لإنسان، ومن صاحب مقام إلى صاحب مقام، فمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم جعله يستبدل ثوبه لأنه شغله قليلاً عن صلاته وذلك أصل في معاقبة الإنسان نفسه بالمباح من أجل ما هو أكمل قال ابن حجر (1/ 483) في قوله: (فألهتني آنفاً عن صلاتي): (قوله: "عن صلاتي" أي عن كمال الحضور فيها، والطريق المعلقة دل على أنه لم يقع له شيء من ذلك وإنما خشي أن يقع لقوله "فأخاف"، وكذا في رواية مالك "فكاد") اهـ. 841 - * روى الشيخان عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: أهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فروج حرير، فلبسه فصلى فيه، ثم انصرف فنزعه نزعاً شديداً كالكاره له، وقال: "لا ينبغي هذا للمتقين". أقول: لعل ذلك كان قبل تحريم الحرير، أو كان الثوب فيه سجف حرير بالقدر المباح، فما يحرم في الصلاة وغيرها لبس الحرير على الرجال بالإجماع إلا لعارض أو عذر كما سيمر. قال ابن حجر في (الفتح 1/ 485): (وظاهر هذا الحديث أن صلاته صلى الله عليه وسلم فيه كانت قبل تحريم لبس الحرير، ويدل على ذلك حديث جابر عند مسلم بلفظ: صلى في قباء ديباج ثم نزعه وقال: "نهاني جبريل" ويدل عليه أيضاً مفهوم قوله: "لا ينبغي هذا للمتقين" لأن المتقي وغيره في التحريم سواء، ويحتمل أن يراد بالمتقي المسلم أي المتقي

_ 841 - البخاري (1/ 484، 485) 8 - كتاب الصلاة، 16 - باب من صلى في فروج حرير ثم نزعه. مسلم (3/ 1646) 37 - كتاب اللباس والزينة، 2 - باب إباحة تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء. النسائي (2/ 72) 9 - كتاب القبلة، 19 - الصلاة في الحرير. (فروج) الفروج: القباء له فرج من وراء أو من أمام.

للكفر، ويكون النهي سبب النزع، ويكون ذلك ابتداء التحريم، وإذا تقرر هذا فلا حجة فيه لمن أجاز الصلاة في ثياب الحرير لكونه صلى الله عليه وسلم لم يعد تلك الصلاة، لأن ترك إعادتها لكونها وقعت قبل التحريم، أما بعده فعند الجمهور تجزئ لكن مع التحريم، وعن مالك يعيد في الوقت. والله أعلم) اهـ. وانظر (شرح مسلم للنووي 14/ 51). 842 - * روى الستة عن أبي هريرة: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لبستين: اشتمال الصماء وهو أن يجعل ثوبه على عاتقه فيبدو أحد شقيه ليس عليه ثوب، أو أن يشتمل على يديه في الصلوة، واللبسة الأخرى احتباؤه بثوبه وهو جالس ليس على فرجه منه شيء". 843 - * روى أحمد عن ابن عباس: أنه صلى الله عليه وسلم صلى في ثوب واحد متوشحاً ينقي بفضوله حر الأرض وبردها. 844 - * روى البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال محمد بن المنكدر: "رأيت جابراً يصلي في ثوب واحد، وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب". وفي رواية (4) قال: دخلت على جابر بن عبد الله وهو يصلي في ثوب، ملتحفاً به، ورداؤه موضوع، فلما انصرف، قلنا: يا أبا عبد الله، تصلي ورداؤك موضوع؟ قال: نعم، أحببت أن يراني الجهال مثلكم، رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي كذلك". وفي أخرى (5) قال: صلى بنا جابر في إزار قد عقده من قبل قفاه، وثيابه موضوعة على المشجب، فقال له

_ 842 - البخاري (10/ 278، 279) 77 - كتاب اللباس، 20 - باب اشتمال الصماء، 21 - باب الاحتباء في الثوب الواحد. مسلم (3/ 1661) 37 - كتاب اللباس والزينة، 20 - باب النهي عن اشتمال الصماء، والاحتباء في الثوب الواحد. أبو داود (3/ 254) كتاب البيوع، 23 - باب في بيع الغرر. الترمذي (4/ 235) 25 - كتاب اللباس، 24 - باب ما جاء في النهي عن اشتمال الصماء، والاحتباء في الثوب الواحد. النسائي (8/ 210) 48 - كتاب الزينة، 106 - النهي عن اشتمال الصماء. ابن ماجه (2/ 1179) 32 - كتاب اللباس، 3 - باب ما نهي عنه من اللباس. 843 - أحمد (1/ 256). مجمع الزوائد (2/ 48) وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط ورجال أحمد رجال الصحيح. 844 - البخاري (1/ 468) 8 - كتاب الصلاة، 3 - باب عقد الإزار على القفا في الصلاة. (4) البخاري (1/ 478) 8 - كتاب الصلاة، 11 - باب الصلاة بغير رداء. (5) البخاري (1/ 468) 8 - كتاب الصلاة، 3 - باب عقد الإزار على القفا في الصلاة.

قائل: تصلي في إزار واحد؟ فقال: إنما صنعت ذلك ليراني أحمق مثلك، وأينا كان له ثوبان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. وفي أخرى (1) قال سعيد بن الحارث المعلى: "سألت جابر بن عبد الله عن الصلاة في الثوب الواحد؟ فقال: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، فجئت مرة لبعض أمري، فوجدته يصلي، وعلي ثوب واحد، فاشتملته، وصليت إلى جانبه، فلما انصرف، قال: "ما السرى يا جابر"؟ فأخبرته بحاجتي، فلما فرغت، قال: "ما هذا الاشتمال الذي رأيت"؟ قلت: كانت ثوب واحد. قال: "فإن كان واسعاً فالتحف به، وإن كان ضيقاً فاتزر به". هذه رواية البخاري، وفي رواية (2) مسلم قال محمد بن المنكدر عن جابر: "كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فانتهينا إلى مشرعة، فقال: ألا تشرع يا جابر؟ قلت: بلى. قال: فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشرعت قال: ثم ذهب لحاجته، ووضعت له وضوءاً. قال: فجاء فتوضأ، ثم قام فصلى في ثوب واحد، خالف بين طرفيه، فقمت خلفه، فأخذ بأذني، فجعلني عن يمينه. وفي رواية (3) أبي الزبير عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد متوشحاً به، وفي أخرى (4): أنه رأى جابر بن عبد الله يصلي في ثوب واحد، متوشحاً به، وعنده ثيابه، وقال جابر: إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك. وفي رواية الموطأ (5) قال مالك: بلغه أن جابر بن عبد الله كان يصلي في الثوب الواحد. وفي أخرى (6) بلغه عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من لم يجد ثوبين فليصل في ثوب واحد، ملتحفاً به، فإن كان الثوب قصيراً فليتزر به". وفي رواية أبي داود (7) عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: أتينا جابر بن عبد الله، فقال: سرت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة، فقام يصلي، وكانت علي بردة ذهبت أخالف بين طرفيها، فلم تبلغ لي، وكانت لها ذباذب فنكستها، ثم خالفت بين

_ (1) البخاري (1/ 472) 8 - كتاب الصلاة، 6 - باب إذا كان الثوب ضيقاً. (2) مسلم (1/ 532) 6 - كتاب المسافرين وقصرها، 26 - باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه. (3) مسلم (1/ 369) 4 - كتاب الصلاة، 52 - باب الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه. (4) في نفس الموضع السابق. (5) الموطأ (1/ 141) 8 - كتاب صلاة الجماعة، 9 - باب الرخصة في الصلاة في الثوب الواحد. (6) الموطأ (1/ 141) 8 - كتاب صلاة الجماعة، باب الرخصة في الصلاة في الثوب الواحد. (7) أبو داود (1/ 171) كتاب الصلاة، 81 - باب إذا كان الثوب ضيقاً.

طرفيها، ثم تواقصت عليها لا تسقط، ثم جئت حتى قمت عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه، فجاء ابن صخر حتى قام عن يساره، فأخذنا بيديه جميعاً حتى أقامنا خلفه، قال: وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يرمقني وأنا لا أشعر، ثم فطنت به، فأشار إلي: أن اتزر بها، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا جابر، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: "إذا كان واسعاً فخالف بين طرفيه، وإذا كان ضيقاً فاشدده على حقوك" هذا الذي أخرجه أبو داود طرف من حديث طويل قد أخرجه مسلم بطوله وله في أخرى (1) عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: "أمنا جابر في قميص ليس عليه رداء، فلما انصرف قال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في قميص". 845 - * روى مسلم عن المسور بن مخرمة رضي الله عنه قال: حملت حجراً ثقيلاً، فبينا أنا أمشي سقط عني ثوبي، فلم أستطع أخذه، فرآني النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي: "خذ عليك ثوبك، ولا تمشوا عراة". 846 - * روى الشيخان عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في

_ (1) أبو داود (1/ 171) كتاب الصلاة، 80 - باب في الرجل يصلي في قميص واحد. (القميص) هو ما يسمى بالجلابية في عصرنا. (السرى) السير في الليل، والمراد: ما أوجب مجيئك في هذا الوقت. (التحف بالثوب) إذا تغطي به كاللحاف يشمل الإنسان. (وأشرعت) شرعت الدواب في الماء تشرع شرعاً وشروعاً: دخلت. (متوشحاً) التوشح بالثوب: أن يجعل موضع الوشاح، والوشاح: شيء ينسج عريضاً من أدم، ويرصع بالجواهر، وتشده المرأة بين عاتقيها وكشحيها. (ذباذب) الثوب: أهدأ به، وسميت ذباذب لتذبذبها، أي: تحركها وترددها. (تواقصت) عليها، أي: ثنيت عنقي لأمسك به الثوب، كأنه يحكي خلقة الأوقص من الناس، وهو القصير العنق. (حقوك) الحقو: الخصر ومشد الإزار نفسه. 845 - مسلم (1/ 268) 3 - كتاب الحيض، 19 - باب الاعتناء بحفظ العورة. أبو داود (4/ 40) كتاب الحمام، باب ما جاء في التعري. 846 - البخاري (1/ 468) 8 - كتاب الصلاة، 3 - باب عقد الإزار على القفا في الصلاة. مسلم (1/ 368، 369) 4 - كتاب الصلاة، 52 - باب الصلاة في ثوب واحد.

ثوب واحد، وقد خالف بين طرفيه. وفي رواية (1): انه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد في بيت أم سلمة، قد ألقى طرفيه على عاتقيه. وفي أخرى (2) قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد مشتملاً به في بيت أم سلمة، واضعاً طرفيه على عاتقيه. وفي أخرى (3): متوشحاً. وفي أخرى (4): ملتحفاً- وزاد قال- على منكبيه". 847 - * روى أبو داود عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: "قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني رجل أصيد، فأصلي في القميص الواحد؟ قال: "نعم وازرره عليك، ولو بشوكة". وعند النسائي قال: قلت: يا رسول الله، إني لأكون في الصف وليس علي إلا القميص، أفأصلي فيه؟ قال: "زره عليك ولو بشوكة". وفي نسخة أخرى: إني أكون في الصيف. والأول: هو السماع. 848 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- أو قال: قال عمر: "إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما، فإن لم يكن إلا ثوب فليتزر، ولا يشتمل اشتمال اليهود. 849 - * روى مالك عن عبد الله الخولاني وكان في حجر ميمونة زوج النبي: أن ميمونة

_ (1) البخاري (1/ 469) الموضع السابق. (2) البخاري، نفس الموضع السابق. (3) مسلم (1/ 369) الموضع السابق. (4) مسلم، نفس الموضع السابق. 847 - أبو داود (1/ 170، 171) كتاب الصلاة، 80 - باب في الرجل يصلي في قميص واحد. روي "أصيد" على أنه فعل مضارع بوزان أبيع، وروي "أصيد" على أنه صفة مشبهة بوزان أحل وأغيد، والأصيد: الذي في رقبته علة لا يمكنه معها الالتفات. وإسناده حسن، حسنه النووي وغيره. النسائي (2/ 70) 9 - كتاب القبلة، 15 - الصلاة في قميص واحد. 848 - أبو داود (1/ 172) كتاب الصلاة، 82 - باب من قال يتزر به إذا كان ضيقاً. وإسناده حسن. (الاشتمال بالثوب): هو أن يغطي به جسده لافا بذلك يديه مع بقية جسده. 849 - الموطأ (1/ 142) 8 - كتاب صلاة الجماعة، 10 - باب الرخصة في صلاة المرأة في الدرع والخمار. وإسناده صحيح.

كانت تصلي في الدرع والخمار ليس عليها إزار". 850 - * روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوب بعضه علي". 851 - * روى أبو داود عن ميمونة رضي الله عنها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وعليه مرط علي بعضه". 852 - * روى ابن خزيمة عن ميمونة، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وعلي مرط، علي بعضه وعليه بعض وأنا حائض. 853 - * روى البخاري عن أبي هريرة، قال: كنت في سبعين من أصحاب الصفة، ما منهم رجل عليه رداء، إما بردة أو كساء قد ربطوها في أعناقهم، فمنها ما يبلغ الساق ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته. 854 - * روى أبو داود عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة، وأن يغطي الرجل فاه. قال في (شرح السنة 2/ 427).

_ 850 - أبو داود (1/ 170) كتاب الصلاة، 79 - باب الرجل يصلي في ثوب واحد بعضه على بعض. وإسناده حسن. 851 - أبو داود (1/ 101) كتاب الطهارة، 135 - باب في الرخصة في ذلك. إسناده حسن. 852 - ابن خزيمة (1/ 377، 378) 250 - باب الرخصة في الصلاة في بعض الثوب الواحد يكون بعضه على المصلي وبعضه على غيره. إسناده صحيح. (مرط) كساء يتغطى به وجمعه مروط. 853 - البخاري (1/ 536) 8 - كتاب الصلاة، 58 - باب نوم الرجال في المسجد. ابن خزيمة (1/ 375) 247 - باب عقد الإزار على العاتقين إذا صلى المصلي في إزار واحد ضيق. 854 - أبو داود (1/ 174) كتاب الصلاة، 86 - باب ما جاء في السدل في الصلاة. الحاكم (1/ 253) وقال صحيح، وأقره الذهبي. والسدل: هو إرسال الثوب حتى يصيب الأرض. وهذا تفسير الخطابي للسدل، وهو والإسبال واحد عنده، وجاء في (النهاية): السدل: أن يلتحف بثوبه، ويدخل يديه من داخل، فيركع ويسجد وهو كذلك، وكانت اليهود تفعله، وهذا مطرد في القميص وغيره من الثياب وقيل: هو أن يضع وسط الإزار على رأسه، ويرسل طرفيه عن يمينه وشماله من غير أن يجعلهما على كتفيه.

واختلف العلماء فيه، فذهب بعضهم إلى كراهية السدل في الصلاة، وقالوا: هكذا تصنع اليهود، وكرهه الشافعي في الصلاة كما في غير الصلاة، ورخص بعض العلماء في السدل في الصلاة، وقوله: وأن يغطي الرجل فاه. قال أبو سليمان الخطابي: إن من عادة العرب التلثم بالعمائم على الأفواه، فنهوا عن ذلك في الصلاة إلا أن يعرض للمصلي الثوباء، فيغطي فمه عند ذلك للحديث الذي جاء فيه. اهـ. 855 - * روى أبو يعلى عن معاوية قال: دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد فقلت: يا أم حبيبة أيصلي النبي صلى الله عليه وسلم في ثوب واحد: قالت: نعم وهو الذي كان فيه ما كان، تعني الجماع. معاوية هو أخو أم حبيبة فكلاهما ولد أبي سفيان. 856 - * روى الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوشح بثوب قطن وفي يده عنزة وهو متوكئ على أسامة بن زيد فركزها بين يديه ثم صلى إليها. 857 - * روى أبو يعلى عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي فوجد القر فقال: "يا عائشة أرخي علي مرطك"، قالت: إني حائض، قال: "إن حيضتك ليست في يدك". ولمسلم (1): كان يصلي من الليل وأنا إلى جنبه وأنا حائض وعلي مرط لي بعضه عليه. أقول: مما يفترض على المصلي أن تكون ثيابه طاهرة، وإنما ذكرنا هذا النص وأمثاله

_ 855 - أبو يعلى (13/ 61) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 49) باب: الصلاة في الثوب الواحد، وقال "رواه أبو يعلي، والطبراني في الأوسط، ورواه في الكبير مختصراً، وإسناد أبي يعلى حسن. 856 - مجمع الزوائد (2/ 50) باب الصلاة في الثوب الواحد، وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن. العنزة مثل نصف الرمح أو أكبر شيئاً. 857 - أبو يعلى (7/ 458) وإسناده ضعيف لضعف أبي حمزة وهو ميمون الأعور. ومجمع الزوائد (2/ 49 - 50) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى وإسناده حسن. (1) مسلم (1/ 367) 4 - كتاب الصلاة، 51 - باب الاعتراض بين يدي المصلي.

للإشارة إلى أن الثوب الذي يصلي فيه المصلي إذا كان جزء منه على امرأة حائض فذلك يضر. 858 - * روى الطبراني عن ابن عمر قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه فإن الله أحق من يزين له".

_ 858 - مجمع الزوائد (2/ 51) باب الصلاة في الثوب الواحد وأكثر منه، وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد - قال في الظهيرية: إن حكم العورة في الركبة أخف منه في الفخذ فلو رأى غيره مكشوف الركبة ينكر عليه برفق ولا ينازعه إن لج وفي الفخذ يعنف ولا يضربه إن لج وفي السوءة يؤدبه على ذلك إن لج. وفي العناية (1/ 225) لو صلى والركبتان مكشوفتان والفخذ مغطى جازت صلاته لأن نفس الركبة من الفخذ أقل من الربع وقد قيل: إنها بانفرادها عضو واحد، ولكن الأول أصح لأنها ليست بعضو على حدة في الحقيقة بل هي ملتقى عظم الفخذ والساق وإنما حرم النظر إليها من الرجال لتعذر التمييز. وقال في رد المحتار (1/ 271) فالركبة من العورة لرواية الدارقطني: (ما تحت السرة إلى الركبة من العورة) ولكنه محتمل والاحتياط في دخول الركبة اهـ. - اختلفت الرواية عن أبي حنيفة والمشايخ في القدم بالنسبة للمرأة الحرة، وقد رجح في الكفاية (1/ 226) عدم كون القدم عورة مطلقاً حيث قال: لأن المرأة تحتاج إلى كشف قدميها عند مشيها كما تحتاج إلى إظهار وجهها ويدها عند المعاملة فإذا خرج الوجه والكف عن أن يكونا عورة للحاجة مع أن الكف والوجه في كونهما مشتهيين فوق القدم فلأن يخرج القدم أولى ..

الفصل الرابع في الشرط الرابع من شروط صحة الصلاة وهو استقبال القبلة، وما له علاقة بموضوع القبلة

الفصل الرابع في الشرط الرابع من شروط صحة الصلاة وهو استقبال القبلة، وما له علاقة بموضوع القبلة عرض إجمالي: قال تعالى: (ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره) (1). ولأن هناك حالات خاصة قد يعذر فيها الإنسان قال تعالى: (ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله) (2). لقد اتفق الفقهاء على أن استقبال القبلة شرط في صحة الصلاة إلا في شدة الخوف، وصلاة النافلة للمسافر، وقيد المالكية والحنفية شرط الاستقبال بحالة الأمن من عدو وسبع، وبحالة القدرة، واتفق العلماء على أن من كان مشاهداً معايناً للكعبة، ففرضه التوجه إلى عينها يقيناً، ومثله عند الحنابلة: أهل مكة أو الناشئون بها وإن كان هناك حائل بينهم وبين الكعبة، وأما غير المعاين للكعبة ففرضه عند الحنفية والمالكية والحنابلة في غير الصورة التي ذكرناها إصابة جهة الكعبة، وقال الشافعي: فرضه إصابة عينها، وبعض الذين قالوا إن فرضه إصابة جهة الكعبة كالحنفية أرادوا بذلك أن يبقى شيء من الوجه حاذياً للكعبة أو لهوائها، والكعبة من الأرض السابعة إلى العرش، فمن صلى في الجبال العالية والآبار العميقة والمناطق الواطئة جازت صلاته كما تجوز على سطحها وفي جوفها، ولو افترض زوال بنائها صحت الصلاة إلى موضعها. وهؤلاء يفسرون إصابة الجهة بأنه لو امتد خط من وجه المصلي في منتصف زاوية قائمة لكان ماراً على الكعبة أو هوائها. ومن عجز عن معرفة جهة القبلة واشتبهت عليه ولم يجد ثقة يخبره بها عن علم اجتهد وتحرى معتمداً على الدلائل الكونية ما أمكن وصلى إلى حيث أدى إليه اجتهاده، فإذا تبين له

_ (1) البقرة: 150. (2) البقرة: 115.

بعد الصلاة خطأ اجتهاده جازت الصلاة ولا إعادة عليه عند الحنفية والحنابلة، لكن الحنابلة قيدوا ذلك بألا يكون الإنسان في الحضر، وإن تيقن الخطأ في اجتهاده وهو في الصلاة استدار وأكمل صلاته، ولو تعدد اجتهاده لكل صلاة فإنه يصلي إلى حيث الاجتهاد الجديد، وحيثما توجه في الصلاة داخل الكعبة أو فوقها جازت صلاته فرضاً أو نفلاً عند الشافعية والحنفية، ويجوز التطوع على الراحلة وماله حكمها كالسيارة والطائرة للمسافر قبل جهة مقصده ويومئ بالركوع والسجود، قال الحنابلة: يجوز للمسافر الراكب لا الماشي سواء كان سفره طويلاً أو قصيراً أن يتطوع في السفر على الراحلة حيث كانت وجهته، فإن أمكنه افتتاح الصلاة إلى القبلة كراكب راحلة منفرد تطيعه ففي إلزامه التوجه إلى القبلة في افتتاح الصلاة روايتان: رواية بالإلزام، ورواية بعدمه، وهناك من شارك الحنابلة بأن التوجه نحو القبلة في الاستفتاح غير مطلوب حال العجز أو المشقة. وفي عصرنا وجدت أنواع من البوصلات يستطيع الإنسان أن يعرف جهة القبلة من خلالها ما دام على الأرض أو في جوها، ومن المناسب أن يحوي المسلم بوصلة من هذا النوع ويحملها معه إذا سافر. ومن كلام الحنفية أن قبلة العاجز أو راكب الدابة جهة قدرته ولو مضطجعاً، ويصلي بإيماء إلى أي جهة قدر سواء أكان مسافراً أو خائفاً من عدو أو سبع لكن يشترط في الصلاة على الدابة إيقافها إن قدر، وإلا بأن خاف الضرر كأن تذهب القافلة وينقطع فلا يلزمه إيقافها ولا استقبال القبلة حتى في ابتداء الصلاة بتكبيرة الإحرام، وقال المالكية: لا تصح صلاة فرض على ظهر الدابة، وإن كان المصلي مستقبلاً القبلة، إلا في أحوال أربعة: أولاً: حالة التحام القتال في قتال جائز لا يمكن النزول فيه عن الدابة فيصلي الفرض على ظهرها إيماء للقبلة إن أمكن، ثانياً: حالة الخوف من عدو كسبع أو لص إن نزل عن دابته، فيصلي الفرض على ظهرها إيماء للقبلة إن أمكن، وإن لم يمكن صلى لغير القبلة، فإن أمن الخائف بعد صلاته أعاد في الوقت، ولا يعيد إذا مضى الوقت، ثالثاً: الراكب على دابته في ماء لا يطيق النزول فيه أو خشي تلطخ ثيابه. رابعاً: حالة المرض الذي لا يطيق النزول معه فيوقف الدابة إذا أمكن ويتوجه للقبلة ويصلي إيماء.

ومن كلام الحنابلة: ولا يلزم الملاح في سفينة الاتجاه إلى القبلة ولو في الفرض، ومن صلى في سفينة عليه أن يستقبل القبلة متى قدر على ذلك وعليه إذا غيرت جهتها أن يدور لو دارت السفينة وهو يصلي. قال في (الدين الخالص 2/ 122) ودلت الأحاديث أيضاً على أن المكتوبة لا تصح إلى غير القبلة ولا على الدابة وهو مجمع عليه إلا حال العذر اهـ. وعدَّد الأعذار. وحكى النووي الإجماع على عدم جواز صلاة الفريضة على الدابة من غير ضرورة. يفهم من هذا أن للضرورة أحكامها في هذا المجال أيضاً. انظر: (الدر المختار 1/ 397 فما بعدها)، (المغني 1/ 431 وما بعدها)، (المهذب 1/ 67 فما بعدها)، (الفقه الإسلامي 1/ 597 فما بعدها). ومن أقوال الفقهاء السابقة نستطيع أن نقول: إن المسافر في سيارة أو طائرة أو سفينة أو مركبة فضائية يستطيع أن يتنفل وهو في مقعده وحيثما توجهت به الأداة المسافر بها، وأما الفريضة فإن له أن يستعمل رخصة الجمع بين الصلاتين إذا أمكنه ذلك، أما إذا كانت الصلاة ستفوته حتماً فإنه يصلي وقته بالقدر الممكن له، فإن أمكنه أداء الأركان كلها وإقامة الشروط لزمه ذلك، وإلا صلى بالقدر الممكن والمتاح له، والاحتياط بالنسبة للسيارة والطائرة والمركبة الفضائية أن يعيد إلا إذا زادت الصلوات على خمس. وبالنسبة للمركبات الفضائية إذا لم يكن بالإمكان ملاحظة القبلة صلى إلى أي جهة كان. وإذا لم يعرف راكب الطائرة القبلة وخشي إذا صلى واقفاً من خطر يصيبه أو لم يجد محلاً يصلي فيه واقفاً، صلى في مقعده إيماءاً، قال في (الدين الخالص 2/ 125): وإذا دارت السفينة ونحوها في أثناء الصلاة استدار إلى القبلة حيث دارت إن أمكنه، لأنه قادر على تحصيل هذا الشرط بغير مشقة. فيلزمه تحصيله اتفاقاً. فإن عجز عن الاستقبال صلى إلى جهة قدرته ولا إعادة عليه عند الأئمة الثلاثة [غير الشافعية]، وما تقدم من التفصيل

والبيان يجري في الصلاة في القاطرة والطائرة اهـ. وإذا لم يكن متوضئاً ولم يستطع الوضوء ولم يجد شيئاً يتيمم عليه، فحكمه حكم فاقد الطهورين فالحنفية والشافعية: أوجبوا الصلاة عليه مع الإعادة، والحنابلة قالوا: لا تجب عليه الإعادة، والمالكية قالوا: تسقط عنه الصلاة أداء وقضاءً. والكلام عن القبلة يقتضي الكلام عن حفظ المصلي لقبلته وبعض آدابه أثناء استقبال القبلة وما يكره أن يكون أمام المصلي وبعض ما يؤثر على كمال صلاة المصلي بسبب يعرض لقبلته. فمن السنة للمصلي أن يجعل أمامه سترة لمنع المرور بين يديه، وهذه السترة يمكن أن تكون سهماً مغروزاً في الأرض أو عصاً مغروزة في الأرض أو دابة أو جداراً أو سارية. ويجزئ عند الشافعية والحنابلة الخط ومن ذلك أن يكون أمام المصلي خيط أو عصاً معترضة، وحد سجادة الصلاة يعتبر سترة ويقترب المصلي من سترته ما أمكن ولا يزيد على ثلاثة أذرع، والسنة إذا صلى إلى عمود أو شجرة أو سهم أن يجعله على حاجبه الأيمن أو الأيسر بحيث لا يستقبله، وإنما يضع المصلي السترة احتراماً لقبلته، وكما يسن له أن يضع السترة من أجل قبلته، فإن على الغير أن يراعي ذلك فلا يمر بين المصلي وسترته، وإذا لم يكن أمام المصلي سترة فالمالكية اعتبروا المار بين المصلي فيما يستحقه من محل صلاته آثماً، ويكره أن يصلي الإنسان في موضع يحتاج للمرور فيه، واتفق الفقهاء على أنه يجوز المرور بين يدي المصلي للطائف بالبيت بل قال الحنابلة: إنه لا يحرم المرور بين يدي المصلي في مكة كلها وحرمها، ودفع المار بين يدي المصلي رخصة عند الحنفية والأولى تركه، وما ورد من مقاتلة المار يعتبرونه منسوخاً، واتفق أئمة المذاهب الأربعة على أن المرور بين يدي المصلي لا يقطع الصلاة ولا يبطلها. وما ورد من نصوص تذكر قطع الصلاة فهي محمولة على أنها تقطع عن الخشوع والذكر لا أنها تفسد الصلاة. ومما يلاحظه المسلم في صلاته ألا يستقبل وجه إنسان أو يصلي إلى نار من تنور وسراج وقنديل وشمع ومصباح ونحوها، وتكره الصلاة إلى صورة منصوبة في وجه المصلي. وقال الإمام أحمد: يكره أن يكون في القبلة شيء معلق مصحف أو غيره، ولا بأس بذلك عند

- تحويل القبلة

الحنفية ما دام مما لا يعبد، ولا بأس عند الحنفية أن يصلي على بساط فيه تصاوير لاستهانته بها. انظر (حاشية ابن عابدين 1/ 286)، (المهذب 1/ 67)، (المغني 1/ 431)، (الشرح الصغير 1/ 292). وإلى نصوص هذا الفصل: - تحويل القبلة: 859 - * روى الشيخان عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر- شهراً، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يوجه إلى الكعبة، فأنزل الله: (قد نرى تقلب وجهك في السماء) (1) فتوجه نحو الكعبة، وقال السفهاء من الناس- وهم اليهود- (ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ قل لله المشرق والمغرب، يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) (2) فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم رجل، ثم خرج بعد ما صلى فمر على قوم من الأنصار في صلاة العصر نحو بيت المقدس فقال هو يشهد أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه توجه نحو الكعبة. فتحرف القوم حتى توجهوا نحو الكعبة". قال النووي في (شرح مسلم 5/ 9): وهو دليل على جواز النسخ ووقوعه وفيه قبول خبر الواحد وفيه جواز الصلاة الواحدة إلى جهتين وهذا هو الصحيح عند أصحابنا من صلى إلى جهة بالاجتهاد ثم تغير اجتهاده في أثناءها فيستدير إلى الجهة الأخرى حتى لو تغير اجتهاده أربع مرات في الصلاة الواحدة فصلى كل ركعة منها إلى جهة صحت صلاته على الأصح لأن أهل هذا المسجد المذكور في الحديث استداروا في صلاتهم واستقبلوا الكعبة ولم يستأنفوها وفيه دليل على أن النسخ لا يثبت في حق المكلف حتى يبلغه فإن قيل هذا نسخ للمقطوع

_ 859 - البخاري (1/ 502) 8 - كتاب الصلاة، 30 - باب قوله تعالى: (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى). مسلم (1/ 374) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 2 - باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة. (1) البقرة: 144. (2) البقرة: 142.

به بخبر الواحد وذلك ممتنع عند أهل الأصول فالجواب أنه احتفت به قرائن ومقدمات أفادت العلم وخرج عن كونه خبراً واحداً مجرداً واختلف أصحابنا وغيرهم من العلماء رحمهم الله تعالى في أن استقبال بيت المقدس هل كان ثابتاً بالقرآن أم باجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم فحكى الماوردي في الحاوي وجهين في ذلك لأصحابنا، قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: الذي ذهب إليه أكثر العلماء أنه كان بسنة لا بقرآن فعلى هذا يكون فيه دليل لقول من قال: إن القرآن ينسخ السنة وهو قول أكثر الأصوليين المتأخرين وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله تعالى والقول الثاني له، وبه قال طائفة لا يجوز لأن السنة مبينة للكتاب فكيف ينسخها وهؤلاء يقولون: لم يكن استقبال بيت المقدس بسنة بل كان بوحي قال الله تعالى (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها) (1) الآية واختلفوا أيضاً في عكسه وهو نسخ السنة للقرآن فجوزه الأكثرون ومنعه الشافعي رحمه الله تعالى وطائفة اهـ. 860 - * روى الجماعة إلا أبا داود عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: بينما الناس بقباء، في صلاة الصبح، إذ جاءهم آت، فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل القبلة، فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة". قال الحافظ في الفتح (1/ 506): قوله: (في صلاة الصبح) ولمسلم: في صلاة الغداة. وهو أحد أسمائها، وقد نقل بعضهم كراهية تسميتها بذلك. وهذا فيه مغايرة لحديث البراء المتقدم فإن فيه أنهم كانوا في صلاة العصر، والجواب أن لا منافاة بين الخبرين. لأن الخبر وصل وقت العصر إلى من هو داخل المدينة وهم بنو حارثة وذلك في حديث البراء، والآتي إليهم بذلك عباد بن بشر أو ابن نهيك كما تقدم، ووصل الخبر وقت الصبح إلى من هو خارج المدينة وهم بنو عمرو بن عوف أهل قباء وذلك في حديث ابن عمر. ومما يدل على تعددهما أن مسلماً روى من حديث أنس: أن رجلاً من بني سلمة مر وهم ركوع في

_ (1) البقرة: 143. 860 - البخاري (1/ 506) 8 - كتاب الصلاة، 32 - باب ما جاء في القبلة. مسلم (1/ 375) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 2 - باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة. الترمذي (2/ 169، 170) أبواب الصلاة، 255 - باب ما جاء في القبلة. النسائي (1/ 244) 6 - كتاب المواقيت، 24 - باب استبانة الخطأ بعد الاجتهاد. ابن ماجه (1/ 322، 323) 8 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 56 - باب القبلة.

صلاة الفجر. فهذا موافق لرواية ابن عمر في تعيين الصلاة، وبنو سلمة غير بني حارثة، ووقع بيان كيفية التحول في حديث ثويلة بنت أسلم عند ابن أبي حاتم، وقالت فيه: فتحول النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء، فصلينا السجدتين الباقيتين إلى البيت الحرام. قلت: وتصويره أن الإمام تحول من مكانه في مقدم المسجد إلى مؤخر المسجد، لأن من استقبل الكعبة استدبر بيت المقدس، وهو لو دار كما هو في مكانه لم يكن خلفه مكان يسع الصفوف، ولما تحول الإمام تحولت الرجال حتى صاروا خلفه وتحولت النساء حتى صرن خلف الرجال، وهذا يستدعي عملاً كثيراً في الصلاة فيحتمل أن يكون ذلك وقع قبل تحريم العمل الكثير كما كان قبل تحريم الكلام، ويحتمل أن يكون اغتفر العمل المذكور من أجل المصلحة المذكورة، أو لم تتوال الخطا عند التحويل بل وقعت مفرقة. والله أعلم. اهـ فائدة: أخرج البخاري (1/ 505) تعليقاً في باب ما جاء في القبلة ومن لم ير الإعادة على من سها فصلى إلى غير القبلة: وقد سلم النبي صلى الله عليه وسلم في ركعتي الظهر وأقبل على الناس بوجهه ثم أتى ما بقي. قال الحافظ في (الفتح): قوله: ومن لم ير الإعادة: وأصل هذه المسألة في المجتهد في القبلة إذا تبين خطؤه، فروى ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب وعطاء والشعبي وغيرهم أنهم قالوا: لا تجب الإعادة، وهو قول الكوفيين، وعن الزهري، ومالك وغيرهما: تجب في الوقت، لا بعده، وعن الشافعي: يعيد إذا تيقن الخطأ مطلقاً. وقال الحافظ: قوله: وقد سلم النبي صلى الله عليه وسلم من ركعتي الظهر: ومناسبة هذا التعليق للترجمة أن بناءه على الصلاة دال على أنه في حال استدباره القبلة كان في حكم المصلي، ويؤخذ منه أن من ترك الاستقبال ساهياً لا تبطل صلاته. قال في رد المحتار على الدر المختار (1/ 291): فإن ظهر خطؤه لم يعد وإن علم به في صلاته أو تحول رأيه استدار وبنى. قال ابن عابدين: قوله استدار وبنى أي على ما بقي من صلاته لما روي أن أهل قباء كانوا متوجهين إلى بيت المقدس في صلاة الفجر فأخبروا بتحويل القبلة فاستداروا إلى القبلة وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك.

861 - * روى أحمد عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه، وبعد ما هاجر إلى المدينة ستة عشر شهراً ثم صرف إلى الكعبة. 862 - * روى ابن خزيمة خبر كعب بن مالك في خروج الأنصار من المدينة إلى مكة في بيعة العقبة وذكر في الخبر أن البراء بن معرور قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إني خرجت في سفري هذا وقد هداني الله للإسلام فرأيت ألا أجعل هذه البنية مني بظهر فصليت إليها، وقد خالفني أصحابي في ذلك حتى وقع في نفسي من ذلك شيء فماذا ترى؟ قال: "قد كنت على قبلة لو صبرت عليها". قال: فرجع البراء إلى قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى معنا إلى الشام. 863 - * روى مسلم عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يصلون نحو بيت المقدس، فلما نزلت هذه الآية: (فول وجهك شطر المسجد الحرام) (1)، مر رجل من بني سلمة فناداهم وهم ركوع في صلاة الفجر: ألا إن القبلة قد حولت إلى الكعبة، فمالوا ركوعاً". 864 - * روى البخاري عن ابن عمر: أن أهل قباء كانوا يصلون قبل بيت المقدس، فأتاهم آت، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عليه القرآن، وتوجه إلى الكعبة، فاستقبلوها، فاستداروا كما هم". وفي خبر عكرمة عن ابن عباس: لما وجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة.

_ 861 - أحمد (2/ 325). الطبراني (11/ 67). كشف الأستار (1/ 210 - 211) باب ما جاء في القبلة. مجمع الزوائد (2/ 12) قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير والبزار ورجاله رجال الصحيح. 862 - ابن خزيمة (1/ 223) وإسناده حسن، 65 - باب ذكر الصلاة كانت إلى بيت المقدس قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة. (البنية) الكعبة على وزن فصيلة. 863 - مسلم (1/ 375) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 2 - باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة. ابن خزيمة (1/ 223) 66 - باب بدء الأمر باستقبال الكعبة للصلاة ونسخ الأمر بالصلوات إلى بيت المقدس. (1) البقرة: (144). 864 - البخاري (1/ 506) 8 - كتاب الصلاة، 32 - باب ما جاء في القبلة. ابن خزيمة (1/ 225) 67 - باب ذكر الدليل على أن القبلة إنما هي الكعبة لا جميع المسجد الحرام.

التوجه إلى جهة الكعبة

التوجه إلى جهة الكعبة: 865 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بين المشرق والمغرب قبلة". وقال ابن عمر: إذا جعلت المغرب عن يمينك، والمشرق عن شمالك فما بينهما قبلة إذا استقبلت القبلة. قال محقق الجامع: وهو حديث صحيح، وهذا الحديث يختص بأهل المدينة والشام ومن على سمت تلك البلاد شمالاً وجنوباً فقط، لأنه يلزم من حمله على العموم إبطال التوجه إلى الكعبة في بعض الأقطار، والناس في توجههم إلى الكعبة كالدائرة حولها، فمن كان في الجهة الشمالية من الكعبة فإنه يتوجه في صلاته إلى جهة الجنوب، ومن كان في الجهة الجنوبية من الكعبة، كانت صلاته إلى جهة الشمال، ومن كان في الجهة الغربية من الكعبة، فإن قبلة صلاته إلى المشرق، ومن كان في الجهة الشرقية من الكعبة، فإنه يستقبل في صلاته جهة المغرب، ومن كان من الكعبة فيما بين الشمال والمغرب، فقبلته فيما بين الجنوب والمشرق، ومن كان من الكعبة فيما بين المشرق والشمال، فقبلته فيما بين الجنوب والمغرب، ومن كان من الكعبة فيما بين الجنوب والمغرب، فإن قبلته فيما بين الشمال والمشرق، ومن كان من الكعبة فيما بين المشرق والجنوب، فإن قبلته فيما بين الشمال والمغرب. أقول: هذا الحديث دليل لمن قال بأن فريضة المصلي إصابة جهة القبلة بلا عينها. - المتطوع على الراحلة هل يستقبل القبلة: 866 - * روى أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا

_ 865 - الترمذي (2/ 171) أبواب الصلاة، 256 - باب ما جاء أن [ما] بين المشرق والمغرب قبلة. قال الترمذي: وقد روي هذا الحديث من غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم عمر، وعلي، وابن عباس. 866 - أحمد (3/ 203). البخاري (2/ 576) 18 - كتاب تقصير الصلاة، 10 - باب صلاة التطوع على الحمار. مسلم (1/ 488) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 4 - باب جواز صلاة النافلة على الدابة. أبو داود (2/ 9) كتاب الصلاة، باب التطوع على الراحلة والوتر. وإسناده حسن.

سافر، فأراد أن يتطوع: استقبل القبلة بناقته ثم كبر ثم صلى حيث وجهه ركابه". أقول: هذا دليل لمن ذهب إلى أن مصلي النافلة على الراحلة يستفتح بتوجيهها نحو القبلة ثم يوجهها حيث وجهته، وحمل بعضهم الحديث على أن هذا لازم حيث أمكن بلا مشقة. 867 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسبح على ظهر راحلته حيث كان وجهه، ويومئ برأسه، وكان ابن عمر يفعله. ولمسلم (1) قال فيه: يسبح على الراحلة قبل أي وجه توجه، ويوتر عليها، غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة. ولهما (2) من حديث سعيد بن يسار قال: كنت أسير مع عبد الله بن عمر بطريق مكة، فلما خشيت الصبح، فنزلت فأوترت ثم لحقته، فقال عبد الله بن عمر: أين كنت؟ فقلت: خشيت الصبح، فنزلت فأوترت، فقال: أليس لك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة؟ فقلت: بلى والله، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر على البعير، وللبخاري (3): قال سالم: كان عبد الله يصلي على دابته من الليل وهو مسافر، ما يبالي حيث كان وجهه، قال ابن عمر: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح على الراحلة. وذكر مثل الرواية الثانية إلى آخرها: وللبخاري (4): أن ابن عمر كان يصلي على راحلته، ويوتر عليها، ويخبر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله. وله في أخرى (5): كان ابن عمر يصلي

_ (التطوع) صلاة النافلة. (الركاب) ما يركبه الإنسان من ناقة وغيرها، والسيارة وأمثالها لها نفس الحكم. 867 - البخاري (2/ 578) 18 - كتاب تقصير الصلاة، 12 - باب من تطوع في السفر في غير دبر الصلوات. مسلم (1/ 486 - 487) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 4 - باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت. (1) مسلم: نفس الموضع ص 487. (2) البخاري (2/ 488) 14 - كتاب الوتر، 5 - باب الوتر على الدابة. مسلم (1/ 487) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 4 - باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت. (3) البخاري (2/ 575) 18 - كتاب تقصير الصلاة، 9 - باب ينزل للمكتوبة. (4) البخاري (2/ 573) 18 - كتاب تقصير الصلاة، 7 - باب صلاة التطوع على الدواب حيثما توجهت به. (5) البخاري (2/ 574) 18 - كتاب تقصير الصلاة، 8 - باب الإيماء على الدابة.

في السفر على راحلته أينما توجهت يومئ، وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله. وله في أخرى (1) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به يومي إيماءً صلاة الليل، إلا الفرائض، ويوتر على راحلته. ولمسلم (2) قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار وهو متوجه إلى خيبر، وفي أخرى (3): أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته حيث توجهت به، وفي أخرى (4): كان يصلي سبحته حيثما توجهت به ناقته. وفي أخرى (5): كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على دابته وهو مقبل من مكة إلى المدينة حيثما توجهت، وفيه نزلت: (فأينما تولوا فثم وجه الله) (6) وفي أخرى (7): كان يصلي على راحلته حيثما توجهت به، قال: وكان ابن عمر يفعل ذلك، وفي أخرى (8): كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر على راحلته. وأخرج الترمذي (9) الرواية التي فيها ذكر الآية. وهذا لفظه: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته أينما توجهت به، وهو جاء من مكة إلى المدينة، ثم قرأ ابن عمر هذه الآية: (ولله المشرق والمغرب ...) (10) وقال: في هذا أنزلت. وأخرج النسائي (11) الرواية الثانية التي فيها: ولا يصلي عليها المكتوبة. 868 - * روى الشيخان عن أنس بن سيرين قال: استقبلنا أنساً حين قدم من الشام، فلقيناه بعين التمر فرأيته يصلي على حمار، ووجهه من ذلك الجانب- يعني عن يسار

_ (1) البخاري (2/ 489) 14 - كتاب الوتر، 6 - باب الوتر في السفر. (2) مسلم (1/ 487) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 4 - باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت. (3) مسلم: نفس الموضع ص 486. (4) مسلم: نفس الموضع السابق ص 486. (5) مسلم: نفس الموضع السابق ص 486. (6) البقرة: (115). (7) مسلم: نفس الموضع ص 487. (8) مسلم: نفس الموضع ص 487. (9) الترمذي (5/ 205) 48 - كتاب تفسير القرآن، 3 - باب "ومن" سورة البقرة وقال حديث حسن صحيح. (10) البقرة: (115). (11) النسائي (2/ 61) 9 - كتاب القبلة، 2 - باب الحال التي يجوز عليها استقبال غير القبلة. (يسبح) التسبيح: صلاة النافلة. 868 - البخاري (2/ 576) 18 - كتاب تقصير الصلاة، 10 - باب صلاة التطوع على الحمار. مسلم (1/ 488) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 4 - باب جواز صلاة النافلة على الدابة.

لغير القبلة- فقلت: رأيتك تصلي لغير القبلة، فقال: لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله لم أفعله". وأخرجه الموطأ (1) عن يحيى بن سعيد قال: رأيت أنس بن مالك في سفر وهو يصلي على حمار، وهو متوجه إلى غير القبلة، يركع ويسجد إيماء من غير أن يضع وجهه على شيء. 869 - * روى أبو داود عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة، فجئت وهو يصلي على راحلته نحو المشرق، والسجود أخفض من الركوع. هذه رواية الترمذي وأبي داود، وفي رواية البخاري (2) ومسلم (3) قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فبعثني في حاجة، فرجعت وهو يصلي على راحلته ووجهه على غير القبلة، فسلمت عليه، فلم يرد علي، فلما انصرف قال: أما إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كنت أصلي. وفي رواية البخاري (4): أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي التطوع وهو راكب في غير القبلة. وفي أخرى (5) له: كان يصلي على راحلته نحو المشرق، فإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل فاستقبل القبلة، وله في أخرى (6) قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أنمار يصلي على راحلته، متوجهاً قبل المشرق متطوعاً". وفي أخرى لمسلم (7): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني لحاجة، ثم أدركته وهو يصلي- وفي رواية- وهو يسير، فسلمت عليه، فأشار إلي، فلما فرغ دعاني، فقال: "إنك سلمت علي آنفاً وأنا أصلي"، وهو موجه حينئذ قبل المشرق. وفي أخرى (8) له قال: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منطلق إلى بني المصطلق فأتيته وهو

_ (1) الموطأ (1/ 151) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 7 - باب صلاة النافلة في السفر بالنهار والليل والصلاة على الدابة. 869 - أبو داود (2/ 9) كتاب الصلاة، باب التطوع على الراحلة والوتر. الترمذي (2/ 182) أبواب الصلاة، 260 - باب ما جاء في الصلاة على الدابة حيث ما توجهت به. (2) البخاري (3/ 86) 21 - كتاب العمل في الصلاة، 15 - باب لا يرد السلام في الصلاة. (3) مسلم (1/ 384) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 7 - باب تحريم الكلام في الصلاة. (4) البخاري (2/ 573) 18 - كتاب تقصير الصلاة، 7 - باب صلاة التطوع على الدواب وحيث توجهت به. (5) البخاري (2/ 575) 18 - كتاب تقصير الصلاة، 9 - باب ينزل للمكتوبة. (6) البخاري (7/ 429) 64 - كتاب المغازي، 33 - باب غزوة أنمار. (7) مسلم (1/ 383) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 7 - باب تحريم الكلام في الصلاة. (8) مسلم (1/ 383) الموضع السابق.

- تحريم اتخاذ القبور مساجد

يصلي على بعيره، فكلمته، فقال لي بيده هكذا- وأومأ زهير بيده- ثم كلمته فقال لي هكذا- وأومأ زهير بيده نحو الأرض- وأنا أسمعه يقرأ، يومئ برأسه، فلما فرغ قال: "ما فعلت في الذي أرسلتك له؟ فإنه لم يمنعني أن أكلمك إلا أني كنت أصلي". وأخرج (1) أبو داود أيضاً رواية مسلم هذه الآخرة، ولم يذكر قول زهير، وأخرج (2) النسائي أيضاً رواية مسلم الأولى، وله في أخرى (3) قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسير مشرقاً ومغرباً، فسلمت عليه، فأشار بيده فانصرفت، فناداني: "يا جابر"، فأتيته فقلت: يا رسول الله، سلمت عليك، فلم ترد علي، فقال: "إني كنت أصلي". 870 - * روى الشيخان عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته حيث توجهت به. وفي أخرى (4) قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على الراحلة يسبح، يومئ برأسه قبل أي وجه توجه، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك في الصلاة المكتوبة. 871 - * روى أبو داود عن عطاء بن أبي رباح: سأل عائشة: هل رخص للنساء أن يصلين على الدواب؟ قالت: لم يرخص لهن ذلك، في شدة ولا رخاء. قال محمد: -[وهو ابن شعيب بن شابور]- هذا في المكتوبة .. - تحريم اتخاذ القبور مساجد: 872 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "قاتل

_ (1) أبو داود (1/ 243) كتاب الصلاة، 169 - باب رد السلام في الصلاة. (2) النسائي (3/ 6) 13 - كتاب السهو، 6 - باب رد السلام بالإشارة في الصلاة. (3) النسائي (3/ 6) 13 - كتاب السهو، 6 - باب رد السلام بالإشارة في الصلاة. 870 - البخاري (2/ 573) 18 - كتاب تقصير الصلاة، 7 - باب صلاة التطوع على الدواب وحيثما توجهت به. مسلم (1/ 486) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 4 - باب جواز صلاة النافلة على الدابة. (4) البخاري (2/ 575) 18 - كتاب تقصير الصلاة، 9 - باب يتنزل للمكتوبة. 871 - أبو داود (2/ 9) كتاب الصلاة، باب الفريضة على الراحلة من عذر، وإسناده حسن. 872 - البخاري (1/ 532) 8 - كتاب الصلاة، 55 - باب حدثنا أبو اليمان. مسلم (1/ 376) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 3 - باب النهي عن بناء المساجد على القبور، واتخاذ الصور فيهما، والنهي عن اتخاذ القبور مساجد.

الله اليهود، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" وفي رواية (1): "لعن الله اليهود والنصارى .. الحديث" وقال: "لعن الله". 873 - * روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه: "لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، قالت: ولولا ذلك أبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً. وفي رواية (2) قالت" ولولا ذلك لأبرز قبره، غير أني أخشى أن يتخذ مسجداً. وفي أخرى (3): ولولا ذلك، ولم يذكر: قالت. وفي أخرى (4) عنها وعن ابن عباس قالا: لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم: طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم كشفها عن وجهه، فقال- وهو كذلك-: "لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما صنعوا". وأخرج النسائي (5) الرواية الآخرة. 874 - * روى مالك عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قال: كان من آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال: "قاتل الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم

_ أبو داود (3/ 216) كتاب الجنائز، باب كراهية الذبح عند القبر. النسائي (4/ 96) 21 - كتاب الجنائز، 106 - اتخاذ القبور مساجد. (1) مسلم (1/ 377) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 3 - باب النهي عن بناء المساجد على القبور، واتخاذ الصور فيها، والنهي عن اتخاذ القبور مساجد. (قاتل) الله فلاناً: أي قتله، وقيل: عاداه، وقيل: لعنه، وهو المراد في هذا الحديث، وأصل فاعل: أن يكون بين اثنين، وقد يجيء من واحد، كقولك: سافرت، وطارقت النعل. 873 - البخاري (8/ 140) 64 - كتاب المغازي، 83 - باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته. مسلم (1/ 376) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 3 - باب النهي عن بناء المساجد على القبور، واتخاذ الصور فيها، والنهي عن اتخاذ القبور مساجد. (2) البخاري (3/ 200) 23 - كتاب الجنائز، 61 - باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور. (3) مسلم (1/ 376) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 3 - باب النهي عن بناء المساجد على القبور. (4) البخاري (6/ 494 - 495) 60 - كتاب أحاديث الأنبياء، 50 - باب ما ذكر عن بني إسرائيل. مسلم (1/ 377) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 3 - باب النهي عن بناء المساجد على القبور. (5) النسائي (2/ 40 - 41) 8 - كتاب المساجد، 13 - النهي عن اتخاذ القبور مساجد. (طفق) يفعل كذا: أي جعل. (اغتم) إذا طرح على وجهه شيئاً يحبس نفسه عن الخروج. 874 - الموطأ- (2/ 892) 45 - كتاب الجامع، 5 - باب ما جاء في إجلاء اليهود من المدينة.

- في اتخاذ سترة بين يدي المصلي

مساجد، لا يبقين دينان في جزيرة العرب". أقول: إن هناك بعض الفرق الإسلامية تتوجه إلى قبور من تعتقد فيهم الصلاح للصلاة مستدبرين القبلة أو مستقبليها، وفي ذلك وثنية ظاهرة حال الاستدبار للقبلة أو التوجه إلى القبر دونها، أما إذا كان متوجهاً للقبلة وبينه وبين القبر ساتر ولم يلحظ معنى العبادة أو التبرك في كينونه القبر بينه وبين القبلة فلا حرج، أما إذا لحظ شيئاً من ذلك فتلك وثنية. - في اتخاذ سترة بين يدي المصلي: 875 - * روى أبو داود عن سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها، لا يقطع الشيطان عليه صلاته". 876 - * روى مسلم عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل، ولا يبالي من مر وراء ذلك". وفي رواية (1) أبي داود: "فلا يضره ما يمر بين يديه". 877 - * روى أحمد عن سبرة بن معبد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يستر الرجل في

_ البخاري (3/ 200) 23 - كتاب الجنائز، 61 - باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور. مسلم (1/ 376) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 3 - باب النهي عن بناء المساجد على القبور. 875 - أبو داود (1/ 185) كتاب الصلاة، 107 - باب الدنو من السترة، وإسناده صحيح. 876 - مسلم (1/ 358) 4 - كتاب الصلاة، 47 - باب سترة المصلي. (1) الترمذي (2/ 156) أبواب الصلاة، 250 - باب ما جاء في سترة المصلي. وقال: قال عطاء. (آخرة الرحل) ذراع فما فوقه. (مؤخرة الرحل) الرحل: هو الكور الذي يركب عليه، وآخرته- بكسر الخاء والمد-: الخشبة التي يستند إليها الراكب، ومؤخرته- مهموزة ساكنة الهمزة مكسورة الخاء- لغة قليلة في آخرته. أبو داود (1/ 183) كتاب الصلاة، 102 - باب ما يستر المصلي. 877 - أحمد (3/ 404). أبو يعلى (2/ 239 - 240).

صلاته السهم وإذا صلى أحدكم فليستتر بسهم". 878 - * روى الشيخان عن أبي جحيفة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم بالبطحاء- وبين يديه عنزة- الظهر ركعتين، والعصر ركعتين، يمر بيد يديه- وفي رواية (1): بين يدي العنزة: المرأة والحمار. وفي أخرى (2): خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلة حمراء، فركز عنزة يصلي إليها، يمر من ورائها الكلب والمرأة والحمار. هذا حديث له طرق عدة. 879 - * روى مسلم عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يركز له الحربة يصلي إليها يوم العيد. 880 - * روى الشيخان عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: كان بين مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الجدار ممر الشاة. وفي رواية (3) أبي داود: كان بين مقام النبي صلى الله عليه وسلم وبين القبلة ممر عنز. 881 - * روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل في غزوة

_ الطبراني "المعجم الكبير" (7/ 114). مجمع الزوائد (2/ 58) وقال الهيثمي: رواه أحمد، وأبو يعلى، والطبراني في الكبير، ورجال أحمد رجال الصحيح. 878 - البخاري (1/ 575) 8 - كتاب الصلاة، 93 - باب الصلاة إلى العنزة. مسلم (1/ 361) 4 - كتاب الصلاة، 47 - كتاب سترة المصلي. أبو داود (1/ 183) كتاب الصلاة، 102 - باب ما يستر المصلي. النسائي (1/ 235) 5 - كتاب الصلاة، 12 - باب صلاة الظهر في السفر. (1) مسلم: في نفس الموضع السابق. (2) النسائي (2/ 73) 9 - كتاب القبلة، 21 - الصلاة في الثياب الحمر. 879 - مسلم (1/ 359) 4 - كتاب الصلاة، 47 - باب سترة المصلي. ابن خزيمة (2/ 9) سترة المصلي، 271 - باب الصلاة إلى سترة. 880 - البخاري (1/ 574) 8 - كتاب الصلاة، 91 - باب قدركم ينبغي أن يكون بين المصلي والسترة. مسلم (1/ 364) 4 - كتاب الصلاة، 49 - باب دنو المصلي من السترة. (3) أبو داود (1/ 185) كتاب الصلاة، 107 - باب الدنو من السترة. 881 - مسلم (1/ 359) 4 - كتاب الصلاة، 47 - باب سترة المصلي.

تبوك عن سترة المصلي؟ فقال: "كمؤخرة الرحل". 882 - * روى ابن خزيمة عن أنس بن مالك قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إليها بالمصلى يعني- العنزة-. قال ابن خزيمة: وفي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاستتار بالسهم في الصلاة ما بان وثبت أنه صلى الله عليه وسلم أراد بالأمر بالاستتار بمثل آخرة الرحل في طولها، لا في طولها وعرضها جميعاً. اهـ. قال في الدين الخالص (2/ 322): وعلى هذا اتفق العلماء إلا أن الشافعية والحنبلية قالوا: يسن اتخاذ السترة وإن لم يخش مرور أحد بين يديه (وقال) الحنفيون ومالك: إنما يسن اتخاذ السترة لمن خشي مرور أحد بين يديه. وأما المأموم فسترة الإمام سترة له عند الحنفيين والشافعي وأحمد وهو قول لمالك. وإذا تعذر إقامة السترة وتثبيتها بالأرض لصلابتها، وضعها بين يديه عرضاً عند أحمد، وروي عن أبي يوسف أنها توضع طولاً كأنها غرزت ثم سقطت: وإن لم يجد ما ينصبه سترة أو يضعه أمامه فليخط بالأرض خطاً عند أحمد وأكثر الشافعية وبعض الحنفيين وهو قول الشافعي في القديم اهـ. 883 - * روى أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئاً، فإن لم يجد فلينصب عصاً، فإن لم يكن

_ النسائي (2/ 62) 9 - كتاب القبلة، 4 - سترة المصلي. (مؤخرة الرحل) الخشبة التي يستند إليها الراكب. 882 - ابن خزيمة (2/ 12) جماع أبواب سترة المصلي، 277 - باب ذكر الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر بالاستتار بمثل آخرة الرحل في الصلاة في طولها، لا في طولها وعرضها جميعاً، وإسناده صحيح. 883 - أحمد (2/ 249). أبو داود (1/ 183) كتاب الصلاة، 103 - باب الخط إذا لم يجد عصا. وقال أبو داود: قالوا: الخط بالطول، وقالوا بالعرض مثل الهلال. ابن ماجه (1/ 303) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 36 - باب ما يستر المصلي. ابن حبان (4/ 44 - 45) ذكر وصف استتار المصلي في صلاته، وصححه ابن حبان. البيهقي (2/ 270) كتاب الصلاة، باب الخط إذا لم يجد عصا، وصححه البيهقي. وهذا الحديث صححه أحمد وغيره وضعفه آخرون، وحسنة ابن حجر (انظر نيل الأوطار 3/ 5).

- النهي عن المرور أمام المصلي

معه عصاً فليخطط في الأرض خطاً، ثم لا يضره ما مر أمامه". 884 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة، فتوضع بين يديه، فيصلي إليها والناس وراءه، وكان يفعل ذلك في السفر، فمن ثم اتخذها الأمراء. وفي أخرى (2): كان يركز الحربة قدامه يوم الفطر والنحر، ثم يصلي. وفي رواية (3) البخاري قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يغدو إلى المصلى والعنزة بين يديه تحمل، وتنصب بالمصلى بين يديه، فيصلي إليها. - النهي عن المرور أمام المصلي: 885 - * روى ابن ماجة عن بسر بن سعيد قال أرسلني أبو جهيم إلى زيد بن خالد أسأله عن المار بين يدي المصلي فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه كان لأن يقوم أربعين خريفاً خير له من أن يمر بين يديه". 886 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود قال: إن استطاع أحدكم أن لا يمر بين يديه أحد فليفعل فإن المار على المصلي نقص من الممر. - لا يقطع الصلاة شيء: 887 - * روى أبو داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقطع الصلاة شيء، وادرؤوا ما استطعتم، فإنما هو شيطان" حديث لا يقطع

_ 884 - البخاري (1/ 573) 8 - كتاب الصلاة، 90 - باب سترة الإمام سترة من خلفه. مسلم (1/ 359) 4 - كتاب الصلاة، 47 - باب سترة المصلي. (2) البخاري (2/ 463) 13 - كتاب العيدين، 13 - باب الصلاة إلى الحربة يوم العيد. (3) البخاري: نفس الموضع السابق ص 463، 13 - كتاب العيدين، 14 - باب حمل العنزة- أول الحربة بين يدي الإمام يوم العيد. 885 - ابن ماجه (1/ 304) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 37 - باب المرور بين يدي المصلي. مجمع الزوائد (2/ 61) وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح، وقد رواه ابن ماجه غير قوله "خريفاً". 886 - الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 298 - 299). مجمع الزوائد (2/ 61) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. 887 - أبو داود (1/ 191) كتاب الصلاة، 115 - باب من قال لا يقطع الصلاة شيء.

الصلاة شيء، رواه أبو داود، وفي سنده مجالد بن سعيد، وهو سيئ الحفظ، لكن له شواهد بمعناه عند الدارقطني والطبراني، وقد رواه عبد الرزاق في "مصنفه" رقم 2366 عن معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر موقوفاً عليه قال: لا يقطع الصلاة شيء، وادرؤوا ما استطعتم، أو قال: ما استطعت، وهذا إسناد صحيح، وقد روى مالك في الموطأ (1/ 156) عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر كان يقول: لا يقطع الصلاة شيء مما يمر بين يدي المصلي، وإسناده صحيح، وقال الحافظ في "الفتح": (1/ 486) وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن علي وعثمان وغيرهما نحو ذلك موقوفاً. والفقرة الثانية لها شواهد صحيحة بمعناها ا. هـ (م 5/ 512). وانظر شرح السنة (2/ 462) وإعلاء السنن (5/ 52 - 54)، هذا وقد ضعف بعضهم هذا الحديث لكن عمل جمهور الأئمة على مقتضاه. 888 - * روى الشيخان عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاته من الليل وأنا معترضة بينه وبين القبلة كاعتراض الجنازة". 889 - * روى الشيخان عن عائشة ذكر عندها ما يقطع الصلاة: الكلب، والحمار، والمرأة، فقالت: شبهتمونا بالحمر والكلاب! والله لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، وإني على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة، فتبدو لي الحاجة، فأكره أن أجلس فأوذي النبي صلى الله عليه وسلم، فأنسل من عند رجليه. قال البغوي (2/ 461): في هذه الأحاديث دليل على أن المرأة إذا مرت بين يدي المصلي لا تقطع صلاته، وعليه أكثر أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم أن لا يقطع صلاة المصلي شيء مر بين يديه. أقول: موقف عائشة من باب تقديم قياس العام المستند إلى روح الشريعة وقواعدها

_ 888 - البخاري (1/ 492) 8 - كتاب الصلاة، 22 - باب الصلاة على الفراش. مسلم (1/ 366) 4 - كتاب الصلاة، 51 - باب الاعتراض بين يدي المصلي. 889 - البخاري (1/ 588) 8 - كتاب الصلاة، 105 - باب من قال: لا يقطع الصلاة شيء. مسلم (1/ 366) 4 - كتاب الصلاة، 51 - باب الاعتراض بين يدي المصلي.

العامة على رواية الآحاد التي تخالفه وهذا الذي اعتمده الحنفية وظن بعضهم أن الحنفية يقدمون قياس الخاص على الحديث الصحيح وهذا وهم. 890 - * روى البخاري عن أم سلمة رضي الله عنها: "كان فراشها حيال مسجد النبي صلى الله عليه وسلم". 891 - * روى عبد الله بن أحمد عن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن عوف قال: كنت أصلي فمر رجل بين يدي فمنعته فسألت عثمان بن عفان قال لا يضرك يا ابن أخي. 892 - * روى أبو يعلى عن ابن عباس قال: جئت أنا وغلام من بني هاشم على حمار فمررنا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فنزلنا عنه وتركنا الحمار يأكل من بقل الأرض أو قال نبات الأرض فدخلنا معه في الصلاة فقال رجل: أكان بين يديه عنزة قال: لا". ذهب قوم إلى أنه يقطع صلاته: المرأة، والحمار، والكلب الأسود، يروى ذلك عن أنس، وبه قال الحسن. 893 - * روى مسلم عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقطع صلاة الرجل إذا لم يكن بين يديه قيد آخرة الرحل: الحمار، والكلب الأسود، والمرأة" فقلت: ما بال الأسود من الأحمر، من الأصفر من الأبيض؟ قال: يا ابن أخي سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني، فقال: "الكلب الأسود شيطان". وقالت طائفة: يقطعها المرأة الحائض، والكلب الأسود، روي ذلك عن ابن عباس، وبه قال عطاء بن أبي رباح.

_ 890 - البخاري (1/ 593) 8 - كتاب الصلاة، 107 - باب إذا صلى إلى فراش فيه حائض. 891 - مجمع الزوائد (2/ 63) قال الهيثمي رواه عبد الله بن أحمد ورجاله رجال الصحيح. 892 - أبو يعلى (4/ 311 - 312) ورجاله رجال الصحيح. 893 - مسلم (1/ 365) 4 - كتاب الصلاة، 50 - باب قدر ما يستر المصلي. أبو داود (1/ 187) كتاب الصلاة، 110 - باب ما يقطع الصلاة. الترمذي (2/ 161 - 162) أبواب الصلاة، 253 - باب ما جاء: أنه لا يقطع الصلاة إلا الكلب والحمار والمرأة، وقال الترمذي: وحديث أبي ذر حسن صحيح.

وقالت طائفة: لا يقطعها إلا الكلب الأسود، روي ذلك عن عائشة، وهو قول أحمد وإسحاق. قال النووي في شرح مسلم (4/ 227): اختلف العلماء في هذا فقال بعضهم يقطع هؤلاء الصلاة وقال أحمد بن حنبل رضي الله عنه يقطعها الكلب الأسود وفي قلبي من الحمار والمرأة شيء ووجه قوله إن الكلب لم يجئ في الترخيص فيه شيء يعارض هذا الحديث وأما المرأة ففيها حديث عائشة رضي الله عنها. وفي الحمار حديث ابن عباس وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي رضي الله عنهم وجمهور العلماء من السلف والخلف لا تبطل الصلاة بمرور شيء من هؤلاء ولا من غيرهم وتأول هؤلاء هذا الحديث على أن المراد بالقطع نقص الصلاة لشغل القلب بهذه الأشياء وليس المراد إبطالها ومنهم من يدعي نسخه بالحديث الآخر لا يقطع صلاة المرء شيء وادرأوا ما استطعتم وهذا غير مرض لن النسخ لا يصار إليه إلا إذا تعذر الجمع بين الأحاديث وتأويلها وعلمنا التاريخ وليس هنا تاريخ ولا تعذر الجمع والتأويل بل يتأول على ما ذكرناه مع ان حديث لا يقطع صلاة المرء شيء ضعيف والله أعلم اهـ. أقول: قد نقلنا لك قبل صحة حديث لا يقطع الصلاة شيء، وانظر إعلاء السنن (5/ 53). وأوردنا قبل قليل حديث عائشة الذي تذكر فيه مثل هذه الروايات على ظاهرها. قال في الدين الخالص (2/ 328): (فالمراد) بقطع الصلاة فيه قطعها عن الخشوع والتذكر، للشغل بتلك الأشياء والالتفات إليها، لا أنها تفسد الصلاة (قال) النووي: وهذا أصح الأجوبة وأحسنها وأجاب به الشافعي والخطابي والمحققون من الفقهاء والمحدثين اهـ. وقال الحافظ في "الفتح": ومال الشافعي وغيره إلى تأويل القطع في حديث أبي ذر (وما وافقه) بأن المراد به نقص الخشوع لا الخروج من الصلاة، ويؤيد ذلك أن الصحابي راوي الحديث سأل عن الحكمة في التقييد بالأسود، فأجيب بأنه شيطان، وقد علم أن

- مقاتلة المار بين يدي المصلي

الشيطان لو مر بين يدي المصلي لم تفسد صلاته، كما سيأتي في الصحيح: "إذا ثوب بالصلاة أدبر الشيطان، فإذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه" الحديث، وسيأتي في باب العمل في الصلاة حديث: أن الشيطان عرض لي فشد على ... الحديث. وللنسائي من حديث عائشة: فأخذته فصرعته فخنقته. ولا يقال: قد ذكر في هذا الحديث أنه جاء ليقطع صلاته. لأنا نقول قد بين في رواية مسلم سبب القطع وهو أنه جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهه، وأما مجرد المرور فقد حصل ولم تفسد به الصلاة اهـ. (1 - 486). قال صاحب الإعلاء: ولابد من هذا التأويل ونحوه، لما في حديث عائشة من ذكر الكافر أيضاً، ومروره لا يقطع الصلاة إجماعاً. اهـ. وحديث عائشة هو ما روته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يقطع صلاة المسلم شيء إلا الحمار والكافر والكلب والمرأة)، رواه أحمد، قال العراقي ورجاله ثقات وفي مجمع الزوائد 1/ 166 ورجاله موثقون، فلما كان الكافر لا يقطع الصلاة فيؤول ما ورد في الأحاديث مما يقطع الصلاة على غير ظاهره جمعاً بين الأدلة (انظر إعلاء السنن 5/ 53). - مقاتلة المار بين يدي المصلي: 894 - * روى مسلم عن ابن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصل إلا إلى سترة، ولا تدع أحداً يمر بين يديك، فإن أبى فلتقاتله، فإن معه القرين". 895 - * روى الشيخان عن أبي سعيد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفع في نحره، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان".- بلفظ: "فإن أبى فليجعل يده في صدره ويدفعه". قال النووي (4/ 223): وهذا الأمر بالدفع أمر ندب وهو ندب متأكد ولا أعلم أحداً من

_ 894 - مسلم (1/ 363) 4 - كتاب الصلاة، 48 - باب منع المار بين يدي المصلي. ابن خزيمة (2/ 10) جماع أبواب سترة المصلي، 272 - باب النهي عن الصلاة إلى غير سترة. 895 - البخاري (1/ 582) 8 - كتاب الصلاة، 100 - باب يرد المصلي من مر بين يديه. مسلم (1/ 363) 4 - كتاب الصلاة، 48 - باب منع المار بين يدي المصلي.

العلماء أوجبه بل صرح أصحابنا وغيرهم بأنه مندوب غير واجب قال القاضي عياض وأجمعوا على أنه لا يلزمه مقاتلته بالسلاح ولا ما يؤدي إلى هلاكه فإن دفعه بما يجوز فهلك من ذلك فلا قود عليه باتفاق العلماء وهل يجب ديته أم يكون هدراً فيه مذهبان للعلماء وهما قولان في مذهب مالك رضي الله عنه قال واتفقوا على أن هذا كله لمن لم يفرط في صلاته بل احتاط وصلى إلى سترة أو في مكان يأمن المرور بين يديه ويدل عليه قوله في حديث أبي سعيد في الرواية التي بعد هذه، إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفع في نحره فإن أبى فليقاتله. قال: وكذا اتفقوا على أنه لا يجوز له المشي إليه من موضعه ليرده وإنما يدفعه ويرده من موقفه لأن مفسدة المشي في صلاته أعظم من مروره من بعيد بين يديه وإنما أبيح له قدر ما تناله يده من موقفه ولهذا أمر بالقرب من سترته وإنما يرده إذا كان بعيداً منه بالإشارة والتسبيح. قال: وكذلك اتفقوا على أنه إذا مر لا يرده لئلا يصير مروراً ثانياً إلا شيئاً؛ روي عن بعض السلف أنه يرده وتأوله بعضهم. هذا آخر كلام القاضي رحمه الله تعالى وهو كلام نفيس والذي قاله أصحابنا أنه يرده إذا أراد المرور بينه وبين سترته بأسهل الوجوه فإن أبى فبأشدها .. قوله صلى الله عليه وسلم فإنما هو شيطان قال القاضي قبل معناه إنما حمله على مروره وامتناعه من الرجوع الشيطان، وقيل معناه يفعل فعل الشيطان لأن الشيطان بعيد من الخير وقبول السنة، وقيل المراد بالشيطان القرين كما جاء في الحديث الآخر فإن معه القرين (1). اهـ. (1) القرين: قال في النهاية: قرين الإنسان هو مصاحبه من الملائكة والشياطين. فقرينه من الملائكة يأمره بالخير ويحثه عليه. وقرينه من الشياطين يأمره بالشر ويحثه عليه. قال في إعلاء السنن: وفي إباحة مقاتلة المار بين يديه حقيقة نظر، لحديث عثمان يوم الدار: أنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: زنا بعد إحصان، أو كفر بعد إسلام، أو قتل نفس بغير حق، فقتل به". أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه. وأخرج الشيخان نحوه بمعناه عن ابن

- الصلاة إلى الكعبة

مسعود كما في "المشكاة" (252 و 254). اهـ. الإعلاء. وهذا هو الذي ألجأ الأئمة من السلف إلى تأويل المقاتلة، في حديث أبي سعيد إلى الدفع العنيف دون القتال الحقيقي لكونه خارجاً عن هذه الثلاثة. قال صاحب "البدائع": ومن المشائخ من قال: إن الدرأ رخصة والأفضل أن لا يدرأ- أي بالدفع باليد- لأنه ليس من أعمال الصلاة، وكذا روى إمام الهدى الشيخ أبو منصور عن أبي حنيفة أن الأفضل أن يترك الدرأ، والأمر بالدرأ في الحديث لبيان الرخصة- كالأمر بقتل الأسودين-. (انظر الإعلاء 5/ 71 - 74) ومما يؤيد أنه لا يقطع الصلاة شيء: 896 - * روى مسلم عن ابن عمر، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى راحلته. قال نافع: ورأيت ابن عمر يصلي إلى راحلته. - الصلاة إلى الكعبة: 897 - * روى البزار عن عبد الرحمن بن صفوان قال لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قلت: لألبسن ثيابي فكانت داري على الطريق فذكر الحديث إلى أن قال: فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم سألت من كان معه أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ركعتين عند السارية الوسطى عن يمينها. حديث عمر بن الخطاب أنه صلى ركعتين. 898 - * روى مسلم عن عثمان بن طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في البيت ركعتين قال

_ 896 - مسلم (1/ 486، 487) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 4 - باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت. ابن خزيمة (2/ 252) جماع أبواب صلاة التطوع في السفر على الدواب، 558 - باب ذكر البيان ضد قول من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما صلى على راحلته تطوعاً حيث ما توجهت به إذا كانت متوجهة نحو القبلة. 897 - كشف الأستار (2/ 44) باب دخول الكعبة والصلاة فيها، ورجاله رجال الصحيح قلت: كذا قال هنا وقد تكلم مراراً في يزيد بن أبي زياد. 898 - أحمد (3/ 41). الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 55). مجمع الزوائد (3/ 294) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجال أحمد رجال الصحيح، وقوى إسناده

حسن في حديثه: وجاهك حين يدخل بين الساريتين. 899 - * روى مسلم عن ابن عمر، قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وهو على ناقة لأسامة، حتى أناخ بفناء الكعبة، ثم دعا عثمان بن طلحة بالمفتاح، فذهب إلى أمه، فأبت أن تعطيه، فقال: لتعطينيه، أو ليخرجن السيف من صلبي، فدفعته إليه، ففتح الباب، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم ودخل معه عثمان وبلال وأسامة، فأجافوا الباب ملياً، قال ابن عمر: وكنت رجلاً شاباً قوياً فبدر الناس، فبدرتهم، فوجدت بلالاً قائماً على الباب، قال: يا بلال أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: بين العمودين المقدمين، ونسيت أن أسأله كم صلى. هذا لفظ حديث محمد بن عمرو. 900 - * روى أحمد عن أبي الشعثاء قال خرجت حاجاً فدخلت البيت فلما كنت عند الساريتين مضيت حتى لزقت بالحائط، وجاء ابن عمر حتى قام إلى جنبي فصلى أربعاً. قال: فلما صلى قلت له: أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من البيت؟ قال: ها هنا أخبرني أسامة بن زيد أنه صلى فقلت له: كم صلى؟ قال: على هذا أجدني ألوم نفسي إني مكثت معه عمراً ثم لم أسأله كم صلى؟ قال: فلما كان العام المقبل خرجت حاجاً، قال: فجئت حتى قمت في مقامه، قال: فجاء ابن الزبير حتى قام إلى جنبي فلم يزل يزاحمني حتى أخرجني منه ثم صلى فيه أربعاً. 901 - * روى أبو داود عن ابن عمر، قال: سألت بلالاً أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

_ الحافظ في الفتح 1/ 501 ورواه البيهقي 2/ 328 - 329. 899 - مسلم (2/ 966 - 967) 15 - كتاب الحج، 68 - باب استحباب دخول الكعبة للحاج وغيره، والصلاة فيها، والدعاء في نواحيها كلها. ابن خزيمة (4/ 331 - 332) 842 - باب ذكر المكان الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم من الكعبة وهذا لفظ حديث محمد بن عمرو. 900 - أحمد (5/ 204). مجمع الزوائد (3/ 294) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير بمعناه ورجاله رجال الصحيح. 901 - أبو داود (2/ 213 - 214) كتاب المناسك، باب في دخول الكعبة. ابن خزيمة (4/ 332) 843 - باب ذكر القدر الذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم بين مقامه الذي صلى فيه بين الكعبة وبين

- الأدب في التوجه إلى القبلة

فقال: في مقدم البيت بينه وبين الحائط ثلاثة أذرع أو قدر ثلاثة أذرع. شك أبو عامر. 902 - * روى أبو داود عن عائشة كنت أحب أن أدخل البيت فأصلي فيه، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، فأدخلني الحجر، فقال: "يا عائشة إن قومك لما بنوا الكعبة استقصروا، فأخرجوا الحجر من البيت، فإذا أردت أن تصلين في البيت فصلي في الحجر، فإنما هو قطعة من البيت". (أن تصلين) هكذا الرواية بإهمال عمل أن. أقول: إن الروايات التي تتحدث عن الصلاة داخل الكعبة دليل لمن أجاز الصلاة داخلها أو على سطحها. - الأدب في التوجه إلى القبلة: 903 - * روى ابن خزيمة عن أبي وائل: أن شيث بن ربعي صلى إلى جنب حذيفة، فبزق بين يديه، فقال حذيفة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن ذلك، قال: "إن الرجل إذا دخل في صلاته أقبل الله بوجهه، فلا ينصرف عنه حتى ينصرف عنه أو يحدث حدثاً". أقول: في الحديث إشارة إلى أن التوجه إلى القبلة يلحظ فيه التوجه إلى الله عز وجل، وأن ذلك يقتضي آداباً من المصلي، ومن كان في حكمه كمنتظر الصلاة، أو الجالس في مكانه بعد الصلاة. - النهي عن التصاوير في القبلة: 904 - * روى النسائي عن عائشة: أنه كان لها ثوب فيه تصاوير ممدودة إلى سهوة،

_ الجدار وإسناده صحيح. 902 - أبو داود (2/ 214) كتاب المناسك، باب في الحجر. ابن خزيمة (4/ 335) 850 - باب استحباب الصلاة في الحجر وإسناده حسن. 903 - ابن خزيمة (2/ 62) جماع أبواب الأفعال المكروهة في الصلاة، 350 - باب الزجر عن بصق المصلي أمامه، إذ الله عز وجل قبل وجه المصلي ما دام في صلاته مقبلاً عليه، وإسناده حسن. 904 - النسائي (2/ 98) 9 - كتاب القبلة، 12 - الصلاة إلى ثوب فيه تصاوير.

- فيمن بصق في القبلة

فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إليه. فقال: "أخريه عني". فأخذته فجعلته وسائد. أقول: في النص دليل على أنه لا ينبغي أن يكون أمام المصلي تصاوير، والأصل أن لا يكون في بيت المسلم تصاوير، والتصاوير التي في بيت عائشة إنما كانت ممتهنة، والسهوة شبيهة بالرف أو بالطاقة يوضع عليه الشيء ونحو ذلك. - فيمن بصق في القبلة: 905 - * روى أبو داود عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة وتفلته بين عينيه". 906 - * روى ابن حبان عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يجئ صاحب النخامة في القبلة يوم القيامة وهي في وجهه". 907 - * روى ابن حبان عن السائب بن خلاد: أن رجلاً أم قوماً فبصق في القبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه، فقال صلى الله عليه وسلم حين فرغ: "لا يصلي لكم هذا". فأراد بعد ذلك أن يصلي لهم فمنعوه وأخبروه بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "نعم". حسبت أنه قال: "إنك آذيت الله".

_ 905 - أبو داود (3/ 360، 361) كتاب الأطعمة، باب في أكل الثوم. ابن حبان (3/ 78) كتاب الصلاة، ذكر البيان بأن قوله صلى الله عليه وسلم "وهي في وجهه" أراد بين عينيه. 906 - ابن حبان (3/ 78) كتاب الصلاة، ذكر مجيء من بصق في القبلة يوم القيامة وبصقته تلك في وجهه. 907 - ابن حبان (3/ 78) كتاب الصلاة، ذكر إيذاء الله جل وعلا بمن بصق في قبلة المسجد.

الفصل الخامس في الشرط الخامس من شروط الصلاة وهو النية وما له علاقة بها

الفصل الخامس في الشرط الخامس من شروط الصلاة وهو النية وما له علاقة بها انعقد الإجماع على أن النية فريضة من فرائض الصلاة، والأكثرون من العلماء على أنها شرط، وهي لغة: القصد، وشرعاً: عزم القلب على فعل العبادة تقرباً إلى الله تعالى. قال تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) (1). قال الماوردي: الإخلاص في كلامهم النية، وقد أخرج البخاري ومسلم قوله (2) صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى". وإنما انعقد الإجماع لتضافر شواهد الشرع على وجوبها، ومن شروط صحة النية: الإسلام، والتمييز، والعلم بالمنوي، واتصال النية بالصلاة بلا فاصل أجنبي عند الحنفية بين النية والتكبيرة، والفاصل عمل لا يليق بالصلاة كالأكل والشرب ونحو ذلك. أما إذا فصل بينهما بعمل يليق بالصلاة كالوضوء والمشي إلى المسجد فلا يضر، فلو نوى ثم توضأ أو مشى إلى المسجد فكبر ولم تحضره النية جاز. ويندب اقتران النية بتكبيرة الإحرام، ولا تجزئ النية المتأخرة عن التكبير في الصلاة، ولا يضر عند الحنابلة تقدم النية على التكبير بزمن يسير بعد دخول الوقت في الفريضة، ومطلقاً في النافلة إذا لم يفسخ نيته، وأوجب المالكية استحضار النية عند تكبيرة الإحرام أو قبلها بزمن يسير، وقال بعض الشافعية: يشترط اقتران النية بتكبيرة الإحرام وسنرى كلام النووي في ذلك. ويشترط تعيين نوع الفرض الذي يصليه باتفاق الفقهاء كالظهر أو العصر.

_ (1) البينة: (5). (2) البخاري (1/ 9) 1 - كتاب بدء الوحي، 1 باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. مسلم (3/ 1515) 33 - كتاب الإمارة، 45 - باب قوله صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنية".

وتجب نية الإمامة للنساء عند الحنفية عند وجودهن، وتندب نية الإمامة أو الاقتداء أو الانفراد. ومحل النية هو القلب بالاتفاق، ويندب عند الجمهور التلفظ بالنية، وقال المالكية: الأولى تركه في صلاة أو غيرها، وكرهه بعضهم. واشترط الحنفية التعيين لفرائض الصلاة والوتر وسجود التلاوة والنذر وصلاة العيدين، ونية قضاء: أول أو آخر وقت عليه ويعين الوقت، وأما صلاة النفل ولو سنة الفجر والتراويح فيكفيها مطلق النية، ولو أدرك شخص قوماً يصلون ولم يدر أفرض وقته أو غيره أم تراويح، ينوي الفرض، فإن كانوا هم فيه صح، وإن لم يكونوا فيه تقع نفلاً، وعند الشافعية تقع فرضاً كما نوى. ولا يشترط عند المالكية نية الأداء أو القضاء أو عدد الركعات فيصح القضاء بنية الأداء وعكسه، وتجب عندهم نية الانفراد والاقتداء ولا تجب نية الإمامة إلا في الجمعة والجمع بين الصلاتين تقديماً للمطر والخوف وزاد ابن رشد الجنائز، وعندهم تفصيلات في بعض الصور. والأصح عند الشافعية أنه يصح الأداء بنية القضاء وعكسه في حالة العذر، كجهل الوقت بسبب غيم أو نحوه، فلو ظن خروج الوقت فصلاها قضاء فبان بقاؤه، أو ظن بقاء الوقت فصلاها أداء فبان خروجه صحت الصلاة. وقال الفقهاء: إذا دخل في الصلاة بنية مترددة بين إتمامها وقطعها لم تصح، ولو دخل في الصلاة بنية صحيحة ثم نوى قطعها والخروج منها بطلت عند الجمهور، وقال أبو حنيفة لا تبطل إلا إذا تلبس بفعل يبطل الصلاة، وإن شك في أثناء الصلاة هل نوى أو لا، أو شك في تكبيرة الإحرام استأنف الصلاة عند الشافعية أي بدأها من جديد. وإذا أحرم بفريضة ثم نوى نقلها إلى فريضة أخرى بطلت الاثنتان، فلو حول الفرض إلى نفل جاز له ذلك. وعند الشافعية للإنسان أن يقتدي بإنسان يكمل صلاته بعد سلام إمامه كأن كان مسبوقاً في غير الجمعة. انظر (حاشية ابن عابدين 1/ 277 - 279)، (الشرح الصغير 1/ 303)، (المهذب 1/ 70)، (المغني 1/ 464)، (الفقه الإسلامي 1/ 614).

قال ابن حجر في شرحه لحديث: (إنما الأعمال بالنيات ...): وقد تواتر النقل عن الأئمة في تعظيم قدر هذ الحديث: قال أبو عبد الله ليس في أخبار النبي صلى الله عليه وسلم شيء أجمع وأغنى وأكثر فائدة من هذا الحديث. واتفق عبد الرحمن بن مهدي والشافعي فيما نقله البويطي عنه وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني وأبو داود والترمذي والدارقطني وحمزة الكناني على أنه ثلث الإسلام، ومنهم من قال ربعه، واختلفوا في تعيين الباقي. وقال ابن مهدي أيضاً: يدخل في ثلاثين باباً من العلم، وقال الشافعي: يدخل في سبعين باباً، ويحتمل أن يريد بهذا العدد المبالغة. وقال عبد الرحمن بن مهدي أيضاً: ينبغي أن يجعل هذا الحديث رأس كل باب. ووجه البيهقي كونه ثلث العلم بأن كسب العبد يقع بقلبه ولسانه وجوارحه، فالنية أحد أقسامها الثلاثة وأرجحها، لأنها قد تكون عبادة مستقلة وغيرها يحتاج إليها، ومن ثم ورد: نية المؤمن خير من عمله، فإذا نظرت إليها كانت خير الأمرين. وكلام الإمام أحمد يدل على أنه أراد بكونه ثلث العلم أنه أحد القواعد الثلاث التي ترد إليها جميع الأحكام عنده، وهي هذا و (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) و (الحلال بين والحرام بين) الحديث ... ورد في معناه عدة أحاديث صحت في مطلق النية كحديث عائشة وأم سلمة عند مسلم: (يبعثون على نياتهم) وحديث ابن عباس: (ولكن جهاد ونية) وحديث أبي موسى: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) متفق عليهما وحديث ابن مسعود: (رب قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته) أخرجه أحمد وحديث عبادة: (من غزا وهو لا ينوي إلا عقالاً فله ما نوى) أخرجه النسائي، إلى غير ذلك مما يتعسر حصره، اهـ. قال النووي رحمه الله في المجموع: فالنية فرض لا تصح الصلاة إلا بها ونقل ابن المنذر في كتابه الأشراف وكتاب الإجماع والشيخ أبو حامد الاسفرايني والقاضي أبو الطيب وصاحب الشامل ومحمد بن يحيى وآخرون إجماع العلماء على أن الصلاة لا تصح إلا بالنية اهـ. وفي موضوع استصحاب النية إلى انقضاء التكبير عند الشافعية قال النووي رحمه الله: وفيه وجه ضعيف إنه لا يجب واختار إمام الحرمين والغزالي في البسيط وغيره إنه لا يجب التدقيق المذكور في تحقيق مقارنة النية وإنه تكفي المقارنة العرفية العامية بحيث يعد

مستحضراً لصلاته غير غافل عنها اقتداء بالأولين في تسامحهم في ذلك وهذا الذي اختاراه هو المختار والله أعلم اهـ. وإنما انعقد الإجماع على فرضية النية في الصلاة لنصوص كثيرة تؤكد محل النية في الأعمال، فإن كانت الصلاة سيدة الأعمال في الإسلام، فإن النية في حقها فريضة لتمييز العبادة عن العادة، والنية لها محلها في أعمال الإسلام كلها. وإلى عرض بعض النصوص: قال الله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، وذلك دين القيمة) (1) [البينة: 5]. (مخلصين له الدين): أي: يعبدونه موحدين له لا يعبدون معه غيره. (حنفاء): أي: مائلين عن الأديان كلها إلى دين الإسلام. (وذلك دين القيمة): قال الزجاج: أي: ذلك دين الملة المستقيمة، و (القيمة) نعت لموصوف محذوف، أو يقال: دين الأمة القيمة بالحق، أي: القائمة بالحق. وقال تعالى: (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم) (2). أخرج ابن أبي حاتم عن ابن جريج- فيما ذكره ابن كثير في (تفسيره) قال: كان أهل الجاهلية ينضحون البيت بلحوم الإبل ودمائها، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: فنحن أحق أن ننضح، فأنزل الله ... هذه الآية. والمعنى- والله أعلم- لن يصل إليه سبحانه إلا ما أريد به وجه الله تعالى فيقبله، ويثيب عليه، وفي هذا تنبيه على امتناع قبول الأعمال إذا عريت عن نية صحيحة. وقال تعالى: (قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله) (3).

_ (1) البينة: (5). (2) الحج: (37). (3) آل عمران: (29).

908 - * روى الشيخان عن عمر رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه. وقد نقلنا قبل قليل بعض ما قاله العلماء في هذا الحديث ونضيف هنا فنقول: قوله (إنما الأعمال بالنيات): لم يرد به حصول أعيانها، لأنها حاصلة حساً وصورة من غير أن تقترن بها النية إنما أراد به صحتها حكماً في حق الدين، فإنها لا تحصل إلا بالنية، وذهب البعض إلى أن العمل يصح بلا نية وقال: التقدير: كمال الأعمال بالنيات أو ثوابها. قوله (وإنما لكل امرئ ما نوى): فيه إيجاب تعيين النية، والنية قصدك الشيء بقلبك وهي تستدعي أموراً في أعمال الدين حتى يصح الامتثال كأن تعرف الشيء الذي تقصده وأن تعلم أنك مأمور به وأن تطلب موافقة الآمر فيما تعبد. (شرح السنة 1/ 402). 909 - * روى الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال- فيما يروي عن ربه- "إن الله تعالى كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإن هم بها وعملها، كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، ومن هم بسيئة فلم يعملها، كتبها الله له عنده حسنة، وإن هو هم بها فعملها، كتبها الله له سيئة واحدة". زاد في رواية (3): "أو محاها، ولا يهلك على الله إلا هالك".

_ 908 - البخاري (1/ 135) 2 - كتاب الإيمان، 41 - باب ما جاء إن الأعمال بالنية والحسبة. مسلم (3/ 1515، 1516) 33 - كتاب الإمارة، 45 - باب قوله صلى الله عليه وسلم "إنما الأعمال بالنية". أبو داود (2/ 262) كتاب الطلاق، 11 - باب فيما عني به الطلاق والنيات. الترمذي (4/ 179، 180) 23 - كتاب فضائل الجهاد، 16 - باب ما جاء فيمن يقاتل رياء وللدنيا. النسائي (1/ 59، 60) كتاب الطهارة، 60 - باب النية في الوضوء. 909 - البخاري (11/ 323) 81 - كتاب الرقاق، 31 - باب من هم بحسنة أو بسيئة. مسلم (1/ 118) 1 - كتاب الإيمان، 59 - باب إذا هم العبد بحسنة كتبت وإذا هم بسيئة لم تكتب. (3) مسلم: نفس الموضع السابق ص 118.

قال العلماء: درجات النية المتعلقة بالقلب أو درجات تصديق القلب للعمل أربع: الأولى: حديث النفس (الوسوسة): وهو ما يخطر في الذهن ويبقى في طور المناقشة، واحتمال عدم الفعل أقل من احتمال الفعل. الثانية: التردد: عندما تزيد نسبة احتمال الفعل إلى مرحلة عدم الترجيح بين الفعل وعدمه فيكون في دائرة التردد. الثالثة: الهم: وهو مرحلة ترجيح الفعل مع وجود احتمال لعدم الفعل. الرابعة: العزم والتصميم: عندما يستقر الرأي على الفعل ويصمم ولا يوجد أي احتمال لعدم الفعل. وفي هذه الحالة الرابعة فقط يكتب على الإنسان ما عزم عليه سواء فعل أو لم يفعل فيكتب في الخير والشر، فمن عزم وصمم على شرب الخمر لكن لم يشرب لصارف يكتب كمن شرب ولو عاد من نفسه وتاب بعد أن عزم وصمم فإنه يكتب كمن شرب ثم تاب. أما الهم فإنه إذا هم الإنسان بعمل خير ولم يفعله لعارض خارج عن إراداته يكتب له حسنة واحدة كاملة فإذا عمل يكتب له عشر حسنات .. أما إذا هم بالشر ولم يصل درجة العزم والتصميم فلا يكتب عليه شيء فإن عاد عنها بإرادته كتبت حسنة واحدة وإن فعلها كتبت سيئة واحدة. أما حديث النفس والتردد فلا يكتب في الخير ولا في الشر وكل هذا من رحمة الله بالإنسان الكفور .. هذه درجات تصديق القلب للعمل، وهناك درجات تصديق العقل للعمل وهي أربع: الأولى: الوهم: وهي تقابل حديث النفس السابق الذكر، كأن يتوهم أنه توضأ لكن عدم الوضوء أرجح. الثانية: الشك: وهي تساوي الاحتمالات، فاحتمال الوضوء وعدمه متساويان وتقابل

التردد السابق ذكره .. الثالثة: غلبة الظن: أن يترجح لديه شيء دون أن يتأكد لديه ذلك. الرابعة: اليقين: وهو العلم التام غير القابل للشك أو طروء الظن. 910 - * روى الشيخان عن أم المؤمنين أم عبد الله عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يغزو جيش الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم". قالت: قلت: يا رسول الله، كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم!؟ قال: "يخسف بأولهم وآخرهم، ثم يبعثون على نياتهم". 911 - * روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا". قال الخطابي فيما نقله عنه الحافظ في (الفتح 7/ 179): كانت الهجرة أي: إلى النبي صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام مطلوبة، ثم افترضت لما هاجر إلى المدينة إلى حضرته للقتال معه، وتعلم شرائع الدين، وقد أكد الله ذلك في عدة آيات، حتى قطع الموالاة بين من هاجر ومن لم يهاجر فقال تعالى: (والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا) (3) فلما فتحت مكة، ودخل الناس في الإسلام من جميع القبائل، سقطت الهجرة الواجبة، وبقي الاستحباب. 912 - * روى البخاري عن أبي يزيد معن بن يزيد الأخنس رضي الله عنهم، وهو

_ 910 - البخاري (4/ 338) 34 - كتاب البيوع، 49 - باب ما ذكر في الأسواق. مسلم (4/ 2208) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 2 - باب الخسف بالجيش الذي يؤم البيت. (أسواقهم) بالسين المهملة والقاف- أي: أهل أسواقهم أو السوقة منهم، وفي الحديث أن من كثر سواداً في المعصية مختاراً فالعقوبة تلحقه، وفيه التحذير من مصاحبة أهل الظلم والعصاة، وأن الأعمال بالنية، فيجزى كل بقصده. 911 - البخاري (6/ 3) 56 - كتاب الجهاد والسير، 1 - باب فضل الجهاد والسير. مسلم (3/ 1488) 33 - كتاب الإمارة، 20 - باب المبايعة بعد فتح مكة على الإسلام والجهاد والخير. قال النووي ومعناه: لا هجرة من مكة لأنها صارت دار إسلام. (3) الأنفال: 72. 912 - البخاري (3/ 291) 24 - كتاب الزكاة، 15 - باب إذا تصدق على ابنه وهو لا يشعر.

وأبوه وجده صاحبيون، قال: كان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها فأتيته بها، فقال: والله ما إياك أردت، فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لك ما نويت يا يزيد، ولك ما أخذت يا معن". 913 - * روى مسلم عن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينظر إلى أجسامكم، ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم". 914 - * روى الشيخان عن أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار" قلت: يا رسول الله، هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: "إنه كان حريصاً على قتل صاحبه". قال الخطابي فيما نقله الحافظ في (الفتح 12/ 174): هذا الوعيد لمن قاتل على عداوة دنيوية أو طلب ملك مثلاً، فأما من قاتل أهل البغي أو دفع الصائل، فلا يدخل في هذا الوعيد لأنه مأذون له في القتال شرعاً. والحديث دليل على عقوبة من عزم على معصية بقلبه ووطن نفسه عليها. اهـ. والنصوص في أهمية النية ووجوبها ودورها وأثرها على العمل كثيرة بلا عدد. قال الحافظ في (الفتح 2/ 181): (لم يختلف في إيجاب النية في الصلاة) وهذا حكاية للإجماع وقال في (الدر المختار 1/ 277): (والخامس النية بالإجماع).

_ 913 - مسلم (4/ 1986) 45 - كتاب البر والصلة والآداب، 10 - باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره. 914 - البخاري (1/ 85) - 2 - كتاب الإيمان، 52 - باب وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما. مسلم (4/ 2213، 2214) 53 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 4 - باب إذا تواجه المسلمان بسيفيهما. متفق عليه. السنة: 5.

الباب الثالث أفعال الصلاة وأقوالها وما يدخل فيها من أركان وواجبات وسنن وآداب وما يرافقها أو يتبعها أو يتعلق بها

الباب الثالث أفعال الصلاة وأقوالها وما يدخل فيها من أركان وواجبات وسنن وآداب وما يرافقها أو يتبعها أو يتعلق بها وفيه مقدمة وفصول * المقدمة

المقدمة

المقدمة إن تقسيم أفعال الصلاة وأقوالها إلى أركان وواجبات وسنن وآداب أثر عن مباحث أصولية، ونظرة عميقة للنصوص، واستشراف لها، وكثيراً ما يختلف الفقهاء في الحكم على قول، أو فعل في الصلاة. وفي الغالب فإن الأشياء الرئيسية لا يختلفون فيها، وبعض ما يختلفون فيه إنما يختلفون في قوة الإلزام، فمن قائل بالفرضية ومن قائل بالوجوب، أو من قائل بالوجوب وقائل بالسنية. وأحياناً لا يكون هناك اختلاف حقيقي، فتجد بعضهم مثلاً يذكر أن أركان الصلاة ستة كالحنفية، وبعضهم يذكر أن أركان الصلاة أربعة عشر كالمالكية والحنابلة ويقول الشافعية إنها ثلاثة عشر، وعند التأمل نجد أن الحنفية عندما يفصلون في أركان الصلاة، فإن كثيراً مما اعتبره الآخرون ركناً يعتبره الحنفية أنفسهم ركناً، فالرفع مثلاً من السجدة الأولى إلى السجدة الثانية والهوي منه إلى السجدة الثانية والسجدة الثانية نفسها كلها فرائض عند الحنفية، ولكنهم في عملية الإجمال يقولون إن السجود ركن من أركان ستة، وآخرون يفصلون فيزيدون الفرائض. والعوامل التي أدت إلى تقسيم أفعال الصلاة وأقوالها إلى ما ذكرناه كثيرة، تذكر عادة في كتب أصول الفقه، فهناك شيء أمر به القرآن وأمرت به السنة، وداوم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يوجد ما يدل على الترخص فيه أو التخفيف في حكمه، وبين أمر لم تتوافر فيه كل هذه الصفات، ومع أنه قد لا يوجد أمر تتوافر فيه كل هذه الصفات، فقد يكفي الأمر الملزم في بعض الصور في إثبات نفس القوة في الحكم، وهذه موضوعات سنتعرض لها في كتابنا (الأساس في قواعد المعرفة وضوابط الفهم للنصوص)، أما هنا فنكتفي بهذه الإشارة بين يدي أفعال الصلاة وأقوالها ليعرف القارئ سبباً من أسباب اختلاف الفقهاء في الحكم على قول أو فعل بأنه ركن أو واجب أو سنة أو أدب. ومن أسباب الاختلاف في قوة الحكم وجود نصوص في ظاهرها تعارضن فيقع اختلاف في

الحكم، وكذلك اختلافهم في الحكم على أثر من الآثار فمن مصحح ومن محسن ومن مضعف، وعلى كل تترتب أحكام. ونكتفي هنا كذلك بالإشارة إلى ما اتفق عليه الفقهاء أنه أركان في الصلاة وهي: أولاً: التحريمة وهي: أن يدخل المصلي في الصلاة بأن يقول وهو قائم يسمع نفسه: (الله أكبر) لقوله تعالى: (وربك فكبر) (1). ثانياً: القيام لقوله تعالى: (وقوموا لله قانتين) (2). ثالثاً: القراءة: قراءة القرآن لقوله تعالى: (فاقرءوا ما تيسر من القرآن) (3). رابعاً وخامساً: الركوع والسجود لقوله تعالى: (واركعوا واسجدوا) (4). سادساً: القعود الأخير مقدار التشهد. هذه الأركان الستة اتفق الحنفية مع غيرهم عليها في صلاة الفريضة. وهناك أحوال استثنائية وتفصيلات، ولا نحب أن نتوسع ها هنا بل نتحدث عن أحكام أفعال الصلاة وأقوالها بمناسبة ورودها في النصوص، وآراء الفقهاء في شأنها. وفصول هذا الباب هي:

_ (1) المدثر: 3. (2) البقرة: من 238. (3) المزمل: من 20. (4) الحج: من 77.

الباب الثالث أفعال الصلاة وأقوالها وما يدخل فيها من أركان وواجبات وسنن وآداب وما يرافقها أو يتبعها أو يتعلق بها * الفصل الأول: في نصوص جامعة تصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. * الفصل الثاني: في تعليم المسيء صلاته. * الفصل الثالث: في روايات في التكبير في الصلاة ووضع اليمين على الشمال. * الفصل الرابع: في الاستفتاح. * الفصل الخامس: في القراءة. * الفصل السادس: في الركوع والسجود وما يتعلق بهما. * الفصل السابع: في القنوت في الصلاة. * الفصل الثامن: في القعود في الصلاة وما يتعلق به. * الفصل التاسع: في الخشوع في الصلاة. * الفصل العاشر: في بعض أدعية الصلاة، وأذكارها المأثورة. * الفصل الحادي عشر: في بعض الأدعية والأذكار المأثورة بعد الصلاة.

الفصل الأول في نصوص جامعة تصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

الفصل الأول في نصوص جامعة تصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: 915 - * روى أبو داود عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كبر، ورفع يديه حذو منكبيه، ويصنع مثل ذلك إذا قضى قراءته، وأراد أن يركع، ويصنعه إذا رفع من الركوع، ولا يرفع يديه في شيء من صلاته وهو قاعد، وإذا قام من السجدتين رفع يديه كذلك، وكبر". 916 - * روى الشيخان عن مطرف بن عبد الله قال: "صليت خلف علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنا وعمران بن حصين، فكان إذا سجد كبر، وإذا رفع رأسه كبر، وإذا نهض من الركعتين كبر، فلما قضى الصلاة اخذ عمران بيدي، فقال: ذكرني هذا صلاة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد صلى بنا صلاة محمد". وفي رواية (3) النسائي، قال: "صلى علي، فكان يكبر في كل خفض ورفع، يتم الركوع، فقال عمران: لقد ذكرني هذا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم". 917 - * روى أبو داود عن سالم البراد قال: "أتينا عقبة بن عمرو الأنصاري- أبا مسعود- فقلنا له: حدثنا عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام بين أيدينا في المسجد، فكبر، فلما ركع وضع يديه على ركبتيه، وجعل أصابعه أسفل من ذلك، وجافى بين مرفقيه حتى استقر كل شيء منه، ثم قال: سمع الله لمن حمده، فقام حتى استقر كل شيء منه، ثم كبر وسجد، ووضع كفيه على الأرض، ثم جافى بين مرفقيه حتى استقر كل شيء منه، ثم رفع رأسه، فجلس حتى استقر كل شيء منه، ففعل مثل ذلك أيضاً، ثم صلى أربع ركعات مثل

_ 915 - أبو داود (1/ 198) كتاب الصلاة، باب 118 - باب، وإسناده صحيح. 916 - البخاري (2/ 271) 10 - كتاب الأذان، 116 - باب إتمام التكبير في السجود. مسلم (1/ 295) 4 - كتاب الصلاة، 10 - باب إثبات التكبير في كل خفض ورفع في الصلاة. أبو داود (1/ 221) كتاب الصلاة، 139 - باب تمام التكبير. (3) النسائي (3/ 2) 13 - كتاب السهو، 1 - باب التكبير إذا قام من الركعتين. 917 - أبو داود (1/ 228) كتاب الصلاة، 147 - باب صلاة من لم يقم صلبه في الركوع والسجود، وهو حديث صحيح. النسائي (2/ 186) 12 - كتاب التطبيق، 4 - باب مواضع أصابع اليدين في الركوع. (جافى) يده عن جنبه: إذا رفعها عنه ولم يلصقها به.

هذه الركعة، فصلى صلاته، ثم قال: هكذا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي". 918 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول: سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركعة، ثم يقول وهو قائم: ربنا لك الحمد، ثم يكبر حين يهوي ساجداً، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها، ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس". زاد في رواية (2): ثم يقول أبو هريرة: إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وزاد هو وغيره: الواو، في قوله: (ولك الحمد). وفي رواية (3) للبخاري قال أبو هريرة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يرفع رأسه يقول: "سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد"، يدعو لرجال، فيسميهم بأسمائهم، فيقول: "اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم كسني يوسف، وأهل المشرق يومئذ من مضر مخالفون له". 919 - * روى ابن خزيمة عن سعيد بن سمعان، قال: دخل علينا أبو هريرة مسجد بني زريق، قال: ثلاث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل بهن، تركهن الناس، كان إذا قام إلى الصلاة قال هكذا- وأشار أبو عامر بيده ولم يفرج بين أصابعه ولم يضمها وقال: هكذا أرانا ابن أبي ذئب. قال ابن خزيمة: وأشار لنا يحيى بن حكيم ورفع يديه ففرج بين أصابعه تفريجاً ليس بالواسع ولم يضم بين أصابعه ولا باعد بينها، رفع يديه فوق رأسه مداً- وكان يقف قبل القراءة هنية يسأل الله تعالى من فضله وكان يكبر في الصلاة كلما سجد ورفع. 920 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "إني لا آلو أن أصلي

_ 918 - البخاري (2/ 272) 10 - كتاب الأذان، 117 - باب التكبير إذا قام من السجود. مسلم (1/ 293، 294) 4 - كتاب الصلاة، 10 - باب إثبات التكبير في كل خفض ورفع في الصلاة إلا رفعه من الركوع فيقول فيه: سمع الله لمن حمده. (2) مسلم: نفس الموضع السابق ص 294. (3) البخاري (2/ 290) 10 - كتاب الأذان، 128 - باب يهوي بالتكبير حين يسجد. 919 - ابن خزيمة (1/ 234) كتاب الصلاة، 78 - باب نشر الأصابع عند رفع اليدين في الصلاة، وإسناده صحيح. 920 - البخاري (2/ 301) 10 - كتاب الأذان، 140 - باب المكث بين السجدتين.

بكم كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا. قال ثابت: فكان أنس يصنع شيئاً لا أراكم تصنعونه، كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائماً، حتى يقول القائل: قد نسي، وإذا رفع رأسه من السجدة مكث حتى يقول القائل: قد نسي". وفي رواية نحوه، إلا أنه قال: "وإذا رفع رأسه بين السجدتين" وللبخاري (1) قال: "كان أنس ينعت لنا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يصلي، فإذا رفع رأسه من الركوع قام حتى نقول: قد نسي". وفي رواية أبي داود (2)، قال: "ما صليت خلف رجل أوجز صلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمام، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: "سمع الله لمن حمده"، قام حتى نقول: قد أوهم، ثم يكبر ويسجد، وكان يقعد بين السجدتين، حتى نقول: قد أوهم". 921 - * روى البخاري عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال لأصحابه: "ألا أنبئكم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم؟ - قال: وذاك في غير حين صلاة- فقام ثم ركع فكبر، ثم رفع رأسه، فقام هنيهة ثم سجد ثم رفع رأسه هنيهة، وصلى صلاة عمرو بن سلمة- شيخنا هذا- قال أيوب: كان يفعل شيئاً لم أركم تفعلونه، كان يقعد في الثالثة أو الرابعة". وفي رواية (3)، قال: "قلت لأبي قلابة: كيف كانت صلاتهم؟ قال: مثل صلاة شيخنا هذا- يعني: عمرو بن سلمة- وكان ذلك الشيخ يتم التكبير، وإذا رفع رأسه من السجدة الثانية جلس واعتمد على الأرض ثم قام". وفي رواية (4) نحوه، وفيه: "قام فأمكن القيام، ثم ركع فأمكن الركوع، ثم رفع رأسه فانتصب قائماً هنيهة، قال أبو قلابة: صلى بنا صلاة شيخنا هذا- أبي بريد- وكان أبو بريد إذا رفع رأسه من السجدة الآخرة من الركعة الأولى والثانية، استوى قاعداً، ثم نهض".

_ مسلم (1/ 344) 4 - كتاب الصلاة، 38 - باب اعتدال أركان الصلاة وتخفيفها في تمام. (1) البخاري (2/ 287) 10 - كتاب الأذان، 127 - باب الطمأنينة حين يرفع رأسه من الركوع. (2) أبو داود (1/ 225) كتاب الصلاة، 146 - باب طول القيام من الركوع وبين السجدتين. (أوهم): نسي كما ذكرته الرواية السابقة. 921 - البخاري (2/ 300) 10 - كتاب الأذان، 140 - باب المكث بين السجدتين. (3) البخاري (2/ 303) 10 - كتاب الأذان، 143 - باب كيف يعتمد على الأرض إذا قام من الركعة. (4) البخاري (2/ 288) 10 - كتاب الأذان، 127 - باب الطمأنينة حين يرفع رأسه من الركوع.

في النص إشارة إلى ما يسميه الفقهاء جلسة الاستراحة، وهي عند الشافعية وآخرين سنة ولا يرى آخرون سنيتها مستدلين لذلك بما ورد: 922 - * روى أبو داود عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تبادروني بركوع ولا بسجود فإنه مهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني به إذا رفعت إني قد بدنت". 923 - * روى ابن أبي شيبة عن ابن أبي عياش أدركت غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا رفع رأسه من السجدة في أول ركعة وفي الثالثة قام كما هو ولم يجلس". وقال الإمام الترمذي بعد أن أورد حديث أبي هريرة في القيام من الركعة الثانية على صدور القدمين (1/ 39) قال: عليه العمل عند أهل العلم يختارون أن ينهض الرجل في الصلاة على صدور قدميه (إعلاء السنن (3/ 38) ومن هنا قال الحنفية، والمالكية، والحنابلة في إحدى الروايتين بالقيام من السجدة الثانية في الركعة الأولى، والثالثة دون جلسة، وإن جلسة استراحة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لما كبرت سنه، والله أعلم. 924 - * روى أبو داود عن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: "قلت: لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف يصلي؟ قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستقبل القبلة، فكبر فرفع يديه حتى حاذى أذنيه، ثم أخذ شماله بيمينه، فلما أراد أن يركع رفعهما مثل ذلك، ثم وضع يديه على ركبتيه، فلما رفع رأسه من الركوع رفعهما مثل ذلك، فلما سجد وضع رأسه بذلك المنزل من يديه، ثم جلس فافترش رجله اليسرى، ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى، وحد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، وقبض ثنتين، وحلق حلقة، ورأيته يقول هكذا- وحلق بشر الإبهام والوسطى، وأشار بالسبابة". وفي رواية (4) بمعناه، قال فيه: "ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد- قال فيه: ثم جئت بعد ذلك في زمان فيه

_ 922 - أبو داود (1/ 168) كتاب الصلاة، 74 - باب ما يؤمر به المأموم من اتباع الإمام. 923 - رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، وإسناده حسن. 924 - أبو داود (1/ 193) كتاب الصلاة، 116 - باب رفع اليدين [في الصلاة]. النسائي (3/ 35، 36) 13 - كتاب السهو، 31 - موضع المرفقين. (4) أبو داود: نفس الموضع السابق ص 193.

برد شديد، فرأيت الناس عليهم جل الثياب، تحرك أيديهم تحت الثياب". وفي أخرى (1) للنسائي قال: "صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فلما افتتح الصلاة كبر، ورفع يديه، حتى حاذى أذنيه، ثم قرأ بفاتحة الكتاب، فلما فرغ منها قال: آمين، يرفع بها صوته". 925 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى تكونا بحذو منكبيه ثم يكبر، فإذا أراد أن يركع فعل مثل ذلك، وإذا رفع رأسه من الركوع فعل مثل ذلك، ولا يفعله حين يرفع رأسه من السجود". وفي رواية (2): "إذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك أيضاً، وقال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد"، وفي أخرى (3) نحوه، وقال: "ولا يفعل ذلك حين يسجد، ولا حين يرفع من السجود". وللبخاري (4) عن نافع: "أن ابن عمر كان إذا دخل في الصلاة كبر ورفع يديه، وإذا ركع رفع يديه، وإذا قال: سمع الله لمن حمده رفع يديه، وإذا قام إلى الركعتين رفع يديه، ورفع ذلك ابن عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم". وأخرج الموطأ (5) الرواية الأولى وله (6) في أخرى: "أن ابن عمر كان إذا افتتح الصلاة

_ (1) النسائي (2/ 122) 11 - كتاب الافتتاح، 4 - باب رفع اليدين حيال الأذنين. ابن خزيمة (1/ 242، 243) كتاب الصلاة، 87 - باب وضع اليمين على الشمال في الصلاة قبل افتتاح القراءة، 88 - باب وضع بطن الكف اليمنى على الكف اليسرى والرسغ الساعد جميعاً، وإسناده حسن. (حد مرفقه): رفعه عن فخذه، والحد: والفصل بين الشيئين. 925 - البخاري (2/ 219) 10 - كتاب الأذان، 84 - باب رفع اليدين إذا كبر، وإذا ركع، وإذا رفع. مسلم (1/ 292) 4 - كتاب الصلاة، 9 - باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام والركوع، وفي الرفع من الركوع وأنه لا يفعله إذا رفع من السجود. (2) البخاري (2/ 218) 10 - كتاب الأذان، 83 - باب رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح سواء. (3) البخاري (2/ 221) 10 - كتاب الأذان، 85 - باب إلى أين يرفع يديه؟ (4) البخاري (2/ 222) 10 - كتاب الأذان، 86 - باب رفع اليدين إذا قام من الركعتين. قال أبو داود: الصحيح: أنه قول ابن عمر وليس بمرفوع. (5) الموطأ (1/ 75) 3 - كتاب الصلاة، 4 - باب افتتاح الصلاة. (6) الموطأ: نفس الموضع السابق ص 77. قال أبو داود: ورواه الثقفي موقوفاً، وقال فيه: "إذا قام من الركعتين رفعهما إلى ثدييه" وهذا الصحيح.

رفع يديه حذو منكبيه، وإذا رفع من الركوع رفعهما دون ذلك". ولأبي داود (1): قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى تكونا حذو منكبيه، ثم كبر وهما كذلك، فيركع، ثم إذا أراد أن يرفع صلبه رفعهما، حتى تكونا حذو منكبيه، ثم قال: سمع الله لمن حمده، ولا يرفع يديه في السجود، ويرفعهما في كل تكبيرة يكبرها قبل الركوع، حتى تنقضي صلاته". 926 - * روى البخاري عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال محمد بن عمرو بن عطاء: "سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم- منهم أبو قتادة- قال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: فلم؟ فوالله ما كنت بأكثرنا له تبعاً، ولا أقدمنا له صحبة، قال: بلى، قالوا: فاعرض، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم يكبر حتى يرجع كل عظم في موضعه معتدلاً، ثم يقرأ، ثم يكبر ويرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم يركع ويضع راحتيه على ركبتيه، ثم يعتدل ولا ينصب رأسه ولا يقنع، ثم يرفع رأسه فيقول: سمع الله لمن حمده، ثم يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه معتدلاً، ثم يقول: الله أكبر، ثم يهوي إلى الأرض، فيجافي يديه عن جنبيه، ثم يرفع رأسه، ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها، ويفتح أصابع رجليه إذا سجد، ويسجد، ثم يقول: الله أكبر، ويرفع، ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها، حتى يرجع كل عظم إلى موضعه، ثم يصنع في الآخر مثل ذلك، ثم إذا قام من الركعتين كبر ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، كما كبر عند افتتاح الصلاة، ثم يصنع ذلك في بقية صلاته، حتى إذا كانت السجدة التي فيها التسليم أخر رجله، وقعد متوركاً على شقه الأيسر. قالوا: صدقت، هكذا كان يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

_ قال: وأسنده حماد بن سلمة، ولم يذكر أيوب ومالك الرفع إذا قام من السجدتين، قال ابن جريج فيه: "قلت لنافع: أكان ابن عمر يجعل الأولى أرفعهن؟ قال لا، سواء، قلت: أشر لي، فأشار إلى الثديين، أو أسفل من ذلك". (1) أبو داود (1/ 192) كتاب الصلاة، 116 - باب رفع اليدين في الصلاة. 926 - البخاري (2/ 305) 10 - كتاب الأذان، 145 - باب سنة الجلوس في التشهد. أبو داود (1/ 194) كتاب الصلاة، 117 - باب افتتاح الصلاة.

وفي رواية (1) قال: "كنت في مجلس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتذاكروا صلاته، فقال أبو حميد- فذكر بعض هذا الحديث- وقال: فإذا ركع أمكن كفيه من ركبتيه، وفرج بين أصابعه، وهصر ظهره، غير مقنع رأسه، ولا صافح بخده، وقال: فإذا قعد في الركعتين قعد على بطن قدمه اليسرى، ونصب اليمنى، فإذا كان في الرابعة أفضى بوركه اليسرى إلى الأرض، وأخرج قدميه من ناحية واحدة". وفي أخرى (2) نحو هذا، قال: "إذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما، واستقبل بأطراف أصابعه القبلة". وفي رواية (3) في هذا الحديث، قال: "فإذا سجد فرج بين فخذيه غير حامل بطنه على شيء من فخذيه". 927 - * روى الترمذي عن علقمة قال: "قال لنا ابن مسعود رضي الله عنه يوماً: ألا أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فصلي ولم يرفع يديه إلا مرة واحدة، مع تكبيرة الافتتاح". وفي رواية (4)، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في كل خفض ورفع، وقيام وقعود، وأبو بكر وعمر".

_ (1) أبو داود: نفس الموضع السابق ص 195. (2) أبو داود: نفس الموضع السابق ص 195. (3) أبو داود: نفس الموضع السابق ص 196. ابن خزيمة (1/ 297، 298) كتاب الصلاة، 144 - باب الاعتدال في الركوع والتجافي ووضع اليدين على الركبتين. (ينصب رأسه ويقنع) نصب الرأس معروف، وهو رفعه ويقال لمن خفض رأسه: قد أقنعه أيضاً، وهو من الأضداد. (متوركاً) التورك في التحيات: أن يفضي بأليته اليسرى إلى الأرض إذا جلس. (هصر ظهره) هصر الظهر: ثنيه وخفضه، وأصل الهصر: أن تجذب طرف الغصن إليك فيميل معك. (صافح بخده) قوله: "ولا صافح بخده": أي غير مبرز جانب خده [ولا] مائلاً في أحد الشقين. 927 - الترمذي (2/ 40) أبواب الصلاة، 191 - باب ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع إلا في أول مرة. النسائي (2/ 195) 12 - كتاب التطبيق، 20 - باب الرخصة في ترك ذلك. (4) الترمذي (2/ 33، 34) أبواب الصلاة، 188 - ما جاء في التكبير عند الركوع والسجود. النسائي (2/ 230) 12 - كتاب التطبيق، 83 - باب التكبير عند الرفع من السجود.

وللنسائي (1) أيضاً في أخرى زيادة: "ويسلم عن يمينه وشماله: السلام عليكم ورحمة الله، حتى يرى بياض خده- قال: ورأيت أبا بكر وعمر يفعلان ذلك" وأخرج أبو داود الرواية (2) الأولى. وفي حديث ابن مسعود هذا نفي رفع اليدين فيما عدا تكبيرة الإحرام، وقال الترمذي: وبه يقول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة، وفي حديث ابن عمر الذي قبله إثبات الرفع عند الركوع والرفع عنه، قال الترمذي عقب حديث ابن عمر: وبهذا يقول بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم: ابن عمر، وجابر بن عبد الله، وأبو هريرة، وأنس، وابن عباس، وعبد الله بن الزبير وغيرهم، ومن التابعين: الحسن البصري، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، ونافع، وسالم بن عبد الله، وسعيد بن جبير وغيرهم، وبه يقول مالك، ومعمر، والأوزاعي، وعبد الله بن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق. أقول: قدم الحنفية الأخذ بقول ابن مسعود لأنه أكثر فقهاً، وأكبر سناً وأعرف بحال رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأمر واسع. 928 - * روى أبو داود عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه إلى قريب من أذنيه، ثم لا يعود". وفي رواية (3) مثله، ولم يذكره: ثم لا يعود". وفي أخرى (4)، قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين افتتح الصلاة، ثم لم يرفعهما حتى انصرف". 929 - * روى الشيخان عن جابر بن سمرة: أن أهل الكوفة شكوا سعداً إلى عمر

_ (1) النسائي (3/ 62) 13 - كتاب السهو، 70 - باب كيف السلام على اليمين. (2) أبو داود (1/ 199)، كتاب الصلاة، 119 - باب من لم يذكر الرفع عند الركوع، وإسناده صحيح. 928 - أبو داود (1/ 199، 200)، كتاب الصلاة، 119 - باب من لم يذكر الرفع عند الركوع. (3) أبو داود: نفس الموضع السابق ص 200: وهو حديث حسن يشهد له الذي قبله. (4) أبو داود: نفس الموضع السابق ص 200 وقال أبو داود: هذا الحديث ليس بصحيح، ولكن يشهد له الذي قبله. 929 - البخاري (2/ 236) 10 - كتاب الأذان، 95 - باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر والسفر، وما يجهر فيها وما يخافت.

فذكروا من صلاته، فأرسل إليه عمر، فقدم عليه فذكر له ما عابوه من أمر الصلاة، فقال: إني لصلي بهم صلاة رسول الله فما أخرم عنها، إني لأركد بهم في الأوليين وأحذف بهم في الأخريين. فقال له عمر: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق". هذا حديث الدورقي. وقال المخزومي: وأخفف الأخريين. 930 - * روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بـ (الحمد لله رب العالمين) وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه، ولكن بين ذلك، وكان إذا رفع رأسه من الركوع، لم يسجد حتى يستوي قائماً، وكان إذا رفع رأسه من السجدة لم يسجد حتى يستوي جالساً، وكان يقول في كل ركعتين: التحية، وكان يفرش رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى، وكان ينهى عن عقبة الشيطان، وكان ينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع، وكان يختم الصلاة بالتسليم". وفي رواية (1): "عن عقب الشيطان".

_ مسلم (1/ 334) 4 - كتاب الصلاة، 34 - باب القراءة في الظهر والعصر. ابن خزيمة (1/ 256) كتاب الصلاة، 105 - باب تطويل الركعتين الأوليين من الظهر والعصر وحذف الأخريين منهما. 930 - مسلم (1/ 357، 358) 4 - كتاب الصلاة، 46 - باب ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به، ويختم به. أبو داود (1/ 208) كتاب الصلاة، 124 - باب من لم ير الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم. (1) مسلم: نفس الموضع السابق ص 358. (لم يشخص رأسه) شخص- بالفتح- يشخص: إذا ارتفع، واشخص رأسه: أي رفعه. (عقبة الشيطان): هو أن يضع إليتيه على عقبيه بين السجدتين وهو الذي يجعله بعض الناس إقعاء وقيل هو أن يترك عقبيه غير مغسولين (النهاية).

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد الصلوات الخمس مفروضة على المسلمين بإجماع وهي صلاة الفجر، والظهر، والعصر، والمغرب والعشاء. وصلاة الفجر ركعتان، والظهر أربع، والعصر أربع، والمغرب ثلاث، والعشاء أربع بإجماع. والركعة الأولى من كل صلاة تبدأ بقيام للقادر عليه، وتفتتح الصلاة بتكبيرة الإحرام من رفع الأيدي، ثم بثناء وتعوذ وبسملة وقراءة فاتحة وشيء من القرآن معها، وهذا يشترك فيه الإمام والمنفرد، أما المأموم فهناك خلاف، هل يقرأ القرآن وراء الإمام أو لا؟ ثم يكبر الإنسان ويركع واضعاً كفيه على ركبتيه قائلاً: (سبحان ربي العظيم) ثلاثاً في ركوعه، ثم يرفع من ركوعه قائلاً: (سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد أو ربنا ولك الحمد)، ثم يكبر مع هويه بالسجود، فيسجد على أعضائه السبعة (الجبهة مع الأنف، واليدين، والركبتين، والقدمين)، وينصب القدمين موجهاً أصابعها إلى القبلة ويجافي الرجل فخذيه وعضديه عن جسمه، ويجافي مرفقيه عن الأرض ويقول في سجوده: (سبحان ربي الأعلى) ثلاثاً، ثم يكبر جالساً مفترشاً رجله اليسرى ناصباً قدمه اليمنى، أما المرأة فتفعل ما هو الأستر في حقها فلا تجافي عضديها عن جسمها ولا فخذيها عن بطنها، ثم يكبر ويسجد السجدة الثانية مسبحاً في السجود، ثم يقوم إلى الركعة الثانية مكبراً رافعاً وجهه فيديه فركبتيه على عكس خروره للسجود فإنه يبدأ بركبتيه ثم بيديه ثم بوجهه، فإذا قام إلى الركعة الثانية قرأ الفاتحة وشيئاً من القرآن معها إن كان منفرداً أو إماماً أما المأموم ففي قراءته وراء الإمام خلاف كما ذكرنا، ثم يركع فيرفع فيسجد سجدتين يجلس بينهما، فإن كانت صلاته ثنائية قعد القعود الأخير على خلاف بين الفقهاء هل يقعد متوركاً أو يقعد مفترشاً رجله اليسرى ناصباً رجله اليمنى كالقعدة بين السجدتين، ويقرأ التشهد ويصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدعو ثم يسلم عن يمينه وشماله، فإذا كانت الصلاة ثلاثية أو رباعية، اكتفى بقراءة التشهد واختلف في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده، ثم يكبر قائماً إلى الركعة الثالثة فيقرأ فيها فاتحة الكتاب إن كان منفرداً أو إماماً، ثم يفعل كما فعل في

الركعة الثانية فإن كانت الصلاة ثلاثية قعد القعود الأخير وسلم كما ذكرنا وإن كانت رباعية قام بعد السجدة الثانية إلى الركعة الرابعة ففعل بها كما فعل بالركعة الثالثة ثم قعد القعود الأخير وسلم، ويستحب له بعد السلام أن يقرأ الأدعية والأذكار المأثورة. هذه صورة إجمالية لصلاة الفرائض وستمر معنا تفصيلات واجتهادات في حكم كل فعل، أو قول، من أفعال الصلاة وأقوالها.

الفصل الثاني في تعليم المسيء صلاته

الفصل الثاني في تعليم المسيء صلاته 931 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجل فصلى، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فرد، وقال: "ارجع فصل فإنك لم تصل"، فرجع فصلى كما صلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فرده وقال: "ارجع فصل فإنك لم تصل"- فرجع ثلاثاً- فقال: والذي بعثك بالحق، ما أحسن غيره، فعلمني، فقال: "إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، وافعل ذلك في صلاتك كلها". وفي رواية (2) بنحوه، وفيه: "وعليك السلام، ارجع"- وفيه: "فإذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ بما تيسر معك من القرآن .. " وذكر نحوه- وزاد في آخره- بعد قوله: "حتى تطمئن جالساً- ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها". وزاد أبو داود (3) في رواية: له: "فإذا فعلت هذا تمت صلاتك، وما انتقصت من هذا فإنما انتقصته من صلاتك". 932 - * روى الترمذي عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم بينما هو

_ 931 - البخاري (2/ 237) 10 - كتاب الأذان، 95 - باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها. مسلم (1/ 298) 4 - كتاب الصلاة، 12 - باب نهي المأموم عن جهره بالقراءة خلف إمامه. أبو داود (1/ 226) كتاب الصلاة، 147 - باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود. الترمذي (2/ 103) أبواب الصلاة، 226 - باب ما جاء في وصف الصلاة. النسائي (2/ 193) الأمر بإتمام الركوع، 15 - باب الرخصة في ترك الذكر في الركوع. ابن ماجه (1/ 336) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 72 - باب إتمام الصلاة. (2) البخاري (11/ 36) 79 - كتاب الاستئذان، 18 - باب من رد فقال: عليك السلام. (3) أبو داود (1/ 226) كتاب الصلاة، 147 - باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود. 932 - الترمذي (2/ 100، 101) أبواب الصلاة، 226 - باب ما جاء في وصف الصلاة. ابن خزيمة (1/ 274) جماع أبواب الآذان والإقامة، 122 - باب إجازة الصلاة بالتسبيح والتكبير. وإسناده صحيح.

جالس في المسجد يوماً- قال رفاعة: ونحن معه- إذ جاءه رجل كالبدوي، فصلى فأخف صلاته، ثم انصرف فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وعليك، فارجع فصل، فإنك لم تصل"، فرجع فصلى، ثم جاء فسلم عليه، فقال: "وعليك، فارجع فصل فإنك لم تصل"، ففعل ذلك مرتين أو ثلاثاً، كل ذلك يأتي النبي صلى الله عليه وسلم، فيسلم على النبي، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وعليك، فارجع فصل، فإنك لم تصل"، فخاف الناس وكبر عليهم: أن يكون من أخف صلاته لم يصل، فقال الرجل في آخر ذلك: فأرني وعلمني، فإنما أنا بشر أصيب وأخطئ، فقال: "أجل، إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ كما أمرك الله به، ثم تشهد فأقم، فإن كان معك قرآن فاقرأ، وإلا فاحمد الله وكبره وهلله، ثم اركع فاطمئن جالساً، ثم قم، فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك، وإن انتقصت منه شيئاً فقد انتقصت من صلاتك"، قال: وكان هذا أهون عليهم من الأولى: أنه من انتقص من ذلك شيئاً انتقص من صلاته، ولم تذهب كلها". أقول: لهذه الرواية ولأسباب أخرى قال الحنفية: إن الطمأنينة في الركوع والسجود والاعتدال من الركوع واجبة وليست ركناً، والواجب عندهم إذا تركه الإنسان عمداً أثم وتجب عليه إعادة صلاته ما دام في الوقت، ولا تبطل الصلاة بترك الواجب. 933 - * روى أبو داود مثل حديث قبله، وهو حديث أبي هريرة، قال: فذكر نحوه، وقال فيه: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه لا تتم صلاة أحد من الناس حتى يتوضأ، فيضع الوضوء- يعني مواضعه- ثم يكبر، ويحمد الله عز وجل، ويثني عليه، ثم يقرأ بما شاء من القرآن، ثم يقول: الله أكبر، ثم يركع حتى تطمئن مفاصله، ثم يرفع، ثم يقول: سمع الله لمن حمده، حتى يستوي قائماً، ويقول: الله أكبر، ثم يسجد، حتى تطمئن مفاصله، ثم يقول: الله أكبر، ويرفع رأسه حتى يستوي قاعداً، ثم يقول: الله أكبر، ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله، ويرفعه ثانية فيكبر، فإذا فعل ذلك تمت صلاته".

_ 933 - أبو داود (1/ 226) كتاب الصلاة، 147 - باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود.

وفي أخرى (1) له قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تتم صلاة أحد حتى يسبغ الوضوء كما أمر الله، فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ويمسح برأسه، ويغسل رجليه إلى الكعبين، ثم يكبر الله ويحمده، ثم يقرأ من القرآن ما أذن له فيه وتيسر. قال: ثم يكبر، فيسجد ويمكن وجهه- وفي رواية: "جبهته- من الأرض، حتى تطمئن مفاصله فتسترخي، ثم يكبر فيستوي قاعداً على مقعده، ويقيم صلبه-" فوصف الصلاة هكذا أربع ركعات، حتى فرغ- "لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك". وفي أخرى (2) بهذه القصة، فقال: "إذا قمت فتوجهت إلى القبلة فكبر، ثم اقرأ بأم القرآن، وبما شاء الله أن تقرأ، فإذا ركعت فضع راحتيك على ركبتيك، وامدد ظهرك"، وقال: "إذا سجدت فمكن بسجودك، فإذا رفعت فاقعد على فخذك اليسرى". وفي أخرى (3) بهذه القصة، وقال فيه: "فإذا جلست في وسط الصلاة فاطمئن، وافترش فخذك اليسرى، ثم تشهد، ثم إذا قمت فمثل ذلك حتى تفرغ من صلاتك" وفي أخرى (4) نحوه، فقال فيه: "فتوضأ كما أمرك الله عز وجل، ثم تشهد فأقم، ثم كبر، فإن كان معك قرآن فاقرأ به، وإلا فاحمد الله، وكبره وهلله". وقال فيه: "وإن انتقصت فيه شيئاً: انتقصت من صلاتك". لقوله: "بما تيسر من القرآن": قال الحنفية بأن الفرض مطلق القراءة والواجب الفاتحة لكن قال الشافعية وغيرهم: الفرض الفاتحة لقوله في إحدى الروايات: "ثم اقرأ بأم

_ (1) أبو داود (1/ 227) في نفس الموضع السابق. (2) أبو داود، في نفس الموضع السابق. (3) أبو داود (1/ 228) في نفس الموضع السابق. (4) أحمد (4/ 340) تخريج الرواية الرابعة في الحديث. أبو داود (1/ 228) كتاب الصلاة، 147 - باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود. الترمذي (2/ 100) أبواب الصلاة، 226 - باب ما جاء في وصف الصلاة. النسائي (2/ 193) الأمر بإتمام الركوع، 15 - باب الرخصة في ترك الذكر في الركوع. الدارمي (1/ 305) كتاب الصلاة، باب في الذي لا يتم الركوع والسجود. وهو حديث صحيح.

القرآن" وقالوا فإذا جمع بين ألفاظ الحديث كان تعين الفاتحة هو الأصل لمن معه قرآن فإن عجز عن تعلمها وكان معه شيء من القرآن قرأ ما تيسر وإلا انتقل إلى الذكر. وفي الحديث دليل على وجوب الطمأنينة في الأركان، وقال الشافعية: الاطمئنان فرض، وقال الحنفية: واجب لما ورد في الحديث وإن انتقصت من صلاتك. وقوله: "ثم افعل ذلك في الركعات كلها": دليل على وجوب القراءة في الركعات كلها كما يجب الركوع والسجود وجوز بعض الحنفية التسبيح في الركعتين الأخريين بدلاً عن القراءة ويروى كذلك عن علي من طريق الحارث الأعور (شرح السنة 3/ 11)، والحارث هذا ابن عبد الله صاحب علي كذبه الشعبي في رأيه ورمي بالرفض وفي حديثه ضعف (التقريب). وللإمام أبي حنيفة رواية تنص على وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة نقلها عنه الحسن بن زياد وصححها العيني وابن الهمام ومشى عليها في المنية (شعيب). 934 - * روى النسائي عن زيد بن وهب قال: رأى حذيفة رضي الله عنه رجلاً يصلي، فطفف، فقال له حذيفة: مذ كم تصلي هذه الصلاة؟ قال: منذ أربعين سنة، قال: ما صليت منذ أربعين سنة، ولو مت وأنت تصلي هذه الصلاة، مت على غير فطرة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قال: إن الرجل ليخفف ويتم ويحسن. وفي رواية (2) البخاري، قال شقيق: إن حذيفة رأى رجلاً لا يتم ركوعه ولا سجوده، فلما قضى صلاته، دعاه، فقال له حذيفة: ما صليت- قال- وأحسبه قال: ولو مت مت على غير سنة محمد صلى الله عليه وسلم. وفي رواية (3): ولو مت مت على غير الفطرة التي فطر الله عليها محمداً صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ في الفتح: واستدل به على وجوب الطمأنينة في الركوع والسجود، وعلى أن الإخلال بها مبطل للصلاة.

_ 934 - النسائي (3/ 58) كتاب السهو، 66 - باب تطفيف الصلاة. (2) البخاري (2/ 295) 10 - كتاب الأذان، 132 - باب إذا لم يتم السجود. (3) البخاري (2/ 274) 10 - كتاب الأذان، 119 - باب إذا لم يتم الركوع. (طفف) التطفيف في الكيل: نقصه، والمراد به ها هنا: نقص الصلاة والقراءة والاختصار فيها. (فطرة محمد) الفطرة: الخلقة، والفطرة: الملة، أراد دين الإسلام الذي هو منسوب إلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

935 - * روى أحمد عن عطاء بن يسار عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: بينما رجل يصلي وهو مسبل إزاره، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اذهب فتوضأ" قال: فذهب فتوضأ ثم جاء، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اذهب فتوضأ" ثم جاء، فقال: يا رسول الله مالك أمرته يتوضأ ثم سكت عنه، فقال: "إنه كان يصلي وهو مسبل إزاره وإن الله تبارك وتعالى لا يقبل صلاة عبد مسبل إزاره". أقول: إن إسبال الإزار مكروه تحريماً للخيلاء، ومن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم لمسبل إزاره أن يعيد وضوءه دليل لمن ذهب من العلماء أن الوضوء يسن لمن ارتكب ذنباً.

_ 935 - أحمد (5/ 379). مجمع الزوائد (5/ 125) كتاب اللباس، باب في الإزار وموضعه. وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. (الإسبال): إرسال الثوب حتى يصيب الأرض.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد - نلاحظ مما ورد في أحاديث الفصل أن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه تعليم الجاهل حيثما رأوا تصرفاً من تصرفاته يدل على جهل، وعلى المسلمين عموماً وعلى العلماء خصوصاً أن يلحظوا هذه السنة وأن يحيوها، وكثيراً ما نجد عدم مبالاة عند بعض الناس إذا رأوا جهلاً أو خطأ، فلا يعلمون ولا يفقهون. - يفرق الحنفية بين الركن والواجب، فالركن عندهم فرض يثبت بالقطعيات من نصوص الشريعة ويكفر منكره، أما الواجب: ففرض عملي يجب القيام به ويأثم تاركه ويفسق منكر النصوص الصحيحة الواردة فيه، وتركه لا يبطل الصلاة بينما ترك الركن يبطل الصلاة. نقول هذا بمناسبة ما مر معنا في بعض روايات الفصل عن أن الطمأنينة عند الحنفية واجبة وليست ركناً. - عرف الحنابلة الطمأنينة بأنها السكون وإن قل، وعرفها الشافعية بأنها استقرار الأعضاء في الركوع والسجود، وفي القيام بعد الركوع وفي الجلوس بين السجدتين بحيث ينفصل الرفع عن الهوي، وعرفها الحنفية بأنها تسكين الجوارح قدر تسبيحة في الركوع والسجود والرفع منهما، وعرفها المالكية بأنها استقرار الأعضاء زمناً ما، في جميع أركان الصلاة، وهي ركن عند المالكية والحنابلة وبعض الشافعية، وشرط في الركن عند بعض الشافعية، وواجب عند الحنفية في الركوع والاعتدال منه والسجود والجلوس بين السجدتين.

الفصل الثالث في روايات في التكبير في الصلاة ووضع اليمين على الشمال

الفصل الثالث في روايات في التكبير في الصلاة ووضع اليمين على الشمال 936 - * روى الترمذي عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مفتاح الصلاة الوضوء وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم". 937 - * روى مسلم عن وائل بن حجر رضي الله عنه: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة كبر- وصف همام- أحد الرواة- حيال أذنيه- ثم التحف بثوبه، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى، فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب، ثم رفعهما، ثم كبر فركع، فلما قال: سمع الله لمن حمده رفع يديه، فلما سجد، سجد بين كفيه. وفي رواية (3) أبي داود قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح الصلاة رفع يديه حيال أذنيه. قال: ثم أتيت المدينة بعد فرأيتهم يرفعون أيديهم إلى صدورهم في افتتاح الصلاة، وعليهم برانس وأكسية. وفي أخرى (4)، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشتاء، فرأيت أصحابه يرفعون أيديهم في ثيابهم في الصلاة. وفي أخرى (5)، قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: فكان إذا كبر رفع يديه، ثم التحف، ثم أخذ شماله بيمينه، وأدخل يديه في ثوبه، فإذا أراد أن يركع، أخرج يديه، ثم رفعهما، وإذا أراد أن يرفع رأسه من الركوع رفع يديه، ثم سجد، ووضع وجهه بين كفيه، حتى فرغ من صلاته. قال محمد- وهو ابن جحادة- فذكرت ذلك للحسن بن أبي الحسن فقال: هي صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعله من فعله، وتركه من تركه. وفي أخرى (6): أنه أبصر النبي صلى الله عليه وسلم، حين قام إلى الصلاة: رفع يديه، حتى كانتا بحيال منكبيه، وحاذى بإبهاميه أذنيه، ثم كبر.

_ 936 - الترمذي (1/ 8) أبواب الطهارة، 3 - باب ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور، وحسنه النووي في الخلاصة، والبغوي في شرح السنة. 937 - مسلم (1/ 301) 4 - كتاب الصلاة، 15 - باب وضع يده اليمنى على اليسرى بعد تكبيرة الإحرام. (3) أبو داود (1/ 193) كتاب الصلاة، 116 - باب رفع اليدين في الصلاة. (4) أبو داود (1/ 194) كتاب الصلاة، 117 - باب افتتاح الصلاة. (5) أبو داود (1/ 193) كتاب الصلاة، 116 - باب رفع اليدين في الصلاة. (6) أبو داود (1/ 192) كتاب الصلاة، 116 - باب رفع اليدين في الصلاة.

وفي أخرى (1) رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع إبهاميه في الصلاة إلى شحمة أذنيه. وفي أخرى (2) أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه مع التكبير. 938 - * روى النسائي عن عبد الرحمن بن الأصم قال: "سئل أنس بن مالك رضي الله عنه عن التكبير في الصلاة؟ فقال: يكبر إذا ركع، وإذا سجد، وإذا رفع رأسه من السجود، وإذا قام من الركعتين. فقال له حطيم عمن تحفظ هذا؟ قال: عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، ثم سكت، فقال له حطيم: وعثمان؟ قال له: وعثمان". 939 - * روى أحمد عن سعيد بن الحارث قال: اشتكى أبو هريرة- أو غاب- فصلى لنا أبو سعيد الخدري فجهر بالتكبير حين افتتح الصلاة وحين ركع وحين قال سمع الله لمن حمده وحين رفع رأسه من السجود وحين سجد وحين قام من الركعتين حتى قضى صلاته على ذلك فلما صلى قيل له اختلف الناس على صلاتك فخرج فقام على المنبر فقال يا أيها الناس والله ما أبالي اختلفت صلاتكم أو لم تختلف هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي". 940 - * روى الطبراني عن ابن عباس قال: سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنا- معشر الأنبياء- أمرنا بتعجيل فطرنا وتأخير سحورنا وأن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة". 941 - * روى الطبراني عن عقبة بن أبي عائشة قال: رأيت عبد الله بن جابر البياضي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع إحدى يديه على ذراعه في الصلاة.

_ (1) أبو داود (1/ 193) في نفس الموضع السابق. (2) أبو داود (1/ 197) كتاب الصلاة، 117 - باب افتتاح الصلاة. (حيال) حيال الشيء وحذوه بمعنى. 938 - النسائي (3/ 2) 13 - كتاب السهو، 1 - التكبير إذا قام من الركعتين، وإسناده حسن. 939 - أحمد (3/ 18). مجمع الزوائد (2/ 105) كتاب الصلاة، باب التكبير. وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. 940 - الطبراني (11/ 199) في الكبير. مجمع الزوائد (2/ 105). وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح. 941 - مجمع الزوائد (2/ 105). وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، وإسناده حسن.

أقول: الرسغ مفصل ما بين الكف والساعد، فتحليق الإبهام والخنصر على الرسغ يجعل بقية الأصابع على الذراع، وقد استحب بعض الحنفية أن توضع الأصابع الثلاثة ممدودة على ظاهر الذراع. 942 - * روى مالك عن أبي حازم بن دينار قال: قال سهل بن سعد: "كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة. قال أبو حازم: لا أعلمه غلا ينمي ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم". وفي رواية [قال إسماعيل]: إلا وينمي ذلك، ولم يقل: ينمي". 943 - * روى أبو داود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "كان يصلي، فوضع يده اليسرى على اليمنى، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على اليسرى". وفي رواية (3) النسائي، قال: "رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وضعت شمالي على يميني في الصلاة، فأخذ بيميني، فوضعها على شمالي". 944 - * روى النسائي عن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا كان قائماً في الصلاة، قبض بيمينه على شماله. 945 - * روى أبو داود عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: "صف القدمين، ووضع اليد على اليد، من السنة".

_ 942 - الموطأ (1/ 159) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 15 - باب وضع اليدين إحداهما على الأخرى. البخاري (2/ 224) 10 - كتاب الأذان، 87 - باب وضع اليمنى على اليسرى. (ينمي) نميت الحديث أنميه: إذا بلغته على وجه الإصلاح وطلب الخير، وكل شيء نميته فقد رفعته. فإذا أردته على وجه الفساد قلت: نميته بالتشديد. 943 - أبو داود (1/ 200) كتاب الصلاة، باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة. (3) النسائي (2/ 126) كتاب الافتتاح، 10 - باب في الإمام إذا رأى الرجل وقد وضع شماله على يمينه، وإسناده حسن. 944 - النسائي (2/ 125) كتاب الافتتاح، 9 - وضع اليمين على الشمال، وإسناده حسن. 945 - أبو داود (1/ 200) كتاب الصلاة، 120 - باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، وفي سنده زرعة بن عبد الرحمن لم يوثقه غير ابن حبان، وباقي رجاله ثقات.

أقول: يدخل في صف القدمين أن يكون العقبان على سوية واحدة، بحيث يكون الكعبان الداخليان متقابلين، واستحب بعضهم أن يوجه الإنسان قدميه إلى جهة القبلة فلا يكونان منحرفين، ولم ير بعضهم بأساً بأن لا يتكلف في ذلك، ويسن التفريج بين القدمين في القيام قدر أربع أصابع عند الحنفية وقدر شبر عند الشافعية، وقال المالكية والحنابلة: ويندب تفريج القدمين بأن يكونا بحالة متوسطة فلا يوسعهما كثيراً حتى يتفاحش عرفاً.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد - تكبيرة الإحرام فريضة، وهي أن يقول المصلي مسمعاً نفسه (الله أكبر) وينبغي أن تكون بالعربية إلا لعاجز عليها، ويستحب للإمام أن يجهر بالتكبير ليسمعه من خلفه، ولا تنعقد الصلاة إلا بتكبيرة الإحرام، وإن عجز عن التكبير كأن كان أخرس سقطت عنه. وليحذر المصلي أن يمد الهمزة الأولى فيقول (آلله) أو يمد (أكبر) أو يزيد ألفاً بعد باء (أكبر)، لأن المعنى يتغير به فلا تصح الصلاة. وأجاز الشافعية أن يقول (الله الأكبر) أو (الله الجليل أكبر)، وأجاز أبو حنيفة ومحمد افتتاح الصلاة بكل ما يفيد التكبير والتعظيم كقول المصلي (الله أجل) (الله أعظم) (الله كبير) (الرحمن أعظم) والجواز شيء وإقامة الفرض كما ورد شيء آخر. قال في إعلاء السنن (2/ 159) فترك لفظة (الله أكبر) لا يبطل الصلاة، نعم يكره. اهـ. قال محقق شرح السنة (3/ 18) ولكنهم قالوا يجب تعيين لفظ (الله أكبر) ويكره تحريماً الافتتاح بغيره لمن يحسنه. اهـ. أما تكبيرات الانتقال عند الركوع والسجود والرفع منه للجلوس أو للقيام فهي ثابتة بإجماع الأمة إلا في الرفع من الركوع فإنه يقول (سمع الله لمن حمده)، وقد قال الحنابلة بوجوب التكبير، كوجوب (سمع الله لمن حمده)، وقول (ربي اغفر لي) بين السجدتين. وتكبيرات الانتقال عند جماهير العلماء أنها سنة وليست بواجب. - لا خلاف في استحباب رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام لافتتاح الصلاة، بحيث تكون رسغاه تحاذي أعلى كتفيه، وإبهامه تحاذي أذنيه، وترفع المرأة يديها حذاء منكبيها فقط فلا تتجاوز أطراف أصابعها ذلك الموضع، لما أخرج البخاري في جزء رفع اليدين بسند رجاله ثقات عن عبد ربه بن سلمان بن عمير قال: (رأيت أم الدرداء رضي الله عنها ترفع يديها في الصلاة حذو منكبها) والقياس الجلي أن تكون المرأة كالرجل فإن كفيها ليستا

بعورة ولكن القياس الخفي يوافق الحديث فهذا أستر لها (انظر الإعلاء 2/ 157). وتسن إمالة أطراف الأصابع نحو القبلة لشرفها، والأصح عند الحنفية أنه يرفع يديه أولاً ثم يكبر وقال الحنفية والمالكية والشافعية: يسن نشر الأصابع نشراً خفيفاً فلا تضم كل الضم ولا تفرج كل التفريج، وقال الحنابلة: يستحب أن يمد أصابعه وقت الرفع ويضم بعضها إلى بعض، ولا يسن عند الحنفية والمالكية رفع اليدين إلا عند تكبيرة الإحرام، وقال الشافعية والحنابلة: يسن رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع، وقال النووي: يستحب الرفع أيضاً عند القيام من التشهد الأول، وما دام في السنية أو عدمها فالأمر واسع. - قال الحنابلة والشافعية والحنفية: يسن بعد تكبيرة الإحرام أن يضع المصلي يده اليمنى على ظهر كف ورسغ اليسرى، وصفة الوضع عند الحنابلة والشافعية أن يضع يده اليمنى على رسغ اليسرى أو ما يقاربه وعند الحنفية يجعل الرجل باطن كف اليمنى محلقاً بالخنصر والإبهام على الرسغ، أما المرأة فتضع يديها على صدرها من غير تحليق لأنه أستر لها، ويضعهما الرجل عند الحنابلة والحنفية تحت السرة واستدل الحنفية بعدد من الآثار في ذلك فقد سئل أبو مجلز كيف يضع قال: يضع كف يمينه على ظاهر كف شماله ويجعلها أسفل عن السرة، قال العلامة ابن التركماني: ومذهب أبي مجلز الوضع أسفل السرة حكاه أبو عمرو في التمهيد وجاء ذلك عنه بسند جيد، ويؤيده قول إبراهيم النخعي، وقول التابعي الكبير حجة عند الجمهور، وما ورد عن علي قوله: السنة وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة، وقد حسن هذا الحديث بعض العلماء، كما روي وضع اليدين تحت السرة عن أبي هريرة.

_ * قال البغوي في شرح السنة جـ 3: وفيه عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي وهو ضعيف بالاتفاق، وزيادة بن زيد السوائي، وهو مجهول، كذا ضعفه الألباني في "إرواء الغليل جـ 2" ثم قال الألباني: والذي صح عنه صلى الله عليه وسلم في وضع اليدين إنما هو الصدر، وفي ذلك أحاديث كثيرة أوردتها في "تخريج صفة الصلاة" منها: عن طاوس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على يده اليسرى، ثم يشد بينهما على صدره وهو في الصلاة" رواه أبو داود. بإسناد صحيح عنه، وهو وإن كان مرسلاً فهو حجة عند جميع العلماء على اختلاف مذاهبهم في المرسل، لأنه صحيح السند إلى المرسل، وقد جاء موصولاً من طرق كما أشرنا إليه آنفاً فكان حجة عند الجميع "الناشر".

والمستحب عند الشافعية أن يجعلهما تحت الصدر فوق السرة مائلاً إلى جهة اليسار واحتج الشافعية ومن وافقهم بحديث وائل بن حجر صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره وهذا الحديث جاء من طريق مؤمل بن إسماعيل وهو ضعيف والرواية الصحيحة لم تذكر عبارة على صدره (انظر الإعلاء 2/ 165 - 169). والمعمول به عند المالكية إرسال اليدين في الصلاة بوقار، وإنما اعتمدوا ذلك كي لا يظن العامي وجوب وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة. والخلاف في المذاهب الثلاثة حول سنية الهيئة في الوضع فالأمر واسع. - قال الحنفية: يوضع الوجه في السجود بين الكفين، وعند غير الحنفية توضع اليدان حذو المنكبين والجميع متفقون على أن الأصابع توجه مضمومة ومكشوفة نحو القبلة، ويعتمد الساجد على بطون الكفين أثناء السجود. يستحب عند بعض العلماء للمصلي حال قيامه أن ينظر إلى موضع سجوده، وإلى قدميه عند ركوعه، وإلى حجره في التشهد.

الفصل الرابع في الاستفتاح

الفصل الرابع في الاستفتاح 946 - * روى مسلم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة قال: "وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك، لا غله إلا أنت ربي، وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً، لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله بيديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك"، وإذا ركع قال: "اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي"، وإذا رفع رأسه قال: "اللهم ربنا لك الحمد، ملء السموات، وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، وإذا سجد قال: اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين، ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت، وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت".

_ 946 - مسلم (1/ 534) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 26 - باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه. الترمذي (5/ 485) 49 - كتاب الدعوات، 32 - باب منه. (لبيك وسعديك): تعظيم لإجابة الداعي. (والشر ليس إليك) معنى هذا الكلام: الإرشاد إلى استعمال الأدب في الثناء على الله تعالى، ومدحه بأن تضاف محاسن الأشياء إليه دون مساوئها وليس المقصود نفي شيء عن قدرته وإثباته لها، فإن محاسن الأمور تضاف إلى الله عز وجل عند الثناء عليه دون مساوئها، كما قال تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) [الأعراف: 185]، فيقال: يا رب السموات والأرض، ولا يقال: يا رب الكلاب والخنازير.

وإذاً معناه ليس ذلك مما يتقرب به إليك كقولهم: أنا منك وإليك أي معدود من جندك ومنتم إليك. (ابن الأثير) أو لا يضاف إليك على انفراده أو أن الشر لا يصعد إليك وإنما الكلم الطيب أو معناه أن الشر ليس شراً بالنسبة إليك فإنك خلقته بحكمة بالغة (شرح السنة). 947 - * روى النسائي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة كبر، ثم قال: "إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا أول المسلمين، اللهم اهدني لأحسن الأعمال وأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، وقني سيئ الأعمال وسيئ الأخلاق، لا يقي سيئها إلا أنت". 948 - * روى النسائي عن محمد بن مسلمة رضي الله عنه قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام يصلي تطوعاً قال: "الله أكبر، وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً، وما أنا من المشركين ... وذكر الحديث مثل جابر، إلا أنه قال. وأنا من المسلمين- ثم قال: اللهم أنت الملك، لا إله إلا أنت، سبحانك وبحمدك ثم يقرأ". أقول: إن تقييد الاستفتاح بصيغة التوجه في هذه الرواية لأنها في التطوع جعل الحنفية والحنابلة يأخذون بصيغة (سبحانك اللهم وبحمدك) في استفتاح الفريضة، ويرى الحنفية أن باب التطوع أوسع فيما تستفتح به الصلاة. 949 - * روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا

_ 947 - النسائي (2/ 129) 11 - كتاب الافتتاح، 16 - نوع أخر من الدعاء بين التكبير والقراءة وإسناده صحيح. (ونسكي) النسك: العبادة. 948 - النسائي (2/ 131) 11 - كتاب الافتتاح، 17 - نوع آخر من الذكر والدعاء بين التكبير والقراءة، وإسناده صحيح. (حنيفاً) الحنيف: المخلص في عبادته، المائل عن الأديان كلها إلى الإسلام. 949 - أبو داود (1/ 206) كتاب الصلاة، 122 - باب من رأى الاستفتاح بسبحانك. الترمذي (2/ 11) أبواب الصلاة، 179 - باب ما يقول عند افتتاح الصلاة. والحديث حسن.

افتتح الصلاة قال: "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا غله غيرك". 950 - * روى الطبراني في الأوسط عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا كبر رفع يديه حتى يحاذي أذنيه يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك". 951 - * روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب كان يجهر بهؤلاء الكلمات يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك". 952 - * روى مسلم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف رحمه الله قال: "سألت عائشة أم المؤمنين. بأي شيء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته إذا قام من الليل؟ قالت: كان إذا قام من الليل افتتح صلاته قال: "اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم". أقول: الملاحظ أن هذا كان في صلاة الليل وهي تطوع في حق غيره عليه الصلاة والسلام.

_ الحاكم (1/ 235) وصححه، ووافقه الذهبي. (تباركت) تبارك الله: أي: ثبت الخير عنده وأقام. وقيل: تباركت، أي تعاليت وتعاظمت. (تعالى جدك) الجد في حق الإنسان هو: الحظ والسعادة، وهو في حق الله تعالى: عظمته وجلاله، أي: صار جدك عالياً. 950 - مجمع الزوائد (2/ 107). وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله موثقون. 951 - مسلم (1/ 299) 4 - كتاب الصلاة، 13 - باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة. 952 - مسلم (1/ 534) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 26 - باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه. أبو داود (1/ 204) كتاب الصلاة، 121 - باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء. الترمذي (5/ 484) 49 - كتاب الدعوات، 31 - باب ما جاء في الدعاء عند افتتاح الصلاة بالليل. النسائي (3/ 213) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 12 - باب بأي شيء تستفتح صلاة الليل.

953 - * روى أبو داود عن جبير بن مطعم رضي الله عنه "أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة، قال عمرو [بن مرة]: لا أدري أي صلاة هي؟ قال: "الله أكبر كبيراً، الله أكبر كبيراً، الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، والحمد لله كثيراً، والحمد لله كثيراً، ثلاثاً، وسبحان الله بكرة وأصيلا- ثلاثاً- أعوذ بالله من الشيطان: من نفخه، ونفثه وهمزه، قال: نفثه: الشعر، ونفخه: الكبر، وهمزه: الموتة". 954 - * روى ابن خزيمة عن أبي سعيد الخدري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل إلى الصلاة كبر ثلاثاً، ثم قال: "سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، ثم يقول: لا إله إلا الله ثلاث مرات، ثم يقول: الله أكبر ثلاثاً، ثم يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه ثم يقرأ". أقول: إن حديث ابن خزيمة فسر الحديث السابق بأن ذلك من استفتاحه عليه الصلاة والسلام في قيام الليل. 955 - * روى أحمد عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل واستفتح صلاته وكبر قال: "سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك، ثم يقول: لا إله إلا الله ثلاثاً، ثم يقول أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه".

_ 953 - أبو داود (1/ 203) كتاب الصلاة، 121 - باب ما يستفتح به الصلاة الدعاء وللحديث شواهد يرتقي بها إلى درجة الصحة. (نفخه) قد جاء في متن الحديث تفسير هذه الأشياء، فقال: نفخه: الكبر، وذلك لأن المتكبر ينتفخ ويتعاظم ويجمع نفسه ونفسه، فيحتاج إلى أن ينفخ. (ونفثه) وقال: نفثه: الشعر، لأن الشعر مما يخرج من الفم ويلفظ به اللسان، وينفثه كما ينفث الريق. (وهمزه) وقال: وهمزه: الموته، الجنون، لأن المجنون ينخسه الشيطان، والهمز والنخس أخوان. 954 - ابن خزيمة (1/ 238) كتاب الصلاة، 82 - باب إباحة الدعاء بعد التكبيرة وقبل القراءة. وإسناده جيد. 955 - أحمد (3/ 50). مجمع الزوائد (2/ 265) وقال الهيثمي رواه أحمد ورجاله ثقات.

956 - * روى مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "بينما نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ قال رجل من القوم: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من القائل كلمة كذا وكذا؟ " قال رجل من القوم: أنا يا رسول الله، قال: عجبت لها، فتحت لها أبواب السماء، قال ابن عمر: فما تركتهن منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك"، إلا أن النسائي قال في رواية أخرى (1) له: "لقد رأيت ابتدرها اثنا عشر ملكاً". 957 - * روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، إذ جاء رجل وقد حفزه النفس فقال: الله أكبر، الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال: "أيكم المتكلم بالكلمات؟ " فأرم القوم، فقال: "إنه لم يقل بأساً"، فقال رجل: أنا يا رسول الله قلتها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد رأيت اثني عشر ملكاً يبتدرونها، أيهم يرفعها". وزاد أبو داود في بعض رواياته: "وإذا جاء أحدكم فليمش نحوه ما كان يمشي فليصل ما أدرك، وليقض ما سبقه". أقول: قوله عليه الصلاة والسلام: "وليقض ما سبقه" بنى عليه الحنفية أن المسبوق يقضي ما فاته ويترتب على ذلك مثلاً: لو أنه فاتته الركعة الأولى، فإنه يقرأ دعاء الاستفتاح ويتعوذ ويبسمل ويقرأ الفاتحة وشيئاً من القرآن معها، وإذاً فهو يقضي ما فاته بإقامة كل ما يطلب في الفائتة.

_ 956 - مسلم (1/ 420) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 27 - باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة. الترمذي (5/ 575) 49 - كتاب الدعوات، 127 - باب دعاء أم سلمة. (1) النسائي (2/ 125) 11 - كتاب الافتتاح، 8 - القول الذي يفتتح به الصلاة. النسائي في نفس الموضع السابق. 957 - مسلم (1/ 420) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 27 - باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة. أبو داود (1/ 203) كتاب الصلاة، 121 - باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء. النسائي (2/ 125) 11 - كتاب الافتتاح، 8 - القول الذي يفتتح به الصلاة. (حفزه) النفس: أي: تتابع بشدة، كأنه يحفز صاحبه، أي: يدفعه. (فأرم) أرم الرجل: إذا أطرق ساكتاً.

958 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر في الصلاة سكت هنية قبل أن يقرأ، فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة، ما تقول؟ قال: "أقول: اللهم نقني من خطاياي، كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي، بالثلج والماء والبرد". وزاد أبو داود (1) والنسائي (2) في أول الدعاء قال: "أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي، كما باعدت بين المشرق والمغرب" .. والباقي مثله". قال الحافظ في الفتح: واستدل به على جواز الدعاء في الصلاة بما ليس في القرآن، خلافاً للحنفية، ثم هذا الدعاء صدر منه صلى الله عليه وسلم على سبيل المبالغة في إظهار العبودية، وفيه ما كان الصحابة عليه من المحافظة على تتبع أحوال النبي صلى الله عليه وسلم في حركاته وسكناته وإسراره وإعلامه حتى حفظ الله بهم الدين. 959 - * روى الترمذي عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: "سكتتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنكر ذلك عمران بن حصين، قال: حفظنا سكتة، فكتبنا إلى أبي بن كعب بالمدينة، فكتب أبي: أن حفظ سمرة، فقلنا لقتادة: ما هاتان السكتتان؟ قال: إذا دخل في صلاته، وإذا فرغ من القراءة، ثم قال بعد ذلك: وإذا قرأ (ولا الضالين) قال: فكان يعجبه إذا فرغ من القراءة أني سكت حتى يتراد إليه نفسه". 960 - * روى أبو داود، قال سمرة: "حفظت سكتتين في الصلاة، سكتة إذا كبر الإمام حتى يقرأ، وسكتة إذا فرغ من فاتحة الكتاب وسورة عند الركوع، قال: فأنكر ذلك عليه عمران بن حصين، فكتبوا في ذلك على المدينة إلى أبي، فصدق سمرة". وفي

_ 958 - البخاري (2/ 227) 10 - كتاب الأذان، 89 - باب ما يقول بعد التكبير. مسلم (1/ 419) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 27 - باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة. (1) أبو داود (1/ 207) كتاب الصلاة، 123 - باب السكتة عند الافتتاح. (2) النسائي (2/ 129) 11 - كتاب الافتتاح، 15 - باب الدعاء بين التكبيرة والقراءة. 959 - الترمذي (2/ 30، 31) أبواب الصلاة، 76 - باب ما جاء في السكتتين في الصلاة. 960 - أبو داود (1/ 206) كتاب الصلاة، 123 - باب السكتة عند الافتتاح.

رواية (1) "وسكتة إذا فرغ من القراءة" وفي أخرى (2) عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه كان يسكت سكتتين: إذا استفتح، وإذا فرغ من القراءة ... ثم ذكر معناه". قال محقق شرح السنة (2/ 42) وفيه عنعنة الحسن ومع ذلك حسنه الترمذي وقال الشيخ شاكر (2/ 31) وهو حديث صحيح رواته ثقات وإنما حسنه الترمذي للخلاف في سماع الحسن من سمرة وقد سبق أن تكلمنا في ذلك وأثبتنا سماعه منه في شرح الحديث (182) والترمذي صحح أحاديث الحسن عن سمرة في كثير من المواضع. ا. هـ أقول: لا يكفي ثبوت السماع لكن ينبغي انتفاء التدليس. أقول: قوله في النص (حتى يتراد إليه نفسه) دليل على أن السكتة كانت خفيفة عادية، وأما السكتة الأولى فهي لقراءة دعاء الثناء والاستفتاح. قال في إعلاء السنن (4/ 108): وأما وجوب القراءة عند سكتات الإمام فلم يثبت بدليل صحيح مرفوع ... وقال في (حجة الله البالغة): الحديث الذي رواه أصحاب السنن ليس بصريح في الإسكاتة التي يفعلها الإمام لقراءة المأموم فإما أنها للتلفظ بآمين أو للتمييز بين الفاتحة وآمين أو سكتة لطيفة ليرد إلى القارئ نفسه واستغراب القرن الأول إياها يدل على أنها ليست سنة مستقرة ولا مما عمل به الجمهور ا. هـ ملخصاً. 961 - * روى ابن خزيمة عن فضالة بن عبيد الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي لم يحمد الله ولم يمجده، ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم وانصرف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عجل هذا". فدعاه وقال له ولغيره: "إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه والثناء عليه وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بما شاء".

_ (1) في نفس الموضع السابق. (2) أبو داود (1/ 207) في نفس الموضع السابق. 961 - أحمد (6/ 18). أبو داود (2/ 77) كتاب الصلاة، باب الدعاء. الحاكم (1/ 230) كتاب الصلاة. ابن خزيمة (1/ 351) كتاب الصلاة، 219 - باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد. وإسناده صحيح.

أقول: الملاحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمر بإعادة الصلاة مما يدل على سنية ما تركه وهذا يوافق مذهب القائلين بسنية هذه الأمور، ومن خالف في ذلك وجه النص توجيهات أخرى.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد - رأينا أن هناك صيغاً كثيرة في دعاء الاستفتاح والثناء، واستحب بعضهم الجمع بين جميع ذلك للمنفرد ولإمام قوم محصورين راضين بالتطويل، والأصل عند المالكية أن يبدأ المصلي بقراءة القرآن بعد التكبير مباشرة، وقال الجمهور بسنية دعاء الاستفتاح بعد التحريمة في الركعة الأولى، والمختار منها عند الحنفية والحنابلة صيغة (سبحانك اللهم وبحمدك ...) والمختار عند الشافعية صيغة (وجهت وجهي ... وأنا من المسلمين) وأجاز الإمام أحمد الاستفتاح بغير سبحانك اللهم مما فيه تمجيد، وأجاز الحنفية في النافلة الجمع بين الثناء والتوجه، لكن في صلاة الجنازة يقتصر على الثناء فقط، والشافعية توسعوا في سنية الجمع بين ما ورد. وإذا شرع الإمام في القراءة الجهرية أو غيرها، لم يكن للمقتدي عند الحنابلة والحنفية على المعتمد أن يقرأ الثناء. - قال المالكية: يكره التعوذ والبسملة قبل الفاتحة والسورة، وقال الحنفية: يتعوذ في الركعة الأولى فقط الإمام والمأموم والمنفرد، والمنفرد والإمام يتعوذان ويبسملان سراً في الركعة الأولى ويبسملان سراً في بقية الركعات، وقال الشافعية والحنابلة: يسن التعوذ سراً في أول كل ركعة قبل القراءة، ويجهر في الصلاة الجهرية عند الشافعية بالبسملة ولا يجهر بها عند غيرهم. والأمر بالنسبة للتعوذ واسع لأن الخلاف في السنية، وأما الخلاف في البسملة فالأمر فيه أضيق، لأن الذين يرون أن البسملة جزء من الفاتحة كالشافعية يبطلون الصلاة بتركها لفرضية قراءة الفاتحة عندهم على الإمام والمأموم والمنفرد.

الفصل الخامس في: القراءة

الفصل الخامس في: القراءة عرض إجمالي أصل القراءة ركن عند جميع الفقهاء لكنهم يختلفون في بعض التفصيلات فالركن عند الحنفية: هو قراءة آية من القرآن بمقدار ستة أحرف عند أبي حنيفة وثلاث آيات قصار أو آية طويلة بمقدار ثلاث آيات قصار عند الصاحبين للإمام والمنفرد، أما المأموم فلا يقرأ شيئاً من القرآن، وقراءة الفاتحة وثلاث آيات قصار أو ما يعادلها في الركعتين الأوليين من الفرض، وفي كل ركعات الوتر والنفل واجب. وتكره القراءة للمأموم وراء الإمام، وقراءة الفاتحة فيما سوى الركعتين الأوليين من الفرض سنة لغير المأموم، فالإمام والمنفرد إن شاء قرأ بها وإلا سبحا بمقدارها على قول، ولو قرأ زيادة على الفاتحة لا حرج، وليست البسملة آية من الفاتحة ولا من غيرها من السور، لكن يقرأ المنفرد والإمام البسملة مع الفاتحة في كل ركعة سراً، ويسر الإمام والمأموم والمنفرد بالتأمين عندهم. وقال الشافعية: تتعين قراءة الفاتحة في كل ركعة للإمام والمأموم والمنفرد سواء كانت الصلاة سرية أو جهرية، فرضاً أو نفلاً، والبسملة عندهم آية من الفاتحة، وتشديدات الفاتحة الأربع عشرة شدة، لو خفف واحدة منها ولم يستدركها بطلت صلاته، وعند المالكية والحنابلة: لا يقرأ المأموم شيئاً وراء الإمام فيما يجهر به الإمام. وأما قراءة سورة بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين، فعند الجمهور أنها سنة وعند الحنفية واجب كما ذكرنا. وإن جهل إنسان الفاتحة أو عجز عنها أتى بقدرها من ذكر ودعاء، فإن لم يحسن شيئاً قرآناً وذكراً وقف بقدر قراءة الفاتحة، ويسن عند الحنابلة والشافعية أن يجهر الإمام والمأموم بالتأمين فيما يجهر فيه بالقراءة، ويخفيا فيما يخفي فيه القراءة. وقد أجمع الفقهاء على أنه لا تجزيء القراءة بغير العربية، لكن أجاز أبو حنيفة لعاجز

عن القراءة بالعربية أن يقرأ الفاتحة بغير العربية. قال الحنابلة: إن ترك المصلي التأمين نسياناً أو عمداً حين شرع في قراءة السورة، لم يأت به لأنه سنة فات محلها، وقال العلماء يؤمن المأموم مع تأمين إمامه. يرى الشافعية: أن يسكت الإمام في الصلاة الجهرية بعد التأمين بقدر ما يقرأ المأموم الفاتحة ويسن للإمام أن يشتغل أثناء السكتة بدعاء أو قراءة سراً، والقراءة أولى، فالمراد بالسكوت عدم الجهر. ويطول الإمام بالركعة الأولى أكثر من الثانية ليدرك الصلاة من أولها أكبر قدر من الناس. قال الحنفية: ولا بأس أن يقرأ سورة ويعيدها في الثانية، ومن أي مكان من القرآن قرأ أجزأه، ويجب أن يقرأ على ترتيب القرآن، وإذا قرأ سورة، فالمستحب أن يقرأ التي بعدها أو يفصل بينها وبين ما يقرأ في الثانية بأكثر من سورة، ولا يكره عدم الترتيب، ولا عدم الفصل في النفل. وقد اتفق الفقهاء على أنه يجهر في الصبح وأوليي المغرب والعشاء والجمعة والعيدين، ووتر رمضان ويسر الإمام والمنفرد عند الحنفية في صلاة الكسوف والاستسقاء، وأما النوافل الليلية فهو مخير فيها وكذلك يخير المنفرد بين الجهر والإسرار في الصلاة الجهرية أداءً أو قضاءً، وفي وقتها أو غير وقتها، إلا أن الجهر أفضل في الجهرية ليلاً، أما الصلاة السرية كالظهر والعصر فيجب على المنفرد والإمام أن يسرا بها، وحيث ما سن الجهر عند الشافعية فإن المرأة تجهر دون جهر الرجل إن لم تكن بحضرة أجانب. ويراعي الإمام حال المأمومين فإذا كان الإمام يصلي بجماعة معروفين يرضون بالتطويل، صلى في الفجر بطوال المفصل أو ما يعادلها، وصلى عند الحنابلة في الظهر بأوساط المفصل، وعند الجمهور يصلي في العصر والعشاء بأوساط المفصل، وفي المغرب بقصار المفصل، وقال المالكية يصلي بالعصر بقصار المفصل كذلك. وطوال المفصل عند الحنفية من سورة الحجرات إلى آخر البروج. وأوساط المفصل من الطارق إلى أول البينة، وقصار المفصل من البينة إلى آخر القرآن الكريم.

- حكم الإسرار بالبسملة

وأقل الجهر عند المالكية أن يسمع من يليه، وأقل سره حركة اللسان، أما المرأة فجهرها إسماع نفسها، وقال الشافعية والحنابلة: أقل الجهر أن يسمع من يليه ولو واحداً وأقل السر أن يسمع نفسه، وقال الحنفية أقل الجهر إسماع غيره مما ليس بقربه كأهل الصف الأول فلو سمع واحد أو اثنان لا يجزئه، وأقل المخافتة إسماع نفسه أو من يقربه من رجل أو رجلين. انظر (الدر المختار 1/ 300)، (الشرح الصغير 1/ 309)، (المغني 1/ 476 و 1/ 562)، (الفقه الإسلامي 1/ 645 وبعدها) وإلى نصوص هذا الفصل: - حكم الإسرار بالبسملة: 962 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، فلم أسمع أحداً منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم. وفي رواية (1): أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين. ولمسلم (2): أن عمر بن الخطاب كان يجهر بهؤلاء الكلمات، يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك. قال: وقال الأوزاعي عن قتادة: أنه كتب إليه يخبره عن أنس بن مالك أنه حدثه: أنه قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، لا يذكرون: بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها. وفي رواية للنسائي (3)، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يسمعنا: بسم الله الرحمن الرحيم".

_ 962 - أورد ابن حجر هذا الحديث في الهامش عند البخاري (2/ 288) 10 - كتاب الأذان، 89 - باب ما يقول بعد التكبيرة. مسلم (1/ 299) 4 - كتاب الصلاة، 13 - باب من قال لا يجهر بالبسملة. ابن خزيمة (1/ 249) كتاب الصلاة، 98 - باب ذكر خبر غلط في الاحتجاج به. (1) البخاري (2/ 226) 10 - كتاب الأذان، 89 - باب ما يقول بعد التكبير. مسلم (1/ 299) 4 - كتاب الصلاة، 13 - باب حجة من قال لا تجهر بالبسملة. ابن خزيمة (1/ 248) كتاب الصلاة، 96 - باب افتتاح القراءة بالحمد لله رب العالمين. (2) مسلم (1/ 299) 4 - كتاب الصلاة، 13 - باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة. (3) النسائي (2/ 134) 11 - كتاب الافتتاح، 22 - ترك الجهر بسم الله الرحمن الرحيم.

أقول: عدم قراءة البسملة في النص يراد به عدم الجهر بها، وقد حمله المالكية على ظاهره، لذلك كرهوا أن يقرأ المصلي التعوذ والبسملة، والنصوص الأخرى لا تؤيدهم فيما ذهبوا إليه. والسنة عند الحنفية والحنابلة الإسرار بالبسملة قبل الفاتحة، والسنة عند الشافعية الجهر بها في الجهرية والإسرار بها في السرية. 963 - * روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين، وكان يختمها بالتسليم. 964 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نهض في الركعة الثانية: استفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين، ولم يسكت". وذهب قوم إلى أنه يجهر بالتسمية للفاتحة والسورة جميعاً ومن قال بالجهر بالبسملة قال بذلك لكونها من القرآن واستدل بما يلي: 965 - * روى مسلم عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنزلت علي آنفاً سورة، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم: (إنا أعطيناك الكوثر) حتى ختمها. قال: هل تدرون ما الكوثر؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "فإنه نهر وعدنيه ربي في الجنة". قال البغوي: ذهب أكثر أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم إلى ترك الجهر بالتسمية بل يسر بها. 966 - * روى أحمد عن ابن عبد الله بن مغفل قال: سمعني أبي وأنا أقول: بسم الله

_ 963 - مسلم (1/ 357) 4 - كتاب الصلاة، 46 - باب ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به ويختم به. أبو داود (1/ 208) كتاب الصلاة، باب من لم ير الجهر بسم الله الرحمن الرحيم. 964 - مسلم (1/ 419) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 27 - باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة. 965 - مسلم (1/ 300) 4 - كتاب الصلاة، 14 - باب حجة من قال: البسملة آية من أول كل سورة. أبو داود (1/ 208) كتاب الصلاة، 124 - من لم ير الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم. 966 - أحمد (4/ 85).

- قراءة الفاتحة في الصلاة

الرحمن الرحيم، فقال: أي بني إياك والحدث، قد صليت مع النبي؛ ومع أبي بكر، ومع عمر، ومع عثمان، فلم أسمع أحداً منهم يقولها، فلا تقلها إذا أنت صليت، فقل: الحمد لله رب العالمين. وأول الشافعي حديث أنس: كانوا يستفتحون الصلاة بـ (الحمد لله رب العالمين) معناه: أنهم كانوا يبدؤون بقراءة فاتحة الكتاب قبل السورة، ليس معناه أنهم كانوا لا يقرؤون بسم الله الرحمن الرحيم. شرح السنة (3/ 55). قال الإمام الزيلعي في (نصب الراية 1/ 327): والمذاهب في كون البسملة من القرآن ثلاثة: طرفان، ووسط، فالطرف الأول قول من يقول: إنها ليست من القرآن إلا في سورة النمل، كما قاله مالك وطائفة من الحنفية، وقاله بعض أصحاب أحمد مدعياً أنه مذهبه أو ناقلاً لذلك رواية عنه، والطرف الثاني المقابل له قول من يقول: إنها آية من كل سورة، أو بعض آية، كما هو المشهور عن الشافعي ومن وافقه، فقد نقل عن الشافعي أنها ليست من أوائل السور غير الفاتحة، وإنما يستفتح بها في السور تبركاً بها، والقول الوسط: أنها من القرآن حيث كتبت وأنها مع ذلك ليست من السور بل كتبت آية في كل سورة، وكذلك تتلى آية مفردة في أول كل سورة، كما تلاها النبي صلى الله عليه وسلم حين أنزلت عليه (إنا أعطيناك الكوثر) وهذا قول ابن المبارك، وداود، وأتباعه، وهو المنصوص عن أحمد، وبه قال جماعة من الحنفية، وذكر أبو بكر الرازي أنه مقتضى مذهب أبي حنيفة، وهذا قول المحققين من أهل العلم، فإن في هذا القول الجمع بين الأدلة، وكتابتها سطراً مفصلاً عن السورة يؤيد ذلك، وانظر (بداية المجتهد 1/ 124). - قراءة الفاتحة في الصلاة: 967 - * روى الجماعة عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

_ الترمذي (2/ 12، 13) أبواب الصلاة، 18 - باب ما جاء في ترك بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" والزيلعي في "نصب الراية" 1/ 333. 967 - البخاري (2/ 236، 237) 10 - كتاب الأذان، 95 - باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها. مسلم (1/ 295) 4 - كتاب الصلاة، 11 - باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة.

"لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"، وزاد أبو داود: "فصاعداً" قال: وقال سفيان: "لمن يصلي وحده" وزاد النسائي أيضاً في رواية له: "فصاعداً". أقول: حمل الحنفية هذا النص على أن المراد لا صلاة كاملة إلا بفاتحة الكتاب، بدليل النص الذي يذكر كلمة الخداج فيمن لم يقرأ سورة الفاتحة، ولذلك اعتبروا قراءتها واجبة على الإمام والمنفرد حيث أوجبوا قراءتها، أما المأموم فلا يقرأ عندهم شيئاً ما دام وراء الإمام، وأسقطوا قراءتها على من كان مقيماً وصلى وراء مسافر، فإذا أتم المقيم صلاته بعد انتهاء صلاة المسافر المقصورة، فإنه لا يقرأ الفاتحة. 968 - * روى مالك عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج، يقولها ثلاثاً"- وفي رواية (1): فهي خداج، ثلاثاً، غير تمام- فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام؟ فقال: اقرأ بها في نفسك: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله عز وجل: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل"- وفي رواية (2):

_ أبو داود (1/ 217) كتاب الصلاة، باب من ترك القراءة في صلاته [بفاتحة الكتاب]. الترمذي (2/ 25) أبواب الصلاة، 183 - باب ما جاء أنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب. النسائي (2/ 137، 138) 11 - كتاب الافتتاح، 124 - إيجاب قراءة فاتحة الكتاب في الصلاة. ابن ماجه (1/ 273) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 11 - باب القراءة خلف الإمام. (فصاعداً): أي فما زاد عليها، وهو منصوب على الحال. 968 - الموطأ (1/ 84) 3 - كتاب الصلاة، 9 - باب القراءة خلف الإمام فيما لا يجهر فيه بالقراءة. مسلم (1/ 297) 4 - كتاب الصلاة، 11 - باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة. الترمذي (5/ 201) 48 - كتاب تفسير القرآن، 2 - باب (من سورة فاتحة الكتاب). النسائي (2/ 136) 11 - كتاب الافتتاح، 23 - ترك قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في فاتحة الكتاب. (1) مسلم (1/ 296) 4 - كتاب الصلاة، 11 - باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة. (2) مسلم (1/ 297) في نفس الموضع السابق. (أم القرآن): سورة الفاتحة، سميت بذلك لأنها أوله وعليها مبناه وأم الشيء: أصله ومعظمه. (خداج) الخداج: النقص، وتقديره: فهي ذات خداج، فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه، أو فهي مخدجة، فوضع المصدر المفعول. (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي) أراد بالصلاة ها هنا: القراءة، بدليل أنه فسرها في الحديث بها، وقد تسمى الصلاة قراءة لوقوع القراءة فيها وكونها جزءاً من أجزائها، كما سميت بها في قوله: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) [الإسراء: 110] أراد: القراءة، كما سمى الصلاة قرآناً، قال تعالى: (وقرآن الفجر، إن قرآن

"فنصفها لي، ونصفها لعبدي- فإذا قال العبد: (الحمد لله رب العالمين) قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: (الرحمن الرحيم) قال الله: أثنى علي عبدي، وإذا قال: (مالك يوم الدين) قال: مجدني عبدي"- وقال مرة: "فوض إلي عبدي- وإذا قال: (إياك نعبد وإياك نستعين) قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين) قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل". وفي رواية الترمذي (1) وأبي داود (2)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج، فهي خداج، فهي خداج"، غير تمام، قال أبو السائب- مولى هشام بن زهرة- قلت: يا أبا هريرة، إني أحياناً أكون وراء الإمام؟ قال: فغمز ذراعي، ثم قال: اقرأ بها في نفسك يا فارسي ... وساق نحو ما تقدم، وقال في آخرها: "هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل". وفي أخرى لأبي داود (3)، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اخرج فناد في المدينة: إنه لا صلاة إلا بقرآن، ولو بفاتحة الكتاب فما زاد". وفي رواية للترمذي (4) ولأبي داود (5): "أمرني أن أنادي: لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب"

_ الفجر كان مشهوداً) [الإسراء: 78] أراد صلاة الفجر، لانتظام أحدهما بالآخر. والصلاة خالصة لله تعالى، لا شرك فيها لأحد، وحقيقة هذه القسمة التي جعلها بينه وبين عبده: راجعة إلى المعنى، لا إلى متلو اللفظ، لأن السورة من جهة اللفظ نصفها ثناء، ونصفها مسألة ودعاء، وقسم الثناء انتهى عند قوله: (إياك نعبد)، وقوله (وإياك نستعين) من قسم الدعاء. ولذلك قال: "وهذه بيني وبين عبدي" ولو كان المراد: قسمة الألفاظ والحروف، لكان النصف الآخر يزيد على الأول زيادة بينة، فيرتفع معنى التعديل والنصيف، فعلم أنما هو قسمة المعاني. (مجدني) المجيد: الكريم والشريف، والتمجيد: التعظيم والتشريف. (فوض) يقال: فوض فلان أمره إلى فلان: إذا رده إليه، وعول فيه عليه. (1) الترمذي (2/ 121) أبواب الصلاة، 233 - باب ما جاء في ترك القراءة خلف الإمام. (2) أبو داود (1/ 216) كتاب الصلاة، باب من ترك القراءة في صلاته [بفاتحة الكتاب]. (3) أبو داود في نفس الموضع السابق. (4) الترمذي (2/ 121، 122) أبواب الصلاة، 233 - باب ما جاء في ترك القراءة خلف الإمام. (5) أبو داود (1/ 216) كتاب الصلاة، باب من ترك القراءة في صلاته [بفاتحة الكتاب].

- القراءة خلف الإمام

زاد أبو داود: "فما زاد". أقول: سؤال السامع لأبي هريرة: (إنا نكون وراء الإمام) دليل على أنه كان مشهوراً عندهم أن الصلاة وراء الإمام لا قراءة فيها، ثم إن قول أبي هريرة: (اقرأ بها في نفسك) دليل عند الحنفية على عدم القراءة وراء الإمام لأن القراءة في النفس تعني القراءة في القلب ولا تعتبر هذه قراءة عندهم. 969 - * روى أبو داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب، وما تيسر". أقول: قال الحنفية إن قراءة الفاتحة وسورة قصيرة أو ما يعادلها في الركعتين الأوليين من الفريضة واجبان وعلى هذا حملوا مثل هذا النص، قراءة الفاتحة وشيء معها واجب عندهم في كل ركعات النفل. واستدل بهذا الحديث على أن البسملة ليست جزءاً من الفاتحة. - القراءة خلف الإمام: 970 - * روى أحمد عن عبادة بن الصامت قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح، فثقلت عليه القراءة، فلما انصرف قال: "إني أراكم تقرؤون وراء إمامكم"! قال: قلنا: يا رسول الله إي والله، قال: "لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها". أقول: استدل بهذا الحديث على وجوب القراءة على المأموم في السرية والجهرية ولم يأخذ به من قال بعدم القراءة في الجهرية للآية: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم

_ 969 - أبو داود (1/ 216) كتاب الصلاة، 136 باب من ترك القراءة في صلاته [بفاتحة الكتاب] وإسناده صحيح. 970 - أحمد (5/ 316). أبو داود (1/ 217) كتاب الصلاة، باب من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب. الترمذي (2/ 116) أبواب الصلاة، باب ما جاء في القراءة خلف الإمام. ابن حبان (3/ 137) ذكر الخبر المصرح بأن الغرض على المأمومين قراءة فاتحة الكتاب. الحاكم (1/ 238، 239).

ترحمون) (1) وبآثار عديدة تنهى عن القراءة خلف الإمام فحملها المالكية والحنابلة فيما جهر به وجعلها الحنفية عامة، وقد ناقش صاحب إعلاء السنن في صحة هذا الحديث من الناحية الحديثية والفقهية ومما قاله: الحديث مضطرب الإسناد رواه الأوزاعي عن مكحول عن عبد الله بن عمرو ... وفي التمهيد خولف فيه ابن إسحق فرواه الأوزاعي عن مكحول عن رجاء بن حيوة عن عبد الله بن عمرو. ورواه الطحاوي في أحكام القرآن من حديث رجاء عن محمود فأوقفه على عبادة. وقال: ورواه مكحول مرة عن عبادة بن الصامت مرسلاً وأخرى عن نافع بن محمود عن عبادة، وتارة عن محمود عن أبي نعيم أنه سمع عبادة ... ولا يدري أبو نعيم، وقال مكحول مرة عن نافع عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت. ثم قال: والصحيح من حديث محمود هو طريق الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت مرفوعاً (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) بدون هذه القصة. أخرجه البخاري. إلى آخر هذه المناقشة (انظرها 4/ 101 - 107). ثم أجاب عن حديث عبادة على طريقة الفقهاء فكان مما قاله: إنه لا يدل على الوجوب بل على الإباحة فحسب، لأن الاستثناء من الحظر يفيد الإباحة والإطلاق، ثم أورد آثاراً تؤيد هذا. وقال بعد ذلك: لو سلم دلالته على الوجوب فإنه يدل على وجوب القراءة على المأمومين وإن جهر بها الإمام، وكذلك يدل على أنه لا بأس بقراءتهم مع قراءة الإمام ولا بمنازعة القرآن إياه فيعارض قول الله تعالى: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) وما أخرجه مسلم وغيره من حديث (إذا قرأ فأنصتوا) وما رواه أبو هريرة من حديث النبي عن

_ (1) الأعراف: 204.

المنازعة فعند التعارض يرجح النص وما هو أصح في الباب من الأخبار اهـ. ملخصاً. أقول: وقوله النص: هو اللفظ الواضح الدلالة على المعنى الذي سيق الكلام من أجله ويحتمل التخصيص والتأويل والنسخ في عهد الرسالة وهو يرجح على الظاهر، والظاهر: هو كل لفظ أو كلام ظهر المعنى المراد به للسامع بصيغته من غير توقف على قرينة خارجية أو تأمل سواء أكان مسوقاً للمعنى المراد منه أم لا. واستدل أيضاً من قال: لا يقرأ في الجهرية ويقرأ في السرية بما. 971 - * روى مالك عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة، فقال: "هل قرأ معي أحد منكم آنفاً"؟ فقال رجل: نعم يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني أقول: ما لي أنازع القرآن"؟ قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقراءة من الصلاة حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال البغوي (2/ 85): وذهب إلى أنه لا يقرأ أحد خلف الإمام سواء أسر الإمام أو جهر، يروى ذلك عن زيد بن ثابت وجابر. ويروى عن ابن عمر: إذا صلى أحدكم خلف الإمام فحسبه قراءة الإمام وبه قال سفيان الثوري، وأصحاب الرأي، واحتجوا بحديث أبي هريرة (ما لي أنازع القرآن) اهـ. (شرح السنة 3/ 82) وتحقيقات الشيخ شعيب عليه. (1) أخرجه الطحاوي في (معاني الآثار 1/ 129) من حديث عبيد الله بن مقسم أنه سأل عبد الله بن عمر، وزيد بن ثابت، وجابر بن عبد الله، فقالوا: (لا تقرؤوا خلف الإمام في شيء من الصلوات) وإسناده صحيح.

_ 971 - الموطأ (1/ 86) 3 - كتاب الصلاة، 10 - باب ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر فيه وإسناده صحيح. أحمد (2/ 301). أبو داود (1/ 218) كتاب الصلاة، 136 - باب من كره القراءة بفاتحة الكتاب إذا جهر الإمام. الترمذي (2/ 118) أبواب الصلاة، 233 - باب ما جاء في ترك القراءة خلف الإمام إذا جهر الإمام بالقراءة. النسائي (2/ 140) 11 - كتاب الافتتاح، 28 - ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر به. ابن حبان (3/ 159) كتاب الصلاة، باب ذكر الزجر عن رفع الصوت بالقراءة للمأموم.

(2) رواه مالك في (الموطأ) 1/ 86 في الصلاة: باب ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر به، وإسناده صحيح، وروى ابن أبي شيبة، وأحمد 3/ 339، والدارقطني ص 123، والطحاوي 1/ 128 من عدة طرق عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة". وهو حديث حسن بطرقه وشواهده، انظر (نصب الراية) 2/ 7، 12، و (إمام الكلام فيما يتعلق بالقراءة خلف الإمام) للكنوي. اهـ شعيب. ولما كان بعض الناس يحملون على الحنفية ويرمونهم بما ليس فيهم أنقل لك مجملاً موجزاً لأدلتهم في عدم القراءة وراء الإمام: استدل الحنفية بالكتاب والسنة والقياس، أما الكتاب فقوله تعالى: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) أخرج البيهقي عن الإمام أحمد قال: أجمع الناس على أن هذه الآية في الصلاة. وأخرج عن مجاهد كان صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة فسمع قراءة فتى من الأنصار فنزل: (وإذا قرئ القرآن الآية). وعلى فرض أن الآية لم تنزل في الصلاة فالعبرة كما قرر الأصوليون بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. والآية تطلب من المكلفين استماعاً هو خاص بالجهرية وإنصاتاً وهو يعم السرية والجهرية فيجب على المخاطبين أن يستمعوا فيما يجهر به وأن ينصتوا فيما يسر به وكان مقتضى ذلك أن يكون الاستماع فرضاً تركه حرام. لكن العمومات القاضية بطلب القراءة من كل مصلٍ جعلت دلالة الآية ظنية مقيدة للوجوب الذي يوجب مخالفته كراهة التحريم. أما السنة، فمنها، ما رواه أبو حنيفة عن عبد الله بن شداد عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال. من صلى خلف إمام فإن قراءة الإمام له قراءة. وهذا عام كما ترى فيشمل الجهرية والسرية. ويؤيده ما جاء في إحدى رواياته أن رجلاً قرأ خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ذلك في الظهر أو العصر. فجعل رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينهاه عن القراءة في الصلاة، فلما انصرف أقبل عليه الرجل وقال: أتنهاني عن القراءة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتنازعا حتى ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم: "من صلى خلف إمام الحديث"، فهذه

القصة تدل على منع القراءة لأن جواب النبي صلى الله عليه وسلم فيها خرج تقرير النهي للصحابي عن القراءة في الصلاة وقد كانت الصلاة سرية، وإذا تقرر النهي في السرية فمن باب أولى يتقرر في الجهرية وهذا الحديث قد رفعه عدد من المحدثين بطرق صحيحة ورواه أحمد عن جابر بإسناد قال فيه: إسناد صحيح متصل رجاله كلهم ثقات، ومنها ما روي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا". صححه مسلم. ومنها ما روي عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر فجعل رجل يقرأ خلفه سبح اسم ربك الأعلى فلما انصرف قال: "أيكم قرأ أو أيكم القارئ" فقال الرجل: أنا، فقال: "لقد ظننت أن بعضكم خالجنيها"، متفق عليه، ومعنى خالجنيها نازعنيها، وهذا الكلام يدل على إنكار القراءة وإذا أنكرت في الظهر وهي صلاة سرية ففي الجهرية أولى. هذا، وقد وردت آثار عن كثير من الصحابة وكلها صريحة في المنع عن القراءة فعن علي: ليس على الفطرة من قرأ خلف الإمام، وعن ابن مسعود- وقد سئل عن القراءة خلف الإمام- أنه قال: أنصت فإن في الصلاة شغلاً ويكفيك الإمام، وعنه: أن من قرأ خلف الإمام ملئ فوه تراباً وعن سعد بن أبي وقاص: وددت الذي يقرأ خلف الإمام في فيه جمرة. وأما القياس فقالوا: لو وجبت على المأموم لما سقطت عن المسبوق كسائر الأركان فقاسوا قراءة المؤتم. على قراءة المسبوق في حكم السقوط فتكون غير مشروعة والاشتغال بغير المشروع مكروه. (انظر مقارنة المذاهب في الفقه ص 25 - 26 للسارس) هذا، وقد أطال وأجاد وأفاد الإمام ظفر التهانوي في إعلاء السنن في بيان أدلة الحنفية في هذه المسألة فبلغ عشرات الصفحات، ثم قال (4/ 89 - 93): وبعد ذلك كله فاعلم أن قول أصحابنا بكفاية قراءة الإمام، وعدم افتراض القراءة،

ووجوبها على المأموم خلفه في غاية القوة. وكذا قولهم بكراهة القراءة أو حرمتها مع قراءة الإمام في الجهرية بحيث يخل بالاستماع، ووجوب السكوت عنه ذلك في غاية الوثاقة. ولذا تراهم لم يختلفوا في ذلك بل اتفقوا على ذلك بأسرهم، وأما قولهم بكراهة مطلق القراءة أو حرمتها في الجهرية ولو في حالة السكتات، وكذا بكراهة القراءة في السرية، فإنه وإن كان عندهم عليه دليل كما عرضنا عليك فيما سبق بالتفصيل ولكن لا يخلو الاحتجاج به عن قال وقيل، ولذلك اختلف أقوال أصحابنا في القراءة خلف الإمام في السكتات في الجهرية وفي السرية مطلقاً. قال في إمام الكلام (ص: 30) وفي المفيد والمزيد: لو قرأ خلف الإمام للاحتياط فإن كان في صلاة الجهر يكره إجماعاً، وفي المخافة قيل: لا يكره، والأصح أنه يكره، وكذا في الذخيرة، لكن نقل عن جدي شيخ الإسلام إمام أئمة الأعلام في العالم محي مراسم الدين بين الأمم الماحي بسطوته سياط البدع وآثار الظلم السعيد الشهيد نظام الملة والدين عبد الرحيم المشهور بين الأنام بشيخ التسليم وهو مجتهد في مذهب أبي حنيفة باتفاق علماء ما وراء النهر، وخراسان أنه كان يقول: يستحب للاحتياط فيما يروى عن محمد ويقول: لو كان في فمي جمرة يوم القيامة أحب إلي من أن يقال: (لا صلاة لك) انتهى ملخصاً اهـ. وفيه (ص: 31) وفي شرح النقاية للبرجندي عن الإمام أبي حفص الكبير أنه لا يكره قراءة المؤتم في صلاة لا يجهر فيها، وقيل: على قول محمد لا يكره، وعلى قولهما يكره، وهو الأصح اهـ. وفيه (ص: 32) ناقلاً عن الهداية: ويستحسن على سبيل الاحتياط فيما يروى عن محمد، ويكره عندهما لما فيه الوعيد انتهى. وقال في غيث الغمام: وذكر الشعراني أن هذه الرواية (أي استحسان القراءة في السرية) هي التي رجع إليه محمد وأبو حنيفة حيث قال: لأبي حنيفة ومحمد قولان، أحدهما عدم وجوبها على المأموم، بل ولا تسن، وهذا قولهما القديم، وأدخله محمد في تصانيفه القديمة، وانتشرت النسخ إلى الأطراف. وثانيها استحسانها على سبيل الاحتياط وعدم كراهتها عند المخالفة للحديث المرفوع (لا تفعلوا إلا بأم القرآن) إلى أن قال: فرجعا من قولهما الأول إلى الثاني احتياطاً. انتهى. لكن كتب الحنفية أكثرها خالية عن ذكر الرجوع ولو ثبت ذلك كان قاطعاً للنزاع اهـ

- ما يجزئ الأمي والأعجمي من القراءة

مخلصاً (ص: 156). ثم قال صاحب الإعلاء: ولم أظفر بهذا الكلام في كتب العلامة الشعراني من الميزان، وكشف الغمة ورحمة الأمة، فلعله في كتب غيرها والله أعلم. وظني أن أقوى المسالك في المسئلة هو ما روي عن محمد، واختاره بعض المشائخ الأعلام وهو وإن كان ضعيفاً رواية، فهو قوي دراية، وبه تجتمع الآثار المروية كلها في هذا الباب، ولما جوز محمد القراءة في السرية، فأرجو، أن تجوز عنده في الجهرية أيضاً في حالة السكتات إذا وجدها المأموم، لعدم الفرق بينهما. اهـ. - ما يجزئ الأمي والأعجمي من القراءة: 972 - * روى أبو داود عن جابر بن عبد الله قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقرأ القرآن، وفينا الأعرابي والأعجمي، فقال: "اقرؤوا فكل حسن، وسيجئ أقوام يقيمونه كما يقام القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه". 973 - * روى أبو داود عن عبد الله بن أبي أوفى قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئاً، فعلمني ما يجزئني، قال: "قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله" قال: يا رسول الله هذا لله، فما لي؟ قال: "قل: اللهم الرحمني، وعافني، واهدني، وارزقني" فلما قام قال هكذا بيده، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما هذا فقد ملأ يديه من الخير".

_ 972 - أبو داود (1/ 220) كتاب الصلاة، 138 - باب ما يجزئ الأمي والأعجمي من القراءة. قال الشيخ شعيب 3/ 88 من شرح السنة: إسناده حسن. (يتعجلونه ولا يتأجلونه) أي: يتعجلون أجره في الدنيا، ويطلبون على قراءتهم الأعراض الدنيوية، ولا يؤخرونه إلى الجزاء والثواب الذي يكون لهم في الدار الآخرة، فيتخذون القرآن مورد رزق مع أنه أنزل للتعبد بتلاوته والعمل بأحكامه، والاعتبار بعظاته. 973 - أبو داود (1/ 220) كتاب الصلاة، 138 - باب ما يجزئ الأمي والأعجمي من القراءة. النسائي (2/ 143) 11 - كتاب الافتتاح، 32 - باب ما يجزئ من القراءة لمن لا يحسن القرآن. ابن حبان (3/ 148) باب ذكر الأمر بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير. الحاكم (1/ 241) كتاب الصلاة، ووافقه الذهبي.

قال البغوي: الواجب في الصلاة قراءة الفاتحة، فإن لم يحسنها ويحسن غيرها من القرآن فعليه أن يقرأ سبع آيات من غيرها، فإن لم يحسن من القرآن شيئاً، فعليه أن يأتي ببدلها من التسبيح والتحميد كما أمر به صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم. (شرح السنة 3/ 89).

القراءة في صلاة الفجر

- كما يقرأ في الصلوات وماذا يقرأ؟: القراءة في صلاة الفجر: 974 - * روى الشيخان عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الغداة ما بين الستين إلى المائة". 975 - * روى مسلم عن عمرو بن حريث رضي الله عنه قال: "كأني الآن أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الغداة: (فلا أقسم بالخنس، الجوار الكنس) (1). وفي رواية (2) النسائي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقرأ في الفجر: (إذا الشمس كورت). أقول: ما زاد على الفاتحة والثلاث آيات قصيرة بعدها يتحقق به شيء من السنة عند الحنفية والإمام يراعي حال المأمومين كما ذكرنا، وهذا النص ونصوص أخرى حول ما كان يقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر من أواسط المفصل أو قصاره يدل على ذلك وقراءة ما سوى الفاتحة عند الجمهور تعتبر سنة.

_ 974 - البخاري (2/ 22) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 11 - باب وقت الظهر عند الزوال. مسلم (1/ 338) 4 - كتاب الصلاة، 35 - باب القراءة في الصبح. النسائي (2/ 157) 11 - كتاب الافتتاح، 42 - القراءة في الصبح بالستين إلى المائة. ابن خزيمة (1/ 264، 265) كتاب الصلاة، 13 - باب القراءة في صلاة الصبح. (صلاة الغداة): أي صلاة الفجر. 975 - مسلم (1/ 336) 4 - كتاب الصلاة، 35 - باب القراءة في الصبح. و (1/ 346) 4 - كتاب الصلاة، 39 - باب متابعة الإمام والعمل بعده. أبو داود (1/ 216) كتاب الصلاة، 135 - باب القراءة في الفجر. (1) التكوير: 15، 16. (2) النسائي (2/ 157) 11 - كتاب الافتتاح، 44 - القراءة في الصبح بإذا الشمس كورت. (الخنس): الرواجع والمراد بها الكواكب السيارة على رأي بعضهم، و"الجواري": السيارة. "والكنس" التي تغيب، من كنس الوحش: إذا دخل في كناسه، وهو موضعه، وقيل: هي جميع الكواكب تخنس بالنهار، فتغيب عن العيون، وتكنس: أي تطلع في أماكنها كالوحش في كناسه. (كورت) من تكوير العمامة، وهو لفها: أي يلف ضوؤها لفاً، فيذهب انبساطه واستنارته في الآفاق وذلك عبارة عن إزالتها والذهاب بها، وقيل: هو من طعنه فكوره: أي: ألقاه، والمراد: تلقى وتطرح عن فلكها، كما وصف النجوم بالانكدار، وهو الانتثار.

976 - * روى مسلم عن عبد الله بن السائب رضي الله عنه قال: "صلى لنا النبي صلى الله عليه وسلم الصبح بمكة، فاستفتح سورة (المؤمنين) حتى جاء ذكر موسى وهارون- أو ذكر عيسى- شك الراوي، أو اختلفوا عليه- أخذت النبي صلى الله عليه وسلم سعلة، فركع، وعبد الله بن السائب حاضر ذلك- وفي رواية (1): فحذف، فركع". 977 - * روى النسائي عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان رضي الله عنها قالت: "ما أخذت (ق. والقرآن المجيد) إلا من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يصلي بها في الصبح". 978 - * روى مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر بـ (ق. والقرآن المجيد) ونحوها، وكانت صلاته إلى تخفيف". 979 - * روى مسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة (ألم تنزيل السجدة)، و (هل أتى على الإنسان حين من الدهر) وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الجمعة: سورة الجمعة والمنافقين". 980 - * روى الشيخان عن أبي هريرة مثله في صلاة الفجر ولم يذكر صلاة الجمعة. أقول: قراءة ألم السجدة، وسورة الدهر في فجر الجمعة سنة إلا أن الحنفية خشوا على العامة أن يظنوا المثابرة على ذلك علامة وجوب فاستحبوا للإمام ألا يقرأ بهما بين الفينة والفينة لأن اعتقاد ما ليس واجباً أنه واجب نوع ابتداع إذ لم يقل بوجوبه أحد من الأئمة.

_ 976 - مسلم (1/ 336) 4 - كتاب الصلاة، 35 - باب القراءة في الصبح. أبو داود (1/ 175) كتاب الصلاة، 89 - باب الصلاة في النعل. النسائي (2/ 176) 11 - كتاب الافتتاح، 76 - قراءة بعض السورة. (1) مسلم: نفس الموضع السابق. 977 - النسائي (2/ 157) 11 - كتاب الافتتاح، 43 - القراءة في الصبح بقاف، وإسناده حسن. 978 - مسلم (1/ 337) 4 - كتاب الصلاة، 35 - باب القراءة في الصبح. 979 - مسلم (2/ 599) 7 - كتاب الجمعة، 17 - باب ما يقرأ في يوم الجمعة. أبو داود (1/ 282) كتاب الصلاة، 217 - باب ما يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة. النسائي (3/ 111) 14 - كتاب الجمعة، 38 - باب القراءة في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين. 980 - البخاري (2/ 377) 11 - كتاب الجمعة، 10 - باب ما يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة. مسلم (2/ 599) 7 - كتاب الجمعة، 17 - باب ما يقرأ في يوم الجمعة.

981 - * روى مالك عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما: "أن أبا بكر الصديق صلى الصبح، فقرأ فيها بسورة البقرة في الركعتين كلتيهما". 982 - * روى البزار عن أبي هريرة قال قدمت المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ورجل من بني غفار يؤم الناس فقرأ في الركعة الأولى بسورة مريم وفي الثانية (ويل للمطففين) أحسبه قال في صلاة الفجر. 983 - * روى البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "قرأ في الأولى من الصبح بأربعين آية من (الأنفال)، وفي الثانية بسورة من المفصل". 984 - * روى مالك عن عامر بن ربيعة قال: "صلينا وراء عمر بن الخطاب الصبح، فقرأ فيها بسورة (يوسف)، وسورة (الحج)، قراءة بطيئة، قيل له: إذاً لقد كان يقوم حين يطلع الفجر؟ قال: أجل". 985 - * روى مالك عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "كان يقرأ في الصبح في السفر بالعشر السور الأول من المفصل: في كل ركعة بأم القرآن وسورة". 986 - * روى البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "قرأ في الركعة الأولى من الصبح مائة وعشرين آية من (البقرة)، وفي الثانية بسورة من المثاني".

_ النسائي (2/ 159) 11 - كتاب الافتتاح، 47 - القراءة في الصبح يوم الجمعة. 981 - الموطأ (1/ 82) 3 - كتاب الصلاة، 7 - باب القراءة في الصبح، وقد أخرجه الموطأ بانقطاع ولكنه ورد في مصنف عبد الرزاق وصححه الحافظ في الفتح. 982 - كشف الأستار عن زوائد البزار (1/ 234) كتاب الصلاة، باب قراءة الإمام. مجمع الزوائد (2/ 119) وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. 983 - البخاري (2/ 255) 10 - كتاب الأذان، 106 - باب الجمع بين السورتين في الركعة. وقال الحافظ في "الفتح": وصله عبد الرزاق بلفظه من رواية عبد الرحمن بن يزيد النخعي، وأخرجه هو وسعيد بن منصور من وجه آخر عن عبد الرزاق بلفظ: فافتتح (الأنفال) حتى بلغ (ونعم النصير). 984 - الموطأ (1/ 82) 3 - كتاب الصلاة، 7 - باب القراءة في الصبح، وإسناده صحيح. 985 - الموطأ: نفس الموضع السابق ص 82، وإسناده صحيح. 986 - البخاري (2/ 255) 10 - كتاب الأذان، 106 - باب الجمع بين السورتين في الركعة، وقال الحافظ في "الفتح": وصله ابن أبي شيبة من طريق أبي رافع، قال: كان عمر يقرأ في الصبح بمائة من البقرة ويتبعها بسورة من المثاني.

- القراءة في الظهر والعصر

أقول: المثاني في اجتهادي كما ذكرت ذلك في التفسير تبدأ بسورة العنكبوت وتنتهي بسورة (ق). 987 - * روى البخاري عن الأحنف بن قبس: قرأ في الأولى بـ (الكهف)، وفي الثانية بـ (يوسف) - أو يونس- وذكر أنه صلى مع عمر الصبح بهما". 988 - * روى أبو داود عن معاذ بن عبد الله الجهني: "أن رجلاً من جهينة أخبره أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم: قرأ في الصبح (إذا زلزلت) في الركعتين كلتيهما، فلا أدري أنسي، أم قرأ ذلك عمداً". - القراءة في الظهر والعصر: 989 - * روى الشيخان عن أبي قتادة رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر في الأوليين: بأم الكتاب وسورتين، وفي الركعتين الأخريين بأم الكتاب، ويسمعنا الآية أحياناً، ويطيل في الركعة الأولى ما لا يطيل في الركعة الثانية، وهكذا في العصر، وهكذا في الصبح- وفي رواية (1) كذلك-. وفي رواية أبي داود (2) والنسائي (3)، قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بنا. فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين، ويسمعنا الآية أحياناً، وكان يطول الركعة الأولى من الظهر ويقصر الثانية، وكذلك في الصبح".

_ 987 - البخاي: نفس الموضع السابق (2/ 255) قال الحافظ في "الفتح" وصله جعفر الفريابي في كتاب الصلاة له من طريق عبد الله بن شقيق قال: صلى بنا الأحنف ... فذكره وقال في الثانية: يونس، ولم يشك قال: وزعم أنه صلى خلف عمر كذلك، ومن هذا الوجه أخرجه أبو نعيم في المستخرج. 988 - أبو داود (1/ 215، 216) كتاب الصلاة، 134 - باب الرجل يعيد سورة واحدة في الركعتين، وإسناده صحيح. 989 - البخاري (2/ 260) 10 - كتاب الأذان، 107 - باب يقرأ في الأخريين بفاتحة الكتاب. مسلم (1/ 333) 4 - كتاب الصلاة، 34 - باب القراءة في الظهر والعصر. (1) مسلم: نفس الموضع السابق ص 333. (2) أبو داود (1/ 212) كتاب الصلاة، 129 - باب [ما جاء في] القراءة في الظهر. (3) النسائي (2/ 164، 165) 11 - كتاب الافتتاح، 57 - باب استماع الإمام الآية في الظهر، 58 - تقصير القيام في الركعة الثانية من الظهر، 59 - القراءة في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر.

وفي أخرى (1) لأبي داود ببعض هذا، وزاد في الأخريين بفاتحة الكتاب، قال: وكان يطول في الركعة الأولى ما لا يطول في الثانية، وهكذا في صلاة العصر، وهكذا في صلاة الغداة". زاد في رواية (2): "فظننا أنه يريد بذلك: أن يدرك الناس الركعة الأولى". وفي أخرى للنسائي (3) قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا الظهر، فيقرأ في الركعتين الأوليين، يسمعنا الآية كذلك، وكان يطيل الركعة الأولى في صلاة الظهر، والركعة- الأولى يعني: في الصبح". 990 - * روى ابن خزيمة عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة ويسمعنا الآية أحياناً ويقرأ في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب. وقال: كنت أحسب زماناً أن هذا الخبر في ذكر قراءة فاتحة الكتاب في الركعتين الأخريين من الظهر والعصر لم يروه غير أبان بن يزيد وهمام بن يحيى على ما كنت أسمع أصحابنا من أهل الآثار يقولون، فإذا الأوزاعي مع جلالته قد ذكر في خبره هذه الزيادة. قال النووي في شرح مسلم (4/ 175): قوله وكان يسمعنا الآية أحياناً: هذا محمول على أنه أراد به بيان جواز الجهر في القراءة السرية وأن الإسرار ليس بشرط لصحة الصلاة بل هو سنة ويحتمل أن الجهر بالآية كان يحصل بسبق اللسان للاستغراق في التدبر والله أعلم. وقال في إعلاء السنن (4/ 3) بوجوب الجهر في الجهرية والسر في السرية (انظره). 991 - * روى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كنا نحرز قيام النبي صلى الله عليه وسلم في الظهر والعصر، فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر: قدر (الم تنزيل السجدة)، وحزرنا قيامه من الأخريين: قدر النصف من ذلك، وحزرنا قيامه في

_ (1) أبو داود: نفس الموضع السابق. (2) أبو داود: نفس الموضع السابق. (3) النسائي (2/ 164) 11 - كتاب الافتتاح، 56 - تطويل القيام في الركعة الأولى من صلاة الظهر. 990 - ابن خزيمة (1/ 254) 102 - باب القراءة في الظهر والعصر. 991 - مسلم (1/ 334) 4 - كتاب الصلاة، 34 - باب القراءة في الظهر والعصر.

الركعتين الأوليين من العصر على قدر قيامه في الأخريين من الظهر، وفي الأخريين من العصر: على النصف من ذلك. وفي رواية (1): "قدر ثلاثين آية". بدل قوله: (آلم تنزيل). وفي أخرى (2): "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين، في كل ركعة قدر ثلاثين آية، وفي الأخريين: قدر خمس عشرة آية- أو قال: نصف ذلك، وفي العصر في الركعتين الأوليين، في كل ركعة: قدر قراءة خمس عشرة آية، وفي الأخريين: قدر نصف ذلك". وفي رواية (3) أبي داود، قال: "حزرنا قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر والعصر، فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من العصر: على قدر الأخريين من الظهر، وحزرنا قيامه في الأخريين من العصر: على النصف من ذلك". 992 - * روى النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من فلان، فصلينا وراء ذلك الإنسان، فكان يطول الأوليين من الظهر، ويخفف في الأخريين، ويخفف في العصر، ويقرأ في المغرب بقصار المفصل، ويقرأ في العشاء بـ (الشمس وضحاها) وبأشباهها، ويقرأ في الصبح بسورتين طويلتين". قال البغوي (4/ 174): فالسنة أن يقرأ في الصبح والظهر بطوال المفصل وتكون الصبح أطول وفي العشاء والعصر بأوساطه وفي المغرب بقصاره، قالوا والحكمة في إطالة الصبح والظهر أنها في وقت غفلة، بالنوم آخر الليل وفي القائلة فيطولهما ليدركهما المتأخر بغفلة ونحوها، والعصر ليس كذلك بل تفعل في وقت تعب أهل الأعمال فخففت عن ذلك والمغرب ضيقة الوقت، ولحاجة الناس إلى عشاء صائمهم وضيفهم والعشاء في وقت غلبة النوم والنعاس ولكن وقتها واسع فأشبهت العصر والله أعلم .. اهـ. 993 - * روى أبو داود عن جابر بن سمرة رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان

_ (1) مسلم نفس الموضع السابق. (2) مسلم نفس الموضع السابق. (3) أبو داود (1/ 213) كتاب الصلاة، 130 - باب تخفيف الأخريين. 992 - النسائي (2/ 167) 11 - كتاب الافتتاح، 62 - باب القراءة في المغرب بقصار المفصل، وإسناده حسن. 993 - أبو داود (1/ 213) كتاب الصلاة، 131 - باب قدر القراءة في صلاة الظهر والعصر.

يقرأ في الظهر والعصر بـ (السماء ذات البروج) (والسماء والطارق) ونحوهما من السور". 994 - * روى مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر بـ (الليل إذا يغشى) وفي العصر نحو ذلك، وفي الصبح أطول من ذلك. وفي أخرى (1): "كان يقرأ في الظهر بـ (سبح اسم ربك الأعلى) وفي الصبح بأطول من ذلك". 995 - * روى النسائي عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "كنا نصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر، فنسمع منه الآية بعد الآيات من (لقمان) و (الذاريات). 996 - * روى مالك عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: "ما من المفصل- سورة صغيرة ولا كبيرة- إلا وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤم بها الناس في الصلاة المكتوبة". أقول: من أدب المسلم أن يحفظ المفصل وأن يبدأ بتحفيظه للأولاد، وعندي كما رجحت ذلك في التفسير أن المفصل يبدأ بالذاريات وينتهي بنهاية القرآن. 997 - * روى ابن خزيمة عن عبد الله بن شقيق العقيلي، قال: قلت لعائشة: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين السور في الركعة؟ قالت: المفصل. هذا حديث وكيع.

_ الترمذي (2/ 111) أبواب الصلاة، 229 - باب ما جاء في القراءة في الظهر والعصر. النسائي (2/ 166) 11 - كتاب الافتتاح، 60 - القراءة في الركعتين الأوليين، وهو حديث صحيح، صححه الترمذي وغيره. 994 - مسلم (1/ 337) 4 - كتاب الصلاة، 35 - باب القراءة في الصبح. (1) مسلم، نفس الموضع السابق. أبو داود (1/ 213) كتاب الصلاة، 131 - باب قدر القراءة في صلاة الظهر والعصر. النسائي (2/ 166) 11 - كتاب الافتتاح، 60 - القراءة في الركعتين الأوليين من صلاة العصر، وأخرج النسائي الأولى. 995 - النسائي (2/ 163) 11 - كتاب الافتتاح، 55 - القراءة في الظهر، وهو حديث حسن. 996 - رواه مالك في الموطأ. 997 - ابن خزيمة (1/ 270، 271) 118 - باب إباحة جمع السور في الركعة الواحدة من المفصل.

وقال الدورقي في حديثه، قلت لعائشة: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قالت: إذا جاء من مغيبة. قلت: أكان يقرن السور؟ قالت: المفصل. قلت: أكان يصلي جالساً؟ قالت: بعد ما حطمه الناس. أقول: صلاته جالساً عليه الصلاة والسلام كانت في صلاة النافلة أو إذا كان مريضاً. 998 - * روى الطبراني عن الأغر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ سورة الروم. 999 - * روى مسلم عن أبي سعيد: لقد كانت صلوة الظهر تقام، فيذهب الذاهب إلى البقيع، فيقضي حاجته، ثم يتوضأ، ثم يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى مما يطولها. 1000 - * روى أحمد عن ابن جبير قال: فحزرنا ركوعه عشر تسبيحات، وسجوده عشر تسبيحات. 1001 - * روى أحمد عن أبي العالية قال أخبرني من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لكل سورة حظها من الركوع والسجود" قال: ثم لقيته بعد فقلت إن ابن عمر كان يقرأ في الركعة بالسور فهل تعرف من حدثك بهذا الحديث قال إني لأعرفه وأعرف منذ كم حدثنيه، حدثني منذ خمسين سنة. معنى (لكل سورة حظها) هو: أن يركع ويسجد لكل سورة ويتأتى ذلك إذا قرأ في

_ 998 - الطبراني "المعجم الكبير" (1/ 301). مجمع الزوائد (2/ 114) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. 999 - مسلم (1/ 335) 4 - كتاب الصلاة، 34 - باب القراءة في الظهر والعصر. النسائي (2/ 164)، 11 - كتاب الافتتاح، 56 - تطويل القيام في الركعة الأولى من صلاة الظهر. 1000 - أحمد (3/ 163). أبو داود (1/ 235) كتاب الصلاة، 153 - باب مقدار الركوع والسجود. النسائي (2/ 225) 12 - كتاب التطبيق، 76 - عدد التسبيح في السجود، وإسناده حسن. 1001 - أحمد (5/ 65، 66). مجمع الزوائد (2/ 114) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

- القراءة في المغرب

كل ركعة سورة تامة ويؤيده رواية الطحاوي لكل سورة ركعة، فالأفضل أن يقرأ بعد الفاتحة بسورة تامة. والجمع بين السورتين في ركعة من الفرض يجوز عندنا (أي الحنفية) ولكن ينبغي أن لا يفعل ذلك (إعلاء السنن). - القراءة في المغرب: 1002 - * روى الشيخان عن أم الفضل رضي الله عنها قالت: "سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب: (المرسلات عرفاً) ثم ما صلى لنا بعدها حتى قبضه الله". وفي أخرى (1): "ثم ما صلى بعد، حتى قبضه الله عز وجل". وفي أخرى (2)، قال ابن عباس: "إن أم الفضل سمعته يقرأ (والمرسلات عرفاً) فقالت: يا بني، لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة، إنها لآخر ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في المغرب". 1003 - * روى البخاري عن مروان بن الحكم قال: "قال لي زيد بن ثابت: مالك تقرأ في المغرب بقصار المفصل، وقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بطولي الطوليين؟ " وزاد أبو داود (3) قال: قلت: وما طولى الطوليين؟ قال: (الأعراف). قال: وسألت أنا ابن أبي مليكة؟ فقال لي من قبل نفسه (المائدة) و (الأعراف). وفي رواية (4) النسائي، قال: "ما لي أراك تقرأ في المغرب بقصار السور، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها بأطول الطوليين؟ قلت: يا أبا عبد الله، ما أطول الطوليين؟

_ 1002 - البخاري (2/ 246) 10 - كتاب الآذان، 98 - باب القراءة في المغرب. وأيضاً البخاري (8/ 130) 64 - كتاب المغازي، 83 - باب مرض الرسول صلى الله عليه وسلم ووفاته. مسلم (1/ 338) 4 - كتاب الصلاة، 35 - باب القراءة في الصبح. (1) البخاري (8/ 130) 64 - كتاب المغازي، 83 - باب مرض الرسول صلى الله عليه وسلم ووفاته. (2) مسلم نفس الموضع السابق ص 338. (عرفاً) بمعنى العرف الذي هو نقيض النكر، أي: أرسلن للمعروف والإحسان، وقيل: أراد: أرسلن متتابعة كتتابع شعر العرف. والمراد بذلك الملائكة. 1003 - البخاري (2/ 246) 10 - كتاب الأذان، 98 - باب القراءة في المغرب. (3) أبو داود (1/ 215) كتاب الصلاة، 132 - باب قدر القراءة في المغرب. (4) النسائي (2/ 170) 11 - كتاب الافتتاح، 67 - القراءة في المغرب بالمص.

قال: الأعراف) ". وفي أخرى (1) له: أنه قال لمروان: يا أبا عبد الملك، أتقرأ في المغرب بـ (قل هو الله أحد) و (إنا أعطيناك الكوثر)؟ قال: نعم، قال: فمحلوفه لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها بأطول الطوليين: (المص) ". 1004 - * روى النسائي عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "صلى المغرب بسورة (الأعراف)، فرقها في ركعتين". أقول: إن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأعراف لم تكن سنة دائمة له عليه الصلاة والسلام، فلعلها لتبيان جواز الإطالة في المغرب إذا كان المأمومون يتحملون ذلك، وفعل مروان في الاقتصار على قصار المفصل في المغرب ليس فيه ما يعاب عليه. 1005 - * روى الشيخان عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بـ (الطور) ". زاد في رواية (2): "فلما بلغ هذه الآية (أم خلقوا من غير شيء، أم هم الخالقون؟ أم خلقوا السموات والأرض؟ بل لا يوقنون، أم عندهم خزائن ربك، أم هم المسيطرون؟) (3) كاد قلبي أن يطير". وفي رواية (4): "أن جبير ابن مطعم- وكان جاء في أسارى بدر- ... وذكر الحديث". 1006 - * روى النسائي عن عبد الله بن عتبة بن مسعود: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في

_ (1) النسائي: نفس الموضع السابق ص 169، 170. (المحلوف): الله الذي لا يستحق الحلف إلا به، والخبر المحذوف، أي: الله قسمي. 1004 - النسائي (2/ 170) 11 - كتاب الافتتاح، 67 - باب القراءة في المغرب ب آلمص وهو حديث حسن. 1005 - البخاري (8/ 603) 65 - كتاب التفسير، 1 - باب 4853. مسلم (1/ 338) 4 - كتاب الصلاة، 35 - باب القراءة في الصبح. (2) البخاري: نفس الموضع السابق ص 603. (3) الطور: 35، 37. (4) البخاري (6/ 168) 56 - كتاب الجهاد، 172 - باب فداء المشركين. (المسيطر) بالسين والصاد: المسلط على القوم، القاهر [لهم]، يقال تسيطر علينا يتسيطر، وسيطر يسيطر: والأصل فيه: السين، والصاد مقلوبة منها لأجل الطاء. 1006 - النسائي (2/ 169) 11 - كتاب الافتتاح، 66 - القراءة في المغرب بحم الدخان، وفي سنده معاوية بن عبد الله

- القراءة في صلاة العشاء

صلاة المغرب بـ (حم الدخان) ". 1007 - * روى مالك عن عبد الله الصنابجي قال: "قدمت المدينة في خلافة أبي بكر الصديق، فصليت وراءه المغرب، فقرأ في الركعتين الأوليين بأم القرآن، وسورة من قصار المفصل، ثم قام في الثالثة، فدنوت منه، حتى إن ثيابي لتكاد أن تمس ثيابه، فسمعته قرأ بأم القرآن، وبهذه الآية (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب) (1). أقول: هذا دليل لما ذهب إليه الحنفية أن قراءة شيء من القرآن زائد على الفاتحة فيما سوى الركعتين الأوليين من الفريضة لا حرج فيه. وقال النووي: 4/ 174: وأما اختلاف الرواية في السورة في الأخريين فلعل سببه ما ذكرناه من اختلاف إطالة الصلاة وتخفيفها بحسب الأحوال وقد اختلف العلماء في استحباب قراءة السورة في الأخريين من الرباعية والثالثة من المغرب فقيل بالاستحباب وبعدمه وهما قولان للشافعي اهـ. - القراءة في صلاة العشاء: 1008 - * روى الترمذي عن بريدة رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العشاء بـ (الشمس وضحاها) ونحوها من السور". وعند النسائي: وأشباهها من السور. 1009 - * روى الشيخان عن البراء عن عازب رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسل كان في سفر، فصلى العشاء الآخرة، فقرأ في إحدى الركعتين بـ (التين والزيتون) فما سمعت

_ بن جعفر بن أبي طالب الهاشمي المدني، لم يوثقه غير ابن حبان والعجلي وباقي رجاله ثقات. 1007 - الموطأ (1/ 79) 3 - كتاب الصلاة، 5 - باب القراءة في المغرب والعشاء، وإسناده صحيح. (1) آل عمران: 8. 1008 - الترمذي (2/ 114) أبواب الصلاة، 231 - باب [ما جاء في] القراءة في صلاة العشاء وحسنه الترمذي وهو كما قال. النسائي (2/ 173) 11 - كتاب الافتتاح، 71 - القراءة في العشاء الآخرة بالشمس وضحاها. 1009 - البخاري (2/ 250، 251) 10 - كتاب الأذان، 100 - باب الجهر في العشاء، 102 - باب القراءة في العشاء.

- من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم في القراءة

أحداً أحسن صوتاً، أو قراءة، منه صلى الله عليه وسلم". - من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم في القراءة: 1010 - * روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء، فكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به، افتتح بـ (قل هو الله أحد) حتى يفرغ منها، ثم يقرأ سورة أخرى معها، فكان يصنع ذلك في كل ركعة، فكلمه أصحابه، فقالوا: إنك لتفتتح بهذه السورة، ثم لا ترى أنها تجزئك حتى تقرأ بأخرى، فإما أن تقرأ بها، وإما أن تدعها وتقرأ بأخرى؟ فقال: ما أنا بتاركها، إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت، وإن كرهتم تركتكم، وكانوا يرون أنه من أفضلهم، فكرهوا أن يؤمهم غيره، فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر، فقال: "يا فلان، ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك؟ وما يحملك على لزوم هذه السورة كل ركعة؟ " قال: إني أحبها، قال: "حبك إياها أدخلك الجنة". 1011 - * روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سرية، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم، فيختم بـ (قل: هو الله أحد) فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: سلوه: لأي شيء يصنع ذلك؟ فسألوه؟ فقال:

_ وأيضاً البخاري (13/ 518) 97 - كتاب التوحيد، 52 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم الماهر بالقرآن. مسلم (1/ 339) 4 - كتاب الصلاة، 36 - باب القراءة في العشاء. أبو داود (2/ 8) كتاب الصلاة، باب قصر قراءة الصلاة في السفر. النسائي (2/ 173) 11 - كتاب الافتتاح، 73 - القراءة في الركعة الأولى من صلاة العشاء الآخرة. ابن خزيمة (1/ 263، 264) كتاب الصلاة، 121 - باب القراءة في صلاة العشاء في السفر. 1010 - البخاري (2/ 255) 10 - كتاب الأذان، 106 - باب الجمع بين السورتين في الركعة. الترمذي (5/ 169، 170) 46 - كتاب فضائل القرآن، 11 - باب ما جاء في سورة الإخلاص وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب صحيح من هذا الوجه من حديث عبيد الله بن عمر عن ثابت. 1011 - البخاري (13/ 347، 348) 97 - كتاب التوحيد، 1 - باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى. مسلم (1/ 557) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 45 - باب فضل قراءة (قل هو الله أحد). النسائي (2/ 170، 171) 11 - كتاب الافتتاح، 69 - الفضل في قراءة (قل هو الله أحد). (السرية): طائفة من الجيش ينفذون في طلب العدو وغيره.

لأنها صفة الرحمن، فأنا أحب أن أقرأ بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبروه أن الله يحبه". 1012 - * روى الشيخان عن شقيق بن سلمة قال: "جاء رجل يقال له: نهيك بن سنان إلى عبد الله بن مسعود، فقال: يا أبا عبد الرحمن كيف تقرأ هذا الحرف: ألفاً تجده، أم ياء (من ماء غير آسن) (1) أو (من ماء غير ياسن)؟ فقال له عبد الله: أو كل القرآن قد أحصيت غير هذا؟ قال: إني لأقرأ المفصل في كل ركعة، فقال عبد الله: هذا كهذ الشعر، إن قوماً يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ نفع، إن أفضل الصلاة الركوع والسجود، إني لأعلم النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بينهن، سورتين في كل ركعة، ثم قام عبد الله، فدخل علقمة في إثره، فقلنا له: سلة عن النظائر التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها في كل ركعة، فدخل عليه، فسأله؟ ثم خرج علينا، فقال: عشرون سورة من أول المفصل، على تأليف عبد الله، آخرهن من الحواميم (حم الدخان)، و (عم يتساءلون؟). وفي رواية أبي داود (2) عن علقمة، والأسود، قالا: "أتى ابن مسعود رجل، فقال: إني أقرأ المفصل في ركعة، فقال: هذا كهذ الشعر، ونثراً كنثر الدقل؟ لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ النظائر، السورتين في ركعة (الرحمن) و (النجم) في ركعة، و (اقتربت) و (الحاقة) في ركعة، و (الطور) و (الذاريات) في ركعة، و (إذا وقعت) و (ن) في ركعة، و (سأل سائل) و (النازعات) في ركعة، و (ويل للمطففين) و (عبس) في

_ 1012 - البخاري (2/ 255) 10 - كتاب الأذان، 106 - باب الجمع بين السورتين في الركعة. والبخاري أيضاً (9/ 39) 66 - كتاب فضائل القرآن، 6 - باب تأليف القرآن. مسلم (1/ 563، 564) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 49 - باب ترتيل القراءة واجتناب الهذ. (1) محمد: 15. (2) أبو داود (2/ 56) كتاب الصلاة، باب تحزيب القرآن. (آسن) أسن الماء يأسن: إذا تغيرت ريحه. (تراقيهم) التراقي: جمع ترقوة، وهي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق، وعنده مخرج الصوت. (هذا) الهذ: سرعة القطع والمراد به: سرعة القراءة والعجلة فيها، وهو نصب على المصدر. (كنثر الدقل) الدقل: أرادا التمر، فلا تراه ليبسه ورداءته يجمع، بل يكون منثوراً. (النظائر): جمع نظير، وهو المثل والشبه.

ركعة، و (المدثر) و (المزمل) في ركعة، و (هل أتى) و (لا أقسم بيوم القيامة) في ركعة، و (عم يتساءلون) و (المرسلات) في ركعة، و (الدخان) و (إذا الشمس كورت) في ركعة. وقال أبو داود: هذا تأليف ابن مسعود. وفي رواية أخرى (1) لمسلم عن شقيق: (قال عبد الله: إن لأعرف النظائر التي كان يقرأ بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عشرين سورة في عشر ركعات، ثم أخذ بيد علقمة، فدخل، ثم خرج إلينا علقمة، فسألناه؟ فأخبرنا بهن). أقول: قراءة: (ياسن) قراءة شاذة لأنها تخالف رسم المصحف، وقراءة: (آسن) هي القراءة المتواترة، فهذا الجواب الصحيح على سؤال الرجل، وابن مسعود كان يرتب مصحفه ترتيباً فيه انفرادات، وقد أجمعت الأمة على الترتيب العثماني للمصحف، وجمهور العلماء على أن هذا الترتيب توقيفي من الشارع، ومن علم حجة على من لا يعلم، وعلى جلالة قدر ابن مسعود في العلم، فإنه قد يفوته ما عند غيره. قال النووي في شرح مسلم (6/ 104): عند قوله (كل القرآن قد أحصيت غير هذا الحرف): هذا محمول على أنه فهم منه أنه غير مسترشد في سؤاله إذ لو كان مسترشداً لوجب جوابه وهذا ليس بجواب .. فقال الرجل: إني لأقرأ المفصل في كل ركعة فقال ابن مسعود: هذاً كهذ الشعر معناه أن الرجل أخبر بكثرة حفظه وإتقانه فقال ابن مسعود: تهذه هذاً وهو شدة الإسراع والإفراط في العجلة وهذا حث على الترتيل والتدبر. وقوله إن أقواماً يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم: معناه أن قوماً ليس حظهم من القرآن إلا مروره على اللسان فلا يجاوز تراقيهم ليصل قلوبهم وليس ذلك المطلوب. وقوله عشرون سورة في عشر ركعات: قال القاضي هذا صحيح موافق لرواية عائشة

_ (1) مسلم (1/ 564) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 49 - باب ترتيل القراءة واجتناب الهذ.

وابن عباس أن قيام النبي صلى الله عليه وسلم كان إحدى عشرة ركعة بالوتر وأن هذا كان قدر قراءته غالباً وأن تطويله الوارد إنما كان في التدبر والترتيل وما ورد من غير ذلك في قراءته البقرة والنساء وآل عمران كان في نادر الأوقات. اهـ ملخصاً. 1013 - * روى مالك عن حفصة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بالسورة في الصلاة، فيرتلها، حتى تكون أطول من أطول منها". 1014 - * روى مسلم عن (جابر) رفعه: أفضل الصلاة طول القنوت. 1015 - * روى ابن خزيمة عن أبي هريرة يقول: ما رأيت أحداً أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من فلان لأمير كان بالمدينة. قال سليمان: فصليت أنا وراءه، فكان يطيل في الأوليين ويخفف الأخريين، ويخفف العصر، وكان يقرأ في الأوليين من المغرب بقصار المفصل، وفي الأوليين من العشاء بوسط المفصل، وفي الصبح بطول المفصل. قال ابن خزيمة: هذا الاختلاف في القراءة من جهة المباح، جائز للمصلي أن يقرأ في المغرب وفي الصلوات كلها التي يزاد على فاتحة الكتاب فيها بما أحب وشيئاً من سور القرآن، ليس بمحظور عليه أن يقرأ بما شاء من سور القرآن غير أنه إذا كان إماماً، فالاختيار له أن يخفف في القراءة ولا يطول بالناس في القراءة فيفتنهم كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل: أتريد أن تكون فتاناً، وكما أمر النبي صلى الله عليه وسلم الأئمة أن يخففوا الصلاة، فقال: من أم منكم الناس فليخفف اهـ. قال النووي (4/ 174): قال العلماء كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم تختلف في الإطالة

_ 1013 - الموطأ (1/ 137) 8 - كتاب صلاة الجماعة، 7 - باب ما جاء في صلاة القاعد في النافلة. مسلم (1/ 507) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 16 - باب جواز النافلة قائماً وقاعداً. الترمذي (2/ 211، 212) أبواب الصلاة، 275 - باب ما جاء في الرجل يتطوع جالساً. 1014 - مسلم (1/ 520) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 22 - باب أفضل الصلاة طول القنوت. الترمذي (2/ 229) أبواب الصلاة، 285 - باب ما جاء في طول القيام في الصلاة. (طول القنوت) أي صلاة ذات قيام طويل، يعني طول القيام بكثرة القراءة. 1015 - ابن خزيمة (1/ 261) كتاب الصلاة، 110 - باب ذكر الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بطولي الطوليين في الركعتين الأوليين من المغرب لا في ركعة واحدة.

والتخفيف باختلاف الأحوال فإذا كان المأمومون يؤثرون التطويل ولا شغل هناك له ولا لهم طول وإذا لم يكن كذلك خفف وقد يريد الإطالة ثم يعرض ما يقتضي التخفيف كبكاء الصبي ونحوه وينضم إلى هذا أنه قد يدخل في الصلاة في أثناء الوقت فيخفف وقيل إنما طول في بعض الأوقات وهو الأقل وخفف في معظمها فالإطالة لبيان جوازها والتخفيف لأنه الأفضل وقد أمر صلى الله عليه وسلم بالتخفيف وقال إن منكم منفرين فأيكم صلى بالناس فليخفف فإن فيهم السقيم والضعيف وذا الحاجة وقيل طول في وقت وخفف في وقت ليبين أن القراءة فيما زاد على الفاتحة لا تقدير فيها من حيث الاشتراط بل يجوز قليلها وكثيرها وإنما المشترط الفاتحة ولهذا اتفقت الروايات عليها واختلف فيما زاد وعلى الجملة السنة التخفيف كما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم للعلة التي بينها وإنما طول في بعض الأوقات لتحققه انتفاء العلة فإن تحقق أحد انتفاء العلة طول اهـ. ولكن كما قيل تطويلنا في هذه الأيام كتخفيفهم. وسيرد معنا أن صلاة الصحابة كانت ثلاثة أضعاف من بعدهم. 1016 - * روى ابن خزيمة عن حذيفة، قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، ما مر بآية رحمة إلا وقف عندها- فسأل- ولا مر بآية عذاب إلا وقف عندها فتعوذ. هذا لفظ حديث أبي موسى. أقول: كان هذا في صلاة الليل ويتوسع فيها ما لم يتوسع في غيره، ويسن لمن يقرأ القرآن في قيام الليل أو يقرأه خارج الصلاة أن يفعل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. 1017 - * روى ابن خزيمة عن إبراهيم التيمي، قال: كان أبي قد ترك الصلاة معنا قلت: ما لك لا تصلي معنا؟ قال: إنكم تخففون الصلاة، قلت، فأين قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن فيكم الضعيف والكبير وذا الحاجة؟ " قال: قد سمعت عبد الله بن مسعود يقول

_ 1016 - ابن خزيمة (1/ 273) كتاب الصلاة، 121 - باب الدعاء في الصلاة بالمسألة عند قراءة آية الرحمة، والاستعاذة عند قراءة آية العذاب، وإسناده صحيح. 1017 - ابن خزيمة (3/ 49) جماع أبواب قيام المأمومين خلف الإمام، 112 - باب قدر قراءة الإمام الذي لا يكون تطويلاً. وإسناده صحيح. ورجاله ثقات رجال البخاري غير عبد الجبار بن العباس قال عنه في التقريب صدوق.

فائدة: في إطالة القراءة وتخفيفها

ذلك، ثم صلى بنا ثلاثة أضعاف ما تصلون. أقول: هذا مذهب لصاحبه وإلا فمهما خفف الإمام فالصلاة معه أفضل. 1018 - * روى مسلم عن أنس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخف الناس صلاة في تمام. 1019 - * روى النسائي عن زيد بن أسلم قال: دخلنا على أنس رضي الله عنه فقال: صليتم؟ قلنا: نعم، قال: يا جارية، هلمي وضوئي، ما صليت وراء إمام أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من إمامكم هذا- يعني: مر بن عبد العزيز- قال زيد: وكان عمر بن عبد العزيز يتم الركوع والسجود، ويخفف القيام والقعود". فائدة: في إطالة القراءة وتخفيفها: الأصل إطالة القراءة في صلاة الفجر من أربعين إلى ستين آية، والأصل في صلاة الظهر والعصر القراءة بمثل سورة الأعلى، والأصل في صلاة المغرب القراءة مثل سورة الزلزلة والأصل في صلاة العشاء القراءة بمثل الظهر والعصر إلا في حالات فقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب فقرأ في ركعتين سورة الطور، وصلى الفجر فقرأ بالمعوذتين لأسباب والله أعلم (وهبي). 1020 - * روى الطبراني عن مصعب بن سعد قال: كان أبي إذا صلى في المسجد تجوز وأتم الركوع والسجود وإذا صلى في البيت أطال الركوع والسجود والصلاة، قلت يا أبتاه إذا صليت في المسجد جوزت وإذا صليت في البيت أطلت. قال: يا بني إنا أئمة يقتدى بنا. 1021 - * روى أحمد عن أبي جابر الوالدي قال: قلت لأبي هريرة هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بكم؟ قال: وما أنكرتم من صلاتي؟ قلت أردت أن أسأل عن ذلك، قال: نعم وأوجز قال: وكان قيامه قدر ما ينزل المؤذن من المنارة ويصل إلى الصف، وله

_ 1018 - مسلم (1/ 342) 4 - كتاب الصلاة، 37 - باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام. ابن خزيمة (3/ 48) جماع أبواب قيام المأمومين خلف الإمام، 110 - باب تخفيف الإمام الصلاة مع الإتمام. 1019 - النسائي (2/ 166، 167) 11 - كتاب الافتتاح، 61 - تخفيف القيام والقراءة، وإسناده حسن. 1020 - رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. 1021 - رواه أحمد ج 2.

في رواية (1) رأيت أبا هريرة صلى صلاة تجوز فيها. 1022 - * روى ابن خزيمة عن ابن عباس في قوله عز وجل: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) (3). قال: نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف بمكة، فكان إذا صلى بأصحابه جهر بالقرآن، وقال الدورقي: رفع صوته بالقرآن، وقالا (أي الدورقي والراوي الآخر): فكان المشركون إذا سمعوا. سبوا القرآن، ومن أنزله، ومن جاء به، فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها). 1023 - * روى البخاري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أمر، وسكت فيما أمر (وما كان ربك نسياً) (5) و (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) (6). أقول: من المعلوم أن محل قراءة القرآن في الصلاة هو القيام، وما عدا ذلك فلا يقرأ في الصلاة قرآن على نية القراءة، فالنص يشير إلى ذلك والله أعلم. 1024 - * روى البخاري عن عبد الله بن سخبرة رضي الله عنه قال: "سألنا خباباً:

_ (1) رواه أبو يعلى ورجاله ثقات. 1022 - ابن خزيمة (2/ 189) أبواب صلاة التطوع بالليل، 496 - باب ذكر صفة القراءة بالقراءة في صلاة الليل. (2) الإسراء: 110. (ولا تجهر بصلاتك) أي بقراءتك. فيسمع المشركون، فيسبون القرآن. (ولا تخافت بها) عن أصحابك فلا يسمعون. (وابتغ بين ذلك سبيلاً): قال الدورقي: عن أصحابك فلا تسمعهم. قال ابن خزيمة: إن الاسم قد يقع على بعض أجزاء الشيء ذي الأجزاء والشعب. قد أوقع الله عز وجل اسم الصلاة على القراءة فيها فقط (ولا تجهر بصلاتك) أراد القراءة فيها. وليس الصلاة كلها، القراءة فيها فقط. 1023 - البخاري (2/ 253) 10 - كتاب الأذان، 105 - باب الجهر بقراءة صلاة الفجر. (3) مريم: 64. (4) الأحزاب: 21. 1024 - البخاري (2/ 244) 10 - كتاب الأذان، 96 - باب القراءة في الظهر. أبو داود (1/ 212) كتاب الصلاة، باب ما جاء في القراءة في الظهر. ابن خزيمة (1/ 255) 103 - باب المخافتة بالقراءة في الظهر والعصر.

- القراءة في الليل

أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر؟ قال: نعم، قلت: بأي شيء كنتم تعرفون قراءته؟ قال: باضطراب لحيته". فائدة: عدم العلم بالشيء لا يعني عدم ذلك الشيء، والمقصود هنا التعليم بالثابت المنقول (وهي) وذكرنا قبل قليل رأي النووي وصاحب (الإعلاء) في الإسرار والجهر بالصلاة. - القراءة في الليل: 1025 - * روى أبو داود عن أبي قتادة رضي الله عن: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ليلة، فإذا هو بأبي بكر يصلي، يخفض من صوته، ومر بعمر يصلي، يرفع من صوته، فسأل أبا بكر؟ فقال: قد أسمعت من ناجيت يا رسول الله، وسأل عمر؟ فقال: أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان". قال: وزاد الحسن في حديثه: "فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر، ارفع من صوتك شيئاً، وقال لعمر: اخفض من صوتك شيئاً". وأخرجه الترمذي مختصراً: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر: مررت بك وأنت تقرأ، وأنت تخفض من صوتك؟ " فقال: إني أسمعت من ناجيت، قال: "ارفع قليلاً"، وقال لعمر: "مررت بك وأنت تقرأ، وأنت ترفع من صوتك؟ " قال: [إني] أوقظ الوسنان، وأطرد الشيطان، قال: "اخفض قليلاً". 1026 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه بهذه القصة، ولم يذكر، "فقال لأبي بكر: ارفع شيئاً، ولعمر: اخفض شيئاً وزاد: "وقد سمعتك يا بلال وأنت تقرأ من هذه السورة، ومن هذه السورة؟ " قال: كلام طيب يجمع الله بعضه

_ 1025 - أبو داود (2/ 37) كتاب الصلاة، 26 - باب في رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل. الترمذي (2/ 309، 310) أبواب الصلاة، 330 - باب ما جاء في قراءة الليل. قال الترمذي وإسناده حسن، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، قال الترمذي وفي الباب عن عائشة وأم هاني، وأنس، وأم سلمة، وابن عباس. (الوسنان) النائم الذي ليس بمستغرق في نومه. 1026 - أبو داود (2/ 37) كتاب الصلاة، 26 - باب في رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل. وهو حديث حسن.

إلى بعض، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلكم قد أصاب". أقول: يجوز للمنفرد في قيام الليل عند الحنفية الجهر والإسرار فهو مخير بينهما، وجهره مقيد بأن لا يشوش على غيره، وعليه أن يراعي ما هو الأصلح لقلبه، وفي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر بفعل ما هو الأحسن في حقهما تأديب للمربين أن يدلوا الإنسان على ما هو الأكمل في حقه. 1027 - * روى أحمد عن البياضي رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون، وقد علت أصواتهم بالقراءة، فقال: إن المصلي يناجي ربه، فلينظر بما يناجيه، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن". أقول: كان شيخنا محمد الحامد رحمه الله ينهى عن كل ما يشوش على الناس ولو بأن يضع الناس مسجلات أو مكبرات أو ينشدون في المآذن خوفاً من أن يشوش ذلك على طالب أو دارس أخذاً من قوله عليه الصلاة والسلام: "ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن" فإذا كان في حق ما هو خير، فكيف بمن يشوش على الناس بما فيه فساد وشر. 1028 - * روى أبو داود عن أبي سعيد الخدري، قال: اعتكف النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة- زاد عبد الرحمن، وهو في قبة له- وقالا: فكشف الستور وقال: "ألا إن كلكم مناج ربه، فلا يؤذين بعضكم بعضاً، ولا يرفعن بعضكم على بعض القراءة". 1029 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم

_ 1027 - أحمد (2/ 36). الموطأ (1/ 80) 3 - كتاب الصلاة، 6 - باب العمل في القراءة. وهو حديث صحيح، ورجاله رجال الصحيح. (البياضي): قال السيوطي في شرح الموطأ: اسمه فروة بن عمرو بن ودقة وبياضة: فخذ من الخزرج، شهد العقبة وبدراً وما بعدها. 1028 - أبو داود (2/ 38) كتاب الصلاة، 26 - باب في رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل. ابن خزيمة (2/ 190) 497 - باب الزجر عن الجهر بالقراءة في الصلاة إذا تأذى بالجهر بعض المصلين. 1029 - أبو داود (2/ 37) كتاب الصلاة، 26 - باب في رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل.

بالليل: يرفع طوراً، ويخفض طوراً". 1030 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "كانت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم على قدر ما يسمعه من في الحجرة وهو في البيت". 1031 - * روى مالك عن أبي سهيل بن مالك عن أبيه، قال: "كنا نسمع قراءة عمر بن الخطاب عند دار أبي جهم بالبلاط". 1032 - * روى أحمد عن أبي هريرة أن عبد الله بن حذافة قام يصلي فجهر بصلاته فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا ابن حذافة لا تسمعني وسمع ربك". 1033 - * روى مالك عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "كان إذا فاته شيء من الصلاة مع الإمام فيما يجهر فيه الإمام بالقراءة: أنه إذا سلم الإمام قام عبد الله، فقرأ لنفسه فيما يقضي، وجهر". أقول: يجوز عند الحنفية في هذه الحالة الجهر والإسرار لأنه كالمنفرد في هذه الحالة. 1034 - * روى البخاري عن عبد الله بن شداد قال: سمعت نشيج عمر وأنا في آخر الصفوف يقرأ: (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله) (1). إذا افتتح الصلاة" قال الحافظ في (الفتح): وصله سعيد بن منصور عن ابن عيينة عن إسماعيل بن محمد بن سعد سمع عبد الله بن شداد بهذا، وزاد: في صلاة الصبح، قال الحافظ: وفي الباب حديث عبد الله بن

_ 1030 - أبو داود، نفس الموضع السابق. 1031 - الموطأ (1/ 81) 3 - كتاب الصلاة، 6 - باب العمل في الصلاة. 1032 - أحمد (2/ 326). كشف الأستار (1/ 349) باب في رفع الصوت بالقراءة. مجمع الزوائد (2/ 265) وقال الهيثمي: رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير إلا أنه قال عن أبي سلمة أن عبد الله بن حذافة، ورجال أحمد رجال الصحيح. 1033 - الموطأ (1/ 81) 3 - كتاب الصلاة، 6 - باب العمل في القراءة. 1034 - البخاري (2/ 206) 10 - كتاب الأذان، 70 - باب إذا بكى الإمام في الصلاة. (1) يوسف: 86. (نشيج) النشيج: صوت البكاء يتردد في الحلق والصدر.

- هل يجهر بالتأمين؟ وفضل التأمين

الشخير: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء، رواه أبو داود والنسائي والترمذي في (الشمائل) وإسناده قوي، وصححه ابن حبان وابن خزيمة. أقول: هذه الحال من الخشوع والتأثر بالقرآن هي الأصل الأصيل بالنسبة للمسلم، قال تعالى: (إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً) (1) وقد يتأثر الإنسان بالقرآن ويخشع كأثر عن التدبر، ولا يكون بكاء إلا في بعض الأحوال وذلك طيب، وهو الحال الغالب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولقد افتقدنا هذا الحال في عصرنا إلا قليلاً، بل أصبح كثيرون ينطبق عليهم. 1035 - * روى الشيخان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخوارج: (يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم) وهذه الحال تجب معالجتها وعلى المربين أن يفطنوا لها، فيبدؤون بأنفسهم ويعالجون غيرهم. - هل يجهر بالتأمين؟ وفضل التأمين: 1036 - * روى أبو داود عن وائل بن حجر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فقال: آمين مد بها صوته. قال البغوي (3/ 59): هذا حديث حسن قال محمد بن إسماعيل. حديث سفيان أصح من حديث شعبة، وأراد به أنه روى شعبة عن سلمة: وخفض بها صوته. وذهب جماعة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم إلى الجهر بالتأمين، وبه يقول الشافعي، وأحمد، وإسحاق، قال عطاء: كنت أسمع الأئمة- وذكر ابن الزبير ومن بعده- يقولون: آمين، ويقول من خلفه: آمين، حتى إن للمسجد للجة اهـ. ولكن سنده ضعيف.

_ (1) مريم: 58. 1035 - البخاري (13/ 536) 97 - كتاب التوحيد، 57 - باب قراءة الفاجر والمنافق. مسلم (1/ 563) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 49 - باب ترتيل القراءة واجتناب الهذ. 1036 - أبو داود (1/ 246) كتاب الصلاة، 171 - باب التأمين وراء الإمام. الترمذي (2/ 27) أبواب الصلاة، 184 - باب ما جاء في التأمين.

أقول: عند الحنفية والمالكية التأمين سراً وعند الشافعية والحنابلة سراً في الصلاة السرية وجهراً فيما يجهر فيه بالقراءة. 1037 - روى مالك عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أمن الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه". قال البغوي: و (آمين) مخففة الميم، ويجوز ممدوداً ومقصوراً على وزن فعيل، ومعناه: اللهم اسمع واستجب، وقيل: معناه: كذلك فليكن، وقيل: هو اسم من أسماء الله تعالى، وجاء في الآثار: آمين خاتم رب العالمين، وقيل: معناه: أنه طابع الله على عباده يدفع الله به الآفات والبلايا عنهم، كخاتم الكتاب الذي يصونه، ويمنع من إفساده، وإظهار ما فيه انظر شرح السنة (3/ 63).

- القراءة المنكوسة والترتيب

- القراءة المنكوسة والترتيب: 1038 - * روى الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه سئل عن رجل يقرأ القرآن منكوساً قال (ذاك منكوس القلب). استدل به الحنفية على كراهة النكس مطلقاً سواء كان في السور أو في الآيات وسوءا كان خارج الصلاة أو داخلها. 1039 - * روى أحمد عن حذيفة قال: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت يركع عند المائة ثم مضى فقلت يصلي بها ركعة فمضى فقلت يركع بها فمضى ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها مترسلاً). وقرأ الأحنف بالكهف في الأولى وفي الثانية بيوسف أو بيونس وذكر أنه صلى مع عمر رضي الله عنه الصبح بها، علقه البخاري ووصله جعفر الفريابي في كتاب الصلاة له من طريق عبد الله بن شفيق (انظر الفتح 2/ 212). فيعارض قول ابن مسعود هذا على تقدير عمومه لنكس السورة حديث حذيفة وأثر عمر. لذا قال صاحب الإعلاء (4/ 128) الراجح عندي القول باستحباب رعاية الترتيب العثماني

_ 1037 - الموطأ (1/ 87) 3 - كتاب الصلاة، 11 - باب ما جاء في التأمين خلف الإمام. أحمد (2/ 459). البخاري (2/ 262) 10 - كتاب الأذان، 111 - باب جهر الإمام بالتأمين. مسلم (1/ 307) 4 - كتاب الصلاة، 18 - باب التسميع والتحميد والتأمين. أبو داود (1/ 246) كتاب الصلاة، 171 - باب التأمين وراء الإمام. الترمذي (2/ 30) أبواب الصلاة، 185 - باب ما جاء في فضل التأمين. النسائي (2/ 143، 144) 11 - كتاب الافتتاح، 33 - باب جهر الإمام بآمين. 1038 - رواه الطبراني بسند جيد. (كذا في الإتقان 1/ 114). 1039 - أحمد (5/ 397). مسلم (1/ 536، 537) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 27 - باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل. النسائي (2/ 177) 11 - كتاب الافتتاح، 78 - مسألة القارئ إذا مر بآية رحمة.

في السور مقيداً بالفرائض دون القول بوجوبها وبإطلاقه. وعلى هذا فنكس الترتيب بين السور إنما يكره تنزيهاً لكونه خلاف الأفضل، هذا وقد اتفق الفقهاء على منع النكس في ترتيب الآيات لإخلاله بالإعجاز والحكم. ثم قال صاحب الإعلاء بذلك تجتمع الآثار كلها ولا يشكل ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ثبت عن عمر من النكس في السور فإن الأول ورد في النفل والثاني لبيان الجواز اهـ ملخصاً.

الفصل السادس في الركوع والسجود وما يتعلق بهما عرض إجمالي

الفصل السادس في الركوع والسجود وما يتعلق بهما عرض إجمالي قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا) (1). والركوع هو الانحناء بالظهر والرأس معاً حتى تبلغ كفا المصلي ركبتيه، وأكمله تسوية ظهره وعنقه بانحناء خالص بحيث يصيران كالصحيفة الواحدة، وينصب ساقيه وفخذيه ويساوي رأسه بعجزه فلا يرفع رأسه ولا يخفضه، ويأخذ ركبتيه بيديه مفرقاً أصابعه ويجافي مرفقيه عن جنبيه، والمرأة تضم بعضها إلى بعض. والاطمئنان في الركوع واجب عند الحنفية وفرض عند الجمهور، والاطمئنان أن تستقر أعضاؤه قدر تسبيحة، وقال أبو يوسف من الحنفية: الاطمئنان فريضة. ويكبر من يريد الركوع، وفي رفع اليدين إلى محاذاة الأذنين خلاف كما رأينا، وقال أبو يوسف من الحنفية والجمهور: الرفع من الركوع والاعتدال قائماً مطمئناً فرض في الصلاة وهو أن يعود إلى الهيئة التي كان عليها قبل الركوع سواء أكان قائماً أو قاعداً، وقال أبو حنيفة محمد الرفع واجب، فإذا رفع رأسه من الركوع قال: (سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد، أو: ربنا ولك الحمد، أو: اللهم ربنا ولك الحمد). ويجمع بينهما المنفرد والإمام ويكتفي المقتدي بالتحميد عند الحنابلة وعلى المعتمد عند الحنفية، وعند المالكية يكتفي الإمام بالتسميع ويسن عند الشافعية الجمع بين التسميع والتحميد في حق كل مصل سواء كان إماماً أو مأموماً أو منفرداً، ويزيد عند الشافعية والحنابلة على التحميد بما ورد في المأثور، وحمل الحنفية سنية الزيادة على حال الانفراد. ورفع اليدين إلى حذو المنكبين في الرفع من الركوع فيه خلاف كما رأينا، ومما يسن في الركوع تمكين اليدين من الركبتين وتفريج الأصابع للرجل أما المرأة فلا تفرجها، وأن

_ (1) الحج: 77.

يقول في ركوعه: (سبحان ربي العظيم) مرة على الأقل، وأدنى الكمال ثلاث عند الجمهور، ولا حد له عند المالكية ويضيف المالكية والشافعية والحنابلة (وبحمده)، ولا يزيد الإمام على التسبيحات الثلاث تخفيفاً على المأمومين إلا إذا كان إمام قوم راضين بالتطويل ولا يطيل الإمام الركوع والقراءة لإدراك الجائي بنية ذلك، فذلك مكروه تحريماً عند الحنفية، فإذا اعتدل الراكع قائماً فإنه يكبر ويهوي إلى السجود، وهل يرفع يديه حذو منكبيه؟ في ذلك خلاف. والسجود كالركوع ركنان بالإجماع، والأصل في السجود أن يكون على اليدين والركبتين وأطراف القدمين وعلى الجبهة والأنف معاً، فذلك كماله، ويفترض لكل ركعة سجدتان، ويجلس بين السجدتين مطمئناً يفترش الرجل رجله اليسرى، وينصب اليمنى، ويوجه أصابعه نحو القبلة، ويضع يديه على فخذيه مبسوطتين بحيث تتساوى رؤوس الأصابع مع الركبة متجهاً بأصابع اليدين إلى القبلة، أما المرأة فتتورك عند الحنفية بأن تجلس على إليتها وتضع الفخذ على الفخذ وتخرج رجلها اليسرى من تحت وركها، ويقول في سجوده: (سبحان ربي الأعلى) مرة في الحد الأدنى وثلاثاً وهو أدنى الكمال، ويضيف المالكية والشافعية والحنابلة (بحمده). قال الحنفية: ولا يزيد الإمام على الثلاث تخفيفاً على المأمومين، ولا حد للتسبيح عند المالكية ويزيد عند الشافعية إمام قوم راضين بالتطويل بعض ما أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في سجوده، ولا يدعو المفترض في ركوعه وسجوده عند الحنفية، وما ورد في ذلك فهو محمول على النفل، ويندب الدعاء في السجود عند المالكية بأمور الدين أو الدنيا أو الآخرة له أو لغيره، ولا بأس عند الحنابلة بالدعاء المأثور أو الأذكار، ويتأكد طلب الدعاء في السجود عند الشافعية، وليس عند الحنفية بين السجدتين دعاء مسنون وما ورد فمحمول عندهم على النفل أو التهجد، والدعاء بين السجدتين مشروع عند الشافعية، وقال الحنابلة إنه واجب، وأدناه أن يقول مرة (ربي اغفر لي) وأدنى الكمال عند الحنابلة أن يقول ذلك ثلاث مرات ولا يجوز عند الحنابلة الدعاء في الصلاة بغير الوارد في السنة ولا يجوز بما ليس من أمر الآخرة كحوائج الدنيا وملاذها، وتبطل الصلاة به. والصيغة الأكمل للدعاء بين السجدتين

- كيفية الركوع والسجود

عند الشافعية والمالكية والحنابلة: (ربي اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني وارزقني واهدني وعافني). فإذا أراد الساجد أن يقوم إلى الركعة الثانية أو الرابعة، تسن له جلسة خفيفة تسمى جلسة الاستراحة عند الشافعية، ولا تستحب جلسة الاستراحة عند الجمهور فإذا أنهى المصلي ركعتيه في الفجر جلس القعود الأخير، وإذا أنهى ركعتين في الصلوات الأربع الأخرى جلس للقعود الأول، ويجلس للقعود الأخير بعد الثالثة في المغرب (وبعد الرابعة في الصلوات الرباعية). (انظر حاشية ابن عابدين 1/ 300 والشرح الصغير وحاشية الصاوي 1/ 313 والمهذب 1/ 74 و 75 والمغني 1/ 499 و 514 والفقه الإسلامي 1/ 655 وما بعدها). وفيما ذكرناه من هيئات الركوع والسجود وما يتعلق بها تفصيلات للفقهاء حول ما هو فريضة منها أو مسنون أو مندوب ستمر معنا أثناء عرض النصوص أو في المسائل والفوائد. وإلى نصوص هذا الفصل: - كيفية الركوع والسجود: 1040 - * روى أبو داود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة، فكبر، ورفع يديه، فلما ركع طبق يديه بين ركبتيه. قال: فبلغ ذلك سعداً، فقال: صدق أخي، كنا نفعل هذا، ثم أمرنا بهذا، يعني الإمساك على الركبتين". 1041 - * روى الترمذي عن عمر بن الخطاب: إن الركب سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم فخذوا بالركب. 1042 - * روى الطبراني عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع استوى فلو

_ 1040 - أبو داود (1/ 199) كتاب الصلاة، 118 - باب. النسائي (2/ 184، 185) 12 - كتاب التطبيق، 1 - باب التطبيق، وهو حديث صحيح. 1041 - الترمذي (2/ 43) أبواب الصلاة، 192 - باب ما جاء في وضع اليدين على الركبتين في الركوع وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. النسائي (2/ 185) 12 - كتاب التطبيق، 2 - الإمساك بالركب في الركوع. 1042 - الطبراني "المعجم الكبير" (12/ 167).

صب على ظهره الماء لاستقر. 1043 - * روى الحاكم عن علقمة بن وائل عن أبيه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع فرج أصابعه". 1044 - * روى أبو داود عن أبي إسحاق السبيعي قال: وصف لنا البراء بن عازب رضي الله عنه السجود، فوضع يديه واعتمد على ركبتيه، ورفع عجيزته، وقال: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد، وفي رواية (1) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى جنح. 1045 - * روى الشيخان عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كان ركوع النبي صلى الله عليه وسلم، وسجوده، وبين السجدتين، وإذا رفع رأسه من الركوع- ما خلا القيام والقعود- قريباً من السواء. وفي رواية (2)، قال: رمقت الصلاة مع محمد صلى الله عليه وسلم فوجدت قيامه فركعته، فاعتداله بعد ركوعه، فسجدته، فجلسته بين السجدتين، فسجدته وجلسته ما بين التسليم والانصراف: قريباً من السواء. وفي أخرى (3) قال: غلب على الكوفة رجل قد سماه: زمن

_ أبو يعلى (4/ 335) وقال: إسناده ضعيف لضعف زيد الصمي. وهو ابن الحواري. مجمع الزوائد (2/ 123) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وأبو يعلى ورجاله موثقون. 1043 - الحاكم (1/ 224) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ابن خزيمة (1/ 301) كتاب الصلاة، 147 - باب تفريج أصابع اليدين عند وضعهما على الركبتين في الركوع، وإسناده صحيح. 1044 - أبو داود (1/ 236) كتاب الصلاة، 157 - باب صفة السجود. النسائي (2/ 212) 12 - كتاب التطبيق، 51 - باب صفة السجود. (1) النسائي: نفس الموضع السابق. قال الحافظ الزيلعي في "نصب الراية": قال النووي: ورواه ابن حبان والبيهقي، وهو حديث حسن. (عجيزته) العجيزة: العجز. (جنح) الرجل: إذا جافى يديه عن جانبيه، فصارا له مثل الجناح إذا فرشه الطائر. 1045 - البخاري (2/ 276) 10 - كتاب الأذان، 121 - باب حد إتمام الركوع والاعتدال فيه والطمأنينة. مسلم (1/ 344) 4 - كتاب الصلاة، 38 - باب اعتدال أركان الصلاة وتخفيفها في تمام. (2) مسلم: نفس الموضع السابق. (3) مسلم: نفس الموضع السابق ص 343، 344.

بن الأشعث، وسماه غندر في روايته: مطر بن ناجية- فأمر أبا عبيدة بن عبد الله أن يصلي بالناس، وكان يصلي، فإذا رفع رأسه من الركوع: قام قدر ما أقول: اللهم ربنا لك الحمد، ملء السموات وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، قال الحكم: فذكرت ذلك لعبد الرحمن بن أبي ليلى، فقال: سمعت البراء بن عازب يقول: كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: قيامه وركوعه، وإذا رفع رأسه من الركوع، وسجوده، وما بين السجدتين: قريباً من السواء. قال شعبة: فذكرته لعمرو بن مرة، فقال: قد رأيت ابن أبي ليلى، فلم تكن صلاته هكذا. وفي رواية أبي داود (1) مثل الرواية الثانية. وله في أخرى (2)، قال" رمقت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة، فوجدت قيامه كركعته وسجدته، واعتداله في الركعة كسجدته، وجلسته بين السجدتين، وجلسته ما بين التسليم والانصراف: قريباً من السواء. وله في أخرى (3)، قال: كان ركوعه وسجوده وما بين السجدتين: قريباً من السواء. وفي رواية الترمذي (4) والنسائي (5)، قال: كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، وإذا سجد، وإذا رفع رأسه من السجود: قريباً من السواء. الاطمئنان في الركوع والسجود: 1046 - * روى أحمد عن رفاعة بن رافع: أن رجلاً دخل المسجد فصلى، فذكر الحديث بطوله، وقال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ثم إذا أنت ركعت فأثبت يديك على

_ (1) أبو داود (1/ 225) كتاب الصلاة، 146 - باب طول القيام من الركوع وبين السجدتين. (2) أبو داود: نفس الموضع السابق. (3) أبو داود: نفس الموضع السابق. (4) الترمذي (2/ 69) أبواب الصلاة، 207 - باب ما جاء في إقامة الصلب إذا رفع رأسه من الركوع والسجود، وقال الترمذي: حديث البراء حديث حسن صحيح. (5) النسائي (3/ 66، 67) 13 - كتاب السهو، 77 - جلسة الإمام بين التسليم والانصراف. 1046 - أحمد (4/ 340) وإسناده حسن. أبو داود (1/ 226، 227، 228) كتاب الصلاة، 147 - باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود. ابن خزيمة (1/ 302) كتاب الصلاة، 149 - باب ذكر البيان أن التطبيق غير جائز بعد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بوضع اليدين على الركبتين. وإسناده صحيح.

ركبتيك حتى يطمئن كل عظم منك". 1047 - * روى أبي داود عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تجزئ صلاة أحدكم حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود". 1048 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أقيموا الركوع والسجود، فو الله، إني لأراكم من بعدي- وربما قال: من بعد ظهري- إذا ركعتم وسجدتم"، وللبخاري: أنه سمع [أي أنس] النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أتموا الركوع والسجود، فو الذي نفسي بيده، إني لأراكم من بعد ظهري، إذا ما ركعتم وإذا سجدتم". 1049 - * روى البخاري عن سليمان قال: سمعت زيد بن وهب قال: رأى حذيفة رجلاً لا يتم الركوع والسجود قال: (ما صليت ولو مت مت على غير الفطرة التي فطر الله محمداً صلى الله عليه وسلم). 1050 - * روى مالك عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسوأ الناس سرقة الذي يسرق صلاته" قال: وكيف يسرق صلاته قال: "لا يتم ركوعها ولا سجودها". استدل بهذه الأحاديث على فرضية إقامة الصلب في الركوع والسجود وأخذ بذلك الجمهور أما أبو حنيفة ومحمد فقالوا بالوجوب.

_ 1047 - أبو داود (1/ 226) كتاب الصلاة، باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود. الترمذي (2/ 51) أبواب الصلاة، 196 - باب ما جاء فيمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود. النسائي (2/ 183) 11 - كتاب الافتتاح، 88 - باب إقامة الصلب في الركوع والسجود. 1048 - البخاري (2/ 225) 10 - كتاب الأذان، 89 - باب الخشوع في الصلاة. مسلم (1/ 319) 4 - كتاب الصلاة، 24 - باب الأمر بتحسين الصلاة وإتمامها والخشوع فيها. النسائي (2/ 194) 12 - كتاب التطبيق، 16 - باب الأمر بإتمام الركوع. 1049 - البخاري (2/ 274) 10 - كتاب الأذان، 119 - باب إذا لم يتم الركوع. 1050 - الموطأ 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 23 - باب العمل في جامع الصلاة، وهو حديث صحيح.

النهي عن الافتراش في السجود وعن الإقعاء

النهي عن الافتراش في السجود وعن الإقعاء: 1051 - * روى الترمذي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سجد أحدكم فليعتدل، ولا يفترش ذراعيه افتراش الكلب". 1052 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اعتدلوا في السجود، ولا يبسطن أحدكم ذراعيه انبساط الكلب". وزاد البخاري في رواية أخرى (3): "وإذا بزق فلا يبزقن بين يديه، ولا عن يمينه، فإنه يناجي ربه". 1053 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سجد أحدكم فلا يفترش يديه افتراش الكلب، وليضم فخذيه". 1054 - * روى ابن خزيمة عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تبسط ذراعيك كبسط السبع وأدغم على راحتيك، وتجاف عن ضبعيك، فإنك إذا فعلت ذلك سجد كل عضو منك". 1055 - * روى مسلم عن طاوس بن كيسان اليماني قال: "قلنا لابن عباس في الإقعاء

_ 1051 - الترمذي (2/ 65/ 66) أبواب الصلاة، 205 - باب ما جاء في الاعتدال في السجود. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وفي الباب عن عبد الرحمن بن شبل وأنسن والبراء، وأبي حميد، وعائشة، والعمل عليه عند أهل العلم يختارون الاعتدال في السجود، ويكرهون الافتراش كافتراش السبع. 1052 - البخاري (2/ 301) 10 - كتاب الأذان، 141 - باب لا يفترش ذراعيه في السجود. مسلم (1/ 355) 4 - كتاب الصلاة، 45 - باب الاعتدال في السجود. أبو داود (1/ 236) كتاب الصلاة، 157 - باب صفة السجود. الترمذي (2/ 66) أبواب الصلاة، 205 - باب ما جاء في الاعتدال في السجود. النسائي (2/ 213، 214) 12 - كتاب التطبيق، 53 - باب الاعتدال في السجود. (3) البخاري (2/ 15) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 8 - باب المصلي يناجي ربه عز وجل. 1053 - أبو داود (1/ 237) كتاب الصلاة، 157 - باب صفة السجود، وإسناده حسن. 1054 - ابن خزيمة (1/ 325) كتاب الصلاة، 185 - باب الاعتدال في السجود والنهي عن افتراش الذراعين، وإسناده حسن. مجمع الزوائد (2/ 126) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. 1055 - مسلم (1/ 380، 381) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 6 - باب جواز الإقعاء على العقبين.

- كيف يهوي إلى السجود

على القدمين؟ فقال: هي السنة، فقلنا له: أما تراه جفاء بالرجل؟ فقال ابن عباس: بل هي سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، وزاد أبو داود بعد (القدمين): (في السجود). أقول: نصب القدمين والجلوس على العقبين بين الركعتين يسمى إقعاء المحدثين ولم يقل باستحبابه من الفقهاء إلا النووي وهو رواية عن الشافعي والظاهر أن السنة الأغلبية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الجلوس بين الركعتين كانت افتراش القدم اليسرى ونصب القدم اليمنى كما سنرى ذلك في أحاديث لاحقة، وأما الإقعاء المتفق على كراهته فهو أن يجلس على أليتيه وأن يستند على يديه وأن يرفع ركبتيه ضاماً إياهما إلى الصدر فهذا لا خلاف في كراهته. - كيف يهوي إلى السجود: 1056 - * روى أبو داود عن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه". وفي رواية (1) لأبي داود، قال: "فلما سجد وقعتا ركبتاه إلى الأرض قبل أن يقعا كفاه، فلما سجد وضع جبهته بين كفيه، وجافى عن إبطيه". قال أبو داود: وفي حديث عاصم بن كليب عن أبيه بمثل هذا، وفي حديث أحد رواته: "وإذا نهض نهض على ركبتيه، واعتمد على فخذيه". قال الترمذي هذا حديث حسن غريب، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم يرون أن يضع الرجل ركبتيه قبل يديه وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه. اهـ وفي سنده شريك بن عبد الله النخعي القاضي وهو صدوق يخطئ وللحديث شواهد يتقوى بها (انظر شرح السنة 3/ 133 وجامع الأصول 5/ 378).

_ (1) أبو داود (1/ 223) كتاب الصلاة، 142 - باب الإقعاء بين السجدتين. الترمذي (2/ 73، 74) أبواب الصلاة، 210 - باب [ما جاء] في الرخصة في الإقعاء. 1056 - أبو داود (1/ 222) كتاب الصلاة، 140 - باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه. الترمذي (2/ 56) أبواب الصلاة، 199 - باب ما جاء في وضع الركبتين قبل اليدين في السجود. النسائي (2/ 206، 207) 12 - كتاب التطبيق، 38 - باب أول ما يصل إلى الأرض من الإنسان في سجوده. ابن ماجه (1/ 286) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 19 - باب السجود. (2) أبو داود (1/ 196، 197) كتاب الصلاة، 117 - باب افتتاح الصلاة.

قال أبو سليمان الخطابي: حديث وائل أثبت من هذا- يقصد حديث أبي هريرة الآتي- وزعم بعض العلماء أنه منسوخ وروى في ذلك خبراً ضعيفاً اهـ ملخصاً. قال البغوي واختلف العلماء في هذا- أي تقديم الركبتين أو اليدين- فذهب أكثرهم إلى أنه يضع الركبتين قبل اليدين اهـ ملخصاً. واستدل من قال إنه يقدم يديه بحديث أبي هريرة. أقول: وضع الإنسان ركبتيه ثم يديه ثم وجهه إذا سجد، ورفع وجهه ثم يديه ثم ركبتيه إذا قام، السنة عند الشافعية والحنابلة والحنفية، أما المالكية فيضعون أيديهم قبل ركبهم إذا سجدوا ويعتمدون على أيديهم في القيام، والنص الذي مر معنا حجة للمذاهب الثلاثة، والهيئة الأولى أدل على النشاط والهيئة الثانية تناسب بعض الناس لعارض، والأمر واسع لأن الخلاف حول السنية. 1057 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه" وفي رواية، قال: "يعمد أحدكم فيبرك في صلاته كما يبرك الجمل". قوله: (وليضع يديه قبل ركبتيه) بلفظ الأمر مشكل لأن البعير يضع يديه قبل رجليه فكيف ينهى عن بروك البعير ثم يأمر بتقديم اليد. ولذا أورده- والله أعلم- صاحب جامع الأصول بلفظ (يضع ..) ولا يرفع هذا الإشكال قول بعضهم ركبتا البعير في يديه لأنه لو كان كما قالوا لقال فليبرك كما يبرك البعير فإن أول ما يمس الأرض من البعير يده. وفي حاشية الترمذي ما نصه: (ولا يخفى أن أول هذا الحديث يخالف آخره لأنه إذا وضع يديه قبل ركبتيه فقد برك بروك البعير وما قيل في توقيفه: إن الركبة من الإنسان في الرجلين ومن ذوات الأربع في اليدين فرده

_ 1057 - أبو داود (1/ 222) كتاب الصلاة، 140 - باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه. النسائي (2/ 207) 12 - كتاب التطبيق، 38 - باب أول ما يصل إلى الأرض من الإنسان في سجوده، وإسناده حسن.

- صفة السجود

صاحب القاموس في سفر السعادة وقال هذا وهم وغلط ومخالف لأئمة اللغة، وقال ابن القيم: وأما حديث أبي هريرة فقد علله البخاري والترمذي والدارقطني. (انظر الإعلاء 3/ 26 - 27 وشرح السنة 3/ 134 - 135 وجامع الأصول 5/ 378). ويحتج لمن قال بتقديم اليدين بما: 1058 - * روى الدارقطني عن ابن عمر أنه كان يضع يديه قبل ركبتيه". وقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك. أخرجه الطحاوي في (شرح المعاني). - صفة السجود: 1059 - * روى مسلم عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سجدت فضع كفيك، وارفع مرفقيك". وفي رواية الترمذي (3)، قال: "قلت للبراء: أين كان النبي صلى الله عليه وسلم يضع وجهه إذا سجد؟ فقال: بين كفيه". 1060 - * روى مسلم عن ميمونة رضي الله عنها: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد لو أن بهمة أرادت أن تمر بين يديه مرت". وزاد أبو داود (5) والنسائي (6) بعد قوله: "سجد":

_ 1058 - الحاكم (1/ 226) على شرط مسلم، وصححه، ووافقه الذهبي. البيهقي (2/ 100) كتاب الصلاة، باب- من قال يضع يديه قبل ركبتيه، وقد أخرجه من طريق عبد العزيز بن محمد الدراودري عن عبد الله بن عمر عن نافع، وقد أعله البيهقي فقال: "كذا قال عبد العزيز، ولا أراه وهماً. يعني رفعه. قال: والمحفوظ ما اخترنا ثم أخرج من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: إذا سجد أحدكم فليفتح يديه، وإذا رفع فليزمهما. قال الحافظ: ولقائل يقول، هذا الموقوف غير المرفوع، فإن الأول في تقديم وضع اليدين على الركبتين والثاني في إثبات وضع اليدين ض في الجملة "انظر ارواء الغليل 2/ 77. 1059 - مسلم (1/ 356) 4 - كتاب الصلاة، 45 - باب الاعتدال في السجود، ووضع الكفين على الأرض. ابن خزيمة (1/ 329) 193 - باب وضع الكفين على الأرض ورفع المرفقين في السجود. (3) الترمذي (2/ 60) أبواب الصلاة، 202 - باب ما جاء أين يضع الرجل وجهه إذا سجد. 1060 - مسلم (1/ 357) 4 - كتاب الصلاة، 46 - باب ما يجمع صفة الصلاة. (5) أبو داود (1/ 236) كتاب الصلاة، 157 - باب صفة السجود. (6) النسائي (2/ 213) 12 - باب التطبيق، 90 - باب التكبير للسجود. (بهمة) البهمة: الصغير من الغنم.

"جافى بين جنبيه حتى- وفي أخرى (1) للنسائي- كان إذا سجد خوى يده حتى يرى وضح إبطيه من ورائه، وإذا رفع اطمأن على فخذه اليسرى". 1061 - * روى الشيخان عن عبد الله بن مالك بن بحينة رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه". وفي رواية (2): كان إذا سجد يجنح في سجوده، حتى يرى وضح إبطيه. (بحينة): أم عبد الله، وأبوه مالك. 1062 - * روى أبو داود عن أحمر بن جزء رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد جافى عضديه عن جنبيه، حتى نأوي له". 1063 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجلس الرجل في الصلاة وهو معتمد على يده". وفي رواية (3): "نهى أن يعتمد الرجل على يده في الصلاة". وفي أخرى (4): "نهى أن يصلي الرجل وهو معتمد على يده. وفي أخرى (5): أن يعتمد الرجل على يديه إذا نهض من الصلاة". 1064 - * روى الطبراني عن سمرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا في الصلاة

_ (1) النسائي (2/ 232) 12 - باب التطبيق، 88 - باب كيف الجلوس بين السجدتين. (وضح إبطيه) الوضح: البياض، وأراد به: البياض الذي تحت إبطيه، وذلك للمبالغة في التجافي، وإبعاد اليدين عن الجنبين. (خوى) في صلاته: إذا رفع بطنه عن الأرض عند السجود، وهو مستحب للرجال دون النساء. 1061 - البخاري (1/ 496) 8 - كتاب الصلاة، 27 - باب يبدي ضبعيه ويجافي في السجود. مسلم (1/ 356) 4 - كتاب الصلاة، 46 - باب ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به. (2) مسلم، نفس الموضع السابق. 1062 - أبو داود (1/ 237) كتاب الصلاة، 157 - باب صفة السجود. (نأوي) آويت لفلان آوى: إذا رحمته وأشفقت عليه. 1063 - أبو داود (1/ 260) كتاب الصلاة، 186 - باب كراهية الاعتماد على اليد في الصلاة، وإسناده صحيح. (3) نفس الموضع السابق. (4) نفس الموضع السابق. (5) نفس الموضع السابق. 1064 - الطبراني (المعجم الكبير) (7/ 250، 251).

- أعضاء السجود

ورفعنا رؤوسنا من السجود أن نطمئن على الأرض جلوساً ولا نستوفز على أطراف الأقدام". أقول: السنة في الجلوس بين السجدتين أن يفترش الإنسان رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى موجهاً أصابعها نحو القبلة ويجلس عليهما وهما كذلك، أما المرأة فتتورك عند الحنفية كما ذكرنا. 1065 - * روى الطبراني عن عبد الرحمن بن يزيد قال: رمقت عبد الله بن مسعود في الصلاة فرأيته ينهض ولا يجلس قال ينهض على صدور قدميه في الركعة الأولى والثالثة". أقول: في النص دلالة على أن ابن مسعود لم يكن يرى أن جلسة الاستراحة من السنة وهي سنة عند الشافعية. 1066 - * روى ابن خزيمة عن ابن عمر، قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم إذا جلس الرجل في الصلاة أن يعتمد على يده اليسرى". أقول: المنهي عنه هو أن يجلس الإنسان بين السجدتين ويميل على يساره معتمداً على يده اليسرى وهي على الأرض وهذا منهي عنه في القعودين الأول والأخير. - أعضاء السجود: 1067 - * روى أحمد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يرفعه، قال: إن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه، فإذا وضع أحدكم وجهه فليضعهما، وإذا رفعه فليرفعهما.

_ مجمع الزوائد (2/ 135، 136) وقال الهيثمي: رواه هكذا الطبراني في الكبير، وإسناده حسن، وقد تكلم الأزدي وابن حزم في بعض رجاله بما لا يقدح. 1065 - الطبراني (المعجم الكبير) (9/ 306). مجمع الزوائد (4/ 136) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. 1066 - ابن خزيمة (1/ 343) 211 - باب الزجر عن الاعتماد على اليد في الجلوس في الصلاة. الحاكم (1/ 230) على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. 1067 - أحمد (2/ 6). أبو داود (1/ 235) كتاب الصلاة، 154 - باب أعضاء السجود. النسائي (2/ 207) 12 - كتاب التطبيق، 39 - باب وضع اليدين مع الوجه في السجود. الحاكم (1/ 226) وقال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وصححه ووافقه الذهبي.

1068 - * روى مالك عن نافع- مولى ابن عمر: أن ابن عمر كان يقول: "من وضع جبهته بالأرض فليضع كفيه على الذي وضع عليه جبهته، ثم إذا رفع فليرفعهما، فإن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه". مسألة: لو سجد على كوري عمامته إذا كان على جبهته أو على طرف ثوبه أو جزء منه جاز عند الحنفية والمالكية والحنابلة، ويكره عندهم إلا من عذر. وقال الشافعية: إن سجد على متصل يتحرك بحركته لم يجز وإن كان متعمداً عالماً بطلت صلاته، وإن كان ناسياً أو جاهلاً لم تبطل وأعاد السجود. 1069 - * روى الترمذي عن أبي حميد رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته من الأرض، ونحى يديه عن جنبيه، ووضع كفيه حذو منكبيه". أقول: يستحب وضع الأنف مع الجبهة عند الشافعية والمالكية في السجود ويجب عند الحنابلة وضع جزء من الأنف، وقال الحنفية: إن اقتصر على الجبهة في السجود دون الأنف جاز مع الكراهة. 1070 - * روى أحمد عن أبي إسحاق، قال، سمعت البراء، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسجد على إليتي الكف. أقول: المراد هنا: أن السجود يكون بباطن الكفين وليس على طرفيهما، وكلما قدر الإنسان أن يمس من باطن كفه الأرض فذلك أفضل. 1071 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إني لا آلو أن أصلي

_ 1068 - الموطأ (1/ 163) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 19 - باب وضع اليدين على ما يوضع الوجه في السجود، وإسناده صحيح. 1069 - الترمذي (2/ 59) أبواب الصلاة، 201 - باب ما جاء في السجود على الجبهة والأنف. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، والعمل به عند أهل العلم أن يسجد الرجل على جبهته وأنفه. 1070 - أحمد (4/ 295) ورجاله رجال صحيح. ابن خزيمة (1/ 323) 180 - باب السجود على إليتي الكف. 1071 - البخاري (2/ 301) 10 - كتاب الأذان، 140 - باب المكث بين السجدتين.

بكم كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا. قال ثابت: فكان أنس يصنع شيئاً لا أراكم تصنعونه، كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائماً، حتى يقول القائل: قد نسي، وإذا رفع رأسه من السجدة مكث حتى يقول القائل: قد نسي. وفي رواية نحوه (1)، إلا أنه قال: وإذا رفع رأسه بين السجدتين، وللبخاري (2) قال: كان أنس ينعت لنا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يصلي، فإذا رفع رأسه من الركوع قام حتى نقول: قد نسي. وفي رواية (3) أبي داود، قال: "ما صليت خلف رجل أوجر صلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في تمام، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: "سمع الله لمن حمده"، قام حتى نقول: قد أوهم، ثم يكبر ويسجد، وكان يقعد بين السجدتين، حتى نقول: قد أوهم". 1072 - * روى الترمذي عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع اليدين، ونصب القدمين. وقال: وقد روي عن عامر (4) مرسلاً. أقول: تنصب القدمان في السجود ويتجه بالأصابع نحو القبلة، فيكون السجود على باطن الأصابع ولا يجزئ أن يسجد على ظاهر قدميه ولا على حرفهما. 1073 - * روى النسائي عن يوسف بن ماهك قال: قال حكيم بن حزام: بايعت النبي صلى الله عليه وسلم: أن لا أخر إلا قائماً. 1074 - * روى مسلم عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: إنه سمع

_ مسلم (1/ 344) كتاب الصلاة، 38 - باب اعتدال أركان الصلاة وتخفيفها في تمام. (1) البخاري نفس الموضع السابق. (2) البخاري (2/ 287) 10 - كتاب الأذان، 127 - باب الطمأنينة حين يرفع رأسه من الركوع. (3) أبو داود (1/ 225) كتاب الصلاة، 146 - باب طول القيام من الركوع بين السجدتين. 1072 - الترمذي (2/ 67) أبواب الصلاة، 206 - باب ما جاء في وضع اليدين ونصب القدمين في السجود وهو حديث صحيح، قال الترمذي: وهو الذي أجمع عليه أهل العلم واختاروه. (4) الترمذي (2/ 68) في نفس الموضع السابق. هو حديث صحيح. 1073 - النسائي (2/ 205) 12 - كتاب التطبيق، 35 - باب كيف يخر السجود. وإسناده حسن. 1074 - مسلم (1/ 355) 4 - كتاب الصلاة، 44 - باب أعضاء السجود والنهي عن كف الشعر. أبو داود (1/ 235) كتاب الصلاة، 154 - باب أعضاء السجود. الترمذي (2/ 61) أبواب الصلاة، 203 - باب ما جاء في السجود على سبعة أعضاء.

- المنهي عنه في السجود

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب: وجهه، وكفاه، وركبتاه، وقدماه". فائدة: المنع من كف الشعر لما فيه من حرمانه من السجود، قال ابن حجر الحكمة في ذلك أنه إذا رفع ثوبه وشعره عن مباشرة الأرض أشبه المتكبر (فتح الباري 2/ 235). - المنهي عنه في السجود: 1075 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نسجد على سبعة أعضاء، ولا نكف شعراً ولا ثوباً-: الجبهة، واليدين، والركبتين، والرجلين. وفي أخرى (2): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة- وأشار بيده إلى أنفه- واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين، ولا نكفت الثياب ولا الشعر". وفي أخرى (3)، قال: "أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد منه على سبعة: ونهي أن يكفت الشعر والثياب".

_ النسائي (2/ 208) 12 - كتاب التطبيق، 41 - تفسير ذلك، 46 - باب السجود على القدمين. ابن خزيمة (1/ 320) كتاب الصلاة، جماع أبواب الأذان والإقامة، 175 - باب ذكر عدد الأعضاء التي تسجد من المصلي. (آراب): جمع إرب، وهو العضو. 1075 - البخاري (2/ 295) 10 - كتاب الأذان، 133 - باب السجود على سبعة أعظم. مسلم (1/ 354) 4 - كتاب الصلاة، 44 - باب أعضاء السجود والنهي عن كف الشعر والثوب. ابن خزيمة (1/ 320) كتاب الصلاة، 176 - باب الأمر بالسجود على الأعضاء السبعة. (1) البخاري (2/ 297) 10 - كتاب الأذان، 134 - باب السجود على الأنف. مسلم (1/ 354) 4 - كتاب الصلاة، 44 - باب أعضاء السجود والنهي عن كف الشعر والثوب. ابن خزيمة (1/ 321) كتاب الصلاة، 177 - باب ذكر تسمية الأعضاء السبعة التي أمر المصلي بها. (2) البخاري (2/ 229) 10 - كتاب الأذان، 137 - باب لا يكف الشعر. مسلم (1/ 354) 4 - كتاب الصلاة، 44 - باب النهي عن كف الشعر والثوب. ابن خزيمة (1/ 321) كتاب الصلاة، 177 - باب ذكر تسمية الأعضاء السبعة التي أمر المصلي بالسجود عليهن. (نكف شعراً) كف الشعر: عقصه، وغرز طرفه في أعلى الضفيرة، وقد نهي عنه. (نكفت الثياب) يقال: كفت الثوب: إذا ضممته وجمعته من الانتشار، والمنهي عنه: هو جمع الثوب باليدين عند الركوع والسجود.

1076 - * روى الشيخان عن أبي سلمة حدثني معيقيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرجل يسوي التراب حيث يسجد قال: "إن كان فاعلاً فواحدة". كره أهل العلم مسح الحصاة في الصلاة ورخص بمرة واحدة تسوية لمكان سجوده ورخص فيه مالك أكثر من مرة. 1077 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود أنه مر على رجل ساجد ورأسه معقوص فحله فلما انصرف قال له عبد الله لا تعقص فإن الشعر يسجد وإن لك بكل شعرة أجراً قال إنما عقصته لكي لا يتترب قال: أن يتترب خير لك. 1078 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود قال إذا سجد أحدكم فلا يسجد مضطجعاً ولا متوركاً فإنه إذا أحسن السجود سجد كل عضو فيه. 1079 - * روى مالك عن نافع مولى ابن عمر: (أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا سجد وضع كفيه على الذي وضع عليه وجهه، قال نافع: ولقد رأيته في يوم شديد البرد، وإنه ليخرج كفيه من تحت برنس له، حتى يضعهما على الحصباء). 1080 - * روى البخاري عن مجزأة بن زاهر: عن رجل من أصحاب الشجرة اسمه أهبان بن أوس، وكان يشتكي ركبتيه، فكان إذا سجد: جعل تحت ركبتيه وسادة.

_ 1076 - البخاري (3/ 79) 21 - كتاب العمل في الصلاة، 8 - باب مسح الحصى في الصلاة. مسلم (1/ 389) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 13 - باب النهي عن البصاق في المسجد. أبو داود (1/ 249) كتاب الصلاة، 174 - باب في مسح الحصى في الصلاة. الترمذي (2/ 220) أبواب الصلاة، 279 - باب ما جاء في كراهية مسح الحصى في الصلاة. 1077 - الطبراني "في المعجم الكبير" (9/ 307). مجمع الزوائد (2/ 126) وقال الهيثمي، رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. 1078 - الطبراني (9/ 306) "في المعجم الكبير". مجمع الزوائد (2/ 127) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. التورك هو أن يلصق إليتيه بعقبيه، والورك: ما فوق الفخذ. 1079 - الموطأ (1/ 163) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 19 - باب وضع اليدين على ما يوضع عليه الوجه في السجود. 1080 - البخاري (7/ 451) 64 - كتاب المغازي، 35 - باب غزوة الحديبية.

1081 - * روى البخاري عن أنس، قال: كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شدة الحر، فإذا أراد أحدنا أن يسجد بسط ثوبه من شدة الحر وسجد عليه. وقال الصنعاني: فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن وجهه من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه. 1082 - * روى مالك عن نافع- مولى ابن عمر: أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول: إذا لم يستطع المريض السجود: أومأ برأسه إيماءً، ولم يرفع إلى جبهته شيئاً. - أذكار الركوع والسجود: 1083 - * روى أبو داود عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: لما نزلت (فسبح باسم ربك العظيم) [الواقعة: 74، 96] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجعلوها في ركوعكم"، ولما نزلت: (سبح اسم ربك الأعلى) [الأعلى: 1] قال: "اجعلوها في سجودكم". زاد في رواية (4) قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع قال: "سبحان ربي العظيم وبحمده- ثلاثاً- وإذا سجد قال: سبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاثاً". 1084 - * روى الطبراني عن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسبح في ركوعه

_ 1081 - البخاري (3/ 80) 21 - كتاب العمل في الصلاة، 9 - باب بسط الثوب في الصلاة للسجود. ابن خزيمة (1/ 336) كتاب الصلاة، 201 - باب إباحة السجود على الثياب اتقاء الحر. 1082 - الموطأ (1/ 168) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 23 - باب العمل في جامع الصلاة. وإسناده صحيح. 1083 - أبو داود (1/ 230) كتاب الصلاة، 150 - باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده. وقال: هذه الزيادة نخاف أن لا تكون محفوظة. ابن ماجه (1/ 287) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 19 - باب السجود. الدارمي (1/ 299) كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع- وهو حديث حسن. (4) أبو داود (1/ 230) كتاب الصلاة، 150 - باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده. (سبحان ربي وبحمده) سبحان: مصدر سبح يسبح تسبيحاً وسبحاناً، أي، نزه وبرأ، ومعناه: تنزيه الله، وهو منصوب أبداً، والباء في "وبحمده" متعلقة بمحذوف، تقديره، وبحمده سبحت. 1084 - مجمع الزوائد (2/ 128) وقال الهيثمي: رواه البزار والطبراني في الكبير. وقال البزار لا نعلمه يروى عن أبي بكرة إلا بهذا الإسناد وعبد الرحمن بن أبي بكرة صالح الحديث.

سبحان ربي العظيم ثلاثاً وفي سجوده سبحان ربي الأعلى ثلاثاً. 1085 - * روى أبو داود عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى، وما أتى على آية رحمة إلا وقف وسأل، وما أتى على آية عذاب إلا وقف وتعوذ. 1086 - * روى الجماعة إلا الموطأ والترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، يتأول القرآن. 1087 - * روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده: "سبوح قدوس، رب الملائكة الروح".

_ كشف الأستار (1/ 262) كتاب الصلاة، باب ما يقول في ركوعه وسجوده. 1085 - أبو داود (1/ 230) كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل في ركوعه. الترمذي (2/ 48) أبواب الصلاة، 194 - باب ما جاء في التسبيح في الركوع والسجود. وقد ورد هذا الحديث في "مسلم" ولكن بسياق آخر، وقد ورد في. مسلم (1/ 537) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 27 - باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. 1086 - البخاري (2/ 299) 10 - كتاب الأذان، 139 - باب التسبيح والدعاء في السجود. مسلم (1/ 350) 4 - كتاب الصلاة، 42 - باب ما يقال في الركوع والسجود. أبو داود (1/ 232) كتاب الصلاة، باب في الدعاء في الركوع والسجود. النسائي (2/ 220) 12 - كتاب التطبيق، الدعاء في السجود، 65 - نوع آخر. ابن ماجه (1/ 287) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 20 - باب التسبيح في الركوع والسجود. (يتأول القرآن) معنى قولها: "يتأول القرآن" أن قوله صلى الله عليه وسلم "سبحان ربي وبحمده" من قوله تعالى: (فسبح بحمد ربك). 1087 - مسلم (1/ 353) 4 - كتاب الصلاة، 42 - باب ما يقال في الركوع والسجود. أبو داود (1/ 230) كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده. النسائي (2/ 224) 12 - كتاب التطبيق، 75 - نوع آخر. (سبوح): فعول من التسبيح، مضموم الأول، وقد فتح، وليس بالكثير. (القدوس): المنزه عن العيوب والنقائص. (الروح): قيل: هو اسم ملك من الملائكة عظيم الشأن والخلق، وقيل: هو اسم جيريل، وقيل: هو روح الخلائق التي بها حياتهم وبقاؤهم.

أقول: هذان النصان محمولان عند الحنفية على صلاة النافلة أو قيام الليل، وله أن يقول مثل ذلك في الفريضة والنفل عند آخرين. 1088 - * روى مسلم عن ابن أبي أوفى رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع ظهره من الركوع قال: "سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد، ملء السموات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد". زاد في رواية (2): "اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد، اللهم طهرني من الذنوب والخطايا، كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس". وفي رواية (3) الترمذي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم برد قلبي بالثلج والبرد .. الحديث" ولم يذكر أول حديث مسلم. 1089 - * روى مسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع قال: "اللهم ربنا لك الحمد، ملء السموات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد". 1090 - * روى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال: "اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد- وكلنا لك عبد- اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد".

_ 1088 - مسلم (1/ 346) 4 - كتاب الصلاة، 40 - باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع. (2) مسلم ص 346، 347 الموضع السابق. (3) الترمذي (5/ 551) 49 - كتاب الدعوات، 102 - باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم. 1089 - مسلم (1/ 347) الموضع السابق. 1090 - مسلم (1/ 347) الموضع السابق. أبو داود (1/ 224) كتاب الصلاة، 143 - باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع. النسائي (2/ 199) 12 - كتاب التطبيق، 25 - باب ما يقول في قيامه ذلك. (لا ينفع ذا الجد منك الجد) الجد: البخت، وقيل: الغني، أي: لا ينفع المحبوب المسعود، أو الغني حظه

1091 - * روى النسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال: "اللهم ربنا لك الحمد". 1092 - * روى الترمذي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك لحمد، ملء السموات وملء الأرض، وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد". 1093 - * روى مالك عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه قال: "كنا نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رفع رأسه من الركعة قال: "سمع الله لمن حمده"، وقال رجل وراءه: ربنا لك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه. فلما انصرف قال: "من المتكلم آنفاً؟ " قال: أنا، قال: "رأيت بضعة وثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أول" هذه رواية البخاري والموطأ. وفي رواية (1) الترمذي قال: "صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعطست فقلت: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، مباركاً عليه، كما يحب ربنا ويرضى، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: انصرف فقال: "من المتكلم في الصلاة؟ " فلم يتكلم أحد، ثم قالها الثانية: "من المتكلم في الصلاة؟ " فلم يتكلم أحد، ثم قالها الثالثة: "من المتكلم في الصلاة؟ " فقال رفاعة: أنا يا رسول الله. فقال: "كيف قلت؟ " قال: قلت: الحمد

_ وغناه اللذان هما منك، إنما ينفعه العمل والطاعة والإخلاص. قال النووي في شرح مسلم: "أهل" بالنصب على النداء، هذا هو المشهور، وجوز بعضهم رفعه على تقدير: أنت أهل الثناء، والمختار النصب. 1091 - النسائي (2/ 195) 12 - كتاب التطبيق، 21 - باب ما يقول الإمام إذا رفع رأسه من الركوع وبلفظ "اللهم ربنا ولك الحمد، ص 196، النسائي. 1092 - الترمذي (2/ 53) أبواب الصلاة، 197 - باب ما يقول الرجل إذا رفع رأسه من الركوع وقال حسن صحيح. 1093 - الموطأ (1/ 211، 212) 15 - كتاب القرآن، 7 - باب ما جاء في ذكر الله تبارك وتعالى. البخاري (2/ 284) 10 - كتاب الأذان، 126 - باب. (1) الترمذي (2/ 254، 255) أبواب الصلاة، 296 - باب ما يقول المأموم. (آنفاً) فعلت كذا آنفاً: أي الآن. (بضعة) البضع: ما بين الثلاثة من العدد إلى التسعة، والهاء فيها لتأنيث اللفظة.

لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، مباركاً عليه، كما يحب ربنا ويرضى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، لقد ابتدرها بضعة وثلاثون ملكاً أيهم يصعد بها؟ " وأخرج أبو داود (1) والنسائي (2) نفس الروايتين معاً. قال الحافظ في الفتح: (2/ 238): واستدل به على جواز إحداث ذكر في الصلاة غير مأثور إذا كان غير مخالف للمأثور، وعلى جواز رفع الصوت بالذكر ما لم يشوش على من معه، وعلى أن العاطس في الصلاة يحمد الله بغير كراهة، وأن المتلبس بالصلاة لا يتعين عليه تشميت العاطس، وعلى تطويل الاعتدال بالذكر. أقول: الزيادة على: اللهم ربنا ولك الحمد، حين الاعتدال من الركوع تسن عند الشافعية والحنابلة وعند الحنفية للمنفرد، أما الإمام فيلحظ استعداد المصلين للتطويل، فلا يطيل ولو ظن أن هنا واحداً على عجل. 1094 - * روى مسلم عن ابن عباس، قال: "كشف النبي صلى الله عليه وسلم الستارة والناس صفوف خلف أبي بكر، فقال: "أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له، ألا إني نهيت أن أقرأ راكعاً أو ساجداً. فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم". هذا حديث عبد الجبار. أقول: يندب الدعاء في السجود عند المالكية في الفريضة والنافلة، والحنفية يحملون ما ورد في الندب إلى الدعاء في السجود على النافلة. 1095 - * روى الطبراني عن عبد الله بن زياد الأسدي أنه سمع عبد الله بن مسعود يقول وهو راكع لا حول ولا قوة إلا بالله.

_ (1) أبو داود (1/ 204، 205) كتاب الصلاة، 121 باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء. (2) النسائي (2/ 196) كتاب التطبيق، 22 - باب ما يقول المأموم. 1094 - مسلم (1/ 348) 4 - كتاب الصلاة، 41 - باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود. ابن خزيمة (1/ 276) كتاب الصلاة، 124 - باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود. 1095 - مجمع الزوائد (2/ 129). وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح.

1096 - * روى النسائي عن محمد بن مسلمة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان إذا قام يصلي تطوعاً يقول إذا ركع: "اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، وعليك توكلت، أنت ربي، خشع سمعي وبصري ولحمي ودمي ومخي وعصبي لله رب العالمين". 1097 - * روى النسائي عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: "قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما ركع مكث قدر سورة البقرة ويقول في ركوعه: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة". أقول: هذا محمول عند الحنفية على أنه كان يصلي نافلة. 1098 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده: "اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، أوله وآخره، سره وعلانيته". 1099 - * روى البزار عن عبد الله بن مسعود قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في سجوده إذا سجد: "سجد لك سوادي وخيالي وآمن بك فؤادي أبوء بنعمتك علي، هذه يدي وما جنيت على نفسي". 1100 - * روى الطبراني عن عبد الرحمن بن يزيد قال: كان عبد الله بن مسعود

_ 1096 - النسائي (2/ 192) 12 - كتاب التطبيق، 14 - نوع آخر. (خشع الخشوع): [الخضوع و] الذل. 1097 - النسائي (2/ 191) 12 - كتاب التطبيق، 12 - نوع آخر من الذكر في الركوع. (الملكوت): من الملك، كالرهبوت من الرهبة، والجبروت من الجبر أي الكبرياء. (الكبرياء): العظمة والجلال، ولا يوصف به إلا الله تعالى دون غيره. 1098 - مسلم (1/ 350) 4 - كتاب الصلاة، 42 - باب ما يقال في الركوع والسجود. أبو داود (1/ 232) كتاب الصلاة، 151 - باب في الدعاء في الركوع والسجود والحديث لمسلم ولأبي داود بلفظ "علانيته وسره". (دقه وجله): الدقيق من الأمور: الصغير منها، والجليل: العظيم الكبير منها. 1099 - كشف الأستار (1/ 264) باب ما يقول في ركوعه وسجوده. مجمع الزوائد (2/ 218) وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله ثقات. 1100 - مجمع الزوائد (2/ 129) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح.

يسوي الحصى بيده مرة واحدة إذا أراد أن يسجد وهو يقول في سجوده لبيك وسعديك. 1101 - * روى الطبراني عن أبي الأسود وشداد بن الأزمع عن ابن مسعود قال: اختلفا فقال أبو الأسود كان عبد الله يقول في سجوده: سبحانك اللهم لا رب غيرك، وقال شداد كان يقول: سبحانك لا إله غيرك. 1102 - * روى مالك عن عائشة رضي الله عنها قالت: "فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفراشن فالتمسته، فوقعت يدي في بطن قدميه، وهو في المسجد، وهما منصوبتان، وهو يقول: "اللهم إني أعوذ بك برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك". وفي رواية (3) قالت: افتقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فظننت أنه ذهب إلى بعض نسائه، فتحسست، ثم رجعت، فإذا هو راكع- أو ساجد- يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، فقلت: بأبي أنت وأمي، إني لفي شأن، وإنك لفي آخر". 1103 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده: "اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، وأنت ربي، سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين".

_ 1101 - الطبراني (9/ 305) (المعجم الكبير) ورواية أبي الأسود رجالها رجال الصحيح، وشداد وثقه ابن حبان. 1102 - الموطأ (1/ 214) 15 - كتاب القرآن، 8 - باب ما جاء في الدعاء. أبو داود (1/ 232) كتاب الصلاة، 151 - باب في الدعاء في الركوع والسجود. الترمذي (5/ 524) 76 - باب. ابن خزيمة (1/ 335) كتاب الصلاة، 199 - باب الدعاء في السجود. (3) مسلم (1/ 352) 4 - كتاب الصلاة، 42 - باب ما يقال في الركوع والسجود. النسائي (7/ 72) 36 - كتاب عشرة النساء، 4 - باب الغيرة. 1103 - مسلم (1/ 534، 535) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 26 - باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه. النسائي (2/ 221) كتاب التطبيق، 68 - نوع آخر. (أسلمت) أسلم الرجل: إذا انقاد وأذعن وأطاع.

1104 - * روى النسائي عن محمد بن مسلمة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يصلي تطوعاً قال إذا سجد: "اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، اللهم أنت ربي، سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين". 1105 - * روى مسلم عن علي: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كبر، فذكر الحديث. وقال: ثم إذا سجد قال في سجوده: "اللهم لك سجدت، وبك آمنت ولك أسلمت، وأنت ربي، سجد وجهي للذي خلقه، وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين". أقول: هذا الحديث يشهد لمذهب المالكية في الندب إلى الدعاء في السجود ولو كان الإنسان في فريضة. 1106 - * روى الترمذي عن ابن عباس: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إني رأيت في هذه الليلة فيما يرى النائم كأني أصلي خلف شجرة فرأيت كأني قرأت سجدة، فسجدت فرأيت الشجرة كأنها تسجد بسجودي، فسمعتها- وهي ساجدة- وهي تقول: اللهم اكتب لي عندك بها أجراً، واجعلها لي عندك ذخراً، وضع عني بها وزراً، واقبلها مني كما قبلت من عبدك داود. قال ابن عباس: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ السجدة ثم سجد، فسمعته- وهو ساجد- يقول مثل ما قال الرجل عن كلام الشجرة. 1107 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان

_ 1104 - النسائي (2/ 222) كتاب التطبيق، 69 - نوع آخر. وإسناده صحيح. 1105 - مسلم (1/ 534، 535) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 26 - باب الدعاء في صلاة الليل. ابن خزيمة (1/ 335، 336) كتاب الصلاة، 199 - باب الدعاء في السجود. 1106 - الترمذي (2/ 472، 473) أبواب الصلاة، 407 - باب ما يقول في سجود القرآن. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب في حديث ابن عباس، وقال محقق الترمذي الشيخ شاكر، وهو حديث صحيح، وقد نقل الحافظ في التهذيب أن ابن حبان وابن خزيمة روياه في صحيحيهما. ابن خزيمة (1/ 282) 134 - باب الذكر والدعاء عند قراءة السجدة. 1107 - الترمذي (1/ 76) أبواب الصلاة، 211 - باب ما يقول بين السجدتين. وقال: هكذا روي عن علي.

- ما ورد في جلسة الاستراحة

يقول بين السجدتين: "اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني". وفي رواية (1) أبي داود قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال: "اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني". 1108 - * روى أحمد عن عائشة رضي الله عنها: أنها فقدت النبي صلى الله عليه وسلم من مضجعه فلمسته بيدها فوقعت عليه وهو ساجد وهو يقول: "رب أعط نفسي تقواها زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها". - ما ورد في جلسة الاستراحة: 1109 - * روى أبو داود عن عباس أو عياش بن سهل الساعدي أنه كان في مجلس فيه أبوه وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وفي المجلس أبو هريرة وأبو حميد الساعدي وأبو أسيد فذكر الحديث، وفيه: ثم كبر فسجد، ثم كبر فقام، ولم يتورك. (آثار السنن 1 - 120). 1110 - * روى ابن أبي شيبة عن النعمان بن أبي عياش قال: أدركت غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا رفع رأسه من السجدة في أول ركعة والثالثة، قام كما هو، ولم يجلس. (آثار السنن 1/ 121). 1111 - * روى الطبراني عن عبد الرحمن بن يزيد قال: رمقت عبد الله بن مسعود في

_ (1) أبو داود (1/ 224) كتاب الصلاة، 144 - باب الدعاء بين السجدتين. ابن ماجه (1/ 290) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 23 - باب ما يقول بين السجدتين. الحاكم (1/ 262) كتاب الصلاة وصححه ووافقه الذهبي. 1108 - أحمد (6/ 209). مجمع الزوائد (10/ 110) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير صالح بن سعيد الراوي عن عائشة وهو ثقة. 1109 - أبو داود (1/ 253) أبواب الصلاة، 180 - باب من ذكر التورك في الرابعة، وإسناده صحيح. 1110 - رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، وإسناده حسن. 1111 - الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 306). مجمع الزوائد (2/ 136) وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. البيهقي (2/ 125) كتاب الصلاة، باب من قال يرجع على صدور قدميه وصححه.

الصلاة فرأيته ينهض ولا يجلس، قال: ينهض على صدور قدميه في الركعة الأولى والثالثة. (آثار السنن 1 - 121). 1112 - * روى ابن أبي شيبة عن وهب بن كيسان قال: رأيت ابن الزبير رضي الله عنه إذا سجد السجدة الثانية قام كما هو على صدور قدميه. (آثار السنن 1 - 121). 1113 - * روى الترمذي عن أبي هريرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهض على صدور قدميه. قال صاحب الإعلاء (3/ 39): وقد صرح غير واحد بأن من دليل صحة الحديث قول أهل العلم به، وإن لم يكن له إسناد يعتمد على مثله اهـ (ص- 12). وبعد ذلك فاندفع ما قاله الشوكاني ونصه: وما روى ابن المنذر عن النعمان بن أبي عياش قال: أدركت غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا رفع رأسه من السجدة في أول ركعة وفي الثالثة قام كما هو، ولم يجلس، وذلك لا ينافي القول بأنها سنة، لأن الترك لها من النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الحالات إنما ينافي وجوبها فقط، وكذلك ترك بعض الصحابة لا يقدح في سنيتها لأن ترك ما ليس بواجب جائز اهـ (2/ 164) ووجه الاندفاع ما ورد في حديث الترمذي من لفظة كان الدالة على المواظبة، وكذا ورد عند سعيد بن منصور عن ابن مسعود بسند صحيح، وما في [الآثار الأخرى]. بلفظة كان الدالة على المواظبة يدل على أن أكابر الصحابة رضي الله عنهم. كانوا مواظبين على ترك هذه الجلسة، وذلك ينافي القول بسنيتها قطعاً. وأما ما رواه الجماعة إلا

_ 1112 - رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، وإسناده صحيح. 1113 - الترمذي (2/ 80) أبواب الصلاة، 214 - باب منه أيضاً. وقال عليه العمل عند أهل العلم يختارون أن ينهض الرجل في الصلاة على صدور قدميه، وخالد بن أياس الراوي في هذا السند ضعيف عند أهل الحديث. قلت: ولكن قال ابن عدي: أحاديثه كلها غرائب وإفراد، ومع ضعفه يكتب حديثه ا. هـ. كذا في تهذيب التهذيب 8113 ولا يخفى أن حديثه هذا له شواهد صحيحة قال الحافظ في الفتح 2/ 250، عند سعيد بن منصور بإسناد ضعيف عن أبي هريرة أنه رضي الله عنه كان ينهض على صدور قدميه، وعن ابن مسعود مثله بإسناد صحيح. وعن إبراهيم: أنه كره أن يعمد على يديه إذا نهض.

- فضل السجود

مسلماً وابن ماجه كما في النيل (1 - 163) عن مالك بن الحويرث أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعداً اهـ، فالجواب عنه ما ذكره في الهداية (1 - 92) ونصه: محمول على حالة الكبر، ولأن هذه قعدة استراحة، والصلاة ما وضعت لها اهـ. قلت: [صاحب الإعلاء] ويؤيده ما رواه أبو داود وسكت عنه عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تبادروني بركوع ولا بسجود فإنه مهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني به إذا رفعت، إني قد بدنت" اهـ. وأما ما رواه البخاري في الاستيذان بعد ما ترجم من رد فقال: عليك السلام (2 - 923) في حديث المسيء صلاته: ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ثم ارفع حتى تطمئن جالساً ثم افعل ذلك في صلاتك كلها اهـ فهذا لا يصح الاحتجاج به أصلاً، فإن البخاري أشار إلى أن هذه اللفظة أي قوله: حتى تطمئن جالساً في المرة الثانية وهم، فإنه عقبه بقوله: قال أبو أسامة في الأخير: حتى يستوي قائماً اهـ. صرح به الحافظ في الفتح (2 - 231). أو يمكن أن يحمل إن كان محفوظاً على الجلوس للتشهد. ا. هـ فمذهب الحنفية ترك جلسة الاستراحة. وقال الشافعية بجلسة الاستراحة واستدلوا بما روي عن مالك بن الحويرث السابق ذكره. قال البغوي: والجلسة سنة عقيب السجدتين في الركعة الأولى والثالثة عند بعض أهل العلم، ثم يقوم، وبه قال الشافعي. وذهب مالك، والثوري، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي إلى أنه لا يقعدها. ولا يكبر بعد ما رفع من السجود إلى أن يقوم إلا تكبيرة واحدة بالاتفاق. ا. هـ شرح السنة (3/ 165). - فضل السجود: 1114 - * روى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قرأ ابن آدم

_ 1114 - مسلم (1/ 87) 1 - كتاب الإيمان، 35 - باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة.

السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي، فيقول: يا ويله أمر هذا بالسجود، فسجد، فله الجنة، وأمرت بالسجود، فعصيت، فلي النار". 1115 - * روى مسلم عن معدان قال: سألت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: حدثني حديثاً ينفعني الله سبحانه به، فسكت، ثم قلت: حدثني حديثاً ينفعني الله سبحانه به، فسكت، ثم قلت: حدثني حديثاً ينفعني الله سبحانه به، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد يسجد لله سجدة، إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها سيئة". 1116 - * روى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء".

_ 1115 - مسلم (1/ 353) 4 - كتاب الصلاة، 43 - باب فضل السجود والحث عليه. الترمذي (2/ 230، 231) أبواب الصلاة، 286 - باب ما جاء في كثرة الركوع والسجود. ابن ماجه (1/ 457) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 201 - باب ما جاء في كثرة السجود. 1116 - مسلم (1/ 350) 4 - كتاب الصلاة، 42 - باب ما يقال في الركوع والسجود. أبو داود (1/ 231) كتاب الصلاة، 151 - باب في الدعاء في الركوع والسجود. النسائي (2/ 226) 12 - ، 78 - باب أقرب ما يكون العبد من الله عز وجل.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد - يحدث أحياناً أن يكتظ المسجد بالناس بسبب مطر أو شدة حر، فيصعب على الناس أن يصلوا إلا حيث يوجد ما يقيهم المطر أو الشمس، وفي بعض الأحوال يضيق على الناس أن يركعوا أو يسجدوا ركوعهم وسجودهم المعتادين، وعندئذ يجوز للإنسان أن يسجد على ظهر من أمامه، وكذلك لو وضع صدره على ظهر من أمامه في الركوع فإن الركوع يصح. قال الشافعية والحنفية والحنابلة: من منعه الزحام من السجود على أرض أو نحوها مع الإمام فله السجود على ظهر المصلي أمامه. 1117 - * روى البيهقي عن عمر: (إذا اشتد الزحام فليسجد أحدكم على ظهر أخيه). - تتحقق عند الحنفية إقامة الركنية في الركوع بمجرد الانحناء بالظهر والرأس حتى تبلغ رؤوس أصابعه ركبتيه، وما زاد على ذلك من اطمئنان فإنه واجب وبقية هيئات الركوع سنة عندهم، وتتحقق عندهم فرضية الاعتدال من الركوع بأدنى قيام. - وتتحقق عند الحنفية ركنية السجود بوضع بعض الجبهة مكشوفة على الأرض أو غيرها من المصلي والقدمين وما زاد على ذلك من هيئات السجود، فهو عندهم إما واجب كالطمأنينة أو سنة. والواجب عند المالكية السجود على أيسر جزء من الجبهة، وهي ما فوق الحاجبين وبين الجبينين ويندب إلصاق جميع الجبهة بالأرض وتمكينها عندهم. - ونقل ابن المنذر إجماع الصحابة على أنه لا يجزئ السجود على الأنف وحده، أما لو سجد على الجبهة دون الأنف جاز مع الكراهة. ويتحقق الفرض عند الحنفية والمالكية بوضع جزء من الجبهة ولو كان قليلاً، والواجب عند الحنفية وضع أكثرها.

_ 1117 - رواه البيهقي في السنن الكبرى، وإسناده صحيح.

- يتحقق فرض وضع الرجلين في السجود ولو بوضع أصبع واحدة من القدمين، والواجب أن يضعهما جميعاً والشافعية والحنابلة متفقون على وجوب السجود على جميع الأعضاء السبعة، ويجب عند الحنابلة وضع جزء من الأنف ويستحب عند الشافعية وضع الأنف مع الجبهة. - تتحقق الفرضية بأدنى رفع من السجدة الأولى إلى السجدة الثانية عند أبي حنيفة ومحمد، والطمأنينة والاعتدال الكامل واجب عندهما، وقال أبو يوسف والأئمة الآخرون إذا لم يعتدل بطلت صلاته. - قال الحنابلة والحنفية: تصح الصلاة على الثلج بحائل أو لا، إذا وجد حجمه لاستقرار أعضاء السجود كما تصح على قطن منتفش وأمثاله إذا وجد حجمه، وإذا كانت الجبهة لا تجد استقراراً لم تصح الصلاة. - وضع الوجه بين الكفين عند الحنفية سنة، ووضعهما حذو المنكبين أثناء السجود هو السنة عند غير الحنفية، ويفرق الساجد بين القدمين والركبتين والفخذين بمقدار شبر عند الشافعية.

الفصل السابع في القنوت في الصلاة عرض إجمالي

الفصل السابع في القنوت في الصلاة عرض إجمالي قال الحنفية والحنابلة: يقنت المصلي في الوتر قبل الركوع عند الحنفية وبعد الركوع عند الحنابلة، ومحل القنوت دائماً في الركعة الأخيرة وقال المالكية والشافعية: يقنت في صلاة الصبح، والأفضل عند المالكية أن يكون قبل الركوع في الركعة الثانية ويكره القنوت في غير الصبح عندهم أم الشافعية فقالوا: يقنت في صلاة الصبح بعد الركوع من الركعة الثانية، ويستحب عند الحنفية والشافعية والحنابلة القنوت في الصلوات المفروضة إذا نزلت بالمسلمين نازلة على تفصيل في ذلك. والقنوت في النوازل يتناسب مع النازلة وما عدا ذلك يكون بالمأثور كما ثبت عند القائلين به. وصيغة الدعاء في قنوت الوتر عند الحنفية وعند المالكية واحدة وهي المأثورة عن ابن عمر وستأتي معنا. وقنوت الصبح عند المالكية يكون سراً وهو نفس قنوت الوتر عند الحنفية ولا بأس عند المالكية برفع اليدين فيه ويسن عند الشافعية القنوت في اعتدال ثانية الصبح أي بعد الرفع من ركوعها وستأتي صيغته معنا، ويصح الدعاء في القنوت بكل ذكر مشتمل على دعاء وثناء وتكره عندهم إطالة القنوت ويستحب عندهم الجمع بين الدعاء المأثور المبدوء بـ (اللهم اهدني) وبين الدعاء المأثور عند الحنفية والمالكية عن ابن عمر والمبدوء بقوله: (اللهم إنا نستعينك ونستهديك). والقنوت عند الشافعية في صلاة الصبح من أبعاض الصلاة فإن ترك بعض المأثور أو ترك شيئاً من دعاء القنوت عند الحنفية والمالكية إذا بدء به في حال الجمع بينهما أو ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعده سجد للسهو كما يسجد للسهو إن ترك القنوت تبعاً لإمامه، أو تركه إمامه وأتى به هو.

وقنوت الوتر ستمر معنا أحكامه أثناء الكلام عن الوتر، أما قنوت الصبح والنوازل فسنتعرض لحكامهما في هذا الفصل. والنازلة التي يشرع القنوت بسببها أن ينزل بالمسلمين خوف أو قحط أو وباء أو اعتداء على بعض المسلمين أو عامة المسلمين، ويجهر في دعائه في قنوت النوازل، ويشرع عند بعض الحنفية في الجهرية فقط، وفي سائر الصلوات المكتوبة عند الشافعية والحنابلة، وهو المعمول به عند الحنفية واستثنى الحنابلة منه صلاة الجمعة اكتفاء بالدعاء في خطبتها. 1118 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم سبعين رجلاً لحاجة، يقال لهم: القراء، فعرض لهم حيان من سليم: رعل وذكوان، عند بئر يقال لها: بئر معونة، فقال القوم: والله ما إياكم أردنا، إنما نحن مجتازون في حاجة النبي صلى الله عليه وسلم، فقتلوهم، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم شهراً في صلاة الغداة، وذلك بدء القنوت، وما كنا نقنت. قال عبد العزيز بن صهيب: فسأل رجل أنساً عن القنوت، أبعد الركوع، أو بعد فراغ القراءة؟ قال لا، بل عند فراغ القراءة. وفي أخرى (2)، قال أنس: قنت النبي صلى الله عليه وسلم شهراً بعد الركوع، يدعو على أحياء من العرب. وفي رواية (3)، قال محمد بن سيرين: قلت لأنس: هل قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة؟ قال: نعم بعد الركوع يسيراً. وفي أخرى (4)، قال: "قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً بعد الركوع في صلاة الصبح، يدعو على رعل وذكوان، ويقول: عصية عصت الله ورسوله. وفي أخرى (5) قال سليمان الأحول: سألت أنساً عن القنوت: قبل الركوع، أو بعد الركوع؟ قال: قبل الركوع. قلت: فإن ناساً

_ 1118 - البخاري (7/ 385) 64 - كتاب المغازي، 28 - باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة. (2) البخاري (7/ 385) 64 - كتاب المغازي، 28 - باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة. مسلم (1/ 469) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 54 - باب استحباب القنوت في جميع الصلوات. (3) البخاري (2/ 489) 14 - كتاب الوتر، 7 - باب القنوت قبل الركوع وبعده. مسلم (1/ 468) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 54 - باب استحباب القنوت في جميع الصلوات. (4) البخاري (7/ 389) 64 - كتاب المغازي، 28 - باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة. مسلم (1/ 468) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 54 - باب استحباب القنوت في جميع الصلوات. (5) مسلم (1/ 469) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 54 - باب استحباب القنوت في جميع الصلوات. (القنوت): أصله الطاعة ومنه قوله تعالى (والقانتين والقانتات) ثم سمي القيام في الصلاة قنوتاً ومنه

يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركوع، فقال: إنما قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً، يدعو على ناس قتلوا ناساً من أصحابه يقال لهم: القراء، زهاء سبعين رجلاً". زاد في رواية (1): "وكان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد". وفي أخرى (2): أصيبوا يوم بئر معونة. وفي أخرى (3): قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية يقال لهم: القراء، فأصيبوا، فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وجد على شيء ما وجد عليهم، فقنت شهراً في صلاة الفجر، ويقول: "إن عصية عصت الله". ولمسلم (4): "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت شهراً بعد الركوع في صلاة الفجر، يدعو على بني عصية". وللبخاري (5)، قال: "كان القنوت في المغرب والفجر". أقول: الملاحظ أن الروايات عن أنس متعددة، بعضها يذكر القنوت قبل الركوع في الركعة الثانية من صلاة الفجر وبه أخذ المالكية، وبعضها يذكر القنوت بعد الركوع وبه أخذ الشافعية، وبعضها ذكر التوقيت وبذلك وجه بعضهم الروايات بأن ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم كان قنوتاً بسبب النازلة، فلم يروا القنوت لصلاة الفجر، وبعضهم ذكر الفجر مع المغرب ولذلك قال الحنفية بسنية القنوت للنوازل في الصلوات الجهرية. 1119 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً متتابعاً: في الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، وصلاة الصبح، في دبر كل صلاة، إذا قال: "سمع الله لمن حمده"، من الركعة الآخرة: يدعو على أحياء من سليم، على رعل، وذكوان، وعصية، ويؤمن من خلفه".

_ الحديث (أفضل الصلاة طول القنوت) (مختار الصحاح 552) ومنه دعاء القنوت أي دعاء القيام كما يسمى السكوت في الصلاة قنوتاً ومنه قوله تعالى (وقوموا لله قانتين) (المصباح 517). (1) البخاري (2/ 490) 14 - كتاب الوتر، 7 - باب القنوت قبل الركوع وبعده. (2) مسلم (1/ 469) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 54 - باب استحباب القنوت في جميع الصلاة. (3) مسلم (1/ 469) في نفس الموضع السابق. (4) مسلم (1/ 469) في نفس الموضع السابق. (5) البخاري (2/ 490) 14 - كتاب الوتر، 7 - باب القنوت قبل الركوع وبعده. 1119 - أبو داود (2/ 68) كتاب الصلاة، 10 - باب القنوت في الصلوات. ابن خزيمة (1/ 313) 164 - باب القنوت في الصلوات كلها وتأمين المأمومين، وإسناده صحيح.

أقول: هذا دليل لمن ذهب أن القنوت في النوازل يكون في الصلوات كلها، ومن النص نعرف أن القنوت بعد الرفع من الركوع في الركعة الأخيرة، وأن الإمام يدعو ومن خلفه يؤمنون على دعائه. 1120 - * روى مسلم عن خفاف بن إيماء رضي الله عنه قال: "ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم رفع رأسه، فقال: "غفار: غفر الله لها، وأسلم: سالمها الله، وعصية: عصت الله ورسوله، اللهم العن بني لحيان، والعن رعلاً وذكوان"، ثم وقع ساجداً- قال خفاف بن إيماء: فجعلت لعنة الكفرة من أجل ذلك". قوله: (فجعلت لعنة الكفرة من أجل ذلك): هي ما ورد في بعض أدعية القنوت: عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك ويقاتلون أولياءك. 1121 - * روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم- إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الآخرة من الفجر- يقول: اللهم العن فلاناً وفلاناً- بعد ما يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد- فأنزل الله عليه: (ليس لك من الأمر شيء، أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون) (3). 1122 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "لما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من الركعة الثانية، قال: "اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين بمكة، اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف"- قال في رواية (5) - وكان يقول في بعض صلاته: في صلاة الفجر- قال يونس: حين يفرغ من صلاة الفجر من القراءة، ويكبر، ويرفع

_ 1120 - مسلم (1/ 470) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 54 - باب استحباب القنوت في جميع الصلاة. 1121 - البخاري (8/ 225، 226) 65 - كتاب التفسير، 9 - باب ليس لك من الأمر شيء. (3) آل عمران: 128. الترمذي (5/ 227، 228) 48 - كتاب تفسير القرآن، 4 - باب ومن سورة آل عمران. النسائي (2/ 203) 12 - كتاب التطبيق، 31 - باب لعن المنافقين في القنوت. 1122 - البخاري (6/ 105) 56 - كتاب الجهاد، 98 - باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة. و (2/ 290) 10 - كتاب الأذان، 128 - باب يهوي بالتكبير حين يسجد. (5) مسلم (1/ 466) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 54 - باب استحباب القنوت في جميع الصلاة.

رأسه: "سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد" ثم يقول وهو قائم: "اللهم أنج الوليد ... - وذكره ... إلى قوله: كسني يوسف"-. وفي رواية (1) قال أبو هريرة: ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الدعاء بعد، فقلت: أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ترك الدعاء؟ قال: "وما تراهم قد قدموا؟ ". قال البخاري: قال ابن أبي الزناد: "هذا كله في الصبح". وفي أخرى (2) لهما: أنه قال: لأقربن بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أبو هريرة يقنت في الركعة الآخرة من صلاة الظهر والعشاء الآخرة وصلاة الصبح، بعد ما يقول: سمع الله لمن حمده، فيدعو للمؤمنين، ويلعن الكفار. وهؤلاء الثلاثة كانوا ممن حبسهم مشركو مكة، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم الله تعالى. أقول: في هذه الروايات دليل على أنه قد تكون النازلة خاصة بأفراد من الأمة الإسلامية، ومع ذلك يقنت من أجلهم المسلمون، وفي الرواية التي جاءت قبل الأخيرتين دليل لمن ذهب إلى أن لا قنوت دائم في الفجر، وهذه الأحاديث كلها في القنوت في المكتوبة في النازلة وقد استدل بها بعضهم على أن القنوت في الوتر بعد الركوع وسبب ذلك قياس الوتر على الفريضة وفي صحة هذا القياس نظر، والصحيح الثابت عن الصحابة هو القنوت قبل الركوع في الوتر (انظر إرواء الغليل 2/ 163 - 166). هذا وقد قال من قال باستمرار القنوت في الفجر أخذاً بروايات ضعفها بعضهم من مثل ما رواه أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت حتى مات- قال في المجمع (2/ 139) رجاله موثقون اهـ. لكن فيه الربيع وكانوا يتقون حديثه الذي يرويه أبو جعفر الرازي عنه لأن فيه اضطراباً. كما استدلوا بما. 1123 - * روى أحمد عن أنس: (صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقنت حتى مات).

_ (1) مسلم، 467، الموضع السابق. (2) البخاري (2/ 284) 10 - كتاب الأذان، 797 - باب حدثنا معاذ بن فضالة. مسلم (1/ 468). في المواضع السابقة. 1123 - مجمع الزوائد (2/ 139) وقال الهيثمي: رواه أحمد والبزار، ورجاله موثقون. كشف الأستار (1/ 269) وقال البزار: إسماعيل لين، وعمرو يستغنى.

1124 - * روى الطبراني عن عبد الملك بن أبي بكر قال فر عياش بن أبي ربيعة وسلمة بن هشام والوليد بن الوليد بن المغيرة من المشركين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعياش وسلمة متكفلان مرتدفان على بعير والوليد يسوق بهما فكلمت أصبع الوليد فقال: هل أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت فعلم النبي صلى الله عليه وسلم بمخرجهم إليه وشأنهم قبل أن نعلم فصلى الصبح فركع أول ركعة منها فلما رفع رأسه دعا لهم فقال: "اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة اللهم أنج سلمة بن هشام اللهم أنج الوليد بن الوليد اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف". 1125 - * روى الطبراني في الأوسط عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما أقنت لتدعوا ربكم وتسألوه حوائجكم". أقول: في قوله عليه الصلاة والسلام: "إنما أقنت لتدعوا ربكم وتسألوه حوائجكم" دليل للمالكية فيما ذهبوا إليه أن الدعاء في الصلاة جائز في أمور الدنيا والآخرة، ولكن الأحوط أن لا يدعو الإنسان في أمور الدنيا في صلاة الفريضة مراعاة لمن قال ببطلان الصلاة بسبب ذلك وهم يحملون ما ورد من مثل هذه النصوص على الدعاء الذي فيه مصلحة عامة للمسلمين. 1126 - * روى ابن خزيمة عن أبي بن كعب في عهد عمر بن الخطاب موقوفاً أنهم كانوا يقنتون بعد النصف، يعني من رمضان.

_ عن ذكره لسوء رأيه، وقد خالفا الإثبات. 1124 - مجمع الزوائد (2/ 138) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير. وهو مرسل صحيح رجاله رجال الصحيح. (متكفلان): يقال تكفلت البعير وأكفلته إذا أدرت حول سنامه كساء ثم ركبته. (كلمت): جرحت. 1125 - مجمع الزوائد (2/ 138) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، وإسناده حسن. 1126 - ابن خزيمة (2/ 155) جماع أبواب ذكر الوتر وما فيه من السنن، باب في بيان وتره صلى الله عليه وسلم في الليلة التي بات ابن عباس عنده.

أقول: والقنوت في آخر ركعة من الوتر في النصف الثاني من رمضان هو الذي عليه عمل الناس اليوم، والحنفية يقنتون على الدوام في الوتر قبل الركوع والشافعية بعد الركوع في النصف الأخير من رمضان. 1127 - * روى أبو داود عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره: "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك". 1128 - * روى أبو داود عن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قال: "علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر: "اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت"، وفي أخرى (3) لأبي داود، وقال في آخره: قال: "هذا تقول في الوتر في القنوت" ولم يذكر: "أقولهن في الوتر". وله في أخرى (4) بدل قوله: "أقولهن في الوتر": "أقولهن في قنوت الوتر". أقول: باب الدعاء في قيام الليل والوتر واسع، وصيغه متعددة وقد أخذ الحنفية في قنوت الوتر بصيغة مأثورة عن ابن عمر كما سنرى، والأمر واسع، وهذه الصيغة التي رواها

_ 1127 - أبو داود (2/ 64) كتاب الصلاة، باب القنوت في الوتر. الترمذي (5/ 561) 49 - كتاب الدعوات، 113 - باب في دعاء الوتر. النسائي (2/ 222) 12 - كتاب التطبيق، الدعاء في السجود. الحاكم (1/ 306) 8 - كتاب الوتر. 1128 - أبو داود (2/ 63) كتاب الصلاة، باب القنوت في الوتر. الترمذي (2/ 328) أبواب الصلاة، 341 - باب ما جاء في القنوت في الوتر. النسائي (3/ 248) 14 - كتاب الجمعة، 51 - باب الدعاء في الوتر. (3) أبو داود (2/ 63) كتاب الصلاة، باب القنوت في الوتر. (4) أبو داود (2/ 63) في نفس الموضع السابق. وإسناده حسن. (قني): من الوقاية، هي ما يحول بين الإنسان وبين ما يكرهه. (تباركت) تفاعلت: من البركة، وهي الكثرة والاتساع في الخير.

الحسن رضي الله عنه هي التي يقنت بها الشافعية في صلاة الصبح بعد الركوع فإذا كانوا منفردين دعوا بها بصيغة المفرد وإذا كانوا في جماعة دعا بها الإمام بصيغة الجمع وهم يؤمنون. 1129 - * روى ابن ماجه عن أبي بن كعب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر فيقنت قبل الركوع. أقول: بذلك أخذ الحنفية فإنهم يقنتون في آخر ركعة من الوتر قبل الركوع. 1130 - * روى أبو داود عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: "رب أعني ولا تعن علي وانصرني ولا تنصر علي وامكر لي ولا تمكر علي واهدني ويسر الهدى لي، وانصرني على من بغى علي، رب اجعلني لك شكاراً، لك ذكاراً لك رهاباً، لك مطيعاً، إليك مخبتاً، إليك أواهاً منيباً، رب تقبل دعوتي واغسل حوبتي، وأجب دعوتي، واهد قلبي، وسدد لساني، وثبت حجتي واسلل سخيمة قلبي"، قال أبو الحسن الطنافسي، قلت لوكيع أقوله في قنوت الوتر، قال نعم. 1131 - * روى ابن ماجه عن أنس بن مالك قال سئل عن القنوت في صلاة الصبح فقال: كنا نقنت قبل الركوع وبعده. أقول: هذا دليل على أن أمر القنوت واسع، وكل من الأئمة أخذ في شأنها بالأحوط. لكن لما كان يعارض بعض الأحاديث التي نصت على القنوت قبل الركوع فقد خصص بعض العلماء مثل هذه الأحاديث بالنوازل، ويمكن أن يستأنس بما ورد في القنوت إلى أنه يوجد في النصوص ما يمكن اعتباره اختلاف تنوع لا تضاد، فالشريعة منزهة عن التضاد في حقيقة الأمر.

_ 1129 - ابن ماجه (1/ 374) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 120 - باب ما جاء في القنوت قبل الركوع وبعده. 1130 - أبو داود (2/ 83، 84) كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل إذا أسلم. الترمذي (5/ 554) 49 - كتاب الدعوات، 103 - باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم. ابن ماجه (2/ 1259) 34 - كتاب الدعاء، 1 - باب فضل الدعاء. وإسناده صحيح. 1131 - ابن ماجه (1/ 374) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 120 - باب ما جاء في القنوت قبل الركوع وبعده. وفي الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات.

1132 - * روى الترمذي عن أبي مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: قلت لأبي: يا أبت، قد صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي بن أبي طالب، ها هنا بالكوفة خمس سنين، أكانوا يقنتون في الفجر، قال: أي بني، محدث. وفي رواية (2) للنسائي، قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقنت وصليت خلف أبي بكر فلم يقنت، وصليت خلف عمر فلم يقنت وصليت خلف عثمان فلم يقنت، وصليت خلف علي فلم يقنت، ثم قال: يا بني بدعة. وهو حديث صحيح، أي القنوت بدعة في الفجر بدليل الحديث السابق. 1133 - * روى مالك عن نافع- مولى ابن عمر: أن ابن عمر رضي الله عنهما: كان لا يقنت في شيء من الصلاة. وقد ثبت فيما قبله القنوت في النوازل وفي رواية الطبراني: إلا في الوتر قبل الركعة وصححها العلماء. خلاصة الأحكام التي تؤخذ من الأحاديث بما يجمع بينها ويزيل تعارضها: أن القنوت الذي استمر عليه الرسول صلى الله عليه وسلم هو قنوت الوتر فحسب. وهناك قنوت النوازل وهذا يكون في الصلوات كلها أو في الجهرية فقط أو في الفجر والمغرب وعلى هذا تحمل الأحاديث الواردة في القنوت في غير الوتر وهذه لا يستمر عليها بل في وقت النازلة. وهذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعل صحابته من بعده. لكن الشافعية ومن وافقهم عمم الأمر فجعل القنوت في الفجر مستمراً وما روي أنه صلى الله عليه وسلم ما زال يقنت حتى فارق الدنيا فلم يصح سنداً. وهل القنوت قبل الركوع أو بعده؟

_ 1132 - الترمذي (2/ 252) أبواب الصلاة، 295 - باب ما جاء في ترك القنوت وإسناده صحيح. (2) النسائي (2/ 204) 12 - كتاب التطبيق، 32 - ترك القنوت. وهو حديث صحيح. 1133 - الموطأ (1/ 159) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 16 - باب القنوت في الصبح، وإسناده صحيح.

الصحيح أن القنوت الذي استمر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو قنوت الوتر والثابت أنه كان قبل الركوع من الركعة الأخيرة كما مر معنا في الأحاديث أما في النوازل فالثابت أنه كان يقنت بعد الركوع. وفي قنوت النوازل يجهر الإمام ويؤمن المأمومون. وبذلك يجمع بين الروايات التي ذكرت القنوت قبل الركوع وبعده، والروايات التي ذكرت القنوت في الفجر وفي الصلوات، والله أعلم.

الدعاء في القنوت

الدعاء في القنوت: 1134 - * روى البيهقي عن عبد الرحمن بن أبزى قال: صليت خلف عمر بن الخطاب الصبح فلما فرغ من السورة في الركعة الثانية قال قبل الركوع: (وفي رواية الطحاوي بعد الركوع): "اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير كله ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك". 1135 - * روى أبو داود: "اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ونخنع (أي نخضع) ونخلع ونترك من يكفرك، اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك الجد إن عذابك بالكافرين ملحق". ومن مجموع الروايات الواردة أخذ الحنفية الدعاء الذي سنذكره في الفوائد عن أبي الحوراء قال. 1136 - * روى أحمد عن الحسن بن علي: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر: "اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني واصرف عني شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت". أقول: من خلال الروايات فالأشبه بالصواب والله أعلم أن يكون الدعاء الثاني في القنوت قبل الركوع والأول في القنوت للنوازل بعد الركوع لأن بعض الروايات توضح أن ذلك كان في النوازل ... وسنذكر في الفوائد آراء العلماء في ذلك.

_ 1134 - البيهقي "السنن الكبرى" (2/ 211) كتاب الصلاة، باب- دعاء القنوت، وقال البيهقي: وهو وإن كان إسناداً صحيحاً فمن روى عن عمر قنوته بعد الركوع أكثر. 1135 - أبو داود في المراسيل وهو حديث حسن في المتابعات. 1136 - أحمد (1/ 199). أبو داود (2/ 63) كتاب الصلاة، 5 - باب القنوت في الوتر. النسائي (3/ 248) 20 - كتاب قيام الليل، 51 - باب الدعاء في الوتر. ابن ماجه (1/ 372) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 117 - باب ما جاء في القنوت في الوتر.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد - القنوت في النوازل مظهر من مظاهر تماسك الأمة الإسلامية ووحدتها، وبه تتحقق حكم كثيرة، فالكل يشعر بالآم الجزء، وببركة دعاء عامة المسلمين فإن البلاء يرتفع سواء كان عاماً أو خاصاً، وبه تتحقق فوائد كثيرة، فبه تجتمع قلوب المسلمين مثلاً على عدو ينزل بأسه ببعضهم فيوجد رأي عام موحد بين المسلمين ضد عدوهم. تصور أن بلداً من بلدان المسلمين هاجمها الكافرون فلم يبق مسجد في العالم إلا وأهله يدعون لإخوانهم ويلعنون عدوهم، كم يكون لذلك من آثار مباركة غير أن هذا يحتاج إلى جهة مركزية يثق بها المسلمون ويطيعونها إذا أمرتهم، وعلى العلماء الربانيين العاملين أني كونوا هم هذه الجهة. - يقنت الحنفية في آخر ركعة من الوتر قبل الركوع بهذا الدعاء: اللهم إنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك ونتوب إليك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونثني عليك الخير كله، نشكرك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق. وهو دعاء مشهور مأثور عن ابن عمر، وهو الذي يقنت به المالكية قبل ركوع الركعة الثانية من صلاة الفجر. - الإمام عند الشافعية مخير بين الجهر والإسرار في قنوت الفجر وكذلك المنفرد، ويختم دعاء القنوت عندهم بقول: (وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم). وقال الحنفية إذا قنت الإمام في صلاة الفجر سكت من خلفه لأنه منسوخ ولا متابعة فيه، وقال أبو يوسف يتابع المأموم الإمام فيه. - من الملاحظ أن دعاء القنوت عند الشافعية قسمان: قسم فيه دعاء وهو: (اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت). فهذا القسم دعاء يؤمن عليه المأموم.

والقسم الثاني من دعاء القنوت ثناء على الله عز وجل وهو: (فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وغنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت فلك الحمد على ما قضيت، أستغفرك وأتوب إليك) فهذا القسم من الثناء يقوله المنفرد، وأما المأموم فإما أن يقوله سراً أو يقول عندما يتلوه الإمام أشهد، وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيؤمن فيها ويشارك في قولها، ويرفع يديه بالدعاء أثناء القنوت نحو السماء، والصحيح أنه لا يمسح بيديه وجهه، وإذا لم يسمع المأموم قنوت الإمام قنت سراً، وجرت عادة بعض الشافعية بأن يجعل ظهر كفيه إلى السماء عند قوله: وقني شر ما قضيت، وقد أفتى بعض الشافعية بأنه لا يسن ذلك. - يسن القنوت عند الحنابلة كالحنفية في الوتر إلا أنه يكون عندهم بعد الركوع ولو قنت قبل الركوع فلا بأس ويجهر في القنوت إن كان إماماً أو منفرداً، ويقنت بأي من قنوت الحنفية أو الشافعية أو بما شاء، وإذا أخذ الإمام في القنوت أمن من خلفه ويرفع يديه ويمسح وجهه بيديه.

الفصل الثامن في القعود في الصلاة وما يتعلق به عرض إجمالي

الفصل الثامن في القعود في الصلاة وما يتعلق به عرض إجمالي الصلاة إما ثنائية أو ثلاثية أو رباعية. فالثنائية لها قعود واحد هو القعود الأخير، والثلاثية والرباعية فيها قعودان: القعود الأول والقعود الأخير. والقعود الأخير ركن عند الحنفية مقدار التشهد وهو ركن كذلك عند الحنابلة والشافعية ولكن الركنية عندهما تزيد على مقدار التشهد كما سنرى، وتتحقق الركنية عند المالكية بمقدار الجلوس للسلام. والقعود الأول واجب عند الحنفية، سنة عند الجمهور، وقراءة التشهد في القعود الأول والأخير واجب عند الحنفية سنة عند الجمهور، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير سنة عند الحنفية والمالكية، وتكره الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في القعود الأول بعد التشهد عند الحنفية، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير فرض عند الحنابلة والشافعية، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في القعود الأول بعد التشهد سنة عند الشافعية. وصفة الجلوس للقعود الأول والأخير عند الحنفية كصفة الجلوس بين السجدتين: يفترش اليسرى وينصب اليمنى كما ذكرنا وقال المالكية يجلس متوركاً في التشهد الأول والأخير وقال الحنابلة والشافعية يسن التورك في التشهد الأخير، واستثنى من ذلك الحنابلة صلاة الصبح، فالسنة فيها الافتراش. وللتشهد صيغ مأثورة، وقد أخذ الحنفية والحنابلة بتشهد ابن مسعود والمالكية بتشهد عمر بن الخطاب وأخذ الشافعية بتشهد ابن عباس كما سنرى ذلك. وأقل ما تتحقق به الفرضية عند الشافعية والحنابلة في التشهد الأخير بالنسبة للصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: (اللهم صلي على محمد) وأكمل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند الجميع:

- كيفية الجلوس

الصلوات الإبراهيمية ويجب أن يكون التشهد بالعربية، وعلى غير العربي أن يتعلمه وريثما يتعلمه أتى بما يمكنه وإن لم يحسن شيئاً بالكلية سقط كله عنه. وبعد التشهد في القعود الأخير، والصلوات الإبراهيمية يدعو بما هو مأثور عن الرسول صلى الله عليه وسلم عند الحنفية أو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة عند الأئمة الآخرين وقال الحنفية: ولا يجوز أن يدعو في صلاته بما يشبه كلام الناس، وبعد الدعاء يختتم الصلاة بالتسليمتين، والسلام واجب عند الحنفية ركن عند الجمهور ويسن عند الجميع الالتفات يميناً وشمالاً حتى يرى بياض خده قائلاً عند الجمهور: (السلام عليكم ورحمة الله) ويزيد عند المالكية (وبركاته). ويستحب للمصلي بعد انتهاء صلاته أن ينتظر قليلاً، وإذا أتى بأذكار ما بعد الصلاة وهو في محله فذلك أفضل، وإذا أراد الانصراف لم يتقيد بيمين أو شمال بل ينصرف إلى جهة حاجته، وإذا أراد صلاة السنة يندب له أن يفصل بين الفرض والسنة بانتقال أو بشيء من كلام أو ذكر مأثور، والأفضل أن يصلي التطوع في بيته. وهناك تفصيلات حول القعودين والتشهد والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والدعاء والسلام حول ما هو المفروض والواجب والسنة والمندوب سنراها أثناء عرض نصوص الفصل ومسائله وفوائده. (انظر الدر المختار 1/ 301 و 306 و 312 والشرح الصغير 1/ 314 وحاشية الصاوي عليه، والمنتقى 1/ 167 وما بعدها والمغني 1/ 522 فما بعدها والفقه الإسلامي 1/ 664 فما بعدها و 1/ 710 وما بعدها). وإلى نصوص هذا الفصل: - كيفية الجلوس: 1137 - * روى أبو داود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كان رسول الله

_ 1137 - أبو داود (1/ 261) كتاب الصلاة، 187 - باب في تخفيف القعود. الترمذي (2/ 202) أبواب الصلاة، باب ما جاء في مقدار القعود في الركعتين الأوليين.

صلى الله عليه وسلم إذا جلس في الركعتين الأوليين كأنه على الرضف، قال شعبة: ثم حرك سعد شفتيه بشيء، فأقول: حتى يقوم؟ فيقول: حتى يقوم. قال الحافظ ابن حجر في (التلخيص): وروى ابن أبي شيبة من طريق تميم بن سلمة: كان أبو بكر رضي الله عنه إذا جلس في الركعتين كأنه على الرضف، وقال الحافظ: إسناده صحيح، وعن ابن عمر نحوه، قال: وروى أحمد وابن خزيمة من حديث ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه التشهد، فكان يقول إذا جلس في وسط الصلاة وفي آخرها على وركه اليسرى: التحيات ... إلى قوله: عبده ورسوله، ثم إن كان في وسط الصلاة نهض حين يفرغ من تشهده، وإن كان في آخرها بعد تشهده دعا بما شاء الله أن يدعو ثم يسلم، أقول: وهذه شواهد لحديث الباب. أقول: القعود الأول في الصلاة الثلاثية والرباعية عند الحنفية والحنابلة واجب، وهو سنة عند المالكية والشافعية، والتشهد في القعود الأول واجب عند الحنابلة، سنة في المذاهب الثلاثة الأخرى. ويسن باتفاق الفقهاء الإسرار بقراءة التشهد، وحديث ابن مسعود يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يسرع في القيام من القعود الأول، ولذلك كرهوا أن يزيد المصلي على التشهد فيه، ويسن عند الشافعية أن يضم إليه (اللهم صلي على محمد عبدك ورسولك النبي الأمي)، وصفة القعود الأول للتشهد الأول هي افتراش القدم اليسرى ونصب اليمنى عند الحنفية والشافعية والحنابلة، والتورك عند المالكية، وصيغة التشهد عن ابن مسعود هي: (التحيات لله، والصلوات الطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباده الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله). 1138 - * روى مالك عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: قال عبد الله بن عبد الله

_ النسائي (2/ 243) 12 - باب التطبيق، 105 - باب التخفيف في التشهد الأول. (الرصف): الحجارة المحماة الواحدة منها رصفة. 1138 - الموطأ (1/ 89، 90) 3 - كتاب الصلاة، 12 - باب العمل في الجلوس في الصلاة. البخاري (2/ 305) 10 - كتاب الأذان، 145 - باب سنة الجلوس في التشهد.

- الجلوس للتشهد وآدابه

بن عمر: "إنه كان يرى عبد الله بن عمر يتربع في الصلاة إذا جلس، ففعلته وأنا يومئذ حديث السن، فنهاني عبد الله بن عمر، وقال إنما سُنَّةُ الصلاة: أن تنصب رجلك اليمنى، وتثني رجلك اليسرى، فقلت: إنك تفعل ذلك؟ قال: إن رجلي لا تحملاني". وفي رواية (1) النسائي قال: "إن من سنة الصلاة: أن تضجع رجلك اليسرى وتنصب اليمنى". وفي أخرى (2): "أن تنصب القدم اليمنى، واستقباله بأصابعها القبلة، والجلوس على اليسرى". وفي أخرى (3) للموطأ عن عبد الله بن دينار: "أ، هـ سمع ابن عمر- وصلى رجل إلى جنبه- فلما جلس الرجل في أربع: تربع، وثنى رجليه، فلما انصرف عبد الله عاب ذلك عليه، فقال الرجل: إنك لتفعل ذلك، فقال عبد الله: إني اشتكي". وفي أخرى للموطأ (4) عن المغيرة بن حكيم: "أنه رأى ابن عمر تربع في السجدتين في الصلاة على صدور قدميه، فلما انصرف ذكر ذلك له، فقال: إنها ليست بسنة الصلاة، وإنما أفعل هذا من أجل أني أشتكي". - الجلوس للتشهد وآدابه: 1139 - * روى مسلم عن علي بن عبد الرحمن المعاوي قال: "رآني ابن عمر وأنا أعبث بالحصباء في الصلاة، فلما انصرف نهاني فقال: اصنع كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع، فقلت: وكيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع؟ قال: كان إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى، وقبض أصابعه كلها وأشار بإصبعه التي تلي الإبهام، ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى".

_ (1) النسائي (2/ 235) 12 - كتاب التطبيق، 59 - باب كيف الجلوس للتشهد الأول. (2) النسائي ص 236 الموضع السابق 96 - باب الاستقبال بأطراف أصابع القدم عند القعود للتشهد. (3) الموطأ (1/ 89) الموضع السابق. (4) الموطأ (1/ 89) الموضع السابق. 1139 - مسلم (1/ 408) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 21 - باب صفة الجلوس في الصلاة. (الحصباء): الحصى الصغار، وذلك أن أرض مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كانت مفروشة بالحصباء، وكانوا يصلون عليها لا حائل بين وجوههم وبينها، فكانوا إذا سجدوا سووها بأيديهم، فنهوا عن ذلك، لأنه فعل من غير أفعال الصلاة، والعبث في الصلاة لا يجوز.

وفي رواية (1) نافع عن ابن عمر: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه، ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام، فدعا بها، ويده اليسرى على ركبته باسطها عليها: وفي أخرى (2) لنافع عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قعد في التشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى، وعقد ثلاثاً وخمسين، وأشار بالسبابة" وللنسائي (3). قال: قال علي بن عبد الرحمن: "صليت إلى جنب ابن عمر، فقلبت الحصى، فقال لي ابن عمر: لا تقلب الحصى، فإن تقليب الحصى من الشيطان، وافعل كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، قلت: وكيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل؟ قال: هكذا، ونصب اليمنى وأضجع اليسرى، ووضع يده على فخذه اليمنى، ويده اليسرى على فخذه اليسرى، وأشار بالسبابة". وفي أخرى (4) له نحوه، وقال: "كيف كان يصنع؟ قال: فوضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، وأشار بإصبعه التي تلي الإبهام في القبلة، ورمى ببصره إليها، أو نحوها، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع". قال النووي في (شرح المهذب): وإسناده صحيح، وفي حديث وائل بن حجر عند ابن حبان والنسائي والبيهقي: فرأيته يحركها يدعو بها، وإسناده صحيح، قال البيهقي: يحتمل أن يكون المراد بالتحريك الإشارة بها، لا تكرير تحريكها، فيكون موافقاً لرواية ابن الزبير، والله تعالى أعلم. أقول: وقد استدل آخرون بحديث وائل عن استحباب تحريك الأصبع، كما لك وغيره، وقال به بعض الشافعية، كما في (شرح المهذب) للنووي. قوله: (عقد ثلاثاً وخمسين): هو نوع من الحساب يعرف قديماً، قال النووي: (قوله عقد ثلاثاً وخمسين شرطه عند أهل الحساب أن يضع طرف الخنصر على البنصر وليس ذلك مراداً هنا بل المراد أن يضع الخنصر على الراحة ويكون على الصورة التي يسميها أهل الحساب تسعة وخمسين والله أعلم) شرح مسلم (5/ 82).

_ (1) مسلم (1/ 48) في نفس الموضع السابق. (2) النسائي (3/ 36) 13 - كتاب السهو، 32 - باب موضع الكفين. (3) النسائي (2/ 237) 12 - كتاب التطبيق، 89 - باب موضع البصر في التشهد. (4) مسلم (1/ 408) في نفس الموضع السابق.

1140 - * روى مسلم عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى تحت فخذه وساقه، وفرش قدمه اليمنى، ووضع اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، وأشار بإصبعه- قال رواية: وأرانا عبد الواحد- وأشار بالسبابة. وفي رواية (2) لأبي داود: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ويتحامل النبي صلى الله عليه وسلم بيده اليسرى على فخذه اليسرى". وزاد في رواية (3): "لا يجاوز بصره إشارته". وللنسائي (4) قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في الثنتين أو في الأربع: يضع يديه على ركبتيه، ثم أشار بإصبعه". وللترمذي (5) نحو ذلك عن عاصم بن كليب الجرمي عن أبيه عن جده وفيه: وقبض أصابعه وبسط السبابة وهو يقول "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك". 1141 - * روى الترمذي عن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: قدمت المدينة، فقلت: لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما جلس- يعني للتشهد- افترش رجله اليسرى ووضع يده- يعني على فخذه اليسرى- ونصب رجله اليمنى". وفي رواية (7) النسائي: "أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم جلس في الصلاة فافترش رجله اليسرى، ووضع ذراعيه على فخذيه، وأشار بالسبابة يدعو". 1142 - * روى ابن خزيمة عن عاصم بن كليب الجرمي، أخبرني أبي أن وائل بن حجر أخبره، قال:

_ 1140 - مسلم (1/ 408) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 21 - باب صفة الجلوس في الصلاة وكيفية وضع اليدين على الفخذين. ابن خزيمة (1/ 345) 213 - باب إدخال القدم اليسرى بين الفخذ اليمنى والساق في الجلوس. (2) أبو داود (1/ 260) كتاب الصلاة، 185 - باب الإشارة في التشهد. (3) أبو داود، نفس الموضع السابق. (4) النسائي (2/ 237) 12 - كتاب التطبيق، 99 - باب الإشارة بالإصبع في التشهد الأول. (5) الترمذي (5/ 125) 49 - كتاب الدعوات، 125 - باب، وقال الترمذي: حسن صحيح. 1141 - الترمذي (2/ 86) أبواب الصلاة، 218 - باب ما جاء في كيف الجلوس في التشهد. (7) النسائي (3/ 34) 13 - كتاب السهو، 30 - باب موضع الذراعين. 1142 - ابن خزيمة (1/ 354) 223 - باب صفة وضع اليدين على الركبتين في التشهد وتحريك السبابة عند الإشارة بها. وإسناده صحيح.

قلت لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي؟ قال، فنظرت إليه يصلي، فكبر، فذكر بعض الحديث وقال: ثم قعد فافترش رجله اليسرى، ووضع كفه اليسرى على فخذه وركبته اليسرى، وجعل حد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، ثم قبض ثنتين من أصابعه وحلق حلقة ثم رفع إصبعه، فرأيته يحركها، يدعو بها. أقول: افتراش الرجل اليسرى ونصب اليمنى في القعود الأول هو الذي عليه أكثر الروايات وقد أخذت به المذاهب الثلاثة غير المالكية، وأخذ المالكية بالتورك الذي ورد في حديث عبد الله بن الزبير، والأمر واسع لأن الخلاف في الأفضلية، وأما وضع اليدين على الفخذين فهي تشبه وضع اليدين على الفخذين فيما بين السجدتين إلا ما له علاقة بما يصنع بكفه اليمنى وما يفعل بسبابتها. فالحنفية يرون أنه يشير بسبابة يده اليمنى برفعها عند نفي الألوهية عما سوى الله تعالى عندما يقول: (لا إله) ويضعها عند قوله: (إلا الله)، ولا يعقد شيئاً من أصابعه، لأن رواية مسلم عن ابن الزبير لا تحتمل إلا الوضع والإشارة. وقال المالكية يضم المصلي الخنصر والبنصر والوسطى ويمد أصبعه السبابة ويحركها وسطاً من أول التشهد إلى آخره يميناً وشمالاً أخذاً بحديث وائل. وأما الشافعية فقد قالوا يقبض الخنصر والبنصر والوسطى ويشير بالسبابة رافعاً إياها عند قوله (إلا الله) ولا يحركها. وقال الحنابلة: يحلق الإبهام مع الوسطى ويقبض الخنصر والبنصر ويرفع السبابة عند قوله (إلا الله) كالشافعية، ويديم النظر إليها، ولا يحرك الأصبع. وإنما الخلاف بين الأئمة في هذه المسألة في الأفضلية كذلك ولا يترتب على فعل أي هيئة إثم، إلا أن الحنفية يعتبرون تحريك الأصبع مكروهاً، والأمر واسع. 1143 - * روى مسلم عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس في الصلاة، وضع

_ قال ابن خزيمة: ليس في شيء من الأخبار "يحركها" إلا في هذا الخبر زائد ذكره. 1143 - مسلم (1/ 408) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 21 - باب صفة الجلوس في الصلاة وكيفية وضع اليدين

يديه على ركبتيه، ورفع إصبعه التي تلي الإبهام اليمنى فيدعو بها، ويده اليسرى على ركبتيه باسطها عليه. 1144 - * روى أحمد عن خفاف بن إيماء بن رحضة الغفاري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في آخر صلاته يشير بأصبعه السبابة وكان المشركون يقولون يسحر بها وكذبوا ولكنه التوحيد. 1145 - * روى أبو داود عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: "مر علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أدعو، وأشير بإصبعي، فقال: "أحد أحد"، وأشار بالسبابة". 1146 - * روى أبو يعلى عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر رجلاً يدعو بأصبعيه جميعاً فنهاه وقال: "بإحداهما باليمين". أقول: الخلاف في وضع الكف اليمنى في القعود الأخير كالخلاف في القعود الأول، فعند الحنفية تبقى كفه اليمنى مبسوطة طوال القعود ويرفع السبابة عند (لا إله) ثم يرجعها كما كانت عندما يقول (إلا الله) وأما المالكية فيحركون السبابة- مع تحليق الأصابع الثلاثة- يميناً وشمالاً تحريكاً وسطاً في كل القعود، وأما الحنابلة والشافعية فيحلقون من ابتداء القعود ولا يرفعون السبابة إلا عند قولهم (إلا الله) ويستمرون برفعها متجهة نحو القبلة دون تحريك إلى نهاية الصلاة، والأمر كما قلنا واسع.

_ على الفخذين. ابن خزيمة (1/ 355) كتاب الصلاة، 225 - باب بسط يد اليسرى عند وضعه على الركبة اليسرى في الصلاة. 1144 - أحمد (1/ 57). مجمع الزوائد (2/ 140). وقال الهيثمي: رواه أحمد مطولاً وقد تقدم في صفة الصلاة، والطبراني في الكبير كما تراه، ورجاله رجال ثقات. 1145 - أبو داود (2/ 80) كتاب الصلاة، باب الدعاء. النسائي (3/ 38) 13 - كتاب السهو، 37 - باب النهي عن الإشارة بأصبعين وبأي أصبع أشير. الحاكم (1/ 536) كتاب الدعاء، وصححه ووافقه الذهبي. (أحد أحد): أمر بالتوحيد، أي اجعله واحداً، وتكراره للمبالغة، فإنه إذا أشار بإصبعين، فكأنه يشير إلى اثنين. 1146 - مجمع الزوائد (10/ 168) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح ورواه الطبراني في الأوسط ولفظه نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل يشير بأصبعيه فقال أوحد أو أحد ورجاله ثقات.

- ألفاظ التشهد المسنونة

- ألفاظ التشهد المسنونة: 1147 - * روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في الركعتين: التحية، وكان يفرش رجله اليسرى تحت اليمنى. أقول: في الحديث إشارة إلى التورك، فإن كان المراد بالركعتين: الصلاة الثنائية كالفجر فقد قال بالتورك فيه المالكية، وقال بسنية التورك الأخير الحنابلة والشافعية، وإن كان مرادها القعود الأول في صلاة ثلاثية أو رباعية، فقد أخذ المالكية بسنية التورك في القعود الأول والأخير والمذاهب الثلاثة على سنية افتراش اليسرى ونصب اليمنى في القعود الأول. 1148 - * روى أحمد عن عبد الله بن مسعود قال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في وسط الصلاة وفي آخرها قال: فكان يقول: إذا جلس في وسط الصلاة وفي آخرها على وركه اليسرى: "التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله" قال ثم إن كان في وسط الصلاة نهض حين يفرغ من تشهده وإن كان في آخرها دعا بعد تشهده بما شاء الله أن يدعو ثم يسلم. 1149 - * روى أحمد ورواه بسند آخر وقال بعد قوله: "وأشهد أن محمداً عبده ورسوله" قال: "فإذا قضيت هذا أو قال فإذا فعلت هذا فقد قضيت صلاتك فإن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد". أقول: هذه الصيغة للتشهد هي التي أخذ بها الحنفية ولاحنابلة وبمذهب ابن مسعود في

_ 1147 - مسلم (1/ 357، 358) 4 - كتاب الصلاة، 46 - باب ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به ويختتم به. ابن خزيمة (1/ 346) 214 - باب وضع الفخذ اليمنى على الفخذ اليسرى في الجلوس في التشهد. 1148 - أحمد (1/ 459). مجمع الزوائد (2/ 142) قال الهيثمي: قلت هو في الصحيح باختصار عن هذا. رواه أحمد ورجاله موثقون. 1149 - أحمد (1/ 422). مجمع الزوائد (1/ 142) قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وبين أن ذلك من قول ابن مسعود من قوله فإذا فرغت من هذا فقد قضيت صلاتك كذلك لفظه عند الطبراني، ورجاله أحمد موثقون.

أن القعود مقدار التشهد تتحقق فيه الركنية في القعود الأخير هو الذي أخذ به الحنفية، وقال المالكية: الركنية تتحقق بمجرد الجلوس للسلام، وقال الشافعية والحنابلة لابد من أن يكون بعض التشهد شيء من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن الحد المفترض بالتشهد عند الشافعية مختصر، فلو أنا جمعنا ما تقوم به الفرضية من التشهد والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلغ مقدار التشهد عند الحنفية. 1150 - * روى الشيخان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد- كفي بين كفيه- كما يعلمني السورة من القرآن: "التحيات لله، والصلوات، والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله". وفي رواية (2): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل: التحيات لله ... وذكره"، وزاد عند ذكر- عباد الله الصالحين-: "فإنكم إذا فعلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد لله صالح في السماء والأرض ... " وفي آخره: ثم يتخير من المسألة ما شاء. وأخرج النسائي (3) الرواية الأولى، إلا أنه قال: "وقعدت بين يديه". عوض كفي بين كفيه". وفي رواية (4) أبي داود، قال: "كنا إذا جلسنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة قلنا: السلام على الله قبل عباده، السلام على فلان وفلان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تقولوا: السلام على الله، فإن الله هو السلام، ولكن إذا جلس أحدكم فليقل: التحيات لله، والصلوات، والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنكم إذا قلتم ذلك: أصابك ل عبد صالح في

_ 1150 - البخاري (11/ 56) 79 - كتاب الاستئذان، 28 - باب الأخذ باليد. مسلم (1/ 302) 4 - كتاب الصلاة، 16 - باب التشهد في الصلاة. (2) مسلم (1/ 301، 302) نفس الموضع السابق. (3) النسائي (2/ 238، 239) 12 - كتاب التطبيق، 100 - باب كيف التشهد الأول. (4) أبو داود (1/ 254) كتاب الصلاة، 181 - باب التشهد.

السماء- أو بين السماء- والأرض، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه، فيدعو به". وفي رواية (1)، قال: "كنا لا ندري ما نقول إذا جلسنا في الصلاة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عُلِّمْ ... فذكر نحوه. قال شريك: وفي رواية عنه مثله، قال: وكان يعلمناهن كما يعلمنا التشهد: "اللهم ألف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وبارك لنا في أسماعنا، وأبصارنا، وقلوبنا، وأزواجنا، وذرياتنا، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واجعلنا شاكرين لنعمتك، مثنين بها، قابليها، وأتمها علينا". وفي أخرى (2)، قال علقمة: إن عبد الله بن مسعود أخذ بيده، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد عبد الله، فعلمه التشهد في الصلاة ... فذكر مثل دعاء حديث الأعمش، وهي الرواية الأولى، وقال: "إذا قلت هذا أو قضيت هذا: فقد قضيت صلاتك، إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد" وقد سكت عن هذه الرواية المنذري. وفي رواية (3) النسائي، قال: "كنا لا ندري ما نقول في كل ركعتين، غير أن نسبح ونكبر ونحمد ربنا، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم علم مفاتح الخير وخواتمه، فقال: إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا: "التحيات لله، والصلوات، والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله". وفي أخرى (4) قال: علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في الصلاة، والتشهد في الحاجة، فقال: "التشهد في الصلاة: التحيات ... وذكر مثله". وله في أخرى (5)، قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نعلم شيئاً، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قولوا في كل جلسة: التحيات لله ... الحديث".

_ (1، 2) أبو داود: نفس الموضع السابق (ص 254، 255). (3) النسائي (2/ 238) 12 - كتاب التطبيق، 100 - كيف التشهد الأول. (4) النسائي: نفس الموضع السابق ص 238. (5) النسائي: نفس الموضع السابق ص 239.

رواه أيضاً الدارقطني وقال الصحيح إن قوله إذا قضيت هذا فقد قضيت صلاتك من كلام ابن مسعود فصله شبابة عن زهير وجعله من كلام ابن مسعود وقوله أشبه بالصواب ممن درجه. وقد اتفق من روى تشهد ابن مسعود على حذفه نقلاً عن المجد بن تيمية في المنتقى. وفي النيل (2/ 314) وأما حديث ابن مسعود فقال البيهقي في الخلافيات: إنه كالشاذ من قول عبد الله وإنما جعله كالشاذ لأن أكثر أصحاب الحسن بن الحر لم يذكروا هذه الزيادة لا من قول ابن مسعود مفصولة من الحديث ولا مدرجة في آخره، وإنما رواه بهذه الزيادة عن عبد الرحمن بن ثابت عن الحسن فجعلها من قول ابن مسعود وزهير بن معاوية عن الحسن فأدرجها في آخر الحديث في قول أكثر الرواة عنه. ورواها شبابة بن سوار عنه مفصولة كما ذكره الدارقطني. وقد روى البيهقي من طريق أبي الأحوص عن ابن مسعود ما يخالف هذه الزيادة بلفظ (مفتاح الصلاة التكبير وانقضاؤها التسليم إذا سلم الإمام فقم إن شئت) قال وهذا الأثر صحيح عن ابن مسعود وقد صرح بأن تلك الزيادة المذكورة في الحديث مدرجة جماعة من الحفاظ منهم الحاكم والبيهقي والخطيب وقال النووي في الخلاصة اتفق الحفاظ على أنها مدرجة. أقول: على كل الأحوال فإنه من الثابت عن ابن مسعود قوله بعد التشهد (فإن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد) ومن ذلك أخذ الحنفية أن الركنية تقوم بهذا القدر، وأن الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والتسليم واجبان في نهاية الصلاة، وأن الدعاء قبل السلام سنة، ومن الأهمية بمكان أن نقف عند قول ابن مسعود: (كفي بين كفيه) أثناء تعليمه التشهد، وقول علقمة (إن عبد الله بن مسعود أخذ بيده، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيد عبد الله) فهذا الأخذ بالأيد أثناء التلقين للأذكار أو أثناء تعليم لمهم في الشريعة مما ينبغي أن يفطن له العلماء، وكذلك إجلاس المتعلم بين يدي العالم، مما ينبغي أن يلاحظه العالم على هيئة معينة كما ورد في إحدى روايات هذا النص مما ينبغي أن يراعيه العالم إذا أراد أن يلقي مهما في الدين على أحد تلاميذه وحديث جبريل الذي فيه الحديث عن الإسلام والإيمان والإحسان وكيفية جلوسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يشهد لما ذكرناه.

1151 - * روى مسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد، كما يعلمنا السورة من القرآن، فكان يقول: "التحيات، المباركات، الصلوات، الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله". إلا أن الترمذي قال: "سلام عليك- سلام علينا". بغير ألف ولام، وزاد البزار والأوسط: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد ويقول تعلموا فإنه لا صلوة إلا بتشهد. لكن شيئاً مما كانوا يحيون به الملوك لا يصلح للثناء على الله. وقيل (التحيات لله): هي أسماء الله سبحانه وتعالى: السلام، المؤمن، المهيمن، الحي، القيوم، الأحد، الصمد، يعني التحية بهذه الأسماء لله عز وجل. وقوله (الصلوات لله): أي الرحمة لله على العباد. وقوله (الطيبات لله): معناه الطيبات من الكلام مصروفات إلى الله سبحانه (انظر شرح السنة 3/ 182). قال البغوي (3/ 183): قال أهل المعرفة بالحديث: أصح حديث روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد حديث ابن مسعود واختاره أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين فمن بعدهم وهو قول الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي.

_ 1151 - مسلم (1/ 302، 303) 4 - كتاب الصلاة، 16 - باب التشهد في الصلاة. أبو داود (1/ 256) كتاب الصلاة، 181 - باب التشهد. الترمذي (2/ 83) أبواب الصلاة، 216 - باب منه [أيضاً]. قال الترمذي: حديث ابن عباس حديث حسن [غريب] صحيح. كشف الأستار (1/ 271) باب لا صلاة إلا بتشهد. مجمع الزوائد (2/ 140) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وفيه صغد بن سنان ضعفه ابن معين ورواه البزار برجال موثقين وفي بعضهم خلاف لا يضر إن شاء الله. (التحيات): جمع تحية، وهي السلام، وقيل: الملك، وقيل: البقاء، وإنما جاءت بلفظ الجمع، لأن ملوك الأرض يحيون بأنواع من التحيات، كتحية ملوك الجاهلية، وملوك الفرس، وملوك الإسلام، وغيرهم من ملوك الأرض، فجمعت كلها وجعلت لله تعالى.

أقول: هذه الصيغة من التشهد أخذ بها الشافعية، والتشهد الأول عند الجمهور سنة وواجب عند الحنابلة، والتشهد الأخير سنة عند المالكية وواجب عند الحنفية وفرض عند الشافعية والحنابلة، ويسن باتفاق الفقهاء الإسرار بقراءة التشهد، وأقل ما يجزئ من التشهد عند الشافعية: التحيات لله، سلام عليك أيها النبي، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا غله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله. 1152 - * روى النسائي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه صلوا معه، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم: التحيات لله، الطيبات، الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله". 1153 - * روى مالك عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد: "التحيات لله، الصلوات، الطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله- قال ابن عمر: زدت فيها: وبركاته- السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله- قال ابن عمر: زدت فيها: وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله". وفي رواية (3) الموطأ، قال نافع: "إن ابن عمر كان يتشهد: بسم الله، التحيات لله، الصلوات لله، الزاكيات لله، السلام على النبي، ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، شهدت أن لا إله إلا الله، شهدت أن محمداً رسول الله يقول هذا في الركعتين الأوليين، ويدعو إذا قضى تشهده بما بدا له، فإذا جلس في آخر صلاته تشهد كذلك أيضاً، إلا أنه يقدم التشهد، ثم يدعو بما بدا له، فإذا أراد أن يسلم قال: السلام على النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، ثم يقول: السلام عليكم، عن يمينه، ثم يرد على الإمام، وإن سلم عليه أحد عن يساره رد عليه".

_ 1152 - النسائي (2/ 242) 12 - كتاب التطبيق، 102 - نوع آخر من التشهد، وإسناده حسن. 1153 - أبو داود (1/ 255) كتاب الصلاة، 118 - باب التشهد. (3) الموطأ (1/ 91) 3 - كتاب الصلاة، 13 - باب التشهد في الصلاة، وإسناده صحيح.

أقول: قال الحنفية وينوي الإمام بالتسليمتين السلام على من على يمينه ويساره من ملائكة ومسلمي الإنس والجن، وينوي المأموم: الرد على الإمام في التسليمة الأولى إن كان في جهة اليمين وفي التسليمة الثانية إن كان في جهة اليسار، وإن حاذاه نواه في التسليمتين وتسن نية المنفرد للملائكة فقط. قال الباجي في المنتقى (1/ 168): (وقوله: فإذا جلس في آخر صلاته تشهد كذلك أيضاً إلا أن يقدم التشهد: بيان أن التشهدين عنده على صفة واحدة ولفظ واحد متقدمين على الدعاء من موضعيهما. قوله فإذا قضى تشهده وأراد أن يسلم قال السلام على النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين: يريد أنه يعيد من آخر التشهد ما هو من جنس السلام وهو السلام على النبي وعلى المصلي وعلى عباد الله الصالحين ثم يصل بذلك سلامه من الصلاة ليدخل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء بعده في حكمه ويكون آخر التشهد المسنون متصلاً بسلامه). اهـ. 1154 - * روى مالك عن القاسم بن محمد رحمه الله أن عائشة رضي الله عنها كانت تقول إذا تشهدت: "التحيات، الطيبات، الصلوات، الزاكيات لله، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام عليكم". وله في أخرى (2) مثله ولم يقل: "وحده لا شريك له". 1155 - * روى مالك عن عبد الرحمن بن عبد القاري: أنه سمع عمر بن الخطاب وهو على المنبر يعلم الناس التشهد، يقول: "قولوا: التحيات لله، الزاكيات لله، الطيبات لله، الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين،

_ 1154 - الموطأ (1/ 91) 3 - كتاب الصلاة، 13 - باب التشهد في الصلاة، وإسناده صحيح وهو موقوف حكمه حكم الرفع، لأن مثله لا يقال بالرأي. (2) هذه الرواية عن عمر، وهي في نفس الموضع ص 90. 1155 - الموطأ (1/ 90) الموضع السابق. وإسناده صحيح، وهو أيضاً موقوف حكمه حكم الرفع، لأن مثله لا يقال بالرأي.

- الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجلوس الأخير

أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله". أقول: وبهذه الصيغة أخذ بعض المالكية. 1156 - * روى الطبراني عن الشعبي قال كان ابن مسعود يقول بعد السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته: السلام علينا من ربنا. 1157 - * روى أبو داود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان يقول: "من السنة: إخفاء التشهد". وفي رواية: "أن يخفي". أقول: التشهد مطلوب من الإمام والمأموم والمنفرد والرجل والمرأة ويسن فيه الإسرار للجميع. 1158 - * روى البزار عن (الأسود) كان ابن مسعود يعلمنا التشهد في الصلوة، فيأخذ علينا الألف والواو. - الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجلوس الأخير: 1159 - * روى الشيخان عن كعب بن عجرة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج علينا، فقلنا يا رسول الله قد علمنا الله كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: "قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد،

_ 1156 - الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 276). مجمع الزوائد (2/ 143) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. 1157 - أبو داود (1/ 259) كتاب الصلاة، 184 - باب إخفاء التشهد. الترمذي (2/ 84، 85) أبواب الصلاة، 217 - باب ما جاء أنه يخفي التشهد. الحاكم (1/ 230) كتاب الصلاة وصححه ووافقه الذهبي، وله شاهد في نفس الموضع عند الحاكم بسند صحيح عن عائشة قالت: نزلت هذه الآية في التشهد (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها). * ملحوظة: جميع الروايات السابقة بلفظ "يُخفي" ولا يوجد "إخفاء" في الكتب المذكورة. 1158 - كشف الأستار (1/ 271) باب لا يقال التشهد بالمعنى. مجمع الزوائد (2/ 141) وقال الهيثمي: وإسناد البزار رجاله رجال الصحيح. 1159 - البخاري (11/ 152) 80 - كتاب الدعوات، 32 - باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. مسلم (1/ 305) 4 - كتاب الصلاة، 17 - باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد.

- التسليم في انتهاء الصلاة وكيفيته

وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد". أقول: قال الشافعية والحنابلة: إن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ركن في القعود الأخير بعد التشهد، لهذا الحديث وللآية: (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً) (1) وتتحقق الركنية عند الشافعية بأن يقول المصلي (اللهم صل على محمد) وأكمل الصلاة على النبي أن يقول (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد)، وقال الحنفية والمالكية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في القعود الأخير بعد التشهد سنة، وقال الحنفية: الصلاة على النبي صلى الله عليه سلم في القعود الأول من الصلاة الثلاثية والرباعية مكروه، وقال الشافعية والمالكية بسنتها وقال الحنابلة بوجوبها، قال البغوي (3/ 185): وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فعامة العلماء على أن التشهد الأول ليس محلاً لها. اهـ، وأما الصلاة على الآل في القعود الأخير فهي سنة عند الشافعية واجبة عند الحنابلة ويسن الدعاء بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبل السلام وقد مرت معنا بعض صيغه، وستمر معنا بعض صيغه فيما بعد. ويقتصر عند الحنفية على الدعاء المأثور، وأما الأئمة الآخرون فيقولون إن له أن يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، والمأثور أفضل ويندب تعميم الدعاء له ولغيره من المسلمين. - التسليم في انتهاء الصلاة وكيفيته: 1160 - * روى أبو داود عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم".

_ (1) الأحزاب: 56. 1160 - أبو داود (1/ 16) كتاب الطهارة، 31 - باب فرض الوضوء. الترمذي (1/ 8) أبواب الطهارة، 3 - باب ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور. والحديث له شواهد فهو حسن. (تحريمها التكبير) أصل التحريم، من قولك: حرمت فلاناً عطاءه، أي منعته إياه، وأحرم الرجل بالحج: إذا دخل فيما يمتنع معه من أشياء كانت مطلقة له قبل، وكذلك المصلى: بالتكبير صار ممنوعاً من الكلام والأفعال الخارجة عن كلام الصلاة وأفعالها، فقيل للتكبير: تحريم، لمنعه المصلي من ذلك "وتحليلها التسليم" أي: دخل بالتسليم في الحل والإباحة لما كان ممنوعاً منه، كما يستحل المحرم بالحج عند الفراغ منه ما كان محظوراً عليه.

أقول: السلام الأول للخروج من الصلاة حال القعود فرض عند المالكية والشافعية، والتسليمتان فرض عند الحنابلة في صلاة الفريضة، وقال الحنفية: التسليمتان واجبتان، فمن خرج بصنعه من الصلاة بغير سلام فصلاته جائزة عند الحنفية إلا أنها مكروهة كراهة تحريم وأقل ما يجزئ عند الحنفية (السلام) دون قوله (عليكم) وأكمله وهو السنة: أن يقول: (السلام عليكم ورحمة الله) وأكمله عند المالكية (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته). وقوله: وتحليلها التسليم يفيد فرضية السلام ظاهراً كما قال الإمام الشافعي لكن عارضه حديث علي وغيره: (إذا جلس مقدار التشهد ثم أحدث فقد تمت صلاته) وهو موقوف في حكم المرفوع وإسناده حسن أخرجه البيهقي فأورث شبهة في فرضيته، فقال الحنفية بوجوبه) اهـ (انظر إعلاء السنن 3/ 14 و 117 و 141 ونيل الأوطار 2/ 344). (تحريمها التكبير) أصل التحريم، من قولك: حرمت فلاناً عطاءه، أي منعته إياه، وأحرم الرجل بالحج: إذا دخل فيما يمتنع معه من أشياء كانت مطلقة له قبل، وكذلك المصلي: بالتكبير صار ممنوعاً من الكلام والأفعال الخارجة عن كلام الصلاة وأفعالها، فقيل للتكبير: تحريم، لمنعه المصلي من ذلك: وتحليلها التسليم. أي: دخل بالتسليم في الحل والإباحة لما كان ممنوعاً منه، كما يستحل المحرم بالحج عند الفراغ منه ما كان محظوراً عليه. 1161 - * روى الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم عن يمينه وعن يساره: "السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله".

_ قال الصنعاني في "سبل السلام": قد ثبت قوله "صلوا كما رأيتموني أصلي" وثبت حديث "تحريمها التكبير وتحليلها التسليم" أخرجه أصحاب السنن بإسناد صحيح فيجب التسليم لذلك. وقد ذهب إلى وجوبه الهادوية والشافعية وقال النووي إنه قول جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم. وذهب الحنفية وآخرون إلى أنه سنة مستدلين على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر "إذا رفع الإمام رأسه من السجدة وقعد ثم أحدث قبل التسليم فقد تمت صلاته" فدل على أن التسليم ليس بركن واجب وإلا لوجبت الإعادة ولحديث المسيء صلاته فإنه صلى الله عليه وسلم لم يأمره بالسلام وأجيب عنه بأن حديث ابن عمر ضعيف باتفاق الحفاظ؛ فإنه أخرجه الترمذي وقال هذا حديث ليس بذاك القوي وقد اضطربوا في إسناده، وحديث المسيء صلاته لا ينافي الوجوب فإن هذه زيادة وهي مقبولة، والاستدلال بقوله (اركعوا واسجدوا) على عدم وجوب السلام استدلال غير تام لأن الآية مجملة بين المطلوب منها فعله صلى الله عليه وسلم. (الناشر). 1161 - الترمذي (2/ 89) أبواب الصلاة، 221 - باب ما جاء في التسليم في الصلاة.

وزاد أبو داود (1) بعد قوله: "شماله": "حتى يرى بياض خده". وفي رواية النسائي (2): "حتى يرى بياض خده من ها هنا، [وبياض خده من ها هنا] ". 1162 - * روى أبو داود عن وائل بن حجر قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يسلم عن يمينه: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"، وعن شماله: "السلام عليكم ورحمة الله". 1163 - * روى مسلم عن أبي معمر الأزدي الكوفي قال: إن أميراً كان بمكة يسلم تسليمتين، فسمع به عبد الله، فقال: أنى علقها؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله. أقول: ليس هذا إنكاراً، بل تعجباً من علم الرجل وكان بعض الناس يجهلون مثل هذا أو يقتصرون على السلام الأول، وهو دليل لمن ذهب إلى سنية السلام الثاني، قال ابن المنذر: (أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم إلى أن صلاة من اقتصر على تسليمة واحدة جائزة) وقال الحنفية: لكنه مكروه تحريماً. 1164 - * روى ابن خزيمة عن هشام بن عروة عن أبيه: أنه كان يسلم واحدة السلام عليكم. 1165 - * روى مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: كنا إذا صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله- وأشار بيده إلى

_ (1) أبو داود (1/ 261، 262) كتاب الصلاة، 188 - باب في السلام. (2) النسائي (3/ 63) 13 - كتاب السهو، 70 - باب كيف السلام على اليمين. 1162 - أبو داود (1/ 262) كتاب الصلاة، 188 - باب في السلام. وإسناده منقطع وله شواهد تقويه، فهو حسن، وأخرجه ابن حبان (3/ 223، 224) ذكر كيفية التسليم الذي ينفتل المرء به من صلاته وذكر خبر كان يصرح بصحة ما ذكرناه، وقد ذكر الرملي في شرح المنهاج أنها ثبتت من عدة طرق ومن ثم اختار جمع ندبها. 1163 - مسلم (1/ 409) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 22 - باب السلام للتحليل من الصلاة عند فراغها. (أنى علقها) أنى: بمعنى: من أين؟ وبمعنى كيف، و"علقها" بمعنى: تعلمها: أي: من أين عرف ذلك، وممن أخذها؟. 1164 - ابن خزيمة (1/ 360) 34 - باب إباحة الاقتصار على تسليمة واحدة من الصلاة. 1165 - مسلم (1/ 322) 4 - كتاب الصلاة، 27 - باب الأمر بالسكون في الصلاة، والنهي عن الإشارة باليد ورفعها عند السلام.

الجانبين- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "علام تؤمنون بأيديكم، كأنها أذناب خيل شمس؟ وإنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه، ثم يسلم على أخيه من عن يمينه وشماله". وفي رواية (1) أبي داود، قال: كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلم أحدنا: أشار بيده من عن يمينه، ومن عن يساره، فلما صلى قال: "ما بال أحدكم يومئ بيديه كأنها أذناب خيل شمس؟ إنما يكفي- أو ألا يكفي- أحدكم أن يقول هكذا"- وأشار بإصبعه- "يسلم على أخيه من عن يمينه ومن عن شماله". وفي أخرى (2) له بمعناه، وقال: "إنما يكفي أحدكم- أو أحدهم أن يضع يده على فخذيه، ثم يسلم على أخيه من عن يمينه وشماله". وفي أخرى (3) له، قال: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس رافعوا أيديهم- قال زهير: أراه قال: في الصلاة- قال: "مالي أراكم رافعي أيديكم، كأنها أذناب خيل شمس؟ اسكنوا في الصلاة"، هذه الرواية الآخرة قد أخرجها مسلم (4) في جملة حديث يتضمن معنى آخر. أقول: من هذا الحديث وأمثاله أخذ الحنفية عدم رفع الأيدي في الصلاة إلى حذاء الأذنين إلا عند تكبيرة الإحرام تقليلاً للحركة في الصلاة، على أن القائلين بسنية الرفع لا يعتبرون ذلك من غير أفعال الصلاة. 1166 - * روى مسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يختم الصلاة بالتسليم، وينهى عن عقبة الشيطان.

_ (علام تومئون) الإيماء: الإشارة إلى الشيء باليد والرأس، والعين، و"علام": أي على ما، حذفت الألف من "ما" تخفيفاً لكثرة الاستعمال، ومثله عم، [وبم]، وفيم. (خيل شمس) شمس: جمع شموس، وهو من الدواب ما لا يكاد يستقر شغباً وبطراً، ورجل شموس الأخلاق: أي عسرها. (1) أبو داود (1/ 262) كتاب الصلاة، 188 - باب في السلام. (2) أبو داود، الموضع السابق. (3) أبو داود، نفس الموضع السابق. (4) مسلم، نفس الموضع السابق ص 322. 1166 - مسلم (1/ 357، 358) 4 - كتاب الصلاة، 45 - باب الاعتدال في السجود.

أقول: فسر بعضهم عقبة الشيطان بأن يفترش الإنسان كلاً من قدميه فيما بين السجدتين أو أثناء القعود وهو مكروه، وفسره بعضهم بالإقعاء المعهود، أما أن ينصب الإنسان كلاً من قدميه ويجلس على عقبيه ما بين السجدتين فقد مر معنا أنه مسنون عند بعض المحدثين، ونقل عن الشافعي أنه مستحب والظاهر أنه خلاف السنة الأغلبية لرسول الله صلى الله عليه وسلم. 1167 - * روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول: "اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام". أقول: يستحب لمن فرغ من صلاة الفريضة ألا يصلي النافلة بعدها إلا بفاصل أو انتقال، ويجزئ في الفاصل عند الحنفية أن يقول: (اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام) ويقرأ عند غير الحنفية أوراد الصلاة بعد التسليم وقبل صلاة النافلة، ويقرؤها عند الحنفية بعد صلاة النافلة لأن النافلة عندهم تجبر نقص الفريضة، فكان من المناسب أن يسارع إليها بعد أدنى فاصل. 1168 - * روى مسلم عن إسماعيل بن عبد الرحمن السدي قال: سألت أنس بن مالك: كيف أنصرف إذا سلمت: عن يميني، أو عن يساري؟ قال: أما أنا فأكثر ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه. 1169 - * روى النسائي عن عائشة رضي الله عنها قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب قائماً وقاعداً، ويصلي حافياً ومنتعلاً، وينصرف عن يمينه وعن شماله. 1170 - * روى مالك عن واسع بن حبان قال: كنت أصلي وعبد الله بن عمر مسند

_ 1167 - مسلم (1/ 414) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 26 - باب استحباب الذكر بعد الصلاة. الترمذي (2/ 95، 96) أبواب الصلاة، 224 - باب ما يقول إذا سلم من الصلاة. ابن خزيمة (1/ 362، 363) 237 - باب الثناء على الله عز وجل بعد السلام من الصلاة. 1168 - مسلم (1/ 492) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 7 - باب جواز الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال. النسائي (3/ 81) 13 - كتاب السهو، 10 - باب الانصراف من الصلاة. 1169 - النسائي (3/ 81، 82) 13 - كتاب السهو، 100 - باب الانصراف من الصلاة، وحديث صحيح. 1170 - الموطأ (1/ 169) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 23 - باب العمل في جامع الصلاة، وإسناده صحيح.

ظهره إلى جدار القبلة، فلما قضيت صلاتي انصرفت إليه من قبل شقي الأيسر، فقال عبد الله بن عمر: ما منعك أن تنصرف عن يمينك؟ قال: فقلت: رأيتك فانصرفت إليك: قال عبد الله: فإنك قد أصبت، إن قائلاً يقول: انصرف عن يمينك، فإذا كنت تصلي فانصرف حيث شئت: إن شئت على يمينك، وإن شئت على يسارك. 1171 - * روى الشيخان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لا يجعل أحدكم للشيطان شيئاً من صلاته، يرى أن حقاً عليه أن لا ينصرف إلا عن يمينه، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً ينصرف عن يساره. إلا أن أبا داود قال: أكثر ما ينصرف عن شماله. قال عمارة: أتيت المدينة بعد، فرأيت منازل النبي صلى الله عليه وسلم عن يساره. 1172 - * روى البخاري عن أنس رضي الله عنه أنه كان ينفتل عن يمينه وعن يساره ثم يعيب على من يتوخى أو يعمد الانفتال عن يمينه. علقه البخاري بصيغة الجزم، قال الحافظ: وظاهر هذا الأثر يخالف ما رواه مسلم من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن السدي قال: سألت أنساً كيف أنصرف إذا صليت عن يميني أو عن يساري؟ قال أما أنا، فأكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه. ويجمع بينهما بأن أنساً عاب من يعتقد تحتم ذلك ووجوبه، وأما إذا استوى الأمر فجهة اليمين أولى. قال البغوي (3/ 213): إذا كان المصلي له حاجة ينصرف إلى جانب حاجته فإن استوى الجانبان فينصرف إلى أي جانب شاء واليمين أولاهما لما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب من التيمن وإن لم يرد الخروج من المسجد فليقبل على الناس بوجهه من جانب يمينه لحديث البراء الآتي. 1173 - * روى أبو داود عن يزيد بن الأسود رضي الله عنه قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان إذا انصرف انحرف.

_ 1171 - البخاري (2/ 337) 10 - كتاب الأذان، 159 - باب الانفتال والانصراف عن اليمين والشمال. مسلم (1/ 492) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 7 - باب جواز الانصراف من الصلاة عن اليمين والشمال. أبو داود (1/ 273) كتاب الصلاة، 203 - باب كيف الانصراف من الصلاة. النسائي (3/ 81) كتاب السهو، 100 - باب الانصراف من الصلاة. 1172 - البخاري (2/ 337) 10 - كتاب الأذان، 159 - باب الانفتال والانصراف عن اليمين والشمال. 1173 - أبو داود (1/ 167) كتاب الصلاة، 71 - باب الإمام ينحرف بعد التسليم.

وفي رواية (1) النسائي: أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، فلما صلى انحرف. 1174 - * روى مسلم عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه، فيقبل علينا بوجهه، قال فسمعته يقول: "رب قني عذابك يوم تبعث عبادك أو تجمع عبادك". أقول: من ههنا استحب العلماء أن يحول الإمام جلسته بعد السلام فيتجه نوع اتجاه نحو المصلين، وقد جرت العادة في بعض البلدان أن يقيم الإمام والمأمومون أوراد الصلاة على هذه الصفة، وقيد الحنفية توجه الإمام نحو المصلين بأن يكون في صلاة ليس بعدها تنفل أو أن يتجه إليهم بعد التنفل. 1175 - * رو الطبراني عن عبد الله بن مسعود قال إذا سلم الإمام وللرجل حاجة فلا ينتظره إذا سلم أن يستقبله بوجهه وإن فصل الصلاة التسليم، وكان عبد الله إذا سلم لم يلبث أن يقوم أو يتحول من مكانه أو يستقبلهم بوجهه. 1176 - * روى البخاري عن هند بنت الحارث، أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرتها: أن النساء كن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلمن من المكتوبة قمن، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى خلفه من الرجال، فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال. 1177 - * روى البخاري عن هند بنت الحارث، عن أم سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان

_ (1) النسائي (3/ 64) كتاب السهو، 78 - باب الانحراف بعد التسليم. وإسناده صحيح. 1174 - مسلم (1/ 492) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 8 - باب استحباب يمين الإمام. أبو داود (1/ 167) كتاب الصلاة، 71 - باب الإمام ينحرف بعد التسليم. 1175 - الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 309). مجمع الزوائد (2/ 147) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. 1176 - البخاري (2/ 349) 10 - كتاب الأذان، 133 - باب انتظار الناس قيام الإمام. ابن خزيمة (3/ 108) جماع أبواب صلاة النساء في الجماعة، 201 - باب ذكر الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يقوم ساعة يسلم إذا لم يكن خلفه نساء. 1177 - البخاري (2/ 350، 351) 10 - كتاب الأذان، 164 - باب صلاة النساء خلف الرجال. ابن خزيمة (3/ 108، 109) جماع أبواب صلاة النساء في الجماعة، 201 - باب ذكر الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يقوم ساعة يسلم إذا لم يكن خلفه نساء.

إذا سلم من الصلاة لم يمكث إلا يسيراً حتى يقوم. قال الزهري: فنرى ذلك- والله أعلم- أن ذاك ليذهب النساء قبل أن يخرج أحد من الرجال. أقول: هذه من الأفعال التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم فيها الناس ما هو من باب الذوق والمروءات، وهو شيء نجده في كثير من تعاليمه ومن تصرفاته عليه الصلاة والسلام وتصرفات أصحابه، لذلك كان للمروءات شأنها في الإسلام حتى قال الفقهاء: إن من فعل فعلاً يخل بالمروءة ولو كان مباحاً سقطت عدالته، ومن مثل هذا النص أخذ بعض القائمين على التعليم في بعض البلدان الإسلامية بمبدأ صرف الطالبات من مدارسهن قبل صرف الذكور. 1178 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: إن رفع الصوت بالذكر، حين ينصرف الناس من المكتوبة: كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال ابن عباس: كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك، إذا سمعته. وفي رواية (2): ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالتكبير قال عمر [بن دينار]: وأخبرني به أبو معبد، ثم أنكره بعده. إلا أن أبا داود قال في الأولى: [كنت أعلم إذا انصرفوا] بذلك، وأسمعه. وأخرج النسائي الرواية الثانية (3)، وقال الحافظ في (الفتح) قال النووي: حمل الشافعي هذا الحديث على أنهم جهروا به وقتاً يسيراً لأجل تعليم صفة الذكر، لا أنهم داموا على الجهر به، والمختار أن الإمام والمأموم يخفيان الذكر إلا إن احتيج إلى التعليم.

_ 1178 - البخاري (2/ 324) 10 - كتاب الأذان، 155 - باب الذكر بعد الصلاة. مسلم (1/ 410) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 23 - باب الذكر بعد الصلاة. أبو داود (1/ 263) كتاب الصلاة، 190 - باب التكبير بعد الصلاة. (2) البخاري (2/ 325) 10 - كتاب الأذان- 155 - باب الذكر بعد الصلاة. (3) النسائي (3/ 67، 68) 13 - كتاب السهو، 79 - التكبير بعد تسليم الإمام.

1179 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود قال: تحريم الصلاة التكبير وتحليلها التسليم، وإذا سلمت فعجلت بك حاجة فانطلق قبل أن تقبل بوجهك. أقول: الظاهر أن الخطاب في الأثر للإمام الذي يندب له بعد الصلاة أن يتوجه إلى المصلين، فله إذا انتهت الصلاة أن يخرج مباشرة لحاجته، وقد يراد بالإقبال الإقبال على أوراد الصلاة وأذكارها فيكون الخطاب موجهاً لكل مصل، وهذا يفيد أن الإمام والمأموم يقتصران على مجرد الصلاة، دون أذكارها إذا كان هناك وضع خاص يقتضي الإقبال على مهمة من دين أو دنيا، كأن يكون الناس في اجتماع يتدارسون فيه أمراً مهماً، والإقبال على الأذكار والدعوات يكون على حساب هذا المهم.

_ 1179 - الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 295). مجمع الزوائد (2/ 104) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح.

الفصل التاسع في الخشوع في الصلاة

الفصل التاسع في الخشوع في الصلاة قال الله تعالى: (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) (1) قال مجاهد: السكون (فيها)، وقال مجاهد في قوله تعالى: (سيماهم في وجوههم من أثر السجود) (2) قال: هو الخشوع والتواضع، والخشوع قريب المعنى من الخضوع، إلا أن الخضوع في البدن، والخشوع في البدن والبصر والصوت، قال تعالى: (وخشعت الأصوات للرحمن) (3)، أي انخفضت. 1180 - * روى أحمد عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه، قال "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وفي صدره أزيز كأزيز الرحا من البكاء". وفي رواية (5) النسائي "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، ولجوفه أزيز كأزيز المرجل- يعني يبكي". 1181 - * روى ابن خزيمة عن علي قال: ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد ولقد رأيتنا، وما فينا إلا نائم، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح". قال ابن خزيمة: قصة أبي بكر الصديق رضي الله عنه لما أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة

_ (1) المؤمنون: 1. (2) الفتح: من آية 29. (3) طه: من آية 108. 1180 - أحمد (4/ 25/ 26). أبو داود (1/ 238) كتاب الصلاة، 160 - باب البكاء في الصلاة. ابن حبان (2/ 66) ذكر الخبر الدال على صحة ما تأولنا خبري أبي هريرة اللذين ذكرناهما. ابن خزيمة (2/ 53) الدليل على أن البكاء في الصلاة لا يقطع الصلاة مع إباحة البكاء في الصلاة. (5) النسائي (3/ 13) 13 - كتاب السهو، 18 - باب البكاء في الصلاة. هو حديث صحيح. (أزيز) الأزيز: صوت غليان المرجل، والمراد به: ما كان يعرض له في الصلاة من الخوف الذي يوجب ذلك الصوت. 1181 - ابن خزيمة (2/ 53) الدليل على أن البكاء في الصلاة لا يقطع مع إباحة البكاء في الصلاة. وإسناده صحيح.

بالناس، فقيل له: إنه رجل رقيق كثير البكاء حين يقرأ القرآن، من هذا الباب. 1182 - * روى أبو يعلى عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيت فيناديه بلال بالأذان فيقوم فيغتسل فإني لأرى الماء ينحدر على خده وشعره ثم يخرج فيصلي فأسمع بكاءه". 1183 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "صلى النبي صلى الله عليه وسلم يوماً، ثم انصرف، فقال: "يا فلان، ألا تحسن صلاتك؟ ألا ينظر المصلي إذا صلى كيف يصلي؟ فإنما يصلي لنفسه، إني لأبصر من ورائي كما أبصر من بين يدي". أقول: هذه الحالة هي مما أكرم الله عز وجل به رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا موضوع للروح دخل فيه، وظاهرة التلباثي التي يتحدث عنها مسلمون وكافرون تبين لنا أن للروح استشفافاتها وحال رسل الله صلى الله عليه وسلم لا يشبهه حال وإنما ذكرنا هذا للتقريب. 1184 - * روى أحمد عن أبي هريرة، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر، فلما سلم نادى رجلاً كان في آخر الصفوف، فقال: "يا فلان ألا تتقي الله، ألا تنظر كيف تصلي؟ إن أحدكم إذا قام يصلي إنما يقوم يناجي ربه، فلينظر كيف يناجيه. إنكم ترون أني لا أراكم، إني والله لأرى من خلف ظهري كما أرى من بين يدي". 1185 - * روى مالك عن النعمان بن مرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما ترون في الشارب والزاني والسارق؟ " وذلك قبل أن تنزل فيهم الحدود، قالوا:

_ 1182 - أبو يعلى (8/ 163) وإسناده صحيح. 1183 - مسلم (1/ 319) 4 - كتاب الصلاة، 24 - باب الأمر بتحسين الصلاة وإتمامها والخشوع فيها. النسائي (2/ 119) 9 - كتاب القبلة، 63 - الركوع دون الصف. 1184 - أحمد (2/ 449). مسلم، سبق تخريجه. ابن خزيمة (1/ 241) 85 - باب الأمر بالخشوع في الصلاة. 1185 - الموطأ (1/ 167) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 23 - باب العمل في جامع الصلاة، وهو مرسل صحيح، وله شواهد مسندة صحيحة.

الله ورسوله أعلم، قال: "هن فواحش، وفيهن عقوبة وأسوأ السرقة: الذي يسرق صلاته"، قالوا: كيف يسرق صلاته يا رسول الله؟ قال: "لا يتم ركوعها ولا سجودها" قال النعمان: وكان عمر يقول: "إن وجه دينكم الصلاة، فزينوا وجه دينكم بالخشوع". 1186 - * روى أحمد عن أبي قتادة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته" قالوا يا رسول الله كيف يسرق من صلاته قال لا يتم ركوعها ولا سجودها أو لا يقيم صلبه في الركوع ولا في السجود". 1187 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسرق الناس الذي يسرق صلاته"، قيل يا رسول الله كيف يسرق صلاته قال "لا يتم ركوعها ولا سجودها وأبخل الناس من بخل بالسلام". 1188 - * روى البزار عن بريدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث من الجفاء أن يبول الرجل وهو قائم أو يمسح جبهته قبل أن يفرغ من صلاته أو ينفخ في سجوده". وقد روي هذا الحديث موقوفاً عن ابن مسعود من طريق قتادة عن عبد الله بن بريدة عن ابن مسعود موقوفاً ومن طريق الجريري عن ابن بريدة عن ابن مسعود موقوفاً، وهنا روي عن سعيد بن عبيد الله ثنا عبد الله بن بريدة عن بريدة مرفوعاً، فأعله لذلك بعضهم بالاضطراب، إذ أن سعيد بن عبيد الله فيه ضعف يسير قال عنه الحافظ (صدوق ربما وهم)، قال البخاري حديث منكر يضطربون فيه، وقال الترمذي: (حديث بريدة في هذا

_ 1186 - أحمد (5/ 310). مجمع الزوائد (2/ 120) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط ورجاله رجال الصحيح. الحاكم (1/ 229) كتاب الصلاة. الروض الداني (1/ 209) وقال المنذري: بإسناد جيد. 1187 - مجمع الزوائد (2/ 120) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الثلاثة ورجاله ثقات. 1188 - كشف الأستار (1/ 266). ومجمع الزوائد (2/ 83) وقال الهيثمي: رواه البزار والطبراني في الأوسط ورجال البزار رجال الصحيح.

غير محفوظ، (انظر سنن الترمذي 1/ 18)، (السنن الكبرى للبيهقي 2/ 285)، وقال في (النيل 2/ 268): (قال العراقي ورجاله رجال الصحيح، ورأيت بخط الحافظ على كلام زين الدين ما لفظه: وقوله رجاله رجال الصحيح ليس بصحيح)، قال العيني في (شرح البخاري 3/ 135): في قول الترمذي هذا نظر، لأن البزار أخرجه بسند صحيح ... ، قال العلامة المباركفوري: (الترمذي من أئمة هذا الشأن فقوله حديث بريدة في هذا غير محفوظ: يعتمد عليه وأما إخراج البزار حديثه بسند ظاهره الصحة فلا ينافي كونه غير محفوظ) انظر (سنن الترمذي 1/ 18) تعليق العلامة أحمد شاكر. 1189 - * روى الطبراني عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أول شيء يرفع من هذه الأمة الخشوع حتى لا ترى فيها خاشعاً". 1190 - * روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة"، فاشتد قوله في ذلك، حتى قال: "لينتهن عن ذلك، أو لتخطفن أبصارهم". 1191 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: "لينتهين أقوام عن رفعهم أبصارهم عند الدعاء في الصلاة إلى السماء، أو لتخطفن أبصارهم". 1192 - * روى الطبراني عن عبد الله قال ما يأمن الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يعود رأسه رأس كلب ولينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء أو لتخطفن أبصارهم.

_ 1189 - مجمع الزوائد (2/ 136) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن. 1190 - البخاري (2/ 233) 10 - كتاب الأذان، 92 - باب رفع البصر إلى السماء في الصلاة. أبو داود (1/ 240) كتاب الصلاة، 166 - باب النظر في الصلاة. النسائي (3/ 7) 13 - كتاب السهو، 9 - باب النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة. ابن خزيمة (1/ 241، 242) 86 - باب التغليظ في النظر إلى السماء في الصلاة. (لتخطفن) الاختطاف: الأخذ بالسرعة. 1191 - مسلم (1/ 321) 4 - كتاب الصلاة، 26 - باب النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة. النسائي (3/ 39) 13 - كتاب السهو، 40 - باب النهي عن رفع البصر إلى السماء عند الدعاء في الصلاة. 1192 - الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 274). مجمع الزوائد (2/ 79) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير بأسانيد منها إسناد رجاله ثقات.

1193 - * روى أبو داود عن أبي ذر الغفاري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يزال الله عز وجل مقبلاً على العبد وهو في صلاته، ما لم يلتفت، فإذا التفت انصرف عنه". 1194 - * روى أحمد عن الحارث الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم حدثه أن الله عز وجل أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات يفعل بهن ويأمر بني إسرائيل أن يفعلوا بهن، يعظ الناس ثم قال: إن الله أمركم بالصلاة، فإذا نصبتم وجوهكم فلا تلتفتوا فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده حين يصلي له، فلا يصرف عنه وجهه حتى يكون العبد هو ينصرف. 1195 - * روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة فقال: "هو الاختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد". 1196 - * روى أبو داود عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عشر صلاته، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها". 1197 - * روى الطبراني عن ابن مسعود قال: قاروا الصلاة يقول: اسكنوا اطمئنوا.

_ 1193 - أبو داود (1/ 239) كتاب الصلاة، 164 - باب الالتفات في الصلاة. النسائي (3/ 8) 13 - كتاب السهو، 10 - باب التشديد في الالتفات في الصلاة. الحاكم (1/ 236) كتاب الصلاة، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. 1194 - أحمد (4/ 202). الترمذي (5/ 148) 45 - كتاب الأمثال، 3 - باب ما جاء في مثل الصلاة والصيام والصدقة. ابن خزيمة (1/ 244) 89 - باب الخشوع في الصلاة أيضاً، والزجر عن الالتفات في الصلاة. 1195 - البخاري (2/ 234) 10 - كتاب الأذان، 93 - باب الالتفات في الصلاة. أبو داود (1/ 239) كتاب الصلاة، 164 - باب الالتفات في الصلاة. الحاكم (1/ 237) كتاب الصلاة. 1196 - أبو داود (1/ 211) كتاب الصلاة، 128 - باب ما جاء في نقصان الصلاة. هو حديث صحيح. 1197 - الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 310). مجمع الزوائد (2/ 136) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. (قاروا) من القرار لا من الوقار.

1198 - * روى الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً لأصحابه وأنا حاضر: "لو كان لأحدكم هذه السارية لكره أن يخدع. كيف يعمل أحدكم فيخدع صلاته التي هي لله، فأتموا صلاتكم فإن الله لا يقبل إلا تاماً". 1199 - * روى أحمد عن أبي هريرة قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث ونهاني عن ثلاث، فنهاني عن نقرة كنقرة الديك وإقعاء كإقعاء الكلب والتفات كالتفات الثعلب". 1200 - * روى الشيخان عن عائشة: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في خميصة لها أعلام فقال: "شغلتني أعلام هذه، اذهبوا بها إلى أبي جهم وأتوني بأنبجانية". قال البغوي (3/ 256): فيه دليل على كراهية تنقيش مواضع الصلاة، والصلاة على المصلى المنقوش وفيه أن من استثبت خطاً مكتوباً وهو في الصلاة لم تفسد صلاته، وفيه أن التفكر في الشيء لا يبطل الصلاة. قال عمر إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة. قال مالك: بلغني أن عمر بن الخطاب قال إني لأضطجع على فراشي فما يأتيني النوم وأقوم إلى الصلاة فما تتوجه إلي القراءة من اهتمامي بأمر الناس، قال مالك: يريد أن يطاع الله ولا يعصى الله. 1201 - * روى مسلم عن ابن عمر: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان أحدكم على طعام فلا يعجلن حتى يقضي حاجته منه وإن أقيمت الصلاة".

_ 1198 - مجمع الزوائد (2/ 120، 121) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن. 1199 - أحمد (2/ 265). مجمع الزوائد (2/ 79، 80) وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الأوسط وإسناد أحمد حسن. 1200 - البخاري (2/ 234) 10 - كتاب الأذان، 93 - باب الالتفات في الصلاة. مسلم (1/ 391) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 15 - باب كراهة الصلاة في ثوب له أعلام. (أنبجانية) كساء يتخذ من الصوف وله خمل ولا علم له وهي من أدون الثياب الغليظة منسوب إلى منبج وقيل إلى موضع اسمه أنبجان. 1201 - مسلم (1/ 392) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 16 - باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام. ابن خزيمة (2/ 67) جماع أبواب الأفعال المكروهة في الصلاة، 360 - باب الزجر عن الاستعجال عن الطعام

1202 - * روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء فابدؤوا بالعشاء". وفي رواية (1) "إذا وضع العشاء". 1203 - * روى مسلم عن عائشة: رضي الله عنها: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا صلاة بحضرة الطعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان". 1204 - * روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاة بحضرة الطعام، ولا لمن يدافعه الأخبثان". 1205 - * روى الطبراني في الأوسط عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أقيمت الصلاة وأحدكم صائم فليبدأ بالعشاء قبل صلاة المغرب ولا تعجلوا عن عشائكم". 1206 - * روى البخاري عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة فأتوها، وعليكم السكينة والوقار، فصلوا ما أدركتم، وأتموا ما فاتكم". 1207 - * روى الشيخان عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، ائتوها وأنتم تمشون، عليكم السكينة فما أدركتم

_ قبل الفراغ منه عند حضور الصلاة. 1202 - البخاري (2/ 159) 10 - كتاب الأذان، 42 - باب إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة. مسلم (1/ 392) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 16 - باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام. (1) البخاري (9/ 584) 70 - كتاب الأطعمة، 58 - باب إذا حضر العشاء فلا يعجل عن عشائه. مسلم (1/ 392) في نفس الموضع السابق. 1203 - مسلم (1/ 393) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 16 - باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام. ابن خزيمة (2/ 66) جماع أبواب الأفعال المكروهة في الصلاة، 358 - باب الزجر عن مدافعة الغائط والبول في الصلاة. 1204 - مسلم (1/ 393) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 16 - باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام. 1205 - مجمع الزوائد (2/ 46) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح. 1206 - البخاري (2/ 390) 11 - كتاب الجمعة، 18 - باب المشي إلى الجمعة. ابن خزيمة (3/ 3) كتاب الصلاة، 8 - باب الأمر بالسكينة في المشي إلى الصلاة. 1207 - البخاري (2/ 390) 11 - كتاب الجمعة، 18 - باب المشي إلى الجمعة. مسلم (1/ 420، 421) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 28 - باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة،

- حقيقة الخشوع وطرق تحصيله.

فصلوا، وما فاتكم فاقضوا". 1208 - * روى مسلم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة وذلك الدهر كله". - حقيقة الخشوع وطرق تحصيله. مما قلته في كتابنا المستخلص في تزكية الأنفس: إن الخشوع هو المظهر الأرقى لصحة القلب فإذ يرتفع علم الخشوع فهذا يعني أن القلب المسلم قد خرب، فما ذهب الخشوع إلا وقد غُلب القلب بأمراض خطيرة وأحوال شريرة كحب الدنيا والتنافس عليها، ومتى غلب القلب بالأمراض فقد التطلع إلى الآخرة، ومتى وصل إلى ذلك فلا صلاح للمسلمين، فحب الدنيا يعقبه التنافس عليها، والتنافس عليها لا يقوم به أمر دنيا ودين. إن فقدان الخشوع علامة على فقدان القلب حياته وحيويته فالموعظة فيه لا تؤثر، والأهواء فيه غلابة، وتصوره بعد ذلك كيف يكون الحال؟ عندما تتغلب الأهواء ولا ينفع وعظ ولا تذكير فعندئذ تتغلب الشهوات ويقوم سوق التنافس على الجاه والغلبة والسيطرة والمال والشهوات. وهذه إذا سيطرت لا يصلح معها دنيا أو دين؟. والخشوع علم بنص الحديث النبوي، وهذا العلم قل العارفون به، فإذا ظفرت أيها المسلم بالخاشع الذي يستطيع أن يوصلك إلى الخشوع فتمسك به فإنه العالم حقاً إذ هذه علامة علماء الآخرة.

_ والنهي عن إتيانها سعياً. ابن خزيمة (3/ 3) كتاب الصلاة، 28 - باب الأمر بالسكينة في المشي إلى الصلاة. 1208 - مسلم (1/ 206) 2 - كتاب الطهارة، 4 - باب فضل الوضوء والصلاة عقبه.

(إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولاً، ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً) (1). إن علم الخشوع مرتبط بعلم تصفية القلوب من أمراضها وتحققها بصحتها وذلك باب واسع، ولذلك فعلماء الآخرة يبدؤون بتلقين السالك إلى الله الذكر والحكمة حتى يحيا قلبه، فإذا حيي قلبه نقوه من الأوصاف الذميمة ودلوه على الأوصاف الحميدة، وههنا يأتي تعويد قلبه على الخشوع من خلال الحضور مع الله والتأمل في المعاني ولكل ذلك طريقه المشروع عندهم. وخشوع الجوارح في الصلاة هو ميزان خشوع القلب فبقدر ما تخشع في صلاتك فذلك علامة الخشوع في قلبك، (انظر المستخلص 36 - 37). قال في مختصر منهاج القاصدين. "- واعلم أن للصلاة أركاناً وواجبات وسنناً، وروحها النية والإخلاص والخشوع وحضور القلب، فإن الصلاة تشتمل على أذكار ومناجاة وأفعال، ومع عدم حضور القلب لا يحصل المقصود بالأذكار والمناجاة، لأن النطق إذا لم يعرب عما في الضمير كان بمنزلة الهذيان، وكذلك لا يحصل المقصود من الأفعال، لأنه إذا كان المقصود من القيام الخدمة، ومن الركوع والسجود الذل والتعظيم، ولم يكن القلب حاضراً، لم يحصل المقصود، فإن الفعل متى خرج عن مقصوده بقي صورة لا اعتبار بها، قال الله تعالى: (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم) (2) والمقصود أن الواصل إلى الله سبحانه وتعالى هو الوصف الذي استولى على القلب حتى حمل على امتثال الأوامر المطلوبة، فلابد من حضور القلب في الصلاة، ولكن سامح الشارع في غفلة تطرأ، لأن حضور القلب في أولها ينسحب حكمه على باقيها.

_ (1) الإسراء: من 107. (2) الحج: 37.

والمعاني التي تتم بها حياة الصلاة كثيرة: المعنى الأول: حضور القلب كما ذكرنا، ومعناه أن يفرغ القلب من غير ما هو ملابس له، وسبب ذلك الهمة، فإنه متى أهمك أمر حضر قلبك ضرورة، فلا علاج لإحضاره إلا صرف الهمة إلى الصلاة، وانصراف الهمة يقوى ويضعف بحسب قوة الإيمان بالآخرة واحتقار الدنيا، فمتى رأيت قلبك لا يحضر في الصلاة، فاعلم أن سببه ضعف الإيمان، فاجتهد في تقويته. والمعنى الثاني: التفهم لمعنى الكلام فإنه أمر وراء حضور القلب، لأنه ربما كان القلب حاضراً مع اللفظ دون المعنى، فينبغي صرف الذهن إلى إدراك المعنى بدفع الخواطر الشاغلة وقطع موادها، فإن المواد إذا لم تنقطع لم تنصرف الخواطر عنها. والمواد، إما ظاهرة، وهي ما يشغل السمع والبصر، وإما باطنة وهي أشد كمن تشعبت به الهموم في أودية الدنيا، فإنه لا ينحصر فكره في فن واحد، ولم يغنه غض البصر، لأن ما وقع في القلب كاف في الاشتغال به. وعلاج ذلك إن كان من المواد الظاهرة، بقطع ما يشغل السمع والبصر، وهو القرب من القبلة، والنظر إلى موضع سجوده، والاحتراز في الصلاة من المواضع المنقوشة، وأن لا يترك عنده ما يشغل حسه، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما صلى في أنبجانية لها أعلام نزعها وقال: "إنها ألهتني آنفاً عن صلاتي". وإن كان من المواد الباطنة، فطريق علاجه أن يرد النفس قهراً إلى ما يقرأ في الصلاة ويشغلها به عن غيره، ويستعد لذلك قبل الدخول في الصلاة، بأن يقضي أشغاله، ويجتهد في تفريغ قلبه، ويجدد عل نفسه ذكر الآخرة وخطر القيام بين يدي الله عز وجل وهول المطلع، فإن لم تسكن الأفكار بذلك، فليعلم أنه إنما يتفكر فيما أهمه واشتهاه، فليترك تلك الشهوات وليقطع تلك العلائق. واعلم: أن العلة متى تمكنت لا ينفعها إلا الدواء القوي، والعلة إذا قويت جاذبت المصلي وجاذبها إلى أن تنقضي الصلاة في المجاذبة، ومثل ذلك كمثل رجل تحت شجرة أراد أن

يصفو له فكره، وكانت أصوات العصافير تشوش عليه وفي يده خشبة يطيرها بها، فما يستقر فكره حتى تعود العصافير فيشتغل بها، فقيل له. هذا شيء لا ينقطع، فإن أردت الخلاص فاقطع الشجرة، فكذلك شجرة الشهوة إذا علت وتفرقت أغصانها انجذبت إليها الأفكار كانجذاب العصافير إلى الأشجار والذباب إلى الأقذار، فذهب العمر النفيس في دفع ما لا يندفع، وسبب هذه الشهوة التي توجب هذه الأفكار حب الدنيا. قيل لعامر بن عبد قيس رحمه الله: هل تحدثك نفسك بشيء من أمور الدنيا في الصلاة؟ فقال: لأن تختلف الأسنة في أحب إلي من أن أجد هذا. واعلم: أن قطع حب الدنيا من القلب أمر صعب، وزواله بالكلية عزيز، فليقع الاجتهاد في الممكن منه، والله الموفق المعين. المعنى الثالث: التعظيم لله والهيبة، وذلك يتولد من شيئين: معرفة جلال الله تعالى وعظمته، ومعرفة حقارة النفس وأنها مستعبدة، فيتولد من المعرفتين: الاستكانة، والخشوع. ومن ذلك الرجاء: فإنه زائد على الخوف، فكم من معظم ملكاً يهابه لخوف سطوته كما يرجو بره. والمصلي ينبغي أن يكون راجياً بصلاته الثواب، كما يخاف من تقصيره العقاب. وينبغي للمصلي أن يحضر قلبه عند كل شيء من الصلاة، فإذا سمع نداء المؤذن فليمثل النداء للقيامة ويشمر للإجابة، ولينظر ماذا يجيب، وبأي بدن يحضر. وإذا ستر عورته فليعلم أن المراد من ذلك تغطية فضائح بدنه عن الخلق، فليذكر عورات باطنه وفضائح سره التي لا يطلع عليها إلا الخالق، وليس لها عنه ساتر، وأنها يكفرها الندم، والحياء، والخوف. وإذا استقبل القبلة فقد صرف وجهه عن الجهات إلى جهة بيت الله تعالى، فصرف قلبه إلى الله تعالى أولى من ذلك، فكما أنه لا يتوجه إلى جهة البيت إلا بالانصراف عن غيرها، كذلك القلب لا ينصرف إلى الله تعالى إلا بالانصراف عما سواه.

إذا كبرت أيها المصلي، فلا يكذبن قلبك لسانك، لأنه إذا كان في قلبك شيء أكبر من الله تعالى فقد كذبت، فاحذر أن يكون الهوى عندك أكبر بدليل إيثارك موافقته على طاعة الله تعالى. فإذا استعذت، فاعلم أن الاستعاذة هي لجأ إلى الله سبحانه، فإذا لم تلجأ بقلبك كان كلامك لغواً، وتفهم معنى ما تتلو، وأحضر التفهم بقلبك عند قولك: (الحمد لله رب العالمين)، واستحضر لطفه عند قولك: (الرحمن الرحيم)، وعظمته عند قولك: (مالك يوم الدين)، وكذلك في جميع ما تتلو. وقد روينا عن زرارة بن أبي أوفى رضي الله عنه أنه قرأ في صلاته: (فإذا نقر في الناقور) [المدثر: 8] فخر ميتاً، وما ذاك إلا لأنه صور تلك الحال فأثرت عنده التلف. واستشعر في ركوعك التواضع، وفي سجودك زيادة الذل، لأنك وضعت النفس موضعها، ورددت الفرع إلى أصله بالسجود على التراب الذي خلقت منه وتفهم معنى الأذكار بالذوق. واعلم: أن أداء الصلاة بهذه الشروط الباطنة سبب لجلاء القلب من الصدأ، وحصول الأنوار فيه التي بها تتلمح عظمة المعبود، وتطلع على أسراره وما يعقلها إلا العالمون. فأما من هو قائم بصورة الصلاة دون معانيها، فإنه لا يطلع على شيء من ذلك بل ينكر وجوده. (مختصر منهاج القاصدين 29 - 31) وانظر (إحياء علوم الدين 1/ 134 و 142) وقال في (شرح السنة 3/ 261): وقال عكرمة عن ابن عباس قال: ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة والقلب ساه. قال سلمان: الصلاة مكيال، فمن أوفى أوفي له، ومن طفف، فقد علمتم ما قال الله للمطففين.

ورأى سعيد بن المسيب رجلاً يعبث في صلاته، فقال: لو خشع قلب هذا خشعت جوارحه. وقال مجاهد في قوله سبحانه وتعالى (فإذا فرغت فانصب) قال إذا فرغت من دنياك، فانصب في صلاتك، (وإلى ربك فارغب) اجعل نيتك ورغبتك إلى ربك. وقال مجاهد في قوله (وقوموا لله قانتين) (البقرة: 238] قال: من القنوت. الركود، والخشوع، وغض البصر، وخفض الجناح من رهبة الله. ا. هـ.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد - في عملية التفصيل الفقهي في الصلاة يتحدث عما هو ركن وواجب وسنة وأدب لتبيان قوة الإلزام في النصوص، وللفتوى فيما يبطل الصلاة أو لا يبطلها، ولتراعى بعض الحالات الاستثنائية التي لا يكون فيها أمام المسلم الخيار إلا أن يراعي الأهم فالمهم. والأصل في الصلاة أن تؤدى تامة الأركان والواجبات والسنن والآداب، والعلم ينبغي أن يزيد من حرص العالم على الكمال ولكن بعض الناس يعكسون الأمر، فيتساهلون في واجبات أو سنن أو آداب، فهؤلاء لم يكن العلم في حقهم هو العلم النافع، والنصوص التي مرت معنا في هذا الفصل تحذر أمثال هؤلاء كما تحذر الجاهلين من أن ينتقص الإنسان من صلاته. - الخشوع من مقاصد الإسلام العظيمة في الصلاة وتلاوة القرآن وفي الحياة العامة، فالأصل في المسلم أن يكون خاشعاً في الصلاة وخارجها قال تعالى: (وبشر المخبتين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، والصابرين على ما أصابهم، والمقيمي الصلاة) (1)، وقال تعالى: (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون) (2). وفي شأن تعظيم الخشوع في الصلاة قال تعالى: (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) (3) وقال تعالى: (إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خرجوا سجداً وبكياً) (4) وفي شأن الخشوع لسماع القرآن قال تعالى: (وإذا سمعوا ما أنزل على الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق) (5) (إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولاً، ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً) (6).

_ (1) الحج: من آية 24، 25. (2) البقرة: 45. (3) المؤمنون: 1. (4) مريم: من آية 58. (5) المائدة: 83. (6) الإسراء: من آية 107.

- ولأهمية الخشوع في الصلاة نهى الشارع أن يصلي الإنسان وهناك صارف طبيعي يصرفه عن الخشوع كوجود الطعام، ونهى عن إتيان الصلاة إلا بهيئة خشوع فلا يركض الإنسان من أجلها وأمر بإتمام هيئاتها الظاهرة من طمأنينة وعدم التفات وأمر بالإقلال من الحركة، ونهى عما يصرف عن الخشوع من نظر إلى السماء أو انشغال فيها عما ليس منها. ومن هنا نعرف أن للخشوع سمتاً ظاهراً وهو أن تؤدى الصلاة بأركانها وواجباتها وسننها وآدابها، وكما أن للخشوع مظهراً خارجياً فإن له حقيقة باطنة وهي التدبر والتأثر. وذروة التأثر أن تفيض العينان بالبكاء من خشية الله عز وجل. - والخشوع علم بنص الحديث الذي رواه أبو الدرداء، وهذا العلم قل العارفون به ولذلك قل الخشوع، ومبنى علم الخشوع معرفة علم ما يصلح القلب وما يفسده ومعالجة فساد القلوب للوصول بها إلى القلب السليم، (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم) (1). - ولا شيء أصلح للقلب من كثرة ذكر الله عز وجل، قال تعالى: (ويهدي إليه من أناب، الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) (2). وأول ما يقبل الإنسان على الله بالذكر، يذكر مع الغفلة، فإذا استمر مع الذكر نقله الله إلى الحضور معه، فإذا استمر على الذكر وصل إلى مقام المراقبة والمشاهدة، فإذا أديت الصلاة في هذين المقامين فذلك من كمال الخشوع. - من مظاهر الخشوع عند الحنفية نظر المصلي إلى موضع سجوده قائماً، وإلى ظاهر قدميه راكعاً وإلى أرنبة أنفه ساجداً وإلى حجره جالساً وإلى منكبيه مسلماً، وأن يمسك فمه عند التثاؤب فإن لم يقدر غطاه بظهر يده اليسرى أو بكمه بأقل ما يمكن من الحركة، وأن يدفع السعال ما استطاع، والسعال عندهم بلا عذر يفسد الصلاة إذا خرج حرفان أو أكثر بسببه، ومما ينبغي أن يلاحظه الإنسان بأن يقوم إلى الصلاة بنشاط، قال تعالى في وصف

_ (1) الشعراء: 89. (2) الرعد: من 27، 28.

المنافقين: (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى) (1) وقال الشافعية ويسن للمصلي أن يفرغ قلبه من الشواغل الدنيوية لأنه أعون على الخضوع والخشوع. ونحن إذ اقتصرنا في فضل الخشوع على ما ذكرناه من نصوص فلأن النصوص المرتبطة بالخشوع كثيرة جداً، تمر بمناسبات متعددة، فاقتصرنا ها هنا لأن النصوص الأخرى لا تغيب عن القارئ إذا جاءت في مناسباتها.

_ (1) النساء: 142.

الفصل العاشر في بعض أدعية الصلاة وأذكارها المأثورة

الفصل العاشر في بعض أدعية الصلاة وأذكارها المأثورة من خلال الفصول السابقة ورد معنا كثير من الأذكار في فضل القنوت وفضل القراءة والاستفتاح والسجود والركوع، وهنا نؤكد على بعض المعاني ونستكمل ما لم يذكر. نصوص جامعة عامة: 1209 - * روى مسلم عن علي بن أبي طالب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قام إلى الصلاة قال: "وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً، وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك، لا إله إلا أنت، أنت ربي، وأنا عبدك، ظلمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك، وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك". وإذا ركع قال: "اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي، وبصري، ومخي، وعظمي، وعصبي". وإذا رفع قال: "اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات والأرض وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد". وإذا سجد قال: "اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد

_ 1209 - مسلم (1/ 534) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 26 - باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه. (وجهت وجهي): أي قصدت بعبادتي وتوحيدي إليه. (حنيفاً): مستقيماً، والحنفية في الإسلام الميل إليه.

وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين. ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم: "اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت". 1210 - * روى الشيخان عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: "قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم". 1211 - * روى أحمد عن أبي صالح رحمه الله عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: "كيف تقول في الصلاة؟ " قال: أتشهد، ثم أقول: اللهم إني أسألك الجنة، وأعوذ بك من النار، أما إني لا أحسن دندنتك ودندنة معاذ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حول ذلك ندندن أنا ومعاذ". 1212 - * روى النسائي عن عطاء بن السائب رحمه الله عن أبيه قال: صلى بنا عمار بن ياسر صلاة، فأوجز فيها، فقال له بعض القوم: لقد خففت وأوجزت الصلاة، فقال: أما علي ذلك، لقد دعوت فيها بدعوات سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قام تبعه رجل

_ 1210 - البخاري (13/ 372) 97 - كتاب التوحيد، 9 - باب (وكان الله سميعاً بصيراً). مسلم (4/ 2078) 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 13 - باب استحباب خفض الصوت بالذكر. الترمذي (5/ 543) 49 - كتاب الدعوات، 97 - باب. النسائي (3/ 53) 13 - كتاب السهو، 59 - نوع آخر من الدعاء. 1211 - أحمد (3/ 474). أبو داود (1/ 210) كتاب الصلاة، 127 - باب في تخفيف الصلاة. ابن ماجه (1/ 295) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 26 - باب ما يقال في التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. وقال البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات. (دندنتك) الدندنة: هو أن يتكلم الإنسان بكلام تسمع نغمته ولا يفهم لخفائه. 1212 - النسائي (3/ 54، 55) 13 - كتاب السهو، 62 - نوع آخر، وإسناده جيد.

من القوم- هو أبي، غير أنه كنى عن نفسه- فسأله عن الدعاء؟ ثم جاء، فأخبر به القوم: "اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي، اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الرضى والغضب، وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيماً لا ينفد، وأسألك قرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضى بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهديين". وفي رواية عن قيس بن عباد قال: صلى عمار بن ياسر بالقوم صلاة أخفها، فكأنهم أنكروها، فقال: ألم أتم الركوع والسجود؟ قالوا: بلى، قال: أما إني دعوت فيها بدعاء كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به: اللهم ... وذكر الحديث، وفيه كلمة: الإخلاص، بدل: الحق". 1213 - * روى النسائي عن ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه قال: "كنت أبيت عند حجرة النبي صلى الله عليه وسلم، فكنت أسمعه إذا قام من الليل يقول "سبحان رب العالمين، الهوي، ثم يقول: سبحان الله وبحمده، الهوي". وفي رواية (2) الترمذي: "كنت أبيت عند باب النبي صلى الله عليه وسلم، فأعطيه وضوءه فأسمعه يقول الهوي من الليل: "سمع الله لمن حمده، وأسمعه الهوي من الليل يقول: الحمد لله رب العالمين". هذا النص يدل على أن للتسبيح والتحميد في تهجد رسول الله صلى الله عليه وسلم محلاً كبيراً. 1214 - * روى الطبراني في الأوسط عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بأعرابي وهو يدعو في

_ 1213 - النسائي (3/ 209) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 9 - باب ذكر ما يستفتح به القيام. (2) الترمذي (5/ 480، 481) 49 - كتاب الدعوات، 27 - باب منه قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح، وإسناده حسن. (الهوي): مضى هوي من الليل، بوزن فعيل، أي: طائفة منه، كقولك: مضى هزيع من الليل. 1214 - مجمع الزوائد (10/ 157، 158) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن

صلاته وهو يقول: يا من لا تراه العيون ولا تخالطه الظنون ولا يصفه الواصفون، ولا تغيره الحوادث ولا يخشى الدوائر، يعلم مثاقيل الجبال ومكاييل البحار، وعدد قطر الأمطار، وعدد ورق الأشجار، وعدد ما أظلم عليه الليل وأشرق عليه النهار، ولا تواري منه سماءٌ سماءً، ولا أرضٌ أرضاً، ولا بحر ما في قعره، ولا جبل ما في وعره، اجعل خير عمري آخره وخير عملي خواتمه، وخير أيامي يوم ألقاك فيه، فوكل النبي صلى الله عليه وسلم بالأعرابي رجلاً فقال: "إذا صلى فائتني به"، فلما صلى أتاه وقد كان أهدي له ذهب من بعض المعادن، فلما أتاه الأعرابي وهب له الذهب وقال: "ممن أنت يا أعرابي؟ " قال من بني عامر بن صعصعة، قال: "هل تدري لم وهبت لك الذهب؟ " قال للرحم بيننا وبينك، قال: "إن للرحم حقاً، ولكن وهبت لك الذهب بحسن ثنائك على الله تعالى". أقول: من دعاء هذا الأعرابي نعرف كم ارتقت المعرفة بالله عند أي إنسان صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا شيء يجب أن يلحظه المربون فأول ما يعمقونه في قلوب أصحابهم معرفة الله وتنزيهه من خلال العلم والذكر وتلاوة القرآن الكريم. 1215 - * روى أحمد عن زادان عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته وهو يقول: "اللهم اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور مائة مرة". 1216 - * روى أبو داود والترمذي عن ابن عمر بإسناد حسن صحيح أنه كان يعد للرسول صلى الله عليه وسلم: "رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم" والظاهر من هذا النص أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك في بعض مجالسه خارج الصلاة، وحديث زادان يدل على أنه فعل ذلك في صلاة نافلة. 1217 - * روى الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن أم سليم غدت على رسول

_ محمد أبو عبد الرحمن الأذرمي وهو ثقة. 1215 - أحمد (5/ 371) ورجاله رجال الصحيح. 1216 - أبو داود (2/ 85) كتاب الصلاة، باب في الاستغفار. الترمذي (5/ 494، 495) 49 - كتاب الدعوات، 39 - باب ما يقول إذا قام من المجلس. 1217 - الترمذي (2/ 347) أبواب الصلاة، 350 - باب ما جاء في صلاة التسابيح.

- أدعية الاستفتاح

الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: علمني كلمات أقولهن في صلاتي، فقال: "كبري الله عشراً، وسبحي الله عشراً، واحمديه عشراً، ثم سلي ما شئت"، يقول: "نعم، نعم". الضمير في قوله يقول نعم: يعود على الله عز وجل. 1218 - * روى أحمد عن عائشة، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بعض صلاته: "اللهم حاسبني حساباً يسيراً". فلما انصرف، قلت: يا رسول الله ما الحساب اليسير؟ قال: "ينظر في كتبه ويتجاوز له عنه. إنه من نوقش الحساب يومئذ يا عائشة هلك. وكل ما يصيب المؤمن يكفر الله به عنه حتى الشوكة تشوكه". 1219 - * روى أحمد عن يحيى بن حسان يعني الفلسطيني عن رجل من بني كنانة قال صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح فسمعته يقول: "اللهم لا تخزني يوم القيامة". - أدعية الاستفتاح: سبق معنا الحديث عن ذلك ونؤكد هنا بعض المعاني لمناسبة الباب: 1220 - * روى الشيخان عن أبي هريرة قال: سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم بين التكبير والقراءة إسكاتة قال: حسبته قال: هنيهة، قال: قلت بأبي وأمي يا رسول الله أرأيت إسكاتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: "أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد". 1221 - * روى أحمد عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة قال:

_ النسائي (3/ 51) 13 - كتاب السهو، 57 - باب الذكر بعد التشهد. الحاكم (1/ 255) كتاب الصلاة، وقال هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وصححه ووافقه الذهبي. 1218 - أحمد (6/ 48) وإسناده حسن. 1219 - أحمد (4/ 234) ورجاله ثقات. 1220 - البخاري (2/ 227) 10 - كتاب الأذان، 89 - باب ما يقول بعد التكبير. مسلم (1/ 419) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 27 - باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة. 1221 - أحمد (3/ 50).

- التعوذ بعد الاستفتاح

"سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك". بعد أن ذكر الإمام النووي- وهو شافعي- هذه الأذكار وما ورد في حديث علي رضي الله عنه في الفقرة السابقة قال: (فصل) هذا ما ورد من الأذكار في دعاء التوجه، فيستحب الجمع بينها كلها لمن صلى منفرداً وللإمام إذا أذن له المأمومون. واعلم أن هذا الذكر مستحب في الفريضة والنافلة، فلو تركه في الركعة الأولى عامداً أو ساهياً لم يفعله بعدها لفوات محله، ولو فعله كان مكروهاً ولا تبطل صلاته، ولو تركه عقيب التكبيرة حتى شرع في القراءة أو التعوذ فقد فات محله فلا يأتي به، فلو أتى به لم تبطل صلاته، ولو كان مسبوقاً أدرك الإمام في إحدى الركعات أتى به إلا أن يخاف من اشتغاله به فوات الفاتحة، فيشتغل بالفاتحة فإنها آكد لأنها واجبة، وهذا سنة. ولو أدرك المسبوق الإمام في غير القيام إما في الركوع وإما في السجود وإما في التشهد أحرم معه وأتى بالذكر الذي يأتي به الإمام، ولا يأتي بدعاء الاستفتاح في الحال ولا فيما بعد. واختلف أصحابنا في استحباب دعاء الاستفتاح في صلاة الجنازة، والأصح أنه لا يستحب لأنها مبنية على التخفيف. واعلم أن دعاء الاستفتاح سنة ليس بواجب، ولو تركه لم يسجد للسهو، والسنة فيه الإسرار، فلو جهر به كان مكروهاً ولا تبطل صلاته. ا. هـ. - التعوذ بعد الاستفتاح: 1222 - * روى أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال قبل القراءة في الصلاة "أعوذ بالله من

_ مجمع الزوائد (2/ 265) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات. أبو داود (1/ 206) كتاب الصلاة، 122 - باب من رأى الاستفتاح بسبحانك اللهم بحمدك. الترمذي (2/ 11) أبواب الصلاة، 179 - باب ما يقول عند افتتاح الصلاة. الحاكم (1/ 235). والحديث حسن بطرقه وشواهده. 1222 - أبو داود (1/ 203) كتاب الصلاة، 121 - باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء.

- أذكار الركوع والرفع منه واعتداله

الشيطان الرجيم من نفخه ونفثه وهمزه" في رواية (1): "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه" وجاء في تفسيره في الحديث، أن همزه: الموتة وهي الجنون، ونفخه: الكبر، ونفثه: الشعر، والله أعلم. قال النووي- وهو شافعي: (فصل) اعلم أن التعوذ مستحب ليس بواجب، لو تركه لم يأثم ولا تبطل صلاته سواء تركه عمداً أو سهواً ولا يسجد للسهو، وهو مستحب في جميع الصلوات الفرائض والنوافل كلها، ويستحب في صلاة الجنازة على الأصح، ويستحب للقارئ خارج الصلاة بإجماع أيضاً. (فصل) واعلم أن التعوذ مستحب في الركعة الأولى بالاتفاق، فإن لم يتعوذ في الأولى أتى به في الثانية، فإن لم يفعل ففيما بعدها، فلو تعوذ في الأولى هل يستحب في الثانية؟ فيه وجهان لأصحابنا، وإذا تعوذ في الصلاة التي يسر فيها بالقراءة أسر بالتعوذ، فإن تعوذ في التي يجهر فيها بالقراءة فهل يجهر؟ فيه خلاف. وكان ابن عمر رضي الله عنهما يسر، وهو الأصح عند جمهور أصحابنا، وهو المختار، والله أعلم. (انظر الأذكار 45). - أذكار الركوع والرفع منه واعتداله: 1223 - * روى مسلم من حديث حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ركوعه الطويل

_ الترمذي (2/ 10) أبواب الصلاة، 179 - باب ما يقول عند افتتاح الصلاة، النسائي في عمل اليوم والليلة كما ذكر ذلك النووي رحمه الله. ابن ماجه (1/ 265) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 2 - باب الاستعاذة في الصلاة. البيهقي (2/ 35/ 36) كتاب الصلاة، باب التعوذ بعد الافتتاح. (1) أبو داود (1/ 206) كتاب الصلاة، 122 - باب من رأى الاستفتاح بسبحانك [اللهم وبحمدك] وهذه الرواية رواها أبو سعيد الخدري وهي كذلك عند البيهقي. 1223 - مسلم (1/ 536، 537) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 27 - باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل.

الذي كان قريباً من قراءة البقرة والنساء وآل عمران "سبحان ربي العظيم" ومعناه: كرر سبحان ربي العظيم فيه، كما جاء مبيناً في سنن أبي داود وغيره. وجاء في كتب (1) السنن أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قال أحدكم سبحان ربي العظيم ثلاثاً فقد تم ركوعه". 1224 - * روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده. "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي". 1225 - * روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده "سبوح قدوس رب الملائكة والروح". 1226 - * عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فأما الركوع فعظموا فيه الرب". واعلم أن الذكر في الركوع سنة عندنا وعند جماهير العلماء، فلو تركه عمداً أو سهواً لا تبطل صلاته ولا يأثم ولا يسجد للسهو. وذهب الإمام أحمد بن حنبل وجماعة إلى أنه واجب، فينبغي للمصلي المحافظة عليه للأحاديث الصريحة الصحيحة في الأمر به كحديث: "أما الركوع فعظموا فيه الرب" وغيره مما سبق، وليخرج عن خلاف العلماء رحمهم الله، والله أعلم. (فصل) يكره قراءة القرآن في الركوع والسجود، فإن قرأ غير الفاتحة لم تبطل صلاته، وكذا لو قرأ الفاتحة لا تبطل صلاته على الأصح، وقال بعض أصحابنا: تبطل. 1227 - * روى مسلم عن علي رضي الله عنه قال: "نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ راكعاً

_ أبو داود (1/ 230، 231) كتاب الصلاة، 150 - باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده. (1) الترمذي (2/ 46، 47) أبواب الصلاة، 194 - باب ما جاء في التسبيح في الركوع والسجود. ابن ماجه (1/ 287، 288) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 20 - باب التسبيح في الركوع والسجود. 1224 - البخاري (2/ 281) 10 - كتاب الأذان، 123 - باب الدعاء في الركوع. مسلم (1/ 350) 4 - كتاب الصلاة، 42 - باب ما يقال في الركوع والسجود. 1225 - مسلم (1/ 353) 4 - كتاب الصلاة، 42 - باب ما يقال في الركوع والسجود. 1226 - مسلم (1/ 348) 4 - كتاب الصلاة، 41 - باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود. 1227 - مسلم (1/ 348) نفس الموضع السابق.

أو ساجداً". (انظر الأذكار 51). 1228 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سمع الله لمن حمده" حين يرفع صلبه من الركوع، ثم يقول وهو قائم: "ربنا لك الحمد" وفي روايات "ولك الحمد" بالواو، وكلاهما حسن وروينا مثله في الصحيحين عن جماعة من الصحابة. 1229 - * روى مسلم عن علي وابن أبي أوفى رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه قال: "سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد". 1230 - * روى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع قال: "اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات والأرض وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد". (فصل) اعلم أنه يستحب أن يجمع بين هذه الأذكار كلها على ما قدمناه في أذكار الركوع، فإن اقتصر على بعضها فليقتصر على سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، فإن بالغ في الاقتصار اقتصر على سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد، فلا أقل من ذلك. واعلم أن هذه الأذكار كلها مستحبة للإمام والمأموم والمنفرد، إلا أن الإمام لا يأتي بجميعها إلا أن يعلم من حال المأمومين أنهم يؤثرون التطويل. واعلم أن هذا الذكر سنة ليس بواجب، فلو تركه كره له كراهة تنزيه ولا يسجد

_ 1228 - البخاري (2/ 272) 10 - كتاب الأذان، 117 - باب التكبير إذا قام من السجود. مسلم (1/ 293، 294) 4 - كتاب الصلاة، 10 - باب إثبات التكبير في كل خفض ورفع في الصلاة. 1229 - مسلم (1/ 346) 4 - كتاب الصلاة، 40 - باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع. 1230 - مسلم (1/ 347) 4 - كتاب الصلاة، 40 - باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع.

فائدة

للسهو، ويكره قراءة القرآن في هذا الاعتدال كما يكره في الركوع والسجود، والله أعلم. (انظر الأذكار 53). - أذكار السجود: 1231 - * روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي". 1232 - * روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها ما قدمناه في الركوع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده: "سبوح قدوس، رب الملائكة والروح". 1233 - * روى مسلم أيضاً عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد قال: "اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين". 1234 - * روى مسلم عن أبي هريرة أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده: "اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره وعلانيته وسره". 1235 - * روى مسلم عن حذيفة أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان يقول في ركوعه: "سبحان ربي العظيم"، وفي سجوده "سبحان ربي الأعلى"، وما أتى على آية رحمة إلا وقف وسأل وما أتى على آية عذاب إلا وقف وتعوذ. فائدة: إذا سجد للتلاوة استحب أن يقول في سجوده ما ذكرناه في سجود الصلاة

_ 1231 - البخاري (2/ 299) 10 - كتاب الأذان، 139 - باب التسبيح والدعاء في السجود. مسلم (1/ 350) 4 - كتاب الصلاة، 42 - باب ما يقال في الركوع والسجود. 1232 - مسلم (1/ 353) 4 - كتاب الصلاة، 42 - باب ما يقال في الركوع والسجود. 1233 - مسلم (1/ 534، 535، 536) 4 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 26 - باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه. 1234 - مسلم (1/ 350) 4 - كتاب الصلاة، 42 - باب ما يقال في الركوع والسجود. [دقه وجله]: بكسر أولهما، ومعناه: قليله وكثيره. 1235 - مسلم (1/ 536) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 27 - باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل. أبو داود (1/ 230) كتاب الصلاة، 150 - باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده. الترمذي (2/ 48) أبواب الصلاة، 194 - باب ما جاء في التسبيح في الركوع والسجود.

- ما يقول بعد التشهد

ويستحب أن يقول معه. 1236 - * روى الترمذي عن ابن عباس "اللهم اجعلها لي عندك ذخراً وأعظم لي بها أجراً، وضع عني بها وزراً، وتقبلها مني كما تقبلتها من داود عليه السلام". ويستحب أن يقول أيضاً "سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولاً" نص الشافعي على هذا الأخير أيضاً. (انظر الأذكار 55). - ما يقول بعد التشهد: 1237 - * رو أبو داود عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته لم يحمد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "عجل هذا" ثم دعاه فقال له: "إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليدع بعد بما شاء". 1238 - * روى النسائي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في صلاته بعد التشهد: "أحسن الكلام كلام الله، وأحسن الهدي هدي محمد". أقول: هذا محمول على أن ذلك في صلاة نافلة أو أن المراد بالتشهد القعود الأخير، وأن هذا كان يقوله بعد السلام، ويمكن أن يحمل هذا الكلام على أن المراد به الإقرار كالإقرار بالشهادتين، وعندئذ فمحله بعد التشهد مباشرة وقبل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

_ 1236 - الترمذي (2/ 472) أبواب الصلاة، 47 - باب ما يقول في سجوده القرآن، والحسن بن محمد بن عبيد الله، ولم يوثقه غير ابن حبان. 1237 - أبو داود (2/ 77) كتاب الصلاة، باب الدعاء. الترمذي (5/ 516، 517) 49 - كتاب الدعوات، 65 - باب. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان ص 136، 137 حديث رقم 510، 76 - باب الدعاء في الصلاة. الحاكم (1/ 268) كتاب الصلاة وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولا تعرف له علة ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. 1238 - النسائي (3/ 58) 13 - كتاب السهو، 65 - نوع آخر من الذكر بعد التشهد، وإسناده صحيح.

1239 - * روى أحمد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم "اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت وما أنت أعلم به مني. أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت". أقول: محل هذا الدعاء بعد الصلوات الإبراهيمية وقبل السلام، ومثله كل دعاء ورد قبل السلام فإن محله بعد الصلوات الإبراهيمية كما استقر عليه العمل. 1240 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال". هذا لفظ مسلم، ووافقه البخاري على الاستعاذة، ولم يذكر التشهد. وفي رواية (3) أبي داود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا فرغ أحدكم من التشهد فليتعوذ بالله من أربع ... " وذكرها. وزاد (4) النسائي: "ثم ليدع لنفسه بما بدا له". أقول: مما يدل على أن هذه الدعوات محلها بعد الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمع بين روايتي أبي داود والبخاري ثم القياس العام وهو أن يقدم الإنسان بين يدي دعائه الصلاة على

_ 1239 - أحمد (1/ 94، 95) وأيضاً ص 102، 103. ابن خزيمة (1/ 358) كتاب الصلاة، 230 - باب الاستغفار بعد التشهد وقبل السلام. 1240 - البخاري (3/ 241) 23 - كتاب الجنائز، 87 - باب التعوذ من عذاب القبر. مسلم (1/ 412) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 25 - باب ما يستعاذ منه في الصلاة. (3) أبو داود (1/ 258) كتاب الصلاة، 183 - باب ما يقول بعد التشهد. (4) النسائي (3/ 58) 13 - كتاب السهو، 64 - نوع آخر. (المسيح الدجال) سمي الدجال مسيحاً، لأن عينه الواحدة ممسوحة، والمسيح: الذي أحد شقي وجهه ممسوح، لا عين له ولا حاجب، فهو فعيل بمعنى مفعول، بخلال المسيح عيسى عليه السلام، فإنه فعيل بمعنى فاعل، سمي به، لأنه كان يمسح المريض فيبرأ بإذن الله تعالى، و"الدجال" الكذاب.

رسول الله صلى الله عليه وسلم. 1241 - * روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة يقول: "اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات، اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم"، فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم؟ فقال: "إن الرجل إذا غرم حدث فكذب، ووعد فأخلف". في رواية (2) قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ في صلاته من فتنة الدجال. 1242 - * روى أبو داود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم من الدعاء بعد التشهد: "ألف اللهم على الخير قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، وجنبنا الفواحش والفتن، ما ظهر منها وما بطن، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها قابليها، وأتمها علينا".

_ 1241 - البخاري (2/ 317) 10 - كتاب الأذان، 149 - باب الدعاء قبل السلام. مسلم (1/ 412) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 25 - باب ما يستعاذ منه في الصلاة. أبو داود (1/ 232، 233) كتاب الصلاة، 152 - باب الدعاء في الصلاة. النسائي (3/ 56، 57) 13 - كتاب السهو، 64 - نوع آخر. (2) البخاري (2/ 317) 10 - كتاب الأذان، 149 - باب الدعاء قبل السلام. 1242 - أبو داود (1/ 254) كتاب الصلاة، 181 - باب التشهد. الحاكم (1/ 265) كتاب الصلاة، وصححه ووافقه الذهبي وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد - إنه من خلال الأذكار والدعوات الواردة في نصوص الكتاب والسنة يتعرف الإنسان حق المعرفة على الله عز وجل ويأخذ تصوراً عاماً عما هو خير وعما هو شر وتأثير ذلك على صحة القلوب واستقامة السلوك كبير جداً، ولذلك كان من المهم الاعتناء بالأذكار المأثورة وهي مبثوثة في آيات كثيرة ونصوص كثيرة من السنة النبوية، ويكاد الإنسان أن يجد شيئاً منها في أكثر الموضوعات التي تمر عليه وهو يدرس السنة. - يطلب من الإمام أن يدعو لنفسه ولمن يصلي معه فذلك جزء من مهمات الإمام، وبشكل عام إذا دعا المسلم معمماً في دعائه فذلك أكثر أجراً وأقرب إلى الاستجابة، ولكن له أن يخص نفسه. - يندب الدعاء بالمأثور في الصلاة مراعاة لمذهب الحنفية الذين لا يرون جواز الدعاء في الصلاة بما يشبه كلام الناس، وأما خارج الصلاة فيطلب الإنسان من الله عز وجل كل شيء مباح أو مطلوب. - على غير العربي أن يتعلم الدعاء بالعربية في صلاته، قال الحنفية: الدعاء في الصلاة بغير العربية حرام، وأجاز الشافعية ترجمة الدعاء للعاجز عن العربية.

الفصل الحادي عشر في بعض الأدعية والأذكار المأثورة بعد الصلاة

الفصل الحادي عشر في بعض الأدعية والأذكار المأثورة بعد الصلاة 1243 - * روى مسلم عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه، يقبل علينا بوجهه، قال: فسمعته يقول: "رب قني عذابك يوم تبعث عبادك"- أو "تجمع عبادك". 1244 - * روى الطبراني عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى صلاة الغداة في جماعة ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم قام فصلى ركعتين انقلب بأجر حجة وعمرة". مر معنا أن الصلاة عند طلوع الشمس مباشرة منهي عنها إلا بعد أن ترتفع قدر رمح أو رمحين أي حوالي ثلث ساعة على الأقل، فالمراد بالحديث أن يصلي الإنسان بعد طلوع الشمس الذي تجوز عنده الصلاة. 1245 - * روى الطبراني في الصغير عن جبار بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الصبح جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس". 1246 - * روى الطبراني عن مدرك قال مررت ببلال وهو جالس حين صلى الغداة فقلت ما يجلسك يا أبا عبد الله قال أنتظر طلوع الشمس. 1247 - * روى أحمد عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لأن أقعد أذكر الله

_ 1243 - مسلم (1/ 492، 493) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 8 - باب استحباب يمين الإمام. 1244 - مجمع الزوائد (10/ 104) وقال الهيثمي: رواه الطبراني وإسناده جيد. 1245 - الروض الداني (2/ 293). مجمع الزوائد (10/ 107) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الصغير ورجاله ثقات، وهو في الصحيح غير قوله "يذكر الله". 1246 - مجمع الزوائد (10/ 107) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير مدرك بن عوف البجلي وهو ثقة. 1247 - أحمد (5/ 261). مجمع الزوائد (10/ 104) وقال الهيثمي: رواه كله أحمد والطبراني بنحو هذه الرواية الثانية، وأسانيده حسنة.

وأكبره وأحمده وأسبحه وأهلله حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أعتق رقبتين من ولد إسماعيل ومن بعد العصر حتى تغرب الشمس أحب إلي من أن أعتق أربع رقبات من ولد إسماعيل"، وفي رواية "لأن أذكر الله إلى طلوع الشمس أكبر وأهلل وأسبح أحب إلى من أن أعتق أربعاً من ولد إسماعيل ولأن أذكر الله من صلاة العصر إلى أن تغيب الشمس أحب إلى من أن أعتق كذا وكذا من ولد إسماعيل". 1248 - * روى البخاري عن وراد مولى المغيرة بن شعبة قال: أملى علي المغيرة بن شعبة في كتاب إلى معاوية: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد". زاد في رواية (2): "وكتب إليه: أنه كان ينهى عن قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال، وكان ينهى عن عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات". وفي رواية (3) قال وراد: "ثم وفدت بعد على معاوية، فسمعته يأمر الناس بذلك".

_ 1248 - البخاري (2/ 325) 10 - كتاب الأذان، 155 - باب الذكر بعد الصلاة. (2) البخاري (13/ 264) 96 - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، 3 - باب ما يكره من كثرة السؤال، ومن تكلف ما لا يعنيه. (3) البخاري (11/ 512، 513) 82 - كتاب القدر، 12 - باب لا مانع لما أعطى الله. (قيل وقال) أراد: النهي عن قول ما لا يصح، وما لا تعلم حقيقته وأن يقول المرء في حديثه: قيل كذا، وقال كذا، وقيل: معناه: أنه نهي عن القول والقيل الذي هو مصدر قال قولاً وقيلاً وقالاً، فجعل [قالاً] مصدراً. (عقوق الأمهات) معروف، وهو منع ما يجب إتيانه من صلة الرحم، وخص الأمهات زيادة تأكيد وتعظيم، وإن كان عقوق الآباء وغيرهم من ذوي الحقوق عظيماً، فلعقوق الأمهات مزية في القبح. (وأد البنات) هو أن يدفن الإنسان بنته حية، كما كانوا يعملون في الجاهلية. (منع) المنع منع ما عليه. (وهات): طلب ما ليس له. (إضاعة المال) تضييعه وإنفاقه في غير بر، وإخراجه في غير منفعة. (كثرة السؤال) الإلحاح فيما لا حاجة له إليه، فأما ما تدعو الضرورة إليه فله حكم إباحة المضطر.

ولم يخرج مسلم إلا ذكر ما يقال في دبر الصلوات، وأخرج في موضع آخر الزيادة التي ذكرها البخاري (1) وقال في آخر إحدى رواياته: (كم مرة يقول ذلك؟). وله في أخرى إلى قوله: (على كل شيء قدير) ثم زاد: (ثلاث مرات). وفي رواية لابن حبان (2). "اللهم أصلح لي ديني الذي جعلته عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي جعلت فيها معاشي، اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من نقمتك وأعوذ بك منك، اللهم لا مانع لما أعطيت" وساق الحديث بنحوه. 1249 - * روى الطبراني عن المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر الصلاة "لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير". 1250 - * روى مسلم عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما كان يقول في دبر كل صلاة حين يسلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون" وقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلل بهن دبر كل صلاة.

_ مسلم (1/ 414، 415) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 26 - باب استحباب الذكر بعد الصلاة. (1) مسلم (3/ 1340، 1341) 30 - كتاب الأقضية، 5 - باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة، والنهي عن منع وهات. (2) ابن حبان (3/ 238) باب ذكر ما يستحب للمرء أن يسأل الله جل وعلا صلاح دينه ودنياه في عقيب صلاته. 1249 - الطبراني "المعجم الكبير" (20/ 382، 383) بدون لفظ "يحيي ويميت وهو حي لا يموت". مجمع الزوائد (10/ 103) وقال الهيثمي: قلت هو في الصحيح باختصار، ورواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. 1250 - مسلم (1/ 415، 416) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 26 - باب استحباب الذكر بعد الصلاة، وبيان صفته. أبو داود (2/ 82، 83) كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل إذا أسلم. النسائي (3/ 69) 13 - كتاب السهو، 83 - باب التهليل بعد التسليم.

وفي رواية (1) قال أبو الزبير: سمعت عبد الله بن الزبير يخطب على هذا المنبر، وهو يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا سلم في دبر الصلاة، أو قال: الصلوات ... ثم ذكر مثله". 1251 - * روى الطبراني عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال دبر كل صلاة الغداة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير مائة مرة قبل أن يثني رجليه كان يومئذ من أفضل أهل الأرض عملاً إلا من قال مثل ما قال أو زاد على ما قال". 1252 - * روى الطبراني عن عبد الله بن عتبة قال بينما ابن مسعود في المسجد وهو يدعو مر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر فلما حاذاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع دعاءه ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرفه فقال "من هذا سل تعطه" فرجع أبو بكر إلى عبد الله بن مسعود فقال: الدعاء الذي كنت تدعو به فقال حمدت الله ومجدته ثم قلت اللهم لا إله إلا أنت وعدك حق ولقاؤك حق وكتابك حق والنبيون حق ومحمد صلى الله عليه وسلم حق والجنة حق والنار حق ورسلك حق. 1253 - * روى أبو داود عن الفضل بن حسن الضمري رحمه الله أن ابن أم الحكم أو ضباعة بنتي الزبير- حدثه عن إحداهما- قالت: أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سبياً، فذهبت أنا وأختي فاطمة بنت رسول الله، فشكونا إليه ما نحن فيه، وسألناه أن يأمر لنا بشيء من السبي؟ فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبقكن يتامى بدر، ولكن سأدلكن على ما هو خير لكن من ذلك: تكبرن الله عز وجل على أثر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين

_ (1) مسلم، الموضع السابق. 1251 - مجمع الزوائد (10/ 108) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجال الأوسط ثقات. وروي نحوه في الصحيحين عن أبي هريرة من غير أن يذكر دبر كل صلاة الغداة. 1252 - الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 63، 64). مجمع الزوائد (9/ 288) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن أحمد بن حنبل وسعيد بن الربيع السمان وهما ثقتان. 1253 - أبو داود (4/ 316) كتاب الأدب، 109 - باب في التسبيح عند النوم.

تكبيرة، وثلاثاً وثلاثين تسبيحة، وثلاثاً وثلاثين تحميدة، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، هو على كل شيء قدير". 1254 - * روى أحمد عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما زوجه فاطمة بعث بها بخميلة ووسادة من أدم حشوها ليف ورحيين وسقاء وجرتين فقال علي لفاطمة ذات يوم والله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري وقد جاء الله أباك بسبي فاذهبي فاستخدميه فقالت وأنا والله لقد طحنت حتى مجلت يداي فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما جاء بك أي بنية" قالت: جئت لأسلم عليك، واستحيت أن تسأله ورجعت فقال: ما فعلت؟ قالت: استحييت أن أسأله، فأتيا جميعاً النبي صلى الله عليه وسلم فقال علي: يا رسول الله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري وقالت فاطمة: قد طحنت حتى مجلت يداي وقد جاءك الله بسبي وسعة فأخذ منا فقال: "لا والله لا أعطيكم وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم من الجوع لا أجد ما أنفق عليهم ولكني أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم" فرجعا. فأتاهما النبي صلى الله عليه وسلم وقد دخلا في قطيفتهما إذا غطت رؤوسهما تكشفت أقدامهما وإذا غطت أقدامهما تكشفت رؤوسهما فثارا فقال "مكانكما". ثم قال: "ألا أخبركما بخير مما سألتماني"، قالا: بلى، قال: "كلمات علمنيهن جبريل صلى الله عليه وسلم فقال: تسبحان دبر كل صلاة عشراً وتحمدان عشراً وتكبران عشراً فإذا آويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثاً وثلاثين واحمدا ثلاثاً وثلاثين وكبرا أربعاً وثلاثين" قال: فو الله ما تركتهن منذ سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقال له ابن الكوا: ولا ليلة صفين فقال قاتلكم الله يا أهل العراق ولا ليلة صفين. 1255 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: جاء الفقراء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، إن الأغنياء يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم،

_ 1254 - أحمد (1/ 106). مجمع الزوائد (10/ 99، 100) وقال الهيثمي: قلت في الصحيح بعضه، رواه أحمد وفيه عطاء بن السائب وقد سمع منه حماد بن سلمة قبل اختلاطه، وبقية رجاله ثقات. (سنوت): سقيت ... (مجلت): مجلت يده- كنصر وفرح- مَجْلاً وَمَجَلاً نفطت من العمل، وثخن جلدها وتعجر. 1255 - الترمذي (2/ 264، 265) أبواب الصلاة، 302 - باب ما جاء في التسبيح في أدبار الصلاة. النسائي (3/ 78) 13 - كتاب السهو، 95 - باب نوع آخر (من التسبيح).

ولهم أموال يعتقون ويتصدقون، قال: "فإذا صليتم، فقولوا: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين مرة، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين مرة، والله أكبر أربعاً وثلاثين مرة، ولا إله إلا الله عشر مرات، فإنكم تدركون به من سبقكم، ولا يسبقكم من بعدكم". وقال الترمذي (1): وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "خصلتان لا يحصيهما رجل مسلم إلا دخل الجنة: يسبح الله في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، ويحمده ثلاثاً وثلاثين، ويكبره أربعاً وثلاثين، ويسبح الله عند منامه عشراً، ويحمده عشراً، ويكبره عشراً". وقال الترمذي: وفي الباب عن زيد بن ثابت وأنس وابن عباس أقول: ورواه أيضاً أحمد (2) والبخاري (3) في الأدب المفرد، وأبو داود (4)، والنسائي (5)، وابن ماجه (6) وصححه (7) ابن حبان، وهو حديث صحيح. [م]. 1256 - * روى أحمد عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خصلتان لا يحافظ عليهما عبد مسلم إلا دخل الجنة، ألا وهما يسير، ومن يعمل بهما قليل، يسبح الله في دبر كل صلاة عشراً، ويحمده عشراً، ويكبره عشراً، فذلك خمسون ومائة باللسان، وألف وخمسمائة في الميزان، ويكبر أربعاً وثلاثين إذا أخذ مضجعه، ويحمده ثلاثاً وثلاثين، ويسبح ثلاثاً وثلاثين، فتلك مائة باللسان،

_ (1) الترمذي الموضع السابق ص 266. (2) أحمد (2/ 205) مع اختلاف في الترتيب. (3) رواه البخاري في الأدب المفرد. (4) أبو داود (4/ 316) كتاب الأدب، 109 - باب في التسبيح عند النوم. (5) النسائي (3/ 74) 13 - كتاب السهو، 91 - عدد التسبيح بعد التسليم. (6) ابن ماجه (1/ 299) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 32 - باب ما يقال بعد التسليم. (7) ابن حبان (3/ 230) ذكر البيان بأن ما وصفنا من التسبيح والتحميد والتكبير إنها أمر باستعماله في عقب الصلاة لا في الصلاة نفسها. ملحوظة: كل هذه الروايات بألفاظ واحدة تقريباً، تخالف نص حديث الترمذي في رواية رقم (1) للترمذي. 1256 - أحمد (2/ 205).

وألف في الميزان، فأيكم يعمل في اليوم والليلة ألفين وخمسمائة سيئة". 1257 - * روى أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سبح في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وكبر الله ثلاثاً وثلاثين وحمد الله ثلاثاً وثلاثين فذلك تسعة وتسعون، ثم قال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفرت له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر". 1258 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا صلى أحدكم ثم جلس مجلسه الذي صلى فيه لم تزل الملائكة تصلي عليه، اللهم اغفر له اللهم ارحمه ما لم يحدث". هذا حديث ابن فضيل، وفي خبر ابن وهب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صلى المسلم ثم جلس في مصلاه، لم تزل الملائكة تدعو له، اللهم اغفر له اللهم ارحمه، ما لم يحدث أو يقوم". 1259 - * روى أحمد عن أبي موسى قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بوضوء فتوضأ وصلى وقال: "اللهم أصلح لي ديني ووسع لي في داري وبارك لي في رزقي". 1260 - * روى أبو داود عن حنظلة بن علي أن محجن بن الأدرع حدثه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فإذا هو برجل قد قضى صلاته وهو يتشهد ويقول: "اللهم

_ 1257 - أحمد (2/ 371). مسلم (1/ 418) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 26 - باب استحباب الذكر بعد الصلاة. ابن خزيمة (1/ 369) 237 - باب استحباب التهليل بعد التسبيح والتحميد والتكبير بعد السلام. 1258 - البخاري (2/ 142) 10 - كتاب الأذان، 36 - باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة، فضل المساجد. ابن خزيمة (1/ 372) 242 - باب فضل الجلوس في المسجد بعد الصلاة متطهراً، وإسناده صحيح. 1259 - أحمد (4/ 399). مجمع الزوائد (10/ 109) وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى ورجالهما رجال الصحيح غير عباد بن عباد المازني وهو ثقة وكذلك رواه الطبراني. 1260 - أبو داود (1/ 259) كتاب الصلاة، باب ما يقول بعد التشهد. ابن خزيمة (1/ 358) كتاب الصلاة، 230 - باب الاستغفار بعد التشهد وقبل السلام.

إني أسألك بالله الواحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد أن تغفر لي ذنوبي إنك أنت الغفور الرحيم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "قد غفر له، غفر له"، ثلاث مرات. 1261 - * روى أبو داود عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوذات دبر كل صلاة". قال النووي فينبغي أن يقرأ (قل هو الله أحد) و (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس). الأذكار 69. 1262 - * روى مسلم عن كعب بن عجرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "معقبات لا يخيب قائلهن- أو فاعلهن- دبر كل صلاة: ثلاث وثلاثون تسبيحة، وثلاث وثلاثون تحميدة، وأربع وثلاثون تكبيرة". 1263 - * روى النسائي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: أمروا أن يسبحوا دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، ويحمدوا ثلاثاً وثلاثين، ويكبروا أربعاً وثلاثين، فأري رجل من الأنصار في منامه، قيل: أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسبحوا دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وتحمدوا ثلاثاً وثلاثين، وتكبروا أربعاً وثلاثين؟ قال: نعم، قال: فاجعلوها خمساً وعشرين، واجعلوا فيها التهليل، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، قال: "فاجعلوها كذلك".

_ 1261 - أبو داود (2/ 73) كتاب الصلاة، باب في المعوذتين. النسائي (3/ 68) 13 - كتاب السهو، 80 - باب الأمر بقراءة المعوذات بعد التسليم من الصلاة. ابن خزيمة (1/ 372) كتاب الصلاة، 241 - باب الأمر بقراءة المعوذتين في دبر الصلاة، وإسناده صحيح. 1262 - مسلم (1/ 418) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 26 - باب استحباب الذكر بعد الصلاة. الترمذي (5/ 479) 49 - كتاب الدعوات، 25 - باب منه. النسائي (3/ 75) 13 - كتاب السهو، 92 - نوع آخر من عدد التسبيح. (معقبات): سمى التسبيحات التي ذكرها دبر الصلاة معقبات، لأنها تعود مرة بعد مرة، وكل من عمل عملاً ثم عاد إليه فقد عقب. وقيل: أراد: تسبيحات تخلف بأعقاب الناس. والمعقب من كل شيء: ما خلف بعقب ما قبله. 1263 - النسائي (3/ 76) 13 - كتاب السهو، 93 - نوع آخر من عدد التسبيح. وإسناده صحيح.

1264 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: قد ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى، والنعيم المقيم، فقال: "وما ذاك؟ " قالوا: يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفلا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟ " قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين مرة"، قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا، ففعلوا مثله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء". وفي أخرى (2) له قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سبح في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وكبر الله ثلاثاً وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون"، ثم قال: "تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، غفرت له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر". 1265 - * روى مسلم عن ثوبان رضي الله عنه قال "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم يستغفر الله ثلاثاً، ويقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام". قيل للأوزاعي: كيف الاستغفار؟ قال: يقول: "أستغفر الله، أستغفر الله". إلا أن النسائي قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا انصرف من صلاته ... وذكر الحديث.

_ 1264 - مسلم (1/ 416) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 26 - باب استحباب الذكر بعد الصلاة. (2) مسلم (1/ 418) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 26 - باب استحباب الذكر بعد الصلاة. (الدثور): جمع الدثر، وهو المال الكثير. 1265 - مسلم (1/ 414) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 26 - باب استحباب الذكر بعد الصلاة. الترمذي (2/ 98) أبواب الصلاة، 224 - باب ما يقول إذا سلم من الصلاة. النسائي (3/ 68) 13 - كتاب السهو، 81 - باب الاستغفار بعد التسليم.

وفي رواية (1) أبي داود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينصرف من صلاته استغفر الله ثلاث مرات، ثم قال: "اللهم ... " وذكر معنى حديث عائشة. هكذا قال أبو داود. 1266 - * روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم قال: "اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام". أقول: قال الحنفية يفصل بين الفريضة والنافلة بقوله عليه السلام: "اللهم أنت السلام .. " وبعد الإتيان بالنافلة يقول أذكار الصلاة من الاستغفار إلى غيره، أما إذا لم يكن وراء الفريضة نافلة فإنه يباشر الأذكار المأثورة. 1267 - * روى أبو داود عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الصلاة قال: "اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت، وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت". 1268 - * روى أحمد عن مسلم بن أبي بكرة رحمه الله قال: كان أبي يقول في دبر الصلاة: اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر، فكنت أقولهن، فقال: أي بني، عمن أخذت هذا؟ قلت: عنك، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقولهن في دبر الصلاة. وفي أخرى قال: فالزمهن يا بني.

_ (1) أبو داود (2/ 84) كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل إذا سلم. ابن خزيمة (1/ 363) كتاب الصلاة، 238 - باب الاستغفار مع الثناء على الله بعد السلام من الصلاة. 1266 - أبو داود (2/ 84) كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل إذا سلم. النسائي (3/ 69) 13 - كتاب السهو، 82 - الذكر بعد الاستغفار، وإسناده صحيح. 1267 - أبو داود (2/ 83) كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل إذا سلم. الترمذي (5/ 486) 49 - كتاب الدعوات، 30 - باب منه (ما يقول إذا قام من الليل إلى الصلاة) وهذا حديث حسن صحيح وهو كما قال. (أسرفت) الإسراف: مجاوزة الحد في الأمور. 1268 - أحمد (5/ 36، 39). الترمذي (5/ 528) 49 - كتاب الدعوات، 80 - باب منه. ولم يذكر الترمذي (في دبر الصلاة). النسائي (3/ 74) 13 - كتاب السهو، 90 - باب التعوذ في دبر الصلاة.

1269 - * روى أبو داود عن الحارث بن مسلم بن الحارث رحمه الله عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسر إليه فقال: "إذا انصرفت من صلاة المغرب فقل: اللهم أجرني من النار سبع مرات"- زاد في رواية (2): "قبل أن تكلم أحداً- فإنك إذا قلت ذلك ثم مت في ليلتك كتب لك جوار منها، وإذا صليت الصبح فقل كذلك، فإنك إذا مت من يومك كتب لك جوار منها"، قال الحارث: أسرها إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن نخص بها إخواننا. 1270 - * روى النسائي عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دبر كل صلاة: "اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل أعذني من حر النار وعذاب القبر". 1271 - * روى أحمد عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر الفجر إذا صلى: "اللهم إني أسألك علماً نافعاً، وعملاً متقبلاً، ورزقاً طيباً". 1272 - * روى الطبراني عن ابن عمر قال: ما صليت وراء نبيكم صلى الله عليه وسلم إلا سمعته يقول حين انصرف: "اللهم اغفر لي خطأي وعمدي اللهم اهدني لصالح الأعمال والأخلاق إنه لا يهدي لصالحها ولا يصرف سيئها إلا أنت".

_ 1269 - أبو داود (4/ 320) كتاب الأدب، باب ما يقول إذا أصبح. النسائي في السنن الكبرى، وهو غير موجود في المجتبى. ابن حبان (3/ 235) ذكر كتبة الله عز وجل جواراً من النار لمن استجار منها في عقب صلاة الغداة. (2) أبو داود (4/ 321) كتاب الأدب، باب ما يقول إذا أصبح. 1270 - النسائي (8/ 278) 50 - كتاب الاستعاذة، 56 - الاستعاذة من حر النار، ولم يذكر "في دبر كل صلاة" وحديثه حسن. مجمع الزوائد (10/ 110). وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط عن شيخه سعيد الرازي وفيه كلام لا يضر، وبقية رجاله ثقات. 1271 - أحمد (6/ 294). ابن ماجه (1/ 298) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 32 - باب ما يقال بعد التسليم قال البوصيري في الزوائد: رجال إسناده ثقات، وله شاهد عند الطبراني في الصغير الروض الداني (2/ 36). وقال الهيثمي في المجمع: إسناده جيد، فالحديث حسن، وقد حسنه الحافظ ابن حجر في تخريج الأذكار. 1272 - مجمع الزوائد (10/ 173) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله وثقوا، وهو حديث حسن.

1273 - * روى الطبراني عن أبي أيوب قال ما صليت خلف نبيكم صلى الله عليه وسلم إلا سمعته يقول حين ينصرف: "اللهم اغفر خطاياي وذنوبي كلها اللهم وأنعشني واجبرني واهدني لصالح الأعمال والأخلاق لا يهدي لصالحها ولا يصرف سيئها إلا أنت". 1274 - * روى مسلم عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه، قال: كنا نغدو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجيء الرجل وتجيء المرأة، فيقول يا رسول الله كيف أقول إذا صليت؟ قال: قل "اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني. فقد جمع لك دنياك وآخرتك". 1275 - * روى أحمد عن عمرو بن ميمون الأزدي، قال: كان سعد يعلم بنيه هؤلاء الكلمات كما يعلم المكتب الغلمان، يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بهن دبر الصلاة، "اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ بك من عذاب القبر". 1276 - * روى أبو داود عن معاذ بن جبل أنه قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بيدي فقال لي: "يا معاذ والله إني لأحبك" فقلت: بأبي أنت وأمي والله إني لأحبك. قال: "يا معاذ إني أوصيك لا تدعن أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك".

_ 1273 - الروض الداني (1/ 365). مجمع الزوائد (10/ 111) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الصغير والأوسط وإسناده جيد. وفي الجامع الصغير عن أبي أمامة وليس عن أبي أيوب. 1274 - مسلم (4/ 2073) 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 10 - باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء. ابن خزيمة (1/ 366) 234 - باب جامع الدعاء بعد السلام دبر الصلاة. 1275 - أحمد (1/ 183). ابن خزيمة (1/ 367) 235 - باب التعوذ بعد السلام من الصلاة، وإسناده صحيح. 1276 - أبو داود (2/ 86) كتاب الصلاة، باب في الاستغفار. النسائي (3/ 53) 13 - كتاب السهو، 60 - نوع آخر من الدعاء، وإسناده صحيح. ابن خزيمة (1/ 369) 238 - باب الأمر بمسألة الرب عز وجل في دبر الصلوات.

1277 - * روى الشيخان عن ابن عباس قال: "كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير". 1278 - * روى أبو يعلى عن أبي هريرة قال: قلنا لأبي سعيد: هل حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً كان يقوله بعد ما سلم، قال: نعم، كان يقول "سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين".

_ 1277 - البخاري (2/ 325) 10 - كتاب الأذان، 155 - باب الذكر بعد الصلاة. مسلم (1/ 410) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 23 - باب الذكر بعد الصلاة. 1278 - مجمع الزوائد (2/ 147، 148) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى ورجاله ثقات.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد - الذكر هو عبادة الوجود كله، قال تعالى عن الملائكة: (يسبحون الليل والنهار لا يفترون) (1) وقال تعالى عن الكون بما فيه: (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) (2)، وقال تعالى: (سبح لله ما في السموات والأرض) (3) وقال: (ألم تر أن الله يسبح له من في السموات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه) (4) وقال: (وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير) (5). وإنما ينسجم الإنسان مع كل شيء في إقامة العبودية بقدر ما يذكر الله عز وجل، ولذلك شرع في الإسلام للإنسان أن يذكر الله على كل أحواله، وتلك كانت سنة رسول صلى الله عليه وسلم كما وصفته عائشة رضي الله عنها. والصلاة بالنسبة للذكر هي مرتكزه الأعلى ومنظمه الأول، قال تعالى: (وأقم الصلاة لذكري) (6) فمن أقامها فقد أقام ركن الذكر الأول، ولكن المشروع في موضوع الذكر أوسع، ولذلك نجد أنواعاً من الذكر أو الدعاء الذي هو ذكر وزيادة تمر معنا بمناسبات كثيرة، وسنخصص جزءاً من هذا الكتاب للأذكار والدعوات، هو لا يستوعب كل ما ورد في الذكر والدعاء، لأن الاستيعاب يقتضي دراسة الكتاب والسنة جميعاً. - قلنا إن الصلاة ركن الذكر ومرتكزه ومنظمه فنقول كذلك: إنها أرقى صيغ الأداء للذكر لأنه يجتمع فيها مع إقامة الذكر هيئات القيام والركوع والسجود وغير ذلك من الهيئات، ويشترط أن تتم ضمن شروط معينة، فهي العبادة الأرقى والأعلى والتي اجتمعت فيها أرقى عبادات الملائكة والمرسلين عليهم الصلاة والسلام أجمعين.

_ (1) الأنبياء: 20. (2) الإسراء: من 44. (3) الحديد: من 1. (4) النور: من 41. (5) الأنبياء: من 79. (6) طه: من 14.

- رأينا أن الصيغ التي وردت في أذكار الصلاة أو أذكار ما بعد الصلاة كثيرة، والمسلم يعطي الأولوية لما تتحقق به الركنية، ثم الوجوب، ثم السنية، ثم المستحب والمندوب، وفي دائرة المستحب والمندوب يتخير ويرتب على نفسه شيئاً يداوم عليه بقدر استطاعته، ويحاول ألا يبقي صيغة من المأثور إلا ويؤديها ولو مرة في حياته. والأصل أن أوراد ما بعد الصلاة أن يؤديها كل فرد على حدة، والأصل أن تكون سراً بين العبد وربه، ورأينا روايات تذكر الجهر وهي محمولة على إعلام أو على تعليم. - جرى علماء المسلمين في العصور المتأخرة لغلبة الجهل والتفلت والإدبار عن الصلاة وعن الجماعة وعن حلقات العلم، وبسبب ضعف حماس المتعلم للتعليم، وقلة حرص الجاهل على التعلم، لضعف الإقبال على الذكر ولاحتمال مجيء جديد إلى المسجد كالذي تاب بعد غفلة، نتيجة لهذا كله فقد أجاز العلماء ترتيب أوراد ما بعد الصلوات وتخيروا لذلك ما اعتبروه أكثر أجراً، وجرت العادة أن يدير ذلك الإمام والمؤذن وأن تختتم الأوراد بدعاء الإمام، ولم ير العلماء في ذلك حرجاً لأن كل جزء من ذلك له دليله المنفرد، وبعض الناس يحاربون مثل هذا على أنه بدعة، وهي حرب في غير محلها، وفي ترتيب الأوراد وإقامتها وتنظيمها بعد الصلاة خير كثير، ولا يدخل ذلك في باب البدع، بل يدخل ذلك في باب العمل الذي يدخل تحت أصل عام في الشريعة. - والسنة في المذاهب الأربعة أن تكون أوراد ما بعد الصلاة بعد فريضتي الصبح والعصر، أما الفرائض الثلاث الأخر التي بعدها سنة راتبة فهي عند الحنفية تكون بعد أداء السنة الراتبة. 1279 - * روى مسلم عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم لم يقعد إلا بمقدار ما يقول: "اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام". وعند المذاهب الثلاثة الأخرى تكون قبل الراتبة وبعد الفريضة مباشرة. - يستحب للإمام أن يقبل على المأمومين جاعلاً يساره إلى جهة المحراب، وأما غير الإمام فيبقى في مجلسه إذا أراد إقامة أوراده متجهاً نحو القبلة.

_ 1279 - مسلم (1/ 414) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 26 - باب استحباب الذكر بعد الصلاة.

- جرت العادة في كثير من مساجد المسلمين إذا أرادوا إقامة الأوراد أن يبدؤوا بالاستغفار ثلاثاً ثم بقولهم (اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك السلام، تباركت وتعاليت يا ذا الجلال والإكرام) ثم بقولهم (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)، وإذا كانوا في صلاة الصبح والمغرب، فإنهم يقولون وهم على هيئتهم في الصلاة عشر مرات (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير)، وسبع مرات (اللهم أجرني من النار) ثم بعد ذلك في صلاتي المغرب والعشاء وبعد (اللهم أعني على ذكرك وشكرك) في بقية الصلوات يقرؤون آية الكرسي وسورة الإخلاص والمعوذتين ثم يسبحون ويحمدون ويكبرون ثلاثاً وثلاثين، ويختمون بقولهم: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير)، ثم يدعو لهم إمامهم ويؤمنون أو يدعو كل منهم لنفسه وللمسلمين بما شاء من خيري الدنيا والآخرة. ومن كان له ورد خاص بعد ذلك فإنه يفعله منفرداً، ولكن جرت أكثر مساجد المسلمين على فعل ما ذكرناه، ويلاحظ الداعي آداب الدعاء من رفع اليدين والبدء بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والثناء على الله، وتكرار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوسط الدعاء وآخره، ويختم الجلسة بما ورد في البخاري في الحض على أن يكون آخر الكلام: (سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين) وستمر معنا آداب الدعاء في جزء الأذكار والأدعية. - إن من تأمل صلاة المسلمين وأذكارهم ودعواتهم عرف أنه ما من أحد في هذا العالم يعرف الله حق المعرفة ويعظمه حق التعظيم إلا المسلمون، هذا وحده كاف ليجعل المنصف يعرف أن هذا الإسلام حق، فكيف إذا كانت أدلة حقية الإسلام لا تعد ولا تحصى. قال تعالى: (وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً) (1).

_ (1) الأنعام: من 115.

الفصل الثاني عشر: في لواحق الباب الثالث

الفصل الثاني عشر: في لواحق الباب الثالث وفيه الفقرات التالية: الفقرة الأولى: في الصلاة في النعال. الفقرة الثانية: في الصلاة على الحصير وغيرها. الفقرة الثالثة: في مكان الصلاة. الفقرة الرابعة: في الصلاة في البيوت.

الفقرة الأولى: في الصلاة في النعال

الفقرة الأولى: في الصلاة في النعال 1280 - * روى الطبراني في الأوسط عن فيروز الديلمي أن وفد ثقيف قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا رأيناه يصلي في نعلين متقابلتين. 1281 - * روى أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حافياً ومتنعلاً. أقول: تنطع قوم وغلوا في عصرنا وأصبحوا يدخلون المساجد في النعال وكأن ذلك فريضة مع أنه طرأت مستجدات منها مد أرض المسجد بالسجاد وغيره بعد أن وسع الله، وندر في أوضاعنا الحالية من يحافظ على طهارة نعليه، هذا النص يجعل في الأمر سعة ويرد على الغلاة في هذا الشأن. 1282 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صلى أحدكم فلا يضع نعليه عن يمينه، ولا عن يساره، فتكون عن يمين غيره، إلا أن لا يكون عن يساره أحد، وليضعهما بين رجليه"، وفي رواية (4): "إذا صلى أحدكم فخلع نعليه، فلا يؤذ بهما أحداً، ليجعلهما بين رجليه، أو ليصل فيهما". أقول: مر معنا في فصل الطهارة اشتراط بعض الفقهاء لجواز الصلاة في النعلين أن تكونا طاهرتين، والخلاف فيما يطهر النعلين، والأحوط لمن أراد أن يصلي بالنعلين لضرورة ما أن يحافظ على طهارتهما، وإذا اشتدت الضرورة كحال الجندي الذي يصعب عليه خلع خفيه، فإنه يستطيع أن يترخص فيصلي بالنعلين، بناءً على المشهور في مذهب المالكية، أن طهارة

_ 1280 - مجمع الزوائد (2/ 54، 55) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات، وقال الشوكاني في نيل الأوطار: إسناده جيد 2/ 132. 1281 - أبو داود (1/ 176) كتاب الصلاة، 89 - باب الصلاة في النعل، وهو حديث صحيح. 1282 - بو داود (1/ 176) كتاب الصلاة، 90 - باب المصلي إذا خلع نعليه أين يضعهما. ابن خزيمة (2/ 105) جماع أبواب الفريضة عند العلة تحدث، 408 - باب الصلاة في النعلين. (4) أبو داود (1/ 176) كتاب الصلاة، 90 - باب المصلي إذا خلع نعليه أين يضعهما، وهو حديث حسن.

الثياب والبدن من النجاسة الحسية. ليسا شرطين في صحة الصلاة. 1283 - * روى أبو داود عن عبد الله بن السائب رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح يصلي، ووضع نعليه عن يساره. 1284 - * روى الطبراني في الأوسط عن عائشة قالت رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب قائماً وقاعداً ويصلي منتعلاً وحافياً ويتفل عن يمينه وعن شماله. 1285 - * روى أبو داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه في نعليه، إذ خلعهما فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك أصحابه ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته، قال: "ما حملكم على خلع نعالكم؟ " قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن جبريل أتاني، فأخبرني: أن فيهما قذراً"، وقال: "إذا جاء أحدكم المسجد، فلينظر، فإن رأى في نعليه قذراً، أو أذى، فليمسحه، وليُصَلِّ فيهما" وفي رواية (4): "خبثاً" في الموضعين. أقول: هذا دليل لمن اشترط طهارة النعلين لجواز الصلاة بهما، كما أنه دليل لمن ذهب أن دلك الخف من النجاسة ذات الجرم كاف لطهارته. 1286 - * روى الشيخان عن سعيد بن يزيد قال: سألت أنس بن مالك: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في نعليه؟ قال: نعم. قال ابن دقيق العيد: إنه لا ينبغي أن يؤخذ منه الاستحباب لأن ذلك لا مدخل له

_ 1283 - أبو داود (1/ 175) كتاب الصلاة، 89 - باب الصلاة في النعل. النسائي (2/ 74) 9 - كتاب القبلة، 25 - باب أين يضع الإمام نعليه إذا صلى بالناس. ابن خزيمة (2/ 106) جماع أبواب الفريضة عند العلة تحدث، 408 - باب وضع المصلي نعليه عن يساره إذا خلعهما، وإسناده صحيح. 1284 - مجمع الزوائد (2/ 55)، وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات. وأشار الشوكاني في نيل الأوطار إلى أن إسناده صحيح 2/ 132. 1285 - أبو داود (1/ 175) كتاب الصلاة، 89 - باب الصلاة في النعل. (4) أبو داود نفس الموضع السابق، وإسناده صحيح. 1286 - البخاري (1/ 494) 8 - كتاب الصلاة، 24 - باب الصلاة في النعال.

في الصلاة. 1287 - * روى أبو داود عن شداد بن أوس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خالفوا اليهود، فإنهم لا يصلون في خفافهم ولا نعالهم". وقد استدل من قال باستحباب الصلاة في النعال بمثل هذا الحديث. إلا أن من نفى الاستحباب وقصره على الجواز استدل بمثل حديث عمرو بن شعيب الذي أخرجه أبو داود السابق ذكره وحديث أبي هريرة الذي يليه.

_ مسلم (1/ 391) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 14 - باب جواز الصلاة في النعلين. الترمذي (2/ 249) أبواب الصلاة، 293 - باب ما جاء في الصلاة في النعال. النسائي (2/ 74) 9 - كتاب القبلة، 24 - الصلاة في النعلين. 1287 - أبو داود (1/ 176) كتاب الصلاة، 89 - باب الصلاة في النعل. الحاكم (1/ 260) وصححه، ووافقه الذهبي.

الفقرة الثانية في الصلاة على الحصير وغيرها

الفقرة الثانية في الصلاة على الحصير وغيرها 1288 - * روى أبو يعلى عن ابن عباس قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي يسجد على ثوبه. أقول: كره العلماء السجود على الثوب الذي يلبسه المصلي ويتحرك بحركته إلا إذا كان لدفع الضرر من الحر وغيره، والنص يمكن أن يحمل ههنا على أنه صلى الله عليه وسلم صلى على ثوبه بعد أن خلعه كمن يصلي على جبته أو عباءته بعد أن يخلعهما. 1289 - * روى أبو يعلى عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على الخُمرة. أقول: تنطع بعضهم فمنع الصلاة إلا على الأرض، وذلك من الغلو، فالصلاة على الأرض أو على الثوب أو على الحصير أو على السجاد كل ذلك جائز، فالأفضل الصلاة على الأرض لأنها أقرب إلى التواضع ولكن أن يجعل الفاضل وكأنه فريضة ويجعل المفضول وكأنه حرام فذلك من الغلو، وصاحبه لا يراعي اختلاف الزمان والمكان والأحوال، ومراعاة هذه الأمور مهمة في باب الفتوى. 1290 - * روى الطبراني عن إبراهيم أنه كان يقوم على البردي ويسجد على الأرض، قلنا وما البردي قال الحصير.

_ 1288 - أبو يعلى (4/ 244). الطبراني (المعجم الكبير) (11/ 102). مجمع الزوائد (2/ 57) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى والطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. 1289 - أبو يعلى (12/ 311). مجمع الزوائد (2/ 57) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط ورجال أبي يعلى رجال الصحيح، ورواه المصنف في الأوسط (62/ 63) مجمع البحرين من طريق آخر بلفظ آخر. ابن خزيمة (2/ 104) الصلاة على البسط، 407 - باب الصلاة على الخمرة. الخمرة: هي مقدار ما يضع الرجل عليه وجهه في سجوده من حصير أو نسيجة خوص ونحوه من النبات، والخوص هو ورق النخل ولا يكون خمرة إلا في هذا المقدار وإلا كان حصيراً وأورد ابن الأثير ما يدل على أن القطعة الكبيرة تسمى خمرة. 1290 - مجمع الزوائد (2/ 57) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن.

أقول: هذا يدل على أن التابعين بإحسان كانوا يتوسعون في هذا الشأن. 1291 - * روى أحمد عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الخمرة. 1292 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الخمرة. 1293 - * روى أحمد عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على خمرة فقال: "يا عائشة ارفعي حصيرك فقد خشيت أن يكون يفتن الناس". أقول: هذه الرواية تدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم خشي أن يظن الناس أنه لا تجوز الصلاة إلا على خمرة فأراد أن يبين أن الأمر واسع ونحن لا ننكر على من خصص شيئاً طاهراً لسجوده، ولكن ننكر على من غلا في ذلك، فلم يجز الصلاة إلا على مثله. 1294 - * روى النسائي عن ميمونة رضي الله عنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي على الخمرة. وفي رواية: أبي داود (5) والبخاري (6) قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا حذاءه حائض، وربما أصابني ثوبه إذا سجد، وكان يصلي على الخمرة. ولمسلم (7) نحوه.

_ 1291 - أحمد (6/ 149) عن عائشة. الطبراني "المعجم الكبير" (12/ 382). كشف الأستار (1/ 291) باب الصلاة على الخمرة. مجمع الزوائد (2/ 56) وقال الهيثمي: رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط وزاد فيها ويسجد عليها، ورجال أحمد رجال الصحيح. 1292 - الترمذي (2/ 151) أبواب الصلاة، 246 - باب ما جاء في الصلاة على الخمرة. 1293 - أحمد (6/ 248). مجمع الزوائد (2/ 56) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. 1294 - النسائي (2/ 57) 8 - كتاب المساجد، 44 - الصلاة على الخمرة. (5) أبو داود (1/ 176) كتاب الصلاة، 91 - باب الصلاة على الخمرة. (6) البخاري (1/ 488) 8 - كتاب الصلاة، 19 - باب إذا أصاب ثوب المصلي امرأته إذا سجد. (7) مسلم (1/ 367) 4 - كتاب الصلاة، 51 - باب الاعتراض بين يدي المصلي، وص 458، 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 48 - باب جواز الجماعة في النافلة.

قال في (النيل 2/ 130): والحديث يدل على أنه لا بأس بالصلاة على السجاد سواء كانت من الخرق أو الخوص أو غير ذلك وسواء كانت صغيرة كالخمرة على القول بأنها لا تسمى خمرة إلا إذا كانت صغيرة أو كانت كبيرة كالحصير والبساط لما تقدم من صلاته صلى الله عليه وسلم على الحصير والبساط والفروة. 1295 - * روى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه "أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم، قال فرأيته يصلي على حصير يسجد عليه، قال: ورأيته يصلي في ثوب واحد متوشحاً به". 1296 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه. 1297 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته، فأكل منه، ثم قال: "قوموا فأصلي لكم"، قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس، فنضحته بماء، فقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا، فصلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين، ثم انصرف. ولمسلم (4) "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى به وبأمه- أو خالته- قال: فأقامني عن يمينه، وأقام المرأة خلفنا. وفي أخرى (5) قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً، فربما تحضر الصلاة وهو في بيتنا، قال: فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس، ثم ينضح، ثم يؤم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونقوم خلفه، فيصلي بنا، قال: وكان بساطهم من جريد النخل".

_ 1295 - مسلم (1/ 369) 4 - كتاب الصلاة، 52 - باب الصلاة في ثوب واحد وصفة لبسه. 1296 - البخاري (3/ 80) 21 - كتاب العمل في الصلاة، 9 - باب بسط الثوب في الصلاة للسجود. مسلم (1/ 433) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 33 - باب استحباب تقديم الظهر في أول الوقت في غير شدة الحر. أبو داود (1/ 177) كتاب الصلاة، 93 - باب الرجل يسجد على ثوبه. الترمذي (2/ 479) أبواب الصلاة، 411 - باب ما ذكر من الرخصة في السجود على الثوب في الحر والبرد. 1297 - البخاري (1/ 488) 8 - كتاب الصلاة، 20 - باب الصلاة على الحصير. مسلم (1/ 457) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 48 - باب جواز الجماعة في النافلة. (4) مسلم (1/ 458) نفس الموضع السابق. (5) مسلم (1/ 457) نفس الموضع السابق.

في رواية: للنسائي (1) أن أم سليم سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيها فيصلي في بيتها، فتتخذه مصلى، فأتاها، فعمدت إلى حصير، فنضحته بماء، فصلى عليه، وصلوا معه. 1298 - * روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رجل من الأنصار- وكان ضخماً- للنبي صلى الله عليه وسلم: إني لا أستطيع الصلاة معك، فصنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعاماً، فدعاه إلى بيته، ونضح له طرف حصير بماء، فصلى عليه ركعتين، فقال فلان بن فلان بن الجارود لأنس: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قال: ما رأيته صلى غير ذلك اليوم. وفي رواية (2): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زار أهل بيت من الأنصار، فطعم عندهم طعاماً، فلما أراد أن يخرج أمر بمكان من البيت فنضح له على بساط، فصلى عليه، ودعا لهم. وأخرج أبو داود الرواية الأولى، إلا أنه قال فيه: فلان ابن الجارود. وفي الباب روى أحمد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على بساط. وثمة شواهد تؤيد صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على البساط ذكرنا بعضها، قال في "النيل" (والحديث يدل على جواز الصلاة على البسط وقد حكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم ...) ا. هـ. وفي الباب روى أحمد عن المغيرة بن شعبة قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الحصير والفروة المدبوغة)، قال في "النيل": وقد ذهب إلى استحباب الصلاة على الحصير أكثر أهل

_ (1) النسائي (2/ 56، 57) 8 - كتاب المساجد، 43 - الصلاة على الحصير. (جريد) النخل: سعفه، أغصان النخل ما دامت بالخوص فهي سعف، فإذا زال الخوص عنها قيل: جريد: والخوص: ورق النخل. 1298 - البخاري (3/ 57) 19 - كتب التهجد، 33 - باب صلاة الضحى في الحضر. أبو داود (1/ 176، 177) كتاب الصلاة، 92 - باب الصلاة على الحصير. (2) البخاري (10/ 499) 78 - كتاب الأدب، 65 - باب الزيارة ومن زار قوماً فطعم عندهم. أحمد (1/ 232). ابن ماجه (1/ 328) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 63 - باب الصلاة على الخمرة وفي إسناده زمعة بن صالح الجندي ضعيف ضعفه أحمد وابن معين وغيره. أحمد (4/ 254). أبو داود (1/ 177) كتاب الصلاة، 92 - باب الصلاة على الحصير، وفي سند الحديث ضعف لكن صلاته على الحصير ثابتة كما مر معنا. رواه البخاري في تاريخه وابن أبي شيبة ولكن بلفظ "ست طنافس بعضها فوق بعض".

العلم إلا أن قوماً من أهل العلم اختاروا الصلاة على الأرض استحباباً، وفي الباب. روى البخاري عن أبي الدرداء قال: ما أبالي لو صليت على خمس طنافس. وروى ابن أبي شيبة عن ابن عباس أنه صلى على طنفسة: وعن أبي وائل أنه صلى على طنفسة وعن الحسن قال لا بأس بالصلاة على الطنفسة: وعنه أنه كان يصلي على طنفسة قدماه وركبتاه عليها ويداه ووجهه على الأرض ... وإلى جواز الصلاة على الطنافس ذهب جمهور العلماء والفقهاء كما تقدم في الصلاة على البسط وخالف في ذلك من خالف في الصلاة على البسط لأن الطنافس البسط التي تحتها حمل كما تقدم. انظر (نيل الأوطار 2/ 127 - 131). وأورد البغوي حديث المغيرة بن شعبة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الحصير والفروة المدبوغة، ثم قال: وكان بعض السلف يكره الصلاة على ما يتخذ من صوف الحيوان وشعرها، ولا يكره على ما يعمل من نبات الأرض، وكان بعضهم يكره أن يصلي إلا على جديد الأرض، وعامة أهل الحديث على أن لا كراهية فيه، والحديث أولى بالاتباع. (شرح السنة 2/ 441).

الفقرة الثالثة: في مكان الصلاة

الفقرة الثالثة: في مكان الصلاة 1299 - * روى أحمد عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلوا في مرابض الغنم، فإنها مباركة، ولا تصلوا في عطن الإبل، فإنها من الشيطان" وفي رواية (2) قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في مبارك الإبل؟ فقال: "لا تصلوا في مبارك الإبل، فإنها من الشياطين، وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم؟ فقال: "صلوا في مرابض الغنم فإنها بركة". أقول: الصلاة في معاطن الإبل أي مباركها، مكروهة عند القائلين بنجاسة أبوالها وأرواثها وهم الحنفية، أو لما فيها من النفور إن كانت الأرض طاهرة، والكراهة في معاطن الإبل متفق عليها بين الفقهاء، وإنما اختلفوا في التعليل، هل هو النجاسة والنفور، أو النفور فقط، فإذا كانت العلة هي النجاسة كما يرى الحنفية، فالصلاة مكروهة تحريماً حيثما كانت النجاسة سواء في مرابض الإبل أو الغنم أو المزارع التي تسمد بالنجاسات، وقد مر معنا من قبل الخلاف في نجاسة بول وروث ما يؤكل لحمه. قال في (النيل 2/ 141): (والحديث) يدل على جواز الصلاة في مرابض الغنم وعلى تحريمها في مطاعن الإبل وإليه ذهب أحمد بن حنبل فقال: لا تصح بحال وقال: من صلى في عطن إبل أعاد أبداً وسئل مالك عمن لا يجد إلا عطن إبل قال: لا يصلي فيه، قيل فإن بسط عليه ثوباً قال لا. وقال ابن حزم: لا تحل في عطن إبل ذهب الجمهور إلى حمل النهي على الكراهة مع عدم النجاسة وعلى التحريم مع وجودها وهذا إنما يتم على القول بأن علة النهي هي النجاسة وذلك متوقف على نجاسة أبوال الإبل وأزبالها ولو سطت النجاسة فيه لم يصح

_ 1299 - أحمد (4/ 85) وهذا الحديث رواه أحمد بمعناه وإسناده حسن، وذكره رزين في مسنده. (2) أبو داود (1/ 133) كتاب الصلاة، 24 - باب النهي عن الصلاة في مبارك الإبل وفي الباب عن أبي هريرة مختصراً وعبد الله بن مغفل. (مرابض الغنم): أماكنها التي تبرك فيها وتقيم بها. (أعطان الإبل): مباركها حول الماء، لتشرب عللاً بعد نهل، ووجه النهي عن الصلاة في أعطان الإبل: ليس من جهة النجاسة، فإنها موجودة في مرابض الغنم، وإنما هو لأن الإبل تزدحم في المنهل ذوداً ذوداً، حتى إذا شربت رفعت رأسها، فلا يؤمن تفرقها ونفارها في ذلك الموضع، فتؤذي المصلي عندها.

جعلها علة لأن العلة لو كانت النجاسة لما افترق الحال بين أعطانها وبين مرابض الغنم إذ لا قائل بالفرق بين أرواث كل من الجنسين وأبوالها كما قال العراقي وأيضاً قد قيل إن حكمة النهي ما فيها من النفور فربما نفرت وهو في الصلاة فتؤدي إلى قطعها أو أذى يحصل له منها أو تشوش الخاطر الملهى عن الخشوع في الصلاة وبهذا علل النهي أصحاب الشافعي وأصحاب مالك. وأما الأمر بالصلاة في مرابض الغنم فأمر بإباحة ليس للوجوب قال العراقي اتفاقاً وإنما نبه صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك لئلا يظن أن حكمها حكم الإبل أو أنه أخرج على جواب السائل حين سأله عن الأمرين فأجاب في الإبل بالمنع وفي الغنم بالإذن وأما الترغيب المذكور في الأحاديث بلفظ "فإنها بركة" فهو إنما ذكر لقصد تبعيدها عن حكم الإبل، كما وصف أصحاب الإبل بالغلظ والقسوة ووصف أصحاب الغنم بالسكينة. ا. هـ. 1300 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في مرابض الغنم. وزاد البخاري ومسلم: ثم قال بعد ذلك: قبل أن يبنى المسجد. أقول: ظاهر النص يدل على أن الصلاة في مرابض الغنم كانت في أول مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وكان ذلك من باب تخير المكان الواسع للصلاة فمرابض الغنم تكون واسعة ومنتقاة ومنقاة من الحجارة وما يشبهها. 1301 - * روى مالك عن عروة بن الزبير عن رجل من المهاجرين لم نر به بأساً أنه سأل عبد الله بن عمرو بن العاص قال، أصلي في عطن الإبل؟ فقال عبد الله: لا، ولكن صل في مراح الغنم".

_ 1300 - البخاري (1/ 341) 4 - كتاب الوضوء، 66 - باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها وجاء أيضاً في (1/ 526) 8 - كتاب الصلاة، 49 - باب الصلاة في مرابض الغنم. مسلم (1/ 374) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 1 - باب ابتناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. الترمذي (2/ 182) أبواب الصلاة، 259 - باب ما جاء في الصلاة في مرابض الغنم وأعطان الإبل. 1301 - الموطأ (1/ 169) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 23 - باب العمل في جامع الصلاة وهو حديث حسن. [مراحها]: الموضع الذي تروح إليه من مرعاها، أي: ترجع.

أقول: في النص دليل على أن الإنسان يتخير لصلاته من الأمكنة والمحيط ما لا يفسد عليه الخشوع، فوجود الإبل وأمثالها مما يخشى منه الأذى تجعل قلب الإنسان مشغولاً قلقاً فلا يتفرغ للمناجاة. 1302 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى في سبعة مواطن: في المزبلة، والمجزرة، والمقبرة، وقارعة الطريق، وفي الحمام، ومعاطن الإبل، وفوق ظهر بيت الله". أقول: كره الحنفية والشافعية الصلاة في الطريق لأن الطريق ممر الناس وقد لا تخلو من النجاسة، فالصلاة فيها تؤثر على الخشوع، أو تؤثر على حركة المرور وأضاف الشافعية أن الصلاة تكره في الأسواق لنفس السبب، وقال الحنابلة: لا تصح الصلاة في قارعة الطريق والمزبلة والمقبرة والمجزرة والحمام ومعاطن الإبل، والمالكية أجازوا الصلاة حيث أمنت النجاسة وأمن المرور من بين يديه، واستثنى الحنابلة فأجازوا صلاة الجنازة في المقبرة وطريق البيوت القليلة، وما علا عن جادة الطريق يمنة ويسرة، والضرورة تجيز الصلاة في الأماكن التي ورد النهي عنها في النص وأما العلة في النهي عن الصلاة فوق بيت الله ما يوهم الاستخفاف عند الحنفية. قال في (النيل 2/ 143) وأما في ظهر الكعبة فلأنه إذا لم يكن بين يديه سترة ثابتة تستره لم تصح صلاته لأنه مصل على البيت لا إلى البيت: وذهب الشافعي إلى الصحة بشرط أن يستقبل من بنائها قدر ثلثي ذراع وعند أبي حنيفة لا يشترط ذلك وكذا قال ابن سريج

_ 1302 - الترمذي (2/ 177، 178) أبواب الصلاة، 258 - باب ما جاء في كراهية ما يصلى إليه وفيه. وقال الترمذي: إسناده ضعيف وصححه ابن السكن وإمام الحرمين. انظر النيل 2/ 142. (المزبلة): موضع طرح الزبل والقذر، ومنع من الصلاة فيها لأجل النجاسة التي فيها. (المجزرة): موضع الذبائح، وطرح أرواثها، والمنع من الصلاة بها لأجل النجاسة. (المقبرة) إنما نهى عن الصلاة في المقبرة لاختلاط ترابها بصديد الموتى ونجاستهم، فلا تصح الصلاة فيها إذا كنت كذلك، قال: وإذا صلى في مكان طاهر منها أجزأته، وصحت صلاته، قال: وكذلك الحمام إذا صلى في موضع نظيف منه. (قارعة الطريق): أعلاه، وقارعة الدار: ساحتها، وأراد بقارعة الطريق ها هنا: الطريق نفسه، ووجه الطريق.

قال لأنه كمستقبل العرصة لو هدم البيت والعيال بالله. ا. هـ. وهذا عدل عن أن في الحديث مقالاً. والحنابلة عللوا تحريم الصلاة في المقبرة أن يتوصل بذلك إلى ما هو شرك كأن يلحظ صاحب القبر في الصلاة. فائدة: قال القاضي أبو بكر بن العربي والمواضع التي لا يصلى فيها ثلاثة عشر فذكر السبعة المذكورة في حديث الباب وزاد الصلاة إلى المقبرة وإلى جدار مرحاض عليه نجاسة والكنيسة والبيعة وإلى التماثيل وفي دار العذاب وزاد العراقي الصلاة في الدار المغصوبة والصلاة إلى النائم والمتحدث والصلاة في بطن الوادي والصلاة في الأرض المغصوبة والصلاة في مسجد الضرار والصلاة إلى التنور فصارت تسعة عشر موضعاً. أقول: وبعض ما هو مذكور هنا كراهته تنزيهية عند بعض العلماء كما سنرى في الفوائد. 1303 - * روى الشيخان عن إبراهيم بن يزيد التيمي قال: "كنت أقرأ على أبي القرآن في السدة، فإذا قرأت السجدة سجد، فقلت له: يا أبت أتسجد في الطريق؟ قال: إني سمعت أبا ذر يقول: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول مسجد وضع في الأرض؟ قال: "المسجد الحرام"، قلت: ثم أي؟ قال: "المسجد الأقصى"، قلت: كم بينهما؟ قال: "أربعون عاماً، ثم الأرض لك مسجد، فأينما أدركتك الصلاة فصل" زاد في رواية (2) البخاري "فإن الفضل فيه" وأول حديثه قلنا: يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول؟ .. ".

_ 1303 - البخاري (6/ 458) 60 - كتاب أحاديث الأنبياء، 40 - باب قول الله تعالى [30 ص]. مسلم (1/ 370) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة. النسائي (2/ 32) 8 - كتاب المساجد، 3 - ذكر أي مسجد وضع أولاً. (2) البخاري (6/ 407) 60 - كتاب الأنبياء، 10 - باب 3366 - حدثنا موسى بن إسماعيل. (السدة): الفناء، والسدة: الباب، والسدة: الصفة، والطاق المسدود. والمراد به: هنا: الفناء، والله أعلم. قوله أربعون في الحدوث لا في المسافة.

1304 - * روى أبو داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الأرض كلها مسجد، إلا الحمام، والمقبرة". أقول: رأينا أن الصلاة في المقبرة محرمة عند الحنابلة خشية الشرك، إلا أنهم قالوا: إن المقبرة ما احتوت على ثلاثة قبور فأكثر في أرض موقوفة للدفن، فإذا لم تحتو على ثلاثة قبور فأكثر فالصلاة فيها صحيحة إن لم يستقبل القبر وإلا كرهت، وعلل الشافعية للنهي عن الصلاة في المقبرة إذا احتملت فيها النجاسة أو قصد التعظيم، فإذا انتفى الأمران فالنهي محمول على كراهة التنزيه. وعلل الحنفية للنهي عن الصلاة في المقبرة إذا كان القبر بين يدي المصلي بحيث لو صلى خاشعاً وقع بصره عليه، فإذا كان المكان طاهراً ولم يرد الإنسان التعظيم، وكان بعيداً شيئاً ما عن القبر فلا كراهة. وأما النهي عن الصلاة داخل الحمام لأنها مظنة انكشاف العورات ومصب الغسالات والنجاسات لذلك كرهت عند الحنفية والشافعية والحنابلة، وجازت عند المالكية إذا كان المكان طاهراً. قال في (نيل الأوطار): والحديث يدل على المنع من الصلاة في المقبرة والحمام وقد اختلف الناس في ذلك. أما المقبرة فذهب أحمد إلى تحريم الصلاة في المقبرة ولم يفرق بين المنبوشة وغيرها ولا بين أن يفرش عليها شيئاً يقيه من النجاسة أم لا ولا بين أن يكون في القبور أو في مكان منفرد عنها كالبيت وإلى ذلك ذهبت الظاهرية ولم يفرقوا بين مقابر المسلمين والكفار. وذهب الشافعي إلى الفرق بين المقبرة المنبوشة وغيرها فقال إذا كانت مختلطة بلحم الموتى وصديدهم وما يخرج منهم لم تجز الصلاة فيها للنجاسة فإن صلى رجل في مكان طاهر منها

_ 1304 - أبو داود (1/ 132، 133) كتاب الصلاة، 23 - باب في المواضع التي لا يجوز فيها الصلاة. الترمذي (2/ 131) أبواب الصلاة، 236 - باب ما جاء أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام. وقال الترمذي: وفي الباب عن علي، وابن عمرو، وأبي هريرة، وجابر بن عبد الله، وابن عباس، وحذيفة، وأنس، وأبي أمامة، وأبي ذر، قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "جعلت لي الأرض كلها مسجداً وطهوراً" وهو حديث صحيح.

أجزأته، وإلى مثل ذلك ذهب أبو طالب وأبو العباس والإمام يحيى من أهل البيت وقال الرافعي أما المقبرة فالصلاة مكروهة فيها بكل حال. وذهب الثوري والأوزاعي وأبو حنيفة إلى كراهة الصلاة في المقبرة ولم يفرقوا كما فرق الشافعي ومن معه بين المنبوشة وغيرها. وذهب مالك إلى جواز الصلاة في المقبرة وعدم الكراهة. وأما الحمام فذهب أحمد إلى عدم صحة الصلاة فيه ومن صلى فيه أعاد أبداً: وقال أبو ثور لا يصلي في الحمام ولا مقبرة على ظاهر الحديث. وذهب الجمهور إلى صحة الصلاة في الحمام مع الطهارة وتكون مكروهة وتمسكوا بعمومات نحو حديث "أينما أدركت الصلاة فصل" وحملوا النهي على حمام متنجس وحكمة المنع من الصلاة في المقبرة قيل هو ما تحت المصلي من النجاسة وقيل لحرمة الموتى وحكمة المنع من الصلاة في الحمام أنه يكثر فيه النجاسات وقيل إنه مأوى الشيطان. 1305 - * روى أبو داود عن أبي مرثد الغنوي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها" الحديث يدل على منع الصلاة إلى القبور وقد تقدم الكلام في ذلك وعلى منع الجلوس عليها وظاهر النهي التحريم وقد أخرج مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ "لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير من أن يجلس على قبر أخيه" وروي عن مالك أنه لا يكره القعود عليها ونحوه قال وإنما النهي عن القعود لقضاء الحاجة. 1306 - * روى مسلم عن جندب بن عبد الله البجلي قال "سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: "إن من كان قبلكم كانوا يتخذون

_ 1305 - أبو داود (3/ 217) كتاب الجنائز، باب في كراهية القعود على القبر. الترمذي (3/ 367) 8 - كتاب الجنائز، 57 - باب ما جاء في كراهية المشي على القبور والجلوس عليها والصلاة إليها. النسائي (2/ 67) 9 - كتاب القبلة، 11 - النهي عن الصلاة إلى القبر. 1306 - مسلم (1/ 377، 378) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 3 - باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ القبور فيها والنهي عن اتخاذ القبور مساجد.

قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك". والحديث يدل على تحريم اتخاذ قبور الأنبياء والصلحاء مساجد قال العلماء إنما نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن اتخاذ قبره وقبر غيره مسجداً خوفاً من المبالغة في تعظيمه والافتتان به وربما أدى ذلك إلى الكفر كما جرى لكثير من الأمم الخالية انظر (النيل 2/ 136 - 139). 1307 - * روى النسائي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، أينما أدرك رجل من أمتي الصلاة صلى".

_ 1307 - النسائي (1/ 209، 210، 211) 4 - كتاب الغسل والتيمم، 26 - باب التيمم بالصعيد، وإسناده صحيح.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد - كره بعض العلماء الصلاة في بيت بني فوق المراحيض، لأنهم اعتبروا أن ما فوق المرحاض له نوع حكم المرحاض، وهو تعليل بعيد، وفيه حرج، فالورع ألا يصلي الإنسان فيه ولو فعل جاز. - والصلاة في الكنيسة ومعابد غير المسلمين مكروهة عند جماهير العلماء، وقال الحنابلة لا بأس بالصلاة في الكنيسة النظيفة، وقد رخص فيها كثيرون. - كره العلماء الصلاة في كل موضع فيه معصية إلا لضرورة. - تحرم الصلاة في الأرض المغصوبة بالإجماع ولكن اعتبر الجمهور أن الصلاة فيها صحيحة مع الحرمة والأرجح عند الحنابلة أن الصلاة باطلة في الأرض المغصوبة. - من صلى في أرض مغصوبة جاهلاً أو ناسياً أو حبس في مكان مغصوب صحت صلاته بلا إثم. - تصح الصلاة في أرض قد عذب أهلها كأرض ثمود مثلاً ولكن مع الكراهة التنزيهية إذا كان بإمكانه أن يصلي خارجاً عنها دون مشقة أو تأخير وقت.

الفقرة الرابعة: في الصلاة في البيوت

الفقرة الرابعة: في الصلاة في البيوت 1308 - * روى الجماعة عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، ولا تتخذوها قبوراً". قوله "من صلاتكم" قال القرطبي من للتبعيض والمراد النوافل بدليل ما رواه مسلم من حديث جابر مرفوعاً "إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيباً من صلاته" وقد حكى القاضي عياض عن بعضهم أن معناه اجعلوا بعض فرائضكم في بيوتكم ليقتدي بكم من لا يخرج إلى المسجد من نسوة وغيرهن: قال الحافظ وهذا وإن كان محتملاً لكن الأول هو الراجح واستنبط البخاري من هذا الحديث كراهية الصلاة في المقابر. 1309 - * روى أحمد عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة". 1310 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيباً من صلاته، فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيراً".

_ 1308 - البخاري (1/ 528، 529) 8 - كتاب الصلاة، 52 - باب كراهية الصلاة في المقابر. مسلم (1/ 538) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها- 29 - باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد. أبو داود (2/ 69) كتاب الصلاة، 11 - باب في فضل التطوع في البيت. الترمذي (2/ 313) أبواب الصلاة، 331 - باب ما جاء في فضل صلاة التطوع في البيت. النسائي (3/ 197، 198) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 1 - باب الحث على الصلاة في البيوت والفضل في ذلك. ابن ماجه (1/ 438) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 186 - باب ما جاء في التطوع في البيت. 1309 - أحمد (2/ 16). مسلم (1/ 539) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 29 - باب استحباب صلاة النافلة في بيته. الترمذي (5/ 157) 46 - كتاب فضائل القرآن، 2 - باب ما جاء في فضل سورة البقرة وآية الكرسي. 1310 - مسلم (1/ 539) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 29 - باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد.

1311 - * روى مالك عن عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم". 1312 - * روى الشيخان عن زيد بن ثابت قال: احتجر رسول الله صلى الله عليه وسلم حجيرة بخصفة أو حصير فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيها قال فتتبع إليه رجال وجاؤا يصلون بصلاته قال ثم جاؤا ليلة فحضروا وأبطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم قال فلم يخرج إليهم فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضباً فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم. فعليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة". 1313 - * روى الشيخان عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "مثل البيت الذي يذكر الله فيه، والبيت الذي لا يذكر الله فيه، مثل الحي والميت". أقول: الأصل في صلاة النافلة أن تكون في البيوت إلا إذا عرف الإنسان من نفسه أنه إذا

_ 1311 - الموطأ (1/ 168) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 23 - باب العمل في جامع الصلاة. وهو صحيح. 1312 - البخاري (10/ 517) 78 - كتاب الأدب، 75 - باب ما يجوز من الغضب والشدة لأمر الله. مسلم (1/ 539، 540) 6 - كتاب صلاة المسافرين، 29 - باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد. (احتجر رسول الله صلى الله عليه وسلم حجيرة بخصفة أو حصير) الحجيرة تصغير حجرة، والخصفة أو الحصير بمعنى. ومعنى احتجر حجرة أي حوط موضعاً من المسجد بحصير، ليستره ليصلي فيه، ولا يمر بين يديه مار، ولا يتهوش بغيره، ويتوفر خشوعه وفراغ قلبه. (فتتبع إليه رجال) وأصل التتبع الطلب. ومعناه، هنا، طلبوا موضعه واجتمعوا إليه. (وحصبوا الباب) أي رموه بالحصباء، وهي الحصا الصغار، تنبيهاً له. 1313 - البخاري (11/ 208) 80 - كتاب الدعوات، 66 - باب فضل ذكر الله عز وجل. مسلم (1/ 539) 6 - كتاب صلاة المسافرين، 29 - باب استحباب صلاة النافلة في بيته، وجوازها في المسجد. ملحوظة: وقد ذكر الحديث البخاري بلفظ "مثل الذي يذكر" بدون لفظ البيت، فانفراد البخاري باللفظ المذكور دون بقية أصحاب أبي كريب، وأصحاب أبي أسامة يشعر بأنه رواه من حفظه أو تجوز في روايته بالمعنى الذي وقع له، وهو أن الذي يوصف بالحياة والموت حقيقة هو الساكن لا السكن، وإن إطلاق الحي والميت في وصف البيت إنما يراد به ساكن البيت، فشبه الذاكر بالحي الذي ظاهره متزين بنور الحياة، وباطنه بنور المعرفة، وغير الذاكر بالبيت الذي ظاهره عاطل، وباطنه باطل. ا. هـ شرح السنة ص 5، ص 14، ص 15 في الهامش (الناشر).

أخر صلاة النافلة إلى البيت لم يصلها، أو كان يجد نشاطاً في صلاته في المسجد من غير مراءاة وعلى كل الأحوال فأدب المسلم أن تكون له صلاة في بيته، والأصل أن تصلى الفرائض في المسجد، ومن كلام الحنابلة أن صلاة الجماعة واجبة، والذهاب إلى المسجد سنة، وتتحقق الجماعة عند الحنفية ولو أن يصلي الإنسان بزوجة أو طفل عمره سبع سنين.

مسائل وفوائد حول الباب الثالث

مسائل وفوائد حول الباب الثالث - من فروض الصلاة ترتيب أركان الصلاة على النحو المشروع في صفة الصلاة في السنة وموالاة أفعالها، بأن يقدم: النية على تكبيرة الإحرام، والتكبير على الفاتحة، والفاتحة على الركوع، والركوع على الرفع منه، والاعتدال على السجود، والسجود على التشهد الأخير، والتشهد الأخير على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على السلام. ويترتب على كون الترتيب والموالاة فريضتين أن من تركهما عمداً بطلت صلاته إلا أن هناك حالات استثنائية تبيح ترك الموالاة بشروط كثيرة، كأن سبقه حدث سماوي كأن أصابه رعاف غير متعمد فيه فإنه يحق له أن يذهب ويتوضأ ويكمل صلاته، والأفضل بالإجماع أن يقطع صلاته، وأن يستأنفها بعد الوضوء. ويترتب على كون الترتيب فريضة التزامات فصلت فيها المذاهب، فمثلاً قال الشافعية: إن سها عن الترتيب فما فعله بعد المتروك يعتبر لغواً، فإن تذكر المتروك قبل بلوغ مثله من ركعة أخرى فعله بعد تذكره فوراً، فإن تأخر بطلت صلاته، وإن لم يتذكر حتى بلغ مثله تمت به ركعته المتروك آخرها ولغا ما بين ذلك وتدارك ما بقي من صلاته، ولو تيقن في آخر صلاته ترك سجدة من الركعة الأخيرة، سجدها وأعاد تشهده وسجد للسهو، وإن كانت السجدة من ركعة أخرى غير الأخيرة أو شك هل ترك السجدة من الأخيرة أو من غيرها، لزمه ركعة ويسجد للسهو، وهناك تفصيلات كثيرة في المذاهب تترتب على السهو في الترتيب، ومن كلام الحنفية أنه لو سجد ثم ركع لم يعتبر سجوده ويلزمه سجود آخر، فإن سجد صحت صلاته ويلزمه سجود السهو، ولو قعد القعود الأخير وتذكر سجدة نسيها من صلب الصلاة فإنه يسجدها ويعيد القعود ويسجد للسهو، ولو ترك ركوعاً وتذكره في آخر الصلاة فإنه يقضيه مع ما بعده من السجود ويعيد القعود والتشهد. ولو تذكر أنه نسي قياماً أو قراءة صلى ركعة ويعيد التشهد ويسجد للسهو، ولو نسي

سجدة في الركعة الأولى قضاها ولو بعد السلام قبل الكلام ثم يتشهد ثم يسجد السهو، ثم يتشهد من جديد ويسلم. - اتفق الفقهاء على أن الإمام يجهر بقدر الحاجة بالتكبير والتسميع والسلام، فإذا كان صوته لا يبلغ المأمومين جاز التبليغ من غيره، ويجب أن يقصد المبلغ سواء أكان إماماً أو غيره الإحرام للصلاة بتكبيرة الإحرام، فلو قصد التبليغ فقط فلم تنعقد صلاته، وكذا لا تنعقد عند الشافعية إذا أطلق فلم يقصد شيئاً، وإذا قصد مع الإحرام الإعلان صحت الصلاة عند الشافعية والحنفية، أما غير تكبيرة الإحرام فإن قصد بها التبليغ فقط لا تبطل صلاته عند الجمهور وقال الشافعية إذا قصد بذلك مجرد التبليغ أو لم يقصد شيئاً بطلت صلاته إن كان عالماً، أما العامي فلا تبطل صلاته. - ذكر الشافعية أربعة أمور تخالف فيها المرأة الرجل في الصلاة: أولاً: الرجل يجافي مرفقيه عن جنبيه، ويرفع بطنه عن فخذيه في الركوع والسجود، والمرأة تضم بعضها إلى بعضن فتلصق بطنها بفخذيها وتضم ركبتيها وقدميها في ركوعها وسجودها. ثانياً: تخفض المرأة صوتها في الصلاة الجهرية إن صلت بحضرة الرجال الأجانب بحيث لا يسمعها من صلت بحضرته من الأجانب. ثالثاً: إذا كانت المرأة وراء الإمام وسها الإمام تذكره بضرب بطن كفها اليمين على ظهر كفها الشمال. رابعاً: جميع بدن المرأة الحرة في الصلاة عورة إلا وجهها وكفيها، وهناك خلاف رأيناه حول قدميها، أما خارج الصلاة فعورتها عند الجمهور جميع البدن.

الباب الرابع في أفعال ممتنعة في الصلاة وأفعال جائزة

الباب الرابع في أفعال ممتنعة في الصلاة وأفعال جائزة وفيه عرض إجمالي ونصوص

عرض إجمالي

عرض إجمالي تشمل الأفعال الممتنعة في الصلاة: مبطلات الصلاة مكروهاتها التحريمية والتنزيهية وما هو خلاف الأولى. فمن مبطلات الصلاة ترك شرط من شروطها الصحيحة على ضوء الفتوى وتفصيلات الأئمة في ذلك كترك الطهارة أو ستر العورة أو استقبال القبلة أو الصلاة قبل دخول وقتها أو ترك النية، ومن مبطلات الصلاة: الكلام وهو النطق بحرفين فأكثر ولو لم تفهم معنى، والنطق بحرف مفهم واحد خارج عن الصلاة يبطلها عمداً أو سهواً، ومن الكلام المبطل: التنحنح بلا عذر إذا صحبه حرفان فأكثر ومنه: التأوه والأنين والتأفف والبكاء إذا اشتمل على حروف مسموعة إلا إذا نشأ من مرض أو من خشية الله. قال الحنفية: ومن ارتفع بكاؤه لمصيبة بلغته فسدت صلاته، وإذا تنحنح لعذر كأن نشأ من طبعه أو كان لغرضه صحيح كتحسين الصوت أو ليهتدي إمامه إلى الصواب أو للإعلام أنه في الصلاة فلا فساد على الصحيح. والنفخ بصوت مسموع يفسد الصلاة عند أبي حنيفة ومحمد، وتفسد بكل ما قصد به الجواب أو النداء ولو كان بذكر أو قراءة قرآن. وعند المالكية لا تبطل الصلاة إن كان الكلام لإصلاح الصلاة وبقدر الحاجة، كأن سلم الإمام قبل تمام صلاته، وتبطل عندهم بتقليد صوت حيوان. وقال الشافعية: ويعذر في يسير الكلام إن سبق لسانه إليه، ولا تبطل عند الحنابلة إن تكلم من سلم قبل إتمام صلاته سهواً بكلام يسير عرفاً لمصلحة الصلاة. وأجاز الحنابلة القراءة في أثناء الصلاة في المصحف لمن لا يحفظه، ويجوز للمأموم أن يفتح على إمامه، وينبغي للمقتدي ألا يبادر بالفتح على إمامه، ويكره للإمام أن يلجئ المأموم إليه، وتبطل الصلاة عند الحنفية إن فتح المأموم على غير إمامه كما تبطل بامتثال أمر الغير، فإن أمره غيره بأمر فيه مصلحة للصلاة يتريث ثم يفعل بنية مبتدأة لا بنية تنفيذ الأمر.

ويكره عند الحنابلة للمصلي الفتح على من هو في صلاة أخرى ولا تبطل صلاته به. ومن مبطلات الصلاة الأكل والشرب، واستثنى الحنفية ما إذا دخل الصلاة وكان بين أسنانه مأكول دون الحمصة فابتلعه. ومن كلام الشافعية والحنابلة أن الصلاة تبطل بكثير المضغ وإن لم يصل إلى الجوف شيء من الممضوغ. ومن مبطلات الصلاة العمل الكثير المتوالي، والعمل الكثير عند أبي حنيفة هو الذي لا يشك الناظر لفاعله أنه ليس في الصلاة فإن اشتبه فهو قليل على الأصح، والحركات الثلاث المتواليات عند الشافعية كثير، فمن أراد أن يحك رأسه لضرورة فإذا أسند راحته إلى رأسه وحكه بأصبع واحدة لا تبطل صلاته لأن القاعدة عندهم أن العمل الكثير إن كان بعضو ثقيل أبطل الصلاة فإن كان بعضو خفيف فلا بطلان، كما لو حرك أصابعه من غير تحريك كفه، أما إذا حرك يده بحركة أصبعه ثلاث مرات بطلت صلاته ولا يضر عند الشافعية والحنابلة العمل المتفرق وإن كثر ولا الحاصل بعذر كمرض يستدعي حركة لا يستطيع الصبر عنها. وقال الحنابلة: ويكره العمل الكثير غير المتوالي بلا حاجة، ولا يقدر عندهم بثلاث ولا بعدد. ولا تبطل الصلاة إن مشى مستقبلاً القبلة بخطى متقطعة، كأن يفصل بين تقديم كل رجل وأخرى بقدر أداء ركن فيقف ثم يمشي وهكذا، وأدنى الركن عند الحنفية هو مقدار أن يقول: سبحان الله في الركوع. ومن مبطلات الصلاة: القهقهة، وقد رأينا أنها تبطل الوضوء كذلك عند الحنفية. ومن مبطلات الصلاة: الغلط في القراءة بما يغير المعنى تغييراً يكون اعتقاده كفراً، وبكل ما لم يكن مثله في القرآن أو ليس له معنى، والخطأ في الإعراب عند متأخري الحنفية لا يفسد الصلاة مطلقاً ولا تفسد بإظهار لام شمسية ولا تفسد لو زاد كلمة موجودة في القرآن أو أنقص كلمة أو كرر كلمة ولو تغير المعنى.

وقال الحنابلة: إن أحال اللحان المعنى في غير الفاتحة لم يمنع صحة الصلاة ولا الائتمام به إلا أن يتعمد فتبطل صلاتها. ومن مبطلات الصلاة ترك ركن بلا قضاء أو شرط بلا عذر، وأن يسبق المقتدي إمامه عمداً بركن لم يشاركه فيه عند الحنفية. وقال الشافعية: لا تبطل إلا بتقدمه على الإمام بركنين فعليين وتبطل الصلاة عند الحنفية بمحاذاة المرأة الرجل في صلاة مشتركة من غير فرجة على تفصيلات عندهم. وأوصل الحنفية مبطلات الصلاة إلى ثمانية وستين سبباً، وأوصلها المالكية إلى حوالي الثلاثين وأوصلها الشافعية إلى سبعة وعشرين وأوصلها الحنابلة إلى ستة وثلاثين سبباً. وهذا يفيد أن على المسلم أن يتفقه في مذهب من المذاهب الأربعة ليؤدي صلاته مطمئناً أنها جائزة على مذهب من مذاهب الأئمة المجتهدين. ومن مكروهات الصلاة التحريمية عند الحنفية ترك واجب من واجبات الصلاة عمداً، ومن المكروهات التنزيهية ترك سنة من سنن الصلاة عمداً، وتطويل القراءة في الركعة الثانية على الأولى بأكثر من ثلاث آيات، والقراءة بعكس ترتيب القرآن. ويكره تحريماً عند الحنفية قراءة قرآن في ركوع أو سجود أو إتمام قراءة السورة في الركوع ويكره الجهر بالتشهد، ويكره العبث القليل بيده بالثياب أو بالبدن أو باللحية، ويكره التلثم بأن يغطي أنفه بدون حاجة، ويكره رفع أو جمع الثوب باليدين في الركوع والسجود، وجمع الشعر وضمه وتشبيك الأصابع والتخصر بأن يضع يديه أو إحداهما على خاصرتيه، ويكره تغميض العينين إلا لطلب خشوع، ويكره الالتفات في الصلاة بالوجه، أما إذا نظر بمؤخر عينه فلا يكره، ويكره رفع البصر إلى السماء والقيام على رجل واحدة إلا لضرورة، وتكره الصلاة حاقناً بالبول أو حاقباً بالغائط أو حازقاً بالريح إن وسع الوقت.

_ * قضية التمذهب قضية خطيرة، ولم تلمح لنا السنة النبوية السماح بالتمذهب، والتعصب للمذهب وما شابه ذلك من بدعة المتأخرين، بل إن كل إمام من أئمة الفقه قد صرح بأنه إذا صح الحديث فهو مذهبه. وانظر في ذلك "بدع التعصب المذهبي" لمحمد عيد عباسي، وأقوال ابن تيمية في الفتاوى "الناشر".

وتكره الصلاة مع اشتهاء الطعام الحاضر أو القريب الحضور، ويكره التثاؤب والتمطي، والكراهة هنا تنزيهية عند الحنفية إلا إن تعمده، ويكره تنزيهاً عند الحنفية رد السلام بالإشارة أو بالرأس، فإن صافح بنية التسليم فسدت صلاته، وتكره كل إشارة بالعين أو باليد ونحوها، ويجوز عند المالكية الإشارة الخفيفة لأي حاجة كما يجوز عند الحنفية تكليم المصلي وإجابته برأسه، ويكره عقص الشعر وتشمير الكم، وقيد المالكية كراهة تشمير الكم بأن يكون لأجل الصلاة، ويكره للمصلي أن يفترش ذراعيه، وأن يصلي في ثياب البذلة التي يلبسها في بيته، وثياب المهنة إن كان له غيرها والكراهة هنا تنزيهية وتكره الصلاة بثياب فيها تصاوير، كما تكره إلى صورة منصوبة أو تمثال فوق رأسه أو بين يديه أو بحذائه يمنة أو يسرة ولو في وسادة منصوبة لا مفروشة، وتكره الصلاة إلى نار موقدة ويكره سدل الثوب على الكتفين بلا لبس معتاد ودون أن يرد أحد الطرفين على الآخر، ويكره اشتمال الصماء وهو أن يجلل جسده بثوب يحيط بيديه وجسمه بحيث لا تخرج منه يده، ويكره لباس يحدد العورة لضيقه ولو خارج الصلاة، ويكره الإتيان بأذكار الصلاة في غير محلها، كأن يكبر للركوع بعد أن يتم ركوعه أو يقول سمع الله لمن حمده بعد تمام القيام، وينبغي لمن يريد التفقه في الصلاة أن يرجع إلى كتب المذاهب الأربعة ليتفقه حق الفقه. ويجب على المصلي قطع صلاته لإغاثة شخص ملهوف أو لإنقاذ حياة إنسان أو لخوف اندلاع نار أو مهاجمة ذئب لغنم، ويجوز قطع الصلاة ولو فرضاً إذا سرق له أو لغيره ما يساوي درهماً أو أكثر أو خافت المرأة على ولدها أو خيف من فوران القدر أو احتراق الطعام ولقتل الحيوان المؤذي ورد الدابة إذا شردت وإذا دافعه البول أو الغائط، أما إذا خافت القابلة على الولد أو على أمه أثناء الولادة فإنها يجب عليها تأخير الصلاة عن وقتها أو قطعها إن كانت فيها، وإذا نادى أحد الأبوين فإن كان نداء استغاثة يفترض عليه قطع الصلاة فرضاً أو نفلاً، أما إذا لم يكن نداء استغاثة فلا يقطع صلاته في الفريضة، أما إذا كان في صلاة نافلة وناداه أحد الأبوين وهو لا يعلم أنه في صلاة يجوز له أن يقطع صلاته. ومن الأفعال الجائزة في الصلاة أن يصلي الإنسان إلى ظاهر قائم أو قاعد ولو كان

يتحدث ما لم يكن منه تشويش للصلاة. ولا بأس عند الحنفية أن يصلي وبين يديه مصحف معلق أو سيف معلق، ولا يكره عندهم السجود على بساط فيه تصاوير لذي روح على ألا يسجد على الصورة، وإذا قتل حية أو عقرباً بعمل قليل فلا تقطع الصلاة ولا يكره أن يقطع صلاته من أجل ذلك. وإذا قام من ركوع أو سجود فلا مانع من نفض ثوبه كي لا يلتصق بجسده فتتشكل العورة، ولا مانع من المراوحة بين الرجلين بأن يعتمد مرة على هذه ومرة على هذه، وتكره إذا كثرت. انظر (حاشية ابن عابدين 1/ 412 و 1/ 429 فما بعدها)، (الشرح الصغير 1/ 337 فما بعدها)، (المهذب 1/ 88)، (المغني 2/ 5)، (الفقه الإسلامي 1/ 771 و 2/ 5 فما بعدها). وإلى نصوص هذا الباب.

- النهي عن الكلام والسلام في الصلاة

- النهي عن الكلام والسلام في الصلاة: 1314 - * روى الشيخان عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: كنا نتكلم في الصلاة، يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه، حتى نزلت (وقوموا لله قانتين) (2) فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام. 1315 - * روى الشيخان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه، فلم يرد علينا، فقلنا: يا رسول الله كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا؟ فقال: "إن في الصلاة لشغلاً". وفي رواية (4) لأبي داود قال: كنا نسلم في الصلاة، ونأمر بحاجتنا فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه فلم يرد علي السلام، فأخذني ما قدم وما حدث، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: "إن الله يحدث من أمره ما يشاء، وإن مما أحدث: أن لا تكلموا في الصلاة، فرد علي السلام". وفي رواية للنسائي (5) قال: كنت آتي النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فأسلم عليه، فيرد علي، فأتيته فسلمت عليه وهو يصلي، فلم يرد علي، فلما سلم أشار إلى القوم: "إن الله تبارك وتعالى أحدث في الصلاة: أن لا تكلموا إلا بذكر الله وما ينبغي لكم، وأن تقوموا لله قانتين".

_ 1314 - البخاري (3/ 72) 21 - كتاب العمل في الصلاة، 2 - باب ما ينهى من الكلام في الصلاة. ورد نفس هذا الحديث. أيضاً في البخاري (8/ 198) 65 - كتاب التفسير، 43 - باب (وقوموا لله قانتين). مسلم (1/ 383) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 7 - باب تحريم الكلام في الصلاة. النسائي (3/ 18) 13 - كتاب السهو، 20 - الكلام في الصلاة. (2) البقرة: 238. 1315 - البخاري (3/ 72) 21 - كتاب العمل في الصلاة، 2 - باب ما ينهى من الكلام في الصلاة. مسلم (1/ 382) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 7 - باب تحريم الكلام في الصلاة. أبو داود (1/ 243) كتاب الصلاة، باب رد السلام في الصلاة. (4) أبو داود (1/ 243) كتاب الصلاة، باب رد السلام في الصلاة. (5) النسائي (3/ 19) 13 - كتاب السهو، 20 - الكلام في الصلاة.

قال (البغوي 3/ 235). قوله: فأخذني ما قرب وما بعد ويروى: "ما قدم وما حدث". تقول العرب هذه اللفظة للرجل إذا أقلقه الشيء وأزعجه وغمه، تقول أيضاً: أخذه المقيم والمقعد، كأنه يهتم لما نأى من أمره ولما دنا، قال الخطابي: معناه: الحزن، والكآبة، يريد: أنه قد عاوده قليم الأحزان، واتصل بحديثها. ما قدم وما حدث: ما كان قديماً وما هو حديث جديد. أقول: قوله عليه الصلاة والسلام إن في الصلاة لشغلاً، اعتبره الحنفية ناسخاً لكثير من التوسعات ومن جملتها كثرة الحركة في الصلاة. يشكل على حديث زيد بن أرقم وهو أنصاري مدني أن حديث ابن مسعود فيه أنه لما رجع من عند النجاشي كان تحريم الكلام وكان رجوعه من الحبشة قبل الهجرة بثلاث سنين، وقبل قدوم الأنصار للبيعة فيكون تحريم الكلام بمكة، وحديث زيد يشير إلى أن تحريم الكلام كان بالمدينة وأجيب عن ذلك بإجابات فيها نظر. ومن الأجوبة أن الكلام نسخ بمكة ثم أبيح ثم نسخت الإباحة بالمدينة، ومنها حمل حديث ابن مسعود على تحريم الكلام لغير مصلحة الصلاة وحديث زيد على تحريم سائر الكلام، ومنها أن زيد بن أرقم أراد بقوله: كنا نتكلم في الصلاة، الحكاية عمن كان يفعل ذلك في مكة وهو بعيد، والله أعلم. 1316 - * روى أبو داود عن صهيب رضي الله عنه قال: "مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فسلمت عليه، فرد إلي إشارة- وقال: لا أعلم إلا أنه قال: إشارة بأصبعه". قال في "عون المعبود": اعلم أنه ورد الإشارة لرد السلام في هذا الحديث بجميع الكف، وفي حديث جابر باليد، وفي حديث ابن عمر عن صهيب بالأصبع، وفي حديث

_ 1316 - أبو داود (1/ 243) كتاب الصلاة، باب رد السلام في الصلاة. الترمذي (2/ 203) أبواب الصلاة، 271 - باب ما جاء في الإشارة في الصلاة. النسائي (3/ 5) 13 - كتاب السهو، 6 - باب رد السلام بالإشارة في الصلاة. وهو حديث حسن.

ابن مسعود عند البيهقي بلفظ: فأومأ برأسه، وفي رواية له: فقال برأسه، يعني الرد، ويجمع بين هذه الروايات بأنه صلى الله عليه وسلم فعل هذا مرة، وهذا مرة، فيكون جميع ذلك جائزاً. أقول: يكره تنزيهاً عند الحنفية رد السلام بالإشارة باليد أو الرأس ويستحب عند الشافعية رد السلام بالإشارة ولا يكره عند المالكية رد السلام بالإشارة ودليل الحنفية حديث عبد الله بن مسعود: إن في الصلاة لشغلاً، ودليل الآخرين ما رأيناه. 1317 - * روى أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مسجد قباء يصلي فيه، فجاءته الأنصار، فسلموا عليه وهو يصلي، قال ابن عمر: فقلت لبلال: كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو يصلي؟ قال: هكذا- وبسط كفه، وجعل بطنه أسفل، وظهره إلى فوق. 1318 - * روى مسلم عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: "بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه، ما شأنكم تنظرون غلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم. فلما رأيتهم يصمتونني، لكني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه، فو الله ما كهرني، ولا ضربني، ولا شتمني، قال: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنام هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن"- أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- قلت: يا رسول الله إني

_ 1317 - أبو داود (1/ 243، 244) كتاب الصلاة، باب رد السلام في الصلاة. الترمذي (2/ 204) أبواب الصلاة، 271 - باب ما جاء في الإشارة في الصلاة. النسائي (3/ 5) 13 - كتاب السهو، 6 - باب رد السلام بالإشارة في الصلاة. هو حديث حسن بشواهده. 1318 - مسلم (1/ 381) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 7 - باب تحريم الكلام في الصلاة. أبو داود (1/ 244) كتاب الصلاة، باب تشميت العاطس في الصلاة. النسائي (3/ 14) 13 - كتاب السهو، 20 - الكلام في الصلاة. وقدم فيه ذكر الكهانة والتطير، وكن بالكلام في الصلاة وثلث بذكر الجارية. (كهرني) الكهر: الزبر والنهر، كهره يكهر [هـ]: إذا زبره ونهره. (الكهان) جمع كاهن، وهو الذي كان في الجاهلية يرجعون إليه ويسألونه عن المغيبات ليخبرهم بها في زعمهم،

حديث عهد بجاهلية، وقد جاء الله بالإسلام، وإن منا رجالاً يأتون الكهان؟ قال: "فلا تأتهم". قال: ومنا رجال يتطيرون؟ قال: "ذاك شيء يجدونه في صدورهم، فلا يصدنهم"- قال ابن الصباح: "فلا يصدنكم"- قال: قلت: ومنا رجال يخطون؟ قال: "كان نبي من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه: فذاك"، قال: وكانت لي جارية ترعى غنماً لي قبل أحد والجوانية، فاطلعت ذات يوم، فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم، آسف كما يأسفون، لكني صككتها صكة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم ذلك علي، قلت: يا رسول الله، أفلا أعتقها؟ قال: "ائتني بها، فقال لها: أين الله؟ " قالت: في السماء، قال: "من أنا؟ " قالت: أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "أعتقها فإنها مؤمنة". قال (النووي 5/ 23): اختلف العلماء في معناه فالصحيح أن معناه من وافق خطه فهو مباح له ولكن لا طريق لنا إلى العلم اليقيني بالموافقة فلا يباح والمقصود أنه حرام لأنه لا يباح إلا بيقين الموافقة وليس لنا يقين بها وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم فمن وافق خطه فذاك ولم يقل هو حرام بغير تعليق على الموافقة لئلا يتوهم متوهم أن هذا النهي يدخل فيه ذاك النبي الذي كان يخط فحافظ النبي صلى الله عليه وسلم على حرمة ذاك النبي مع بيان الحكم في حقنا فالمعنى أن ذلك النبي لا منع

_ وحقيقته: أن يكون له رئي من الجن يلقي إليه ما يستمعه ويسترقه من أخبار السماء، فما يكون قد استمعه وألقاه على جهته كان صحيحاً، وما يكذب فيه مما لا يكون قد سمعه فهو الأكثر، وقد جاء هذا مصرحاً به في الحديث الصحيح. (يتطيرون) التطير: التشاؤم بالشيء، وأصله: أن العرب كانوا إذا خرجوا في سفر، أو عزموا على عمل: زجروا الطائر تفاؤلاً به، فما غلب على ظنهم وقوي في أنفسهم فعلوه: من قول أو عمل، أو ترك ونهى الشرع عنه، تسليماً لقضاء الله وقدره، وجعل لهم بدل ذلك الاستخارة في الأمر، وما أحسن هذا البدل. (يخطون) الخط: الذي يفعله المنجم في الرمل بأصبعه ويحكم عليه ويستخرج به الضمير وهو محرم وكان معجزة لأحد الأنبياء فلا يقاس عليه لأنه لا يوافق خط أحد خط ذلك النبي. (آسف) أسف الرجل يأسف أسفاً: إذا غضب، والأسف: الغضب. (صككتها) الصك: الضرب واللطم.

في حقه وكذا لو علمتم موافقته ولكن لا علم لكم بها وقال الخطابي هذا الحديث يحتمل النهي عن هذا الخط إذ كان علماً لنبوة ذاك النبي صلى الله عليه وسلم وقد انقطعت فنهينا عن تعاطي ذلك. أ. هـ. أقول: كانت معرفة الغيب من خلال الخط في حق النبي صلى الله عليه وسلم المشار إليه معجزة لذلك النبي وهو المفهوم من كلام الخطابي فلذلك لا يقاس عليه وما يفعله بعض الناس في هذا الشأن خرص وظنون والإيمان بها باطل بل ادعاؤه واستحلاله كفر. أقول: قال الشافعية: يجوز لمن عطس أن يحمد الله ويسمع نفسه وليس لأحد أن يشمته وإذا شمته إنسان مخطئاً فرد برأس أو يد فإنه مكروه عند المالكية، وقال الحنفية: من شمت عاطساً بلسانه بطلت صلاته وإنما لم يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب القصة بإعادة الصلاة لأنه كان حديث عهد بالإسلام. وقوله لكني سكت: قال المنذري: يريد لم أتكلم لكني سكت وورود (لكن) هنا مشكل لأنه لابد أن يتقدمها كلام مناقض لما بعدها ويحتمل أن يكون التقدير فلما رأيتهم يسكتوني لم أكلمهم لكني سكت. (نيل 2/ 364). قال النووي في (شرح مسلم 5/ 21): فيه تحريم الكلام في الصلاة سواء كان لحاجة أو غيرها وسواء كان لمصلحة الصلاة أو غيرها فإن احتاج إلى تنبيه أو إذن لداخل ونحوه سبح إن كان رجلاً وصفقت إن كانت امرأة هذا مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة رضي الله عنهم الجمهور من السلف والخلف وقال طائفة منهم الأوزاعي يجوز الكلام لمصلحة الصلاة لحديث ذي اليدين. هذا في كلام العامد العالم أما الناسي فلا تبطل صلاته بالكلام القليل عندنا وبه قال مالك وأحمد والجمهور وقال أبو حنيفة رضي الله عنه والكوفيون تبطل، دليلنا حديث ذي اليدين فإن كثر كلام الناسي ففيه وجهان مشهوران لأصحابنا أصحهما تبطل صلاته لأنه نادر وأما كلام الجاهل إذا كان قريب عهد بالإسلام فهو ككلام الناسي فلا تبطل الصلاة بقليله لحديث معاوية بن الحكم هذا الذي نحن فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بإعادة الصلاة

لكن علمه تحريم الكلام فيما يستقبل. وأما قوله صلى الله عليه وسلم إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن فمعناه هذا ونحوه فإن التشهد والدعاء والتسليم من الصلاة وغير ذلك من الأذكار مشروع فيها .. وفيه دليل على أن من حلف أن لا يتكلم فسبح أو كبر أو قرأ القرآن لا يحنث ... وفي هذا الحديث النهي عن تشميت العاطس في الصلاة وأنه من كلام الناس الذي يحرم في الصلاة وتفسد به إذا أتى به عالماً عامداً قال أصحابنا إن قال يرحمك الله بكاف الخطاب بطلت صلاته وإن قال يرحمه الله أو اللهم ارحمه أو رحم الله فلاناً لم تبطل صلاته لأنه ليس بخطاب وأما العاطس في الصلاة فيستحب له أن يحمد الله تعالى سراً. وقال النووي في (شرح مسلم 5/ 24). قوله صلى الله عليه وسلم "أين الله" قالت في السماء "قال من أنا" قالت أنت: رسول الله قال: "أعتقها فإنها مؤمنة" هذا الحديث من أحاديث الصفات وفيها مذهبان تقدم ذكرهما مرات في كتاب الإيمان أحدهما: الإيمان به من غير خوض في معناه مع اعتقاد أن الله تعالى ليس كمثله شيء وتنزيهه عن سمات المخلوقات والثاني: تأويله بما يليق به فمن قال بهذا قال: كان المراد امتحانها هل هي موحدة تقر بأن الخالق المدبر الفعال هو الله وحده وهو الذي إذا دعاه الداعي استقبل السماء كما إذا صلى المصلي استقبل الكعبة وليس ذلك لأنه منحصر في السماء كما أنه ليس منحصراً في جهة الكعبة بل ذلك لأن السماء قبلة الداعين كما أن الكعبة قبلة المصلين أو هي من عبدة الأوثان العابدين للأوثان التي بين أيديهم فلما قالت في السماء علم أنها موحدة وليست عابدة للأوثان قال القاضي عياض: لا خلاف بين المسلمين قاطبة فقيههم ومحدثهم ومتكلمهم ونظارهم ومقلدهم أن الظواهر الواردة بذكر الله تعالى في السماء كقوله تعالى (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض) ونحوه ليست على ظاهرها بل متأولة عند جميعهم فمن قال بإثبات جهة فوق من غير تحديد ولا تكييف من المحدثين والفقهاء والمتكلمين تأول في السماء أي على السماء والذي أجمع عليه أهل السنة وجوب الإمساك عن الفكر في الذات كما أمروا وسكتوا لحيرة العقل واتفقوا على ترك التكييف والتشكيل. ا. هـ. أقول: سقنا هذا النقل مع حرصنا على عدم الخوض في الصفات للإشعار بأن كثيراً من

أهل السنة والجماعة أصحاب الرسوخ في العلم والذين تثق بهم الأمة خاضوا في التأويل فليس كل مؤول ضالاً ولا كافراً بل يجب الاحتياط إذا تحدث عن تأويل هؤلاء *. 1319 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العطاس من الله والتثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فلا يقل: هاه، فإن الشيطان يضحك في جوفه". 1320 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "التثاؤب في الصلاة من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع". يكره لمن تثاءب خارج الصلاة أن يخرج صوتاً ويسن له أن يستر فمه أما إذا أخرج صوتاً داخل الصلاة يتألف من حرفين فإن صلاته تبطل أما إذا تثاءب بلا صوت فلا تبطل صلاته وعليه أن يكظم ما استطاع فإن لم يكظم فقد وقع في كراهته التنزيهية، وإذا تعمد التثاؤب في الصلاة فذلك مكروه تحريماً. 1321 - * روى البخاري عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: عطس شاب من الأنصار خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، فقال: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً حتى يرضى ربنا، وبعد ما يرضى من أمر الدنيا والآخرة، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ * من أصول أهل السنة والجماعة، عدم التأويل وإمرار الصفات كما جاءت مع إثبات المعنى المراد الصحيح لها، وليس التفويض وانظر شرح العقيدة الطحاوية، ومعارج القبول والفتوى الحموية لابن تيمية، والإبانة للأشعري (الناشر). 1319 - الترمذ (5/ 86) 44 - كتاب الأدب، 7 - باب ما جاء إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب. ابن خزيمة (2/ 61) جماع أبواب الكلام المباح في الصلاة، 359 - باب الزجر عن قول المتثائب في الصلاة هاه. الحاكم (4/ 263) كتاب الأدب وصححه. 1320 - مسلم (4/ 2293) 53 - كتاب الزهد والرقائق، 9 - باب تشميت العاطس، وكراهة التثاؤب. ابن خزيمة (2/ 61) جماع أبواب الكلام المباح في الصلاة، 348 - باب كراهة التثاؤب في الصلاة. 1321 - البخاري "مختصراً" (2/ 284) 10 - كتاب الأذان، 125 - باب فضل اللهم ربنا لك الحمد. وأورده ابن حجر العسقلاني في فتح الباري (10/ 600) 78 - كتاب الأدب، 123 - باب الحمد للعاطس. أبو داود (1/ 205) كتاب الصلاة، باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء. الترمذي (2/ 254) أبواب الصلاة، 296 - باب ما جاء في الرجل يعطس في الصلاة. قال الترمذي: وكأن هذا الحديث عند بعض أهل العلم أنه في التطوع، لأن غير واحد من التابعين قالوا: إذا عطس الرجل في الصلاة المكتوبة إنما يحمد الله في نفسه، ولم يوسعوا في أكثر من ذلك.

قال: "من القائل الكلمة؟ " قال: فسكت الشاب، ثم قال: "من القائل الكلمة؟ فإنه لم يقل بأساً" فقال: يا رسول الله أنا قلتها، ولم أرد بها إلا خيراً، قال: "ما تناهت دون عرش الرحمن عز وجل". أقول: وأجاز الشافعية لمن عطس أن يحمد الله في نفسه. قال في (النيل 2/ 371): استدل به على جواز إحداث ذكر في الصلاة غير مأثور إذا كان غير مخالف للمأثور. 1322 - * روى أحمد عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا غرار في صلاة ولا تسليم". وفي رواية (2) قال: أراه رفعه، قال: "لا غرار في تسليم ولا صلاة" قال أبو داود: وقد روي غير مرفوع، قال أبو داود: قال أحمد: يعني- فيما أرى- أن لا تسلم ولا يسلم عليك، ويغرر الرجل بصلاته، فينصرف وهو فيها شاك. أقول: إذا سلم الإنسان على إنسان بلسانه أثناء الصلاة أو رد السلام أثناء الصلاة بلسانه فإن الصلاة تبطل بذلك. 1323 - * روى أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة وقمنا معه فقال أعرابي وهو في الصلاة اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً فلما سلم النبي

_ 1322 - أحمد (2/ 461). أبو داود (1/ 244) كتاب الصلاة، باب رد السلام في الصلاة. الحاكم (1/ 264) كتاب الصلاة. (2) أبو داود (1/ 244) كتاب الصلاة، باب رد السلام في الصلاة. هو حديث حسن. (لا غرار في صلاة ولا تسليم) قد جاء في عقب هذا الحديث ذكر معنى ذلك عن مالك، ونحن نزيده ها هنا بياناً، فنقول: الغرار: النقصان، من غارت الناقة: إذا نقص لبنها، وهو في الصلاة، أن لا يتم أركانها كاملة، وقيل: الغرار: النوم: أي ليس في الصلاة نوم. وأما التسليم ففيه وجهان. فمن رواه بالجر جعله معطوفاً على قوله: "في صلاة" فيكون المعنى: لا نقص في صلاة ولا في تسليم، وهو أن يقول إذا سلم: السلام عليك، وإذا رد يقول: وعليك. والوجه الثاني: أن يروى منصوباً، فيكون معطوفاً على قوله: "لا غرار" فيكون المعنى: لا نقص في صلاة ولا تسليم فيها، أو: لا نوم في صلاة ولا تسليم فيها، لأن الكلام لغير كلام الصلاة لا يجوز فيها. وعلى الوجه الأول: لا يكون لتأويل الغرار بالنوم مدخل. ابن الأثير. 1323 - أحمد (2/ 239). البخاري (10/ 438) 78 - كتاب الأدب، 27 - باب رحمة الناس والبهائم.

صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي "لقد تحجرت واسعاً يريد رحمة الله". استدل بهذا الحديث على أنها لا تبطل صلاة من دعا بما لا يجوز جاهلاً لعدم أمر هذا الداعي بالإعادة.

- البكاء من خشية الله.

- البكاء من خشية الله. قال الله تعالى: (إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً) (1). 1324 - * روى أحمد عن عبد الله بن الشخير قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء. قال في (النيل 2/ 369): فيه دليل أن البكاء لا يبطل الصلاة سواء ظهر منه حرفان أم لا وقد قيل إن كان البكاء من خشية الله لم يبطل وهذا الحديث يدل عليه. 1325 - * روى البخاري عن ابن عمر قال: لما اشتد برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجعه قيل له الصلاة قال: "مروا أبا بكر فليصل بالناس" فقالت عائشة إن أبا بكر رجل رقيق إذا قرأ غلبه البكاء فقال: "مروه فليصل فعاودته فقال مروه فليصل إنكن صواحب يوسف". وقد استدل به على جواز البكاء في الصلاة. ووجه الاستدلال أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما صمم على استخلاف أبي بكر بعد أن أخبر أنه إذا قرأ غلبه البكاء دل ذلك على الجواز. فامرأة العزيز أظهرت الإكرام للنساء في دعوتها إياهن ومرادها أن يعذرنها في محبة يوسف. وعائشة أظهرت أن سبب إراداتها صرف الإمامة عن أبيها كونه لا يسمع المأمومين لبكائه

_ (1) سورة مريم: 58. 1324 - أحمد (4/ 25). أبو داود (1/ 238) كتاب الصلاة، باب البكاء في الصلاة. النسائي (3/ 13) 13 - كتاب السهو، 18 - باب البكاء في الصلاة. ابن خزيمة (2/ 53) جماع أبواب الأفعال المباحة في الصلاة، 333 - باب الدليل على أن البكاء في الصلاة لا يقطع الصلاة مع إباحة البكاء في الصلاة. ابن حبان (2/ 66) ذكر الخبر الدال على صحة ما تأولنا خبري أبي هريرة. 1325 - البخاري (2/ 164) 10 - كتاب الأذان، 46 - باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة. ومعنى صواحب يوسف: أنهن مثل صواحب يوسف في إظهار خلاف ما في الباطن.

ومرادها أن لا يتشاءم الناس به. ا. هـ نيل بتصرف (2/ 369). قال البغوي (3/ 246): ولو نفخ في صلاته، فظهر حرفان، أو قال: أف فسدت صلاته، وإن لم يظهر حرفان، فلا تفسد، هذا قول الأكثرين، وسئل سفيان الثوري عن الرجل يقول في الصلاة: آه؟ قال: يعيد، ومثله عن الشعبي، واتفقوا على الكراهة. وذهب قوم إلى أنه لو نفخ لا تبطل صلاته، وبه قال أحمد وإسحاق. وقال أبو يوسف: إذا قال: أف لا تبطل، ولو ضحك فظهر حرفان بطلت صلاته، قال جابر: إذا ضحك في الصلاة، أعاد الصلاة ولم يعد الوضوء، وهو قول عامة أهل العلم وذهب أصحاب الرأي إلى أن القهقهة في الصلاة تبطل الوضوء والصلاة جميعاً ا. هـ وانظر بسط القول فيه في (نصب الراية) 1/ 47، 53 وسيرد معنا حكم القهقة بعد قليل.

- العمل القليل لا يبطل الصلاة

- العمل القليل لا يبطل الصلاة: 1326 - * روى مسلم عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فسمعناه يقول: "أعوذ بالله منك" ثم قال: "ألعنك بلعنة الله" ثلاثاً- وبسط يده، كأنه يتناول شيئاً، فلما فرغ من الصلاة قلنا: يا رسول الله، قد سمعناك تقول في الصلاة شيئاً لم نسمعك تقوله قبل ذلك، ورأيناك بسطت يدك؟ قال: "إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهين فقلت: أعوذ بالله منك- ثلاث مرات- ثم قلت: ألعنك بلعنة الله التامة، فلم يستأخر- ثلاث مرات- ثم أردت أخذه، والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقاً يلعب به ولدان أهل المدينة". 1327 - * روى الطبراني عن عقبة بن عامر يقول: صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فأطال القيام، ثم رأيته هوى بيده ليتناول شيئاً، فلما سلم، قال: "ما من شيء وعدتموه إلا قد عرض علي في مقامي هذا. حتى لقد عرضت علي النار وأقبل إلي منها شرر حتى حاذاني مكاني هذا، فخشيت أن يغشاكم". أقول: هذا النص وأمثاله مما ذكر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى الجنة وقد أدنيت منه مما لم يره غيره مع أن الجنة فوق السماء السابعة من جملة الأدلة التي جعلتني أقول إن السموات السبع والكرسي والعرش من عالم الغيب فهي موجودة ولكنها مغيبة عن الإنسان. 1328 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن عفريتاً من الجن تفلت علي البارحة ليقطع علي صلاتي، فأمكنني الله منه،

_ 1326 - مسلم (1/ 385) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جواز لعن الشيطان في أثناء الصلاة، والتعوذ منه، وجواز العمل القليل في الصلاة. النسائي (3/ 13) 13 - كتاب السهو، 19 - باب لعن إبليس والتعوذ بالله منه في الصلاة. (دعوة) أراد بدعوة سليمان عليه السلام قوله: (هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي) [ص: 35] ومن جملة ملكه: تسخير الجن له وانقيادهم. 1327 - الطبراني "المعجم الكبير" (17/ 315، 316). مجمع الزوائد (2/ 88) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. ابن خزيمة (2/ 50) 83 - باب الرخصة في تناول المصلي الشيء عند الحادثة تحدث. 1328 - البخاري (1/ 554) 8 - كتاب الصلاة، 75 - باب الأسير أو الغريم يربط في المسجد.

فذعته، فأردت أن أربطه بسارية من سواري المسجد، حتى تصبحوا وتنظروا إليه كلكم، فذكرت قول أخي سليمان: (رب هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي) (1) فرده الله خاسئاً". وفي رواية (2) "فأخذته بدل فذعته". 1329 - * روى ابن خزيمة عن أنس بن مالك، قال: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، قال: فبينما هو في الصلاة مد يده ثم أخرها، فلما فرغ من الصلاة، قلنا: يا رسول الله صنعت في صلاتك هذه ما لم تصنع في صلاة قبلها. قال: "إني رأيت الجنة قد عرضت علي ورأيت فيها ... قطوفها دانية حبها كالدباء، فأردت أن أتناول منها، فأوحي إليها أن استأخري، فاستأخرت. ثم عرضت علي النار، بيني وبينكم حتى رأيت ظلي وظلكم فأومأت إليكم أن استأخروا، فأوحي إلي أن أقرهم فإنك أسلمت وأسلموا، وهاجرت وهاجروا، وجاهدت وجاهدوا، فلم أر لي عليكم فضلاً إلا بالنبوة". 1330 - * روى الشيخان عن سهل بن سعد قال: كان قتال بين بني عمرو بن عوف فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر، ثم أتاهم ليصلح بينهم، ثم قال لبلال: "يا بلال إذا

_ مسلم (1/ 384) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 8 - باب جواز لعن الشيطان في أثناء الصلاة. (1) ص: 35. (2) البخاري (6/ 457) 60 - كتاب أحاديث الأنبياء، 40 - باب قول الله تعالى [30 ص] (ووهبنا لداود سليمان، نعم العبد إنه أواب). (ذعته) الذعت: أشد الحنق العمل القليل لقتل مؤذ كعقرب أو حية لا يفسد الصلاة وهذه الرواية وما قبلها تدل على ذلك. 1329 - ابن خزيمة (2/ 51) 330 - باب الرخصة في تناول المصلي الشيء عند الحادثة تحدث، إسناده صحيح. (أن أقرهم): لم أجد من ضبط النص، وهو يحتمل (أن أقرهم) أي دعهم في مكانهم، ويحتمل أن يكون (أن أقرهم) من القرا أي أكرمهم. 1330 - البخاري (13/ 182) 93 - كتاب الأحكام، 36 - باب الإمام يأتي قوماً فيصلح بينهم. مسلم (1/ 316) 4 - كتاب الصلاة، 22 - باب تقديم الجماعة من يصلي بهم إذا تأخر الإمام ولم يخافوا مفسدة بالتقديم. ابن خزيمة (2/ 32) جماع أبواب الكلام المباح في الصلاة، 32 - باب إباحة التحميد والثناء عند المناسبة في الصلاة.

حضرت صلاة العصر ولم آت فمر أبا بكر فليصل بالناس". فلما حضرت العصر أذن بلال، ثم أقام، ثم قال لأبي بكر: تقدم فتقدم أبو بكر فدخل في الصلاة، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يشق الناس حتى قام خلف أبي بكر، قال، وصفح القوم، وكان أبو بكر إذا دخل في الصلاة لا يلتفت. فلما رأى أبو بكر التصفيح لا يمسك عنه، التفت، فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أي امضه، فلما قال: لبث أبو بكر هنيهة يحمد لله على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "امضه"، ثم مشى أبو بكر القهقرى على عقبيه فتأخر، فلما رأى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم تقدم فصلى بالناس. فلما قضى صلاته، قال: "يا أبا بكر: ما منعك إذ أومأت إليك ألا تكون مضيت"؟ قال: لم يكن لابن أبي قحافة أن يؤم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال النبي صلى الله عليه وسلم للناس: "إذا نابكم في صلاتكم شيء فليسبح الرجال وليصفح النساء". وقال ابن أبي حازم في حديثه: فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا، يأمره أن يصلي، فرفع أبو بكر يده، فحمد الله ثم رجع القهقرى وراءه. وقال عبد الأعلى في حديثه: فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أي كما أنت، فرفع أبو بكر يديه فحمد الله وأثنى عليه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم رجع القهقرى. هذا دليل أن الخطو المتقطع القليل لا يفسد الصلاة ما دام صاحبه متجهاً نحو القبلة وأن الحركة القليلة لا تفسد الصلاة وأن للإمام أن يستخلف غيره وهو في الصلاة في حالات خاصة وهو موضوع سيأتي. 1331 - * روى البخاري عن أنس بن مالك الأنصاري إن المسلمين بينما هم في صلاة الفجر من يوم الاثنين وأبو بكر يصلي بهم لم يفجأهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كشف ستر حجرة عائشة، فنظر إليهم وهم صفوف في الصلاة، ثم تبسم فضحك. فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف وظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يخرج إلى الصلاة، فأشار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ 1331 - البخاري (3/ 77) 21 - كتاب العمل في الصلاة، 6 - باب من رجع القهقرى في صلاته أو تقدم بأمر ينزل به. ابن خزيمة (3/ 75) جماع أبواب العذر الذي يجوز فيه ترك إتيان الجماعة، 144 - باب الرخصة للمريض في ترك إتيان الجماعة.

بيده: أن أتموا صلاتكم. 1332 - * روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: جئت يوماً من خارج ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في البيت والباب عليه مغلق، فاستفتحت فتقدم وفتح لي، ثم رجع القهقرى إلى مصلاه، فأتم صلاته. وقال الترمذي: ووصفت: أن الباب كان في القبلة. وفي رواية النسائي (2) قالت: استفتحت الباب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي تطوعاً، والباب على القبلة، فمشى عن يمينه- أو عن يساره- ففتح الباب، ثم رجع إلى مصلاه. أقول: المشي في الصلاة يحتاج إلى فقه، فقد ذكر الفقهاء أن من اضطر للمشي يخطو وهو متوجه نحو القبلة ويقف وقفة قليلة عند كل خطوة مقدار سبحان ربي العظيم ثم ينتقل إلى خطوة أخرى وهكذا فإن صلاته لا تبطل وإن كثرت الخطا ذهاباً وإياباً ما لم يختلف المكان بأن خرج من المسجد مثلاً كما أن الحركة لفتح باب أو غيره تحتاج إلى فقه فتكون بأقل ما يمكن من العمل الذي لا يعتبر كثيراً عرفاً في الصلاة. قال في النيل: الحديث يدل على إباحة المشي في صلاة التطوع للحاجة. 1333 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اقتلوا الأسودين في الصلاة: الحية والعقرب". أقول: قال الفقهاء لا تبطل الصلاة بقتل الحية والعقرب إذا تم ذلك بعمل قليل عرفاً أما إذا كثر فإنه يقطع الصلاة ويستأنفها من الابتداء، قال الفقهاء: لا يكره عند بعض

_ 1332 - أبو داود (1/ 242) كتاب الصلاة، باب العمل في الصلاة. الترمذي (2/ 497) أبواب الصلاة، 421 - باب ذكر ما يجوز من المشي والعمل في صلاة التطوع. (2) النسائي (3/ 11) 13 - كتاب السهو، 14 - باب المشي أمام القبلة خطى يسيرة وهو حديث حسن. (القهقرى): الرجوع إلى وراء، وهو أن يمشي الإنسان إلى ما يخالف جهة وجهه، ولا يرد وجه. 1333 - أبو داود (1/ 242) كتاب الصلاة، 168 - باب العمل في الصلاة. الترمذي (2/ 234) أبواب الصلاة، 287 - باب ما جاء في قتل الحية والعقرب في الصلاة. وقال الترمذي حسن صحيح. النسائي (3/ 10) 13 - كتاب السهو، 12 - باب قتل الحية والعقرب في الصلاة. ابن خزيمة (2/ 41) جماع أبواب الأفعال المباحة في الصلاة، 313 - باب الأمر بقتل الحية والعقرب في الصلاة. الحاكم (1/ 64) كتاب الصلاة.

العلماء قتل حية وعقرب ونحوهما من كل حيوان مؤذ ولو بضربتين ولم يقتض عملاً كثيراً ولو أدى إلى انحراف عن القبلة. 1334 - * روى البخاري عن الأزرق بن قيس قال: كنا بالأهواز نقاتل الحرورية، فبينا أنا على جرف نهر، إذ جاء رجل، فقام يصلي، وإذا لجام دابته بيده، فجعلت الدابة تنازعه، وجعل يتبعها- قال شعبة: هو أبو برزة الأسلمي- فجعل الرجل من الخوارج يقول: اللهم افعل بهذا الشيخ، فلما انصرف الشيخ قال: إني سمعت قولكم، وإني غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست عزوات/ أو سبع غزوات، أو ثمان- وشهدت تيسيره، وإني إن كنت أرجع مع دابتي أحب إلي من أن أدعها ترجع إلي مألفها فيشق علي. وفي أخرى (2) قال: كنا على شاطئ النهر بالأهواز، وقد نضب عنه الماء، فجاء أبو برزة على فرس، فصلى، وخلى فرسه، فانطلقت الفرس، فترك صلاته وتبعها، حتى أدركها فأخذها، ثم جاء فقضى صلاته، وفينا رجل له رأي، فأقبل يقول: انظروا إلى هذا الشيخ؟ ترك صلاته من أجل فرس، فأقبل فقال: ما عنفني أحد منذ فارقت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وقال: إن منزلي متراخ فلو صليت وتركته لم آت أهلي إلى الليل. وذكر أنه قد صحب النبي صلى الله عليه وسلم، فرأى من تيسيره. أقول: مما أجازه الفقهاء قطع الصلاة من أجل رد الدابة إذا شردت، وفعل أبي برزة دليل على ذلك.

_ 1334 - البخاري (3/ 81) 21 - كتاب العمل في الصلاة، 11 - باب إذا انفلتت الدابة في الصلاة. (2) البخاري (10/ 525) 78 - كتاب الأدب، 79 - باب ما لا يستحيا من الحق، للتفقه في الدين. (نضب) الماء: إذا غار. (رجل له رأي) يقال: فلان من أصحاب الرأي، وفلان له رأي إذا كان من أصحاب القياس، والمحدثون يسمون أصحاب القياس: أصحاب الرأي، يعنون: أنهم يأخذون بآرائهم فيما يشكل من الحديث، أو ما لم يأت فيه حديث، وكذلك يقال: فلان من أهل الرأي: أي أنه يرى رأي الخوارج، أو رأي أهل بدعة وهو المراد هنا. (تيسيره) التيسير: التسهيل والتخفيف.

- عمل القلب لا يبطل الصلاة وإن طال: 1335 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع الأذان فإذا قضي الأذان أقبل فإذا ثوب بها أدبر فإذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول اذكر كذا اذكر كذا لما لم يكن يذكر حتى يضل الرجل إن يدري كم صلى فإذا لم يدر أحدكم ثلاثاً صلى أو أربعاً فليسجد سجدتين وهو جالس" وقال البخاري قال عمر: "إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة". يدل على أن الوسوسة في الصلاة غير مبطلة لها وكذا سائر الأعمال القلبية لعدم الفارق ومعنى قول عمر: أنه يدبر تجهيزه ويفكر فيه.

_ 1335 - البخاري (3/ 103) 22 - كتاب السهو، 6 - باب إذا لم يدركم صلى- ثلاثاً أو أربعاً- سجد سجدتين وهو جالس. مسلم (1/ 291، 292) 4 - كتاب الصلاة، 8 - باب فضل الأذان وهرب الشيطان عند سماعه.

- حمل الأطفال في الصلاة

- حمل الأطفال في الصلاة: 1336 - * روى ابن خزيمة عن عبد الله، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا منعوهما أشار إليهم أن دعوهما، فلما قضى الصلاة وضعهما في حجره، فقال: "من أحبني فليحب هذين". 1337 - * روى الشيخان عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم- لأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس- فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها. وفي رواية (3): "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤم الناس وأمامة بنت أبي العاص على عاتقه، فإذا ركع وضعها، وإذا رفع من السجود أعادها". وفي أخرى (4) لأبي داود: قال: "بينا نحن جلوس في المسجد، إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع، وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي صبية، فحملها على عاتقه، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي على عاتقه، يضعها إذا ركع، ويعيدها إذا قام، حتى قضى صلاته، يفعل ذلك بها". وفي أخرى (5) له قال: "بينا نحن ننظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر أو العصر، وقد دعاه بلال إلى الصلاة، إذ خرج إلينا وأمامة بنت أبي العاص بنت بنته على عنقه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في مصلاه، وقمنا خلفه، وهي في مكانها الذي هي فيه، قال: فكبر فكبرنا، حتى إذا أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يركع أخذها فوضعها، ثم ركع وسجد، حتى إذا فرغ من سجوده وقام، أخذها فردها في مكانها، فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع بها ذلك في كل ركعة حتى فرغ من صلاته. أقول: ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الروايات، هو الفاصل بين العمل الكثير

_ 1336 - ابن خزيمة (2/ 48) جماع أبواب الأفعال المباحة في الصلاة، 327 - باب ذكر الدليل على أن الإشارة في الصلاة بما يفهم عن المشير لا يقطع الصلاة ولا يفسدها، وإسناده حسن. 1337 - البخاري (1/ 950) 8 - كتاب الصلاة، 106 - باب إذا حمل جارية صغيرة على عنقه في الصلاة. مسلم (2/ 385) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 9 - باب جواز حمل الصبيان في الصلاة. (3) مسلم (1/ 385، 386) نفس الموضع السابق. (4) أبو داود (1/ 241) كتاب الصلاة، 168 - باب العمل في الصلاة. (5) أبو داود نفس الموضع السابق ص 242.

والقليل عند الحنابلة، فما كان في هذا الحد فهو قليل لا تبطل به الصلاة، واعتبر كثير من العلماء أن هذا الحديث منسوخ بمثل قوله عليه الصلاة والسلام: "إن في الصلاة لشغلاً" وبالتالي فحد العمل الكثير عندهم الذي تبطل به الصلاة يختلف عن حده عند الحنابلة، وقد مر معنا، وبعض الناس أصبحوا في عصرنا يعتبرون الاستثناء أصلاً، فهذه الحادثة وما أشبهها كانت نادرة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى فرض النسخ، فالأصل أن لا يفعل مثلها المسلم إلا لحاجة أو ضرورة، أما أن تصبح الحركات في الصلاة وكأنها الأصل فذلك بعيد عن السنة.

- من نابه شيء في صلاته فإنه يسبح والمرأة تصفق

- من نابه شيء في صلاته فإنه يسبح والمرأة تصفق: 1338 - * روى الشيخان عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "من نابه شيء في صلاته فليسبح فإنما التصفيق للنساء". 1339 - * روى الجماعة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "التسبيح للرجال والتصفيق للنساء في الصلاة". قال في (النيل 2/ 372): وأحاديث الباب تدل على جواز التسبيح للرجال والتصفيق للنساء إذا ناب أمر من الأمور وهي ترد على ما ذهب إليه مالك في المشهور عنه من أن المشروع في حق الجميع التسبيح دون التصفيق وقد اختلف في حكم التسبيح والتصفيح هل الوجوب أو الندب أو الإباحة فذهب جماعة من الشافعية إلى أنه سنة، منهم الخطابي وتقي الدين السبكي والرافعي وحكاه عن أصحاب الشافعي.

_ 1338 - البخاري (3/ 89، 90) 21 - كتاب العمل في الصلاة، 18 - باب يفكر الرجل للشيء في الصلاة. مسلم (1/ 318) 4 - كتاب الصلاة 23 - باب تسبيح الرجل وتصفيق المرأة إذا نابهما شيء في الصلاة. 1339 - البخاري (3/ 77) 21 - كتاب العمل في الصلاة، 5 - باب التصفيق للنساء. مسلم (نفس الموضع السابق). أبو داود (1/ 248) كتاب الصلاة، 173 - باب الإشارة في الصلاة. الترمذي (2/ 205) أبوبا الصلاة، 272 - باب ما جاء أن التسبيح للرجال والتصفيق للنساء. والنسائي (3/ 11، 12) 13 - كتاب السهو، 16 - باب التسبيح في الصلاة. ابن ماجه (1/ 329) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 65 - باب التسبيح للرجال في الصلاة والتصفيق للنساء. ولم يذكر فيه البخاري وأبو داود والترمذي في الصلاة.

- كراهة رفع البصر إلى السماء في الصلاة

- كراهة رفع البصر إلى السماء في الصلاة: 1340 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم"، فاشتد قوله في ذلك، حتى قال: "لينتهن عن ذلك، أو لتخطفن أبصارهم". قال ابن بطال: أجمعوا على كراهة رفع البصر في الصلاة، واختلفوا في خارج الصلاة في الدعاء، فكرهه شريح وطائفة، وأجازه الأكثرون، لأن السماء قبلة الدعاء، كما أن الكعبة قبلة الصلاة. - النهي عن القراءة في الركوع والسجود: 1341 - * روى مسلم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ القرآن وأنا راكع أو ساجد، ولا أقول: نهاكم". أقول: ما ظنه الإمام علي خاصاً به هو عام في حق كل مسلم، فقراءة القرآن في الركوع والسجود مكروهة لأنها في غير محلها، والكراهة عند الحنفية تحريمية.

_ 1340 - البخاري (2/ 233) 10 - كتاب الأذان، 92 - باب رفع البصر إلى السماء في الصلاة. مسلم (1/ 321) 4 - كتاب الصلاة، 26 - باب النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة. 1341 - مسلم (1/ 321) 4 - كتاب الصلاة، 41 - باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود. أبو داود (4/ 47) كتاب اللباس، 9 - باب من كرهه. النسائي (8/ 191) 48 - كتاب الزينة، 77 - باب النهي عن لبس خاتم الذهب. وقد ورد أيضاً في موضع أخر في النسائي (2/ 217) 12 - كتاب التطبيق، 61 - باب النهي عن القراءة في السجود.

- النهي عن نقر الصلاة

- النهي عن نقر الصلاة: 1342 - * روى الطبراني عن أبي عبد الله الأشعري قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه ثم جلس في طائفة منهم فدخل رجل فقام يصلي، فجعل يركع وينقر في سجوده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أترون هذا، من مات على هذا، مات على غير ملة محمد، ينقر صلاته كما ينقر الغراب الدم، إنما مثل الذي يركع وينقر في سجوده كالجائع لا يأكل إلا التمرة والتمرتين فماذا تغنيان عنه، فأسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار، أتموا الركوع والسجود". قال أبو صالح، فقلت لأبي عبد الله الأشعري: من حدثك بهذا الحديث؟ فقال: أمراء الأجناد عمرو بن العاص وخالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل بن حسنة كل هؤلاء سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم. أقول: مر معنا أن الطمأنينة في السجود والركوع وبعض أفعال الصلاة فريضة عند الجمهور وواجب عند الحنفية، فتركها عند الحنفية حيث وجبت مكروه تحريماً يأثم به صاحبه ويجب عليه إعادة الصلاة ما دام في الوقت. - النهي عن الافتراض في الصلاة، ونحوه: 1343 - * روى أحمد عن عبد الرحمن بن شبل رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نقرة الغراب، وافتراش السبع، وأن يوطن الرجل بالمكان في المسجد كما يوطن البعير".

_ 1342 - مجمع الزوائد (2/ 121) كتاب الصلاة، باب فيمن لا يتم صلاته ونسي ركوعها وسجدها وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وأبو يعلى وإسناده حسن. 1343 - أحمد (3/ 444). أبو داود (1/ 228) كتاب الصلاة، 147 - باب صلاة من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود. النسائي (2/ 214) 12 - كتاب التطبيق، 55 - باب النهي عن نقرة الغراب. الدارمي (1/ 303) باب النهي عن الافتراش ونقرة الغراب. وهو حديث حسن بشواهده. (نقر الغراب) النقر في الصلاة: ترك الطمأنينة في السجود، والمتابعة بين السجدتين من غير أن يقعد بينهما، شبهه بنقر الغراب إذا قع على الجيفة فأكل منها، فتراه يتابع بين نقراته لحمها. (افتراش السبع): هو أن يضع ساعديه على الأرض في السجود كما يقعد الكلب في بعض حالاته، وكذلك غيره من السباع، كالذئب ونحوه. (يوطن بالمكان كما يوطن البعير) معناه: أن يألف الرجل مكاناً معلوماً من المسجد يصلي فيه، كالبعير لا يأوي من عطن إلا إلى مبرك دمث قد أوطنه واتخذه مناخاً، وقيل: هو أن يبرك على ركبتيه قبل يديه إذا أراد السجود كبروك البعير الذي أوطنه. (ابن الأثير).

1344 - * روى الطبراني في الكبير عن ابن عمر قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صليت فلا تبسط ذراعيك بسط السبع وادعم على راحتيك وجاف مرفقيك عن ضبعيك". أقول: إن افتراش المصلي ذراعيه، أي مدهما كما يفعل السبع، مكروه تحريماً عند الحنفية والملاحظ أنه في كثير من أعمال الصلاة وغيرها نهي الإنسان عن التشبه بالحيوان، وذلك مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية أن تتحقق إنسانية الإنسان وأن يتعمق تميزه عن الحيوان ومن عرف بعض توجهات الكافرين في عصرنا في تقليد الحيوان عرف حكمة الشارع في هذه الشؤون.

_ 1344 - مجمع الزوائد (2/ 126) كتاب الصلاة، باب السجود. وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات.

- حكم القهقهة

- حكم القهقهة: 1345 - * روى الطبراني في الصغير عن جابر (رفعه): لا يقطع الصلاة الكشر ولكن يقطعها القهقهة. أقول: القهقهة في الصلاة تبطلها باتفاق الفقهاء وهي تبطل الوضوء كذلك عند الحنفية، وأما التبسم بلا صوت فلا يفسد الصلاة عند أحد وهو المراد هنا بالكشر، وأما الضحك الذي يسمع به الإنسان نفسه دون أن يسمع غيره فإنه يفسد الصلاة فقط دون الوضوء. 1346 - * روى أبو يعلى عن جابر قال: سئل عن الرجل يضحك في الصلاة قال يعيد الصلاة ولا يعيد الوضوء. 1347 - * روى الطبراني في الكبير عن أبي موسى قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إذ دخل رجل فتردى في حفرة كانت في المسجد وكان في بصره ضرر فضحك كثير من القوم وهم في الصلاة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضحك أن يعيد الوضوء ويعيد الصلاة. أقول: من حكمة الأمر بالوضوء لمن قهقه في الصلاة أن يجري تغييراً بذلك على حاله النفسي فقد جرت العادة أن من غلبه شيء على الضحك الكثير، فإنه يعاوده إذا ذكره مرة بعد مرة.

_ 1345 - الروض الداني (2/ 185) قال الهيثمي: رواه الطبراني في الصغير مرفوعاً وموقوفاً ورجاله موثقون، مجمع الزائد (2/ 82). 1346 - مسند أبي يعلى (4/ 204) وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/ 82) باب الضحك والتبسم في الصلاة، وقال رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح. 1347 - مجمع الزوائد (2/ 82) كتاب الصلاة، باب الضحك والتبسم في الصلاة. وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون وفي بعضهم خلاف. (فتردى): أي سقط.

- النهي عن تزيين الصلاة

- النهي عن تزيين الصلاة: 1348 - * روى ابن خزيمة عن محمود بن لبيد، قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "أيها الناس إياكم وشرك السرائر". قالوا: يا رسول الله وما شرك السرائر؟ قال: "يقوم الرجل فيصلي، فيزين صلاته، جاهداً لما يرى من نظر الناس إليه فذلك شرك السرائر". أقول: على المسلم أن يجاهد نفسه في تحقيق الإخلاص ولا ينبغي أن يترك العمل الصالح خشية الرياء بل عليه أن يفعله وأن يجاهد نفسه لتحقيق الإخلاص فيه. - النهي عن السدل والإسبال: 1349 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة وأن يغطي الرجل فاه. أقول: السدل هو أن يضع الإنسان شيئاً على عاتقه ويرخي طرفيه على جسمه، وهو عند الجمهور مكروه، الكراهة عند الحنفية تحريمية، وأما التلثم بأن يغطي الإنسان أنفه فهو مكروه تحريماً وتغطية فمه مكروه تنزيهاً. 1350 - * روى أبو داود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أسبل إزاره في صلاته خيلاء، فليس من الله في حل ولا حرام"، قال: ورواه جماعة [عن عاصم] موقوفاً على ابن مسعود.

_ 1348 - ابن خزيمة (2/ 67) جماع أبواب الأفعال المكروهة في الصلاة، 361 - باب التغليظ في المراءاة بتزيين الصلاة وتحسينها. (شرك السرائر): أي الرياء والسرائر جمع سريرة وهي موطن النية. 1349 - أبو داود (1/ 174) كتاب الصلاة، باب ما جاء في السدل في الصلاة. ابن ماجه (1/ 310) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 42 - باب ما يكره في الصلاة. ابن خزيمة (2/ 60) جماع أبواب الأفعال المباحة في الصلاة، 346 - باب النهي عن تغطية الفم في الصلاة، وإسناده حسن. 1350 - أبو داود (1/ 172) كتاب الصلاة، باب الإسبال في الصلاة، وإسناده صحيح.

أقول: إسبال الإزار بما يجاوز الكعبين خيلاء مكروه تحريماً، فمن صلى وحاله كذلك لا تقبل صلاته، ويسن عند الحنفية أن يتوب عن الخيلاء وأن يرفع ثوبه وأن يتوضأ لذنبه، وقد مر معنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر صاحب ذلك بالوضوء.

- كراهة الصلاة مع المدافعة

- كراهة الصلاة مع المدافعة: 1351 - * روى مالك عن عبد الله بن الأرقم رضي الله عنه كان يؤم أصحابه. فحضرت الصلاة يوماً، فذهب لحاجته، ثم رجع فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا أراد أحدكم الغائط فليبدأ به قبل الصلاة"، وعند الترمذي قال: أقيمت الصلاة، فأخذ بيد رجل فقدمه- وكان إمام القوم- وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء" وعند أبي داود: أنه خرج حاجاً أو معتمراً، ومعه الناس، وكان يؤمهم، فلما كان ذات يوم أقام الصلاة: صلاة الصبح، ثم قال: ليتقدم أحدكم- وذهب إلى الخلاء- فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا أراد أحدكم أن يذهب إلى الخلاء، وقامت الصلاة، فليبدأ بالخلاء". أقول: تكره تحريماً الصلاة لمن كان يدافع البول أو الغائط أو الريح إلا إذا ضاق وقت الصلاة. 1352 - * روى الطبراني في الصغير عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا وجد أحدكم وهو في صلاته رزاً فلينصرف فليتوضأ". 1353 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصلي وهو حقن حتى يتخفف ... " ثم ساق

_ 1351 - الموطأ (1/ 159) 90 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 17 - باب النهي عن الصلاة والإنسان يريد حاجته. أحمد (4/ 35). أبو داود (1/ 22) كتاب الصلاة، 43 - باب أيصلي الرجل وهو حاقن. الترمذي (1/ 262) أبواب الطهارة، 108 - باب ما جاء إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء. النسائي (2/ 110) 10 - كتاب الإمامة، 51 - العذر في ترك الجماعة. الحاكم (1/ 168) كتاب الطهارة. 1352 - الروض الداني (1/ 245) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط والصغير ورجاله ثقات. مجمع الزوائد (2/ 89). هو حديث صحيح. (الرز في الأصل): الصوت الخفي ويريد به القرقرة وقيل هو غمز الحدث وحركته للخروج وأمر بالوضوء لئلا يدافع أحد الأخبثين. 1353 - أبو داود (1/ 23) كتاب الطهارة، 43 - باب أيصلي الرجل وهو حاقن. الحديث حسن بشواهده.

نحوه على هذا اللفظ قال: "ولا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يؤم قوماً إلا بإذنهم، ولا يخص نفسه بدعوة دونهم، فإن فعل فقد خانهم". 1354 - * روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان".

_ 1354 - مسلم (1/ 393) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 16 - باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام. أبو داود (1/ 22) كتاب الطهارة، 43 - باب أيصلي الرجل وهو حاقن.

- النهي عن الالتفات

- النهي عن الالتفات: 1355 - * روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة؟ فقال: "هو الاختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد". أقول: يكره تنزيهاً عند الحنفية الالتفات بالوجه، وقال الشافعية يكره تنزيهاً الالتفات بالوجه إلا لحاجة، وقال الحنابلة: يكره في الصلاة التفات يسير بلا حاجة. 1356 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلحظ في الصلاة يميناً وشمالاً، ولا يلوي عنقه خلف ظهره. أقول: هذا يدل على جواز اللحظ في الصلاة بلا حرج إذا كان لضرورة. 1357 - * روى أبو داود عن سهل بن الحنظلية رضي الله عنه قال: ثوب بالصلاة- يعني: صلاة الصبح- فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو يلتفت إلى الشعب. وقال: وكان أرسل فارساً إلى الشعب من الليل يحرس. أقول: الالتفات في الصلاة في حاجة مهمة جائز عند المالكية والشافعية والحنابلة ولغير حاجة يكره تنزيهاً. قال في (النيل: 2/ 379):

_ 1355 - البخاري (2/ 234) 10 - كتاب الأذان، 93 - باب الالتفات في الصلاة. أبو داود (1/ 239) كتاب الصلاة، باب الالتفات في الصلاة. النسائي (3/ 8) 13 - كتاب السهو، 10 - باب التشديد في الالتفات في الصلاة. ابن خزيمة (1/ 245) كتاب الصلاة، 90 - باب (65 ب) ذكر الدليل على أن الالتفات في الصلاة. الاختلاس: الاستلاب. 1356 - الترمذي (2/ 483) أبواب الصلاة، 413 - باب ما ذكر في الالتفات في الصلاة. النسائي (3/ 9) 13 - كتاب السهو، 11 - باب الرخصة في الالتفات في الصلاة يميناً وشمالاً. الحاكم (1/ 237) كتاب الصلاة. ابن خزيمة (1/ 245) كتاب الصلاة، 91 - باب ذكر الدليل على أن الالتفات المنهي عنه في الصلاة، وإسناده صحيح. 1357 - أبو داود (1/ 241) كتاب الصلاة، باب الرخصة في ذلك. الحاكم (1/ 237) كتاب الصلاة. وإسناده صحيح.

وأحاديث الباب تدل على كراهة الالتفات في الصلاة وهو قول الأكثر والجمهور على أنها كراهة تنزيهية ما لم يبلغ إلى حد استدبار القبلة والحكمة في التنفير عنه ما فيه من نقص الخشوع والإعراض عن الله تعالى وعدم التصميم على مخالفة وسوسة الشيطان.

- الرخصة في مسح الحصى لضرورة

- الرخصة في مسح الحصى لضرورة: 1358 - * روى مالك عن أبي جعفر القارئ قال كنت أرى عبد الله بن عمر إذا أهوى ليسجد مسح الحصى لموضع جبهته مسحاً خفيفاً. 1359 - * روى أبو داود عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كنت أصلي الظهر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فآخذ قبضة من الحصى لتبرد في كفي أضعها لجبهتي، أسجد عليها لشدة الحر. في رواية النسائي (3) قال: كنا نصلي معر سول الله صلى الله عليه وسلم الظهر، فآخذ قبضة من حصى في كفي أبرده، ثم أحوله في كفي الآخر، فإذا سجدت وضعته لجبهتي. 1360 - * روى الشيخان عن معيقيب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل يسوي التراب حيث يسجد، قال: "إن كنت فاعلاً فواحدة". ولمسلم (5) قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم المسح في المسجد- يعني الحصباء- قال: "إن كنت لابد فاعلاًُ فواحدة". أقول: مر معنا أن الحركة القليلة لا تفسد الصلاة فإذا كانت لضرورة فإنها مباحة. وفي (النيل 2/ 387): الأحاديث المذكورة في الباب تدل على كراهة المسح على الحصى ... وحكى النووي في شرح مسلم اتفاق العلماء على كراهته وفي حكاية الاتفاق نظر فإن مالكاً لم ير به بأساً وكان ابن عمر وابن مسعود يفعلانه، وعن ابن مسعود أنه كان يفعله مرة واحدة وذهب أهل الظاهر إلى تحريم ما زاد على المرة ا. هـ باختصار.

_ 1358 - الموطأ (1/ 157) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 13 - باب مسح الحصباء في الصلاة، وإسناده صحيح. 1359 - أبو داود (1/ 110) كتاب الصلاة، 3 - باب في وقت الظهر. (3) النسائي (2/ 204) 12 - كتاب التطبيق، 33 - باب تبريد الحصى للسجود عليه. وإسناده حسن. 1360 - البخاري (3/ 79) 21 - كتاب العمل في الصلاة، 8 - باب مسح الحصى في الصلاة. مسلم (1/ 388) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب كراهة مسح الحصى وتسوية التراب في الصلاة. (5) مسلم (1/ 387) في نفس الموضع السابق.

- النهي عن الاختصار والتشبيك وفرقعة الأصابع في الصلاة

- النهي عن الاختصار والتشبيك وفرقعة الأصابع في الصلاة: 1361 - * روى الجماعة إلا الموطأ عن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه، قال: نهى الرجل أن يصلي مختصراً. وفي رواية (2) نهى النبي صلى الله عليه وسلم. وفي أخرى (3): نهى عن الخصر في الصلاة. وفي أخرى (4) نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاختصار في الصلاة. 1362 - * روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها: أنها كانت تكره أن يجعل يده في خاصرته، وتقول: إن اليهود تفعله. في رواية (6) ذكرها رزين، قالت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاختصار في الصلاة وغيرها. 1363 - * روى أبو داود عن زياد بن صبيح الحنفي قال: صليت إلى جنب ابن عمر، فوضعت يدي على خاصرتي، فلما صلى قال: هذا الصلب في الصلاة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنه، وفي رواية النسائي (8)، قال: صليت إلى جنب ابن عمر، فوضعت يدي على

_ 1361 - البخاري (3/ 88) 21 - كتاب العمل في الصلاة، 17 - باب الخصر في الصلاة. مسلم (1/ 387) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 11 - باب كراهة الاختصار في الصلاة. أبو داود (1/ 249) كتاب الصلاة، باب الرجل يصلي مختصراً. الترمذي (2/ 222) أبواب الصلاة، 281 - باب ما جاء في النهي عن الاختصار في الصلاة. النسائي (2/ 127) 11 - كتاب الافتتاح، 12 - باب النهي عن التخصر في الصلاة. (2) مسلم (1/ 387) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 11 - باب كراهة الاختصار في الصلاة. (3) البخاري (3/ 88) 21 - كتاب العمل في الصلاة، 17 - باب الخصر في الصلاة. (4) وقد ذكره ابن حجر في الهامش وشرحه (3/ 88) 21 - كتاب العمل في الصلاة، 17 - باب الخصر في الصلاة (فتح الباري). (الاختصار) الاختصار المنهي عنه في الصلاة: هو أن يضع يده على خاصرته، قيل: إنه من فعل اليهود. وقيل: الاختصار: هو أن يأخذ بيده مخصرة، أي: عوداً يتكئ عليه في الصلاة، والأول هو المراد هنا. 1362 - البخاري (6/ 495) 60 - كتاب أحاديث الأنبياء، 50 - باب ما ذكر عن بني إسرائيل. (6) أحمد (2/ 232). أبو داود (1/ 249) كتاب الصلاة، 175 - باب الرجل يصلي مختصراً. الحاكم (1/ 264) كتاب الصلاة. 1363 - أبو داود (1/ 237) كتاب الصلاة، 159 - باب التخصر والإقعاء. (8) النسائي (2/ 127) 11 - كتاب الافتتاح، 12 - باب النهي عن التخصر في الصلاة، هو حديث صحيح.

خصري، فقال لي: هكذا- ضربه بيده- فلما صليت، قلت لرجل: من هذا؟ قال: عبد الله بن عمر، قلت: يا أبا عبد الرحمن، ما رابك مني؟ قال: إن هذا الصلب، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عنه. أقول اشتهرت هذه الوقفة عن بعض كبار العسكريين وأصبح الناس يقلدونهم فيها، وفيها معنى الاعتداد بالنفس وعدم المبالاة بالآخرين، فهي لغير المصلي مكروهة، وللمصلي أشد كراهة قال الحنفية: التخصر في الصلاة مكروه تحريماً ويكره تنزيهاً خارج الصلاة وكل شيء فيه تصليب، فسنة الإسلام الابتعاد عنه. 1364 - * روى الإمام أحمد وأبو داود عن عائشة رضي الله عنها: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يترك في بيته شيئاً فيه تصاليب إلا نقضه"، لذلك كره الصليب في ثوب وكرهت الصلاة في ثوب فيه صليب. 1365 - * عن إسماعيل بن أمية قال: سألت نافعاً عن الرجل يصلي وهو مشبك يديه؟ فقال: سمعت ابن عمر يقول: تلك صلاة المغضوب عليهم. وزاد رزين (1): قال: ورأى ابن عمر رجلاً يتكئ على ألية يده اليسرى وهو قاعد في الصلاة، فقال له: لا تجلس هكذا، فإن هكذا يجلس الذين يعذبون. أقول تكره فرقعة الأصابع وتشبيكها ولو كان الإنسان ينتظر الصلاة أو يمشي إليها وكذلك ما دام في المسجد، فمن باب أولى أن تكون مكروهة في الصلاة. 1366 - * روى أحمد عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان أحدكم في المسجد

_ (الصلب) المتصلب: هو المختصر، والذي يضع يديه على خاصرتيه ويجافي عضديه في القيام، فيشكلان مع جسمه كهيئة الصليب. 1364 - أحمد (6/ 52، 237، 252). أبو داود (4/ 72) كتاب اللباس، باب في الصليب في الثوب. 1365 - أبو داود (1/ 261) كتاب الصلاة، باب كراهية الاعتماد على اليد في الصلاة. (1) أبو داود (1/ 261) في نفس الموضع السابق. وإسناده حسن. 1366 - أحمد (3/ 43) مجمع الزوائد (2/ 25) وقال الهيثمي رواه أحمد وإسناده حسن.

فلا يشبكن فإن التشبيك من الشيطان وإن أحدكم لا يزال في صلاة ما دام في المسجد حتى يخرج منه". وقد اختلف في الحكمة في النهي عن التشبيك في المسجد كما في حديث أبي سعيد وغيره فقيل لما فيه من العبث وقيل لما فيه من التشبه بالشيطان. وظاهر النهي عن التشبيك التحريم لولا ما ورد عن ذي اليدين أنه عليه الصلاة والسلام شبك أصابعه في المسجد وذلك يفيد عدم التحريم ولا يمنع الكراهة لكون فعله نادراً، قال العراقي: وفي معنى التشبيك بين الأصابع تفقيعها فيكره في الصلاة ولقاصد الصلاة. 1367 - * روى ابن ماجه عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تفقع أصابعك في الصلاة". قال في "النيل": ويؤيده حديث أنس بن معاذ مرفوعاً (إن الضاحك في الصلاة والملتفت والمفقع أصابعه بمنزلة واحدة) وفي إسناده ابن لهيعة انظر (النيل 2/ 381 - 382) بتصرف.

_ 1367 - ابن ماجه (1/ 310) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 42 - باب ما يكره في الصلاة. وفيه الحارث الأعور في حديثه ضعف.

- النهي عن المرور بين يدي المصلي

- النهي عن المرور بين يدي المصلي: 1368 - * روى أبو داود عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم يصلي، فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل، فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل، فإنه يقطع صلاته: الحمار، ولامرأة، والكلب الأسود"، قلت: يا أبا ذر: ما الكلب الأسود، من الكلب الأحمر، من الكلب الأصفر؟ قال: يا ابن أخي، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني، فقال: "الكلب الأسود شيطان" وزاد الترمذي بعد قوله: كآخرة الرحل. أو كواسطة الرحل. وجعل عوض الأصفر الأبيض، وأول روايته قال: يقطع صلاة الرجل إذا لم يكن بين يديه كقدر آخرة الرحل ... الحديث. أقول: حمل بعضهم قطع الصلاة هنا على نقص أجرها أما إذا أريد بالقطع البطلان فالعلماء يرون أن الحديث على هذا الفهم منسوخ إلا أن الحنابلة ذكروا من مبطلات الصلاة مرور الكلب الأسود الذي ليس في بدنه شيء سوى السواد بين يدي المصلي، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع في بحث استقبال القبلة. 1369 - * روى مالك عن عبد الله بن عباس قال: أقبلت راكباً على أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار، فمررت بين يدي الصف فنزلت، وأرسلت الأتان ترتع، ودخلت في الصف، فلم ينكر ذلك علي أحد. زاد في

_ 1368 - أبو داود (1/ 187) كتاب الصلاة، 109 - باب ما ينهى عنه من المرور بين يدي المصلي. الترمذي (2/ 161، 162) أبواب الصلاة، 143 - باب ما جاء: أنه لا يقطع الصلاة إلا الكلب والحمار والمرأة. النسائي (2/ 63، 64) 9 - كتاب القبلة، 7 - باب ذكر ما يقطع الصلاة وما لا يقطع. 1369 - الموطأ (1/ 155، 156) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 11 - باب الرخصة في المرور بين يدي المصلي. البخاري (1/ 571) 8 - كتاب الصلاة، 90 - باب سترة الإمام سترة من خلفه. مسلم (1/ 361) 4 - كتاب الصلاة، 47 - باب سترة المصلي. أبو داود (1/ 190) كتاب الصلاة، 113 - باب من قال الحمار لا يقطع الصلاة. (ناهزت) الاحتلام: أي قاربته. والمناهزة: مقاربة الشيء. (أتان) الأتن: الأنثى من الحمير. (ترتع) رتعت البهيمة في المرعى: إذا ذهبت وجاءت راعية.

رواية "بمنى في حجة الوداع". 1370 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يقطع الصلاة: الكلب، والمرأة والحمار، ويقي من ذلك مثل مؤخرة الرحل". 1371 - * روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وأنا معترضة بينه وبين القبلة كاعتراض الجنازة. وفي أخرى (3) قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي صلاته من الليل كلها، وأنا معترضة بينه وبين القبلة، فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوترت. ولمسلم (4) قالت عائشة: ما يقطع الصلاة؟ قال عروة: فقلنا: المرأة، والحمار، فقالت: إن المرأة لدابة سوء؟ لقد رأيتني بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم معترضة كاعتراض الجنازة وهو يصلي. وفي أخرى (5) لهما: أن عائشة ذكر عندها ما يقطع الصلاة، فذكر الكلب والحمار والمرأة، فقالت: لقد شبهتمونا بالحمر والكلاب، والله لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على السرير وأنا بينه وبين القبلة مضطجعة فتبدو لي الحاجة، فأكره أن أجلس فأوذي النبي صلى الله عليه وسلم، فأنسل من قبل رجليه. وفي أخرى (6) لهما، قالت: عدلتمونا بالكلاب والحمر؟! لقد رأيتني مضطجعة على السرير، فيجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتوسط السرير فيصلي، فأكره أن أسنحه، فأنسل من قبل رجلي السرير، حتى أنسل من لحافي. قال النووي (4/ 228): استدلت به عائشة رضي الله عنها والعلماء بعدها على أن المرأة لا تقطع صلاة الرجل وفيه جواز صلاته إليها وكره العلماء أو جماعة منهم الصلاة إليها- أي

_ 1370 - مسلم (1/ 365، 366) 4 - كتاب الصلاة، 50 - باب قدر ما يستر المصلي. 1371 - مسلم (1/ 366) الموضع السابق. (3) البخاري (1/ 587) 8 - كتاب الصلاة، 103 - باب الصلاة خلف النائم. مسلم (1/ 366) الموضع السابق. (4) مسلم، نفس الموضع السابق. (5) البخاري (1/ 588) الموضع السابق. مسلم، الموضع السابق. (6) البخاري (1/ 586، 587) الموضع السابق. مسلم (1/ 367) الموضع السابق. (أسنحه) أي أظهر له وأعترض (النووي).

إلى المرأة- لغير النبي صلى الله عليه وسلم لخوف الفتنة وتذكرها ... أما النبي صلى الله عليه وسلم فمنزه عن هذا ا. هـ. ومن كلام النووي (2/ 227): والجمهور على أن المراد بالقطع نقص الصلاة لشغل القلب بهذه الأشياء وبعضهم قال بالنسخ. وقال أحمد يقطعها الكلب الأسود وفي قلبي من الحمار والمرأة شيء. ا. هـ. بتصرف وقد سبق عرض هذا الموضوع في بحث استقبال القبلة. أقول: إن حديث عائشة رضي الله عنها يدل إما على صرف القطع عن ظاهره بأن يراد به نقصان الصلاة أو هو دليل على أن قطع الصلاة بشيء يمر بين يدي المصلي منسوخ، وهذا الحديث أصل كبير لما ذهب إليه الحنفية وغلط في فهمه الكثيرون، وهو أنه إذا عارض حديث الآحاد قواعد الشريعة، وروحها العامة المعروفة من نصوص قطعية فإن الحنفية لا يأخذون به، وقد يسمى هذا قياساً وهو غير القياس المتعارف عليه في أصول الفقه، بل هو من نوع القياس العقلي، ويلبس خصوم الحنفية على الناس فيقولون: إن الحنفية يقدمون القياس على الحديث الصحيح، وهذا ليس صحيحاً فالحنفية يقدمون الحديث الضعيف- إذا لم يوجد غيره- على القياس المتعارف عليه في أصول الفقه، ولكنهم يقدمون العمل بقطعيات الشريعة إذا تعارض مع أحاديث الآحاد، وقد يسمى هذا قياساً فيلتبس على الناس. 1372 - * أبو داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقطع الصلاة شيء، وادرؤوا ما استطعتم، فإنما هو شيطان". وفي أخرى (1): أن حاجب بن سليمان قال: رأيت عطاء بن يزيد الليثي قائماً يصلي، فذهبت أمر بين يديه، فردني، ثم قال: حدثني أبو سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من استطاع منكم أن لا يحول بينه وبين قبلته أحد فليفعل" وفي رواية (2) قال أبو صالح

_ * في هذا نظر، راجع إعلام الموقعين لابن القيم، ورسالة الألباني في حديث الآحاد. (الناشر). 1372 - أبو داود (1/ 191) كتاب الصلاة، 115 - باب من قال لا يقطع الصلاة شيء. (1) أبو داود (1/ 186) كتاب الصلاة، 108 - باب ما يؤمر المصلي أن يدرأ عن المر بين يديه. (ادرؤوا) درأت فلاناً: إذا دفعته. (2) البخاري (1/ 581) 8 - كتاب الصلاة، 100 - باب يرد المصلي من مر بين يديه.

السمان: رأيت أبا سعيد الخدري في يوم جمعة يصلي إلى شيء يستره من الناس، فأراد شاب من بني أبي معيط أن يجتاز بين يديه، فدفع أبو سعيد في صدره، فنظر الشاب فلم يجد مساغاً إلا بين يديه، فعاد ليجتاز، فدفعه أبو سعيد أشد من الأولى، فنال من أبي سعيد، ثم دخل على مروان، فشكى إليه ما لقي من أبي سعيد، ودخل أبو سعيد خلفه على مروان، فقال: مالك ولابن أخيك يا أبا سعيد،؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس. فأراد أحد أن يجتاز بين يديه، فليدفعه، فإن أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان"، وأخرج مسلم (1) منه المسند، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحداً يمر بين يديه، وليدرأه ما استطاع، فإن أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان" وأخرج الموطأ (2) المسند منه فقط، وأخرج أبو داود (3) في أخرى: "إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة، وليدن منها .. " وساق الحديث. وله في أخرى (4) قال: مر شاب من قريش بين يدي أبي سعيد وهو يصلي، فدفعه، ثم عاد، فدفعه- ثلاث مرات- فلما انصرف قال: إن الصلاة لا يقطعها شيء، ولكن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ادرؤوا ما استطعتم فإنه شيطان". وللنسائي (5) عن عطاء بن يسار أنه رأى أبا سعيد كان يصلي، فأراد ابن لمروان أن يمر بين يديه، فدرأه، فلم يرجع، فضربه، فخرج الغلام يبكي، حتى أتى مروان فأخبره، فقال مروان لأبي سعيد:

_ (1) مسلم (1/ 362) 4 - كتاب الصلاة، 48 - باب منع المار بين يدي المصلي. (2) الموطأ (1/ 154) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 10 - باب التشديد في أن يمر أحد بين يدي المصلي. (مساغاً) المساغ: المذهب والمدخل. (فنال) يقال: نال فلان من فلان: إذا شتمه أو ذمه. (3) أبو داود (1/ 186) كتاب الصلاة، 108 - باب ما يؤمر المصلي أن يدرأ عن المر بين يديه. (4) أبو داود (1/ 191) كتاب الصلاة، 115 - باب من قال لا يقطع الصلاة شيء. (5) النسائي (8، 61، 62) 45 - كتاب القسامة، 47، 48 باب من اقتص وأخذ حقه دون السلطان وحديث: "لا يقطع الصلاة شيء" له شواهد بمعناه عند الدارقطني والطبراني، وقد رواه عبد الرزق في "مصنفه" 2366 عن عمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر موقوفاً عليه قال: لا يقطع الصلاة شيء، وادرؤوا ما استطعتم، أو قال: ما استطعت، وهذا إسناد صحيح، وقد روى مالك في الموطأ 1/ 157 عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله بن عمر كان يقول: لا يقطع الصلاة شيء مما يمر بين يدي المصلي، وإسناده صحيح، وقال الحافظ في "الفتح": 1/ 186 وروى

لم ضربت ابن أخيك؟ قال: ما ضربته، إنما ضربت الشيطان، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا كان أحدكم في الصلاة، فأراد إنسان أن يمر بين يديه فليدرأه ما استطاع، فإن أبى فليقاتله، فإنه شيطان". أقول: إن قول ابن عمر لا يقطع الصلاة شيء هو الذي استقر عليه العمل، وأما درء المار بين يدي المصلي فقد قال الحنفية هو رخصة والأولى تركه، وأما الأمر بمقاتلة المار فكان في بدء الإسلام حين كان العمل في الصلاة مباحاً فهو منسوخ، والدفع عندهم يكون بالإشارة أو التسبيح أو الجهر بالقراءة ولا يزاد عليها، ويكره الجمع بين شيئين، وتدفع المرأة بالإشارة أو بالتصفيق ببطن الكف اليمنى على ظهر اليسرى، وقال المالكية يندب للمصلي أن يدفع المار بين يديه دفعاً خفيفاً فإن كثر بطلت صلاته، وقال الشافعية والحنابلة، يسن للمصلي أن يدفع المار بينه وبين سترته ولا يدرأ المار بين يدي المصلي في مكة والحرم. 1373 - * روى الجماعة عن بسر بن سعيد أن زيد بن خالد أرسله إلى أبي جهيم يسأله: ماذا سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم في المار بين يدي المصلي؟ قال أبو جهيم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه؟ لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه"- قال أبو النضر: لا أدري قال: أربعين يوماً، أو شهراً، أو سنة؟ وقال الترمذي (1): وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لأن يقف أحدكم مائة عام خير له من أن يمر بين يدي أخيه وهو يصلي".

_ سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن علي وعثمان وغيرهما نحو ذلك موقوفاً. 1373 - البخاري (1/ 584) 8 - كتاب الصلاة، 101 - باب إثم المار بين يدي المصلي. مسلم (1/ 363) 4 - كتاب الصلاة، 48 - باب منع المار بين يدي المصلي. أبو داود (1/ 186) كتاب الصلاة، 109 - باب ما ينهى عنه المرور بين يدي المصلي. الترمذي (2/ 158) أبواب الصلاة، 251 - باب ما جاء في كراهية المرور بين يدي المصلي. النسائي (2/ 66) 9 - كتاب القبلة، 8 - باب التشديد في المرور بين يدي المصلي بين سترته. ابن ماجه (1/ 304) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 37 - باب المرور بين يدي المصلي. (1) الترمذي (2/ 160) أبواب الصلاة، 251 - باب ما جاء في كراهية المرور بين يدي المصلي. ابن ماجه (1/ 304) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 37 - باب المرور بين يدي المصلي.

أقول: لا خلاف أن للإنسان أن يمر بين يدي سترة المصلي، وقد رأينا أن بعضهم يعتبر الخط على الأرض سترة وأن المالكية حملوا المنع من المرور إذا مر الإنسان في موضع سجود الإنسان، والحنفية يرون أن المسجد إذا كانت مساحته أربعين ذراعاً فلا يصح المرور بين يدي المصلي، إذا لم يكن أمامه سترة زاد على ذلك أو كانت الصلاة في الصحراء فله المرور فيما بعد موضع سجوده. 1374 - * روى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنه قال: جئت أنا والفضل على أتان، فمررنا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة وهو يصلي المكتوبة، ليس شيء يستره يحول بيننا وبينه. 1375 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي، فذهب جدي يمر بين يديه، فجعل يتقيه. 1376 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: هبطنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من ثنية أذاخر، فحضرت الصلاة- يعني [فصلى] إلى جدار- أو جدر- فاتخذه قبلة ونحن خلفه، فجاءت بهمة تمر بين يديه، فما زال يدارئها حتى ألصق بطنه بالجدار، ومرت من ورائه- أو كما قال مسدد.

_ ابن حبان (4/ 46) كتاب الصلاة، ذكر الزجر عن المرور بين يدي المصلي. 1374 - أبو داود (1/ 190) كتاب الصلاة، باب من قال الحمار لا يقطع الصلاة. ابن خزيمة (2/ 25) جماع أبواب سترة المصلي، 285 - باب ذكر خبر روي في مرور الحمار بين يدي المصلي. وإسناده صحيح. 1375 - أبو داود (1/ 189) كتاب الصلاة، 111 - باب سترة الإمام سترة من خلفه. وإسناده حسن. 1376 - أبو داود (1/ 188) كتاب الصلاة، 111 - باب سترة الإمام سترة من خلفه. وإسناده حسن. ابن خزيمة (2/ 20) جماع أبواب سترة المصلي، 290 - باب إباحة منع المصلي الشاة تريد المرور بين يديه. وإسناده صحيح. (ثنية) الثنية: الطريق في الجبل. (البهمة): الصغير من أولاد الضأن، ذكراً كان أو أنثى، والجمع بهم، وجمع البهم البهام، وأولاد المعز: السخال، فإذا اجتمع البهام والسخال قيل لهم: البهام.

- النهي عن الصلاة مع مغالبة النعاس

- النهي عن الصلاة مع مغالبة النعاس: 1377 - * روى الجماعة عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم، فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري: لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه". في رواية (2) "إذا نعس أحدكم وهو يصلي فلينصرف، فلعله يدعو على نفسه وهو لا يدري". 1378 - * روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا نعس في الصلاة فلينم، حتى يعلم ما يقرأ". أقول: هذا محمول على صلاة النافلة، وأما صلاة الفريضة إذا ضاق وقتها فإنه يصليها مهما كان نعساً أو تعباً، وفي النصين إشارة للمربين أن يلحظوا حال الإنسان وقدرته واستعداده ونوع عمله فيما يكلفونه به من تكاليف. 1379 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن على لسانه، فلم يدر ما يقول، فليضطجع". أقول: أخذ أهل السلوك والتربية من هذا النص وأمثاله أنه إذا تعسر على الإنسان شيء

_ 1377 - البخاري (1/ 313) 4 - كتاب الوضوء، 53 - باب الوضوء من النوم ومن لم ير من النعسة. مسلم (1/ 543) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 31 - باب أمر من نعس في صلاته. أبو داود (2/ 33) كتاب الصلاة، باب النعاس في الصلاة. الترمذي (2/ 186) أبواب الصلاة، 263 - باب ما جاء في الصلاة عند النعاس. ابن ماجه (1/ 436) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 184 - باب ما جاء في المصلي إذا نعس. (2) النسائي (1/ 100) كتاب الطهارة، 117 - باب النعاس. 1378 - البخاري (1/ 315) 4 - كتاب الوضوء، 53 - باب الوضوء من النوم ومن لم ير النعسة. 1379 - مسلم (1/ 543) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب أمر من نعس في صلاته، أو استعجم عليه القرآن أو الذكر بأن يرقد أو يقعد حتى يذهب عنه ذلك. أبو داود (2/ 33) كتاب الصلاة، باب النعاس في الصلاة. (فاستعجم) استعجم القرآن على القارئ. إذا ارتج عليه، فلم يقدر أن يقرأه.

- النهي عن الصلاة لمعقوص الرأس

من باب المباحات فليتركه حتى يجد سهولة فيه، فإذا كان النص يأمرنا بما أمر به في قراءة القرآن فمن باب أولى غيره من المباحات. - النهي عن الصلاة لمعقوص الرأس: 1380 - * روى الطبراني في الكبير عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي الرجل ورأسه معقوص. 1381 - * روى مسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه رأى عبد الله بن الحارث ورأسه معقوص من ورائه، فقام وراءه فجعل يحله، فلما انصرف أقبل إلى ابن عباس، فقال: مالك ورأسي؟ فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما مثل هذا مثل الذي يصلي وهو مكتوف". وزاد أبو داود بعد قوله: فجعل يحله: فأقر له الآخر. 1382 - * روى أبو داود عن أبي سعيد المقبري أن أبا رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالحسن بن علي وهو يصلي قائماً، وقد غرز ضفر رأسه. وعند الترمذي (4): وقد عقص ضفرة في قفاه، فحلها أبو رافع، فالتفت حسن إليه مغضباً، فقال أبو رافع: أقبل إلى صلاتك ولا تغضب، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ذلك كفل الشيطان"، يعني: مقعد الشيطان، يعني مغرز ضفره.

_ 1380 - مجمع الزوائد (2/ 86) كتاب الصلاة، باب فيمن يصلي ورأسه معقوص. قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. 1381 - مسلم (1/ 355) 4 - كتاب الصلاة، 44 - باب أعضاء السجود والنهي عن كف الشعر والثوب وعقص الرأس في الصلاة. أبو داود (1/ 174) كتاب الصلاة، 88 - باب الرجل يصلي عاقصاً شعره. النسائي (2/ 215) 12 - كتاب التطبيق، 57 - باب مثل الذي يصلي ورأسه معقوص. (معقوص) عقص شعره: إذا ضفره وشده، وغرز طرفه في أعلاه. 1382 - أبو داود (1/ 174) كتاب الصلاة، 88 - باب الرجل يصلي عاقصاً شعره. (4) الترمذي (2/ 223، 224) أبواب الصلاة، 282 - باب ما جاء في كراهية كف الشعر في الصلاة. (مغرز ضفره) مغرز الضفرة: هو أصل الضفيرة ما يلي الرأس. (كفل الشيطان): مقعده، وأصل الكفل: أن يجمع الكساء على سنام البعير، ثم يركب عليه، وإنما أمره بإرسال

- كراهية الصلاة بعد العصر

أقول: كراهة اللاة والشعر معقوص كراهة تنزيهية باتفاق العلماء. 1383 - * روى الجماعة عن ابن عباس قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة أعضاء ولا يكف شعراً ولا ثوباً. - كراهية الصلاة بعد العصر: 1384 - * روى أحمد عن عبد الله بن رباح عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العصر فقام رجل يصلي فرآه عمر فقال له اجلس فإنما هلك أهل الكتاب أنه لم يكن لصلاتهم فصل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحسن ابن الخطاب". أقول: هذا دليل على كراهة صلاة النافلة بعد أداء صلاة العصر، والظاهر أن مراد عمر بالفصل: الأوقات التي منعت بها الصلاة لتكون هناك فواصل لا يصلي فيها، وقد يحمله آخرون على غير هذا الفهم لنصوص أخرى وردت عن عمر رضي الله عنه ولكن الظاهر أن المراد بهذا النص ما ذكرناه. وقد سبق أن تحدثنا عن هذا الموضوع في مواقيت الصلاة.

_ شعره ليسقط معه على الموضع الذي يسجد عليه ويصلي فيه، فيسجد معه، ويدل عليه الحديث الآخر: "أمرت أن أسجد على سبعة آراب، ولا أكف شعراً ولا ثوباً". 1383 - البخاري (2/ 295) 10 - كتاب الأذان، 133 - باب السجود على سبعة أعظم، وأيضاً حديث 137، 138 من نفس الموضع. مسلم (1/ 354) 4 - كتاب الصلاة، 44 - باب أعضاء السجود والنهي عن كف الشعر والثوب وعقص الرأس في الصلاة. أبو داود (1/ 235) كتاب الصلاة، 154 - باب أعضاء السجود. الترمذي (2/ 62) أبواب الصلاة، 203 - باب ما جاء في السجود على سبعة أعضاء. النسائي (2/ 208) 12 - كتاب التطبيق، 40 - باب على كم السجود. ابن ماجه (1/ 331) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 67 - باب كف الشعر والثوب في الصلاة. 1384 - أحمد (5/ 368). مجمع الزوائد (2/ 234) وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى ورجال أحمد رجال الصحيح.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد - من مبطلات الصلاة عند الحنفية التكبير بنية الانتقال لصلاة أخرى فإنه يبطل الصلاة الأولى ولا يدخله في الصلاة الأخرى، فإذا أراد الانتقال إلى صلاة أخرى قطع الأولى بسلام وكلام ثم دخل في الثانية بنية وتكبيرة إحرام، ومن مبطلاتها مد الهمزة في التكبير سواء كانت همزة لفظ الجلالة أو همزة لفظ (أكبر). ومن مبطلاتها عدم إعادة الجلوس الأخير بعد أداء سجدة صلبية أو تلاوية تذكرها بعد الجلوس وعدم إعادة ركن أداه نائماً، وتقدم المأموم على الإمام بقدمه أما مساواته فلا تبطل، والمشهور عند المالكية أن تقدم المأموم على الإمام لا يبطل صلاته ولذلك يتوسع الناس في الصلاة في موسم الحج فيصلون أمام المسجد النبوي متقدمين على الإمام. - من مبطلات الصلاة عند المالكية طروء ناقض للوضوء وترك ثلاث سنن من سنن الصلاة سهواً مع ترك السجود لها حتى سلم وطال الأمر عرفاً، والاتكاء حال قيامه على حائط أو عصا بغير عذر بحيث لو أزيل عنه متكؤه لسقط، واختلاف نية المأموم والإمام. - قال فقهاء الحنفية لو نسي الإنسان القعود الأول في صلاة ثلاثية أو رباعية فإن كان القعود أقرب وتذكر قعد وتشهد وإن كان القيام أقرب وجب عليه متابعة القيام، فلو أنه تذكر فقعد بعد قيامه أو ذكره غيره فقعد بطلت صلاته، واستثنى الشافعية الناسي أنه في صلاة أو الجاهل بتحريم العود، فلا تبطل صلاتهما في الأصح عندهم. - ومن مبطلات الصلاة عند الشافعية طروء الحدث ولو بلا قصد، ولا تبطل الصلاة عندهم بالفعل الكثير إذا كان لشدة حرب، وتبطل الصلاة عندهم الردة والجنون في الصلاة، ومن مبطلات الصلاة عندهم تبين المصلي أنه يصلي وراء من لا تجوز الصلاة وراءه وتطويل ركن قصير عمداً بأن يزيد الاعتدال من الركوع على الدعاء الوارد فيه بقدر الفاتحة أو أن يزيد من الجلوس بين السجدتين على الدعاء الوارد فيه بقدر التشهد، ويستثنى من ذلك تطويل الاعتدال في الركعة الأخيرة لقنوت، وتطويل الجلوس بين السجدتين لصلاة التسابيح، ومن مبطلات الصلاة عندهم تكرير تكبيرة الإحرام مرة ثانية بنية الافتتاح.

- ومن مبطلات الصلاة عند الحنابلة الدعاء بملاذ الدنيا كأن يسأل عروساً في صلاته، وهو مبطل عند الحنفية كذلك. ومن كلامهم: ومن علم ببطلان الصلاة ومضى فيها أذنب، ومن كلام بعض الحنفية: أن من صلى بلا طهارة عامداً كفر. ملاحظة: قد ينسب إلى مذهب قول ويكون هناك من يشارك هذا المذهب في هذا القول، فليس نسبتنا قولاً إلى مذهب يفيد أن هذا القول خاص بالمذهب المنسوب إليه الكلام إلا إذا قيدنا ذلك وإنما توسعنا في هذا الموضوع لكثرة المشقة في تحقيق أقوال العلماء في كل مسألة وجمعها للاختصار.

الباب الخامس في المساجد والجماعة والجمعة

الباب الخامس في المساجد والجماعة والجمعة وفيه مقدمة وفصول * المقدمة

مقدمة الباب

مقدمة الباب مر معنا من قبل فضل الصلاة عامة وفضل الصلوات الخمس خاصة، ثم ذكرنا ما له علاقة بشروط الصلاة وهيئتها وما يتصل فيها من أركان وواجبات وسنن وآداب ومكروهات ومفسدات، وذلك ليس مرتبطاً بالصلوات الخمس فقط بل مرتبط كذلك بالنوافل والوتر وصلاة الجمعة وصلاتي العيدين وصلاة الاستسقاء وصلاة الاستخارة وصلاة الحاجة وصلاتي الخسوف والكسوف وصلوات أخرى، مع اختلاف بسيط سنراه في مناسباته. وقد شرع لنا الأذان والإقامة- وقد مرتا معنا- وهما مرتبطان بالصلوات الخمس، وصلاة الجمعة وهي إحدى الصلوات الخمس في يومها- إذا أديت بشروطها- وهي لمن صلاها تسقط عنه فريضة الظهر لأنها في حقها فريضة الوقت. والأذان في الأصل دعوة إلى الصلاة في المسجد جمعة وجماعة، ولذلك ستكون فصول الباب الخامس مخصصة للمساجد والجماعة والجمعة. فعمارة المساجد حساً ومعنى من أرقى عبادات الإسلام، قال تعالى: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله) (1). فمن اجتمعت له هذه الشؤون فهو الذي يعمر مساجد الله حقاً، ومن ليس كذلك فعمارته لمساجد الله ضعيفة. والعمارة تكون بتشييد المساجد، وبحضور الجماعة والجمعة فيها، وبحضور مجالس الذكر والعلم، وبإقامة ذلك كله. وعمارة المسجد بها حياة الإسلام وحيويته ولذلك فإن على أهل العلم والدعوة والتربية أن يركزوا عليها.

_ (1) التوبة: من 18.

وتجربة العصور تقول: حيثما وجد الالتصاق بالمسجد والتربية المسجدية من قبل الربانيين فذلك مظنة الثقافة الإسلامية وسلامة السلوك ونظافة العقل وطهارة الجسد، وحيثما ابتعدت التربية والتعليم عن أجواء المساجد وعن العلماء الربانيين ضعف الأمر، لذلك فإنني أدعو أن يوجد لكل جامع ومسجد مجلس مهمته إحياء المسجد بالعلم والذكر. ولقد ذكرنا في كتابنا (تربيتنا الروحية) آيات: (الله نور السموات والأرض ...) (1) وذكرنا هناك أن ذلك النوع من القلوب المشار إليه في قوله تعالى: (المصباح في زجاجة، الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة) (2)، أن هذا النوع من القلوب مظنة وجوده رواد المساجد بدليل قوله تعالى: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار) (3). والأصل أن تؤدى في المسجد الفرائض جماعة وصلاة الجمعة، وأما النوافل فالأصل فيها أن تؤدى في البيوت إلا تحية المسجد وصلاة الكسوف وصلاة التراويح. وأما صلاتا العيدين فالأصل فيهما الخروج إلى مصلى العيد فإن لم يكن ففي المسجد وبشكل عادي فإن صلوات المعتكف كلها تكون في المسجد. إن المساجد والأذان والإقامة والجمعة والجماعة من شعائر الإسلام، (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) (4).

_ (1) النور: من 35. (2) النور: من 35. (3) النور 36: 37. (4) الحج: 32.

وهناك مساجد لها خصوصية هي المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى ومسجد قباء وسنتحدث عن هذا الموضوع في جزء الحج والعمرة. والمسجد والجمعة والجماعة مظاهر حيوية الإسلام واستمراره في الأمة الإسلامية ولذلك فلابد من العناية بالمساجد والاهتمام بصلاة الجماعة، والتركيز على صلاة الجمعة، والاستفادة بأقصى ما يكون من خطبة الجمعة. فلابد من بذل الجهود لتكثير المساجد ولحسن إقامتها ولحسن ترتيب أمورها الحسية والمعنوية وينبغي للهندسة الإسلامية أن تستفيد من تجارب العصور وتجارب الأقطار في إحسان بناء المساجد بحيث يتحقق في المسجد الجديد أرقى اجتهادات المسلمين في إقامة المساجد وتحسينها وتحسين مرافقها فيلحظ في المرافق إيجاد المراحيض العامة والحمامات وأن تكون بمعزل عن بناء المسجد وأن تهيأ لها وسائل الطهارة والنظافة من مياه وخراطيم ماء، وإحكام نظافة الخراطيم بأن يكون لها محل تعلق فيه، وأن يكون في كل مرحاض ورق وسلة مهملات، وأن يكون ماء المراحيض والحمامات يناسب فصول السنة، وأن يعتنى بمحل الوضوء في مياهه وراحة المتوضئ حين يتوضأ بأن يكون هناك مجالس من الحجارة يجلس عليها أثناء الوضوء، وأن تكون هناك مناشف يستفيد منها المتوضئ والمغتسل ويلحظ في بناء المسجد جماله وبهاؤه ومده واحتمال كثرة المقبلين عليه، فتهيأ لذلك الأروقة ويكون في كل رواق ما يمكن أن يمد به وان توجد مياه الشرب ووسائل التكييف، وهذا كله مع إتقان اختيار المؤذن والخدم والخطيب والإمام والمدرسين والدعاة إلى المسجد ودروسه، وأن يكون هناك ضبط للمواقيت بحيث يعرف رواد المسجد متى تقام الصلاة في كل وقت، وما هي مواعيد الدروس المنتظمة، ولابد من مراقبة دقيقة لحسن استعمال المسجد ومرافقه بحيث لا يستغل من أهل الفساد، وإذا كان بالإمكان على ضوء التجربة إيجاد نشاطات تتناسب مع مواعيد الإجازات والعطل، وأن يرافق هذه النشاطات نوع من الرحلات الهادفة، ولعله من المناسب أن يكون لكل مسجد مجلس يختار أعضاؤه من رواد المسجد والحريصين عليه، يتابعون هذه الأمور كما يقومون بزيارات منتظمة لمن هم في دائرة المسجد، كما يقومون بمتابعة بناء المكتبة المسجدية ذات الكتب الهادفة، ويكثرون من عدد النسخ التي يحتاجها

كل مسلم بدراسته المسجدية، وقد درجت بعض المساجد على أن تكون فيها أمكنة خاصة للنساء، وقاعات للمطالعة يمكن أن يستفاد منها في محاضرات أو دروس للعلوم الكفائية، وقد خصص بعض المسلمين في بعض المساجد غرفاً لأضياف المسجد كما خصصوا غرفاً لمريدي الاعتكاف والخلوات والأذكار، وخصص بعض بناة المساجد مرافق خاصة للقائمين بشؤون المسجد من إمام وخطيب، واعتنى بعضهم بإقامة مطعم يمكن أن يستفاد منه حين وجود الأضياف، ومن القديم فطن المسلمون إلى فكرة وجود الأوقاف التي تسد حاجات المسجد، وإنما نذكر هذا كله تذكيراً لأصحاب الإمكانات بأن يبذلوا جهوداً لإيجاد المسجد الذي يجمع بين المعاصرة وبين المركزية التي كانت للمسجد في كونه مركزاً لكل النشاطات الإسلامية الجادة، وقد ذهب بعضهم إلى أنه مما ينبغي أن يلحق بالمسجد المعاصر النادي الرياضي الإسلامي والنادي الكشفي الإسلامي، وأن يسهر المختصون على هذا كله بحيث يكون المسجد محضناً يتخرج فيه المسلم الكامل ثقافة وخصائصاً والتزاماً وتخصصاً في فرض من فروض الكفاية، ومن تتبع اجتهادات المسلمين في موضوع المساجد وفطنتهم للصغيرة والكبيرة مما يحتاجه المسجد ورواده يرى العجب، فبعض رواد المساجد نظموا جمع التبرعات والزكوات بحيث لا يضيع أحد في دائرة المسجد وما أجمل أن يقوم مجلس المسجد بالتهيئة لإحياء المناسبات والتحضير لمواسم العبادات كرمضان والحج، وعلى القائمين على شؤون المسجد أن يرتبوا لمشاركة الناس في أفراحهم وأتراحهم، فإذا ولد مولود زاروا أهله وقدموا الهدايا باسم المسجد، وإذا تزوج إنسان قاموا بشؤون الأفراح على الطريقة الإسلامية، وقدم الرجال والنساء الهدايا باسم المسجد، وإذا توفي إنسان قاموا بحقوق الميت وحقوق أهله، وما لا يدرك كله لا يترك جله. وإنما حياة المسجد بالجمعة والجماعة فعليهما يجب أن ينصب أكبر الاهتمام وعلى خطيب المسجد أن يجعل أسبوعه كله في خدمة الخطبة، فلقد رأينا خطباء لا يهتمون بالتحضير للخطبة فتفوتهم أشياء كثيرة بسبب ذلك، فلا هم يحسنون اختيار الموضوعات المتكاملة ولا هم يحسنون العرض، وكثيراً ما تفوتهم الدقة العلمية أو الفقهية، فيلقنون الناس الخطأ، فأصبحنا نستشعر أننا في العصر الذي كثر خطباؤه وقل علماؤه.

ولقد خصصنا هذا الباب للمسجد والجماعة والجمعة لارتباط هذه الأمور ببعضها وجعلنا لكل موضوع فصلاً، ففصول هذا الباب ثلاثة: الفصل الأول: في المساجد، والثاني في الجماعة، والثالث في الجمعة. فإلى الفصل الأول في هذا الباب:

الفصل الأول في المساجد وأحكامها

الفصل الأول في المساجد وأحكامها وفيه عرض إجمالي وفقرات ومسائل وفوائد الفقرة الأولى: الاهتمام ببناء المساجد وخدمتها. الفقرة الثانية: في بعض ما ورد في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم. الفقرة الثالثة: في بعض آداب وأحكام المسجد. الفقرة الرابعة: في صلاة المرأة في المسجد.

عرض إجمالي

عرض إجمالي أفضل بقاع الأرض المساجد، وأفضل المساجد ثلاثة: المسجد الحرام ومسجد المدينة والمسجد الأقصى، وأفضل الثلاثة عند الجمهور مسجد مكة، وعند مالك مسجد المدينة، وقال الحنفية: مسجد أستاذه للعلوم له فضله، ومسجد الحي له حقه. ومن أحكام المساجد: حرمة دخول المساجد على الجنب والحائض والنفساء، وأباح الشافعية والحنابلة العبور من غير مكث ولا كراهة فيه، سواء أكان لحاجة أو لغيرها، ويكره تحريماً عند الحنفية اتخاذ المسجد طريقاً بغير عذر، ومن احتلم في المسجد وجب عليه الخروج منه إلا لعذر لخوف على نفسه أو ماله أو عجز عن الخروج لإغلاق المسجد، ولو أجنب خارج المسجد والماء في المسجد لم يجز أن يدخل ويغتسل فيه، ولو دخل للاستقاء لا يجوز أن يقف إلا قدر حاجة الاستقاء أما المحدث حدثاً أصغر فيجوز له الجلوس في المسجد بإجماع المسلمين، ويجوز النوم في المسجد بلا كراهة عند الشافعية، وقال الحنفية يكره إلا للغريب والمعتكف، وكره الحنابلة اتخاذ المسجد مبيتاً أو مقيلاً، ومنع المالكية دخول الكافر المسجد إلا لضرورة عمل كأن كان أقل أجرة أو أكثر إتقاناً، وأجاز أبو حنيفة للكافر دخول كل مسجد، واستثنى الشافعية المسجد الحرام وحرم مكة، ويجوز عندهم أن يبيت فيه ولو كان جنباً بإذن المسلمين، ويجوز الوضوء في المسجد إذا لم يؤذ بمائه والأولى أن يكون في إناء، وقال مالك وأبو حنيفة يكره الوضوء فيه تنزيهاً واستثنى الحنفية الوضوء في مكان أعد له، ولا بأس بالأكل والشرب ووضع المائدة فيه وغسل اليد فيه بشرط ألا يلوثه وأن ينظفه بعد ذلك، ويكره لمن أكل ثوماً أو بصلاً أو كراثاً أو غيرها مما له رائحة كريهة وبقيت رائحته أن يدخل المسجد من غير ضرورة، ومن باب أولى أن يأكل هذه الأشياء داخل المسجد أو يدخل شيئاً كريه الرائحة إليه، وكل ذلك مكروه تحريماً عند الحنفية ومحرم عند المالكية، ويكره البصاق في المسجد على أرضه أو جدرانه إلا إذا دفن البصاق أو كان في شيء يحمله، ويحرم البول والفصد والحجامة في المسجد بغير إناء ويكره الفصد والحجامة فيه في إناء، ويكره إدخال نجاسة إلى المسجد، ولا يجوز عند الحنفية الاستصباح فيه بدهن نجس ولا تطيينه بنجس، ويحرم الوطء في المسجد أو على ظهره، ومن كان على بدنه نجاسة أو كان

به جرح، فإن خاف تلويث المسجد حرم عليه دخوله، وإن أمن لم يحرم، ولا يجوز بناء المسجد ولا تجصيصه بنجس. ويكره غرس الشجر في المسجد، ويكره حفر البئر فيه إلا لمصلحته، ولكن هذا بعد أن يكون مسجداً أما إذا كان الواقف قد جعل حيزاً من المسجد لمثل هذه الشؤون وغيرها فلا حرج، وتكره الخصومة في المسجد ورفع الصوت فيه ونشدان الضالة والبيع والشراء والإجارة ونحوها من العقود الدنيوية، ويحرم عند الحنابلة البيع والشراء في المسجد وإن وقع فهو باطل، ويكره رفع الصوت بالذكر إن شوش على المصلين عند الحنفية والحنابلة إلا للمتفقه، كما يكره عندهم الكلام، كلام اللغو الذي قد يجر إلى ما ليس مباحاً، أما الكلام المباح فلا يكره إن لم يشوش على المصلين ولا بأس عند الشافعية أن يعطى السائل في المسجد شيئاً، ولكن السؤال نفسه في المسجد مكروه عند الشافعية والمالكية والحنابلة، إلا أنهم يجيزون الإعطاء، وحرم الحنفية السؤال في المسجد وكرهوا الإعطاء، ويكره إدخال البهائم والمجانين والصبيان الذين لا يميزون المسجد عن غيره. ويكره أن يجعل المسجد مقعداً لحرفة كالخياطة مثلاً. أما نسخ العلم والعمل المؤقت فلا بأس به، ويجوز الاستلقاء في المسجد على القفا، ووضع إحدى الرجلين على الأخرى، وتشبيك الأصابع ونحوه إلا في حالات سنراها. ويستحب عقد حلق العلم والوعظ في المساجد، ويجوز التحدث بالحديث المباح في المسجد وبأمور الدنيا وغيرها من المباحات، وإن حصل فيه ضحك ونحوه ما دام مباحاً. ولا بأس بإنشاد الشعر في المسجد إذا كان مدحاً للنبوة والإسلام أو كان حكمة أو في مكارم الأخلاق أو الزهد أو نحو ذلك من أنواع الخير، أو كان فيه دفاع عن الإسلام وأهله أو هجاء للكفر والكافرين، أما الشعر المذموم كالذي فيه هجاء للمسلم أو تهييج على معصية أو كان فيه معصية كمدح الظالمين إلى غير ذلك فإنه غير جائز، ويسن كنس المسجد وتنظيفه وإزالة ما يرى فيه مما لا يليق فيه، وإذا دخل إنسان للمسجد ومعه سلاح يمكن أن يجرح فإنه يمسك على حده، ويسن للقادم من سفر أن يبدأ بالمسجد فيصلي فيه ركعتين وينبغي للجالس في المسجد أن ينوي الاعتكاف ما دام فيه، فإن له بذلك مزيد أجر،

والأصل ألا يغلق المسجد إلا لصيانة أو لحفظ أو لخوف مفسدة أو خوف من أن تنتهك حرمته. ويسن لداخل المسجد أن يصلي ركعتين تحية المسجد إلا إذا دخل في وقت لا تجوز فيه الصلاة أو تكره فيه صلاة النافلة عند من ذهب إلى ذلك من الفقهاء فعند الحنفية مثلاً لا تصلى تحية المسجد بعد صلاة الفجر أو العصر ولا في الأوقات التي لا تجوز فيها الصلاة: عند طلوع الشمس وقبيل الزوال وعند غروب الشمس. ولا ينبغي للقاضي أن يتخذ مجلساً للقضاء إلا ما يقع فيه صدفة، وقال الجمهور لا تقام الحدود في المساجد، وإذا وجد المسجد فيحرم أن يحفر فيه قبر، أما من دفن في مكان فبني بسبب ذلك مسجد ولم يكن يتوجه إلى القبر في صلاة، أو كان بينه وبين المصلين حاجز فالكراهة حاصلة ولكن لا حرمة في ذلك. وتكره الكتابة عند الشافعية والحنابلة والمالكية على جدران المسجد وسقوفه، وقال المالكية والحنابلة تكره الكتابة في القبلة ولا تكره فيما عدا ذلك. وحائط المسجد من دخله وخارجه وكذا سطحه ورحبته إذا كان عليها باب ومنارته التي تكون فيه أو التي بابها فيه من المسجد لها أحكام المسجد، وكذا كل ما زيد في المسجد مهما كثر له حكم أصل المسجد. ومن أراد دخول المسجد تفقد نعليه ومسح ما فيهما من الأذى قبل دخوله، ويستحب أن يدعو عند دخول المسجد بدعاء الدخول وبدعاء الخروج عند الخروج من المسجد كما سيمر معنا، ويقدم رجله اليمنى في الدخول واليسرى في الخروج. ولا يجوز أخذ شيء من أجزاء المسجد كحجر أو حصاة أو تراب إلا إذا كان من باب التنظيف، وينبغي أن يكثر المسلمون من بناء المساجد وعمارتها وتعهدها وإصلاح ما يطرأ عليها، قال الحنابلة يجب بناء المساجد في الأمصار والقرى والمحال ونحوها حسب الحاجة، وذلك فرض كفاية ويجوز بناء المسجد في موضع كان كنيسة أو بيعة أو مقبرة درست إذا أصلح ترابها.

ورخص الحنفية بتزيين المسجد وزخرفته مراعاة لما طرأ على أعراف الناس، فلا ينبغي أن يكون المسجد أقل جمالاً من بيوت رواده، وخاصة حيث يكون لذلك أثره في إثارة المشاعر بقوة الإسلام وعظمته أمام الآخرين، ويجب أن تكون النية في ذلك صالحة. ومصلى العيد الذي ليس مسجداً في الأصل، ليس له حكم المسجد فلا يحرم فيه المكث على الجنب والحائض. قال الحنابلة: يحرم الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لعذر، أما الخروج بعذر فمباح، وقال الشافعية يكره الخروج من المسجد بعد الأذان بغير صلاة إلا لعذر. قال أبو حنيفة وصاحباه: يكره للنساء الشواب حضور الجماعة مطلقاً، وقال أبو حنيفة ولا بأس أن تخرج العجوز في الفجر والمغرب والعشاء، وأفتى متأخرو الحنفية بكراهة حضور النساء الجماعة مطلقاً ولو لجمعة وعيد ووعظ ولو عجوزاً، وقال المالكية: إن خروج المرأة محتمشة للمسجد ولجماعة العيد والجنازة والاستسقاء والكسوف والخسوف خلاف الأولى، وللشابة المأمونة الفتنة الخروج لمسجد وجنازة بشرط القرب من أهلها، أما التي تخشى منها الفتنة فلا يجوز لها الخروج مطلقاً، وقال الشافعية والحنابلة: يكره للحسناء أو ذات الهيئة شابة أو غيرها حضور جماعة الرجال وتصلي في بيتها، ويباح الحضور لغير الحسناء إذا خرجت تفلة بإذن زوجها، وبيتها خير لها. واستحب الشافعية جماعة النساء، وتقف الإمامة وسطهن، وقال الحنفية يكره تحريماً جماعة النساء وحدهن بغير الرجال وأجازوا لهن صلاة الجنازة جماعة وتقف الإمامة وسطهن. قال الحنفية: ولو خرب المسجد وليس له ما يعمر به أو استغنى الناس عنه ببناء مسجد آخر يبقى مسجداً إلى قيام الساعة، فلا يعود إلى ملك الباني وورثته، ولا يجوز نقله ونقل ماله إلى مسجد آخر. ولا يحل وضع جذوع على جدار المسجد ولو دفع أجرة، وقال محمد إذا انهدم الوقف وليس له من الغلة ما يعمر به يرجع إلى الباني أو إلى ورثته، وهذا الخلاف عند الحنفية

يسري على بسط المسجد وحصره وقناديله إذا استغني عنها، قال أبو يوسف: تنقل إلى مسجد آخر، وقال محمد ترجع إلى مالكه، والخلاف بين أبي يوسف ومحمد يسري على أنقاض المسجد، فأبو يوسف يفتي بنقله إلى مسجد آخر، ومحمد يعيده إلى ورثة الواقف وأبو حنيفة يمنع الاثنين. وإذا وقف واقف واحد وقفين على مسجد أحدهما لترميمه والآخر للإمام أو المؤذن أو المدرس فقل مخصص الإمام ونحوه فللحاكم أن يصرف من فاضل وقف المصالح والعمارة إلى الإمام والمؤذن بعد استشارة أهل الصلاح من أهل المحلة، أما إذا اختلفت الجهة التي كان عليها الوقف أو اختلف الواقف فلا يصح للحاكم نقل مخصص أحدهما للآخر. ويجوز للباني أو لصاحب الإذن جعل شيء من الطريق مسجداً لضيقه إذا وافق أهل المحلة والجهة ذات العلاقة، ولا يضر بالمارين ويجوز العكس وهو أن يوسع الطريق على حساب المسجد إذا اضطر لذلك المسلمون، وجاز في هذه الحالة للكافر أن يمر فيه ويتحاشى الجنب والحائض عن المرور فيه، ويجنب الدواب كذلك المرور فيه احتراماً للأصل. (انظر المجموع 2/ 187 - 196)، (إعلام المساجد بأحكام المساجد للزركشي)، (الدر المختار 1/ 441 فما بعدها)، (الفقه الإسلامي 1/ 392 فما بعدها).

الفقرة الأولى الاهتمام ببناء المساجد وخدمتها وفضلها

الفقرة الأولى الاهتمام ببناء المساجد وخدمتها وفضلها 1385 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحب البلاد إلى الله المساجد، وأبغض البلاد إلى الله الأسواق". 1386 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فنزل في علو المدينة، في حي يقال لهم: [بنو] عمرو بن عوف فأقام فيهم أربع عشرة ليلة، ثم إنه أرسل إلى ملأ بني النجار، فجاؤوا متقلدين بسيوفهم، قال: فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته وأبو بكر ردفه، وملأ بني النجار حوله، حتى ألقى بفناء أبي أيوب. قال: وكان يصلي حيث أدركته الصلاة، ويصلي في مرابض الغنم، ثم إنه أمر بالمسجد، قال: فأرسل إلى ملأ بني النجار، فجاؤوا، فقال: يا بني النجار، ثامنوني بحائطكم هذا، قالوا: لا والله، ما نطلب ثمنه إلا إلى الله، قال أنس: فكان فيه ما أقول، كان فيه نخل، وقبور المشركين، وخرب، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنخل فقطع، وبقبور المشركين فنبشت، والخرب فسويت، قال: وصفوا النخل قبلة، وجعلوا عضادتيه حجارة، قال: فكانوا يرتجزون ورسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يقولون: اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة ... فانصر الأنصار والمهاجره وعند أبي داود "حرث" قال: وكان عبد الوارث يقول "خرب".

_ 1385 - مسلم (1/ 464) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 52 - باب فضل الجلوس في مصلاه بعد الصبح. 1386 - البخاري (7/ 265) 63 - كتاب مناقب الأنصار، 46 - باب مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة. أبو داود (1/ 123، 124) كتاب الصلاة، 11 - باب في بناء المساجد. النسائي (2/ 39، 40) 8 - كتاب المساجد، 12 - باب نبش القبور واتخاذ أرضها مسجداً. (ثامنوني) ثامنت الرجل في المبيع وعلى السلعة، أثامنة: إذا قاولته في ثمنها، وساومته على بيعها منه واشترائها. (وخرب) الخرب: جمع خربة، ومن رواه "حرث" أراد به الموضع المحروث، والحرث: الزرع.

وفي رواية للبخاري (1) وأبي داود (2) نحوه، وفيه: "فجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون". اللهم لا خير إلا خير الآخرة ... فاغفر للأنصار والمهاجرة قال الحافظ: وفي الحديث جواز التصرف في المقبرة المملوكة بالهبة والبيع، وجواز نبش القبور الدراسة إذا لم تكن محترمة، وجواز الصلاة في مقابر المشركين بعد نبشها وإخراج ما فيها، وجواز بناء المساجد في أماكنها، قيل وفيه جواز قطع الأشجار المثمرة للحاجة أخذاً من قوله "وأمر بالنخل فقطع" وفيه نظر لاحتمال أن يكون ذلك مما لا يثمر إما بأن يكون ذكوراً وإما أن يكون طرأ عليه ما قطع ثمرته، ا. هـ (الفتح 1/ 526). 1387 - * روى البخاري عن عكرمة مولى ابن عباس قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنهما، ولابنه علي: "انطلقاً إلى أبي سعيد، فاسمعا من حديثه، فانطلقنا، فإذا هو في حائط يصلحه، فأخذ رداءه فاحتبى، ثم أنشأ يحدثنا حتى أتى على ذكر بناء المسجد، فقال: كنا نحمل لبنة لبنة، وعمار لبنتين لبنتين، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل ينفض التراب عنه ويقول: ويح عمار، يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار، قال: ويقول عمار: أعوذ بالله من الفتن". 1388 - * روى البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كان سقف المسجد من جريد النخل، فأمر عمر في خلافته ببناء المسجد وقال: أكن الناس من المطر، وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس". أقول: تزيين المساجد ونقشها لا حرج فيه، وتورع عمر عن ذلك من سياسته في الأخذ بعزائم الأمور، والقرب من الفطرة، والبعد عن التكلف، وبعض الفقهاء بنوا على ذلك كراهة تزيين المساجد كما أخذوه من النصوص التي تذكر أن ذلك من علامات الساعة،

_ (1) البخاري (1/ 524) 8 - كتاب الصلاة، 48 - باب هل تنبس قبور مشركي الجاهلية. (2) أبو داود (1/ 124) كتاب الصلاة، 11 - باب في بناء المساجد. 1387 - البخاري (1/ 541) 8 - كتاب الصلاة، 63 - باب التعاون في بناء المساجد. 1388 - البخاري (1/ 539) 8 - كتاب الصلاة، 62 - باب بنيان المسجد.

وقال بعضهم ليس كل علامة من علامات الساعة من باب المنكرات ومراعاة الزمان والمكان تقتضي الاعتناء ببناء المسجد على ألا يتجاوز الحد المتعارف عليه إذا كان يبنى بمال الوقف، أما إذا كان صاحبه يبنيه بماله فله أن يتوسع في ذلك بما شاء، وكذلك إذا كان المتبرعون ببناء المسجد راضين بخريطة المسجد كما يضعها المهندسون، وهذه قضية يشدد فيه سلباً أو إيجاباً بعض الناس، والأمر واسع، وقد درج أمراء المسلمين على أن يشيدوا أوابد المساجد دون نكير، بل كان يعتبر ذلك منهم اجتهاداً لإظهار عظمة الإسلام. 1389 - * روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "كان المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبنياً باللبن، وسقفه بالجريد، وعمده خشب النخل، فلم يزد فيه أبو بكر شيئاً، وزاد فيه عمر، وبناه على بنائه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم باللبن والجريد، وأعاد عمده خشباً، ثم غيره عثمان وزاد فيه زيادة كثيرة، وبنى جدره بالحجارة المنقوشة والقصة، وجعل عمده من حجارة منقوشة، وسقفه ساجاً" .. وفي رواية لأبي داود (2) أيضاً "أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كان سواريه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جذوع النخل، وأعلاه مظلل بجريد النخل، ثم إنها نخرت في خلافة أبي بكر، فبناها بجذوع النخل وجريد النخل، ثم إنها نخرت في خلافة عثمان، فبناها بالآجر، فلم تزل ثابتة حتى الآن". 1390 - * روى أبو داود عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد". وفي رواية (4) "أن من أشراط الساعة أن يتباهى الناس في المساجد".

_ 1389 - البخاري (1/ 540) 8 - كتاب الصلاة، 62 - باب بنيان المسجد. أبو داود (1/ 123) كتاب الصلاة، 11 - باب في بناء المساجد. (2) أبو داود نفس الموضع السابق. (والقصة) القصة: الجص بلغة أهل الحجاز. 1390 - أبو داود (1/ 123) كتاب الصلاة، 11 - في بناء المساجد، وإسناده صحيح. ابن حبان (3/ 70) كتاب الصلاة، ذكر العلة التي من أجلها زجر عن هذا الفعل. (4) النسائي (2/ 32) 8 - كتاب المساجد، 2 - المباهاة في المساجد. الدارمي (1/ 327) كتاب الصلاة، باب في تزويق المساجد، وإسناده صحيح.

1391 - * روى الشيخان عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: عند قول الناس فيه "حين بنى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم أكثرتم، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتاً في الجنة". أقول: أنكر بعض الناس على عثمان رضي الله تعالى عنه تحسين بناء المسجد وهو الخليفة الراشد الذي يعتبر عمله قدوة تتأسى به الأمة الإسلامية في الوقت الذي لم يفعل إلا خيراً، وهكذا فإن جميع ما أنكر على عثمان رضي الله عنه كان من باب الاجتهاد من أهله وما كان على الناس من ضير لو أنهم سلموا له بل يكونون مأجورين. 1392 - * روى الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من بنى مسجداً- صغيراً كان أو كبيراً- بنى الله له بيتاً في الجنة" .. 1393 - * روى النسائي عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من بنى لله مسجداً، ليذكر الله فيه، بنى الله له بيتاً في الجنة". ولأحمد (4) عن أسماء بنت يزيد: بيتاً أوسع منه .. 1394 - * روى ابن ماجه عن أبي ذر رفعه: "من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة". وفي رواية ابن ماجه (6) "ولو كمفحص قطاة أو

_ 1391 - البخاري (1/ 544) 8 - كتاب الصلاة، 65 - باب من بنى مسجداً. مسلم (1/ 378) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 4 - باب فضل بناء المساجد والحث عليها. 1392 - الترمذي (2/ 135) أبواب الصلاة، 237 - باب في فضل بنيان المساجد. وهو حسن بشواهده وضعفه بعضهم. 1393 - النسائي (2/ 21) 8 - كتاب المساجد، 1 - الفضل في بناء المساجد. وهو حسن بشواهده. (4) أحمد (6/ 46). ورجاله موثقون. 1394 - ابن ماجه (1/ 244) 4 - كتاب المساجد والجماعات، 1 - باب من بنى لله مسجداً. كشف الأستار (1/ 204) كتاب الصلاة، باب المساجد من بنى لله مسجداً. الروض الداني (2/ 246). مجمع الزوائد (2/ 7) قال الهيثمي: رواه البزار والطبراني في الصغير. قال العراقي وإسناده صحيح، وصححه السندي. (6) ابن ماجه (1/ 234) 4 - كتاب المساجد والجماعات، 1 - باب من بنى لله مسجداً. (كمفحص قطاة): هو موضعها الذي تجثم فيه وتبيض لأنها تفحص عنه التراب وهذا مذكور لإفادة المبالغة، وإلا فأقل المسجد أن يكون موضعاً لصلاة واحد، والقطا: نوع من الطيور يؤثر الحياة في الصحراء. نهاية.

أصغر"، وفي رواية لأحمد (1) "ولو كمفحص قطاة لبيضها". 1395 - * روى ابن خزيمة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حفر ماء لم يشرب منه كبد حري من جن ولا إنس ولا طائر إلا آجره الله يوم القيامة. ومن بنى مسجداً كمفحص قطاة أو أصغر بنى الله له بيتاً في الجنة". قال يونس: من سبع ولا طائر، وقال: كمفحص قطاة. 1396 - * روى أبو داود عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره: أن يجعل مسجد أهل الطائف حيث كانت طواغيتهم". 1397 - * روى الطبراني عن زيد بن عيسى الخزاعي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا بنيت مسجد صنعاء فاجعله عن يمين جبل يقال له ضين". 1398 - * روى النسائي عن طلق بن علي رضي الله عنه قال: "خرجنا وفداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبايعناه، وصلينا معه، وأخبرناه أن بأرضنا بيعة لنا، فاستوهبناه من فضل طهوره، فدعا بماء، فتوضأ وتمضمض، ثم صبه لنا في إداوة وأمرنا، فقال: "اخرجوا، فإذا أتيتم أرضكم فاكسروا بيعتكم، وانضحوا مكانها بهذا الماء، واتخذوا مسجداً، قلنا: إن البلد بعيد، والحر شديد، والماء ينشف، فقال: مدوه من الماء، لا يزيده إلا طيباً، فخرجنا حتى قدمنا بلدنا، فكسرنا بيعتنا، ثم نضحنا مكانها،

_ (1) أحمد (1/ 241). 1395 - ابن خزيمة (2/ 269) جماع أبواب فضائل المساجد وبنائها وتعظيمها، 572 - باب في فضل المسجد وإن صغر المسجد وضاق. 1396 - أبو داود (1/ 123) كتاب الصلاة، 11 - باب في بناء المساجد، وإسناده حسن. (طواغيتهم) الطواغيت: جمع طاغوت، وهو المارد من الشياطين، وقيل: الصنم، وكذا أراد به ها هنا. 1397 - مجمع الزوائد (2/ 12) كتاب الصلاة، باب أين تتخذ المساجد وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، وإسناده حسن. (ضين): جبل عظيم بصنعاء. 1398 - النسائي (2/ 38) 8 - كتاب المساجد، 11 - اتخاذ البيع مساجد، وإسناده حسن.

واتخذناها مسجداً، فنادينا فيه بالأذان. قال: والراهب رجل من طيء، فلما سمع الأذان، قال: دعوة حق، ثم استقبل تلعة من تلاعنا فلم نره بعد". 1399 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أمرت بتشييد المساجد". قال ابن عباس (1): "لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى". المراد من التشييد: رفع البناء وتطويله ومنه قوله سبحانه (في بروج مشيدة) كذا في (شرح السنة 2/ 349). قوله عليه الصلاة والسلام: (ما أمرت بتشييد المساجد) لا ينفي جواز تشييدها، وقد بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بناه على أبسط ما يمكن أن يكون البناء، وكان بناء الناس لبيوتهم وقت ذاك بسيطاً فلما تحسن الحال، وتحسن بناء البيوت أصبح الناس يحسنون في بناء المساجد وليس في ذلك من حرج إن شاء الله، ومن الأدلة على ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ببناء المساجد في أمكنة الطواغيت، ومنه أخذ المسلمون تحويل الكنائس والبيع إلى مساجد إذا كان ذلك جزءاً من الصلح أو غلبوا على ذلك قهراً، فكان مما ورثوه كنائس فخمة حولوها إلى مساجد وصلى بها المسلمون دون نكير، ولم يكن المسجد الأموي ومسجد أيا صوفيا في الأصل إلا من هذا القبيل. وهذه خلاصة رأي المذاهب الأربعة في نقش المسجد من كتاب الفقه على المذاهب الأربعة (1/ 287): وأما نقش المسجد وتزويقه بغير الذهب والفضة فهو جائز، أما نقشه بهما فهو حرام وهذا

_ (التلعة): مجرى أعلى الأرض إلى بطون الأودية، وقيل: هو ما ارتفع من الأرض، وما انهبط منها، فهو إذن من الأضداد. 1399 - أبو داود (1/ 122) كتاب الصلاة، 11 - باب في بناء المساجد، وإسناده صحيح. (1) البخاري (1/ 539) 8 - كتاب الصلاة، 62 - باب بنيان المسجد. أبو داود (1/ 122) كتاب الصلاة، 11 - باب في بناء المساجد. (زخرفت) الزخرفة: النقوش وتذهيب الحيطان وتمويهما بالذهب.

حكم متفق عليه بين الشافعية والحنابلة أما المالكية فرأيهم يكره نقش المسجد وتزويقه ولو بالذهب والفضة سواء كان ذلك في محرابه أو غيره كسقفه وجدرانه أما تجصيص المسجد وتشييده فهو مندوب ورأي الحنفية يكره نقش المحراب وجدرانه من القبلة بجص ماء ذهب إذا كان النقش بمال حلال لا من مال الوقف فإن كان بمال حرام أو من مال الوقف حرم ولا يكره نقش سقفه وباقي جدرانه بالمال الحلال المملوك وإلا حرم ولا بأس بنقشه من مال الوقف إذا خيف ضياع المال في أيدي الظلمة أو كان فيه صيانة للبناء أو فعل الواقف ا. هـ. 1400 - * روى الطبراني في الكبير عن ابن عباس أن امرأة كانت تلقط القذى من المسجد فتوفيت فلم يؤذن النبي صلى الله عليه وسلم بدفنها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا مات لكم ميت فآذنوني وصلى عليها" وقال: "إني رأيتها في الجنة تلقط القذى من المسجد".

_ 1400 - الطبراني (11/ 238) "المعجم الكبير". مجمع الزوائد (2/ 10) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وقال في تراجم النساء. الخرقاء السوداء التي كانت تميط الأذى عن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر بعد هذا الكلام إسناداً عن أنس قال فذكر الحديث، ورجال إسناد أنس رجال الصحيح.

الفقرة الثانية في بعض ما ورد عن مسجد الرسول

الفقرة الثانية في بعض ما ورد عن مسجد الرسول 1401 - * روى أبو داود عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: "كان بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الحائط كقدر ممر الشاة". وعند البخاري ومسلم (2) قال: "كان جدار المسجد عند المنبر ما كادت الشاة تجوزه". وفي أخرى (3) لمسلم "أن سلمة كان يتحرى موضع المصحف يسبح فيه، وذكر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحرى ذلك المكان، وكان بين المنبر والقبلة قدر ممر الشاة". وفي رواية (4) لهما "كان سلمة يتحرى الصلاة عند الأسطوانة التي عند المصحف، فقلت له: يا أبا مسلم، أراك تتحرى الصلاة عند الأسطوانة؟ قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى الصلاة عندها". قوله: مكان المصحف: هو المكان الذي وضع فيه صندوق المصحف في المسجد النبوي الشريف وذاك المصحف هو الذي سمي إماماً من عهد عثمان رضي الله تعالى عنه، وكان في ذلك المكان أسطوانة تعرف بأسطوانة المهاجرين وكانت متوسطة في الروضة المكرمة، انظر (صحيح مسلم 1/ 364 و 365). ذكر الحافظ العسقلاني أن المهاجرين من قريش كانوا يجتمعون عندها وروي عن الصديقة أنها كانت تقول لو عرفها الناس لاضطربوا عليها بالسهام وإنها أسرتها إلى ابن الزبير فكان يكثر الصلاة عندها. قوله يسبح فيه: التسبيح يعم صلاة النفل وتسمى صلاة الضحى بالسبحة.

_ 1401 - أبو داود (1/ 284) كتاب الصلاة، 221 - باب موضع المنبر. (2) البخاري (1/ 574) 8 - كتاب الصلاة، 91 - باب قدركم ينبغي أن يكون بين المصلي والسترة. مسلم (1/ 364) 4 - كتاب الصلاة، 49 - باب دنو المصلي من السترة. (3) مسلم في نفس الموضع السابق. (4) البخاري (1/ 577) 8 - كتاب الصلاة، 95 - باب الصلاة إلى الأسطوانة. مسلم (1/ 364) 4 - كتاب الصلاة، 49 - باب دنو المصلي من السترة.

1402 - * روى أحمد عن سهل بن سعد أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "منبري على ترعة من ترع الجنة فقلت ما الترعة يا أبا العباس قال الباب". 1403 - * روى البخاري عن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: "كنت قائماً في المسجد، فحصبني رجل، فنظرت، فإذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: اذهب فأتني بهذين، فجئته بهما، فقال: من أنتما؟ أو من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف، قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ". 1404 - * روى مالك عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة". 1405 - * روى الترمذي عن علي وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة". 1406 - * روى مالك عن أبي هريرة أو أبي سعيد رضي الله عنهما "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

_ 1402 - أحمد (5/ 335، 339). وروي الحديث عن أبي هريرة" عند أحمد (2/ 360، 412) وله شاهد من حديث "جابر" عند أحمد (3/ 389). وقد حسن إسناده الأرناؤوط في شرح السنة (2/ 340). الطبراني (6/ 142) في "المعجم الكبير". مجمع الزوائد (4/ 49) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجال أحمد رجال الصحيح. (الترعة): الروضة على المكان المرتفع خاصة، فإن كانت على المكان المطمئن فهي روضة. 1403 - البخاري (1/ 560) 8 - كتاب الصلاة، 83 - باب رفع الصوت في المسجد. (فحصبني) حصبته: إذا رميته بالحصباء، وهي الحصى الصغار. 1404 - الموطأ (1/ 197) 14 - كتاب القبلة، 5 - باب ما جاء في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. البخاري (3/ 70) 20 - كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، 5 - باب فضل ما بين القبر والمنبر. مسلم (2/ 1010) 15 - كتاب الحج، 92 - باب ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة. النسائي (2/ 835) - كتاب المساجد، 7 - باب فضل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة فيه. 1405 - الترمذي (5/ 718) 50 - كتاب المناقب، 68 - باب في فضل المدينة. وأيضاً الإسناد الآخر، ص 719، نفس الموضع السابق. وهو حديث حسن. 1406 - الموطأ (1/ 197) 14 - كتاب القبلة، 5 - باب ما جاء في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. البخاري (3/ 70) 20 - كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، 5 - باب فضل ما بين القبر والمنبر. مسلم (2/ 1010) 15 - كتاب الحج، 92 - باب ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة.

"ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي". 1407 - * روى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت بعض نسائه، فقلت: يا رسول الله أي المسجد الذي أسس على التقوى؟ قال: فأخذ كفاً من حصباء، فضرب به الأرض، ثم قال: هو مسجدكم هذا، لمسجد المدينة". وفي رواية الترمذي (1) والنسائي (2) قال: تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم، فقال رجل: هو مسجد قباء، وقال الآخر: هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو مسجدي هذا". أخذه صلى الله عليه وسلم الحصباء وضربه في الأرض المراد به المبالغة في الإيضاح لبيان أنه مسجد المدينة والحصباء الحصى الصغار. (النووي). وللمساجد الثلاثة ولمسجد قباء فضل وسنذكر ماله علاقة في ذلك في جزء الحج.

_ الطبراني "المعجم الكبير" (1/ 147)، (12/ 294). كشف الأستار (3/ 24) كتاب الحج، باب ذكر رجاء نوال المرء المسلم بالطاعة روضة من رياض الجنة إذا أتى بها بين القبر والمنبر. مجمع الزوائد (4/ 9) وقال الهيثمي: ورجاله ثقات. قوله: (روضة من رياض الجنة): ذكروا في معناه قولين: أحدهما أن ذلك الموضع بعينه ينقل إلى الجنة والثاني أن العبادة فيه تؤدي إلى الجنة وقيل: إن معناه ما بين منبره وبيته حذاء روضة من رياض الجنة. وقوله: (منبري على حوضي) قال القاضي: قال أكثر العلماء: المراد منبره بعينه الذي في الدنيا وقال وهذا الأظهر. (النووي). 1407 - مسلم (2/ 1015) 15 - كتاب الحج، 95 - باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد. (1) الترمذي (2/ 144) أبواب الصلاة، 241 - باب ما جاء في المسجد الذي أسس على التقوى. (2) النسائي (2/ 36) 7 - كتاب الأذان، 8 - ذكر المسجد الذي أسس على التقوى.

الفقرة الثالثة في بعض آداب المسجد وأحكام المسجد

الفقرة الثالثة في بعض آداب المسجد وأحكام المسجد - النهي عن البيع والشراء ونشدان الضالة: 1408 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد، فليقل: لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تبن لهذا". وعند الترمذي قال: "إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد، فقولوا: لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشد ضالة، فقولوا: لا رد الله عليك". 1409 - * روى أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى عن الشراء والبيع في المسجد، وأن تنشد فيه ضالة، وأن ينشد فيه شعر، ونهى عن الحلق قبل الصلاة يوم الجمعة". 1410 - * روى مسلم عن بريدة رضي الله عنه "أن رجلاً نشد في المسجد، فقال: من

_ 1408 - مسلم (1/ 397) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 18 - باب النهي عن نشد الضالة في المسجد. أبو داود (1/ 128) كتاب الصلاة، 20 - باب في كراهية إنشاد الضالة في المسجد. الترمذي (3/ 610) 12 - كتاب البيوع، 75 - باب النهي عن البيع في المسجد. ابن خزيمة (2/ 274) كتاب الصلاة، 582 - باب الأمر بالدعاء على المتبايعين في المسجد ألا تربح تجارتهما، وهو صحيح. (ينشد ضآلة) الضالة: الضائعة، ونشدها: طلبها والسؤال عنها. 1409 - أبو داود (1/ 283) كتاب الصلاة، 219 - باب التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة. الترمذي (2/ 139) أبواب الصلاة، 240 - باب ما جاء في كراهية البيع والشراء وإنشاد الضالة والشعر في المسجد. النسائي (2/ 47، 48) 8 - كتاب المساجد، 22 - باب النهي عن البيع والشراء في المسجد وعن التحلق قبل صلاة الجمعة، 23 - باب النهي عن تناشد الأشعار في المسجد. ابن خزيمة (2/ 274) 581 - باب النهي عن البيع والشراء في المسجد. (الحلق) الحلق جمع حلقة، وهي الجماعة من الناس ها هنا. 1410 - مسلم (1/ 397) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 18 - باب النهي عن نشد الضالة في المسجد وما يقوله من سمع الناشد.

- إنشاد الشعر في المسجد

دعا إلى الجمل الأحمر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا وجدت، إنما بنيت المساجد لما بنيت له". وفي رواية قال: "الواجد غيرك ... وذكره". أراد بقوله: من دعا إلى الجمل الأحمر: من وجد الجمل الأحمر فدعا إليه صاحبه ليأخذه. قال ابن رسلان: فيه دليل على جواز الدعاء على الناشد في المسجد بعدم الوجدان معاقبة له في ماله معاملة له بنقيض قصده. وقال: ويلحق بذلك من رفع صوته فيه بما يقتضي مصلحة ترجع إلى الرافع صوته قال وفيه النهي عن رفع الصوت بنشد الضالة وما في معناه من البيع والشراء والإجارة والعقود: قال جماعة من العلماء يكره رفع الصوت في المسجد بالعلم وغيره وأجاز أبو حنيفة ومحمد بن مسلمة من أصحاب مالك رفع الصوت فيه بالعلم والخصومة وغير ذلك مما يحتاج إليه الناس لأنه مجمعهم ولابد لهم منه: قوله "وإنما بنيت المساجد لما بنيت له" قال النووي معناه لذكر الله والصلاة والعلم والمذاكرة في الخير ا. هـ. وأما البيع والشراء فذهب جمهور العلماء إلى أن النهي محمول على الكراهة، قال العراقي: وقد أجمع العلماء على أن ما عقد من البيع في المسجد لا يجوز نقضه وهكذا قال الموردي ا. هـ ذهب (الشوكاني 2/ 167) إلى أن النهي للتحريم. 1411 - * روى ابن خزيمة عن أبي عثمان، قال: سمع ابن مسعود رجلاً ينشد ضالة في المسجد، فغضب وسبه، فقال له رجل: ما كنت فحاشاً يا ابن مسعود. قال: إنا كنا نؤمر بذلك. - إنشاد الشعر في المسجد: 1412 - * روى الشيخان عن أبي هريرة، قال: مر عمر بحسان وهو ينشد في المسجد

_ 1411 - ابن خزيمة (2/ 273، 274) باب الأمر بالدعاء على ناشد الضالة في المسجد، إسناده جيد. 1412 - البخاري (6/ 304) 59 - كتاب بدء الخلق، 6 - باب ذكر الملائكة.

فلحظ إليه، فقال: قد كنت أنشد وفيه من هو خير منك، ثم التفت إلى أبي هريرة، فقال: أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أجب عني، اللهم أيده بروح القدس"،؟ قال: نعم. قال ابن حجر: وروح القدس المراد بها هنا جبريل بدليل حديث البراء عند البخاري (وجبريل معك) والمراد بالإجابة على الكفار الذين هجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقال: وأما ما رواه ابن خزيمة في صحيحه والترمذي وحسنه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تناشد الأشعار في المساجد" وإسناده صحيح إلى عمرو- فمن يصحح نسخته يصححه- وفي المعنى عدة أحاديث لكن في أسانيده مقال، فالجمع بينها وبين حديث الباب أن يحمل النهي على تناشد أشعار الجاهلية والمبطلين، والمأذون فيه ما سلم من ذلك. وقيل: المنهي عنه ما إذا كان التناشد غالباً على المسجد حتى يتشاغل به من فيه. ا. هـ (فتح الباري 1/ 549) وانظر (النيل 2/ 167). 1413 - * روى أبو داود عن حكيم بن حزام نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يستقاد في المسجد وأن تنشد فيه الأشعار وأن تقام فيه الحدود. أقول: ورد في إباحة إنشاد الشعر في المسجد نصوص، وورد في النهي عنه نصوص. والأول محمول على الشعر الحسن والثاني محمول على الشعر القبيح من المحرم أو المكروه. وانظر (النيل 2/ 169) وقال في (النيل 2/ 166): والحديث يدل على تحريم إقامة الحدود في المساجد وتحريم الاستقادة فيها. ا. هـ.

_ مسلم (4/ 1932، 1933) 44 - كتاب فضائل الصحابة، 34 - باب فضائل حسان بن ثابت رضي الله عنه. ابن خزيمة (2/ 275، 276) 584 - باب ذكر الخبر الدال على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن تناشد بعض الأشعار في المساجد لا عن جميعها. 1413 - أبو داود (3/ 167) كتاب الحدود، 38 - باب في إقامة الحد في المسجد. قال ابن حجر في التلخيص: ولا بأس بإسناده وقال في بلوغ المرام: إسناده ضعيف ا. هـ، والحديث حسن إن شاء الله.

- منع المشركين من المسجد الحرام

- منع المشركين من المسجد الحرام: 1414 - * روى ابن خزيمة عن جابر بن عبد الله يقول في قوله تعالى: (إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) (2) قال: إلا أن يكون عبداً أو أحداً من أهل الذمة. 1415 - * روى الشيخان عن سعيد بن أبي سعيد أنه سمع أبا هريرة يقول "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلاً قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد". قال ابن حجر (1/ 560) وقد اختصر المصنف الحديث مقتصراً على المقصود منه، وفي دخول المشرك المسجد مذاهب: فعن الحنفية الجواز مطلقاً، وعن المالكية والمزني المنع مطلقاً، وعن الشافعية التفصيل بين المسجد الحرام وغيره للآية. وقيل: يؤذن للكتابي خاصة، وحديث الباب يرد عليه، فإن ثمامة ليس من أهل الكتاب. - التصدق في المسجد: 1416 - * روى أبو داود عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل منكم أحد أطعم اليوم مسكيناً؟ فقال أبو بكر: دخلت المسجد، فإذا أنا بسائل يسأل، فوجدت كسرة خبز في يد عبد الرحمن، فأخذتها فدفعتها إليه". قال في (عون المعبود 2/ 53): قال السيوطي: الحديث فيه استحباب الصدقة على من سأل في المسجد، ذكره النووي

_ 1414 - ابن خزيمة (2/ 285، 286) 602 - باب إباحة دخول عبيد المشركين وأهل الذمة المسجد، والمسجد الحرام أيضاً وإسناده صحيح، ورواه ابن كثير من طريق عبد الرزاق. (2) التوبة: 28. 1415 - البخاري (1/ 560) 8 - كتاب الصلاة، 82 - باب دخول المشرك المسجد. مسلم (3/ 1386) 32 - كتاب الجهاد والسير، 19 - باب ربط الأسير وحبسه وجواز المن عليه. 1416 - أبو داود (2/ 127) كتاب الزكاة، 36 - باب المسألة في المساجد. وهو حديث حسن بشواهده.

- منع الحائض والجنب من المسجد

في (شرح المهذب) وغلط من أفتى بخلافه، قال المنذري: قال أبو بكر البزار وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن عبد الرحمن بن أبي بكر إلا بهذا الإسناد وذكر أنه روي مرسلاً وقد أخرجه مسلم في صحيحه والنسائي في سننه من حديث أبي حازم سلمان الأشجعي عن أبي هريرة بنحوه أتم منه اهـ، وانظر (نيل الأوطار 2/ 171 - 172). وقال في كتاب الهدية العلائية- من كتب الحنفية- (346): يكره إعطاء سائل المسجد إذا تخطى رقاب الناس أو مر بين يدي المصلين لأنه إعانة على أذى الناس وإلا لا يكره. - منع الحائض والجنب من المسجد: 1417 - * روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: "جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد، فقال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يصنع القوم شيئاً رجاء أن تنزل فيهم رخصة، فخرج إليهم بعد. فقال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد، فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب". - تنزيه المسجد عن غير الصلاة والذكر ونحو ذلك: 1418 - * روى الطبراني عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تتخذوا المساجد طرقاً إلا لذكر أو صلاة". أقول: يستحب لمن دخل المسجد أن يصلي تحية المسجد ولو أراد المرور فيه إلا إذا كثر مروره ويستحب للإنسان ما لم يكن مضطراً أن لا يجعل المسجد طريقه إذا كان لا يصلي تحية المسجد. 1419 - * روى الطبراني عن أبي عمرو الشيباني "قال كان ابن مسعود يعس في المسجد

_ 1417 - أبو داود (1/ 60) كتاب الطهارة، 93 - باب في الجنب يدخل المسجد. وهو حديث حسن. 1418 - الطبراني "المعجم الكبير" (12/ 314). مجمع الزوائد (2/ 24) قال: قلت رواه ابن ماجه خلا قوله إلا لذكر أو صلاة، رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله موثقون، وهو حديث حسن. 1419 - الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 293، 294).

النهي عن البصاق في المسجد

فلا يجد سواداً إلا أخرجه إلا رجلاً مصلياً". أقول: ينبغي أن تكون هناك مراقبة دائمة للمساجد بحيث لا تستعمل فيما يخل بآدابها. النهي عن البصاق في المسجد: 1420 - * روى ابن خزيمة عن أبي ذر، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "عرضت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها فوجدت في محاسن أعمالها إماطة الأذى عن الطريق، ووجدت في مساوي أعمالها النخاعة في المسجد لا تدفن". 1421 - * روى الجماعة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "البصاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها". وفي أخرى لأبي داود (1) قال: "التفل في المسجد خطيئة، وكفارته أن يواريه". وفي أخرى (2) له "النخاعة". 1422 - * روى الطبراني عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من تنخع في

_ مجمع الزوائد (2/ 24) وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون. (يعس): أي يطوف بالليل يحرس الناس ويكشف أهل الريبة. 1420 - ابن خزيمة (2/ 276) 585 - باب النهي عن البزاق في المسجد إذا لم يدفن وهو صحيح. 1421 - البخاري (1/ 511) 8 - كتاب الصلاة، 37 - باب كفارة البزاق في المسجد. مسلم (1/ 390) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 13 - باب النهي عن البصاق في المسجد في الصلاة وغيرها. أبو داود (1/ 128) كتاب الصلاة، 21 - باب في كراهية البزاق في المسجد. الترمذي (2/ 461) أبوبا الصلاة، 401 - باب ما جاء في كراهية البزاق في المسجد. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. النسائي (2/ 50، 51) 8 - كتاب المساجد، 30 - باب البصاق في المسجد. (1) أبو داود (1/ 128) كتاب الصلاة، 21 - باب في كراهية البزاق في المسجد. (2) أبو داود (1/ 128، 129) نفس الموضع السابق. 1422 - مجمع الزوائد (2/ 18) وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون.

المسجد فلم يدفنه فسيئة وإن دفنه فحسنة". 1423 - * روى أبو داود عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة وتفلته بين عينيه". 1424 - * روى ابن حبان عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "يجيء صاحب النخامة في القبلة يوم القيامة وهي في وجهه". 1425 - * روى مالك عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى بصاقاً في جدار القبلة، فحكه، ثم أقبل على الناس، فقال: "إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجهه، فإن الله قبل وجهه إذا صلى". وفي رواية (4) قال: "رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة في قبلة المسجد فحكها بيده، وتغيط". وفي رواية أبي داود (5) قال: "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوماً، إذ رأى نخامة في قبلة المسجد، فتغيظ على الناس، ثم حكها- قال: وأحسبه قال: ودعا بزعفران فلطخه به- ثم قال: إن الله تعالى قبل وجه أحدكم إذا صلى فلا يبصق بين يديه".

_ 1423 - أبو داود (3/ 360، 361) كتاب الأطعمة، باب في أكل الثوم. ابن حبان (3/ 78) ذكر البيان بأن قوله صلى الله عليه وسلم "وهو في وجهه" أراد به بين عينيه وسنده صحيح. 1424 - ابن حبان (3/ 77، 78) ذكر مجيء من بصق في القبلة يوم القيامة وبصقته تلك في وجهه. ابن خزيمة (2/ 278) 589 - باب النهي عن التنخم في قبلة المسجد وإسناده صحيح. كشف الأستار (1/ 208) باب البصاق في المسجد. مجمع الزوائد (2/ 19) قال: رواه البزار وفيه عاصم بن عمر ضعفه البخاري وجماعة وذكره ابن حبان في الثقات. 1425 - الموطأ (1/ 194) 14 - كتاب القبلة، 3 - باب النهي عن البصاق في القبلة. البخاري (1/ 509) 8 - كتاب الصلاة، 33 - باب حك البزاق باليد في المسجد. مسلم (1/ 388) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 13 - باب النهي عن البصاق في الصلاة وغيرها. النسائي (2/ 51) 8 - كتاب المساجد، 31 - باب النهي عن أن يتنخم الرجل في قبلة المسجد. (4) البخاري (10/ 517) 78 - كتاب الأدب، 75 - باب ما يجوز من الغضب والشدة لأمر الله تعالى. (5) أبو داود (1/ 129) كتاب الصلاة، 21 - باب في كراهية البزاق في المسجد.

1426 - * روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في القبلة، فشق ذلك عليه، حتى رئي في وجهه، فقام فحكه بيده، فقال: "إن أحدكم إذا قام في الصلاة فإنما يناجي ربه، فإن ربه بينه وبين القبلة، فلا يبزقن أحدكم قبل قبلته، ولكن عن يساره أو تحت قدمه، ثم أخذ طرف ردائه، فبصق فيه، ثم رد بعضه على بعض، فقال: أو يفعل هكذا". وفي رواية (2) له ولمسلم (3) قال: "إن المؤمن إذا كان في الصلاة، فإنما يناجي ربه، فلا يبزقن بين يديه، ولا عن يمينه، ولكن عن يساره، تحت قدمه". وفي رواية للنسائي (4) قال: "رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة في قبلة المسجد، فغضب، حتى احمر وجهه، فقامت امرأة من الأنصار فحكتها، وجعلت مكانه خلوقاً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أحسن هذا! ". قال في (سبل السلام 1/ 150): الحديث نهى عن البصاق إلى جهة القبلة أو جهة اليمين إذا كان العبد في الصلاة وقد ورد النهي مطلقاً عن أبي هريرة وأبي سعيد- وسيرد بعد قليل حديثهما- وقد جزم النووي بالمنع في كل حالة داخل الصلاة وخارجها سواء كان في المسجد أو غيره. 1427 - * روى الطبراني عن عبد الرحمن بن يزيد قال: كنا مع عبد الله بن مسعود وأراد أن يبصق وما عن يمينه فارغ فكره أن يبصق عن يمينه وليس في صلاة. 1428 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "أتى رسول الله

_ 1426 - البخاري (1/ 507، 508) 8 - كتاب الصلاة، 33 - باب حك البزاق باليد من المسجد. (2) البخاري (1/ 511) 8 - كتاب الصلاة، 36 - باب ليبزق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى. (3) مسلم (1/ 390) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 13 - باب النهي عن البصاق في المسجد. (4) النسائي (2/ 52، 53) 8 - كتاب المساجد، 35 - تخليق المساجد. ابن خزيمة (2/ 270، 275) 575 - باب تطييب المساجد وقال: إسناده جيد. (نخامة) النخامة: بزقة تخرج من أصل الحلق من مخرج الخاء. 1427 - الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 294) مجمع الزوائد (2/ 20) قال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. 1428 - مسلم (4/ 2303) 53 - كتاب الزهد والرقائق، 18 - باب حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر.

صلى الله عليه وسلم في مسجدنا هذا، وفي يده عرجون ابن طاب، فرأى في قبلة المسجد نخامة، فحكها بالعرجون، ثم أقبل علينا، فقال: "أيكم يحب أن يعرض الله عنه؟ فجشعنا، ثم قال: أيكم يحب أن يعرض الله عنه؟ قلنا: لا أينا يا رسول الله، قال: فإن أحدكم إذا قام يصلي، فإن الله قِبَل وجهه، فلا يبصق قبل وجهه، ولا عن يمينه، وليبصقن عن يساره، أو تحت رجله اليسرى، فإن عجلت به بادرة، فليقل بثوبه هكذا- ثم لوى ثوبه بعضه على بعض- وقال: أروني عبيراً، فثار فتى من الحي يشتد إلى أهله، فجاء بخلوق في راحته، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعله على رأس العرجون، ثم لطخ به على أثر النخامة، قال جابر: فمن هناك جعلتم الخلوق في مساجدكم". 1429 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قام أحدكم إلى الصلاة، فلا يبصق أمامه، فإنما يناجي الله، ما دام في مصلاه، ولا عن يمينه، فإن عن يمينه ملكاً، وليبصق عن يساره أو تحت قدمه، فيدفنها". 1430 - * روى أبو داود عن طارق بن عبد الله المحاربي رضي الله عنه قال: "إذا قام الرجل إلى الصلاة- أو صلى أحدكم- فلا يبزق أمامه، ولا عن يمينه، ولكن تلقاء يساره، إن كان فارغاً، أو تحت قدمه اليسرى، ثم ليقل به هكذا- وبزق يحيى تحت رجله ودلكه-".

_ أبو داود (1/ 131) كتاب الصلاة، 21 - باب في كراهية البزاق في المسجد. (العراجين) العراجين: جمع عرجون، وهو القضيب الأصفر المتقوس الذي يكون عذق الرطب فيه. (عرجون ابن طاب): نوع من ثمر المدينة معروف عندهم. (فجشعنا) الجشع: أشد ما يكون من الحرص، والجشع: شدة الجزع لفراق الإلف، وهو المراد في الحديث. وفي رواية (فخشعنا) من الخشوع. (عبيراً) العبير: أخلاط من طيب يجمع بالزعفران، وقيل: هو عند العرب: الزعفران. 1429 - البخاري (1/ 512) 8 - كتاب الصلاة، 38 - باب دفن النخامة في المسجد. مسلم (1/ 389، 390) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 13 - باب النهي عن البصاق في المسجد في الصلاة وغيرها. 1430 - أبو داود (1/ 129) كتاب الصلاة، 21 - باب كراهية البزاق في المسجد. وهو حديث صحيح.

1431 - * روى ابن خزيمة عن سعد بن أبي وقاص، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا تنخم أحدكم في المسجد فليغيب نخامته أن يصيب جلد مؤمن أو ثوبه فيؤذيه". 1432 - * روى الطبراني في الأوسط عن أنس قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يبزق في ثوبه في الصلاة فيفتله بأصبعيه". 1433 - * روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "رأى نخامة في جدار المسجد، فتناول حصاة فحتها، فقال: إذا تنخم أحدكم فلا يتنخمن قبل وجهه ولا عن يمينه، وليبصق عن يساره، أو تحت قدمه اليسرى". 1434 - * روى أبو داود عن السائب بن خلاد رضي الله عنه هو رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن رجلاً أم قوماً، فبصق في القبلة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقومه حين فرغ: لا يصلي لكم، فأراد بعد ذلك أن يصلي لهم، فمنعوه، وأخبروه بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: نعم- أحسب أنه قال: إنك آذيت الله ورسوله". 1435 - * روى الطبراني عن عبد الله بن عمرو قال: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يصلي بالناس الظهر فتفل في القبلة وهو يصلي للناس فلما كانت صلاة العصر أرسل إلى آخر، فأشفق الرجل الأول فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أنزل في؟ قال: "لا ولكنك تفلت بين يديك وأنت تؤم الناس فآذيت الله والملائكة".

_ 1431 - ابن خزيمة (2/ 277، 278) 588 - باب ذكر الصلة التي بها أمر بدفن النخامة في المسجد وإسناده حسن. 1432 - مجمع الزوائد (2/ 19) وقال: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. 1433 - البخاري (1/ 509) 8 - كتاب الصلاة، 34 - باب حك المخاط بالحصى من المسجد. مسلم (1/ 389) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 13 - باب النهي عن البصاق في الصلاة وغيرها. 1434 - أبو داود (1/ 130) كتاب الصلاة، 21 - باب في كراهية البزاق في المسجد وإسناده حسن وهو صحيح بشواهده. 1435 - مجمع الزوائد (2/ 20) قال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات.

- النوم في المسجد.

- النوم في المسجد. 1436 - * روى الدارمي عن أبي ذر قال "أتاني نبي الله صلى الله عليه وسلم وأنا نائم في المسجد فضربني برجله قال: ألا أراك نائماً فيه قلت يا نبي الله غلبتني عيني". 1437 - * روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا نعس أحدكم وهو في المسجد، فليتحول من مجلسه ذلك إلى غيره". 1438 - * روى البخاري عن عبد الله بن مر رضي الله عنهما "أنه كان ينام وهو شاب عزب لا أهل له في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم". وعند الترمذي "كنا ننام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ونحن شباب". قال الترمذي (2/ 139) وقد رخص قوم من أهل العلم في النوم في المسجد وقال ابن عباس لا يتخذه مبيتاً ولا مقيلاً وقوم من أهل العلم ذهبوا إلى قول ابن عباس اهـ. وترجم البخاري للباب بقوله: باب نوم الرجال في المسجد، قال ابن حجر أي جواز ذلك وهو قول الجمهور وروي عن ابن عباس كراهته إلا لمن يريد الصلاة وعن ابن مسعود مطلقاً وعن مالك التفصيل بين من له مسكن فيكره وبين من لا مسكن له فيباح اهـ. 1439 - * روى البخاري عن سهل بن سعد قال: "جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة فلم يجد علياً في البيت فقال: أين ابن عمك؟ قالت: كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج فلم يقل عندي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان: انظر أين هو؟ فجاء فقال: يا رسول الله هو في المسجد راقد. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه وأصابه

_ 1436 - الدارمي (1/ 325) باب النوم في المسجد، ورجاله ثقات. 1437 - أبو داود (1/ 292) كتاب الصلاة، 238 - باب الرجل ينعس والإمام يخطب، وإسناده حسن. 1438 - البخاري (1/ 535) 8 - كتاب الصلاة، 58 - باب نوم الرجال في المسجد. الترمذي (2/ 138) أبواب الصلاة، 239 - باب ما جاء في النوم في المسجد، وقال حسن صحيح. النسائي (2/ 50) 8 - كتاب المساجد، 29 - النوم في المسجد. 1439 - البخاري (1/ 535) 8 - كتاب الصلاة، 58 - باب نوم الرجال في المسجد.

تراب، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسحه عنه ويقول: قم أبا تراب، قم أبا تراب". قال ابن حجر قوله (هو راقد في المسجد) فيه مراد الترجمة، لأن حديث ابن عمر يدل على إباحته لمن لا مسكن له، وكذا بقية أحاديث الباب، إلا قصة علي فإنها تقتضي التعميم، لكن يمكن أن يفرق بين نوم الليل وبين قيلولة النهار. وفي حديث سهل هذا من الفوائد أيضاً جواز القائلة في المسجد، وممازحة المغضب بما لا يغضب منه بل يحصل به تأنيسه وفيه التكنية بغير الولد وتكنية من له كنية والتلقيب بالكنية لمن لا يغضب، وفيه مداراة الصهر وتسكينه من غضبه، ودخول الوالد بيت ابنته بغير إذن زوجها حيث يعلم رضاه، وأنه لا بأس بإبداء المنكبين في غير الصلاة. اهـ انظر (الفتح 1/ 535 - 536). 1440 - * روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: "أسلمت امرأة سوداء لبعض العرب، وكان لها حفش في المسجد، قالت: فكانت تأتينا، فتحدث عندنا، فإذا فرغت من حديثها قالت: ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا ... على أنه من بلدة الكفر أنجاني فلما أكثرت، قالت لها عائشة: وما يوم الوشاح؟ - وفي رواية: فقلت لها: ما شأنك؟ - قالت: خرجت جويرية لبعض أهلي وعليها وشاح من أدم، فسقط منها، فانحطت عليها الحديا- وهي تحسبه لحماً- فأخذته، فاتهموني، فعذبوني، حتى بلغوا من أمري أنهم طلبوا في قبلي، فبيناهم حولي، وأنا في كربي، إذ أقبلت الحديا، حتى وازت رؤوسنا، ثم ألقته، فأخذوه، فقلت لهم: هذا الذي اتهمتموني به، وأنا منه بريئة؟ ". قال الحافظ في "الفتح": وفي الحديث إباحة المبيت والمقيل في المسجد لمن لا مسكن له من المسلمين رجلاً كان أو امرأة عند أمن الفتنة، وإباحة استظلاله فيه بالخيمة ونحوها وفيه

_ 1440 - البخاري (1/ 533) 8 - كتاب الصلاة، 57 - باب نوم المرأة في المسجد، وجاء أيضاً في موضع (7/ 147) 63 - كتاب مناقب الأنصار، 26 - باب أيام الجاهلية. (الحفش): بيت صغير. (الوشاح): سير مضفور من أدم ينسج عريضاً، ويرصع بالجوهر وتشده المرأة بين عاتقيها وكشحيها، ويقال: إشاح.

- اللعب بالحراب في المسجد

الخروج من البلد الذي يحصل للمرء فيه المحنة ولعله يتحول إلى ما هو خير له كما وقع لهذه المرأة، وفيه فضل الهجرة من دار الكفر وإجابة دعوة المظلوم ولو كان كافراً، لأن في السياق أن إسلامها كان بعد قدومها المدينة، والله أعلم. 1441 - * روى الشيخان عن عائشة قالت "أصيب سعد بن معاذ يوم الخندق، رماه رجل من قريش يقال له حبان بن العرقة، رماه في الأكحل، فضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد ليعوده من قريب". والحديث يدل على جواز ترك المريض في المسجد وإن كان في ذلك مظنة لخروج شيء منه يتنجس به المسجد. - اللعب بالحراب في المسجد: 1442 - * روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: "لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً على باب حجرتي والحبشة يلعبون في المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه أنظر إليهم". وفي رواية (3) "والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي، والحبشة يلعبون بحرابهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه، لكي أنظر إلى لعبهم، ثم يقوم من أجلي، حتى أكون أنا التي أنصرف". قال ابن حجر: واللعب بالحراب ليس لعباً مجرداً بل فيه تدريب الشجعان على مواقع الحروب والاستعداد للعدو وقال المهلب المسجد موضوع لأمر جماعة المسلمين فما كان من الأعمال يجمع منفعة الدين وأهله جاز فيه وفي الحديث جواز النظر إلى اللهو المباح وفيه

_ 1441 - البخاري (7/ 411، 412) 64 - كتاب المغازي، 30 - باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة ومحاصرته إياهم. مسلم (3/ 1389) 32 - كتاب الجهاد والسير، 22 - باب جواز قتال من نقض العهد. 1442 - البخاري (1/ 549) 8 - كتاب الصلاة، 69 - باب أصحاب الحراب في المسجد. مسلم (2/ 509، 610) 8 - كتاب العيدين، 4 - باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه. (3) مسلم: نفس الموضع السابق.

- من آداب الذهاب إلى المسجد والجلوس فيه

حسن خلقه صلى الله عليه وسلم مع أهله وكرم معاشرته، وفضل عائشة وعظيم محلها عنده. (فتح 1/ 549). - من آداب الذهاب إلى المسجد والجلوس فيه: 1443 - * روى أبو داود عن أبي ثمامة الحناط أن كعب بن عجرة أدركه وهو يريد المسجد- أدرك أحدهما صاحبه- قال: فوجدني وأنا مشبك يدي، فنهاني عن ذلك، وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول "إذا توضأ أحدكم، فأحسن وضوءه، ثم خرج عامداً إلى المسجد، فلا يشبكن يديه، فإنه في صلاة". 1444 - * روى ابن خزيمة عن أبي هريرة، قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: "إذا توضأ أحدكم في بيته ثم أتى المسجد كان في صلاة حتى يرجع فلا يقل هكذا: وشبك بين أصابعه". 1445 - * روى الطبراني عن ابن مسعود أنه رأى قوماً قد أسندوا ظهورهم إلى قبلة المسجد بين أذان الفجر والإقامة فقال: لا تحولوا بين الملائكة وبين صلاتها. 1446 - * روى أحمد عن مولى لأبي سعيد الخدري قال بينا أنا مع أبي سعيد وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ دخلنا المسجد فإذا رجل جالس في وسط المسجد محتبياً مشبكاً أصابعه بعضها في بعض فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يفطن الرجل لإشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالتفت إلى أبي سعيد فقال: "إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبكن فإن التشبيك من الشيطان وإن أحدكم لا يزال في صلاة ما كان في المسجد حتى يخرج منه".

_ 1443 - أبو داود (1/ 154) كتاب الصلاة، 50 - باب [ما جاء في] الهدي في المشي إلى الصلاة. الترمذي (2/ 228) أبواب الصلاة، 284 - باب ما جاء في كراهية التشبيك بين الأصابع في الصلاة وقال الترمذي: هو حديث صحيح بشواهده. 1444 - ابن خزيمة (1/ 226) 69 - باب النهي عن التشبيك بين الأصابع عند الخروج إلى الصلاة. 1445 - الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 215، 216). مجمع الزوائد (2/ 23) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون. 1446 - أحمد (3/ 42، 43)، وإسناده حسن. (الاحتباء) أن تضم الرجلان إلى البطن بثوب أو يدين.

- الإكثار من اتخاذ المساجد

- الإكثار من اتخاذ المساجد: 1447 - * روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور، وأن تنظف وتطيب". قال سفيان "بناء المساجد في الدور، يعني: في القبائل". قوله: في الدور قال البغوي يريد المحال التي فيها الدور ... لأنهم كانوا يسمون المحلة التي اجتمعت فيها قبيلة داراً، وقال سفيان بناء المساجد في الدور يعني القبائل .. أي يبنى لكل قبيلة مسجد، فيستحب بناء المسجد من حجر أو لبن أو مدر ... في كل محلة يحلها المقيمون بها وكل بساتين مجتمعة. وفي شرح المشكاة ذكر نحوها .. أو محمول على اتخاذ بيت للصلاة كالمسجد يصلي فيه أهل البيت وقال شارح المصابيح: يحتمل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن أن يبني الرجل في داره مسجداً يصلي فيه أهل بيته. انظر (النيل 2/ 160 - 161). 1448 - * روى أحمد عن سمرة بن جندب رضي الله عنه كتب إلى بنيه "أما بعد: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نصنع المساجد في ديارنا، ونصلح صنعتها ونطهرها". 1449 - * روى مالك عن عتبان بن مالك رضي الله عنه قال: "يا رسول الله، إن السيول تحول بيني وبين مسجد قومي، فأحب أن تأتيني في مكان من بيتي أتخذه مسجداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سنفعل، فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم قال: أين تريد؟ فأشار إلى ناحية من البيت، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصففنا خلفه، فصلى بنا ركعتين". وفي أخرى (4):

_ 1447 - أبو داود (1/ 124) كتاب الصلاة، 12 - باب اتخاذ المساجد في الدور. الترمذي (2/ 489، 490) أبواب الصلاة، 417 - باب ما ذكر في تطييب المساجد وإسناده صحيح. 1448 - أحمد (5/ 371). أبو داود (1/ 125) كتاب الصلاة، 12 - باب اتخاذ المساجد في الدور، وهو حديث حسن. 1449 - الموطأ (1/ 172) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 24 - باب جامع الصلاة. البخاري (1/ 519) 8 - كتاب الصلاة، 46 - باب المساجد في البيوت. مسلم (1/ 455، 456) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 47 - باب الرخصة في التخلف عن الجماعة بعذر. النسائي (2/ 105) 10 - كتاب الإمامة، 46 - الجماعة للنافلة. (4) البخاري (2/ 323) 10 - كتاب الأذان، 154 - باب من لم يرد السلام على الإمام ووردت هذه الرواية

- الإخلاص في عمارة المساجد

قال: "فغدا علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر معه بعد ما اشتد النهار، فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلمن فأذنت له، فلم يجلس حتى قال: "أين تحب أن أصلي من بيتك؟ " فأشرت له إلى المكان الذي أحب أن يصلي فيه، فقام فصلى بنا، فصففنا خلفه، ثم سلم وسلمنا حين سلم". - الإخلاص في عمارة المساجد: 1450 - * روى أبو داود عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد". وعند النسائي قال: "من أشراط الساعة: أن يتباهى الناس في المساجد". أقول: إقامة المساجد وتزيينها للتفاخر والتباهي يتنافى مع الإخلاص، أما إقامتها وتشييدها وتكميل مرافقها بحيث يرتاح المصلون فيها حساً ومعنى بنية خالصة لله، فالرجاء من فضل الله أن يجعل لأصحاب ذلك من الأجر والفضل الكثير. 1451 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أتى المسجد لشيء، فهو حظه". - الوضوء في المسجد: 1452 - * روى أحمد عن أبي العالية عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: حفظت لك أن رسول الله صلى الله عليه سلم توضأ في المسجد.

_ في النسائي أيضاً في (3/ 64، 65) 13 - كتاب السهو، 73 - تسليم المأموم حين يسلم الإمام. (اشتد النهار): إذا علا. 1450 - أبو داود (1/ 123) كتاب الصلاة، 11 - باب في بناء المساجد. النسائي (2/ 32) 8 - كتاب المساجد، 2 - باب المباهاة في المساجد، وإسناده صحيح. (يتباهى): التباهي: المفاخرة، والمباهاة: المفاخرة. 1451 - أبو داود (1/ 128) كتاب الصلاة، 19 - باب [في] فضل القعود في المسجد، وإسناده حسن. 1452 - مجمع الزوائد (2/ 21) وقال الهيثمي: رواه أحمد وإسناده حسن.

- فضل الإقامة في المسجد

- فضل الإقامة في المسجد: 1453 - * روى البزار عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "المسجد بيت كل تقي وتكفل الله لمن كان المسجد بيته بالروح والرحمة والجواز على الصراط إلى رضوان الله إلى الجنة". 1454 - * روى الشيخان عن أبي هريرة: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل، ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه". 1455 - * روى الشيخان عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مر في شيء من مساجدنا أو أسواقنا ومعه نبل فليمسك أو ليقبض على نصالها بكفه: أن يصيب أحداً من المسلمين منها بشيء". وفي رواية (4): "إذا مر أحدكم في مجلس أو سوق وبيده نبل فليأخذ بنصالها، ثم ليأخذ بنصالها، قال: فقال أبو موسى الأشعري: والله ما متنا حتى سددناها بعضنا في وجوه بعض".

_ 1453 - كشف الأستار (1/ 217، 218) باب في عمار المساجد. مجمع الزوائد (2/ 22) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط والبزار وقال إسناده حسن، ورجال البزار كلهم رجال الصحيح. 1454 - البخاري (2/ 143) 10 - كتاب الأذان، 36 - باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة. مسلم (2/ 714) 12 - كتاب الزكاة، 30 - باب فضل إخفاء الصدقة. 1455 - البخاري (13/ 24) 92 - كتاب الفتن، 7 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من حمل علينا السلاح فليس منا وقد جاء الحديث في موضع آخر في (1/ 547) 8 - كتاب الصلاة، 67 - باب المرور في المسجد. مسلم (4/ 2019) 45 - كتاب البر والصلة والآداب، 34 - باب أمر من مر، بسلاح، في مسجد أو سوق أو غيرهما من المواضع الجامعة للناس أن يمسك بنصالها. (4) مسلم: نفس الموضع السابق. (سددت) السهم إلى الرمية، والرمح إلى الطعن: إذا صوبته نحوه وأوجهته به.

- ما جاء في المحراب

1456 - * روى الشيخان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "مر رجل بسهام في المسجد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمسك بنصالها". وفي رواية (2) "فأمره أن يأخذ بنصالها كيلا يخدش مسلماً". وفي رواية لمسلم (3) وأبي داود (4) "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً كان ينصرف بالنبل في المسجد: أن لا يمر بها إلا وهو آخذ بنصالها". 1457 - * روى ابن خزيمة عن جابر بن عبد الله: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر رجلاً كان يتصدق بالنبل في المسجد ألا يمر بها إلا وهو آخذ بنصالها. - ما جاء في المحراب: 1458 - * روى البزار عن عبد الله بن مسعود أنه كره الصلاة في المحراب وقال: إنما كانت للكنائس فلا تشبهوا بأهل الكتاب، يعني أنه كره الصلاة في الطاق. أقول: هذا محمول على من دخل بجملته في المحراب أما من كان بارزاً إلى الناس وسجوده في المحراب فلا يدخل في النهي.

_ 1456 - البخاري (13/ 23، 24) 92 - كتاب الفتن، 7 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من حمل علينا السلاح فليس منا. مسلم (4/ 2018) 45 - كتاب البر والصلة والآداب، 34 - باب أمر من مر بسلاح، في مسجد أو سوق أو غيرهما من المواضع الجامعة للناس أن يمسك بنصالها. النسائي (2/ 49) 8 - كتاب المساجد، 26 - إظهار السلاح في المسجد. (2) البخاري (13/ 24) نفس الموضع السابق. (3) مسلم (4/ 2019) نفس الموضع السابق. (4) أبو داود (3/ 31) كتاب الجهاد، 72 - باب في النبل يدخل في المسجد. وقد بحثنا عن هذه الرواية في مسلم وأبي داود فوجدناها بلفظ "يتصدق" بدلاً من "ينصرف" وبلفظ "بنصولها" بدلاً من "نصالها" وهذا عكس ما ورد هنا "الناشر". 1457 - ابن خزيمة (2/ 279) 591 - باب النهي عن المرور بالسهام في المساجد من غير قبض على نصولها. 1458 - كشف الأستار (1/ 210) باب ما جاء في المحراب، وقال البزار: لا نعلمه يروى إلا عن أبي حمزة بهذا الإسناد. مجمع الزوائد (2/ 15) وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله موثقون.

- تنزيه المسجد عن الرائحة الكريهة

- تنزيه المسجد عن الرائحة الكريهة: 1459 - * روى الستة عن جابر رفعه: "من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا أو ليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته، وأنه أتي بقدر فيه خضرات من بقول فوجد لها ريحاً فسأل: فأخبر بما فيها من البقول فقال: قربوها إلى بعض أصحابه فلما رآه كره أكلها: قال: كل فإني أناجي من لا تناجي". وفي رواية (2) نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل البصل والكراث فغلبتنا الحاجة فأكلنا منها، فقال: "من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس". أقول: لم يفهم الصحابة النهي على التحريم، بل فهموه على أنه خلاف الأولى أو فهموه على أنه مباح لكن يراعى به حق الغير من الملائكة والناس في عدم الإيذاء، وههنا قاعدة عظيمة في الإسلام وهي: أن المباح الذي تتأذى منه الملائكة يجوز للإنسان أن يفعله لأن حق المسلم في استعمال المباح مقدم والملائكة عليهم السلام لهم مندوحة في أن يتجنبوا ما يؤذيهم أو عليهم أن يتحملوه إذا كانوا مكلفين بصحبة المكلف. قال النووي بعد أن ذكر حديث مسلم بلفظ "فلا يقربن المساجد" هذا تصريح بنهي من أكل الثوم ونحوه عن دخول كل مسجد وهذا مذهب العلماء كافة إلا ما حكاه القاضي عياض عن بعض العلماء أن النهي خاص بمسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقوله في رواية "مسجدنا" وحجة الجمهور فلا يقربن المساجد ... ثم إن النهي إنما هو عن حضور المسجد لا عن أكل الثوم والبصل ونحوهما فهذه البقول

_ 1459 - البخاري (2/ 339) 10 - كتاب الأذان، 160 - باب ما جاء في الثوم النيئ والبصل والكراث. مسلم (1/ 394، 395) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 17 - باب نهي من أكل ثوماً أو بصلاً أو كراثاً. (2) مسلم (1/ 394) نفس الموضع السابق. أبو داود (3/ 360) كتاب الأطعمة، باب في أكل الثوم. الترمذي (4/ 261) 26 - كتاب الأطعمة، 13 - باب ما جاء في كراهية أكل الثوم والبصل. النسائي (2/ 43) 8 - كتاب المساجد، 16 - من يمنع من المسجد. ابن ماجه (2/ 1116) 29 - كتاب الأطعمة، 59 - باب أكل الثوم والبصل والكراث.

حلال بإجماع من يعتد به. وحكى القاضي عياض عن أهل الظاهر تحريمها لأنها تمنع عن حضور الجماعة وهي عندهم فرض عين "وحجة الجمهور" قوله صلى الله عليه وآله وسلم في أحاديث الباب "كل فإني أناجي من لا تناجي". وقوله صلى الله عليه وسلم "أيها الناس ليس لي تحريم ما أحل الله ولكنها شجرة أكره ريحها" أخرجه مسلم وغيره. قال العلماء ويلحق بالثوم والبصل والكراث كل ما له رائحة كريهة من المأكولات وغيرها ... قال القاضي: وقاس العلماء على هذا مجامع الصلاة غير المسجد كمصلى العيد والجنائز ونحوهما من مجامع العبادات وكذا مجامع العلم والذكر والولائم ونحوها ولا يلحق بها الأسواق ونحوها. انظر (النيل 2/ 161). وإذا كان هذا الحكم بالنسبة للثوم والبصل وهما حلالان بالإجماع فكيف بالدخان وقد رجح كثير من العلماء أنه مكروه تحريماً، قال ابن عابدين: (أقول ظاهر كلام العمادي أنه مكروه تحريماً ويفسق متعاطيه فإنه قال في فضل الجماعة: ويكره الاقتداء بالمعروف بأكل الربا أو شيء من المحرمات أو يداوم على شيء من البدع المكروهات كالدخان المبتدع في هذا الزمان ولا سيما بعد صدور منع السلطان. ويؤخذ منه كراهة التحريم في المسجد للنهي الوارد في الثوم والبصل وهو ملحق بهما، والظاهر كراهة تعاطيه حال القراءة لما فيه من الإخلال بتعظيم كتاب الله تعالى) حاشية ابن عابدين (5/ 296). 1460 - * روى ابن خزيمة عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا أو ليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته". 1461 - * روى أبو داود عن حذيفة رفعه: "من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة تفله بين عينيه ومن أكل من هذه البقلة الخبيثة فلا يقربن مسجدنا ثلاثاً".

_ 1460 - ابن خزيمة (3/ 83) 156 - باب النهي عن إتيان المساجد لآكل الثوم، وهو صحيح. 1461 - أبو داود (3/ 360، 361) كتاب الأطعمة، باب في أكل الثوم. ابن خزيمة (3/ 83) 155 - باب توقيت النهي عن إتيان الجماعة لآكل الثوم. (التفل): شبيه بالبزق.

ولأبي داود (1) وللشيخين (2) عن ابن عمر: "فلا يقربن المساجد حتى يذهب ريحها". أقول: ويقاس على الثوم والبصل كل ما من شأنه أن يؤذي المصلين أو يشوه نظافة المسجد وطهارته وريحه، فأمثال هؤلاء من يتأتى منه ذلك له أن يصلي خارج المسجد، وهذا يقتضي من رواد المساجد أن يلحظوا نظافتهم وطهارتهم وريحهم قياماً بحق المسجد، والقصد محمود والتعمق والتنطع والمطالبة بما يشق كل ذلك منفي وبعيد عن فطرية هذا الدين. 1462 - * روى مسلم عن معدان: "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس يوم الجمعة، ثم قال: يا أيها الناس إنكم تأكلون شجرتين ما أراهما إلا خبيثتين، هذا الثوم، وهذا البصل، وقد كنت أرى الرجل يوجد ريحه فيؤخذ بيده فيخرج به إلى البقيع، ومن كان آكلهما فليمتهما طبخاً". 1463 - * روى ابن خزيمة عن المغيرة: أكلت ثوماً، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فوجدته قد سبقني بركعة، فلما صلى قمت أقضي، فوجد ريح الثوم، فقال: "من أكل هذه البقلة، فلا يقربن مسجدنا حتى يذهب ريحها". فلما قضيت الصلاة، أتيته، فقلت: يا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إن لي عذراً، ناولني يدك، فوجدته سهلاً، فناولني يده، فأدخلتها

_ (1) أبو داود (3/ 361) كتاب الأطعمة، باب في أكل الثوم. (2) البخاري (2/ 339) 10 - كتاب الأذان، 160 - باب ما جاء في الثوم النيئ والبصل والكراث. مسلم (1/ 394) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 17 - باب نهي من أكل ثوماً أو بصلاً أو كراثاً أو نحوها. (الخبيثة): الكريهة الرائحة. 1462 - مسلم (1/ 396) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 17 - باب نهي من أكل ثوماً أو بصلاً أو كراثاً أو نحوها. النسائي (2/ 43) 8 - كتاب المساجد، 17 - من يخرج من المسجد. ابن ماجه (2/ 1116) 29 - كتاب الأطعمة، 59 - باب أكل الثوم والبصل والكراث، وورد هذا الحديث أيضاً في الجزء الأول (1/ 324) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 58 - باب من أكل الثوم فلا يقربن المسجد. ابن خزيمة (3/ 84) 158 - باب الدليل على أن النهي عن إتيان المساجد لآكلهن نيئاً غير مطبوخ. 1463 - ابن خزيمة (3/ 86، 87) 164 - باب الرخصة في أكله عند الضرورة والحاجة إليه، وهو صحيح.

- النهي عن اتخاذ القبور مساجد

من كمي إلى صدري فوجدته معصوباً، فقال: "إن لك عذراً". - النهي عن اتخاذ القبور مساجد: 1464 - * روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي لم يقم منه: "لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، قالت: ولولا ذلك لأبرز قبره، خشي أن يتخذ مسجداً". وفي رواية (2) "ولولا ذلك لأبرز قبره، غير أني أخشى أن يتخذ مسجداً" ولم يذكر "قالت". 1465 - * روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: "لما اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم ذكر بعض نسائه كنيسة، يقال لها: مارية، وكانت أم سلمة وأم حبيبة أتتا أرض الحبشة، فذكرتا من حسنها وتصاوير فيها، فرفع رأسه، فقال: "أولئك قوم إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، ثم صوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار خلق الله". قال ابن حجر: وقد استشكل ذكر النصارى فيه لأن اليهود لهم أنبياء بخلاف النصارى فليس بين عيسى وبين نبينا صلى الله عليه وسلم نبي غيره وليس له قبر، والجواب أنه كان فيهم أنبياء أيضاً لكنهم غير مرسلين كالحواريين ومريم في قوله، أو الجمع في قوله "أنبيائهم" بإزاء المجموع من اليهود والنصارى، والمراد الأنبياء وكبار أتباعهم فاكتفى بذكر الأنبياء، ويؤيده قوله في رواية مسلم من طريق جندب "كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد" ولهذا لما أفرد النصارى في الحديث الذي قبله قال "إذا مات فيهم الرجل الصالح" ... أو المراد

_ 1464 - البخاري (3/ 200) 23 - كتاب الجنائز، 61 - باب ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور. مسلم (1/ 376) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 3 - باب النهي عن بناء المساجد على القبور. (2) مسلم (1/ 376) نفس الموضع السابق. 1465 - البخاري (3/ 208) 23 - كتاب الجنائز، 70 - باب بناء المسجد على القبر. مسلم (1/ 375، 376) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 3 - باب النهي عن بناء المساجد على القبور، واتخاذ الصور فيها، والنهي عن اتخاذ القبور مساجد.

بالاتخاذ أعم من أن يكون ابتداعاً أو اتباعاً فاليهود ابتدعت والنصارى اتبعت، ولا ريب أن النصارى تعظم قبور كثير من الأنبياء الذين تعظمهم اليهود. اهـ (فتح 1/ 532) وفائدة النص على زمن النهي هي الإشارة إلى أنه من الأمر المحكم الذي لم ينسخ لكونه صدر في آخر حياته عليه الصلاة والسلام، كما قال الحافظ. (فتح 1/ 525). قال ابن حجر: وإنما فعل ذلك أوائلهم ليتأنسوا برؤية تلك الصور ويتذكروا أحوالهم الصالحة فيجتهدوا كاجتهادهم، ثم خلف من بعدهم خلوف جهلوا مرادهم ووسوس لهم الشيطان أن أسلافكم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها فعبدوها، فحذر النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل ذلك سداً للذريعة المؤدية إلى ذلك. وفي الحديث دليل على تحريم التصوير، وحمل بعضهم الوعيد على من كان في ذلك الزمان لقرب العهد بعبادة الأوثان، وأما الآن فلا. وقد أطنب ابن دقيق العيد في رد ذلك ... وقال البيضاوي: لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور الأنبياء تعظيماً لشأنهم ويجعلونها قبلة يتوجهون في الصلاة نحوها واتخذوها أوثاناً لعنهم: ومنع المسلمين عن مثل ذلك، فأما من اتخذ مسجداً في جوار صالح وقصد التبرك بالقرب منه لا التعظيم له ولا التوجه نحوه فلا يدخل في ذلك الوعيد وفي الحديث جواز حكاية ما يشاهده المؤمن من العجائب، ووجوب بيان حكم ذلك على العالم به، وذم فاعل المحرمات، وأن الاعتبار في الأحكام بالشرع لا بالعقل. وفيه كراهية الصلاة في المقابر سواء كانت بجنب القبر أو عليه أو إليه (فتح 1/ 525). 1466 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء ومن يتخذ القبور مساجد". 1467 - * روى مالك عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد".

_ 1466 - مجمع الزوائد (2/ 27) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، وإسناده حسن. 1467 - الموطأ (1/ 172) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 24 - باب جامع الصلاة، وهو صحيح مرسلاً وموصولاً. (وثناً) الوثن: الصنم، وما يعبد من دون الله عز وجل.

- ما يقول إذا دخل المسجد وإذا خرج.

- ما يقول إذا دخل المسجد وإذا خرج. 1468 - * روى أبو داود عن حيوة بن شريح رحمه الله قال: لقيت عقبة بن مسلم فقلت له: "بلغني أنك حدثت عن عبد الله بن عمرو بن العاص: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا دخل المسجد: "أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم، قال: قد قلت؟ قال: نعم، قال: فإذا قال ذلك، قال الشيطان: حفظ مني سائل اليوم". 1469 - * روى مسلم عن أبي أسيد، وأبي قتادة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل أحدكم المسجد، فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك". وزاد أبو داود (3) في الدخول "فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليقل: اللهم افتح لي ... وذكره". 1470 - * روى الترمذي عن فاطمة بنت الحسين رحمها الله عن جدتها فاطمة الكبرى قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم، وقال: رب اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج صلى على محمد وسلم: وقال: رب اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب فضلك". قال إسماعيل بن إبراهيم: فلقيت عبد الله بن الحسين بمكة، فسألته عن هذا الحديث؟ فحدثني به، قال: "كان إذا دخل قال: رب افتح لي باب رحمتك، وإذا خرج، قال: رب افتح لي باب فضلك".

_ 1468 - أبو داود (1/ 127) كتاب الصلاة، 17 - باب فيما يقوله الرجل عند دخوله المسجد، وهو حديث حسن حسنه النووي والحافظ ابن حجر. 1469 - مسلم (1/ 494) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 10 - باب ما يقول إذا دخل المسجد. النسائي (2/ 53) 8 - كتاب المساجد، 36 - القول عند دخول المسجد وعند الخروج منه. (3) أبو داود (1/ 126، 127) كتاب الصلاة، 17 - باب فيما يقوله الرجل عند دخوله المسجد. 1470 - الترمذي (2/ 127، 128) أبواب الصلاة، 234 - باب ما جاء ما يقول عند دخول المسجد. قال الترمذي: حديث فاطمة حديث حسن لشواهده، وليس إسناده بمتصل.

وهو حسن لشواهده، وفي رواية ابن ماجه (1): بسم الله والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي .. وساق الحديث، وإذا خرج: بسم الله والسلام على رسول الله ... وساق الحديث. قال الشوكاني: وزيادة التسمية ثابتة عند ابن السني من حديث أنس ... فينبغي لداخل المسجد والخارج منه أن يجمع بين التسمية والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم والدعاء بالمغفرة والدعاء بالفتح لأبواب الرحمة داخلاً ولأبواب الفضل خارجاً، يزيد في الخروج سؤال الفضل ويضم إلى ذلك ما أخرجه أبو داود، وذكر حديث عمرو بن العاص السابق ذكر الذي رواه حيوة بن شريح .. (النيل 2/ 163 - 164) بتصرف يسير. 1471 - * روى ابن خزيمة عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي، وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليسلم على النبي وليقل: اللهم أجرني من الشيطان الرجيم". 1472 - * روى أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من خرج من بيته إلى الصلاة، فقال: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وبحق خروجي إليك، إنك تعلم أنه لم يخرجني أشر ولا بطر، ولا سمعة ولا رياء، خرجت هرباً وفراراً من ذنوبي إليك، خرجت رجاء رحمتك، وشفقاً من عذابك، خرجت اتقاء سخطك، وابتغاء مرضاتك، أسألك أن تنقذني من النار برحمتك، وكل الله به سبعين ألف ملك يستغفرون الله له، وأقبل الله عليه بوجهه حتى يفرغ من صلاته".

_ (1) ابن ماجه (1/ 253، 254) 4 - كتاب المساجد والجماعات، 13 - باب الدعاء عند دخول المسجد. 1471 - ابن خزيمة (1/ 231) 72 - باب السلام على النبي صلى الله عليه وسلم. 1472 - أحمد (3/ 21). ابن ماجه (1/ 256) 4 - كتاب المساجد والجماعات، 14 - باب المشي إلى الصلاة. وقد حسنه المقدسي، وابن حجر العسقلاني، وفي سنده عطية العوفي وهو ضعيف.

الفقرة الرابعة في صلاة المرأة في المسجد

الفقرة الرابعة في صلاة المرأة في المسجد 1473 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، ولكن ليخرجن وهن تفلات". قال النووي في (شرح مسلم 4/ 161) قوله صلى الله عليه وسلم "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله" هذا وشبهه من أحاديث الباب ظاهر في أنها لا تمنع المسجد ولكن بشروط ذكرها العلماء مأخوذة من الأحاديث وهو أن لا تكون متطيبة ولا متزينة ولا ذات خلاخل يسمع صوتها ولا ثياب فاخرة ولا مختلطة بالرجال ولا شابة ونحوها ممن يفتتن بها وأن لا يكون في الطريق ما يخاف به مفسدة ونحوها وهذا النهي عن منعهن من الخروج محمول على كراهة التنزيه إذا كانت المرأة ذات زوج أو سيد ووجدت الشروط المذكورة فإن لم يكن لها زوج ولا سيد حرم المنع إذا وجدت الشروط. 1474 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استأذن أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها". وفي رواية (3) قال: فقال بلال بن عبد الله: "والله لنمنعهن، قال: فأقبل عليه عبد الله، فسبه سباً سيئاً، ما سمعت سبه مثله قط، وقال: أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقول: والله لنمنعهن؟ ". وفي أخرى (4): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا لهن".

_ 1473 - أبو داود (1/ 155) كتاب الصلاة، 52 - باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد، وإسناده حسن. (التفلات): من تركن التأنق في اللباس والطيب. 1474 - البخاري (9/ 337) 67 - كتاب النكاح، 116 - باب استئذان المرأة زوجها في الخروج إلى المسجد وغيره. مسلم (1/ 326، 327) 4 - كتاب الصلاة، 30 - باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة وأنها لا تخرج مطيبة. (3) مسلم (1/ 327) نفس الموضع السابق. (4) مسلم (1/ 327) نفس الموضع السابق.

وفي أخرى (1) أنه قال: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله". وفي أخرى (2) قال: "كانت امرأة لعمر تشهد صلاة الصبح والعشاء في الجماعة في المسجد، فقيل لها: لم تخرجين وقد تعلمين أنه يكره ذلك ويغار؟ قالت: فما يمنعه أن ينهاني؟ قالوا: يمنعه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله". وفي أخرى (3) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا النساء من الخروج إلى المساجد بالليل". وفي أخرى (4) "ائذنوا للنساء بالليل إلى المساجد، فقال ابن له، يقال له واقد: إذن يتخذنه دغلا، قال: فضرب في صدره وقال: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقول: لا؟ ". وفي أخرى (5) "لا تمنعوا النساء حظوظهن من المساجد إذا استأذنكم، فقال بلال: والله لنمنعهن، فقال له عبد الله: أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقول أنت: لنمنعهن؟ ". ولأبي داود (6) "لا تمنعوا نساءكم المساجد، ودورهن خير لهن". قال الحافظ في (الفتح 2/ 349) على قول بلال: (والله لنمنعهن): وكأنه قال ذلك لما رأى من فساد بعض النساء في ذلك الوقت وحملته على ذلك الغيرة،

_ (1) مسلم (1/ 327) نفس الموضع السابق. (2) البخاري (2/ 382) 11 - كتاب الجمعة، 13 - باب حدثنا عبد الله بن محمد. (3) مسلم (1/ 327) 4 - كتاب الصلاة، 30 - باب خروج النساء إلى المساجد إذا لم يترتب عليه فتنة وأنها لا تخرج مطيبة. (4) مسلم (1/ 327، 328) نفس الموضع السابق. (5) مسلم (1/ 328) نفس الموضع السابق. (6) أبو داود (1/ 155) كتاب الصلاة، 52 - باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد. وقد وردت هذه الرواية في "أبي داود" بلفظ "وبيوتهن" بدلاً من "ودورهن" "الناشر". (الدغل): الفساد والشر.

وإنما أنكر عليه ابن عمر لتصريحه بمخالفة الحديث، وإلا لو قال مثلاً إن الزمان قد تغير وإن بعضهن ربما ظهر منه قصد المسجد وإضمار غيره لكان يظهر أن لا ينكر عليه، وإلى ذلك أشارت عائشة بما ذكر في الحديث الأخير. وأخذ من إنكار عبد الله على ولده تأديب المعترض على السنن برأيه، وعلى العالم بهواه، وتأديب الرجل ولده وإن كان كبيراً إذا تكلم بما لا ينبغي له، وجواز التأديب بالهجران، فقد وقع في رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد عند أحمد "فما كلمه عبد الله حتى مات" وهذا إن كان محفوظاً يحتمل أن يكون أحدهما مات عقب هذه القصة بيسير. 1475 - * روى ابن خزيمة عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا شهدت إحداكن المسجد، فلا تمس طيباً". وقال يحيى بن حكيم، قال: حدثني بكير، وقال: إنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم. 1476 - * روى ابن خزيمة عن أبي هريرة، قال: مرت بأبي هريرة امرأة وريحها تعصف، فقال لها: إلى أين تريدين يا أمة الجبار؟ قالت: إلى المسجد. قال: تطيبت؟ قالت: نعم: قال: فارجعي فاغتسلي، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يقبل الله من امرأة صلاة خرجت إلى المسجد وريحها تعصف حتى ترجع فتغتسل". 1477 - * روى أبو داود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها". وللكبير نحوه موقوفاً على ابن مسعود واستثنى مسجد مكة والمدينة.

_ 1475 - ابن خزيمة (3/ 91) 172 - باب الزجر عن شهود المرأة المسجد متعطرة، وهو صحيح. 1476 - ابن خزيمة (3/ 92) 174 - باب إيجاب الغسل على المتطيبة للخروج ونفي قبول صلاتها إذا صلت قبل أن تغتسل، وهو حسن بشواهده. 1477 - أبو داود (1/ 156) كتاب الصلاة، 53 - باب التشديد في ذلك، وإسناده حسن. الطبراني (9/ 339) "المعجم الكبير". مجمع الزوائد (2/ 35) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح.

1478 - * روى الطبراني عن ابن مسعود قال ما صلت امرأة في موضع خير لها من قعر بيتها إلا أن يكون المسجد الحرام أو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم إلا امرأة تخرج في منقليها يعني خفيها. 1479 - * روى الطبراني عن ابن مسعود أنه كان يحلف فيبلغ في اليمين: ما من مصلى للمرأة خير من بيتها إلا في حج أو عمرة إلا امرأة قد يئست من البعولة وهي في منقليها، قلت: ما منقليها؟ قال: امرأة عجوز قد تقارب خطوها. 1480 - * روى مالك عن عمرة [بنت عبد الرحمن] رحمها الله قالت: قالت عائشة رضي الله عنها: "لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء، لمنعهن المسجد، كما منعه نساء بني إسرائيل، قيل لعمرة: أو منعن؟ قالت: نعم". قال الحافظ في (فتح 2/ 350) وقد ورد في بعض طرق هذا الحديث وغيره ما يدل على أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، ... ووجه كون صلاتها في الإخفاء أفضل تحقق الأمن فيه من الفتنة، ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج والزينة، ومن ثم قالت عائشة ما قالت، وتمسك بعضهم بقول عائشة في منع النساء مطلقاً وفيه نظر، إذ لا يترتب على ذلك تغير الحكم لأنها علقته على شرط لم يوجد بناء على ظن ظنته فقالت "لو رأى لمنع" فيقال عليه: لم ير ولم يمنع، فاستمر الحكم. حتى إن عائشة لم تصرح بالمنع وإن كان كلامها يشعر بأنها كانت ترى المنع. وأيضاً فقد علم الله سبحانه ما سيحدثن فما أوحى إلى نبيه بمنعهن، ولو كان ما أحدثن يستلزم منعهن من المساجد لكان

_ 1478 - الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 339). مجمع الزوائد (2/ 34، 35) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. (المنقل): الخف الحلق والنعل الخلق. 1479 - الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 339). مجمع الزوائد (2/ 35) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون، ورواه عبد الرزاق 5117. 1480 - الموطأ (1/ 198) 14 - كتاب القبلة، 6 - باب ما جاء في خروج النساء إلى المساجد. البخاري (2/ 349) 10 - كتاب الأذان، 163 - باب انتظار الناس قيام الإمام العالم. مسلم (1/ 329) 4 - كتاب الصلاة، 30 - باب خروج النساء إلى المساجد. أبو داود (1/ 155، 156) كتاب الصلاة، 53 - باب التشديد في ذلك.

منعهن من غيرها كالأسواق أولى. وأيضاً فالإحداث إنما وقع من بعض النساء لا من جميعهن، فإن تعين المنع فليكن لمن أحدثت، والأولى أن ينظر إلى ما يخشى منه الفساد فيجتنب لإشارته صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بمنع الطيب والزينة، وكذلك التقيد بالليل كما سبق اهـ. 1481 - * روى ابن خزيمة عن امرأة أبي حميد الساعدي: أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أحب الصلاة معك. فقال: "قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي". فأمرت، فبني لها مسجد في أقصى شيء من بيتها وأظلمه، فكانت تصلي فيه حتى لقيت الله عز وجل. 1482 - * روى ابن خزيمة عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "خير مساجد النساء قعر بيوتهن". 1483 - * روى الطبراني عن ابن مسعود قال: ما صلت امرأة من صلاة أحب إلى الله من أشد مكان في بيتها ظلمة. 1484 - * روى ابن خزيمة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إن المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من وجه ربها وهي في قعر بيتها". 1485 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود قال: إنما النساء عورة وإن المرأة

_ 1481 - ابن خزيمة (3/ 95) 177 - باب اختيار صلاة المرأة في حجرتها على صلاتها في دارها وإسناده حسن. 1482 - ابن خزيمة (3/ 92) 175 - باب اختيار صلاة المرأة في بيتها على صلاتها في المسجد، وإسناده حسن. 1483 - مجمع الزوائد (2/ 35) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون. 1484 - ابن خزيمة (3/ 93) 175 - باب اختيار صلاة المرأة في بيتها على صلاتها في المسجد، وإسناده صحيح. الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 341). مجمع الزوائد (2/ 35) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون. 1485 - الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 341)، (9/ 208).

لتخرج من بيتها وما بها من بأس، فيستشرفها الشيطان فيقول إنك لا تمرين بأحد إلا أعجبته وإن المرأة لتلبس ثيابها فيقال أين تريدين؟ فتقول أعود مريضاً أو أشهد جنازة أو أصلي في مسجد وما عبدت امرأة ربها مثل أن تعبده في بيتها. 1486 - * روى الطبراني عن أبي عمرو الشيباني أنه رأى عبد الله يخرج النساء من المسجد يوم الجمعة ويقول أخرجن إلى بيوتكن خير لكن. 1487 - * روى أبو داود عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو تركنا هذا الباب للنساء؟ " قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات. وفي رواية (1) عن نافع قال: قال عمر، وهو أصح.

_ مجمع الزوائد (2/ 35) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. 1486 - الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 340). مجمع الزوائد (2/ 35) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون، ورواه عبد الرزاق 5201، والبيهقي 3/ 186. 1487 - أبو داود (1/ 156) كتاب الصلاة، 53 - باب التشديد في ذلك، وإسناده صحيح. (1) أبو داود (1/ 156) نفس الموضع السابق.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد - من أهم ما ينبغي أن يركز عليه في إحياء رسالة المسجد حلقات العلم والذكر، وفي حياة الرسول صلى الله عليه وسلم والأصحاب رضي الله عنهم منارات كثيرة في هذا الشأن فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الجمعة ويتخول أصحابه بالموعظة، وكان تعليم القرآن وتحفيظه قائمين على قدم وساق في المسجد وخارج المسجد، وكان بعض الصحابة يلازمون رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأخذوا عنه مع القرآن السنة والحكمة والعلم والفقه، وكانوا أحياناً يتناوبون فيعلم الحاضر الغائب ثم يحضر الثاني ويغيب الأول فيعلمه بكل جديد ومن سنن الصحابة تقسيم الناس إلى حلقات، على كل حلقة عريف يعلمهم القرآن، وللجميع مرجع يرجعون إليه أو هو يطوف عليهم فيقعد مع كل حلقة ليختبر ويفيد، وفي التاريخ الإسلامي وجدت حلقات الوعظ، والحلقات الروحية، والدروس التخصصية كما وجدت المساجد المتخصصة، فهذا مسجد للفقه، وهذا مسجد للحديث، ولقد رأينا من سنن الأشياخ الذين عاصرناهم ما هو إحياء أو استمرار لما كان عليه السلف فلقد كان بعض الأشياخ يقيم حلقة يومية صباحاً للفقه كأصل، ويقرأ معه غيره أحياناً، كما أن له حلقة يومية بين المغرب والعشاء- ما عدا ليلة الجمعة- يدرس في يوم منها الحديث الشريف، وفي يوم السيرة النبوية ويخصص يومين للفقه، ويومين للتفسير، وكان بعض الأشياخ له جلسة يومية لقراءة الفقه، ويقرأ في آخر الجلسة التفسير، وكان لبعضهم حلقة يومية للفقه بعد العصر، وكان لبعضهم حلقة للفقه صباح كل جمعة، وحلقتن بعد صلاة العشاء كل أسبوع وكان لبعضهم حلقات يومية بعد صلاة الفجر، وكان بعضهم يتخصص لتعليم القرآن وتحفيظه، وكان بعضهم يتخصص لتعليم العربية وبعضهم يتخصص في علم من العلوم، وكان لبعضهم ترتيبات يوزع تلاميذه على حلقات صغيرة بعد المغرب مباشرة ثم يجتمع الجميع على درسه بعد ذلك، وكان بعضهم يقيم المدارس والمعاهد التي تدرس كل العلوم الشرعية وبعض العلوم الكونية، وكان بعضهم يقيم جلسة روحية يخصصها للأذكار المأثورة في الأسبوع مرة، ويقيم درساً جامعاً واعظاً في الأسبوع مرة واحدة، ومع هذا وهذا كان يوزع التلاميذ على حلقات خاصة، لكل حلقة عريف، ويأخذ من كل إنسان الوقت الذي يناسبه، ومع الحلقات الخاصة في المسجد،

فهناك حلقات البيوت ومع هذا كله فهناك المتخصصون بالتفسير أو بتحفيظ القرآن أو بالعربية وغير ذلك من العلوم، وكان يتخرج لذلك مسلمون مهديون وائمة هداة يقتدى بهم، وكان يقيم مع هذا كله دورات في علوم معاصرة للطلاب يخرجون بها متفوقين على غيرهم، وكان هناك متخصصون في المسجد في الرحلات الدعوية أو الرياضية، هذا مع القيام بنشاطات اجتماعية واسعة، فوجد بذلك نوع من التجديد نادر المثال. وقد دعونا في كتاب (كي لا نمضي بعيداً عن احتياجات العصر) إلى القيام بحركة تعليمية تربوية تلحظ جميع العلوم التي يحتاجها المسلم المعاصر ليتخرج بذلك الوارث الكامل لرسولنا عليه الصلاة والسلام، ولنا رسالة أخرى تحدد ميادين العمل الذي يجب أن يقيمه العلماء الربانيون في عصرنا أسميناها (رسالة التعرف). - من المعروف أن رحبة المسجد ومنارته وكل ما كان محيطاً في المسجد داخل سور المسجد الذي له باب فإن له حكم المسجد، وأحياناً تكون مرافق المسجد من حمامات ومراحيض وغرف داخل هذا السور وعلى مذهب الحنفية والمالكية فإنه يحرم على الجنب والحائض والنفساء الدخول إلى هذه المرافق ويسن عند الجميع لمن دخل دائرة المسجد أن يصلي تحية المسجد على خلاف في أوقات الكراهة، وأباح الشافعية والحنابلة العبور من غير مكث ولا كراهة سواء أكان لحاجة أم لغيرها، لكن الأولى ألا يعبر إلا لحاجة، وعلى هذا القول فبالإمكان لجميع الناس استعمال مراحيض المسجد إذا كانت داخل سوره، والأحوط ألا يفعل الإنسان ذلك مراعاة لمذهب المالكية والحنفية. وقد مر معنا أن الحنفية يجيزون للكافر دخول كل مسجد وعلى هذا فإنه يمكن للكافر أن يستعمل مرافق المسجد وأن يحضر دروسه ومحاضراته. - الأصل أن تكون المراحيض داخل دائرة المسجد، والحنفية يرون الكراهة التحريمية في البول والتغوط والوطء في المسجد وعلى هذا لا ينبغي أن يكون داخل سور المسجد من المرافق ما تكون فيه هذه الأشياء، وتوسع بعضهم فأجاز ذلك إذا كان الواقف قد حدد بعض ما هو داخل السور وخارج بناء المسجد لمثل هذه الأشياء، ومراعاة للخلاف فالأولى أن تكون بعض المرافق خارج دائرة سور المسجد مراعاة للاجتهادات التي تحرم فعل بعض

الأشياء فيما يعتبر مسجداً. - يرى فقهاء الحنفية أن المسجد مسجد إلى عنان السماء وإلى أعماق الأرض، وعلى هذا فما تحت المسجد وما فوقه له حكم المسجد عندهم، وبناءً على هذا فإنه لا يصح أن تقام بيوت أو محلات عمل أو تجارة فوق المسجد أو تحته لأنه لا يجوز للجنب والحائض والنفساء أن يدخلها ولا يجوز الوطء فيها، وكما أن النوم في المسجد مكروه عند الحنفية إلا للغريب والمعتكف، فكذلك حكم ما كان فوقه أو تحته، وكما يكره رفع الصوت في المسجد ونشدان الضالة والبيع والشراء والإجارة فكذلك يكره فيما فوقه أو تحته، وكما يكره أن يجعل المسجد مقعداً لحرفة فكذلك يكره لما فوقه أو تحته، وعلى هذا فإن الحنفية يرون أن يتمحض المسجد للمسجدية، فلا يبنى فوقه أو تحته ما يتنافى مع ذلك، بل إن أريد البناء تحته أو فوقه فليكن كل ذلك مسجداً وعلى هذا لا يصح أن يكون تحت المسجد مراحيض أو دكاكين ولا فوقه. وقد ترخص بعض العلماء في هذه الشؤون لمصلحة الناس والمسجد، والأحوط ألا يكون ذلك وخاصة في المساجد القديمة التي يعاد بناؤها، فمثل هذه لا ينبغي أن يبنى فوقها أو تحتها إلا ما هو مسجد مراعاة لشرط الواقف. (انظر رد المحتار على الدر المختار 1/ 441 فما بعدها).

الفصل الثاني في صلاة الجماعة وما يتعلق بها

الفصل الثاني في صلاة الجماعة وما يتعلق بها وفيه عرض إجمالي وفقرات * الفقرة الأولى: فضل صلاة الجماعة والمشي إلى المساجد وانتظار الصلاة والترهيب من ترك الجماعة. * الفقرة الثانية: أحكام الإمام والمأموم. * الفقرة الثالثة: في أحكام الصفوف.

عرض إجمالي

عرض إجمالي الجماعة هي الارتباط الحاصل بين صلاة الإمام والمأموم، وقد شرعت الجماعة للصلوات الخمس ولصلاة الجمعة ولصلاتي العيدين ولصلوات أخرى سنراها. وقد قال الحنفية والمالكية: الجماعة في الصلوات الخمس غير الجمعة سنة مؤكدة للرجال العاقلين القادرين عليها من غير حرج، فلا تجب على النساء والصبيان والمجانين والعبيد والمقعدين والمرضى والشيوخ الهرمين ومن قطعت يده ورجله من خلاف، أما الجمعة فإنها فريضة كما سنرى وقال الشافعية في القول الأصح عندهم: الجماعة فرض كفاية لرجال أحرار مقيمين فإن امتنعوا في بلد صغير أو كبير كلهم من إقامتها قاتلهم الإمام أو من له حكم الإمام، وقال الحنابلة: الجماعة واجبة وجوب عين لقوله تعالى: (واركعوا مع الراكعين) (1) ولكنهم قالوا بأن الجماعة ليست شرطاً لصحة الصلاة وأقل الجماعة عند الشافعية والحنابلة إمام ومأموم ولو كان المأموم صبياً، ولا تنعقد الجماعة مع صبي مميز عند المالكية، وتنعقد الجماعة مع صبي مميز عند الحنابلة في الفرض فقط وأفضل الجماعة ما كانت في المسجد إلا للمرأة والخنثى، فالبيت في حقهما أفضل ويفضل للمكلف أن يصلي في المسجد الذي لا تقام فيه الجماعة إلا بحضوره أو إذا كان حضوره يشجع غيره على صلاة الجماعة ثم ما كان أكثر جماعة والمسجد الأبعد أفضل من الصلاة في الأقرب وإقامتها في الوقت المفضل على ما فصله الفقهاء أفضل من انتظار كثرة الجمع، وقال المالكية: لا نزاع في أن الصلاة مع العلماء والصلحاء وأهل الخير أفضل من غيرها، وقد فصل بعضهم في صلاة الجماعة بالنسبة للنساء في المسجد فالعجوز التي انقطعت حاجة الرجال منها فهذه تخرج للمسجد ولمجالس الذكر والعلم ولصلاة العيدين والاستسقاء والجنازة ولقضاء حوائجها أو حوائج غيرها بلا حرج وأما من قاربت الأولى في السن فهذه مثل الأولى تحتاط أكثر وأما الشابة التي لا تلفت

_ (1) البقرة: من 43.

النظر فهذه تخرج للمسجد لصلاة الفرض جماعة وفي جنازة أهلها وأقاربها ولا تخرج لعيد ولا استسقاء ولا لمجالس ذكر أو علم إلا إذا كان هناك ضرورة بالنسبة للعلم، وأما الشابة التي تلفت النظر فعند الشافعية والحنابلة يكره لها حضور جماعة الرجال، والثواب الأكمل يحصل لمن أدرك الصلاة مع الإمام من أولها إلى آخرها فإن إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام فضيلة، ويدرك الإنسان فضيلة الجماعة ما لم يسلم الإمام وإن لم يقعد معه بأن انتهى سلام الإمام عقب تكبيره إحرامه، وقال المالكية: لا يدرك فضل الجماعة كاملاً إلا بإدراك ركعة كاملة مع الإمام والأجر حاصل لمن أدرك أقل من ركعة واتفق أئمة المذاهب على أن من أدرك الإمام راكعاً في ركوعه فإنه يدرك الركعة مع الإمام وشرط ذلك أن يكبر تكبيرة الإحرام وهو قائم أو أقرب إلى القيام فإن ركع بعد رفع الإمام رأسه من الركوع لم تحسب الركعة وفصل المالكية بأنه إذا وافق ركوع المأموم رفع الإمام وهو أقرب إلى الركوع جازت الركعة، وتجزئ تكبيرة الإحرام عن تكبيرة الركوع عند الحنابلة ولا تسقط سنية تكبيرة الانتقال عند الشافعية والمالكية بتكبيرة الإحرام، وقال المالكية: إذا خشي القادم إلى الصلاة أن تفوته الركعة فله أن يركع دون الصف إذا خاف فوات الركعة وقال الحنابلة وغيرهم: لا يركع دون الصف إلا إذا أتى آخر ووقف معه، والأصح عند الحنابلة أن الجماعة واجبة والسعي إلى المسجد سنة ويستحب عند العلماء لمن قصد الجماعة أن يمشي إليها وعليه السكينة والوقار وأجاز المالكية الإسراع المعتدل لإدراك الجماعة، ويبادر المصلي فيقتدي بالإمام سواء أكان الإمام قائماً أو راكعاً أو ساجداً وإذا أقيمت الصلاة لإمام راتب فقد قال المالكية يحرم على المتخلف أن يبتدئ صلاة منفرداً فريضة أو نافلة وإن أقيمت صلاة المسجد والمصلي في صلاة فريضة أو نافلة بالمسجد أو رحبته فإن خشي فوات ركعة مع الإمام قطع صلاته بسلام أو كلام بنية إبطال وإن لم يخش فوات الركعة فإن كانت الصلاة نافلة أتمها ركعتين وإن كان يصلي نفس صلاة الإمام ينصرف عن شفع إن كان في الشفع الأول ويقطعها ويلحق بالإمام وإن كان في الثالثة قبل كمالها بسجودها رجع للجلوس فتشهد وسلم، ودخل في صلاة الإمام، هذا إن كان في صلاة رباعية فإن كان في صلاة صبح أو مغرب فأقيمت قطع صلاته ودخل مع الإمام وإن أتم ثانية المغرب أو الثالثة أو ثانية الصبح كملها بنية الفريضة وقال الشافعية إن كان المصلي في صلاة نافلة ثم أقيمت الجماعة فإن لم يخش

فوات الجماعة أتم النافلة ثم دخل في الجماعة وإن خشي فوات الجماعة قطع النافلة وإن دخل في فرض الوقت ثم أقمت الجماعة فالأفضل أن يقطع ويدخل في الجماعة، وإن حضر وقد أقيمت الصلاة لم ينشغل عنها بنافلة وعند الحنابلة متى شرع مقيم الصلاة في إقامة الصلاة فلا يشرع الدخول في نفل مطلق ولا سنة راتبة في المسجد أو غيره فإن شرع في نافلة لم تنعقد وإن أقيمت الصلاة وهو في النافلة ولو كان خارج الصلاة أتمها خفيفة ولو فاتته ركعة ولا يزيد على ركعتين إلا إذا كان قد شرع في الركعة الثالثة فإنه يتمها أربعاً فإن سلم ولحق بالإمام جاز وإذا خشي المتنفل فوات الجماعة قطع نافلته. وعند الحنفية إن شرع في سنة الظهر القبلية مثلاً فأقيمت الجمعة أو في سنة الجمعة فصعد الخطيب المنبر سلم بعد ركعتين ثم قضى السنة أربعاً بعد أداء الفرض والسنة البعدية وعند محمد يقضي قبل السنة البعدية ويكره عند الحنفية تكرار الجماعة بأذان وإقامة في مسجد محلة أما مسجد الطريق أو المسجد الذي لا إمام له ولا مؤذن فلا كراهة لو صلى الناس فيه فوجاً بعد فوج والأفضل أن يصلي كل فريق بأذان وإقامة على حدة، وقال المالكية يكره تكرار الجماعة في إمام له راتب وكذلك يكره إقامة الجماعة قبل الإمام الراتب ويحرم إقامة جماعة مع جماعة الإمام الراتب، ومن دخل المسجد الحرام ومسجد المدينة والمسجد الأقصى بعد صلاة الإمام الراتب يصلي منفرداً عند المالكية ويكره عندهم تعدد الأئمة الراتبين ويكره بأن يصلي أحدهم بعد الآخر ويكره تعدد الجماعات في وقت واحد ولا يكره عند الشافعية تكرار الجماعة في المسجد المطروق في ممر الناس أو في السوق أو فيما ليس له إمام راتب أو له إما مراتب وضاق المسجد عن الجميع أو خيف خروج الوقت وقال الحنابلة: يحرم إقامة جماعة في مسجد قبل إمامه الراتب إلا بإذنه كما يحرم إقامة جماعة أخرى أثناء صلاة الإمام الراتب ولا تصح الصلاة في تلك الحالتين ولا يكره أن يصلي الناس جماعة إذا تأخر الإمام الراتب لعذر أو ظن عدم حضوره أو ظن حضوره ولم يكن يكره صلاة غيره في حالة حضوره، ومن باب أولى ما إذا كان قد أذن، ولا يكره عندهم تكرار الجماعة بإمامة غير الراتب بعد انتهاء الإمام الراتب إلا في مسجدي مكة والمدينة فقط فإنه تكره إعادة الجماعة فيهما إلا لعذر كنوم ونحوه فمن فاتته صلاة الجماعة في المسجدين لعذر لا يكره له أن يصلي جماعة بعد صلاة

الإمام الراتب ويكره تعدد الأئمة الراتبين بالمسجدين المذكورين ويكره للإمام عندهم إعادة الصلاة مرتين، ويجوز للمنفرد أن يعيد الصلاة في جماعة وتكون الثانية له نفلاً والحنفية كما نعلم لا يجيزون التنفل بعد صلاة العصر وتكره عندهم إعادة الصلاة بعد العصر، وقل مثل ذلك في صلاة الصبح عند الحنفية، ولكون الحنفية لا يتنفلون بوتر فإنه يكره عندهم إعادة صلاة المغرب كذلك، وعند المالكية يندب لكل منفرد أن يعيد صلاته في جماعة إلا إذا صلى في أحد المساجد الثلاثة، فيندب له إعادتها فيها لا خارجها، والشافعية يرون إجازة إعادة الصلاة للمنفرد وغيره بنية الفرض، وفي المذهب الجديد عند الشافعية إذا صلى وأعاد مع الجماعة فالفرض هو الأولى وتكون الثانية نفلاً، وقال الحنابلة يستحب لمن صلى فرضه منفرداً أو في جماعة أن يعيد الصلاة إذا أقيمت الجماعة وهو في المسجد ولو كان وقت الإعادة وقت نهي، سواء كانت الإعادة مع الإمام الراتب أو مع غيره إلا المغرب فلا تسن إعادته، وتكون صلاة الأولى هي الفريضة وينوي بالثانية الإعادة، وفي كل الأحوال فإن الثانية تعتبر نفلاً، وهذا كله إذا كان داخل المسجد، أما من كان خارج المسجد وصلى صلاته ودخل بذلك وقت النهي كالصبح والعصر فلا يستحب له دخول المسجد حتى تفرغ صلاة الجماعة وتحرم عليه الإعادة، أما إذا لم يكن الوقت وقت نهي ودخل المسجد لا بنية الإعادة وكان الناس يصلون فإنه يسن له أن يعيد، ويسن للناس عند الحنفية أن يقوموا جميعاً إماماً ومأمومين إلى الصلاة عند (حي على الفلاح)، وذهب الحنابلة إلى أن القيام عند: (قد قامت الصلاة) ويرى الشافعية أن القيام يكون بعد انتهاء المقيم من الإقامة، ولم يحدد المالكية للقيام إلى الصلاة وقتاً فمتى بدأت الإقامة جاز للإنسان أن يقوم إلى الصلاة. والأعذار التي تجيز للإنسان ترك الجمعة والجماعة كثيرة منها: المرض الذي يشق معه الحضور أما المرض الخفيف كصداع يسير وحمى خفيفة فليس بعذر، ومنها التمريض لمن لا متعهد له سواء كان قريباً أو نحوه إذا خاف على المريض، ومن ذلك الخوف من حدوث المرض لو أنه خرج إلى الجمعة أو الجماعة، ولا تجب الجماعة والجمعة على مقعد وزمن ومقطوع يد ورجل من خلاف أو رجل فقط، ومفلوج وشيخ كبير عاجز وأعمى وإن وجد قائداً في رأي الحنفية، ولا يعذر إذا وجد قائداً عند الحنابلة والمالكية والشافعية في ترك الجمعة دون

الجماعة، ومن الأعذار التي تسقط الجمعة والجماعة أن يخاف ضرراً في نفسه أو ماله أو عرضه، كأن خاف ظالماً أو حبساً لأنه معسر، أو خاف ملازمة غريم وهو معسر، أو خاف عقوبة يرجو سقوطها لو تأخر اعتقاله، مما يمكن أن يدخل في دائرة العفو، والعري عذر، وكذلك خوف زيادة المرض أو بطء البرء، والقادر بقدرة الغير لا يعتبر قادراً عند الحنفية، ويعتبر قادراً عند الحنابلة والمالكية والشافعية في حق الجمعة ولا تجب الجمعة والجماعة بسبب الخوف من الانقطاع عن الرفقة في السفر ولو سفر نزهة أو بسبب الخوف من تلف مال كخبز في تنور وطبيخ على نار أو الخوف من فوات فرصة كالخوف من ذهاب شخص يدله على ضائع، ومن الأعذار التي تبيح ترك الجمعة والجماعة المطر والوحل والبرد الشديد والحر الشديد ظهراً، ومن الأعذار التي تبيح ترك الجماعة: الريح الشديدة في الليل لا في النهار والظلمة الشديدة، والثلج والجليد كالمطر والطين في إباحة ترك الجمعة والجماعة. ومما يجيز ترك الجماعة مدافعة الأخبثين: البول والغائط أو أحدهما، وحضور طعام تتوقه نفسه وغلبة نعاس ومشقة، ومن أعذار ترك الجماعة عند الحنفية: الاشتغال بالفقه لا بغيره. ومن أعذار ترك الجماعة: أكل ثوم أو بصل أو فجل أو منتن تظهر رائحته حتى يذهب ريحه وكل من تظهر منه رائحة منتنة بسبب عمله، وتسقط الجماعة عمن به برص أو جذام أو مرض يمكن انتقاله، ومما يسقط الجمعة والجماعة الحبس، ومن مسقطات الجماعة عند الشافعية تقطير سقوف الأسواق والزلزلة والريح الحارة ليلاً أو نهاراً والبحث عن ضالة يرجوها والسعي في استرداد مغصوب والسمن المفرط، والهم المانع من الخشوع، والاشتغال بتجهيز ميت، ووجود من يؤذيه في طريقه أو في المسجد وزفاف زوجته إليه في الصلاة الليلية، وزيادة الإمام على المسنون، وتركه سنة مقصودة، وكون الإمام سريع القراءة والمأموم بطيئاً، أو كون الإمام ممن يكره الاقتداء به، ومن أعذار ترك الجماعة أن يخشى الإنسان وقوع فتنة له أو به وتسقط الجمعة والجماعة عند المالكية لمدة ستة أيام بسبب الزفاف. ومن انقطع عن الجماعة لعذر من أعذارها المبيحة للتخلف يحصل له ثوابها. والجماعة في الصلاة تكون بإمام ومأموم ويتم بها ارتباط صلاة المؤتم بالإمام.

وشروط صحة إمامة الإمام: الإسلام والذكورة في إمامة الرجال أو الرجال مع النساء، ولا تصح إمامة الخنثى للرجال أو النساء وتصح إمامته لمثله وتصح إمامة النساء للنساء. ومن شروط صحة الإمامة: العقل، ولا تصح إمامة المجنون ولا المعتوه ولا السكران كما لا تصح صلاتهما، واشترط الحنفية لصحة الإمامة في فرض أو نفل البلوغ واشترطه الحنابلة والمالكية في الفرض فقط، فلا تصح عندهم غير إمامة البالغ في الفرض، وأجاز الشافعية اقتداء البالغ بالصبي المميز حتى في الجمعة مع الكراهة، ولا تكره عند الشافعية جماعة النساء بل تستحب وتقف وسطهن، وقال الحنفية يكره تحريماً جماعة النساء وحدهن إلا في صلاة الجنازة، وتقف الإمامة وسطهن، ويكره عند الحنفية والحنابلة أن يؤم الرجال النساء في بيت ليس معهن رجل غيره ولا محرم منه أو زوجته. ومن شروط صحة الإمامة الطهارة من الحدث والخبث، وهناك تفصيلات في المذاهب حول لزوم إعادة صلاة الإمام أو المأموم إذا وجد فساد، فالمشهور عند الشافعية أن صلاة المأموم مرتبطة بصلاة الإمام صحة لا فساداً. ومن شروط صحة الإمامة: إحسان القراءة وإقامة الأركان، فلا تصح الصلاة خلف أخرس ولو صلى بأخرس مثله، ولا تصح الصلاة خلف عاجز عن ركوع أو سجود أو قعود أو استقبال قبلة أو اجتناب النجاسة، وتصح الصلاة خلف المماثل فيما ذكرناه، قال المالكية يشترط في الإمام القدرة على الأركان القولية كالفاتحة، والفعلية كالركوع والسجود والقيام فإن عجز لم يصح الاقتداء به إلا إذا تساوى الإمام والمأموم في العجز. ولا يصح الاقتداء بمأموم حال اقتدائه، أما الاقتداء بمن كان مقتدياً بالإمام بعد انقطاع القدوة كأن كان مسبوقاً، فقد قال الحنفية والمالكية: لا يجوز اقتداء المسبوق بغيره ولا الاقتداء به، وقال الشافعية: يصح الاقتداء بمن كان مسبوقاً بعد أن سلم إمامه أو بعد أن نوى مفارقته، وتصح عندهم نية المفارقة في غير صلاة الجمعة أما فيها فلا يصح الاقتداء، ومذهب الحنابلة قريب من مذهب الشافعية واشترط الحنفية والحنابلة لصحة الإمامة السلامة من الأعذار كسلس البول ونحوه، فلا تصح إمامة من قام به عذر من الأعذار إلا بمعذور مثله بشرط أن يتحد عذرهما، ومن عنده عذران لا يصح أن يؤم من له عذر واحد،

وعند المالكية يكره أن يؤم صاحب العذر من ليس له عذر وعند الشافعية تصح إمامة صاحب العذر الذي لا تجب معه إعادة الصلاة لمقتد سليم، ولا تصح عند الحنفية إمامة الألثغ وهو من يبدل بعض الحروف بأخرى إلا إذا كان المقتدي مثله، ولا تصح عندهم إمامة التمتام الذي يكرر التاء، والفأفاء الذي يكرر الفاء إلا لمن ماثلهما، وأجاز الحنابلة إمامة من يبدل ضاد المغضوب والضالين بظاء، ولا تجوز إمامة الأرت وهو الذي يدغم بعض الحروف ببعضها في غير موضوع الإدغام كأن يقول: المتقيم بدل المستقيم، وقال الشافعية ومن يخل بحرف أو تشديدة من الفاتحة يعدان كالألثغ لا تصح إمامتهما إلا للمثل، وأكثر العلماء على أنه تصح إمامة التمتام والفأفاء ولو لغير المماثل مع الكراهة. ولم يكن الاختلاف في الفروع الفقهية مانعاً من صلاة الصحابة بعضهم وراء بعض، وعلى هذا فالصلاة خلف المخالف في الفروع المذهبية من أتباع أئمة الاجتهاد من مذاهب أهل السنة والجماعة صحيحة غير مكروهة، ولكن من الأفضل للإمام أن يراعي مذاهب المصلين وراءه ما أمكن كي لا يدخل في إشكال مع المتعصبين لمذاهبهم، والأصل أن يكون الإمام عدلاً تقياً ورعاً، وشدد الحنابلة بأن منعوا إمامة الفاسق ولو بمثله وأوجبوا إعادة الصلاة في مثل هذه الحالة إلا في صلاة الجمعة والعيدين فإنهما تصحان عندهما خلف الفاسق إن لم تتيسر الصلاة خلف عدل، واشترط المالكية أن يكون الإمام سليماً من الفسق الذي سببه الصلاة كمن يتهاون في شرائطها وفرائضها، وجماهير العلماء على أن الصلاة خلف البر والفاجر جائزة، لأن الصحابة صلوا وراء أئمة الجور، وكره عامة العلماء الصلاة وراء المبتدعة الذين صلوا ببدعتهم. والجمهور على أنه لا يصح لمفترض أن يصلي وراء متنفل، وخالف في ذلك الشافعية، والأحق بالإمامة عند الحنفية: الأعلم بأحكام الصلاة صحة وفساداً مع العدالة والحفظ من القرآن بقدر ما يؤدي فرضه، ثم الأحسن تلاوة ثم الأورع ثم الأسن، ثم الأحسن خلقاً ومن اجتمع له كل هذا فهو المقدم، فإن استووا يقرع بينهم أو الخيار إلى القوم وإن اختلفوا اعتبر الأكثر، وإذا وجد الخليفة المسلم فهو المقدم، ثم السلطان ثم الأمير ثم القاضي ثم صاحب المنزل ولو مستأجراً، ويقدم القاضي على إمام المسجد، فإذا لم يوجد سلطان أو قاض يقدم

في البيت صاحب البيت وفي المسجد إمام المسجد الراتب. وهذه الأحكام مأخوذة من فقه الحنفية وهناك تفصيلات في بقية المذاهب وشيء من الاختلاف في الأحق بالإمامة. ومن كلام المالكية: إن كان صاحب المنزل امرأة أنابت من يصلح للإمامة وتستخلف الأفضل، والأحق بالإمامة عندهم: السلطان ثم نائبه، ثم الإمام الراتب ثم رب المنزل ثم الأفقه ثم الأعلم بالسنة أو الحديث، ثم الأقرأ والأمكن في مخارج الحروف، ثم الأعبد ثم الأقدم إسلاماً ثم الأرقى نسباً، ثم الأحسن خلقاً، ثم الأحسن لباساً، فإن تساووا قدم الأورع والزاهد ويقدم الأعدل على مجهول الحال، والأب على ابنه، والعم على ابن أخيه، فإن تساووا في كل شيء قرع بينهم إلا إن رضوا بتقديم أحدهم. قال الشوكاني: والظاهر أن الولاية للسلطان الذي له ولاية أمور الناس. أقول: فإذا ما ذكر فهو المراد. وليراجع كل صاحب مذهب وجهة نظره في هذا الموضوع وما ذكرناه نموذج. وتكره إمامة الفاسق ولو كان عالماً والمبتدع الذي لا يكفر ببدعته، أما إذا كفر فلا تجوز الصلاة وراءه، وتكره صلاة الأعمى تنزيهاً عند الحنفية والمالكية والحنابلة إلا إن كان يحتاط في نظافته وطهارته وكان أعلم القوم، وأجاز الشافعية إمامته بدون كراهة، والأصم كالأعمى عند الحنابلة تصح إمامته مع الكراهة التنزيهية، وذكر الحنابلة مسألة أقطع اليدين فأجازوا إمامته في رواية، ومن المسائل التي ذكروها أن لا يصح الائتمام بأقطع الرجلين. ويكره لإمام كراهة تحريمية عند الحنفية أن يؤم قوماً هم له كارهون. ويكره تطويل الصلاة على القوم تطويلاً زائداً على السنة أو على القدر الذي يحتمله حالهم، واستثنى الشافعية والحنابلة حال الرضى بالتطويل من جماعة محصورين فلا حرج في ذلك. ويكره للإمام أن يتكلف في قيامه وركوعه وسجوده وغير ذلك انتظاراً لداخل جديد،

هذا قول الجمهور، أما الشافعية فاستحبوا انتظار الداخل على تفصيلات عندهم ملاحظين في ذلك مساعدة المتأخرين لإدراك فضل ما أمكن من الجماعة وتكره إمامة اللحان الذي يكثر اللحن، هذا إذا كان لا يحيل المعنى، أما إذا أحال المعنى فقد تساهل فيه متأخرو الحنفية إلا إذا عبر المعنى الذي فيه اللحن عما يعتبر كفراً فتبطل الصلاة عندهم. وتكره إمامة من لا يفصح ببعض الحروف كالضاد والقاف، وتصح إمامته، ومر معنا أن التمتام والفأفاء لا تجوز الصلاة خلفهما عند الحنفية وتجوز الصلاة خلفهما عند الجمهور مع الكراهة، وتكره إمامة العامي وأمثاله ممن لا يعيش في البيئات العلمية والبيئات المهذبة فالجهل والقسوة تكره الإمامة وراء أصحابهما. ويكره أن يصلي على مكان مرتفع على المأمومين إذا كان الارتفاع بقدر ذراع أو أكثر. ويكره أيضاً عند الحنفية والمالكية والشافعية ارتفاع المقتدين عن مكان الإمام بقدر ذراع، وإذا كان بجانب الإمام واحد أو أكثر في تلك الحالتين ارتفعت الكراهة، والعذر عند الشافعية يرفع الكراهة، ومن كلامهم: إن قصد الإمام والمأموم بعلوه الكبر بطلت الصلاة، والعلو اليسير معفو عنه عند الحنابلة والمالكية. وتكره الصلاة وراء كل إمام ينظر إليه الناس باحتقار لأن ذلك ينفر من صلاة الجماعة، ويكره عند الحنفية تنزيهاً إمامة الأمرد الصبيح الوجه إن كان يخشى من إمامته الفتنة والشهوة كما تكره عندهم إمامة السفيه، ويكره تنزيهاً عندهم قيام الإمام في غير المحراب لئلا يلزم عدم القيام في الوسط. وذكر المالكية أنه تكره إمامة غير المختون ومن يتكسر في كلامه كالنساء، وتكره الصلاة بين الأعمدة، وتكره عندهم صلاة المأموم أمام الإمام إلا لضرورة فلا كراهة، وكره عندهم صلاة رجل بين نساء أو صلاة امرأة بين رجال، ومن كلامهم أنه يجوز التبليغ خلف الإمام واقتداء الناس بسماع صوت المبلغ، وجاز الاقتداء برؤية الإمام أو المأموم وإن كان المأموم بدار مثلاً والإمام بمسجد ولا يشترط إمكان التوصل إليه. ومن كلام الشافعية: أنه تكره إمامة من يكرهه أكثر القوم لأمر مذموم كالإكثار من الضحك.

ومن كلام الحنابلة: وتصح مع الكراهة إمامة مقطوع الرجلين أو إحداهما إذا كان يستطيع القيام بأن يتخذ له رجلين من خشب أو نحوه، وتكره عندهم إمامة المفضول مع وجود الأفضل. وشروط صحة الاقتداء عند الشافعية ألا يعلم المقتدي بطلان صلاة إمامه وألا يعتقد أنه يجب على الإمام وجوب قضاء الصلاة التي يصليها، وألا يكون الإمام مأموماً في الوقت نفسه، وألا يكون مشكوكاً في كونه إماماً أو مأموماً، وألا يكون مخلاً بشيء من الفاتحة أو لا يحفظها، وألا يقتدي الرجل بالمرأة، والمقتدي وراء الإمام له ثلاثة أحوال: مدرك ولاحق ومسبوق. قال الحنفية: المدرك من صلى جميع الصلاة كاملة مع الإمام، والمسبوق من سبقه الإمام بكل الصلاة أو بعضها وحكمه بعد انقضاء صلاة الإمام أنه كالمنفرد يقضي ما فاته قضاء، فيقضي أول صلاته في حق الثناء والقراءة ويجوز له في الجهرية الإسرار والجهر كالمنفرد، والمسبوق إن أدرك الإمام وهو راكع كبر للإحرام قائماً ثم يركع معه وتحسب له هذه الركعة، فإن أدركه بعد ركوع كبر قائماً وتابعه ولا تحسب له هذه الركعة، والمسبوق كالمنفرد إلا إنه لا يجوز اقتداؤه بغيره ولا يجوز الاقتداء به، وإذا كبر ناوياً استئناف صلاة جديدة وقطعها صار مستأنفاً وقاطعاً للصلاة الأولى بخلاف المنفرد، وإذا قام إلى قضاء ما سبق به وعلى الإمام سجود سهو فسجد الإمام بعد أن قام المقتدي، فما دام لم يقيد ركعته بسجدة فعليه أن يتابع الإمام، وكذلك إذا قضى الإمام سجدة التلاوة، ويأتي بتكبيرات التشريق بعد انتهاء صلاته اتفاقاً بين الحنفية بخلاف المنفرد حيث لا يأتي بها عند أبي حنيفة، ويكره تحريماً للمسبوق أن يقوم لقضاء ما فاته قبل سلام إمامه إلا في حالات فصلها فقهاء الحنفية، واللاحق عند الحنفية هو من أدرك أول الصلاة مع الإمام ثم حدث له عارض فلم يشارك الإمام في قسم من صلاته، كأن أصابته غفلة أو نوم أو زحمة أو سبق إمامه في ركوع وسجود فإنه في الحالة الأخيرة يقضي ركعة، وحكمه أنه كمؤتم حقيقة فيما فاته، فلا تنقطع تبعيته للإمام فلا يقرأ في قضاء ما فاته ولا يسجد لسهو ويبدأ بقضاء ما فاته أثناء صلاة الإمام ثم يتابعه فيما بقي إن أدركه ويسلم معه فإن لم يدركه مضى في صلاته إلى النهاية.

وإن كان اللاحق مسبوقاً بأن بدأ مع الإمام في الركعة الثانية مثلاً ثم فاتته ركعة فأكثر خلف الإمام فعليه قضاء ما سبق به وتفصيلات أحكام اللاحق والمسبوق والمدرك في مذهب الحنفية وبقية المذاهب متشعبة ولابد للمسلم أن يتفقه ليعرف تفصيلات الأحكام على مذهب من المذاهب الأربعة. ولابد أن ينوي المأموم مع تكبيرات الإحرام أو قبلها الاقتداء أو الجماعة أو المأمومية ولا يجب تعيين الإمام باسمه فإن عينه وأخطأه بطلت صلاته عند الشافعية، ولذلك فإن الإنسان إذا لم يعرف الإمام ينوي الاقتداء بالإمام الواقف بالمحراب أو بالإمام الذي يشاهده إن كان يشاهده أو بإمام ذلك الجمع، ولو ظن أنه فلان ولم يكن كذلك لا تبطل صلاته عند الحنفية. أما نية الإمام الإمامة فلا تشترط عند الجمهور غير الحنابلة بل تستحب، واستثنى الشافعية والمالكية الصلاة التي تتوقف صحتها على الجماعة كالجمعة وصلاة الخوف فلابد من نية الإمام الإمامة، واستثنى الحنفية اقتداء النساء بالرجال فإنه يشترط نية الإمام الإمامة لصحة اقتداء النساء به، ومن كلام الحنفية: أنه لا يصح الاقتداء إلا إذا اتحدت صلاتا الإمام والمأموم واستثنوا من ذلك جواز اقتداء المتنفل بالمفترض ولم يجيزوا العكس. وجماهير العلماء لا يجيزون للمأموم أن يتقدم على إمامه بعقبه إن صلى قائماً، أو بعجزه إن صلى قاعداً أو بجنبه عن صلى مضطجعاً، والجمهور على وجوب اتحاد المكان بين صلاة الإمام والمقتدي برؤية أو سماع ولو بمبلغ. ويجب على المأموم أن يتابع إمامه، إما بالمقارنة وإما بالتعقيب المباشر وإما بتعقيب متراخ يلحق به الإمام، في جزء مما هو فيه. ولا يصح عند الحنفية أن تحاذي المرأة الرجل ولو كانت محرماً فإذا حدثت المحاذاة في صلاة مشتركة، ونوى الإمام إمامة النساء بطلت صلاة المحاذي يميناً والمحاذي شمالاً ومن خلفها وهذا إذا كانت المرأة المحاذية مشتهاة، وان تكون الصلاة كاملة الأركان وهي التي لها ركوع وسجود وأن تكون الصلاة مشتركة وألا يكون هناك حائل بمقدار ذراع في غلظ أصبع

أو فرجة تسع رجلاً، وإنما تبطل الصلاة إذا كانت هذه المحاذاة في ركن كامل وأن تتحد الجهة. والجمهور على أن وقوف المرأة في صف الرجال لا يبطل صلاتها ولا صلاتهم ولا صلاة من خلفها. وإذا كان الإمام يصلي برجل أوقفه عن يمينه وإن صلى بامرأة منفردة أوقفها خلفه، وإن صلى برجل منفرد أوقفه عن يمينه ولو كان صبياً مميزاً مع تأخره قليلاً بعقبه، وإن صلى برجل أو امرأة قام الرجل عن يمين الإمام والمرأة خلفه، وإن صلى خلفه رجلان أو رجل وصبي أو نساء فقط، صلوا خلف الإمام، وإذا اجتمع رجال وصبيان وخناثي ونساء، صف الرجال ثم الصبيان ثم الخناثي ولو منفرداً ثم النساء. ويقف الإمام وسط القوم في الصف متقدماً عليهم بمقدار ما يسع من وراءه أن يسجد على الأقل. هذا، وللصف الأول فضل وبذلك يستحب أني سارع أهل الفضل إلى الصف الأول وأن يعطى لأهل الكمال ما يلي الإمام ويستحب للإمام أن يأمر بتسوية الصفوف وسد الخلل وتسوية المناكب، ومن صلى منفرداً خلف الصف فقد جازت صلاته مع الكراهة، وقال الحنابلة: لا تجوز صلاته إذا صلى ركعة كاملة خلف الصف وحده، والكمال في مثل هذه الحالة عند الشافعية أن يحرم الإنسان بالصلاة ثم يجر واحداً من الصف إليه، أما إذا جر إليه أحداً قبل الإحرام وتابعه المصلي دون نية تخدم الصلاة فقد بطلت الصلاة عند الحنفية. ونكرر ما ذكرناه سابقاً أن التفقه لا يتم للإنسان إلا بدراسة مذهب من المذاهب الأربعة على يد فقيه، فهذا الذي يجعل الإنسان عارفاً بالكيفية الكاملة لما ينبغي فعله في كل جزئية، والذين يفرون من مثل هذا أقل ما يوصفون به أنهم جهلة. انظر فيما سبق: (حاشية ابن عابدين)، (الدر 1/ 367 - 401)، (الشرح الصغير 1/ 424 - 464)، (المهذب 1/ 93 - 100)، (المغني 2/ 176 فما بعدها)، (بداية المجتهد 1/ 140 - 156)، (الفقه الإسلامي 2/ 149 فما بعدها و 2/ 174 فما بعدها)، (الفقه على المذاهب الأربعة 1/ 404 فما بعدها).

الفقرة الأولى فضل صلاة الجماعة والمشي إلى المساجد وانتظار الصلاة والترهيب من ترك الجماعة، وبعض الأعذار التي تبيح ترك الجماعة

الفقرة الأولى فضل صلاة الجماعة والمشي إلى المساجد وانتظار الصلاة والترهيب من ترك الجماعة، وبعض الأعذار التي تبيح ترك الجماعة - فضل صلاة الجماعة: 1488 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تفضل صلاة الجميع صلاة أحدكم وحده بخمس وعشرين جزءاً، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر ثم يقول أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم (وقرآن الفجر، إن قرآن الفجر كان مشهوداً) (2). قال البخاري (3): قال شعيب: وحدثني نافع عن ابن عمر "تفضلها بسبع وعشرين". وفي رواية لمسلم (4) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الجماعة تعدل خمساً وعشرين صلاة من صلاة الفذ". وفي أخرى (5) له قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة مع الإمام أفضل من خمس وعشرين صلاة يصليها وحده". قال الحافظ: وطريق شعيب هذه موصولة، وجوز الكرماني أن تكون معلقة وهو بعيد بل هي معطوفة على الإسناد الأول والتقدير حدثنا أبو اليمان، قال شعيب: ونظائر هذا في الكتاب كثيرة اهـ (فتح 2/ 137).

_ 1488 - البخاري (2/ 137) 10 - كتاب الأذان، 31 - باب فضل صلاة الفجر في جماعة. مسلم (1/ 450) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 42 - باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها. (2) الإسراء: 78. (3) البخاري (2/ 137) 10 - كتاب الأذان، 31 - باب فضل صلاة الفجر في جماعة. (4) مسلم (1/ 450) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 42 - باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها. (5) مسلم نفس الموضع السابق.

وقال (2/ 132): قوله (بسبع وعشرين درجة): قال الترمذي: عامة من رواه قال خمسة وعشرين إلا ابن عمر فإنه قال سبعاً وعشرين، ثم قال ابن حجر بعد كلام: فرجعت الروايات كلها إلى الخمس والسبع .. واختلف في أيهما أرجح فقيل رواية الخمس لكثرة روايتها وقيل رواية السبع لأن فيها زيادة من عدل حافظ اهـ. وقد حاول البعض أن يوفق بين روايتي الخمس والسبع فذكروا وجوهاً منها: أن القليل لا ينفي الكثير، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بالخمس ثم أعلمه الله بزيادة الفضل فأخبر بالسبع، أو الفرق بقرب المسجد وبعده أو الفرق بحال المصلي كأن يكون أعلم وأخشع أو بإيقاعها في المسجد أو في غيره أو في انتظار الصلاة. ورجح ابن حجر أن السبع مختصة بالجهرية والخمس بالسرية ذلك أنه ساق عن العلماء خمساً وعشرين فضيلة جعلت صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ وزادها اثنتين للصلاة الجهرية، وهذه الفوائد هي: قال: إجابة المؤذن بنية الصلاة في الجماعة، والتبكير إليها في أول الوقت، والمشي إلى المسجد بالسكينة، ودخول المسجد داعياً، وصلاة التحية عند دخول كل ذلك بنية الصلاة في الجماعة، سادسها: انتظار الجماعة، سابعها: صلاة الملائكة عليه واستغفارهم له، ثامنها: شهادتهم له، تاسعها: إجابة الإقامة، عاشرها: السلامة من الشيطان حين يفر عند الإقامة، حادي عشرها: الوقوف منتظراً إحرام الإمام أو الدخول معه في أي هيئة وجده عليها، ثاني عشرها: إدراك تكبيرة الإحرام كذلك، ثالث عشرها: تسوية الصفوف وسد فرجها، رابع عشرها: جواب الإمام عند قوله سمع الله لمن حمده، خامس عشرها: الأمن من السهو غالباً وتنبيه الإمام إذا سها بالتسبيح أو الفتح عليه، سعشرها: حصول الخشوع والسلامة عما يلهي غالباً، سابع عشرها: تحسين الهيئة غالباً، ثامن عشرها: احتفاف الملائكة به، تاسع عشرها: التدرب على تجويد القراءة وتعلم الأركان والأبعاض، العشرون: إظهار شعائر الإسلام، الحادي والعشرون: إرغام الشيطان بالاجتماع على العبادة والتعاون على الطاعة ونشاط المتكاسل، الثاني والعشرون: السلامة من صفة النفاق ومن إساءة غيره الظن بأنه ترك الصلاة رأساً، الثالث والعشرون: رد السلام على الإمام، الرابع والعشرون: الانتفاع باجتماعهم على الدعاء والذكر وعود بركة الكامل على الناقص، الخامس

والعشرون: قيام نظام الألفة بين الجيران وحصول تعاهدهم في أوقات الصلوات. فهذه خمس وعشرون خصلة ورد في كل منها أمر أو ترغيب يخصه وبقي منها أمران يختصان بالجهرية وهما الإنصات عند قراءة الإمام والاستماع لها والتأمين عند تأمينه ليوافق تأمين الملائكة، وبهذا يترجح أن السبع تختص بالجهرية. اهـ (الفتح 2/ 132 - 134) وتعقب أن في هذا نظراً ورجح بعضهم أن ذلك من زيادة فضل الله ... 1489 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمساً وعشرين ضعفاً، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد، لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه، اللهم صل عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة". وفي رواية (2) نحوه، إلا أن فيه "فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة تحبسه" وزاد في دعاء الملائكة "اللهم اغفر له، اللهم تب عليه، ما لم يؤذ فيه، ما لم يحدث فيه". وفي رواية (3) الموطأ قال: "من توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج عامداً إلى الصلاة، فإنه في صلاة ما كان يعمد إلى صلاة، وإنه يكتب له بإحدى خطوتيه حسنة، ويمحى عنه بالأخرى سيئة، فإذا سمع أحدكم الإقامة فلا يسع، فإن أعظمكم أجراً أبعدكم داراً، قالوا: لم يا أبا هريرة؟ قال: من أجل كثرة الخطا. 1490 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا

_ 1489 - البخاري (2/ 131) 10 - كتاب الأذان، 30 - باب فضل صلاة الجماعة. مسلم (1/ 459) 5 - كتاب المساجد ومواضع اللاة، 49 - باب فضل صلاة الجماعة وانتظار الصلاة. (2) نفس الموضع السابق. (3) مالك (1/ 33) 2 - كتاب الطهارة، 6 - باب جامع الوضوء. 1490 - البخاري (2/ 142) 10 - كتاب الأذان، 36 - باب من جلس ينتظر الصلاة في المسجد، طرف من حديث. مسلم (1/ 460) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 49 - باب فضل صلاة الجماعة وانتظار للصلاة.

يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة". وللبخاري (1) أيضاً قال: " [لا يزال] أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، والملائكة تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يقم من مصلاه، أو يحدث". وله في أخرى (2) قال: "لا يزال العبد في صلاة ما كان في المسجد ينتظر الصلاة، ما لم يحدث" فقال رجل أعجمي، ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: الصوت- يعني الضرطة. ولمسلم (3) قال: "الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مجلسه، تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يحدث، وأحدكم في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه". وفي أخرى (4): "لا يزال العبد في صلاة ما كان في مصلاه ينتظر الصلاة، وتقول الملائكة: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، حتى ينصرف أو يحدث، قلت: ما يحدث؟ قال: يفسو أو يضرط". 1491 - * روى أبو داود عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصلاة في الجماعة تعدل خمساً وعشرين صلاة، فإذا صلاها في فلاة فأتم ركوعها وسجودها، بلغت خمسين". أقول: هذا التضعيف في حق من كان يصلي في الحضر جماعة فله هذا التضعيف في الفلاة

_ (1) البخاري (6/ 312) 59 - كتاب بدء الخلق، 7 - باب إذا قال أحدكم "آمين" والملائكة في السماء فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه. (2) البخاري (1/ 282) 4 - كتاب الوضوء، 34 - باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين من القبل والدبر. (3) مسلم (1/ 459) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 49 - باب فضل صلاة الجماعة وانتظار الصلاة. (4) مسلم نفس الموضع السابق. 1491 - أبو داود (1/ 153) كتاب الصلاة، 48 - باب ما جاء في فضل المشي إلى الصلاة وهو حديث حسن.

إن صلاها بحسب الإمكان جماعة أو منفرداً. قال في عون المعبود (1/ 6220). والمعنى يحصل له أجر خمسين صلاة وذلك يحصل له في الصلاة مع الجماعة لأن الجماعة لا تتأكد في حق المسافر لوجود الشمقة فإذا صلاها منفرداً لا يحصل له هذا التضعيف وإنما يحصل له إذا صلاها مع الجماعة خمسة وعشرين لأجل أنه صلاها مع الجماعة وخمسة وعشرون أخرى للتي هي ضعف تلك لأجل أنه أتم ركوع صلاته وسجودها وهو في السفر الذي هو مظنة التخفيف قاله العيني وفي "النيل" قوله فإذا صلاها في فلاة هو أعم من أن يصليها منفرداً أو في جماعة قال ابن رسلان: لكن حمله على الجماعة أولى وهو الذي يظهر من السياق انتهى قال الشوكاني: والأولى حمله على الانفراد. وجاء في (حاشية الفتح 2/ 134): وإنما يجب حمل هذا النص على من صلى في الفلاة حسب طاقته من غير ترك للجماعة عند إمكانها فأتم ركوعها وسجودها مع كونه خالياً بربه بعيداً عن الناس فشكر الله له هذا الإخلاص والاهتمام بأمر الصلاة فضاعف له هذا التضعيف. 1492 - * روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "جاء رجل وقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "أيكم يتجر على هذا؟ فقام رجل فصلى معه". وفي رواية (2) أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر رجلاً يصلي وحده، فقال: "ألا رجل

_ 1492 - الترمذي (1/ 427) أبواب الصلاة، 164 - باب ما جاء في الجماعة في مسجد قد صلى فيه مرة. ابن خزيمة (3/ 63، 64) جماع أبواب قيام المأمومين خلف الإمام، 129 - باب الرخصة في الصلاة جماعة في المسجد الذي قد جمع فيه. (2) أبو داود (1/ 157) كتاب الصلاة، 55 باب في الجمع في المسجد مرتين وهو حديث صحيح. (أيكم يتجر) الذي جاء في لفظ الحديث فيما قرأناه "أيكم يتجر على هذا" وهذا اللفظ إنما هو من التجارة، لأن الفعل من التجارة: تجر يتجُر، واتجر يتجِر، وله معنى، كأنه حيث قام يصلي معه فقد اتجر معه حيث حصل لنفسه بالصلاة معه مكسباً من الثواب، فسمى ذلك تجارة، وأما بناء الفعل من الأجر، وهو الجزاء، فهو يأتجر، فيجوز أن يكون أراد: أيكم يحصل لنفسه أجراً بالصلاة مع هذا، أو أيكم يعطيه الأجر بالصلاة معه، ويدل على صحة الثاني: ما جاء في الرواية الأخرى ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه؟ " وقوله أيضاً في هذه الرواية" "أيكم يتجر على هذا؟ " والكل متقارب المعنى. ابن الأثير.

يتصدق على هذا فيصلي معه؟ ". 1493 - * روى مسلم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله". وفي رواية الموطأ (2) قال: "جاء عثمان إلى صلاة العشاء، فرأى أهل المسجد قليلاً، فاضطع في مؤخر المسجد ينتظر الناس أن يكثروا، فأتاه ابن أبي عمرة فجلس إليه، فسأله: من هو؟ فأخبره فقال: ما معك من القرآن؟ فأخبره، فقال له عثمان: من شهد العشاء فكأنما قام نصف ليلة، ومن شهد الصبح فكأنما قام ليلة". وفي رواية الترمذي (3) وأبي داود (4) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من شهد العشاء في جماعة كان له قيام نصف ليلة، ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان له كقيام ليلة". قال في المنتقى (1/ 232): اضطجاع عثمان بن عفان رضي الله عنه في مؤخر المسجد ينتظر الناس ليكثروا من أدب الأئمة ورفقهم بالناس وانتظارهم الصلاة إذا تأخروا وتعجيلها إذا اجتمعوا وقد روى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعل ذلك في صلاة العشاء. وقوله فأتاه ابن أبي عمرة فجلس إليه يحتمل أن يكون جلس إليه ليقتبس منه علماً أو يقتدي به في عمل أو يسأله حاجة فسأله عثمان رضي الله عنه من هو وما معه من القرآن وهذا اهتمام من الأئمة بأحوال الناس وبما يحصل معهم من العلم والقرآن ويعرف منازلهم بذلك وهذا مما ينظر الناس إليه وإخبار عثمان له بما كان عنده م العلم في صلاة العشاء وصلاة

_ 1493 - مسلم (1/ 454) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 46 - باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة. (2) الموطأ (1/ 132) 8 - كتاب صلاة الجماعة، 2 - باب ما جاء في العتمة والصبح. (3) الترمذي (1/ 433) أبواب الصلاة، 165 - باب ما جاء في فضل العشاء والفجر في الجماعة، وقال حديث حسن صحيح. (4) أبو داود (1/ 152) كتاب الصلاة، 47 - باب في فضل صلاة الجماعة.

الصبح لما رآه أهلاً لذلك ولما رجا أن ينشط بذلك على المواظبة عليها وهذا يدل على أن حضور الجماعة ليس بفرض على الأعيان لأن النبي صلى الله عليه وسلم ساوى بينه وبين النوافل ولا يعدل الفرض النفل ولا يساويه ألا ترى أن من ترك صلاة فرض لا يجزئ عنه قيام ليلة اهـ. وقوله كقيام ليلة: أي كأجر قيامها، وجعل بعضهم حديث مسلم على ظاهره وأن جماعة العتمة توازي في فضيلتها قيام نصف ليلة وصلاة الصبح في جماعة توازي في فضيلتها قيام ليلة واللفظ الذي خرجه أبو داود ويبين أن المراد بقوله ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله يعني ومن صلى الصبح والعشاء، وطرق هذا الحديث مصرحة بذلك وإن كل واحد منهما يقوم مقام نصف ليلة وإن اجتماعهما يقوم مقام ليلة اهـ (عون المعبود 1/ 218). 1494 - * روى مالك عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد سليمان بن أبي حثمة في صلاة الصبح، وأن عمر غدا إلى السوق، ومسكن سليمان بين المسجد والسوق، فمر على الشفاء أم سليمان، فقال لها: لم أر سليمان في الصبح، فقالت: إنه بات يصلي، فغلبته عيناه فقال عمر: لأن أشهد صلاة الصبح في جماعة أحب إلي من أن أقوم ليلة". 1495 - * روى أحمد عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: "صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم يوماً الصبح، فلما سلم قال: أشاهد فلان؟ قالوا: لا، قال: أشاهد فلان؟ قالوا: لا، قال: إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبواً على الركب، وإن الصف الأول على مثل صف الملائكة،

_ 1494 - الموطأ (1/ 131) 8 - كتاب صلاة الجماعة، 2 - باب ما جاء في العتمة والصبح. وإسناده صحيح. 1495 - أحمد (5/ 140). أبو داود (1/ 152) كتاب الصلاة، 47 - باب فضل صلاة الجماعة. النسائي (2/ 104، 105) 10 - كتاب الإمامة، 45 - الجماعة إذا كانوا اثنين. ابن خزيمة (2/ 366، 367) كتاب الإمامة في الصلاة، 6 - باب ذكر البيان أن ما كثر من العدد في الصلاة جماعة كانت الصلاة أفضل. وهو حديث حسن بشواهده، وقد صححه غير واحد. (أشاهد) الشاهد ها هنا: الحاضر، شهد فلان الجماعة، أي: حضرها.

ولو علمتم ما فضيلته لابتدرتموه، وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كثر فهو أحب إلى الله عز وجل". 1496 - * روى الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى أربعين يوماً في جماعة، لم تفته التكبيرة الأولى كتب الله له براءتين: براءة من النار، وبراءة من النفاق". قال صاحب "المنتقى" تعليقاً على حديث: (بيننا وبين المنافقين شهود العشاء والصبح) هذا الحديث يدل على أن الذين كانوا يتخلفون عن الصلاة- إذ هم أن يحرق بيوتهم- المنافقون وأن بحضور هاتين يتميز المؤمن من المنافق. 1497 - * روى الطبراني في الكبير عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله فمن أخفر ذمة الله كبه الله في النار لوجهه". 1498 - * روى مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "من سره أن يلقى الله غداً مسلماً، فليحافظ على هذه الصلوات الخمس حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم، كما يصلي هذا المتخلف في بيته، لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور، ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد، إلا كتب الله له بكل خطوة

_ (أزكى) الزكاة: النماء. والزكاء: الطهارة. المراد بالصلاتين الثقيلتين على المنافقين هما الصبح والعشاء. (ابتدرتموه) بدر إلى الشيء أسرع وتبادر القوم تسارعوا. 1496 - الترمذي (2/ 7) أبواب الصلاة، 178 - باب ما جاء في فضل التكبيرة الأولى، وقال الترمذي: قد روي موقوفاً على أنس وهو حديث حسن. 1497 - مجمع الزوائد (1/ 296) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. 1498 - مسلم (1/ 453) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 44 - باب صلاة الجماعة من سنن الهدى. النسائي (2/ 108، 109) 10 - كتاب الإمامة، 50 - باب المحافظة على الصلوات حيث ينادى بهن. خطوة: بالفتح المرة الواحدة وبالضم ما بين القدمين وقد أشكلها عبد الباقي بالحركتين.

يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، وحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين، حتى يقام في الصف". 1499 - * روى أحمد عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا عليه بالإيمان. قال الله: إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر" (1). 1500 - * روى أحمد عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاني الليلة آت من ربي- وفي رواية: أتاني ربي- في أحسن صورة، فقال لي: يا محمد، قلت: لبيك ربي وسعديك، قال: هل تدري فيما يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أعلم، قال: فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي- أو قال: في نحري- فعلمت ما في السموات وما في الأرض- أو قال: ما بين المشرق والمغرب- قال: يا محمد، أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: نعم في

_ (يهادى) جاء الرجل يهادى بين رجلين: إذا جاء متكئاً عليهما، فهو يتمايل من ضعفه، وكل من فعل ذلك بأحد فهو يهاديه. 1499 - أحمد (3/ 68). ابن ماجه (1/ 263) 4 - كتاب المساجد والجماعات، 19 - باب لزوم المساجد وانتظار الصلاة. ابن خزيمة (2/ 379) 25 - باب الشهادة بالإيمان لعمار المساجد بإتيانها والصلاة فيها، وإسناده صحيح. (1) التوبة: 18. 1500 - أحمد (1/ 368). الترمذي (1/ 367، 368) 48 - كتاب تفسير القرآن، 39 - باب "من سورة ص" وهو حديث صحيح. (في أحسن صورة) الصورة ترد في كلام العرب على ظاهرها، وعلى معنى حقيقة الشيء وهيئته، وعلى معنى صفته، يقال: صورة الفعل كذا وكذا، أي: هيئته، وصورة الأمر كذا وكذا، أي: صفته، فيكون المراد بها بما جاء في الحديث: أنه أتاه في أحسن صفة، ويجوز أن يعود المعنى إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أي: أتاني ربي وأنا في أحسن صورة، ويجري في معاني الصورة كلها عليه إن شئت ظاهر الصورة والهيئة والحقيقة أو الصفة، فأما إطلاق ظاهر الصورة على الله، فلا، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً (ابن الأثير). أقول: وقوله أتاني: أي في المنام كما صرح بذلك كثير من العلماء. (الملأ الأعلى) الملأ: أشراف الناس وسادتهم، وأراد بالملأ الأعلى: الملائكة المقربين.

الدرجات والكفارات، ونقل الأقدام إلى الجماعات، وإسباغ الوضوء في السبرات المكروهات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، ومن حافظ عليهن عاش بخير، ومات بخير، وكان من ذنوبه كيوم ولدته أمه، قال: يا محمد، قلت: لبيك وسعديك، فقال: إذا صليت، فقل: اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون، قال: والدرجات: إفشاء السلام، وإطعام الطعام، والصلاة بالليل والناس نيام". 1501 - * روى أحمد بن معاذ بن جبل أن نبي الله صلى الله عليه وسلم جلس في بيت من بيوت أزواجه وعائشة عنده فدخل عليه نفر من اليهود فقالوا: السام عليك يا محمد قال: "وعليكم فجلسوا فتحدثوا وقد فهمت عائشة تحيتهم التي حيوا بها النبي صلى الله عليه وسلم فاستجمعت غضباً وتصبرت فلم تملك غيظها فقالت: بل عليكم السام وغضب الله ولعنته بهذا تحيون نبي الله صلى الله عليه وسلم ثم خرجوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما حملك على ما قلت؟ قالت أولم تسمع كيف حيوك يا رسول الله والله ما ملكت نفسي حين سمعت تحيتهم إياك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا جرم كيف رأيت رددت عليهم إن اليهود قوم سئموا دينهم وهم قوم حسد ولم يحسدوا المسلمين على أفضل من ثلاث: رد السلام وإقامة الصفوف وقولهم خلف إمامهم في المكتوبة آمين". 1502 - * روى مالك عن مولى ابن عمر- رضي الله عنهم "أن ابن عمر سمع الإقامة وهو بالبقيع، فأسرع المشي إلى المسجد".

_ (السبرات) جمع سبرة، وهي شدة البرد. وقوله: "المكروهات: أراد به: البرد الشديد، أو العلة تصيب الإنسان، فيتأذى بمس الماء، ويتضرر به، وقيل: أراد به إعواز الماء وقلته حتى لا يقدر عليه إلا بالغالي من الثمن. 1501 - أحمد (1/ 134، 135). ابن ماجه (1/ 278، 279) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 14 - باب الجهر بالتأمين. ابن خزيمة (1/ 287، 288) جماع أبواب الأذان والإقامة، 138 - باب ذكر حسد اليهود المؤمنين على التأمين. مجمع الزوائد (2/ 112، 113) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن. 1502 - الموطأ (1/ 72) 3 - كتاب المساجد، 1 - باب ما جاء في النداء للصلاة.

1503 - * روى البخاري عن أم الدرداء رضي الله عنها قالت: "دخل علي أبو الدرداء وهو مغضب، فقلت: ما أغضبك؟ قال: والله، ما أعرف من أمة محمد صلى الله عليه وسلم شيئاً إلا أنهم يصلون جميعاً". قال في (الفتح 2/ 138): ومراد أبي الدرداء أن أعمال المذكورين حصل في جميعها النقص والتغيير إلا التجميع في الصلاة، وهو أمر نسبي لأن حال الناس في زمن النبوة كان أتم مما صار إليه بعدها، ثم كان في زمن الشيخين أتم مما صار إليه بعدهما وكأن ذلك صدر من أبي الدرداء في أواخر عمره وكان ذلك في أواخر خلافة عثمان، فياليت شعري إذا كان ذلك العصر الفاضل بالصفة المذكورة عند أبي الدرداء فكيف بمن جاء بعدهم من الطبقات إلى هذا الزمان؟ وفي هذا الحديث جواز الغضب عند تغير شيء من أمور الدين، وإنكار المنكر بإظهار الغضب إذا لم يستطع أكثر منه، والقسم على الخبر لتأكيده في نفس السامع اهـ. 1504 - * روى الطبراني في الكبير عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله عز وجل ليعجب من الصلاة في الجميع". 1505 - * روى الطبراني عن أبي بكرة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل من نواحي المدينة يريد الصلاة فوجد الناس قد صلوا فمال إلى منزله فجمع أهله فصلى بهم". 1506 - * روى مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: "من صلى المغرب أو الصبح، ثم أدركهما مع الإمام فلا يعد لهما". 1507 - * روى مالك عن بسر بن محجن عن أبيه محجن "أنه كان في مجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأذن بالصلاة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى ورجع ومحجن في مجلسه، فقال له

_ 1503 - البخاري (2/ 137) 10 - كتاب الأذان، 31 - باب فضل صلاة الفجر في جماعة. 1504 - مجمع الزوائد (2/ 39) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، وإسناده حسن. 1505 - مجمع الزوائد (2/ 45) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله ثقات. 1506 - الموطأ (1/ 133) 8 - كتاب صلاة الجماعة، 3 - باب إعادة الصلاة مع الإمام، وإسناده صحيح. 1507 - الموطأ (1/ 132) 8 - كتاب صلاة الجماعة، 3 - باب إعادة الصلاة مع الإمام. النسائي (2/ 112) 10 - كتاب الإمامة، 53 - باب إعادة الصلاة مع الجماعة بعد صلاة الرجل لنفسه، وهو صحيح.

رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منعك أن تصلي مع الناس، ألست برجل مسلم؟ قال: بلى يا رسول الله، ولكني كنت قد صليت في أهلي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا جئت المسجد وكنت قد صليت، فأقيمت الصلاة، فصلِّ مع الناس وإن كنت قد صليت". قال في (المنتقى 1/ 132): قوله عليه السلام ألست برجل مسلم يحتمل معنيين، أحدهما الاستفهام، والثاني التوبيخ وهو الأظهر والله أعلم أنه إنما ذهب إلى توبيخه على ترك الصلاة مع الجماعة التي لا يتركها مسلم وإنما تركها من علامات المنافق ولا يقتضي قوله ذلك أن من لم يصل مع الناس فليس بمسلم وهذا لا يقوله أحد وإنما ذلك كما يقول القائل لمن علم أنه قرشي مالك لا تكون كريماً ألست بقرشي لا يريد بذلك نفيه عن قريش وإنما يوبخه على أنه قد ترك أخلاق قريش. أقول: الصلاة الثانية تكون نافلة، ولذلك فإن الفقهاء الذين لا يرون التنفل بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر، ولا يرون التنفل بالثلاثية كالحنفية مثلاً لا يرون أن يعيد الإنسان إحدى هذه الصلوات الثلاث بعد أن يكون قد صلاها، ولو دخل المسجد فأقيمت الصلاة. 1508 - * روى أحمد عن رجل من بني الديل قال خرجت بأباعر لي لأصدرها إلى الراعي فمررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالناس الظهر فمضيت فلم أصل معه فلما أصدرت أباعري ورجعت ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: "يا فلان ما منعك أن تصلي معنا حين مررت بنا؛ فقلت: يا رسول الله إني كنت قد صليت في بيتي. قال: وإن". 1509 - * روى مالك عن ابن عمر رضي الله عنهما "أن رجلاً سأله فقال: إني أصلي في بيتي، ثم أدرك الصلاة في المسجد مع الإمام، أفأصلي معه؟ قال له: نعم، قال الرجل: أيتهما أجعل صلاتي؟ قال ابن عمر: أو ذلك إليك؟ إنما ذلك إلي الله عز وجل، يجعل أيتهما شاء".

_ 1508 - أحمد (4/ 215). ورجاله موثقون. 1509 - الموطأ (1/ 133) 8 - كتاب صلاة الجماعة، 3 - باب إعادة الصلاة مع الإمام. وإسناده صحيح.

مسألة: إذا أعاد المسلم الصلاة فأيهما الفرض وهل تجوز الإعادة ومتى؟

مسألة: إذا أعاد المسلم الصلاة فأيهما الفرض وهل تجوز الإعادة ومتى؟ 1 - ما هي الصلوات التي تجوز إعادتها؟ قال أبو حنيفة باستحباب الإعادة لمن صلى في بيته منفرداً في الظهر والعشاء فقط واستدل على ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام: 1510 - * روى مالك عن نافع عن ابن عمر "من صلى المغرب أو الصبح ثم أدركهما مع الإمام فلا يعد لهما". ولقوله صلى الله عليه وسلم فيما: 1511 - * روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس". واستدل على استحباب إعادة الظهر والعشاء لمن صلى منفرداً بالحديث السابق ذكره عن رجل من بني الديل. 2 - ثم أيتهما النافلة وأيتهما الفريضة؟ فمذهب الحنفية أن المعادة هي النافلة، وقال الشافعي في القديم أن الأولى هي النافلة والفريضة الثانية. استدل أبو حنيفة بما: 1512 - * روى الترمذي عن جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلام شاب فلما صلى فإذا رجلان لم يصليا في ناحية المسجد فدعا بهما فجيء بهما

_ 1510 - الموطأ (1/ 133) 8 - كتاب صلاة الجماعة، 3 - باب إعادة الصلاة مع الإمام. 1511 - البخاري (2/ 61) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 31 - باب لا يتحرى الصلاة قبل غروب الشمس. مسلم (1/ 567) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 51 - باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها. 1512 - الترمذي (1/ 424، 425) أبواب الصلاة، 163 - باب ما جاء في الرجل يصلي وحده ثم يدرك الجماعة. ابن خزيمة (3/ 67) 134 - باب الصلاة جماعة بعد صلاة الصبح منفرداً وإسناده حسن. ابن حبان (3/ 50) فصل الأوقات المنهي عنها، ذكر خبر ثان يصرح بأن الزجر عن الصلاة بعد صلاة الغداة لم يرد به كل الصلوات في جميع الأوقات. وهذا الحديث قد رواه أيضاً ابن السكن كما قال ابن حجر.

ترعد فرائصهما، فقال ما منعكما أن تصليا معنا؟ قالا: قد صلينا في رحالنا، فقال لا تفعلوا، إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الإمام ولم يصل فليصل معه فإنها له نافلة. وفي رواية لأبي حنيفة اخرجها محمد في الآثار: واجعلوا الأولى فريضة وهذه نافلة. وطعن الشافعي في هذا الحديث بأن (في) إسناده مجهولاً، واستدل ببعض النصوص منها ما رواه الدارقطني: (وليجعل التي صلى في بيته نافلة) لكن ضعفها النووي والدارقطني. ويؤيد ما ذهب إليه أبو حنيفة ما. 1513 - * روى مسلم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: "إنه سيكون بعدي أمراء يميتون الصلاة فصل الصلاة لوقتها فإن صليت لوقتها كانت لك نافلة وأحرزت صلاتك". ويوضحها ما روي (2) بلفظ: صلوا الصلاة لوقتها واجعلوا صلاتكم معهم نافلة. انظر (إعلاء السنن 4/ 253 - 255 و 4/ 273 - 274). وقال في المنتقى (1/ 133) تعليقاً على حديث ابن عمر الذي معنا: (قال ابن حبيب معناه أن الله يعلم التي تقبلها منه فأما على وجه الاعتداد بها فهي الأولى وهذا يقتضي أني صلي الصلاتين بنية الفرض ولو صلى أحدهما بنية النفل لم يشك أن الأخرى هي فرضه وقد اختلف قول مالك فيمن صلى وحده ثم صلى مع الإمام فروي عنه أن الأولى فرض والثانية نفل وروي عنه أنه قال لا تدري وذلك إلى الله يجعل أيتهما شاء فرضه والقولان في هذه المسئلة مبنيان على صحة رفض [أي إلغاء] الصلاة بعد تمامها فإذا قلنا لا يصح ذلك فالأولى فرضه على كل حال وإذا قلنا يصح رفضها جاز أن يقال بالقول الثاني والله أعلم) اهـ.

_ 1513 - مسلم (1/ 448) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 41 - باب كراهية تأخير الصلاة عن وقتها المختار، وما يفعله المأموم إذا أخرها الإمام. (2) مسلم (1/ 449) نفس الموضع السابق.

3 - هل الإعادة مختصة بمن صلى منفردا أولا أم لا؟.

3 - هل الإعادة مختصة بمن صلى منفرداً أولاً أم لا؟. قال التهانوي: واعلم أن إعادة الصلاة في جماعة تختص بمن كان صلى منفرداً ثم أدرك الجماعة، وأما من صلى بجماعة ثم أدرك جماعة أخرى، فلا تستحب له الإعادة، ففي نيل الأوطار: قال ابن عبد البر: قال جمهور الفقهاء: إنما يعيد الصلاة مع الإمام في جماعة من صلى وحده في بيته أو في غير بيته، وأما من صلى في جماعة وإن قلَّت، فلا يعيد في أخرى قلت أو كثرت، ولو أعاد في جماعة أخرى لأعاد في ثالثة ورابعة إلى ما لا نهاية له، وهذا لا يخفى فساده. قال: وممن قال بهذا القول مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم اهـ (2: 341) قال الشيخ: ووجه ذلك أن هذه الإعادة خلاف القياس، فإن من صلى مرة فرغت ذمته، فما معنى الإعادة؟ ولكن قيل به لورود النص، فيراعى كل ما ورد به، والنص قد ورد فيمن صلى في رحله، والانفراد فيه أظهر، فإن الجماعة في البيت نادرة (لا سيما وقد ورد في رواية "إذا صلى أحدكم في بيته ثم دخل المسجد والقوم يصلون" كذا في مجمع الزوائد (1: 160) فهو صريح في الانفراد)، فلذا لم يجوزه جمهور الأئمة لمن صلى جماعة لأن النص لم يرد فيه اهـ. قلت: ويستثنى منه من صلى بجماعة ثم رأى أحداً يصلي وحده، فيستحب له الاقتداء به، فإنهم قد أجمعوا على ذلك كما تقدم عن ابن الرافعة، ودليله حديث أبي سعيد ألا رجل يتصدق على هذا، فيصلي معه، فتذكر. اهـ إعلاء السنن (4/ 55). 1514 - * روى الطبراني عن أبي أيوب أنه كان يخالف مروان بن الحكم في صلاته فقال له مروان: ما يحملك على هذا؟ قال إني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة إن وافقته وافقتك وإن خالفته صليت وانقلبت إلى أهلي. - فضل المشي إلى المسجد والجماعات: 1515 - * روى البخاري عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من غدا إلى

_ 1514 - مجمع الزوائد (2/ 68) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. 1515 - البخاري (2/ 148) 10 - كتاب الأذان، 37 - باب فضل من غدا إلى المسجد ومن راح. ابن خزيمة (2/ 376) 21 - باب ذكر ما أعد الله من النزل في الجنة للغادي إلى المسجد والرائح إليه.

المسجد أو راح أعد الله له نزلاً في الجنة كلما غدا أو راح". 1516 - * روى أبو داود عن بريدة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة". 1517 - * روى الطبراني عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مشى في ظلمة الليل إلى المسجد لقي الله عز وجل بنور يوم القيامة". 1518 - * روى الطبراني عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله ليضيء للذين يتخللون إلى المساجد في الظلم بنور ساطع يوم القيامة". 1519 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من تطهر في بيته، ثم مضي إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله، كانت خطواته إحداهما تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة". 1520 - * روى أبو داود عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال: "من خرج من بيته متطهراً إلى صلاة مكتوبة، كان أجره كأجر الحاج المحرم، ومن خرج إلى المسجد إلى تسبيح الضحى- لا ينصبه إلا ذلك- كان أجره كأجر المعتمر، وصلاة على إثر صلاة، لا لغو بينهما كتاب في عليين".

_ (النزل): الضياقة. 1516 - أبو داود (1/ 154) كتاب الصلاة، 49 - باب ما جاء في المشي إلى الصلاة في الظلم. الترمذي (1/ 435) أبواب الصلاة، 165 - باب ما جاء في فضل العشاء والفجر في الجماعة وهو حديث صحيح بطرقه وشواهده. 1517 - مجمع الزوائد (2/ 30) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. 1518 - مجمع الزوائد (2/ 30) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن. 1519 - مسلم (1/ 462) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 51 - باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا وترفع به الدرجات. 1520 - أبو داود (1/ 153) كتاب الصلاة، 48 - باب ما جاء في فضل المشي إلى الصلاة، وإسناده حسن. (ينصبه) النصب: التعب، أنصبه ينصبه: إذا أتعبه. (لا لغو) اللغو: الهذر من القول. عليين. اسم علم لديوان الملائكة الحفظة، يرفع إليه أعمال الصالحين الأبرار. وقيل هو أعلى مكان في الجنة، وقيل: هو السماء السابعة.

1521 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الأبعد فالأبعد من المسجد: أعظم أجراً". 1522 - * روى مسلم عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: كان رجل من الأنصار لا أعلم أحداً أبعد من المسجد منه، وكان لا تخطئه صلاة، قال: فقيل له- أو قلت له- لو اشتريت حماراً تركبه في الظلماء وفي الرمضاء؟ قال: ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد، ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد جمع الله لك كله" وفي رواية (3) نحوه، وفيها فتوجعت له، فقلت له: يا فلان، لو أنك اشتريت حماراً يقيك الرمضاء وهوام الأرض؟ قال: أما والله ما أحب أن بيتي مطنب ببيت محمد صلى الله عليه وسلم، قال: فحملت به حملاً حتى أتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فدعاه، فقال له مثل ذلك، فذكر أنه يرجو أثر الأجر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إن ذلك لك ما احتسبت". وفي رواية (4) أبي داود قال: فنمى الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله، فقال: أردت يا رسول الله أن يكتب لي إقبالي إلى المسجد، ورجوعي إلى أهلي، فقال: "أعطاك الله ذلك كله، أنطاك الله ما احتسبت كله أجمع". قوله: (ما أحب أن بيتي مطنب ببيت محمد صلى الله عليه وسلم)، قال النووي: أي ما أحب أنه مشدود بالأطناب وهي الحبال إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم بل أحب أن يكون بعيداً منه لتكثير ثوابي وخطاي إليه، وقوله (فحملت به حملاً ..) قال القاضي معناه أنه عظم علي وثقل واستعظمته لبشاعة لفظه وهمني ذلك وليس المراد به الحمل على الظهر. وقوله (ورجوعي

_ 1521 - أبو داود (1/ 152) كتاب الصلاة، 48 - باب ما جاء في فضل المشي إلى الصلاة، وهو حديث حسن. 1522 - مسلم (1/ 460، 461) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 50 - باب فضل كثرة الخطا إلى المساجد. ابن خزيمة (1/ 230) 71 - باب فضل المشي إلى المساجد للصلاة. (3) مسلم (1/ 461) نفس الموضع السابق. (4) أبو داود (1/ 152، 153) كتاب الصلاةن 48 - باب ما جاء في فضل المشي إلى اصلاة. (الرمضاء): شدة الحر ووقع الشمس على الرمل. (أنطاك) الإنطاء: الإعطاء بلغة أهل اليمن.

إلى أهلي): فيه إثبات الثواب في الخطا في الرجوع من الصلاة كما يثبت في الذهاب. (شرح مسلم 5/ 168). 1523 - * روى مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: "خلت البقاع حول المسجد، فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد، قالوا: نعم يا رسول الله، قد أردنا ذلك، فقال: يا بني سلمة، دياركم، تكتب آثاركم، دياركم تكتب آثاركم فقالوا: ما كان يسرنا أنا كنا تحولنا" وفي رواية (2) بمعناه، وفي آخره "إن لكم بكل خطوة درجة". 1524 - * روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه "أن بني سلمة أرادوا أن يتحولوا عن منازلهم فينزلوا قريباً من النبي صلى الله عليه وسلم، فكره رسول الله أن تعرى المدينة، فقال: ألا تحتسبون آثاركم؟ فأقاموا". 1525 - * روى أحمد عن أبي عشانة أنه سمع عقبة بن عامر الجهني يحدث: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا تطهر الرجل ثم مر إلى المسجد يرعى الصلاة كتب له كاتبه- أو كاتباه- بكل خطوة يخطوها إلى المسجد عشر حسنات، والقاعد يرعى للصلاة كالقانت، ويكتب من المصلين من حيث يخرج من بيته حتى يرجع". 1526 - * روى الطبراني عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من توضأ في بيته فأحسن

_ 1523 - مسلم (1/ 462) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 50 - باب فضل كثرة الخطا إلى المساجد. (2) مسلم (1/ 461) نفس الموضع السابق. 1524 - البخاري (2/ 139) 10 - كتاب الأذان، 33 - باب احتساب الآثار، وورد أيضاً في البخاري في (4/ 99) 29 - كتاب فضائل المدينة، 11 - باب كراهية النبي صلى الله عليه وسلم أن تعرى المدينة. (تعرى) عروت الرجل أعروه عرواً: إذا ألممت به فأتيته طالباً، وفلان يعروه الأضياف ويعتريه: أي يغشاه، كأنه خشي أن يكثر الناس في المدينة فتضيق بهم. (يحتسبون) الاحتساب: ادخار الأجر عند الله تعالى بفعل الخير. (والآثار): آثار مشيهم إلى المسجد. 1525 - أحمد (4/ 157). ابن خزيمة (2/ 374) 18 - باب ذكر كتابة الحسنات بالمشي إلى الصلاة، وإسناده صحيح. 1526 - الطبراني "المعجم الكبير" (6/ 253، 254). مجمع الزوائد (2/ 31) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وأحد إسناديه رجاله رجال الصحيح.

الوضوء ثم أتى المسجد فهو زائر الله وحق على المزور أن يكرم الزائر". 1527 - * روى البزار عن أبي هريرة قال: طعم رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت العباس أو في بيت حمزة فقال: "ليتخوضن ناس من أمتي على ما أفاء الله على رسوله لا يكن لهم حظ غيره وكفارات الخطايا: إسباغ الوضوء وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة". 1528 - * روى البزار عن جابر أن بني سلمة قالوا يا رسول الله أنبيع دورنا ونتحول إليك فإن بيننا وبينك وادياً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اثبتوا فإنك أوتادها وما من عبد يخطو إلى الصلاة خطوة إلا كتب الله له بها أجراً". 1529 - * روى ابن خزيمة عن عبد الله بن عمرو: أن عبد الله بن عمرو مر بمعاذ بن جبل وهو قائم على بابه يشير بيده كأنه يحدث نفسه، فقال له عبد الله: ما شأنك يا أبا عبد الرحمن تحدث نفسك؟ قال: وما لي أيريد عدو الله أن بلهيني عن كلام سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تكابد دهرك الآن في بيتك ألا تخرج إلى المجلس فتحدث"، فأنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من جاهد في سبيل الله كان ضامناً على الله، ومن عاد مريضاً كان ضامناً على الله، ومن غدا إلى المسجد أو راح كان ضامناً على الله، ومن دخل على إمام يعوده كان ضامناً على الله، ومن جلس في بيته لم يغتب أحداً بسوء كان ضامناً على الله" فيريد عدو الله أن يخرجني من بيتي إلى المجلس".

_ 1527 - مجمع الزوائد (2/ 37) وقال الهيثمي: رواه البزار وإسناده صحيح. 1528 - كشف الأستار (1/ 224) باب المشي إلى المساجد وانتظار الصلاة. مجمع الزوائد (2/ 30) وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله ثقات. 1529 - ابن خزيمة (2/ 375، 376) 20 - باب ضمان الله الغادي إلى المسجد والرائح إليه، وإسناده حسن. الحاكم (1/ 212) كتاب الصلاة، فضيلة المشي إلى المسجد. المراد بعدو الله: الشيطان.

- فضل انتظار الصلاة

- فضل انتظار الصلاة: 1530 - * روى الشيخان عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى، والذي ينتظر اصلاة حتى يصليها مع الإمام: أعظم أجراً من الذي يصلي ثم ينام". 1531 - * روى أحمد عن أبي هريرة رفعه: "منتظر الصلوة بعد الصلوة كفارس اشتد به فرسه في سبيل الله على كشحه وهو في الرباط الأكبر". 1532 - * روى أحمد عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال "ما توطن رجل مسلم المساجد للصلاة والذكر، إلا تبشبش الله له كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم، إذا قدم عليهم". 1533 - * روى أحمد عن سعيد بن يسار أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يتوضأ أحدكم فيحسن وضوءه ويسبغه ثم يأتي المسجد لا يريد إلا الصلاة فيه إلا تبشبش الله إليه كما يتبشبش أهل الغائب بطلعته".

_ 1530 - البخاري (2/ 137) 10 - كتاب الأذان، 31 - باب فضل صلاة الفجر في جماعة. مسلم (1/ 460) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 50 - باب فضل كثرة الخطا إلى المساجد. 1531 - أحمد (2/ 352). مجمع الزوائد (2/ 36) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الأوسط وفيه نافع بن سليم القرشي وثقه أبو حاتم وبقية رجاله رجال الصحيح، وهو حديث حسن. 1532 - أحمد (2/ 328، 453). ابن خزيمة (2/ 379) 26 - باب فضل إيطان المساجد للصلاة فيها. ابن حبان (4/ 21) ذكر البيان بأن الزجر عن إيطان المرء المكان الواحد في المسجد إنما زجر عنه إذا فعل ذلك لغير الصلاة وذكر الله. وفي الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات. (توطن) أي التزم حضورها. (تبشبش) أصله فرح الصديق بمجئ الصديق، واللطف في المسئلة والإقبال. والمراد هنا تلقيه ببره وتقريبه. 1533 - أحمد (2/ 307، 340). ابن خزيمة (2/ 374) 17 - باب ذكر فرح الرب تعالى بمشي عبده إلى المسجد متوضياً، وإسناده صحيح.

- الترهيب من ترك الصلاة لوقتها والترهيب من ترك الجماعة

- الترهيب من ترك الصلاة لوقتها والترهيب من ترك الجماعة: 1534 - * روى أبو داود عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا تقام فيهم الصلاة، إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية". قال السائب: يعني بالجماعة: الصلاة في الجماعة، زاد رزين "وإن ذئب الإنسان: الشيطان، إذا خلا به أكله". 1535 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أثقل صلاة على المنافقين: صلاة العشاء، وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار". وفي رواية (3) نحوه، وقال في آخره: "فأحرق على من لا يخرج إلى الصلاة يقدر".

_ 1534 - أبو داود (1/ 150) كتاب الصلاة، 46 - باب في التشديد في ترك الجماعة. النسائي (2/ 106، 107) 10 - كتاب الإمامة، 48 - باب التشديد في ترك الجماعة. وهذا الحديث صحيح صححه النووي وغيره. (استحوذ) الاستحواذ: الاستيلاء على الشيء والغلبة. (القاصية) القاصي: البعيد. 1535 - البخاري (2/ 141) 10 - كتاب الأذان، 34 - باب فضل العشاء في الجماعة، وورد أيضاً في (2/ 125) 10 - كتاب الأذان، 29 - باب وجوب صلاة الجماعة، وورد أيضاً في موضع آخر في (5/ 74) 44 - كتاب الخصومات، 5 - باب إخراج أهل المعاصي والخصوم من البيوت بعد المعرفة. مسلم (1/ 451، 452) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 42 - باب فضل صلاة الجماعة، وبيان التشديد في التخلف عنها. (3) البخاري (1/ 141) 10 - كتاب الأذان، 34 - باب فضل العشاء في الجماعة، وهذه الرواية وردت في البخاري بلفظ "فأحرق على من لا يخرج إلى الصلاة بعد" بدلاً من "فأحرق على من لا يخرج إلى الصلاة يقدر" الناشر. (حبواً) الحبو: المشي على الأيدي والركب.

ولمسلم (1) وأبي داود (2) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لقد همت أن آمر فتيتي فيجمعوا لي حزماً من حطب، ثم آتي قوماً يصلون في بيوتهم ليست بهم علة، فأحرقها عليهم" قيل ليزيد- هو ابن الأصم-[يا أبا عوف]: الجمعة عني، أو غيرها؟ قال: صمتا أذناي إن لم أكن سمعت أبا هريرة يأثره عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر جمعة ولا غيرها. أقول: دل النص على أن من به عاهة وكان عاجزاً تسقط عنه صلاة الجماعة، وذكر الفقهاء أن الجمعة كالجماعة ههنا. 1536 - * روى الطبراني في الأوسط عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو أن رجلاً دعا الناس إلى عرق أو مرماتين لأجابوه وهم يدعون إلي هذه الصلاة في جماعة فلا يأتونها، لقد هممت أن آمر رجلاً أن يصلي بالناس في جماعة ثم أنصرف إلى قوم سمعوا النداء فلم يجيبوا فأضرمها عليهم ناراً إنه لا يتخلف عنها إلا منافق". 1537 - * روى أحمد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لينتهين رجال ممن حول المسجد لا يشهدون العشاء الآخرة في الجميع أو لأحرقن حول بيوتهم بحزم الحطب".

_ (1) مسلم (1/ 452) كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 42 - باب فضل صلاة الجماعة، وبيان التشديد في التخلف عنها، وهذه الراية جاءت بالمعنى وليست بالنص، وهي بالنص عند أبي داود "الناشر". (2) أبو داود (1/ 150) كتاب الصلاة، 46 - باب في التشديد في ترك الجماعة. 1536 - مجمع الزوائد (3/ 43) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله موثقون. وهذا الحديث قد روى البخاري نحوه ولكن بألفاظ مختلفة وهو في البخاري في (13/ 215) 93 - كتاب الأحكام، 52 - باب إخراج الخصوم وأهل الريب من البيوت بعد المعرفة. العرق بفتح فسكون: العظم إذا أخذ عنه معظم اللحم. والمرماة: ظلف الشاة أو ما بين ظلفيها يريد الشيء الحقير. 1537 - أحمد (2/ 292، 319). مجمع الزوائد (2/ 42) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله موثقون.

1538 - * روى الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال من سمع حي على الفلاح فلم يجب فقد ترك سنة محمد صلى الله عليه وسلم. 1539 - * روى الطبراني عن عبد الله بن عمر: "كنا إذا فقدنا الإنسان في صلاة العشاء الآخرة والصبح أسأنا به الظن". 1540 - * روى أبو داود عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنها ستكون عليكم بعدي أمراء تشغلهم أشياء عن الصلاة لوقتها، حتى يذهب وقتها، فصلوا الصلاة لوقتها، فقال رجل: يا رسول الله، أصلي معهم؟ قال: "نعم" وفي رواية (4) "إن أدركتها أصليها معهم"؟ قال: "نعم إن شئت". أقول: في هذا النص أبلغ رد على ناشئة نشأت في دار الإسلام يرون جواز الجمع بين صلاتين من غير عذر يبيح الجمع فخالفوا بذلك إجماع المسلمين الذي انعقد قبل وجود المخالف. 1541 - * روى ابن خزيمة عن عبد الله بن مسعود: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعلكم ستدركون أقواماً يصلون الصلاة لغير وقتها، فإن أدركتموهم، فصلوا في بيوتكم للوقت الذي تعرفون، ثم صلوا معهم واجعلوها سبحة".

_ 1538 - مجمع الزوائد (2/ 43، 44) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. 1539 - الطبراني "المعجم الكبير: (12/ 271). كشف الأستار (1/ 228) باب فيمن يتخلف عن الجماعة. مجمع الزوائد (2/ 40) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والبزار ورجال الطبراني موثقون. 1540 - أبو داود (1/ 118) كتاب الصلاة، 9 - باب إذا أخر الإمام الصلاة عن الوقت. (4) أبو داود (1/ 118) نفس الموضع السابق، وإسناده صحيح. وهذا الحديث له شاهد بمعناه عند مسلم من حديث أبي ذر، وهو عند مسلم في (1/ 448، 449) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 41 - باب كراهية تأخير الصلاة عن وقتها المختار. 1541 - ابن خزيمة (3/ 68) جماع أبواب قيام المأمومين خلف الإمام، 136 - باب ذكر الدليل على أن الصلاة الأولى التي يصليها المرء في وقتها تكون فريضة. وإسناده صحيح. (السبحة): النافلة.

1542 - * روى أحمد عن أبي علي المصري قال سافرنا مع عقبة بن عامر الجهني فحضرتنا الصلاة فأردنا أن يتقدمنا قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أم قوماً فإن أتم فله التمام ولهم التمام وإن لم يتم فلهم التمام وعليه الإثم". 1543 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين". 1544 - * روى البزار عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين قالوا يا رسول الله لقد تركتنا نتنافس في الأذان بعدك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه يكون بعدي- أو بعدكم- قوم سفلتهم مؤذنوهم". قال في النهاية: أراد بالضمان ها هنا الحفظ والرعاية، لا ضمان الغرامة لأنه يحفظ عليهم صلاتهم وقيل إن صلاة المقتدين به في عهدته وصحتها مقرونة بصحة صلاته فهو كالمتكفل لهم صحة صلاتهم. أقول: وهذا القول هو مذهب الحنفية. 1545 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا

_ 1542 - أحمد (4/ 154). مجمع الزوائد (2/ 68) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني ببعضه ورجاله ثقات. 1543 - أبو داود (1/ 143) كتاب الصلاة، باب ما يجب على المؤذن من تعاهد الوقت. الترمذي (1/ 402) أبواب الصلاة، ما جاء أن الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن. وهو حديث صحيح. (ضامن) قوله: الإمام ضامن، أي: إن صلاة المقتدين به في عهدته، وصحتها مقرونة بصحة صلاته، فهو ضامن لهم صحة صلاتهم. (مؤتمن القوم): الذي يثقون إليه، يعني أن المؤذن أمين الناس على أوقات صلاتهم وصيامهم. 1544 - كشف الأستار (1/ 181) كتاب الصلاة، باب فضل الأذان. مجمع الزوائد (2/ 2) وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله كلهم موثقون. (سفلة): السقاط من الناس. 1545 - مسلم (1/ 493) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 9 - باب كراهة الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن. أبو داود (2/ 22) كتاب الصلاة، 5 - باب إذا أدرك ولم يصل ركعتي الفجر.

- بعض الأعذار التي تبيح ترك الجماعة

أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" قال حماد: ثم لقيت عمرو بن دينار فحدثني به، ولم يرفعه. 1546 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أبو الشعثاء: "كنا قعوداً في المسجد مع أبي هريرة، فأذن المؤذن، فقام رجل يمشي، فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد. فقال أبو هريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم". 1547 - * روى أحمد عن أبي هريرة قال: خرج رجل بعد ما أذن المؤذن فقال: أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ثم قال أمرنا رسول الهل صلى الله عليه وسلم: "إذا كنتم في المسجد فنودي بالصلاة فلا يخرج أحدكم حتى يصلي". 1548 - * روى الطبراني عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يسمع النداء في مسجدي هذا ثم يخرج منه إلا لحاجة ثم لا يرجع إليه إلا منافق". - بعض الأعذار التي تبيح ترك الجماعة: 1549 - * روى ابن ماجه عن أبي المليح: قال: خرجت في ليلة مظلمة إلى المسجد صلاة العشاء، فلما رجعت استفتحت، فقال أبي: من هذا؟، قالوا: أبو مليح، قال: لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية، وأصابتنا سماء لم تبل أسفل نعالنا، فنادى

_ الترمذي (2/ 282) أبواب الصلاة، 312 - باب ما جاء "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة غلا المكتوبة". النسائي (2/ 116) كتاب الإمامة، 60 - باب ما يكره من الصلاة عند الإقامة. ابن خزيمة (2/ 169) 467 - باب النهي عن أن يصلي ركعتي الفجر بعد الإقامة ضد قول من زعم أنهما تصليان والإمام يصلي الفريضة. 1546 - مسلم (1/ 453) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 45 - باب النهي عن الخروج من المسجد إذا أذن المؤذن. النسائي (2/ 29) 7 - كتاب الآذان، 40 - باب التشديد في الخروج من المسجد بعد الأذان. 1547 - أحمد (2/ 537). مجمع الزوائد (2/ 5) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. 1548 - مجمع الزوائد (2/ 5) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. 1549 - ابن ماجه (1/ 302) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 35 - باب الجماعة في الليلة المطيرة. ابن خزيمة (3/ 80) جماع أبواب قيام المأمومين خلف الإمام، 150 - باب إباحة ترك الجماعة في السفر، والأمر بالصلاة في الرحال. وإسناده صحيح.

منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن صلوا في رحالكم". أقول: في النص دليل على أن المطر يبيح ترك الجماعة. 1550 - * روى أبو داود عن ابن عمر قال: كنا إذا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فكانت ليلة ظلماء أو ليلة مطيرة أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو نادى مناديه: أن صلوا في رحالكم. أقول: في النص دليل على أن شدة الظلمة تبيح ترك الجماعة، ومن صلى جماعة كان له مزيد فضل. 1551 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر- قال: وما العذر؟ قال: خوف أو مرض- لم تقبل منه الصلاة التي صلى". 1552 - * روى أبو داود عن هشام بن عروة، عن أبيه: أن عبد الله بن الأرقم كان يسافر، فيصحبه قوم يقتدون به، قال: وكان يؤذن لأصحابه ويؤمهم. قال: فنودي بالصلاة يوماً، ثم قال: يؤمكم أحدكم، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا أراد أحدكم الخلاء وأقيمت الصلاة فليبدأ بالخلاء". أقول: دل النص على أن من كان يدافعه الأخبثان البول أو الغائط ومثل ذلك الريح المؤذية فإن له ترك الجماعة ليتخفف ويتوضأ ويصلي مرتاحاً.

_ 1550 - أبو داود (1/ 279) كتاب الصلاة، باب التخلف عن الجماعة في الليلة الباردة. ابن خزيمة (3/ 79، 80) جماع أبواب قيام المأمومين خلف الإمام، 149 - باب إباحة ترك الجماعة في السفر في الللية المظلمة، وإسناده صحيح على شرط الشيخين. 1551 - أبو داود (1/ 15) كتاب الصلاة، باب في التشديد في ترك الجماعة. وإسناده صحيح. 1552 - أبو داود (1/ 22) كتاب الطهارة، باب أيصلي الرجل وهو حاقن. الترمذي (1/ 262، 263) أبواب الطهارة، 108 - باب ما جاء إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء. ابن خزيمة (2/ 65، 66) جماع أبواب الأفعال المكروهة في الصلاة، 357 - باب الزجر عن دخول الحاقن الصلاة، والأمر ببدء الغائط قبل الدخول فيها، وإسناده صحيح.

1553 - * روى أحمد عن جابر بن عبد الله قال أتى ابن أم مكتوم النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن منزلي شاسع وأنا مكفوف البصر وأنا أسمع الأذان قال: "فإن سمعت الأذان فأجب ولو حبواً أو زحفاً". 1554 - * روى أحمد عن نعيم بن النحام قال نودي بالصبح في يوم بارد وأنا في مرط امرأتي فقلت ليت المنادي قال ومن قعد فلا حرج فإذا منادي النبي صلى الله عليه وسلم في آخر أذانه قال ومن قعد فلا حرج. 1555 - * روى أبو داود عن ابن أم مكتوم قال: يا رسول الله، إن المدينة كثيرة الهوام والسباع، وأنا ضرير البصر، فهل تجد لي من رخصة؟ قال: "تسمع حي على الصلاة، حي على الفلاح؟ " قال: نعم، فقال: "فحي هلا"، ولم يرخص. 1556 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل أعمى، فقال: يا رسول الله، إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له؟ فرخص له، فلما ولى دعاه، فقال: هل تسمع النداء

_ 1553 - أحمد (3/ 367). أبو يعلى (3/ 337). مجمع الزوائد (2/ 42) وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الأوسط ورجال الطبراني موثقون كلهم. 1554 - أحمد (4/ 220). مجمع الزوائد (2/ 47) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير إلا أنه قال فلما قال الصلاة خير من النوم قال ومن قعد فلا حرج. رواه إسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد الأنصاري المدني وروايته عن أهل الحجاز مردودة ورواه الطبراني من طريق أخر رجالها رجال الصحيح. 1555 - أبو داود (1/ 151) كتاب الصلاة، باب في التشديد في ترك الجماعة. النسائي (2/ 109، 110) 10 - كتاب الإمامة، 50 - باب المحافظة على الصلوات حيث ينادى بهن. ابن خزيمة (2/ 367، 368) كتاب الإمامة في الصلاة، 7 - باب أمر العميان بشهود صلاة الجماعة وإن خاف الأعمى هوام الليل والسباع إذا شهد الجماعة. وإسناده حسن. (الهوام) هوام الأرض: حشراتها التي لا يقتل سمها. (فحي هلا) "حي": كلمة مفردة بمعنى: هلم، "وهلا" بمعنى: عجل وأسرع، فجعلت الكلمة كلمة واحدة، وبنيت "حي" على الفتح. 1556 - مسلم (1/ 452) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 43 - باب يجب إتيان المسجد على من سمع النداء. النسائي (2/ 109) 10 - كتاب الإمامة، 50 - باب المحافظة على الصلوات حيث ينادى بهن.

بالصلاة؟ قال: نعم، قال: فأجب". 1557 - * روى مالك عن محمود بن الربيع الأنصاري "أن عتبان بن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى، وأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها تكون الظلمة والمطر والسيل، وأنا رجل ضرير البصر، فصل يا رسول الله في بيتي مكاناً أتخذه مصلى، فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "أين تحب أن أصلي؟ فأشار له إلى مكان من البيت، فصلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم". أقول: الذي استقر عليه الأمر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتفق عليه الفقهاء أن الأعمى الذي لا يجد قائداً يرخص له في ترك الجماعة، إلا أن الفقهاء اختلفوا في الأعمى الذي يجد قائداً هل تسقط عنه صلاة الجماعة أو لا تسقط، قال أبو حنيفة تسقط عنه صلاة الجماعة لأن القادر بقدرة الغير لا يعتبر قادراً. 1558 - * روى الطبراني عن عنبسة بن الأزهر قال تزوج الحارث بن حسان وكانت له صحبة وكان الرجل إذ ذاك إذا تزوج تخدر أياماً فلا يخرج لصلاة الغداة فقيل له أتخرج وإنما بنيت بأهلك في هذه الليلة؟ قال: والله إن امرأة تمنعني من صلاة الغداة في جمع لامرأة سوء".

_ 1557 - الموطأ (1/ 172) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 24 - باب جامع الصلاة. البخاري (1/ 519) 8 - كتاب الصلاة، 46 - باب المساجد في البيوت. مسلم (1/ 455) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 47 - باب الرخصة في التخلف عن الجماعة بعذر. النسائي (2/ 80) 10 - كتاب الإمامة، 10 - إمامة الأعمى. 1558 - مجمع الزوائد (2/ 41) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن.

الفقرة الثانية أحكام الإمام والمأموم

الفقرة الثانية أحكام الإمام والمأموم - الأحق بالإمامة: 1559 - * روى مسلم عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء، فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم سناً، ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه" وفي رواية (2) "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، وأقدمهم قراءة، ولا يؤمن الرجل الرجل في أهله، ولا في سلطانه" وذكر الباقي. قال النووي في (شرح مسلم 5/ 172): فيه دليل لمن يقول بتقديم الأقرأ على الأفقه وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد وبعض أصحابنا وقال مالك والشافعي وأصحابهما الأفقه مقدم على الأقرأ لأن الذي يحتاج إليه من القراءة مضبوط والذي يحتاج إليه من الفقه غير مضبوط وقد يعرض في الصلاة أمر لا يقدر على مراعاة الصواب فيه إلا كامل الفقه قالوا ولهذا قدم النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه في الصلاة على الباقين مع أنه صلى الله عليه وسلم نص على أن غيره أقرأ منه وأجابوا عن الحديث بأن الأقرأ من الصحاية كان هو الأفقه لكن في قوله فإن كانوا في القراءة سواء أعلمهم بالسنة دليل على تقديم الأقرأ مطلقاً. وقال (5/ 173): قوله صلى الله عليه وسلم "ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه" معناه ما ذكره أصحابنا وغيرهم أن صاحب البيت والمجلس وإمام المسجد أحق من غيره وإن كان ذلك الغير أفقه وأقرأ وأورع وأفضل منه وصاحب المكان أحق فإن شاء تقدم وإن شاء قدم من

_ 1559 - مسلم (1/ 465) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 53 - باب من أحق بالإمامة؟. أبو داود (1/ 159) كتاب الصلاة، 60 - باب من أحق بالإمامة. الترمذي (1/ 458، 459) أبواب الصلاة، 174 - باب ما جاء من أحق بالإمامة. (تكرمته) تكرمة الرجل: موضع جلوسه في بيته، وما يقعد عليه من مطرح أو نحوه. (2) مسلم (1/ 465) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 53 - باب من أحق بالإمامة؟.

يريده وإن كان ذلك الذي يقدمه مفضولاً بالنسبة إلى باقي الحاضرين لأنه سلطانه فيتصرف فيه كيف شاء قال أصحابنا فإن حضر السلطان أو نائبه قدم على صاحب البيت وإمام المسجد وغيرهما لأن ولايته وسلطنته عامة قالوا ويستحب لصاحب البيت أن يأذن لمن هو أفضل منه. أقول: إن الذين قدموا الأعلم على الأقرأ في الإمامة- كالحنفية مثلاً- ربطوا العلم بالقراءة في العصر الأول، فكان الأعلم هو الأقرأ، وقد كان الصحابة يأخذون القرآن والعلم والعمل، فلما تخلف العلم بالقرآن عن حفظه، قدم الحنفية الأعلم لأنه هو الذي يستطيع أن يأتي بالصلاة على وجهها ويكفيه أن يحفظ شيئاً من القرآن وأن يتقن تلاوة ما يحفظ فلو سبقه إنسان بالحفظ فإنه لا يقدم عليه، والعبرة العلم بالإسلام عامة كي لا يكون على بدعة، وبأحكام الصلاة خاصة كي لا يأتي ناقضاً أو مكروهاً أو يترك ركناً. 1560 - * روى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة: أقرؤهم". 1561 - * روى أحمد عن عمرو بن سلمة قال: كان يأتينا الركبان من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحدثونا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليؤمكم أكثركم قرآناً". 1562 - * روى الطبراني عن إبراهيم قال: أتى عبد الله أبا موسى فتحدث عنده فحضرت الصلاة فلما أقيمت تأخر أبو موسى فقال له عبد الله: أبا موسى لقد علمت أن من السنة أن يتقدم صاحب البيت فأبى أبو موسى حتى تقدم مولى لأحدهما". 1563 - * روى الشيخان عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: "أتينا رسول الله

_ 1560 - مسلم (1/ 464) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 53 - باب من أحق بالإمامة؟. النسائي (2/ 76) 10 - كتاب الإمامة، 2 - باب من أحق بالإمامة. 1561 - أحمد (3/ 475). كشف الأستار (1/ 230) باب الإمامة. مجمع الزوائد (2/ 63) وقال الهيثمي: قلت حديث عمرو بن أبيه في الصحيح وهذا من حديثه عن الركبان. 1562 - مجمع الزوائد (2/ 65، 66) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. 1563 - البخاري (2/ 111) 10 - كتاب الأذان، 18 - باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة. مسلم (1/ 465، 466) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 53 - باب من أحق بالإمامة؟.

صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيماً رفيقاً، وظن أنا قد اشتقنا أهلنا، فسألنا عمن تركنا من أهلنا؟ فأخبرناه، فقال: ارجعوا إلى أهليكم، فأقيموا فيهم، وعلموهم ومرهم فليصلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلاة كذا في حين كذا، وإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم". وللبخاري "وصلوا كما رأيتموني أصلي" ولمسلم (1) مختصراً قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أنا وصاحب لي، فقال لنا: إذا حضرت الصلاة فأذنا، ثم أقيما، وليؤمكما أكبركما". وفي أخرى (2) له نحوه قال: "أتاه رجلان يريدان السفر- زاد في رواية (3) - قال: وكانا متقاربين في القراءة". وفي رواية (4) النسائي مختصراً قال: قال: "أتيت أنا وابن عم لي- وقال مرة: أنا وصاحب لي- إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إذا سافرتما فأذنا وأقيما، وليؤمكما أكبركما". وفي رواية الترمذي (5) وأبي داود (6) هذه المختصرة: قال الترمذي: "أنا وابن عم لي". وفي أخرى (7) لأبي داود زيادة: قال: "وكنا متقاربين في العلم". قال النووي في (شرح مسلم 5/ 175): فيه الحث على الآذان والجماعة وتقديم الأكبر في الإمامة إذا استووا في باقي الخصال وهؤلاء كانوا مستوين في باقي الخصال لأنهم هاجروا جميعاً وأسلموا جميعاً وصحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولازموه عشرين ليلة فاستووا في الأخذ عنه ولم يبق ما يقدم به إلا السن واستدل جماعة بهذا على تفضيل الإمامة على الأذان لأنه صلى الله عليه وسلم قال: "يؤذن أحدكم" وخص الإمامة بالأكبر وفيه أن الأذان والجماعة مشروعان للمسافرين وفيه الحث على المحافظة على الأذان في الحضر والسفر وفيه أن الجماعة تصح بإمام ومأموم وهو

_ (1) مسلم (1/ 466) الموضع السابق. (2) مسلم، الموضع السابق. (3) مسلم الموضع السابق. (4) النسائي (2/ 8، 9) 7 - كتاب الأذان، 7 - أذان المنفردين في السفر. (5) الترمذي (1/ 399) أبواب الصلاة، 151 - باب ما جاء في الأذان في السفر. (6) أبو داود (1/ 161) كتاب الصلاة، 60 - باب من أحق بالإمامة. (7) أبو داود، الموضع السابق. ابن خزيمة (1/ 206) 48 - باب الأمر بالأذان والإقامة في السفر، باب ذكر الخبر المفسر للفظة المجملة. (شببة): جمع شاب، مثل كاتب وكتبة.

إجماع المسلمين وفيه تقديم الصلاة في أول الوقت. اهـ. وقال في (فتح الباري 2/ 172): وفي الحديث أيضاً فضل الهجرة ولارحلة في طلب العلم وفضل التعليم، وما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الشفقة والاهتمام بأحوال الصلاة وغيرها من أمور الدين، وإجازة خبر الواحد وقيام الحجة به اهـ. فائدة: قال ابن حجر في (الفتح 2/ 171): اقتصار الصحابي على ذكر سبب الأمر برجوعهم بأنه الشوق إلى أهليهم دون قصد التعليم هو لما قام عنده من القرينة الدالة على ذلك، ويمكن أن يكون عرف ذلك بتصريح القول منه صلى الله عليه وسلم وإن كان سبب تعليمهم قومهم أشرف في حقهم، لكنه أخبر بالواقع ولم يتزين بما ليس فيهم، ولما كانت نيتهم صادقة صادق شوقهم إلى أهلهم الحظ الكامل في الدين وهو أهلية التعليم كما قال الإمام أحمد في الحرص على طلب الحديث: حظ وافق حقاً. اهـ. أقول: إن مراعاة النفس البشرية في المباحات من سياسات النبوة فكل عالم ينبغي أن يراعي النفس البشرية في المباح ويندبها إلى العزائم على أن لا يحملها على عزيمة تسبب فترة، فالإغراق في المباحات قد يؤدي إلى قسوة قلب كما أن حمل الناس على العزائم ومخالفة النفوس قد يؤدي إلى عكس المراد. 1564 - * روى أبو داود عن أبي عطية العقيلي قال: "كان مالك بن الحويرث يأتينا إلى مصلانا يتحدث، فحضرت الصلاة يوماً، قال أبو عطية، فقلنا له: تقدم فصله، قال لنا: قدموا رجلاً منكم يصلي بكم، وسأحدثكم لم لا أصلي بكم؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من زار قوماً فلا يؤمهم، وليؤمهم رجل منهم". أقول: في النص دليل على قضية سياسية هامة وهي مراعاة أن يكون لكل ولاية إسلامية أميرها ووزراؤها الذين هم من أهلها إذا وجدت الكفاءة والثقة، وهذا المعنى يلحظ في الولايات الأصغر ما أمكن لأن الأصل أن يبعث لكل قوم رسول منهم لأن ذلك أدعى

_ 1564 - أبو داود (1/ 162، 163) كتاب الصلاة، 65 - باب إمامة الزائر. الترمذي (2/ 187) أبواب الصلاة، 264 - باب ما جاء فيمن زار قوماً لا يصلي بهم وهو حديث حسن بشواهده.

لمعرفة طبيعتهم ولأن يستسلموا له أكثر من الغريب عنهم، أما عموم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم فهذه خصوصية خص بها من بين الرسل، وأما تأمير الصحابة على الأنصار، فلفضل الصحبة، ولأن البلدان المفتوحة لم يكن يوجد من أهلها من فقه وقوي على تدبير أمور أهلها بالإسلام، وعلى هذا فينبغي لدعاة الإسلام أني حرصوا أن يكون لكل قطر مؤسساته الاصة به وأمراؤه الذين هم من أهله، ومهما استطعنا أن نعمم ذلك فيما دون ذلك فعلينا أن نفعل ما لم تترتب على ذلك مفسدة محققة أو تفوتنا بذلك مصلحة محققة. 1565 - * روى البخاري عن عمرو بن سلمة رضي الله عنه قال: "كنا بما ممر الناس، يمر بنا الركبان نسألهم: ما للناس، ما للناس؟ ما هذا الرجل؟ فيقولون: يزعم أن الله أرسله، أوحى إليه كذا، فكنت أحفظ ذلك الكلام، فكأنما يغرى في صدري، وكانت العرب تلوم بإسلامهم الفتح، فيقولون: ارتكوه وقومه، فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق، فلما كانت وقعة أهل الفتح بادر كل قوم بإسلامهم، وبدر أبي قومي بإسلامهم، فلما قدم قال: جئتكم والله من عند النبي صلى الله عليه وسلم حقاً فقال: صلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآناً، فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآناً مني، لما كنت أتلقى من الركبان، فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ست، أو سبع سنين، وكانت علي بردة، كنت إذا سجدت تقلصت عني، فقالت امرأة من الحي: ألا تغطوا عنا است قارئكم؟ فاشتروا، فقطعوا لي قميصاً، فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص". أقول: لا يجيز فقهاء الحنفية ومن وافقهم أني صلي غير البالغ إماماً بالبالغين لأنه غير مكلف، وهم مكلفون، ولا يعتبرون هذه الحادثة دليلاً لجواز صلاة الصبي بالبالغين، لأنه من تصرف القوم بناءً على نص عام مخصص بنصوص أخرى.

_ 1565 - البخاري (8/ 22) 64 - كتاب المغازي، 52 - باب مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة زمن الفتح. (يغرى) يقال: غري هذا الحديث في صدري: إذا التصق به، كأنه ألصق بالغراء. (تلوم): أي تتلوم والتلوام: المكث والانتظار. (تقلصت) تقلص الثوب عن الإنسان: إذا قصر وارتفع إلى فوق.

1566 - * روى الترمذي عن أبي هريرة، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثاً وهم نفر، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "ماذا معك من القرآن"؟ فاستقرأهم، حتى مر على رجل منهم وهو من أحدثهم سناً، قال: "ماذا معك يا فلان" قال: معي كذا وكذا، سوورة البقرة. قال: "معك سورة البقرة"؟ قال: نعم. قال: "اذهب فأنت أميرهم". فقال رجل هو من أشرفهم- والذي كذا وكذا يا رسول الله ما منعني أن أتعلم القرآن إلا خشية أن لا أقوم به. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعلم القرآن، فاقرأه وارقد، فإن مثل القرآن لمن تعلمه فقرأه وقام به كمثل جراب محشو مسكاً يفوح ريحه على كل مكان، ومن تعلمه ورقد وهو في جوفه كمثل جراب أوكئ على مس". 1567 - * روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "لما قدم المهاجرون الأولون نزلوا العصبة- موضعاً بقباء- قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة، وكان أكثرهم قرآنا" وفي رواية (3) "لما قدم المهاجرون الأولون المدينة كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة، وفيهم عمر، وأبو سلمة بن عبد الأسد" وفي أخرى (4) نحوه وفيه "وفيهم عمر، وأبو سلمة، وزيد وعامر بن ربيعة". - الصلاة خلف البر والفاجر. 1568 - * روى البخاري عن عبيد الله بن عدي بن الخيار "أنه دخل على عثمان وهو محصور، فقال: إنك إمام العامة، ونزل بك ما ترى، ويصلي لنا إمام فتنة، ونتحرج من الصلاة معه؟ فقال: الصلاة أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسن الناس فأحسن معهم، وإذا أساؤوا فاجتنب إساءتهم".

_ 1566 - الترمذي (5/ 156، 157) 46 - كتاب فضائل القرآن، 2 - باب ما جاء في فضل سورة البقرة وىية الكرسي. ابن خزيمة (3/ 5) 31 - باب استحقاق الإمامة بالازدياد من حفظ القرآن. (الوكاء): الرباط. 1567 - البخاري (1/ 184) 10 - كتاب الأذان، 54 - باب إمامة العبد والمولى. أبو داود (1/ 160) كتاب الصلاة، 60 - باب من أحق بالإمامة. (3) أبو داود (1/ 160) نفس الموضع السابق. (4) البخاري (13/ 167) 93 - كتاب الأحكام، 25 - باب استقضاء الموالي واستعمالهم. 1568 - البخاري (2/ 188) 10 - كتاب الأذان، 56 - باب إمامة المفتون والمبتدع.

- من أم قوما وهم له كارهون

- من أم قوماً وهم له كارهون: 1569 - * روى الترمذي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم: العبد الآبق حتى يرجع، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخ، وإمام قوم وهم له كارهون". أقول: العبرة في كراهة إمامة إنسان كراهة العدول لإمامته. - إمامة العبد. 1570 - * روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها "كان يؤمها عبدها ذكوان من المصحف". وقال الحافظ في "الفتح": وصله ابن أبي داود في "كتاب المصاحف" من طريق أيوب عن ابن أبي مليكة أن عائشة كان يؤمها غلامها ذكوان في المصحف، ووصله ابن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبي بكر بن أبي مليكة عن عائشة أنها أعتقت غلاماً لها عن دبر فكان يؤمها في رمضان في المصحف، ووصله الشافعي وعبد الرزاق من طريق أخرى عن ابن أبي مليكة أنه كان يأتي عائشة بأعلى الوادي هو وأبوه وعبيد بن عمير والمسور بن مخرمة وناس كثير فيؤمهم أبو عمرو مولى عائشة وهو يومئذ غلام لم يعتق، وأبو عمرو المذكور هو ذكوان، وإلى صحة إمامة العبد ذهب الجمهور، وخالف مالك فقال: لا يؤم الأحرار إلا إن كان قارئاً وهم لا يقرؤون، فيؤمهم، إلا في الجمعة لأنها لا تجب عليه، وخالفه أشهب، واحتج بأنها تجزئه إذا حضرها. أقول: أجاز بعض العلماء كبعض الحنابلة أن يقرأ الإمام من المصحف وهو يؤم القوم، بأن يمسكه أو يضعه في مكان يستطيع أني قرأ فيه، وخالفهم في ذلك الجمهور ومنهم الحنفية واعتبروا أن ذلك مذهب لصحابي، ومذهب الصحابي إذا لم يكن إجماعاً لا يعتبر حجة ملزمة.

_ 1569 - الترمذي (2/ 193) أبواب الصلاة، 266 - باب ما جاء فيمن أم قوماً وهم له كارهون، وإسناده حسن. (الآبق) أبق العبد يأبق: إذا هرب، فهو آبق، بالمد. 1570 - البخاري (2/ 184)، 54، باب إمامة العبد والمولى.

- إمامة الأعمى

- إمامة الأعمى: 1571 - * روى أبو داود عن أنس قال: "استخلف النبي صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم يؤم الناس وهو أعمى". أقول: هذا دليل لمن ذهب إلى أنه لا كراهة في إمامة الأعمى وقيد بعضهم عدم الكراهة بأن يكون عالماً يحتاط لنظافته وطهارته. 1572 - * روى أبو يعلى عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف ابن أم مكتوم على المدينة يصلي بالناس. 1573 - * روى الطبراني عن عبد الله بن عمير إمام بني خطمة أنه كان إماماً لبني خطمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعمى وغزا معه وهو أعمى. - إمامة النساء: 1574 - * روى ابن خزيمة عن أم ورقة: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "انطلقوا بنا نزور الشهيدة". وأذن لها أن يؤذن لها، وأن تؤم أهل دارها في الفريضة، وكانت قد جمعت القرآن. أقول: هذا النص محمول على الإذن للمرأة أن تؤم النساء، ولا يجوز باتفاق العلماء أن تؤم الرجال، وفي النص دليل على جواز جماعة النساء، وتقف المرأة التي تؤمهن في وسطهن بينهن متقدمة عليهن قليلاً لأن ذلك أكثر ستراً وأبعد عن التشبه بالرجال، وممن نص على ذلك فقهاء الحنفية.

_ 1571 - أبو داود (1/ 162) كتاب الصلاة، 64 - باب إمامة الأعمى، وإسناده حسن. 1572 - مجمع الزوائد (2/ 65) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط وقال استخلف ابن أم مكتوم على المدينة مرتين يصلي بالناس، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح. 1573 - مجمع الزوائد (2/ 65) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح. 1574 - ابن خزيمة (3/ 89) صلاة النساء في الجماعة، 168 - باب إمامة المرأة النساء في الفريضة.

- تخفيف الإمام الصلاة على العامة

- تخفيف الإمام الصلاة على العامة: 1575 - * روى الشيخان عن جابر رضي الله عنه قال: "كان معاذ بن جبل يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يأتي فيؤم قومه، فصلى ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم أتى قومه فأمهم، فافتتح بـ (سورة البقرة)، فانحرف رجل فسلم، ثم صلى وحده وانصرف، فقالوا له: أنافقت يا فلان؟ قال: لا والله، ولآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأخبرنه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنا أصحاب نواضح نعمل بالنهار، وإن معاذاً صلى معك العشاء، ثم أتى فافتتح بـ (سورة البقرة)، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على معاذ، فقال: يا معاذ، أفتان أنت؟ اقرأ بكذا، واقرأ بكذا، قال سفيان: فقلت لعمرو [بن دينار]: إن أبا الزبير حدثنا عن جابر أنه قال: اقرأ (والشمس وضحاها) (والضحى) (والليل إذا يغشى) و (سبح اسم ربك الأعلى) فقال عمرو نحو هذا"، وفي رواية (2) للبخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: "فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة". وفي رواية (3) لأبي داود قال: فقال: "يا معاذ لا تكن فتاناً، فإنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة والمسافر". أقول: لا يجيز فقهاء الحنفية ومن وافقهم أن يصلي المتنفل إماماً بالمفترض، وأجازه آخرون، وحمل فقهاء الحنفية هذا النص على أنه إما منسوخ وإما أن معاذاً وهو العالم الفقيه كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بنية النافلة، ويصلي فريضته إماماً بقومه. قال في "إعلاء السنن": قال الشيخ ابن دقيق العيد في "شرح العمدة": اختلف الفقهاء في جواز اختلاف نية الإمام والمأموم على مذاهب، أوسعها الجواز مطلقاً، فيجوز أن يقتدي المفترض بالمتنفل وعكسه، والقاضي بالمؤدي وعكسه سواء اتفقت الصلاتان أم لا إلا أن

_ 1575 - البخاري (10/ 515) 78 - كتاب الأدب، 74 - باب من لم ير إكفار من قال ذلك متأولاً أو جاهلاً. مسلم (1/ 339) 4 - كتاب الصلاة، 36 - باب القراءة في العشاء. (2) البخاري (2/ 200) 10 - كتاب الأذان، 63 - باب من شكا بإمامه إذا طول. (3) أبو داود (1/ 210) كتاب الصلاة، 127 - باب في تخفيف الصلاة. (نواضح) النواضح: جمع ناضح، وهو البعير يستقى عليه. (جنح الليل): أي أقبل ظلامه.

تختلف الأفعال الظاهرة، وهذا مذهب الشافعي رحمه الله تعالى. الثاني مقابله وهو أضيقها أنه لا يجوز اختلاف النيات حتى لا يصلي المتنفل خلف المفترض، والثالث أوسطها أنه يجوز اقتداء المتنفل بالمفترض لا عكسه، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك رحمهما الله، ومن نقل عن مذهب مالك مثل المذهب الثاني فليس بجيد فليعلم ذلك اهـ (2: 59). قلت أي صاحب الإعلاء وخير الأمور أوساطها. قال الزيلعي: وبقولنا قال أحمد ومالك اهـ (2: 52). وقال أحمد في رواية بما قال الشافعي: كذا في عمدة القارى (2: 773). واستدل الشافعي رحمه الله تعالى بما أخرجه البخاري ومسلم عن جابر "أن معاذاً كان يصلي مع رسول الله صلى الله علي وسلم عشاء الآخرة ثم يرجع إلى قومه، فيصلي بهم تلك الصلاة" لفظ مسلم. ولأصحابنا عنه أجوبة أحدها أن الاحتجاج به من باب ترك الإنكار من النبي صلى الله عليه وسلم، وشرط ذلك علمه بالواقعة، وجاز أن لا يكون علم بها، ويدل عليه ما رواه أحمد في مسنده عن معاذ بن رفاعة عن سليم رجل من بني سلمة "أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن معاذ بن جبل يأتينا بعد ما ننام، ونكون في أعمالنا بالنهار، فينادي بالصلاة فنخرج إليه، فيطول علينا، فقال له عليه السلام: "يا معاذ! لا تكن فتاناً، إما أن تصلي معي، وإما أن تخفف على قومك"، فدل على أنه كان يفعل أحد الأمرين في علمه، ولم يكن يجمعهما، لأنه قال: "إما أن تصلي معي" أي ولا تصل بقومك، "وإما أن تخفف على قومك" أي ولا تصل معي. وقال الشيخ ابن تيمية في المنتقى: وقوله عليه السلام: "إما أن تصلي معي، وإما أن تخفف عن قومك" ظاهر في منع اقتداء المفترض بالمتنفل، لنه يدل على أنه متى صلى معه امتنعت إمامته لقومه، وبالإجماع لا يمتنع إمامته بصلاة النفل معه، فعلم أنه أراد به صلاة الفرض، وأن الذي كان يصليه معه كان ينويه نفلاً، كذا في نصب الراية للزيلعي (2: 53). وفي كلام الشيخ ابن تيمية إشارة إلى احتمال آخر هو أن يكون معاذ كان يجعل صلاته معه عليه السلام نفلاً ليتعلم سنة القراءة، وأفعال الصلاة. وأجاب الحافظ في الفتح (2/ 197) عن الاحتمال الأول بأن للمخالف أن يقول بل التقدير إما أن تصلي معي فقط إذا لم تخفف وإما أن تخفف بقومك فتصلي معي وهو أولى من التقدير الأول ورد العيني على

ابن حجر هذا الاحتمال اهـ ثم في الموضوع نقاش طويل انظره في (الفتح 2/ 196 - 197)، (إعلاء السنن 4/ 257 - 264). وسئل أحمد عن رجل صلى في جماعة أيؤم بتلك الصلاة؟ قال: لا، ومن صلى خلفه يعيد، قيل له: فحديث معاذ؟ قال فيه اضطراب، إذا ثبت فله معنى دقيق لا يجوز مثله اليوم. (طبقات الحنابلة ص 53 نقلاً عن نصب الراية 2/ 52). وفي حديث الباب من الفوائد أيضاً استحباب تخفيف الصلاة مراعاة لحال المأمومين، وأما من قال لا يكره التطويل إذا علم رضاء المأمومين فيشكل عليه أن الإمام قد لا يعلم حال من يأتي فيأتم به بعد دخوله في الصلاة كما في حديث الباب، فعلى هذا يكره التطويل مطلقاً إلا إذا فرض في مصل بقوم محصورين راضين بالتطويل في مكان لا يدخله غيرهم. وفيه أن الحاجة من أمور الدنيا عذر في تخفيف الصلاة، وجواز خروج المأموم من الصلاة لعذر، وأما بغير عذر فاستدل به بعضهم وتعقب، وقال ابن المنير: لو كان كذلك لم يكن لأمر الأئمة بالتخفيف فائدة، وفيه نظر لأن فائدة الأمر بالتخفيف المحافظة على صلاة الجماعة، ولا ينافي ذلك جواز الصلاة منفرداً، وهذا كما استدل بعضهم بالقصة على وجوب صلاة الجماعة وفيه نحو هذا النظر. وفيه جواز صلاة المنفرد في المسجد الذي يصلي فيه بالجماعة إذا كان بعذر. وفيه الإنكار بلطف لوقوعه بصورة الاستفهام، ويؤخذ منه تعزير كل أحد بحسبه، والاكتفاء في التعزير بالقول، والإنكار في المكروهات، وأما تكراره ثلاثاً فللتأكيد، وقد تقدم في العلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يعيد الكلمة ثلاثاً لتفهم عنه. وفيه اعتذار من وقع منه خطأ في الظاهر، وجواز الوقوع في حق من وقع في محذور ظاهر وإن كان له عذر باطن للتنفير عن فعل ذلك، وأنه لا لوم على من فعل ذلك متأولاً، وأن التخلف عن الجماعة من صفة المنافق. اهـ. 1576 - * روى مالك عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا

_ 1576 - الموطأ (1/ 134) 8 - كتاب صلاة الجماعة، 4 - باب العمل في صلاة الجماعة. البخاري (2/ 199) 10 - كتاب الأذان، 62 - باب إذا صلى لنفسه فليطول ما شاء. أبو داود (1/ 211) كتاب الصلاة، باب في تخفيف الصلاة.

صلى أحدكم للناس فليخفف، فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء" وفي أخرى (1) "إذا صلى أحدكم للناس فليخفف، فإن في الناس الضعيف والسقيم وذا الحاجة" وفي أخرى (2) بدل "السقيم": "الكبير" وفي أخرى (3) "إذا أم أحدكم الناس فليخفف، فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض، وإذا صلى وحده فليصل كيف شاء". 1577 - * روى الشيخان عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان مما يطيل بنا، فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم غضب في موعظة قط أشد مما غضب يومئذ، فقال: "يا أيها الناس، إن منكم منفرين، فأيكم أم الناس فليوجز فإن من ورائه الكبير والصغير وذا الحاجة". 1578 - * روى الطبراني عن الحارث بن سويد قال: كان عبد الله يقول تجوزوا في الصلاة فإن خلفكم الكبير ولاضعيف وذا الحاجة وكنا نصلي مع إمامنا الفجر وعلينا ثيابنا فيقرأ السورة من المائين ثم ننطلق إلى عبد الله فنجده في الصلاة. 1579 - * روى أحمد عن أنس بن مالك قال: "لقد كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة لو صلاها أحدكم اليوم لعبتموها عليه".

_ النسائي (2/ 94) 10 - كتاب الإمامة، 35 - باب ما على الإمام من التخفيف. (1) مسلم (1/ 341) 4 - كتاب الصلاة، 37 - باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام. (2) مسلم في نفس الموضع السابق. (3) مسلم في نفس الموضع السابق. 1577 - البخاري (13/ 136) 93 - كتاب الأحكام، 13 - باب هل يقضي القاضي أو يفتي وهو غضبان؟. مسلم (1/ 340) 4 - كتاب الصلاة، 37 - باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام. ابن خزيمة (3/ 49) جماع أبواب قيام المأمومين خلف الإمام، 11 - باب النهي عن تطويل الإمام الصلاة مخافة تنفير المأمومين وقنوتهم. (منفرين) المنفر: الذي يذكر للإنسان شيئاً يخافه ويكرهه، فينفر منه. 1578 - مجمع الزوائد (1/ 316) كتاب الصلاة، باب وقت صلاة الصبح. وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. 1579 - أحمد (3/ 158). ورجاله ثقات.

1580 - * روى أحمد عن عدي بن حاتم قال: "من أمنا فليتمم الركوع والسجود فإن فينا الضعيف والكبير والمريض والعابر سبيل وذا الحاجة هكذا كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم". 1581 - * روى أحمد عن أبي واقد الكندي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخف الناس صلاة بالناس وأطول الناس صلاة لنفسه". 1582 - * روى أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بالتخفيف، ويؤمنا بـ (الصافات) ". 1583 - * روى أحمد عن مالك بن عبد الله قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أصل خلف إمام كان أوجز صلاة منه في تمام الركوع والسجود. 1584 - * روى مسلم عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "أم قومك، قال: قلت: يا رسول الله إني أجد في نفسي شيئاً، قال: ادنه، فأجلسني بين يديه، ثم وضع كفه في صدري بين ثديي، ثم قال: تحول، فوضعها في ظهري بين كتفي قال: أم قومك، فمن أم قوماً فليخفف، فإن فيهم الكبير، وإن فيهم المريض، وإن فيهم الضعيف، وإن فيهم ذا الحاجة، وإذا صلى أحدكم وحده فليصل كيف شاء".

_ 1580 - أحمد (4/ 257) ورجاله ثقات. 1581 - أحمد (5/ 218، 219). أبو يعلى (3/ 31). مجمع الزوائد (2/ 70) وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى وقال الليثي والطبراني في الكبير وقال البكري ورجاله موثقون. وهو حديث صحيح. 1582 - أحمد (2/ 26). النسائي (2/ 95) 9 - كتاب القبلة، 36 - الرخصة للإمام في التطويل. ابن خزيمة (3/ 48) جماع أبواب قيام المأمومين خلف الإمام، 112 - باب قدر قراءة الإمام الذي لا يكون تطويلاً وإسناده حسن. 1583 - أحمد (5/ 225). مجمع الزوائد (2/ 70) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله ثقات. 1584 - مسلم (1/ 341) 4 - كتاب الصلاة، 37 - باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام.

وفي رواية (1) أبي داود والنسائي (2) قال: "قلت: يا رسول الله، اجعلني إمام قومي، قال: "أنت إمامهم، واقتد بأضعفهم، واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً". 1585 - * روىلطبراني في الأوسط عن عثمان بن أبي العاص قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثني إلى ثقيف تجوز في الصلاة يا عثمان وأم الناس بأضعفهم فإن فيهم الضعيف وذا الحاجة والحامل والمرض". 1586 - * روى البزار عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه قال صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر وخلف عمر وخلف عثمان وخلف علي رضي الله عنهم فلم يكن أحد منهم أخف صلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم. 1587 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد أن أطيلها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي، مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه" وفي رواية (3) قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع بكاء الصبي مع أمه وهو في الصلاة، فيقرأ بالسورة الخفيفة، أو بالسورة القصيرة" وفي رواية (4): "وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف مخافة أن تفتتن أمه" وفي أخرى (5) "ما صليت خلف أحد أوجز صلاة ولا أتم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت صلاته متقاربة،

_ (1) أبو داود (1/ 146) كتاب الصلاة، باب أخذ الأجر على التأذين. (2) النسائي (2/ 23) 7 - كتاب الأذان، 32 - باب اتخاذ المؤذن الذي لا يأخذ على أذانه أجراً. 1585 - مجمع الزوائد (2/ 72) وقال الهيثمي رواه الطبراني في الأوسط ورجاله موثقون. 1586 - كشف الأستار (1/ 237) كتاب الصلاة، باب من أم الناس فليخفف. مجمع الزوائد (2/ 73) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح وروى البزار بعضه. 1587 - البخاري (2/ 202) 10 - كتاب الأذان، 65 - باب من أخف الصلاة عند بكاء الصبي. مسلم (1/ 343) 4 - كتاب الصلاة، 37 - باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام. (3) مسلم (1/ 342) 4 - كتاب الصلاة، 37 - باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام. (4) البخاري (2/ 202) 10 - كتاب الأذان، 65 - باب من أخف الصلاة عند بكاء الصبي. (5) مسلم (1/ 342) 4 - كتاب الصلاة، 37 - باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام. (وجد أمه) الوجد: الحزن. قوله: (مخافة أن تفتتن): أي تلتهي عن صلاتها لاشتغال قلبها ببكائه.

وصلاة أبي بكر متقاربة، فلما كان عمر مد في صلاة الصبح". زاد عبد الرزاق من مرسل عطاء أو تتركه فيضيع. فتح (2/ 202). قال في (الفيض 3/ 17): قوله في بعض الطرق لمسلم كان يسمع بكاء الطفل مع أمه وفي معناه ما لو كان الصبي في بيت أمه وأمه في المسجد في الصلاة وهذا من كريم عوائده ومحاسن أخلاقه وشفقته على أمته (وكان بالمؤمنين رحيماً) وقد خصه الله من صفة الرحمة بأتمها وأعمها، وذكر الأم غالبي فإنه كان أرحم الناس بالصبيان فمثلها من قام مقامها كحاضنته أو أبيه مثلاً والقصد به بيان الرفق بالمقتدين وفيه إيذان بفرط رحمة المصطفى صلى الله عليه وسلم وفيه أن الإمام إذا أحس بداخل وهو في ركوعه أو تشهده الأخير له انتظار لحوقه راكعاً ليدرك الركعة أو قاعداً ليدرك الجماعة لأنه إذا جاز له أن يقصر صلاته لحاجة غيره في أمر دنيوي فللعبادة أولى وفيه جواز صلاة النساء مع الرجال في المسجد وإدخال الصبيان وإن كان الأولى تنزيهه عنه والرفق بالمأموم والاتباع وإيثار تخفيف الصلاة لأمر حدث وإن كان الأفضل في تلك الصلاة التطويل كالصبح. اهـ. 1588 - * روى البخاري عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي، كراهية أن أشق على أمه". الأمر بالسكينة والوقار في إتيان الصلاة. 1589 - * روى الشيخان عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: "بينما نحن نصلي مع

_ 1588 - البخاري (2/ 201، 202) 10 - كتاب الأذان، 65 - باب من أخف الصلاة عند بكاء الصبي. أبو داود (1/ 209) كتاب الصلاة، 126 - باب تخفيف الصلاة للأمر يحدث. النسائي (2/ 95) 10 - كتاب الإمامة، 35 - ما على الإمام من التخفيف. (فأتجوز) التجوز في الأمر: التخفيف والتسهيل. (أشق) أمر شاق: أي شديد. 1589 - البخاري (2/ 116) 10 - كتاب الأذان، 20 - باب قول الرجل فاتتنا الصلاة. مسلم (1/ 421) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 28 - باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة.

- ماذا يفعل من دخل المسجد والإمام راكع

رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سمع جلبة رجال، فلما صلى قال: "ما شأنكم؟ قالوا: استعجلنا إلى الصلاة، قال: فلا تفعلوا، إذا أتيتم الصلاة، فعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا". 1590 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا" وفي رواية (1) قال: "إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون، وائتوها تمشون، وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا"، ولمسلم (2) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ثوب بالصلاة، فلا يسع إليها أحدكم، ولكن ليمش وعليه السكينة والوقار، فصل ما أدركت، واقض ما سبقك" زاد في رواية (3): "فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة". 1591 - * روى البخاري عن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني قد خرجت، وعليكم بالسكينة". - ماذا يفعل من دخل المسجد والإمام راكع: 1592 - * روى البخاري عن أبي بكرة رضي الله عنه "أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع، فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: زادك الله حرصاً،

_ (جلبة) الجلبة: الأصوات المرتفعة، والضجة المختلطة. 1590 - البخاري (2/ 117) 10 - كتاب الأذان، 21 - باب لا يسعى إلى الصلاة، وليأت بالسكينة والوقار. (1) مسلم (1/ 420) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 28 - باب استحباب إتيان الصلاة بوقار وسكينة. (2) مسلم (1/ 421) الموضع السابق. (3) 421) مسلم، نفس الموضع السابق. (السكينة): فعيلة من السكون. 1591 - البخاري (2/ 120) 10 - كتاب الأذان، 23 - باب لا يسعى إلى الصلاة مستعجلاً. مسلم (1/ 422) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 29 - باب متى يقوم الناس للصلاة. أبو داود (1/ 148) كتاب الصلاة، 45 - باب في الصلاة تقام ولم يأت الإمام ينتظرونه قعوداً. الترمذي (2/ 487) أبواب الصلاة، 415 - باب كراهية أن ينتظر الناس الإمام وهم قيام عند افتتاح الصلاة. النسائي (2/ 31) 7 - كتاب الأذان، 42 - إقامة المؤذن عند خروج الإمام ولم يذكر النسائي وعليكم بالسكينة. 1592 - البخاري (2/ 267) 10 - كتاب الأذان، 114 - باب إذا ركع دون الصف.

ولا تعد"، وفي رواية (1) أبي دود "أنه دخل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم راكع، قال: فركعت دون الصف، ومشيت إلى الصف، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال: "أيكم الذي ركع دون الصف ثم مشى إلى الصف؟ قلت: أنا، قال: زادك الله حرصاً ولا تعد". وفي حديث أبي بكرة دليل على أن إدراك الركعة بإدراك الركوع مع الإمام وكراهة صلاة المنفرد خلف الصف واستحباب دخول المسبوق مع الإمام على أي حال كان. في سبل السلام: واختلف فيما إذا أدرك الإمام راكعاً، فيركع معه هل تسقط قراءة تلك الركعة عند من أوجب الفاتحة، فيعتد بها أو لا تسقط، فلا يعتد بها، فقيل: يعتد بها، لأنه قد أدرك الإمام قبل أن يقيم صلبه، وقيل: لا يعتد بها، لأنه فاتته الفاتحة، ورجح عندنا الإجزاء. اهـ (2/ 34). أقول: بل لا يعتد بخلاف المخالف في هذا الأمر أما دلالة حديث أبي بكرة على كراهة الصلاة منفرداً لقوله: لا تعد أي لا تعد إلى الركوع دون الصف منفرداً والنهي محمول على التنزيه ولو كان للتحريم لأمر أبا بكرة بالإعادة وإنما نهاه عن العود إرشاداً إلى الأفضل وذهب أحمد وبعض الشافعية إلى التحريم لحديث وابصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده فأمره أن يعيد وفي رواية لابن خزيمة لا صلاة لمنفرد خلف الصف وأجاب الجمهور بأن المراد: لا صلاة كاملة. انظر (الإعلاء 4/ 299). 1593 - * روى مالك عن مالك بن أنس رحمه الله قال ك"كان ابن مسعود إذا أعجل يدب إلى الصف راكعاً، وزيد بن ثابت مثله". 1594 - * روى الطبراني في الأوسط عن عطاء أنه سمع عبد الله بن الزبير على المنبر يقول: إذا دخل أحدكم المسجد والناس ركوع فليركع حين يدخل ثم يدب راكعاً حتى

_ (1) أبو داود (1/ 182) كتاب الصلاة، 101 - باب الرجل يركع دون الصف. 1593 - الموطأ (1/ 165) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 21 - باب ما يفعل من جاء والإمام راكع، والرواية عن فعل زيد بن ثابت إسنادها صحيح. 1594 - مجمع الزوائد (2/ 96) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح.

- إقامة الصلاة إذا تأخر الإمام

يدخل في الصف فإن ذلك السنة، قال عطاء وقد رأيته يصنع ذلك، قال ابن جريج وقد رأيت عطاء يصنع ذلك. أقول: من كان عالماً بكيفية الدبيب إلى الصف بحيث لا تكون خطواته متوالية بدون توقف ثم انطلاق بحيث لا يوالي ثلاث خطوات معاً فإن صلاته على شفا خطر ولذلك كان الأولى أن نأخذ بحديث أبي بكرة الذي فيه (زادك الله حرصاً ولا تعد) فليبق الإنسان ماشياً دون أن يدخل في الصلاة حتى يصل إلى الصف فيدخل في الصلاة وما فاته قضاه. وقال في (الإعلاء 4/ 310): لعل ابن الزبير لم يبلغه النهي عن ذلك وقد كان جائزاً قبل، فإن النهي لا يكون إلا بعد الإباحة فظن أن الحكم الأول باق وعزاه إلى السنة. اهـ. - إقامة الصلاة إذا تأخر الإمام: 1595 - * روى ابن خزيمة عن المغيرة بن شعبة أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك، قال المغيرة: فأقبلت معه حتى نجد الناس قد قدموا عبد الرحمن بن عوف، فصلى لهم، فأدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى الركعتين، فصلى مع الناس الركعة الأخيرة، فلما سلم عبد الرحمن قام رسول الله صلى الله عليه سولم يتم صلاته، فأفزع ذلك المسلمين فأكثروا التسبيح، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته، أقبل عليهم، ثم قال: "أحسنتم"، أو قال: "أصبتم". يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها. قال ابن خزيمة: في الخبر دلالة على أن الصلاة إذا حضرت وكان الإمام الأعظم غائباً عن الناس، أو متخلفاً عنهم في سفر، فجائز للرعية أن يقدموا رجلاً منهم يؤمهم، إذ النبي صلى الله عليه وسلم قد حسن فعل القوم أو صوبه، إذ صلوا الصلاة لوقتها بتقديمهم عبد الرحمن بن عوف ليؤمهم، ولمي أمرهم بانتظار النبي صلى الله عليه وسلم. فأما إذا كان الإمام الأعظم حاضراً، فغير جائز أن يؤمهم أحد بغير إذنه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد زجر عن أن يؤم السلطان بغير أمره.

_ 1595 - ابن خزيمة (3/ 9، 10) 38 - باب الرخصة في صلاة الإمام الأعظم خلف من أم الناس من رعيته، وهو صحيح. (الغبطة) أن تتمنى مثل حال المغبوط من غير أن تريد زوالها عنه وليس بحسد.

- وجوب متابعة الإمام

- وجوب متابعة الإمام: 1596 - * روى ابن خزيمة عن أنس بن مالك، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فلما انصرف من الصلاة، أقبل إلينا بوجهه، فقال: "أيها الناس إني إمامكم، فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود، ولا بالقيام ولا بالقعود، ولا بالانصراف، وإني أراكم خلفي، وأيم الذي نفسي بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً". قال، قلنا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما رأيت؟ قال: "رأيت الجنة والنار". 1597 - * روى مسلم عن حطان بن عبد الله الرقاشي قال: "صليت مع أبي موسى الأشعري صلاة، فلما كان عند القعدة قال رجل من القوم: أقرت الصلاة بالبر والزكاة؟ قال: فلما قضى أبو موسى الصلاة وسلم، انصرف فقال: أيكم القائل كلمة كذا وكذا؟ قال: فأرم القوم، ثم قال: أيكم القائل كلمة كذا وكذا؟ فأرم القوم، فقال: لعلك يا حطان قلتها؟ قال: ما قلتها، ولقد رهبت أن تبكعني بها، فقال رجل من القوم: أنا قلتها، ولم أرد بها إلا الخير، فقال أبو موسى: أما تعلمون كيف تقولون في صلاتكم؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبنا فبين لنا سنتنا، وعلمنا صلاتنا، فقال: "إذا صليتم فأقيموا صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبر فكبروا" .. وفي رواية (3): "فإذا قرأ فأنصتوا" .. وإذا قال: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فقولوا: آمين: يجبكم الله، فإذا كبر وركع فكبروا واركعوا، فإن الإمام يركع قبلكم ويرفع قبلكم: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فتلك بتلك"، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد: يسمع الله لكم، فإن الله تبارك وتعالى قال على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: "سمع الله لمن حمده"، وإذا كبر وسجد، فكبروا واسجدوا، فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فتلك بتلك"، وإذا كان عند القعدة فليكن من أول قول أحدكم: التحيات، الطيبات، الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى

_ 1596 - ابن خزيمة (3/ 47) 108 - باب النهي عن مبادرة المأموم الإمام بالقيام والقعود وهو صحيح. 1597 - مسلم (1/ 303، 304) 4 - كتاب الصلاة، 16 - باب التشهد في الصلاة. (3) مسلم (1/ 304) نفس الموضع السابق.

عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله". وفي رواية (1) النسائي قال: "صلى بنا أبو موسى، فلما كان في القعدة دخل رجل من القوم، فقال: أقرت الصلاة بالبر والزكاة؟ فلما سلم أبو موسى أقبل على القوم، فقال: أيكم القائل هذه الكلمة؟. وذكر نحو رواية مسلم. أقول: الكلمة هذه التي قالها الرجل في النص كلمة خارجة عن أفعال الصلاة وأذكارها وما يجوز فيها، ولذلك فإنها تبطل الصلاة وعلى صاحبها أن يعيد الصلاة وكل من قال كلاماً خارجاً عن أعمال الصلاة فإن صلاته تبطل بذلك حتى قال الحنفية ومن وافقهم من تنحنح بدون عذر فخرج معه حرفان أثناء التنحنح فإن صلاته تبطل بذلك، وبعض العلماء توسع في مثل التنحنح، ولكن الاحتياط أن يحفظ الإنسان صلاته عن كل كلام خارج عن ماهية الصلاة كأن يحفزه النفس فيقول: (آه) أو (إه) أو (هيه) أو غير ذلك، كي تكون صلاته مقبولة بإجماع الأئمة، لكن الشافعية أجازوا الكليمات اليسيرة للجاهل والناسي. انظر (المهذب 1/ 87). 1598 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "سقط رسول الله

_ (1) النسائي (2/ 96، 97) 10 - كتاب الإمامة، 38 - باب مبادرة الإمام. (أقرت الصلاة بالبر والزكاة) أقرت: أي جعلت مستقرة، يعني أن الصلاة مقرونة بالزكاة في القرآن كلما ذكرت الصلاة، فهي قارة مع الزكاة، أي: مجاورة لها. (فأرم) أرم القوم: إذا سكتوا. (تبكعني) بكعته: إذا استقبلته بما يكره من القول. (فتلك بتلك) قال الخطابي: هذا مردود إلى قوله: "وإذا قرأ (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فقالوا: آمين، يجبكم الله عز وجل" يريد: أن كلمة "آمين" يستجاب بها الدعاء الذي تضمنته السورة أو الآية، كأنه قال: فتلك الدعوة مضمنة تلك الكلمة، أو معلقة بها، أو نحوه من الكلام. وقيل: معناه: أن يكون الكلام معطوفاً على ما يليه من الكلام، وهو قوله: "وإذا كبر وركع: فكبروا واركعوا" يريد: أن صلاتكم متعلقة بصلاة إمامكم فاتبعوه، وأتموا به، ولا تختلفوا عليه، فتلك إنما تصح وتثبت بتلك، وكذلك الفصل الآخر، وهو قوله: "إذا قال: سمع الله لمن حمده- إلى أن قال: فتلك بتلك" يريد أن الاستجابة مقرونة بتلك الدعوات وموصولة بها، فإن قول الإمام "سمع الله لمن حمده" معناه: استجاب دعاء من حمده، وهو من الإمام دعاء المأموم، وإشارة إلى قوله: "ربنا ولك الحمد" فانتظمت الدعوتان إحداهما بالأخرى، فكان ذلك معنى قوله: "فتلك بتلك". والله أعلم. 1598 - البخاري (2/ 290) 10 - كتاب الأذان، 128 - باب يهوي بالتكبير حين يسجد.

صلى الله عليه وسلم عن فرس فجحش شقه الأيمن، فدخلنا عليه نعوده، فحضرت الصلاة، فصلى بنا قاعداً، فصلينا وراءه قعوداً، فلما قضى الصلاة قال: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون" زاد بعض (1) الرواة "وإذا صلى قائماً فصلوا قياماً". قال الحميدي: ومعاني سائر الروايات متقاربة. قال: وزاد في كتاب البخاري قوله: "إذا صلى جالساً فصلوا جلوساً" هو في مرضه القديم، وقد صلى في مرضه الذي مات فيه جالساً، والناس خلفه قيام، لم يأمرهم بالقعود، وإنما نأخذ بالآخر فالآخر من أمر النبي صلى الله عليه وسلم. قال في (إعلاء السنن): الأمر بجلوس القوم بجلوس الإمام منسوخ، هذا هو قول أبي حنيفة، والشافعي، وجمهور السلف أنه لا يجوز للقادر على القيام أن يصلي خلف القاعد إلا قائماً كذا في شرح مسلم للنووي (1: 177). وذهب أحمد وإسحاق والأوزاعي وابن المنذر، وداود وبقية أهل الظاهر إلى أن المأموم يتابع الإمام في الصلاة قاعداً وإن لم يكن المأموم معذوراً، وتمسكوا بما مر في قصة صلاته صلى الله عليه وسلم حيث سقط عن الفرس، وبما روى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن قيس بن فهد (2) الأنصاري أن إمامهم اشتكى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فكان يؤمنا وهو جالس، ونحن جلوس، وروى ابن المنذر بإسناد صحيح عن أسيد بن حضير رضي الله عنه أنه كان يؤم قومه، فاشتكى فخرج إليهم بعد شكواه، فأمروا أن يصلي بهم، فقال: إني لا أستطيع ان أصلي قائماً، فاقعدوا، فصلى بهم قاعداً وهم قعود اهـ وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن جابر أنه اشتكى، فحضرت الصلاة، فصلى بهم جالساً، وصلوا معه جلوساً، وعن أبي هريرة أنه أفتى بذلك، وإسناده صحيح أيضاً ذكر كله الحافظ في الفتح (2) وقال: وقد ادعى ابن حبان الإجماع على العمل به، وكأنه أراد السكوتي، لأنه حكاه عن اربعة من الصحابة

_ مسلم (1/ 308) 4 - كتاب الصلاة، 19 - باب ائتمام المأموم بالإمام. (1) مسلم: الموضع السابق. (2) قهد بالقاف وليس بالفاء وهي مفتوحة القاف ساكنة الهاء.

الذين تقدم ذكرهم، وقال: إنه لا يحفظ عن أحد من الصحابة غيرهم، القول بخلافه لا من طريق صحيح ولا ضعيف، وكذا قال ابن حزم: أنه لا يحفظ عن أحد من الصحابة خلاف ذلك اهـ. والجواب عنه ما قال الإمام الشافعي كما في الاعتبار للحازمي: بأنه محمول على أنه لم يبلغهم النسخ، وعلم الخاصة يوجد عند بعض، ويغرب عن بعض اهـ (113) وأما دعوى ابن حبان الإجماع على ذلك، فقد حكى الخطابي في المعالم، والقاضي عياض عن أكثر الفقهاء خلافه، وحكى النووي عن جمهور السلف خلاف ما حكى ابن حزم (وابن حبان) عنهم، وحكاه ابن دقيق العيد عن أكثر الفقهاء المشهورين، وقال الحازمي في الاعتبار ما لفظه: وقال أكثر أهل العلم: يصلون قياماً، ولا يتابعون الإمام في الجلوس كذا في "النيل" وقال الحافظ في الفتح تحت حديث عائشة الذي سيرد في موضوع صلاة الإمام قاعداً- واستدل به على نسخ الأمر بصلاة المأموم قاعداً إذا صلى الإمام قاعداً لكونه صلى الله عليه وسلم أقر الصحابة على القيام خلفه وهو قاعد، هكذا قرره الشافعي، وبذلك يقول أبو حنيفة وأبو يوسف والأوزاعي. وحكاه الوليد بن مسلم عن مالك، وأنكر أحمد نسخ الأمر المذكور بذلك، وجمع بين الحديثين بتنزيلهما على حالتين إحداهما إذا ابتدأ الإمام الراتب الصلوة قاعداً لمرض يرجى برؤه، فحينئذ يصلون خلفه قعوداً، وثانيتهما إذا ابتدأ الإمام الراتب قائماً لزم المأمومين أن يصلوا خلفه قياماً اهـ. وقد نوقش في ذلك انظر (الإعلاء 4/ 239 - 242). 1599 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا (غير المغضوب عليهم، ولا الضالين) قال: "آمين"، حتى يسمع من يليه من الصف الأول".

_ 1599 - أبو داود (1/ 246) كتاب الصلاة، 171 - باب التأمين وراء الإمام. ابن ماجه (1/ 278) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 14 - باب الجهر بآمين. سنن الدارقطني (1/ 335) باب التأمين في الصلاة بعد فاتحة الكتاب والجهر بها. السنن الكبرى للبيهقي (2/ 58) كتاب الصلاة، باب جهر الإمام بالتأمين وصححه الحاكم.

قال في (الإعلاء 2/ 211): في حديث أبي هريرة "إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم" إلخ. دلالة الحديث على قول المأموم "آمين" بعد قول الإمام "ولا الضالين" ظاهرة، ويستفاد منه الإمام يخفي بها لأن تأمين الإمام لو كان مشروعاً بالجهر لما علق النبي صلى الله عليه وسلم تأمينهم بقوله: "ولا الضالين" بل علق بقوله "آمين". فإن قلت: قد جاء في الحديث "إذا أمن الإمام فأمنوا" وفيه علق تأمين المأمومين بتأمينه إلا أن يسمعوا. قلت: أجاب عنه في "التعليق الحسن" بأن الجمهور حملوا قوله إذا آمن على المجاز للجمع بينه وبين قوله صلى الله عليه وسلم: إذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا آمين، قالوا: بأن المراد إذا أراد التأمين وهذا كما قال الله تعالى (إذا قمتم إلى الصلاة) أي إذا أردتم إقامة الصلاة. قال الحافظ ابن حجر في "الفتح": قالوا فالجمع بين الروايتين يقتضي حمل قوله إذا أمن على المجاز اهـ. وقال السيوطي في "تنوير الحوالك": والجمهور على القول الأخير لكن أولوا قوله إذا أمن على أن المراد إذا أراد التأمين ليقع تأمين الإمام والمأموم معاً فإنه يستحب فيه المقارنة. قلت: فإذا كان معناه إذا أراد التأمين لا يستفاد منه الجهر بالتأمين للإمام اهـ (1 - 91). وفي "الجوهر النقي" (1 - 132): ذكر ذلك (الحديث) شارح "العمدة" (يعني العلامة ابن دقيق العيد الشافعي) أنه يدل على أن الإمام يؤمن ثم قال: دلالته على الجهر أضعف من دلالته على نفس التأمين قليلاً لأنه قد يدل دليل على تأمين الإمام من غير جهر اهـ. 1600 - * روى الترمذي عن علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حال، فليصنع كما يصنع الإمام". 1601 - * روى أبو داود عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تبادروني بركوع ولا بسجود، فإني مهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني

_ 1600 - الترمذي (2/ 485، 486) أبواب الصلاة، 414 - باب ما ذكر في الرجل يدرك الإمام وهو ساجد كيف يصنع. وأيضاً معناه عند أبي شيبة بإسناد صحيح متصل. 1601 - أبو داود (1/ 168) كتاب الصلاة، 74 - باب ما يؤمر به المأموم من اتباع الإمام. ابن ماجه (1/ 309) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 41 - باب النهي أن يسبق الإمام بالركوع والسجود. وإسناده صحيح.

به إذا رفعت، إني قد بدنت". في رواية (1) للنسائي عن أبي هريرة: "وإذا قرأ- الإمام- فأنصتوا". 1602 - * روى الطبراني عن أبي الأحوص أن ابن مسعود قال: إذا كنت خلف الإمام فلا تركع حتى يركع ولا تسجد حتى يسجد ولا ترفع رأسك قبله وإذا فرغ الإمام ولم يقم ولم ينحرف وكانت لك حاجة فاذهب ودعه فقد تمت صلاتك". 1603 - * روى البزار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الذي يخفض ويرفع قبل الإمام إنما ناصيته بيد شيطان". 1604 - * روى الستة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أما يخشى أحدكم- أو ألا يخشى أحدكم- إذا رفع رأسه من ركوع أو سجود قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار، أو يجعل الله صورته صورة حمار؟ ". 1605 - * روى الشيخان عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "كنا نصلي خلف

_ (1) النسائي (2/ 141، 142) 11 - كتاب الافتتاح، 30 - تأويل قوله عز وجل (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون). (بدنت) بدن الرجل بالتشديد، إذا كبر، [بدن] بالتخفيف: إذا سمن. 1602 - الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 309) مجمع الزوائد (2/ 79) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. 1603 - كشف الأستار (1/ 233) كتاب الصلاة، باب تأخير أفعال المأموم. مجمع الزوائد (2/ 78) قال الهيثمي: رواه البزار والطبراني في الأوسط وإسناده حسن. 1604 - البخاري (2/ 182) 10 - كتاب الأذان، 53 - باب إثم من رفع رأسه قبل الإمام. مسلم (1/ 320) 4 - كتاب الصلاة، 25 - باب تحريم سبق الإمام بركوع أو سجود ونحوهما. أبو داود (1/ 169) كتاب الصلاة، باب التشديد فيمن يرفع قبل الإمام أو يضع قبله. الترمذي (2/ 475) أبواب الصلاة، 409 - باب ما جاء من التشديد في الذي يرفع رأسه قبل الإمام. ابن ماجه (1/ 308) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 41 - باب النهي أن يسبق الإمام بالركوع والسجود. 1605 - البخاري (2/ 295) 10 - كتاب الأذان، 133 - باب السجود على سبعة أعظم. مسلم (1/ 345) 4 - كتاب الصلاة، 39 - باب متابعة الإمام والعمل بعده.

- الفتح على الإمام

النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا قال: سمع الله لمن حمده، لم يحن أحد منا ظهره حتى يضع النبي صلى الله عليه وسلم جبهته على الأرض". ولمسلم (1) قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم لا يحني أحد منا ظهره حتى نراه قد سجد" زاد في رواية (2) "ثم نخر من ورائه سجداً" وفي رواية (3) أبي داود "أنهم كانوا إذا رفعوا رؤوسهم من الركوع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قاموا قياماً، فإذا رأوه قد سجد سجدوا" وفي أخرى (4) له "أنهم كانوا يصلون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا ركع ركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، لم نزل قياماً حتى نراه قد وضع جبهته بالأرض، ثم يتبعونه" وفي أخرى (5) له "كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يحنو أحد منا ظهره حتى نرى النبي صلى الله عليه وسلم يضع". 1606 - * روى مسلم عن مرو بن حريث رضي الله عنه قال: "صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، فسمعته يقرأ: (فلا أقسم بالخنس، الجوار الكنس) وكان لا يحني رجل منا ظهره حتى يستتم ساجداً". - الفتح على الإمام: 1607 - * روى النسائي عن شبيب بن نعيم أبي روح: عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه صلى صلاة الصبح، فقرأ (الروم) فالتبس عليه، فلما صلى قال: "ما بال أقوام يصلون معنا، لا يحسنون الطهور؟ وإنما يلبس علينا القرآن أولئك"".

_ (1) مسلم (1/ 345) في نفس الموضع السابق. (2) مسلم (1/ 345) في نفس الموضع السابق. (3) أبو داود (1/ 168) كتاب الصلاة، 74 - باب ما يؤمر به المأموم من اتباع الإمام. (4) أبو داود (1/ 168) نفس الموضع السابق. (5) أبو داود (1/ 168) نفس الموضع السابق. (لم يحن) حنيت ظهري، وحنيت العود: إذا عطفته، "وحنوت" لغة فيه، وقد جاءا معاً في الحديث "حتى [يحني" و] "يحنو" وحنوت عليه: أي عطفت، من الحنو والشفقة، وكأن المعنى: يرجع إليه. (نخر) خر: إذا وقع من عال، والمراد به: الهوي للسجود، وكذلك أراد بقوله: يضع. 1606 - مسلم (1/ 346) 4 - كتاب الصلاة، 39 - باب متابعة الإمام والعمل بعده. 1607 - النسائي (2/ 156) 11 - كتاب الافتتاح، 41 - القراءة في الصبح بالروم وهو حديث حسن ورواه بمعناه عبد الرزاق وأحمد والبغوي والطبراني والبيهقي كما في "الجامع الكبير" للسيوطي.

أقول: هذا دليل على أن نقص حال مسلم يؤثر على من سواه، فإذا كان هذا في الصلاة فغيرها يقاس عليها، ومن ههنا كان على المسلمين أن يبذلوا جهداً في أن يكمل بعضهم بعضاً، وأن على المتآخين في الله أني بذلوا جهداً لتكميل أنفسهم وتكميل بعضهم وتكميل غيرهم، فإذا لم يفعلوا تأثر الجميع بجريرة البعض. 1608 - * روى أبو داود عن المسور بن يزيد المالكي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم- وربما قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الصلاة، فيترك شيئاً لم يقرأه، فقال له رجل: يا رسول الله، تركت آية كذا وكذا، قال: "فهلا أذكرتنيها؟ ". زاد في رواية (2) قال: "كنت أرى أنها نسخت". أقول: هذا دليل على أنه يجوز لمن كان وراء الإمام أن يصحح له أو يذكره أو يفتح عليه إذا نسي إلا أنه يستحب للإمام إذا نسي ألا يحوج المأمومين إلى الفتح عليه وذلك إما بأن ينتقل إلى سورة أخرى أو بأن يركع، ولا حرج على المأمومين لو أنهم سكتوا إذا نسي الإمام آية فانتقل إلى ما بعدها إذا لم يكن ذلك مؤثراً على المعنى، وكذلك لا حرج عليهم إذا لم يصوبوا خطأه إذا لم يكن ذلك مؤثراً على صحة الصلاة. 1609 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة، فقرأ فيها، فلبس عليه، فلما انصرف قال لأبي: "أصليت معنا؟ قال: نعم، قال: فما منعك". والحديثان يدلان على مشروعية الفتح على الإمام، قال الحافظ ابن حجر: وقد صح عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: قال علي: إذا استطعمك الإمام فأطعمه. 1610 - * روى الطبراني عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة فالتبس عليه فيها

_ 1608 - أبو داود (1/ 238) كتاب الصلاة، 162 - باب الفتح على الإمام في الصلاة. (2) أبو داود (1/ 238) في نفس الموضع السابق. وهو حسن بشواهده. 1609 - أبو داود (1/ 239) كتاب الصلاة، 162 - باب الفتح على الإمام في الصلاة وإسناده حسن. 1610 - الطبراني "المعجم الكبير" (12/ 313). مجمع الزوائد (2/ 70) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون.

- القراءة خلف الإمام

فلما انصرف قال لأبي بن كعب "أصليت معنا قال نعم قال فما منعك أن تفتح علي". - القراءة خلف الإمام: 1611 - * روى الطبراني عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قرأ خلف الإمام فليقرأ بفاتحة الكتاب". أقول: القراءة وراء الإمام بفاتحة الكتاب قضية خلافية، وقد تعرضنا إليها من قبل. 1612 - * روى الطبراني عن حميد بن هلال قال جاء هشام بن عامر إلى الصلاة فأسرع المشي فدخل في الصلاة وقد حفزه النفس فجهر بالقراءة خلف الإمام فلما قضى صلاته قيل له أتقرأ خلف الإمام قال إنا لنفعل. أقول: في قولهم (أتقرأ خلف الإمام): دليل على أن الشائعة المعروفة بين الصحابة عدم القراءة وراء الإمام، ولذلك أنكروا على هشام بن عامر فعله. وفي إجابته ما يدل على أنه منذ الصدر الأول كان يرى بعضهم القراءة وراء الإمام، فالخلاف في هذا الموضوع مستمر منذ عصر الصحابة. 1613 - * روى مالك عن جابر رضي الله عنه قال: "من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن، فلم يصل، إلا أن يكون وراء الإمام". 1614 - * روى أبو يعلى عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه فلما قضى صلاته

_ 1611 - مجمع الزوائد (2/ 111) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون. 1612 - مجمع الزوائد (2/ 111) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون. 1613 - الموطأ (1/ 84) 3 - كتاب الصلاة، 8 - باب ما جاء في أم القرآن. الترمذي (2/ 124) أبواب الصلاة، 233 - باب ما جاء في ترك القراءة خلف الإمام إذا جهر الإمام بالقراءة، وإسناده صحيح، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وكلمة "يكون" ثابتة في نسخ الترمذي وليست في الموطأ. 1614 - أبو يعلى (5/ 187، 188) وقال: إسناده جيد. مخلد بن الحسن بن أبي زميل قال أبو حاتم: صدوق، وقال النسائي: لا بأس به. ووثقه ابن حبان، ومسلمة. وانظر تاريخ بغداد 13/ 175 - 176. مجمع الزوائد (2/ 110) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى، والطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات.

أقبل عليهم بوجهه فقال: "أتقرؤون في صلاتكم خلف الإمام والإمام يقرأ؟ " فسكتوا قالها ثلاث مرات. فقال قائل: أو قال قائلون: إنا لنفعل قال "فلا تفعلوا ليقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب في نفسه". أقول: فسر الذين لا يرون القراءة وراء الإمام القراءة بالنفس أي بالقلب وذلك في غير الصلاة الجهرية والقراءة بالقلب لا تعتبر قراءة. 1615 - * روى أحمد عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعلكم تقرؤون والإمام يقرأ" قالها ثلاثاً قالوا إنا لنفعل ذلك قال "فلا تفعلوا إلا أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب في نفسه". 1616 - * روى أحمد عن عبد الله بن بحينة وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هل قرأ أحد منكم معي آنفاً؟ قالوا: نعم قال: إني أقول مالي أنازع القرآن". فانتهى الناس عن القراءة معه حين قال ذلك. 1617 - * روى أحمد عن عبد الله بن مسعود قال كانوا يقرؤون خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال خلطتم علي القرآن. 1618 - * روى الطبراني عن أبي وائل قال جاء رجل إلى ابن مسعود فقال أقرأ خلف الإمام؟ قال: أنصت للقرآن فإن في الصلاة شغلا وسيكفيك ذلك الإمام.

_ 1615 - أحمد (5/ 410)، (4/ 236). مجمع الزوائد (2/ 111) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. 1616 - أحمد (5/ 345). مجمع الزوائد (2/ 109) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط ورجال أحمد رجال الصحيح. 1617 - أحمد (1/ 451). أبو يعلى (8/ 423). كشف الأستار (1/ 239) وقال لا نعلم رواه هكذا إلا يونس. مجمع الزوائد (2/ 110) وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار ورجال أحمد رجال الصحيح. 1618 - مجمع الزوائد (2/ 110، 111) قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله موثقون.

1619 - * روى النسائي عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفي كل صلاة قراءة؟ قال: "نعم". قال رجل من الأنصار: وجبت هذه، فالتفت إلي وكنت أقرب القوم منه، فقال: "ما أرى الإمام إذا أم القوم إلا قد كفاهم" قال النسائي: هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطأ، إنما هو قول أبي الدرداء. 1620 - * روى أبو داود عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال نافع بن محمود بن الربيع الأنصاري: "أبطأ عبادة بن الصامت عن صلاة الصبح، فأقام أبو نعيم المؤذن الصلاة، فصلى أبو نعيم بالناس، وأقبل عبادة بن الصامت وأنا معه، حتى صففنا خلف أبي نعيم وأبو نعيم يجهر بالقراءة، فجعل عبادة يقرأ بـ (أم القرآن)، فلما انصرف قلت لعبادة: سمعتك تقرأ بـ (أم القرآن) وابو نعيم يجهر؟ قال: أجل، صلى بنا النبي بعض الصلوات التي يجهر فيها بالقراءة، قال: فالتبست عليه القراءة، فلما انصرف أقبل علينا بوجهه، وقال: هل تقرؤون إذا جهرت بالقراءة؟ فقال بعضنا: إنا لنصنع ذلك، قال: فلا تفعلوا، وأنا أقول: مالي أنازع القرآن؟ فلا تقرؤون بشيء من القرآن إذا جهرت إلا بـ (أم القرآن) "، وفي رواية الترمذي (3) وأبي داود (4) قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح، فثقلت عليه القراءة، فلما انصرف قال: إني أراكم تقرؤون وراء إمامكم، قال: قلنا: يا رسول الله، إي والله، قال: فلا تفعلوا، إلا بـ (أم القرآن) فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها" وفي رواية النسائي (5) قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الصلوات التي يجهر فيها بالقراءة، فقال: "لا يقرأن أحد منكم إذا جهرت بالقراءة إلا بـ (أم القرآن) ".

_ 1619 - النسائي (2/ 142) 11 - كتاب الافتتاح، 31 - اكتفاء المأموم بقراءة الإمام، وإسناده حسن. 1620 - أبو داود (1/ 217، 218) كتاب الصلاة، 136 - باب من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب. (3) الترمذي (2/ 116، 117) أبواب الصلاة، 232 - باب ما جاء في القراءة خلف الإمام. وقال الترمذي: حديث عبادة حديث حسن. (4) أبو داود (1/ 217) كتاب الصلاة، 136 - بابم ن ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب. (5) النسائي (2/ 141) 11 - كتاب الافتتاح، 29 - قراءة أم القرآن خلف الإمام فيما جهر به الإمام، ولبعض العلماء كلام في صحة هذا الحديث.

1621 - * روى مالك عن أبي هريرة رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة، فقال: هل قرأ معي أحد منكم آنفاً؟ فقال رجل: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أقول: مالي أنازع القرآن؟ قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يجهر فيه حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وفي أخرى (2) لأبي داود قال: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة- نظن أنها الصبح- بمعناه- إلى قوله: مالي أنازع القرآن؟ " قال أبو داود: قال معمر: "فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر به رسول الله صلى الله عليه وسلم" وفي أخرى (3) قال أبو هريرة: "فانتهى الناس". وفي أخرى (4): أن قوله: "فانتهى الناس" من كلام الزهري. أقول: أخذ بعض الفقهاء بهذه الرواية فلم يروا القراءة وراء الإمام فيما يجهر به الإمام ورأوا القراءة وراءه فيما يسر به الإمام، والأمر واسع، وما دام الإنسان على مذهب إمام من أئمة الاجتهاد، فهو على خير، ولكن عليه أن يتفقه في مذهبه لأن هناك دقائق في فقه المذاهب لا تعرف إلا من خلال التفقه الجيد في المذهب. 1622 - * روى مسلم عن عمران بن حصين رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر، فجعل رجل يقرأ خلفه بـ (سبح اسم ربك) فلما انصرف قال: أيكم قرأ، أو أيكم القارئ؟ قال رجل: أنا، فقال: قد ظننت أن بعضكم خالجنيها" وفي رواية (6):

_ 1621 - الموطأ (1/ 86) 3 - كتاب الصلاة، 10 - باب ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر فيه. أبو داود (1/ 218) كتاب الصلاة، 136 - باب من كره القراءة بفاتحة الكتاب إذا جهر الإمام. الترمذي (2/ 118، 119) أبواب الصلاة، 233 - باب ما جاء في ترك القراءة خلف الإمام إذا جهر الإمام بالقراءة، وقال الترمذي هذا حديث حسن. النسائي (2/ 140، 141) 11 - كتاب الافتتاح، 28 - ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر به. (2) أبو داود (1/ 219) كتاب الصلاة، 136 - باب من كره القراءة بفاتحة الكتاب إذا جهر الإمام. (3) أبو داود (1/ 219) نفس الموضع السابق. (4) أبو داود (1/ 219) نفس الموضع السابق، وإسناده صحيح. 1622 - مسلم (1/ 299) 4 - كتاب الصلاة، 12 - باب نهي المأموم عن جهره بالقراءة خلف إمامه. (6) مسلم (1/ 298) نفس الموضع السابق.

- التأمين خلف الإمام

صلاة الظهر- أو العصر- بالشك"، وفي رواية أبي داود (1) والنسائي (2) قال: قد عرفت أن بعضكم خالجنيها. أقول: هذا النص دليل لمن ذهب إلى أنه لا قراءة وراء الإمام في سرية ولا جهرية. ومن قال بالقراءة قال هذا نهي عما سوى الفاتحة أو نهي عن التشويش في القراءة. 1623 - * روى مالك عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما "كان إذا سئل: هل يقرأ أحد خلف الإمام؟ قال: إذا صلى أحدكم خلف الإمام فحسبه قراءة الإمام، وإذا صلى وحده فليقرأ، قال: وكان ابن عمر لا يقرأ خلف الإمام". أقول: إنما أوردنا هذه النصوص والآثار ههنا في القراءة خلف الإمام استكمالاً لأبحاث أحكام الإمام والمأموم وكنا قد تعرضنا لهذا الموضوع في الباب الثالث في أركان الصلاة وأفعالها في مبحث القراءة باستيفاء أشمل. - التأمين خلف الإمام: 1624 - * روى الترمذي عن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم "قرأ: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فقال: آمين، ومد بها صوته- وفي رواية (3): وخفض بها صوته". وفي رواية (4) أبي داود "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ (ولا الضالين) قال: آمين: ورفع بها صوته". وفي رواية (5) "أنه صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجهر بآمين، وسلم عن يمينه، وعن شماله، حتى رأيت بياض خده". وقد تكلم العلماء على رواية وخفض بها صوته قال في (الإعلاء 2/ 216): قال

_ (1) أبو داود (1/ 219) كتاب الصلاة، 137 - باب من رأى القراءة إذا لم يجهر. (2) النسائي (2/ 140) 11 - كتاب الافتتاح، 27 - ترك القراءة خلف الإمام فيما لم يجهر فيه. 1623 - الموطأ (1/ 86) 3 - كتاب الصلاة، 10 - باب ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر فيه، وإسناده صحيح. 1624 - الترمذي (2/ 27) أبواب الصلاة، 184 - باب ما جاء في التأمين، وغسناده حسن. (3) الترمذي (2/ 28) نفس الموضع السابق. (4) أبو داود (1/ 246) كتاب الصلاة، 171 - باب التأمين وراء الإمام. (5) أبو داود (1/ 246) نفس الموضع السابق.

الدارقطني: هكذا قال شعبة وأخفى بها صوته ويقال إنه وهم فيه لأن سفيان الثوري ومحمد بن سلمة بن كهيل رووه عن سلمة فقالوا ورفع بها صوته وهو الصواب اهـ. وطعن صاحب "التنقيح" في حديث شعبة هذا بأنه قد روي عنه خلافه كما أخرجه البيهقي في "سننه" عن أبي الوليد الطيالسي ثنا شعبة عن سلمة بن كهيل سمعت حجراً أبا عنبس يحدث عن وائل الحضرمي "أنه صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم فلما قال: ولا الضالين قال: آمين رافعاً بها صوته". قال: فهذه الرواية توافق رواية سفيان. وقال البيهقي في "المعرفة": إسناد هذه الرواية صحيح وكان شعبة يقول سفيان أحفظ، وقال يحيى القطان ويحيى بن معين إذا خالف شعبة سفيان فالقول قول سفيان. قال: وقد أجمع الحفاظ البخاري وغيره على أن شعبة أخطأ فقد روى من غير أوجه فجهر بها انتهى. ثم قال في (الإعلاء 2/ 219) بعد كلام طويل: فنقول: حديث الخفض عندنا أرجح رواية ودراية أما بحسب الرواية فلكون شعبة أحفظ من سفيان وأبعد من التدليس وهو أمير المؤمنين في الحديث، وأما بحسب الدراية فلأن آمين دعاء والأصل في الدعاء الإخفاء، قال تعالى: (ادعوا ربكم تضرعاً وخفية) وقال البخاري في "صحيحه" وقال عطاء: آمين دعاء اهـ. ثم قال: قال الطبري: وروي ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه وروي عن النخعي والشعبي وإبراهيم التيمي: كانوا يخفون "بآمين" والصواب أن الخبرين بالجهر والمخافتة صحيحان وعمل بكل من فعليه جماعة من العلماء وإن كنت مختاراً خفض الصوت بها إذ كان أكثر الصحابة والتابعين رضي الله عنهم على ذلك اهـ. فتلك وجوه تقتضي ترجيح حديث شعبة من حيث الدراية. وحديث سفيان بلفظ "مد بها صوته" عندنا محمول على أنه تكلم بها على لغة المد دون القصر من جهة اللفظ لأن مذهب سفيان الثوري خفض الصوت بآمين دون الجهر بها، وما قال بعضهم أن رواية من قال "رفع بها صوته" تبعد هذا الاحتمال اهـ ففيه أن هذه الروايات كلها لا يخلو من كلام كما سنبين ذلك ولو سلم صحتها فهي محمولة على أن الجهر كان تعليماً للمأمومين كما جهر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالثناء عند الافتتاح تارة وأبو هريرة بالتعوذ أورد في (الإعلاء 2/ 220 - 223) أدلة من قال بالجهر

بالتأمين وناقشها جميعاً فانظره. 1625 - * روى أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين فإن الملائكة تقول آمين وإن الإمام يقول آمين فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه". قال في "إعلاء السنن": فيه قوله صلى الله عليه وسلم: "وإن الإمام يقول آمين". قلت: فيه دلالة ظاهرة على الإخفاء بآمين للإمام وإلا لم يحتج إلى إظهار فعله بقوله وإن الإمام يقول آمين كما يخفي. قلت: وفي قوله صلى الله عليه وسلم "إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم" إلخ. دلالة على أن المأموم لا يقرأ الفاتحة وإلا كان الأنسب أن يقول: إذا قال أحدكم غير المغضوب عليهم إلخ. واورد عليه الحافظ في "الفتح" بأنه قد يدل على أن المأموم لا يقرأ الفاتحة حال قراءة الإمام لها لا أنه لا يقرؤها أصلاً اهـ. قلت: وفيه ما فيه فتأمل. وقال: الأمر في قوله "فأمنوا" للندب عند الجمهور صرح به الحافظ في "الفتح" وثبتت السنية بمواظبته صلى الله عليه وسلم عليها ودليل المواظبة مرسل ابن شهاب ومراسيله وإن كانت ضعيفة ولكنه اعتضد بالموصول. 1626 - * روى أبو داود عن بلال بن رباح رضي الله عنه قال "يا رسول الله لا تسبقني بآمين". استمهل بلال الرسول صلى الله عليه وسلم في التأمين ليوافق تأمينه تأمين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ينال

_ 1625 - أحمد (2/ 233). النسائي (2/ 144) 11 - كتاب الافتتاح، 33 - باب جهر الإمام بآمين. الدارمي (1/ 284) 38 - باب فضل التأمين. ترتيب الإحسان (3/ 146) كتاب الصلاة، ذكر البيان بأن قول المرء في صلاته آمين يغفر له ما تقدم من ذنبه. مجمع الزوائد (2/ 113) بألفاظ مختلفة. 1626 - أبو داود (1/ 246) كتاب الصلاة، 171 - باب التأمين وراء الإمام. (لا تسبقني بآمين) "آمين" فيها لغتان: المد والقصر، ومعناها: اللهم استجب، وقيل: وليكن كذلك، وقوله: "لا تسبقني بآمين".

- الاستخلاف في الصلاة وتقديم الأولى

بركة موافقة النبي صلى الله عليه وسلم في التأمين. 1627 - * روى الستة عن أبي هريرة رفعه: "إذا أمن الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه". وفي رواية (2): إذا قال الإمام: "غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا: آمين" بنحوه. 1628 - * روى أحمد عن عائشة رفعته: ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم، على الإسلام والتأمين. - الاستخلاف في الصلاة وتقديم الأولى: 1629 - * روى الشيخان عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه: "أن بني عمرو بن عوف كان بينهم شر، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلح في أناس معه، فحبس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحانت الصلاة، فجاء بلال إلى أبي بكر، فقال: يا أبا بكر، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حبس وحانت الصلاة، فهل لك أن تؤم الناس؟ قال: نعم، إن شئت، فأقام بلال، وتقدم أبو بكر فكبر وكبر الناس وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي في الصفوف حتى قام في الصف، فأخذ الناس في التصفيق، وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته، فلما أكثر الناس التصفيق التفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب يتأخر، فأشار

_ 1627 - البخاري (2/ 262) 10 - كتاب الأذان، 111 - باب جهر الإمام بالتأمين. مسلم (1/ 307) 4 - كتاب الصلاة، 18 - باب التسميع والتحميد والتأمين. أبو داود (1/ 246) كتاب اصلاة، 171 - باب التأمين وراء الإمام. الترمذي (2/ 30) أبواب الصلاة، 185 - باب ما جاء في فضل التأمين. النسائي (2/ 143) 11 - كتاب الافتتاح، 23 - باب جهر الإمام بآمين. ابن ماجه (1/ 277) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 14 - باب الجهر بآمين. (2) النسائي (2/ 144) 11 - كتاب الافتتاح، 23 - باب جهر الإمام بآمين. 1628 - أحمد (6/ 135). ابن ماجه (1/ 278) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 14 - باب الجهر بآمين. 1629 - البخاري (3/ 87، 88) 21 - كتاب العمل في الصلاة، 16 - باب رفع الأيدي في الصلاة لأمر ينزل به. مسلم (1/ 316) 4 - كتاب الصلاة، 22 - باب تقديم الجماعة من يصلي بهم إذا تأخر الإمام ولم يخافوا مفسدة.

إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امكث مكانك، فرفع أبو بكر يده، فحمد الله، ورجع القهقرى وراءه، حتى قام في الصف، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى للناس، فلما فرغ أقبل على الناس، فقال: يا أيها الناس ما لكم حين نابكم شيء في الصلاة أخذتم في التصفيق، إنما التصفيق للنساء، من نابه شيء في صلاته فليقل: سبحان الله، فإنه لا يسمعه أحد حين يقول: سبحان الله، إلا التفت، يا أبا بكر، ما منعك أن تصلي بالناس حين أشرت إليك؟ فقال أبو بكر: ما كان ينبغي لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم" وفي أخرى (1) مختصراً "أن أهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: اذهبوا بنا حتى نصلح بينهم"، وليس عند مسلم في هذه الرواية الآخرة قول النبي صلى الله عليه وسلم ولأبي داود (2) "كان قتال بين بني عمرو بن عوف، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاهم ليصلح بينهم بعد الظهر، فقال لبلال: إن حضرت صلاة العصر ولم آتك، فمر أبا بكر فليصل بالناس، فلما حضرت العصر أذن بلال، ثم أقام، ثم أمر أبا بكر فتقدم" وقال في آخره: "إذا نابكم شيء في الصلاة فليسبح الرجال، وليصفح النساء". أقول: في تأخر أبي بكر رضي الله عنه عن الإمامة وتقديمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أساس بنى عليه الفقهاء موضوع الاستخلاف في الصلاة، وسنتعرض لهذا الموضوع في آخر هذا الفصل أثناء الكلام عن المسائل والفوائد. قال النووي في شرح مسلم: (فيه أن الإمام إذا تأخر عن الصلاة تقدم غيره إذا لم يخف فتنة وإناراً من الإمام وفيه أن المقدم نيابة عن الإمام يكون أفضل القوم وأصلحهم لذلك الأمر وأقومهم به وفيه أن المؤذن وغيره يعرض التقدم على الفاضل وأن الفاضل يوافقه وفيه أن الفعل القليل لا يبطل الصلاة لقوله صفق الناس وفيه جواز الالتفات في الصلاة للحاجة واستحباب حمد الله تعالى لمن تجددت له نعمة ورفع اليدين بالدعاء وفعل ذلك الحمد والدعاء

_ (1) البخاري (5/ 300) 53 - كتاب الصلح، 3 - باب قول الإمام لأصحابه اذهبوا بنا نصلح. (2) أبو داود (1/ 248) كتاب الصلاة، 172 - باب التصفيق في الصلاة. قال أبو داود: قال: عيسى بن أيوب: التصفيح للنساء: تضرب بأصبعين من يمينها على كفها اليسرى. (نابكم): ناب فلان كذا وكذا: أي عرض له مرة بعد أخرى.

- ما يقول المأموم إذا رفع رأسه من الركوع

عقب النعمة وإن كان في صلاة وفيه جواز مشي الخطوة والخطوتين في الصلاة وفيه أن هذا القدر لا يكره إذا كان لحاجة وفيه جواز استخلاف المصلي بالقوم من يتم الصلاة لهم وهذا هو الصحيح في مذهبنا وفيه أن التابع إذا أمره المتبوع بشيء وفهم منه إكرامه بذلك الشيء لا تختم الفعل فله أن يتركه ولا يكون هذا مخالفة للأمر بل يكون أدباً وتواضعاً وتحذقاً في فهم المقاصد وفيه ملازمة الأدب مع الكبار وفيه أن السنة لمن نابه شيء في صلاته كإعلام من يستأذن عليه وتنبيه الإمام وغير ذلك أن يسبح إن كان رجلاً فيقول سبحان الله وأن تصفق وهو التصفيح إن كان امرأة فتضرب بطن كفها الأيمن على ظهر كفها الأيسر ولا تضرب بطن كف على بطن كف على وجه اللعب واللهو فإن فعلت هكذا على جهة اللعب بطلت صلاتها لمنافاته الصلاة وفيه فضائل كثيرة لأبي بكر رضي الله عنه وتقديم الجماعة له واتفاقهم على فضله عليهم ورجحانه وفيه تقديم الصلاة في أول وقتها وفيه أن الإقامة لا تصح إلا عند إرادة الدخول في الصلاة لقوله أتصلي فأقيم وفيه أن المؤذن هو الذي يقيم الصلاة فهذا هو السنة ولو أقام غيره كان خلاف السنة ولكن يعتد بإقامته عندنا وعند جمهور العلماء وفيه جواز خرق الإمام الصفوف ليصل إلى موضعه إذا احتاج إلى خرقها لخروجه لطهارة أو رعاف أو نحوهما ورجوعه وكذا من احتاج إلى الخروج من المأمومين لعذر وكذا له خرقها في الدخول إذا رأى قدامهم فرجة فإنهم مقصورون بتركها واستدل به أصحابنا على جواز اقتداء المصلي بمن يحرم بالصلاة بعده فإن الصديق رضي الله عنه أحرم بالصلاة أولاً ثم اقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم حين أحرم بعده هذا هو الصحيح في مذهبنا) (4/ 144 - 146). 1630 - * روى ابن خزيمة عن عائشة: أن أبا بكر صلى بالناس، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف. - ما يقول المأموم إذا رفع رأسه من الركوع: 1631 - * روى أبو داود عن مطرف بن طريف بن الحارثي عن عامر قال: "لا يقول

_ 1630 - ابن خزيمة (3/ 11) 39 - باب إمامة المرء السلطان بأمره. وإسناده صحيح، وكان ذلك في مرض الوفاة. 1631 - أبو داود (1/ 224) كتاب الصلاة، 143 - باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع، وإسناده صحيح.

- حكم من أدرك ركعة خلف الإمام

القوم خلف الإمام: سمع الله لمن حمده، ولكن يقولون: ربنا لك الحمد". قال الخطابي في "معالم السنن": اختلف الناس فيما يقوله المأموم إذا رفع رأسه من الركوع، فقالت طائفة: يقتصر على "ربنا لك الحمد" وهو الذي جاء به الحديث، لا يزيد عليه، وهو قول الشعبي، وغليه ذهب مالك وابن حنبل، وقال أحمد: إلى هذا انتهى أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وقالت طائفة: يقول: سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد، يجمع بينهما، هذا قول ابن سيرين وعطاء، وإليه ذهب الشافعي، وهو مذهب أبي يوسف ومحمد. - حكم من أدرك ركعة خلف الإمام: 1632 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة". وقال في رواية (2): "من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام". وفي أخرى (3) "فقد أدرك الصلاة كلها". وفي رواية (4) صحيحة للنسائي: "من أدرك ركعة من صلاة من الصلوات فقد أدركها، إلا أنه يقضي ما فاته". أقول: بعض الفقهاء أخذ بظاهر هذه الروايات فلم يعتبر إدراك أجر الجماعة كائناً إلا بإدراك ركعة مع الإمام وبعضهم حمل هذه الروايات على الإدراك الكامل لأجر الجماعة أما أصل الجماعة فيدركها الإنسان بأن يصلي مع الإمام ما لم يخرج الإمام من الصلاة حتى لو أدركه في سجود السهو فإنه يدرك فضيلة الجماعة إلا أنه ليس له من الكمال في الأجر كذلك الذي يدرك ركعة أو أكثر مع الإمام.

_ 1632 - البخاري (2/ 57) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 29 - باب من أدرك من الصلاة ركعة. مسلم (1/ 424) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 30 - باب من أدرك ركعة من الصلاة. (2) مسلم، الموضع السابق. (3) مسلم، الموضع السابق. (4) النسائي (1/ 275) 6 - كتاب المواقيت، 30 - من أدرك ركعة من الصلاة.

1633 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة كلها". وفي رواية (2) أبي داود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا، ولا تعدوها شيئاً، ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة" وفي رواية (3) الموطأ قال: كان أبو هريرة يقول: "من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة، ومن فاتته قراءة أم القرآن فقد فاته خير كثير". 1634 - * روى مالك عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يقول: "إذا فاتتك الركعة فقد فاتتك السجدة". 1635 - * روى الطبراني في الكبير عن علي وابن مسعود قالا: من لم يدرك الركعة فلا يعتد بالسجدة. 1636 - * روى الطبراني عن ابن مسعود في الذي يفوته بعض الصلوة مع الإمام قال يجعل ما يدرك مع الإمام آخر صلواته. 1637 - * روى الطبراني عن زيد بن وهب قال: دخلت أنا وابن مسعود المسجد والإمام راكع فركعنا ثم مضينا حتى استوينا بالصف فلما فرغ الإمام قمت أقضي فقال قد أدركته.

_ 1633 - البخاري، الموضع السابق. مسلم الموضع السابق. (2) أبو داود (1/ 236) كتاب الصلاة، 155 - باب في الرجل يدرك الإمام ساجداً كيف يصنع. (3) الموطأ (1/ 11) 1 - كتاب وقوت الصلاة، 3 - باب من أدرك ركعة من الصلاة. 1634 - الموطأ (1/ 10) 1 - كتاب وقوت الصلاة، 3 - باب من أدرك ركعة من الصلاة، وإسناده صحيح. 1635 - الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 311). مجمع الزوائد (2/ 76) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله موثقون. 1636 - الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 315). مجمع الزوائد (2/ 76) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. 1637 - الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 312) ورجاله ثقات.

- جواز صلاة القائم خلف القاعد، وعدم جواز جلوس المقتدي بجلوس إمامه.

- جواز صلاة القائم خلف القاعد، وعدم جواز جلوس المقتدي بجلوس إمامه. 1638 - * روى البخاري عن عائشة في حديث مرض النبي صلى الله عليه وسلم: ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم: وجد من نفسه خفة، فخرج بين رجلين أحدهما العباس لصلاة الظهر وأبو بكر يصلي بالناس، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر، فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم بأن لا يتأخر، فقال: أجلساني إلى جنبه، فأجلساه إلى جنب أبي بكر. قال: فجعل أبو بكر يصلي وهو يأتم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، والناس بصلاة أبي بكر، والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد. ولمسلم (2): وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس، وأبو بكر يسمعهم التكبير اهـ وفي حديث الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس عن يسار أبي بكر، قالت: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس جالساً، وأبو بكر قائم يقتدي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس يقتدون بصلاة أبي بكر اهـ. ذكره الحازمي في الاعتبار، وصححه. وفي رواية عنها: وأبو بكر قائم يصلي بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم وهو وراءه قيام. علقه الإمام الشافعي في رسالته عن إبراهيم النخعي، وقد نوقش في ذلك. انظر (الإعلاء 4/ 339 - 242). - الصلاة على المكان المرتفع: 1639 - * روى أبو داود عن همام بن الحارث النخعي الكوفي قال: "إن حذيفة أم الناس بالمدائن على دكان، فأخذ أبو مسعود بقميصه فجبذه، فلما فرغ من صلاته قال: ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلك؟ قال: بلى، تذكرت حين مددتني. فائدة: يكره تميز الإمام عن المصلين بأني قوم على شيء مرتفع، لذا قالوا لا يصلي الإمام في داخل الطاق (المحراب) لكن يجعل السجود فيه. (وهبي). 1640 - * روى مسلم عن أبي حازم بن دينار "أن نفراً جاؤوا إلى سهل بن سعد رضي

_ 1638 - البخاري (2/ 173) 10 - كتاب الأذان، 51 - باب إنما جعل الإمام ليؤتم به. (2) مسلم (1/ 314) 4 - كتاب الصلاة، 21 - باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغيرهما. 1639 - أبو داود (1/ 163) كتاب الصلاة، 66 - باب الإمام يقوم مكاناً أرفع من مكان القوم. وفي سنده مجهول كما قال محقق شرح السنة. 1640 - مسلم (1/ 386، 387) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 10 - باب جواز الخطوة والخطوتين في الصلاة.

الله عنه قد تماروا في المنبر: من أي عود هو؟ فقال: أما والله إني لأعرف من أي عود هو، ومن عمله، ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أول يوم جلس عليه قال: فقلت له يا أبا عباس، فحدثنا، فقال: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى امرأة- قال أبو حازم: إنه ليسميها يومئذ- انظري غلامك النجار يعمل لي أعواداً أكلم الناس عليها، فعمل هذه الثلاث درجات، ثم أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعت هذا الموضع، فهي من طرفاء الغابة، ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عليه فكبر، وكبر الناس وراءه وهو على المنبر، ثم رفع فنزل القهقرى حتى سجد في أصل المنبر، ثم عاد حتى فرغ من آخر صلاته، ثم أقبل على الناس فقال: يا أيها الناس، إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي". وفي رواية (1): "ولقد رأيته أول يوم وضع، وأول يوم جلس عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم .. " وذكر نحوه في أعواد المنبر، ثم قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عليها وكبر وهو عليها، ثم ركع وهو عليها، ثم نزل القهقرى وسجد في أصل المنبر، ثم عاد، فلما فرغ أقبل على الناس فقال ... الحديث". وفي رواية (2) "أنه سئل: من أي شيء المنبر؟ فقال: من أثل الغابة، عمله فلان مولى فلانة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين عمل ووضع، فاستقبل القبلة وكبر، وقام الناس خلفه، فقرأ، وركع وركع الناس خلفه، ثم رفع رأسه، ثم رجع القهقرى فسجد على الأرض، ثم عاد إلى المنبر، ففعل مثل ذلك، فهذا شأنه" قال البخاري: قال علي بن عبد الله: سألني أحمد بن حنبل عن هذا الحديث؟ وقال: إنما أردت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أعلى من الناس، فلا بأس أن يكون الإمام أعلى من الناس بهذا الحديث، قال: فقلت له: إن سفيان بن عيينة كان يسأل عن هذا كثيراً فلم تسمعه منه؟ قال: لا، قال الحميدي: ففي هذا استفادة أحمد من ابن المديني، ورواية البخاري عن رجل عن أحمد.

_ أبو داود (1/ 283) كتاب الصلاة، 220 - باب في اتخاذ المنبر. النسائي (2/ 57) 8 - كتاب المساجد، 45 - باب الصلاة على المنبر. (1) هذه رواية أبي داود. (2) البخاري (1/ 486) 8 - كتاب الصلاة، 18 - باب الصلاة في السطوح والمنبر والخشب. (تماروا) الامتراء والتماري: الشك في الأمر. (اثل) الأثل: شجر من شجر الطرفاء.

- تأخر الرجال عن النساء في الخروج من المسجد

قال الحافظ في "الفتح" (2/ 331): ويستفاد من الحديث أن من فعل شيئاً يخالف العادة أن يبين حكمته لأصحابه، وفيه مشروعية الخطبة على المنبر لكل خطيب خليفة كان أو غيره، وفيه جواز قصد تعليم المأمومين، أفعال الصلاة بالفعل، وجواز العمل اليسير في الصلاة، وكذا الكثير إن تفرق، وكذا في جواز ارتفاع الإمام، وفيه استحباب اتخاذ المنبر لكونه أبلغ في مشاهدة الخطيب والسماع منه، واستحباب الافتتاح بالصلاة في كل شيء جديد، إما شكراً، وإما تبركاً. أقول: يستفاد من الحديث أن الإمام إذا ارتفع عن المأمومين مرة لتعليمهم، فلا بأس بذلك على ألا يكون عادة، واعتبر بعضهم أن هذا الحديث منسوخ بالنهي عن ارتفاع الإمام على المأمومين. 1641 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود أنه كره أن يؤمهم على المكان المرتفع. - تأخر الرجال عن النساء في الخروج من المسجد: 1642 - * روى البخاري عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمكث في مكانه يسيراً، قالت: فنرى- والله أعلم- لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن الرجال" وفي رواية (3) "أن النساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كن إذا سلمن من المكتوبة قمن، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء الله، فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال"، وأخرج النسائي (4) الثانية، وفي رواية (5) أبي داود قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم مكث قليلاً، وكانوا يرون أن ذلك كيما ينفذ النساء قبل الرجال".

_ 1641 - الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 361). مجمع الزوائد (2/ 67) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. 1642 - البخاري (2/ 352) 10 - كتب الأذان، 167 - باب صلاة النساء خلف الرجال. (3) البخاري (2/ 349) 10 - كتب الأذان، 163 - باب انتظار الناس قيام الإمام العالم. (4) النسائي (3/ 67) 13 - كتاب السهو، 77 - جلسة الإمام بين التسليم والانصراف. (5) أبو داود (1/ 273) كتاب الصلاة، 202 - باب انصراف النساء قبل الرجال من الصلاة.

الفقرة الثالثة في أحكام الصفوف

الفقرة الثالثة في أحكام الصفوف - فضل الصف الأول: 1643 - * روى أحمد عن النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول- أو الصفوف الأول". 1644 - * روى أحمد عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول، قالوا: يا رسول الله وعلى الثاني، قال: إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول، قالوا يا رسول الله وعلى الثاني، قال: وعلى الثاني، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سووا صفوفكم، وحاذوا بين مناكبكم ولينوا في أيدي إخوانكم، وسدوا الخلل، فإن الشيطان يدخل فيما بينكم بمنزلة الحذف"- يعني أولاد الضأن الصغار. 1645 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو تعلمون- أو يعلمون- ما في الصف الأول لكانت قرعة" وفي أخرى (4). "ما كانت إلا قرعة". 1646 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا،

_ 1643 - أحمد (4/ 285). كشف الأستار (1/ 246، 247). جمع الزوائد (2/ 91) وقال الهيثمي: رواه أحمد والبزار ورجاله ثقات. 1644 - أحمد (5/ 262). مجمع الزوائد (2/ 91) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجال أحمد موثقون. 1645 - مسلم (1/ 326) 4 - كتاب الصلاة، 28 - باب تسوية الصفوف وإقامتها. (4) مسلم، الموضع السابق. 1646 - البخاري (2/ 208) 10 - كتاب الأذان، 73 - باب الصف الأول. مسلم (1/ 325) 4 - كتاب الصلاة، 28 - باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول منها.

ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً". وفي رواية (1): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق، فأخره، فشكر الله له فغفر له، ثم قال: الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله، وقال: لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ... ثم ذكر الحديث إلى آخره- مثل ما تقدم". 1647 - * روى النسائي عن العرباض بن سارية رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي على الصف الأول ثلاثاً، وعلى الصف الثاني واحدة". ولفظ الحاكم وابن خزيمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستغفر للصف المقدم ثلاثاً، وللثاني مرة. 1648 - * روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف". من أولى بالصف الأول: 1649 - * روى مسلم عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ (1) البخاري (2/ 139) 10 - كتاب الأذان، 32 - باب فضل التهجير إلى الظهر. 1647 - النسائي (1/ 92، 93) 10 - كتاب الإمامة، 29 - فضل الصف الأول على الثاني، وهو حديث صحيح. ابن خزيمة (3/ 27) 70 - باب ذكر استغفار النبي صلى الله عليه وسلم الصف المقدم والثاني. الحاكم (1/ 214) كتاب الصلاة، وقال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد. 1648 - أبو داود (1/ 181) كتاب الصلاة، 96 - باب من يستحب أن يلي الإمام في الصف وكراهية التاخر، وإسناده حسن. 1649 - مسلم (1/ 323) 4 - كتاب الصلاة، 28 - باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول منها. أبو داود (1/ 180) كتاب الصلاة، 96 - باب من يستحب أن يلي الإمام في الصف وكراهية التأخر وهذا الحديث أخرجه أبو داود، وأول حديثه قال: "ليلني منكم أولو الأحلام" وحذف ما قبله. النسائي (2/ 87، 88) 10 - كتاب الإمامة، 23 - من يلي الإمام ثم الذي يليه. (الأحلام والنهى) العقول والألباب.

يمسح مناكبنا في الصلاة، ويقول: "استووا، ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، قال أبو مسعود: فأنتم اليوم أشد اختلافاً". 1650 - * روى مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم- ثلاثاً- وإياكم وهيشات الأسواق"، وزاد الترمذي وأبو داود "ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم" قبل قوله: "وإياكم" قال الترمذي (2): وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه كان يعجبه أن يليه المهاجرون والأنصار ليحفظوا عنه". 1651 - * روى ابن خزيمة عن قيس بن عباد قال: بينما أنا بالمدينة في المسجد في الصف المقدم قائم أصلي، فجبذني رجل من خلفي جبذة، فنحاني وقام مقامي. قال: فو الله ما عقلت صلاتي، فلما انصرف، فإذا هو أبي بن كعب، فقال: يا فتى لا يسؤك الله، إن هذا عهد من النبي صلى الله عليه وسلم إلينا أن نليه، ثم استقبل القبلة فقال: هلك أهل العقد ورب الكعبة ثلاثاً، ثم قال: والله ما عليهم آسى، ولكن آسى على من أضلوا، قال: قلت: من تعني بهذا؟ قال: الأمراء. إذا كان مع الإمام رجل واحد يقوم على يمينه: 1652 - * روى الجماعة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "صليت مع رسول الله

_ 1650 - مسلم (1/ 323) 4 - كتاب الصلاة، 28 - باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول منها. أبو داود (1/ 180، 181) كتاب الصلاة، 96 - باب من يستحب أن يلي الإمام في الصف وكراهية التأخر. الترمذي (1/ 440، 441) أبواب الصلاة، 168 - باب ما جاء ليليني منكم أولو الأحلام والنهى. (2) الترمذي (1/ 442) نفس الموضع السابق. قال الترمذي: حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح غريب. (هيشات الأسواق) الهيشة: الاختلاط وكثرة اللغط، ويروى "هو شات" بالواو. 1651 - ابن خزيمة (3/ 33) 79 - باب ذكر البيان أن أولي الأحلام والنهى أحق بالصف الأول إذ النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن يلوه، وإسناده حسن. (أهل العقد): يعني أصحاب الولايات على الأمصار. 1652 - البخاري (2/ 211) 10 - كتاب الأذان، 77 - باب إذا قام الرجل عن يسار الإمام وحوله الإمام خلفه. مسلم (1/ 528) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 26 - باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه.

صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فقمت عن يساره، فأخذ بذوائبتي فجعلني عن يمينه: وفي رواية (1) قال: "بت عند خالتي ميمونة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، فقمت ... وذكر الحديث". وفي رواية (2) "برأسي: وفي أخرى (3) "بيدي" وفي أخرى (4) "بعضدي"، وفي أخرى (5) لمسلم قال: "بعثني العباس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت خالتي ميمونة، فبت معه تلك الليلة، فقمت عن يساره، فتناولني من خلف ظهره، فجعلني عن يمينه". 1653 - * روى البزار عن أنس قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فأقامني عن يمينه. 1654 - * روى أبو داود عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه، فيقبل علينا بوجهه". 1655 - * روى مالك عن نافع- مولى ابن عمر- رضي الله عنهم قال: "قمت وراء ابن عمر في صلاة من الصلوات، وليس معه أحد غيري، فخالف عبد الله بيده، فجعلني حذاءه عن يمينه".

_ أبو داود (1/ 166) كتاب الصلاة، 68 - باب الإمام يصلي من قعود. الترمذي (1/ 451، 452) أبواب الصلاة، 171 - باب ما جاء في الرجل يصلي ومعه رجل. النسائي (2/ 87) 10 - كتاب الإمامة، 22 - موقف الإمام والمأموم صبي. ابن ماجه (1/ 312) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 44 - باب الاثنان جماعة. (1) مسلم (1/ 531) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 26 - باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه. (2) أبو داود (1/ 166) كتاب الصلاة، 68 - باب الإمام يصلي من قعود. (3) مسلم (1/ 525، 526) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 26 - باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه. (4) هذه الرواية بحثنا عنها في الكتب الستة فلم نجدها وهي موجودة عند أحمد (1/ 268) (الناشر). (5) مسلم (1/ 531) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 26 - باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه. وهذه الروايات أطراف من حديث طويل، له روايات كثيرة، وطرق عدة، قد أخرجه الجماعة. 1653 - كشف الأستار (1/ 247، 248) باب البدأة بميمنة الإمام، رجاله موثقون. مجمع الزوائد (2/ 95) قال الهيثمي رواه البزار ورجاله موثقون. 1654 - أبو داود (1/ 167) كتاب الصلاة، 71 - باب الإمام ينحرف بعد التسليم، وإسناده صحيح. ابن خزيمة (3/ 28) 73 - باب استحباب قيام المأموم في ميمنة الصف. 1655 - الموطأ (1/ 134) 8 - كتاب صلاة الجماعة، 4 - باب العمل في صلاة الجماعة.

- ترتيب الصفوف

1656 - * روى مالك عن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: "دخلت على عمر ابن الخطاب بالهاجرة، فوجدته يسبح، فقمت وراءه، فقربني حتى جعلني حذاءه عن يمينه، فلما جاء يرفأ تأخرت فصففنا وراءه". - ترتيب الصفوف: 1657 - * روى أبو داود عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: "ألا أحدثكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فأقام الصلاة، فصف الرجال، وصف خلفهم الغلمان، ثم صلى بهم، فذكر صلاته، ثم قال: هكذا صلاة- قال عبد الأعلى: لا أحسبه إلا قال-: أمتي". 1658 - * روى النسائي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "صليت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائشة خلفنا تصلي معنا، وأنا إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم أصلي معه". 1659 - * روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "صليت أنا ويتيم في بيتنا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأم سليم خلفنا" وفي رواية (5): "أنه صلى به وبأمه أو خالته، قال: فأقامني عن يمينه، وأقام المرأة خلفنا"، وفي رواية (6) أبي داود قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم حرام، فأتوه بسمن وتمر، فقال: ردوا هذا في وعائه، وهذا في سقائه، فإني صائم، ثم قام فصلى بنا ركعتين تطوعاً، فقامت أم سليم، وأم حرام خلفنا، قال ثابت: ولا أعلمه إلا قال: أقامني عن يمينه على بساط" وفي أخرى (7)

_ 1656 - الموطأ (1/ 154) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 9 - باب جامع سبحة الضحى. 1657 - أبو داود (1/ 181) كتاب الصلاة، 97 - باب مقام الصبيان من الصف، وهو حديث حسن بشاهده. 1658 - النسائي (2/ 104) 10 - كتاب الإمامة، 44 - الجماعة إذا كانوا ثلاثة رجل وصبي وامرأة. قال في النيل: إسناده ثقات. 1659 - مسلم (1/ 457) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 48 - باب جواز الجماعة في النافلة. النسائي (2/ 118) 10 - كتاب الإمامة، 62 - المنفرد خلف الصف. (5) مسلم (1/ 458) نفس الموضع السابق. (6) أبو داود (1/ 165، 166) كتاب الصلاة، 69 - باب الرجلين يؤم أحدهما كيف يقومان. (7) أبو داود (1/ 166) نفس الموضع السابق.

"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمه وامرأة منهم، فجعله عن يمينه، والمرأة خلف ذلك". وفي أخرى (1) للنسائي قال: "دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما هو إلا أنا وأمي وأم حرام خالتي، فقال: قوموا فلأصل لكم، قال: في غير وقت الصلاة، قال: فصلى بنا". 1660 - * روى الترمذي عن سمرة بن جندب قال: "أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم إذا كنا ثلاثة: أن يتقدمنا أحدنا". قال في (الإعلاء 4/ 217): دلت الأحاديث على أن الواحد يقوم عن يمين الإمام. قال الحافظ في "الفتح": وقد نقل بعضهم الاتفاق على أن المأموم الواحد يقوم عن يمين الإمام إلا النخعي، فقال: إذا كان الإمام ورجل، قام الرجل خلف الإمام، فإن ركع الإمام قبل أن يجيء أحد قام عن يمينه. أخرجه سعيد بن منصور. ووجهه بعضهم بأن الإمامة مظنة الاجتماع، فاعتبرت في موقف المأموم حتى يظهر خلاف ذلك، وهو حسن لكنه مخالف للنص، وهو قياس فاسد، ثم ظهر لي أن إبراهيم إنما كان يقول بذلك حيث يظن ظناً قوياً مجيء ثان، وقد روى سعيد بن منصور أيضاً عنه قال: ربما قمت خلف الأسود وحدي حتى يجيء المؤذن اهـ (2/ 191). قال الحافظ: وقال أصحابنا: يستحب أن يقف المأموم دونه قليلاً. اهـ (2: 190). قال التهانوي: وكذلك استحبه أصحابنا، فروي عن محمد أنه يضع أصابعه عند عقب الإمام، كذا في الطحطاوي على مراقي الفلاح (ص: 177). واختاره الشرنبلالي فقال: يقف الواحد عن يمين الإمام مساوياً له متأخراً بعقبه اهـ. والذي في شروح الهداية، والقدوري، والكنز، والبرهان، والقهستاني أنه يقف مساوياً له بدون تقدم، وبدون تأخر من غير فرجة في ظاهر الرواية كذا في الطحطاوي. ولعل ما في ظاهر الرواية هو الأصل، وإنما استحبوا التأخر قليلاً لئلا يتقدم أحد من العوام على إمامه بشيء، فهو الأحوط لهم.

_ (1) النسائي (2/ 86) 10 - كتاب الإمامة، 20 - إذا كانوا رجلين وامرأتين. 1660 - الترمذي (1/ 452، 453) أبواب الصلاة، 172 - باب ما جاء في الرجل يصلي مع الرجلين. قال الترمذي: وفي الباب عن ابن مسعود، وجابر، وأنس بن مالك، والعمل على هذا عند أهل العلم قالوا: إذا كانوا ثلاثة قام رجلان خلف الإمام.

1661 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها". 1662 - * روى ابن خزيمة عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وخير صفوف الرجال المقدم، وشرها المؤخر، وخير صفوف النساء المؤخر، وشرها المقدم. يا معشر النساء إذا سجد الرجال، فاحفظن أبصاركن". قلت لعبد الله: مم ذاك؟ قال: من ضيق الإزار. قال في (الفيض 3/ 487): (خير صفوف الرجال أولها) لاختصاصه بكمال الأوصاف كالضبط عن الإمام والتبليغ عنه [عند الحاجة] ونحو ذلك (وشرها آخرها) لاتصاله بأول صفوف النساء فهو شرها من جهة قربهن والمراد أن الأول أكثرها أجراً والآخر أقلها ثواباً وأبعدها عن مطلوب الشرع (وخير صفوف النساء آخرها) لبعده عن مخالطة الرجال وقربهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاهم وسماع كلامهم ونحو ذلك (وشرها أولها) لكونها بعكس ذلك قال النووي وهذا على عمومه إن صلين مع الرجال فإن تميزن فهن كالرجال خيرها أولها وشرها آخرها قال الطيبي والخير والشر في صفي الرجال والنساء للتفضيل لئلا يلزم من نسبة الخير إلى أحد الصفين شركة الآخر فيه ومن نسبة الشر إلى أحدهما شركة الآخر فيه فيتناقض. ونسبة الشر إلى الصف الأخير وصفوف الصلاة كلها خير إشارة إلى أن تأخر الرجل عن مقام القرب مع تمكنه منه هضم لحقه وتسفيه لرأيه فلا يبعد أن يسمى شراً.

_ 1661 - مسلم (1/ 326) 4 - كتاب الصلاة، 28 - باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول منها. أبو داود (1/ 181) كتاب الصلاة، 98 - باب صف النساء وكراهية التأخر عن الصف الأول. الترمذي (1/ 435، 436) أبوبا الصلاة، 166 - باب ما جاء في فضل الصف الأول. النسائي (2/ 93، 94) 10 - كتاب الإمامة، 32 - ذكر خير صفوف النساء، وشر صفوف الرجال. 1662 - ابن خزيمة (3/ 28) جماع أبواب قيام المأمومين خلف الإمام، 72 - باب ذكر خير صفوف الرجال وخير صفوف النساء، وإسناده صحيح.

- تسوية الصفوف

- تسوية الصفوف: 1663 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سووا صفوفكم، فإن تسوية الصف من تمام الصلاة". وفي رواية (2) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتموا الصفوف، فإني أراكم من وراء ظهري" ومنهم من قال فيه: "أقيموا الصفوف". وللبخاري (3) قال: أقيمت الصلاة، فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه، فقال: "أقيموا صفوفكم وتراصوا، فإني أراكم من وراء ظهري"- زاد في رواية (4) - وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه" وفي رواية (5) أبي داود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رصوا صفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق، فو الذي نفسي بيده، إني لأرى الشيطان يتخللكم ويدخل من خلل الصف كأنها الحذف" وله في أخرى (6) قال محمد بن السائب: "صليت إلى جانب أنس يوماً، فقال: هل تدري: لم جعل هذا العود في القبلة؟ قلت: لا والله، قال: كان رسول الله صلى الله عليه سولم يضع يده عليه، فيقول: "استووا، وعدلوا صفوفكم" وفي أخرى (7): "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة أخذ بيمينه، ثم التفت، فقال: اعتدلوا، سووا صفوفكم، ثم أخذه بيساره، وقال: اعتدلوا، سووا صفوفكم" وفي أخرى (8) له: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتموا الصف المقدم، ثم الذي يليه، فما كان من

_ 1663 - البخاري (2/ 209) 10 - كتاب الأذان، 74 - باب إقامة الصف من تمام الصلاة. مسلم (1/ 324) 4 - كتاب الصلاة، 28 - باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول منها. (2) مسلم (1/ 324) 4 - كتاب الصلاة، 28 - باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول منها وقد وردت هذه الرواية في البخاري بلفظ "أقيموا الصفوف" بدلاً من "أتموا الصفوف" وهي عند البخاري في (2/ 207) 10 - كتاب الأذان، 71 - باب تسوية الصفوف عند الإقامة وبعدها. (3) البخاري (2/ 208) 10 - كتاب الأذان، 72 - باب إقبال الإمام على الناس عند تسوية الصفوف. (4) البخاري (2/ 211) 10 - كتاب الأذان، 76 - باب إلزاق المنكب بالنكب والقدم بالقدم في الصف. (5) أبو داود (1/ 179) كتاب الصلاة، 94 - باب تسوية الصفوف. (6) أبو داود (1/ 179) نفس الموضع السابق. (7) أبو داود (1/ 179، 180) نفس الموضع السابق. (8) أبو داود (1/ 180) نفس الموضع السابق.

نقص فليكن في الصف المؤخر" وفي رواية (1) للنسائي: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "استووا، استووا، استووا، فو الذي نفسي بيده، إني لأراكم من خلفي كما أراكم من بين يدي". أقول: من تصورنا لحجم الحذف نعرف أن ما ينبغي أن يكون بين قدم الرجل والرجل أقل من ذلك، وأن إلصاق القدم بالقدم نوع من المبالغة في تحقيق ذلك ولكنه لا يلزم بالتحديد إذا ما تحقق تضييق الفرجة، ولكن محاذاة الكعب للكعب مطلوبة كمحاذاة المنكب للمنكب. قال في "الفتح" (2/ 211): قوله (باب إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف المراد بذلك المبالغة في تعديل الصف وسد خلله، وقد ورد الأمر بسد خلل الصف والترغيب فيه في أحاديث كثيرة أجمعها حديث ابن عمر عند أبي داود وصححه ابن خزيمة والحاكم ولفظه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفاً وصله الله، ومن قطع صفاً قطعه الله". واستدل بحديث النعمان [رايت الرجل منا يلزق كعبه بكعب صاحبه] على أن المراد بالكعب في آية الوضوء العظم الناتئ في جانبي الرجل- وهو عند ملتقى الساق والقدم- وهو الذي يمكن أن يلزق بالذي بجنبه، خلافاً لمن ذهب أن المراد بالكعب مؤخر القدم، وهو قول شاذ ينسب إلى بعض الحنفية ولم يثبته محققوهم وأثبته بعضهم في مسألة الحج لا الوضوء، وأنكر الأصمعي قول من زعم أن الكعب في ظهر القدم. اهـ. قال في الإعلاء وتسوية الصفوف سنة وإن وقع فيه لفظ الأمر وأصله الوجوب ولكنه

_ (1) النسائي (2/ 91) 10 - كتاب الإمامة، 27 - كم مرة يقول استووا. (رصوا) الرص: الاجتماع والانتظام، ومنه قوله تعالى: (كأنهم بنيان مرصوص) [الصف: 4]: أي متصل بعضه ببعض. (كأنها الحذف) الحذف: الغنم الصغار الحجازية، واحدها: حذفة وقيل: هي غنم صغار، ليس لها أذناب ولا آذان، يجاء بها من جرش [اليمن]، سميت حذفاً لأنها محذوفة عن مقدار الكبار.

محمول على الندب لما جاء في الباب أحاديث بألفاظ مختلفة ففي البخاري عن ابي هريرة مرفوعاً "وأقيموا الصف في الصلاة فإن إقامة الصف من حسن الصلاة"، وفيه أيضاً عن أنس مرفوعاً "سووا صفوفكم، فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة" اهـ. قال الحافظ في الفتح: قوله "من إقامة الصلاة" هكذا ذكره البخاري عن أبي الوليد، وذكره غيره عنه بلفظ "من تمام الصلاة" كذلك أخرجه الإسمعيلي عن ابن حذيفة، والبيهقي من طريق عثمان الدارمي كلاهما عنه، وكذلك أخرجه أبو داؤد عن أبي الوليد وغيره، وكذا مسلم وغيره من طريق جماعة عن شعبة اهـ (2: 174). قال الحافظ: وقد استدل ابن حزم بقوله: "إقامة الصلاة" على وجوب تسوية الصفوف، قال: لأن إقامة الصلاة واجبة، وكل شيء من الواجب واجب، ولا يخفى ما فيه، لاسيما وقد بينا أن الرواة لم يتفقوا على هذه العبارة. وتمسك ابن بطال بظاهر حديث أبي هريرة فاستدل به على أن التسوية سنة قال: لأن حسن الشيء زيادة على تمامه، وأورد عليه رواية من تمام الصلاة، وأجاب ابن دقيق العيد، فقال: قد يؤخذ من قوله: "تمام الصلاة" الاستحباب. أقول: يبالغ بعض الناس بإلصاق كعبه بكعب مصل آخر لدرجة أن يوجد بين رجليه من الفرجة الكثير وبهذا يكون قد خالف الحكمة من الأمر بإلصاق الكعب بالكعب. 1664 - * روى مالك عن أبي سهيل [نافع] بن مالك [الأصبحي] عن أبيه قال: "كنت مع عثمان، فقامت الصلاة وأنا أكلمه في أن يفرض لي، فلم أزل أكلمه وهو يسوي الحصباء بنعليه، حتى جاءه رجال قد كان وكلهم بتسوية الصفوف، فأخبروه أن قد استوت، فقال: استو في الصف، ثم كبر". 1665 - * روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه "لما قدم المدينة، قيل له: ما أنكرت مما عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما أنكرت شيئاً، إلا أنكم لا تقيمون الصفوف".

_ 1664 - الموطأ (1/ 158) 4 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 14 - باب ما جاء في تسوية الصفوف وإسناده صحيح. 1665 - البخاري (2/ 209، 210) 10 - كتاب الأذان، 75 - باب إثم من لم يتم الصفوف.

1666 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أقيموا الصف، فإن إقامة الصف من حسن الصلاة" وفي أخرى (2): "أن الصلاة كانت تقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأخذ الناس مصافهم قبل أن يقوم النبي صلى الله عليه وسلم مقامه". 1667 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل، ولينوا بأيدي إخوانكم، ولا تذروا فرجات الشيطان، ومن وصل صفاً وصله الله، ومن قطعه قطعه الله". قال في "عون المعبود: 1/ 251): (وصله الله) أي برحمته (ومن قطع) أي بالغيبة أو بعدم السداد أو بوضع شيء مانع (قطعه الله) أي من رحمته الشاملة وعنايته الكاملة. 1668 - * روى ابن خزيمة عن عائشة: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف". 1669 - * روى ابن خزيمة عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خيركم ألينكم مناكب في الصلاة". 1670 - * روى الطبراني عن بلال قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسوي مناكبنا في الصلاة.

_ 1666 - مسلم (1/ 324) 4 - كتاب الصلاة، 28 - باب تسوية الصفوف وإقامتها. (2) مسلم في نفس الموضع السابق. 1667 - أبو داود (1/ 179) كتاب الصلاة، 94 - باب تسوية الصفوف. وإسناده حسن. (فرجات الشيطان) الفرجات: جمع فرجة، وهي الخلل الذي يكون بين المصلين في الصفوف، فأضافها إلى الشيطان. 1668 - ابن خزيمة (3/ 23) جماع أبواب قيام المأمومين خلف الإمام، 64 - باب ذكر صلاة الرب وملائكته على واصل الصفوف. وإسناده حسن. 1669 - ابن خزيمة (3/ 29) جماع أبواب قيام المأمومين خلف الإمام، 74 - باب فضل تليين المناكب في القيام في الصفوف. وإسناده حسن. 1670 - الروض الداني (2/ 180). مجمع الزوائد (2/ 90) وقال الهيثمي: إسناده متصل. ورجاله موثقون.

1671 - * روى أحمد عن عبد الله بن مسعود قال لقد رأيتنا وما تقام الصلاة حتى تكامل بنا الصفوف. 1672 - * روى أبو داود عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلل الصفوف من ناحية إلى ناحية، يمسح صدورنا ومناكبنا، ويقول: لا تختلفوا فتختلف قلوبكم، قال: وكان يقول: "إن الله وملائكته يصلون على الصفوف الأول"، وعند (3) النسائي "الصفوف المقدمة" وفي أخرى (4) لأبي داود قال كهمس [بن الحسن]: "قمنا بمنى إلى الصلاة والإمام لم يخرج، فقعد بعضنا، فقال لي شيخ من أهل الكوفة: ما يقعدك؟ قلت: ابن بريدة، قال: هذا السمود، فقال لي الشيخ: حدثني عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء بن عازب قال: كنا نقوم في الصفوف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلاً قبل أن يكبر، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله وملائكته يصلون على الذين يلون: الصفوف الأول، وما من خطوة أحب إلى الله من خطوة يمشيها العبد، يصل بها صفاً". أقول: (قلت: ابن بريدة): أي إن ابن بريدة هو الذي أقعده بوصفه القيام قبل خروج الإمام بأنه السمود، وقوله: إن الله وملائكته يصلون على الذين يلون الصفوف الأول: الصفوف الأول ههنا: بدل عن الذين يلون، لأن الصفوف الأول مختصة بنوع من الرحمة أكثر من غيرها. ورواية البراء لا تتعارض مع الإنكار على السمود، لأن رواية البراء تفيد أن الإمام

_ 1671 - أحمد (1/ 419). مجمع الزوائد (2/ 90) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. (تكامل): أي تتكامل. 1672 - أبو داود (1/ 178) كتاب الصلاة، 94 - باب تسوية الصفوف. (3) النسائي (2/ 90) 10 - كتاب الإمامة، 25 - كيف يقوم الإمام الصفوف. (4) أبو داود (1/ 149) كتاب الصلاة، 45 - باب في الصلاة تقام ولم يأت الإمام. (السمود): الغفلة والذهاب عن الشيء. وقيل السامد: الرافع رأسه، وقد روي عن علي رضي الله عنه: "أنه خرج والناس ينتظرونه قياماً للصلاة فقال: مالي أراكم سامدين؟ ". وقال النخعي: إنهم كانوا يكرهون أن ينتظروا الإمام قياماً، ويقولون: ذلك السمود.

- الصلاة بين السواري

خارج للناس لكنه مشغول بترتيب الصفوف، والحادثة التي هي محل الإنكار أن يقوم الناس منتظرين الإمام قبل خروجه. 1673 - * روى ابن خزيمة عن البراء بن عازب يحدث، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتينا إذا قمنا إلى الصلاة فيمسح عواتقنا وصدورنا ويقول: "لا تختلف صدوركم فتختلف قلوبكم، إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "زينوا القرآن". قال عبد الرحمن بن عوسجة: كنت نسيت: "زينوا القرآن بأصواتكم"، حتى ذكرنيه الضحاك بن مزاحم. 1674 - * روى البزار عن أبي جحيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سد فرجة في الصف غفر له". 1675 - * روى أبو داود عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم؟ قلنا: وكيف تصف الملائكة عند ربهم؟ قال: يتمون الصفوف المقدمة، ويتراصون في الصف". - الصلاة بين السواري: 1676 - * روى الطبراني عن ابن مسعود قال: لا تصطفوا بين السواري ولا تأتموا بقوم وهم يتحدثون.

_ 1673 - ابن خزيمة (3/ 24) 65 - باب التغليظ في ترك تسوية الصفوف، وإسناده صحيح. 1674 - كشف الأستار (1/ 248) باب فيمن سد فرجة في الصف. مجمع الزوائد (2/ 91) وقال الهيثمي: رواه البزار وإسناده حسن. 1675 - أبو داود (1/ 177، 178) كتاب الصلاة، 94 - باب تسوية الصفوف. النسائي (2/ 92) 10 - كتاب الإمامة، 28 - باب حث الإمام على رص الصفوف والمقاربة بينها وهذا الحديث طرف من حديث أخرجه مسلم بطوله في: مسلم (1/ 322) 4 - كتاب الصلاة، 27 - باب الأمر بالسكون في الصلاة. 1676 - الطبراني في "المعجم الكبير" (9/ 300). مجمع الزوائد (2/ 95) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن.

1677 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود: قال: إنما كرهت الصلاة بين السواري للواحد والاثنين. أقول: قول ابن مسعود: (لا تأتموا بقوم وهم يتحدثون) معناه: أي لا تصلوا وأمامكم قوم يتحدثون، لأن ذلك يشغل المصلي ويزعج المتحدثين ويوافق أن يتوجه المصلي إلى وجوه بعض المتحدثين إذا كانوا متحلقين وكل ذلك مكروه، وفي تقييد ابن مسعود كراهية الصلاة بين السواري للواحد والاثنين فيها فسحة حين يضيق المسجد بالمصلين فيضطرون للصلاة بين السواري. 1678 - * روى الطبراني عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إياكم والفرج يعني في الصلاة". 1679 - * روى الترمذي عن عبد الحميد بن محمود قال: "صلينا خلف أمير من الأمراء، فاضطرنا الناس، فصلينا بين الساريتين، فلما صلينا قال أنس: كنا نتقي هذا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم"، وفي رواية (4) أبي داود قال: "صليت مع أنس بن مالك يوم الجمعة، فدفعنا إلى السواري، فتقدمنا وتأخرنا، فقال أنس ... وذكر الحديث". أقول: مذهب أنس يخالف مذهب ابن مسعود الذي مر معنا، فالصحابة حين ضيق المكان وكثرة المصلين مذهبان في الصلاة بين السواري. قال في (إعلاء السنن 4/ 339): قال العيني في العمدة: إذا كان منفرداً لا بأس في الصلاة بين الساريتين إذا لم يكن في جماعة، وقيد بغير جماعة لأن ذلك يقطع الصفوف، وتسوية الصفوف في الجماعة مطلوبة اهـ (2/ 478). وقال الحافظ في "الفتح": قال المحب

_ 1677 - الطبراني في "المعجم الكبير" (9/ 300). مجمع الزوائد (2/ 95) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن. 1678 - الطبراني في "المعجم الكبير" (11/ 188). مجمع الزوائد (2/ 91) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. 1679 - الترمذي (1/ 443) أبواب الصلاة، 169 - باب ما جاء في كراهية الصف بين السواري. النسائي (2/ 94) 10 - كتاب الإمامة، 33 - الصف بين السواري. (4) أبو داود (1/ 180) كتاب الصلاة، باب الصفوف بين السواري. وهو صحيح.

- النهي عن التأخر عن الصف الأول بلا وجه شرعي

الطبري: كره قوم الصف بين السواري للنهي الوارد عن ذلك، ومحل الكراهة عند عدم الضيق، والحكمة فيه إما لانقطاع الصف أو لأنه موضع النعال اهـ. وقال ابن سيد الناس: والأول أشبه لأن الثاني. محدث وقال ابن العربي: ولا خلاف في جوازه عند الضيق، وأما عند السعة، فهو مكروه للجماعة، وأما الواحد فلا بأس به، وقد صلى صلى الله عليه وسلم في الكعبة بين سواريها اهـ كذا في النيل (3: 235). وذكر في النيل أيضاً أنه رخص في الصف بين السواري أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وابن المنذر قياساً على الإمام، والمنفرد اهـ. والظاهر من كلام العيني المار أنه مكروه عند الحنفية لما فيه من قطع الصف، وقد تقدم أن قطع الصف مكروه عندنا تحريماً، وكرهه أبو حنيفة للإمام أيضاً، كما ذكره في رد المحتار عن معراج الدراية: الأصح ما روي عن أبي حنيفة أنه قال: أكره للإمام أن يقوم بين الساريتين أو زاوية أو ناحية المسجد أو إلى سارية لأنه بخلاف عمل الأمة اهـ (1: 675) ففسد قياس المأموم على الإمام كما عزاه الشوكاني إلى أبي حنيفة، فلم يبق إلا القياس على المنفرد، وهو قياس مع الفارق فافهم. 1680 - * روى ابن خزيمة عن قرة، قال: "كنا ننهى عن الصلاة بين السواري، ونطرد عنها طرداً". - النهي عن التأخر عن الصف الأول بلا وجه شرعي: 1681 - * روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله في النار". 1682 - * روى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في

_ 1680 - ابن خزيمة (3/ 29) جماع أبواب قيام المأمومين خلف الإمام، 75 - باب طرد المصطفين بين السواري عنها. وإسناده حسن. 1681 - أبو داود (1/ 181) كتاب الصلاة، 98 - باب صف النساء وكراهية التأخر عن الصف الأول وله شاهد فهو حسن بشاهده. 1682 - مسلم (1/ 325) 4 - كتاب الصلاة، 28 - باب تسوية الصفوف وإقامتها. أبو داود (1/ 181، 182) كتاب الصلاة، 98 - باب صف النساء وكراهية التأخر عن الصف الأول. النسائي (2/ 83) 10 - كتاب الإمامة، 17 - الائتمام بمن يأتم بالإمام.

أصحابه تأخراً، فقال لهم: "تقدموا فائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله". 1683 - * روى الشيخان عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لتسون صفوفكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم" ولمسلم (2) أيضاً قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا، حتى كأنما يسوي بها القداح، حتى رأى أنا قد عقلنا عنه، ثم خرج يوماً، فقام حتى كاد أن يكبر، فرأى رجلاً بادياً صدره، فقال: "عباد الله، لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم" وأخرج أبو داود (3) أيضاً قال: "أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس بوجهه، فقال: أقيموا صفوفكم- ثلاثاً- والله لتقيمن صفوفكم، أو ليخالفن الله بين قلوبكم، قال: فرأيت الرجل منا يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وركبته بركبته، وكعبه بكعبه" وله في أخرى (4) قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا إذا قمنا للصلاة، فإذا استوينا كبر". قوله "أو ليخالفن الله بين وجوهكم" أي إن لم تسووا والمراد بتسوية الصفوف اعتدال القائمين بها على سمت واحد ويراد بها أيضاً سد الخلل الذي في الصف واختلف في الوعيد المذكور فقيل هو على حقيقته والمراد تشويه الوجه بتحويل خلقه عن موضعه بجعله موضع القفا أو نحو ذلك وفيه من اللطائف وقوع الوعيد من جنس الجناية وهي المخالفة. ومنهم من حمل الوعيد المذكور على المجاز قال النووي معناه يوقع بينكم العداوة والبغضاء واختلاف القلوب كما تقول تغير وجه فلان أي ظهر لي من وجهه كراهة لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفة في ظواهرهم واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن ويؤيده رواية أبي

_ 1683 - البخاري (2/ 207) 10 - كتاب الأذان، 71 - باب تسوية الصفوف عند الإقامة وبعدها. مسلم (1/ 324) 4 - كتاب الصلاة، 28 - باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول. (2) مسلم (1/ 324) 4 - كتاب الصلاة، 28 - باب تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول منها. أبو داود (1/ 178) كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف. الترمذي (1/ 438) أبواب الصلاة، 167 - باب ما جاء في إقامة الصفوف. النسائي (2/ 89) 10 - كتاب الإمامة، 25 - باب كيف يقوم الإمام الصفوف. (3) أبو داود (1/ 178) كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف. (4) أبو داود (1/ 178) كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف.

- حكم الصلاة منفردا خلف الصف

داود بلفظ "أو ليخالفن الله بين قلوبكم" وقال القرطبي معناه تفترقون فيأخذ كل واحد وجهاً غير الذي يأخذه صاحبه لأن تقدم الشخص على غيره مظنة للتكبر المفسد للقلب الداعي إلى القطيعة اهـ انظر (النيل 3/ 23)، (عون المعبود 1/ 350). وقال في "الفتح" في تعليقه على قول البخاري باب إثم من لم يتم الصفوف: ويحتمل أن يكون البخاري أخذ الوجوب من صيغة الأمر في قوله "سووا صفوفكم" ومن عموم قوله "صلوا كما رأيتموني أصلي" ومن ورود الوعيد على تركه، فرجح عنده بهذه القرائن أن إنكار أنس إنما وقع على ترك الواجب وإن كان الإنكار قد يقع على ترك السنن، ومع القول بأن التسوية واجبة فصلاة من خالف ولم يسو صحيحة لاختلاف الجهتين، ويؤيد ذلك أن أنساً مع إنكاره عليهم لم يأمرهم بإعادة الصلاة. وأفرط ابن حزم فجزم بالبطلان، ونازع من ادعى الإجماع على عدم الوجوب بما صح عن عمر أنه ضرب قدم أبي عثمان النهدي لإقامة الصف، وبما صح عن سويد بن غفلة قال "كان بلال يسوي مناكبنا ويضرب أقدامنا في الصلاة" فقال: ما كان عمر وبلال يضربان أحداً على ترك غير الواجب، وفيه نظر، لجواز أنهما كانا يريان التعزير على ترك السنة اهـ (2/ 210). - حكم الصلاة منفرداً خلف الصف: 1684 - * روى أبو داود عن هلال بن يساف قال: "أخذ زياد بن الجعد بيدي ونحن بالرقة، فقام بي على شيخ يقال له: وابصة بن معبد من بني أسد، فقال زياد: حدثني هذا الشيخ وهو يسمع: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف وحده، فأمره أن يعيد الصلاة"، وأخرج أبو داود منه المسند، وفيه "فأمره أن يعيد" قال سليمان بن حرب "الصلاة". 1685 - * روى أحمد عن علي بن شيبان صلينا خلفه يعني النبي صلى الله عليه وسلم، فقضى نبي الله

_ 1684 - أبو داود (1/ 182) كتاب اصلاة، 100 - باب الرجل يصلي وحده خلف الصف. الترمذي (1/ 445) أبواب الصلاة، 170 - باب ما جاء في الصلاة خلف الصف وحده وهو صحيح بطرقه وشواهده. 1685 - أحمد (4/ 23).

صلى الله عليه وسلم الصلاة، فرأى رجلاً فرداً يصلي خلف الصف، فوقف عليه نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى قضى صلاته، ثم قال له: "استقبل صلاتك، فلا صلاة لفرد خلف الصف". أقول: الأمر بإعادة الصلاة لمن صلى وحده جماعة خلف الصفوف، لأن صلاته مكروهة لا باطلة، فالصلاة المكروهة تجب إعادتها قبل خروج الوقت لحديث أبي بكرة السابق، ومن وجد نفسه منفرداً وراء الصفوف فإنه يدخل في الصلاة بتكبيرة الإحرام ثم يشد واحداً من أمامه إليه ليخرج من الانفراد وراء الصف، فإذا لم يفهم من أمامه ولم يأت أحد يصلي معه فقد سقط عنه الحرج. قال في "الإعلاء": وحديث وابصة: محمول على الاستحباب، لأن حديث أبي بكرة المتقدم دل على صحة الصلاة، وعدم وجوب إعادتها. قال الحافظ في الفتح: واستدل الشافعي وغيره بحدييث أبي بكرة على أن الأمر في حديث وابصة للاستحباب لكون أبي بكرة أتى بجزء من الصلاة خلف الصف، ولم يؤمر بالإعادة لكن نهي عن العود إلى ذلك، فكأنه أرشد إلى ما هو الأفضل اهـ. وفيه أيضاً: وجمع أحمد وغيره عن الحديثين بوجه آخر، وهو أن حديث أبي بكرة مخصص لعموم حديث وابصة، فمن ابتدأ الصلاة منفرداً خلف الصف ثم دخل في الصف قبل القيام من الركوع لم تجب عليه الإعادة كما في حديث أبي بكرة، وإلا فيجب على عموم حديث وابصة وعلي بن شيبان اهـ. (الإعلاء 4/ 310). وقال في (4/ 322) هذا وعيد شديد، ومقتضاه في الظاهر وجوب التقدم إلى الصف الأول، كما زعمه بعض الناس ولكن لم يقل به أحد من الأئمة، والمذهب استحباب ذلك، كما في الهندية عن القنية، والقيام في الصف الأول أفضل من الثاني، وفي الثاني أفضل من الثالث اهـ (1: 56). والذي ظهر لي في معنى الحديث أن الوعيد ليس على التأخر من الصف الأول بخصوصه، كما يتبادر من ظاهر لفظه، بل الوعيد على منشأ هذا التأخر الذي هو أمر باطني وهو تقاعد باطن المرء عن السبق إلى الخيرات والمبرات،

_ ابن ماجه (1/ 320) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 54 - باب صلاة الرجل خلف الصف وحده. ابن خزيمة (3/ 30) جماع أبواب قيام المأمومين خلف الإمام، 77 - باب الزجر عن صلاة المأموم خلف الصف وحده. وإسناده صحيح.

واعتياده لذلك حتى يظهر أثره في التأخر عن الصف الأول أيضاً. وفي "الدر المختار": وإن سبق أحد إلى الصف الأول، فدخل رجل أكبر منه سناً أو أهل علم ينبغي أن يتأخر ويقدمه تعظيماً له اهـ قال: فهذا يفيد جواز الإيثار بالقرب بلا كراهة خلافاً للشافعية، وقال في الأشباه: لم أره لأصحابنا أقول: - أي صاحب الإعلاء- وينبغي تقييد المسألة بما إذا عارض تلك القربة ما هو أفضل منها كاحترام أهل العلم، والأشياخ كما أفاده الفرع السابق، أما لو آثر على مكانه في الصف مثلاً من ليس كذلك يكون أعرض عن القربة بلا داع، وهو خلاف المطلوب شرعاً اهـ ملخصاً.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد - يستحب للإمام بعد أن ينتهي من صلاة الفريضة أن يتحول عن مكانه قليلاً إذا أراد أن يتنفل ويستحب للمأمومين كسر الصفوف بعد صلاة الجماعة إذا أرادوا أن يتنفلوا بتقدم على الصف أو بتأخر حتى لا يشتبه الحال على الداخل الجديد بأن القوم ما زالوا في جماعة، ولابن حجر في "فتح الباري" تحقيق ذكر فيه بعض الأدلة على هذا الذي ذكرناه ومن كلامه: روى ابن أبي شيبة بإسناد حسن عن علي قال: من السنة أن لا يتطوع الإمام حتى يتحول من مكانه، وحكى ابن قدامة في "المغني" عن أحمد أنه كره ذلك، وقال: لا أعرفه عن غير علي، فكأنه لم يثبت عنده حديث أبي هريرة ولا المغيرة، وكأن المعني في كراهة ذلك خشية التباس النافلة بالفريضة، وفي مسلم عن السائب بن يزيد أنه صلى مع معاوية الجمعة فتنفل بعدها، فقال له معاوية: إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تتكلم أو تخرج، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك، ففي هذا إرشاد إلى طريق الأمن من الالتباس، وعليه تحمل الأحاديث المذكورة، ويؤخذ من مجموع الأدلة أن للإمام أحوالاً، لأن الصلاة إما أن تكون مما يتطوع بعدها، أو لا يتطوع، الأول اختلف، هل يتشاغل قبل التطوع بالذكر المأثور ثم يتطوع، وهذا الذي عليه عمل الأكثر، وعند الحنفية: يبدأ بالتطوع، وحجة الجمهور حديث معاوية، ويمكن أن يقال: لا يتعين الفصل بين الفريضة والذكر، بل إذا تنحى من مكانه كفى، فإن قيل: لم يثبت الحديث في التنحي، قلنا: قد ثبت في حديث معاوية: "أو تخرج" ويترجح تقديم الذكر المأثور بتقييده في الأخبار الصحيحة بدبر الصلاة. - من أقوال الحنفية في أحكام الجماعة: صلاة الجماعة سنة للرجال الأحرار بلا عذر، وصح اقتداء قائم بقاعد يركع إيماءً ويسجد، ولا يصح الاقتداء بمومئ لا يسجد، وصح اقتداء متوضئ بمتيمم وغاسل بماسح ومومئ بمثله ومتنفل بمفترض ولا يصح اقتداء مفترض بمتنفل. - قال الحنفية: يسقط حضور الجماعة بواحد من ثمانية عشر شيئاً: مطر وبرد وخوف وظلمة وحبس وعمى وفلج وقطع يد ورجل وسقام وإقعاد ووجل وزمانة وشيخوخة

وتكرار فقه- أي اشتغال لعلوم شرعية ولو لم تكن مفروضة فرض عين- وحضور طعام تتوقه نفسه وإرادة سفر وقيامه بمريض وشدة ريح ليلاً لا نهاراً وإذا انقطع عن الجماعة بعذر من أعذارها المبيحة للتخلف يحصل له ثوابها. ومثل الفقه عندهم العلوم الشرعية في إسقاطه الجماعة وطلاب العلوم الكفائية ولو كانت دنيوية يحاولون أن يصلوا جماعة بعد خروجهم من مدارسهم أو صفوفهم ما أمكنهم ذلك وإلا جازت صلاتهم بلا إثم لأن صلاة الجماعة سنة عند الحنفية. - إذا سلم الإمام قبل فراغ المقتدي من التشهد يتمه ثم يسلم. - من أبحاث الفقهاء أثناء الكلام عن الجماعة بحث الاستخلاف وهو أن ينيب الإمام غيره من المقتدين إن كان صالحاً للإمامة لإتمام الصلاة بدل الإمام فيصير الثاني إماماً ويخرج الأول عن الإمامة ويصبح في حكم المقتدي بالثاني، وعند الحنفية يجوز الاستخلاف إن سبق الإمام حدث واستئناف الصلاة في حق جميع المصلين أفضل خروجاً من الخلاف لمن منعه. وشرط صحة الاستخلاف سبق حدث اضطراري لا اختيار للإمام فيه ولا في سببه، ومنه الحدث من نحو عطاس أو عجز عن قراءة قدر المفروض ولا يصح الاستخلاف في كل حالة تفسد بها صلاة القوم بسبب فساد صلاة الإمام كانكشاف عورة الإمام في صلاة بقدر ركن. ومن دخل في الصلاة ثم تبين له أنه في الأصل كان محدثاً فلا صلاة له وبطلت صلاته وصلاة من خلفه، نص على ذلك الحنفية وغيرهم. والأعذار التي تبيح الاستخلاف عند المالكية ثلاثة. 1 - الخوف على مال له أو لغيره أو خاف على نفسه من التلف. 2 - أن يطرأ على الإمام ما يمنعه من الإمامة كالعجز عن ركن أو حصول رعاف مانع للإمام أو تذكره لنجاسة على جسمه أو ثوبه. 3 - أن يطرأ على الإمام ما يبطل الصلاة من بول أو ريح أو يتذكر أنه كان محدثاً قبل الصلاة.

وقال الشافعية في المذهب الجديد: يجوز الاستخلاف للإمام إذا أصابه حدث أو رعاف. وعند الشافعية يجوز للمصلين أنفسهم أن يستخلفوا إذا لم يستخلف الإمام. وقال الحنابلة يجوز الاستخلاف لخوف ومرض شديد وعجز عن ركن قولي أو واجب قولي ولا يجوز الاستخلاف لسبق الحدث للإمام لأن صلاته تبطل به ويلزمه الاستئناف. ويحمل كثير من الفقهاء ما فعله أبو بكر حين تراجع عن الإمامة واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه فعل ذلك لأنه دخل في حالة لا يستطيع معها القيام بأقوال الصلاة وأفعالها إجلالاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهيبته له. والفقهاء متفقون على أن الإمام إذا أراد الاستخلاف والانسحاب يمسك بأنفه مشعراً إياهم بأنه قد رعف لرفع الحرج عنه، كما أن الجمهور يرون أني ستأنف الإمام والمأموم الصلاة إذا طرأ طارئ بسبب كثرة الشروط التي يحتاج إليها الاستخلاف وبناء الإمام الأول على صلاته الأولى وكذلك من أصابه حدث سماوي فإنه وإن أجاز له بعض الفقهاء أن يذهب ويتوضأ ويبني على صلاته الأولى فالأفضل في حقه الاستئناف لكثرة الشروط التي ينبغي مراعاتها. وموضوع جواز البناء على الصلاة بسبب عذر طارئ في استخلاف الإمام موضوع دقيق يحتاج فيه صاحب كل مذهب أن يدرسه في كتب الفقه الموسعة في مذهبه لإدراك حيثياته الدقيقة، وإنما أشرنا إليه ههنا كي لا يخلو الكتاب من بحث مهم اعتاد الفقهاء أن يتوسعوا فيه بمناسبة الكلام عن الجمعة والجماعة. وإليك ما ذكره الحنفية في هذا الموضوع منقولاً من كتاب الفقه الإسلامي وأدلته: ويشترط لصحة الاستخلاف عند الحنفية شروط ثلاثة: أولها- توافر شروط البناء على الصلاة السابقة؛ لأن الاستخلاف في الحقيقة بناء من الخليفة على ما صلاه الإمام، وهي ثلاثة عشر شرطاً: كون الحدث قهرياً، من بدنه لا من نجاسة غيره، وكونه غير موجب للغسل كإنزال بتفكر، وغير نادر كالإغماء والجنون والقهقهة، وألا يؤدي ركناً مع الحدث، أو يمشي، ولم

يفعل منافياً عمداً كأن يحدث باختياره، ولا ما لحاجة له به كالذهاب لماء بعيد مع وجود القريب، وألا يتراخى قدر ركن بغير عذر كزحمة، وألا يتبين أنه كان محدثاً سابقاً قبل الدخول في الصلاة، وألا يتذكر فائتة إن كان صاحب ترتيب مطلوب منه (بأن خرج وقت الصلاة السادسة بعد الفائتة) لأنه تفسد الصلاة الوقتية التي يصليها بذلك السبب، والا يتم المؤتم في غير مكانه، فمن سبقه الحدث إماماً أو مأموماً وجب عليه أن يعود بعد الوضوء ليصلي مع الإمام إذا لم يكن قد فرغ إمامه من صلاته، فلو أتم في مكانه فسدت صلاته، أما المنفرد فله أن يتم في مكانه أو غيره، وألا يستخلف الإمام غير صالح للإمامة كصبي وامرأة وأمي، فإذا استخلف أحدهم فسدت صلاته وصلاة القوم. ثانيها- ألا يخرج الإمام من المسجد أو المصلى العام في الصحراء، أو الدار التي كان يصلي فيها قبل الاستخلاف، لأنه على إمامته ما لم يجاوز هذا الحد، فإن خرج بطلت الصلاة أي صلاة القوم والخليفة دون الإمام في الأصح، ما لم يتقدم أحد المصلين بنفسه ناوياً الإمامة ... ثالثها- ألا يجاوز الصفوف قبل الاستخلاف إن ذهب يمنة أو يسرة، وألا يجاوز السترة قدامه، أو موضع السجود إن لم تكن له سترة على المعتمد، إن كان يصلي في الصحراء. وإذا لم يحصل استخلاف، واتم القوم الصلاة فرادى، بطلت صلاة الجميع اهـ (انظر: (حاشية ابن عابدين 1/ 403)، (الشرح الصغير 1/ 465 - 472)، (المهذب 1/ 96)، (المغني 2/ 102)، (الفقه الإسلامي 2/ 252 فما بعدها). - لابد عند الحنفية لصحة صلاة المرأة وراء الإمام أن ينوي الإمام إمامتها، أما إذا لم يكن من ورائه نساء فإن نوى الإمامة كان مأجوراً وإن لم ينو الإمامة صح الاقتداء به، أما المأموم فلابد أن ينوي الاقتداء. - إذا كان ارتفاع الإمام عن المأمومين يسيراً فلا كراهة فيه عند المالكية والحنابلة، أما إذا كان الارتفاع كثيراً فالمذاهب الأربعة على كراهة الارتفاع وقال الشافعية: إذا كان ذلك لضرورة أو بقصد التعليم فلا كراهة.

اتفقت المذاهب الأربعة على إجازة الفتح على الإمام إذا أرتج عليه. - قال المالكية: إذا قال الإمام (ولا الضالين) فإن المأمومين يؤمنون ولا يؤمن الإمام وجمهور العلماء على أن الإمام يؤمن كما يؤمن المأموم. - في القراءة وراء الإمام ثلاثة مذاهب: مذهب الحنفية أنه لا يقرأ المأموم معه شيئاً. ومذهب الشافعية يقرأ المأموم فيما أسر الإمام الفاتحة وغيرها وفيما جهر يقرأ الفاتحة فقط. ومذهب المالكية والحنابلة أن المأموم يقرأ مع الإمام فيما أسر به ولا يقرأ فيما جهر به، وزاد الحنابلة: إن للمأموم أن يقرأ وراء الإمام في الجهرية إذا لم يكن يسمع صوت الإمام. - قال الحنفية: يتحمل الإمام سهو المأموم إلا إذا سها عن فريضة، فقد اتفق الفقهاء جميعاً على أن الإمام لا يحمل عن المأموم ما كان من فرائض الصلاة إلا أن هناك خلافاً بين الفقهاء حول ما هو فريضة في الصلاة. - قال الحنفية: إن دخل الإمام بالصلاة وهو محدث فإن صلاته باطلة وصلاة من وراءه باطلة، وإذا تذكر بعد انتهاء الصلاة يجب عليه أن يعلم المأمومين ليعيدوا صلاتهم، وإذا تذكر أثناء الصلاة أعلن عن بطلان الصلاة وقدم المأمومون غيره وبدأوا الصلاة من جديد، وإذا تذكر بعد ما انفض الناس فعليه أن يعلم من صلى وراءه قدر الإمكان ليعيدوا صلاتهم، أما إذا طرأ مفسد على صلاة الإمام وجاز له أن يتوضأ ويبني على صلاته فله أن يستخلف كما مر معنا ولا تبطل صلاة المأمومين، وقال المالكية: إذا صلى الإمام بجنابة أو على غير وضوء بطلت صلاته في العمد والنسيان وتبطل صلاة المأموم في العمد دون النسيان، ولا تبطل صلاة المأموم عند الشافعية في كل الأحوال إلا إذا صلى وراء امرأة أو كافر، وقال الحنابلة: كما قال الشافعية بالنسبة للصلاة وراء المرأة أو الكافر، وعند الحنابلة: إذا قضى الإمام والمأمومون الصلاة وكان الجميع يجهلون حدث الإمام أو نجاسة ثوبه

وبدنه ثم تذكر الإمام أو علم المأمومون فصلاتهم جائزة وصلاته باطلة، أما إذا صلى إنسان يحدث أو نجس إماماً وهو يعلم ذلك وعلم من وراءه بحاله فصلاته باطلة وصلاتهم كذلك باطلة، وقد أكفر بعض الحنفية من صلى محدثاً وهو يعلم.

الفصل الثالث في: صلاة الجمعة وما يتعلق بها

الفصل الثالث في: صلاة الجمعة وما يتعلق بها وفيه: عرض إجمالي وفقرات ومسائل وفوائد الفقرة الأولى: في فضل يوم الجمعة وفي بعض خصائصه. الفقرة الثانية: في وجوب صلاة الجمعة على المكلفين بها إلا لعذر وفي الترهيب من تركها وفي بعض آدابها. الفقرة الثالثة: وقت الجمعة ونداؤها وخطبتها وآدابها. الفقرة الرابعة: راتبة الجمعة.

العرض الإجمالي

العرض الإجمالي قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} (1). فصلاة الجمعة فرض عين على المكلفين بها، يكفر جاحدها لثبوتها بالدليل القطعي فهي ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع وهي أفضل الصلوات، كما أنها فرض مستقل بالنسبة للمكلف بها، فليست بدلاً عن الظهر في حقه، وكما أن الجمعة فريضة في حق المكلفين بها فإن السعي إليها فريضة لأنه الوسيلة لتحقيق هذه الفريضة ويبدأ وجوب السعي إليها عند الجمهور بالأذان الذي يكون بين يدي الخطيب، وعند الحنفية بالأذان الأول عند الزوال، إلا إذا كان بعيد الدار عن المسجد فيجب عليه السعي بقدر ما يدرك الفريضة، والتبكير إليها فضيلة. وفي يوم الجمعة ساعة يستجاب الدعاء فيها وقد ذهب بعضهم إلى أنها بعد عصر يوم الجمعة وذهب آخرون إلى أنها عند جلوس الإمام للخطبة إلى نهاية الصلاة. قال الحنفية: ومن سعى يريد الجمعة وقضاء حوائجه وكان معظم مقصوده الجمعة نال ثواب السعي إليها ومتى وجب السعي إليها- بالأذان الأول عند الحنفية وبالأذان الثاني عند الجمهور- فقد حرم البيع وغيره من العقود وسائر الصنائع والأعمال وإذا وقع البيع وقت النداء فقد قال الحنفية البيع صحيح مكروه تحريماً وقال الشافعية البيع صحيح حرام. وتجب الجمعة على البالغ العاقل الحر الذكر المقيم غير المسافر الخالي من الأعذار التي تسقط وجوب الجمعة والذي يكون في مكان قريب من المكان الذي تصلي به الجمعة بحيث يسمع النداء، لكن إن حضر من لم تجب عليه الجمعة إليها وصلى مع الناس أجزأه ذلك عن فرض الوقت. ويجوز عند الحنفية والمالكية للمكلف بالجمعة السفر يوم الجمعة بعد الفجر. وقبل الزوال على أن يكون خارج عمران المصر قبل دخول وقت الظهر والصحيح من مذهب الحنفية: أنه يكره السفر بعد الزوال قبل أن يصلي الجمعة ولا يكره قبل الزوال، وقال الشافعية

_ (1) الجمعة: من 9.

والحنابلة: يحرم على من تجب عليه الجمعة السفر قبل الزوال وبعده إلا إذا أمكنه أن يصلي الجمعة في طريقه أو يتضرر بتخلفه عن الرفقة أو كان السفر واجباً كالسفر لحج ضاق وقته وخاف فوته. وتسقط الجمعة عمن حضر العيد إلا الإمام عند الحنابلة. وللجمعة ركنان: الصلاة والخطبة، والصلاة ركعتان بقراءة جهرية إجماعاً، والخطبة فرض وهي خطبتان قبل الصلاة وهي شرط في صحة الجمعة على الأصح. ويشترط لصحة الجمعة: أن تؤدى في وقت الظهر وخالف الحنابلة في هذا الشرط فأجازوا أداءها قبل الزوال. ومن شروط صحة الجمعة: البلد أي كونها في مصر جامع وتعريفه عند الحنفية: هو كل موضع له أمير وقاض أو هو ما لا يسع أكبر مساجدها أهلها المكلفين بالجمعة. ومن شروط صحة الجمعة: الجماعة وأقلهم عند أبي حنيفة ومحمد في الأصح ثلاثة رجال سوى الإمام ولو كانوا مسافرين أو مرضى، وقال المالكية: لابد من حضور اثني عشر رجلاً للصلاة والخطبة على الأقل على أن يكونوا من أهل البلد وأن يستمروا مع الإمام من أول الخطبة حتى السلام من صلاتها وقال الشافعية والحنابلة: أقل عدد تجوز به صلاة الجمعة أربعون بالإمام على أن يكونوا من أهل القرية المكلفين الأحرار الذكور المستوطنين المستمرين في الإقامة. ومن شروط صحة الجمعة عند الحنفية: أن يأذن الإمام أو نائبه أو من له حكم الإمام بصلاة الجمعة وأن يكون هناك إذن عام يستطيع به كل من أراد صلاة الجمعة أن يدخل إلى الجامع ولم يشترط غير الحنفية هذين الشرطين، واشترط المالكية لصحة الجمعة أن تكون في مسجد جامع يجمع فيه على الدوام فلا تصح في البيوت ولا في رحبة دار ولا في خان ولا في ساحة من الأرض، كما اشترطوا أن تصلى بإمام مقيم وأن يكون هو الخطيب إلا لعذر يبيح الاستخلاف وتصح الجمعة عندهم في رحال المسجد، واشترط الشافعية لصحة الجمعة: عدم تعدد الجمع في المكان الواحد إلا إذا كان التعدد لحاجة، فإذا كان التعدد لحاجة سن عندهم صلاة الظهر احتياطاً، والفتوى عند الحنفية أنه يجوز تعدد الجمعة في العصر الواحد رفعاً للحرج.

ومن شروط صحة الجمعة الخطبة قبلها وهي خطبتان قبل الصلاة اتفاقاً. ويدرك صلاة الجمعة من أدرك الإمام يوم الجمعة في أي جزء من صلاته، فيصلي معه ما أدرك ويكمل الجمعة عند أبي حنيفة وأبي يوسف وقال الجمهور: من أدرك الركعة الثانية مع الإمام أدرك الجمعة وأتمها جمعة وإن لم يدرك الركعة الثانية أتمها ظهراً. والترقية بين يدي الخطيب من مثل قراءة الفاتحة بعد أن يصعد الخطيب إلى المنبر مكروهة تحريماً عند أبي حنيفة وجائزة عند الصاحبين وبدعة حسنة عند الشافعية. ومن سنن الجمعة: الاغتسال والتطيب ولبس أحسن الثياب لمن يأتي الجمعة، والتبكير للجمعة ماشياً بسكينة ووقار والاقتراب من الإمام والاشتغال في طريقه بتلاوة أو ذكر، ومن سنن الجمعة تقليم الأظافر والشارب ونتف الإبط وحلق العانة وإزالة الرائحة الكريهة من الفم بالسواك وغيره وكذلك إزالة مواطن الرائحة الكريهة من الجسم، ويسن للإمام أن يزيد في حسن الهيئة والعمة والارتداء. ومن سنن الجمعة: قراءة سورة الكهف يوم الجمعة أو ليلتها والإكثار من الدعاء يومها وليلتها والإكثار من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم يومها وليلتها ويسن للإمام أن يقرأ بعد الفاتحة في الركعة الأولى سورة الجمعة وفي الثانية سورة المنافقون، أو سبح اسم ربك الأعلى في الأولى وهل أتاك حديث الغاشية في الثانية. وتسن قراءة ألم السجدة وهل أتى على الإنسان في صلاة صبح الجمعة، ولا تستحب المداومة عليهما خشية أن يظن افتراضهما ويسن صلاة أربع ركعات قبل الجمعة وأربع بعدها وأقل السنة بعد الجمعة ركعتان، وقال الحنفية: إذا دخل الإنسان المسجد فوجد الإمام قد خرج إلى مكان الخطبة فإنه يجلس ولا يصلي شيئاً وأجاز بعض العلماء أن يصلي الداخل ركعتين خفيفتين ولو خرج الإمام للخطبة، وتتأكد تلاوة أذكار الصلاة بعد الجمعة ويستحب لمن نعس يوم الجمعة أن يتحول عن موضعه. قال الحنفية: يكره تحريماً صلاة الظهر يوم الجمعة بجماعة في مكان إقامة الجمعة، وهو المصر للسجناء والمعذورين وقال الجمهور غير الحنفية: يجوز لمن فاتتهم الجمعة لعذر أو لمن لا تجب

عليهم أن يصلوها ظهراً في جماعة، ولا يجوز لأحد أن يقيم إنساناً من مكانه ويجلس فيه لأن من سبق إلى مكان فهو أحق به وإذا وجد مكاناً مفروشاً خاصاً فليس لغير صاحبه عند الحنابلة أن يرفعه لما فيه من الافتيات على صاحبه وذلك ما لم تحضر الصلاة ويبقى صاحب المكان غائباً فلغيره حينئذ رفعه والصلاة مكانه، ومن كلام المالكية: يكره ترك العمل يوم الجمعة لأجله ويحرم السلام من داخل أو جالس على أحد ويحرم رد السلام ولو بالإشارة وتشميت عاطس والرد عليه ونهي لاغ أو إشارة له بأن ينكف عن اللغو متى خرج الخطيب للخطبة وقال الحنفية والشافعية والحنابلة: إذا كثر الزحام جاز سجود الإنسان على ظهر إنسان أمامه أو قدمه وقال المالكية: لا يجوز ذلك ولا تصح به الصلاة. ومن مفسدات الجمعة خروج وقت الظهر أثناء الصلاة عند الجمهور وقال المالكية: لا تفسد وكذلك الفتوى عند الصاحبين وقال الحنفية: من صلى الظهر في منزله يوم الجمعة قبل صلاة الإمام ولا عذر له حرم ذلك وجازت صلاته فإن بدا له أن يتوجه إلى الجمعة فبمجرد سعيه إليها ما دامت لم تقم بعد بطلت صلاة الظهر وصارت نفلاً وإن لم يدركها، وهذا مذهب أبي حنيفة وقال الصاحبان: لا تبطل حتى يدخل مع الإمام، والجمهور على أن صلاة الظهر قبل الجمعة لا تصح وتجب عليه الجمعة والسعي إليها، فإن كانت صلاة الجمعة قد انقضت يصلي الظهر ويجزئه ذلك على عصيانه وأكثر أهل العلم قالوا: إن من لا تجب عليه الجمعة كالمسافر والعبد والمرأة، له أن يصلي الظهر قبل صلاة الإمام يوم الجمعة وإذا خرج وقت الظهر يوم الجمعة ولم تصل الجمعة أو ضاق وقتها عن أدائها صلى أصحاب ذلك الظهر قضاء، وإذا لم يتوافر شرط من شرائط صحة الجمعة صلى الناس الظهر بدلاً عنها. وقد رأينا أن الخطبة قبل الصلاة ركن من أركان الجمعة وشرط من شروط صحتها وهي خطبتان قبل الصلاة اتفاقاً، بينهما جلسة خفيفة، قال الحنفية: وتكون الخطبتان بعد الزوال قبل الصلاة وتكون خفيفتين بقدر سورة من طوال المفصل يفصل بينهما بقعدة قدر قراءة ثلاث آيات ويخطب قائماً مستقبل الناس، ولو اختصر الخطيب على تحميدة أو تهليلة أو تسبيحة جاز عند أبي حنيفة مع الكراهة وقال الصاحبان: لابد من ذكر طويل يسمى خطبة أقله قدر التشهد ويشترط ألاي فصل فاصل كثير أجنبي بين الخطبة والصلاة كطعام

مثلاً، ولا يشترط اتحاد الإمام والخطيب ولكن لا يصلي غير الخطيب إلا لعذر وأجازوا الخطبة بغير العربية، وكمال كل من الخطبتين أن يتعوذ سراً ثم يجهر بحمد الله ويثني عليه ويأتي بالشهادتين والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يذكر ويعظ، ويندب في الخطبة الثانية ذكر الخلفاء الراشدين والعمين حمزة والعباس وذكر الحسن والحسين وذكر الصحابة بالخير إظهاراً لعقائد أهل السنة والجماعة، ومن شروط صحة الخطبة عند المالكية: أن تكون داخل المسجد فلو خطبهما خارجه لم يصحا، وللخطبة عند الشافعية خمسة أركان: حمد الله تعالى والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والوصية بالتقوى وتجب هذه الثلاثة في كل من الخطبتين وقراءة آية مفهمة في إحدى الخطبتين والدعاء للمؤمنين والمؤمنات بأمر أخروي في الخطبة الأخيرة، واشترط الكثير من الفقهاء أن تكون الخطبة بالعربية، ومن سنن الخطبة كونها على منبر وأن يكون المنبر على يمين المحراب فإن لم يتيسر المنبر فعلى موضع مرتفع والجلوس على المنبر قبل الشروع في الخطبة واستقبال القوم بوجهه دون الالتفات يميناً وشمالاً سنة بالاتفاق ولا يسن للخطيب أن يسلم على القوم عند الحنفية ويسن له ذلك عند الشافعية والحنابلة إذا صعد المنبر وواجه الناس قبل الجلوس، أما المالكية فقد قالوا يسلم حال خروجه للخطبة ومن السنة أن يؤذن مؤذن واحد بين يدي الخطيب إذا جلس على المنبر وقال الشافعية يسن أن يختم الخطبة الثانية بقوله: أستغفر الله لي ولكم ويسن أن يرفع صوته في الخطبة لإسماع الناس وأن يعتمد الخطيب بيساره على شيء أثناء الخطبة وأن يقصر الخطبتين وأن تكون الثانية أقصر من الأولى ويسن أن تكون الخطبة بليغة مفهومة واعظة وأن يكون الخطيب عاملاً بما يدعو إليه ويجب الإنصات من حين يأخذ الإمام في الخطبة عند المالكية والحنابلة وبمجرد صعود الإمام المنبر عند الحنفية ويحرم الكلام عند المالكية والحنابلة من غير الخطيب وقال الشافعية: إن الإنصات أثناء الخطبة سنة، وذكر الشافعية والحنابلة أنه يجوز أثناء الخطبة إنذار أعمى من الوقوع في خطر كما ذكروا أنه تستحب تحية المسجد للداخل بركعتين خفيفتين، وأجازوا تشميت العاطس، وأجازوا رد السلام وإن كان البدء به للداخل مكروهاً وأجازوا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند سماع ذكره ولا يحرم الكلام على الخطيب ولا على من سأله الخطيب ويسن عند الشافعية أن يبادر الخطيب بالنزول عن المنبر ليبلغ المحراب مع فراغ المؤذن من الإقامة،

ويستحب للخطيب أن يصعد المنبر على تؤدة وأن يسرع في النزول من غير عجلة. ومن مكروهات الخطبة: تطويلها ويكره باتفاق العلماء تخطي الرقاب أثناء الخطبة لغير الإمام ولغير فرجة، وأجاز المالكية المشي بين الصفوف ولو حال الخطبة لأنه ليس من التخطي، ومن مكروهات الخطبة أن يشير الخطيب بيده أو غيرها وأن يدق درج المنبر ويكره الاحتباء للحاضرين في الخطبة ولا ينبغي للسامع ولا للإمام تغميض عينيه من غير حاجة حال الخطبة ومن المكروه عند الحنابلة استدبار الخطيب القوم أثناء الخطبة من أجل الدعاء ورفع يديه لدعاء الخطبة ووافقهم على ذلك المالكية والشافعية، وأجاز الحنابلة الاحتباء مع ستر العورة، ويكره عند الحنابلة والشافعية التشبك في المساجد ومن حين يخرج المصلي من بيته قاصداً المسجد، ويكره العبث حال الخطبة كما يكره الشرب ما لم يشتد عطشه ويكره عند الحنفية والحنابلة وغيرهم التخطي للسؤال بكل حال وأجاز بعض الفقهاء السؤال والإعطاء إن كان السائل لا يمر بين يدي المصلي ولا يتخطى الرقاب ولا يسأل إلحافاً ولا يتصدق على سائل وقت الخطبة وأجاز الحنابلة الصدقة حال الخطبة على من يسأل وعلى من سألها الإمام له والصدقة على دار المسجد عند الدخول والخروج لا حرج فيهما (1). ...

_ (1) انظر رد المحتار على الدر المختار 1/ 535 فما بعدها والشرح الصغير 1/ 493 - 516 والمهذب 1/ 109 - 118 والمغني 2/ 295 فما بعدها والفقه الإسلامي 2/ 259 فما بعدها والفقه على المذاهب الأربعة 1/ 374 - 402.

الفقرة الأولى: في فضل يوم الجمعة وفي بعض خصائصه

الفقرة الأولى: في فضل يوم الجمعة وفي بعض خصائصه 1686 - * روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إن أول جمعة جمعت- بعد جمعة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم- في مسجد عبد القيس بجواثا من البحرين" وفي رواية (2) أبي داود: أن أول جمعة في الإسلام- بعد جمعة جمعت في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة- لجمعة جمعت بجواثا من قرى البحرين. قال عثمان: -[وهو ابن أبي شيبة]- "قرية من قرى عبد القيس". أقول: هي قرية لم تزل آثارها باقية بجانب مدينة الهفوف في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية وكانت البحرين قديماً تطلق على ما يسمى الآن بالمنطقة الشرقية والإمارات العربية وجزيرة البحرين وقطر والكويت تقريباً. 1687 - * روى ابن خزيمة عن ابن كعب بن مالك قال: كنت قائد أبي كعب بن مالك حين ذهب بصره، وكنت إذا خرجت به إلى الجمعة، فسمع الأذان بها صلى على أبي أمامة أسعد بن زرارة. قال: فمكث حيناً على ذلك لا يسمع الأذان للجمعة إلا صلى عليه واستغفر له، فقلت في نفسي: والله إن هذا لعجز بي حيث لا أسأله، ماله إذا سمع الأذان بالجمعة صلى على أبي أمامة أسعد بن زرارة؟ قال: فخرجت به يوم الجمعة كما كنت أخرج به، فلما سمع الأذان بالجمعة صلى على أبي أمامة واستغفر له، فقلت له، يا أبت مالك إذا سمعت الأذان بالجمعة صليت على أبي أمامة؟ قال: أي بني كان أول من جمع بالمدينة في هزم بني بياضة، يقال له نقيع الخضمات. قلت: وكم أنتم يومئذ؟ قال: أربعون رجلاً. هذا حديث سلمة بن الفضل.

_ 1686 - البخاري (2/ 379) 11 - كتاب الجمعة، 11 - باب الجمعة في القرى والمدن. (1) أبو داود (1/ 280) كتاب الصلاة، 215 - باب الجمعة في القرى. 1687 - ابن خزيمة (3/ 112، 113) كتاب الجمعة، 4 - باب ذكر أول جمعة بمدنية النبي صلى الله عليه وسلم ... إلخ وإسناده حسن. (هرم بني بياضة): موضع بالمدينة. (نقيع الخضمات): موضع بنواحي المدينة.

- الإكثار من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة وما فيه من عظائم الأمور

- الإكثار من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة وما فيه من عظائم الأمور: 1688 - * روى أحمد عن أوس بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي"، فقالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ - قال: يقولون: بليت- قال: "إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء". قال الشيخ أحمد البنا: الحديث يدل على أن يوم الجمعة له فضل كبير عند الله عز وجل ومزايا عظمى، بل تدل بظاهرها على أنه أفضل الأيام، وبه جزم ابن العربي، ويشكل على ذلك ما رواه ابن حبان في صحيحه من حديث عبد الله بن قرط أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "أفضل الأيام عند الله يوم النحر" وما رواه ابن حبان أيضاً في صحيحه عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من يوم أفضل عند الله تعالى من يوم عرفة" وقد جمع العراقي فقال: المراد بتفضيل الجمعة بالنسبة إلى أيام الأسبوع وتفضيل يوم عرفة أو يوم النحر بالنسبة إلى أيام السنة، وصرح بأن حديث أفضلية يوم الجمعة أصح. وفي الحديث دليل على أن آدم عليه وعلى سائر الأنبياء الصلاة والسلام خلق في يوم الجمعة، وفيه دخل الجنة، وفيه أهبط منها، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة، وفيه تبعث الخلائق بعد الموت (قال القاضي عياض) الظاهر أن هذه الفضائل المعدودة ليست لذكر فضيلته، وإنما هو بيان لما وقع فيه من الأمور العظام وما سيقع ليتأهب العبد فيه بالأعمال الصالحة لنيل رحمة الله ودفع نقمته، وهذا كلام القاضي عياض رحمه الله (وقال أبو بكر بن العربي) في

_ 1688 - أحمد (4/ 8). أبو داود (1/ 275) كتاب الصلاة، 206 - باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة. النسائي (3/ 91، 92) 14 - كتاب الجمعة، 5 - باب إكثار الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، وإسناده صحيح. (الصعقة): الغشي والموت. (أرم الميت): ورم: إذا بلى، والرمة: العظم البالي.

كتابه الأحوذي في شرح الترمذي الجميع من الفضائل، وفي هذا الحديث فضيلة يوم الجمعة ومزيته على سائر الأيام. اهـ. وفيه استحباب الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة بل وفي ليلتها كما جاء في بعض الأحاديث وأنها تعرض عليه صلى الله عليه وسلم والأحاديث في ذلك كثيرة مشهورة (منها) ما رواه الإمام الشافعي في مسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان يوم الجمعة وليلة الجمعة فأكثروا الصلاة علي" [وهو حديث حسن] (ومنها) عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة فإنه مشهود تشهده الملائكة، وإن أحداً لن يصلي علي إلا عرضت علي صلاته حتى يفرغ منها"، قال: قلت: وبعد الموت، قال: "إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام" رواه ابن ماجه بسند جيد (وعن ابن مسعود) رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام" رواه النسائي وابن حبان في صحيحه [وهو صحيح]، وكذلك رواه الإمام أحمد. وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله تبارك وتعالى ملكاً أعطاه أسماء الخلائق فهو قائم على قبري إذا مت فليس أحد يصلي علي صلاة إلا قال: يا محمد صلى عليك فلان بن فلان: قال فيصلي الرب تبارك وتعالى على ذلك الرجل بكل واحدة عشر، [رواه الطبراني وابن حبان وهو صحيح] وغير ذلك كثير "وقد ذكر الحافظ ابن القيم" رحمه الله تعالى في كتابه زاد المعاد [نحو ذلك] ... (وفيها) أن النبي صلى الله عليه وسلم حي في قبره وأن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء والأحاديث في ذلك كثيرة قال الشوكاني وقد ذهب جماعة من المحققين إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حي بعد وفاته وانه يسر بطاعات أمته؛ وأن الأنبياء لا يبلون مع أن مطلق الإدراك كالعلم والسماع ثابت لسائر الموتى، وورد النص في كتاب الله في حق الشهداء أنهم أحياء يرزقون، وأن الحياة فيهم متعلقة بالجسد، فكيف بالأنبياء والمرسلين، وقد ثبت في الحديث أن الأنبياء أحياء في قبورهم وصححه البيهقي، وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مررت بموسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره". الفتح الرباني 6/ 10 - 12.

ساعة الإجابة يوم الجمعة

1689 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها" زاد في رواية (1) "ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة". ساعة الإجابة يوم الجمعة: 1690 - * روى الترمذي عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف رحمه الله عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن في الجمعة ساعة لا يسأل الله العبد فيها شيئاً إلا آتاه الله إياه"، قالوا: يا رسول الله، أية ساعة هي؟ قال: "حين تقام الصلاة إلى الانصراف منها". 1691 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة، فقال: "فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إليه، وأشار بيده- "يقللها". وفي رواية (2): قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: "إن في يوم الجمعة ساعة ... " وذكر نحوه- وقال بيده، قلنا: يقللها يزهدها؟. وفي أخرى (3) نحوه، وفي آخره: وقال بيده، ووضع أنملته على بطن الوسطى والخنصر- قلنا: يزهدها؟.

_ 1689 - مسلم (2/ 585) 7 - كتاب الجمعة، 5 - باب فضل يوم الجمعة. (1) مسلم، نفس الموضع السابق. الترمذي (2/ 359) أبواب الصلاة، أبواب الجمعة، 353 - باب ما جاء في فضل يوم الجمعة. النسائي (3/ 90) 14 - كتاب الجمعة، 4 - باب ذكر فضل يوم الجمعة. 1690 - الترمذي (2/ 361) أبواب الصلاة، 2 - باب ما جاء في الساعة التي ترجى في يوم الجمعة، وهو حسن بشواهده، قال الترمذي: حديث حسن غريب، وفي الباب عن أبي موسى وأبي ذر وسليمان وعبد الله بن سلام وأبي لبابة وسعد بن عبادة وأبي أمامة، وقد ضعفه بعضهم وقواه آخرون لشواهده، ورأينا تحسين الترمذي له. 1691 - البخاري (2/ 415) 11 - كتاب الجمعة، 37 - باب الساعة التي في يوم الجمعة. مسلم (2/ 583، 584) 7 - كتاب الجمعة، 4 - باب في الساعة التي في يوم الجمعة. (2) مسلم نفس الموضع السابق. (3) البخاري (9/ 436) 68 - كتاب الطلاق، 24 - باب الإشارة في الطلاق والأمور. (يزهدها) أي يقللها والشيء الزهيد: القليل.

ولمسلم (1): عن في الجمعة لساعة ... وذكره، وفي آخره: وهي ساعة خفيفة. 1692 - * روى مسلم عن أبي بردة رحمه الله قال: قالت لي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "أسمعت أباك يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن ساعة يوم الجمعة؟ قال: قلت: نعم سمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "هي ما بين أن يجلس الإمام على أن تقضى الصلاة". 1693 - * روى الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التمسوا الساعة التي ترجى في يوم الجمعة بعد صلاة العصر إلى غيبوبة الشمس". 1694 - * روى أبو داود عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يوم الجمعة ثنتا عشرة- يريد ساعة، وقال النسائي: ثنتا عشرة ساعة- لا يوجد مسلم يسأل الله عز وجل شيئاً، إلا آتاه الله إياه، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر". 1695 - * روى أحمد بن أبي سلمة قال: كان أبو هريرة يحدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن في الجمعة لساعة لا يوافقها مسلم وهو يصلي يسأل الله خيراً إلا آتاه

_ (1) نفس الموضع السابق. 1692 - مسلم (2/ 584) 7 - كتاب الجمعة، 4 - باب في الساعة التي في يوم الجمعة. أبو داود (1/ 276) كتاب الصلاة، 27 - باب الإجابة أية ساعة هي في يوم الجمعة، وقد أعل هذا الحديث مع رواية مسلم له بالانقطاع والاضطراب. 1693 - الترمذي (2/ 360) أبواب الصلاة، 2 - باب ما جاء في الساعة التي ترى يوم الجمعة، وقال الترمذي: ورأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن الساعة التي ترجى فيها بعد العصر إلى أن تغرب الشمس، وبه يقول أحمد وإسحاق، وهو حسن لغيره. 1694 - أبو داود (1/ 275) كتاب الصلاة، 207 - باب الإجابة أية ساعة هي في يوم الجمعة. النسائي (3/ 115) 14 - كتاب الجمعة، 45 - باب ذكر الساعة التي يستجاب الدعاء يوم الجمعة وقد رواها النسائي بهذا اللفظ عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها شيئاً إلا أعطاه إياه، وفي أخرى عن عبد الله قال هي آخر ساعة من يوم الجمعة قبل أن تغيب الشمس. وهو حديث صحيح. 1695 - أحمد (3/ 65). كشف الأستار (1/ 296) باب الساعة التي ترجى في الجمعة. مجمع الزوائد (2/ 166، 167) وقال الهيثمي: قلت: حديث أبي هريرة في الصحيح، وحديث أبي سعيد في حك=

إياه"، قال وقللها أبو هريرة بيده. قال: فلما توفي أبو هريرة قلت: والله لقد جئت أبا سعيد فسألت عن هذه الساعة إن يكن عنده منها علم، فأتيته فوجدته يقوم عراجين فقلت: يا أبا سعيد ما هذه العراجين التي أراك تقوم؟ قال هذه عراجين جعل الله لنا فيها بركة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبها ويتخصر بها، فكنا نقومها ونأتيه بها، فرأى بصاقاً في قبلة المسجد وفي يده عرجون من تلك العراجين فحكه وقال: "إذا كان أحدكم في صلاته فلا يبصقن أمامه فإن ربه أمامه وليبصق عن يساره أو تحت قدمه". قال: ثم قال سريج: فإن لم يجد مبصقاً ففي ثوبه أو نعله. قال ثم هاجت السماء من تلك الليلة فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة برقت برقة فرأى قتادة بن النعمان فقال: "ما السير أبا قتادة" قال علمت يا رسول الله أن شاهد الصلاة قليل فأحببت أن أشهدها، قال "فإذا صليت فاثبت حتى أمر بك". فلما انصرف أعطاه العرجون قال: "خذ هذا فسيضئ لك أمامك عشراً وخلفك عشراً فإذا دخلت البيت ورأيت سواداً في زاوية البيت فاضربه قبل أن تتكلم فإنه الشيطان". قال: ففعل، فنحن نحب هذه العراجين لذلك. قال: قلت: يا أبا سعيد إن أبا هريرة حدثنا عن الساعة التي في الجمعة فهل عندك علم فيها؟ فقال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقال: "إني كنت أعلمتها ثم أنسيتها كما أنسيت ليلة القدر". وزاد ثم خرجت من عنده- يعني من عند أبي سعيد- حتى أتيت دار رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: قلت: هذا رجل قد قرأ التوراة وصحب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فدخلت عليه فقلت أخبرني عن هذه الساعة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيها ما يقول في يوم الجمعة. قال: نعم خلق الله آدم يوم الجمعة وأسكنه الجنة يوم الجمعة وأهبطه إلى الأرض يوم الجمعة وتوفاه يوم الجمعة وهو اليوم الذي تقوم فيه الساعة وهي آخر ساعة من يوم الجمعة. قال: قلت ألست تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: في صلاة، قال: أولست تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من انتظر صلاة فهو في صلاة". قوله: (فإن ربه أمامه ...) وفي رواية (وإن ربه بينه وبين القبلة) وكذا (فإن الله

_ = البصاق أيضاً، رواه أحمد والبزار بنحوه، وذكر الهيثمي الزيادة. (العرجون): العود الأصفر الذي فيه شماريخ العذق.

قبل وجهه)، قال الحافظ ابن حجر: (قال الخطابي: معناه أن توجهه إلى القبلة مفض بالقصد منه إلى ربه فصار في التقدير: فإن مقصوده بينه وبين قبلته. وقيل هو على حذف مضاف أي عظمة الله أو ثواب الله. وقال ابن عبد البر: هو كلام خرج على التعظيم لشأن القبلة. اهـ. 1696 - * روى أبو يعلى عن أنس بن مالك قال: عرضت الجمعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم: جاءه جبريل في كفه كالمرآة البيضاء في وسطها كالنكتة السوداء فقال: "ما هذا يا جبريل؟ " قال هذه الجمعة يعرضها عليك ربك لتكون لك عيداً ولقومك من بعدك، ولكم فيها خير تكون أنت الأول ويكون اليهود والنصارى من بعدك، وفيها ساعة لا يدعو أحد ربه فيها بخير هو له قسم إلا أعطاه أو يتعوذ من شر إلا دفع عنه ما هو أعظم منه، ونحن ندعوه في الآخرة: يوم المزيد .. " فذكر الحديث. ولأنس في رواية عنده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عرضت علي الأيام فعرض علي فيها يوم الجمعة فإذا هي كمرآة بيضاء فإذا في وسطها نكتة سوداء فقلت ما هذه؟ قيل الساعة". 1697 - * روى مالك عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرجت إلى الطور، فلقيت كعب الأحبار، فجلست معه، فحدثني عن التوراة، وحدثته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان فيما حدثته، أن قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه أهبط، وفيه تيب عليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة، وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة، من حين تصبح حتى تطلع

_ 1696 - مجمع الزوائد (2/ 163، 164) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات، وروى أبو يعلى طرفاً منه (7/ 130)، ورجاله رجال الصحيح خلا شيخ الطبراني وهو ثقة. (القسم): مصدر قسم باب ضرب، والقسم: الحظ والنصيب. 1697 - الموطأ (1/ 108) 5 - كتاب الجمعة، 7 - باب ما جاء في الساعة التي في يوم الجمعة. أبو داود (1/ 274، 275) كتاب الصلاة، 206 - باب تفريع أبواب الجمعة. الترمذي (2/ 362) أبواب الصلاة، 354 - باب ما جاء في الساعة التي ترجى يوم الجمعة. النسائي (3/ 114، 115) 14 - كتاب الجمعة، 45 - باب الساعة التي يستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة. وهو حديث صحيح. (المصيخ): المصغي ليستمع.=

الشمس، شفقاً من الساعة، إلا الجن والإنس، وفيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو يصلي، يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه"، قال كعب: ذلك في كل سنة يوم؟ فقلت: بل في كل جمعة، فقرأ كعب التوراة، فقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو هريرة: فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري، فقال: من أين أقبلت؟ فقلت: من الطور، فقال: لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد: إلى المسجد الحرام، وإلى مسجدي هذا، وإلى مسجد إيلياء، أو بيت المقدس" يشك- قال أبو هريرة: ثم لقيت عبد الله بن سلام- فحدثته بمجلسي مع كعب الأحبار، وما حدثته في يوم الجمعة، فقلت له: قال كعب: ذلك في كل سنة يوم، قال عبد الله بن سلام: كذب كعب: فقلت: ثم قرأ كعب التوراة، فقال: بل هي في كل جمعة، فقال عبد الله بن سلام: صدق كعب، ثم قال عبد الله بن سلام: قد علمت أية ساعة هي؟ قال أبو هريرة: فقلت: أخبرني بها، ولا تكن عني- وفي نسخة ولا تضن علي- فقال عبد الله بن سلام: هي آخر ساعة في يوم الجمعة، قال أبو هريرة: فقلت: وكيف تكون آخر ساعة في يوم الجمعة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي فتلك ساعة لا يصلى فيها"؟ فقال عبد الله بن سلام: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من جلس مجلساً ينتظر فيه الصلاة فهو في صلاة حتى يصلي"؟ قال أبو هريرة: فقلت: بلى، قال: فهو ذلك. أقول: الأقوال في ساعة الاستجابة يوم الجمعة كثيرة تبلغ ثلاثين قولاً، أرجحها أنها تبدأ منذ إقامة صلاة الجمعة إلى انصراف الناس منها أو أنها قبيل الغروب بعد العصر، وفي هذين الوقتين مرت معنا روايات منها ما ناقش بعضهم في ثبوته ومنها ما كان بعضه من أهل الكتاب، ولذلك بقي الاختلاف فيها قائماً وسر ذلك أن يكثر الإنسان من الدعاء في كل

_ = (الشفق): بقايا نور الشمس في الأفق. (والشفق): الخوف، أشفق إشفاقاً، وهي اللغة المشهورة. (المطي) جمع مطية، وهي البعير يركب مطاه، أي ظهره، وإعمالها تحميلها والسير عليها. (كذب كعب): أي أخطأ كعب. (الكناية) ضد التصريح، والمراد: لا تخفها عني وتسترها مني. (الضن): البخل، ضننت: أضن، وضننت: أضن.

ساعات الجمعة، لكن الترجيح أنها في أحد هذين الوقتين والأدلة على هذا وهذا قائمة. قال في (الفتح الرباني 6 - 18): قال المحب الطبري: أصح الأحاديث فيها حديث أبي موسى وهو: ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تنقضي الصلاة وأشهر الأقوال فيها قول عبد الله بن سلام وهو: آخر ساعة يوم الجمعة اهـ قال الحافظ: وما عداهما إما موافق لهما أو لأحدهما أو ضعيف الإسناد أو موقوف استند قائله إلى اجتهاد دون توقيف، ولا يعارضهما حديث أبي سعيد في كونه صلى الله عليه وسلم أنسيها بعد أن علمها لاحتمال أن يكونا سمعا ذلك منه قبل أن أنسي، أشار إلى ذلك البيهقي وغيره (وقد اختلف السلف) في أيهما أرجح، فروى البيهقي من طريق أبي الفضل أحمد بن سلمة النيسابوري أن مسلماً قال: حديث أبي موسى أجود شيء في هذا الباب وأصحه، وبذلك قال البيهقي وابن العربي وجماعة، وقال القرطبي: هو نص في موضع الخلاف فلا يلتفت إلى غيره (وقال النووي): هو الصحيح بل الصواب، وجزم في الروضة بأنه الصواب، ورجحه أيضاً بكونه مرفوعاً صريحاً وفي أحد الصحيحين (وذهب آخرون) إلى ترجيح قول عبد الله بن سلام، فحكى الترمذي عن أحمد أنه قال: أكثر الأحاديث على ذلك، وقال ابن عبد البر: إنه أثبت شيء في هذا الباب، وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن: أن ناساً من الصحابة اجتمعوا فتذاكروا ساعة الجمعة ثم افترقوا فلم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة، ورجحه كثير من الأئمة أيضاً (كأحمد وإسحاق) ومن المالكية (الطرطوشي)، وحكى العلائي: أن شيخه الزملكان شيخ الشافعية في وقته كان يختاره ويحكيه عن الشافعي، وأجابوا عن كونه ليس في أحد الصحيحين بأن الترجيح بما في الصحيحين أو أحدهما إنما هو حيث لا يكون مما انتقده الحفاظ كحديث أبي موسى هذا فإنه أعل بالانقطاع والاضطراب، أما الانقطاع فلأن مخرمة بن بكير لم يسمع من أبيه، قاله أحمد عن حماد بن خالد عن مخرمة نفسه، كذا قال سعيد بن أبي مريم عن موسى بن سلمة عن مخرمة، وزاد إنما هي كتب كانت عندنا (وقال علي بن المديني) لم أسمع أحداً من أهل المدينة يقول عن مخرمة إنه قال في شيء من حديثه سمعت أبي، ولا يقال مسلم يكتفي بالمعنعن بإمكان اللقاء مع المعاصرة وهو كذلك هنا، لأنا نقول وجود التصريح عن مخرمة بأنه لم يسمع من أبيه كاف في دعوى الانقطاع، وأما الاضطراب

فقد رواه أبو إسحاق وواصل الأحدب ومعاوية بن قرة وغيرهم عن أبي بردة من قوله وهؤلاء من أهل الكوفة وأبو بردة كوفي فهم أعلم بحديثه من بكير المدني وهم عدد وهو واحد، وأيضاً فلو كان عند أبي بردة مرفوعاً لم يفت فيه برأيه بخلاف المرفوع، ولهذا جزم الدارقطني بأن الموقوف هو الصواب (وسلك صاحب الهدى) مسلكاً آخر فاختار أن ساعة الإجابة منحصرة في أحد الوقتين المذكورين، وأن أحدهما لا يعارض الآخر لاحتمال أن يكون صلى الله عليه وسلم دل على أحدهما في وقت وعلى الآخر في وقت آخر، وهذا كقول ابن عبد البر "الذي ينبغي الاجتهاد في الدعاء في الوقتين المذكورين" وسبق إلى نحو ذلك الإمام أحمد وهو أولى في طريق الجمع، قال ابن المنير في الحاشية: إذا علم أن فائدة الإبهام لهذه الساعة ولليلة القدر بعث الداعي على الإكثار من الصلاة والدعاء، ولو بين لا تكل الناس على ذلك وتركوا ما عداها، فالعجب بعد ذلك ممن يجتهد في طلب تحديدها. اهـ ما نقله الحافظ والله أعلم. 1698 - * روى مسلم عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا، فهدانا ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا، والأولون يوم القيامة، المقضي لهم يوم القيامة قبل الخلائق". 1699 - * روى ابن خزيمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما تطلع الشمس بيوم، ولا تغرب أفضل أو أعظم من يوم الجمعة، وما من دابة لا تفزع ليوم الجمعة إلا هذين الثقلين: الجن والإنس". قال علي بن حجر وابن بزيع ومحمد بن الوليد: "على يوم أفضل"، ولم يشكوا. 1700 - * روى أحمد عن أبي لبابة نحوه وفيه: وهو أي يوم الجمعة أعظم عند الله من

_ 1698 - مسلم (2/ 586) 7 - كتاب الجمعة، 6 - باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة. النسائي (3/ 87) 1 - كتاب الجمعة، 1 - باب إيجاب الجمعة. 1699 - ابن خزيمة (3/ 115) 7 - باب في ذكر فضل يوم الجمعة ... إلخ وإسناده صحيح. 1700 - أحمد (3/ 430).=

يوم الأضحى ويوم الفطر. 1701 - * روى ابن حبان عن أبي سعيد الخدري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "خمس من عملهن في يوم كتبه الله من أهل الجنة: من صام يوم الجمعة وراح إلى الجمعة وشهد جنازة وأعتق رقبة". 1702 - * روى مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تختصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم أحدكم". ففسر العلماء حديث أبي سعيد أنه إذا كان صوم أحدكم في يوم الجمعة اتفاقاً لا قصداً. والحكمة والله أعلم في النهي عن اختصاص ليلتها بقيام دون الليالي ليصبح نشيطاً في تأدية وظائفها من تبكير إلى الصلاة وانتظار ودعاء وذكر وعبادة واستماع الخطبة وإكثار الذكر بعدها لقوله عز وجل {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا] (1) وغير ذلك من العبادات في يومها، وكذلك الحكمة في النهي عن صوم يومها، لأن الفطر فيه يكون أعون له على هذه الوظائف وأدائها بنشاط وانشراح لها والتذاذ بها من غير ملل ولا سآمة، وهو نظير الحاج يوم عرفة بعرفة، فإن السنة له الفطر، وقيل سبب النهي عن خوف المبالغة في تعظيمه بحيث يفتتن به كما افتتن قوم بالسبت، وقيل سبب النهي لئلا يعتقد وجوبه، أفاده النووي ورجح الأول والله أعلم.

_ = في إسناده عبد الله بن عقيل، وقد احتج به أحمد وغيره وبقية رواته ثقات مشهورون. 1701 - ابن حبان (4/ 191) باب صلاة الجمعة، ذكر الخصال التي إذا استعملها المرء في يوم الجمعة. أبو يعلى (2/ 312). مجمع الزوائد (2/ 169) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى وابن حبان ورجاله ثقات. قال الهيثمي: وسقط وعاد مريضاً فيما كسب. هو حديث صحيح. 1702 - مسلم (2/ 801) 13 - كتاب الصيام، 24 - باب كراهة صيام يوم الجمعة منفرداً. ابن خزيمة (3/ 315) جماع أبواب ذكر الأيام والدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ينهى عن الشيء، 201 - باب ذكر الخبر المفسر في النهي عن صيام يوم الجمعة. (1) الجمعة: 10.

1703 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يحضر الجمعة ثلاثة نفر، فرجل حضرها يلغو، فذلك حظه منها، ورجل حضرها بدعاء، فهو رجل دعا الله، إن شاء أعطاه وإن شاء منعه، ورجل حضرها بإنصات وسكوت، ولم يتخط رقبة مسلم، ولم يؤذ أحداً، فهي كفارة إلى الجمعة التي تليها، وزيادة ثلاثة أيام، وذلك: أن الله عز وجل يقول: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} (1).

_ 1703 - أبو داود (1/ 291) كتاب الصلاة، 234 - باب الكلام والإمام يخطب. ابن خزيمة (3/ 157) 76 - باب طبقات من يحضر الجمعة. وإسناده حسن. (1) الأنعام: 160.

الفقرة الثانية في وجوب صلاة الجمعة على المكلفين بها إلا لعذر، وفي الترهيب من تركها وفي بعض آدابها

الفقرة الثانية في وجوب صلاة الجمعة على المكلفين بها إلا لعذر، وفي الترهيب من تركها وفي بعض آدابها وجوب صلاة الجمعة والترهيب من تركها لغير عذر: 1704 - * روى البخاري عن يونس بن يزيد الأبلي قال: كتب رزيق بن حكيم إلى ابن شهاب وأنا معه يومئذ بوادي القرى: هل ترى أن أجمع؟ ورزيق عامل على أرض يعملها، وفيها جماعة من السودان وغيرهم يعملون فيها، ورزيق يومئذ على أيلة، فكتب ابن شهاب وأنا أسمع يأمره أن يجمع، يخبره أن سالماً حدثه: أن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته: الإمام راع، ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله، ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها، ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده، ومسؤول عن رعيته، قال: وحسبت أن قد قال: والرجل راع في مال أبيه، ومسؤول عن رعيته، فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته". 1705 - * روى أحمد عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من ترك الجمعة ثلاث مرات من غير ضرورة طبع على قلبه".

_ 1704 - البخاري (2/ 380) 11 - كتاب الجمعة، 11 - باب الجمعة في القرى والمدن. مسلم (3/ 1459) 33 - كتاب الإمارة، 5 - فضيلة الإمام العادل. أبو داود (3/ 130) كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب ما يلزم الإمام من حق الرعية. الترمذي (4/ 208) 24 - كتاب الجهاد، 27 - باب ما جاء في الإمام. (أيلة): قال الحافظ في "الفتح" بلدة معروفة في طريق الشام بين المدينة ومصر على ساحل القلزم- البحر الأحمر- وكان رزيق- بتقديم الراء المهملة على الزاي- أميراً عليها من قبل عمر بن عبد العزيز، والذي يظهر؛ أن الأرض التي كان يزرعها من أعماله أيلة. 1705 - أحمد (3/ 332). مجمع الزوائد (2/ 192) وقال الهيثمي: رواه أحمد وإسناده حسن. (طبع الله على قلبه) الطبع والختم واحد، والمراد: أنه بتركه الجمعة قد أغلق قلبه وختم عليه، فلا يصل إليه شيء من الخير إلا إذا شاء الله هداية".

أقول: والحديث محمول على التغليظ والتحذير وعلى نوع من الطبع على القلب لا يصل إلى درجة الطبع في حق الكافر. 1706 - * روى الطبراني عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من ترك ثلاث جمعات من غير عذر كتب من المنافقين". 1707 - * روى أبو يعلى عن ابن عباس قال: من ترك الجمعة ثلاث جمع متواليات فقد نبذ الإسلام وراء ظهره. 1708 - * روى مالك عن صفوان بن سليم رضي الله عنه: قال مالك: لا أدري أعن النبي صلى الله عليه وسلم، أم لا، إلا أنه قال: من ترك الجمعة ثلاثاً من غير عذر ولا علة، طبع الله على قلبه. 1709 - * روى أبو داود عن أبي الجعد الضمري رضي الله عنه- وكانت له صحبة-: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من ترك ثلاث جمع تهاوناً بها طبع الله على قلبه". وعند الترمذي "من ترك الجمعة ثلاث مرات تهاوناً بها طبع الله على قلبه". 1710 - * روى أبو يعلى عن جابر قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً يوم الجمعة فقال: "عسى رجل تحضره الجمعة وهو على قدر ميل من المدينة فلا يحضر الجمعة، ثم

_ 1706 - الطبراني "المعجم الكبير" (1/ 170). مجمع الزوائد (2/ 193) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وفيه جابر الجعفي وهو ضعيف عند الأكثرين. 1707 - مجمع الزوائد (2/ 193) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح. 1708 - الموطأ (1/ 111) 5 - كتاب الجمعة، 9 - باب القراءة في صلاة الجمعة، والاحتباء، ومن تركها بغير عذر. وهو حسن بشواهده. 1709 - أبو داود (1/ 277) كتاب الصلاة، 209 - باب التشديد في ترك الجمعة. الترمذي (2/ 373) أبواب الصلاة، 359 - باب ما جاء في ترك الجمعة من غير عذر وقال الترمذي: حديث حسن. النسائي (3/ 88) 14 - كتاب الجمعة، 2 - باب التشديد في التخلف عن الجمعة. وهذا الحديث صحيح بشواهده. 1710 - أبو يعلى (4/ 140) وقال: إسناده ضعيف جداً، سفيان بن وكيع ساقط الحديث والفضل بن عيسى الرقاشي منكر الحديث. مجمع الزوائد (2/ 193) وقال: رواه أبو يعلى ورجاله موثقون.

قال في الثانية عسى رجل تحضره الجمعة وهو على قدر ميلين من المدينة فلا يحضرها وقال في الثالثة عسى يكون على قدر ثلاثة أميال من المدينة فلا يحضر الجمعة ويطبع الله على قلبه". 1711 - * روى مسلم عن الحكم بن ميناء أن عبد الله بن عمر، وأبا هريرة حدثاه: أنهما سمعا النبي صلى الله عليه وسلم يقول على منبره: "لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين". 1712 - * روى الطبراني عن كعب بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لينتهين أقوام يسمعون النداء يوم الجمعة ثم لا يأتونها أو ليطبعن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين". 1713 - * روى ابن خزيمة عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائماً فجاءت عير من الشام فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلاً، فأنزلت هذه الآية التي في الجمعة {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} (1). 1714 - * روى مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقوم يتخلفون عن الجمعة: "لقد هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس، ثم أحرق على

_ 1711 - مسلم (2/ 591) 7 - كتاب الجمعة، 12 - باب التغليظ في ترك الجمعة. النسائي (3/ 88، 89) 14 - كتاب الجمعة، 2 - باب التشديد في التخلف عن الجمعة وهذا الحديث أخرجه النسائي عن ابن عباس وأبي هريرة. (ودعهم) الودع: الترك، وهو مصدر ودع يدع ودعاً. 1712 - مجمع الزوائد (2/ 193، 194) وقال: رواه الطبراني في الكبير، وإسناده حسن. 1713 - ابن خزيمة (3/ 174) 109 - باب الدليل على تجويز صلاة الجمعة بأقل من أربعين رجلاً ... إلخ وهذا الحديث ورد نحوه في الصحيحين فهو عند البخاري كالآتي. البخاري (2/ 422) 11 - كتاب الجمعة، 38 - باب إذا نفر الناس عن الإمام في صلاة الجمعة فصلاة الإمام ومن بقي جائزة، والحديث عند مسلم كالآتي. مسلم (2/ 590) 7 - كتاب الجمعة، 11 - باب في قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}. (1) الجمعة: 11. 1714 - مسلم (1/ 452) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 42 - فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها.

- الترغيب في صلاة الجمعة

رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم". 1715 - * روى مالك عن مالك بن أنس رحمه الله: أنه سأل ابن شهاب عن قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (1) فقال ابن شهاب: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقرؤها: (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة، فامضوا إلى ذكر الله). أقول: قراءة فامضوا تعتبر بمثابة التفسير لأنها تخالف رسم القرآن فلا تعتبر قراءة متواترة واصطلح القراء على أن يسموها قراءة شاذة. - الترغيب في صلاة الجمعة: 1716 - * روى ابن خزيمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن ما لم تغش الكبائر". 1717 - * روى أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إن الله تبارك وتعالى ليعجب من الصلاة في الجمع". 1718 - * روى الطبراني عن مسلم بن عياض قال: سألت الحسن بن علي عن ركعتي الجمعة قال هما قاضيتان مما سواهما. أي ركعتا الجمعة تقضيان فريضة الوقت.

_ 1715 - الموطأ (1/ 106، 107) 5 - كتاب الجمعة، 5 - باب ما جاء في السعي يوم الجمعة، وهذا الحديث سنده إلى ابن شهاب صحيح. (1) الجمعة: 9. 1716 - ابن خزيمة (1/ 162) 9 - باب ذكر الدليل على أن الصلوات الخمس إنما تكفر صغائر الذنوب دون كبائرها، وهو حديث صحيح. 1717 - مجمع الزوائد (2/ 39) وقال الهيثمي: رواه أحمد، وإسناده حسن. 1718 - مجمع الزوائد (2/ 191) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات.

بعض آداب يوم الجمعة

بعض آداب يوم الجمعة: التبكير إلى الصلاة 1719 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية، فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة، فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة، فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة، فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر". وفي رواية (1) قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة، يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام طووا الصحف، وجاؤوا يستمعون الذكر". وفي أخرى (2): "إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على أبواب المسجد يكتبون الأول فالأول: ومثل المهجر كمثل الذي يهدي بدنة، ثم كالذي يهدي بقرة، ثم كبشاً، ثم دجاجة، ثم بيضة، فإذا خرج الإمام طووا صحفهم، وجاؤوا يستمعون الذكر". ولمسلم (3) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "على كل باب من أبواب المسجد ملك يكتب

_ 1719 - البخاري (2/ 366) 11 - كتاب الجمعة، 4 - باب فضل الجمعة. مسلم (2/ 582) 7 - كتاب الجمعة، 2 - باب الطيب والسواك يوم الجمعة. (1) البخاري (6/ 304) 59 - كتاب بدء الخلق، 6 - باب ذكر الملائكة. (2) البخاري (2/ 407) 11 - كتاب الجمعة، 31 - باب الاستماع إلى الخطبة. (راح في الساعة الأولى) ليس المراد بالساعات هنا الساعات في المعنى الاصطلاحي التي جزء من أربعة وعشرين جزءاً وإنما المراد الإشارة إلى فضل الأكثر تبكيراً إلى صلاة الجمعة انظر شرح السنة 4/ 235. (قرب بدنة) البدنة: ما يهدي إلى بيت الله الحرام من الإبل والبقر، وقيل: من الإبل خاصة، أي كأنما أهدى ذلك إلى الله عز وجل، وأما جعله الدجاجة والبيضة من الهدي وليسا بهدي إجماعاً، فإنما حمله على ما قبله تشبيهاً به وأعطاه حكمه مجازاً، وإلا فالهدي لا يكون إلا بقرة أو بدنة، والشاة فيها خلاف. (كبش أقرن): له قرنان. (المهجر) هو الذي يمشي إلى الصلاة في أول وقتها، أو المراد به المبكر. (3) مسلم (2/ 587) 7 - كتاب الجمعة، 7 - باب فضل التهجير يوم الجمعة.

الأول فالأول، فالأول مثل الجزور، ثم نزلهم حتى صغر إلى مثل البيضة، فإذا جلس الإمام طويت الصحف، وحضروا الذكر". وأخرج الموطأ (1) والترمذي (2) وأبو داود (3) والنسائي (4) الرواية الأولى، وزاد الموطأ، في الساعة الأولى. وللنسائي (5) أيضاً: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما مثل المهجر إلى الصلاة كمثل الذي يهدي بدنة، ثم الذي على إثره كالذي يهدي بقرة، ثم الذي على إثره كالذي يهدي الكبش، ثم الذي على إثره كالذي يهدي الدجاجة، ثم الذي على إثره كالذي يهدي البيضة". وللنسائي (6) أيضاً نحو الأولى، وفيها: "ومثل المهجر إلى الجمعة كالمهدي بدنة، ثم كالمهدي بقرة، ثم كالمهدي شاة، ثم كالمهدي بطة، ثم كالمهدي دجاجة، ثم كالمهدي بيضة". وفي أخرى (7) نحوها، وفيه بعد الدجاجة عصفور، وأسقط "البطة". 1720 - * روى ابن خزيمة عن أنس، قال: كنا نبكر- يعني الجمعة- ثم نقيل. 1721 - * روى ابن ماجه عن علقمة خرجت مع عبد الله إلى الجمعة فوجد ثلاثة قد

_ (1) الموطأ (1/ 101) 5 - كتاب الجمعة، 1 - باب العمل في غسل يوم الجمعة. (2) الترمذي (2/ 372) أبواب الصلاة، 358 - باب ما جاء في التبكير إلى الجمعة، قال الترمذي: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح. (3) أبو داود (1/ 96) كتاب الطهارة، 129 - باب في الغسل يوم الجمعة. (4) النسائي (3/ 99) 14 - كتاب الجمعة، 14 - وقت الجمعة. (5) النسائي (2/ 116) 10 - كتاب الإمامة، 59 - التهجير إلى الصلاة. (6) النسائي (3/ 98) 14 - كتاب الجمعة، 13 - التبكير إلى الجمعة. (7) النسائي (3/ 98، 99) نفس الموضع السابق. (الجزور): البعير، ويقع على الذكر والأنثى. 1720 - ابن خزيمة (3/ 170) 102 - باب استحباب التبكير بالجمعة. وهو صحيح. 1721 - ابن ماجه (1/ 348) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 82 - باب ما جاء في التهجير إلى الجمعة. وقال المنذري في الترغيب: رواه ابن ماجه وابن أبي عاصم، وإسناده حسن.

- الاغتسال للصلاة ومس الطيب ولبس أحسن الثياب والإنصات وعدم تخطي الرقاب

سبقوه فقال رابع أربعة وما رابع أربعة ببعيد إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الناس يجلسون من الله يوم القيامة على قدر رواحهم إلى الجمعات الأول والثاني والثالث ثم قال رابع أربعة وما رابع أربعة ببعيد". - الاغتسال للصلاة ومس الطيب ولبس أحسن الثياب والإنصات وعدم تخطي الرقاب: 1722 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة، فاستمع وأنصت، غفر له ما بينه وبين الجمعة، وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصا فقد لغا". وفي رواية (1) قال: "من اغتسل، ثم أتى الجمعة، فصلى ما قدِّر له، ثم أنصت حتى يفرغ الإمام من خطبته، ثم صلى معه، غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام". ولأبي داود (2) عن أبي هريرة وأبي سعيد قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اغتسل يوم الجمعة، ولبس من أحسن ثيابه، ومس من طيب إن كان عنده، ثم أتى الجمعة فلم يتخط رقاب الناس، ثم صلى ما كتب الله له، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يفرغ من صلاته، كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة التي قبلها" قال: ويقول أبو هريرة: وزيادة ثلاثة أيام. ويقول: "عن الحسنة بعشر أمثالها". أقول: أجاز بعض الفقهاء للخطيب أن يسأل الناس أو أحداً منهم فإذا سئل واحد منهم فأجابه فلا يعتبر ذلك من اللغو.

_ 1722 - مسلم (2/ 588) 7 - كتاب الجمعة، 8 - باب فضل من استمع وأنصت في الخطبة. (1) مسلم (2/ 587) نفس الموضع السابق. (2) أبو داود (1/ 94، 95) كتاب الطهارة، 129 - باب في الغسل يوم الجمعة. (لغا) اللغو: التكلم، وقوله "من مس الحصا فقد لغا" جعل المس كاللغو، لأنه يشغله عن سماع الخطبة كما يشغله الكلام.

1723 - * روى ابن خزيمة عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان يوم الجمعة فاغتسل الرجل، وغسل رأسه، ثم تطيب من أطيب طيبه، ولبس من صالح ثيابه، ثم خرج إلى الصلاة ولم يفرق بين اثنين، ثم استمع للإمام، غفر له من الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام". 1724 - * روى الطبراني عن عبد الرحمن بن عوف قال: افتقد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من أصحابه فقال: "أين كنت فإني لم أرك، ألم تشهد الصلاة؟ قال: بلى ولكني جئت وقد ثبت الناس، فكرهت أن أتخطى رقاب الناس قال: بلى". 1725 - * روى البخاري عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من الطهور ويدهن من دهنه، ويمس من طيب بيته، ثم يخرج، فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب الله له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام، إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى". وفي رواية (1) النسائي قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من رجل يتطهر يوم الجمعة كما أمر، ثم يخرج من بيته حتى يأتي الجمعة، وينصت حتى يقضي صلاته، إلا كانت كفارة لما قبله من الجمعة". قال معلق (شرح السنة 4/ 268): قد فرق النووي بين التخطي والتفريق بين الاثنين، وجعل ابن قدامة في "المغني" التخطي: هو التفريق؛ قال العراقي: والظاهر الأول، لأن التفريق يحصل بالجلوس بينهما وإن لم يتخط، وقد اختلف أهل العلم في حكم التخطي يوم الجمعة: فقال الترمذي حاكياً عن أهل العلم: أنهم كرهوا تخطي الرقاب يوم الجمعة، وشددوا في ذلك، وحكى أبو حامد في تعليقه عن الشافعي التصريح بالتحريم،

_ 1723 - ابن خزيمة (3/ 152) 66 - باب فضل الإنصات والاستماع للخطبة، وإسناده صحيح. 1724 - مجمع الزوائد (2/ 179) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. 1725 - البخاري (2/ 370) 11 - كتاب الجمعة، 6 - باب الدهن للجمعة. (1) النسائي (3/ 104) 14 - كتاب الجمعة، 23 - باب فضل الإنصات وترك اللغو يوم الجمعة.

وقال النووي في زوائد الروضة: إن المختار تحريمه للأحاديث الصحيحة، واقتصر أصحاب أحمد على الكراهة فقط. أقول: الظاهر كراهة التخطي إلا إذا كان لإملاء محل فارغ قصر المتقدمون فلم يملؤوه. 1726 - * روى أبو داود عن أوس بن أوس الثقفي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من غسل يوم الجمعة واغتسل، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام، ولم يلغ واستمع: كان له بكل خطوة أجر عمل سنة: صيامها، وقيامها". وللنسائي (1) والترمذي (2): "من اغتسل يوم الجمعة وغسل، وبكر وابتكر ودنا واستمع وأنصت، كان له بكل خطوة يخطوها أجر سنة، صيامها وقيامها". قال أبو داود: وسئل مكحول عن "غسَّل واغتسل" فقال: غسل رأسه وجسده، وكذلك قال سعيد بن عبد العزيز. 1727 - * روى مالك عن نافع مولى ابن عمر "أن ابن عمر كان لا يروح إلى الجمعة إلا

_ 1726 - أبو داود (1/ 95) كتاب الطهارة، 129 - باب في الغسل يوم الجمعة. النسائي (3/ 95، 96) 14 - كتاب الجمعة، 10 - فضل غسل يوم الجمعة. (1) النسائي (3/ 97) 14 - كتاب الجمعة، 12 - فضل المشي إلى الجمعة. (2) الترمذي (2/ 368) أبواب الصلاة، 356 - باب ما جاء في فضل الغسل يوم الجمعة. وهذا حديث صحيح، وقال الترمذي: هذا حديث حسن، وقال المنذري في "الترغيب والترهيب": ورواه أحمد، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وابن خزيمة، وابن حبان في "صحيحيهما" والحاكم وصححه، ورواه الطبراني في "الأوسط": من حديث ابن عباس. (غسل واغتسل) غسَّل: جامع امرأته فأحوجها إلى الغسل، وذلك يكون أغض لطرفه عند الخروج إلى الجمعة، واغتسل هو بعد الجماع، وقيل: غسل بمعنى اغتسل من الجماع، ثم اغتسل للجمعة، فكرر اللفظ لأجل الغسلين، وقيل: أراد بقوله: "غسَّل" إسباغ الطهور وإكماله، ثم اغتسل بعد الوضوء للجمعة، وروي في بعض الحديث "غسل" مخففاً، يقال: غسل الرجل امرأته: إذا جامعها. (بكر وابتكر) بكر: أتى الصلاة في أول وقتها، وكل من أسرع إلى شيء فقد بكر إليه، وابتكر: أدرك أول الخطبة، من ابتكر الرجل: إذا أكل باكورة الفاكهة وهو أولها. 1727 - الموطأ (1/ 110) 5 - كتاب الجمعة، 8 - باب الهيئة وتخطي الرقاب، واستقبال الإمام يوم الجمعة، وإسناده صحيح.=

ادهن وتطيب، إلا أن يكون حراماً". 1728 - * روى الطبراني عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا سلمان هل تدري ما يوم الجمعة؟ قلت: هو الذي جمع الله فيه أباك أو أبويك، قال: لا ولكن أحدثك عن يوم الجمعة: ما من مسلم يتطهر ويلبس أحسن ثيابه ويتطيب من طيب أهله إن كان لهم طيب وإلا فالماء ثم يأتي المسجد فينصت حتى يخرج الإمام ثم يصلي إلا كانت كفارة له بينه وبين الجمعة الأخرى ما اجتنبت المقتلة وذلك الدهر كله". 1729 - * روى الطبراني في الأوسط والصغير عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمعة من الجمع: "معاشر المسلمين إن هذا يوم جعله الله لكم عيداً فاغتسلوا وعليكم بالسواك". 1730 - * روى أبو داود عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من اغتسل يوم الجمعة، ومس من طيب امرأته- إن كان لها- ولبس من صالح ثيابه، ثم لم يتخط رقاب الناس، ولم يلغ عند الموعظة، كانت كفارة لما بينها، ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهراً". 1731 - * روى أحمد عن أبي أيوب الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب إن كان عنده ولبس من أحسن ثيابه ثم خرج حتى يأتي المسجد فيركع إن بدا له ولم يؤذ أحداً ثم أنصت حتى يصلي كانت كفارة

_ = (حراماً): أي محرماً. 1728 - مجمع الزوائد (2/ 174) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، وإسناده حسن. (يلبس) بالفتح يلبسه ولبس عليه وبابه ضرب. (ما اجتنب المقتلة): المقتلة: القتل بغير حق. 1729 - الروض الداني (1/ 223) وقال: لم يروه عن مالك إلا يزيد بن سعيد ومعن بن عيسى. مجمع الزوائد (2/ 172، 173) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط والصغير ورجاله ثقات، وقال الهيثمي: فيه إبراهيم بن هراسة، وهو متروك. 1730 - أبو داود (1/ 95، 96) كتاب الطهارة، 129 - باب في الغسل يوم الجمعة، وإسناده حسن. 1731 - أحمد (5/ 420).

له لما بينها وبين الجمعة الأخرى، وفي رواية (1) ثم خرج وعليه السكينة حتى يأتي المسجد. 1732 - * روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "غسل الجمعة واجب على كل محتلم". وفي أخرى (2) "الغسل يوم الجمعة واجب على كل مسلم". وفي أخرى (3) قال: "الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم، وأن يستن، وأن يمس طيباً إن وجد"، قال عمرو-[يعني ابن سليم راوي الحديث]- أما الغسل: فأشهد أنه واجب، وأما الاستنان والطيب فالله أعلم: أواجب هو، أم لا؟ ولكن هكذا في الحديث". ولمسلم (4) قال: "غسل يوم الجمعة على كل محتلم، وسواك، ويمس من الطيب ما قدر عليه". وفي رواية (5) قال في الطيب "ولو من طيب المرأة". أقول: الذي استقر عليه العمل عند جماهير المسلمين أن غسل الجمعة سنة كما سنرى أدلة ذلك. 1733 - * روى مالك عن عبيد الله بن السباق المدني الثقفي رحمه الله أن رسول الله

_ (1) أحمد (5/ 420، 421). مجمع الزوائد (2/ 171) وقال الهيثمي: رواه كله أحمد والطبراني في الكبير، ورجاله ثقات. 1732 - البخاري (2/ 357) 11 - كتاب الجمعة، 2 - باب فضل الغسل يوم الجمعة، ولكن النص جاء في البخاري بزيادة كلمة "يوم" أي "غسل يوم الجمعة" وهذا خلاف ما جاء هنا. مسلم (2/ 580) 7 - كتاب الجمعة، 1 - باب وجوب غسل الجمعة على كل بالغ من الرجال، وبيان ما أمروا به. (2) مسلم (2/ 580) نفس الموضع السابق. (3) البخاري (2/ 364) 11 - كتاب الجمعة، 3 - باب الطيب للجمعة. (4) مسلم (2/ 581) 7 - كتاب الجمعة، 2 - باب الطيب والسواك يوم الجمعة. (5) مسلم (2/ 581) نفس الموضع السابق. (يستن) الاستنان: التسوك بالسواك. 1733 - الموطأ (1/ 65، 66) 2 - كتاب الطهارة، 32 - باب ما جاء في السواك، وإسناده حسن.

صلى الله عليه وسلم قال في جمعة من الجمع: "يا معشر المسلمين، إن هذا يوم جعله الله عيداً، فاغتسلوا، ومن كان عنده طيب فلا يضره أن يمس منه، وعليكم بالسواك". 1734 - * روى الجماعة عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من جاء منكم الجمعة فليغتسل". 1735 - * روى ابن خزيمة عن عبد الله بن أبي قتادة قال: دخل علي أبو قتادة يوم الجمعة وأنا أغتسل. قال: غسلك هذا من جنابة؟ قلت نعم. قال: فأعد غسلاً آخر. إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من اغتسل يوم الجمعة لم يزل طاهراً إلى الجمعة الأخرى". أقول: هذا مذهب لأبي قتادة وهو مذهب صحابي إذا عارضته السنة فالسنة مقدمة والنصوص واضحة في أن غسل الجنابة يوم الجمعة ينوب عن غسل الجمعة والأفضل أن ينوي المغتسل إذا كان جنباً الغسل من الجنابة وغسل الجمعة. 1736 - * روى الشيخان عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما أن عمر بينا هو يخطب الناس يوم الجمعة، غذ دخل رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من المهاجرين الأولين

_ 1734 - البخاري (2/ 382) 11 - كتاب الجمعة، 12 - باب هل على من لم يشهد الجمعة غسل من النساء والصبيان وغيرهم؟ مسلم (2/ 579) 7 - كتاب الجمعة، 7 - كتاب الجمعة. الترمذي (2/ 364) أبواب الصلاة، 355 - باب ما جاء في الاغتسال يوم الجمعة. وقال الترمذي: حديث ابن عمر حديث حسن صحيح. النسائي (3/ 93) 14 - كتاب الجمعة، 7 - باب الأمر بالغسل يوم الجمعة. ابن ماجه (1/ 346) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 80 - باب ما جاء في الغسل يوم الجمعة. 1735 - ابن خزيمة (3/ 129، 130) 29 - باب ذكر بعض فضائل الغسل يوم الجمعة، وإسناده حسن. 1736 - البخاري (2/ 356) 11 - كتاب الجمعة، 2 - باب فضل الغسل يوم الجمعة. مسلم (2/ 580) 7 - كتاب الجمعة. الموطأ (1/ 101، 102) 5 - كتاب الجمعة، 1 - باب العمل في غسل يوم الجمعة، وهذا الحديث أخرجه مالك في الموطأ عن سالم بن عبد الله مرسلاً. الترمذي (2/ 366) أبواب الصلاة، 355 - باب ما جاء في الاغتسال يوم الجمعة، وهذا الحديث أخرجه الترمذي عن ابن عمر.=

- وفي رواية أبي هريرة من رواية الأوزاعي إذ دخل عثمان بن عفان- فناداه عمر: أية ساعة هذه؟ قال: إني شغلت اليوم، فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين، فلم أزد على أن توضأت، فقال عمر، والوضوء أيضاً، وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل؟ وفي حديث أبي هريرة أنه قال: ألم تسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا دخل أحدكم إلى الجمعة فليغتسل"؟ 1737 - * روى أبو داود عن عكرمة مولى ابن عباس: أن ناساً من أهل العراق جاؤوا، فقالوا: يا ابن عباس، أترى الغسل يوم الجمعة واجباً؟ قال: لا، ولكنه أطهر، وخير لمن اغتسل، ومن لم يغتسل فليس عليه بواجب، وسأخبركم كيف بدء الغسل: كان الناس مجهودين، يلبسون الصوف، ويعملون على ظهورهم، وكان مسجدهم ضيقاً مقارب السقف، إنما هو عريش، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم حار، وعرق الناس في ذلك الصوف، حتى ثارت منهم رياح، آذى بذلك بعضهم بعضاً: فلما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الريح قال: "أيها الناس، إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا، وليمس أحدكم أفضل ما يجد من دهنه وطيبه"، قال ابن عباس: ثم جاء الله تعالى ذكره بالخير، ولبسوا غير الصوف، وكفوا العمل، ووسع مسجدهم، وذهب بعض الذي كان يؤذي بعضهم بعضاً من العرق. 1738 - * روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم من العوالي، فيأتون في العباء، ويصيبهم الغبار والعرق، فيخرج منهم الريح،

_ = أبو داود (1/ 94) كتاب الطهارة، 129 - باب في الغسل يوم الجمعة، وهذا الحديث أخرجه أبو داود عن أبي هريرة "أن عمر بينا هو يخطب يوم الجمعة إذا دخل رجل، فقال عمر: أتحتسبون عن الصلاة؟ .. وذكر الحديث". 1737 - أبو داود (1/ 97) كتاب الطهارة، 130 - باب في الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة، وإسناده حسن. (مجهودين) المجهود: الذي قد أصابه الجهد، وهو المشقة والعناء. (عريش) العريش: ما يستظل به من سقف يعمل من جذوع ونحوه، ويظلل بترس أو خشب أو ما كان نحوه. 1738 - البخاري (2/ 385) 11 - كتاب الجمعة، 15 - باب من أين تؤتى الجمعة، وعلى من تجب؟. (ينتابون) الانتياب: القصد والمجيء.

فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنسان منهم وهو عندي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا؟ ". وفي رواية (1) يحيى بن سعيد "أنه سأل عمرة عن الغسل يوم الجمعة؟ فقالت: قالت عائشة: كان الناس مهنة أنفسهم، فكانوا إذا راحوا إلى الجمعة راحوا في هيئتهم، فقيل لهم: لو اغتسلتم؟ ". وفي أخرى (2) "كان الناس أهل عمل، ولم يكن لهم كفاة، فكانوا يكون لهم تفل، فقيل لهم: لو اغتسلتم يوم الجمعة؟ ". 1739 - * روى أحمد عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل". 1740 - * روى ابن خزيمة عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

_ = مسلم (2/ 581) 7 - كتاب الجمعة، 1 - باب وجوب غسل الجمعة على كل بالغ من الرجال. (1) البخاري (2/ 386) 11 - كتاب الجمعة، 16 - باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس. (2) مسلم (2/ 581) 7 - كتاب الجمعة، 1 - باب وجوب غسل الجمعة على كل بالغ من الرجال. (التفل): الريح الكريهة، هكذا جاء في كتاب النسائي: "أن عائشة رضي الله عنها ذكر عندها الغسل يوم الجمعة، فقالت: إنما كان الناس يسكنون العالية، فيحضرون الجمعة وبهم وسخ، فإذا أصابهم الروح سطعت أرواحهم فيتأذى به الناس ... الحديث". 1739 - أحمد (5/ 16). مجمع الزوائد (2/ 175) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وفيه أبو حرة الرقاشي وثقه أبو داود وضعفه ابن معين. أبو داود (1/ 97) كتاب الطهارة، 130 - باب في الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة. الترمذي (2/ 369) أبواب الصلاة، 357 - باب ما جاء في الوضوء يوم الجمعة، وقال الترمذي: حديث سمرة حديث حسن. النسائي (3/ 94) 14 - كتاب الجمعة، 9 - باب الرخصة في ترك الغسل يوم الجمعة. ابن خزيمة (3/ 128) 27 - باب ذكر دليل أن الغسل يوم الجمعة فضيلة لا فريضة، وهو حديث حسن. (فبها ونعمت) الباء في "فبها" متعلقة بفعل مضمر، أي: فبهذه الفعلة أو الخصلة- يعني: الوضوء- ينال الفضل، ونعمت الخصلة هي، فحذف المخصوص بالمدح، وسئل الأصمعي عنها؟ فقال: أظنه يريد: فبالسنة أخذ، وأضمر ذلك، والله أعلم. 1740 - ابن خزيمة (3/ 126) 25 - باب أمر النساء بالغسل لشهود الجمعة، وهو صحيح.

- اتخاذ لباس خاص للجمعة

"من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل، ومن لم يأت فليس عليه غسل من الرجال والنساء". أقول: قوله عليه الصلاة والسلام ومن لم يأتها: أي لعذر من الأعذار التي تبيح ترك الجمعة. 1741 - * روى الطبراني في الأوسط عن علي قال: يستحب الغسل يوم الجمعة وليس بحتم. 1742 - * روى البزار عن عبد الله بن مسعود قال: من السنة الغسل يوم الجمعة. - اتخاذ لباس خاص للجمعة: 1743 - * روى مالك عن يحيى بن سعيد رحمه الله بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما على أحدكم لو اتخذ ثوبين لجمعته، سوى ثوبي مهنته". 1744 - * روى أبو داود عن محمد بن يحيى بن حبان رحمه الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما على أحدكم إن وجد- أو ما على أحدكم إن وجدتم- أن يتخذ ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته". وفي رواية (5) عنه عن ابن سلام: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك على المنبر.

_ 1741 - مجمع الزوائد (2/ 175) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات. 1742 - كشف الأستار (1/ 301) باب من السنة الغسل يوم الجمعة. مجمع الزوائد (2/ 173) وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله ثقات. 1743 - الموطأ (1/ 110) 5 - كتاب الجمعة، 8 - باب الهيئة، وتخطي الرقاب، واستقبال الإمام يوم الجمعة. أبو داود (1/ 282، 283) كتاب الصلاة، 218 - باب اللبس للجمعة. ابن ماجة (1/ 348) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 83 - باب ما جاء في الزينة يوم الجمعة، وإسناده صحيح. (مهنته) المهنة بفتح الميم وسكون الهاء: العمل والخدمة، وقد روي بكسر الميم، وليس بالعالي، وقال الأصمعي: المهنة- بالفتح: وهي الخدمة، ولا يقال: بكسر الميم، والمهنة- بفتح الميم والهاء-: جمع ماهن، وهو الخادم، ويجمع على مهان أيضاً. 1744 - أبو داود (1/ 282، 283) كتاب الصلاة، 218 - باب اللبس للجمعة، وإسناده صحيح. (1) أبو داود (1/ 282، 283) نفس الموضع السابق.

- متى تدرك الجمعة

- متى تدرك الجمعة: 1745 - * روى النسائي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أدرك من صلاة الجمعة ركعة فقد أدرك". - من نعس في صلاة الجمعة فليتحول من مكانه: 1746 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا نعس أحدكم يوم الجمعة فليتحول من مجلسه ذلك". الأمر بالتحول للندب، قال في (فيض القدير 1/ 449): لأن الحركة تذهب الفتور الموجب للنوم فإن لم يكن في الصف محل يتحول له قام وجلس، قال في الأم: ولو ثبت في مجلسه وتحفظ من النعاس لم أكرهه والتحول الانتقال من موضع لآخر وهذا عام في جميع الأيام، وتخصيصه بالجمعة في خبر الترمذي إنما هو لإطالة مكث المبكر بل أجراه بعضهم في كل من قعد ينتظر عبادة في أي محل أي يوم كان، وفيه حث على استقبال الصلاة بنشاط وخشوع وفراغ قلب وتعقل لما يقرأه أو يدعو به والمحافظة على الإتيان بالأركان والسنن والآداب اهـ. - إذا اجتمع العيد والجمعة لا تسقط الجمعة به: 1747 - * روى مالك عن ابن شهاب عن أبي عبيد مولى ابن أزهر أنه قال: شهدت العيد مع عثمان بن عفان، فجاء، فصلى ثم انصرف، فخطب، وقال: "إنه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان، فمن أحب من أهل العالية أن ينتظر الجمعة. فلينتظرها، ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له". عن عمر بن عبد العزيز قال: اجتمع عيدان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "من أحب

_ 1745 - النسائي (3/ 112) 14 - كتاب الجمعة، 41 - من أدرك ركعة من صلاة الجمعة، وإسناده صحيح. 1746 - أبو داود (1/ 292) كتاب الصلاة، 238 - باب الرجل ينعس والإمام يخطب. الترمذي (2/ 404) أبواب الصلاة، 379 - باب ما جاء فيمن نعس يوم الجمعة أنه يتحول من مجلسه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وهو كما قال. 1747 - الموطأ (1/ 179) 10 - كتاب العيدين، 2 - باب الأمر بالصلاة قبل الخطبة في العيدين.

أن يجلس من أهل العالية فليجلس في غير حرج". أخرجه الإمام الشافعي، قال في الإعلاء، وإسناده مرسل حسن. وشيخ الإمام ضعيف عند الجمهور، وثقة عنده وعند حمدان بن الإصبهاني، وقال ابن عقدة: "نظرت في حديث إبراهيم كثيراً، وليس بمنكر الحديث". قال ابن عدي: "وهذا الذي قاله كما قاله" اهـ (تهذيب) وإبراهيم بن عقبة من رجال مسلم ثقة (تهذيب) وعمر بن عبد العزيز أمير المؤمنين من خير التابعين، وإرسال مثله مقبول حجة عندنا، وله شاهد مرفوع موصول مقيداً بأهل العوالي. رواه البيهقي من حديث سفيان بن عيينة عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن أبي هريرة، وإسناده ضعيف اهـ التلخيص الحبير (1/ 46). والمرسل إذا تأيد بموصول ولو ضعيفاً، فهو حجة عند الكل، كما مر غير مرة .. اهـ. قال في (إعلاء السنن 8/ 74 - 75): وأنما رخص عثمان في الجمعة لأهل العالية لأنهم ليسوا من أهل المصر. وهو قول أبي حنيفة اهـ. وكان عثمان قال ذلك بمحضر من الصحابة، فلو كانت الرخصة تعم أهل القرى، وأهل البلد جميعاً، كما زعمه أحمد بن حنبل رحمه الله لأنكروا عليه تخصيصها بأهل العالية، فثبت أن الرخصة مخصوصة بمن لم تجب عليهم الجمعة، فلا تترك الجمعة بالعيد، كيف؟ وأن فريضة الجمعة ثابتة بالكتاب والإجماع، لازمة على أهل البلد، فلا يجوز إسقاطها عنهم بما هو دون إلا بنص قطعي مثله. ودونه خرط القتاد، فإن الآثار التي استدل بها أحمد رحمه الله على سقوط الجمعة بالعيد عن أهل البلد من الآحاد مع احتمال اختصاصها بأهل القرى، والعوالي. ثم أورد الإمام التهانوي في الإعلاء أدلة الآخرين القائلين بسقوط الجمعة إذا اجتمعت مع صلاة العيد فقال: فمنها ما رواه ابن ماجة (ص- 203) عن ابن عباس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اجتمع عيدان في يومكم هذا، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون إن شاء الله. قال السندي وفي الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات ورواه أبو داود في سننه عن أبي هريرة بهذا الإسناد اهـ. ثم قال بعد كلام حول سند الحديث: وإن سلمنا صحته مرفوعاً فنقول: كان أهل القرى يجتمعون لصلاة العيدين ما لا يجتمعون لغيرهما، كما هو العادة، وكان في انتظارهم الجمعة

بعد الفراغ من العيد حرج عليهم، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاة العيد نادى مناديه: "من شاء منكم أن يصلي الجمعة، فليصل، ومن شاء الرجوع، فليرجع". وكان ذلك خطاباً لأهل القرى المجتمعين هناك. والقرينة على ذلك بأنه قد صرح فيه بأنا مجمعون، والمراد به من جمع المتكلم أهل المدينة بلا شك وفيه دلالة واضحة على أن الخطاب بقوله: "من شاء منك أن يصلي" لأهل القرى، دون أهل المدينة، ويؤيده ما ذكرنا في المتن من مرسل عمر بن عبد العزيز قال: اجتمع عيدان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "من أحب من أهل العالية أن يجلس فليجلس في غير حرج". وكذا هو في رواية عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن أبي هريرة مقيداً "بأهل العوالي". وقد ذكرنا أن مجموع المرسل، والموصول صالح للاحتجاج به حتماً على أن إبداء الاحتمال يجوز بالضعيف أيضاً، فلا يصح الاستدلال بظاهر ما في رواية ابن ماجة، وأبي داود من العموم في قوله: "فمن شاء أجزأه من الجمعة" على سقوط الجمعة بالعيد عن أهل البلد، لاحتمال كونه مختصاً بأهل القرى، بقرينة قوله: "وإنا لمجمعون". وبقرينة مرسل عمر بن عبد العزيز وموصول أبي هريرة مقيداً لهم وإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال. واندحض بما ذكرنا ما قاله العلامة الشوكاني في النيل: "إن قول عثمان لا يخصص قوله صلى الله عليه وسلم" اهـ (1 - 164). فقد رأيت أنا لم نخصص المرفوع إلا بالمرفوع، وإذا جاز تخصيص خبر الواحد بدلالة العقل، والعرف، والقياس، كما تقرر في الأصول، فجواز تخصيصه بقول الصحابي أولى، لكونه أعرف الناس بمراد الرسول صلى الله عليه وسلم، لاسيما عند من يجعل أقوال الصحابة حجة. فافهم. وهذا هو الجواب عما رواه الخمسة إلا الترمذي، وصححه ابن خزيمة عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم العيد ثم رخص في الجمعة، فقال: "من شاء أن يصلي فليصل" كذا في بلوغ المرام (1 - 183). فإن قوله: "من شاء أن يصلي فليصل" مختص بأهل القرى والعوالي، بدليل ما ذكرناه. وفي التلخيص الحبير: وصححه ابن المديني. وقال ابن المنذر: "هذا الحديث لا يثبت. وأياس بن أبي رملة راويه عن زيد مجهول" اهـ (1 - 146). قلت: وصححه الحاكم في المستدرك، والذهبي في تلخيصه (1 - 288).

والعجب منهم كيف صححوه؟ وفيه أياس بن أبي رملة وهو مجهول. اهـ بكما قال الذهبي في الميزان وابن حجر في التقريب]. ثم قال في الإعلاء بعد كلام حول حديث أياس وجهالته (8/ 77): واحتجت الحنابلة أيضاً بما رواه مسدد والمروزي في العيدين، وصحح، كما في كنز العمال (4 - 337)، والحاكم في المستدرك، وصححه على شرطهما، وأقره الذهبي (1 - 296) عن وهب بن كيسان قال: "اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير فأخر الخروج حتى تعالى النهار، ثم خرج، فخطب فأطال ثم نزل، فصلى ركعتين، ولم يصل الناس الجمعة. فعاب ذلك عليه ناس، فذكر ذلك لابن عباس، فقال: أصاب السنة. فذكروا ذلك لابن الزبير، فقال: رأيت عمر بن الخطاب إذا اجتمع على عهده عيدان صنع هكذا. اهـ. وقد رواه النسائي: وسكت عنه إلى قوله: السنة (1 - 236). وفي النيل: "رجاله رجال الصحيح، وقد رواه أبو داود (1/ 417) وسكت عنه. وقال النووي: "إسناده حسن" كما في نصب الراية. وعن عطاء بن أبي رباح عند أبي داود أيضاً قال: "صلى بنا الزبير في يوم عيد في يوم جمعة أول النهار ثم رحنا إلى الجمعة، فلم يخرج إلينا فصلينا [أي الظهر] وحدانا وكان ابن عباس بالطائف، فلما قدم ذكرنا ذلك له، فقال: أصاب السنة" اهـ قال الزيلعي: قال النووي: "إسناده على شرط مسلم" (1 - 326). وفي رواية له "فجمعهما جميعاً، فصلاهما ركعتين بكرة لم يزد عليهما حتى صلى العصر" اهـ. وفي النيل: رجاله رجال الصحيح (3 - 164). قلت: لا حجة لهم في ذلك أصلاً، فإن الناس كلهم أنكروا على ابن الزبير، ولم يوافقه على فعله من الصحابة غير ابن عباس، وأمر لا يعرفه أكثر الناس في عهد الصحابة، بل ينكرونه لا يجوز به إسقاط فريضة قد أجمع عليها، ولا يخفى أن ابن الزبير، وابن عباس كان صغيرين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فلعلهما سمعا منادي النبي صلى الله عليه وسلم ينادي: "من شاء منكم أن يصلي فليصل ومن شاء الرجوع فليرجع"، وكان ذلك خطاباً لأهل القرى، فلم يفهما المراد به، وظناه عاماً لأهل البلد أيضاً. فجمع ابن الزبير الجمعة والعيد، وقال فيه ابن عباس: "إنه أصاب السنة" أي أصاب ما سمعه من منادي النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: "من شاء

فليصل" بالمعنى الذي فهمه، وأما قول ابن الزبير: "رأيت عمر بن الخطاب إذا اجتمع عيدان صنع هكذا" فلعل عمر رضي الله عنه فعل ذلك بعذر عرفه الناس، ولم يعرفه ابن الزبير ولذا أنكروا عليه، ولم ينكروا على عمر وإلا فيبعد كل البعد أن يصنع ابن الزبير مثل ما صنعه، فعرفه الناس من عمر وأنكروه منه. وأيضاً مجموع ما روي في ذلك عن ابن الزبير لا يدل على ترك الجمعة بالعيد، بل غايته أنه صلى الجمعة قبل الزوال إذا اجتمع العيدان؛ بدليل تقديمه الخطبة على الصلاة حينئذ وخطبة العيد بعد الصلاة إجماعاً، كما سيأتي، وبدليل ما في رواية لأبي داود "فجمعهما جميعاً فصلاهما ركعتين". فلا يصح الاستدلال به على الرخصة في ترك الجمعة بصلاة العيد، بل غاية ما يؤخذ منه جواز تقديم الجمعة عن الزوال في يوم العيد، فيؤل البحث إلى وقت صلاة الجمعة وقد فرغنا منه في الباب المتقدم قبل أبواب، وقد أثبتنا أن لا حجة للحنابلة فيما استدلوا به على جواز الجمعة قبل الزوال، بل الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم توقيتها بما بعد الزوال (سيأتي البحث في ذلك) ولا حجة لهم في أثر ابن الزبير أيضاً، فإنه يفيد أن تقديم الجمعة على الزوال مختص بما إذا اجتمع العيدان لا غير وهم لا يقولون بالتخصيص. وأيضاً، فلا حجة بقول الصحابي، وفعله في معارضة قول النبي صلى الله عليه وسلم. وفعله لا سيما وقد ثبت أن الناس أنكروا على ابن الزبير ما صنعه، وعاتبوه عليه. فافهم. على أن الحنابلة يقولون: إنه إذا اتفق عيد في يوم جمعة سقط حضور الجمعة عمن صلى العيد إلا الإمام، فإنها لا تسقط عنه إلا أن لا يجتمع له من يصلي به الجمعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم "وإنا لمجمعون"، ولأنه لو تركها لامتنع فعل الجمعة في حق من تجب عليه، ومن يريدها ممن سقطت عنه. ذكره ابن قدامة في المغني (2/ 212 و 213). فصنع ابن الزبير وقع خلاف الإجماع لكونه لم يزد على الركعتين قبل الزوال بكرة حتى صلى العصر مع أنه قد اجتمع له من يصلي به الجمعة. قال عطاء: "ثم رحنا إلى الجمعة، فلم يخرج إلينا، فصلينا وحدانا"، كما تقدم. أقول: وفي كل الأحوال لا يدل عدم خروج ابن الزبير إلى الجمعة أنه لم يصل الظهر وإنما أشرنا إلى ذلك لأنه وجد من استند على فعل ابن الزبير فاسقط الجمعة والظهر بأن واحد على من صلى العيد.

- أعذار ترك الجمعة والسفر يوم الجمعة

قال التهانوي: ولا يخفى أن عطاء أخبر أنه لم يخرج ابن الزبير لصلاة الجمعة، وليس ذلك بنص قاطع أنه لم يصل الظهر في منزله فالجزم بأن مذهب ابن الزبير سقوط صلاة الظهر في يوم الجمعة [الذي] يكون عيداً لهذه الرواية غير صحيح لاحتمال أنه صلى الظهر في منزله. بل في قول عطاء أنهم صلوا وحداناً أي الظهر ما يشعر بأنه لا قائل بسقوطه، ولا يقال: إن مراده صلوا الجمعة وحداناً، فإنها لا تصح إلا جماعة إجماعاً. ثم القول بأن الأصل في يوم الجمعة صلاة الجمعة، والظهر بدل عنها قول مرجوح، بل الظهر هو الفرض الأصلي المفروض ليلة الإسراء والجمعة متأخر فرضها. ثم إذا فاتت وجب الظهر إجماعاً، فهي البدل عنه، وقد حققناه في رسالة مستقلة اهـ (1 - 164). وقال الإمام الشافعي في (الأم) بعد ما ذكر مرسل عمر بن عبد العزيز، وأثر عثمان رضي الله عنه ما نصه: قال الشافعي: وإذا كان يوم الفطر يوم الجمعة صلى الإمام العيد حين تحل الصلاة، ثم أذن لمن حضره من غير أهل المصر في أن ينصرفوا إن شاؤوا إلى أهلهم، ولا يعودون إلى الجمعة، والاختيار لهم أن يقيموا حتى يجمعوا، أو يعودوا بعد انصرافهم إن قدروا حتى يجمعوا، وإن لم يفعلوا فلا حرج إن شاء الله تعالى. قال: ولا يجوز هذا لأحد من أهل المصر أن يدعوا أن يجمعوا إلا من عذر يجوز لهم به ترك الجمعة وإن كان يوم عيد. قال: وهكذا إن كان يوم الأضحى، ولا الجمعة لأنها ليست بمصر اهـ (1 - 212). وفي شرح الهداية للعيني: قال ابن عبد البر: سقوط الجمعة والظهر بصلاة العيد متروك مهجور، ولا يعول عليه. وتأويل ذلك [أي سقوط الجمعة] في حق أهل البادية، ومن لا تجب عليه الجمعة اهـ (3 - 1019). والله تعالى أعلم، وعلمه أتم وأحكم. انظر إعلاء السنن (8/ 74 - 80). - أعذار ترك الجمعة والسفر يوم الجمعة: 1748 - * روى أبو داود عن أبي المليح عن أبيه "أنه شهد مع رسول الله صلى الله عليه

_ 1748 - أبو داود (1/ 278) كتاب الصلاة، 212 - باب الجمعة في اليوم المطير.

وسلم زمن الحديبية يوم الجمعة، وقد أصابهم مطر لم يبل أسفل نعالهم، فأمرهم أن يصلوا في رحالهم" وفي رواية (1) "أن يوم حنين كان يوم مطر، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم مناديه: أن الصلاة في الرحال" زاد في رواية (2) "أن ذلك كان يوم الجمعة". 1749 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال عبد الله بن الحارث البصري- وهو ابن عم محمد بن سيرين- قال: "خطبنا ابن عباس في يوم ذي ردغ، فأمر المؤذن- لما بلغ حي على الصلاة- قال: قل: الصلاة في الرحال، فنظر بعضهم إلى بعض، كأنهم أنكروا، فقال: كأنكم أنكرتم هذا؟ إن هذا فعله من هو خير مني- يعني النبي صلى الله عليه وسلم- إنها عزمة، وإني كرهت أن أحرجكم- وفي رواية (3) - أن أؤثمكم- فتجيؤون فتدوسون في الطين إلى ركبكم" وفي أخرى (4) "أن ابن عباس قال لمؤذنه في يوم مطير- وكان يوم جمعة- إذا قلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، فلا تقل: حي على الصلاة، قل: صلوا في بيوتكم، فكأن الناس استنكروا، فقال: فعله من هو خير مني، إن الجمعة عزمة، وإني كرهت أن أحرجكم فتمشون في الطين والدحض والزلل". 1750 - * روى أبو داود عن محمد بن كعب أنه سمع رجلاً من بني وائل يقول: قال

_ (1) النسائي (2/ 111) 10 - كتاب الإمامة، 51 - العذر في ترك الجماعة، وقد وردت هذه الرواية في النسائي. (2) أبو داود (1/ 278) نفس الموضع السابق، وهو حديث صحيح. (الحديبية): وقد تشدد: بئر قرب مكة. 1749 - البخاري (2/ 157) 10 - كتاب الأذان، 41 - باب هل يصلي الإمام بمن حضر؟ وهل يخطب يوم الجمعة في مطر. مسلم (1/ 485) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 3 - باب الصلاة في الرحال والمطر. (3) البخاري (2/ 157) 10 - كتاب الأذان، الموضع السابق. (4) البخاري (2/ 384) 11 - كتاب الجمعة، 14 - باب الرخصة إن لم يحضر الجمعة في المطر، ولم ترد كلمة "الزلل" عند البخاري في هذه الرواية، بينما جاءت في بعض روايات مسلم. (ردغ) الردغ- بفتح الدال- الماء والطين. (عزمة) العزمة: الفريضة اللازمة. (أحرجكم) الحرج: الضيق، وقيل: الإثم، وأحرجته: إذا ألجأته إلى أمر يشق عليه، أو يأثم به. (أؤثمكم) أثمت الرجل أؤثمه: إذا أوقعته في الإثم. (الدحض) بسكون الحاء: الزلق. 1750 - أبو داود (1/ 280) كتاب الصلاة، 214 - باب الجمعة للملوك والمرأة. ورواه طارق بن شهاب عن النبي صلى الله عليه وسلم، وزاد "أو مريض" وطارق بن شهاب قد رأى النبي، ولم يسمع منه شيئاً.

النبي صلى الله عليه وسلم: "تجب الجمعة على كل مسلم، إلا امرأة أو صبياً أو مملوكاً". قال النووي في الخلاصة: وهذا غير قادح في صحته فإنه يكون مرسل صحابي وهو حجة والحديث على شرط الصحيحين. كذا في نصب الراية. قال البغوي في (شرح السنة 4/ 226 - 227) عن الجمعة: هي واجبة على كل من جمع: العقل، والبلوغ، والحرية، والذكورة، والإقامة، إذ لم يكن له عذر. أما الصبي والمجنون، فلا جمعة عليهما لأنهما ليسا من أهل أن يلزمهما فروض الأبدان، لنقصان أبدانهما، واتفقوا على أن لا جمعة على النساء. وذهب أكثرهم إلى أن لا جمعة على العبيد، وقال داود: تجب عليهم الجمعة، وقال الحسن وقتادة: تجب الجمعة على العبد المخارج (1)، وهو قول الأوزاعي، ولا تجب على المسافر، وذهب النخعي والزهري إلى أن المسافر إذا سمع النداء، فعليه حضور الجمعة. وكل من لا يجب عليه حضور الجمعة، فإذا حضر وصلى سقط عنه فرض الظهر بأداء الجمعة، ولكن لا يكمل به عدد الجمعة، إلا من له عذر من مرض، أو تعهد مريض، أو خوف، أو منعه مطر، أو وحل، فإنه لا يجب عليه حضور الجمعة، غير أنه حضر يكمل به العدد. قال عبد الله بن مسعود للنساء يوم الجمعة: إذا صليتن مع الإمام فصلين بصلاته، فإذا صليتن وحدكن فصلين أربعاً. قال رحمه الله: وكل من لا يلزمه حضور الجمعة، فلو صلى الظهر قبل فوات الجمعة جازت صلاته، ومن يلزمه الحضور لا يصح ظهره قبل فوات الجمعة. اهـ. 1751 - * روى الترمذي عن ابن عباس قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة في

_ (1) يقال: خارج فلان غلامه: إذا اتفقا على ضريبة يردها العبد على سيده كل شهر، ويكون يخلي بينه وبين عمله، فيقال: عبد مخارج. 1751 - الترمذي (2/ 405) أبواب الصلاة، 380 - باب ما جاء في السفر يوم الجمعة وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وهذا الحديث أخرجه أحمد مختصراً (1/ 256)، والبيهقي (3/ 187)، وفيه عندهم الحجاج بن أرطأة، وهو=

سرية، فوافق ذلك الجمعة، فغدا أصحابه وقال: أتخلف فأصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ألحقهم، فلما صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم رآه، فقال: "ما منعك أن تغدو مع أصحابك؟ " قال: أردت أن أصلي معك، ثم ألحقهم، فقال: "لو أنفقت ما في الأرض ما أدرك فضل غدوتهم". قال البغوي وهو شافعي: وكل من تلزمه الجمعة لا يجوز له أن يسافر بعد الزوال قبل أن يصلي الجمعة، وإن سافر قبل الزوال بعد طلوع الفجر، فلا بأس، غير أنه يكره إلا أن يكون سفره سفر طاعة من غزو أو حج، فالأولى أن يخرج، وذهب بعضهم إلى أنه إذا أصبح يوم الجمعة فلا يسافر حتى يصلي الجمعة. وقال أصحاب الرأي: يجوز أن يسافر بعد الزوال إذا كان يفارق البلد قبل خروج الوقت. وروي أن عمر بن الخطاب سمع رجلاً عليه هيئة السفر يقول: لولا أن اليوم يوم الجمعة لخرجت، فقال عمر: اخرج فإن الجمعة لا تحسب عن السفر. أخرجه الشافعي في مسنده (1/ 54). قال الشيخ شعيب: سنده قوي. 1752 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "الجمعة على من سمع النداء". وقال فيه "إنما الجمعة على من سمع النداء". قال في النيل (3/ 276): الحديث قال أبو داود في السنن رواه جماعة عن سفيان مقصوراً على عبد الله بن عمرو ولم يرفعوه وإنما أسنده قبيصة انتهى. وفي إسناده محمد بن سعيد الطائفي قال المنذري: وفيه مقال وقال في التقريب: صدوق. وقال في (3/ 277 - 278): (يدل على أن الجمعة لا تجب إلا على من سمع النداء

_ = مدلس وكثير الخطأ، وقد رواه بالعنعنة، وله شاهد بمعناه عند ابن عبد الحكم في "فتوح مصر" ص 298 (من طريق ابن لهيعة، عن زبان بن فائد، عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. 1752 - أبو داود (1/ 278) كتاب الصلاة، 211 - باب من تجب عليه الجمعة. سنن الدارقطني (2/ 6) باب الجمعة على من سمع النداء.

وإليه ذهب الشافعي وأحمد وإسحق، حكى ذلك الترمذي عنهم وحكاه ابن العربي عن مالك وروي ذلك عن عبد الله بن عمرو راوي الحديث. وحديث الباب وإن كان فيه المقال المتقدم فيشهد لصحته قوله تعالى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} الآية. قال النووي في الخلاصة: إن البيهقي قال: له شاهد فذكره بإسناد جيد. وقد حكى العراقي في شرح الترمذي عن الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل أنهم يوجبون الجمعة على أهل المصر وإن لم يسمعوا النداء وقد اختلف أهل العلم فيمن كان خارجاً عن البلد الذي تقام فيه الجمعة فقال عبد الله بن عمرو وأبو هريرة وأنس والحسن وعطاء ونافع وعكرمة والحكم والأوزاعي والإمام يحيى: إنها تجب على من يؤويه الليل إلى أهله، والمراد أنه إذا جمع مع الإمام أمكنه العود إلى أهله آخر النهار وأول الليل واستدلوا بما أخرجه الترمذي عن أبي هريرة: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الجمعة على من آواه الليل إلى أهله" قال الترمذي: وهذا إسناد ضعيف. وقال العراقي: إنه غير صحيح فلا حجة فيه. وذهب الهادي والناصر ومالك إلى أنها تلزم من سمع النداء بصوت الصيت من سور البلد. وقال عطاء: تلزم من على عشرة أميال. وقال الزهري: من على ستة أميال. وقال ربيعة: من على أربعة وروي عن مالك: ثلاثة. وروي عن الشافعي: فرسخ وكذلك روي عن أحمد. قال ابن قدامة: وهذا قول أصحاب الرأي. وروي في البحر عن زيد بن علي والباقر والمؤيد بالله وابن أبي حنيفة: أنها لا تجب على من كان خارج البلد وقال أيضاً: والمراد بالنداء المذكور في الحديث هو النداء الواقع بين يدي الإمام في المسجد لأنه الذي كان في زمن النبوة اهـ. أقول: وهذا الحكم لمن كان خارج المصر أما من كان داخل المصر فإن الصلاة تجب عليه ولو لم يسمع النداء والأرجح أن من كان خارج المصر يسمع النداء لا بالمكبرات فإنه تجب عليه أما من كان لا يسمع إلا بالمكبرات للصوت فلا تجب عليه.

الفقرة الثالثة: وقت الجمعة ونداؤها وخطبتها وآدابها

الفقرة الثالثة: وقت الجمعة ونداؤها وخطبتها وآدابها - وقت صلاة الجمعة: 1753 - * روى البخاري عن أنس رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس". أقول: هذا دليل على أن وقت الجمعة هو وقت الظهر كما هو قول الجمهور لا كما رأى أحمد أنه يجوز قبل الزوال. قال صاحب (الإعلاء 8/ 46): دلالتها على مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم وأجله الصحابة على أدائهم الجمعة بعد الزوال ظاهرة. وقال الحافظ في الفتح: فيه- أي في حديث أنس- إشعار بمواظبته صلى الله عليه وسلم على صلاة الجمعة إذا زالت الشمس. وأما رواية حميد التي (أخرجها البخاري) بعد هذا عن أنس رضي الله عنه "كنا نبكر بالجمعة، ونقيل بعد الجمعة" فظاهره أنهم كانوا يصلون الجمعة باكرة النهار، لكن طريق الجمع أولى من دعوى التعارض. وقد تقرر فيما تقدم أن التبكير يطلق على فعل الشيء في أول وقته أو تقديمه على غيره، وهو المراد ههنا والمعنى أنهم كانوا يبدؤون بالصلاة قبل القيلولة بخلاف ما جرت عادتهم في صلاة الظهر، فإنهم كانوا يقيلون ثم يصلون لمشروعية الإبراد اهـ (2 - 322). 1754 - * روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتد البرد بكر بالصلاة، وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة- يعني الجمعة. قال الزين ابن المنير: إذا تقرر أن الإبراد يشرع في الجمعة أخذ منه أنها لا تشرع قبل الزوال، لأنه لو شرع لما كان اشتداد الحر سبباً لتأخيرها، بل كان يستغنى عنه بتعجيلها قبل الزوال. واستدل به ابن بطال على أن وقت الجمعة وقت الظهر، لأن أنساً سوَّى بينهما

_ 1753 - البخاري (2/ 286) 11 - كتاب الجمعة، 16 - باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس. أبو داود (1/ 284) كتاب الصلاة، 223 - باب في وقت الجمعة. الترمذي (2/ 377) أبواب الصلاة، 361 - باب ما جاء في وقت الجمعة. 1754 - البخاري (2/ 388) 11 - كتاب الجمعة، 17 - باب إذا اشتد الحر يوم الجمعة. (بكر) التبكير بالجمعة: المضي إليها في أول وقتها. (أبرد) الإبراد: تأخير الصلاة إلى أن ينكسر الحر.

في جوابه (أي السائل عن الوقت) خلافاً لمن أجاز الجمعة قبل الزوال اهـ (2 - 324). واحتج بعض الحنابلة بقوله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا يوم جعله الله عيداً للمسلمين" قال: فلما سماه عيداً جازت الصلاة فيه في وقت العيد، كالفطر، والأضحى. وتعقب بأنه لا يلزم من تسمية يوم الجمعة عيداً أن يشتمل على جميع أحكام العيد، بدليل أن يوم العيد يحرم صومه مطلقاً سواء صام قبله أو بعده بخلاف يوم الجمعة باتفاقهم اهـ (2/ 322). قال في (الإعلاء 8/ 48): وأيضاً فالخطبة في العيد بعد الصلاة، وتجب في الجمعة مقدمة عليها، ويكره التنفل في العيد قبل الصلاة، وبعدها في المصلى، ولا كذلك الجمعة، ولا يشرع النداء لصلاة العيد، والجمعة بخلافها. اهـ. 1755 - * روى الشيخان عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: "كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة، ثم تكون القائلة" وفي رواية (1) قال: "ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة" زاد في رواية (2) "في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم". قال في (الإعلاء 8/ 47): واستدل بهذا الحديث لأحمد على جواز صلاة الجمعة قبل الزوال وترجم عليه ابن أبي شيبة "باب من كان يقول: الجمعة أول النهار" وأورد فيه حديث سهل هذا، وحديث أنس رضي الله عنه الذي بعده: وعن ابن عمر رضي الله عنه مثله، وعن عمر رضي الله عنه، وعثمان رضي الله عنه، وسعد رضي الله عنه، وابن مسعود رضي الله عنه مثل قولهم، وتعقب بأنه لا دلالة فيه على أنهم كانوا يصلون الجمعة قبل الزوال بل فيه أنهم كانوا يتشاغلون عن الغداء، والقائلة بالتهيؤ للجمعة، ثم بالصلاة، ثم ينصرفون، فيتذاكرون ذلك. بل ادعى الزين ابن المنير أنه يؤخذ منه أن الجمعة تكون بعد الزوال، لأن العادة في القائلة أن تكون قبل الزوال، فأخبر الصحابي أنهم كانوا يشتغلون بالتهيؤ

_ 1755 - البخاري (2/ 428) 11 - كتاب الجمعة، 41 - باب القائلة بعد الجمعة. مسلم (2/ 588) 7 - كتاب الجمعة، 9 - باب صلاة الجمعة حين تزول الشمس. (1) البخاري (2/ 427) 11 - كتاب الجمعة، 40 - قول الله تعالى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}. (2) مسلم (2/ 588) 7 - كتاب الجمعة، 9 - باب صلاة الجمعة حين تزول الشمس.

للجمعة عن القائلة، ويؤخرون القائلة حتى تكون بعد صلاة الجمعة اهـ (2 - 356). 1756 - * روى الشيخان عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: "كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة، ثم ننصرف وليس للحيطان فيء" وفي أخرى (1) "ظل نستظل به" وفي أخرى (2) "كنا نجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس، ثم نرجع نتتبع الفيء". أقول: في هذا النص إشارة إلى عدم إطالة الجمعة وخاصة في شدة الحر ويقاس عليه البرد وسنورد مناقشة ذلك بعد قليل. 1757 - * روى مالك عن أبي سهيل بن مالك عن أبيه قال: "كنت أرى طنفسة لعقيل بن أبي طالب يوم الجمعة تطرح إلى جدار المسجد الغربي، فإذا غشي الطنفسة كلها ظل الجدار خرج عمر فصلى الجمعة، قال: ثم نرجع بعد صلاة الجمعة فنقيل قائلة الضحى". في النص إشارة إلى أنهم كانوا يؤخرون نومة القيلولة التي هي قبل صلاة الظهر إلى ما بعد الجمعة يوم الجمعة لاهتمامهم بصلاة الجمعة ولا يفيد النص أنهم كانوا يصلون قبل الزوال بدليل أن الظل كان يغشى الطنفسة مع أنها في جهة الغرب. وانظر (شرح السنة 4/ 239). 1758 - * روى مسلم عن جابر رضي الله عنه سأله محمد بن علي بن الحسين: "متى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة؟ قال: كان يصلي، ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حين تزول الشمس- يعني النواضح". أقول: في النص إشارة إلى الإسراع من الانتهاء من صلاة الجمعة وليس فيه أن صلاة

_ 1756 - البخاري (7/ 449) 64 - كتاب المغازي، 35 - باب غزوة الحديبية ... إلخ. مسلم (2/ 589) 7 - كتاب الجمعة، 9 - باب صلاة الجمعة حين تزول الشمس. (1) البخاري (7/ 449) نفس الموضع السابق. (2) مسلم (2/ 589) نفس الموضع السابق. 1757 - الموطأ (1/ 9) 1 - كتاب وقوت الصلاة، 2 - باب وقت الجمعة، وإسناده صحيح. (طنفسة) الطنفسة: كساء له خمل يجلس عليه. (الضحى) بضم الضاد مقصوراً: أول النهار، بعد أن تعلو الشمس وتشرق، وبفتح الضاد ممدوداً: ارتفاع النهار كثيراً وامتداده، وهو قبيل الظهر. 1758 - مسلم (2/ 588) 7 - كتاب الجمعة، 9 - باب صلاة الجمعة حين تزول الشمس. (النواضح): الإبل التي يستقى عليها.

الجمعة تقام قبل دخول وقت الزوال، فإن جماهير علماء المسلمين كما قلنا على أن وقت صلاة الجمعة هو وقت الظهر بعد الزوال وأنه لا تجوز قبل زوال الشمس. لكن قال أحمد وإسحاق وابن راهويه بأنه يجوز أن تؤدى قبل الزوال، وقد قدمنا بعض الأدلة في ذلك وفيما يلي مزيد بيان، قال صاحب (الإعلاء 8/ 45): إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بين لجميع الصلوات أول الوقت وآخره، كما ورد في رواية جبريل وحديث السائل عن وقت الصلاة فلو كان للجمعة وقت قبل الزوال لبينه قولاً أو فعلاً، ولم يثبت أنه صلى الجمعة قبله يوماً أو أجاز ذلك لأحد قولاً. بل الثابت عنه خلافه أنه أمر ابن عمير لأول جمعة جمعت في الإسلام أن يصليها بعد الزوال، ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك يصليها، لم يجمع قبله قط، فهذا مما يفيد العلم بأن وقتها إنما هو بعد أن تزول الشمس عن شطر النهار. كيف؟ وأن الجمعة أقيمت مقام الظهر بالنص، فيصير وقت الظهر وقتاً لها، وما أقيمت مقام غيرها من الصلوات، فلم تكن مشروعة في غير وقته والله تعالى أعلم. قال النووي: وقد قال مالك وأبو حنيفة، والشافعي، وجماهير العلماء من الصحابة، والتابعين فمن بعدهم: لا تجوز الجمعة إلا بعد زوال الشمس. ولم يخالف في هذا إلا أحمد بن حنبل، وإسحاق، فجوزاها قبل الزوال. قال القاضي: وروي في هذا أشياء عن الصحابة لا يصلح منها شيء إلا ما عليه الجمهور. وحمل الجمهور هذه الأحاديث على المبالغة في تعجيلها، وأنهم كانوا يؤخرون الغداء، والقيلولة في هذا اليوم إلى ما بعد صلاة الجمعة، لأنهم ندبوا إلى التبكير إليها، فلو اشتغلوا بشيء من ذلك قبلها خافوا فوتها أو فوت التبكير إليها اهـ (1 - 283). احتجت الحنابلة بما رواه مسلم عن أياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: "كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة، فنرجع؛ وما نجد للحيطان فيئاً نستظل به". قالوا: وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب خطبتين، ويجلس بينهما، ويقرأ القرآن، ويذكر الناس كما في مسلم من حديث أم هشام بنت حارثة أنها قالت: "ما حفظت ق والقرآن المجيد إلا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرؤها على المنبر كل جمعة". وعند ابن ماجة من حديث أبي بن كعب، "أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ يوم الجمعة تبارك وهو قائم". وكان يصلي الجمعة بسورة الجمعة،

- مشروعية الأذان الثالث وهو الأول الآن

والمنافقين، كما ثبت ذلك عند مسلم من حديث علي وأبي هريرة وابن عباس. ولو كانت خطبته وصلاته بعد الزوال لما انصرف منها إلا وقد صار للحيطان ظل يستظل به. كذا في النيل (3 - 138). قلنا: إنما كان كذلك لأن الجدران كانت في ذلك العصر قصيرة لا يستظل بظلها إلا بعد توسط الوقت، (لاسيما في زمان تكون فيه الشمس على سمت الرأس، ويطول النهار) فلا دلالة في ذلك على أنهم كانوا يصلون قبل الزوال (بل كانوا يصلون إذا زالت الشمس مع الخطبتين والقراءة والذكر الذي ذكرتموه، وينصرفون عن الصلاة قبل توسط الوقت، وليس للحيطان ظل يستظل به) كذا في النيل أيضاً (3 - 137) يدل على ذلك ما رواه مسلم عن أياس بن سلمة عن أبيه أيضاً قال: "كنا نجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء" (1 - 283) ففيه تصريح بأنهم كانوا يجمعون بعد الزوال، ومع ذلك لا يجدون للحيطان فيئاً يستظل به بعد انصرافهم عن الصلاة، لقصر الحيطان، والجدران. قال النووي: قوله: "نتتبع الفيء" إنما كان ذلك لشدة التبكير، وقصر حيطانه، وفيه تصريح بأنه كان قد صار فيء يسيراً. وقوله: "وما نجد فيئاً نستظل به" موافق لهذا فإنه لم ينف الفيء من أصله، وإنما نفى ما يستظل به، وهذا مع قصر الحيطان ظاهر في أن الصلاة كانت بعد الزوال متصلة به اهـ (1 - 283) انظر تفصيل ذلك في (الإعلاء 8/ 45 - 49). 1759 - * روى ابن خزيمة عن الزبير بن العوام، قال: كنا نصلي الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نبتدر الفيء فما يكون إلا قدر قدم أو قدمين. - مشروعية الأذان الثالث وهو الأول الآن: 1760 - * روى البخاري عن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال: "كان النداء يوم

_ 1759 - ابن خزيمة (3/ 169) 102 - باب استحباب التبكير بالجمعة. وإسناده صحيح. 1760 - البخاري (2/ 393) 11 - كتاب الجمعة، 21 - باب الأذان يوم الجمعة. أبو داود (1/ 285) كتاب الصلاة، 224 - باب النداء يوم الجمعة. الترمذي (2/ 392) أبواب الصلاة، 372 - باب ما جاء في أذان الجمعة، وقال: هذا حديث حسن صحيح. النسائي (3/ 100، 101) 14 - كتاب الجمعة، 15 - باب الأذان للجمعة.

- من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة

الجمعة: أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فلما كان عثمان- وكثر الناس- زاد النداء الثالث على الزوراء". وزاد في رواية (1): "فثبت الأمر على ذلك"وفي أخرى (2) قال: "ولم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم غير مؤذن واحد"، وهذا لفظ الترمذي، قال: "كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر: إذا خرج الإمام أقيمت الصلاة، فلما كان عثمان نادى النداء الثالث على الزوراء" وفي رواية (3) لأبي داود قال: "كان يؤذن بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم إذا جلس على المنبر يوم الجمعة على باب المسجد، وأبي بكر وعمر، ... ثم ساق نحو ما تقدم. أقول: إذا جلس الخطيب على المنبر كان الأذان بين يديه فإذا أنهى خطبته كانت الإقامة للصلاة وهي الأذان الثاني وقد أضاف عثمان وهو خليفة راشد عمله سنة الأذان الثالث وهو الأول الذي يعلم فيه الناس أن وقت الجمعة قد دخل. قال الحافظ (2/ 394): والذي يظهر أن الناس أخذوا بفعل عثمان في جميع البلاد إذ ذاك لكونه خليفة مطاع الأمر ثم قال: وروى ابن أبي شيبة من طريق ابن عمر قال "الأذان الأول يوم الجمعة بدعة" فيحتمل أن يكون قال ذلك على سبيل الإنكار، ويحتمل أنه يريد أنه لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وكل ما لم يكن في زمنه يسمى بدعة، لكن منها ما يكون حسناً ومنها ما يكون بخلاف ذلك. وتبين بما مضى أن عثمان أحدثه لإعلام الناس بدخول وقت الصلاة قياساً على بقية الصلوات فألحق الجمعة بها وأبقى خصوصيتها بالأذان بين يدي الخطيب، وفيه استنباط معنى من الأصل لا يبطله، وأما ما أحدث الناس قبل وقت الجمعة من الدعاء إليها بالذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فهو في بعض البلاد دون بعض، واتباع السلف الصالح أولى. اهـ. - من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة: 1761 - * روى أبو داود عن الحكم بن حزن الكلفي قال: "وفدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ (1) البخاري (2/ 397) 11 - كتاب الجمعة، 25 - باب التأذين عند الخطبة. (2) البخاري (2/ 395) 11 - كتاب الجمعة، 22 - باب المؤذن الواحد يوم الجمعة. (3) أبو داود (1/ 285) كتاب الصلاة، 224 - باب النداء يوم الجمعة. 1761 - أبو داود (1/ 287) كتاب الصلاة، 228 - باب الرجل يخطب على قوس.=

سابع سبعة- أو تاسع تسعة- فدخلنا عليه، فقلنا: يا رسول الله، زرناك، فادع لنا لنا بخير، فدعا، وأمر بنا- أو أمر لنا- بشيء من التمر، والشأن إذ ذاك دون، فأقمنا بها أياماً، وشهدنا فيها الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام صلى الله عليه وسلم متوكئاً على عصا- أو قوس- فحمد الله وأثنى عليه بكلمات خفيفات طيبات مباركات، ثم قال: "أيها الناس، إنكم لن تطيقوا- أو لن تفعلوا- كل ما أمرتم به، ولكن سددوا وقاربوا، وأبشروا ويسروا". 1762 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب: احمرت عيناه وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش، يقول: "صبحكم ومساكم"، ويقول: "بعثت أنا والساعة كهاتين"، ويقرن بين إصبعيه: السبابة والوسطى، ويقول: "أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة"، ثم يقول: "أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، من ترك مالاً فلأهله، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فإلي وعلي"، وفي رواية (1) قال: "كانت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم: يحمد الله، ويثني عليه، ثم يقول على إثر ذلك، وقد علا صوته ... وذكر نحوه" وفي أخرى (2) "كان يخطب الناس: يحمد الله، ويثني عليه بما هو أهله ثم يقول: من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وخير الحديث كتاب الله ... ثم ذكر نحو ما تقدم"، وفي رواية (3) النسائي قال: "كان

_ = قال الحافظ في التلخيص: وإسناده حسن، وفيه شهاب بن خراش، وقد اختلف فيه والأكثر وثقوه، وقد صححه ابن السكن وابن خزيمة. (سددوا): اقصدوا السداد في الأمور، وهو العدل والقصد. (قاربوا): اجعلوا عملكم قصداً لا غلو فيه. (يسروا) التيسير: التسهيل في الأمور. 1762 - مسلم (2/ 592) 7 - كتاب الجمعة، 13 - باب تخفيف الصلاة والخطبة. (1) مسلم، الموضع السابق. (2) مسلم، الموضع السابق. (3) النسائي (3/ 188) 1 - كتاب صلاة العيدين، 22 - كيف الخطبة. (منذر جيش) المنذر: المعلم المعرف للقوم بما يكون قد دهمهم من عدو أو غيره، وهو المخوف. (الهدي): السيرة والطريقة، وهو ساكن الدال. (ضياعاً) الضياع بفتح الضاد: العيال.

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته: "نحمد الله ونثني عليه بما هو أهله"، ثم يقول: "من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، إن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار"، ثم يقول: "بعثت أنا والساعة كهاتين"، وكان إذا ذكر الساعة احمرت وجنتاه، وعلا صوته، واشتد غضبه، كأنه نذير جيش، يقول: "صبحكم ومساكم"، ثم قال: "من ترك مالاً فلأهله، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فإلي، أو علي، وأنا أولى بالمؤمنين". 1763 - * روى أحمد عن علي أو عن الزبير قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا فيذكرنا بأيام الله حتى يعرف ذلك في وجهه وكأنه نذير قوم يصبحهم الأمر غدوة وكان إذا كان حديث عهد بجبريل لم يتبسم ضاحكاً حتى يرتفع. 1764 - * روى أحمد عن النعمان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: "أنذركم النار أنذركم النار"، حتى لو أن رجلاً كان بالسوق لسمعه من مقامي هذا قال: حتى وقعت خميصة كانت على عاتقه عند رجليه، وفي رواية وسمع أهل السوق صوته وهو على المنبر. 1765 - * روى ابن خزيمة عن جرير بن عبد الله: قال: لما دنوت من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنخت راحلتي وحللت عيبتي، فلبست حلتي، فدخلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم، يخطب، فسلم علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرماني الناس بالحدق، فقلت لجليس لي: يا عبد الله هل ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمري شيئاً؟ قال: نعم ذكرك بأحسن الذكر بينما هو يخطب إذ عرض له في خطبته،

_ 1763 - أحمد (1/ 167). أبو يعلى (2/ 38). مجمع الزوائد (2/ 188) وقال الهيثمي: رواه أحمد، والبزار، والطبراني في الكبير، والأوسط بنحوه، وأبو يعلى عن الزبير وحده، ورجاله رجال الصحيح". 1764 - أحمد (4/ 272). مجمع الزوائد (2/ 187) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. 1765 - ابن خزيمة (3/ 150) جماع أبواب الأذان والخطبة في الجمعة، 62 - باب الرخصة في سلام الإمام في الخطبة. وإسناده حسن.

قال: "إنه سيدخل عليكم من هذا الباب أو من هذا الفج من خير ذي يمن، وإن على وجهه لمسحة ملك". قال: فحمدت الله على ما أبلاني. أقول: حديث جرير مع جليسه أثناء الخطبة لا يقتدى به لأن جريراً كان حديث عهد بإسلام ويحتمل أن السؤال كان بعد الفراغ من الخطبة أو الصلاة. 1766 - * روى أبو داود عن زيد بن أرقم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبهم، فقال: "أما بعد". 1767 - * روى أبو داود عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تشهد قال: "الحمد لله، نستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً". وفي رواية (1): أن يونس بن يزيد سأل ابن شهاب عن تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة؟ ... فذكر نحوه، قال: "ومن يعصهما فقد غوى، ونسأل الله ربنا أن يجعلنا ممن يطيعه، ويطيع رسوله، ويتبع رضوانه، ويجتنب سخطه، فإنما نحن به وله". قال في النيل (3/ 326): اختلف أهل العلم في حكم خطبة الجمعة فذهبت العترة والشافعي وأبو حنيفة ومالك إلى الوجوب ونسبه القاضي عياض إلى عامة العلماء واستدلوا على الوجوب بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم بالأحاديث الصحيحة ثبوتاً مستمراً أنه كان يخطب في كل جمعة ... وذهب الحسن البصري ورواه الظاهري إلى أن الخطبة مندوبة مع

_ 1766 - أبو داود (4/ 294) كتاب الأدب، باب في "أما بعد" في الخطب، وإسناد صحيح. (أما بعد) بعد: مبنية على الضم، لأنها مقطوعة عن الإضافة، التقدير: أما بعد حمد الله فكذا وكذا، فلما قطعه عن الإضافة بناه على الضم. 1767 - أبو داود (1/ 287) كتاب الصلاة، 228 - باب الرجل يخطب على قوس. (1) أبو داود، الموضع السابق. وللحديث طرق يقوى بها فهو حسن وصحح إسناده النووي في شرح مسلم 6/ 160.

وقوع الاتفاق على وجوب الصلاة. اهـ. 1768 - * روى مسلم عن عدي بن حاتم رضي الله عنه "أن رجلاً خطب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بئس الخطيب أنت، قل: ومن يعص الله ورسوله". وفي رواية (1) أبي داود "أن خطيباً خطب عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: من يطع الله ورسوله، ومن يعصهما، فقال: قم- أو قال: اذهب- بئس الخطيب أنت". وأخرج النسائي (2) قال: "تشهد رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بئس الخطيب أنت". أفاده ابن الأثير وهو شافعي ولا يرى الحنفية أن مراد العطف بالواو يفيد الترتيب. أقول: قال النووي بعد أن أورد هذا الرأي (6/ 159): والصواب أن سبب النهي أن الخطب شأنها البسط والإيضاح واجتناب الإشارات والرموز ولهذا ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم أعادها ثلاثاً ليفهم وأما قول الأوليين فيضعف بأشياء منها أن مثل هذا الضمير قد تكرر في الأحاديث الصحيحة من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله صلى الله عليه وسلم: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وغيره من الأحاديث وإنما ثنى الضمير ههنا لأنه ليس خطبة وعظ وإنما هو تعليم حكم فكلما قل لفظه كان أقرب إلى حفظه بخلاف خطبة الوعظ فإنه ليس المراد حفظه وإنما يراد الاتعاظ بها ومما يؤيد هذا ما ثبت في سنن أبي داود بإسناد صحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:

_ 1768 - مسلم (2/ 594) 7 - كتاب الجمعة، 13 - باب تخفيف الصلاة والخطبة. (1) أبو داود (1/ 288) كتاب الصلاة، 228 - باب الرجل يخطب على قوس. (2) النسائي (6/ 90) 26 - كتاب النكاح، 40 - ما يكره من الخطبة. (بئس الخطيب أنت) إنما قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "بئس الخطيب أنت" لأنه لما قال: "ومن يعصهما فقد غوى" جمع في الضمير بين الله تعالى وبين رسوله، فأراد أن يقول: "ومن يعص الله ورسوله" فيأتي بالمظهر ليترتب اسم الله في الذكر أولاً، ومجيء اسم الرسول ثانياً، وفي هذا دليل على أن الواو تفيد الترتيب، لأنه لولا ذلك لكان قد أمره بشيء نهاه عن مثله.

علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة الحاجة: الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً والله أعلم. أقول: وذهب بعضهم إلى أن سبب اللوم كان الوقوف على يعصهما مع عطفه على ما قبله فأخل المعنى وهذا سبب قوله عليه الصلاة والسلام بئس الخطيب أنت، وفي ذلك إشارة على استحسان معرفة علم الوقوف وإلى استحسان علم الترقيم الذي استحدثه العلماء فيما بعد ليدللوا على أنواع الجمل ونهاياتها. - اتخاذ المنبر: 1769 - * روى ابن خزيمة عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم يوم الجمعة فيسند ظهره إلى جذع منصوب في المسجد فيخطب فجاء رومي فقال: ألا نصنع لك شيئاً تقعد وكأنك قائم؟ فصنع له منبراً، له درجتان، ويقعد على الثالثة، فلما قعد نبي الله صلى الله عليه وسلم على المنبر خار الجذع خوار الثور؛ حتى ارتج المسجد بخواره حزناً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل غليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فالتزمه وهو يخور، فلما التزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم سكت، ثم قال: "والذي نفسي بيده لو لم ألتزمه ما زال هكذا حتى تقوم الساعة حزناً على رسول الله صلى الله عليه وسلم"، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفن يعني الجذع. وفي خبر جابر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن هذا بكى لما فقد من الذكر". أقول: حنين الجذع منقول بروايات كثيرة عن الصحابة تكاد تبلغ مبلغ التواتر.

_ 1769 - ابن خزيمة (3/ 140) 45 - باب ذكر العلة التي حن الجذع عند قيام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر، وإسناده حسن. (الحُزْنُ والحَزَنُ) ضد السرور.

- القيام في الخطبة

- القيام في الخطبة: 1770 - * روى مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً، ثم يجلس، ثم يقوم فيخطب قائماً، فمن نبأك أنه كان يخطب جالساً فقد كذب، فقد والله صليت معه أكثر من ألفي صلاة" وفي أخرى (1) قال: "كانت للنبي صلى الله عليه وسلم خطبتان، يجلس بينهما، يقرأ القرآن، ويذكر الناس". حول قوله (أكثر من ألفي صلاة)، قال الإمام النووي: المراد الصلوات الخمس لا الجمعة. اهـ. قال (الشوكاني 3/ 330): ولابد من هذا لأن الجمع التي صلاها صلى الله عليه وسلم من عند افتراض صلاة الجمعة إلى عند موته لا تبلغ ذلك المقدار ولا نصفه. 1771 - * روى أحمد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخطب يوم الجمعة قائماً ثم يقعد ثم يقوم فيخطب. وفي البزار (2) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب يوم الجمعة خطبتين يفصل بينهما بجلسة. 1772 - * روى أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين، كان يجلس إذا صعد المنبر حتى يفرغ المؤذن، ثم يقوم فيخطب، ثم يجلس فلا يتكلم، ثم يقوم فيخطب". وفي رواية البخاري (3) ومسلم (4) "كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين، يقعد بينهما، وفي أخرى (5) لهما: كان يخطب يوم الجمعة قائماً، ثم يجلس، ثم

_ 1770 - مسلم (2/ 589) 7 - كتاب الجمعة، 10 - باب ذكر الخطبتين قبل الصلاة. (1) مسلم، الموضع السابق. 1771 - أحمد (1/ 256، 257). الطبراني "المعجم الكبير" (11/ 390). (2) كشف الأستار (1/ 307) أبواب الجمعة، باب الجلوس بين الخطبتين. مجمع الزوائد (2/ 187) وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط ورجال الطبراني ثقات. 1772 - أبو داود (1/ 286) كتاب الصلاة، 226 - باب الجلوس إذا صعد المنبر. (3) البخاري (2/ 406) 11 - كتاب الجمعة، 30 - باب القعدة بين الخطبتين يوم الجمعة. (4) مسلم (2/ 589) 7 - كتاب الجمعة، 10 - باب ذكر الخطبتين قبل الصلاة. (5) البخاري (2/ 401) 11 - كتاب الجمعة، 27 - باب الخطبة قائماً. مسلم (2/ 589) الموضع السابق.

- قصر الخطبة وإطالة الصلاة

يقوم فيتم، كما تفعلون الآن". في الأحاديث أن القيام حال الخطبة مشروع، قال ابن المنذر: وهو الذي عليه عمل أهل العلم من علماء الأمصار. اهـ. واختلف في وجوبه فذهب الجمهور إلى الوجوب ونقل عن أبي حنيفة: أن القيام سنة وليس بواجب واستدل الجمهور بأحاديث الباب. ولا شك أن الثابت عنه صلى الله عليه وسلم وعن الخلفاء الراشدين هو القيام حال الخطبة ولكن الفعل بمجرده لا يفيد الوجوب. انظر (النيل 3/ 329). 1773 - * روى مسلم عن كعب بن عجرة رضي الله عنه "أنه دخل المسجد وعبد الرحمن ابن أم الحكم يخطب قاعداً فقال: انظروا إلى هذا الخبيث يخطب قاعداً! وقال الله تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} (1). - قصر الخطبة وإطالة الصلاة: 1774 - * روى مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: "كنت أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات، فكانت صلاته قصداً، وخطبته قصداً". وفي رواية (2) أبي داود قال: "كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم قصداً، وخطبته قصداً يقرأ بآيات من القرآن، ويذكر الناس" وله في أخرى (3) "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يطيل الموعظة يوم الجمعة، إنما هن كلمات يسيرات" وفي رواية (4) للنسائي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً، ثم يجلس، ثم

_ 1773 - مسلم (2/ 591) 7 - كتاب الجمعة، 11 - باب قوله تعالى: (وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائماً). النسائي (3/ 102) 14 - كتاب الجمعة، 18 - قيام الإمام في الخطبة. (انفضوا) الانفضاض: التفرق. (1) الجمعة: 11. 1774 - مسلم (2/ 591) 7 - كتاب الجمعة، 12 - باب التغليظ في ترك الجمعة. الترمذي (2/ 381) أبواب الصلاة، 11 - باب ما جاء في قصد الخطبة. (2) أبو داود (1/ 288) كتاب الصلاة، 228 - باب الرجل يخطب على قوس. (3) أبو داود (1/ 289) كتاب الصلاة، 230 - باب إقصار الخطب. (4) النسائي (3/ 110) 14 - كتاب الجمعة، 35 - باب القراءة في الخطبة الثانية والذكر فيها. (قصداً) القصد: العدل والسواء.

- التشهد والحمدلة في الخطبة

يقوم ويقرأ آيات، ويذكر الله، وكانت خطبته قصداً، وصلاته قصداً". 1775 - * روى مسلم عن أبي وائل قال: "خطبنا عمار، فأوجز وأبلغ، فلما نزل قلنا: يا أبا اليقظان، لقد أبلغت وأوجزت، فلو كنت تنفست؟ فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه، فاقصروا الخطبة وأطيلوا الصلاة، وإن من البيان سحراً". وفي رواية (1) أبي داود عن عمار قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإقصار الخطب". - التشهد والحمدلة في الخطبة: 1776 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء". 1777 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم". وروى (2) بلفظ: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع".

_ 1775 - مسلم (2/ 594) 7 - كتاب الجمعة، 13 - باب تخفيف الصلاة والخطبة. (1) أبو داود (1/ 289) كتاب الصلاة، 230 - باب إقصار الخطبة. (تنفست) تنفس الرجل في قوله، أي: أطال. وأصله: أن المتكلم إذا تنفس استأنف القول، وسهل عليه الإطالة. (مئنة) المئنة: مفعلة من "إن" التي للتحقيق: أي أن قصر الخطبة وطول الصلاة: علامة من فقه الرجل". (إن من البيان سحراً) أي: إن من البيان ما يصرف قلوب السامعين إلى قبول ما يسمعون وإن كان غير حق. وقيل: إن من البيان ما يكتسب به من الإثم ما يكتسبه الساحر بسحره. 1776 - أبو داود (4/ 261) كتاب الأدب، 22 - باب في الخطبة. الترمذي (3/ 415) 9 - كتاب النكاح، 18 - ما جاء في استئمار البكر والثيب، وهو حديث صحيح. 1777 - أبو داود (4/ 261) كتاب الأدب، 21 - باب الهدى في الكلام. (2) روى أحمد في مسنده. ابن ماجه (1/ 610) 9 - كتاب النكاح، 19 - باب خطبة النكاح. ترتيب الإحسان (1/ 102) باب ما جاء في الابتداء بحمد الله تعالى. وفي سنده قرة بن عبد الرحمن ابن حيوئيل، وهو صدوق له مناكير كما قال الحافظ في التقريب، وحسن الحديث ابن الصلاح، والنووي، والعراقي والحافظ ابن حجر، وضعفه آخرون. (أجذم) الأجذم: مقطوع اليد، أو أنه مجذوم عرض له الجذام، والأول أوجه.

- الخطيب لا يرفع يديه بالدعاء

- الخطيب لا يرفع يديه بالدعاء: 1778 - * روى مسلم عن عمارة بن رويبة "أنه رأى بشر بن مروان على المنبر رافعاً يديه، فقال: قبح الله تينك اليدين، لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يزيد على أن يقول بيده هكذا- وأشار بإصبعه المسبحة". أقول: رفع الخطيب يديه في الدعاء في خطبة الجمعة مما اعتبره الصحابة بدعة وهذا النص يبين ذلك ويبين أن الخطيب إذا أراد الدعاء اكتفى بالإشارة بالسبابة. 1779 - * روى ابن خزيمة عن حميد، قال: سئل أنس هل كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه؟ قال: قيل يوم الجمعة يا رسول الله قحط المطر، وأجدبت الأرض، وهلك المال. قال: فرفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه فاستسقى، وما نرى في السماء سحابة. قال: فما قضينا الصلاة حتى إن الشاب القريب المنزل ليهمه الرجوع إلى أهله من شدة المطر، فدامت جمعة. فقالوا: يا رسول الله، تهدمت البيوت، واحتبست الركبان، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بيده: "اللهم حوالينا ولا علينا" فكشطت عن المدينة. أقول: هذا الرفع في اليدين في صلاة الجمعة كان لعارض الاستسقاء والسنة الدائمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة عدم رفع اليدين للدعاء. قال (النووي 6/ 162): فيه- أي في حديث عمارة- أن السنة أن لا يرفع اليدين بالدعاء في الخطبة وهو قول مالك وأصحابنا وغيرهم وحكى القاضي عن بعض السلف وبعض المالكية إباحته لأن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه في خطبة الجمعة حين استسقى وأجاب الأولون بأن

_ 1778 - مسلم (2/ 595) 7 - كتاب الجمعة، 13 - باب تخفيف الصلاة والخطبة. أبو داود (1/ 289) كتاب الصلاة، 229 - باب رفع اليدين على المنبر. إلا أن أبا داود قال: "وما كان يزيد على هذه- يعني السبابة التي تلي الإبهام". الترمذي (2/ 391، 392) أبواب الصلاة، 18 - باب ما جاء في كراهية رفع الأيدي على المنبر. النسائي (3/ 108) 14 - كتاب الجمعة، 29 - باب الإشارة في الخطبة. 1779 - ابن خزيمة (3/ 146) 54 - باب الدعاء بحبس المطر عند البيوت والمنازل إذا خيف الضرر من كثرة الأمطار وهدم المنازل، وهو حديث حسن.

- استقبال الناس الخطيب

هذا الرفع كان لعارض. اهـ (وانظر شرح السنة 4/ 257) و (نيل الأوطار 3/ 333). - استقبال الناس الخطيب: 1780 - * روى الترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استوى على المنبر استقبلناه بوجوهنا. قال ابن حجر في بلوغ المرام: وله شاهد من حديث البراء عند ابن خزيمة فالحديث حسن بشواهده. قال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، يستحبون استقبال الإمام إذا خطب، وهو قول سفيان الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وذكر البخاري تعليقاً فقال: واستقبل ابن عمر وأنس رضي الله عنهم الإمام، قال الحافظ في "الفتح": أما ابن عمر، فرواه البيهقي من طريق الوليد بن مسلم قال: ذكرت لليث بن سعد، فأخبرني عن ابن عجلان أنه أخبره عن نافع أن ابن عمر كان يفرغ من سبحته يوم الجمعة قبل خروج الإمام، فإذا خرج لم يقعد الإمام حتى يستقبله، وأما أنس، فرويناه في نسخة نعيم بن حماد بإسناد صحيح عنه أنه كان إذا أخذ الإمام في الخطبة يوم الجمعة يستقبله بوجهه حتى يفرغ من الخطبة، ورواه ابن المنذر من وجه آخر عن أنس أنه جاء يوم الجمعة فاستند إلى الحائط واستقبل الإمام، قال ابن المنذر: لا أعلم في ذلك خلافاً بين العلماء. - استحباب الدنو من الإمام: 1781 - * روى أحمد عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "احضروا الذكر، وادنوا من الإمام، فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها".

_ 1780 - الترمذي (2/ 383) أبواب الصلاة، 13 - باب ما جاء في استقبال الإمام إذا خطب. 1781 - أحمد (5/ 10). أبو داود (1/ 289، 290) كتاب الصلاة، 231 - باب الدنو من الإمام عند الموعظة. الحاكم (1/ 289) الأمر بحضور الذكر والدنو من الإمام، وصححه ووافقه الذهبي.

- التحدث أثناء الأذان والإمام على المنبر

وفي رواية (1) عن سمرة مرفوعاً: "احضروا الجمعة وادنوا من الإمام فإن الرجل ليتخلف عن الجمعة حتى إنه يتخلف عن الجنة وإنه من أهلها". - التحدث أثناء الأذان والإمام على المنبر: 1782 - * روى أحمد عن موسى بن طلحة قال: سمعت عثمان بن عفان وهو على المنبر والمؤذن يقيم وهو يستخبر الناس يسألهم عن أخبارهم وأسعارهم. 1783 - * روى مالك عن محمد بن شهاب الزهري رحمه الله قال: قال ثعلبة بن مالك القرظي: "إنهم كانوا في زمان عمر بن الخطاب يصلون يوم الجمعة، حتى يخرج عمر، فإذا خرج عمر وجلس على المنبر وأذن المؤذن، قال ثعلبة: جلسنا نتحدث، فإذا سكت المؤذنون، وقام عمر يخطب أنصتنا، فلم يتكلم منا أحد" قال ابن شهاب: فخروج الإمام يقطع الصلاة، وكلامه: يقطع الكلام. قال في (النيل 3/ 339): فيه جواز الكلام حال قعود الإمام على المنبر قبل شروعه في الخطبة لأن ظهور ذلك بين الصحابة من دون نكير يدل على أنه إجماع لهم. - الإنصات للخطبة: 1784 - * روى مالك عن نافع مولى ابن عمر رضي الله عنهما "أن ابن عمر رأى رجلين يتحدثان والإمام يخطب يوم الجمعة، فحصبهما: أن اصمتا". 1785 - * روى مالك عن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يقول في خطبته- قل ما يدع ذلك إذا خطب-: "إذا قام الإمام يخطب يوم الجمعة فاستمعوا له وأنصتوا، فإن

_ (1) أحمد (5/ 11). وهو حديث حسن. 1782 - أحمد (1/ 73). مجمع الزوائد (2/ 186/ 187) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. 1783 - الموطأ (1/ 103) 5 - كتاب الجمعة، 2 - باب ما جاء في الإنصات يوم الجمعة، إسناده صحيح. 1784 - الموطأ (1/ 104) 5 - كتاب الجمعة، 2 - باب ما جاء في الإنصات يوم الجمعة، وإسناده صحيح. (فحصبهما) الحصب: الرجم بالحصباء، وهي صغار الحصى. 1785 - الموطأ (1/ 104) الموضع السابق. وإسناده صحيح.

للمنصت الذي لا يسمع من الحظ مثل ما للمنصت السامع، فإذا قامت الصلاة فاعدلوا الصفوف، وحاذوا بالمناكب، فإن اعتدال الصفوف من تمام الصلاة، ثم لا يكبر حتى يأتيه رجال قد وكلهم بتسوية الصفوف، فيخبرونه أن قد استوت فيكبر". 1786 - * روى الجماعة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة: أنصت- والإمام يخطب- فقد لغوت". 1787 - * روى أبو يعلى عن جابر قال: دخل عبد الله بن مسعود المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس إلى جنبه أبي بن كعب فسأله عن شيء أو كلمه بشيء فلم يرد عليه أبي فظن ابن مسعود أنها موجدة فلما انفتل النبي صلى الله عليه وسلم من صلاته قال ابن مسعود: يا أبي ما منعك أن ترد علي، قال: إنك لم تحضر معنا الجمعة قال: ولم؟ قال تكلمت والنبي يخطب فقام ابن مسعود فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صدق أبي أطع أبياً". 1788 - * روى أحمد عن أبي الدرداك قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً على المنبر فخطب الناس وتلا آية وإلى جنبي أبي بن كعب فقلت له يا أبي متى أنزلت هذه الآية؟ قال: فأبى أن يكلمني، ثم سألته فأبى أن يكلمني حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ 1786 - البخاري (2/ 414) 11 - كتاب الجمعة، 36 - باب الإنصات يوم الجمعة، والإمام يخطب. مسلم (2/ 583) 7 - كتاب الجمعة، 3 - باب في الإنصات يوم الجمعة في الخطبة. أبو داود (1/ 290) كتاب الصلاة، 234 - باب الكلام والإمام يخطب. الترمذي (2/ 387) أبواب الصلاة، 15 - باب ما جاء في كراهية الكلام والإمام يخطب، بلفظ "من قال يوم الجمعة والإمام يخطب: أنصت فقد لغا". النسائي (3/ 188) 19 - كتاب صلاة العيدين، 21 - باب الإنصات للخطبة. ابن ماجه (1/ 352) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 86 - باب ما جاء في الاستماع للخطبة والإنصات لها. (لغوت) اللغو: الهذر من الكلام، لغا يلغو لغواً، ولغي يلغى لغاً. 1787 - أبو يعلى (3/ 335). مجمع الزوائد (2/ 185) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط بنحوه وفي الكبير باختصار ورجال أبي يعلى ثقات. 1788 - أحمد (5/ 143). مجمع الزوائد (2/ 184، 185) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورجال أحمد موثقون.

- الصلاة والإمام يخطب

فقال أبي: مالك من جمعتك إلا ما لغيت، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم جئته فأخبرته فقلت أي رسول الله إنك تلوت آية وإلى جنبي أبي بن كعب فقلت له: متى أنزلت هذه الآية؟ فأبى أن يكلمني حتى إذا نزلت زعم أُبي أنه ليس لي من جمعتي إلا ما لغيت، فقال: "صدق أبي إذا سمعت إمامك يتكلم فأنصت حتى يفرغ". ويشهد له ما أخرجه أبو يعلى والطبراني عن جابر قال: دخل ابن مسعود والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس إلى جنبه أُبي فذكر نحو حديث أبي الدرداء، قال العراقي: ورجاله ثقات (الفتح الرباني 6/ 100). 1789 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود قال: كفى لغواً أن تقول لصاحبك أنصت إذا خرج الإمام في الجمعة. 1790 - * روى الطبراني عن إبراهيم النخعي قال: استقرأ رجل عبد الله بن مسعود والإمام يخطب يوم الجمعة، فلم يكلمه عبد الله، فلما قضى الصلاة قال له عبد الله: الذي سألت عنه نصيبك من الجمعة. - الصلاة والإمام يخطب: 1791 - * روى أحمد عن السليك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جاء أحدكم والإمام يخطب فليصل ركعتين خفيفتين". 1792 - * روى ابن خزيمة عن أبي سعيد، قال: كان مروان يخطب فصلى أبو سعيد، فجاءت إليه الأحراس ليجلسوه، فأبى حتى صلى، فلما قضى الصلاة أتيناه، فقلنا له:

_ 1789 - الطبراني (المعجم الكبير) (9/ 357). مجمع الزوائد (2/ 186) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح. 1790 - الطبراني (المعجم الكبير) (9/ 357). مجمع الزوائد (2/ 186) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله ثقات. 1791 - أحمد (3/ 389). مجمع الزوائد (2/ 184) وقال الهيثمي. رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح. 1792 - ابن خزيمة (3/ 165) 93 - باب الأمر بتطوع ركعتين عند دخول المسجد وإن كان الإمام يخطب الجمعة، وإسناده حسن.

كادوا يفعلون بك، غفر الله لك. فقال: لن أدعهما أبداً بعد أن سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. 1793 - * روى الخمسة عن أبي سعيد رضي الله عنه "أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطب على المنبر فأمره أن يصلي ركعتين". 1794 - * روى الجماعة عن جابر رضي الله عنه قال "دخل رجل يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطب فقال: "صليت" قال لا قال: "فصل ركعتين". وفي رواية (1) "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما" .. وفي رواية (2) "إذا جاء أحدكم يوم الجمعة وقد خرج الإمام فليصل ركعتين". قال الشوكاني: والأحاديث المذكورة في الباب تدل على مشروعية تحية المسجد حال

_ 1793 - البخاري (2/ 407) 11 - كتاب الجمعة، 32 - باب إذا رأى الإمام رجلاً وهو يخطب أمره أن يصلي ركعتين، وقد جاء هذا الحديث في البخاري عن جابر وليس عن أبي سعيد كما جاء هنا. مسلم (2/ 596) 7 - كتاب الجمعة، 14 - باب التحية والإمام يخطب. الترمذي (2/ 385) أبواب الصلاة، 367 - باب ما جاء في الركعتين إذا جاء الرجل والإمام يخطب. وهذا الحديث صححه الترمذي ولفظه "أن رجلاً جاء يوم الجمعة في هيئة بذة والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يخطب فأمره فصلى ركعتين والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب. النسائي (3/ 103) 14 - كتاب الجمعة، 21 - باب الصلاة يوم الجمعة لمن جاء والإمام يخطب. ابن ماجه (1/ 353) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 87 - باب ما جاء فيمن دخل المسجد والإمام يخطب. 1794 - البخاري (2/ 412) 11 - كتاب الجمعة، 33 - باب من جاء والإمام يخطب صلى ركعتين خفيفتين. مسلم (2/ 596) 7 - كتاب الجمعة، 14 - باب التحية والإمام يخطب. أبو داود (1/ 291) كتاب الصلاة، 236 - باب إذا دخل الرجل والإمام يخطب. الترمذي (2/ 384) أبواب الصلاة، 367 - ما جاء في الركعتين إذا جاء الرجل والإمام يخطب. النسائي (3/ 103) 14 - كتاب الجمعة، 21 - باب الصلاة يوم الجمعة لمن جاء والإمام يخطب. ابن ماجة (1/ 353) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 87 - باب ما جاء فيمن دخل المسجد والإمام يخطب. (1) أحمد (3/ 389). مسلم (2/ 597) 7 - كتاب الجمعة، 14 - باب التحية والإمام يخطب. أبو داود (1/ 291، 292) كتاب الصلاة، 236 - باب إذا دخل الرجل والإمام يخطب. (2) البخاري (3/ 49) 19 - كتاب التهجد، 25 - باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى. مسلم (2/ 596) 7 - كتاب الجمعة، 14 - باب التحية والإمام يخطب.

الخطبة وإلى ذلك ذهب الحسن وابن عيينة والشافعي وأحمد وإسحق ومكحول وأبو ثور وابن المنذر وحكاه النووي عن فقهاء المحدثين. وحكى ابن العربي: أن محمد بن الحسن حكاه عن مالك. وذهب الثوري وأهل الكوفة إلى أنه يجلس ولا يصليهما حال الخطبة حكى ذلك الترمذي وحكاه القاضي عياض عن مالك والليث وأبي حنيفة وحكاه العراقي عن محمد بن سيرين وشريح القاضي والنخعي وقتادة والزهري. ورواه ابن أبي شيبة عن علي وابن عمر وابن عباس وابن المسيب ومجاهد وعطاء بن أبي رباح وعروة بن الزبير ورواه النووي عن عثمان اهـ. وفي الموضوع نقاشات كثيرة منها أن ما في قصة سليك واقعة عين لا عموم لها وأن الأمر معارض لقوله تعالى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (1). 1795 - * روى الشيخان عنه صلى الله عليه وسلم "إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب فقد لغوت". وبقوله صلى الله عليه وسلم للذي دخل يتخطى رقاب الناس قد آذيت فأمره بالجلوس ولم يأمره بالتحية، ومنها أن عمل أهل المدينة خلفاً عن سلف من لدن الصحابة إلى عهد مالك: أن التنفل في حال الخطبة ممنوع مطلقاً. واستدلوا أيضاً بالمعقول إذ أن الإنصات إلى الخطبة واجب وتحية المسجد سنة فيقدم الواجب على السنة، لكن علق النووي على حديث إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين ... قال: لا أظن عالماً يبلغه هذا اللفظ صحيحاً فيخالفه، واعتبر القائلون بالسنية هذا النص مخصصاً للعمومات التي استدل بها المانعون. انظر (نيل الأوطار 3/ 314 - 317). 1796 - * روى مالك عن محمد بن شهاب الزهري رحمه الله قال: قال ثعلبة بن مالك القرظي: "إنهم كانوا في زمان عمر بن الخطاب يصلون يوم الجمعة، حتى يخرج عمر، فإذا

_ (1) الأعراف: 204. 1795 - البخاري (2/ 414) 11 - كتاب الجمعة، 36 - باب الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب. مسلم (2/ 583) 7 - كتاب الجمعة، 3 - باب الإنصات يوم الجمعة في الخطبة. 1796 - الموطأ (1/ 103) 5 - كتاب الجمعة، 2 - باب ما جاء في الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب، وإسناده صحيح.

- قطع الخطبة للحاجة

خرج عمر وجلس على المنبر وأذن المؤذن، قال ثعلبة: جلسنا نتحدث، فإذا سكت المؤذنون، وقام عمر يخطب أنصتنا، فلم يتكلم منا أحد" قال ابن شهاب: فخروج الإمام يقطع الصلاة، وكلامه: يقطع الكلام فحمل بعض العلماء الأمر بالصلاة والإمام يخطب على أنها حوادث لها تأويلها. - قطع الخطبة للحاجة: 1797 - * روى مسلم عن أبي رفاعة العدوي رضي الله عنه قال: "انتهينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب، قال: فقلت: يا رسول الله، رجل غريب جاء يسأل عن دينه، لا يدري ما دينه؟ قال: فأقبل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترك خطبته، حتى انتهى إلي، فأتي بكرسي حسبت قوائمه حديداً، قال: فقعد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يعلمني مما علمه الله، ثم أتى الخطبة، فأتم آخرها". قال في النيل (3/ 338): فيه جواز الكلام في الخطبة للأمر يحدث. وقال بعض الفقهاء إذا تكلم أعاد الخطبة قال الخطابي والسنة أولى ما اتبع. 1798 - * روى الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يكلم بالحاجة إذا نزل من المنبر". وفي رواية أبي داود (1) والنسائي (2): "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ينزل من المنبر؛ فيعرض له الرجل في الحاجة فيقوم معه حتى يقضي حاجته ثم يقوم فيصلي". قال أبو داود: الحديث ليس بمعروف عن ثابت، وهو مما تفرد به جرير بن حازم، وعند النسائي (3): "يقضي حاجته، ثم يتقدم إلى مصلاه فيصلي".

_ 1797 - مسلم (2/ 597) 7 - كتاب الجمعة، 15 - باب حديث التعليم في الخطبة. النسائي (8/ 220) 48 - كتاب الزينة، 122 - الجلوس على الكراسي، إلا أن النسائي قال: "فأتى بكرسي خلب قوائمه حديد". (الخلب): الليف، واحدته خُلْبَةٌ وخُلُبَةٌ. 1798 - الترمذي (2/ 394) أبواب الصلاة، 373 - باب ما جاء في الكلام بعد نزول الإمام من المنبر. (1) أبو داود (1/ 292) كتاب الصلاة، 239 - باب الإمام يتكلم بعد ما ينزل من المنبر. (2) النسائي (3/ 110) 14 - كتاب الجمعة، 36 - الكلام والقيام بعد النزول عن المنبر. (3) النسائي (3/ 110) نفس الموضع السابق. وهو حديث حسن.

- النهي عن تخطي الرقاب

قال في (النيل 3/ 338): فيه أنه لا بأس بالكلام بعد فراغ الخطيب من الخطبة وأنه لا يحرم ولا يكره، ونقله ابن قدامة في المغني عن عطاء وطاووس والزهري وبكر المزني والنخعي ومالك والشافعي وإسحق ويعقوب ومحمد، قال: وروي ذلك عن ابن عمر انتهى. وإلى ذلك ذهبت الهادوية. وروي عن أبي حنيفة أنه يكره الكلام بعد الخطبة قال ابن العربي: والأصح عندي أن لا يتكلم بعد الخطبة لأن مسلماً قد روى أن الساعة التي في يوم الجمعة هي من حين يجلس الإمام على المنبر إلى أن تقام الصلاة فينبغي أن يتجرد للذكر والتضرع والذي في مسلم أنها: ما بين أن يجلس الإمام وإلى أن تقضى الصلاة. ومما يرجح ترك الكلام بين الخطبة والصلاة الأحاديث الواردة في الإنصات حتى تقضى الصلاة كما عند النسائي بإسناد جيد من حديث سلمان بلفظ "فينصت حتى يقضي صلاته" وأحمد بإسناد صحيح من حديث لبيشة بلفظ "فاستمع وأنصت حتى يقضي الإمام جمعته وكلامه" وقد تقدما، ويجمع بين الأحاديث بأن الكلام الجائز بعد الخطبة هو كلام الإمام لحاجة أو كلام الرجل للرجل لحاجة. 1799 - * روى ابن خزيمة عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فأقبل الحسن ولاحسين، عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان، فنزل، فأخذهما، فوضعهما بين يديه، ثم قال: "صدق الله ورسوله، إنما أموالكم وأولادكم فتنة رأيت هذين فلم أصبر" ثم أخذ في خطبته. عنون صاحب (الإعلام 8/ 80) لهذا الحديث بقوله: باب جواز الكلام والعمل للخطيب عند الضرورة وكراهتهما لغيرها. وقال: فإن قطع الخطبة بكلام غيرها والعمل فيها إن كان جائزاً مطلقاً لم يعتذر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر به، فافهم. - النهي عن تخطي الرقاب: 1800 - * روى ابن خزيمة عن أبي الزاهرية قال كنت جالساً مع عبد الله بن بسر يوم

_ 1799 - ابن خزيمة (3/ 151، 152) 65 - باب نزول الإمام عن المنبر وقطعه الخطبة للحاجة تبدو له، وإسناده حسن. 1800 - ابن خزيمة (3/ 156) 74 - باب النهي عن تخطي الناس يوم الجمعة والإمام يخطب وإباحة زجر الإمام عن ذلك=

- النهي عن أن يقيم الرجل الرجل من مقعده

الجمعة، فما زال يحدثنا حتى خرج الإمام، فجاء رجل يتخطى رقاب الناس، فقال لي: جاء رجل يتخطى رقاب الناس ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال له: "اجلس فقد آذيت وآنيت". - النهي عن أن يقيم الرجل الرجل من مقعده: 1801 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة، ثم ليخالف إلى مقعده فيقعد فيه، ولكن يقول: افسحوا". 1802 - * روى الشيخان عن نافع قال: سمعت ابن عمر يقول: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقيم الرجل الرجل من مقعده ثم يجلس فيه، قيل لنافع: في الجمعة؟ قال: في الجمعة وغيرها". - النهي عن الاحتباء: 1803 - * روى أبو داود عن معاذ بن أنس رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب". قال الترمذي: وقد كره قوم من أهل العلم الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب، ورخص في ذلك بعضهم، منهم عبد الله بن عمر وغيره، وبه يقول أحمد وإسحاق، لا يريان بالحبوة والإمام يخطب بأساً، وحديث معاذ بن أنس يؤيد من قال بكراهته. أقول: من لم ير بالحبوة بأساً حمل النص الذي مر معنا على الاحتباء الذي يرافقه انكشاف عورة.

_ = في خطبته، وإسناده صحيح. (آذيت وآنيت) أي آذيت الناس بتخطيك وأخرت المجيء وأبطأت. 1801 - مسلم (4/ 1715) 39 - كتاب السلام، 11 - باب تحريم إقامة الإنسان من موضعه. 1802 - البخاري (2/ 393) 11 - كتاب الجمعة، 20 - باب لا يقيم الرجل أخاه يوم الجمعة. مسلم (4/ 1714) 39 - كتاب السلام، 11 - باب تحريم إقامة الإنسان من موضعه. 1803 - أبو داود (1/ 290) كتاب الصلاة، 233 - باب الاحتباء والإمام يخطب، وإسناده حسن وله شواهد. الترمذي (2/ 390) أبواب الصلاة، 370 - باب ما جاء في كراهية الاحتباء والإمام يخطب، وإسناده حسن وله شواهد. (الحبوة) الاحتباء: الاشتداد بثوب يجمع بين ظهره وركبتيه ليشتد به، وإنما نهي عنه، لأنه ربما دعاه إلى النوم، وانتقاض الوضوء، والغفلة عن استماع الخطبة.

- النهي عن الحلق

- النهي عن الحلق: 1804 - * روى أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة". أقول: إذا دخل الإنسان المسجد لصلاة الجمعة فحق الجمعة عليه أن يتفرغ للصلاة والذكر وتلاوة القرآن؛ وتحلق الناس قبل الجمعة يستدعي الأحاديث، والحديث يجر بعضه بعضاً، وقد يؤدي التحلق إلى اللغو أو الغيبة وهذا يتنافى مع مقاصد الذهاب إلى المسجد لصلاة الجمعة، ومما اعتاده الناس في بعض المساجد في عصرنا أن يقيموا درساً عاماً قبل صلاة الجمعة يكسبون فيه اجتماع الناس لإيصال المعاني لأن همم الناس انصرفت عن طلب العلم والاشتغال به، ولم ير كثير من العلماء في ذلك بأساً بل حبذوه ولم يعتبروه من باب التحلق المنهي عنه. القراءة في صلاة الجمعة: 1805 - * روى مسلم عن عبد الله بن أبي رافع قال: "استخلف مروان أبا هريرة على المدينة، وخرج إلى مكة، فصلى لنا أبو هريرة الجمعة فقرأ- بعد الحمد لله- (سورة الجمعة) في الأولى، و (إذا جاءك المنافقون) في الثانية، قال: فأدركت أبا هريرة حين انصرف، فقلت له: إنك قرأت بسورتين كان علي بن أبي طالب يقرأ بهما في الكوفة، قال أبو هريرة: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما". 1806 - * روى مسلم عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان رضي الله عنها قال: "لقد كان تنورنا وتنور رسول الله صلى الله عليه وسلم واحداً سنتين- أو سنة وبعض سنة- ما أخذت (ق، والقرآن المجيد) إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس" وفي رواية (1) "أخذت (ق، والقرآن المجيد) من في رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقرأ بها على

_ 1804 - أبو داود (1/ 283) أبواب الصلاة، 219 - باب التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة، وإسناده حسن. 1805 - مسلم (2/ 597، 598) 7 - كتاب الجمعة، 16 - باب ما يقرأ في صلاة الجمعة. الترمذي (2/ 396، 397) أبواب الصلاة، 374 - باب ما جاء في القراءة في صلاة الجمعة. 1806 - مسلم (2/ 595) 7 - كتاب الجمعة، 13 - باب تخفيف الصلاة والخطبة. (1) مسلم (2/ 595) نفس الموضع السابق.

المنبر في كل جمعة". 1807 - * روى الشيخان عن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ على المنبر (ونادوا يا مالك) (1). 1808 - * روى أبو داود عن سمرة بن جندب رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الجمعة: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} ". 1809 - * روى مسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنه كتب الضحاك بن قيس إلى النعمان بن بشير يسأله: "أي شيء قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، سوى (سورة الجمعة)؟ فقال: كان يقرأ (هل أتاك) ". وفي رواية قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين وفي الجمعة: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} قال: وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد يقرأ بهما في الصلاتين". 1810 - * روى عبد الله بن أحمد عن أُبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ يوم الجمعة براءة وهو قائم يذكر بأيام الله.

_ 1807 - البخاري (6/ 312) 59 - كتاب بدء الخلق، 7 - باب إذا قال أحدكم أمين والملائكة في السماء فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه. وجاء أيضاً في (6/ 330) 59 - كتاب بدء الخلق، 10 - باب صفة النار وأنها مخلوقة. وجاء أيضاً في (8/ 568) 65 - كتاب التفسير، 1 - باب (ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك: الآية). مسلم (2/ 594، 595) 7 - كتاب الجمعة، 13 - باب تخفيف الصلاة والخطبة. أبو داود (4/ 35) كتاب الحروف والقراءات. الترمذي (2/ 382) أبواب الصلاة، 365 - باب ما جاء في القراءة على المنبر. (1) الزخرف: 77. 1808 - أبو داود (1/ 293) كتاب الصلاة، 241 - باب ما يقرأ به في الجمعة. النسائي (3/ 112) 14 - كتاب الجمعة، 39 - القراءة في صلاة الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية. وإسناده صحيح. 1809 - مسلم (2/ 598) 7 - كتاب الجمعة، 16 - باب ما يقرأ في صلاة الجمعة. النسائي (3/ 112) 14 - كتاب الجمعة، 39 - القراءة في صلاة الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية. مسلم (2/ 598) نفس الموضع السابق. 1810 - مجمع الزوائد (2/ 190) وقال الهيثمي: رواه عبد الله بن أحمد من زياداته ورجاله رجال الصحيح.

الفقرة الرابعة: راتبة الجمعة

الفقرة الرابعة: راتبة الجمعة 1811 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعاً". وفي رواية (1) قال: "من كان مصلياً بعد الجمعة فليصل أربعاً". وفي أخرى (2) "من كان منكم مصلياً ... الحديث". وفي أخرى (3) "إذا صليتم بعد الجمعة فصلوا أربعاً". وزاد في رواية (4): قال سهيل: "فإن عجل بك شيء فصل ركعتين في المسجد، وركعتين إذا رجعت". 1812 - * روى الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث لا أدعهن في سفر ولا حضر: نوم على وتر، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتين بعد الجمعة، ثم إن أبا هريرة جعل بعد ركعتين بعد الجمعة ركعتي الضحى. أقول: الظاهر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصاه مرة بالضحى وأوصاه مرة بسنة الجمعة البعدية، فكان يحدث عن هذا تارة وعن هذا تارة فمجموع الوصايا أربع. 1813 - * روى أبو داود عن نافع مولى ابن عمر رضي الله عنهم "أن ابن عمر رأى رجلاً يصلي ركعتين يوم الجمعة في مقامه، فدفعه وقال: أتصلي الجمعة أربعاً؟! قال: وكان عبد الله يصلي يوم الجمعة ركعتين في بيته، ويقول: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم".

_ 1811 - مسلم (2/ 600) 7 - كتاب الجمعة، 18 - باب الصلاة بعد الجمعة. (1) مسلم (2/ 600) نفس الموضع السابق. (2) مسلم (2/ 600) نفس الموضع السابق. (3) مسلم (2/ 600) نفس الموضع السابق. (4) مسلم (2/ 600) نفس الموضع السابق. 1812 - مجمع الزوائد (2/ 195) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله موثقون. 1813 - أبو داود (1/ 294) كتاب الصلاة، 243 - باب الصلاة بعد الجمعة.

وفي رواية (1) "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين". وفي أخرى (2) "كان ابن عمر إذا صلى الجمعة انصرف فسجد سجدتين في بيته، ويحدِّث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك". وفي أخرى (3) "أن ابن عمر كان يطيل الصلاة قبل الجمعة، فإذا صلى الجمعة ... وذكر الحديث". وفي أخرى (4) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين". أقول: الأصل في النوافل أن تكون في البيت ولكن ليس هذا بمحتم، وفعل أبي هريرة يدل عليه، ومن كلام ابن عمر نعرف أنه كان يخشى من صلاة ركعتين بعد الصلاة في المسجد أن يظن ظان أن هذا إكمال لفريضة الجمعة. وفعل ابن عمر في إطالة الصلاة قبل فريضة الجمعة واستمراره في الصلاة كما مر معنا من قبل حتى يصعد الخطيب إلى المنبر دليل على أنه لا حرج في الصلاة قبل فريضة الجمعة، والنصوص كثيرة في الندب إلى الصلاة قبل أن يخرج الإمام للخطبة، ولهذا كله وللنصوص التي ستمر معنا وقياساً للجمعة على الظهر اعتبر العلماء أن لصلاة الجمعة سنة قبلية كسنة الظهر القبلية، وقد درج العامة والخاصة على أن يصلوا سنة الجمعة القبلية بين الآذان الأول والآذان الثاني، وليس للإنكار على من فعل ذلك محل، ثم إنه جرت عادة أكثر الناس أن يصلوا سنة الجمعة البعدية في المسجد دون نكير وقد سكت العلماء على ذلك لأن التخوف لم يعد له كبير محل ولأنهم رأوا أن أكثر الناس إذا لم يصلوا السنة في المسجد لم يفعلوها في بيوتهم، فلضعف همة الناس سكتوا عن كثير مما هو

_ (1) البخاري (2/ 425) 11 - كتاب الجمعة، 39 - باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها. مسلم (2/ 601) 7 - كتاب الجمعة، 18 - باب الصلاة بعد الجمعة. أبو داود (1/ 295) كتاب الصلاة، 243 - باب الصلاة بعد الجمعة. الترمذي (2/ 399) أبواب الصلاة، 367 - باب ما جاء في الصلاة قبل الجمعة وبعدها. (2) مسلم (2/ 600) 7 - كتاب الجمعة، 18 - باب الصلاة بعد الجمعة. الترمذي (2/ 399) أبواب الصلاة، 367 - باب ما جاء في الصلاة قبل الجمعة وبعدها. (3) أبو داود (1/ 294) كتاب الصلاة، 243 - باب الصلاة بعد الجمعة. (4) النسائي (3/ 113) 14 - كتاب الجمعة، 43 - صلاة الإمام بعد الجمعة.

أفضل لخوفهم من أن يضيع الفاضل والأفضل معاً. وقد ورد بالنسبة للسنة القبلية يوم الجمعة نصوص خاصة بها وفيها كلام ومنها: 1814 - * روى الطبراني عن ابن عباس (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركع قبل الجمعة أربعاً وبعدها أربعاً)، وعلق عليه المنذري في فيض القدير (5/ 216) فقال: فيه أمور: الأول: أن الذي لابن ماجة إنما هو بدون لفظ وبعدها أربعاً وإنما هذه الزيادة للطبراني كما ذكره ابن حجر وغيره، الثاني: سكت عليه فأوهم سلامته من العلل وليس كما أوهم فإن ابن ماجة رواه عن مبشر بن عبيد عن حجاج بن أرطأة عن عطية العوفي عن الحبر قال الزيلعي: ومبشر معدود من الوضاعين وحجاج وعطية ضعيفان اهـ. وقال النووي في الخلاصة: هذا حديث باطل اجتمع هؤلاء الأربعة فيه وهم ضعفاء وبشر وضاع صاحب أباطيل وقال الحافظ العراقي: ثم ابن حجر سنده ضعيف جداً وقال الهيثمي: رواه الطبراني بلفظ كان يركع قبل الجمعة أربعاً وبعدها أربعاً لا يفصل بينهن ورواه ابن ماجة باقتصار الأربع بعدها وفيه الحجاج بن أرطاة وعطية العوفي وكلاهما ضعيف إلى هنا كلامه، الثالث: أنه قد أساء التصرف حيث عدل لهذا الطريق المعلول واقتصر عليه مع وروده من طريق مقبول فقد رواه الخلعي في فوائده من حديث علي كرم الله وجهه قال الحافظ الزين العراقي: وإسناده جيد اهـ. وإنما أوردنا الحديث في كتابنا لرواية الخلعي هذه. وسننقل بعد قليل فتوى الشيخ محمد يوسف الدجوي في سنة الجمعة القبلية. 1815 - * روى أبو داود عن عطاء بن أبي رباح "أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا

_ 1814 - الطبراني "المعجم الكبير" (12/ 129). مجمع الزوائد (2/ 195) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وفيه الحجاج بن أرطأة وعطية العوفي وكلاهما فيه كلام. وهذا الحديث قد عزاه السيوطي لابن ماجة وهو عند ابن ماجة كالآتي (1/ 358) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 94 - باب ما جاء في الصلاة قبل الجمعة. 1815 - أبو داود (1/ 294) كتاب الصلاة، 243 - باب الصلاة بعد الجمعة. الترمذي (2/ 401، 402) أبواب الصلاة، 376 - باب ما جاء في الصلاة قبل الجمعة وبعدها.

صلى الجمعة تقدم فصلى ركعتين، ثم يتقدم فيصلي أربعاً، وإذا كان بالمدينة صلى الجمعة، ثم رجع إلى بيته، فصلى ركعتين، ولم يصل في المسجد، فقيل له، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله". وفي رواية (1): قال [عطاء]: "رأيت ابن عمر يصلي بعد الجمعة، فينماز عن مصلاه الذي صلى الجمعة فيه قليلاً غير كثير، قال: فيركع ركعتين قال: ثم يمشي أنفس من ذلك، فيركع أربع ركعات، قال ابن جريج: قلت لعطاء: كم رأيت ابن عمر يصنع ذلك؟ قال: مراراً". واختصره الترمذي قال: "رأيت ابن عمر صلى بعد الجمعة ركعتين، ثم صلى بعد ذلك أربعاً". أقول: هذا دليل على أن السنة الأغلبية لابن عمر أن يصلي سنة الجمعة البعدية في البيت، وصلاته أربع ركعات بعد الركعتين دليل على النفل المطلق في غير الأوقات الخمسة التي ورد فيها نهي- جائز- وانتقال ابن عمر من محل صلاة الفريضة إلى غيره لصلاة النافلة ثم انتقاله من مكان الصلاة الراتبة إلى مكان آخر أصل من الأصول التي بنى عليها العلماء في أنه يسن للإمام إذا أراد أن ينتفل بعد الفريضة أن يتحول قليلاً عن مكانه ويسن للمأمومين أني كسروا الصفوف بتقديم أو تأخر لكي لا يشتبه على الداخل أنهم في صلاة جماعة، وسنرى بعض ما يدل على ذلك في الفوائد والمسائل. 1816 - * روى الطبراني عن علقمة بن قيس أن ابن مسعود صلى يوم الجمعة بعد ما سلم الإمام أربع ركعات.

_ (1) أبو داود (1/ 295) كتاب الصلاة، 243 - باب الصلاة بعد الجمعة، وإسناده حسن. (فينماز) انماز عن مكانه، أي: فارقه، أراد: أنه تحول عن موضعه الذي صلى فيه. (أنفس) من ذلك: أي أبعد منه بقليل. 1816 - الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 360). مجمع الزوائد (2/ 195) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات.

1817 - * روى ابن خزيمة عن أيوب، قال: قلت لنافع: أكان ابن عمر يصلي قبل الجمعة؟ فقال: قد كان يطيل الصلاة قبلها، ويصلي بعدها ركعتين في بيته، ويحدِّث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك. قال ابن خزيمة: باب إباحة ما أراد المصلي من الصلاة قبل الجمعة من غير حظر أن يصلي ما شاء وأراد من عدد الركعات والدليل على أن كل ما صلى قبل الجمعة فتطوع لا فرض منها. قال ابن خزيمة في خبر أبي سعيد وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "وصلى ما كتب له". وفي خبر سلمان: "ما قدر له"، وفي خبر أبي أيوب "فيركع إن بدا له". 1818 - * روى مسلم عن عمر بن عطاء بن أبي الخوار رحمه الله "أن نافع بن جبير أرسله إلى السائب بن أخت نمر يسأله عن شيء رآه منه معاوية في الصلاة. فقال: نعم، صليت معه الجمعة في المقصورة، فلما سلم الإمام قمت في مقامي فصليت، فلما دخل أرسل إلي، فقال: لا تعد لما فعلت، إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تكلم أو تخرج، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك: أن لا توصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج". وفي رواية (1): "فلما سلم" ولم يذكر الإمام، وقال أبو داود: "فلما سلمت قمت في مقامي، فصليت، فلما دخل أرسل إلي، فقال: لا تعد لما صنعت" وقال: فإن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر بذلك أن لا توصل صلاة بصلاة حتى يتكلم أو يخرج". أقول: لا يشترط في الفاصل بين صلاة الفريضة والنافلة الكلام الدنيوي، بل يكفي الذكر ولو كان قليلاً، وعند الحنفية يكفي أن يفصل بين الفريضة والنافلة بقوله: اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك يعود السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام.

_ 1817 - ابن خزيمة (3/ 168) 97 - باب إباحة ما أراد المصلي من الصلاة قبل الجمعة من غير حظر، وإسناده صحيح. 1818 - مسلم (2/ 601) 7 - كتاب الجمعة، 18 - باب الصلاة بعد الجمعة. أبو داود (1/ 294) كتاب الصلاة، 243 - باب الصلاة بعد الجمعة. (المقصورة): هي الحجرة المبنية في المسجد. (1) مسلم (2/ 601) نفس الموضع السابق.

تحقيق في سنة الجمعة القبلية

تحقيق في سنة الجمعة القبلية: قال الشوكاني في (النيل 3/ 312): وقد اختلف العلماء هل للجمعة سنة قبلها أو لا؟ فأنكر جماعة أن لها سنة قبلها وبالغوا في ذلك، قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يؤذن للجمعة إلا بين يديه ولم يكن يصليها وكذلك الصحابة لأنه إذا خرج الإمام انقطعت الصلاة ... اهـ. وبعد أن ذكر حديث ابن عمر السابق ذكره، إنه كان يطيل الصلاة قبل الجمعة، وإسناده صحيح. 1819 - * روى مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من اغتسل يوم الجمعة ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له ثم أنصت حتى يفرغ الإمام من خطبته ثم يصلي معه غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام". قال (الشوكاني 3/ 313): والحديثان يدلان على مشروعية الصلاة قبل الجمعة ولم يتمسك المانع من ذلك إلا بحديث النهي عن الصلاة وقت الزوال وهو مع كون عمومه مخصصاً بيوم الجمعة كما تقدم ليس فيه ما يدل على المنع من الصلاة قبل الجمعة على الإطلاق، وغاية ما فيه المنع في وقت الزوال وهو غير محل النزاع، والحاصل أن الصلاة قبل الجمعة مرغب فيها عموماً وخصوصاً، فالدليل على مدعي الكراهة على الإطلاق اهـ، وانظر (المغني 2/ 366) (وإعلاء السنن 7/ 7 - 10). وقد سئل الشيخ محمد يوسف الدجوي عن سنة الجمعة القبلية فأفتى رحمه الله في مجلة الأزهر (ج 10/ مجلد 4/ سنة 1352) بما يلي: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وأصحابه، وبعد: قبل أن نخوض بك في غمرات البحث والاستدلال يجب أن تعرف أن هنا شيئاً ينبغي التنبيه له، وهو أن المسائل الاجتهادية الفرعية يكفي فيها الظن ولا ينبغي فيها التنازع. وكل من طلب فيها الدليل القطعي فهو جاهل لا ينبغي أن يكون في عداد

_ 1819 - مسلم (2/ 587) 7 - كتاب الجمعة، 8 - باب فضل من استمع وأنصت في الخطبة.

العلماء، ولو عقلوا لعرفوا أن الناس لا يتركون أئمتهم المشهود لهم بالخير والدين والعلم والتبريز في كل فضيلة، ويتبعوا هؤلاء المشهود لهم بما لا نطيل القول فيه، وهو غني عن البيان وأي شيء يريدون بعد أن عرَّفنا صلى الله عليه وسلم أن "المخطئ له أجر والمصيب له أجران" فلم يكتف برفع الوزر عن المخطئ بل جعل له أجراً. وقد عرف ذلك العلماء من أئمة الهدى، حتى ذهب كثير منهم إلى أن الحق يتعدد تبعاً لظن المجتهد، فإن الله لم يكلفه إلا بما أداه إليه اجتهاده، فكأن الحق بالنسبة إليه هو ما اعتقده، وليس المقصود من التكليف إلا تحقيق العبودية، وعدم الخروج على الله ورسوله، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها. وقد قالوا: إن المجتهد يجب عليه اتباع ظنه، ويحرم عليه التقليد. فأي شيء بقي بعد ذلك؟ ولكنهم ملبسون يريدون التهويش حباً في الظهور، أو جاهلون لا يمكنهم التعمق في البحث ولا الوقوف على منازع الأئمة، ولا ما أصله العلماء في ذلك. وإن من أكبر بلايانا التي نئن منها ولا ندري منتهاها وجود طائفة بيننا لا تفهم ولا تقلد من يفهم {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (1). ولو كان عندهم أدنى شفقة على المسلمين أو إخلاص لهم لعرفوا أن الدين النصيحة، وأنه ليس من الدين ولا من العقل أن نعرض العامة للخوض في الأدلة والموازنة بين المجتهدين، فذلك ليس من شأنهم ولا هو في متناول قدرتهم، ولا نتيجة له إلا ضعف الثقة بأئمتهم وتشكيكهم في دينهم وعقيدتهم والآن نذكر لك مما استدل به الشافعي- رضي الله عنه- على سنة الجمعة ما يكفي بعضه للاجتهاد المعقول المقبول. ولا نزال نكرر أن الظن كاف في هذا الباب ولا يطلب غيره، وأنه متى وصل إليه المجتهد وجب عليه اتباعه والقول به. وهاك قليلاً من كثير. فمن ذلك:

_ (1) غافر: من 56.

1820 - * روى عبد الله بن الزبير عن ابن حبان في صحيحه والدارقطني والطبراني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها ركعتان". 1821 - * روى الطبراني في الأوسط "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الجمعة أربعاً وبعدها أربعاً" ذكره العيني في (عمدة القارئ) ولم يعلق عليه، وقد ساقه للاستدلال. وقال في الفتح: روى الطبراني في الأوسط عن علي "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الجمعة أربعاً وبعدها أربعاً" وعلق عليه بقوله: وفيه محمد بن عبد الرحمن السهمي، وهو ضعيف عند البخاري وغيره. ولكن هذا الطعن الذي ذكره الفتح لا يمنع الاستدلال به، لا لأن الجرح غير مفسر كما قال بعضهم، بل لأن الطعن غير متفق عليه، فإن البخاري ضعفه، ولكن إماماً آخر من أئمة الحديث وثقه وهو ابن عدي، فيصح أن نقول: إن هذا مثل عكرمة الذي وثقه البخاري واحتج به، وضعفه غيره، ومثل سويد بن سعيد الذي احتج به مسلم وقد اشتهر الطعن فيه. وبالجملة فحديثنا هذا غير متفق على تجريح رواته، فيصح الاحتجاج به عند من لا يرى تجريح محمد بن عبد الرحمن السهمي المذكور. 1822 - * روى أبو داود عن ابن عمر أنه كان يطيل الصلاة قبل الجمعة ويصلي بعدها ركعتين، ويحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك.

_ 1820 - ابن حبان (4/ 77، 78) ذكر الأمر للمرء أن يركع ركعتين قبل صلاة فريضة يريد أداءها. الدارقطني (1/ 267) باب الحث على الركوع بين الأذانين في كل صلاة. مجمع الزوائد (2/ 231) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه سويد بن عبد العزيز وهو ضعيف. 1821 - رواه الطبراني في الأوسط. 1822 - أبو داود (1/ 294) كتاب الصلاة، باب الصلاة بعد الجمعة. وقال العراقي: إسناده صحيح، وقال المنذري: أخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه من وجه آخر بمعناه.

1823 - * روى الترمذي: "من صلى في يوم وليلة ثنتى عشرة ركعة بني له بيت في الجنة: أربعاً قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الفجر". 1824 - * روى مسلم عن أم حبيبة نحوه غير أنه لم يذكر هذا التفصيل. وفي رواية (1) عن أم حبيبة بنت أبي سفيان: "ما من عبد مسلم توضأ فأسبغ الوضوء ثم صلى كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير فريضة إلا بني له بيت في الجنة". أفترى أن ذلك مطلوب كل يوم إلا يوم الجمعة الذي تتأكد فيه الطاعة، ويزداد فيه الحرص على العبادة وعمل الخير؟! وقد صرح الحديث بالتعميم فقال: كل يوم، كما سمعت. وفصل الترمذي في روايته المتقدمة هذه الركعات غاية التفصيل. ورواية الترمذي وإن لم يذكر فيها لفظ كل يوم ففيها ذكر النكرة في سياق الشرط وهو يفيد العموم، ولا معنى لإخراج يوم الجمعة الذي هو أفضل الأيام وأولاها بالصلاة والعبادة. 1825 - * روى مسلم عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قُدِّر له ثم أنصت حتى يفرغ الإمام من خطبته ثم يصلي معه، غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى"، وجاء في بعض الروايات (2) عند الإمام أحمد بلفظ: "فإن لم يجد الإمام خرج، صلى ما بدا له، وإن وجد الإمام قد خرج، جلس فاستمع وأنصت حتى يقضي الإمام جمعته" الحديث.

_ 1823 - الترمذي (2/ 274) أبواب الصلاة، 306 - باب ما جاء فيمن صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة. 1824 - مسلم (1/ 503) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 15 - باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض. (1) مسلم في نفس الموضع السابق. 1825 - مسلم (2/ 587) 7 - كتاب الجمعة، 8 - باب فضل من استمع وأنصت في الخطبة. (2) أحمد (5/ 75). مجمع الزوائد (2/ 171) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح خلا شيخ أحمد وهو ثقة.

فجعل الغاية خروج الإمام وهو لا يخرج إلا بعد الزوال. وقال أبو عيسى الترمذي: إن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان يصلي قبل الجمعة أربعاً وبعدها أربعاً. وإليه ذهب سفيان الثوري وابن المبارك. وروى الشافعي عن ثعلبة بن أبي مالك عن عامة الصحابة أنهم كانوا يصلون نصف النهار يوم الجمعة. إلى غير ذلك وهو كثير. وبعض هذا كاف للاستدلال على ما ذهب إليه الشافعي رضي الله عنه. وهنا روايات ضعيفة لا بأس أن نسمعك شيئاً منها وليس التعويل عليها، فإن عندنا غيرها على ما سمعت. ولا شك أن كثرة الروايات تفيد قوة الظن ويؤكد بعضها بعضاً. ولا داعي لأن نقول إن الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال، فالأمر هنا أعظم من ذلك، ولو لم يكن للشافعي إلا قياس الجمعة على الظهر. وما روى ابن حبان في صحيحه وغيره عنه قوله صلى الله عليه وسلم: "بين يدي كل فريضة". وغيره لكفى وشقى على تلك الجعجعة الحمقاء. وهاك بعض الروايات الضعيفة التي وردت في الموضوع. روى الشافعي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة" ولكن في إسناده إبراهيم بن أبي يحيى وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وهما ضعيفان. ورواه البيهقي من طريق أبي خالد الأحمر عن عبد الله- شيخ من أهل المدينة- عن سعيد بن أبي هريرة رضي الله عنه. ورواه الأثرم بسند فيه الواقدي وهو متروك. ورواه البيهقي أيضاً بسند فيه عطاء بن عجلان وهو متروك أيضاً. وفي بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة وقال: "إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة". وفيها ليث بن أبي سليم وهو ضعيف. ومن ذلك حديث ابن ماجة الذي فيه بقية بن الوليد وغيره من الضعاف. فهذه الروايات الكثيرة يقوي بعضها بعضاً وإن كان فيها مقال. وقد تقدم لك ما يصح الاعتماد عليه من غير هذه الروايات.

_ 1826 - ابن حبان (4/ 77) ذكر الأمر للمرء أن يركع ركعتين قبل كل صلاة فريضة يريد أداءها.

والخلاصة أن الصلاة قبل الجمعة مرغب فيها عموماً وخصوصاً. وقد قال بعض العلماء: لم يتمسك المانع من الصلاة قبل الجمعة إلا بحديث النهي عن الصلاة وقت الزوال، وهو مع كون عمومه مخصصاً بيوم الجمعة ليس فيه ما يدل على المنع من الصلاة قبل الجمعة على الإطلاق، فإن غاية ما فيه المنع في وقت الزوال وهو غير محل النزاع. وعلى كل حال فما تقدم كاف للمنصف، ولا حاجة للإطالة فيه. وبعد: فهؤلاء الناس إنما يقصدون التلبيس على المسلمين وإيقاع الشقاق فيما بينهم بتفريق كلمتهم وفصم عرى وحدتهم، وحباً في الظهور. فعلى ولاة الأمر أن يردعوهم عن ذلك بالزجر البليغ والتأديب الشديد، كما كان يفعله الحكام في العصور الأولى، وكما تفعله الحقانية الآن مع من يحكم برأيه ويقضي بمذهبه الخاص. فعلى الوعاظ وأئمة المساجد ألا يتعرضوا لمن يقلد إماماً من الأئمة الأربعة، ويدعوه وما اختار لنفسه من تلك المذاهب التي تلقاها المسلمون بالقبول، وقامت البراهين على أنها مستمدة من كتاب الله وسنة رسول الله. وإني مالكي والمالكية لا يرون سنة الجمعة. ولكني لا أحب الخروج على أئمة الهدى وورثة الرسول صلى الله عليه وسلم، والمسائل الاجتهادية يكفي فيها هذا وأقل من هذا على ما شرحنا لك. وما من أمة لا تعظم أئمتها ولا تحترم علماءها وعظماءها إلا ذهب ريحها وحق القول عليها. نسأل الله أن يقينا شر مضلات الفتن، ومزالق الأهواء بمنه وكرمه. يوسف الدجوي عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف

وإنما أطلنا في هذا لأن بعض الناس يتشددون في النهي عن الصلاة قبل الجمعة ويحدثون بلبلة بين المسلمين، حتى إن احدهم صعد المنبر قبل الأذان ثم أمر المؤذن أن يؤذن وبعد انتهاء الأذان بدأ الخطبة وبدأ الناس بالصلاة، فأي مفسدة هذه التي يحدثها أمثال هؤلاء، وليس في السنة نهي عن الصلاة قبلها ولا دليل لهم سوى أن رسول الله لم يفعلها وقد قال علماء الأصول: إن هذا ليس دليلاً على البدعية.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد - من كلام الحنفية في صلاة الجمعة نبدأ بنقل شيء من متن "نور الإيضاح" وبعض شروحه ونثني بنقل من "تنوير الأبصار" وشرحه وحاشية ابن عابدين عليه. قال في نور الإيضاح: صلاة الجمعة فرض عين على من اجتمع فيه سبعة شرائط: الذكورة، والحرية، والإقامة بمصر أو فيما هو داخل في حد الإقامة بها في الأصح (قوله: أي بمصر وهو المكان الذي من فارقه بنية السفر يصير مسافراً أو من وصل إليه يصير مقيماً في الأصح كربض المصر وفنائه الذي لم ينفصل عنه بحوالي 185 م، ولا تجب على من كان خارجه، وذكر بعض الحنفية أنا لعبرة لمن كان في فناء المصر بسماعه النداء فعلاً أو حكماً بأن تصور مؤذناً يؤذن في طرف البلد فإنه يسمعه، وعند المالكية يعتبر في دائرة المصر من كان بينه وبين أطراف المصر حوالي 550 م). والصحة، والأمن من ظالم، وسلامة العينين وسلامة الرجلين، ويشترط لصحتها ستة أشياء: المصر أو فناؤه، والسلطان أو نائبه (المسلمان أو من أذن له بطريق ذلك وفي حال فقد السلطان المسلم فإن إذن وزارات الأوقاف أو إذن العلماء أو إذن أعلم العلماء في القطر يكفي لإقامة الجمعة) ووقت الظهر، فلا تصح قبله وتبطل بخروجه والخطبة قبلها بقصدها في وقتها وحضور أحد لسماعها ممن تنعقد بهم الجمعة ولو واحداً في الصحيح، والإذن العام (أي بأن يكون مكان إقامة الجمعة مسموحاً بالدخول به لكل إنسان) والجماعة وهم ثلاثة رجال غير الإمام ولو كانوا عبيداً أو مسافرين أو مرضى، والشرط بقاؤهم مع الإمام حتى يسجد فإن نفروا بعد سجوده أتمها وحده جمعة وإن نفروا قبل سجوده بطلت، ولا تصح بامرأة أو صبي مع رجلين، وجاز للعبد وللمسافر والمريض أن يؤم فيها، والمصر: كل موضع له مفت وأمير وقاض ينفذ الأحكام ويقيم الحدود (وإذا كان المفتي هو الأمير والقاضي واحداً يعتبر المكان مصراً وبعض الحنفية عرف المصر بأنه: الذي لا يسع أكبر مساجده أهله، فاعتبروا كثرة العدد في مكان إقامة كالقرية الواسعة ولا يعتبرون الخيام والصحراء مكاناً لإقامة الجمعة). وقال في "تنوير الأبصار" وشرحه "الدار المختار وحاشية ابن عابدين" عليه ما يلي: (وشرط لافتراضها) تسعة تختص بها: (قوله تختص بها) إنما وصف التسعة

بالاختصاص لأن المذكور في المتن أحد عشر لكن العقل والبلوغ منها ليسا خاصين كما نبه عليه الشارح اهـ ح. 1 - (إقامة بمصر) وأما المنفصل عنه فإن كان يسمع النداء تجب عليه عند محمد وبه يفتي كذا في "الملتقى" وقدمناه عن "الولوالجية" تقديره بفرسخ، ورجح في "البحر" اعتبار عوده لبيته بلا كلفة. (قوله إقامة) خرج به المسافر لقوله بمصر أخرج الإقامة في غيره إلا ما استثنى بقوله فإن كان يسمع النداء. ح. (قوله يسمع النداء) أي من المنابر بأعلى صوت كما في "القهستاني" (قوله وقدّمنا إلخ) فيه أن ما مر عن الولوالجية في حد الفناء الذي تصح إقامة الجمعة فيه والكلام هنا في حد المكان الذي من كان فيه يلزمه الحضور إلى المصر ليصليها فيه؛ نعم. في "التتارخانية" عن "الذخيرة" أن من بينه وبين المصر فرسخ يلزمه حضور الجمعة وهو المختار للفتوى. (قوله ورجح في البحر إلخ) هو استحسنه في "البدائع" وصحح في مواهب الرحمن" قول أبي يوسف بوجوبها على من كان دخل حد الإقامة أي الذي من فارقه يصير مسافراً وإذا وصل إليه يصير مقيماً وعلله في شرحه المسمى "بالبرهان": بأن وجوبها مختص بأهل المصر والخارج عن هذا الحد ليس أهله. اهـ. قلت: وهو ظاهر المتون وفي "المعراج" أنه أصح ما قيل وفي "الخانية" المقيم في موضع من أطراف المصر إن كان بينه وبين عمران المصر فرجه من مزارع لا جمعة عليه وإن بلغه النداء، وتقدير البعد بغلوة أو ميل بشيء، هكذا رواه أبو جعفر بن الإمامين وهو اختيار الحلواني، وفي "التتارخانية": ثم ظاهر رواية أصحابنا لا تجب إلا على من يسكن المصر أو ما يتصل به، فلا تجب على أهل السواد ولو قريباً وهذا أصح ما قيل فيه. اهـ. وبه جزم في "التجنيس" قال في "الأمداد": تنبيه قد علمت بنص الحديث والأثر والروايات عن أئمتنا الثلاثة واختيار المحققين من أهل الترجيح أنه لا عبرة ببلوغ النداء ولا بالغلوة والأميال فلا عليك من مخالفة غيره وإن صحح اهـ. أقول وينبغي تقييد ما في "الخانية" "والتتارخانية" بما إذا لم يكن في فناء المصر لما مر أنها تصح إقامتها في الفناء ولو منفصلاً بمزارع فإذا صحت في الفناء لأنه ملحق بالمصر يجب على من كان فيه أن يصليها لأنه من أهل المصر كما يعلم من تعليل "البرهان" والله الموفق.

2 - (وصحة) وألحق بالمريض الممرض والشيخ الفاني. (قوله وصحة) قال في "النهر": فلا تجب على مريض ساء مزاجه وأمكن في الأغلب علاجه فخرج المقعد والأعمى ولذا عطفهما عليه فلا تكرار في كلامه كما توهمه في "البحر" اهـ. فلو وجد المريض ما يركبه ففي القنية هو كالأعمى على الخلاف إذا وجد قائداً وقيل: لا يجب عليه اتفاقاً كالمقعد وقيل: هو كالقادر على المشي فتجب في قولهم، وتعقبه السروجي بأنه ينبغي تصحيح عدمه لأن في التزامه الركوب والحضور زيادة المرض. قلت: فينبغي تصحيح عدم الوجوب إن كان الأمر في حقه كذلك. حلية (قوله والحق بالمريض الممرض) أي من يعول المريض وهذا إن بقي المريض ضائعاً بخروجه في الأصح. (حلية وجوهرة). 3 - (وحرية) والأصح وجوبها على مكاتب ومبعض وأجير ويسقط من الأجر بحسابه لو بعيداً وإلا لا؛ ولو أذن له مولاه وجبت وقيل يخير "جوهرة" ورجح في "البحر" التخيير. (قوله والأصح إلخ) ذكره في "السراج" قال في "البحر" ولا يخفى ما فيه. اهـ. أي لوجود الرق فيهما والمراد بالمبعض من أعتق بعضه وصار يسعى كما في "الخانية" (قوله واجير) مفاده أنه ليس للمستأجر منعه وهو أحد قولين، وظاهر المتون يشهد له كما في "البحر" (قوله بحسابه لو بعيداً) فإن كان قدر ربع النهار حط عنه ربع الأجرة وليس للأجير أن يطالبه من الربع المحطوط بمقدار اشتغاله بالصلاة، "تاترخانية" (قوله ولو أذن له مولاه) أي بالصلاة وليس المراد المأذون بالتجارة فإنه لا يجب عليه اتفاقاً كما يعلم من عبارة "البحر". ح (قوله ورجح في البحر التخيير) أي بأنه جزم به في الظهيرية وبأنه أليق بالقواعد. اهـ. قلت ويؤيده أنه في (الجوهرة) أعاد المسألة في الباب الآتي وجزم بعدم وجوبها عليه حيث ذكر أن من لا تجب عليه الجمعة لا تجب عليه العيد إلا المملوك فإنها تجب عليه إذا أذن له مولاه لا الجمعة لأن لها بدلاً يقوم مقامها في حقه وهو الظهر بخلاف العيد ثم قال: وينبغي أن لا تجب عليه كالجمعة لأن منافعه لا تصير مملوكة له بالإذن فحاله بعده كحاله قبله ألا ترى أنه لو حج بالإذن لا تسقط عنه حجة الإسلام. اهـ. ولا يخفى أنه إذا لم تجب عليه يخير لأنه فرع عدم الوجوب وفي "البحر" أيضاً، وهل يحل له الخروج إليها أو إلى العيدين بلا إذن مولاه ففي "التجنيس" إن علم رضاه أو رآه فسكت حل وكذا إذا كان يمسك دابة المولى عند الجامع ولا يخل بحقه في الإمساك له ذلك في الأصح.

4 - (وذكورة) محققة. (قوله محققة) ذكره في "النهر" بحثاً لإخراج الخنثى المشكل، ونقله الشيخ إسماعيل عن البرجندي: قيل: معاملته بالأضر تقتضي وجوبها عليه أقول: فيه نظر بل تقتضي عدم خروجه إلى مجامع الرجال ولذا لا تجب على المرأة فافهم. 5، 6 - (وبلوغ وعقل) ذكره الزيلعي وغيره وليسا خاصين. (قوله وليسا خاصين) أي بالجمعة بل هما شرطا التكليف بالعبادات كلها كالإسلام على أن المجنون يخرج بقيد الصحة لأنه مرض بل قال الشاعر: وأصعب أمراض النفوس جنونها. 7 - (ووجود بصر) فتجب على الأعور (قوله تجب على الأعور) وكذا ضعيف البصر فيما يظهر أما الأعمى فلا وإن قدر على قائد متبرع أو بأجرة وعندهما: إن قدر على ذلك تجب وتوقف في "البحر" فيما لو أقيمت وهو حاضر في المسجد وأجاب بعض العلماء بأنه إن كان متطهراً فالظاهر الوجوب لأن العلة الحرج وهو منتف وأقول: بل يظهر لي وجوبها على بعض العميان الذي يمشي في الأسواق ويعرف الطرق بلا قائد ولا كلفة ويعرف أي مسجد أراده بلا سؤال أحد لأنه حينئذ كالمريض القادر على الخروج بنفسه بل ربما تلحقه مشقة أكثر من هذا فتأمل. 8 - (وقدرته على المشي) جزم في "البحر": بأن سلامة أحدهما له كاف في الوجوب لكن قال الشمني وغيره: لا تجب على مفلوج الرجل ومقطوعها. (قوله وقدرته على المشي) فلا تجب على المقعد وإن وجد حاملاً اتفاقاً (خانية) لأنه غير قادر على السعي أصلاً فلا يجري فيه الخلاف في الأعمى كما نبه عليه القهستاني. (قوله أحدهما) أي أحد الرجلين ح والمناسب إحداهما (قوله لكن إلخ) أجاب السيد أبو السعود بحمل ما في "البحر" على العرج غير المانع من المشي وما هنا على المانع منه). 9 - (وعدم حبس). (وقوله عدم حبس) ينبغي تقييده بكونه مظلوماً كمديون معسر فلو موسراً قادراً على الأداء حالاً وجبت. 10 - (وعدم خوف) (قوله وعدم خوف) أي من سلطان أو لص "منح" قال في "الأمداد": ويلحق به المفلس إذا خاف الحبس كما جاز له التيمم به.

11 - (وعدم مطر شديد) ووحل وثلج ونحوهما. (قوله ووحل وثلج) أي شديدين (قوله ونحوهما) أي كبرد شديد. (وفاقدها) أي هذه الشروط أو بعضها (إن) اختار العزيمة و (صلاها وهو مكلف) بالغ عقل (وقعت فرضاً) عن الوقت لئلا يعود على موضوعه بالنقض وفي "البحر": هي أفضل إلا للمرأة. (قوله أي هذه الشروط) أي شروط الافتراض (قوله إن اختار العزيمة) أي صلاة الجمعة لأنه رخص له في تركها إلى الظهر فصارت الظهر في حقه رخصة والجمعة عزيمة كالفطر للمسافر وهو رخصة له والصوم عزيمة في حقه لأنه أشق فافهم. (قوله بالغ عاقل) تفسير للمكلف وخرج به الصبي فإنها تقع منه نفلاً والمجنون فإنه لا صلاة له أصلاً (بحر عن البدائع). (قوله لئلا يعود على موضوع بالنقض) يعني لو لم نقل بوقوعها فرضاً بل ألزمناه بصلاة الظهر لعاد على موضوعه بالنقض وذلك لأن صلاة الظهر في حقه رخصة فإذا أتى بالعزيمة وتحمل المشقة صح ولو ألزمناه بالظهر بعدها لحملناه مشقة ونقضنا الموضوع في حقه وهو التسهيل. اهـ ح. قلت: فالمراد بالموضوع الأصل الذي بني عليه سقوط الجمعة هنا وهو التسهيل والترخيص الذي استدعاه العذر ومنه النظر للمولى في جانب العبد قال في "البحر": لأنا لو لم نجوزها وقد تعطلت منافعه على المولى لوجب عليه الظهر فتتعطل عليه منافعه ثانياً فينقلب النظر ضرراً (قوله وفي البحر إلخ) أخذه في "البحر" من ظاهر قولهم إن الظهر لهم رخصة فدل على أن الجمعة عزيمة وهي أفضل إلا للمرأة لأن صلاتها في بيتها أفضل وأقره في "النهر" ومقتضى التعليل أنه لو كان بيتها لصيق جدار المسجد بلا مانع من صحة الاقتداء تكون أفضل لها أيضاً (ويصلح للإمامة فيها من صلح لغيرها فجازت لمسافر وعبد ومريض وتنعقد) الجمعة (بهم) أي بحضورهم بالطريق الأولى (قوله من صلح لغيرها) أي لإمامة غير الجمعة فهو على تقدير مضاف والمراد الإمامة للرجال فخرج الصبي لأنه مسلوب الأهلية والمرأة لأنها لا تصلح إماماً للرجال (قوله تنعقد بهم) أشار به إلى خلاف الشافعي رحمه الله حيث قال بصحة إمامتهم وعدم الاعتداد بهم في العدد الذي تنعقد بهم الجمعة وذلك لأنهم لما صلحوا للإمامة فلأن يصلحوا للاقتداء أولى عناية (وكره) تحريماً (لمعذور ومسجون) ومسافر (أداء ظهر بجماعة في مصر) قبل الجمعة وبعدها لتقليل الجماعة وصورة المعارضة وأفاد أن المساجد تغلق يوم الجمعة إلا الجامع (وكذا أهل مصر فاتتهم الجمعة) فإنهم يصلون

الظهر بغير أذان ولا إقامة ولا جماعة ويستحب للمريض تأخيرها إلى فراغ الإمام وكره إن لم يؤخر هو الصحيح. (قوله لمعذور) وكذا غيره بالأولى "نهر" (قوله ومسبحون) صرح به كالكنز وغيره مع دخوله في المعذور لرد ما قيل إنها تلزمه لأنه إن كان ظالماً قدر على إرضاء خصمه وإلا أمكنه الاستغاثة اهـ. قال الخير الرملي: وفي زماننا لا مغيث للمظلوم والغلبة للظالمين فمن عارضهم بحق أهلكوه (قوله تحريماً) ذكر في "البحر" أنه ظاهر كلامهم قلت بل صرح به القهستاني (قوله أداء ظهر بجماعة) مفهومه أن القضاء بالجماعة غير مكروه وفي "البحر" وقيد بالظهر لأن في غيرها لا بأس أني صلوا جماعة اهـ (قوله في مصر) بخلاف القرى لأنه لا جمعة عليهم فكان هذا اليوم في حقهم كغيره من الأيام "شرح المنية" وفي "المعراج" عن المجتبى من لا تجب عليهم الجمعة لبعد الموضع صلوا الظهر بجماعة (قوله لتقليل الجماعة) لأن المعذور قد يقتدي به غيره فيؤدي إلى تركها "بحر" وكذا إذا علم أنه يصلي بعدها بجماعة ربما يتركها ليصلي معه فافهم. (قوله وصورة المعارضة) لأن شعار المسلمين في هذا اليوم صلاة الجمعة وقصد المعارضة لهم يؤدي إلى أمر عظيم فكان في صورتها كراهة التحريم وحتى (قوله تغلق) لئلا تجتمع فيها جماعة "بحر" عن "السراج" (قوله إلا الجامع) أي الذي تقام فيه الجمعة فإن فتحه في وقت الظهر ضروري والظاهر أنه يغلق أيضاً بعد إقامة الجمعة لئلا يجتمع فيه أحد بعدها إلا أن يقال إن العادة الجارية هي اجتماع الناس في أول الوقت فيغلق ما سواه مما لا تقام فيه الجمعة ليضطروا إلى المجيء إليه وعلى هذا فيغلق غيره إلى الفراغ منها لكن لا داعي إلى فتحه بعدها فيبقى مغلوقاً إلى وقت العصر ثم كل هذا مبالغة في المنع عن صلاة غير الجمعة وإظهار لتأكدها (قوله وكذا أهل مصر إلخ) الظاهر أن الكراهة هنا تنزيهية لعدم التقليل والمعارضة المذكورين ويؤيده ما في "القهستاني" عن المضمرات يصلون وحدانا استحباباً (قوله بغير أذان ولا إقامة) قال في "الولوالجية" ولا يصلي يوم الجمعة جماعة بمصر ولا يؤذن ولا يقيم في سجن وغيره لصلاة الظهر اهـ قال في "النهر": وهذا أولى مما في "السراج" معزياً إلى جمع التفاريق من أن الأذان والإقامة غير مكروهين (قوله ويستحب للمريض) عبارة القسهتاني المعذور وهي أعم (قوله وكره) ظاهر قوله يستحب أن الكراهة تنزيهية "نهر" وعليه فما في "شرح الدرر" للشيخ إسماعيل عن "المحيط" من عدم الكراهة اتفاقاً محمول على نفي التحريمية.

(ومن أدركها في تشهد أو سجود سهو) على القول به فيها (يتمها جمعة) خلافاً لمحمد (كما) يتم (في العيد) اتفاقاً كما في عيد الفتح لكن في "السراج": أنه عند محمد لم يصر مدركاً له (وينوي جمعة لا ظهراً) اتفاقاً فلو نوى الظهر لم يصح اقتداؤه ثم الظاهر أنه لا فرق بين المسافر وغيره "نهر" بحثاً. (قوله ومن أدركها) أي الجمعة (قوله أو سجود سهو) ولو في تشهده ط (قوله على القول به فيها) أي على القول بفعله في الجمعة والمختار عند المتأخرين أن لا يسجد للسهو في الجمعة والعيدين لتوهم الزيادة من الجهال كذا في "السراج" وغيره "بحر". وليس المراد عدم جوازه بل الأولى تركه كيلا يقع الناس في فتنة. "أبو السعود عن العزمية ومثله في الإيضاح لابن كمال" (قوله يتمها جمعة) وهو مخير في القراءة إن شاء جهر وإن شاء خافت "بحر". (قوله خلافاً لمحمد) حيث قال: إن أدرك معه ركوع الركعة الثانية بنى عليها الجمعة وإن أدرك فيما بعد ذلك بنى عليها الظهر لأنه جمعة من وجه وظهر من وجه لفوات بعض الشرائط في حقه فيصلي أربعاً اعتباراً للظهر ويقعد لا محالة على رأس الركعتين اعتباراً للجمعة ويقرأ في الأخريين لاحتمال النفلية، ولهما: أنه مدرك للجمعة في هذه الحالة حتى تشترط له نية الجمعة وهي ركعتان ولا وجه لما ذكر لأنهما مختلفان لا يبني أحدهما على تحريمه الآخر كذا في "الهداية". (قوله لكن في السراج إلخ) أقول: ما في "السراج" ذكره في عيد الظهيرية عن بعض المشايخ ثم ذكر عن بعضهم أنه يصير مدركاً بلا خلاف وقال: وهو الصحيح. (قوله اتفاقاً) لما علمت أنها عند محمد ليست ظهراً من كل وجه. (قوله ثم الظاهر الخ) ذكر في "الظهيرية" معزياً إلى "المنتقى" مسافراً أدرك الإمام يوم الجمعة في التشهد يصلي أربعاً بالتكبير الذي دخل فيه اهـ. قال في "البحر": وهو مخصص لما في المتون مقتض لحملها على ما إذا كانت الجمعة واجبة على المسبوق أما إذا لم تكن واجبة فإنه يتم ظهراً اهـ. وأجاب في "النهر" بأن الظاهر أن هذا مخرج على قول محمد غاية الأمر أن صاحب "المنتقى" جزم به لاختياره إياه والمسافر مثال لا قيد اهـ. قلت ويؤيده ما جاء عن "الهداية" من أنه لا وجه عندهما لبناء الظهر على الجمعة لأنهما مختلفان على أن المسافر لما التزم الجمعة صارت واجبة عليه ولذا صحت إمامته فيها وأيضاً المسافر إذا صلى الظهر قبلها ثم سعى إليها بطل ظهره وإن لم يدركها فكيف إذا أدركها لا يصليها بل يصليها ظهراً والظهر لا يبطل الظهر فالظاهر ما في "النهر" ووجه تخصيص المسافر بالذكر

دفع توهم أنه يصليها ظهراً مقصورة على قول محمد لأن فرض إمامه ركعتان فنبه على أنه يتمها أربعاً عنده لأن جمعة إمامه قائمة مقام الظهر والله أعلم. اهـ- (حاشية ابن عابدين 1/ 546 - 550). - لا يشترط للجماعة بالإجماع أن تكون في مسجد، أما الجمعة فقد اشترط المالكية وحدهم أن تكون في مسجد جامع، واشترط الشافعي أن تكون في البنيان، واشترط الحنفية أن تكون في البنيان أو في فنائه ومذهب الحنابلة مثل مذهب الحنفية في هذا الموضوع. - اتفقت المذاهب الأربعة على أنه لا تصح الجماعة من أهل الخيام ولو كان مكثهم طويلاً أو مستمراً واشترط الحنفية أن تكون الجمعة في بلد أو في قرية كبيرة لا يسع أكبر مساجدها المكلفين فيها، أو أن يكون للقرية أمير وقاض ومفت أي أن تكون فيها تمثيل إداري للدولة على مستوى معين ولم يشترط الحنابلة والشافعية والمالكية إلا وجود البناء المتجمع الذي يسمى به المكان قرية أو بلداً لكن الشافعية والحنابلة اشترطوا أن يكون المكان يضم أربعين مكلفاً مستوطناً مقيماً فأكثر، ولم يشترطوا للبناء شروطاً معينة إلا ما جرى به العرف في مكان ما أن تبنى به القرية. واشترط المالكية لصحة الجمعة في قرية أن تستغني القرية بأهلها عادة بالأمن على أنفسهم والاكتفاء في معاشهم عن غيرهم ضمن ما تعورف عليه في أمن القرى واستغنائها، ولا يحدون بحد كمائة أو أقل أو أكثر ولكنهم اشترطوا لصحة الجمعة أن يكون أقل العدد اثني عشر مكلفاً من بدء الخطبة إلى نهاية الصلاة. - لم يشترط غير الحنفية إذن الأمير أو نائبه لإقامة الجمعة ولا الإذن العام لكن اشترطوا أن تكون البوابة الموصلة إلى مكان الجمعة مفتوحة وعلى هذا يصح عند الأئمة الآخرين صلاة الجمعة بدون إذن وفي المكان المحصور إذا توافرت الشروط التي وضعها كل إمام لجواز صلاة الجمعة. - اشترط الحنابلة والشافعية والمالكية والحنفية عدداً لصحة الجمعة وقد اختلفوا في هذا العدد كما اختلفوا في بعض شروط الصحة أو الوجوب أو الصحة والوجوب معاً فأقل العدد

عند الحنفية: ثلاثة وأقل العدد عند المالكية: اثنا عشر وأقل عدد عند الشافعية والحنابلة: أربعون واشترط الأربعة التكليف في العدد الذي تقام به الجمعة وزاد المالكية والشافعية والحنابلة مع التكليف الاستيطان والإقامة، فعند الشافعية مثلاً لابد أن يكون الأربعون مقيمين مستوطنين لا ينزح الواحد منهم من قريته أو بلده طوال العام إلا لحاجة ثم يرجع إليها، فمحل الجمعة أن يكون محل إقامة واستيطان بهذا الشرط ساعة إقامة الجمعة ولا يضر أن تتغير النية بعد ذلك في أن ينوي الإنسان استيطان بلد أخرى. - لا تصح إقامة الجمعة في سجن أو ثكنة عسكرية أو مدرسة، فعلَّته عند الحنفية لعدم الإذن العام ولعدم توفر شروط أخرى عندهم، ولا تصح عند المالكية لعدم وجود المسجد وهو شرط عندهم فإذا وجد المسجد ووجد اثنا عشر مكلفاً مقيماً إقامة استيطان جازت الصلاة عندهم، ولابد عند الشافعية والحنابلة من أن يكون المكلفون مستوطنين مقيمين بشرط الاستيطان المذكور فيما مر معنا. وهل السجين المحكوم عليه بالإقامة في مكان أو الجندي المكلف بالإقامة في مكان يعتبر من أهل المكان وبالتالي تصح به صلاة الجمعة إذا أكمل العدد؟ والظاهر أن الأمر كذلك إذا تحدد المكث في المكان سنة فأكثر أما إذا لم يتحدد فلا يعتبرون مقيمين مستوطنين وبالتالي فالحكم في استكمال العدد للمقيمين المستوطنين من أهل البلد التي فيها الثكنة أو المدرسة أو السجن فإذا رغب أهل الثكنة أو مدرسة أو قلعة أن يقيموا صلاة الجمعة دون أن تتوافر في إقامتها شروط مذهب ما فهم بين أمرين: إما أن يلفقوا بين أقوال العلماء وإما أن يجتمعوا على خطبة ثم يصلون الظهر مع ملاحظة أن الحنفية يكرهون لمن لا تجب عليه الجمعة من أهل الأعذار أن يصلوا الظهر جماعة فالأولى لمن حبسه حابس لعذر فيه عن إتيان الجمعة بشروطها المتعارف عليها عند الأئمة أني صلوا الظهر فرادى أو مجتمعين كل على حسب مذهبه وقد ترخص ناس في إقامة الجمعة في البيوت وفي أمكنة مغلقة غير مراعين توافر الشروط مع إمكانهم أني صلوا في المساجد التي تقام بها الجمعة إما لغلو وإما لتكاسل، وكل ذلك ينبغي الاحتياط فيه إلا إذا وجد من الأعذار ما أفتاهم بسببه المؤهلون للفتوى بجواز أن يفعلوا شيئاً من ذلك، وقد وجد قوم يفرون من مساجد البلدة إلى الصحراء المحيطة بالبلد لصلاة الجمعة

فيها، فهؤلاء ما داموا في فناء البلد الملاصق له والذي يعتبر من مرافق البلد فصلاتهم جائزة على بعض المذاهب إذا توافرت الشروط التي اشترطها أئمة المذاهب وهي غير جائزة حتماً على مذهب المالكية الذين يشترطون المسجد. - لا تجب صلاة الجمعة على مسافر وإذا صلاها أجزأته وجاز له عند بعض الأئمة أن يخطب الجمعة ويصلي بالناس إماماً ولا حرج في ذلك عليه ولا على المقتدين واشترط المالكية أن يكون الإمام مقيماً لتصح خطبته وإمامته في الجمعة. - رأينا أن من شروط وجوب الجمعة الإقامة في بلد أو قرية على خلاف في حجم القرية كما مر معنا. والسؤال الآن: على من تجب صلاة الجمعة لمن كان خارج أبنية البلدة أو القرية أو ما هو البعد الذي تسقط عنه به صلاة الجمعة؟ قال المالكية: من كان يبعد عن أطراف القرية أو البلد مقدار (5544 م) تجب عليه، والعبرة عند الشافعية لمن سمع النداء بأن يفترض المؤذن في طرف البلد أو القرية والأصوات هادئة والريح ساكنة وهو مستمع فإذا كان بإمكانه أن يسمع النداء لو كان الأمر كذلك فإنه يجب عليه حضور الجمعة ولا عبرة بسماعه من خلال المكبرات، والعبرة أن يسمعه من منارة لا من داخل المسجد، والحنابلة كالمالكية في اعتبار الفرسخ (5544 م) غير بعيد عن طرق المكان الذي تجب فيه الجمعة، فمن كان يبعد مقدار فرسخ فأقل تجب عليه صلاة الجمعة. وقد اختلف الحنفية اختلافاً كبيراً في تقدير المسافة التي تجب معها صلاة الجمعة لمن كان خارج البلد أو القرية التي تجب فيهما إقامة الصلاة فذهب بعضهم إلى أن من كان بعيداً عن طرف القرية أو البلد أربعمائة ذراع تجب عليه، فإن كان أكثر من ذلك لا تجب عليه وقيل: إن الميل فما دونه (1848 م) هو الذي تجب به الجمعة، وذهب بعضهم إلى أن العبرة بسماع النداء من المنارة بأعلى صوت بأن افترض المؤذن في طرف القرية أو البلد وهذا الرأي رأي الشافعية كما ذكرنا، وذهب بعضهم إلى أنه إذا فصل بين الإنسان وبين القرية أو البلد مزارع ونحوها فإنه لا تجب عليه الصلاة ولو سمع النداء وأفتى بعضهم بأن الفرسخ هو الفيصل بين البعد والقرب فمن كان بعيداً عن أطراف المدينة فرسخاً فأقل وجبت عليه صلاة الجمعة، وإلا فإنها لا تجب وقد وافقهم بهذا القول المالكية والحنابلة، وذهب بعض الحنفية

إلى أن من كان يستطيع أن يصلي الجمعة ثم يرجع إلى بيته قبل أن يدخل المساء فيجب عليه أن يصلي الجمعة. والملاحظ أن بعض النصوص التي مرت معنا تندب من كان بعيداً عن المدينة لحضور صلاة الجمعة وأن بعض الصحابة كانوا يتكلفون الحضور من الأمكنة البعيدة للمدينة وهذا يجعلنا نشجع سكان الأطراف ولو بعدوا على حضور صلاة الجمعة إذا توافرت شروط الصحة في مكان، خاصة وأن كثيرين من الناس أصبحوا يملكون من الوسائل ما يستطيعون به أن يأتوا من المكان البعيد لصلاة الجمعة ثم يرجعون وهم في غاية الراحة فحضور الجمعة وإن لم يكن واجباً، له بركاته وتأثيراته على من حضر الجمعة، من غفران ذنب فيما بينه وبين الجمعة السابقة وكثرة أجر كلما كثرت الخطا وبعد المكان.

الباب السادس في صلوات الليل والنهار في الأحوال العادية عدا الصلوات الخمس وفيه مقدمة وعرض إجمالي وفقرات ومسائل وفوائد

الباب السادس في صلوات الليل والنهار في الأحوال العادية عدا الصلوات الخمس وفيه مقدمة وعرض إجمالي وفقرات ومسائل وفوائد الفقرة الأولى: في أحاديث ومسائل متنوعة تتحدث عن النوافل. الفقرة الثانية: في رواتب الصلوات الخمس. الفقرة الثالثة: في صلاة الوتر. الفقرة الرابعة: في صلاة الضحى. الفقرة الخامسة: في قيام الليل. الفقرة السادسة: في نوافل تتكرر يومياً ولها سبب: تحية المسجد، سنة الوضوء، صلاة دخول المنزل والخروج منه. الفقرة السابعة: في النفل المطلق. الفقرة الثامنة: في صلاة التسابيح.

المقدمة قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} (1) {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً}: أي يخلف كل منهما الآخر بأن يقوم مقامه فيما ينبغي أن يعمل فيه. {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ}: لمن أراد أن يتذكر آلاء الله ويتفكر في صنعه فيقوم بحق الله عليه، وفي قراءة لحمزة والكسائي: {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ}: أي من أجل أن يذكر الله عز وجل. {أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} أي أن يشكر الله عز وجل على ما فيه من النعم باستعمال كل ما أعطاه الله عز وجل في الأحب إلى الله عز وجل. فالمراد إذن: أن الليل والنهار يتعاقبان ليكونا وقتين للذاكرين والشاكرين، فمن فاته ورده في أحدهما تذكره في الآخر. وأعلى درجات الذكر والتذكر والشكر هي الصلاة، ولذلك قال تعالى: (وأقم الصلاة لذكري) (2) وقال عليه الصلاة والسلام تعليلاً لقوة اشتغاله بقيام الله حتى تورمت قدماه: "أفلا أكون عبداً شكوراً". وفي الصلاة يتذكر الإنسان كل ما ينبغي تذكره، فيجتمع له تذكر وأفعال وأقوال يقتضيها هذا التذكر من تنزيه وخضوع وتوحيد وصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غير ذلك. وقد فرض الله عز وجل الصلوات الخمس لتكون المرتكزات الأساسية للذكر والشكر وشرعت لنا صلوات أخرى تتكرر يومياً، وشرعت لنا صلوات مرتبطة بمناسبات أو بأحوال أو بأعمال، وتمر على الإنسان حالات طارئة كالسفر والمرض والخوف، فيصلي الصلوات الخمس نفسها بما يتفق مع المشروع للحالة الطارئة، وهناك سجدات مشروعة وصلاة مشروعة على الجنازة لها أحكام خاصة.

_ (1) الفرقان: 62. (2) طه: 14.

وهكذا من خلال الصلوات التي تتكرر أو يمكن أن تتكرر يومياً، ومن خلال صلوات المناسبات ومن خلال ما شرع لحالات طارئة، ومن خلال سجدات ونوع صلاة مع ما ندب إليه المسلم من تلاوة وأذكار يبقى المسلم في ذكر وشكر وتذكر يسهل عليه معه أن يؤدي ما طلب الله منه وأن ينتهي عما نهاه الله عز وجل عنه. والأساس المنظم لهذا كله هو الصلوات الخمس خاصة، والصلوات عامة، قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (1) وقد خصصنا هذا الباب للصلوات التي شرعت مع الصلوات الخمس التي تتكرر يومياً أو يمكن أن تكرر يومياً، وهاك عرضاً لهذه الصلوات، وسيأتي الكلام عما سوى ذلك من الصلوات في أبواب لاحقة.

_ (1) العنكبوت: 45.

العرض الإجمالي

العرض الإجمالي مما شرع لنا ركعتان بعد طلوع الفجر وقبل فريضتها، ثم لا صلاة حتى تطلع الشمس وترتفع مقدار رمح أو رمحين، ومن هذا الوقت إلى ما قبيل الزوال شرعت لنا سنة الضحى، كما جاز لمن أراد التنفل المطلق أن يتنفل في هذا الوقت، فإذا زالت الشمس ودخل وقت الظهر شرعت لنا راتبة الظهر القبلية وراتبة الظهر البعدية، فما قبل فريضة الظهر وما بعدها شرعت لنا صلاتان راتبتان، ثم ما بعد راتبة الظهر البعدية يجوز التنفل المطلق لمن شاء فإذا دخل وقت العصر شرعت لنا راتبة العصر القبلية فإذا صلى الإنسان العصر فلا صلاة حتى تغرب الشمس فإذا دخل وقت المغرب فقد اختلف الفقهاء هل هناك راتبة قبل فريضة المغرب أو لا؟، على قولين، واتفقوا على مشروعية الراتبة لصلاة المغرب، وهناك من يرى أنه بعد راتبة المغرب تندب صلاة الأوابين ثم ما بين المغرب والعشاء يجوز النفل المطلق، فإذا دخل وقت العشاء كانت هناك راتبة قبل الفريضة وراتبة بعد الفريضة. وشرع لنا قيام الليل والتهجد، وبعضهم فرق بين التهجد وقيام الليل، فالتهجد ما كان بعد النوم، والقيام ما كان قبله، وشرع لنا أن نختم صلاة الليل بالوتر، وجاز النفل المطلق فيما بين العشاء والفجر، وقد شرع لنا تحية المسجد وهي في الأحوال العادية تتكرر من المسلم يومياً كما شرعت لنا سنة الوضوء وهي كذلك تتكرر في العادة يومياً وشرعت لنا سنة الدخول والخروج من البيت وإليه. أما صلاة التسابيح فقد شرعت على التخيير فمن شاء صلاها يومياً، فهذه الصلوات في العادة تتكرر يومياً أو يمكن أن تتكرر وهي كلها نوافل ما عدا صلاة الوتر فالحنفية يرون أنها واجبة. وما ذكرناه ها هنا هو محل العرض الإجمالي لهذا الباب: 1 - رواتب الصلوات الخمس: ركعتا الفجر وأربع ركعات قبل صلاة الظهر أو قبل صلاة الجمعة بتسليمة واحدة عند الحنفية وهي سنة مؤكدة عندهم، ويتأكد النفل عند المالكية

قبل صلاة الظهر وأقل ما يحصل به ركعتان، والراتبة القبلية عند الشافعية: أربع ركعات وتسن أربع ركعات قبل الجمعة عندهم، والمؤكدة عندهم ركعتان قبل الظهر وقبل الجمعة. وعند الحنابلة راتبة الظهر القبلية المؤكدة ركعتان، ركعتان غير مؤكدة قبل الظهر فالمذاهب الأربعة متفقة على أن: راتبة الظهر القبلية أربع ركعات ولكنه مختلفون في قوة الإلزام فبعضهم كالحنفية يعتبرون الأربع سنة مؤكدة والحنابلة والشافعية والمالكية يعتبرون ركعتين هما المؤكدتين، فإذا أضيفت إليهما ركعتان فإنهما سنة غير مؤكدة، وصلاة الجمعة عند الجميع كصلاة الظهر في راتبتها القبلية، وبعد صلاة الفريضة تؤدى ركعتان بعد الظهر وهما سنة مؤكدة عند الحنفية ويندب عندهم أن يضم لهما ركعتين، فالسنة الراتبة عندهم بعد الظهر والجمعة أربع: ثنتان مؤكدتان، وثنتان غير مؤكدتين، والشافعية والحنابلة والمالكية كالحنفية في راتبة الظهر البعدية أربع ركعات فهم متفقون على أنها أربع ركعات: اثنتان منها مؤكدة واثنتان غير مؤكدة. وراتبة العصر عند الحنفية أربع ركعات قبل العصر بتسليمة واحدة وهي غير مؤكدة. وتتأكد عند المالكية قبل صلاة العصر ركعتان والأولى الأربع، وراتبة العصر عند الشافعية: أربع تؤدى قبل الفريضة وهي سنة غير مؤكدة عندهم وكذلك هي عند الحنابلة. وراتبة المغرب مؤكدة عند الحنفية ركعتان بعد صلاة المغرب ويكره عندهم أن يصلي قبل المغرب شيئاً، وتتأكد هاتان الركعتان بعد المغرب في المذاهب الثلاثة الأخرى، وتندب ركعتان قبل صلاة فريضة المغرب عند الشافعية والمالكية والحنابلة، وبعد راتبة المغرب المؤكدة تندب صلاة الأوابين وهي: أربع ركعات غير مؤكدة عند الحنفية والمالكية والحنابلة. وصلاة الأوابين عند الشافعية: عشرون ركعة بين الغرب والعشاء وأقلها ركعتان. ومن السنن المؤكدة عند الحنفية: ركعتان بعد فرض العشاء، ومن السنن غير المؤكدة عندهم: أربع ركعات قبل صلاة العشاء وركعتان تضافان إلى السنة المؤكدة بعد فرض العشاء، فتصلى أربعاً بتسليمة واحدة، ومن صلى أربعاً بعد فريضة العشاء عند المالكية فهو أفضل، وركعتان تكفيان في تحصيل الفضيلة. وتندب ركعتان قبل فريضة العشاء، ويندب عند الشافعية ركعتان قبل العشاء وهما سنة غير مؤكدة، وعند الحنابلة: ركعتان بعد العشاء

مؤكدتان، ويضاف إليهما ثنتان غير مؤكدتين، وركعتان غير مؤكدتين قبل العشاء. 2 - الوتر: وهو سنة عند المالكية، وأقله: ركعة عندهم، وأكثره: إحدى عشرة ركعة، ووقته: بين صلاة العشاء وطلوع الفجر. والوتر سنة مؤكدة عند الشافعية، وأقله عندهم ركعة وأكثره ثلاثة عشر ركعة، والأفضل عندهم: إذا أوتر بثلاث أن يفصل بين الركعتين الأوليين والركعة الأخيرة بسلام وجاز له أن لا يفصل، والوتر عند الحنابلة سنة مؤكدة أقله ركعة وإن أوتر بثلاث أو أكثر فذلك أكمل، والوتر عند صاحبي أبي حنيفة والمذاهب الثلاثة سنة مؤكدة، وهو عند أبي حنيفة واجب، والواجب عند الحنفية فوق السنة ودون الفريضة، ويسميه الحنفية فرضاً عملياً، ومقداره عند الحنفية ثلاث ركعات لا يفصل بينهما بسلام وسلامه في آخره كصلاة المغرب، ويجب أن يصليه بنية وتر الليلة التي هو فيها، ويقرأ الفاتحة وسورة في الركعات الثلاث ويتشهد تشهدين الأول والأخير، ولا يقرأ دعاء الاستفتاح في الركعة الثالثة، ويكبر ويرفع يديه ثم يقنت قبل ركوع الثالثة، ومن وثق من استيقاظه في الليل فالأفضل أن يؤخر الوتر وإلا فالأفضل في حقه أن يوتر قبل أن ينام، وإذا أوتر ثم أراد أن يقوم الليل أو يتهجد فله ذلك، ولا يعيد وتره عند الجمهور، وجاز عند الحنابلة أن يوتر مرة أخرى بركعة، ولا يفصل بعض الفقهاء بين قيام الليل والتهجد والوتر، والحنفية يفرقون بين الوتر الذي هو واجب وبين ما سواه من قيام أو تهجد والذي هو نافلة. 3 - وصلاة الضحى: سنة غير مؤكدة عند الحنفية وأقلها: ركعتان وأوسطها: أربع وأكثرها: ثمان، ووقتها: يبدأ بعد حوالي ثلث أو نصف ساعة بعد طلوع الشمس إلى ما قبيل الزوال. وهي سنة مؤكدة عند المالكية أقلها: ركعتان، وأكثرها: ثمان، وعند الشافعية: أقل صلاة الضحى ركعتان وأكثرها اثنتا عشرة ركعة، وعند الحنابلة: مستحبة غير مؤكدة، وأكثرها ثمان وأقلها ثنتان وأفضل وقتها إذا علت الشمس واشتد حرها. 4 - قال الحنفية: تندب صلاة التهجد ليلاً وعدد ركعاتها من ركعتين إلى ثمان وطول القيام عندهم أفضل من كثرة السجود، وقيام الليل عند المالكية سنة مؤكدة وأفضله: أن

يكون في الثلث الأخير وهو عشر ركعات غير الثلاث التي هي الشفع التي يسبق ركعة الوتر، وقيام الليل عند الشافعية والحنابلة غير الثلاث: عشر أو ثمان وأقله ركعتان. 5 - ويندب عند الحنفية: ركعتا الوضوء وتحية المسجد وهما سنتان غير مؤكدتين عندهم ولا تؤدى هاتان السنتان في أوقات النهي الخمسة عندهم، والمسجد الحرام تحيته الطواف، وأداء الفرض أو غيره ينوب عن ركعتي الوضوء وتحية المسجد، ومن تكرر دخوله إلى المسجد لعذر تكفيه كل يوم مرة. ومن النوافل عند المالكية: سنة دخول المنزل، وسنة الخروج منه، ومن السنن عنده ركعتان بعد الوضوء وركعتان تحية المسجد للداخل يريد الجلوس به لا المرور فيه وإن كان في وقت النهي وتتأدى بفريضة. ومن السنن غير المؤكدة عند الشافعية: تحية المسجد ركعتين والأصح عندهم أنها تكرر بتكرر الدخول إلى المسجد مراراً، وتحصل التحية بفرض أو نفل آخر وإن لم ينو، ومن السنن غير المؤكدة عندهم: ركعتا الوضوء، ومن السنن غير المؤكدة عند الحنابلة: سنة الوضوء وسنة تحية المسجد. 6 - والنفل المطلق جائز عند الحنفية في غير أوقات النهي، كما أن النفل المطلق جائز في غير الأوقات الخمسة المكروهة، وكذلك هو عند الشافعية، وتعريف النفل المطلق عند الشافعية: هو ما لا يتقيد بوقت ولا سبب، أي لا حصر لعدده ولا ركعاته، وقال الحنابلة: شرعت النوافل المطلقة في الليل كله، وفي النهار فيما سوى أوقات النهي، وتطوع الليل أفضل من تطوع النهار. وهكذا ترى أن التنفل المطلق في غير الأوقات المنهي عنها جائز في المذاهب الأربعة. 7 - وصلاة التسابيح ليست مستحبة عند الإمام أحمد لكن إن فعلها إنسان ففعله جائز وهو مأجور. وعند الشافعية صلاة التسابيح سنة غير مؤكدة، ووصفها عندهم أن تكون أربع ركعات يقول في كل ركعة بعد القراءة: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمس عشرة مرة، ويقول في كل من الركوع والرفع منه والسجدتين والجلوس بينهما وجلسة

الاستراحة وما قبل التشهد عشراً فلذلك خمس وسبعون في كل ركعة. ومن النوافل عند المالكية: صلاة التسبيح أربع ركعات، ومن السنن غير المؤكدة عند الحنفية: صلاة التسبيح ويفعلها المسلم في كل وقت لا كراهة فيه أو في كل يوم أو ليلة مرة وإلا ففي كل أسبوع أو شهر أو سنة أو في العمر كله مرة واحدة، وهي أربع ركعات يقرأ في كل منها بفاتحة الكتاب وسورة وتصح بتسليمة واحدة أو بتسليمتين ويقول فيها ثلاثمائة مرة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر في كل ركعة خمس وسبعون تسبيحة، فبعد الثناء خمس عشرة ثم بعد القراءة وفي الركوع والرفع منه وكل من السجدتين وفي الجلسة بينهما عشر تسبيحات. وعلى هذا فإن العدد خمس عشرة تسبيحة لا يوجد إلا مرة واحدة بعد الثناء وما عدا ذلك فعشر عشر. فصلاة التسبيح مشروعة في المذاهب الأربعة إلا أن الحنابلة اعتبروها صلاة جائزة. انظر (حاشية ابن عابدين 1/ 445 فما بعدها)، (الشرح الصغير 1/ 401 - 415)، (المهذب 1/ 82 - 85)، (الفقه على المذاهب الأربعة 1/ 326 فما بعدها)، (الفقه الإسلامي وأدلته 2/ 41 - 49 و 2/ 55 فما بعدها). وإلى فقرات هذا الباب:

الفقرة الأولى في أحاديث ومسائل متنوعة تتحدث عن النوافل

الفقرة الأولى في أحاديث ومسائل متنوعة تتحدث عن النوافل - الصلاة في البيوت: 1827 - * روى أحمد عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا، إلا المكتوبة". وأخرج الترمذي (1) أيضاً والموطأ (2) موقوفاً على زيد قالا: قال زيد: "أفضل الصلاة صلاتكم في بيوتكم، إلا المكتوبة". 1828 - * روى ابن خزيمة عن أبي سعيد الخدري: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قضى أحدكم صلاته في المسجد، فليجعل لبيته نصيباً من صلاته فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيراً". 1829 - * روى أحمد عن زيد بن خالد الجهني رفعه: "صلوا في بيوتكم ولا

_ 1827 - أحمد (5/ 186). البخاري (2/ 214، 215) 10 - كتاب الأذان، 81 - باب صلاة الليل. مسلم (1/ 535، 540) 6 - كتاب صلاة المسافرين 29 - باب استحباب صلاة النافلة في بيته. أبو داود (2/ 69) كتاب الصلاة، باب في فضل التطوع في البيت. الترمذي (2/ 312) أبواب الصلاة، 231 - باب ما جاء في فضل صلاة التطوع في البيت. النسائي (3/ 198) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 1 - باب الحث على الصلاة في البيوت. ابن خزيمة (2/ 211) جماع أبواب التطوع بالليل، 518 - باب ذكر الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما يستحب الصلاة في البيت. (1) الترمذي (2/ 312) أبواب الصلاة، 331 - باب ما جاء في فضل صلاة التطوع في البيت. (2) الموطأ (1/ 130) 8 - كتاب صلاة الجماعة، 1 - باب فضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ. 1828 - ابن خزيمة (2/ 212) جماع أبواب التطوع غير ما تقدم، 520 - باب ذكر الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما يستحب الصلاة في البيت. وإسناده صحيح. 1829 - أحمد (2/ 123). كشف الأستار (1/ 399) أبواب الصلاة، أبواب صلاة التطوع، باب النافلة في البيت. الطبراني في "المعجم الكبير" (5/ 258). مجمع الزوائد (2/ 247) وقال الهيثمي: رواه أحمد والبزار وفيه كلام، وبقية رجاله رجال الصحيح. قال=

- الاقتصاد والمداومة في العبادة

تتخذوها قبوراً". 1830 - * روى الطبراني في الكبير عن مسروق قال كنا إذا قام عبد الله نجلس بعده فيثبت الناس في القراءة فإذا قمنا صلينا فبلغه ذلك فدخلنا عليه فقال أتحملون الناس ما لا يحملهم الله عز وجل تصلون فيرون ذلك واجباً عليهم إن كنتم لابد فاعلين ففي بيوتكم. 1831 - * روى عبد الرزاق في مصنفه عن ابن عمر بإسناد صحيح أنه كان يؤمهم ثم يتطوع في مكانه قال: وكان إذا صلى المكتوبة سبح مكانه. - الاقتصاد والمداومة في العبادة: 1832 - * روى أبو يعلى عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم سورة البقرة في ركعتين. 1833 - * روى الطبراني في الكبير عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عليكم من العمل بما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا". 1834 - * روى ابن خزيمة عن عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: ما يريد أن يفطر، ويفطر حتى نقول: ما يريد أن يصوم، وكان يقرأ كل ليلة بني إسرائيل والزمر. 1835 - * روى أحمد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: ذكر عند النبي صلى الله

_ = العراقي: إسناده صحيح. 1830 - مجمع الزوائد (2/ 260) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. 1831 - مصنف عبد الرزاق (2/ 418) باب لا يتطوع إنسان حيث يصلي المكتوبة. 1832 - أبو يعلى (8/ 320). مجمع الزوائد (2/ 274) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى ورجاله ثقات. 1833 - الطبراني (18/ 228) في "المعجم الكبير". مجمع الزوائد (2/ 259) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن. 1834 - ابن خزيمة (2/ 191) جماع أبواب صلاة التطوع بالليل، 491 - باب استحباب قراءة بني إسرائيل والزمر كل ليلة. 1835 - أحمد (2/ 165).=

عليه وسلم قوم يجتهدون في العبادة اجتهاداً شديداً. فقال: "تلك ضرورة الإسلام وشرته ولكل عمل شرة، فمن كانت فترته إلى اقتصاد فنعم ما هو، ومن كانت فترته إلى المعاصي فأولئك هم الهالكون". قال في النهاية (3/ 86): إن للإسلام ضراوة أي عادة ولهجاً به لا يصبر عنه. 1836 - * روى البخاري عن أنس بن مالك قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وحبل ممدود بين ساريتين، فقال: "ما هذا؟ " قالوا: لزينب تصلي، فإذا كسلت أو فترت أمسكت به، فقال: "حلوه"، ثم قال: "ليصل أحدكم نشاطه فإذا كسل أو فتر فليقعد". 1837 - * روى البخاري عن عائشة قالت: كان أحب العمل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما داوم وإن قل، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة داوم عليها. وقال أبو سلمة {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ} (3). 1838 - * روى مسلم عن عائشة قالت: كان عندي امرأة من بني أسد فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "من هذه؟ " فقلت: فلانة تذكر من صلاتها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مه، عليكم بما تطيقون، فو الله لا يمل الله حتى تملوا". قالت: وكان أحب الدين إليه الذي يدوم عليه صاحبه.

_ = رواه الطبراني في الكبير وأحمد بنحوه ورجال أحمد ثقات وقد قال ابن إسحاق حدثني أبو الزبير. شرة الشباب: حرصه ونشاطه. والشرة: النشاط والفترة. 1836 - البخاري (3/ 36) 19 - كتاب التهجد، 18 - باب ما يكره من التشديد في العبادة. ابن خزيمة (2/ 200) 507 - باب الأمر بالاقتصار في صلاة التطوع وكراهة الحمل على النفس ما لا تطيقه من التطوع. 1837 - البخاري (4/ 213) 30 - كتاب الصوم، 52 - باب صوم شعبان. ابن خزيمة (2/ 264، 265) 567 - باب ذكر الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما داوم على ركعتين ... إلخ. (1) المعارج: 23. 1838 - مسلم (1/ 542) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 31 - باب أمر من نعس في صلاته أو استعجم عليه القرآن. ابن خزيمة (2/ 264) 567 - باب ذكر الدليل ... إلخ.

- من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة النافلة

1839 - * روى البخاري عن علقمة قال: سألت أم المؤمنين عائشة، فقلت: يا أم المؤمنين كيف كان عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل كان يخص شيئاً من الأيام؟ قالت: لا، كان عمله ديمة، وأيكم يستطيع ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستطيع؟! هذا لفظ حديث أبي عمار. وقال يوسف: قالت: لا، كان عمله ديمة. - من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة النافلة: 1840 - * روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: "صلاتان لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتركهما سراً وعلانية، في سفر ولا حضر: ركعتان قبل الصبح، وركعتان بعد العصر". وفي رواية (3) قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدع أربعاً قبل الظهر، وركعتين قبل الغداة". أقول: صلاة النافلة بعد فريضة العصر مكروهة لنصوص ثابتة، ولكن فاتت رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة راتبة الظهر البعدية فقضاها بعد صلاة العصر، وكان من عادته عليه الصلاة والسلام أنه إذا فعل شيئاً أثبته وداوم عليه، ولذلك داوم على ركعتين بعد العصر فهي خصوصية له.

_ 1839 - البخاري (11/ 294) 81 - كتاب الرقاق، 18 - باب القصد والمداومة على العمل. ابن خزيمة (2/ 264) 567 - باب ذكر الدليل ... إلخ. 1840 - البخاري (2/ 64) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 33 - باب ما يصلي بعد العصر من الفوائت. مسلم (1/ 572) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 54 - باب معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما النبي صلى الله عليه وسلم بعد العصر. النسائي (1/ 282) 6 - كتاب المواقيت، 36 - باب الرخصة في الصلاة بعد العصر. (1) البخاري (3/ 58) 19 - كتاب التهجد، 34 - باب الركعتان قبل الظهر. أبو داود (2/ 19) كتاب الصلاة، 1 - باب تفريع أبواب التطوع وركعات السنة. النسائي (3/ 251، 252) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 56 - باب المحافظة على الركعتين قبل الفجر.

1841 - * روى أبو داود عن طاووس قال: "سئل ابن عمر رضي الله عنهما عن الركعتين قبل المغرب؟ فقال: ما رأيت أحداً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما، ورخص في الركعتين بعد العصر". 1842 - * روى أبو داود عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في إثر كل صلاة مكتوبة ركعتين، إلا الفجر والعصر". 1843 - * روى الستة عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة، قال في الثالثة: لمن شاء". 1844 - * روى مالك عن حفصة رضي الله عنها قالت: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في سبحته قاعداً حتى كان قبل وفاته بعام، فكان يصلي في سبحته قاعداً، وكان يقرأ بالسورة فيرتلها، حتى تكون أطول من أطول منها". وفي رواية نحوه (1)، إلا أنه قال: "بعام أو عامين".

_ 1841 - أبو داود (2/ 26) كتاب الصلاة، 11 - باب الصلاة قبل المغرب. 1842 - أبو داود (2/ 24) كتاب الصلاة، باب من رخص فيهما إذا كانت الشمس مرتفعة وإسناده حسن. 1843 - البخاري (2/ 110) 10 - كتاب الأذان، 16 - باب بين كل أذانين صلاة لمن شاء. مسلم (1/ 573) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 56 - باب بين كل أذانين صلاة. أبو داود (2/ 26) كتاب الصلاة، 11 - باب الصلاة قبل المغرب. الترمذي (1/ 351) أبواب الصلاة، 136 - باب ما جاء في الصلاة قبل المغرب. النسائي (2/ 28) 7 - كتاب الأذان، 39 - باب الصلاة بين الأذان والإقامة. ابن ماجه (1/ 368) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 110 - باب ما جاء في الركعتين قبل المغرب. ابن خزيمة (2/ 283) جماع أبواب فضائل المساجد، 598 - باب الصلاة عند دخول المسجد. (بين كل أذانين صلاة) أراد بالأذانين: الأذان والإقامة، فغلب أحد الاسمين على الآخر، على أن الأذان في الإقامة حقيقة أيضاً، لأنها إعلام بالصلاة والدخول فيها، والأذان إعلام بوقتها. 1844 - الموطأ (1/ 137) 8 - كتاب صلاة الجماعة، 7 - باب ما جاء في صلاة القاعد في النافلة. مسلم (1/ 507) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 16 - باب جواز النافلة قائماً وقاعداً. الترمذي (2/ 211) أبواب الصلاة، 275 - باب ما جاء في الرجل يتطوع جالساً. النسائي (3/ 223) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 19 - باب صلاة القاعد في النافلة. (1) مسلم (1/ 507) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 16 - باب جواز النافلة قائماً وقاعداً. (السبحة): صلاة النافلة. (ترتيلها) ترتيل القراءة: تبيينها، وترك العجلة فيها.

1845 - * روى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: حُدِّثت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الرجل قاعداً نصف الصلاة"، قال: فأتيته فوجدته يصلي جالساً، فوضعت يدي على رأسه- وفي رواية: فوضعت يدي على رأسي- فقال: "مالك يا عبد الله بن عمرو؟ " قلت: حدثت يا رسول الله أنك قلت: "صلاة الرجل قاعداً على نصف الصلاة"، وأنت تصلي قاعداً- وفي رواية: على النصف من صلاة القائم؟ - قال: "أجل، ولكني لست كأحد منكم". وفي رواية (1) الموطأ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة أحدكم وهو قاعد مثل نصف صلاته وهو قائم". وفي أخرى (2) له، قال: لما قدمنا المدينة نالنا وباء من وعكها شديد، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يصلون في سبحتهم قعوداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة القاعد مثل نصف صلاة القائم".

_ 1845 - مسلم (1/ 507) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 16 - باب جواز النافلة قائماً وقاعداً. أبو داود (1/ 250) كتاب الصلاة، باب في صلاة القاعد. النسائي (3/ 223) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 20 - باب فضل صلاة القائم على صلاة القاعد. (1) الموطأ (1/ 136) 8 - كتاب صلاة الجماعة، 6 - باب فضل صلاة القائم على صلاة القاعد. (2) الموطأ (1/ 136) في نفس الموضع السابق. (وباء) الوباء: هو الداء العام الذي يشترك فيه أكثر الخلق. (وعكها) الوعك: ألم المريض وأذاه، وما ينال المحموم عقيب الحمى من الضعف والألم.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد - مما ذكره فقهاء الحنفية عن التطوع: أن التطوع ينقسم إلى ثلاثة أقسام: سنن مؤكدة وسنن غير مؤكدة، ونفل مطلق، والنفل المطلق: إما أن يكون في ليل أو نهار، والسنن غير المؤكدة: إما أن تكون في ليل أو نهار، ثم السنن عامة تنقسم إلى قسمين: راتبة وغير راتبة، والراتبة نفسها منها: المؤكدة ومنها غير المؤكدة، ومنها ما يكون الركعتان الأوليان منها مؤكدة، والركعتان الأخيرتان غير مؤكدة، فإذا كانت الركعتان المؤكدتان من السنن الرواتب خالصتين فإنهما لا يفترقان عن الفريضة في شيء، إلا أنهما يصليان بدون جماعة والأفضل فيهما. وأما إذا كانت الراتبة المؤكدة أربعاً كصلاة الظهر القبلية، فإنها لا تفترق عن صلاة الفريضة إلا بوجوب قراءة الفاتحة مع شيء من القرآن في كل ركعة من الركعات، أما إذا كانت الصلاة الراتبة غير مؤكدة وصلاها الإنسان ثنتين فهي كالسنة المؤكدة في الأحكام، أما إذا أراد الإنسان أن يصلي غير المؤكدة أربعاً أو يضيف إلى المؤكدة ركعتين غير مؤكدتين ففي هذه الحالة يتم مع التشهد الأول الصلوات الإبراهيمية ثم إن شاء سلم وقام إلى الركعتين الأخريين وإن لم يشأ أن يسلم وأتم الصلاة أربعاً فإنه يبدأ الركعة الثالثة كما بدأ الأولى بالثناء والتعوذ والبسملة ويقرأ في كل الركعات فاتحة وسورة أو شيئاً من القرآن مضافاً إلى الفاتحة وفي القعود الأول يقرأ الصلوات الإبراهيمية وفي الرواتب لا يزاد على أربع، وأما ما سوى الصلوات الراتبة فإن صلاها ثنتين ثنتين فالأمر واضح فهي كالمؤكدة، وإن صلاها أربعاً فإنها تعامل كالسنة غير المؤكدة، بل ذهب أبو حنيفة إلى جواز أن تصلى ثماني ركعات بتسليمة واحدة، والمفتى به عند الحنفية أن ما سوى السنن الرواتب المحددة فالأفضل في صلاة الليل أن تكون مثنى مثنى وفي النهار أربعاً، ومن كلام الحنفية أن من شرع في نفل فقد وجب عليه إتمامه وإذا لم يتمه وجب عليه قضاؤه، وإذا نوى أربعاً أو ثمانياً واضطر للتسليم على رأس ركعتين فقد وجب عليه أن يصلي ما فاته مما نواه، وإذا كان هذا في النافلة فمن باب أولى فيما هو أرقى منها، ولم ير الشافعية وجوب إتمام النافلة، ولكنهم يرون وجوب إتمام الحج والعمرة لمن بدأ بهما، وكذلك وجوب إتمام ما بدأ به من فروض الكفاية كصلاة

الجنازة والجهاد، وهذه المسألة- أي وجوب إتمام ما بدأ على المذهبين- يتفرع عنها مسائل كثيرة وخاصة في مسائل الدعوة والعمل الإسلامي فليتنبه القارئ لما يمكن أن يدخل من تفريعات تحت هذه المسألة. - ومما قاله الحنفية: لو ترك الإنسان القعود الأول في السنن غير المؤكدة أو في النفل المطلق عامداً، بل لو أنه صلى ثمانياً على مذهب أبي حنيفة فلم يقعد إلا في الأخيرة وسلم على رأسها جازت صلاته، أما إذا ترك القعود غير الأخير ساهياً فإن عليه سجود السهو. - وتجوز صلاة النفل إذا صلى الإنسان قاعداً لغير عذر، كما تجوز صلاة النافلة على الدابة ولو لغير القبلة يومئ إيماءً على خلاف ذكرناه، هل يتوجه حين الشروع نحو القبلة أو لا يطالب بذلك؟ للعلماء رأيان وعلى هذا يجوز لمن كان جالساً في سيارة أو طائرة أن يتنفل في محله بما شاء، ولا يتحرى من صلى النافلة في سيارة أو طائرة أو على دابة النجاسة. - يسن عند الشافعية والحنابلة الاضطجاع بعد أداء سنة الفجر ولم ير الحنفية والمالكية سنية هذه الضجعة، ويندب أن يتفرغ الإنسان بعد فريضة الصبح للأذكار حتى ترتفع الشمس مقدار رمح أو رمحين فيصلي بعد ذلك ما شاء من سنة الضحى أو نفل مطلق، ويندب أني تفرغ بعد المغرب للصلاة والذكر، ويكره الكلام بعد العشاء إلا في ما فيه مصلحة مشروعة. ومن السنة أن يخصص وقتاً من ليلته للصلاة والقرآن والأذكار، قال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} (1) وقال تعالى: {يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} (2) وقال تعالى: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (3). قال المالكية: يكره الجمع الكثير لصلاة النافلة لأن الأصل فيها الانفراد، كما يكره الجمع القليل في مكان مشتهر، وقد جاءت نصوص في السنة تدل على أنه قد صليت وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم في قيام الليل، وفي نفل مطلق في نهار، واستقر الإجماع

_ (1) السجدة: 16. (2) آل عمران: من 113. (3) الذاريات: من 18.

على مشروعية صلاة التراويح في رمضان في جماعة. وقال الشافعية: لا تسن صلاة الجماعة في السنن الرواتب ولا في النفل المطلق. - للعلماء في قضاء النوافل أربعة مذاهب: فمنهم من أجاز قضاءها مطلقاً كالشافعية، ومنهم من منعها مطلقاً إلا سنة الفجر إذا فاتت مع فريضتها وهؤلاء قالوا: إن من فاته شيء من السنن الرواتب يصلي بدله نفلاً مطلقاً إن شاء بدون نية القضاء كالحنفية ومنهم من أجاز القضاء إلا أن يقع في وقت منهي عنه كبعض الحنابلة، ومنهم من أجاز قضاء راتبة الفجر فقط على خلاف بينهم في وقت القضاء هل يصح بعد صلاة الفريضة في وقت الفجر أو أنها تقضى في وقت الضحى.

الفقرة الثانية في رواتب الصلوات الخمس

الفقرة الثانية في رواتب الصلوات الخمس - نصوص جامعة: 1846 - * روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ثابر على ثنتي عشرة ركعة من السنة بنى الله له بيتاً في الجنة: أربع ركعات قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر. وعند النسائي (1): "من ثابر على ثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة دخل الجنة .. الحديث". أقول: اعتبر فقهاء الحنفية هذه الثنتي عشرة ركعة بالتفصيل المذكور في النص هي: السنن المؤكدة من رواتب الصلوات الخمس، وما سوى ذلك من رواتب السنن الخمس اعتبروه سنة غير مؤكدة. 1847 - * روى الترمذي عن أم حبيبة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة بني له بيت في الجنة" وذكرت مثل حديث عائشة قالت: "وركعتين قبل صلاة الغداة"، وفي أخرى للنسائي (2): "من ركع ثنتي

_ 1846 - الترمذي (2/ 273) أبواب الصلاة، 306 - باب ما جاء فيمن صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة من السنة ... إلخ وهو حديث حسن لغيره، وقد ضعفه بعضهم، وقال الترمذي: وفي الباب عن أم حبيبة وأبي هريرة وأبي موسى. (ثابر) على الشيء: إذا حرص على فعله. (1) النسائي (3/ 260، 261) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 66 - باب ثواب من صلى في اليوم واليلة. (ثابر) على الشيء: إذا حرص على فعله. 1847 - الترمذي (2/ 274) أبواب الصلاة، 306 - باب ما جاء فيمن صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة من السنة وماله فيه من الفضل. النسائي (3/ 263) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 67 - الاختلاف على إسماعيل بن أبي خالد. (2) النسائي (3/ 261) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 66 - باب ثواب من صلى في اليوم والليلة ثنتي عشرة ركعة سوى المكتوبة.

عشرة ركعة في يوم وليلة سوى المكتوبة بنى الله له بيتاً في الجنة". وفي أخرى (1): "من صلى في يوم ثنتي عشرة ركعة ... الحديث". وفي أخرى (2): "بالنهار أو بالليل". وأخرج مسلم (3) وأبو داود (4) نحو رواية النسائي المفردة. 1848 - * روى مسلم عن عبد الله بن شقيق رحمه الله قال: "سألت عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم- عن تطوعه؟ - فقالت: كان [النبي صلى الله عليه وسلم] يصلي في بيته قبل الظهر أربعاً، ثم يخرج فيصلي بالناس، ثم يدخل فيصلي ركعتين، وكان يصلي بالناس المغرب، ثم يدخل فيصلي ركعتين، ويصلي بالناس العشاء، ويدخل بيتي فيصلي ركعتين، وكان يصلي من الليل تسع ركعات، فيهن الوتر، وكان يصلي ليلاً طويلاً قائماً، وليلاً طويلاً قاعداً، وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ قاعداً ركع وسجد وهو قاعد، وكان إذا طلع الفجر صلى ركعتين". وزاد أبو داود (5): "ثم يخرج فيصلي بالناس صلاة الفجر". وفي رواية (6) الترمذي: قال: "سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: كان يصلي قبل الظهر ركعتين، وبعدها ركعتين، وبعد المغرب ثنتين، وبعد العشاء ثنتين، وقبل الفجر ثنتين".

_ (1) النسائي (3/ 262) نفس الموضع السابق. (2) النسائي (3/ 262) نفس الموضع السابق. (3) مسلم (1/ 502، 503) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 15 - باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن. (4) أبو داود (2/ 18) كتاب الصلاة، 1 - باب تفريع أبواب التطوع وركعات السنة. صلاة الغداة: صلاة الفجر. 1848 - مسلم (1/ 504) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 16 - باب جواز النافلة قائماً وقاعداً ... (5) أبو داود (2/ 18، 19) كتاب الصلاة، 1 - باب تفريع أبواب التطوع وركعات السنة. (6) الترمذي (2/ 299، 300) أبواب الصلاة، 322 - باب ما جاء في الركعتين بعد العشاء. وقال الترمذي: حديث عبد الله بن شقيق عن عائشة حديث حسن صحيح.

أقول: وردت أكثر من رواية ثابتة عن عدد الركعات التي كان يصليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قيام الليل مع الوتر، فذكر تسع وذكرت إحدى عشرة وذكرت ثلاث عشرة وذكر في رواية عن علي ست عشرة وهذا يفيد أنها غير الوتر، وذكر ما هو أقل من التسع مما يدل على أن الأمر واسع. 1849 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعد الجمعة، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء". وفي رواية (1) بمعناه، وزاد: "فأما المغرب والعشاء والجمعة: ففي بيته". وعند البخاري (2) لم يذكر الجمعة، وزاد البخاري في رواية (3) قال: وحدثتني حفصة: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي سجدتين خفيفتين بعدما يطلع الفجر، وكانت ساعة لا أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فيها". قال البخاري في أخرى (4): "بعد العشاء في أهله". وفي رواية (5) لهما، وفيه "وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف، فيصلي ركعتين في بيته". وللبخاري (6) قال: "حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعد الظهر، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الغداة، وكانت ساعة لا أدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، فحدثتني حفصة: أنه كان إذا طلع الفجر وأذن المؤذن

_ 1849 - البخاري (3/ 48) 19 - كتاب التهجد، 25 - باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى. مسلم (1/ 504) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 15 - باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض ... إلخ. (1) البخاري (3/ 50) 19 - كتاب التهجد، 29 - باب التطوع بعد المكتوبة. (2) البخاري نفس الموضع السابق. (3) البخاري نفس الموضع السابق. (4) البخاري الموضع السابق. (5) البخاري (2/ 425) 11 - كتاب الجمعة، 39 - باب الصلاة بعد الجمعة وقبلها. (6) البخاري (3/ 58) 19 - كتاب التهجد، 34 - باب الركعتان قبل الظهر.

- راتبة الفجر

صلى ركعتين". 1850 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال أنس بن سيرين: "قلت لابن عمر: أرأيت الركعتين قبل صلاة الغداة: أطيل فيهما القراءة؟ قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل مثنى مثنى، ويوتر بركعة من آخر الليل، ويصلي ركعتين قبل صلاة الغداة، وكأن الأذان بأذنيه" قال حماد: أي بسرعة. - راتبة الفجر: 1851 - * روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: "لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد تعاهداً منه على ركعتي الفجر". وفي رواية (1) "معاهدة منه على ركعتي الفجر". وفي رواية (2): قالت: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرع منه إلى ركعتين قبل الفجر". ولمسلم (3): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها". وله في أخرى (4): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في شأن الركعتين عند طلوع الفجر: "لهما أحب إلي من الدنيا جميعاً".

_ 1850 - البخاري (2/ 486) 14 - كتاب الوتر، 2 - باب ساعات الوتر. مسلم (1/ 519) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 20 - باب صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر الليل. الترمذي (2/ 324، 325) أبواب الصلاة، 339 - باب ما جاء في الوتر بركعة. (مثنى مثنى) يعني أن في كل ركعتين تسليماً. 1851 - البخاري (3/ 45) 19 - كتاب التهجد، 27 - باب تعاهد ركعتي الفجر، ومن سماها تطوعاً. مسلم (1/ 501) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 14 - باب استحباب ركعتي سنة الفجر والحث عليها ... إلخ. (1) مسلم نفس الموضع السابق. (2) مسلم نفس الموضع السابق. (3) مسلم نفس الموضع السابق. (4) مسلم نفس الموضع السابق.

1852 - * روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين خفيفتين بين النداء والإقامة من صلاة الصبح". وفي رواية (1) "أنه كان يصلي ركعتي الفجر، فيخففهما حتى أقول: هل قرأ فيهما بأم القرآن؟ ". ولمسلم (2): "كان يصلي ركعتي الفجر إذا سمع الأذان، ويخففهما". وفي أخرى (3): "إذا طلع الفجر". وللنسائي (4): "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سكت المؤذن بالأذان الأول من صلاة الفجر، قام فركع ركعتين خفيفتين قبل صلاة الفجر، بعد أن يستنير الفجر، ثم اضطجع على شقه الأيمن". أقول: لم يعتبر فقهاء الحنفية والمالكية هذا الاضطجاع سنة تعبدية، بل هي من باب المباح استعداداً لصلاة الصبح واستراحة من قيام الليل، فمن شاء فعلها ومن لم يشأ فلا حرج عليه. 1853 - * روى مالك عن حفصة رضي الله عنهما "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سكت المؤذن للصبح، وبدا الصبح، صلى ركعتين خفيفتين قبل أن تقام الصلاة".

_ 1852 - البخاري (2/ 101) 10 - كتاب الأذان، 12 - باب الأذان بعد الفجر. مسلم (1/ 501) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 14 - باب استحباب ركعتي سنة الفجر والحث عليهما ... إلخ. (1) مسلم (1/ 501) نفس الموضع السابق. (2) مسلم (1/ 500) نفس الموضع السابق. (3) مسلم (1/ 500، 501) نفس الموضع السابق. (4) النسائي (3/ 252، 253) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 58 - الاضطجاع بعد ركعتي الفجر على الشق الأيمن. 1853 - الموطأ (1/ 127) 7 - كتاب صلاة الليل، 5 - باب ما جاء في ركعتي الفجر. البخاري (2/ 101) 10 - كتاب الأذان، 12 - باب الأذان بعد الفجر. مسلم (1/ 500) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 14 - باب استحباب ركعتي سنة الفجر والحث عليهما ... إلخ.

- ما يقرأ في راتبة الفجر

وفي رواية (1): "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين". 1854 - * روى أبو داود عن يسار- مولى ابن عمر- رضي الله عنهم قال: رآني ابن عمر وأنا أصلي بعد طلوع الفجر وأسلم من ركعتين، فقال: يا يسار إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج علينا ونحن نصلي كما تصلي، فقال لنا: "ليبلغ الشاهد الغائب: لا تصلوا بعد الفجر إلا سجدتين". وأخرجه الترمذي مختصراً: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاة بعد الفجر إلا سجدتين" قال محقق الجامع: وفي سنده محمد بن الحصين، ويقال: أيوب بن الحصين التميمي الحنظلي، وهو مجهول، لم يوثقه غير ابن حبان، وباقي رجاله ثقات، ولكن في الباب عن عبد الله بن عمرو، وحفصة، وحديث حفصة رواه الشيخان وغيرهما من حديث أخيها عبد الله بن عمر عنها، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين، فالحديث حسن بهذه الشواهد. أقول: المراد بالسجدتين: راتبة الفجر وهي ركعتان قبل الفريضة، ولا يصلي غيرهما بين الأذان والإقامة، قال الحنفية: وهاتان الركعتان لا تقضيان إذا لم يصلهما الإنسان قبل الفريضة إلا إذا فاتته الفريضة فصلاها بعد ارتفاع الشمس، فإن له أن يصليها قضاء قبل الفريضة. - ما يقرأ في راتبة الفجر: 1855 - * روى مسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كثيراً ما يقرأ في ركعتي الفجر: في الأولى منهما {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا، وَمَا

_ (1) النسائي (2/ 30) 7 - كتاب الأذان، 41 - باب إيذان المؤذنين الأئمة بالصلاة. 1854 - أبو داود (2/ 25) كتاب الصلاة، 10 - باب من رخص فيهما إذا كانت الشمس مرتفعة. الترمذي (2/ 278، 279) أبواب الصلاة، 310 - باب ما جاء "لا صلاة بعد طلوع الشمس إلا ركعتين". 1855 - مسلم (1/ 502) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 14 - باب استحباب ركعتي سنة الفجر. أبو داود (2/ 20) كتاب الصلاة، باب في تخفيفهما. النسائي (2/ 155) 11 - كتاب الافتتاح، 38 - باب القراءة في ركعتي الفجر.

أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ، وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى، وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ، لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ..} (1)، وفي الآخرة {آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (2). وفي رواية (3): كان يقرأ في ركعتي الفجر (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا) (4) والتي في آل عمران {تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} (5). 1856 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه "أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ركعتي الفجر {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} (6) في الركعة الأولى، وبهذه الآية {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ، فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} (7) أو {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} (8). 1857 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي الفجر {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} (9) و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (10). 1858 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: رمقت رسول الله

_ (1) البقرة: 136. (2) آل عمران: 58. (3) مسلم (1/ 502) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 14 - باب استحباب ركعتي الفجر. (4) سبق تخريجها. (5) آل عمران: 64. 1856 - أبو داود (2/ 20) كتاب الصلاة، باب في تخفيفهما. هو حديث حسن. قال أبو داود: شك الراوي. (6) سبق تخريجها. (7) آل عمران: 53. (8) البقرة: 119. (الجحيم): من أسماء جهنم. 1857 - مسلم (1/ 502) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 14 - باب استحباب ركعتي الفجر. أبو داود (2/ 19) كتاب الصلاة، باب في تخفيفهما. النسائي (2/ 156) 11 - كتاب الافتتاح، 38 - باب القراءة في ركعتي الفجر. (9) الكافرون: 1. (10) الصمد: 1. 1858 - الترمذي (2/ 276) أبواب الصلاة، 308 - باب ما جاء في تخفيف ركعتي الفجر.

- الاضطجاع بعد راتبة الفجر

صلى الله عليه وسلم شهراً، وكان يقرأ في الركعتين قبل الفجر: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ". وفي رواية النسائي (1) قال: "رمقت النبي صلى الله عليه وسلم عشرين مرة يقرأ في الركعتين بعد المغرب، وفي الركعتين قبل الفجر {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ". - الاضطجاع بعد راتبة الفجر: 1859 - * روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر، فإن كنت مستيقظة حدثني، وإلا اضطجع" زاد في رواية (2) "حتى يؤذن بالصلاة". وللبخاري (3): "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن" ولمسلم (4) مثل الأولى، بغير زيادة. وفي رواية أبي داود (5): "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قضى صلاته من آخر الليل، نظر، فإن كنت مستيقظة حدثني، وإن كنت نائمة أيقظني وصلى بالركعتين، ثم اضطجع حتى يأتيه المؤذن فيؤذنه بصلاة الصبح، فيصلي ركعتين خفيفتين، ثم يخرج إلى الصلاة". وفي رواية الترمذي (6) قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر، فإن كانت له إلي حاجة كلمني، وإلا خرج إلى الصلاة". أقول: استدل العلماء بهذه الروايات على أنه لا يكره الحديث قبل أداء فريضة الصبح،

_ (1) النسائي (2/ 170) 11 - كتاب الافتتاح، 68 - القراءة في الركعتين بعد المغرب وهو حديث صحيح. 1859 - البخاري (3/ 44) 19 - كتاب التهجد، 26 - باب الحديث بعد ركعتي الفجر. مسلم (1/ 511) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 17 - باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل. (2) البخاري (3/ 43) 19 - كتاب التهجد، 24 - باب من تحدث بعد الركعتين ولم يضطجع. (3) البخاري (3/ 43) 19 - كتاب التهجد، 23 - باب الضجعة على الشق الأيمن بعد ركعتي الفجر. (4) مسلم (1/ 511) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 17 - باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل. (5) أبو داود (2/ 21) كتاب الصلاة، باب الاضطجاع بعدها. (6) الترمذي (2/ 277، 278) أبواب الصلاة، 309 - باب ما جاء في الكلام بعد ركعتي الفجر.

استحب العلماء التفرغ للذكر بعد صلاة فريضة الصبح، على أن بعض الناس تبدأ أعمالهم الدنيوية بعد صلاة الصحب مباشرة فلا حرج عليهم في ذلك. قال (النووي 6/ 23): فيه دليل على إباحة الكلام بعد سنة الفجر وهو مذهبنا ومذهب مالك والجمهور قال: القاضي وكرهه الكوفيون وروي عن ابن مسعود وبعض السلف لأنه وقت استغفار؛ والصواب الإباحة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وكونه وقت استحباب الاستغفار لا يمنع الكلام اهـ. 1860 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم الركعتين قبل الصبح فليضطجع على يمينه"، وزاد أبو داود (1) "فقال له مروان بن الحكم: أما يجزئ أحدنا ممشاه إلى المسجد حتى يضطجع على يمينه؟ قال: لا، فبلغ ذلك ابن عمر، فقال: أكثر أبو هريرة على نفسه، فقيل لابن عمر: هل تنكر شيئاً مما يقول؟ قال: لا، ولكنه اجترأ وجبنَّا، قال: فبلغ ذلك أبا هريرة، قال: فما ذنبي: أن كنت حفظت ونسوا". قال في (إعلام أهل العصر بأحكام ركعتي الفجر): ويسن الاضطجاع بعد ركعتي الفجر على جنبه الأيمن سواء كان له تهجد بالليل أم لا وهذا هو الحق والمروي من حديث أربعة أنفس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. كذا في (عون المعبود 1/ 488). وقال أيضاً في "العون": وقد اختلف في حكم هذا الاضطجاع على ستة أقوال: الأول وهو الصحيح أنه مشروع على سبيل الاستحباب .. اهـ. أقول: ولم ير الحنفية استحبابه بل اعتبروه مباحاً إذا لم يؤد إلى مكروه فإذا أدى إلى مكروه كان مكروهاً. قال محقق جامع الأصول: وقد ثبت ذلك من فعله صلى الله عليه وسلم، وهو في "الصحيحين" وغيرهما، والظاهر أن المراد من الأحاديث الواردة في ذلك

_ 1860 - الترمذي (2/ 281) أبواب الصلاة، 311 - باب ما جاء في الاضطجاع بعد ركعتي الفجر. (1) أبو داود (2/ 21) كتاب الصلاة، باب الاضطجاع بعدها. وإسناده حسن. (اجترأ وجبنا) الاجتراء: الإقدام على الشيء من غير خوف ولا فزع، والجبن خلافه.

- قضاء راتبة الفجر وحكم صلاتها إذا افتتحت الصلاة

قولاً وفعلاً: أن يستريح المصلي بعد طول صلاة الليل لينشط لفريضة الصلاة، أو هي استراحة لانتظار الصلاة فقط، وقد أفاض القول في هذا البحث العلامة أبو الطيب شمس الحق العظيم آبادي الهندي في كتابه "إعلام أهل العصر بأحكام ركعتي الفجر" ص 14 - 20 فارجع إليه. - قضاء راتبة الفجر وحكم صلاتها إذا افتتحت الصلاة: 1861 - * روى الترمذي عن محمد بن إبراهيم [التيمي] عن قيس [بن عمرو] قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقيمت الصلاة، فصليت معه الصبح، ثم انصرف النبي صلى الله عليه وسلم فوجدني أصلي، فقال: "مهلاً يا قيس، أصلاتان معاً؟ " فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إني لم أكن ركعت ركعتي الفجر، قال "فلا إذاً". وفي رواية أبي داود (1) عن قيس [بن عمرو] قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يصلي بعد صلاة الصبح ركعتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الصبح ركعتان، فقال الرجل: إني لم أكن صليت الركعتين اللتين قبلهما، فصليتهما الآن"، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي رواية عبد ربه ويحيى ابني سعيد: "أن جدهم صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم" .. بهذه القصة، مرسل. 1862 - * روى الشيخان عن عبد الله بن مالك بن بحينة رضي الله عنه قال: "مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل- وفي رواية: أنه رأى رجلاً- قد أقيمت الصلاة يصلي ركعتين، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم لاث به الناس، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصبح أربعاً؟ الصبح أربعاً؟ ".

_ 1861 - الترمذي (2/ 284، 285) أبواب الصلاة، 318 - باب ما جاء فيمن تفوته الركعتان قبل الفجر. (1) أبو داود (2/ 22) كتاب الصلاة، 6 - باب من فاتته متى يقضيها، وللحديث شواهد يقوى بها فهو حسن بشواهده عند بعضهم. (مهلاً) بمعنى: أمهل أي: تأن واتئد، يقال للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث بلفظ واحد. 1862 - البخاري (2/ 148) 10 - كتاب الأذان، 38 - باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة. مسلم (1/ 493، 494) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 9 - باب كراهة الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن.

ولمسلم (1) قال: أقيمت صلاة الصبح، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يصلي والمؤذن يقيم، فقال: "أتصلي الصبح أربعاً؟ ". وفي أخرى (2) له: "أنه مر برجل يصلي وقد أقيمت صلاة الصبح، فكلمه بشيء لا ندري ما هو؟ فلما انصرفنا أحطنا به، نقول: ماذا قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: قال لي: "يوشك أن يصلي أحدكم الصبح أربعاً". أقول: قال الحنفية إذا أقيمت صلاة الفجر ولم يكن الإنسان قد صلى راتبة الفجر، فله أن يصليها إذا كان يثق بلحوق الإمام على أن يصليها إما في بيته أو في رحبة المسجد، ولم يأخذوا بحديث قضاء راتبة الفجر للاختلاف فيه، وأخذ به آخرون كالشافعية، ورأى الحنفية أن الأصح من النصوص ينكر على من صلى بعد الفريضة أي نافلة. 1863 - * روي عن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه قال: دخل رجل المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الغداة، فصلى ركعتين في جانب المسجد، ثم دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا فلان، بأي الصلاتين اعتددت: أبصلاتك وحدك، أم بصلاتك معنا؟ ". 1864 - * روى مالك عن أبي سلمة [بن عبد الرحمن] قال: "سمع قوم الإقامة، فقاموا يصلون، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "أصلاتان معاً؟ أصلاتان معاً؟ " وذلك في صلاة الصبح في الركعتين اللتين قبل الصبح.

_ (1) مسلم (1/ 494) نفس الموضع السابق. (2) مسلم (1/ 493، 494) نفس الموضع السابق. (لاث) فلان بفلان: أي دار به ولاذ به. (يوشك) أوشك يوشك: إذا أسرع، والوشك السرعة. 1863 - مسلم (1/ 294) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 9 - باب كراهة الشروع في نافلة بعد شروع المؤذن. أبو داود (2/ 22) كتاب الصلاة، 5 - باب إذا أدرك الإمام ولم يصل ركعتي الفجر. النسائي (2/ 117) 10 - كتاب الإمامة، 61 - فيمن يصلي ركعتي الفجر والإمام في الصلاة. 1864 - الموطأ (1/ 128) 7 - كتاب صلاة الليل، 5 - باب ما جاء في ركعتي الفجر، وله شواهد بمعناه فهو حسن بشواهده عند بعضهم.

أقول: هناك صورة لا حرج فيها: وهي أن يبدأ الإنسان صلاة راتبة الفجر قبل الإقامة، فيكملها ثم يلحق بالجماعة، والسنة أن تكون راتبة الفجر خفيفة. 1865 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يصل ركعتي الفجر فليصلهما بعد ما تطلع الشمس". أقول: حمل الحنفية هذا النص على ما إذا فاتت راتبة الفجر مع فريضتها أو أنه منسوخ بالأحاديث المعارضة، والذين يرون جواز قضاء راتبة الفجر بعد طلوع الشمس حتى ترتفع أخذوا بهذا الحديث. 1866 - * روى الطبراني عن عبد الله بن أبي موسى قال: جاءنا ابن مسعود والإمام يصلي الصبح فصلى ركعتين إلى سارية ولم يكن صلى ركعتي الفجر. أقول: بنى الحنفية على فعل ابن مسعود هذا واعتبروه علامة على النسخ لما سواه من النصوص التي تنكر أن يصلي الإنسان راتبة الفجر إذا وثق من لحوقه بالإمام في مكان بعيد عن الصفوف، وإنما اعتبروه علامة نسخ لفقه ابن مسعود ولملازمته للرسول صلى الله عليه وسلم، ولأن فعله كان بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه مظنة أن يعلم آخر ما استقر عليه الأمر في هذه المسألة. 1867 - * روى الطبراني عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً صلى ركعتي الغداة حين أخذ المؤذن يقيم فغمز النبي صلى الله عليه وسلم منكبه وقال: "ألا كان هذا قبل ذا". 1868 - * روى أبو داود عن يزيد بن الأسود رضي الله عنه قال: "شهدت مع

_ 1865 - الترمذي (2/ 287) أبواب الصلاة، 314 - باب ما جاء في إعادتهما بعد طلوع الشمس. الحاكم (1/ 274) كتاب الصلاة، وصححه ووافقه الذهبي. 1866 - مجمع الزوائد (2/ 75) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله موثقون. 1867 - مجمع الزوائد (2/ 75) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله موثقون. 1868 - أبو داود (1/ 157) كتاب الصلاة، 56 - باب فيمن صلى في منزله ثم أدرك الجماعة. الترمذي (1/ 424، 425) أبواب الصلاة، 163 - باب ما جاء الرجل يصلي وحده. النسائي (2/ 112، 113) 9 - كتاب القبلة، 54 - إعادة الفجر مع الجماعة لمن صلى وحده. ابن خزيمة (3/ 67) 134 - باب الصلاة جماعة بعد صلاة الصبح منفرداً ... إلخ. وهو حسن بشواهده عند بعضهم.=

فائدة

رسول الله صلى الله عليه وسلم حجته، فصليت معه صلاة الصبح في مسجد الخيف، فلما قضى صلاته انحرف، فإذا هو برجلين في أخرى القوم لم يصليا معه، فجيء بهما ترعد فرائصهما، فقال: "ما منعكما أن تصليا معنا؟ " فقالا: يا رسول الله، إنا كنا قد صلينا في رحالنا، قال: "فلا تفعلا، إذا صليتما في رحالكما، ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم، فإنها لكم نافلة". علق ابن خزيمة على الحديث فقال: النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر قد أمر من صلى الفجر في رحله أن يصلي مع الإمام، وأعلم أن صلاته تكون مع الإمام نافلة، فلو كان النهي عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس نهياً عاماً لا نهياً خاصاً، لم يجز لمن صلى الفجر في الرحل أن يصلي مع الإمام فيجعلهما تطوعاً. وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم: سيكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها، فصلوا الصلاة لوقتها، واجعلوا صلاتكم معهم سبحة، فيها دلالة على أن الإمام إذا أخر العصر أو الفجر أو هما، إن على المرء أن يصلي الصلاتين جميعاً لوقتهما، ثم يصلي مع الإمام ويجعل صلاته معه سبحة، وهذا تطوع بعد الفجر وبعد العصر. أقول: اعتبر الحنفية الأحاديث الواردة في النهي عن التنفل بعد صلاتي الصبح والعصر ناسخة لهذا الحديث وأمثاله، وهي قضية خلافية، والأمر فيها واسع، وقد أجاز الحنابلة لكل من صلى خارج المسجد ثم دخل المسجد والصلاة قائمة أن يصليها متنفلاً ولو في أوقات الكراهة أخذاً بهذا النص وأمثاله. فائدة: قال الحنفية عن راتبة الفجر أنها آكد السنن ولذلك فإنها لا تصلى عند بعضهم والمصلي جالس إلا العذر، ولكن لا تقضى عندهم إلا إذا فاتت مع فريضتها فتقضى إذا قضى المصلي فريضته قبل الزوال، واختار أحمد جواز قضاء سنة الفجر عند الضحى، وإن صلاها بعد فريضة الفجر أجزأه ومذهب الشافعية جواز قضاء سنة الفجر بعد أداء فريضتها. (1)

_ = (ترعد فرائصهما) الفرائص: جمع فريصة، وهي اللحمة من الجنب والكتف التي لا تزال ترعد- أي: تتحرك- من الدابة، فاستعير للإنسان، لأن له فريصة، وهي ترجف عند الخوف.

- راتبة الظهر والعصر

- راتبة الظهر والعصر: 1869 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها". 1870 - * روى الترمذي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قبل الظهر أربعاً، وبعدها ركعتين". 1871 - * روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يصل أربعاً قبل الظهر صلاها بعدها". أقول: يجوز عند بعض العلماء قضاء النوافل مطلقاً كالشافعية وبعضهم منع قضاء النوافل إلا سنة الفجر مع فريضتها كما رأينا الحنفية مثلاً، إلا أن من لا يرى قضاء الفوائت يجيز أن يصلي الإنسان في غير أوقات الكراهة نفلاً مطلقاً بقدر ما فاته أو أكثر أو أقل، وإذن فالخلاف في النهاية في النية، هل ينوي الإنسان القضاء أو النفل المطلق؟، ثم الخلاف في قضاء صلاة النافلة في الأوقات المنهي عنها، فالحنفية لا يرون جواز صلاة النوافل في الأوقات المنهي عنها قضاء ولا غيره. 1872 - * روى الترمذي عن أم حبيبة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى قبل الظهر أربعاً وبعدها أربعاً حرمه الله على النار".

_ 1869 - البخاري (3/ 58) 19 - كتاب التهجد، 34 - باب الركعتين قبل الظهر. مسلم (1/ 504) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 15 - باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض وبعدهن. الترمذي (2/ 290) أبواب الصلاة، 316 - باب ما جاء في الركعتين بعد الظهر، وقال الترمذي: حديث صحيح. 1870 - الترمذي (2/ 289) أبواب الصلاة، 315 - باب ما جاء في الأربع قبل الظهر، وهو حديث حسن. 1871 - الترمذي (2/ 291) أبواب الصلاة، 317 - باب منه آخر، وهو حديث حسن. 1872 - الترمذي (2/ 292) أبواب الصلاة، 317 - باب منه آخر، وهو حديث صحيح.

وفي رواية (1) قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر، وأربع بعدها، حرمه الله على النار". وفي أخرى (2) للنسائي "فتمس وجهه النار أبداً إن شاء الله". 1873 - * روى الترمذي عن عبد الله بن السائب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي أربعاً بعد أن تزول الشمس قبل الظهر، وقال: "إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء، وأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح". 1874 - * روى أبو داود عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قبل العصر ركعتين". 1875 - * روى الترمذي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قبل العصر أربع ركعات، يفصل بينهن بالتسليم على الملائكة المقربين، ومن تبعهم من المسلمين والمؤمنين". 1876 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رحم الله امرءاً صلى قبل العصر أربعاً". 1877 - * روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتيني

_ (1) أبو داود (2/ 23) كتاب الصلاة، 7 - باب الأربع قبل الظهر وبعدها. النسائي (3/ 266) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 67 - الاختلاف على إسماعيل بن أبي خالد. (2) النسائي (3/ 265) نفس الموضع السابق. 1873 - الترمذي (2/ 342، 343) أبواب الصلاة، 347 - باب ما جاء في الصلاة عند الزوال وإسناده صحيح. 1874 - أبو داود (2/ 23) كتاب الصلاة، 8 - باب الصلاة قبل العصر، وإسناده حسن. 1875 - الترمذي (2/ 294) أبواب الصلاة، 318 - باب ما جاء في الأربع قبل العصر، وهو حديث حسن. 1876 - أبو داود (2/ 23) كتاب الصلاة، 8 - باب الصلاة قبل العصر، وإسناده حسن. الترمذي (2/ 295، 296) أبواب الصلاة، 318 - باب ما جاء في الأربع قبل العصر. 1877 - البخاري (2/ 64) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 33 - باب ما يصلي بعد العصر من الفوائت ونحوها. مسلم (1/ 572، 573) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 54 - باب معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما النبي صلى الله عليه وسلم بعد العصر.

في يوم بعد العصر إلا صلى ركعتين" وفي رواية (1) قالت: "ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد العصر عندي قط". وللبخاري (2) عن عبد العزيز بن رفيع قال: "رأيت عبد الله بن الزبير يطوف بعد الفجر ويصلي ركعتين، ورأيت عبد الله بن الزبير يصلي بعد العصر، ويخبر أن عائشة حدثته: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل بيتها إلا صلاهما". وله في أخرى (3) عن أيمن المكي: أنه سمع عائشة تقول: والذي ذهب به، ما تركهما حتى لقي الله، وما لقي الله حتى ثقل عن الصلاة، وكان يصلي كثيراً من صلاته قاعداً تعني- الركعتين بعد العصر- وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصليهما، ولا يصليهما في المسجد، مخافة أن يثقل على أمته، وكان يحب ما يخفف عنهم". ولمسلم (4): "أن أبا سلمة سأل عائشة عن السجدتين اللتين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما بعد العصر؟ فقالت: كان يصليهما قبل العصر، ثم إنه شُغل عنهما أو نسيهما، فصلاهما بعد العصر، ثم أثبتهما، وكان إذا صلى صلاة أثبتها، تعني: داوم عليها". وله في أخرى (5) قالت: "لم يدع رسول الله صلى الله عليه وسلم الركعتين بعد العصر" وقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تتحروا طلوع الشمس، ولا غروبها، فتصلوا عند ذلك". ولأبي داود (6) قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بعد العصر وينهى عنها، ويواصل، وينهى عن الوصال".

_ (1) مسلم (1/ 572) نفس الموضع السابق. (2) البخاري (3/ 488) 25 - كتاب الحج، 73 - باب الطواف بعد الصبح والعصر. (3) البخاري (2/ 64) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 33 - باب ما يصلي بعد العصر من الفوائت ونحوها. (4) مسلم (1/ 572) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 54 - باب معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما النبي صلى الله عليه وسلم بعد العصر. (5) مسلم (1/ 571) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 53 - باب لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها. (6) أبو داود (2/ 25) كتاب الصلاة، 10 - باب من رخص فيهما إذا كانت الشمس مرتفعة. (تتحروا) التحري: القصد والعزم على تخصيص الشيء بالفعل والقول.

1878 - * روى الشيخان عن كريب مولى ابن عباس "أن عبد الله بن عباس، وعبد الرحمن بن أزهر، والمسور بن مخرمة، أرسلوه إلى عائشة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: اقرأ عليها السلام منا جميعاً، وسلها عن الركعتين بعد العصر، وقل: إنا أخبرنا أنك تصلينهما، وقد بلغنا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنهما؟ قال ابن عباس: وكنت أضرب مع عمر بن الخطاب الناس عنها، قال كريب: فدخلت عليها وبلغتها ما أرسلوني به، فقالت: سل أم سلمة، فخرجت إليهم فأخبرتهم بقولها، فردوني إلي أم سلمة بمثل ما أرسلوني به إلى عائشة، فقالت أم سلمة: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عنهما، ثم رأيته يصليهما حين صلى العصر، ثم دخل وعندي نسوة من بني حرام من الأنصار فصلاهما، فأرسلت إليه الجارية، فقلت: قومي بجنبه، فقولي له: تقول لك أم سلمة: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعتك تنهى عن هاتين الركعتين، وأراك تصليهما؟ فإن أشار بيده فأستأخري عنه؛ ففعلت الجارية، فأشار بيده، فاستأخرت عنه، فلما انصرف قال: "يا بنت أبي أمية، سألت عن الركعتين بعد العصر، وإنه أتاني أناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم، فشغلوني عن الركعتين بعد الظهر فهما هاتان". وفي رواية للنسائي (1) بلا قصة، وهذا لفظه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في بيتها بعد العصر ركعتين مرة واحدة، وأنها ذكرت ذلك له، فقال: هما ركعتان كنت أصليهما بعد الظهر، فشغلت عنهما حتى صليت العصر". حول قول ابن عباس: وكنت أضرب مع عمر بن الخطاب الناس عنها، قال النووي (6/ 119 - 120): هكذا وقع في بعض الأصول وفي بعض: أصرف الناس عنها، وكلاهما صحيح ولا منافاة بينهما وكان يضربهم عليها في وقت ويصرفهم عنها في وقت من غير ضرب

_ 1878 - البخاري (3/ 105) 22 - كتاب السهو، 8 - باب إذا كلم وهو يصلي فأشار بيده واستمع. مسلم (1/ 571، 572) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 54 - باب معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما النبي صلى الله عليه وسلم بعد العصر. ابن خزيمة (2/ 261، 262) 566 - باب ذكر الدليل على أن نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر حتى تغرب الشمس نهي خاص لا عام. (1) النسائي (1/ 281، 282) 6 - كتاب المواقيت، 36 - الرخصة في الصلاة بعد العصر.

أو يصرفهم مع الضرب ولعله كان يضرب من بلغه النهي ويصرف من لم يبلغه من غير ضرب .. وفيه احتياط الإمام لرعيته ومنعهم من البدع والمنهيات الشرعية وتعزيرهم عليها اهـ. وقال حول الحديث (6/ 121): فيه فوائد منها إثبات سنة الظهر بعدها ومنها أن السنن الراتبة إذا فاتت يستحب قضاؤها وهو الصحيح عندنا ومنها أن الصلاة التي لها سبب لا تكره في وقت النهي وإنما يكره ما لا سبب لها وهذا الحديث هو عمدة أصحابنا في المسألة وليس لنا أصح دلالة منه ودلالته ظاهرة، فإن قيل: فقد داوم النبي صلى الله عليه وسلم عليها [أي على ركعتي ما بعد العصر] ولا يقولون بهذا، قلنا لأصحابنا: في هذا وجهان حكاهما المتولي وغيره: أحدهما: القول به فمن دأبه سنة راتبة فقضاها في وقت النهي كان له أن يداوم على صلاة مثلها في ذلك الوقت. والثاني: وهو الأصح الأشهر ليس له ذلك وهذا من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحصل الدلالة بفعله صلى الله عليه وسلم في اليوم الأول فإن قيل هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم قلنا الأصل الاقتداء به صلى الله عليه وسلم وعدم التخصيص حتى يقوم دليل به بل هنا دلالة ظاهرة على عدم التخصيص وهي أنه صلى الله عليه وسلم بين أنها سنة الظهر ولم يقل هذا الفعل مختص بي وسكوته ظاهر في جواز الاقتداء. أقول: بينت عائشة علة دوام النبي صلى الله عليه وسلم على الركعتين بعد العصر بقولها: (وكان إذا صلى صلاة أثبتها) تعني داوم عليها، مما يدل على أن هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الموافق لرأي الحنفية وآخرين. 1879 - * روى أحمد عن زيد بن خالد الجهني: أنه رآه عمر ركع بعد العصر ركعتين فضربه بالدرة وهو يصلي فلما انصرف قال: يا أمير المؤمنين فو الله لا أدعهما أبداً بعد إذ رأيت

_ 1879 - أحمد (4/ 115). الطبراني "المعجم الكبير" (5/ 228). مجمع الزوائد (2/ 23) وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير، وإسناده حسن. (الدرة) بكسر الدال هو سوط عمر الذي كان يحمله.

- راتبة المغرب والعشاء

النبي صلى الله عليه وسلم يصليهما فجلس عمر إليه فقال: يا زيد لولا أني أخشى أن يتخذها الناس سلماً إلى الصلوة حتى الليل لم أضرب فيهما. 1880 - * روى أحمد عن عبد الله بن رباح عن رجل من الصحابة: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العصر فقام رجل يصلي فرآه عمر فقال اجلس فإنما أهلك أهل الكتاب أنه لم يكن لصلاتهم فصل فقال صلى الله عليه وسلم "أحسن ابن الخطاب". فائدة: لا خلاف بين العلماء أنه ليس لصلاة العصر بعدية وما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خصوصية له، ففهم بعضهم أن الأمر عام، ولا خلاف بين العلماء أن سنة العصر القبلية غير مؤكدة والأمر فيها واسع: أن يصليها أربعاً بتسليمتين أو بتسليمة واحدة أو يصليها ركعتين فقط، ولا خلاف بين العلماء أن السنة المؤكدة بعد فريضة الظهر ركعتان، وأن الأربع بعد الظهر راتبة إلا أن الأخيرتين غير مؤكدتين، ولا خلاف بين الفقهاء: أن راتبة الظهر القبلية أربع، وإنما الخلاف: هل الأربع سنة مؤكدة أو أن الاثنتين سنة مؤكدة والثنتان الأخيرتان سنة غير مؤكدة؟ - راتبة المغرب والعشاء: 1881 - * روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان المؤذن إذا أذن قام ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبتدرون السواري حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهم كذلك يصلون ركعتين قبل المغرب، ولم يكن بين الأذان والإقامة شيء". وفي رواية (1) "لم يكن بينهما إلا قليل". وفي رواية (2) قال: "كنا بالمدينة، فإذا أذن المؤذن لصلاة الغرب ابتدروا السواري،

_ 1880 - أحمد (5/ 368). مجمع الزوائد (2/ 234) وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى ورجال أحمد رجال الصحيح. 1881 - البخاري (2/ 106) 10 - كتاب الأذان، 14 - باب كم بين الأذان والإقامة، ومن ينتظر الإقامة. النسائي (2/ 28، 29) 7 - كتاب الأذان، 39 - الصلاة بين الأذان والإقامة. (1) البخاري (2/ 106) نفس الموضع السابق. (2) مسلم (1/ 573) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 55 - باب استحباب ركعتين قبل صلاة المغرب.

فركعوا ركعتين، حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد، فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة من يصليهما". 1882 - * روى أبو داود عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "صليت الركعتين قبل المغرب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال المختار بن فلفل: قلت لأنس: أرآكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، رآنا، فلم يأمرنا ولم ينهنا". 1883 - * روى البخاري عن مرثد بن عبد الله رحمه الله قال: "أتيت عقبة [ابن عامر] الجهني، فقلت: ألا أعجبك من أبي تميم!؟ يركع ركعتين قبل صلاة المغرب، فقال عقبة: إنا كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: فما يمنعك الآن؟ قال: الشغل". 1884 - * روى أبو داود عن عبد الله المزني بن المغفل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلوا قبل المغرب ركعتين، ثم قال: صلوا قبل المغرب ركعتين، لمن شاء، خشية أن يتخذها الناس سُنَّة". وفي أخرى (4) قال: "صلوا قبل صلاة المغرب- قال في الثالثة: لمن شاء، كراهية أن يتخذها الناس سُنَّة". أقول: يباح عند الحنابلة صلاة ركعتين خفيفتين قبل المغرب، وتسن هاتان الركعتان سنة غير مؤكدة عند الشافعية، وكره الحنفية إلا الكمال بن الهمام، صلاة شيء قبل فريضة المغرب، لأن السنة في المغرب التعجيل (5).

_ 1882 - أبو داود (2/ 26) كتاب الصلاة، 11 - باب الصلاة قبل المغرب، وإسناده صحيح. 1883 - البخاري (3/ 59) 19 - كتاب التهجد، 35 - باب الصلاة قبل المغرب. النسائي (1/ 282، 283) 6 - كتاب المواقيت، 38 - الرخصة في الصلاة قبل الغرب وقد ورد هذا الحديث عند النسائي بصيغة مختلفة عن التي في البخاري ولكن معناه واحد وليس فيه اختلاف. 1884 - أبو داود (2/ 26) كتاب الصلاة، 11 - باب الصلاة قبل المغرب. (1) البخاري (3/ 59) 19 - كتاب التهجد، 35 - باب الصلاة قبل المغرب، وقد عزا بعضهم هذه الرواية إلى مسلم استنباطاً لأن مسلماً روى في صلاة المسافرين باب بين كل أذانين صلاة، عن عبد الله بن مغفل المزني بلفظ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بين كل أذانين صلاة، قالها ثلاثاً، قال في الثالثة: لمن شاء، وهذا الحديث متفق عليه، ولكن ليس فيه ذكر صلاة المغرب، بل هو عام في كل صلاة، ويشمل المغرب. * وردت الركعتان قبل المغرب في السنة فعن عبد الله بن مغفل، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلوا قبل=

1885 - * روى أحمد عن حذيفة أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب ثم صلى حتى صلى العشاء. أقول: في هذا النص دليل على جواز النفل المطلق في غير أوقات الكراهة، كما أنه دليل لمن استحب أن يصلي بعد راتبة المغرب سنة الأوابين، فمن هذا النص ومن حديث أخرجه الترمذي ووصفه بالغرابة وأخرجه ابن ماجه وابن خزيمة وفيه ندب إلى صلاة ست ركعات لا يتكلم بينهن بسوء بعد صلاة المغرب واتكأ بعض الفقهاء على أن من التزم بست ركعات بعد المغرب أو أكثر فله ذلك وبعضهم ذكر العشرين ركعة، وما دام الفقهاء متفقين على جواز النفل المطلق في غير أوقات الكراهة فإن للمسلم أن يلتزم فيما بين المغرب والعشاء بما شاء خاصة وأنه وقت كان يهتم به الصحابة، والعمل بالحديث الضعيف إذا تحققت فيه شروط في فضائل الأعمال مما ذهب إليه أعلام كبار. 1886 - * روى أحمد عن محمود بن لبيد أحد بني عبد الأشهل قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجدنا فصلى بنا المغرب فلما سلم قال "اركعوا هاتين الركعتين في بيوتكم للسُّبحة بعد المغرب". أقول: مما ندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظار الصلاة بعد الصلاة في المسجد، فمن كان يريد الانتظار إلى العشاء فالأفضل في حقه أن يصلي راتبة المغرب في المسجد، وإلا فالأولى أن يصليها في بيته، وقل مثل ذلك في كل راتبة بعدية لفريضة.

_ = المغرب" قال في الثالثة: "لمن شاء" رواه البخاري. وعن أنس قال: كنا بالمدينة، فإذا أذن المؤذن لصلاة المغرب ابتدروا السواري، فركعوا ركعتين، حتى الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة من يصليهما. رواه مسلم. فلا داعي لذكر الكراهية المزعومة هذه، وقد وردت الأحاديث الصحيحة بفعلها. "الناشر". 1885 - أحمد (5/ 404) ورجاله ثقات. ابن خزيمة (2/ 207) 513 - باب فضل التطوع بين المغرب والعشاء، وإسناده صحيح. 1886 - أحمد (5/ 427). مجمع الزوائد (2/ 229) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات. ابن خزيمة (2/ 209) 516 - باب الأمر بأن يركع الركعتين بعد المغرب في البيوت، وإسناده حسن.

1887 - * روى الترمذي عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: "صلى النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد بني عبد الأشهل المغرب، فقام قوم يتنفلون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "عليكم بهذه الصلاة في البيوت". أقول: قوله يتنفلون: فيه إشارة إلى نفل مطلق يحتمل أن تدخل فيه الراتبة وغيرها كما يحتمل أن تراد به الراتبة وحدها. 1888 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيل القراءة في الركعتين بعد المغرب حتى يتفرق أهل المسجد". أقول: هذا دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحياناً يصلي راتبة المغرب في المسجد مما يدل على الجواز، والأفضلية بين البيت والمسجد نسبية، فمن كان يكسل عن صلاتها لو ذهب إلى البيت فأداؤها في المسجد أفضل، ومن كان ينوي انتظار صلاة أخرى أو ينوي الاعتكاف فصلاته في المسجد أفضل، والمسألة كلها تدور بين فاضل وأفضل.

_ 1887 - الترمذي (2/ 501) أبواب الصلاة، 424 - باب ما ذكر في الصلاة بعد المغرب أنه في البيت أفضل، وقال الترمذي: هو حديث حسن. 1888 - أبو داود (2/ 31) كتاب الصلاة، 15 - باب ركعتي المغرب أين تصليان، وهو حديث حسن.

الفقرة الثالثة: في الوتر

الفقرة الثالثة: في الوتر - مشروعية الوتر: 1889 - * روى أحمد عن بريدة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الوتر حق، فمن لم يوتر فليس منا، الوتر حق، فمن لم يوتر فليس منا، الوتر حق، فمن لم يوتر فليس منا". أقول: هذا الحديث أحد أدلة أبي حنيفة على أن قوة الإلزام في الوتر أكثر من غيرها ولذا فإنه واجب عنده، ولذلك فإنه يشبه الفريضة في الأحكام عنده كما سنرى، وأما المذاهب الثلاثة وأبو يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة فإنهم اكتفوا بالقول بأن قوة الإلزام فيه ترفعه إلى أن يكون آكد السنن. 1890 - * روى الترمذي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "الوتر ليس بحتم كصلاة المكتوبة، ولكن سن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "إن الله وتر يحب الوتر،

_ 1889 - أحمد (5/ 357). أبو داود (2/ 62) كتاب الصلاة، 2 - باب فيمن لم يوتر. الحاكم (1/ 305) كتاب الوتر. وهذا الحديث حسن لغيره عند قوم وضعيف عند الآخرين، وفي سنده عبد الله بن عبد الله أبو المنيب العتكي، وقال الحاكم: حديث صحيح وأبو المنيب العتكي مروزي ثقة اهـ. قال الذهبي: قلت قال البخاري عنده مناكير اهـ. وفي التقريب: صدوق يخطئ. أقول: لكن وثقه ابن معين وغيره وقال أبو حاتم صالح الحديث وقال ابن عدي هو عندي لا بأس به وتكلم فيه العقيلي وابن حبان وقال النسائي ثقة، وقال في موضع آخر ضعيف. كما في التهذيب، وللحديث شواهد لم يخل بعضها من كلام، ويشهد لأوله حديث أبي أيوب الأنصاري وفيه أنر سول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الوتر حق على كل مسلم" رواه أبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه وهو حديث صحيح، أما اللفظ الآخر "من لم يوتر فليس منا". فقد أخرج أحمد (2/ 443) من طريق خليل بن مرة عن معاوية بن مرة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من لم يوتر فليس منا". لكن نص الزيلعي (2/ 113 نصب الراية) على أن معاوية لم يسمع من أبي هريرة شيئاً كما قال أحمد، والخليل بن مرة ضعفه يحيى والنسائي، وقال البخاري: منكر الحديث. ولضعف هذا الشاهد والله أعلم فقد ضعف بعضهم الحديث الذي معنا. 1890 - الترمذي (2/ 316) أبواب الصلاة، 333 - باب ما جاء أن الوتر ليس بحتم، وهو حديث حسن.

فأوتروا يا أهل القرآن". وفي رواية (1) "الوتر ليس بحتم، كهيئة الصلاة المكتوبة، ولكنه سُنَّة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم". وفي رواية أبي داود (2) والنسائي (3) قال: "يا أهل القرآن أوتروا، فإن الله وتر يحب الوتر". 1891 - * روى أحمد عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن الله تبارك وتعالى وتر يحب الوتر" قال نافع: وكان ابن عمر لا يصنع شيئاً إلا وتراً. 1892 - * روى مالك عن عبد [الله] بن محيريز رحمه الله "أن رجلاً من كنانة يدعى المخدجي سمع رجلاً بالشام، يكنى: أبا محمد، يقول: إن الوتر واجب، فقال المخدجي: فرحت إلى عبادة بن الصامت: كذب أبو محمد، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خمس صلوات كتبهن الله على العباد، فمن جاء بهن، ولم يضيع منهن شيئاً، استخفافاً بحقهن، كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن، فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة". وفي أخرى (6) لأبي داود قال: قال عبد الله الصنابحي: "قلت لابن الصامت: زعم أبو

_ (1) الترمذي (2/ 316) نفس الموضع السابق. (2) أبو داود (2/ 61) كتاب الصلاة، 1 - باب استحباب الوتر. (3) النسائي (3/ 228، 229) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 27 - باب الأمر بالوتر. (حق) الحق والحتم: اللازم الواجب الذي لابد من فعله. 1891 - أحمد (2/ 109). كشف الأستار (1/ 356) باب الوتر بركعة. مجمع الزوائد (2/ 240) وقال الهيثمي: رواه أحمد والبزار، ورجاله موثقون. 1892 - الموطأ (1/ 123) 7 - كتاب صلاة الليل، 3 - باب الأمر بالوتر. أبو داود (2/ 62) كتاب الصلاة، 2 - باب فيمن لم يوتر. النسائي (1/ 230) 5 - كتاب الصلاة، 6 - باب المحافظة على الصلوات الخمس. (4) أبو داود (2/ 62) نفس الموضع السابق.

محمد أن الوتر واجب، قال ابن الصامت: كذب أبو محمد أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خمس صلوات افترضهن الله، من أحسن وضوءهن، وصلاهن لوقتهن، وأتم ركوعهن وسجودهن وخشوعهن، كان على الله عهد أن يغفر له، ومن لم يفعل فليس له على الله عهد، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه". (كذب أبو محمد) لم يرد بقوله: كذب أبو محمد: تعمد الكذب الذي هو ضد الصدق، لأن الكذب إنما يجيء في الإخبار، وأبو محمد إنما أفتى فتيا، رأى فيها رأياً، وهو رجل من الأنصار، له صحبة، ولا يجوز أن يكذب في الإخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم، والعرب من عادتها أن تضع الكذب موضع الخطأ، فتقول: كذب سمعي، وكذب بصري، أي: أخطأ. 1893 - * روى ابن خزيمة عن عبد الرحمن بن أبي عمرة النجاري: أنه سأل عبادة بن الصامت عن الوتر، قال: أمر حسن جميل، عمل به النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون من بعده، وليس بواجب. أقول: الواجب في اصطلاح العامة وأكثر العلماء هو الفريضة، واصطلح أبو حنيفة لما تأكد الإلزام به بخبر الآحاد اسم الواجب له، وهو دون الفريضة عنده، ومن ههنا حدث إشكال عند أكثر الناس بسبب هذا الاصطلاح، فقد استقر في عقول الناس أن الواجب هو الفريضة وليس عندهم إلا الصلوات الخمس فريضة، فتوهم بعضهم أن أبا حنيفة يزيد على الفرائض الخمس فريضة سادسة فحدث اللبس نتيجة لذلك. 1894 - * روى أحمد عن أبي تميم الجيشاني قال: سمعت عمرو بن العاص يقول: أخبرني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل زادكم صلاة فصلوها فيما بين العشاء إلى الصبح: الوتر الوتر" ألا وإنه: أبو بصرة الغفاري،

_ = وهذا حديث صحيح لطرقه وممن صححه ابن عبد البر. المخدجي: وهو مجهول، قيل: اسمه رفيع، ولكن تابعه عند أبي داود في الرواية الثانية: أبو عبد الله الصنابحي. أبو محمد: أنصاري صحابي، اختلف في اسمه، قيل: مسعود، وقيل: سعد، وغير ذلك. 1893 - ابن خزيمة (2/ 137) 433 - باب ذكر الأخبار المنصوصة والدالة على أن الوتر ليس بفرض، وإسناده حسن. 1894 - أحمد (6/ 397)، (6/ 7). مجمع الزوائد (2/ 239) قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير وله إسنادان عند أحمد أحدهما رجاله رجال

- وقت صلاة الوتر

قال أبو تميم فكنت أنا وأبو ذر قاعدين قال: فأخذ بيدي أبو ذر فانطلقنا إلى أبي بصرة فوجدناه على الباب الذي يلي باب عمرو فقال أبو ذر يا أبا بصرة أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إن الله عز وجل زادكم صلاة فصلوها فيما بين العشاء إلى صلاة الصبح الوتر الوتر"؟ قال: نعم، قال: أنت سمعته؟ قال: نعم. - وقت صلاة الوتر: 1895 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً". أقول: ومن ههنا لم ير العلماء أنه ليس بعد الوتر شيء مسنون، وروي عن أحمد قوله بصلاة ركعتين بعد الوتر، وهو قول مرجوح في مذهبه، لكن أجاز الفقهاء لمن صلى الوتر ثم بدا له أن يتنفل فله ذلك، وفي المسألة تفصيل سنراه إن شاء الله. 1896 - * روى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أوتروا قبل أن تصبحوا". وفي رواية (3) النسائي "قبل الصبح" وفي أخرى (4) "قبل الفجر". أقول: وقت الوتر عند الحنفية يبدأ بدخول وقت العشاء ولكن لا يصلى إلا بعد فريضة العشاء ويخرج وقته بطلوع الفجر، وإذا فات فإنه يقضى عند الحنفية، ويستمر

_ الصحيح خلا علي بن إسحاق السلمي شيخ أحمد وهو ثقة. 1895 - البخاري (2/ 488) 14 - كتاب الوتر، 4 - باب ليجعل آخر صلاته وتراً. مسلم (1/ 517، 518) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 20 - باب صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر الليل. أبو داود (2/ 67) كتاب الصلاة، 8 - باب في وقت الوتر. النسائي (3/ 230، 231) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 30 - باب وقت الوتر. 1896 - مسلم (1/ 519) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 20 - باب صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر الليل. الترمذي (2/ 332) أبواب الصلاة، 343 - باب ما جاء في مبادرة الصبح بالوتر، وهو حديث صحيح. (1) النسائي (3/ 231) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 31 - باب الأمر بالوتر قبل الصبح. (2) النسائي (3/ 231) نفس الموضع السابق.

وقته عند المالكية حتى صلاة فريضة الصبح، والظاهر أنهم مع بقية الفقهاء في أن وقته يخرج بطلوع الفجر، إلا أنهم أجازوا لمن لم يصله في الليل أن يصليه بعد طلوع الفجر قبل أداء فريضة الصبح، ويستحب تأخيره عند الحنفية والحنابلة إلى آخر الليل لمن وثق من الانتباه، وجميع الفقهاء متفقون على أنه يستحب لمن لم يثق من استيقاظه أن يصليه قبل نومه، وينتهي وقته المستحب عند الشافعية عند منتصف الليل، وعند المالكية: الوقت الأفضل لصلاته ينتهي بثلث الليل الأول. 1897 - * روى مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى من الليل فليجعل آخر صلاته وتراً قبل الصبح". وفي أخرى (2) له وللترمذي (3): أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "بادروا الصبح بالوتر". وفي أخرى (4) للترمذي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا طلع الفجر فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر، فأوتروا قبل الفجر". أقول: إذا تعارض مذهب الصحابي مع نص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فالنص هو المقدم وهذا النص دليل على أن وقت الوتر ينتهي بدخول وقت الفجر، ولذلك حملنا الروايات التي وردت عن بعض الصحابة خلاف ذلك على أنه يراد بها قضاء الوتر لمن فاته الوتر في وقته. 1898 - * روى أبو داود عن خارجة بن حذافة رضي الله عنه قال: "خرج علينا يوماً

_ 1897 - مسلم (1/ 518) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 20 - باب صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة آخر الليل. (1) مسلم (1/ 517) نفس الموضع السابق. (2) الترمذي (2/ 331، 332) أبواب الصلاة، 343 - باب ما جاء في مبادرة الصبح بالوتر. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (3) الترمذي (2/ 332) نفس الموضع السابق. ابن خزيمة (2/ 147، 148) 446 - باب النائم عن الوتر أو الناسي له يصبح قبل أن يوتر، وإسناده صحيح. 1898 - أبو داود (2/ 61) كتاب الصلاة، 1 - باب استحباب الوتر. الترمذي (2/ 314) أبواب الصلاة، 332 - باب ما جاء في فضل الوتر.

رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "قد أمدكم الله بصلاة هي خير لكم من حمر النعم، وهي الوتر، فجعلها لكم فيما بين العشاء الآخرة إلى طلوع الفجر". 1899 - * روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: "من كل الليل أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أول الليل، وأوسطه، وآخره، وانتهى وتره إلى السحر". ولفظ البخاري "كل الليل أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهى وتره إلى السحر". وفي رواية (1) الترمذي "وانتهى وتره حين مات في السحر". وأخرجه الترمذي (2) بزيادة معنى آخر عن عبد الله بن أبي قيس. فقال: "سألت عائشة عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف كان يوتر، من أول الليل، أو من آخره؟ فقالت: كل ذلك قد كان يصنع، ربما أوتر من أول الليل، وربما أوتر من آخره، فقلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة، فقلت: كيف كانت قراءته: أكان يسر بالقراءة، أم يجهر؟ فقالت: كل ذلك كن يفعل، قد كان ربما أسر، وربما جهر، قال: فقلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة، قال: فقلت: كيف كان يصنع في الجنابة: أكان يغتسل قبل أن ينام، أو ينام قبل أن يغتسل؟ قالت: كل ذلك قد كان يفعل، ربما اغتسل فنام، وربما توضأ فنام، فقلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة".

_ = وهو حسن لشواهده، قال محقق الجامع: وفي سنده ضعف وانقطاع، ولكن في الباب عن معاذ بن جبل، وعمرو بن العاص، وعقبة بن عامر، وأبي بصرة الغفاري، وابن عباس، وابن عمر وعبد الله بن عمرو، وانظر تخريجها في "تلخيص الحبير" ابن حجر 2/ 16. (حمر النعم) النعم: الإبل، وحمرها: خيارها وأعلاها قيمة. 1899 - البخاري (2/ 486) 14 - كتاب الوتر، 2 - باب ساعات الوتر. مسلم (1/ 512) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 17 - باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل وأن الوتر ركعة وأن الركعة صلاة صحيحة. النسائي (3/ 230) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 30 - باب وقت الوتر. (1) الترمذي (2/ 318، 319) أبواب الصلاة، 335 - باب ما جاء في الوتر من أول الليل وآخره. (2) الترمذي في (5/ 183) 46 - كتاب فضائل القرآن، 23 - باب ما جاء كيف كان قراءة النبي صلى الله عليه وسلم. ابن خزيمة (2/ 144) 440 - باب إباحة الوتر أول الليل إن أحب المصلي أو وسطه أو آخره.

1900 - * روى الطبراني عن عروة بن مسعود قال: ما أبالي أن يثوب لصلاة الفجر وأنا في وردي لم أوتر بعد. أقول: لعل مراده الأذان الأول، فإنه يكون قبل طلوع الفجر عادة بحوالي ربع ساعة، وإذا كان المراد أذان الفجر الثاني فذلك مشكل إلا على رأي المالكية الذين يرون أن وقت الضرورة لصلاة الوتر يمتد حتى تقام صلاة فريضة الصبح. 1901 - * روى الطبراني عن عروة بن الزبير قال: كان ابن مسعود يوتر بعد الفجر وكان أبي يوتر قبل الفجر. أقول: من المعروف أن الحنفية بنوا على مذهب ابن مسعود، فلعل ابن مسعود فعل ذلك لأن الوتر قد فاته في وقت فقضاه بعد الفجر فظنها الراوي عنه أنها عادة دائمة له. 1902 - * روى أحمد عن أبي نهيك أن أبا الدرداء كان يخطب الناس أن لا وتر لمن أدرك الصبح فانطلق رجال من المؤمنين إلى عائشة فأخبروها فقالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح فيوتر. أقول: هذا محمول عند الجمهور على أن ذلك كان قضاء. 1903 - * روى الطبراني عن الأغر المزني أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله إني أصبحت ولم أوتر قال: "فأوتر".

_ 1900 - الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 325). مجمع الزوائد (2/ 247) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. وقد أفتى غيره بذلك أعني ابن مسعود. 1901 - الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 324، 325). مجمع الزوائد (2/ 247): وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون. 1902 - أحمد (6/ 242، 243). مجمع الزوائد (2/ 246) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الأوسط وإسناده حسن. 1903 - مجمع الزوائد (2/ 246) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون وإن كان في بعضهم كلام لا يضر.

- متى يوتر

1904 - * روى النسائي عن محمد بن المنتشر كان في مسجد عمرو بن شرحبيل فأقيمت الصلاة، فجعلوا ينتظرونه، فقال: إني كنت أوتر، قال: وسئل عبد الله: هل بعد الأذان وتر؟ قال: نعم، وبعد الإقامة، وحدَّث عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه نام عن الصلاة حتى طلعت الشمس، ثم صلى". 1905 - * روى الطبراني عن الأسود بن هلال قال: أشهد على عبد الله بن مسعود لقد سمعته ينادي بها نداء الوتر ما بين صلاة العشاء الآخرة التي تسمون العتمة وصلاة الفجر متى أوترت فحسن. أقول: لعل مراده لصلاة الصبح: حين دخول وقتها. - متى يوتر: 1906 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أوتر قبل أن أنام". 1907 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ثم ليرقد، ومن طمع أن يقوم آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة محضورة، وذلك أفضل". 1908 - * روى أبو داود عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر: "متى توتر؟ " قال: أوتر من أول الليل، وقال لعمر: "متى توتر؟ " قال: آخر

_ 1904 - النسائي (3/ 231) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 32 - الوتر بعد الأذان، وإسناده حسن. 1905 - مجمع الزوائد (2/ 245) قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح. 1906 - الترمذي (2/ 317) أبواب الصلاة، 334 - باب ما جاء في كراهية النوم قبل الوتر. وهذا الحديث حسنه الترمذي وهو كما قال. 1907 - مسلم (1/ 520) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 21 - باب من خاف ألا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله. الترمذي (2/ 318) أبواب الصلاة، 334 - باب ما جاء في كراهية النوم قبل الوتر. (مشهودة محضورة) يعني: تشهدها ملائكة الليل والنهار، وتحضرها، هذه صاعدة، وهذه نازلة. 1908 - أبو داود (2/ 66) كتاب الصلاة، 7 - باب في الوتر قبل النوم، وإسناده حسن.

- قضاء الوتر

الليل، فقال لأبي بكر: "أخذ هذا بالحذر" وقال لعمر: "أخذ هذا بالقوة". 1909 - * روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، فإذا أوتر قال: "قومي فأوتري يا عائشة". - قضاء الوتر: 1910 - * روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من نام عن وتره فليصل إذا أصبح". وله في أخرى (1): أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من نام عن الوتر أو نسيه فليصل إذا ذكره وإذا استيقظ". وأخرج أبو داود (2) الرواية الثانية إلى قوله: "إذا ذكره". - عدد ركعات الوتر: 1911 - * روى أبو داود عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الوتر حق على كل مسلم، فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل". وفي النسائي (3) مثله وزاد: "من شاء أوتر إيماء". وله في أخرى بزيادة (4) في أوله: "فمن شاء أن يوتر بسبع فليفعل".

_ 1909 - مسلم (1/ 511) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 17 - باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل أن الوتر ركعة وأن الركعة صلاة صحيحة. 1910 - الترمذي (2/ 330) أبواب الصلاة، 342 - باب ما جاء في الرجل ينام عن الوتر أو ينساه. (1) الترمذي (2/ 330) نفس الموضع السابق. (2) أبو داود (2/ 65) كتاب الصلاة، 6 - باب في الدعاء بعد الوتر، وهو حديث صحيح. 1911 - أبو داود (2/ 62) كتاب الصلاة، 3 - باب كم الوتر؟ (3) النسائي (3/ 239) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 40 - باب ذكر الاختلاف على الزهري في حديث أبي أيوب في الوتر. (4) النسائي (3/ 238) نفس الموضع السابق.

أقول: أقل الوتر عند المالكية والحنابلة والشافعية ركعة واحدة، وأقلها عند الحنفية ثلاث ركعات لا يفصل بينهن بسلام ويعتبرون النصوص التي تجيز الوتر بواحدة منسوخة، وعندهم لا يصح الوتر إلا بقيام، أما صاحب العذر فإنه يصلي بقدر استطاعته ويعتبرون الصلاة إيماءً لغير صاحب عذر منسوخاً، ولم يوافقهم كثيرون على مذهبهم في الوتر، ويترتب على الخلاف بين الحنفية وغيرهم فروع يختلفون فيها منها: جواز صلاة الوتر على الدابة أو وهو جالس في سيارة أو طيارة، فالحنفية لا يجيزون ذلك، ويجيزه غيرهم. 1912 - * روى ابن خزيمة عن جابر بن عبد الله قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أناخ راحلته، ثم نزل فصلى عشر ركعات وأوتر بواحدة، صلى ركعتين ركعتين ثم أوتر بواحدة، ثم صلى ركعتي الفجر، ثم صلى بنا الصبح. 1913 - * روى أبو داود عن عبد الله بن أبي قيس قال: "سألت عائشة رضي الله عنها: بكم كان يوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان يوتر بأربع وثلاث، وست وثلاث، وثمان وثلاث، وعشر وثلاث، ولم يكن يوتر بأنقص من سبع، ولا بأكثر من ثلاث عشرة، زاد في رواية (1): "لم يكن يوتر ركعتين قبل الفجر، قلت: ما يوتر؟ قالت: لم يكن يدع ذلك"، ولم يذكر فيها "ست: وثلاث". أقول: لا يفصل جمهور العلماء بين الوتر وقيام الليل، وكثيراً ما يطلقون على قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وإيتاره أنه وتر، ويميز الحنفية بين الوتر وقيام الليل وإن كان الوتر نوع قيام من الليل. 1914 - * روى ابن خزيمة عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسمل يصلي من الليل تسع ركعات فيهن الوتر.

_ 1912 - ابن خزيمة (2/ 140) 436 - باب ذكر الأخبار المنصوصة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الوتر ركعة، وإسناده صحيح. 1913 - أبو داود (2/ 46) كتاب الصلاة، 26 - باب في رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل. (1) أبو داود (2/ 46) نفس الموضع السابق. 1914 - ابن خزيمة (2/ 192، 193) 501 - باب ذكر خبر ثالث أخاله يسبق إلى قلب بعض من لم يتبحر العلم أنه يضاد الخبرين اللذين ذكرتهما .. وإسناده صحيح.

1915 - * روى أحمد عن أبي أمامة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر بتسع حتى إذا بدن وكثر لحمه أوتر بسبع وصلى ركعتين وهو جالس يقرأ بـ {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ} و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}. 1916 - * روى أحمد عن أبي أيوب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوتر بخمس فإن لم تستطع فبثلاث فإن لم تستطع فبواحدة فإن لم تستطع فأومئ إيماءً". 1917 - * روى الترمذي عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث عشرة، فلما كبر وضعف أوتر بسبع. إلا أن النسائي قال: "فلما أسن وثقل". قال الترمذي: وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الوتر بثلاث عشرة، وإحدى عشرة، وتسع، وسبع، وخمس، وثلاث، وواحدة" قال: وقال إسحاق بن إبراهيم: معنى ما روي: "أنه كان يوتر بثلاث عشرة"، [إنما معناه] أنه كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة مع الوتر، فنسبت صلاة الليل إلى الوتر. وفي رواية أخرى (1) للنسائي قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر بسبع، أو خمس، لا يفصل بينهن بتسليم". وفي أخرى (2) له "كان يوتر بخمس وسبع، لا يفصل بينها بسلام ولا بكلام".

_ 1915 - أحمد (5/ 269). مجمع الزوائد (2/ 241) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير وزاد "قل هو الله أحد" ورجال أحمد ثقات. 1916 - أحمد (5/ 418). مجمع الزوائد (2/ 241) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. 1917 - الترمذي (2/ 320) أبواب الصلاة، 336 - باب ما جاء في الوتر بسبع. النسائي (3/ 237، 238) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 39 - باب ذكر الاختلاف على حبيب بن أبي ثابت في حديث علي بن عباس في الوتر. (1) النسائي (3/ 239) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 41 - باب كيف الوتر بخمس وذكر الاختلاف على الحكم في حديث الوتر. (2) النسائي (3/ 239) نفس الموضع السابق. الحاكم (1/ 306) كتاب الوتر. صححه الحاكم ووافقه الذهبي.

أقول: هذا يشهد لمذهب أبي حنيفة الذي يقول بجواز أن يصلي الإنسان ثماني ركعات بتسليمة واحدة، ولكنه من حيثية أخرى يعارض ما ذهب إليه الحنفية في أن الوتر ثلاث ركعات متحدات ومنفصلات عن غيرهن. 1918 - * روى النسائي عن مقسم بن بجرة قال: "الوتر سبع، ولا أقل من خمس، قال الحكم: فذكرت ذلك لإبراهيم، فقال: عمن ذكره؟ قلت: لا أدري، قال الحكم: فحججت، فلقيت مقسماً، فقلت له: عمن؟ قال: عن عائشة وميمونة". وفي رواية (1): عن عروة عن عائشة "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بخمس، ولا يجلس إلا في آخرهن". أقول: هذا النص يشهد لمذهب أبي حنيفة القائل بجواز صلاة ثمان ركعات متواليات بتسليمة واحدة ودون جلوس على رأس كل ركعتين ولكنه لا يشهد لما ذهب إليه الحنفية باستقلالية الوتر عن غيره في اصطلاحهم أنه ثلاث ركعات يجلس فيهما جلوسين ويسلم في آخرهن لأنهم يعتبرون أن ما سوى هذه الصيغة في الوتر منسوخة. 1919 - * روى البخاري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما "قيل له: هل لك في أمير المؤمنين معاوية، ما أوتر إلا بواحدة؟ قال: أصاب، إنه فقيه". وفي رواية (2): قال ابن أبي مليكة: "أوتر معاوية بعد العشاء بركعة وعنده مولى لابن عباس، فأتى ابن عباس فأخبره، فقال: دعه، فإنه قد صحب النبي صلى الله عليه وسلم". 1920 - * روى مالك عن محمد بن شهاب الزهري رحمه الله قال: أخبرني عبد الله بن

_ 1918 - النسائي (3/ 239، 240) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 41 - باب كيف الوتر بخمس وذكر الاختلاف على الحكم في حديث الوتر، وإسناده حسن. (1) النسائي (3/ 240) نفس الموضع السابق. 1919 - البخاري (7/ 103) 62 - كتاب فضائل الصحابة، 28 - باب ذكر معاوية رضي الله عنه. (2) البخاري (7/ 103) نفس الموضع السابق. 1920 - الموطأ (1/ 125) 7 - كتاب صلاة الليل، 3 - باب الأمر بالوتر. البخاري (11/ 151) 80 - كتاب الدعوات، 31 - باب الدعاء للصبيان بالبركة ومسح رءوسهم.

ثعلبة- وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مسح عينه: "أنه رأى سعد بن أبي وقاص يوتر بركعة". وفي رواية: "وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد مسح وجهه عام الفتح". 1921 - * روى النسائي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: "كان بين مكة والمدينة، فصلى العشاء ركعتين، ثم قام فصلى ركعة أوتر بها، فقرأ فيها بمائة آية من النساء، ثم قال: ما ألوت أن أضع قدمي حيث وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم قدميه، وأن أقرأ بما قرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم". 1922 - * روى مسلم عن أبي مجلز قال: "سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن الوتر؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ركعة من آخر الليل، قال: وسألت ابن عمر؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ركعة من آخر الليل". وفي رواية (1) قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا رأيت أن الصبح مدركك فأوتر بواحدة، فقيل لابن عمر: ما مثنى مثنى؟ قال: تسلم في كل ركعتين". وفي أخرى (2) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا أردت أن تنصرف فاركع ركعة توتر لك ما صليت"، قال القاسم: ورأينا أناساً منذ أدركنا يوترون بثلاث، وإن كلا لواسع، وأرجو أن لا يكون بشيء منه بأس". وفي أخرى (3) زيادة: "أن ابن عمر كان يسلم بين الركعتين في الوتر، حتى يأمر

_ 1921 - النسائي (3/ 243، 244) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 46 - باب القراءة في الوتر، وإسناده حسن. 1922 - مسلم (1/ 518) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 20 - باب صلاة الليل مثنى مثنى. (1) مسلم (1/ 519) نفس الموضع السابق. (2) البخاري (2/ 478) 14 - كتاب الوتر، 1 - باب ما جاء في الوتر. مسلم (1/ 516) 6 - كتاب صلاة المسافرين، 20 - باب صلاة الليل مثنى مثنى. النسائي (3/ 233) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 35 - باب كيف الوتر بواحدة. (3) البخاري (2/ 477) 14 - كتاب الوتر، 1 - باب ما جاء في الوتر. الموطأ (1/ 125) 7 - كتاب صلاة الليل، 3 - باب الأمر بالوتر.

ببعض حاجته". وفي أخرى (1) قال: قام رجل، فقال: يا رسول الله، كيف صلاة الليل؟ قال: "صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة". وزاد: "واجعل آخر صلاتك وتراً". أقول: ما قاله القاسم يدل على أن ما اختلف فيه فقهاء الحنفية مع غيرهم في شأن الوتر كان موجوداً منذ زمن الصحابة والتابعين، وكما قال القاسم: فإن الأمر واسع، فكل من كان على رأي إمام مجتهد من أئمة الهدى فهو على خير. 1923 - * روى ابن خزيمة عن المطلب بن عبد الله المخزومي قال: كان ابن عمر يوتر بركعة فجاءه رجل فسأله عن الوتر، فأمره أن يفصل، فقال الرجل: إني أخشى أن يقول الناس: إنها البتيراء، فقال ابن عمر: أسُنَّة الله ورسوله تريد؟ هذه سنة الله ورسوله. - القراءة في الوتر: 1924 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر بـ (سبح اسم ربك الأعلى) و (قل يا أيها الكافرون) و (قل هو الله أحد) في ركعة ركعة". وعند النسائي (2): "كان يوتر بثلاث ... وذكر الحديث".

_ (1) البخاري (2/ 478) 14 - كتاب الوتر، 1 - باب ما جاء في الوتر. مسلم (1/ 517) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 20 - باب صلاة الليل مثنى مثنى. الموطأ (1/ 123) 7 - كتاب صلاة الليل، 3 - باب الأمر بالوتر. الترمذي (2/ 300، 301) أبواب الصلاة، 323 - باب ما جاء أن صلاة الليل مثنى مثنى. قال الترمذي: حديث ابن عمر حديث حسن صحيح. 1923 - ابن خزيمة (2/ 140) 436 - باب ذكر الأخبار المنصوصة عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الوتر ركعة. 1924 - الترمذي (2/ 325، 326) أبواب الصلاة، 340 - باب ما جاء فيما يقرأ به في الوتر. وهو حديث حسن لغيره. (2) النسائي (3/ 244، 245) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 47 - نوع آخر من القراءة في الوتر.

1925 - * روى أبو داود عن عبد العزيز بن جريج رحمه الله قال: "سألنا عائشة: بأي شيء كان يوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان يقرأ في الأولى بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} وفي الثانية بـ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وفي الثالثة بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمعوذتين". 1926 - * روى النسائي عن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الوتر بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ". وفي أخرى (1) مثلها، وزاد: "وكان يقول إذا سلم: سبحان الملك القدوس ثلاثاً، ويرفع صوته في الثالثة". وفي أخرى (2) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتر بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ". 1927 - * روى أبو داود عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بـ سبح اسم ربك الأعلى وقل للذين كفروا والله الواحد الصمد". وله في أخرى (3) قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم في الوتر قال: سبحان الملك القدوس".

_ 1925 - أبو داود (2/ 63) كتاب الصلاة، باب ما يقرأ في الوتر. الترمذي (2/ 326) أبواب الطهارة، 340 - باب ما جاء فيما يقرأ به الوتر. النسائي (3/ 244) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 47 - نوع آخر من القراءة في الوتر. ابن ماجه (1/ 371) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 115 - باب ما جاء فيما يقرأ في الوتر. الحاكم (1/ 305) كتاب الوتر، وصححه ووافقه الذهبي. 1926 - النسائي (3/ 246) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 49 - ذكر الاختلاف عن مالك. (1) النسائي ص 247 الموضع السابق. (2) النسائي، الموضع السابق. (القدوس) بضم القاف وفتحها: من القدس: الطهارة، والتقديس: التطهير، والمراد بهذا الاسم أن الله منزه عن كل عيب ونقص ودنس ولله المثل الأعلى. 1927 - أبو داود (2/ 63) كتاب الصلاة، 4 - باب ما يقرأ في الوتر. (3) أبو داود ص 65، نفس الموضع السابق.

- القنوت في الوتر

وفي رواية النسائي (1) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث ركعات يقرأ في الأولى بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} وفي الثانية بـ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وفي الثالثة بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ويقنت قبل الركوع، فإذا فرغ قال عند فراغه: سبحان الملك القدوس، ثلاث مرات، يطيل في آخرهن". وفي أخرى (2) له "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الوتر بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ... وذكره، وقال: ولا يسلم إلا في آخرهن، ويقول بعد التسليم: سبحان الملك القدوس، ثلاثاً". أقول: عبر أُبي عن سورة الإخلاص فسماها بسورة (الله الواحد الصمد) وهذه الروايات التي تذكر التسليم على رأس الثلاث في الوتر تشهد لمذهب الحنفية ومن وافقهم، ولذلك فإن بعض مخالفيهم أجازوا الصورتين في الوتر: أن يفصل بين الثنتين والثالثة بتسليمة وأجازوا بتسليمة واحدة بعد القعود الأخير. - القنوت في الوتر: 1928 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود أنه كان لا يقنت في صلاة الغداة وإذا قنت في الوتر قنت قبل الركعة، وفي رواية (4) عنه أيضاً قال كان عبد الله لا يقنت في شيء من الصلوات إلا في الوتر قبل الركعة. 1929 - * روى ابن خزيمة عن الحسن بن علي، قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات

_ (1) النسائي (3/ 235) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 37 - ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر أبي بن كعب في الوتر. (2) النسائي، نفس الموضع السابق ص 236. 1928 - الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 328). (3) نفس الموضع السابق. مجمع الزوائد (2/ 137) وقال الهيثمي: رواهما الطبراني في الكبير، وإسنادهما حسن. 1929 - ابن خزيمة (2/ 151، 152) 448 - باب ذكر الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم غنا أوتر هذه الليلة التي بات ابن عباس فيها عنده بعد طلوع الفجر، وإسناده صحيح.

- هل ينقض الوتر

أقولهن في قنوت الوتر: "اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت". أقول: لا خلاف بين الفقهاء بأن الدعاء المأثور أياً كان يجزئ في قنوت الوتر، ولكن الكلام عن الأفضلية، فالأفضل عند الحنفية الدعاء الذي ذكرناه. - هل ينقض الوتر: 1930 - * روى البخاري عن أبي جمرة قال: سألت عائذ بن عمرو- وكان من أصحاب الشجرة: هل ينقض الوتر؟ قال: إذا أوترت من أوله فلا توتر من آخره. 1931 - * روى الترمذي عن طلق بن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا وتران في ليلة". وفي رواية (1) أبي داود والنسائي (2): قال قيس بن طلق: "زارنا طلق بن علي في يوم من رمضان، وأمسى عندنا وأفطر، ثم قام بنا تلك الليلة وأوتر، ثم انحدر إلى مسجده، فصلى بأصحابه، حتى إذا بقي الوتر قدَّم رجلاً، فقال: أوتر بأصحابك، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا وتران في ليلة". 1932 - * روى مالك عن نافع- مولى ابن عمر- رضي الله عنهم قال: "كنت مع ابن عمر بمكة والسماء مغيمة، فخشي الصبح، فأوتر بواحدة ثم انكشف الغيم، فرأى أن عليه ليلاً، فشفع بواحدة، ثم صلى ركعتين ركعتين، فلما خشي الصبح أوتر بواحدة". أقول: أخذ بعض الفقهاء ومنهم الحنابلة بفعل ابن عمر، إذا ما أوتروا ثم بدا لهم أن

_ 1930 - البخاري (7/ 451) 64 - كتاب المغازي، 35 - باب غزوة الحديبية. 1931 - الترمذي (2/ 334) أبواب الصلاة، 344، باب ما جاء لا وتران في ليلة، وهو حديث صحيح. (1) أبو داود (2/ 67) كتاب الصلاة، 9 - باب في نقص الوتر. (2) النسائي (3/ 229، 230) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 29 - باب نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الوترين في ليلة. 1932 - الموطأ (1/ 125) 7 - كتاب صلاة الليل، 3 - باب الأمر بالوتر، وإسناده صحيح.

- الصلاة بعد الوتر

يصلوا بدأوا بواحدة ليشفعوا وترهم ثم سلموا ثم صلوا ما شاؤوا ثم أوتروا مختتمين صلاة الليل، وأخذ آخرون بالروايتين السابقتين على هذه الرواية ومنهم الحنفية، بأن من أوتر ثم بدا له أن يصلي فله أن يصلي ما شاء وليس عليه وتر جديد. - الصلاة بعد الوتر: 1933 - * روى الترمذي عن أم سلمة رضي الله عنها "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الوتر ركعتين". أقول: أخذ بهذا بعض الحنابلة فاستحبوا ركعتين بعد الوتر، ولم يقبل ذلك جمهور العلماء، والفتوى عند الحنابلة على غير ذلك وإن كان النص يدل على شيء فإنه يدل على جواز النفل المطلق فقد جرت عادة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوتر في آخر قيامه، فإذا صلى بعد الوتر فذلك نفل مطلق. - هل يسلم بعد ركعتي الوتر: 1934 - * روى النسائي عن عائشة رضي الله عنها "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يسلم في ركعتي الوتر". 1935 - * روى مالك عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم في الركعتين في الوتر، حتى يأمر ببعض حاجته". 1936 - * روى مالك عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يقول: "صلاة المغرب وتر صلاة النهار".

_ 1933 - الترمذي (2/ 335) أبواب الصلاة، 344 - باب ما جاء لا وتران في ليلة، وهو حديث حسن لغيره. 1934 - النسائي (3/ 235) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 36 - باب كيف الوتر بثلاث، وإسناده صحيح. 1935 - الموطأ (1/ 125) 7 - كتاب صلاة الليل، 3 - باب الأمر بالوتر. البخاري (2/ 477) 14 - كتاب الوتر، 1 - باب ما جاء في الوتر. 1936 - الموطأ (1/ 125) 7 - كتاب صلاة الليل، 3 - باب الأمر بالوتر.

- صلاة الوتر على الراحلة

1937 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود قال وتر الليل كوتر النهار صلاة المغرب ثلاث. أقول: صلاة الوتر تشبه صلاة المغرب من حيث كونها وتراً ومن حيث كونها ثلاثاً ومن حيث إن فيها قعودين، وإنها تنتهي بتسليمة واحدة، وهذا كله قد أخذ به الحنفية في صلاة الوتر، وأوجبوا النية بأن ينوي الإنسان إذا أراد صلاة الوتر بقلبه أنه يريد صلاة وتر هذه الليلة، وبعضهم يغلط فينوي وتر صلاة العشاء وهذا غلط لا تصح معه صلاة الوتر، ويقوم الموتر بعد قراءة التشهد في القعود الأول قبل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويضيف الحنفية: أنه يقرأ في الركعة الثالثة مع الفاتحة سورة أو شيئاً من القرآن- وقد مر معنا دليل ذلك- ثم يقنت بعد القراءة في الثالثة وقبل الركوع حذاء أذنيه مكبراً ثم يعيد يديه كما كانتا ويدعو، والمستحب أن يدعو بالدعاء المأثور وهو: (اللهم إنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك ونتوب إليك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونثني عليك الخير كله، نشكرك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك، اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك الجد بالكفار ملحق). وبعد دعاء القنوت يكبر للركوع ويتم صلاته بلا فارق بين أفعالها وأفعال الركعة الثالثة في المغرب، وهذه معاني بعض مفردات الدعاء: "نخلع": نلقي ونترك، و"نحفد": أي نبادر ونسرع في تحصيل عبادتك بنشاط، كالمشي إلى المسجد، و"الجد": الحق، أي ضد الهزل، و"ملحق": أي لاحق بهم، بكسر الحاء وفتحها والكسر أفصح. وقد مر معنا الكلام عن القنوت من قبل فليراجع، وهذه الصيغة لصلاة الوتر هي الصيغة المعتمدة عند الحنفية لصلاة الوتر. - صلاة الوتر على الراحلة: 1938 - * روى ابن خزيمة عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح على الراحلة قبل أي وجه توجه ويوتر عليها غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة.

_ 1937 - الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 326). مجمع الزوائد (2/ 242) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح. 1938 - ابن خزيمة (2/ 147، 148) 445 - باب الرخصة في الوتر راكباً في السفر، وهو صحيح.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد - القنوت في الوتر عند أبي حنيفة واجب كالوتر وهو سنة عند الصاحبين، وتكبيرة القنوت عند أبي حنيفة واجبة وكذا شيء من الدعاء ولو قل، أما رفع اليدين إلى حذو المنكبين أو إلى حذاء الأذنين أثناء تكبيرة القنوت والدعاء بالمأثور، ووضع اليد اليمنى على اليسرى أثناء الدعاء كل ذلك من السنن عند أبي حنيفة. - اتفق الحنفية والحنابلة على مشروعية القنوت في الوتر وحده في الأحوال العادية إلا أن الحنابلة يقنتون بعد الركوع والحنفية يقنتون قبل الركوع. واتفق الحنفية والمالكية على أن الصيغة المفضلة في دعاء القنوت وإن اختلفوا في مكانه هي الصيغة المأثورة عن عمر وابنه وقد ذكرت صيغته في مراسيل أبي داود كما في نصب الراية: (اللهم إنا نستعينك ..) وإذا أضاف إليه الدعاء المأثور الذي رواه الحسن بن علي: (اللهم اهدني فيمن هديت) فذلك أفضل. - من لم يحفظ الدعاء المأثور في القنوت فإنه يدعو بمثل: (رب اغفر لي) ثلاث مرات أو (يا رب) ثلاث مرات أو (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) فذلك يجزئه عند الحنفية عن دعاء القنوت المأثور. - ويصلي الوتر جماعة في رمضان كله عند الحنفية وهو أفضل من صلاته في بيته أو تأخيره إلى آخر الليل على ما رجحه قاضيخان وفقهاء الحنفية. قال في "مراقي الفلاح" من كتب الحنفية بمناسبة الكلام عن استحباب صلاة الوتر في جماعة في رمضان ما يلي: (ويوتر بجماعة) استحباباً (في رمضان فقط) عليه إجماع المسلمين لأنه نفل من وجه والجماعة في النفل في غير التراويح مكروهة فالاحتياط تركها في الوتر خارج رمضان وعن شمس الأئمة: أن هذا فيما كان على سبيل التداعي أما لو اقتدى واحد بواحد أو اثنان بواحد لا يكره وإذا اقتدى ثلاثة بواحد اختلف فيه وإذا اقتدى أربعة بواحد كره اتفاقاً.

الفقرة الرابعة في: الضحى

الفقرة الرابعة في: الضحى 1939 - * روى مسلم عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى". وفي رواية أبي داود (1)، قال: "يصبح على كل سلامى من بني آدم صدقة تسليمه على من لقي صدقة، وأمره بالمعروف صدقة، ونهيه عن المنكر صدقة، وإماطة الأذى عن الطريق صدقة، وبضعة أهله صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان من الضحى" زاد في رواية (2) "قالوا" يا رسول الله أحدنا يقضي شهوته، فتكون له صدقة؟ قال: أرأيت لو وضعها في غير حلها، ألم يكن يأثم؟ ". وفي أخرى (3) قال: "يصبح على كل سلامى في كل يوم صدقة، فله بكل صلاة صدقة، وصيام صدقة، وتسبيح صدقة، وتكبير صدقة، وتحميد صدقة، فعد النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الأعمال الصالحة، ثم قال: يجزئ أحدكم من ذلك كله ركعتا الضحى". 1940 - * روى أحمد عن بريدة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "في الإنسان ثلاثمائة وستون مفصلاً، فعليه أن يتصدق عن كل مفصل منه

_ 1939 - مسلم (1/ 499) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 13 - باب استحباب صلاة الضحى. (1) أبو داود، (2/ 26، 27) كتاب الصلاة، 12 - باب صلاة الضحى. (2) أبو داود، نفس الموضع السابق. (3) أبو داود، نفس الموضع السابق. (سلامى) السلامى: واحدة من السلاميات، وهي مفاصل الأصابع والمراد بها ما يعتبر عضواً أو جزءاً رئيسياً من عضو. (الأذى): كل شيء يؤذي الناس في طرقهم. (إماطة) و"الإماطة" الإزالة، وتنحيته من الطريق. (بضعة) البضع: النكاح، وقيل: هو الفرج، فكنى به عن النكاح. 1940 - أحمد (5/ 254، 359). أبو داود (4/ 361، 362) كتاب الأدب، باب في إماطة الأذى عن الطريق، وإسناده صحيح.

بصدقة"، قالوا: ومن يطيق ذلك يا نبي الله؟ قال: "النخامة في المسجد تدفنها، والشيء تنحيه عن الطريق، فإن لم تجد، فركعتا الضحى تجزئك". 1941 - * روى أبو يعلى عن أبي هريرة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثاً فأعظموا الغنيمة وأسرعوا الكرة فقال رجل: يا رسول الله ما رأينا بعثاً قط أسرع كرَّة ولا أعظم غنيمة من هذا البعث، فقال: "ألا أخبركم بأسرع كرة منه وأعظم غنيمة، رجل توضأ فأحسن الوضوء ثم عمد إلى المسجد فصلى فيه الغداة ثم عقب بصلاة الضحوة فقد أسرع وأعظم الغنيمة". 1942 - * روى أحمد عن سعيد بن نافع قال رآني أبو بشير الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أصلي صلاة الضحى حين طلعت الشمس فعاب علي ونهاني وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تصل حتى ترتفع الشمس فإنها تطلع في قرني الشيطان. أقول: يبدأ جواز الصلاة بعد ارتفاع الشمس مقدار رمح أو رمحين فيما يراه الناظر ويقدر ذلك بحوالي عشرين دقيقة، والأحوط أن يصلي بعد نصف ساعة من طلوع الشمس. 1943 - * روى مسلم عن زيد بن أرقم رضي الله عنه أنه "رأى قوماً يصلون من الضحى، فقال: لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الأوابين حين ترمض الفصال". وفي رواية (1): "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أهل قباء وهم يصلون، فقال: "صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال".

_ 1941 - مجمع الزوائد (2/ 235) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح. 1942 - مجمع الزوائد (2/ 226) وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الأوسط إلا أن أبا يعلى قال رآني أبو هريرة، ورجال أحمد ثقات. 1943 - مسلم (1/ 516) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 19 - باب صلاة الأوابين. (1) مسلم، نفس الموضع السابق. (الأوابين): جمع أواب، وهو الكثير الرجوع إلى الله بالتوبة، وقيل: هو المطيع. وقيل: المسبح. ومعنى=

أقول: يبدأ وقت الضحى منذ ارتفاع الشمس مقدار رمح أو رمحين وينتهي إلى ما قبيل الزوال والوقت الأفضل لأدائها يكون حين ارتفاع الشمس وظهور تأثير حرارتها. 1944 - * روى أحمد عن أبي ذر وأبي الدرداء رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله تبارك وتعالى أنه قال: "ابن آدم اركع لي أربع ركعات من أول النهار، أكفك آخره". 1945 - * روى ابن خزيمة عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحافظ على صلاة الضحى إلا أواب". قال: "وهي صلاة الأوابين". 1946 - * روى الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى الفجر في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة" قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تامة تامة تامة". 1947 - * روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قال عبد الله بن شقيق: قلت لعائشة: "هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قالت: لا، إلا أن يجيء من مغيبه". وفي رواية (1) مثله، وزاد: "قلت: هل كان يقرن بين السورتين؟ قالت: من المفصل؟ ". وأخرج النسائي (2) الأولى، وزاد "قال: قلت: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهراً

_ = قوله: "حين ترمض الفصال" يريد: ارتفاع الشمس، ورمض الفصال: أن تحمى الرمضاء- وهو الرمل- بحر الشمس، فتبرك الفصال- وهي أولاد الإبل، جمع فصيل- من شدة حرها وإحراقها أخفافها. 1944 - أحمد (6/ 451). الترمذي (2/ 340) أبواب الصلاة، 346 - باب ما جاء في صلاة الضحى، وهو حديث حسن. 1945 - ابن خزيمة (2/ 228) 530 - باب في فضل صلاة الضحى إذ هي صلاة الأوابين، وإسناده حسن. 1946 - الترمذي (2/ 481) أبواب الصلاة، 412 - ذكر ما يستحب من الجلوس في المسجد، بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، وهو حسن بشواهده. 1947 - مسلم (1/ 496) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 13 - باب استحباب صلاة الضحى ... إلخ. (1) أبو داود (2/ 28) كتاب الصلاة، 12 - باب صلاة الضحى. (2) النسائي (4/ 152) كتاب الصيام، 35 - ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر عائشة فيه.

-كله؟ قالت: ما علمته صام شهراً كله، ولا أفطره حتى يصوم منه، حتى مضى لسبيله". وفي أخرى (1) قلت: "والله إن صام شهراً معلوماً سوى رمضان، حتى مضى لوجهه، ولا أفطره حتى يصوم منه". وفي رواية أخرجها البخاري (2) ومسلم (3) والموطأ (4) وأبو داود (5)، قالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به، خشية أن يعمل به الناس، فيفرض عليهم، وما سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى قط وإني لأسبحها". قال ابن خزيمة في حديث عائشة رضي الله عنها هذا: هذه اللفظة من الجنس الذي أعلمت أنها تكلمت بها على المسامحة والمساهلة، وإنما معناها ما قالوا في خبر خالد الحذاء: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي والدليل على صحة ما تأولت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلى صلاة الضحى في غير اليوم الذي كان يقدم فيه من الغيبة. 1948 - * روى الشيخان عن عبد الرحمن بن أبي ليلى رحمه الله قال: "ما حدثنا أحد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى، غير أم هانئ، فإنها قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة، فاغتسل وصلى ثماني ركعات، فلم أر صلاة قط أخف منها، غير أنه يتم الركوع والسجود". ولمسلم (7) في رواية عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي، قال: "سألت وحرصت

_ (1) النسائي نفس الموضع السابق. (2) البخاري (3/ 10) 19 - كتاب التهجد، 5 - باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الليل .... إلخ. (3) مسلم (1/ 496) 6 - كتاب صلاة المسافرين، 13 - باب استحباب صلاة الضحى ... إلخ. (4) الموطأ (1/ 152، 153) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 8 - باب صلاة الضحى. (5) أبو داود (2/ 28) كتاب الصلاة، 12 - باب صلاة الضحى. ابن خزيمة (2/ 231) جماع أبواب التطوع 5 - باب صلاة الضحى عند القدوم من السفر. 1948 - البخاري (3/ 51) 19 - كتاب التهجد، 31 - باب صلاة الضحى في السفر. مسلم (1/ 497) 6 - كتاب صلاة المسافرين، 13 - باب استحباب صلاة الضحى ... إلخ. ابن خزيمة (2/ 234) جماع أبواب التطوع، باب صلاة الضحى في السفر ... إلخ. (6) مسلم نفس الموضع السابق.

على أن أجد أحداً من الناس يخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبح سبحة الضحى، فلم أجد أحداً يحدثني ذلك، غير أم هانئ بنت أبي طالب أخبرتني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بعدما ارتفع النهار يوم الفتح، فأتي بثوب فستر عليه، فاغتسل، ثم قام فركع ثماني ركعات، لا أدري: أقيامه فيها أطول، أم ركوعه، أم سجوده؟ كل ذلك منه متقارب، قالت: فلم أره سبحها قبل ولا بعد. ولمسلم (1) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في بيتها عام الفتح ثماني ركعات في ثوب واحد قد خالف بين طرفيه". وفي رواية النسائي (2) "أنها دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وهو يغتسل، قد سترته فاطمة بثوب دونه في قصعة فيها أثر العجين، قالت: فصلى الضحى، فما أدري: كم صلى حين قضى غسله؟ ". وفي أخرى (3): "أنها ذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح، فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره بثوب، فسلمت، فقال: من هذا قلت: أم هانئ، فلما فرغ من غسله قام فصلى ثماني ركعات ملتحفاً في ثوب واحد". وأخرج الموطأ (4) رواية مسلم الآخرة إلى قوله: "في ثوب واحد". ولأبي داود (5) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح صلى سبحة الضحى ثماني ركعات يسلم من كل ركعتين". 1949 - * روى مالك عن عائشة رضي الله عنها "كانت تصلي الضحى ثماني ركعات،

_ (1) مسلم نفس الموضع السابق. (2) النسائي (1/ 202) 4 - كتاب الغسل والتيمم 11 - باب الاغتسال في قصعة فيها أثر العجين. (3) النسائي (1/ 126) 1 - كتاب الطهارة، 143 - باب ذكر الاستتار عند الاغتسال. (4) الموطأ (1/ 152) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، باب صلاة الضحى. (5) أبو داود (2/ 28) كتاب الصلاة، 12 - باب صلاة الضحى. 1949 - الموطأ (1/ 153) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 8 - باب صلاة الضحى، وإسناده صحيح.=

ثم تقول: لو نشر لي أبواي ما تركتهما". أقول: بعض الصحابة علم بندب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صلاة الضحى وأنه لم يصلها، وكان هؤلاء يصلونها، وبعض الصحابة لم يعلم بالندب القولي ولا الفعلي كابن عمر ومع ذلك أثنى على من يصليها وأثنى على فعلها، والأول يدل على أن الندب القولي كاف للفعل ولو لم يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسري ذلك على ما ورد من ندب قولي إلا الاجتماع على الذكر كالتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد الوارد في الحديث المتفق عليه ولو لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدل الثاني على أن الصحابة لم يكونوا يعتبرون أن الفعل التعبدي إذا دخل في دائرة المطلوبات العامة لا يعتبر بدعة وإن لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم. 1950 - * روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت معاذة: إنها سألت عائشة رضي الله عنها: كم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قالت: أربع ركعات، ويزيد ما شاء الله". أقول: الجمع بين هذا النص وبين النص الذي تحدثت فيه عائشة رضي الله عنها أنها ما رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الضحى إلا إذا قدم من سفر، يكون بأحد وجهين: إما أنها ها هنا تخبر عن صلاة الضحى إذا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفره، أو أنها نفت صلاته الضحى عليه الصلاة والسلام على وجه المسامحة والمساهلة كما قال ابن خزيمة، والوجه الأول أقوى في التوفيق. 1951 - * روى مسلم عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث

_ = (نُشر) أنشر الله الميت ونشره: إذا أحياه، ونشر الميت: إذا عاش. 1950 - مسلم (1/ 497) 6 - كتاب صلاة المسافرين، 13 - باب استحباب صلاة الضحى ... إلخ. 1951 - مسلم (1/ 499) 6 - كتاب صلاة المسافرين، وقصرها، 13 - باب استحباب صلاة الضحى ... إلخ. أبو داود (2/ 66) كتاب الصلاة، 7 - باب في الوتر قبل النوم، وقد رواه بهذا النص "أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث لا أدعهن لشيء: أوصاني بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، ولا أنام إلا على وتر، وبسبحة الضحى في الحضر والسفر".=

أن لا أدعهن ما عشت: بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، وأن لا أنام إلا على وتر". 1952 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أرقد". وفي رواية الترمذي (1) والنسائي (2) قال: "عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة: أن لا أنام إلا على وتر، وصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أصلي الضحى". 1953 - * روى ابن خزيمة عن أنس بن مالك، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر صلى سبحة الضحى ثماني ركعات، فلما انصرف قال: "إني صليت صلاة رغبة ورهبة، فسالت ربي ثلاثاً فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، سألته أن لا يقتل أمتي بالسنين ففعل، وسألته أن لا يظهر عليهم عدوهم ففعل، وسألته أن لا يلبسهم شيعاً فأبى علي". قال أحمد بن عبد الرحمن: أن لا يبتلي أمتي بالسنين. أقول: المراد بالحديث ألا يستأصل الله عز وجل هذه الأمة بالجوع وألا يظهر عليها جميعاً عدوها، وليس المراد بالحديث ألا يظهر العدو على بعض منها أو أن يبتلي قطراً من أقطارها بالجوع فقد حدثت مجاعة في عهد عمر عام الرمادة، لكن كانت هناك أقطار إسلامية في عافية، وقد انتصر أعداء الإسلام على بعض المسلمين في معارك كثيرة ولكن لم يحدث قط أن تمت السيطرة من قبل الكافرين على شعوب الأمة الإسلامية، فالزحف المغولي والتتري

_ = النسائي أورده نحو هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه (3/ 229) كتاب قيام الليل، 28 - باب الحث على الوتر قبل النوم. 1952 - البخاري (4/ 226) 30 - كتاب الصوم، 60 - باب صيام البيض ثلاثة عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة. مسلم (1/ 499) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 13 - باب استحباب صلاة الضحى ... إلخ. أبو داود (2/ 66) كتاب الصلاة، 7 - باب في الوتر قبل النوم. (1) الترمذي (3/ 134) 6 - كتاب الصوم، 54 - باب ما جاء في صوم ثلاثة أيام من كل شهر. (2) النسائي (4/ 204) 22 - كتاب الصيام، 70 - صوم النبي صلى الله عليه وسلم ... إلخ وقد جاء بألفاظ مختلفة. 1953 - ابن خزيمة (2/ 230) جماع أبواب القطوع غير ما تقدم، باب استحباب مسألة الله عز وجل في صلاة الضحى. الحاكم (1/ 314) وصححه ووافقه الذهبي.

انتهى من بلاد الشام وبقيت مصر وما وراءها في عافية منه، والغزو الصليبي القديم لم يصل إلا إلى أجزاء قليلة من أرض الإسلام، والغزو الاستعماري الحديث لم يشمل كل بلاد الإسلام فقد بقيت اليمن الشمالية ونجد الحجاز مثلاً بمنأى عن الاحتلال الكافر لها. 1954 - * روى ابن خزيمة عن عتبان بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في بيته سبحة الضحى فقاموا وراءه فصلوا في بيته". أقول: على أن ما سوى السنن الرواتب يمكن أن يصلي جماعة على ألا يكثر الجمع، وألا يكون في مكان مشتهر وعلى ألا يدعى إليها، وهذا مذهب المالكية، وسترى مذهب الحنفية في هذا الموضوع. 1955 - * روى أحمد عن أبي هريرة قال: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الضحى إلا مرة". 1956 - * روى الترمذي عن عاصم بن ضمرة رحمه الله قال: "سألنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من النهار؟ فقال: إنكم لا تطيقون ذلك، فقلنا: من أطاق ذلك منا، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانت الشمس من ها هنا كهيئتها من ها هنا عند العصر صلى ركعتين، وإذا كانت الشمس من ها هنا كهيئتها من ها هنا عند الظهر صلى أربعاً، وصلى أربعاً قبل الظهر، وبعدها ركعتين، وقبل العصر أربعاً يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين والنبيين والمرسلين، ومن تبعهم من المؤمنين والمسلمين".

_ 1954 - ابن خزيمة (2/ 232، 233) جماع أبواب التطوع، باب صلاة الضحى عند القدوم من السفر، وإسناده صحيح، وقال: في بيته يعني بيت عتبان بن مالك. 1955 - أحمد (2/ 446). كشف الأستار (1/ 335) كتاب الصلاة، أبواب صلاة التطوع، باب منه، ورجاله ثقات إلا أنه قال: لم يصل الضحى إلا مرة. 1956 - الترمذي (2/ 493، 494) أبواب السفر، 419 - باب كيف كان تطوع النبي صلى الله عليه وسلم. النسائي (2/ 119، 120) 10 - كتاب الإمامة، 65 - باب الصلاة قبل العصر ... إلخ.

وللنسائي (1): قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حين تزيغ الشمس ركعتين، وقبل نصف النهار أربع ركعات، ويجعل التسليم في آخره". أقول: دلت الرواية الأولى على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في وقت الضحى ست ركعات: ركعتين متقدمتين، ثم بعد زمن يصلي أربعاً قبل الزوال، ثم يصلي أربعاً قبل الظهر وركعتين بعد الظهر، وأربعاً بعد العصر وهذا يشير إلى أن أمر الصلاة النافلة منذ ارتفاع الشمس إلى ما قبل الزوال واسع. 1957 - * روى البخاري عن نافع- مولى ابن عمر "أن ابن عمر كان لا يصلي من الضحى إلا في يومين: يوم يقدم مكة، فإنه كان يقدمها ضحى، فيطوف بالبيت، فيصلي ركعتين خلف المقام، ويوم يأتي مسجد قباء، فإنه كان يأتيه كل سبت، وإذا دخل المسجد كره أن يخرج منه حتى يصلي فيه، قال: وكان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يزوره راكباً وماشياً، قال: وكان يقول لنا: إنما أصنع كما رأيت أصحابي يصنعون، ولا أمنع أحداً يصلي في أي ساعة من ليل أو نهار، غير أن لا تتحروا طلوع الشمس ولا غروبها". أقول: كلام ابن عمر يدل على أنه يرى جواز النفل المطلق في غير أوقات الكراهة وهو الذي عليه المذاهب الأربعة وأدلته كثيرة، مرت معنا في سياقات متعددة وسنخص النفل المطلق بفقرة نذكر فيها بعض أدلته.

_ (1) النسائي نفس الموضع السابق ص 102، وإسناده صحيح. 1957 - البخاري (3/ 68) 20 - كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، 2 - باب مسجد قباء.

الفقرة الخامسة: في قيام الليل.

الفقرة الخامسة: في قيام الليل. - فضل قيام الليل والترغيب فيه: 1958 - * روى الترمذي عن بلال، وأبي أمامة، رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عليكم بقيام الليل، فإنه من دأب الصالحين قبلكم، وإن قيام الليل قربة إلى الله، ومنهاة عن الآثام، وتكفير للسيئات، ومطردة للداء عن الجسد". 1959 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من قام بعشر آيات، لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية، كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين". 1960 - * روى أبو داود عن عبد الله بن حبشي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "سئل: أي الأعمال أفضل؟ قال: طول القيام". 1961 - * روى أحمد عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة غرفاً يرى ظهورها من بطونها، وبطونها من ظهورها، فقام أعرابي

_ 1958 - الترمذي (5/ 552، 553) 49 - كتاب الدعوات، 102 - باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم. ابن خزيمة (2/ 176، 177) جماع أبواب التطوع بالليل، باب التحريض على قيام الليل ... إلخ وهو حديث حسن لغيره. (دأب) الدأب: العادة والشأن، وقد يحرك. (منهاة ومطردة) المنهاة والمطردة: الخصلة والحالة التي من شأنها أن تنهى عن الشيء وتطرده. 1959 - أبو داود (2/ 69) كتاب الصلاة، 12 - باب قيام الليل، وهو حديث صحيح. ابن خزيمة (2/ 181) جماع أبواب صلاة التطوع بالليل، باب فضل قراءة ألف ليلة إن صح الخبر ... إلخ. (القانتين) القانت: الطائع، والعابد المخلص. (المقنطرين) المقنطر: الذي قد أعطى قنطاراً من الأجر، وقد جاء في بعض الحديث "أن القنطار ألف ومائة أوقية، والأوقية خير مما بين السماء والأرض". 1960 - أبو داود (2/ 57) كتاب الصلاة، باب تحزيب القرآن، وهو حديث صحيح. 1961 - أحمد (5/ 343). الترمذي (4/ 354) 28 - كتاب البر والصلة 53 - باب ما جاء في قول المعروف.

فقال: لمن هي يا رسول الله؟ قال: لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام". 1962 - * روى الطبراني في الكبير عن يزيد بن الأخنس وكانت له صحبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تنافس بينكم إلا في اثنتين: رجل أعطاه الله قرآناً فهو يقوم به آناء الليل والنهار ويتبع ما فيه فيقول رجل: لو أن الله أعطاني ما أعطى فلاناً فأقوم به كما يقوم به. ورجل أعطاه الله مالاً فهو ينفق ويتصدق فيقول رجل مثل تلك". 1963 - * روى الشيخان عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: "قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه، فقيل له: قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً؟ ". وفي رواية (3) "إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليقوم- أو ليصلي- حتى ترم قدماه- أو ساقاه- فيقال له، فيقول: أفلا أكون عبداً شكوراً؟ ". وفي أخرى (4) "حتى ترم أو تنتفخ". وفي أخرى (5) "أنه صلى حتى انتفخت قدماه، فقيل له: أتكلف هذا، وقد غفر لك؟ فقال ... وذكره". 1964 - * روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى

_ 1962 - الطبراني في "المعجم الكبير" (22/ 239). مجمع الزوائد (3/ 108) قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات وفيه سليمان بن موسى وفيه كلام وقد وثقه جماعة. 1963 - البخاري (8/ 584) 65 - كتاب التفسير، 485 سورة الفتح، 2 - باب ليغفر لك الله ... إلخ. مسلم (4/ 2172) 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، 18 - باب إكثار الأعمال ... إلخ. (1) البخاري (3/ 14) 19 - كتاب التهجد، 6 - باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم الليل. (2) البخاري (11/ 303) 81 - كتاب الرقاق، 20 - باب الصبر عن محارم الله ... إلخ. (3) مسلم (4/ 2171) 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، 18 - باب إكثار الأعمال ... إلخ. 1964 - البخاري (8/ 584) 65 - كتاب التفسير، 485 سورة الفتح، 2 - باب ليغفر لك الله ... إلخ.=

تفطرت قدماه"، وفي أخرى (1): "كان يقوم من الليل حتى تنفطر قدماه، فقلت له: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غُفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: "أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً؟ " قالت: فلما بدَّن وكثر لحمه صلى جالساً، فإذا أراد أن يركع قام فقرأ، ثم ركع". 1965 - * روى مسلم عن حفصة، قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في سبحته جالساً، حتى إذا كان قبل موته بعام فكان يصلي في سبحته جالساً، فيقرأ السورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها. 1966 - * روى ابن خزيمة عن عبد الله بن شقيق عن عائشة: أنه سألها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً. فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ليلاً طويلاً قائماً، فإذا صلى قاعداً ركع قاعداً، وإذا صلى قائماً ركع قائماً. فقال أبو خالد: فحدثت بن هشام بن عروة، فقال: كذب حميد وكذب عبد الله ابن شقيق، حدثني أبي عن عائشة، قالت: ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعداً قط حتى دخل في السن فكان يقرأ السور فإذا بقي منها آيات قام فقرأهن ثم ركع، هكذا قال أبو بكر: السور. قال أبو بكر- هو ابن خزيمة-: قد أنكر هشام بن عروة خبر عبد الله بن شقيق إذ ظاهره كان عنده خلاف خبره عن أبيه عن عائشة وهو عندي غير مخالف لخبره. لأن في رواية خالد عن عبد الله بن شقيق عن عائشة: فإذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم، وإذا قرأ وهو قاعد ركع وسجد وهو قاعد، فعلى هذه اللفظة هذا الخبر

_ (1) البخاري، نفس الموضع السابق. (تفطرت) التفطر: التشقق. (بدن) بدن، بالتخفيف: إذا سمن، وبالتشديد: إذا كبر. 1965 - مسلم (1/ 507) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 16 - باب جواز النافلة قائماً وقاعداً ... إلخ. ابن خزيمة (2/ 238) جماع أبواب صلاة التطوع قاعداً، باب الترتل في القراءة إذا صلى المرء ناسياً جالساً وقال ابن خزيمة لم يقل ابن هاشم في سبحته. 1966 - ابن خزيمة (2/ 239، 240) جماع أبواب صلاة التطوع قاعداً، باب ذكر خبر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة صلاته جالساً.

ليس بخلاف خبر عروة وعمرة عن عائشة، لأن هذه اللفظة التي ذكرها خالد دالة على أنه كان إذا كان جميع القراءة قاعداً ركع قاعداً، وإذا كان جميع القراءة قائماً ركع قائماً، ولم يذكر عبد الله بن شقيق صفة صلاته إذا كان بعض القراءة قائماً وبعضها قاعداً، وإنما ذكره عروة وأبو سلمة وعمرة عن عائشة إذا كانت القراءة في الحالتين جميعاً بعضها قائماً وبعضها قاعداً فذكر أنه كان يركع وهو قائم، إذا كانت قراءته في الحالتين كلتيها. ولم يذكر عروة ولا أبو سلمة ولا عمرة: كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح هذه الصلاة التي يقرأ فيها قائماً وقاعداً ويركع قائماً. وذكر ابن سيرين عن عبد الله ابن شقيق عن عائشة ما دل على أنه كان يفتتحها قائماً. 1967 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى، وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء، رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء". 1968 - * روى أبو داود عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا- أو صلى- ركعتين جميعاً، كتبا في الذاكرين والذاكرات". قال أبو داود: رواه ابن كثير موقوفاً على أبي سعيد، ولم يذكر أبا هريرة. وفي رواية (1) أخرى "كتبا من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات". 1969 - * روى مالك عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن أباه عمر بن الخطاب "كان يصلي من الليل ما شاء الله، حتى إذا كان من آخر الليل أيقظ أهله

_ 1967 - أبو داود (2/ 33) كتاب الصلاة، باب قيام الليل. النسائي (3/ 205) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 5 - باب الترغيب في قيام الليل. (نضح) الماء في وجهه: إذا رشه عليه. 1968 - أبو داود نفس الموضع السابق. (1) ابن ماجه (1/ 424) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 175 - باب ما جاء فيمن أيقظ أهله، وإسناده صحيح. 1969 - الموطأ (1/ 119) 7 - كتاب صلاة الليل، 1 - باب ما جاء في صلاة الليل.

للصلاة، يقول لهم: الصلاة، الصلاة، ثم يتلو هذه الآية: (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها، لا نسألك رزقاً، نحن نرزقك، والعاقبة للتقوى) (1). 1970 - * روى أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على كل عقدة مكانها: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقده كلها، فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان". 1971 - * روى الشيخان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل: فقيل: ما زال نائماً حتى أصبح، ما قام إلى الصلاة، فقال: ذاك رجل بال الشيطان في أذنه- أو قال: في أذنيه". قال النووي في "شرح مسلم": اختلفوا في معناه، فقال ابن قتيبة: معناه: أفسده، يقال: بال في كذا: إذا أفسده، وقال المهلب والطحاوي وآخرون: هو استعارة وإشارة إلى انقياده للشيطان، وتحكمه فيه، وعقده على قافية رأسه "عليك ليل طويل" وإذلاله له وقيل معناه: استخف به واحتقره واستعلى عليه، يقال لمن استخف بإنسان وخدعه: بال في أذنه، وأصل ذلك في دابة تفعل ذلك بالأسد إذلالاً

_ (1) طه: 132. 1970 - أحمد (2/ 243). البخاري (3/ 24) 19 - كتب التهجد، 12 - باب عقد الشيطان على قافية الرأس إذا لم يصل بالليل. مسلم (1/ 538) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 28 - باب ما روي فيمن نام الليل أجمع حتى أصبح. أبو داود (2/ 32) كتاب الصلاة، أبواب قيام الليل، باب قيام الليل. النسائي (3/ 203، 204) 20 - باب قيام الليل، 5 - باب الترغيب في قيام الليل. ابن ماجه (1/ 421، 422) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 174 - باب ما جاء في قيام الليل. (قافية) الرأس: مؤخره، ومنه سميت قافية الشعر، وقيل: قافيته: وسطه، والمراد: يعقد على رأس أحدكم، فكنى بالبعض عن الكل. 1971 - البخاري (3/ 38) 19 - كتاب التهجد، 13 - باب إذا نام ولم يصل بال الشيطان في أذنه. مسلم (1/ 357) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 28 - باب ما روي فيمن نام الليل. النسائي (3/ 204) 20 - كتاب قيام الليل، 5 - باب الترغيب في قيام الليل.

- من غلب عن صلاة الليل

له، وقال الحربي: معناه: ظهر عليه وسخر منه، وقال القاضي عياض: ولا يبعد أن يكون على ظاهره، قال: وخص الأذن لأنها حاسة الانتباه. - من غلب عن صلاة الليل: 1972 - * روى مالك عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من امرئ تكون له صلاة بليل، فيغلبه عليها نوم إلا كتب له أجر صلاته، وكان نومه عليه صدقة". 1973 - * روى النسائي عن أبي الدرداء رضي الله عنه يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم يصلي من الليل، فغلبته عينه حتى أصبح، كتب له ما نوى، وكان نومه صدقة عليه من ربه" وفي رواية (3) عن أبي الدرداء وأبي ذر، موقوف. - من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في قيام الليل. 1974 - * روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: "إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليوقظه الله من الليل، فما يجيء السحر حتى يفرغ من حزبه" وفي رواية "من جزئه". 1975 - * روى الشيخان عن مسروق قال: "سألت عائشة رضي الله عنها: أي

_ 1972 - الموطأ (1/ 117) 7 - كتاب صلاة الليل، 1 - باب ما جاء في صلاة الليل. أبو داود (2/ 34) كتاب الصلاة، باب من نوى القيام فنام. النسائي (3/ 257) 20 - كتاب قيام الليل، 61 - باب من كان له صلاة بالليل فغلبه عليها النوم. ابن خزيمة (2/ 197) جماع أبواب صلاة التطوع بالليل، باب ذكر الناوي قيام الليل فيغلبه النوم ... إلخ. 1973 - النسائي (3/ 258) 20 - كتاب قيام الليل، 63 - باب من أتى فراشه وهو ينوي القيام فنام. (1) النسائي نفس الموضع السابق، وهو حديث صحيح. 1974 - أبو داود (2/ 35) كتاب الصلاة، باب وقت قيام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل. 1975 - البخاري (3/ 16) 19 - كتاب التهجد، 7 - باب من نام عند السحر. مسلم (1/ 511) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 17 - باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم ... إلخ. أبو داود (2/ 35) كتاب الصلاة، باب وقت قيام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل. النسائي (3/ 208) 20 - كتاب قيام الليل، 8 - باب وقت القيام.

العمل كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: الدائم قلت: فأي حين كان يقوم من الليل؟ قالت: كان يقوم من الليل إذا سمع الصارخ". 1976 - * روى النسائي عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "ما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان أكثر صلاته جالساً، إلا المكتوبة- وفي رواية (2): إلا الفريضة- وكان أحب العمل إليه أدومه وإن قل". 1977 - * روى الشيخان عن الأسود بن يزيد قال: "سألت عائشة رضي الله عنها: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل؟ قالت: كان ينام أوله، ويقوم آخره فيصلي، ثم يرجع إلى فراشه، فإذا أذن المؤذن وثب، فإن كان به حاجة اغتسل، وإلا توضأ وخرج". وفي رواية (4) أبي سلمة [عن عائشة] قالت: "ما ألفاه السحر عندي إلا نائماً، تعني النبي صلى الله عليه وسلم". وفي أخرى (5) قالت: "ما ألفى رسول الله صلى الله عليه وسلم السحر الأعلى في بيتي- أو عندي- إلا نائماً". 1978 - * روى النسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "ما كنا نشاء أن نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل مصلياً إلا رأيناه، ولا نشاء أن نراه نائماً إلا رأيناه".

_ = (الصارخ)، الديك، وصراخه: صوته. 1976 - النسائي (3/ 222) 20 - كتاب صلاة القيام، 19 - باب صلاة القاعد في النافلة ... إلخ. (1) النسائي نفس الموضع السابق، وهو حديث صحيح. 1977 - البخاري (3/ 32) 19 - كتاب التهجد، 15 - باب من نام أول الليل وأحيا آخره. مسلم (1/ 510) 6 - كتاب صلاة المسافرين، وقصرها، 17 - باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل. (2) مسلم (1/ 511) في نفس الموضع السابق. (3) مسلم (1/ 511) نفس الموضع السابق. (ما ألفاه): ما وجده. (السحر الأعلى): هو من آخر الليل، ما قبيل الصبح. 1978 - النسائي (3/ 213) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 13 - باب ذكر صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل وإسناده صحيح.

1979 - * روى الشيخان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة، فأطال حتى هممت بأمر سوء، قيل: وما هممت به؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه". 1980 - * روى مسلم عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: "صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى، فقلت: يصلي بها في الركعة، فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء، فقرأها، ثم افتتح آل عمران، فقرأها، يقرأ مترسلاً، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، ثم ركع، فجعل يقول: سبحان ربي العظيم، فكان ركوعه نحواً من قيامه، ثم قال: سمع الله لمن حمده"- زاد في رواية (3): ربنا لك الحمد- ثم قام قياماً طويلاً قريباً مما ركع، ثم سجد فقال: سبحان ربي الأعلى، فكان سجوده قريباً من قيامه". وزاد النسائي في رواية (4) أخرى "لا يمر بآية تخويف أو تعظيم لله عز وجل إلا ذكره". وفي رواية أبي داود (5) قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، فاستفتح يقول: الله أكبر- ثلاثاً- ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة، ثم استفتح فقرأ

_ 1979 - البخاري (3/ 19) 19 - كتاب التهجد، 9 - باب طول القيام في صلاة الليل. مسلم (1/ 537) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 27 - باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل. 1980 - مسلم (1/ 536، 537) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 27 - باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل. النسائي (3/ 225) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 25 - باب تسوية القيام والركوع. (1) مسلم (1/ 537) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 27 - باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل. (2) النسائي (3/ 226) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 25 - باب تسوية القيام والركوع. (3) أبو داود (1/ 231) كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده. (الترسل) في القراءة: إتباع بعضها ببعض من غير مد ولا إطالة. (الملكوت) من الملك: العز والغلبة، و"الجبروت": الكبر والسطوة والقدرة، وزيدت التاء فيهما كما زيدت في رهبوت ورحموت، من الرهبة والرحمة. (الكبرياء) الكبر والاعتلاء.

البقرة، ثم ركع، فكان ركوعه نحواً من قيامه، وكان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، ثم رفع رأسه من الركوع، فكان قيامه نحواً من ركوعه، يقول: لربي الحمد، ثم يسجد، فكان سجوده نحواً من قيامه، وكان يقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى، ثم رفع رأسه من السجود، وكان يقعد فيما بين السجدتين نحواً من سجوده، وكان يقول: رب اغفر لي، رب اغفر لي، فصلى أربع ركعات، فقرأ فيهن البقرة وآل عمران والنساء والمائدة- أو الأنعام- شك شعبة". 1981 - * روى أبو داود عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: "قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة، فقام فقرأ سورة البقرة، لا يمر بآية رحمة إلا وقف وسأل، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف وتعوذ، قال: ثم ركع بقدر قيامه، يقول في ركوعه: سبحان ذي الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة، ثم سجد بقدر قيامه، ثم قال في سجوده مثل ذلك، ثم قام فقرأ بآل عمران، ثم قرأ سورة سورة". 1982 - * روى مسلم عن زيد بن خالد رضي الله عنه قال: "قلت: لأرمقن الليلة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى ركعتين خفيفتين، ثم صلى ركعتين طويلتين. طويلتين. طويلتين. ثم صلى ركعتين، هما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين، وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين، وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين، وهما دون اللتين قبلهما، ثم أوتر، فذلك ثلاثة عشرة ركعة". 1983 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "بت عند خالتي ميمونة ليلة، فقام النبي صلى الله عليه ومن الليل، فتوضأ من شن معلق وضوءاً خفيفاً- يخففه عمرو [بن دينار] ويقلله- وقام يصلي قال: فقمت، فتوضأت نحواً

_ 1981 - أبو داود (1/ 231) كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده. النسائي (20/ 223) 12 - كتاب التطبيق، 73 - نوع آخر. وإسناده حسن. 1982 - مسلم (1/ 531، 532) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 26 - باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه. 1983 - البخاري (2/ 344) 10 - كتاب الأذان، 161 - باب وضوء الصبيان متى يجب عليهم الغسل ... إلخ. مسلم (1/ 527) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 26 - باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه.

مما توضأ، ثم جئت فقمت عن يساره- وربما قال سفيان: عن شماله- فحولني، فجعلني عن يمينه، ثم صلى ما شاء الله، ثم اضطجع فنام حتى نفخ، ثم أتاه المنادي فآذنه بالصلاة، فقام إلى الصلاة، فصلى الصبح، ولم يتوضأ". قال سفيان: وهذا للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، لأنه بلغنا "أن النبي صلى الله عليه وسلم تنام عيناه ولا ينام قلبه". وفي رواية (1) ابن المديني عن سفيان "قال: قلت لعمرو: إن ناساً يقولون: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تنام عيناه ولا ينام قلبه؟ فقال عمرو: سمعت عبيد بن عمير يقول: رؤيا الأنبياء وحي، ثم قرأ: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} (2). وفي رواية (3) قال: بت في بيت خالتي ميمونة، فتحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة، ثم رقد، فلما كان ثلث الليل الآخر قعد، فنظر إلى السماء فقال: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} (4). ثم قام فتوضأ واستن، فصلى إحدى عشرة ركعة، ثم أذن بلال، فصلى ركعتين، ثم خرج". وفي أخرى (5) قال: "رقدت في بيت ميمونة ليلة كان النبي صلى الله عليه وسلم عندها لأنظر: كيف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فتحدث النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة ... وذكر الحديث". وفي رواية (6): "أنه بات عند ميمونة أم المؤمنين، وهي خالته، قال: فقلت: لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطرحت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسادة، قال:

_ (1) البخاري (1/ 238، 239) 4 - كتاب الوضوء، 5 - باب التخفيف في الوضوء. (2) الصافات: 102. (3) البخاري (13/ 438) 97 - كتاب التوحيد، 27 - باب ما جاء في تخليق السموات والأرض وغيرها ... إلخ. (4) آل عمران: 190. (5) مسلم (1/ 530) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 26 - باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه. (6) البخاري (8/ 237) 65 - كتاب التفسير، 19 - باب ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته.

فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتصف الليل، أو قبله بقليل، أو بعده بقليل، ثم استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس يمسح النوم عن وجهه بيده، ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من سورة آل عمران، ثم قام إلى شن معلقة، فتوضأ منها، وأحسن وضوءه، ثم قام يصلي، قال عبد الله بن عباس: فقمت فصنعت مثل ما صنع، ثم ذهبت فقمت إلى جنبه، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده اليمنى على رأسي، وأخذ بأذني اليمنى ففتلها، فصلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر، ثم أضطجع حتى جاءه المؤذن، فقام فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج فصلى الصبح". وفي أخرى (1) قال: "بت عند ميمونة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عندها تلك الليلة، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قام فصلى، فقمت عن يساره فأخذني فجعلني عن يمينه، فصلى في تلك الليلة ثلاث عشرة ركعة، ثم نام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نفخ، وكان إذا نام نفخ، ثم أتاه المؤذن، فخرج فصلى ولم يتوضأ". وفي أخرى (2) قال "بت ليلة عند خالتي ميمونة بنت الحارث، فقلت لها: إذا قام النبي صلى الله عليه وسلم فأيقظني، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقمت إلى جنبه الأيسر، فأخذ بيدي فجعلني من شقه الأيمن، فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني، قال: فصلى إحدى عشرة ركعة، ثم احتبى، حتى إني لأسمع نفسه راقداً، فلما تبين له الفجر صلى ركعتين خفيفتين". وفي أخرى (3) قال: "بت عند ميمونة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فأتى حاجته، ثم غسل وجهه ويديه، ثم نام، ثم قام فأتى القربة، فأطلق شناقها، ثم توضأ وضوءاً بين الوضوءين لم يكثر، وقد ابلغ، ثم قام فصلى، فقمت كراهية أن يرى أني كنت أبقيه، فتوضأت، وقام يصلي، فقمت عن يساره فأخذ بيدي، فأدارني عن يمينه،

_ (1) مسلم (1/ 527) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 26 - باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه. (2) مسلم (1/ 528) نفس الموضع السابق. (3) البخاري (11/ 116) 80 - كتاب الدعوات، 10 - باب الدعاء إذا انتبه من الليل.

فتتامت صلاته ثلاث عشرة ركعة، ثم اضطجع فنام حتى نفخ، وكان إذا نام نفخ، فأتاه بلال فآذنه بالصلاة، فقام يصلي ولم يتوضأ، وكان في دعائه: "اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي بصري نوراً، وفي سمعي نوراًن وعن يميني نوراً، وعن يساري نوراً، وفوقي نوراً، وتحتي نوراً، وأمامي نوراً وخلفي نوراً، واجعل لي نوراً". قال كريب: وسبعاً في التابوت، فلقيت رجلاً من ولد العباس فحدثني بهن، فذكر: "عصبي، ولحمي، ودمي، وشعري، وبشري، وذكر خصلتين". وزاد في رواية (1) "وأعظم لي نوراً" بدل قوله: "واجعل لي نوراً" وفيه كراهية أن يرى أني كنت أنتبه له". وفي رواية (2) أخرى قال: "بت في بيت خالتي ميمونة "فبقيت- وفي رواية (3): فرقبت- كيف يصلي النبي صلى الله عليه وسلم؟ وذكر نحوه ... إلى أن قال: ثم نام حتى نفخ، وكنا نعرفه إذا نام بنفخه، ثم خرج إلى الصلاة فصلى، فجعل يقول في صلاته- أو في سجوده-: اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي بصري نوراً، وعن يميني نوراً، وعن شمالي نوراً، وخلفي نوراً، وفوقي نوراً وتحتي نوراً، واجعل لي نوراً- أو قال: اجعلني نوراً-" ولم يذكر "فلقيت بعض ولد العباس" وفي رواية (4) قال: "اجعلني نوراً" ولم يشك. وفي أخرى (5) "فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلتئذ بتسع عشرة كلمة، قال سلمة: حدثنيها كريب، فحفظت منها ثنتي عشرة، ونسيت ما بقي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اجعل لي في قلبي نوراً، وفي لساني نوراً، وفي سمعي نوراً، وفي بصري نوراً، ومن فوقي نوراً، ومن تحتي نوراً، وعن يميني نوراً، وعن

_ (1) مسلم (1/ 529) 6 - صلاة المسافرين وقصرها، 26 - باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه. (2) مسلم نفس الموضع السابق (1/ 528). (3) مسلم الموضع السابق. (4) مسلم الموضع السابق. (5) مسلم الموضع السابق.

شمالي نوراً، ومن بين يدي نوراً، ومن خلفي نوراً، واجعل لي في نفسي نوراً، وأعظم لي نوراً". وفي أخرى (1) "بت عند خالتي ميمونة ... فاقتص الحديث، ولم يذكر غسل الوجه والكفين، غير أنه قال: أتى القربة، فحل شناقها فتوضأ وضوءاً بين الوضوء، ثم أتى فراشه فنام، ثم قام قومة أخرى، فأتى القربة فحل شناقها، ثم توضأ وضوءاً هو الوضوء" وقال فيه: "أعظم لي نوراً" ولم يذكر "واجعلني نوراً". قوله: (وسبعاً في التابوت). قال النووي في "شرح مسلم": قال العلماء: معناه: وذكر في الدعاء سبعاً، أي سبع كلمات نسيتها، قالوا: والمراد بالتابوت: الأضلاع وما يحويه من القلب وغيره، تشبيهاً بالتابوت الذي هو كالصندوق يحرز فيه المتاع، أي: وسبعاً في قلبي، ولكن نسيتها. والقائل: "لقيت بعض ولد العباس". هو سلمة بن كهيل- يعني الراوي عن كريب مولى ابن عباس. أقول: رأينا تعليل سفيان لكون رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بعد ما نام دون أن يتوضأ، وهو أنه خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم، بأنه تنام عيناه ولا ينام قلبه ويمكن أن يعلل بأنه أوحي إليه بأنه لم ينتقض وضوؤه، لأن النوم نفسه ليس ناقضاً، وإنما الناقض احتمال خروج شيء من الإنسان إذا نام غير متمكن. 1984 - * روى مسلم عن سعد بن هشام رضي الله عنه "أراد أن يغزو في سبيل الله، فقدم المدينة، وأراد أن يبيع عقاراً بها، فيجعله في السلاح والكراع، ويجاهد

_ (1) مسلم الموضع السابق. (بشناقها) الشناق: الخيط الذي يشد به فم القربة. (أبقيه) بقيت الرجل أبقيه: إذا رقبته وانتظرته ورصدته. 1984 - مسلم (1/ 512، 513، 514) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 18 - باب جامع صلاة الليل، ومن نام عنه أو مرض. (الكراع) أراد بالكراع: الخيل المربوطة في سبيل الله تعالى.=

الروم حتى يموت، فلما قدم المدينة لقي أناساً من أهل المدينة، فنهوه عن ذلك، وأخبروه أن رهطاً ستة أرادوا ذلك في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: أليس لكم في أسوة؟ فلما حدثوه بذلك راجع امرأته- وقد كان طلقها- وأشهد على رجعتها فأتى ابن عباس، فسأله عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال ابن عباس: ألا أدلك على من هو أعلم أهل الأرض بوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: من؟ قال: عائشة، فائتها فسلها، ثم ائتني فأخبرني بردها عليك. قال: فانطلقت إليها، فأتيت على حكيم بن أفلح، فاستلحقته إليها، فقال: ما أنا بقاربها، لأني نهيتها أن تقول في هاتين الشيعتين شيئاً، فأبت إلا مضيا، قال: فأقسمت عليه فجاء، فانطلقنا إلى عائشة، فاستأذنا عليها، فأذنت لنا، فدخلنا عليها، فقالت: حكيم؟ فعرفته، فقال: نعم، فقالت: من معط؟ قال: سعد بن هشام. قالت: من هشام؟ قال: ابن عامر. فترحمت عليه، وقالت خيراً- قال قتادة: وكان أصيب يوم أحد- فقلت: يا أم المؤمنين، أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى. قالت: فإن خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن قال: فهممت أن أقوم، ولا أسأل أحداً عن شيء حتى أموت، ثم بدا لي، فقلت: أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ألست تقرأ (يا أيها المزمل)؟ قلت: بلى. قالت: فإن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهراً في السماء، حتى أنزل الله عز وجل في آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوعاً بعد فريضة، قال: قلت: يا أم المؤمنين، أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت، كنا نعد له سواكه، وطهوره، فيبعثه الله متى شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوك ويتوضأ، ويصلي تسع ركعات، لا يجلس فيها إلا في الثامنة، فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله ويحمده (1)

_ = (بقاربها) قربت من الشيء أقرب قرباً، أي: دنوت.

ويدعوه، ثم يسلم تسليماً يسمعنا، ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد، فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني، فلما أسن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذه اللحم، أوتر بسبع، وصنع في الركعتين مثل صنيعه الأول، فتلك تسع يا بني، وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أحب أن يداوم عليها، وكان إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة، ولا أعلم نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة، ولا صلى ليلة إلى الصبح، ولا صام شهراً كاملاً غير شهر رمضان، قال: فانطلقت إلى ابن عباس فحدثته بحديثها، فقال: صدقت، ولو كنت أقربها، أو أدخل عليها، لأتيتها حتى تشافهني به، قال: قلت: لو علمت أنك لا تدخل عليها ما حدثتك حديثها". وفي أخرى (1) لأبي داود قال: "إن عائشة سئلت عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوف الليل؟ فقالت: كان يصلي صلاة العشاء في جماعة، ثم يرجع إلى أهله فيركع أربع ركعات، ثم يأوي إلى فراشه ينام، وطهوره مغطى عند رأسه، وسواكه موضوع، حتى يبعثه الله عز وجل ساعته التي يبعثه من الليل، فيتسوك ويسبغ الوضوء، ثم يقوم إلى مصلاه، فيصلي ثماني ركعات، يقرأ فيهن بأم القرآن وسورة من القرآن، وما شاء الله، ولا يقعد في شيء منها حتى يقعد في الثامنة ولا يسلم، ويقرأ في التاسعة حتى يقعد، فيدعو بما شاء الله أن يدعو، ويسأله، ويسلم تسليمة واحدة شديدة، يكاد يوقظ أهل البيت من شدة تسليمه، ثم يقرأ وهو قاعد بأم الكتاب، ويركع وهو قاعد، ثم يقرأ في الثانية، فيركع ويسجد وهو قاعد، ثم يدعو بما شاء الله أن يدعو، ثم يسلم وينصرف، فلم تزل تلك صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدن، فنقص من التسع ثنتين، فجعلها إلى الست والسبع والركعتين وهو قاعد، حتى قُبض على ذلك". وفي أخرى (2) بهذا الحديث قال: "يصلي العشاء، ثم يأوي إلى فراشه" ولم يذكر الأربع ركعات. وقال فيه: "فيصلي ثماني ركعات، يسوي بينهن بالقراءة والركوع

_ (1) أبو داود (2/ 42) كتاب الصلاة، 26 - باب في رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل. (2) أبو داود الموضع السابق.

والسجود" وقال: "لا يجلس في شيء منهن إلا في الثامنة، فإنه كان يجلس، ثم يقوم ولا يسلم، فيصلي ركعة يوتر بها، ثم يسلم تسليمة يرفع بها صوته، حتى يوقظنا ... وساق معناه". وفي أخرى (1) بمعناه ونحوه، وفيه "كان يخيل إلي أنه سوى بينهن في القراءة والركوع والسجود "ثم يوتر بركعة، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، ثم يضع جنبه، فربما جاء بلال فآذنه بالصلاة: ثم يغفي، وربما شككت: أغفى، أولاً؟ حتى يؤذنه بالصلاة، فكانت تلك صلاته حتى أسن ولحم، فذكرت من لحمه ما شاء الله ... وساق الحديث". وفي رواية (2) للنسائي: ثم يضع جنبه، فربما جاء بلال فآذنه بالصلاة قبل أن يغفي، وربما شككت: أغفى، أو لم يغف؟ حتى يؤذنه بالصلاة، فكانت تلك صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أسن ولحم- فذكرت من لحمه ما شاء الله. وله في أخرى (3)، قالت: "كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم سواكه وطهوره، فيبعثه الله عز وجل ما شاء أن يبعثه من الليل، فيستاك، ويتوضأ، ويصلي تسع ركعات، لا يجلس فيهن إلا عند الثامنة، ويحمد الله، ويصلي على نبيه، ويدعو بينهن، ولا يسلم، ثم يصلي التاسعة، ويقعد، يذكر كلمة نحوها، ويحمد الله ويصلي على نبيه، ويدعو، ثم يسلم تسليماً يسمعنا، ثم يصلي ركعتين وهو قاعد- زاد في أخرى (4): فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني- فلما أسن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ اللحم، أوتر بسبع، ثم يصلي ركعتين وهو جالس بعد ما يسلم، فتلك تسع أي بني. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أحب أن يداوم عليها". الشيعتان هنا: شيعة علي من جهة وشيعة طلحة والزبير من جهة أخرى.

_ (1) أبو داود ص 43 السابق. (2) النسائي (3/ 221) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 18 - كيف يفعل إذا افتتح الصلاة قائماً. (3) النسائي (3/ 241) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 43 - باب كيف الوتر بتسع. (4) النسائي ص 242 الموضع السابق.

أقول: الظاهر من هذه الروايات عن عائشة أنها قيلت بعد مقتل عثمان إذ حدثت الفتنة وتنافرت القلوب، والصيغة التي ذكرتها ها هنا عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم هي إحدى الصيغ المأثورة عن قيامه وتهجده عليه الصلاة والسلام، والأمر في تهجده وقيامه واسع لكثرة الصيغ فيه، وروايتها أنه كان يصلي ركعتين بعد الوتر دليل على جواز التنفل المطلق في الليل بعد الوتر، وأن من تنفل بعد الوتر لا يوتر مرة أخرى. 1985 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح الصلاة بركعتين خفيفتين". وزاد أبو داود في رواية (1) "ثم ليطول بعد ما شاء الله". 1986 - * روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بآية من القرآن ليلة". 1987 - * روى أبو يعلى عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نائماً قبل العشاء ولا لاغياً بعدها إما ذاكراً فيغنم وإما نائماً فيسلم: قالت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت السمر لثلاثة لعروس أو مسافر أو متهجد بالليل". أقول: والسهر جائز لعلم وموعظة وتدارس شؤون المسلمين وعمل دنيوي يكسب فيه الإنسان مالاً حلالاً، ومسألة السهر بعد العشاء والحديث بعده منوطة بالمصالح الدينية والدنيوية المباحة، وللفتوى من أهلها محل في بعض صورها.

_ 1985 - مسلم (1/ 523) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 26 - باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه. أبو داود (1/ 36) كتاب الصلاة، 24 - باب افتتاح صلاة الليل بركعتين. (1) أبو داود في نفس الموضع السابق. قال أبو داود: ورواه جماعة موقوفاً على أبي هريرة. 1986 - الترمذي (2/ 311) أبواب الصلاة، 330 - باب ما جاء في قراءة الليل. وإسناده صحيح، وله شاهد صحيح من حديث أبي ذر قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم بآية حتى أصبح يرددها والآية: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}: رواه ابن ماجه والحاكم وصححه ووافقه الذهبي. 1987 - أبو يعلى (8/ 288، 289). مجمع الزوائد (1/ 314) وقال الهيثمي: "رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح.

1988 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الله، لا تكن مثل فلان، كان يقوم من الليل، فترك قيام الليل". 1989 - * روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، منها الوتر وركعتا الفجر". وفي أخرى (3) قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، فإذا طلع الفجر صلى ركعتين خفيفتين، ثم اضطجع على شقه الأيمن، حتى يجيء المؤذن فيؤذنه". وفي أخرى (4) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي إحدى عشرة ركعة، كانت تلك صلاته- تعني: بالليل- فيسجد السجدة من ذلك قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه، ويركع ركعتين قبل صلاة الفجر، ثم يضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للصلاة". وفي أخرى (5) "أنه كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة، يوتر منها بواحدة، فإذا فرغ منها اضطجع على شقه حتى يأتيه المؤذن، فيصلي ركعتين خفيفتين". وفي أخرى (6) قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ما بين أن يفرغ من صلاة

_ 1988 - البخاري (3/ 37) 19 - كتاب التهجد، 19 - باب ما يكره من ترك قيام الليل لمن كان يقومه. مسلم (2/ 814) 13 - كتاب الصيام، 35 - باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به أو فوت به حقاً. النسائي (3/ 253) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 59 - باب ذم من ترك قيام الليل. 1989 - البخاري (3/ 20) 19 - كتاب التهجد، 10 - باب كيف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وكم كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل؟ مسلم (1/ 508) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 17 - باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي في الليل. (1) مسلم (1/ 508) في نفس الموضع السابق. (2) البخاري (3/ 7) 19 - كتاب التهجد، 3 - باب طول السجود في قيام الليل. (3) مسلم (1/ 508) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 17 - باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي من الليل. (4) مسلم (1/ 508) في نفس الموضع السابق.

العشاء- وهي التي يدعو الناس العتمة- إلى الفجر إحدى عشرة ركعة، يسلم بين كل ركعتين، ويوتر بواحدة، فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر وتبين له الفجر وجاءه المؤذن: قام فركع ركعتين خفيفتين، ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة". وفي أخرى (1) قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس، لا يجلس في شيء إلا في آخرها". وفي أخرى (2) قالت: "كان [النبي صلى الله عليه وسلم] يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، ثم يصلي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين". وفي أخرى (3) عن أبي سلمة "أنه سأل عائشة: كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ قالت: ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً لا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً، قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله، أتنام قبل أن توتر؟ فقال: يا عائشة، إن عيني تنامان، ولا ينام قلبي". وللبخاري (4) قالت: صلى النبي صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم صلى ثماني ركعات، وركعتين جالساً، وركعتين بعد النداءين، ولم يكن يدعهما أبداً". وفي أخرى (5) له عن مسروق [بن الأجدع] قال: "سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: سبع، وتسع، وإحدى عشرة ركعة، سوى ركعتي الفجر".

_ (1) مسلم (1/ 508) في نفس الموضع السابق. (2) مسلم (1/ 509) في نفس الموضع السابق. (3) البخاري (3/ 33) 19 - كتاب التهجد، 16 - باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم بالليل في رمضان وغيره. مسلم (1/ 509) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 17 - صلاة الليل وعدد ركعات النبي من الليل. (4) البخاري (3/ 42) 19 - كتاب التهجد، 22 باب المداومة على ركعتي الفجر. (5) البخاري (3/ 20) 19 - كتاب التهجد، 10 - باب كيف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وكم كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل؟.

ولمسلم (1): "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي ثلاث عشرة ركعة بركعتي الفجر". 1990 - * روى أبو داود عن الفل بن العباس رضي الله عنهما قال: "بت ليلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنظر كيف يصلي من الليل، فقام فتوضأ وصلى ركعتين؛ قيامه مثل ركوعه، وركوعه مثل سجوده، ثم نام، ثم استيقظ فتوضأ، واستنثر، ثم قرأ بخمس آيات من آل عمران {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ...} فلم يزل يفعل هكذا حتى صلى عشر ركعات، ثم قام فصلى سجدة واحدة فأوتر بها، ونادى المنادي عند ذلك، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما سكت المؤذن، فصلى سجدتين خفيفتين، ثم جلس حتى صلى الصبح". 1991 - * روى أبو داود عن عبد الله بن أبي قيس قال: قالت عائشة رضي الله عنها: "لا تدع قيام الليل، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يدعه، وكان إذا مرض أو كسل صلى قاعداً". 1992 - * روى الطبراني عن الحجاج بن غزنة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يحسب أحدكم إذا قام من الليل يصلي حتى يصبح أنه قد تهجد إنما التهجد: المرء يصلي الصلاة بعد رقدة ثم الصلاة بعد رقدة وتلك كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. 1993 - * روى أحمد عن ربيعة الجرشي قال: "سألت عائشة ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا قام من الليل وبما كان يستفتح؟ فقالت كان يكبر عشراً ويحمد عشراً ويسبح عشراً ويهلل عشراً ويستغفر عشراً ويقول: اللهم اغفر لي واهدني وارزقني عشراً،

_ (1) مسلم (1/ 509) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 17 - صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم من الليل. 1990 - أبو داود (2/ 44، 45) كتاب الصلاة، 27 - باب في صلاة الليل. وهو حسن لغيره. (الاستنثار): الامتخاط، وتحريك نثرة الأنف، وهي طرفه. 1991 - أبو داود (2/ 32) كتاب الصلاة، باب قيام الليل. وإسناده صحيح. 1992 - مجمع الزوائد (2/ 277) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وله إسناد صحيح رجاله رجال الصحيح. 1993 - أحمد (6/ 143). مجمع الزوائد (2/ 263) وقال الهيثمي: رواه أبو داود باختصار- رواه أحمد والطبراني في الأوسط ورجاله ثقات.

ما يقول إذا قام يتهجد من الليل

ويقول اللهم إني أعوذ بك من الضيق يوم الحساب عشراً". 1994 - * روى أحمد عن علي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ست عشرة ركعة سوى المكتوبة. أقول: هذا يدل على أن كل من علم عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً تحدث به وبعضهم ظن أن ما علمه هو الصيغة الوحيدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأمر ليس كذلك، فهذه الرواية تذكر ست عشرة ركعة بعد المكتوبة ولا تذكر الوتر، وراتبة العشاء المؤكدة ركعتان فقط مما يدل على أن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يزيد وينقص، وفي ذلك دليل لمن رأى أن قيام الليل لا يتقيد بعدد، وإذا تقيد بعدد فإن باب النفل المطلق مفتوح في الليل والنهار في غير أوقات الكراهة، وفي معنى بعض ما قلنا: 1995 - * قال ابن خزيمة: قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في بعض الليالي أكثر مما يصلي في بعضن فكل من أخبر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو من أزواجه أو غيرهن من النساء أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى من الليل عدداً من الصلاة، أو صلى بصفة فقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم تلك الصلاة في بعض الليالي بذلك العدد وبتلك الصفة، وهذا الاختلاف من جنس المباح، فجائز للمرء أن يصلي أي عدد أحب من الصلاة مما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلاهن، وعلى الصفة التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلاها لا حظر على أحد في شيء منها. ما يقول إذا قام يتهجد من الليل: 1996 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كان

_ 1994 - مجمع الزوائد (2/ 272) وقال الهيثمي: رواه عبد الله بن أحمد من زيادات ورجاله ثقات. 1995 - ابن خزيمة (2/ 193) جماع أبواب صلاة التطوع بالليل، 502 - باب ذكر الخبر الدال على أن هذه الأخبار الثلاثة التي ذكرتها ليست بمتضادة ولا متهاترة. 1996 - البخاري (3/ 3) 19 - كتاب التهجد، 1 - باب التهجد بالليل. ويوجد نفس هذا الحديث في موضع آخر عند: البخاري (13/ 423) 97 - كتاب التوحيد، 24 - باب قول الله تعالى (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة).=

النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد قال: "اللهم ربنا لك الحمد، أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت ملك السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك حق، وقولك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت" وفي رواية (1): "وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت، ولا إله غيرك" وفي رواية (2): "اللهم لك الحمد، رب السموات والأرض ومن فيهن". 1997 - * روى مسلم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن رحمه الله قال: سألت عائشة رضي الله عنها: بأي شيء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة إذا قام من الليل؟ قالت: كان إذا قام من الليل افتتح صلاته: "اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم". 1998 - * روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا

_ = مسلم (1/ 533) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 26 - باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه. (1) مسلم (1/ 536) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 26 - باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه. (2) البخاري (13/ 465) 97 - كتاب التوحيد، 34 - باب قول الله تعالى {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ}. (القيم والقيوم والقيام والقائم): بمعنى واحد، أي: حافظ السموات والأرض. (أنبت) الإنابة: الرجوع إلى الله تعالى بالتوبة. 1997 - مسلم (1/ 534) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 26 - باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه. أبو داود (1/ 204) كتاب الصلاة، باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء. الترمذي (5/ 484) 49 - كتاب الدعوات، 31 - باب ما جاء في الدعاء عند افتتاح الصلاة بالليل. النسائي (3/ 273) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 12 - باب بأي شيء تستفتح صلاة الليل. 1998 - الترمذي (2/ 9، 10) أبواب الصلاة، ما يقول عند افتتاح الصلاة.

قام من الليل كبر، ثم يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك"، ثم يقول: "الله أكبر كبيراً"، ثم يقول: "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه". وزاد أبو داود (1) بعد قوله: "غيرك" ثم يقول: "لا إله إلا الله" ثلاثاً. وفي آخر الحديث: "ثم يقرأ". وفي رواية (2) النسائي مثل رواية الترمذي، وله في أخرى مثله. 1999 - * روى أبو داود عن عاصم بن حميد رحمه الله قال: سألت عائشة أم المؤمنين: بأي شيء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح قيام الليل؟ فقالت: سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك، كان إذا قام كبر عشراً، وحمد الله عشراً، وسبح الله عشراً، وهلل عشراً، واستغفر عشراً، وقال: "اللهم اغفر لي واهدني، وارزقني وعافني، كان يتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة". 2000 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله، سمعت دعاءك الليلة، وكل الذي وصل إلي منه أنك تقول: "اللهم اغفر لي ذنبي، ووسع لي في داري، وبارك لي فيما رزقتني". قال: فهل

_ (1) أبو داود (1/ 206) كتاب الصلاة، باب من رأى الاستفتاح بسبحانك [اللهم بحمدك]. (2) النسائي (2/ 132) 11 - كتاب الافتتاح، 18 - باب نوع آخر من الذكر بين افتتاح الصلاة وبين القراءة وهو حديث حسن. وقال الترمذي: قال أكثر أهل العلم: إنما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك" هكذا روي عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود. وقال وحديث أبي سعيد أشهر حديث في هذا الباب، قال: وفي الباب عن علي، وعائشة، وعبد الله بن مسعود، وجابر، وجبير بن مطعم، وابن عمر. 1999 - أبو داود (1/ 203، 204) كتاب الصلاة، باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء. النسائي (3/ 209) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 9 - باب ذكر ما يستفتح به القيام، وإسناده حسن. 2000 - الترمذي (5/ 527) 49 - كتاب الدعوات، 79 - باب. وهو حديث حسن.

- الصلاة في الليل لرفع الفتن

تراهن تركن شيئاً؟ ". - الصلاة في الليل لرفع الفتن: 2001 - * روى مالك عن أم سلمة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استيقظ ليلة فزعاً، وهو يقول: "لا إله إلا الله، ماذا أنزل الليلة من الفتن؟ ماذا أنزل من الخزائن؟ "- وفي رواية (2): "ماذا فتح من الخزائن-؟ من يوقظ صواحب الحجرات"- يريد: أزواجه- "فيصلين؟ رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة". قال الحافظ ابن حجر في (الفتح): واختلف في المراد بقوله: كاسية وعارية على أوجه، أحدها: كاسية في الدنيا بالثياب لوجود الغنى، عارية في الآخرة من الثواب، لعدم العمل في الدنيا، ثانيها: كاسية بالثياب، لكنها شفافة لا تستر عورتها، فتعاقب في الآخرة بالعري جزاء على ذلك. ثالثها: كاسية من نعم الله، عارية من الشكر الذي تظهر ثمرته في الآخرة بالثواب، رابعها: كاسية جسدها، لكنها تشد خمارها من ورائها فيبدو صدرها فتصير عارية فتعاقب في الآخرة، خامسها: كاسية من خلعة التزوج بالرجل الصالح، عارية في الآخرة من العمل، فلا ينفعها صلاح زوجها، كما قال تعالى: {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ}، ذكر هذا الأخير الطيبي، ورجحه لمناسبة المقام، واللفظة وإن وردت في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، لكن العبرة بعموم اللفظ، وقد سبق لنحوه الداودي، فقال: كاسية للشرف في الدنيا، لكونها أهل التشريف، وعارية يوم القيامة، قال: ويحتمل أن يراد: عارية في

_ 2001 - الموطأ (2/ 913) 48 - كتاب اللباس، 4 - باب ما يكره للنساء لبس من الثياب. البخاري (10/ 302) 77 - كتاب اللباس، 31 - باب ما كان للنبي صلى الله عليه وسلم يتجوز من اللباس والبسط. الترمذي (4/ 487) 34 - كتاب الفتن، 30 - باب ما جاء ستكون فتن كقطع الليل المظلم. (1) البخاري (10/ 598) 78 - كتاب الأدب، 121 - باب التكبير والتسبيح عند التعجب. (رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة) هذا كناية عما يقدمه الإنسان لنفسه من الأعمال الصالحة، يقول: رب غني في الدنيا لا يفعل خيراً، هو فقير في الآخرة، ورب مكتس في الدنيا ذي ثروة ونعمة، عار في الآخرة شقي.

- الاقتصاد في القيام

النار، قال ابن بطال: في هذا الحديث أن الفتوح في الخزائن تنشأ عنه فتنة المال، بأن يتنافس فيه فيقع القتال بسببه، وأن يبخل به فيمنع الحق أو يبطر صاحبه فيسرف، فأراد صلى الله عليه وسلم تحذير أزواجه من ذلك كله، وكذا غيرهن ممن بلغه ذلك، وفي الحديث الندب إلى الدعاء والتضرع عند نزول الفتنة، ولاسيما في الليل لرجاء وقت الإجابة لتكشف أو يسلم الداعي ومن دعا له، وبالله التوفيق. - الاقتصاد في القيام: 2002 - * روى ابن خزيمة عن عائشة، قالت: كان لنا حصير نبسطه بالنهار ويتحجره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل فيصلي فيه، فتتبع له ناس من المسلمين يصلون بصلاته فعلم بهم، فقال: "إكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا". وكان أحب الأعمال إليه ما ديم عليه وغن قل، وكان إذا صلى صلاة أثبتها هذا حديث عبد الجبار. وقال سعيد بن عبد الرحمن: فسمع به ناس (171 ب) فصلوا بصلاته، وزاد وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني خشيت أن أؤمر فيكم بأمر لا تطيقونه". 2003 - * روى الطبراني في الأوسط عن سهل بن سعد قال: جاء جبرائيل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا محمد عش ما شئت فإنك ميت واعمل ما شئت فإنك مجزي به وأحبب من شئت فإنك مفارقه واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل وعزه استغناؤه عن الناس". 2004 - * روى أبو يعلى عن ابن عباس قال: تذكرت قيام الليل فقال بعضهم:

_ 2002 - ابن خزيمة (3/ 61) جماع أبواب قيام المأمومين خلف الإمام، 126 - باب الرخصة في الاقتداء بالمصلي الذي ينوي الصلاة. 2003 - مجمع الزوائد (2/ 252) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وفيه زافر بن سليمان وثقه أحمد وابن معين وأبو داود وتكلم فيه ابن عدي وابن حبان بما لا يضر. 2004 - أبو يعلى (5/ 80).=

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "نصفه ثلثه ربعه فواق حلب ناقة فواق حلب شاة". 2005 - * روى ابن خزيمة عن علي بن أبي طالب قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم علي وعلى فاطمة من الليل، فقال لنا: "قوما فصليا"، ثم رجع إلى بيته، فلما مضى هوي من الليل، رجع فلم يسمع لنا حساً، فقال: "قوما فصليا"، قال: فقمت وأنا أعرك عيني، فقلت: يا رسول الله والله ما نصلي إلا ما كتب الله لنا، إنما أنفسنا بيد الله إذا شاء يبعثنا بعثنا، فولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضرب بيده على فخذه، وهو يقول: "ما نصلي إلا ما كتب الله لنا! "، " {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} " (1). 2006 - * روى أبو يعلى عن علي بن أبي طالب قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل التطوع: ثماني ركعات وبالنهار اثنتي عشرة ركعة". 2007 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود قال: "لا تغالبوا هذا الليل فإنكم لن تطيقوه فإذا نعس أحدكم فلينصرف إلى فراشه فإنه أسلم له".

_ = مجمع الزوائد (2/ 252) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح. (فواق): الفَواقُ والفُواقُ: ما بين الحلبتين من الوقت، لأنها تحلب ثم تترك سويعة يرضعها الفصيل لتدر ثم تحلب. 2005 - ابن خزيمة (2/ 179) جماع أبواب صلاة التطوع بالليل، 479 - باب استحباب إيقاظ المرء لصلاة الليل. (1) الكهف: 45. 2006 - أبو يعلى (1/ 383). مجمع الزوائد (2/ 231) وقال الهيثمي: "رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح خلا عاصم بن ضمرة، وهو ثقة ثبت". 2007 - الطبراني في "المعجم الكبير" (9/ 110). مجمع الزوائد (2/ 260) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح.

الفقرة السادسة: في نوافل تتكرر يوميا ولها سبب

الفقرة السادسة: في نوافل تتكرر يومياً ولها سبب - تحية المسجد: 2008 - * روى الجماعة عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس". وعند أبي داود "فليصل سجدتين". وله في أخرى (1) زيادة "ثم ليقعد بعد إن شاء، أو ليذهب لحاجته". وفي أخرى للبخاري (2) ومسلم (3) قال: "دخلت المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس بين ظهراني الناس، قال: فجلست، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منعك أن تركع ركعتين قبل أن تجلس؟ قال: فقلت: يا رسول الله، رأيتك جالساً والناس جلوس، قال: فإذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين". 2009 - * روى الشيخان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كان لي على النبي صلى الله عليه وسلم دين، فقضاني وزادني، فدخلت عليه المسجد، فقال: صل ركعتين".

_ 2008 - البخاري (1/ 537) 8 - كتاب الصلاة، 60 - باب إذا دخل المسجد فليركع ركعتين. مسلم (1/ 495) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 11 - باب استحباب تحية المسجد بركعتين. أبو داود (1/ 127) كتاب الصلاة، 18 - باب ما جاء في الصلاة عند دخول المسجد. الترمذي (2/ 129) أبواب الصلاة، 235 - باب ما جاء إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين. النسائي (4/ 53) 8 - كتاب المساجد، 37 - باب الأمر بالصلاة قبل الجلوس فيه. ابن ماجه (1/ 324) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 57 - باب من دخل المسجد فلا يجلس حتى يركع. (1) أبو داود (1/ 127) كتاب الصلاة، 18 - باب ما جاء في الصلاة عند دخول المسجد. (2) البخاري (3/ 48) 19 - كتاب التهجد، 25 - باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى. (3) مسلم (1/ 495) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 11 - باب استحباب تحية المسد بركعتين. 2009 - البخاري (1/ 537) 8 - كتاب الصلاة، 59 - باب الصلاة إذا قدم من سفر. مسلم (1/ 495) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 11 - باب استحباب تحية المسجد بركعتين.

- سنة الوضوء

2010 - * روى ابن خزيمة عن ابن لاس الخزاعي قال: دخل عمار بن ياسر المسجد فركع فيه ركعتين أخفهما، وأتمهما، قال: ثم جلس فقمنا إليه فجلسنا عنده ثم قلنا له: لقد خففت ركعتيك هاتين جداً با أبا اليقظان، فقال: فقال: إني بادرت بهما الشيطان أن يدخل علي فيهما. - سنة الوضوء: 2011 - * روى ابن خزيمة عن أبي هريرة قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم لبلال عند صلاة الفجر: "يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته عندك منفعة في الإسلام، فإني قد سمعت الليلة خشف نعليك بين يدي في الجنة". فقال: ما عملت يا رسول الله في الإسلام عندي عملاً أرجى منفعة من أني لم أتطهر طهوراً تاماً قط في ساعة من ليل. أو نهار إلا صليت بذلك الطهور لربي ما كتب لي أن أصلي. 2012 - * روى أبو داود عن زيد بن خالد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من توضأ فأحسن وضوءه، ثم صلى ركعتين لا يسهو فيهما، غفر له ما تقدم من ذنبه". 2013 - * روى مسلم عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من أحد يتوضأ، فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما، إلا وجبت له الجنة".

_ 2010 - رواه ابن خزيمة في صحيحه، وهو صحيح. 2011 - ابن خزيمة (2/ 213) جماع أبواب التطوع غير ما تقدم، 522 - باب فضل التطوع في عقب كل وضوء وهو صحيح. 2012 - أبو داود (1/ 238) كتاب الصلاة، باب كراهية الوسوسة وحديث النفس في الصلاة. وإسناده صحيح. 2013 - مسلم (1/ 209، 210) 2 - كتاب الطهارة، 6 - باب الذكر المستحب عقب الوضوء. أبو داود (1/ 43) كتاب الطهارة، باب ما يقول الرجل إذا توضأ. النسائي (1/ 95) 1 - كتاب الطهارة، 111 - باب ثواب من أحسن الوضوء ثم صلى ركعتين. وهو حديث حسن.

- صلاة دخول المنزل والخروج منه

2014 - * روى أحمد عن يوسف بن عبد الله بن سلام قال: أتيت أبا الدرداء في مرضه الذي قبض فيه، فقال: يا ابن أخي ما أعملك إلى هذا البلد أو ما جاء بك؟ قال: قلت: لا إلا صلة ما كان بينك وبين والدي عبد الله بن سلام. فقال: بئس ساعة الكذب هذه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من توضأ فأحسن الوضوء، ثم قام فصلى ركعتين أو أربعاً- شك سهل- يحسن فيهما الركوع والخشوع ثم استغفر الله غفر له". - صلاة دخول المنزل والخروج منه: 2015 - * روى البزار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخلت منزلك فصل ركعتين تمنعانك مدخل السوء وإذا خرجت من منزلك فصل ركعتين تمنعانك مخرج السوء".

_ 2014 - أحمد (6/ 450). مجمع الزوائد (10/ 207) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير إلا أنه قال. ثم قام فصلى ركعتين أو أربعاً مكتوبة أو غير مكتوبة يحسن فيها الركوع والسجود، وإسناده حسن. 2015 - كشف الأستار (1/ 357) أبواب صلاة التطوع، باب الصلاة إذا دخل منزله وإذا خرج منه. مجمع الزوائد (2/ 283) قال الهيثمي: رواه البزار ورجاله موثقون.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد ذكر فقهاء المالكية الصلوات ذوات السبب فأوصلوها كما ذكر صاحب (الفقه الإسلامي وأدلته) إلى ثنتي عشرة قال: (ماله سبب: وهي عشرة: الصلاة عند الخروج إلى السفر، وعند الرجوع منه، وعند دخول المنزل، وعند الخروج منه، وصلاة الاستخارة: ركعتان، وصلاة الحاجة: ركعتان، وصلاة التسبيح: أربع ركعات، وركعتان بين الأذان والإقامة، وأربع ركعات بعد الزوال، وركعتان عند التوبة، وزاد بعض المالكية: ركعتين عند الدعاء، وركعتين لمن قدم للقتل اقتداء بخبيب بن عدي رضي الله عنه). وهذه الصلوات ذوات السبب منها ما يتكرر يومياً ومنه ما هو مرتبط بمناسبة: ولما كان قد خصصنا هذا الباب للصلوات التي تتكرر يومياً فقد اخترنا من هذه الصلوات ما هو ألصق بذلك لكنا أدخلنا ما اخترناه في أكثر من فقرة من فقرات هذا الباب، فصلاة التسبيح جعلناها في فقرة مستقلة ستأتي معنا لأنه يجوز للإنسان أن يصليها يومياً كما يجوز له أن يصليها أسبوعياً أو شهرياً أو سنوياً أو عمرياً فخصصناها بفقرة، وقد مرت معنا بمناسبة الكلام عن السنن الرواتب الصلاة بين الأذانين والصلاة بعد الزوال وخصصنا هذه الفقرة التي مرت معنا بذكر سنتي دخول البيت والخروج منه، ولما كان الفقهاء ومنهم المالكية يذكرون من السنن ذوات السبب والتي تتجدد يومياً سنة تحية المسجد وسنة الوضوء فقد أدخلناهما في هذه الفقرة وإن لم يذكرا مع هذه الاثنتي عشرة صلاة، وستمر معنا في أبواب لاحقة بقية الصلوات التي لها سبب بمناسباتها الألصق بها. لا تصلى عند الحنفية النوافل ذوات السبب كتحية المسجد وسنة الوضوء ولا غيرها من النوافل في أوقات النهي الخمسة وهي: ما بعد فريضة الصبح وما بعدها فريضة العصر وعند طلوع الشمس وقبيل زوالها وعند غروبها، ويجوز عند الشافعية قضاء النوافل في أي وقت كما تجوز صلاة النوافل ذوات السبب غير المتأخر والمقارن في أي وقت: كالكسوف وصلاة الاستسقاء وصلاة الجنازة وركعتي الطواف، وكتحية

المسجد وسنة الوضوء وسجدة الشكر، وأما الصلاة ذات السبب المتأخر كركعتي الاستخارة والإحرام فإنها لا تنعقد في الأوقات المنهي عنها.

الفقرة السابعة: في النفل المطلق

الفقرة السابعة: في النفل المطلق 2016 - * روى ابن خزيمة عن عمرو بن عنبسة قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول ما بعث وهو بمكة، وهو حينئذ مستخف، فقلت: ما أنت؟ قال: "أنا نبي". قلت: وما النبي؟ قال: "رسول الله". قال: آالله أرسلك؟ قال: "نعم". قلت: بم أرسلك؟ قال: "بأن نعبد الله، ونكسر الأوثان، ودار الأوثان، ونوصل الأرحام". قلت: نعم ما أرسلك به. قلت: فمن تبعك على هذا؟ قال: "عبد وحر" يعني أبا بكر وبلالاً. فكان عمرو يقول: رأيتني وأنا ربع الإسلام- أو رابع الإسلام- قال فأسلمت. قالت: أتبعك يا رسول الله؟ قال: "لا. ولكن الحق بقومك، فإذا أخبرت إني قد خرجت فاتبعني". قال: فلحقت بقومي، وجعلت أتوقع خبره، وخروجه، حتى أقبلت رفقة من يثرب، فلقيتهم فسألتهم عن الخبر. فقالوا: قد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، فقلت: وقد أتاها؟ قالوا: نعم. أنت الرجل الذي أتاني بمكة". فجعلت أتحين خلوته، فلما خلا قلت: يا رسول الله علمني مما علمك الله وأجهل. قال: "سل عما شئت" قلت: أي الليل أسمع؟ قال: "جوف الليل الآخر فصل ما شئت" فإن الصلاة مشهودة مكتوبة، حتى تصلي الصبح، ثم أقصر حتى تطلع الشمس، فترتفع قيد رمح أو رمحين، فإنها تطلع بين قرني الشيطان وتصلي لها الكفار. ثم صل ما شئت، فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى يعدل الرمح ظله، ثم اقصر فإن جهنم تسجر وتفتح أبوابها، فإذا زاغت الشمس فصل ما شئت، فإن الصلاة مشهودة مكتوبة، حتى تصلي العصر، ثم اقصر حتى تغرب الشمس، فإنها تغرب بين

_ 2016 - ابن خزيمة (1/ 129) جماع أبواب غسل التطهير، 196 - باب ذكر الدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان يأمر بالوضوء قبل نزول سورة المائدة. وهو صحيح. (اقصر): أي اكفف.

قرني الشيطان وتصلي لها الكفار. وإذا توضأت فاغسل يديك، فإنك إذا غسلت يديك خرجت خطاياك من أطراف أناملك. ثم إذا غسلت وجهك خرجت خطاياك من وجهك. ثم إذا مضمضت واستنثرت خرجت خطاياك من مناخرك، ثم إذا غسلت يديك خرجت خطاياك من ذراعيك، ثم إذا مسحت برأسك خرجت خطاياك من أطراف شعرك، ثم إذا غسلت رجليك خرجت خطاياك من رجليك، فإن ثبت في مجلسك كان ذلك حظك من وضوئك، وإن قمت فذكرت ربك، وحمدت، وركعت ركعتين مقبلاً عليهما بقلبك، كنت من خطاياك كيوم ولدتك أمك". قال: قلت يا عمرو: اعلم ما تقول، فإنك تقول أمراً عظيماً. قال: والله لقد كبرت سني، ودنى أجلي، وإني لغني عن الكذب، ولو لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة أو مرتين ما حدثته، ولكني قد سمعته أكثر من ذلك. هكذا حدثني أبو سلام عن أبي أمامة إلا أن أخطئ شيئاً لا أريده، فأستغفر الله وأتوب إليه. أقول: يلاحظ في هذا النص ورود أقواله عليه الصلاة والسلام الآتية: أي الليل أسمع؟ قال: "جوف الليل الآخر فصل ما شئت". وبعد ارتفاع الشمس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثم صل ما شئت) ثم قوله عليه الصلاة والسلام: (فإذا زاغت الشمس فصل ما شئت)، نلاحظ في هذه الأوقات الثلاثة أن الرسول صلى الله عليه وسلم أطلق للصحابي أن يصلي ما شاء بدون تقيد بعدد، وقد مر معنا من قبل أن حذيفة صلى في المسجد بعد المغرب حتى دخل وقت العشاء، ذلك كله يفيد أن النفل المطلق جائز في غير الأوقات المنهي عنها، وهو الذي ذهب إليه أئمة الاجتهاد، والمذاهب الأربعة على ذلك. وقد مرت معنا بمناسبات متعددة أدلة تدل على ذلك، وههنا نقتصر على ذكر بعض أدلة ذلك ومنها النص الذي مر معنا.

2017 - * روى أبو داود عن يعلى بن مملك أنه سأل أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وصلاته؟ فقالت: وما لكم وصلاته؟ كان يصلي ثم ينام قدر ما صلى، ثم يصلي قدر ما نام، ثم ينام قدر ما صلى، حتى يصبح، ثم نعتت قراءته، فإذا هي تنعت قراءة مفسرة حرفاً حرفاً". وفي أخرى (1) للنسائي "أنه سألها عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: كان يصلي العتمة، ثم يسبح، ثم يصلي بعدها ما شاء الله من الليل، ثم ينصرف فيرقد مثل ما صلى، ثم يستيقظ من نومه ذلك، فيصلي مثل ما نام، وصلاته تلك الآخرة تكون إلى الصبح". أقول: الملاحظ أن أم سلمة رضي الله عنها لم تقيد صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل بعدد في هذه الرواية مما يدل على أن الأمر واسع، وإلا لو كان في الأمر تضييق لذكرت العدد لأنه يناسب السؤال. 2018 - * روى البزار عن ابن عباس قال: كانت مولاة للنبي صلى الله عليه وسلم تصوم النهار وتقوم الليل فقيل له إنها تصوم النهار وتقوم الليل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لكل عمل شرة والشرة إلى فترة فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد ضل". أقول: تبيان رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تمر على الإنسان حالات ينشط فيها للعمل ثم تعقبها فترة، وعلى الإنسان في هذه الحالة أن تكون فترته إلى سُنة،

_ 2017 - أبو داود (2/ 73، 74) كتاب الصلاة، باب استحباب الترتيل في القراءة. الترمذي (5/ 182) 46 - كتاب فضائل القرآن، 23 - باب ما جاء كيف كان قراءة النبي صلى الله عليه وسلم. النسائي (2/ 181) 11 - كتاب الافتتاح، 83 - تزيين القرآن بالصوت. (1) النسائي (3/ 214) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 13 - باب ذكر صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل. وهو صحيح لغيره، صححه أكثر من إمام كالدارقطني والحاكم وأقره الذهبي. 2018 - كشف الأستار (1/ 347) أبواب صلاة التطوع، باب العمل الدائم. مجمع الزوائد (2/ 258) وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. (الشرة): النشاط.

يدل على أنه لا حرج لمن كان عنده نشاط أن يقبل على الله عز وجل بما شاء من النوافل المطلقة، وإن لم تكن من دأب رسول الله صلى الله عليه وسلم. 2019 - * روى الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الصلاة خير موضوع فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر". 2020 - * روى أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الصلاة خير موضوع، من شاء أقل ومن شاء أكثر". أقول: يلاحظ أن النص الوارد عن أبي هريرة ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله عن الصلاة: "فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر" وأن رواية أبي ذر: (من شاء أقل ومن شاء أكثر) فهذان الإطلاقان أخذ منهما الأئمة جواز النفل المطلق في غير أوقات النهي بلا عدد محدد. 2021 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله تعالى: من عادى لي ولياً، فقد آذنته بحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي من أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني أعطيته، وإن استعاذ بي أعذته، وما ترددت عن شيء أنا فاعله، ترددي عن نف المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته". أقول: في قوله عليه الصلاة والسلام عن الله عز وجل في هذا الحديث القدسي: "ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل" ما يفيد الإطلاق، ومن ههنا وغيره أجاز الفقهاء النفل المطلق في الصلاة إلا في الأوقات المنهي عنها، كما أجازوا الإكثار من الذكر وتلاوة القرآن بقدر نشاط الإنسان، وقل مثل ذلك في كل نافلة لم يرد فيها

_ 2019 - مجمع الزوائد (2/ 249) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط. وهو حديث حسن. 2020 - رواه أحمد والطبراني والحاكم وصححه. 2021 - البخاري (11/ 340، 341) 81 - كتاب الرقاق- 38 - باب التواضع.

نهي يخصص إطلاقها. 2022 - * روى ابن خزيمة عن جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا بني عبد مناف، يا بني عبد المطلب إن كان إليكم من الأمر شيء فلا أعرفن ما منعتم أحداً يصلي عند هذا البيت أي ساعة شاء من ليل أو نهار". هذا لفظ حديث ابن جريج، غير أن أحمد بن المقدام قال: إن كان لكم من الأمر شيء، وقال: أي ساعة من ليل أو نهار. أقول: هذا النص وإن كان وارداً في الصلاة في المسجد الحرام إلا أن فيه إطلاق الصلاة دون تقييد للبحث عن العدد الذي صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة مكثه بمكة في حجه وعمراته بعد الهجرة، مما يستأنس به لجواز النفل المطلق، ولكن لورود النهي في غير هذا المقام عن الصلاة في الأوقات الخمسة ولذلك قيدنا جواز النفل المطلق لئلا تقع في هذه الأوقات. 2023 - * روى ابن خزيمة عن محمود بن الربيع الأنصاري قال: قال لي عتبان بن مالك: فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر حين ارتفع النهار فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأذنت له، فلم يجلس حتى دخل البيت، ثم قال: "أين تحب أن أصلي في بيتك"؟ قال: فأشرت له إلى ناحية البيت، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر، فقمنا فصففنا، فصلى ركعتين، ثم سلم. أقول: يحتمل أن يراد بهذه الصلاة سنة الضحى أو سنة دخول البيت كما تحتمل النفل المطلق وفي النص دلالة على أن الصحابة كانوا يتبركون بأن يصلوا حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمهم أن الأمر بالإقبال على الله بالنوافل واسع لا كما يريد بعض الناس أني ضيقه، فذلك نوع من المنع عن الخير إذا لم يرد نص يدل على

_ 2022 - ابن خزيمة (4/ 226) 648 - باب إباحة الطواف والصلاة بمكة بعد الفجر وبعد العصر ... إلخ. 2023 - ابن خزيمة (3/ 87) 165 - باب صلاة التطوع بالنهار في الجماعة ضد مذهب من كره ذلك وهو صحيح.

المنع عن شيء بخصوصه. 2024 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود قال: إنك ما كنت في صلاة فإنك تقرع باب الملك ومن يكثر قرع باب الملك يوشك أن يفتح له. أقول: يلاحظ أن عبد الله بن مسعود ذكر الإكثار من قرع باب الله عز وجل بالصلاة دون تقييد بعدد مما يدل على جواز النفل المطلق. 2025 - * روى الطبراني عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقبر فقال: من صاحب هذا القبر؟ فقالوا: فلان، فقال: "ركعتان أحب إلى هذا من بقية دنياكم". 2026 - * روى مسلم عن ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه قال: "كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فآتيه بوضوئه وبحاجته، فقال لي: اسألني، فقلت: إني أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك، قلت: هو ذاك، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود". 2027 - * روى مسلم عن معدان بن أبي طلحة قال: "لقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أخبرني بعمل أعمله يدخلني الجنة- أو قلت: بأحب الأعمال إلى الله- فسكت، ثم سألته فسكت، ثم سألته الثالثة، فقال: سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: عليك بكثرة السجود لله، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة. قال معدان: ثم أتيت أبا

_ 2024 - الطبراني (9/ 231) في "المعجم الكبير". مجمع الزوائد (2/ 257) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. 2025 - مجمع الزوائد (2/ 249) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات. 2026 - مسلم (1/ 353) 4 - كتاب الصلاة، 43 - باب فضل السجود والحث عليه. أبو داود (2/ 35) كتاب الصلاة، باب وقت قيام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل. 2027 - مسلم (1/ 353) 4 - كتاب الصلاة، 43 - باب فضل السجود والحث عليه. الترمذي (2/ 230) أبواب الصلاة، 286 - باب ما جاء في كثرة الركوع والسجود [وفضله]. النسائي (2/ 228) 12 - كتاب التطبيق، 80 - باب ثواب من سجد لله عز وجل سجدة.

الدرداء فسألته، فقال مثل ما قال لي ثوبان. أقول: في النصين الأخيرين ندب إلى كثرة السجود بإطلاق دون تقييد بعدد وذلك من أدلة جواز النفل المطلق عند العلماء. فائدة: الإكثار من التعبد ليس ببدعة. من أهم الكتب التي ألفت في موضوع جواز النفل المطلق والإكثار من التعبد وأكثرها فوائد وأغرزها علماً وتحقيقاً كتاب (إقامة الحجة على أن الإكثار من التعبد ليس ببدعة) للإمام أبي الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي بتحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة حفظه الله، وسبب تأليف الكتاب كما ذكر المؤلف في المقدمة أنه سمع قائلاً يقول: الاجتهاد في التعبد كإحياء الليل كله وقراءة القرآن في ركعة وأداء ألف ركعة ونحو ذلك مما نقل عن الأئمة: بدعة وكل بدعة ضلالة. فجاء الكتاب في أصلين ومقصدين وخاتمة، ولغزارة فوائد هذا الكتاب ودقة تحقيقه وشموله فإننا سنقتطف أجزاء من كلامه تفي بالمقصود وتعطي القارئ تصوراً عاماً عنه ومن أراد المزيد فعليه بالكتاب فإنه مهم. وقد خصص المؤلف الأصل الأول للحديث عن البدعة وحكم الصحابة والتابعين ومما قاله رحمه الله عن ذلك: (... البدعة: ما لم يكن في القرون الثلاثة، ولا يوجد له أصل من الأصول الأربعة): أي القرآن والسنة والإجماع والقياس، ونقل عن المحقق التفتازاني كلاماً منه (البدعة المذمومة هو المحدث في الدين، من غير أن يكون في عهد الصحابة والتابعين، ولا دل عليه الدليل الشرعي. ومن الجهلة من يجعل كل أمر لم يكن في زمن الصحابة بدعة مذمومة وإن لم يقم دليل على قبحه، تمسكاً بقوله عليه السلام: "إياكم ومحدثات الأمور". ولا يعلمون أن المراد بذلك هو أن يجعل في الدين ما ليس منه). ونقل عن كتاب "مجالس الأبرار": البدعة لها معنيان، أحدهما لغوي عام، وهو: المحدث مطلقاً، سواء كان من العادات أو العبادات. والثاني شرعي خاص، وهو: الزيادة في الدين أو النقصان منه بعد الصحابة، بغير إذن الشارع لا قولاً ولا

فعلاً ولا صريحاً ولا إشارة. وعمومها في الحديث بحسب معناها الشرعي. انتهى ملخصاً. وقال أيضاً: وفي "حواشي الطريقة المحمدية" لخواجه زادة: قوله: بعد الصحابة ... أما الحادث في زمن الخلفاء الراشدين فليس ببدعة، لأن سنتهم كسنة الرسول، بدليل الأمر بالتمسك بسنتهم. ومما ذكره في كتابه: أن ما وقع في زمن الصحابة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم من الأمور المحدثة وأنكروه فهو بدعة ضلالة، وما لم ينكروه بل وجد منهم الرضى والتوافق فليس ببدعة شرعية، وإن أطلق عليه بدعة بالمعنى العام فيقيد بأنه بدعة حسنة وإنما أطلق عليه اسم البدعة بالمعنى اللغوي وهو المحدث مطلقاً لا الشرعي كما سبقت الإشارة إليه ... واعلم أن ما فعله الصحابة إما أن يكون موافقاً لنص من كتاب أو سنة فالأخذ به أولى وإن لم يعرف في العهد النبوي لظهور اندراجه في أصول الشرع وإما أن يكون مخالفاً لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيجمع بينهما حتى الوسع بحيث لا يخرج ما فعله الصحابي عن حيز الشرع فإن لم يكن ذلك فلا نأخذ به لورود النص المخالف ويعذر الصحابي بعدم علمه بذلك النص وإلا لم يقل بخلافه، وإن وجدنا قولاً أو فعلاً من صحابي ولم نجد في الكتاب والسنة ما يخالفه ولا يوافقه فالأخذ بفعل الصحابي أو قوله أولى من تركه. ثم قال: فإن قلت: إذا اتفق أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أمر محدث فأولوية الأخذ به ظاهر، وأما إذا اختلفوا فيه فماذا يفعل؟ قلت: يتخير فيه الآخذ بأيهم اقتدى اهتدى، كما نص عليه الأصوليون في كتبهم. وأما الحادث في زمان التابعين وتابعيهم فالتفصيل فيه: هو التفصيل المذكور سابقاً، فإن كان المحدث في أزمنتهم قد وقع النكير منهم عليه كان بدعة. وإلا فليس ببدعة. [أقول: العبرة لنكير أئمة الاجتهاد وإجماعهم أما إذا لم يجمعوا فالأمر واسع]. وأما الحادث بعد الأزمنة الثلاثة: فيعرض على أدلة الشرع، فإن وجد نظيره في

العهود الثلاثة أو دخل في قاعدة من قواعد الشرع: لم يكن بدعة، لأنها عبارة عما لا يوجد في القرون الثلاثة وليس له أصل من أصول الشرع، وإن أطلقت عليه: (البدعة) قيدته بـ (الحسنة). وإن لم يوجد له أصل من أصول الشرع صار بدعة ضلالة وإن ارتكبه من يعد من أرباب الفضيلة أو من يشتهر بالمشيخة، فإن أفعال العلماء والعُبَّاد ليست بحجة ما لم تكن مطابقة للشرع. اه. هـ هذا فيما يتعلق بالبدعة وأن ما فعله الصحابة أو الأئمة من التابعين وتبعهم وما فعل في زمانهم ن غير نكير منهم ليس ببدعة. ثم ذكر الأصل الثاني: (في ذكر جماعة من الذين اجتهدوا في العبادة، وصرفوا تمام أعمارهم في الجهاد في الطاعة، على سبيل الاختصار، إذ الإحاطة بأحوال جميع المجاهدين مما يقصر عنه البشر، إنما هو شأن خالق القوى والقدر) فذكر ستاً من الصحابة هم: عثمان وعلي وتميم الداري وعمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر وشداد بن أوس رضي الله عنهم وذكر من التابعين ثمانية عشر إماماً عرفوا بالاجتهاد والإكثار من العبادة منهم: أويس القرني ومسروق وابن المسيب وثابت البناني وسعيد بن جبير ومالك بن دينار، ثم ذكر أحد عشر رجلاً من بعد التابعين منهم: إبراهيم بن أدهم وشعبة بن الحجاج والشافعي وأحمد بن حنبل ووكيع، وأضاف المحقق- الشيخ عبد الفتاح أبو غدة- سبعة آخرين تمم بها بعض مقاصد الكتاب وفوائده ونقل تحقيقاً نافعاً عن الإمام النووي حول الإكثار من تلاوة القرآن ونحو ذلك فليراجع (ص 198). ثم شرع الإمام اللكنوي رحمه الله في بيان المقصد الأول وهو في إثبات أن مثل هذه الاجتهادات في العبادة ليست ببدعة وضلالة لوجوه: [ونقتطف من كلامه ما يلي]: الأول: أنه قد وُجد الاجتهاد في العبادة حسب الطاقة من الصحابة والتابعين وتابع التابعين من غير إنكار أحد منهم، وكل ما كان كذلك: فهو ليس ببدعة. الثاني: أنه قد وُجِد بعض ذلك من بعض الخلفاء، كعمر وعثمان كما مر في الأصل الثاني وكل ما وجد منهم من غير نكير: سُنَّة، فإن السنة ليست مختصة بما فعله النبي

صلى الله عليه وسلم، بل تعمه وتعم ما فعله الخلفاء- كلهم أو بعضهم- وما شرعوا في الدين ورضوا به وإن لم يباشروا به. الثالث: أنه قد وُجد ذلك من الأئمة المجتهدين وأجلة الفقهاء والمحدثين، فإن كان ذلك بدعة وضلالة: لزم كونهم مبتدعين ضالين، واللازم باطل بإجماع من يعتد به من المسلمين. الرابع: أن أجلة المؤرخين الذين هم المعتمد عليهم بين المسلمين، وقد اشتهر ورعهم في الدين وتحرزهم عن الابتداع في الدين، قد أوردوا في تصانيفهم في تراجم العلماء ذكر اجتهادهم في العبادة وأدرجوا ذلك مدرج المدح والجلالة، وهذا أدل دليل على عدم اشتهارهم ببدعة عندهم، فإن المدح بما هو بدعة ليس من شأن العلماء. الخامس: أنه قد ثبت ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم، وكل ما ثبت منه ليس ببدعة. 2028 - * روى البخاري عن عائشة "كان النبي صلى الله عليه وسلم ليقوم- أو ليصلي- حتى ترم قدماه، فيقال له؟ فيقول: أفلا أكون عبداً شكوراً؟ ". فإن قلت لم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم قام ليلة كلها أو قرأ القرآن في ركعة أو زاد على إحدى عشرة ركعة. قلت: أولاً: إنه قد ثبت إحياء الليل من النبي صلى الله عليه وسلم، وهو سهر الليل كله للعبادة أخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا في "كتاب التفكر". 2029 - * روى ابن حبان في "صحيحه" وابن مردويه والأصبهاني في كتاب "الترغيب والترهيب" وابن عساكر، عن عطاء قال: قلت لعائشة: أخبريني بأعجب ما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: وأي شأنه لم يكن عجباً؟ .. إنه أتاني ليلة فدخل معي لحافي ثم قال: ذريني أتعبد لربي فقام فتوضأ ثم قام يصلي، فبكى حتى

_ 2028 - البخاري (3/ 14) 19 - كتاب التهجد، 6 - باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم الليل. 2029 - ابن حبان (2/ 8، 9) ذكر البيان بأن المرء عليه إذا خلا لزوم البكاء على ما ارتكب من الحرمات وإن كان بائناً عنها مجداً في إتيان ضدها.

سالت دموعه على صدره، ثم ركع فبكى ثم سجد فبكى، ثم رفع رأسه فبكى، فلم يزل كذلك حتى جاء بلال يؤذنه بالصلاة، فقلت: يا رسول الله، وما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً، ولم لا أفعل وقد أنزل الله علي هذه الليلة (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب) (1) ... الآيات. فدل ذلك على أن نفي عائشة قيام الليل كله محمول على غالب أوقاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكذلك خبر عدم الزيادة على إحدى عشرة ركعة محمول على ما هو الأغلب، وإلا فقد ثبت بروايات متعددة الزيادة على ذلك إلى خمس عشرة ركعة. كذا ذكره النووي في "شرح صحيح مسلم". وثانياً: [وإن سلمنا] أنه صلى الله عليه وسلم لم يقم ليلة كلها ولا قرأ القرآن في ليلة ولا زاد على إحدى عشرة ركعة- نقول: قد ثبت منه مثله وما يشبهه في التشدد، وهو قيامه حتى تورمت قدماه، وذلك كاف في ارتفاع اسم البدعة عن هذه الاجتهادات، فإن البدعة: ما لا يكون هو ولا مثله في العهد النبوي، وليس بشرط أن يثبت كل جزئي من جزئيات العبادة منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وثالثاً: أنه وإن لم [يتجشم] هذه الاجتهادات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم شفقة على أمته، فقد تجشمه من أمرنا رسول الله بالاهتداء بسنتهم والسلوك على مسلكهم، فكيف يكون بدعة؟ كما مر ذكر ذلك. السادس: أنه قد أجاز النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم العبادة على حسب الطاقة. 2030 - * روى أبو داود عن عائشة قالت: إن رسول الله قال: "اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب العمل إلى الله

_ (1) آل عمران: 190. 2030 - أبو داود (2/ 48) كتاب الصلاة، 28 - باب ما يؤمر به من القصد في الصلاة.

أدومه وإن قل، وكان إذا عمل عملاً أثبته". 2031 - * وروى البخاري عنها مرفوعاً "عليكم ما تطيقون من الأعمال فإن الله لا يمل حتى تملوا". وإذا ثبت جواز العمل حسب الطاقة إلى أن لا يحصل الإعياء والملل فنقول: طاقة الناس مختلفة، فكم من رجل يطيق شيئاً ولا يطيقه آخر؟ وكم من رجل يمل من شيء ولا يمل منه آخر؟ وكم من رجل أعطي السرعة في القراءة ولم ينلها الآخر. فمن أطاق كثرة العبادة والقراءة وقيام الليل ونحو ذلك من دون حصول ملل يجوز له ذلك، بالأحاديث السابقة، ومن حصل له ملل أو عرض له خلل لزم له ترك ذلك. فالحكم بأن الزيادة على ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مطلقاً غير جائزة: خطأ فاحش. ثم شرع الإمام اللكنوي رحمه الله في المقصد الثاني وهو في دفع الشبهات الواردة على المجاهدات وذكر عبارات العلماء في جواز التشدد، بالشروط العديدة فقال: "اعلم أنه قد ورد بعض الأخبار في المنع عن التشدد في العبادة، فظن منها الظانون أنه منهي عنه مطلقاً، ولم يتأملوا ما هو مورد النهي وما ليس بمورد النهي. وساق عدداً من هذه الأخبار ثم أجاب عنها بما مضمونه: - أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع من كثرة الصلاة بل أجاز العمل بحسب الطاقة وإلى أن لا يسأم العامل فيترك العمل. - أو أنه نهى من علم من حاله أنه لا يتمكن من الدوام على ما التزمه فهذه إلى سبيل الرخصة وعلله بأن لنفسه عليه حقاً، ولأهله عليه حقاً، وبأنه إذا فعل ذلك ضعفت عينه، ونهك بدنه (1)، فدل ذلك على أن الجهاد (2) بحيث يورث ملال الخاطر وكسله، أو يخل بشيء من الحقوق الشرعية: ممنوع عنه (3). ولا دلالة له على منعه مطلقاً.

_ 2031 - البخاري (3/ 36) 19 - كتاب التهجد، 18 - باب ما يكره من التشديد في العباد. (1) أي ضعف. (2) أي الاجتهاد في العبادة. (3) أي منهي عنه.

- أو أن هناك من التزم العبادة وترك الحقوق الواجبة كما حدث لأبي الدرداء حينما اعتزل زوجه فهذا يدل على أن التشدد بحيث يفضي إلى الفتور في الحقوق (هو المنهي عنه، لا مطلقاً). وأما عن حديث رهط من الصحابة، فهو أنهم تقالوا عمل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وظنوا أنه إنما لا يجتهد لكونه مغفوراً له، وأوجبوا على أنفسهم ما لم يوجبه الله، وأعرضوا عن الطريقة السهلة، فلذلك زجرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ذلك، وهداهم إلى طريقته، وقال: "من رغب عن سنتي". أي أعرض عنها غير معتقد حسن ما أنا عليه، كما ظنه ذلك النفر من الصحابة "فليس مني". أي ليس ممن يسلك مسلكي ويهتدي بهديي، ولا دلالة له على أنه إذا اجتهد رجل حسب طاقته غير موجب ما لم يوجبه الله وغير مفضل مسلكه على المسلك النبوي لا يجوز ذلك. أو أن النهي ورد على قوم حرموا على أنفسهم ما لم يحرمه الله، وأوجبوا على أنفسهم ما لم يوجبه الله، فنهوا عن ذلك، ولا دلالة له على نفي التشدد مطلقاً، بل على التزامه بحيث يورث إلى إبداع أمر في الشرع ليس منه. ونقل عن البركلي تحقيقاً لدفع التعارض بين هذه الأحاديث وبين مجاهدات السلف ما مضمونه أن المنع عن التشديد في العبادة. إما أن يفضي إلى إهلاك النفس أو إضاعة الحق الواجب للغير أو ترك العبادة أو ترك مداومتها، وإما أن النبي صلى الله عليه وسلم وكونه أرسل رحمة للعالمين. ومؤيد من عند الله فيقوى على ما لا يقوى عليه آحاد الأمة، وإنه أخشى الناس من الله وأتقاهم وأعلمهم بالله، فلا يتصور منه البخل وترك النصح، ولا التواني والتكاسل، ولا الجهل في أمر الدين، فلو كان في العبادة والقرب من الله طريق أفضل وأنفع غير ما هو عليه لفعل أو بيَّنه وحث عليه، فيجزم قطعاً أن ما هو عليه أفضل وأقرب إلى معرفة الله. فيحمل ما روي عنهم على أنهم إنما فعلوا ذلك التشديد إما مداواة لأمراض

القلوب، أو يكون العبادة عادة لهم وطبعاً كالغذاء للصحيح، فيتلذذون بها بلا إضاعة حق ولا ترك مداومة ولا اعتقاد أنه أفضل مما عليه أفضل البشر أو قاله. وأما نبينا صلى الله عليه وآله وسلم فقد بلغ الدرجة العليا من الكمال، وهي أن لا يمنعه عن توجه القلب شيء، لا التكلم مع الخلق ولا الأكل ولا الشرب ولا النوم ولا ملامسة النساء. ويكون الخلطة والعزلة سواء، فاقتصاره على بعض العبادات الظاهرة لكونها أفضل له ولأمته. وتلذذه عليه السلام دائم لا يختص بالعبادة الظاهر، ومما قاله اللكنوي في هذا المقام نقلاً عن كتاب "الحديقة الندية للنابلسي": فالحاصل: أن السلف الماضين اختاروا العزائم في أنفسهم لأنهم أهل الهمم والعزائم، وكانوا معترفين بصحة الرخص الشرعية يفتون بها للعامة، ويحرضونهم على فعلها. كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل أحياناً: يأمر بالرخص ويفعل بالعزائم، كما أخبر في قضية صوم الوصال". انتهى كلامه ملخصاً. ثم قال اللكنوي: وخلاصة المرام في هذا المقام- وهو الذي أختار تبعاً للعلماء الكرام: أن قيام الليل كله، وقراءة القرآن في يوم وليلة مرة ومرات، وأداء ألف ركعة أو أزيد من ذلك، ونحو ذلك من المجاهدات والرياضات ليس ببدعة، وليس بمنهي عنه في الشرع، بل هو أمر حسن مرغوب إليه، لكن بشروط: أحدها: أن لا يحصل من ذلك ملال الخاطر، يفوت به التذاذ العبادة وحضور القلب، يؤخذ ذلك من حديث: "ليصل أحدكم نشاطه". أي مدة نشاط خاطره وسرور طبيعته. وثانيها: أن لا يتحمل بذلك على نفسه مشقة لا يمكن له تحملها بل يكون ذلك مطاقاً له، يؤخذ ذلك من حديث: "عليكم من الأعمال ما تطيقون". وثالثها: أن لا يفوت بذلك ما هو أهم من ذلك، مثلاً إن كان قيامه بالليل

يفوت صلاة الصبح لا يجوز له قيام الليل كله، فإن أداء الفرض أهم من أداء النوافل. ورابعها: أن لا يفوت بذلك حق من الحقوق الشرعية، كحق الأهل والأولاد والضيف وغير ذلك، يؤخذ ذلك من قصة عبد الله بن عمرو وأبي الدرداء. وخامسها: أن لا يكون فيه إبطال للرخص الشرعية بحيث يعد الترخيص الشرعي باطلاً والعامل بالرخص عاطلاً، يؤخذ ذلك من حديث الصحابة الذين تقالوا عمل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وسادسها: أن لا يكون فيه إيجاب ما ليس بواجب في الشرع وتحريم ما لم يحرم في الشرع، يؤخذ من حديث عثمان بن مظعون. وسابعها: أن يوفي أركان العبادات حظها، فلا يجوز أن يكثر من ركعات الصلاة ويؤديها كنقر الديك، أو يكثر قراءة القرآن من غير تدبر وترتيل ونحو ذلك، وعليه يحمل قوله عليه السلام: "لا يفقه القرآن من قرأه في أقل من ثلاث" ... وثامنها: أن يدوم على ما يختار من العبادة لا يتركه إلا لعذر، يؤخذ ذلك: 2032 - * روى مسلم من قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل". وتاسعها: أن لا يكون اجتهاده مورثاً للملال إلى أحد من المسلمين، كأن يجتهد في قراءة السور الطوال أو تمام القرآن في صلاة الجماعة، فإن ذلك مما يورث ملال المقتدين. فإن فيهم الضعيف والسقيم وصاحب الحاجة ... عاشرها: أن لا يكون اجتهاده مورثاً إلى اعتقاد أنه أفضل عملاً مما كان عليه

_ 2032 - مسلم (1/ 541) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 30 - باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره.

رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثر أصحابه من تقليل العمل. فمن وجدت فيه هذه الشروط فالتشدد في العبادة أحق له؛ وأصحاب الرياضات السابقين كانوا جامعين لهذه الشروط فجاز لهم ذلك، ولم ينكر عليهم أحد ذلك. ومن فات له شرط منها فالاقتصاد في العمل والتوسط أليق له. هذا هو الطريق الوسط الذي يرتضيه كل منصف، لا إفراط فيه ولا تفريط مما يذهب إليه كل متعسف. ولعل هذا التحقيق الأنيق مما لم يقرع سمعك به أحد من السابقين! فخذه بقوة وكن من الشاكرين. اهـ. مقتطفاً من كتاب الإمام اللكنوي بتحقيق الأستاذ عبد الفتاح أبو غدة.

الفقرة الثامنة: في صلاة التسابيح

الفقرة الثامنة: في صلاة التسابيح 2033 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عباس وأبي رافع رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للعباس بن عبد المطلب: "يا عباس، يا عماه، ألا أعطيك، ألا أمنحك، ألا أجيزك، ألا أفعل بك؟ عشر خصال إذا أنت فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك: أوله وآخره، قديمه وحديثه، خطأه وعمده، صغيره وكبيره، سره وعلانيته! عشر خصال: أن تصلي أربع ركعات، تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة، فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة وأنت قائم، قلت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر- خمس عشرة مرة- ثم تركع فتقولها وأنت راكع عشراً، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقولها عشراً، ثم تهوي ساجداً فتقولها وأنت ساجد عشراً، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشراً، ثم تسجد فتقولها عشراً، ثم ترفع رأسك فتقولها عشراً، فذلك خمس وسبعون في كل ركعة، تفعل ذلك في أربع ركعات إن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل، فإن لم تفعل ففي كل جمعة، فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة، فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة، فإن لم تفعل ففي كل عمرك مرة". ولأبي داود في أخرى (1) عن أبي الجوزاء: حدثني رجل كانت له صحبة- يرون

_ 2033 - أبو داود (2/ 30) كتاب الصلاة، باب صلاة التسبيح. ابن ماجه (1/ 443) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 190 - باب ما جاء في صلاة التسبيح. الحاكم (1/ 318) كتاب صلاة التطوع. ابن خزيمة (2/ 223) جماع أبواب التطوع غير ما تقدم، 526 - باب صلاة التسبيح. (1) أبو داود (2/ 30) كتاب الصلاة، باب صلاة التسبيح. (أمنحك) المنحة: العطية. (أجيزك) الجائزة: ما يعطى الوافد والقاصد، وأصل الجائزة، أن يعطي الرجل الرجل ماء، أو يجيزه ليذهب لوجهه، يقول الرجل إذا ورد ماء لقيم الماء: أجزني ماء، أي: أعطني ماء حتى أذهب لوجهي، ثم كثر حتى سموا الغبطة: جائزة.

أنه عبد الله بن عمرو- قال: "ائتني غداً أحبوك، وأثيبك، وأعطيك، حتى ظننت أنه يعطيني عطية، قال: "إذا زال النهار فقم فصل أربع ركعات" ... فذكر نحوه، قال: ثم ترفع رأسك- يعني: من السجود- وفي نسخة من السجدة الثانية- فاستو جالساً ولا تقم حتى تسبح عشراً، وتهلل عشراً وتحمد عشراً، وتكبر عشراً، ثم تصنع ذلك في الأربع ركعات، قال: فإنك لو كنت أعظم أهل الأرض ذنباً غفر لك بذلك، قلت: فإن لم أستطع أن أصليها تلك الساعة؟ قال: صلها من الليل والنهار". قال أبو داود: رواه أبو الجوزاء عن عبد الله بن عمرو موقوفاً. وفي رواية الأنصاري (1) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجعفر بهذا ... الحديث، فذكر نحوه- قال: في السجدة الثانية من الركعة الأولى". وأخرجه الترمذي (2) عن أبي رافع قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس: يا عم، ألا أصلك ألا أحبوك، ألا أنفعك؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: يا عم، صل أربع ركعات، تقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة، فإذا انقضت القراءة فقل: الله أكبر، والحمد لله، ولا إله إلا الله، وسبحان الله، خمس عشرة مرة قبل أن تركع ... وذكر مثله، فذلك خمس وسبعون في كل ركعة، وهي ثلاثمائة في أربع ركعات، فلو كانت ذنوبك مثل رمل عالج غفرها الله لك، قال: يا رسول الله، ومن لم يستطع أن يقولها في يوم؟ قال: إن لم تستطع أن تقولها في يوم فقلها في جمعة، فإن لم تستطع أن تقولها في جمعة فقلها في شهر، فلم يزل يقول له حتى قال: فقلها في سنة". أقول: وقد نمي إلي أثناء عملي في الكتاب أن بعض فضلاء عصرنا ضعف هذا

_ = (أحبوك) الجباء: العطية. (1) أبو داود (2/ 30) كتاب الصلاة، باب صلاة التسبيح. (2) الترمذي (2/ 351) أبواب الصلاة، 350 - باب ما جاء في صلاة التسبيح. وقال محقق الجامع: وهو حديث صحيح لطرقه وشواهده الكثيرة.

الحديث لوجوه منها أن الحديث لا يتفق والبلاغة النبوية، قلت: وهذا باب واسع- أي التضعيف بسبب البلاغة- والخوض فيه ذو مزالق ... وليس من عبث أن يورد الإمام أبو داود للحديث ثلاث طرق كل طريق بمفردها لا تنزل عن درجة الحسن فكيف إذا اجتمعت ... فإذا أضفنا إليها طريق الترمذي وطرقه الأخرى عرفنا صحة الحديث وممن صحح الحديث من المعاصرين العلامة أحمد شاكر (السنن للترمذي 2/ 351 - 252) وانظر ما نقله عن ابن المبارك والحاكم والذهبي والمنذري والآجري والمقدسي ومسلم بن الحجاج ... وغيرهم.

الباب السابع في الصلوات السنوية

الباب السابع في الصلوات السنوية وفيه مقدمة وفقرات الفقرة الأولى: صلاة التراويح وقيام رمضان وتهجده. وفيها نصوص ومسائل وفوائد. الفقرة الثانية: في صلاة العيدين. وفيها عرض إجمالي ونصوص.

مقدمة

مقدمة قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1)، وقد بعث الله الرسل وأنزل الوحي من أجل التوحيد لله وإقامة العبودية له، قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (2). وأنواع العبادات كثيرة ومظاهر العبودية لله كثيرة، ولا تعرف العبادة والعبودية إلا بدراسة شاملة لنصوص الكتاب والسنة، فمن العبادات: العبادات البدنية، ومنها العبادات المالية ومنها العبادات المالية والبدنية، ومظاهر العبودية كثيرة في الموت والحياة، وفي دوائر الأسرة والجوار والمجتمع وفي التعامل والمعاملات، وفي العقود والعهود إلى غير ذلك مما سنرى. والركن الأصيل في العبادة الذي هو تحقيق للعقيدة، والذي هو معين على تحقيق بقية العبادات وإقامة العبودية هو الصلاة. وكما أن هناك صلوات يومية فهناك صلاة أسبوعية هي الجمعة، وهناك صلوات سنوية هي صلاتا العيدين التي تختص ببعض الأحكام، وقيام رمضان جماعة في المسجد وهي التي تسمى صلاة التراويح. ولو أننا تأملنا في صلاة الجماعة والجمعة والعيدين لوجدنا أن هذه الصلوات لها حكمها الكثير، والتي من جملتها: صهر المسلمين مع بعضهم في إطار التوحيد والوحدة على أساس من العبادة والعبودية لله تعالى. وفي صلاة الجماعة اليومية يلتقي أهل المسجد الواحد يومياً خمس مرات ليقيموا الصلوات الخمس ومن فاتته صلاة الجماعة يومياً فإنه يجتمع مع إخوانه المسلمين يوم الجمعة اجتماعاً أشمل وأكبر، والأصل أن يكون اجتماع الجمعة في مسجد جامع كبير يضم أهل البلد جميعاً، لكنه لتعذر وجود الجامع الواحد الذي يضم أهل البلد بعد توسع العمران تسوهل في تعدد الجمع

_ (1) الذاريات: 56. (2) الأنبياء: 25.

حيث ما ألجأت الضرورة لذلك، أما صلاة العيدين فالأصل فيها أن يجتمع سكان البلد جميعاً رجالاً ونساء دون اختلاط، فيستشعر المسلمون والمسلمات في البلد الواحد أخوتهم ووحدتهم على التوحيد والعبادة والعبودية. فالصلوات اليومية والأسبوعية والسنوية تكمل بعضها في تحقيق التوحيد والعبادة والعبودية كما أنها تتكامل في تحقيق التوحيد والوحدة، وقد جعل الله عز وجل للمسلمين موسمين عظيمين في السنة للعبادة، موسم رمضان وموسم الحج وجعل لكل موسم عيداً وجعل لكل عيد صلاة، فأعياد المسلمين أفراح بفضل الله، وتعبير عن التعظيم لله والشكر له فإذا كانت أعياد غير المسلمين فرحاً بدنياً تعبيراً عن الالتصاق في الدنيا، فإن أفراح المسلمين تعبير عن الشكر لله على ما آتاهم في الدنيا وبما يحققون به شعارهم أنهم طلاب آخرة، ورمز ذلك كله صلاتا العيدين وربطهما بموسمين للعبادة موسم رمضان وموسم الحج. ولرمضان أحكامه، وللصوم محله في عبادات الإسلام، وسيأتي الكلام عن هذا في جزء مستقل إلا أن مما يتميز به رمضان في موضوع الصلاة قيام رمضان في جماعة في المسجد هي صلاة التراويح لذلك اقتضى ذكرها في جزء الصلاة وجعلناها في هذا الباب لأنها من العبادات السنوية، وجعلنا صلاة العيدين في هذا الباب لأنهما صلاتان سنويتان وجعلناهما في جزء الصلاة حتى يأخذ المسلم تصوراً كاملاً عن عبادة الصلاة في جزء واحد من هذا الكتاب. وإذا كانت صلاة عيد الأضحى قد ارتبطت بموسم الحج، وكان للحج بحثه المنفرد في قسم العبادات فسنشير إليها هناك إشارة ولكن محل تفصيلها هنا، وليوم عيد الفطر واجبات أخرى كصدقة الفطر، وليوم عيد الأضحى واجباته الأخرى كالأضحية، لغير الحاج وواجباته للحاج فسنقتصر ههنا على إشارات ونؤخر الكلام تفصيلاً إلى مباحث الصوم والحج اكتفاء بذكر ما هو الألصق بموضوعات هذا الجزء. ويسبق عيد الفطر شهر رمضان بما فيه من إلزامات والتزامات وفضائل وبركات وتأتي صلاة العيد متوجة لموسم رمضان، وقد جعل الله عز وجل صلاة عيد الأضحى في أيام موسم الحج وزيادة على ذلك فقد جعلها واقعة في جزء من الأيام المعلومات وقبل الأيام

المعدودات وهي أيام ذكرها القرآن وتحدثت السنة عن فضلها وفضيلتها. فالأيام العشر من ذي الحجة هي الأيام المعلومات ولها فضلها الكبير، وصلاة العيد تكون في اليوم العاشر منها، وتعقبها الأيام المعدودات وهي أيام التشريق التي يكمل فيها الحجاج إقامة مناسكهم، فصلاة عيد الأضحى تأتي في قلب أيام ذات فضل كبير. ولكون صلاة التراويح وصلاتي العيدين لها صفة التكرر السنوي فقد جعلناها في باب واحد.

الفقرة الأولى صلاة التراويح وقيام رمضان وتهجده

الفقرة الأولى صلاة التراويح وقيام رمضان وتهجده 2034 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان، من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة، فيقول: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدراً من خلافة عمر. في رواية (1) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لرمضان: "من قامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه". في رواية (2) قال: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه". قال النووي (6/ 39 - 40): قوله صلى الله عليه وسلم: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً" معنى إيماناً: تصديقاً بأنه حق مقتصده فضيلته ومعنى احتساباً: أن يريد الله تعالى وحده لا يقصد رؤية الناس ولا غير ذلك مما يخالف الإخلاص والمراد بقيام رمضان صلاة التراويح واتفق العلماء على استحبابها واختلفوا في أن الأفضل صلاتها منفرداً في بيته أم في جماعة في المسجد فقال الشافعي وجمهور أصحابه وأبو حنيفة وأحمد وبعض المالكية وغيرهم: الأفضل صلاتها جماعة كما فعله عمر بن الخطاب والصحابة رضي الله عنهم واستمر عمل المسلمين عليه لأنه من الشعائر الظاهرة فأشبه صلاة العيد. وقال مالك وأبو يوسف وبعض الشافعية وغيرهم: الأفضل فرادى في البيت لقوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة". قوله صلى الله عليه وسلم: "غفر له

_ 2034 - البخاري (4/ 250) 31 - كتاب صلاة التراويح، 1 - باب فضل من قام رمضان. وفي موضع آخر في البخاري (1/ 92) 2 - كتاب الإيمان، 27 - باب تطوع قيام رمضان من الإيمان. مسلم (1/ 523) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 25 - باب الترغيب في قيام رمضان. (1) البخاري (4/ 250) 31 - كتاب صلاة التراويح، 1 - باب فضل من قام رمضان. (2) البخاري (4/ 255) 32 - كتاب فضل ليلة القدر، 1 - باب فضل ليلة القدر.

ما تقدم من ذنبه": المعروف عند الفقهاء أن هذا مختص بغفران الصغائر دون الكبائر قال بعضهم: ويجوز أن يخفق من الكبائر ما لم يصادف صغيرة. قوله: (من غير أن يأمرهم بعزيمة) معناه: لا يأمرهم أمر إيجاب وتحتيم بل أمر ندب وترغيب ثم فسره بقوله: فيقول: "من قام رمضان" وهذه الصيغة تقتضي الترغيب والندب دون الإيجاب واجتمعت الأمة على أن قيام رمضان ليس بواجب بل هو مندوب. قوله: (فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدراً من خلافة عمر) معناه استمر الأمر هذه المدة على أن كل واحد يقوم رمضان في بيته منفرداً حتى انقضى صدر من خلافة عمر ثم جمعهم عمر على أبي بن كعب فصلى بهم جماعة واستمر العمل على فعلها جماعة، وقد جاءت هذه الزيادة في صحيح البخاري في كتاب الصيام. اهـ. 2035 - * روى النسائي عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان، ففضله على الشهور، فقال: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه". وفي أخرى (1) - فذكر مثله- وقال: "من صامه وقامه إيماناً واحتساباً". وفي أخرى (2) قال: "إن الله فرض صيام رمضان، وسننت لكم قيامه، فمن صامه وقامه إيماناً واحتساباً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه". 2036 - * روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر من رمضان أحيى الليل، وأيقظ أهله، وجد، وشد المئزر".

_ 2035 - النسائي (4/ 158) 22 - كتاب الصيام، 40 - ذكر اختلاف يحيى بن أبي كثير والنضر بن شيبان فيه وهذا الحديث أخرجه النسائي وقال: هذا خطأ، والصواب أنه عن أبي هريرة، وهذا الحديث حسن بشواهده. (1) النسائي (4/ 158) نفس الموضع السابق. (2) النسائي (4/ 158) نفس الموضع السابق. 2036 - البخاري (4/ 269) 32 - كتاب فضل ليلة القدر، 5 - باب العمل في العشر الأواخر من رمضان. مسلم (2/ 832) 14 - كتاب الاعتكاف، 3 - باب الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان. أبو داود (2/ 50) كتاب الصلاة، 29 - باب تفريع أبواب شهر رمضان، باب في قيام شهر رمضان. النسائي (3/ 217، 218) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 17 - الاختلاف على عائشة في إحياء الليل. (شد المئزر) شد المئزر: كناية عن اجتناب النساء، أو عن الجد والاجتهاد في العمل.

ولمسلم (1) قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره، وفي العشر الأواخر منه ما لا يجتهد في غيره. قال النووي (8/ 71): (ففي هذا الحديث أنه يستحب أن يزاد من العبادات في العشر الأواخر من رمضان واستحباب إحياء لياليه بالعبادات). 2037 - * روى الترمذي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله في العشر الأواخر من رمضان". 2038 - * روى الشيخان عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: احتجر رسول الله صلى الله عليه وسلم حجيرة بخصفة أو حصير- قال عفان: في المسجد، وقال عبد الأعلى: في رمضان- فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيها، قال: فتتبع إليه رجال، وجاؤوا يصلون بصلاته، قال: ثم جاؤوا ليلة، فحضروا، وأبطأ برسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم فلم يخرج إليهم، فرفعوا أصواتهم، وحصبوا الباب، فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضباً، فقال لهم: "ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيُكتب عليكم، فعليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة". وفي حديث عفان "ولو كتب عليكم ما قمتم به"، وفيه "فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة".

_ (1) مسلم (2/ 832) 14 - كتاب الاعتكاف، 3 - باب الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان. 2037 - الترمذي (3/ 161) 6 - كتاب الصوم، 73 - باب منه. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. 2038 - البخاري (2/ 214، 215) 10 - كتاب الأذان، 81 - باب صلاة الليل وهذا الحديث له موضع آخر في البخاري (10/ 517) 78 - كتاب الأدب، 75 - باب ما يجوز من الغضب والشدة لأمر الله تعالى. مسلم (1/ 539) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 29 - باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد. أبو داود (2/ 69) كتاب الصلاة، 11 - باب في فضل التطوع في البيت. (احتجر) الحجرة: الناحية المنفردة، والاحتجار: الانفراد والتنحي عن القوم، وقوله: "حجيرة" تصغير: حجرة. (بخصفة) الخصفة: نوع من الحصر، وأصل الخصف: الجمع والضم، وقيل: الخصف: ثياب غلاظ، ولعلها شبهت بالخصف لخشونتها، فسميت به. (وحصبوا) الحصب: الرمي بالحجارة.

وفي رواية (1) النسائي "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرة في المسجد من حصير، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ حجرة في المسجد من حصير، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ليالي، فاجتمع إليه ناس، ثم فقدوا صوته ليلة، فظنوا أنه قد نام، فجعل بعضهم يتنحنح ليخرج، فلم يخرج، فلما خرج للصبح قال: "ما زال بكم الذي رأيت من صنيعكم، حتى خشيت أن يُكتب عليكم، ولو كتب عليكم ما قمتم به، فصلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة". قال التهانوي: (في الحديث دلالة على كون النوافل في البيت أفضل منها في المسجد وعلى كون الجماعة مختصة بالمكتوبة، وأما النوافل فالأصل فيها الإخفاء) وقال: (ومقتضى هذا الدليل أن تكره الجماعة في النفل والوتر مطلقاً إلا أنا قيدناه بالتداعي وهو أن يدعو بعضهم بعضاً، وفسره الفقهاء بالكثرة لما ورد عنه صلى الله عليه وسلم التنفل بالجماعة أحياناً من غير تداع منه). ثم قال: (وتفسير التداعي بالاهتمام والمواظبة أولى من تفسيرها بالعدد والكثرة كما لا يخفى. واستثنى العلماء صلاة التطوع في ليالي رمضان جماعة لما سيرد من الأدلة). قال في الخلاصة: (ولا يصلى التطوع بجماعة إلا في رمضان) ا. هـ (إعلاء السنن 7/ 77 - 81). لكن ذكر النووي (6/ 41) استدلالاً بالحديث التالي جواز النافلة جماعة وقال: ولكن الاختيار فيها الانفراد إلا في نوافل مخصوصة وهي العيد والكسوف والاستسقاء، وكذا التراويح عند الجمهور. ا. هـ. وجاء في رد المحتار على الدر المختار أثناء حديثه عن الجماعة في التطوع والوتر: ويمكن أن يقال: الظاهر أن الجماعة فيه- أي في الوتر- غير مستحبة، ثم إن كان

_ (1) النسائي (3/ 198) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 1 - باب الحث على الصلاة في البيوت والفضل في ذلك.

أحياناً كان مباحاً غير مكروه وإن كان على سبيل المواظبة كان بدعة مكروهة لأنه خلاف المتوارث. ا. هـ. قال التهانوي: ويؤيده ما في البدائع: (إن الجماعة في التطوع ليست بسنة إلا في قيام رمضان) فإن نفي السنية لا يستلزم الكراهة. ا. هـ. 2039 - * روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد، فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة، فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح قال: قد رأيت الذي صنعتم، ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم، وذلك في رمضان". وفي رواية (1) قالت: كان الناس يصلون في المسجد في رمضان أوزعاً، فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربت له حصيراً، فصلى عليه ... بهذه القصة، قالت فيه: قال: تعني النبي صلى الله عليه وسلم-: "أيها الناس، أما والله ما بت ليلتي هذه بحمد الله غافلاً، ولا خفي علي مكانكم". وفي رواية البخاري (2) ومسلم (3) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من جوف الليل، فصلى في المسجد، فصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس يتحدثون بذلك، فاجتمع أكثر منهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليلة الثانية فصلوا بصلاته، فأصبح الناس يذكرون ذلك، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج، فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطفق رجال منهم يقولون: الصلاة، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى خرج لصلاة الفجر، فلما قضى الفجر أقبل على الناس، ثم تشهد فقال: "أما بعد، فإنه لم يخف علي شأنكم الليلة، ولكني خشيت

_ 2039 - أبو داود (2/ 49) كتاب الصلاة- باب تفريع أبواب شهر رمضان. (1) أبو داود (2/ 50) نفس الموضع السابق. (2) البخاري (2/ 403) 11 - كتاب الجمعة، 29 - باب من قال في الخطبة بعد الثناء أما بعد. (3) مسلم (1/ 524) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 25 - باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح. (أوزاعاً): الأواع: الفرق والجماعات، يقال فيها: أوزاع من الناس، أي جماعات. وهو من التوزيع: التفريق.

أن تفرض عليكم صلاة الليل، فتعجزوا عنها". وفي رواية (1) بنحوه ومعناه مختصراً، قال: "وذلك في رمضان". زاد في أخرى (2) "فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك". 2040 - * روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل في حجرته، وجدار الحجرة قصير، فرأى الناس شخص النبي صلى الله عليه وسلم، فقام ناس يصلون بصلاته، فأصبحوا فتحدثوا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم الثانية يصلي، فقام ناس يصلون بصلاته، فصنعوا ذلك ليلتين أو ثلاثاً، حتى إذا كان بعد ذلك جلس النبي صلى الله عليه وسلم ولم يخرج، فلما أصبح ذكر ذلك له الناس، فقال: "إني خفت أن تكتب عليكم صلاة الليل". قال: قالت: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرته والناس يأتمون به من وراء الحجرة". بعد أن ناقش ابن حجر رحمه الله أسباب الخشية من أن تفرض الصلاة في الليل، قال (3/ 14): (... لأن الخشية المذكورة أمنت بعد النبي صلى الله عليه وسلم لذلك جمعهم عمر بن الخطاب على أبي بن كعب). ا. هـ. قال السيوطي في شرحه على سنن النسائي (3/ 202 - 203): قال المحب الطبري: يحتمل أن يكون الله أوحى إليه أنك إن واظبت على هذه الصلاة معهم افترضتها عليهم، فأحب التخفيف عنهم بترك المواظبة، قال: ويحتمل أن يكون ذلك وقع في نفسه ما اتفق في بعض القرب التي داوم عليها فافترضت. وسئل الشيخ عز الدين بن عبد

_ (1) مسلم (1/ 524) نفس الموضع السابق. (2) مسلم (1/ 523) نفس الموضع السابق. 2040 - البخاري (2/ 213، 214) 10 - كتاب الأذان، 80 - باب إذا كان بين الإمام وبين القوم حائط أو سترة. أبو داود (1/ 293) كتاب الصلاة، 242 - باب الرجل يأتم بالإمام وبينهما جدار وقد أخرج أبو داود هذا الحديث مختصراً.

السلام عن هذا الحديث أنه يدل على أن المداومة على ما ليس بواجب تصيره واجباً، والمداومة لم تعهد في الشرع مغيرة لأحكام الأفعال، فكيف خشي عليه الصلاة والسلام أن يغير بالمداومة حكم القيام؟ فأجاب بأنه صلى الله عليه وسلم منه تتلقى الأحكام والأسباب فإن أخبر أن ههنا مناسبة اعتقدنا ذلك واقتصرنا بهذا الحكم على مورده. 2041 - * روى النسائي عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: "قمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان ليلة ثلاث وعشرين إلى ثلث الليل الأول، ثم قمنا معه ليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل، ثم قمنا معه ليلة سبع وعشرين، حتى ظننا أن لا ندرك الفلاح، وكانوا يسمونه السحور". 2042 - * روى الترمذي عن جبير بن نفير، عن أبي ذر، قال: "صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يصل به حتى بقي سبع من الشهر، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل، ثم لم يقم بنا في السادسة، وقام به في الخامسة حتى ذهب شطر الليل فقلت: يا رسول الله لو نفلتنا بقية ليلتنا هذه، فقال: "إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة"، ثم لم يصل بنا حتى بقي ثلث من الشهر وصلى بنا في الثالثة ودعا أهله ونساءه فقام بنا حتى تخوفنا الفلاح قلت له وما الفلاح؟ قال: السحور. قال التهانوي (7/ 59): دلالته على ثبوت التراويح بالجماعة عن النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرة، وفيه أيضاً: أنه صلاها بجماعة بالتداعي لما فيه أنه دعا أهله ونساءه، فقام بنا حتى تخوفنا الفلاح، وهذا دليل من قال بسنية الجماعة لها مع مواظبة الصحابة على أدائها في جماعة، ولم يرو صريحاً أنه صلى الله عليه وسلم تهجد في هذه الليالي مستقلاً أم لا، وهل كانتا صلاتين أو صلاة واحدة؟ لكن الظاهر تغاير التراويح والتهجد، كما يدل عليه تغاير عنواني أحاديث الترغيب في قيام الليل، وفي قيام رمضان. وكذلك يدل عليه افتراض صوم رمضان بالمدينة بآية البقرة، وقد شرع التهجد قبل ذلك بمكة حين نزلت سورة المزمل، فدل ظاهراً على تغايرهما.

_ 2041 - النسائي (3/ 203) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 4 - باب قيام شهر رمضان وإسناده صحيح. 2042 - الترمذي (3/ 169) 6 - كتاب الصوم، 81 - باب ما جاء في قيام شهر رمضان وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

ولكن يعكر عليه ما رواه البخاري في باب فضل من قام رمضان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أنه سأل عائشة رضي الله عنها كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة". الحديث، وفي "فتح الباري" (3/ 217): ذكر النووي أن المراد بقيام رمضان صلاة التراويح، يعني أنه يحصل بها المطلوب من القيام، لا أن قيام رمضان لا يكون إلا بها، وأعرب الكرماني فقال: اتفقوا على أن المراد بقيام رمضان صلاة التراويح. ا. هـ. ثم قال التهانوي: قال بعض الناس: فالصحيح عندي عدم التغابر إلا أن التهجد في رمضان آكد، فافهم وتأمل، وحمل الحديث على التهجد فقط في رمضان بعيد. ا. هـ. أقول: حمل التهانوي حديث عائشة على تهجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ذلك لا يتنافى مع كونه صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل أكثر من إحدى عشرة ركعة، واستدل على ذلك ببعض الروايات الضعيفة التي حسنها لغيرها. انظر (الإعلاء 7/ 69 - 73). 2043 - * روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم في رمضان، فجئت فقمت إلى جنبه، وجاء رجل فقام أيضاً، حتى كنا رهطاً، فلما أحس النبي صلى الله عليه وسلم أنا خلفه جعل يتجوز في الصلاة، ثم دخل رحله، فصلى صلاة لا يصليها عندنا. قال: فقلنا له حين أصبحنا: فطنت لنا الليلة؟ قال: نعم، ذاك الذي حملني على ما صنعت، قال: فأخذ يواصل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك في آخر الشهر، فأخذ رجال من أصحابه يواصلون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما بال رجال يواصلون؟ إنكم لستم مثلي، أما والله لو تمادى بي الشهر لواصلت وصالاً يدع المتعمقون تعمقهم". 2044 - * روى البيهقي عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي رضي الله عنه، قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة في رمضان، فرأى ناساً في ناحية المسجد يصلون، فقال:

_ 2043 - مسلم (2/ 775، 776) 13 - كتاب الصيام، 11 - باب النهي عن الوصال في الصوم. ابن خزيمة (3/ 280) 135 - باب تسمية الوصال بتعمق في الدين وإسناده صحيح. (المتعمقون): المتعمق: المبالغ في الأمر، المتشدد فيه، الذي يطلب أقصاه. 2044 - سنن البيهقي (2/ 495) كتاب الصلاة، باب من زعم أنها بالجماعة لمن لا يكون حافظاً للقرآن. وهذا الحديث إسناده جيد كذا في آثار السنن.

"ما يصنع هؤلاء؟ " قال قائل: يا رسول الله: هؤلاء ناس ليس معهم القرآن وأبي بن كعب يقرأ وهم معه يصلون بصلاته، قال: "قد أحسنوا وقد أصابوا" ولم يكره ذلك لهم. قال التهانوي: دلالته على تقرير التراويح بالجماعة من النبي صلى الله عليه وسلم ظاهرة، فكان سنة التقرير والرضا. 2045 - * روى مالك عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال: "خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم، فجمعهم على أُبي بن كعب، قال: ثم خرجت معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال عمر: نعمت البدعة هذه، والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون- يريد: آخر الليل- وكان الناس يقومون أوله. قال ابن الأثير: وأما قول عمر رضي الله عنه: "نعمت البدعة هذه" فإنه يريد بها صلاة التراويح، فإنه في حيز المدح، لأنه فعل من أفعال الخير، وحرص على الجماعة المندوب إليها، وإن كانت لم تكن في عهد أبي بكر رضي الله عنه، فقد صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما قطعها إشفاقاً من أن تفرض على أمته، وكان عمر ممن نبه عليها وسنها على الدوام، فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، وقد قال في آخر الحديث: "والتي تنامون عنها أفضل". تنبيهاً منه على أن صلاة آخر الليل أفضل، قال: وقد أخذ بذلك أهل مكة، فإنهم يصلون التراويح بعد أن يناموا. 2046 - * روى ابن خزيمة عن عروة بن الزبير: أن عبد الرحمن بن عبد القاري- وكان في عهد عمر بن الخطاب مع عبد الله بن الأرقم على بيت المال- أن مر خرج ليلة في رمضان فخرج معه عبد الرحمن بن عبد القاري فطاف بالمسجد وأهل المسجد أوزاع متفرقون،

_ 2045 - الموطأ (1/ 114، 115) 6 - كتاب الصلاة في رمضان، 2 - باب ما جاء في قيام رمضان. البخاري (4/ 250) 31 - كتاب صلاة التراويح، 1 - باب فضل من قام رمضان. (أمثل) هذا أمثل من كذا، أي: أفضل وأدنى إلى الخير، وأماثل الناس: خيارهم. 2046 - ابن خزيمة (2/ 155، 156) 448 - باب ذكر الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أوتر هذه الليلة التي بات ابن عباس فيها عنده بعد طلوع الفجر وإسناده صحيح.

يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: والله إني أظن لو جمعنا هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم عمر على ذلك، وأمر أُبي بن كعب أن يقوم لهم في رمضان. فخرج عمر عليهم والناس يصلون بصلاة قارئهم، فقال عمر: نعم البدعة هي، والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون- يريد آخر الليل- فكان الناس يقومون أوله، وكانوا يلعنون الكفرة في النصف: اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك، ولا يؤمنون بوعدك، وخالف بين كلمتهم، وألق في قلوبهم الرعب، والق عليهم رجزك وعذابك إله الحق، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير ثم يستغفر للمؤمنين، قال: وكان يقول إذا فرغ من لعنة الكفرة وصلاته على النبي، واستغفاره للمؤمنين والمؤمنات ومسألته: اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد، ونرجو رحمتك ربنا، ونخاف عذابك الجد، إن عذابك لمن عاديت ملحق، ثم يكبر ويهوي ساجداً". أقول: إن أهل الحرمين في عصرنا يصلون التراويح عشرين ركعة بعد فريضة العشاء وراتبتها مباشرة، ويصلون بعدها الوتر ويقرؤون في التراويح جزءاً من القرآن في كل ليلة، وبعد النصف من رمضان يصلون التهجد بعد منتصف الليل فيقرؤون في تهجدهم كل ليلة جزئين من القرآن. وظاهر من النصين اللذين مرا معنا أن أهل الحرمين يراعون ما جاء فيهما من الإشارة إلى التهجد في النص الأول، ومن ذك النصف في النص الثاني، وفي النص الثاني إشارة إلى صيغة القنوت التي كانوا يقنتون بها في الوتر وهي قريبة من الصيغة التي يقنت بها الحنفية والمالكية في الوتر، وقد علق البغوي في شرح السنة على حديث عبد الرحمن بن عبد القاري بما يلي: قوله: (أوزاع) أي: جماعات متفرقة لا واحد لها من لفظها، يقال: وزعت الشيء بينهم، أي: فرقته وقسمته. وقوله: (نعمت البدعة هذه) إنما دعاه بدعة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسنها، ولا كانت في زمن أبي بكر، وأثنى عليها بقوله: (نعم) ليدل على فضلها، ولئلا يمنع هذا اللقب من فعلها، ويقال: (نعم) كلمة تجمع المحاسن كلها، (وبئس) كلمة تجمع المساوئ كلها.

وقيام شهر رمضان جماعة سُنة غير بدعة، لقوله صلى الله عليه وسلم "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين" [جزء من حديث رواه أصحاب السنن عن أبي نجيح بسند صحيح]. اهـ. قال ابن حجر في (الفتح 4/ 253): والبدعة أصلها: ما أحدث على غير مثال سابق وتطلق في الشرع في مقابل السنة فتكون مذمومة، والتحقيق: أنها إن كانت مما تندرج تحت مستحسن في الشرع فهي حسنة وإن كانت مما تندرج تحت مستقبح في الشرع فهي مستقبحة وإلا فهي من قسم المباح وقد تنقسم إلى الأحكام الخمسة. اهـ. 2047 - * روى مالك عن يزيد بن رومان قال: "كان الناس يقومون في زمن عمر في رمضان بثلاث وعشرين ركعة".

_ 2047 - الموطأ (1/ 115) 6 - كتاب الصلاة في رمضان، 2 - باب ما جاء في قيام رمضان. قال محقق الجامع: وفي سنده انقطاع، فإن يزيد بن رومان لم يدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه. أقول: لكن جاء الحديث من طريق آخر موصول صحيح، رواه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 469) عن السائب بن يزيد قال: كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شهر رمضان بعشرين ركعة، قال: وكانوا يقرؤون بالمئين، وكانوا يتوكؤون على عصيهم في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه من شدة القيام، وإسناده صحيح، صححه غير واحد من العلماء، منهم الإمام النووي في (المجموع 4/ 32) قال: واحتج أصحابنا- يعني الشافعية- بما رواه البيهقي وغيره بالإسناد الصحيح عن السائب بن يزيد الصحابي رضي الله عنه ... فذكره، وفي الباب عن ابن أبي شيبة ومحمد بن نصر المروزي وغيرهما آثار عن الصحابة والتابعين أنهم كانوا يصلون عشرين ركعة، ومن ضعف حديث العشرين فما أصاب وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (فتاواه 2/ 401): قيام رمضان لم يوقت النبي صلى الله عليه وسلم فيه عدداً معيناً، بل كان هو صلى الله عليه وسلم لا يزيد في رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة، لكن كان يطيل الركعات، فلما جمعهم عمر على أبي بن كعب كان يصلي بهم عشرين ركعة ثم يوتر بثلاث، وكان يخف القراءة بقدر ما زاد من الركعات، لأن ذلك أخف على المأمومين من تطويل الركعة الواحدة، ثم كان طائفة من السلف يقومون بأربعين ركعة، ويوترون بثلاث، وآخرون قاموا بست وثلاثين وأوتروا بثلاث، وهذا كله سائغ، فكيفهما قام في رمضان من هذه الوجوه فقد أحسن، والأفضل يختلف باختلاف أحوال المصلين، فإن كان فيهم احتمال لطول القيام، فالقيام بعشر ركعات وثلاث بعدها كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي لنفسه في رمضان وغيره هو الأفضل، وإن كانوا لا يحتملونه، فالقيام بعشرين هو الأفضل، وهو الذي يعمل به

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

_ = أكثر المسلمين، فإنه وسط بين العشرين وبين الأربعين، وإن كان بأربعين وغيرها جاز ذلك، ولا يكره شيء من ذلك، وقد نص على ذلك غير واحد من الأئمة كأحمد وغيره، ومن ظن أن قيام رمضان في عدد موقت عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يزداد فيه ولا ينقص منه فقد أخطأ. اهـ وانظر (فتح الباري) للحافظ بن حجر (4/ 253 - 254). وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط في تعليقه على حديث يزيد بن رومان في شرح السنة (4/ 120 - 122) ما يلي: هو في الموطأ: (1/ 115) في الصلاة في رمضان، باب ما جاء في قيام رمضان ويزيد بن رومان لم يدرك عمر، فهو منقطع، لكن الحديث ورد من طريق آخر موصول صحيح، فقد قال البيهقي في (السنن 2/ 496): أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسين بن فنجويه الدينوري بالدامغان، ثنا أحمد بن محمد بن إسحاق السني، أنبأ عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، ثنا علي بن الجعد، أنبأ ابن أبي ذئب، وعن يزيد بن خصيفة، عن السائب بن يزيد قال: كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شهر رمضان بعشرين ركعة، قال: وكانوا يقرؤون بالمئين، وكانوا يتوكؤون على عصيهم في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه من شدة القيام. وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم عدول ثقات، أما أبو عبد الله الحسين بن محمد بن الحسين بن فنجويه، فهو من كبار المحدثين في زمانه، لا يسأل عن مثله، ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ في ترجمة تمام بن أبي الحسين الرازي، وأما أحمد بن محمد بن إسحاق المعروف بابن السني، وهو صاحب كتاب عمل اليوم والليلة. وراوي سنن النسائي وصفه الذهبي بقوله: كان ديناً خيراً صدوقاً، وأما عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، فهو ثقة ثبت فهم عارف، سئل الدارقطني عنه فقال: ثقة إمام جبل أقل المشايخ خطأ، وعلي بن الجعد، هو أحد شيوخ البخاري، ذكره الحافظ في التقريب، وقال: ثقة ثبت، وإما ابن أبي ذئب، فثقة فقيه فاضل، وأما يزيد بن خصيفة، فهو يزيد بن عبد الله بن خصيفة بن عبد الله بن يزيد الكندي المدني، وقد ينسب لجده، وثقه أحمد، وأبو حاتم، والنسائي، وابن سعد، وابن حبان، وابن عبد البر، وقال ابن معين: ثقة حجة، وقد اتفق البخاري ومسلم على إخراج حديثه، وقول أحمد فيه في إحدى روايتيه فيما رواه عنه أبو داود: منكر الحديث، لا يراد منه التضعيف والقدح، وإنما يقصد به أن ينفرد عن أقرانه بأحاديث، وأما السائب بن يزيد بن سعيد بن ثمامة الكندي، فهو صحابي صغير حج به حجة الوداع وهو ابن سبع سنين، وولاه عمر سوق المدينة، أخرج له الجماعة، وقد صحح إسناد هذا الأثر غير واحد من الحفاظ، منهم الإمام النووي في "الخلاصة" و"المجموع"، وابن العراقي في "طرح التثريب"، والسيوطي في "المصابيح" وغيرهم، ولا نعلم أن أحداً من أئمة أهل العلم من المتقدمين قد ضعفه، وما ادعاه بعض المعاصرين من أن الشافعي قد ضعفه مستدلاً بتصديره إياه بـ "روي" فوهم، لأن الشافعي رحمه الله قد أخذ به، واستحبه، وهو لا يأخذ بالحديث الضعيف، والمتقدمون كالشافعي

2048 - * روى مالك عن السائب بن يزيد قال: أمر عمر أبي بن كعب وتميماً الداري: أن يقوما للناس في رمضان بإحدى عشرة ركعة، فكان القارئ يقرأ بالمئين، حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، فما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر. قال الشيخ شعيب في شرح السنة (1/ 120). أخرجه مالك في الموطأ (1/ 115) في الصلاة في رمضان: باب ما جاء في قيام رمضان، وإسناده صحيح، وقال الحافظ في الفتح (4/ 253): ورواه الرزاق من وجه آخر عن محمد بن يوسف، فقال: إحدى وعشرين. أقول: ومحمد بن يوسف بن عبد الله الكندي المدني، ثقة ثبت، كذا في التقريب. ومن كلام البغوي في شرح السنة: اختلف أهل العلم في قيام شهر رمضان، فذكر حديث السائب بن يزيد وحديث يزيد بن رومان ثم قال: ورأى بعضهم أن يصلي إحدى

_ = وأضرابه لا يتقيدون بهذا المصطلح الذي تعارف عليه بعض المتأخرين، كالمنذري، والنووي، فهم يوردون الحديث الصحيح بصيغة التمريض في كتبهم، يفعلون ذلك دوماً للاختصار، وكم من حديث ذكره المصنف رحمه الله بصيغة التمريض، وهو حديث صحيح مخرج في "الصحيحين" أو أحدهما، وفي الباب عند أبي بكر بن أبي شيبة عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر رجلاً يصلي بهم عشرين ركعة، وإسناده مرسل قوي، وعنده أيضاً: عن نافع عن ابن عمر قال: كان ابن أبي مليكة يصلي بنا في رمضان عشرين ركعة، وإسناده صحيح، وابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة التابعي الثقة الفقيه المدني أدرك ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وروى البيهقي عن أبي الخصيب قال: كان يؤمنا سويد بن غفلة في رمضان، فيصلي خمس ترويحات عشرين ركعة، وأبو الخصيب لا يعرف، وسويد بن غفلة مخضرم من كبار التابعين قدم المدينة يوم دفن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان مسلماً في حياته، ثم نزل الكوفة، ومات سنة ثمانين، وله مائة وثلاثون سنة. وفي قيام الليل ص (91، 92) لمحمد بن نصر المروزي آثار عن الصحابة والتابعين، وأتباع التابعين أنهم كانوا يصلون عشرين ركعة، وبعضهم يزيد على ذلك. ا. هـ. 2048 - الموطأ (1/ 115) 6 - كتاب الصلاة في رمضان، 2 - باب ما جاء في قيام رمضان وإسناده صحيح. (فروع الفجر) يريد: قبيله بقريب، وفرع كل شيء: أعلاه.

وأربعين ركعة مع الوتر، وهو قول أهل المدينة، والعمل على هذا عندهم، وهو اختيار إسحاق وأما أكثر أهل العلم، فعلى عشرين ركعة يروى ذلك عن عمر وعلي وغيرهما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قول الثوري، وابن المبارك، والشافعي، وأصحاب الرأي، قال الشافعي: وهكذا أدركت ببلدنا بمكة يصلون عشرين ركعة. ولم يقض أحمد فيه بشيء. واختار ابن المبارك، وأحمد، وإسحاق، الصلاة مع الإمام في شهر رمضان، واختار الشافعي أن يصلي وحده إذا كان قارئاً. ولعل أهل الحرمين الآن يجمعون عملياً بين الروايتين بفعلهم وهناك اتجاهات أخرى في الجمع بين الروايتين، قال ابن حجر (4/ 253): (الجمع) ممكن باختلاف الأحوال ويحتمل أن ذلك الاختلاف بحسب تطويل القراءة وتخفيفها فحيث يطيل القراءة تقل الركعات وبالعكس. أقول: والذي يظهر لي أن الجمع بين روايتي السائب بن يزيد ورواية يزيد بن رومان أن رواية السائب بن يزيد في التهجد بدليل ذكره أنهم كانوا يصلون فيها إلى قُرَيب الفجر وأما رواية يزيد بن رومان فهي في التراويح. قال التهانوي (7/ 73): لا يقال: إن عمر رضي الله عنه لم يجمع الناس على عشرين ركعة حتماً، بل جمعهم على قيام رمضان موسعاً بين إحدى عشرة ركعة، وثلاث وعشرين ركعة، لما روى مالك، وابن أبي شيبة، وسعيد بن منصور، عن محمد بن يوسف، عن السائب بن يزيد، أنه قال: "أمر عمر بن الخطاب أُبي بن كعب وتميم الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة. وكان القارئ يقرأ بالمئين، حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام" كذا في [آثار السنن (2/ 52)] لأن هذا أثر مضطرب المتن، اختلف فيه على محمد بن يوسف، فروى عنه مالك في الموطأ، ويحيى القطان عند ابن أبي شيبة، وعبد العزيز بن محمد عند سعيد بن منصور هكذا إحدى عشرة ركعة. ورواه محمد بن نصر في قيام الليل من طريق محمد بن إسحاق، عن محمد بن

يوسف، فقال: ثلاث عشرة. ورواه عبد الرزاق من وجه آخر عن محمد بن يوسف، فقال: إحدى وعشرين. قاله الحافظ في [الفتح (4 - 219)]، وهذا اختلاف يسقط الاحتجاج بالأثر. قال ابن عبد البر: روى غير مالك في هذا الحديث إحدى وعشرين، وهو الصحيح، ولا أعلم أحداً قال فيه إحدى عشرة إلا مالكاً، إلى أن قال: الأغلب عندي أن قوله: "إحدى عشرة" وهم، كذا في "التعليق الحسن" نقلاً عن الزرقاني في [شرح الموطأ (2 - 52)]. قلت- أي التهانوي-: لم يهم فيه مالك لمتابعة اثنين له في ذلك عن محمد بن يوسف، بل الوهم عندي فيه من محمد بن يوسف، فإنه قال مرة: "إحدى وعشرين"، ومرة: "إحدى عشرة"، وتارة: "ثلاث عشرة". والجمع بينهما بالحمل على اختلاف الأحوال ونحوه كما قال الحافظ وغيره بعيد مستغنى عنه، فإن المخرج واحد، فكيف يصح حمله على اختلاف الأحوال؟ والمحفوظ ما رواه يزيد بن خصيفة عن السائب بن يزيد، قال: كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شهر رمضان بعشرين ركعة. كما ذكرناه في المتن. أخرجه البيهقي وسنده صحيح، وعزاه الحافظ في ["الفتح" (4 - 219)] إلى مالك أيضاً فإن له شواهد كثيرة صحيحة. ا. هـ. 2049 - * روى مالك عن عبد الله بن أبي بكر [بن محمد بن عمرو بن حزم] قال: سمعت أبي يقول: كنا ننصرف في رمضان من القيام، فنستعجل الخدم بالطعام، مخافة فوت السحور. وفي أخرى "مخافة الفجر". أقول: هذا كذلك محمول على التهجد.

_ 2049 - الموطأ (1/ 116) 6 - كتاب الصلاة في رمضان، 2 - باب ما جاء في قيام رمضان، وإسناده صحيح.

2050 - * روى مالك عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج سمع يقول: ما أدركنا الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان، قال: وكان القارئ يقرأ سورة البقرة في ثمان ركعات، فإذا قام بها في ثنتي عشرة ركعة رأى النسا أن قد خفف.

_ 2050 - الموطأ (1/ 115) 6 - كتاب الصلاة في رمضان، 2 - باب ما جاء في قيام رمضان، وإسناده صحيح.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد جاء في "المدونة" (1/ 193) للإمام مالك رواية الإمام سحنون بن سعيد التنوخي عن الإمام عبد الرحمن بن القاسم: قال مالك: بعث إلى الأمير، وأراد أن ينقص من قيام رمضان الذي كان يقوم الناس بالمدينة- قال ابن القاسم: وهو تسعة وثلاثون ركعة بالوتر، ست وثلاثون ركعة، والوتر ثلاث- قال مالك: فنهيته أن ينقص من ذلك شيئاً، وقلت له: هذا ما أدركت الناس عليه، وهذا الأمر القديم الذي لم يزل الناس عليه. أقول: الظاهر أن المراد بالقيام هنا مجموع صلاة التراويح والتهجد والوتر بآن واحد، وقد مرت معنا روايات تذكر أن أهل المدينة توارثوا صلاة التراويح عشرين ركعة، ولكن الظاهر أنهم حافظوا على العشرين وأحيوا سنة التهجد بعد النوم، فكان مجموع قيامهم ما ذكر في المدونة، وعلى ذلك نحمل كل رأي يزيد عن العشرين ركعة في قيام رمضان جماعة، لأن الذي استقرت عليه فتاوى المذاهب الأربعة كما سنرى هو أن صلاة التراويح عشرون ركعة وعليه العمل في مساجد المسلمين. - جاء في فتاوى ابن تيمية رحمه الله (2/ 401) أن قيام رمضان لم يوقت النبي صلى الله عليه وسلم فيه عدداً معيناً، بل كان هو صلى الله عليه وسلم لا يزيد في رمضان، ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة، لكن كان يطيل الركعات، فلما جمعهم عمر على أبي بن كعب كان يصلي بهم عشرين ركعة ثم يوتر بثلاث، وكان يخفف القراءة بقدر ما زاد من الركعات لأن ذلك أخف على المأمومين من تطويل الركعة الواحدة، ثم كان طائفة من السلف يقومون بأربعين ركعة ويوترون بثلاث، وآخرون قاموا بست وثلاثين، وأوتروا بثلاث، وهذا كله سائغ، فكيفما قام في رمضان من هذه الوجوه، فقد أحسن، والأفضل يختلف باختلاف أحوال المصلين، فإن كان فيهم احتمال لطول القيام، فالقيام بعشر ركعات وثلاث بعدها كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي لنفسه في رمضان وغيره هو الأفضل، وإن كانوا لا يحتملونه، فالقيام بعشرين هو الأفضل، وهو الذي يعمل به أكثر المسلمين، فإنه وسط بين العشر وبين الأربعين، وإن قام بأربعين وغيرها، جاز ذلك، ولا يكره شيء من ذلك،

وقد نص على ذلك غير واحد من الأئمة، كأحمد وغيره، ومن ظن أن قيام رمضان فيه عدد مؤقت عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يزاد فيه، ولا ينقص منه، فقد أخطأ. - لقد ذكرنا أن الذي استقرت عليه الفتوى في المذاهب الأربعة واستقر عليه العمل أن تصلى التراويح عشرين ركعة في رمضان وأن يوتر بعدها بثلاث جماعة لمن ليس في نيته أن يتهجد، فيوتر بعد تهجده، وها نحن نستخلص لك مع شيء من التصرف الذي لا يخل بالمعنى فتاوي المذاهب الأربعة في صلاة التراويح مع مقدمة تمهد لهذا الموضوع. - روى الطحاوي بسند لا بأس به عن مجاهد، قال: "قال رجل لابن عمر رضي الله عنه: أصلي خلف الإمام في رمضان، فقال: أتقرأ القرآن؟ قال: نعم! قال: في بيتك". ا. هـ (1 - 207). وفي "المغني" للحافظ ابن قدامة: والمختار عند أبي عبد الله (أحمد) فعلها في الجماعة، وإن كان رجل يقتدى به فصلاها في بيته مخافة أن يقتدي الناس به، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: "اقتدوا بالخلفاء"، وقد جاء عن عمر أنه كان يصلي في الجماعة، وبهذا قال المزني، وابن عبد الحكم، وجماعة من أصحاب أبي حنيفة. قال أحمد: كان جابر، وعلي وعبد الله، يصلونها في جماعة، قال الطحاوي: كل من اختار التفرد ينبغي أن يكون ذلك على أن لا يقطع معه القيام في المساجد، فأما التفرد الذي يقطع معه القيام في المساجد فلا، ويروى نحو هذا عن الليث بن سعد. وقال مالك والشافعي: قيام رمضان لمن قوي في البيت أحب إلينا، لما روى زيد بن ثابت في قصة صلاة الناس بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض ليالي رمضان، ثم جاؤوا ليلة فأبطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم ولم يخرج إليهم، فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب، فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضباً، فقال: "ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم، فعليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة". رواه مسلم. ولنا إجماع الصحابة على ذلك، وجمع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وأهله في حديث أبي ذر، (رواه الترمذي وصححه وقد تقدم في المتن) وقوله: "إن القوم إذا صلوا مع الإمام حتى ينصرف كتب لهم قيام تلك الليلة"، عام وهذا خاص في قيام رمضان، فيقدم على عموم ما احتجوا به، وقول النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لهم معلل بخشية فرضه عليهم، ولذا ترك النبي صلى الله عليه وسلم

القيام بهم معلاً بذلك أيضاً. وقد أمن أن يفعل بعده. أ. هـ (الإعلاء السنن 7/ 62). أقول: صلى الرسول صلى الله عليه وسلم ببعض أصحابه جماعة في رمضان أياماً ثم خشي أن تفرض صلاة القيام في رمضان جماعة على المسلمين لرغبتهم وحرصهم، وهو يعلم من سنة الله ما لا نعلم فيعلم من سنة الله أن عباده إذا شددوا على أنفسهم شدد الله عليهم، ولذلك فقد ترك الخروج حتى لا تفرض صلاة قيام الليل في رمضان على المسلمين جماعة في المسجد، إلا أن المسلمين فهموا من عدم النهي عن صلاة الجماعة في قيام رمضان جوازها، فكانوا يصلونها جماعات متفرقة، وبقي الأمر على ذلك حتى عهد عمر رضي الله عنه، فرأى عمر بثاقب بصره أن العلة التي جعلت رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتابع إمامة الناس في قيام رمضان وهي الخشية من الفرضية قد انتهت بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وانقطاع الوحي، فجمع الناس على إمام واحد وعلى عدد من الركعات محدد، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة الجمع أو العدد، فكان ذلك إجماعاً منهم على جواز ما فعل، وإذ كان بإجماع أهل السنة والجماعة من الخلفاء الراشدين وإذا كانت النصوص تخصه بمزيد شهادة على أن الله أجرى الحق على لسانه، وقد اعتبر علماء المسلمين أن الاقتداء بما فعل على سلامة القلب من الزيغ واعتبروا أن من لا يرى جواز ما فعل مبتدع، فالأصل أن يرى المسلم جواز صلاة التراويح بالعدد الذي جمع عمر المسلمين عليه وهو عشرون ركعة والأصل أن تصلى التراويح في المساجد عشرين ركعة والمسلم بالخيار أن يصلي ما شاء منها مع الإمام، فلو صلى ركعتين أو أكثر أو لو لم يصل شيئاً- على ألا تعطل التراويح في أي مسجد- فلا حرج عليه، ولو صلاها كلها وأخر الوتر وذهب إلى بيته وصلى ما شاء فلا حرج عليه، المهم ألا ينكر على من فعلها فيخالف بذلك إجماعاً ويدخل في دائرة البدعة والمبتدعة الذين يسيئون لأنفسهم ولغيرهم، ويضلون أنفسهم ويضلون غيرهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، ولنا عودة على قيام رمضان وصلاة التراويح إن شاء الله تعالى في جزء الصوم، أما ههنا فنكتفي بذكر أقوال المذاهب الأربعة في هذا الشأن. قال الحنفية: التراويح سنة مؤكدة للرجال والنساء، ويسن فيها الجماعة، ووقتها في رمضان بعد صلاة العشاء إلى الفجر قبل الوتر وبعده، وتصلى في أي جزء من الليل ويستحب ألا تؤخر عن نصف الليل، ولا تقضى عندهم إذا فاتت، ومن أراد أن يعوض عما فاته فإنه يصلي بعد ارتفاع الشمس نفلاً مطلقاً، والجماعة فيها في المسجد سنة على الكفاية،

فلو تركها أهل مسجد أثموا، وتؤدى أيضاً فرادى أو جماعة في البيوت، وإذا كان عند المسلمين همة فالأفضل أن يختم فيها القرآن مرة في شهر رمضان وإلا روعي حال المصلين، فيصلي بهم الإمام بقدر طاقتهم، على أن تؤدى أركان الصلاة وواجباتها وسننها وآدابها كاملة، وعدد ركعاتها عشرون ركعة، تؤدى ركعتين ركعتين بعشر تسليمات ثم يوتر بعدها بجماعة وقراءة جهرية وقنوت سري قبل الركوع في الركعة الثالثة، ويراعي الإمام حال المأمومين فيجلس بعد كل أربع ركعات جلسة خفيفة يستريح بها الناس قليلاً، فمن أراد أن يشرب مثلاً يتاح له ذلك، وقد جرت عادة الناس في كثير من مساجد المسلمين أن يقرؤوا في كل جلسة استراحة بعد كل أربع ركعات سورة الإخلاص ثلاث مرات يقرؤها ثلاثة كل يقرؤها مرة واحدة وذلك يفعلونه تعويضاً عن إطالة القراءة في الصلاة، ولا حرج في ذلك إن شاء الله تعالى. انظر: (اللباب 1/ 122)، و (الدار المختار، حاشية ابن عابدين 1/ 472 - 475). وقال المالكية: التراويح عشرون ركعة وهي سنة مؤكدة يسلم في نهاية كل ركعتين، ومن صلاها في بيته منفرداً فله أجره على ألا تعطل المساجد، ويندب لمن هم محل القدوة أن يصلوها في المساجد، وإذا كان عند القوم همة فإنه يندب للإمام أن يختم بهم القرآن ختمة فيها، ثم بعد العشرين ركعة تصلى الوتر. (انظر الشرح الصغير 1/ 404 - 405). وقال الشافعية: صلاة التراويح عشرون ركعة بعشر تسليمات، ثم يصلى الوتر بعدها جماعة. (انظر المهذب 1/ 84). وقال الحنابلة: صلاة التراويح عشرون ركعة بعشر تسليمات يوتر بعدها إن لم يكن له تهجد، ولا يكره الدعاء بعدها لقوله تعالى: (فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب) (1) ومن كان له تهجد جاز له أن يصليه جماعة، لذلك فإن أهل الحرمين يتهجدون بعد النصف الأخير من رمضان جماعة ويقرؤون في تهجدهم كل يوم جزئين من القرآن فيختمون القرآن مرتين، مرة في التراويح ومرة في التهجد، ونقل الحنابلة عن أهل

_ (1) الشرح: 7، 8.

مكة قديماً أنهم كانوا يطوفون بعد كل أربع ركعات حول الكعبة سبع مرات ولم يذكروا ذلك في معرض الإنكار، وقد نقل الحنابلة الإجماع على أن صلاة التراويح عشرون ركعة. (انظر المغني 2/ 165 - 170)، (الفقه الإسلامي 2/ 72). فها أنت ترى أن المذاهب الأربعة والمسلمين جميعاً مجمعون على أن صلاة التراويح عشرون ركعة وسيأتيك في جزء الصوم مزيد بيان.

الفقرة الثانية في صلاة العيدين عرض إجمالي

الفقرة الثانية في صلاة العيدين عرض إجمالي سمي العيد عيداً لأنه يعود ويتكرر كل عام، ولأن لله تعالى فيه عوائد الإحسان، فهو جل جلاله يتفضل بأنواع الإحسان العائدة على عباده في كل عام، منها الفطر بعد المنع عن الطعام، وصدقة الفطر، وعوده تعالى بالمغفرة على عباده، ومنها إتمام الحج بطواف الزيارة ولحوم الأضاحي، والمن على عباده بما شرع لهم بما يخرجون به من آثامهم كالحجاج ومن دعا له الحاج، وقد شرعت لعيد الفطر ولعيد الأضحى صلاة العيد، وقد انعقد على ذلك إجماع المسلمين، وقد جاء في صلاة الأضحى قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (1)، والمشهور أن المراد بذلك صلاة عيد الأضحى وذبح الأضحية بعده، ونصوص السنة كثيرة في مشروعية صلاتي العيدين. وحكم هذه الصلاة عند الحنابلة: أنها فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقطت عن الباقي، فإن تركها أهل بلد يبلغون أربعين بلا عذر قاتلهم الإمام، كالأذان. وقال الحنفية: إن صلاتي العيدين واجبة على من تجب عليه الجمعة بشرائطها المتقدمة سوى الخطبة، فإنها سنة بعدها. وقال المالكية والشافعية: إن كلاً من صلاتي العيد سنة مؤكدة لمن تجب عليه الجمعة، ولا يشترط عند الشافعية أن تتوافر في صلاة العيد شروط الجمعة لصحتها، (انظر صحيح مسلم بشرح النووي 6/ 171). وقال الحنفية والمالكية: لا يرخص للشابات من النساء بالخروج إلى الجمعة والعيدين وشيء من الصلاة، وقال الشافعية والحنابلة: لا بأس بحضور النساء مصلى العيد إذا كن غير متطيبات ولا لابسات ثياب الزينة والشهرة، ويعتزلن الرجال، وتحضر الحيض المصلى فيسمعن الذكر والخطبة ويعتزلن المكان الذي تصلي فيه النساء، واتفق الفقهاء على أن وقت صلاة العيد يبدأ بعد حوالي نصف ساعة من طلوع

_ (1) الكوثر: 2.

الشمس، وينتهي وقتها قبيل الزوال، فوقتها وقت صلاة الضحى، ويسن تعجيل صلاة الأضحى في أول وقتها من أجل التفرغ لطبخ الأضاحي ويسن تأخير صلاة الفطر لأداء صدقة الفطر، ومن فاتته صلاة العيد مع الإمام لا يقضيها عند الحنفية والمالكية، وإنما يصلي إن شاء تطوعاً دون أن ينوي صلاة العيد، قال الشافعية والحنابلة: من فاتته صلاة العيد مع الإمام سن له قضاؤها على صفتها وله قضاؤها متى شاء في العيد وما بعده والأفضل قضاؤها في بقية يومه. وتجوز صلاة العيد للمنفرد والعبد والمسافر والمرأة ومذهب الشافعية والحنابلة: أن من حضر والإمام يخطب صلى تحية المسجد ثم جلس فسمع الخطبة ثم صلى العيد متى شاء، ومن أدرك الإمام في التشهد جلس معه، فإذا سلم الإمام قام فصلى ركعتين يأتي فيهما بالتكبير وعلى ذلك جماهير العلماء. والأصل في صلاة العيد أن تكون خارج البلد أو في مكان يخصص لذلك بحيث يسع أهل البلد، ولا تصلى عند الحنابلة في المسجد إلا من ضرورة أو من عذر وتكره في المسجد إذا لم يكن ضرورة أو عذر إلا في مكة، فالأفضل فعلها في المسجد الحرام، وقال الشافعية: صلاة العيد في المسجد أفضل إلا إذا كان مسجد البلد ضيقاً فالسنة أن تصلى في المصلى، وإذا خرج الناس إلى المصلى سن للإمام أن يستخلف في مسجد البلد من يصلي بالضعفاء. وعلى هذا فالأمر واسع أن يصليها الناس في مساجدهم أو في المصلى. وصلاة كل من العيدين ركعتان بالاتفاق، وهي تشتمل بعد الإحرام على تكبيرات ثلاث عند الحنفية في كل من الركعتين، وست في الأولى، وخمس في الثانية عند المالكية والحنابلة، وسبع في الأولى وخمس في الثانية عند الشافعية. والحنفية يكبرون في الثانية بعد القراءة وقبل الركوع، ولا يؤذن لها ولا يقام، وإنما ينادى (الصلاة جامعة) وينوي من يصليها أنه يصلي صلاة العيد لله تعالى. والتكبيرات عند الحنفية تكون بعد دعاء الثناء في الركعة الأولى ويرفع يديه عند كل تكبيرة ويرسلهما فلا يضعهما تحت سرته ولا يسن عندهم ذكر بين تكبيرتين ولو قال بينهما

سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فلا بأس، وتكبيرة الركوع في الركعة الثانية بعد تكبيرات الزوائد واجبة وبعد تكبيرات الزوائد في الركعة الأولى يتعوذ الإمام ويسمي سراً ثم يقرأ، والقراءة في الأولى والثانية تكون جهرية، وتكون بالفاتحة وشيء من القرآن معها، فإذا قدم التكبيرات في الثانية على القراءة جاز، وكذا إذا زاد على التكبيرات الثلاث في كل ركعة إلى ست عشرة تكبيرة، فإذا زاد على ذلك لا تبطل الصلاة ولا يلزم المؤتم أن يتابعه، وعلى هذا فالخلف بينهم وبين بقية المذاهب خلاف في الأفضلية فقط بالنسبة للتكبيرات ومحلها، وإذا نسي الإمام التكبيرات وركع قام فكبر ولا يعيد القراءة لكنه يعيد الركوع، ومن أدرك الإمام بعد التكبيرات كبر تكبيرة الإحرام ثم أتى بتكبيرات الزوائد في نفسه، وإن أدرك الإمام في الركوع فإن لم يخف فوت الركعة مع الإمام يكبر للافتتاح قائماً ويأتي بالزوائد ثم يتابع الإمام في الركوع وإذا خاف أن تفوته الركعة ركع وأتى بتكبيرات الزوائد في ركوعه عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف لا يكبر وتسقط عنه تكبيرات الزوائد. ومتابعة الإمام على مذهبه في تكبيرات الزوائد لا حرج فيها وإن خالفت مذهب المأموم، لكن المسبوق إذا قام لقضاء ما فاته يعمل بمذهبه. وتقدم صلاة العيد على صلاة الجنازة إذا اجتمعتا، وتقدم صلاة الجنازة على الخطبة. وقال المالكية: فإن أخر التكبير على القراءة صح وخالف المندوب ولا يتبع المؤتم الإمام في التأخير عن القراءة ولا في الزيادة على العدد المسنون عندهم وهو ست في الأولى وخمس في الثانية سوى تكبيرتي الإحرام في الأولى وفي القيام في الثانية ويندب عندهم موالاة التكبير إلا للإمام، فيندب له الانتظار بعد كل تكبيرة حتى يكبر المقتدون به ولا يرفع يديه إلا مع تكبيرة الإحرام ويكره أن يقول شيئاً بين التكبيرات، والتكبيرات عندهم سنة مؤكدة. وقال الشافعية: يرفع اليدين في جميع تكبيرات الزوائد ويقول بين كل تكبيرتين: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ويضع يمناه على يسراه بين التكبيرتين، وإذا ترك الإمام التكبير تابعه المأموم في تركه، وعند الحنابلة يرفع يديه مع كل تكبيرة ويرفع يديه في التكبير ويقول بين كل تكبيرتين زائدتين: الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان

الله بكرة وأصيلاً وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليماً كثيراً. وتسن عند الجمهور، وتندب عند المالكية خطبتان للعيد كخطبتي الجمعة في الأركان والشروط والسنن والمكروهات بعد صلاة العيد بلا خلاف بين المسلمين في أنها بعد الصلاة فيحسن للخطيب أن ينبه المسلمين في الجمعة التي تسبق عيد الفطر على أحكام زكاة الفطر وسنن العيد، وفي خطبة الجمعة التي تسبق عيد الأضحى ينبههم على أحكام الأضحية وتكبيرات التشريق ووقوف الناس بعرفة ويعلم الحجاج أحكام الحج، فإن لم يفعل في الجمعة فكر بما يخص كلاً من العيدين في خطبة العيد، وإذا صعد الخطيب على المنبر في خطبة العيد لا يجلس عند الحنفية ويجلس عند الحنابلة والمالكية والشافعية، ويبدأ الخطيب خطبته بالتكبير كما يكبر في أثنائها من غير تحديد عند المالكية ويكبر عند الجمهور في الخطبة الأولى تسع تكبيرات متوالية ويكبر في الثانية بسبع متوالية ويستحب عند الحنفية أن يكبر الإمام قبل نزوله من المنبر أربع عشرة مرة وتختلف خطبة العيد عن خطبة الجمعة في أن خطبة العيد تكون بعد الصلاة، ومنها أن خطبة العيد تبدأ بالتكبير بينما خطبة الجمعة تبدأ بالحمد لله، ومنها أن خطبة العيدين سنة بينما خطبة الجمعة ركن، ويسن عند الحنفية والحنابلة والمالكية أن يكبر المأموم سراً عند تكبير الخطيب بينما لا يصح عند الجمهور أي كلام أثناء خطبة الجمعة ولو كان ذكراً، وإذا أحدث الخطيب عند المالكية أثناء الخطبة تابع خطبته بخلاف خطبة الجمعة فإنه يستخلف غيره، وعند الشافية لا يشترط في خطبة العيد ما يشترط في خطبة الجمعة من قيام وطهارة وجلوس بين الخطبتين وإنما يسن ذلك فقط. واتفق الفقهاء على مشروعية التكبير في العيدين في الغدو إلى الصلاة، وقال الحنفية: يندب التكبير سراً في عيد الفطر في الخروج إلى المصلى وقال الصاحبان يكبر جهراً ويقطع التكبير في رواية إذا قيم إلى الصلاة، واتفق فقهاء الحنفية على التكبير جهراً في عيد الأضحى في الطريق، وقال الجمهور يكبر في المنازل والمساجد والأسواق والطرق عند الغدو إلى صلاتي العيدين جهراً إلى أن تبدأ الصلاة، وعند الحنابلة هو في الفطر آكد من تكبير الأضحى لقوله تعالى في سياق الكلام عن رمضان: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى

مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (1)، ويندب التكبير المطلق ما أمكن عند الشافعية من غروب الشمس ليلتي العيدين لا ما قبلها. وأما التكبير في أدبار الصلوات أيام الحج في عيد الأضحى وهي ما يسمى بتكبيرات التشريق فإنها تجب على الرجال والنساء مرة في الأصح وإن زاد عليها فلا حرج في القول الأصح عقب كل فرض عيني بلا فصل يمنع البناء على الصلاة، ويؤدى بجماعة أو منفرداً ولو قضاء، ويكون التكبير للرجال جهراً وتخافت المرأة في التكبير، ومدته عند أبي حنيفة من فجر يوم عرفة إلى عصر اليوم الأول من العيد، فالتكبير عنده يكون في ثمان صلوات. وعند الصاحبين يمتد إلى آخر أيام التشريق أي إلى صلاة العصر في رابع أيام العيد، فالتكبير عندهما يكون في ثلاث وعشرين صلاة وهو واجب على كل مصل، ولو تركه الإمام كبر المقتدي. وعند المالكية يندب للجماعة والفرد التكبير إثر كل صلاة من الصلوات المكتوبات من ظهر يوم النحر إلى صبح اليوم الرابع، وإن نسي التكبير كبر إذا تذكر إن قرب الزمن. والشافعية كالمالكية في عدد الصلوات التي يكبر فيها، ولهم قول كقول الصاحبين إلا أن الحاج عندهم يشتغل بالتلبية ليلة اليوم الأول من عيد الأضحى، والأظهر عند الشافعية أنه يكبر بعد كل صلاة في هذه الأوقات فريضة أو غير فريضة، ولا يكبر عند الحنابلة من صلى وحده، ويأتي الإمام عندهم بالتكبير مستقبلاً الناس ويكبر غير الإمام مستقبلاً القبلة ويجزئه التكبير مرة واحدة إن كرره فحسن، ويكبر عندهم عقب صلاة العيد ويستحب التكبير عندهم في أيام العشر من ذي الحجة لقوله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} (2) كما يستحب في أيام التشريق لقوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} (3). وصيغة التكبير عند الحنفية والحنابلة شفعاً في التكبير وهي: الله أكبر والله أكبر لا إله

_ (1) البقرة: 185. (2) الحج: من 28. (3) البقرة: 203.

إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ويستحب عند الشافعية بعد تكرار هذه الصيغة ثلاثاً أن يقول: الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، ويسن أن يزيد على هذا: لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله والله أكبر، ويختمها بقوله: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وعلى أصحاب محمد وعلى أزواج محمد وسلم تسليماً كثيراً، ويقتصر في تكبيرات التشريق بعد الصلوات على الصيغة الأولى أو الثانية دون هذه الزيادات. ويستحب في الأيام العشر من ذي الحجة أن يكثر من الاجتهاد في عمل الخير: من ذكر الله تعالى والصدقة وسائر أعمال البر والصيام إلا عيد الأضحى فإنه لا يصومه، ويتأكد صوم اليوم التاسع لغير الحاج، ويندب الامتناع عن تقليم الأظفار وحلق الرأس في عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي، ويندب إحياء ليلتي العيدين بطاعة الله تعالى من ذكر وصلاة وقراءة قرآن وصلاة العشاء والصبح جماعة. قال الحنفية: ويندب إحياء ليالي العيدين وليالي العشر الأخيرة من رمضان لإحياء ليلة القدر، وليالي العشر من ذي الحجة وليلة النصف من شعبان ويكثر من الاستغفار في هذه الليالي لكنهم قالوا: يكره الاجتماع على إحياء ليلة من هذه الليالي في المساجد وغيرها، وقد تساهل بعض العلماء في الاجتماع على مثل هذا لضعف همة الناس إذا انفردوا، والأصل أن ما كان من اجتماع مباح في غير هذه الأيام ألا يدخل في الكراهة. ويستحب للعيدين الغسل والتطيب والاستياك ولبس الرجال أحسن الثياب، ويدخل وقت الغسل عند الشافعية بنصف الليل وعند المالكية بالسدس الأخير من الليل، ويندب كونه بعد صلاة الصبح عند الحنفية والحنابلة، ويندب إزالة الظفر وما يتنافى مع حسن الهيئة وطيب الرائحة ويتأكد هذا في حق الإمام، وإذا استطاع الإنسان أن يذهب إلى الصلاة ماشياً مع التكبير والسكينة والوقار فإن ذلك أفضل، والإمام يتحين الوصول وقت الصلاة. وقال الحنفية لا بأس بالركوب في الجمعة والعيدين والمشي أفضل في حق من يقدر عليه

ويندب الذهاب إلى المصلى من طريق، والرجوع من أخرى، ويندب أن يأكل في عيد الفطر قبل الصلاة، ويندب أن يكون المأكول تمرات وتراً، ويؤخر في الأضحى الأكل حتى يرجع من الصلاة، ويؤدي صدقة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة ولا بأس بإهدائها قبل العيد بأيام، وتندب التوسعة على الأهل وكثرة الصدقة بحسب الطاقة في العيدين وإظهار البشاشة في وجه من يلقاه من المؤمنين، وتندب زيارة الأرحام والأحباب والأصحاب وأهل الفضل والعلم، والأفضل عند الحنفية أن يصلي الصبح في مسجده والأفضل عند الجمهور أن يصلي الصبح في المصلى إن أراد الصلاة فيه، والجمهور على أنه لا يصلي قبل صلاة العيد ولا بعدها، ولا يرى الشافعية حرجاً في الصلاة بعد ارتفاع الشمس لغير الإمام كما أنه لا حرج في الصلاة بعدها. والتنفل عند الحنفية والمالكية والحنابلة مكروه قبل صلاة العيد أو بعدها، إلا أن الحنفية لم يكرهوا التنفل بعدها في البيت. ويظهر الخلاف في تحية المسجد، فالشافعية يجيزونها قبل الصلاة، كما أنهم يجيزونها لمن دخل والخطيب يخطب إذا كانت صلاة العيد في المسجد أما في الصحراء فلا مسجد أصلاً. انظر: (الدر المختار، حاشية ابن عابدين 1/ 555 - 565)، (الشرح الصغير 1/ 523 - 531)، (المهذب 1/ 118 - 122)، (المغني 1/ 367 - 400)، (الفقه الإسلامي 2/ 362 فما بعدها). وإلى نصوص هذه الفقرة:

نصوص في صلاتي العيدين

نصوص في صلاتي العيدين - تشريع يومي العيد وفضلهما: 2051 - * روى أبو داود عن- أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، ولهم يومان يلعبون فيهما، قال: "ما هذان اليومان؟ " قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد أبدلكم الله خيراً منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر". قال في (عون المعبود 1/ 440) بعد أن بين أن اليومين المنهي عنهما يوما النيروز والمهرجان: ونهى عن اللعب والسرور فيهما- أي في النيروز والمهرجان- وفيه نهاية من اللطف وأمر بالعبادة لأن السرور الحقيقي فيها قال الله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} قال المظهر فيه دليل على أن تعظيم النيروز والمهرجان وغيرهما- أي من أعياد الكفار- منهي عنه قال أبو حفص الكبير الحنفي من أهدى في النيروز بيضة إلى مشرك تعظيماً لليوم فقد كفر بالله تعالى وأحبط أعماله وقال القاضي أبو المحاسن الحسن بن منصور الحنفي: من اشترى فيه شيئاً لم يكن يشتريه في غيره أو أهدى فيه هدية إلى غيره فإن أراد بذلك تعظيم اليوم كما يعظمه الكفرة فقد كفر وإن أراد بالشراء التنعم والتنزه وبالإهداء التحاب جرياً على العادة لم يكن كفراً لكنه مكروه كراهة التشبه بالكفرة حينئذ فيحترز عنه. قاله علي القاري ا. هـ. 2052 - * روى الشيخان عن أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "شهرا عيد لا ينقصان: رمضان، وذو الحجة". قال الترمذي: قال أحمد: معنى هذا الحديث: لا ينقصان معاً في سنة واحدة، أن

_ 2051 - أبو داود: (1/ 295) كتاب الصلاة، 244 - باب صلاة العيدين، وإسناده صحيح. النسائي (3/ 179، 180) 19 - كتاب صلاة العيدين، 1 - كتاب صلاة العيدين. 2052 - البخاري (4/ 124) 30 - كتاب الصوم، 12 - باب شهرا عيد لا ينقصان. مسلم (2/ 766) 13 - كتاب الصيام، 7 - باب معنى قوله صلى الله عليه وسلم "شهرا عيد لا ينقصان". أبو داود (2/ 297) كتاب الصوم، 4 - باب الشهر يكون تسعاً وعشرين. الترمذي (3/ 75) 6 - كتاب الصوم، 8 - باب ما جاء شهرا عيد لا ينقصان.

نقص أحدهما تم الآخر، قال: وقال إسحاق: معناه: إن يكن تسعاً وعشرين فهو تمام غير نقصان. أقول: قوله عليه السلام: "شهرا عيد لا ينقصان" يحتمل أكثر من فهم فهو يحتمل أنه إذا نقص أحدهما عن الثلاثين كان الثاني تسعة وعشرين، ولا يجتمع أن يكون كل منهما تسعة وعشرين ويحتمل أن يراد بالأخبار النهي عن التعبير بكلمة النقص عن هذين الشهرين، ويحتمل أن يكون أجر كل من الشهرين كاملاً ولو كان الشهر أنقص من ثلاثين، فإذا ثبت من خلال الاستقراء الوجه الأول فلا يعدل عنه إلى غيره وإلا عدل عنه إلى غيره مما يحتمله النص كالوجهين الأخيرين الذين ذكرناهما. قال ابن الأثير: (شهرا عيد لا ينقصان) قال الخطابي: اختلف الناس في معنى قوله شهرا عيد لا ينقصان، فقال بعضهم: معناه: أنهما لا يكونان ناقصين في الحكم وإن وُجدا ناقصين في عدد الحساب، وقال بعضهم: معناه: أنهما لا يكادان يوجدان في سنة واحدة مجتمعين في النقصان، إن كان أحدهما تسعة وعشرين كان الآخر ثلاثين. قال الخطابي: قلت: وهذا القول لا يعتمد عليه، لأن الواقع يخالفه، إلا أن يحمل الأمر على الغالب والأكثر. وقال بعضهم: إنما أراد بهذا تفضيل العمل في العشر من ذي الحجة، فإنه لا ينقص في الأجر والثواب عن شهر رمضان. وقال في (الفيض 4/ 165): يعني لا يكاد يتفق نقصانهما جميعاً في سنة واحدة غالباً وغلا فلو حمل الكلام على عمومه اختل ضرورة لأن اجتماعهما ناقصين في سنة واحدة قد وجد بل قال الطحاوي: وجدناهما ينقصان معاً في أعوام وقيل لا ينقصان في ثواب العمل فيهما وإنما خصهما لتعلق حكم الصوم والحج بهما فكل ما ورد من الفضائل والأحكام حاصل سواء كان رمضان ثلاثين أو تسعاً وعشرين وسواء صادف الوقوف التاسع أو غيره قال النووي: وهذا هو الصواب وقال الطيبي: المراد رفع الحرج عما يقع فيه خطأ في الحكم لاختصاصهما بالعقدين وجواز الخطأ فيهما ا. هـ. 2053 - * روى أبو داود عن عبد الله بن قرط رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن

_ 2053 - أبو داود (2/ 148، 149) كتاب المناسك "الحج"، باب في الهدي إذا عطب قبل أن يبلغ [بسم الله الرحمن=

أعظم الأيام عند الله عز وجل يوم النحر، ثم يوم القر"- قال ثور: وهو اليوم الثاني- قال: وقرِّب لرسول الله صلى الله عليه وسلم بدنات خمس، أو ست، فطفقن يزدلفن إليه، بأيتهن يبدأ؟ قال: فلما وجبت جنوبها- قال: فتكلم بكلمة خفيفة لم أفهمها، فقلت: ما قال؟ قال: "من شاء اقتطع". - الاغتسال والتجمل والتزين يوم العيد: 2054 - * روى مالك عن مالك بن أنس رحمه الله [عن نافع]: "أن عبد الله بن عمر كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى". 2055 - * روى الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس يوم العيد بردة حمراء. - من آداب صلاة يوم العيد: 2056 - * روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات، ويأكلهن وتراً. في رواية (1) الترمذي: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفطر على تمرات يوم الفطر، قبل أن يخرج إلى المصلى.

_ = الرحيم] وإسناده حسن. (يوم القر): هو اليوم الذي يلي يوم النحر، سمي بذلك لأن الناس يقرون فيه بمنى، وقد فرغوا من طواف الإفاضة والنحر فاستراحوا وقروا. (يزدلفن) الازدلاف: الاقتراب. زلف الشيء: إذا قرب. (وجبت جنوبها) أي: سقطت إلى الأرض، لأنها تنحر قائمة. 2054 - الموطأ (1/ 177) 10 - كتاب العيدين، 1 - باب العمل في غسل العيدين والنداء فيهما والإقامة، وإسناده صحيح. 2055 - مجمع الزوائد (2/ 198) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات. 2056 - البخاري (2/ 446) 13 - كتاب العيدين، 4 - باب الأكل يوم الفطر قبل الخروج. (1) الترمذي (2/ 427) أبواب الصلاة، 390 - باب ما جاء في الأكل يوم الفطر قبل الخروج.

2057 - * روى الترمذي عن بريدة رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم ولا يَطعم يوم الأضحى حتى يصلي". 2058 - * روى الترمذي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "من السنة أن تخرج إلى العيد ماشياً، وأن تأكل شيئاً قبل أن تخرج". 2059 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج يوم العيد في طريق رجع في غيره". 2060 - * روى البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق". أقول: إن في مخالفة طريق الذهاب والإياب حكماً كثيرة في يوم العيد منها كثرة الخطا وشهادة الأرض ورؤية أكبر قدر من الناس ومنها الجانب الأمني وخاصة لمن يمكن أن يتعرضوا لخطر لو أنهم عادوا من الطريق نفسه، والأصل في المسلم في حالة الخوف أن يكون حذراً قال تعالى: {خُذُوا حِذْرَكُمْ} (1). وهناك جانب آخر تظهر حكمته في عصرنا حيث السيارات والباصات وهو ألا يصطدم الذاهب بالآيب.

_ 2057 - الترمذي (2/ 426) أبواب الصلاة، 390 - باب ما جاء في الأكل يوم الفطر قبل خروجه وقال الترمذي: وفي الباب عن علي وأنس، ورواه أيضاً أحمد في المسند، وابن حبان في صحيحه، وابن ماجه، والدارقطني، والحاكم والبيهقي وصححه ابن القطان، وإسناده حسن. ابن خزيمة (2/ 341) 668 - باب استحباب الأكل يوم الفطر قبل الخروج إلى المصلى ... 2058 - الترمذي (2/ 410) أبواب الصلاة، [أبواب العيدين]، 382 - باب ما جاء في المشي يوم العيد، وقال الترمذي: هذا حديث حسن لغيره. 2059 - الترمذي (2/ 424) أبواب الصلاة، 389 - باب ما جاء في خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى العيد في طريق ورجوعه من طريق آخر. وهو حديث حسن. 2060 - البخاري (2/ 472) 13 - كتاب العيدين، 24 - باب من خالف الطريق إذا رجع يوم العيد، وقال البخاري: رواه سعيد عن أبي هريرة. وحديث جابر أصح. (1) النساء: من 71.

- وقت صلاة العيدين

- وقت صلاة العيدين: 2061 - * روى أبو داود عن عبد الله بن بسر صاحب النبي صلى الله عليه وسلم: خرج مع الناس في يوم فطر- أو أضحى- فأنكر إبطاء الإمام، وقال: إنا كنا قد فرغنا ساعتنا هذه، وذلك حين التسبيح". أقول: الأفضل في سنة الضحى أن تكون بعد ارتفاع الشمس وظهور تأثير حرها على الأرض في أوقات عادية لا غيم فيها ولا برد، والأصل في صلاة العيد أن تكون قبل ذلك ليتفرغ الناس لشؤون العيد ولكن الأفضل أن يبكر في صلاة الأضحى فتقع بعد انتهاء الوقت المنهي عنه وأن تؤخر صلاة الفطر يوم العيد قليلاً من أجل الأضحية في الأولى ومن أجل صدقة الفطر في الثانية. قال التهانوي في (الإعلاء 8/ 99 - 100): دل الحديث على أن صلاة العيد ينبغي أن تصلى قبل صلاة الضحى، ففيه بيان الوقت المستحب حيث أنكر الصحابي، ولم يبطل الصلاة، وليس فيه بيان أوله وآخره. وفي فتح الباري (2/ 380): قال ابن بطال: أجمع الفقهاء على أن العيد لا تصلى قبل طلوع الشمس ولا عند طلوعها، وإنما تجوز عند جواز النافلة ويعكر عليه إطلاق من أطلق أن أول وقتها عند طلوع الشمس. واختلفوا هل يمتد وقتها إلى الزوال أو لا؟ اهـ. قلت: مراد من أطلق هو مراد من قيد، فلا تعارض. وفي الدر المختار: (وقتها من الارتفاع) قدر رمح، فلا تصح قبله، بل تكون نفلاً محرماً (إلى الزوال) بإسقاط الغاية اهـ. وفي رد المحتار: (قدر رمح) هو اثنا عشر شبراً والمراد به حل النافلة (1/ 870). وهذا التحديد قالوا به لأنه وقت جواز النافلة، والعيد منها، فاحفظه. ا. هـ.

_ 2061 - أبو داود (1/ 295، 296) كتاب الصلاة، 245 - باب وقت الخروج إلى العيد وإسناده صحيح. (التسبيح): حين يسبح الضحى.

- صلاة العيد من غير أذان ولا إقامة

- صلاة العيد من غير أذان ولا إقامة 2062 - * روى مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيدين، غير مرة ولا مرتين، بغير أذان ولا إقامة". 2063 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم قالا: "لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى". قال ابن جريج: ثم سألته- يعني: عطاء- بعد حين عن ذلك؟ فأخبرني قال: أخبرني جابر بن عبد الله: أن لا أذان للصلاة يوم الفطر حين يخرج الإمام، ولا بعد ما يخرج، ولا إقامة ولا نداء ولا شيء، لا نداء يومئذ ولا إقامة. وأخرجه النسائي (1) عن جابر قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيد قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة. وأخرجه أبو داود (2) عن ابن عباس وحده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العيد بلا أذان ولا إقامة، وأن أبا بكر، وعمر أو عثمان، شك أحد رواته. أقول: اتفق العلماء على أنه لا أذان ولا إقامة في صلاة العيدين، ولكن استحب بعضهم أن ينبه المصلون ليقوموا إلى الصلاة وليشعروا أن الإمام قد تهيأ لافتتاحها بأن يقال: الصلاة جامعة.

_ 2062 - مسلم (2/ 604) 8 - كتاب صلاة العيدين. أبو داود (1/ 298) كتاب الصلاة، 249 - باب ترك الأذان في العيد. الترمذي (2/ 412، 413) أبواب الصلاة، 384 - باب ما جاء أن صلاة العيدين بغير أذان ولا إقامة. 2063 - البخاري (2/ 451) 13 - كتاب العيدين، 7 - باب المشي والركوب إلى العيد بغير أذان ولا إقامة، وهذا الحديث رواه البخاري إلى قوله: "يوم الأضحى". مسلم (2/ 604) 8 - كتاب صلاة العيدين. (1) النسائي (3/ 182) 19 - كتاب صلاة العيدين، 7 - ترك الأذان للعيدين. (2) أبو داود (1/ 298) كتاب الصلاة، 249 - باب ترك الأذان في العيد.

- عدد ركعات صلاة العيد

- عدد ركعات صلاة العيد: 2064 - * روى ابن خزيمة عن عمر: "صلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة المسافر ركعتان، تمام غير قصر، على لسان نبيكم وقد خاب من افترى". - تكبيرات صلاة العيد: 2065 - * روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان يكبِّر في الفطر والأضحى، في الأولى: سبع تكبيرات، وفي الثانية: خمس تكبيرات". زاد في رواية (1) سوى تكبيرتي الركوع. 2066 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التكبير في الفطر: سبع في الأولى، وخمس في الآخرة، والقراءة بعدهما كلتيهما". وفي أخرى (2) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبِّر في الفطر في الأولى سبعاً، ثم يقرأ، ثم يكبِّرُ، ثم يقوم فيكبِّر أربعاً، ثم يقرأ، ثم يركع. 2067 - * روى مالك عن نافع- مولى ابن عمر- رضي الله عنهم قال: شهدت الأضحى والفطر مع أبي هريرة، فكبَّر في الركعة الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة، وفي الأخرى خمس تكبيرات قبل القراءة.

_ 2064 - ابن خزيمة (2/ 340) 667 - باب عدد ركعات صلاة العيدين وإسناده صحيح. 2065 - أبو داود (1/ 299) كتاب الصلاة، 250 - باب التكبير في العيدين، وهو حسن بشواهده. (1) أبو داود (1/ 299) نفس الموضع السابق. 2066 - أبو داود (1/ 299) كتاب الصلاة، 250 - باب التكبير في العيدين، وهو حديث حسن. (2) أبو داود (1/ 299) نفس الموضع السابق، وقال أبو داود: رواه وكيع وابن المبارك، قالا: "سبعاً وخمساً". 2067 - الموطأ (1/ 180) 10 - كتاب العيدين، 4 - باب ما جاء في التكبير والقراءة في صلاة العيدين، وإسناده صحيح.

2068 - * روى الترمذي عن كثير بن عبد الله رحمه الله عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر في العيدين في الأولى سبعاً قبل القراءة، وفي الآخرة خمساً قبل القراءة. أقول: الخلاف بين الفقهاء في تكبيرات الزوائد خلاف في الأفضلية فقط، ولكل دليله، والأمر واسع، فالحنفية يرون أنه في الركعة الأولى يكبر ثلاثاً بعد تكبيرة الإحرام وقبل القراءة، ويكبر في الركعة الثانية ثلاثاً قبل تكبيرة الركوع التي هي واجبة عندهم في صلاة العيد بعد القراءة وبعض المذاهب يكبر سبعاً في الأولى عدا تكبيرة الإحرام قبل القراءة وستاً في الثانية عدا تكبيرة القيام من السجود وبعضهم يكبر ستاً في الأولى فيكون المجموع مع تكبيرة الإحرام سبعاً قبل القراءة ويكبر خمساً قبل القراءة في الركعة الثانية فيكون المجموع مع تكبيرة الرفع من السجود ستاً والأمر كما قلنا واسع لأن الخلاف في الأفضلية والأفضل أن يتابع المؤتم إمامه لو خالفه في المذهب إلا إذا كان مسبوقاً، فله أن يلتزم بمذهبه فيما يقضي. قال النووي (6/ 179): قال القاضي: التكبير في العيدين أربعة مواطن في السعي إلى الصلاة إلى حين يخرج الإمام، والتكبير في الصلاة وفي الخطبة وبعد الصلاة، أما الأول فاختلفوا فيه فاستحبه جماعة من الصحابة والسلف فكانوا يكبرون إذا خرجوا حتى يبلغوا المصلى يرفعون أصواتهم وقال الأوزاعي ومالك والشافعي: وزاد استحبابه ليلة العيدين وقال أبو حنيفة يكبر في الخروج للأضحى دون الفطر وخالفه أصحابه فقالوا بقول الجمهور وأما التكبير بتكبير الإمام في الخطبة فمالك يراه، وغيره يأباه، وأما التكبير المشروع في أول صلاة العيد فقال الشافعي: هو سبع في الأولى غير تكبيرة الإحرام وخمس في الثانية غير تكبيرة القيام وقال مالك وأحمد وأبو ثور: كذلك لكن سبع في الأولى إحداهن تكبيرة الإحرام وقال الثوري وأبو حنيفة: خمس في الأولى وأربع في الثانية بتكبيرة الإحرام والقيام وجمهور العلماء يرى هذه التكبيرات متوالية متصلة وقال عطاء والشافعي وأحمد: يستحب بين كل تكبيرتين ذكر الله تعالى وروي هذا أيضاً عن ابن مسعود رضي الله عنه وأما التكبير بعد الصلاة في عيد الأضحى

_ 2068 - الترمذي (2/ 416) أبواب الصلاة، 386 - باب ما جاء في التكبير في العيدين، وهو حسن بشواهده.

- القراءة في صلاة العيد

فاختلف علماء السلف ومن بعدهم فيه على نحو عشرة مذاهب. ا. هـ وسبق أن ذكرنا شيئاً منها. 2069 - * روى الطبراني عن كردوس قال: "كان عبد الله بن مسعود يكبِّر في الأضحى والفطر تسعاً تسعاً يبدأ فيكبر أربعاً ثم يقرأ ثم يكبر واحدة فيركع بها ثم يقوم في الركعة الآخرة فيبدأ فيقرأ ثم يكبر أربعاً يركع بإحداهن. - القراءة في صلاة العيد: 2070 - * روى مسلم عن عبيد الله بن عتبة بن مسعود: "أن مر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثي: ما كان يقرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضحى والفطر؟ قال: كان يقرأ فيهما بـ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} و {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} قال عمر: صدقت". وفي أخرى (1) "قال أبو واقد الليثي: قد سألني مر بن الخطاب عما قرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم العيد؟ فلت: بـ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} و {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} ". وأخرج الموطأ (2) وأبو داود (3) والترمذي (4) والنسائي (5) الرواية الأولى. أقول: ترد سورة (ق) في ترتيب القرآن قبل سورة القمر، والرواية الأولى تذكر (ق) قبل القمر في القراءة ولا تعارض بينها وبين الرواية التي تذكر القمر قبل (ق) لأن العطف بالواو لا يقتضي الترتيب وبعد استقرار ترتيب المصحف على ما هو عليه وهو

_ 2069 - الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 350). مجمع الزوائد (2/ 205) قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات وللحديث طرق أخرى، ورواه عبد الرزاق بإسناد صحيح. 2070 - مسلم (2/ 607) 8 - كتاب صلاة العيدين، 3 - باب ما يقرأ به في صلاة العيدين. (1) مسلم (2/ 607) نفس الموضع السابق. (2) الموطأ (1/ 180) 10 - كتاب العيدين، 4 - باب ما جاء في التكبير والقراءة في صلاة العيدين. (3) أبو داود (1/ 300) كتاب الصلاة، 251 - باب ما يقرأ في الأضحى والفطر. (4) الترمذي (2/ 415) أبواب الصلاة، 385 - باب ما جاء في القراءة في العيدين. (5) النسائي (3/ 183، 184) 19 - كتاب صلاة العيدين، 12 - باب القراءة في العيدين بـ "ق واقتربت" ولم يذكر واحد من الجماعة قول عمر: "صدقت"، وهو مما وجدته في كتاب رزين.

- الخطبة وبعض آدابها وموقعها

ترتيب توقيفي فإنه يسن أن يقرأ القرآن في الصلاة مرتباً فلا يقرأ بسورة أو بآية متأخرة ثم يقرأ بسورة سابقة، وما ورد على خلاف ذلك محمول على أنه كان قبل استقرار القرآن على الترتيب الحالي الذي كان على آخر عرضة للقرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبريل كما هو في القول الراجح لدى العلماء. 2071 - * روى الجماعة إلا البخاري عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين والجمعة بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} و {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} وربما اجتمعا في يوم واحد فقرأ بهما. - الخطبة وبعض آدابها وموقعها: 2072 - * روى الشيخان عن نافع- مولى ابن عمر- رضي الله عنهم أن ابن عمر قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يصلون العيدين قبل الخطبة". 2073 - * روى الطبراني في الأوسط عن أنس قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يبدؤون بالصلاة قبل الخطبة في العيد". 2074 - * روى أحمد عن وهب بن كيسان قال: "سمعت عبد الله بن الزبير يوم العيد

_ 2071 - مسلم (2/ 598) 7 - كتاب الجمعة، 16 - باب ما يقرأ في صلاة الجمعة. أبو داود (1/ 293) كتاب الصلاة، 241 - باب ما يقرأ به الجمعة. الترمذي (2/ 413) أبواب الصلاة، 385 - باب ما جاء في القراءة في العيدين. النسائي (3/ 184) 19 - كتاب صلاة العيدين، 13 - باب القراءة في العيدين بـ سبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية. ابن ماجه (1/ 408) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 157 - باب ما جاء في القراءة في صلاة العيدين. 2072 - البخاري (2/ 453) 13 - كتاب العيدين، 8 - باب الخطبة بعد العيد. مسلم (2/ 605) 8 - كتاب صلاة العيدين. الترمذي (2/ 411) أبواب الصلاة، 383 - باب ما جاء في صلاة العيدين قبل الخطبة. النسائي (3/ 183) 19 - كتاب صلاة العيدين، 9 - باب صلاة العيدين قبل الخطبة. 2073 - مجمع الزوائد (2/ 201، 202) قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات. وهو في الصحيح بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى يوم النحر ثم خطب. 2074 - أحمد (4/ 4). مجمع الزوائد (2/ 201) قال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات.

يقول: حين صلى قبل الخُطبة ثم قام يخطب الناس أيها الناس كل سنة الله وسنة رسوله". أقول: أي كل من الصلاة في محلها والخطبة بعدها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. 2075 - * روى الشيخان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما "أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة". في رواية (1) "أن النبي صلى الله عليه وسلم قام فبدأ بالصلاة، ثم خطب الناس، فلما فرغ نزل فأتى النساء فذكرهن وهو يتوكأ على يد بلال، وبلال باسط ثوبه يلقي فيه النساء صدقة، قلت لعطاء: أترى حقاً على الإمام أن يأتي النساء، فيذكرهن؟ قال: إن ذلك لحق عليهم، وما لهم أن لا يفعلوا؟ ". وفي أخرى (2) قال: "شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئاً على بلال، فأمر بتقوى الله، وحث على طاعته، ووعظ الناس، وذكرهم، ثم مضى حتى أتى النساء، فوعظهن وذكرهن، فقال: "تصدقن، فإن أكثركن حطب جهنم"، فقامت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدين، فقالت: لم يا رسول الله؟ فقال طلأنكن تكثرن الشكاة، وتكفرن العشير". قال: فجعلن يتصدقن من حليهن، يلقين في ثوب بلال من أقرطتهن وخواتيمهن. أقول: من هذه الحادثة أخذ بعض العلماء أنه يستحب للإمام أن يذكر من يحتمل أنه لم

_ 2075 - البخاري (2/ 451) 13 - كتاب العيدين، 7 - باب المشي والركوب إلى العيد بغير أذان ولا إقامة. مسلم (2/ 603) 8 - كتاب صلاة العيدين. (1) البخاري (2/ 451) 13 - كتاب العيدين، 7 - باب المشي والركوب إلى العيد بغير أذان ولا إقامة. مسلم (2/ 603) 8 - كتاب صلاة العيدين. (2) مسلم (2/ 603، 604) 8 - كتاب صلاة العيدين. (سطة النساء) يقال: هذه امرأة من سطة النساء: أي من أوساطهن حسباً ونسباً. (سفعاء) السفعة: سواد في اللون. (الشكاة): الشكوى، مفتوح الشين. (العشير): الزوج، فعيل من العشرة. وكفره: جحدهن حقه. يريد: أنهن يكثرن شكوى أزواجهن إلى الناس، ويجحدن إحسانهم إليهن. (اقرطتهن) القرط: من حلي الآذان، وجمعه أقرطة، في القلة.

يسمع خطبته بأن يمر على أمثال هؤلاء ويذكرهم. 2076 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: شهدت الصلاة يوم الفطر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، فكلهم يصليها قبل الخطبة، ثم يخطب بعد، فنزل صلى الله عليه وسلم، وكأني أنظر إليه حين يجلس الرجال بيده، ثم أقبل يشقهم حتى أتى النساء مع بلال، فقرأ: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ، وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ} (1). حتى فرغ من الآية كلها، ثم قال حين فرغ: أنتن على ذلك؟ فقالت امرأة واحدة، لم يجبه غيرها منهن: نعم يا رسول الله- لا يدري الحسن [بن مسلم] من هي؟ قال: "فتصدقن" فبسط بلال ثوبه، فجعلن يلقين الفتخ والخواتيم في ثوب بلال. في رواية (2) فبسط بلال ثوبه، وقال: هلم فدى لكن أبي وأمي، فيلقين الفتخ والخواتيم. قال: عبد الرازق: الفتخ: الخواتيم العظام كانت في الجاهلية. ا. هـ. وهي تستعمل في أصابع الأيدي والأرجل بدون فص. وفي أخرى (3) أنه قال: أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج، وقال عطاء: أشهد على ابن عباس- أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ومعه بلال، فظن أنه لم يسمع النساء، فوعظهن وأمرهن بالصدقة، فجعلت المرأة تلقي القرط والخاتم، والشيء، وبلال يأخذ في طرف ثوبه. وفي أخرى (4): أن ابن عباس أرسل إلى ابن الزبير- أول ما بويع له-: إنه لم يكن يؤذن للصلاة يوم الفطر، فلا تؤذن لها، قال: فلم يؤذن لها ابن الزبير يومه، وأرسل

_ 2076 - البخاري (2/ 466، 467) 13 - كتاب العيدين، 19 - باب موعظة الإمام النساء يوم العيد. مسلم (2/ 602) 8 - كتاب صلاة العيدين. (1) الممتحنة: 12. (2) مسلم (2/ 602) 8 - كتاب صلاة العيدين. (3) مسلم (2/ 602) نفس الموضع السابق. (4) مسلم (2/ 604) 8 - كتاب صلاة العيدين.

إليه مع ذلك: إنما الخطبة بعد الصلاة، وإن ذلك قد كان يفعل، قال: فصلى ابن الزبير قبل الخطبة. ولأبي داود (1) قال: "فجعل بلال يجعله في كسائه، قال: فقسمه على فقراء المسلمين". وله في أخرى (2) عن عبد الرحمن بن عابس قال: سمعت ابن عباس قال له رجل: أشهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، ولولا منزلتي منه ما شهدته من الصغر، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم العلم الذي عند دار كثير بن الصلت، فصلى، ثم خطب- ولم يذكر أذاناً ولا إقامة- قال: ثم أمر بالصدقة، فجعل النساء يشرن إلى آذانهن وحلوقهن، فأمر بلالاً فأتاهن. ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم". وأخرج النسائي (3) رواية أبي داود الآخرة إلى قوله: "ثم خطب، وقال: فأتى النساء فوعظهن وذكرهن، وأمرهن أن يتصدقن، فجعلت المرأة تهوي بيدها إلى حلقها تلقي في ثوب بلال". أقول: يستفاد من هذه الحادثة الاستفادة من المناسبات التي يجتمع فيها الناس بأن يحض الناس فيها على ما فيه فائدة للفقراء والمساكين وأصحاب الحاجات وأن يتولى ذلك الخطيب نفسه. 2077 - * روى البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، وأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس- والناس جلوس على صفوفهم- فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم، وإن كان يريد أن يقطع بعثاً أو يأمر بشيء أمر به، ثم ينصرف، وقال أبو سعيد: فلم يزل الناس على

_ (1) أبو داود (1/ 298) كتاب الصلاة، 247 - باب الخطبة يوم العيد. (2) أبو داود (1/ 298) كتاب الصلاة، 249 - باب ترك الأذان في العيد. (3) النسائي (3/ 192، 193) 19 - كتاب صلاة العيدين، 28 - موعظة الإمام النساء بعد الفراغ من الخطبة وحثهن على الصدقة. 2077 - البخاري (2/ 448، 449) 13 - كتاب العيدين، 6 - باب الخروج إلى المصلى بغير منبر. (بعثاً) البعث: القوم يبعثون في الغزو، وقطعهم: إفرادهم من الناس وتعيينهم.

ذلك، حتى خرجت مع مروان، وهو أمير المدينة في أضحى- أو فطر- فلما أتينا المصلى إذا منبر قد بناه كثير بن الصلت، فإذا هو يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي، فجبذت بثوبه، فجبذني وارتفع، فخطب قبل الصلاة، فقلت له: غيرتم والله، فقال: أبا سعيد، ذهب ما تعلم، فقلت: ما أعلم والله خير مما لا أعلم، فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة، فجعلتها قبل الصلاة. في رواية (1) قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم الأضحى ويوم الفطر، فيبدأ بالصلاة، فإذا صلى صلاته قام فأقبل على الناس وهم جلوس في مصلاهم، فإن كانت له حاجة ببعث ذكره للناس، أو حاجة بغير ذلك أمرهم بها، وكان يقول: تصدقوا، تصدقوا، تصدقوا، فكان أكثر من يتصدق النساء، ثم انصرف، فلم يزل كذلك حتى كان مروان بن الحكم، فخرجت مخاصراً مروان حتى أتينا المصلى، فإذا كثير بن الصلت قد بنى منبراً من طين ولبن، فإذا مروان ينازعني يده، كأنه يجرني نحو المنبر، وأنا أجره نحو الصلاة، فلما رأيت ذلك قلت: أين الابتداء بالصلاة؟ قال: لا، يا أبا سعيد، قد ترك ما تعلم، قلت: كلا، والذي نفسي بيده، لا تأتون بخير مما أعلم- ثلاث مرات- ثم انصرف. وفي أخرى (2) قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى- أو فطر- إلى المصلى، فمر على النساء، فقال: "يا معشر النساء، تصدقن، فإني أريتكن أكثر أهل النار"، فقلن: لم يا رسول الله؟ قال: "تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، وما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن"، قلن: وما نقصان عقلنا وديننا يا رسول الله؟ قال: "أليس شهادة المرأة منكن مثل نصف شهادة الرجل؟ " قلن: بلى؟ قال: "فذلك من نقصان عقلها" قال: "أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصم؟ " قلن بلى، قال: "وذلك من نقصان دينها".

_ (1) مسلم (2/ 605) 8 - كتاب صلاة العيدين. (2) البخاري (1/ 405) 6 - كتاب الحيض، 6 - باب ترك الحائض الصوم. مسلم (1/ 86، 87) 1 - كتاب الإيمان، 34 - باب بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات. (مخاصراً) المخاصرة: أن يأخذ الرجل بيد رجل آخر، يتماشيان ويد كل واحد منهما عند خصر صاحبه. (اللب): العقل، والحازم: العاقل المحترز في الأمور المستظهر فيها.

- حكم الاستماع لخطبة العيد

وأخرج النسائي (1) رواية مسلم إلى قوله: أكثر من يتصدق النساء. أقول: إن إنكار أبي سعيد على مروان الخطبة قبل الصلاة مع وجود النصوص التي تبين فعل الرسول صلى الله عليه وسلم أن الصلاة قبل الخطبة دليل على بدعية ما فعله مروان، واقتطاع البعوث وإرسالها يوم العيد وهو اليوم الذي يجتمع فيه أكبر قدر من الناس يفيد أن من السنة الاستفادة من الاجتماع يوم العيد وغيره مما يجتمع له المسلمون في إرسال بعوث الجهاد، ومن الجهاد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير، فحبذا لو أحييت هذه السنة بأن انتدب الناس للخروج جماعات لزيارة البيوت وغيرها والقرى والأرياف والخيام للدعوة إلى الله، وقد دأب بعض العاملين للإسلام في عصرنا على إحياء هذه السنة فجزاهم الله خيراً وسدد خطاهم ورزقنا وإياهم حسن النية. - حكم الاستماع لخطبة العيد: 2078 - * روى أبو داود عن عبد الله بن السائب رضي الله عنه قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العيد يوم الفطر، فكبَّر تكبير العيد، فلما قضى الصلاة قال: "إنا نخطب، فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس، ومن أحب أن يذهب فليذهب". في رواية (2) النسائي: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العيد، فقال: "من أحب أن ينصرف فلينصرف، ومن أحب أن يقيم للخطبة فليقم". أقول: ولهذا النص وما يشهد له اعتبر الفقهاء أن سماع الخطبة في العيدين مستحب وليس من باب الفرائض والواجبات إلا أنني أريد أن أنبه إلى أن كثيرين من الناس بدلاً من أن يحرصوا على فعل السنة والمستحب والأدب وما يدخل في المروءات طلباً للكمالات،

_ (1) النسائي (3/ 187) 19 - كتاب صلاة العيدين، 20 - استقبال الإمام الناس بوجهه في الخطبة. وقد أخرج النسائي رواية مسلم هذه إلى قوله "أكثر من يتصدق النساء". 2078 - أبو داود (1/ 300) كتاب الصلاة، 252 - باب الجلوس للخطبة، قال أبو داود: هذا يروى مرسلاً. (2) النسائي (3/ 185) 19 - كتاب صلاة العيدين، 15 - التخيير بين الجلوس في الخطبة للعيدين وهو مرسل ضعيف لكن له شاهد عند البيهقي من طريق الفضل.

- إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة مفارقات الرجال

رق دينهم فإذا ما سمعوا أن هذا سنة أو مستحب أو مروءة لا يبالون به، أما أصحاب الأعذار والمبتدئون فهؤلاء لهم حكمهم. - إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة مفارقات الرجال: 2079 - * روى الشيخان عن أم عطية رضي الله عنها قالت: أُمِرْنا- في رواية أمَرنا- تعني: النبي صلى الله عليه وسلم- أن نخرج في العيدين: العواتق وذوات الخدور، وأمر الحُيَّضَ أن يعتزلن مصلى المسلمين. وفي أخرى (1) أمرنا أن نخرج، ونُخرج الحُيَّضَ العواتق وذوات الخدور قال بن عون: أو العواتق ذوات الخدور- فأما الحُيَّض فيشهدن جماعة المسلمين ودعوتهم، ويعتزلن مصلاهم. قال البخاري عن ابن سيرين: قالت أم عطية: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي رواية (2) قالت: كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد، حتى نُخرج البكر من خدرها، حتى نخرج الحُيَّض فيكن خلف الناس، فيكبرن بتكبيرهم، ويدعون بدعائهم، يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته. وفي أخرى (3): كنا نؤمر بالخروج في العيدين، والمخبأة، والبكر قالت: والحُيَّض يخرجن، فيكن خلف الناس، يكبِّرن مع الناس. وفي أخرى (4) عن حفصة بنت سيرين قالت: كنا نمنع جوارينا- وفي رواية عواتقنا-

_ 2079 - البخاري (1/ 466) 8 - كتاب الصلاة، 2 - باب وجوب الصلاة في الثياب. مسلم (2/ 605، 606) 8 - كتاب صلاة العيدين، 1 - باب ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى. (1) البخاري (2/ 470) 13 - كتاب العيدين، 21 - باب اعتزال الحيض المصلى. (2) البخاري (2/ 461) 13 - كتاب العيدين، 12 - باب التكبير أيام منى ... إلخ وقد وردت هذه الرواية بزيادة "فيكن خلف الناس". (3) مسلم (2/ 606) 8 - كتاب صلاة العيدين، 1 - باب ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى. (4) البخاري (2/ 469) 13 - كتاب العيدين، 20 - باب إذا لم يكن لها جلباب في العيد. (العواتق) جمع عاتق، وهي المرأة المخدرة إلى أن تدرك، وكذلك "العُتَّق" مثل حائض وحُيَّض. (الخدور): جمع خدر، وهو الموضع الذي تصان فيه المرأة، والخِدْرُ: الستر.

أن يخرجن يوم العيد، فجاءت امرأة، فنزلت قصر بني خلف، فأتيتها فحدَّثت أن زوج أختها غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثنتي عشرة غزوة، فكانت أختها معه في ست غزوات، قالت: فكنا نقوم على المرضى ونداوي الكلمى، فقالت: يا رسول الله، على إحدانا بأس إذا لم يكن لها جلباب أن لا تخرج- تعني في العيد-؟ قال: "لتلبسها صاحبتها من جلبابها، ويشهدن الخير ودعوة المؤمنين". قالت حفصة: فلما قدمت أم عطية أتيتها، فسألتها: أسمعت في كذا [وكذا]؟ قالت: نعم بأبي- وقلما ذكرت النبي صلى الله عليه وسلم إلا قالت: بأبي- قال: "لتخرج العواتق وذوات الخدور" أو قال: "العواتق ذوات الخدور"، شك أيوب- والحُيَّضُ، فتعتزل الحائض المصلى، ولتشهد الخير ودعوة المؤمنين، قالت: فقلت لها: الحُيَّضُ؟ قالت: نعم، أليس الحائض تشهد عرفات، وتشهد كذا وتشهد كذا؟. وفي أخرى (1) قالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق والحُيَّض وذوات الخدور، فأما الحيض، فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، قلت: يا رسول الله، إحدانا لا يكون لها جلباب؟ قال: "لتلبسها أختها من جلبابها". في رواية الترمذي (2): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج الأبكار، والعواتق، وذوات الخدور، والحيَّض في العيدين، فأما الحُيَّضُ فيعتزلن المصلى، ويشهدن دعوة المسلمين، قالت إحداهن: يا رسول الله إن لم يكن لها جلباب؟ قال: "فلتعرها أختها من جلابيبها". ولأبي داود (3) قالت: والحيض يكن خلف الناس، فيكبرن مع الناس.

_ (1) مسلم (2/ 606) 8 - كتاب صلاة العيدين، 1 - باب ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى. (2) الترمذي (2/ 419، 420) أبواب الصلاة، 388 - باب ما جاء في خروج النساء في العيدين. (3) أبو داود (1/ 269) كتاب الصلاة، 246 - باب خروج النساء في العيد. (الكلمى) الجرحى، جمع كليم، أي جريج. (الجلباب): الملحفة والإزار الذي تتغطى به المرأة.

- الخطبة على الراحلة واتخاذ عصا

وله في أخرى (1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة جمع نساء الأنصار في بيت، فأرسل إلينا عمر بن الخطاب، فقام على الباب فسلم علينا، فرددنا عليه السلام، ثم قال: "أنا رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إليكن، وأمرنا بالعيدين أن نخرج فيهما الحُيَّض والعُتَّق، ولا جمعة علينا، ونهانا عن اتباع الجنائز". أقول: يشهد النساء صلاة العيد إذا كانت في المصلى بدليل أن الحائض لا يحل لها أن تدخل المسجد والمرأة تكبر يوم العيد سراً، وإذا خرجن إلى المصلى لا يخرجن بزينة ولا طيب ولا أبهة ولا تكشف، ومع ذلك فإن بعض الفقهاء تحرجوا من خروج المرأة يوم العيد لما رأوا في بعض الأزمنة والأمكنة من كثرة الفساد، والأصل أن تخرج المرأة إلى المصلى، وأهل الفتوى إذا وجدوا وضعاً استثنائياً أو إذا رأت المرأة نفسها فساد نية أو احتمال فتنة، فلا يعتبر عدم الخروج في هذه الحالات مخالفة للسنة، وقد رأينا أن أكثر الفقهاء على أن صلاة العيد سنة في حق من تجب عليه الجمعة، والمرأة في الأصل لا تجب عليها الجمعة، فخروجها إذا لم يكن ثمة فساد يخشى منه هو من باب المندوبات أو الآداب، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح فكيف إذا كان هناك مفسدة، فلا شك أن تعطيل الآداب والمندوبات أولى. - الخطبة على الراحلة واتخاذ عصاً: 2080 - * روى النسائي عن أبي كاهل الأحمسي رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على ناقته وحبشي يأخذ بخطام الناقة. أقول: والظاهر أن الخطبة على الراحلة يوم العيد كانت في الحج والله أعلم. 2081 - * روى أبو يعلى عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم العيد على راحلته.

_ (1) أبو داود (1/ 296) نفس الموضع السابق. 2080 - النسائي (3/ 185) 19 - كتاب صلاة العيدين، 17 - الخطبة على البعير، وإسناده صحيح. 2081 - أبو يعلى (2/ 402) وإسناده صحيح. مجمع الزوائد (2/ 205) قال الهيثمي: رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح.

- نصب الحربة للإمام يوم العيد

2082 - * روى ابن خزيمة عن أبي سعيد الخدري: أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوم عيد على راحلته. وقال- أي بن خزيمة-: قال أبو بكر: هذه اللفظة تحتمل معنيين، أحدهما أنه خطب قائماً لا جالساً، والثاني أنه خطب على الأرض. كإنكار أبي سعيد على مروان لما أخرج المنبر، فقال: لم يكن يخرج المنبر. أقول: إذا كانت صلاة العيد في المسجد فالأصل أن يخطب على المنبر أما إذا كانت الصلاة في المصلى، فإن كان في المصلى منبر خطب عليه الخطيب وإن لم يكن فيه منبر فلا يتكلف إخراج منبر له وإنما يخطب الخطيب واقفاً على الأرض، وهناك حالة يحسن أن تكون خطبة العيد على مكان مرتفع لكثرة الناس وحتى يرى الناس خطيبهم، وعلى هذا تحمل خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم على الناقة على أحد الوجوه التي حملت عليها هذه الروايات والظاهر أن ذلك كان في الحج. 2083 - * روى أبو داود عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نوول يوم العيد قوساً يخطب عليه. - نصب الحربة للإمام يوم العيد: 2084 - * روى النسائي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج العنزة يوم الفطر ويوم الأضحى، يركزها فيصلي إليها. - حكم التنفل قبل وبعد صلاة العيد: 2085 - * روى الجماعة عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج

_ 2082 - ابن خزيمة (2/ 348) 685 - باب الخطبة قائماً على الأرض إذا لم يكن بالمصلى منبر. 2083 - أبو داود (1/ 298) كتاب الصلاة، 248 - باب يخطب على قوس، وهو حديث ضعيف قال محقق الجامع: ولكن له شاهد عند ابي داود من حديث الحكم بن حزن الكلفي، وهو حديث طويل، وفيه: فقام متوكئاً على عصى أو قوس فحمد الله وأثنى عليه .. الحديث، وإسناده حسن وصححه ابن السكن وابن خزيمة. 2084 - النسائي (3/ 183) 19 - كتاب صلاة العيدين، 10 - باب صلاة العيدين إلى العنزة وإسناده صحيح. (العنزة): وهي شبه العكازة، وفي طرفها سنان فيه طول. 2085 - البخاري (2/ 453) 13 - كتاب العيدين، 8 - باب الخطبة بعد العيد.=

يوم عيد، فصلى ركعتين، لم يصلِّ قبلها ولا بعدها ثم أتى النساء وبلال معه، فأمرهن بالصدقة، فجعلت المرأة تصدَّق بخرصها وسخابها. في رواية (1) خرج في يوم أضحى، أو فطر. وفي أخرى (2) أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفطر ركعتين. الحديث. 2086 - * روى مالك عن نافع- مولى ابن عمر- رضي الله عنهم أن عبد الله بن عمر لم يكن يصلي يوم الفطر قبل الصلاة ولا بعدها. وعند الترمذي: أن ابن عمر خرج يوم عيد، ولم يصل قبلها ولا بعدها، وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله. 2087 - * روى أبو يعلى عن أيوب قال: رأيت أنس بن مالك والحسن يصليان يوم

_ = مسلم (2/ 606) 8 - كتاب صلاة العيدين، 2 - باب ترك الصلاة، قبل العيد وبعدها في المصلى. أبو داود (1/ 301) كتاب الصلاة، 255 - باب الصلاة بعد صلاة العيد. الترمذي (2/ 418) أبواب الصلاة، 387 - باب ما جاء لا صلاة قبل العيد ولا بعدها وقد انتهت رواية الترمذي هذه عند قوله "ولا بعدها". النسائي (3/ 193) 19 - كتاب صلاة العيدين، 29 - الصلاة قبل العيدين وبعدها. وقد انتهت رواية النسائي هذه عند قوله "ولا بعدها". ابن ماجه (1/ 410) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيا، 160 - باب ما جاء في الصلاة قبل صلاة العيد وبعدها. ابن خزيمة (2/ 345) 667 - باب ترك الصلاة في المصلى قبل العيدين وبعدها ... إلخ. (1) مسلم (2/ 606) 8 - كتاب صلاة العيدين، 2 - باب ترك الصلاة قبل العيد وبعدها في المصلى. (2) البخاري (2/ 476) 13 - كتاب العيدين، 26 - باب الصلاة قبل العيد وبعدها. (بخرصها) الخرص: الحلقة الصغيرة من الحلي. (وسخابها) السخاب: القلادة من الخرز يلبسها الصبيان والجواري. 2086 - الموطأ (1/ 181) 10 - كتاب العيدين، 5 - باب ترك الصلاة قبل العيدين وبعدهما. الترمذي (2/ 418، 419) أبواب الصلاة، 387 - باب ما جاء لا صلاة قبل العيد ولا بعدها وإسناده صحيح، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ورواه أحمد في المسند 2/ 57 والحاكم في "المستدرك" 1/ 295 وصححه، ووافقه الذهبي. 2087 - أبو يعلى (7/ 203) إسناده ضعيف لانقطاعه أيوب لم يدرك أنساً. مجمع الزوائد (2/ 202) قال الهيثمي: رواه أبو يعلى وروى الطبراني في الكبير أن أنساً كان يصلي أربع ركعات، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح.

العيد قبل أن يخرج الإمام قال: ورأيت محمد بن سيرين جاء فجلس ولم يصل. أقول: الخلاف في الصلاة قبل العيدين وبعدها موجود منذ زمن الصحابة، وقد استمر الخلاف في هذا الموضوع، فالمذاهب الثلاثة غير الشافعية لا يرون الصلاة قبل صلاة العيدين، والشافعية يرون جوازها قبل وبعد، والحنفية أجازوا التنفل بعدها في البيت، والأمر واسع، وترجيح ما عليه الجمهور أولى. 2088 - * روى الطبراني عن أبي مسعود ليس من السنة الصلاة قبل خروج الإمام يوم العيد. 2089 - * روى الطبراني عن ابن سيرين أن ابن مسعود وحذيفة كانا ينهيان الناس أو قال: يجلسان من يريانه يصلي قبل خروج الإمام. 2090 - * روى الطبراني عن ابن سيرين وقتادة أن ابن مسعود كان يصلي بعدها أربع ركعات أو ثمان وكان لا يصلي قبلها. أقول: رأينا مذهب الحنفية الذي هو امتداد لاجتهادات ابن مسعود أن الحنفية يجيزون التنفل في البيوت بعد صلاة العيد ويشهد لذلك هذا النص: 2091 - * روى ابن خزيمة عن أبي سعيد، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم العيد حتى يطعم، فإذا خرج صلى للناس ركعتين،

_ 2088 - مجمع الزوائد (2/ 202) قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. 2089 - الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 353، 354). مجمع الزوائد (2/ 202) قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير بأسانيد وفي بعضها قال أنبئت أن ابن مسعود وحذيفة فهو مرسل صحيح الإسناد. 2090 - الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 354). مجمع الزوائد (2/ 202) قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير بأسانيد صحيحه إلا أنها مرسلة. 2091 - ابن خزيمة (2/ 362) 708 - باب استحباب الصلاة في المنزل بعد الرجوع من المصلى. ابن ماجة (1/ 410) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 160 - باب ما جاء في الصلاة قبل صلاة العيد وبعدها، وقال في الزوائد: هذا إسناد جيد حسن.

- اجتماع العيد والجمعة

فإذا رجع صلى في بيته ركعتين، وكان لا يصلي قبل الصلاة شيئاً. - اجتماع العيد والجمعة: 2092 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون". 2093 - * روى أبو داود عن عطاء بن أبي رباح قال: "صلى بنا ابن الزبير يوم عيد في يوم جمعة أول النهار، ثم رحنا إلى الجمعة، فلم يخرج إلينا، فصلينا وحداناً، وكان ابن عباس بالطائف، فلما قدم ذكرنا ذلك له، فقال: أصاب السُّنة". وفي رواية (1) قال: "اجتمع يوم جمعة ويوم فطر على عهد ابن الزبير، فقال: عيدان اجتمعا في يوم واحد، فجمعهما جميعاً، فصلاهما ركعتين بكرة، لم يزد عليهما حتى صلى العصر". وفي رواية النسائي (2) قال: "اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير، فأخر الخروج حتى تعالى النهار، ثم خرج فخطب، فأطال الخطبة، ثم نزل فصلى، ولم يصل الناس يومئذ الجمعة، فذكر ذلك لابن عباس، فقال: أصاب السنة". 2094 - * روى ابن خزيمة عن وهب بن كيسان، قال: شهدت ابن الزبير بمكة وهو أمير فوافق يوم فطر- أو أضحى- يوم الجمعة، فأخر الخروج حتى ارتفع النهار، فخرج وصعد المنبر، فخطب وأطال، ثم صلى ركعتين ولم يصل الجمعة. فعاب عليه ناس من بني

_ 2092 - أبو داود (1/ 281) كتاب الصلاة، 216 - باب إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد وإسناده حسن. (مجمعون) التجميع: إقامة الجمعة. 2093 - أبو داود (1/ 281) كتاب الصلاة، 216 - باب إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد. (1) أبو داود (1/ 281) نفس الموضع السابق. (2) النسائي (3/ 194) 19 - كتاب صلاة العيدين، 32 - الرخصة في التخلف عن الجمعة لمن شهد العيد، وإسناده حسن. (وحدانا) جمع واحد، والمراد: صلينا منفردين واحداً واحداً. 2094 - ابن خزيمة (2/ 359، 360) 704 - باب الرخصة للإمام إذا اجتمع العيدان والجمعة أن يعيد بهم ولا يجمع بهم، وإسناده جيد.

- قضاء صلاة العيد وصلاتها في اليوم الثاني لعذر.

أمية بن عبد شمس، فبلغ ذلك ابن عباس، فقال: أصاب ابن الزبير السنة وبلغ ابن الزبير، فقال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا اجتمع عيدان صنع مثل هذا. هذا لفظ حديث أحمد بن عبدة. وقال- أي بن خزيمة-: قول ابن عباس: أصاب ابن الزبير السنة، يحتمل أن يكون أراد سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وجائز أن يكون أراد سنة أبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي. ولا أخال أنه أراد به أصاب السنة في تقديمه الخطبة قبل صلاة العيد، لأن هذا الفعل خلاف سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، وإنما أراد تركه أن يجمع بهم بعد ما قد صلى بهم صلاة العيد فقط، دون تقديم الخطبة قبل صلاة العيد. 2095 - * روى مالك عن أبي عبيد سعد بن عبيد مولى ابن أزهر أنه شهد العيد مع عثمان وكان يوم جمعة فقال لأهل العوالي: من أحب أن ينتظر الجمعة فليفعل ومن أحب أن يرجع إلى أهله فقد أذنا له. أقول: رخص الحنابلة أن تصلى الجمعة قبل الزوال كما رخصوا إذا اجتمعت جمعة وعيد للعامة ألا يصلوا الجمعة وأوجبوها على الإمام ودليلهم ما ورد في بعض هذه النصوص ولم يوافقهم جماهير العلماء على ذلك وحملوا الروايات التي ترخص بترك الجمعة لمن صلى العيد على أنه ترخيص لمن يحضر العيد من مكان بعيد فهذا في الأصل لا تجب عليه الجمعة أصلاً كما أنهم لم يروا أن النصوص الواردة في تقديم الجمعة على الزوال قطعية الثبوت أو قطعية الدلالة، وعلى كل فالقضيتان خلافيتان منذ زمن الصحابة واستمر الخلاف فيهما بين أئمة المذاهب، ورأي الجمهور أحوط والأمر واسع، وقد تعرضنا لتفصيل هذا في مبحث الجمعة السابق. - قضاء صلاة العيد وصلاتها في اليوم الثاني لعذر. 2096 - * روى أبو داود عن أبي عمير بن أنس عن عمومة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم "أن

_ 2095 - الموطأ (1/ 178، 179) 10 - كتاب العيدين، 2 - باب الأمر بالصلاة قبل الخطبة في العيدين. البخاري (10/ 24) 73 - كتاب الأضاحي، 16 - باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي، وما يتزود منها. مسلم (2/ 799) 13 - كتاب الصيام، 22 - باب النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى. 2096 - أبو داود (1/ 300) كتاب الصلاة، 254 - باب إذا لم يخرج الإمام للعيد من يومه يخرج من الغد وإسناده

- الصلاة لمن فاته العيد

ركباً جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشهدون أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم أن يفطروا، وإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاهم". أقول: الجمهور على أنه إذا تأخر وصول الشهود على هلال شوال، إلى ما بعد الزوال في الأول من شوال فإن صلاة عيد الفطر تؤدى في اليوم التالي وكذلك إذا غم في مكان وثبت في مكان آخر ولم يصل الخبر إلا في اليوم الثاني بعد الزوال أفطروا وصلوا العيد في اليوم التالي، وذهب بعض الفقهاء إلى أن الأمر كذلك فيما لو حصل عذر في يوم العيد كمطر شديد فإنها تؤدى في اليوم التالي لعيد الفطر وإن استمر العذر سقطت، وفي عيد الأضحى يمكن أن تؤخر لثلاثة أيام، فإذا استمر العذر سقطت. قال في (الإعلاء 8/ 100): فيه دلالة على أن صلاة العيد لا تصلى بعد زوال الشمس لأن الركب شهدوا عند النبي صلى الله عليه وسلم بعد زوال الشمس أنهم رأوا الهلال، فأمر الناس بالفطر، ولم يصل العيد تلك الساعة، بل أخرها إلى الغد، فدل على عدم جوازها بعد الزوال، وإلا لما أخرها إلى الغد. وقد عرفت إجماع الفقهاء على أن صلاة العيد لا تصلى قبل طلوع الشمس. والحديث يدل على عدم صحتها بعد الزوال، فكان وقتها من الطلوع إلى الزوال. أقول: لابد من ملاحظة وقتي الكراهة فلا تصليان فيهما. - الصلاة لمن فاته العيد 2097 - * روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه "أمر مولاه ابن أبي

_ صحيح. النسائي (3/ 180) 19 - كتاب صلاة العيدين، 2 - باب الخروج إلى العيدين من الغد. 2097 - البخاري (2/ 474) 13 - كتاب العيدين، 25 - باب إذا فاته العيد يصلي ركعتين. أخرجه البخاري تعليقاً، قال الحافظ في الفتح: "وهذا الأثر وصله ابن أبي شيبة، عن ابن علية عن يونس هو ابن عبيد، حدثني بعض آل أنس "أن أنساً كان ربما جمع أهله وحشمه يوم العيد، فيصلي بهم عبد الله بن أبي عتبة مولاه ركعتين" والمراد بالبعض المذكور: عبد الله بن أبي بكر بن أنس. روى البيهقي عن طريقه قال: "كان أنس إذا فاته العيد مع الإمام جمع أهله فصلى بهم مثل صلاة الإمام في العيد". "الزاوية" بالزاي موضع على فرسخين من البصرة، كان به لأنس قصر وأرض، وكان يقيم هناك كثيراً، وكانت بالزاوية موقعة عظيمة بين الحجاج وابن الأشعث.

- النحر يوم الأضحى

عتبة- وكان في الزاوية- فجمع أهله وبنيه، وصلى كصلاة أهل المصر وتكبيرهم". أقول: لم يشترط بعض الفقهاء ومنهم الشافعية لإقامة صلاة العيد ما يشترط في صلاة الجمعة ويشهد له فعل أنس رضي الله عنه، وقد اشترط بعض الفقهاء كالحنفية بجواز إقامة العيد بنفس الشروط التي تشترط لإقامة الجمعة. فالقضية خلافية والأمر فيها أوسع من الأمر في صلاة الجمعة. 2098 - * روى الطبراني عن الشعبي قال: قال عبد الله بن مسعود: "من فاتته العيد فليصل أربعاً". وقال في عمدة القاري تحت ما بوب البخاري (إذا فاته العيد يصلي ركعتين) ما نصه: وقالت طائفة يصليها إن شاء أربعاً روي ذلك عن علي وابن مسعود وبه قال الثوري وأحمد، وقال أبو حنيفة: إن شاء صلى وإن شاء لم يصل فإن شاء صلى أربعاً وإن شاء ركعتين، وفي "الدر المختار" فإن عجز صلى أربعاً كالضحى، وفي "رد المحتار": أي استحباباً، وقوله كالضحى معناه أنه لا يكبر فيها للزوائد مثل العيد. فهي صلاة نافلة تقوم مقام العيد اهـ (الإعلاء). وقد مر معنا رأي المذاهب فيمن فاتته صلاة العيد فعند المالكية والحنفية: لا تقضى وعند الحنابلة والشافعية: تقضى كصفتها لفعل أنس رضي الله عنه. - النحر يوم الأضحى: 2099 - * روى الجماعة عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "خرج رسول الله يوم

_ 2098 - الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 355). مجمع الزوائد (2/ 205) قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. الشعبي لم يسمع من ابن مسعود ولا يكاد يرسل إلا صحيحاً كما في التهذيب فهو مرسل جيد كما في الإعلاء 8/ 119. 2099 - البخاري (2/ 465) 13 - كتاب العيدين، 17 - باب استقبال الإمام الناس في خطبة العيد. مسلم (3/ 1553) 35 - كتاب الأضاحي، 1 - باب وقتها. أبو داود (3/ 96) كتاب الأضاحي، باب ما يجوز من السن في الضحايا. الترمذي (4/ 93) 20 - كتاب الأضاحي، 12 - باب ما جاء في الذبح بعد الصلاة.

- الرخصة في اللعب واللهو يوم العيد

الأضحى إلى البقيع، فصلى ركعتين، ثم أقبل علينا بوجهه، وخطب، وقال: إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا: أن نصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن نحر قبل الصلاة فإنما هو لحم قدَّمه لأهله، ليس من النسك في شيء. - الرخصة في اللعب واللهو يوم العيد: 2100 - * روى ابن ماجة عن قيس بن سعد؛ قال: ما كان شيء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وقد رأيته إلا شيء واحد. فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقلس له يوم الفطر. 2101 - * روى الشيخان عن عائشة قالت "دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش وحوَّل وجهه. ودخل أبو بكر فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم! فأقبل عليه رسول الله عليه السلام فقال: دعهما. فلما غفل غمزتهما فخرجتا". وفي رواية لمسلم (1) تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث وليستا بمغنيتين ... قال النووي (6/ 182 - 183): اختلف العلماء في الغناء فأباحه جماعة من أهل الحجاز وهي رواية عن مالك وحرمه أبو حنيفة وأهل العراق ومذهب الشافعي كراهته وهو المشهور من مذهب مالك واحتج المجوزون بهذا الحديث وأجاب الآخرون بأن هذا الغناء إنما كان في الشجاعة والقتل والحذق في القتال ونحو ذلك مما لا مفسدة فيه بخلاف الغناء المشتمل على ما يهيج النفوس على الشر ويحملها على البطالة والقبيح قال القاضي: إنما كان غناؤهما بما هو من أشعار

_ النسائي (3/ 182) 19 - كتاب صلاة العيدين، 8 - الخطبة يوم العيد. ابن ماجه (1/ 1053) 26 - كتاب الأضاحي، 12 - باب النهي عن ذبح الأضحية قبل الصلاة. 2100 - ابن ماجه (1/ 413) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 163 - باب ما جاء في التقليس يوم العيد. في الزوائد: إسناد حديث قيس صحيح، ورجاله ثقات. (التقليس) هو الضرب بالدف والغناء: والمقلس هو الذي يلعب بين يدي الأمير إذا قدم المصر. والتقليس استقبال الولاة عند قدومهم بأصناف اللهو. 2101 - البخاري (2/ 440) 13 - كتاب العيدين، 2 - باب الحراب والدرق يوم العيد. مسلم (2/ 607، 608) 8 - كتاب صلاة العيدين، 4 - الرخصة في اللعب. (1) مسلم (2/ 608) في نفس الموضع السابق.

الحرب والمفاخرة بالشجاعة والظهور والغلبة وهذا لا يهيج الجواري على شر ولا إنشادهما لذلك من الغناء المختلف فيه وإنما هو رفع الصوت بالإنشاد ولهذا قالت وليستا بمغنيتين أي ليستا ممن يتغنى بعادة المغنيات من التشويق والهوى والتعريض بالفواحش والتشبيب بأهل الجمال وما يحرك النفوس ويبعث الهوى والغزل كما قيل الغنا فيه الزنا، وليستا أيضاً ممن اشتهر وعرف بإحسان الغناء الذي فيه تمطيط وتكسير وعمل يحرك الساكن ويبعث الكامن ولا ممن اتخذ ذلك صنعة وكسبا والعرب تسمي الإنشاد غناء وليس هو من الغناء المختلف فيه بل هو مباح وقد استجازت الصحابة غناء العرب الذي هو مجرد الإنشاء والترنم وأجازوا الحداء وفعلوه بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وفي هذا كله إباحة مثل هذا وما في معناه وهذا ومثله ليس بحرام ا. هـ. 2102 - * روى البخاري عن عائشة قالت: "وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب، فإما سألت النبي صلى الله عليه وسلم وإما قال: تشتهين تنظرين؟ فقلت: نعم فأقامني وراءه خدي على خده وهو يقول: دونكم يا بني أرفدة. حتى إذا مللت قال: حسبك؟ قلت: نعم. قال: فاذهبي". قال ابن حجر (2/ 443) ك هذا حديث آخر وقد جمعهما بعض الرواة وأفردهما بعضهم، وقد تقدم هذا الحديث الثاني من وجه آخر عن الزهري عن عروة في أبواب المساجد، ووقع عند الجوزقي في حديث الباب هنا "وقالت- أي عائشة- كان يوم عيد" فتبين أنه موصول كالأول. ...

_ 2102 - البخاري (2/ 440) 13 - كتاب العيدين، 2 - باب الحراب والدرق يوم العيد.

الباب الثامن في الصلوات في الأحوال العارضة

الباب الثامن في الصلوات في الأحوال العارضة وفيه مقدمة وفقرات الفقرة الأولى: في صلاة المسافر. الفقرة الثانية: في صلاة المريض. الفقرة الثالثة: في صلاة الخوف.

المقدمة

المقدمة من رحمة الله تعالى بهذه الإنسانية أن جعل الدين الذي كلفها به هو الإسلام الذي بعث به محمداً صلى الله عليه وسلم كاملاً، ومن كماله أنه رفع فيه الحرج وجعل فيه اليسر، ومن كماله أنه جعله مراعياً لفطرة الإنسان بحيث أعطى لهذه الفطرة ما يمكن أن تتطلع إليه من تطلعات صحيحة سليمة، ومن كماله أنه دين واقعي جعل للأوضاع الأصلية أحكامها وللأوضاع الاستثنائية أحكامها، وراعى الحالات الطارئة التي يمكن أن تطرأ على الإنسان فأعطاها أحكاماً تناسبها دون أن يخل ذلك بما أراده الله عز وجل لهذا الإنسان بهذا الدين من عبادة وعبودية واستسلام لله وتسليم، وأبرز ما تظهر فيه هذه المعاني جميعها في موضوع الصلاة ما نجده في فقرات هذا الباب. فمما يعرض للإنسان: المرض قد يلازمه أحياناً، وهناك نوع من الأمراض يتعذر على الإنسان فيها أن يقيم الصلاة كما يقيمها في الأوضاع العادية، فراعى الشارع ذلك، وخفف على الإنسان بعض الأحكام، ومما يطرأ على حياة الإنسان السفر وبعض الناس يضطرون للأسفار الطويلة، فالسفر فيه مشقة، وقد لا يتاح للإنسان فيه ما يتاح له وهو مقيم، ولذلك كان للسفر أحكامه، وتمر على الإنسان حالات يدخل بها في دائرة الخطر، كأن يدخل في قتال أو يكون معرضاً في بعض الصور من الاحتياج لو أنه أدى الصلاة المعهودة ما هي، ولذلك فقد جعل الله عز وجل لحالات الخوف أحكاماً خاصة، ولذلك عقدنا هذا الباب الذي نتحدث فيه عن صلاة المسافر وصلاة المريض وصلاة الخوف، وقد مرت معنا بمناسبات أخرى بعض الأحكام التي ترتبط بمثل هذه الشؤون، ففي أبحاث الطهارة كلام عما يؤثر على الأحكام الأصلية بسبب سفر أو مرض أو خوف، وفي بحث أوقات الصلاة مر معنا بعض الأحكام الاستثنائية المتعلقة بهذه الأوضاع الطارئة، وها هنا نكمل الحديث عن هذه الأشياء وما تتأثر به الصلاة بسببها، وبين صلاة الخوف والسفر ارتباط يظهر ذلك في أن الحديث عنهما جاء في سياق واحد في سورة النساء، كما أن بعض النصوص ربطت بين السفر والمرض بأن ذكرتهما في سياق واحد، ولذلك جعلنا فقرات هذا الباب مع بعضها، مع أن هناك أوضاعاً طارئة أخرى تؤثر على الأحكام العادية للصلاة،

ولكنها مرت معنا بسياقات مناسبة أخرى. انظر إلى الربط بين صلاة المسافر وصلاة الخوف في قوله تعالى في سورة النساء: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا، إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا} (1). {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} (2). وانظر مجيء المرض والسفر في سياق واحد في قوله تعالى في سورة المائدة: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} (3). ولذلك جعلنا صلاة المسافر والمريض وصلاة الخوف في باب واحد، وها نحن نبدأ بعرض الفقرة الأولى:

_ (1) النساء: 101. (2) النساء: 102. (3) المائدة: 6.

الفقرة الأولى في صلاة المسافر عرض إجمالي

الفقرة الأولى في صلاة المسافر عرض إجمالي للسفر أحكام خاصة وآداب، وبعض آداب السفر سنذكرها في جزء مستقل في القسم الرابع من هذا الكتاب، قسم العاديات والحياتيات، وهناك أحكام خاصة بصلاة المسافر موضعها جزء الصلاة عامة وههنا نذكر بعضاً منها. فمن آداب المسافر إذا أراد الخروج للسفر أن يصلي ركعتين، وإذا عاد من سفره أن يصلي ركعتين، وفيما بين الذهاب والإياب فإن لصلاة المسافر أحكاماً منها ما هو محل خلاف كجواز الجمع بين الصلاتين في السفر، فالحنفية لا يرون ذلك إلا في عرفة ومزدلفة فالجمع تقديماً بين الظهر والعصر في عرفة والجمع تأخيراً بين المغرب والعشاء في مزدلفة، وقد رأينا الخلاف في ذلك. ومن الأحكام المتفق عليها بين الفقهاء مشروعية القصر في الصلاة الرباعية للمسافر على خلاف كثير في بعض التفصيلات: إن قصر الصلاة الرباعية جائز في القرآن والسنة والإجماع، وقد ربط القرآن بين القصر والخوف، ربطاً اتفاقياً لأنه كان هناك تلازم في الأغلب بين السفر والخوف في أول الإسلام، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم بين أن صلاة السفر مطلقاً تقصر وأن الربط بين صلاة السفر والخوف في القرآن كان اتفاقياً إذ لم تكن مشروعية القصر في السفر مرتبطة ارتباطاً دائماً بالخوف، والقصر هو اختصار الصلاة الرباعية إلى ركعتين فلا قصر في الفجر والمغرب. وقد قال الحنفية: إن القصر واجب على المسافر، ففرض المسافر في كل صلاة رباعية ركعتان ولا تجوز له الزيادة عليهما عمداً، ويجب سجود السهو إن زاد عليهما سهواً، فإن أتم الرباعية وصلى أربعاً وقد قعد في الثانية مقدار التشهد أجزأته الركعتان عن فرضه وكانت الركعتان الأخريان له نافلة ويكون مسيئاً وإن لم يقعد في الثانية مقدار التشهد بطلت صلاته عندهم.

وقال بعض المالكية: القصر سنة مؤكدة، وقال الشافعية والحنابلة: القصر رخصة، والمسافر مخير بين الإتمام والقصر، والقصر عند الحنابلة أفضل، وعند الشافعية تفصيل في الأفضلية، والجمهور يرون أن المسافر سفر معصية لا يباح له القصر، وخالف في ذلك الحنفية فأجازوا القصر لكل مسافر. وقد اختلف الفقهاء في تقدير المسافة التي إذا قصدها الإنسان أو قصد أكثر منها جاز له القصر، فعند الحنفية تقدر بحوالي 81 كيلو متراً وعند الحنابلة والشافعية تقدر بحوالي 77 كيلو متراً، وعند المالكية تقدر بحوالي 89 كيلو متراً. والعبرة بالمسافة عند الجميع لا بالزمن الذي يقطع به هذه المسافة، وهذا كله إذا كان يقصد السفر. قال الحنفية: من خرج دون أن يقصد السفر ثم انتقل من مكان إلى مكان لا بنية سفر لا يعتبر مسافراً. ولا يضر عند الحنابلة نقصان المسافة حوالي 5 كيلو متراً ونيف ولا يضر عند المالكية نقصان المسافة 21 كيلو متراً. واستثنى المالكية خلافاً لغيرهم من هذه المسافات أهل مكة ومنى ومزدلفة والمحصب إذا خرجوا في الحج للوقوف في عرفة، فإنهم يقصرون ما داموا في الحج إلا في وطنهم، وقد ترخص بعضهم بأن أباح القصر لأدنى سفر وهو ليس بشيء، لأن الانتقال من موطن الإنسان إلى مكانه قريب منه لا يعتبر سفراً. ولا تكفي نية السفر لقصر الصلاة قبل مباشرة السفر وتجاوز حدود البلد. وقد اتفق الفقهاء على أن أول السفر الذي يجوز به القصر أن يجاوز العمران من الجانب الذي يخرج منه، فإذا عاد إلى بلده وجب عليه الإتمام متى دخل أول بيوت البلد. ويصير المسافر مقيماً عند الحنفية ويمتنع عليه القصر إذا نوى الإقامة في بلد خمسة عشر يوماً فصاعداً، فإذا لم ينو الإقامة في بلد واحد هذه المدة فإنه يجب عليه القصر منذ مجاوزته حدود بلده حتى عودته، وإذا خرج بنية قضاء حاجة معينة ثم العود إذا قضاها ولم ينو

إقامة وكان يترقب السفر بأن ينوي الخروج غداً أو بعد غد مثلاً فإنه يعتبر مسافراً ولو طال الزمن. ومن كان تبعاً لغيره وليس أمره له فالعبرة بنية الغير والمقاتلون في حالة الحرب أو حالة الحصار يقصرون ولو نووا الإقامة خمسة عشر يوماً لأنه لا عبرة بهذه النية لأنه لا يعرف ماذا يجري في حالة الحرب والحصار، وقال المالكية والشافعية إذا نوى المسافر الإقامة أربعة أيام بموضع أتم صلاته ولم يحسب بعض المالكية والشافعية يومي الدخول والخروج، وقال الحنابلة: إذا نوى أكثر من أربعة أيام أو أكثر من عشرين صلاة أتم، ويحسب من المدة عند الحنابلة يوم الدخول والخروج، فإن كان ينتظر قضاء حاجة يتوقعها كل وقت، أو يرجو نجاحها أو جهاد عدو أو على أهبة السفر يوماً فيوماً جاز له القصر عند المالكية والحنابلة والحنفية مهما طالت المدة ما لم ينو الإقامة، وقال الشافعية له القصر ثمانية عشر يوماً غير يومي الدخول والخروج. وهناك صورة يعرف الإنسان فيها بواقع الحال أو بالاستئناس إن كان أمره تبعاً لغيره كالسجين غير المحكوم أو الطالب في البلد البعيد، فمثل هذا يجب عليه الإتمام متى تيقن الإقامة أو غلب على ظنه أنه سيطيل البقاء أكثر من المدة التي يجب عليه فيها أن يقصر. وإذا اقتدى مسافر بمقيم فعلى المسافر أن يتم صلاته ولو اقتدى به في التشهد الأخير، لكن الحنفية لم يجيزوا اقتداء المسافر بالمقيم إلا في الوقت، ولابد عند الشافعية والحنابلة أن ينوي القصر عند الإحرام بالصلاة، واكتفى المالكية بأن ينوي القصر في أول صلاة يقصرها في السفر، أما الحنفية فلا يحتاج قصر الصلاة للمسافر إلى نية القصر عندهم. واشترط الشافعية أن يدوم سفره من أول الصلاة إلى آخرها فمثلاً لو انتهت به سفينته إلى محل إقامته أو شك هل نوى الإقامة أتم صلاته وإذا اقتدى المقيم بالمسافر فإنه يكمل صلاته بعد تسليم المسافر، ويستحب للمسافر الإمام أن يقول عقب التسليمتين أتموا صلاتكم فإني مسافر، ولو نبه المأمومين قبل الصلاة يكون حسناً، ومن أتم بعد تسليم إمامه المسافر يعتبر عند الحنفية وكأنه وراء الإمام فلا يقرأ شيئاً من القرآن في بقية صلاته بل يقف مقدار الفاتحة ثم يركع.

ومن فاتته صلاة في سفر قضاها عند الحنفية والمالكية في الإقامة ركعتين كما أن من فاتته صلاة في الحضر قضاها في السفر كما وجبت عليه في الحضر، وقال الشافعية والحنابلة: صلاة الحضر تقضى في السفر كما وجبت في الحضر وفائتة السفر تقضى تامة دون قصر في حالة نية الإقامة. قال النووي: اتفق الفقهاء على استحباب النوافل المطلقة في السفر، واختلفوا في استحباب النوافل الراتبة في السفر، فتركها ابن عمر وآخرون، واستحبها الشافعي وأصحابه والجمهور، وقال الحنفية ويأتي المسافر بالسنن الرواتب حال الأمن والقرار، أي إذا كان نازلاً مستقراً، وإلا فإن كان في حال خوف أو فرار أو سير أو مع صحبة يتأذون بتطويل مكثه، فإنه يترك الرواتب والنفل والمطلق من باب أولى. وقد مر معنا موضوع الجمع بين الصلاتين للمسافر في بحث أوقات الصلاة فليراجع هناك، وفي تعليقاتنا على النصوص وفي المسائل والفوائد سنستكمل ما يحتاج إليه القارئ في هذا الموضوع. انظر (اللباب 1/ 106)، (رد المحتار، حاشية ابن عابدين 1/ 525 - 535)، (الشرح الصغير 1/ 474 - 486)، (والمهذب 1/ 101 - 104)، (المغني 2/ 255 فما بعدها)، (الفقه الإسلامي 2/ 320 فما بعدها). فإلى النصوص:

نصوص في صلاة المسافر

نصوص في صلاة المسافر - مسافة القصر: 2103 - * روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال يحيى بن يزيد الهنائي: "سألت أنساً عن قصر الصلاة؟ فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال، أو ثلاثة فراسخ- شك شعبة- صلى ركعتين". أقول: لا يفهم من النص أن مقصد الرسول صلى الله عليه وسلم كان ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ بل المقصود ههنا أنه إذا جاوز العمران هذا القدر وحان وقت صلاة رباعية صلاها ركعتين، وللمسافر حق القصر بمجرد مجاوزة عمران البلد ومرافقها التابعة لها والملاصقة لها إذا كانت مسافة سفره تزيد عن ما ذكرناه من أقوال الفقهاء. 2104 - * روى مالك عن مالك بن أنس بلغه أن ابن عباس كان يقصر الصلاة في مثل ما بين مكة والطائف، وفي مثل ما بين مكة وعسفان، وفي مثل ما بين مكة وجدة، قال مالك: أربعة برد. أقول: والفرسخ يساوي 5544 م ولذلك قدر المالكية الأربعة برد بحوالي 89 كيلو متراً، والبريد على القول بأنه 4 فراسخ يعدل حوالي 23 كم ويتساهل جماهير العلماء فيما لو نقص المكان المقصود في السفر عن أربعة برد شيئاً قليلاً ذكرناه في العرض الإجمالي، والمسافة بين

_ 2103 - مسلم (1/ 481) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 1 - باب صلاة المسافرين وقصرها. أبو داود (2/ 3) تفريع أبواب صلاة السفر، باب متى يقصر المسافر؟. 2104 - الموطأ (1/ 148) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 3 - باب ما يجب فيه قصر الصلاة. حسن بشاهده. النسائي (3/ 121) 15 - كتاب تقصير الصلاة في السفر، 4 - باب المقام الذي يقصر بمثله الصلاة. إسناده صحيح. (البُرُدُ): جمع بريد، والأصل فيه: البغل، وهي كلمة فارسية، وأصلها: "بريده دم" أي: محذوف الذنب، لأن بغال البري [كانت] محذوفة الأذناب، فعربت الكلمة وخففت، ثم سمي الرسول الذي يركبه: بريداً، والمسافة التي بين السكتين: بريداً، والسكة: هي الموضع الذي كان يسكنه الفيوج المرتبون للأخبار: من رباط، أو قبة، أو خيمة، أو نو ذلك، وبعد ما بين السكتين فرسخان، وقيل: أربعة فراسخ، والفرسخ: ثلاثة أميال، فيكون البريد على اختلاف القولين ستة أميال، أو اثني عشر ميلاً، وأربعة برد: ثمانية فراسخ، أو ستة عشر فرسخاً، وهو الأصح، وهي مسافة القصر والفطر.

مكة وجدة ومكة والطائف تنقص الآن قليلاً عن ثمانين كيلو متراً، ومن القول إن البريد فرسخان فقد نعرف أن هناك اتجاهاً عند العلماء لكنه ليس مفتى به أن مسافة السفر التي يجوز معها القصر حوالي 45 كم. 2105 - * روى مالك عن سالم بن عبد الله بن عمر: أن أباه ركب إلى ريم أو ذات النصب فقصر الصلاة في مسيره ذلك، قال مالك: وذلك أربعة برد، وفي أخرى له (1) "أنه ركب إلى ذات النصب، فقصر الصلاة في مسيره ذلك، قال مالك: وبين ذات النصب والمدينة أربعة برد" وفي أخرى (2) له "أن ابن عمر كان يقصر الصلاة في مسيره اليوم التام" وفي أخرى (3) له عن نافع: "أنه كان يسافر مع عبد الله بن عمر البريد فلا يقصر الصلاة" وفي أخرى (4) عن نافع "أن ابن عمر كان يسافر من المدينة إلى خيبر فيقصر الصلاة". أقول ما بين خيبر والمدينة المنورة حوالي 140 كم، وقد نصت إحدى الروايات على أنه لا يقصر إذا كان قصده مسيرة بريد، وهذا دليل للقول المفتى به في المذاهب الأربعة أن ليس كل سفر تقصر فيه الصلاة، وأما الرواية التي تذكر اليوم التام فهي دليل على ما ذكرناه من ناحية، وتحتمل السير المتواصل الجاد الذي يقطع به الراكب في يوم ما يقطعه الراكب في الأوضاع العادية بثلاثة أيام كما قدره الحنفية، أو يومين كما قدره الشافعية والحنابلة وعلى كل فالتقديرات في القول المفتى به في المذاهب الأربعة متقاربة كما رأينا لأن المقياس الذي قيس به السير مختلف، فلو قدره بعضهم بيومين وبعضهم بثلاثة فالمحصلة نتيجة الاختلاف في مقياس السير متقاربة. 2106 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال "صليت الظهر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعاً، وخرج يريد مكة، فصلى بذي الحليفة العصر ركعتين، وعند

_ 2105 - الموطأ (1/ 147) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 3 - باب ما يجب فيه قصر الصلاة. (1) الموطأ (1/ 147) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 3 - باب ما يجب فيه قصر الصلاة. (2) نفس الموضع السابق. (3) نفس الموضع السابق. (4) نفس الموضع السابق. وإسناده صحيح. 2106 - البخاري (2/ 569) 18 - كتاب تقصير الصلاة، 5 - باب يقصر إذا خرج من موضعه. مسلم (1/ 480) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 1 - باب صلاة المسافرين وقصرها.

البخاري (1) أيضاً قال: "صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعاً، وبذي الحليفة ركعتين، ثم بات حتى أصبح بذي الحليفة، فلما ركب واستوت به: أهلَّ. وفي أخرى (2) قال: وأحسبه بات بها حتى أصبح. وفي أخرى (3) وسمعتهم يصرخون بهما جميعاً. أقول: هذا دليل على أن المسافر لا يقصر حتى يتجاوز عمران البلد، فإذا تجاوزها قصر الصلاة الرباعية، ولعل هذا الحديث يفسر أول حديث ذكرناه في الفقرة وهو عن أنس أيضاً، فذكرنا هناك أن مقصد الرسول صلى الله عليه وسلم كان بعيداً ولكن حانت أول صلاة على مسافة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ فصلاها ركعتين وذو الحليفة تبعد عن المدينة المنورة حوالي 8 كم، فقد تكون هذه الرواية مفسرة للرواية الأولى التي ذكرناها عن أنس. 2107 - * روى مالك عن نافع- مولى ابن عمر أن ابن عمر كان إذا خرج حاجاً أو معتمراً قصر الصلاة بذي الحليفة". وهذا الأثر يؤكد فهمنا الذي ذكرناه آنفاً. 2108 - * روى مسلم عن جبير بن نفير رضي الله عنه قال: خرجت مع شرحبيل بن السمط إلى قرية على رأس سبعة عشر ميلاً- أو ثمانية عشر ميلاً- فصلى ركعتين، فقلت له: فقال: رأيت عمر صلى بذي الحليفة ركعتين، فقلت له، فقال: إنما أفعل كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل. وفي رواية لمسلم (6) قال بهذا الإسناد، وقال: عن ابن السمط، ولم يسم شرحبيل، وقال: إنه أتى أرضاً يقال لها: دومين من حمص، على رأس ثمانية عشر ميلاً.

_ (1) البخاري (3/ 407) 25 - كتاب الحج، 24 - باب من بات بذي الحليفة حتى أصبح. (2) البخاري في نفس الموضع السابق. (3) البخاري (3/ 408) 25 - كتاب الحج، 25 - باب رفع الصوت بالإهلال. (أهل) الإهلال: رفع الصوت بالتلبية. (يصرخون بهما) الصراخ: رفع الصوت، وقوله: "بهما"، يعني: الحج والعمرة. 2107 - الموطأ (1/ 147) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 3 - باب ما يجب فيه قصر الصلاة وإسناده صحيح. 2108 - مسلم (1/ 481) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 1 - باب صلاة المسافرين وقصرها. النسائي (3/ 118) 15 - كتاب تقصير الصلاة في السفر، 1 - كتاب تقصير الصلاة في السفر. (4) مسلم (1/ 481) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 1 - باب صلاة المسافرين وقصرها.

- وجوب القصر في السفر

قال النووي في شرح مسلم (دومين بضم الدال وفتحها: وجهان مشهوران). أقول: لا يعتبر ما ورد في هذا النص حجة في تقدير المسافة التي يجوز فيها القصر، لأن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي الحليفة قصراً كانت في سفر يقصد فيه مسافة بعيدة، والمفروض أن عمر رضي الله عنه فعل ذلك وهو يقصد سفراً طويلاً فظن من ظن أن أدنى خروج من البلد يعتبر سفراً، وهذا خطأ فقد يخرج للنزهة فيبتعد عن العمران أكثر من ذي الحليفة من المدينة ولا يعتبر ذلك سفراً في عرف أحد، ولا يعتبر ضرباً في الأرض وهو الشيء الذي علق به قصر الصلاة في القرآن قال تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} (1). - وجوب القصر في السفر: 2109 - * روى مالك عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أقام بمكة عشر ليال يقصر الصلاة، إلا أن يصليها مع الإمام، فيصليها بصلاته. وفي أخرى (2) أنه كان يقول: أصلي صلاة المسافر ما لم أجمع مكثاً، وإن حبسني ذلك اثنتي عشرة ليلة". 2110 - * روى مالك عن نافع مولى ابن عمر أن ابن عمر كان يصلي وراء الإمام أربعاً، فإذا صلى لنفسه صلى ركعتين. 2111 - * روى الشيخان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال عبد الرحمن بن

_ (1) النساء: 101. 2109 - الموطأ (1/ 148) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 4 - باب صلاة المسافر ما لم يجمع مكثاً. (2) الموطأ في نفس الموضع السابق. وإسناده صحيح. (ما لم أجمع مكثا) الإجماع: العزم والنية على الشيء، والمكث: الإقامة. 2110 - الموطأ (1/ 149) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 16 - باب صلاة المسافر إذا كان إماما. البخاري (2/ 563) 18 - كتاب تقصير الصلاة، 2 - باب الصلاة بمنى. مسلم (1/ 482) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 2 - باب قصر الصلاة بمنى. 2111 - البخاري (2/ 563) 18 - كتاب تقصير الصلاة، 2 - باب الصلاة بمنى. مسلم (1/ 483) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 2 - باب قصر الصلاة بمنى.

يزيد- وهو أخو الأسود النخعي-: "صلى بنا عثمان بن عفان بمنى أربع ركعات، فقيل ذلك لعبد الله بن مسعود، فقال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين، ومع أبي بكر ركعتين، ومع عمر ركعتين، ثم تفرقت بكم الطرق، فيا ليت حظي من أربع ركعات: ركعتان متقبلتان. وفي أخرى (1) لأبي داود زيادة ومع عثمان صدراً من إمارته، ثم أتمها ... وذكر الحديث وفي رواية النسائي (2) قال: صلى عثمان بمنى أربعاً، حتى بلغ ذلك عبد الله بن مسعود، فقال: لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين، وله في أخرى (3) قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر ركعتين، ومع أبي بكر ركعتين، ومع عمر ركعتين. أقول: مما عاب الناس على عثمان رضي الله عنه أنه أتم الصلاة وهو مسافر ولم يكن لهم أن يعيبوه لأنه خليفة راشد يقتدى به لا شك أن له ملحظاً جعله يفعل ذلك وقد رأينا أن الشافعية والحنابلة يرون جواز الإتمام والقصر في السفر. قال ابن القيم في زاد المعاد: إن عثمان قد أتم في آخر خلافته، وكان ذلك أحد الأسباب التي أنكرت عليه، وقد خرج لفعله تأويلات: أحدها: أن الأعراب كانوا قد حجوا تلك السنة فأراد أن يعلمهم أن فرض الصلاة أربع لئلا يتوهموا أنها ركعتان في الحضر والسفر، ورد هذا التأويل بأنهم كانوا أحرى بذلك في حج النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا حديثي العهد بالإسلام والعهد بالصلاة قريب، ومع هذا فلم يرجع بهم النبي صلى الله عليه وسلم. الثاني: أنه كان إماماً للناس والإمام حيث نزل فهو عمله ومحل ولايته، فكأنه وطنه،

_ أبو داود (2/ 199) كتاب المناسك (الحج)، باب الصلاة بمنى. (1) أبو داود في نفس الموضع السابق. (2) النسائي (3/ 120، 121) 15 - كتاب تقصير الصلاة في السفر، 3 - باب الصلاة بمنى. (3) النسائي (3/ 118) 15 - كتاب تقصير الصلاة في السفر، 1 - كتاب تقصير الصلاة في السفر. (تفرقت بكم الطرق): الطرق: المذاهب والآراء، أي: إنكم اختلفتم، وذهب كل منكم إلى مذهب، ومال إلى قوله، وتركتم السنة. (صدراً) صدر كل شيء مقدمه وأعلاه، وصدر الأمر: أوله، وهو المراد.

ورد هذا التأويل بأن إمام الخلائق على الإطلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أولى بذلك، وكان هو الإمام المطلق ولم يربع. التأويل الثالث: أن منى كانت قد بينت وصارت قرية كثر فيها المساكن في عهده، ولم يكن ذلك في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بل كانت فضاء، فتأول عثمان أن القصر إنما يكون في حال السفر ورد هذا التأويل بأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة عشراً يقصر الصلاة. التأويل الرابع: أنه أقام بها ثلاثاً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثاً" فسماه مقيماً والمقيم غير مسافر، ورد هذا التأويل بأن هذه إقامة مقيدة في أثناء السفر ليست بالإقامة التي هي قسيم السفر، وقد أقام صلى الله عليه وسلم بمكة عشراً يقصر الصلاة، وأقام بمنى بعد نسكه أيام الجمار الثلاث يقصر الصلاة. التأويل الخامس: أنه كان قد عزم على الإقامة والاستيطان بمنى واتخاذها دار الخلافة، فلهذا أتم، ثم بدا له أن يرجع إلى المدينة، وهذا التأويل أيضاً مما لا يقوى، فإن عثمان من المهاجرين الأولي، وقد منع صلى الله عليه وسلم المهاجرين من الإقامة بمكة بعد نسكه، ورخص لهم فيها ثلاثة أيام، فلم يكن عثمان ليقيم بها وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك. التأويل السادس: أنه كان قد تأهل بمنى (أو بمكة) والمسافر إذا أقام في موضع وتزوج فيه أو كان له به زوجة أتم، ويروى في ذلك حديث مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم، فروى عكرمة ابن إبراهيم الأزدي، عن أبي ذناب، عن أبيه قال: "صلى عثمان بأهل منى أربعاً، وقال: يا أيها الناس! لما قدمت تأهلت بها، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا تأهل الرجل ببلده فإنه يصلي بها صلاة مقيم". رواه الإمام أحمد رحمه الله في مسنده، وعبد الله بن الزبير الحميدي في "مسنده" أيضاً، وقد أعله البيهقي بانقطاعه وتضعيفه عكرمة بن إبراهيم، وقال أبو البركات ابن تيمية: ويمكن المطالبة بسبب الضعف، فإن البخاري ذكره في تاريخه ولم يطعن فيه، وعادته ذكر الجرح والمجروحين وقد نص أحمد وابن عباس قبله أن المسافر إذا تزوج لزمه الإتمام، وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله ومالك وأصحابهما، وهذا أحسن ما اعتذر به عن عثمان ا. هـ. لكن رد هذا الاعتذار ابن حجر فقال (2/ 571):

والمنقول أن سبب إتمام عثمان أنه كان يرى القصر مختصاً بمن كان شاخصاً سائراً، وأما من أقام في مكان أثناء سفره فله حكم المقيم فيتم، والحجة فيه ما رواه أحمد (4/ 94) بإسناد حسن، عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال: لما قدم علينا معاوية حاجاً صلى بنا الظهر ركعتين بمكة، ثم انصرف إلى دار الندوة، فدخل عليه مروان وعمرو بن عثمان، فقالا: لقد عبت أمر ابن عمك، لأنه كان قد أتم الصلاة، قال وكان عثمان حين أتم الصلاة إذا قدم مكة صلى بها الظهر والعصر والعشاء أربعاً أربعاً، فإذا خرج إلى منى وعرفة قصر الصلاة. فإذا فرغ من الحج وأقام بمنى أتم الصلاة. وقال ابن بطال: الوجه الصحيح في ذلك أن عثمان وعائشة كانا يريان أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قصر لأنه أخذ بالأيسر من ذلك على أمته فأخذا لأنفسهما بالشدة. 2112 - * روى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "صلى بنا النبي بمنى ركعتين، وأبو بكر بعده، وعمر بعد أبي بكر، وعثمان صدراً من خلافته، ثم ن عثمان صلى بعد أربعاً، فكان ابن عمر إذا صلى مع الإمام صلى أربعاً، وإذا صلاها وحده صلى ركعتين". وأخرجه مسلم (1) من طريق أخرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنه صلى صلاة المسافر بمنى وغيره ركعتين، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، ركعتين صدراً من خلافته، ثم أتمها أربعاً" وأخرجه البخاري (2) نحوه، ولم يقل "وغيره" وفي رواية النسائي (3) مختصراً قال: "صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين، ومع أبي بكر ركعتين، ومع عمر ركعتين". قال التهانوي (7/ 251): ودلالته على وجوب القصر لما فيه من مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم وأكابر الصحابة عليه في السفر دائماً، وهي تكفي لإثبات الوجوب عند صاحب الهداية ومن وافقه، وأما من لم يكتف بها فله الأحاديث الآتية المشتملة على الإنكار على الإتمام.

_ 2112 - البخاري (2/ 563) 18 - كتاب تقصير الصلاة، 2 - باب الصلاة بمنى. مسلم (1/ 482) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 2 - باب قصر الصلاة بمنى. (1) مسلم (1/ 482) في نفس الموضع السابق. (2) البخاري (2/ 563) 18 - كتاب تقصير الصلاة، 2 - باب الصلاة بمنى. (3) النسائي (3/ 120) 15 - كتاب تقصير الصلاة في السفر، 3 - باب الصلاة بمنى.

قال الشوكاني في "النيل": واعلم أنه قد اختلف أهل العلم هل القصر واجب أم رخصة أو الإتمام أفضل؟ فذهب إلى الأول الحنفية والهادوية، وروي عن علي وعمر ونسبه النووي إلى كثير من أهل العلم، قال الخطابي في "المعالم": كان مذاهب أكثر علماء السلف وفقهاء الأمصار على أن القصر هو الواجب في السفر، وهو قول علي، وعمر، وابن عمر، وابن عباس، وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز، وقتادة، والحسن، وقال حماد بن أبي سليمان: يعيد من يصلي في السفر أربعاً، وقال مالك: يعيد ما دام في الوقت اهـ. قال: واحتج القائلون بوجوب القصر بحجج، الأولى ملازمته صلى الله عليه وسلم للقصر في جميع أسفاره، كما في حديث ابن عمر المذكور في الباب، ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أتم الرباعية في السفر ألبته، كما قال ابن المقيم: وأما حديث عائشة الآتي على أنه صلى الله عليه وسلم أتم الصلاة في السفر فسيأتي أنه لم يصح اهـ. 2113 - * روى النسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى، ومع أبي بكر، وعمر، ركعتين، ومع عثمان ركعتين صدراً من إمارته". 2114 - * روى الترمذي عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال- وقد سئل عن صلاة المسافر؟ - فقال: "حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتين، وحججت مع أبي بكر فصلى ركعتين، وحججت مع عمر فصلى ركعتين، ومع عثمان ست سنين من خلافته- أو ثماني سنين- فصلى ركعتين". قال ابن خزيمة: وقد كنت بينت في كتاب الصلاة معنى خبر يحيى بن أبي إسحاق عن أنس. وفي خبر ابن عباس وعائشة دلالة بينة على أن الواجب على أهل مكة ومن أقام بها من غير أهلها أنه يجب عليه إتمام الصلاة بمنى إذ هو مقيم لا مسافر لأن فرض المقيم أربع.

_ 2113 - النسائي (3/ 120) 15 - كتاب تقصير الصلاة في السفر، 3 - باب الصلاة بمنى. وإسناده حسن. 2114 - الترمذي (2/ 430) أبواب السفر، 391 - باب ما جاء في التقصير في السفر. وقال: هذا حديث حسن صحيح وهو كذلك بشواهده.

فلا يجوز لغير المسافر ولغير الخائف في القتال قصر الصلاة، وأهل مكة، ومن أقام بها من غير أهلها إقامة يجب عليهم إتمام الصلاة إذا خرجوا إلى منى ناوين الرجوع إلى مكة غير مسافرين فغير جائز لهم قصر الصلاة بمنى. أقول: ما قاله ابن خزيمة هو مذهب جمهور العلماء إلا أن المالكية أجازوا لمن نوى الحج من أهل مكة ومنى ومزدلفة أن يقصروا الصلاة إلا في موطنهم الذي يسكنون فيه فمن كان يسكن مكة يصلي قصراً في منى ومزدلفة وعرفة ومن كان يسكن منى يصلي قصراً في مزدلفة وعرفة مكة وهكذا. 2115 - * روى مسلم عن موسى بن سلمة قال: "سألت ابن عباس: كيف أصلي إذا كنت بمكة، إذا لم أصل مع الإمام؟ قال: ركعتين، سُنَّة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم" وفي رواية النسائي (1) قال: تفوتني الصلاة في جماعة وأنا بالبطحاء، ما ترى أصلي؟ قال: ركعتين، سُنَّة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم. أقول: من كان مسافراً وصلى وراء الإمام المقيم أتم أربعاً أما إذا كان منفرداً أو إمامه مسافر وهو مسافر صلى ركعتين. 2116 - * روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: "فرض الله الصلاة- حين فرضها- ركعتين، ثم أتمها في الحضر، وأقرت صلاة السفر على الفريضة الأولى" وفي رواية (2)، قالت: "فرض الله الصلاة- حين فرضها- ركعتين ركعتين، في الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر". وفي أخرى (3)، قالت: "فرضت الصلاة ركعتين،

_ 2115 - مسلم (1/ 479) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 1 - باب صلاة المسافرين وقصرها. (1) النسائي (3/ 119) 15 - كتاب تقصير الصلاة في السفر، 2 - باب الصلاة بمكة. 2116 - البخاري (1/ 464) 8 - كتاب الصلاة، 1 - باب كيف فرضت الصلوات في الإسراء؟. مسلم (1/ 478) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 1 - باب صلاة المسافرين وقصرها. (2) مسلم (1/ 478) في نفس الموضع السابق. (3) البخاري (2/ 569) 18 - كتاب تقصير الصلاة، 5 - باب يقصر إذا خرج من موضعه. مسلم (1/ 478) في نفس الموضع السابق.

ثم هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففرضت أربعاً، وتركت صلاة السفر على الفريضة الأولى" قال الزهري: "قلت لعروة: ما بال عائشة تتم؟ قال: تأولت كما تأول عثمان". قال ابن الأثير (كما تأول عثمان) أراد بقوله: كما تأول عثمان، ما روي عنه رضي الله عنه أنه أتم الصلاة في السفر، وكان تأويله لذلك: أنه نوى الإقامة بمكة، فلذلك أتم. أقول: وقد رأينا أن الحنفية يوجبون القصر على من لم ينو الإقامة في مكان واحد خمسة عشر يوماً، وأن المالكية والشافعية يوجبون الإتمام إذا نوى الإنسان الإقامة أربعة أيام سوى يومي الدخول والخروج وأن الحنابلة يوجبون الإتمام على من نوى الإقامة أربعة أيام مع الدخول والخروج فما فعله عثمان وعائشة رضي الله عنهما أصل لمن أجاز الإتمام في كل حال، وأصل لمن يرى طول المدة لتحقيق معنى الإقامة التي يجب الإتمام فيها. قال ابن حجر (2/ 570): قوله (تأولت ما تأول عثمان) هذا فيه رد على من زعم أن عثمان إنما أتم لكونه تأهل بمكة، أو لأنه أمير المؤمنين وكل موضع له دار، أو لأنه عزم على الإقامة بمكة، أو لأنه استجد له أرضاً بمنى، أو لأنه كان يسبق الناس إلى مكة، لأن جميع ذلك منتف في حق عائشة وأكثره لا دليل عليه بل هي ظنون ممن قالها، ويرد الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسافر بزوجاته وقصر، والثاني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أولى بذلك، والثالث أن الإقامة بمكة على المهاجرين حرام والرابع والخامس لم ينقلا فلا يكفي التخرص في ذلك، والأول وإن كان نقل من حديث عثمان [مرفوعاً] (من تأهل ببلدة فإنه يصلي صلاة مقيم) [أخرجه أحمد والبيهقي]. فهذا الحديث لا يصح لأنه منقطع، وفي رواته من لا يحتج به، ويرده قول عروة: إن عائشة تأولت ما تأول عثمان، ولا جائز أن تتأهل عائشة أصلاً فدل على وهن ذلك الخبر. ثم ظهر لي أنه يمكن أن يكون مراد عروة بقوله (كما تأول عثمان) التشبيه بعثمان في الإتمام بتأويل لا اتحاد تأويلهما. ا. هـ. ثم ذكر ابن حجر ما نقلناه عنه قبل قليل أن عثمان أتم لأنه كان يرى القصر مختصاً بمن

كان شاخصاً سائراً وذكر رأي ابن بطال الذي أوردناه ورجح ما قاله هو. 2117 - * روى أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: صلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة المسافر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان، تمام من غير قصر، على لسان النبي صلى الله عليه وسلم. وفي أخرى وصلاة النحر مكان صلاة الأضحى. أقول: صلاة المسافر ركعتان إلا صلاة المغرب فإنها تبقى ثلاث ركعات كما هو الأصل فيها، وفي الأحاديث إنكار أن يفعل الإنسان ذلك بعد أن ثبت أن صلاة المسافر ركعتان مما تفهم منه أن العزيمة في السفر أن يصلي المسافر الرباعية ركعتين ولذلك جعل الحنفية قصر الصلاة واجباً. 2118 - * روى الطبراني عن مورق قال سألت ابن عمر عن الصلاة في السفر فقال ركعتين ركعتين من خالف السنة كفر. أقول: ليس المراد بالكفر هنا الكفر الذي ينقض الإيمان، لأن القصر في الصلاة مختلف فيه ولكن المراد به كفر النعمة إذ يترك المسافر رخصة الله له في القصر. 2119 - * روى أحمد عن عائشة قالت فرضت الصلاة ركعتين ركعتين إلا المغرب ثلاثاً لأنها وتر قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر صلى الصلاة الأولى إلا المغرب وإذا أقام زاد مع كل ركعتين ركعتين إلا المغرب لأنها وتر، والصبح لأنها يطول فيها القراءة. وفي رواية (4) عنها قالت فرضت الصلاة ركعتين ركعتين بمكة، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ 2117 - أحمد (1/ 37). النسائي (3/ 183) 19 - كتاب صلاة العيدين، 11 - باب عدد صلاة العيدين. ابن ماجه (1/ 338) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 73 - باب تقصير الصلاة في السفر وهو حديث صحيح. 2118 - مجمع الزوائد (2/ 154) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. 2119 - أحمد (6/ 265). (1) أحمد (6/ 241).

المدينة زاد مع كل ركعتين ركعتين فذكر نحوه. وعند أحمد (1) عنها أيضاً قالت: كان أول ما افترض الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة ركعتين ركعتين إلا المغرب فإنها كانت ثلاثاً، وذكر معناه ورجالها كلها ثقات. قال الجصاص في "أحكام القرآن" له بعدما ذكر أحاديث وآثاراً في القصر ما نصه: فهذه أخبار متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة في فعل الركعتين في السفر لا زيادة عليهما، وفي ذلك الدلالة على أنهما فرض المسافر من وجهين، أحدهما أن فرض الصلاة مجمل في الكتاب مفتقر إلى البيان، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم إذا أورد على وجه البيان فهو كبيانه بالقول يقتضي الإيجاب، وفي فعله صلاة السفر ركعتين بيان منه أن ذلك مراد الله، كفعله صلاة الفجر وصلاة الجمعة وسائر الصلوات، والوجه الثاني لو كان مراد الله الإتمام أو القصر على ما يختاره المسافر لما جاز للنبي صلى الله عليه وسلم أن يقتصر بالبيان على أحد الوجهين دون الآخر، وكان بيانه للإتمام في وزن بيانه للقصر، فلما ورد البيان إلينا من النبي صلى الله عليه وسلم في القصر دون الإتمام دل ذلك على أنه مراد الله دون غيره ألا ترى أنه كما كان مراد الله في رخصة المسافر في الإفطار أحد شيئين من إفطار أو صوم، ورد البيان إلينا من النبي صلى الله عليه وسلم تارة بالإفطار، وتارة بالصوم. واحتج من خير بين القصر والإتمام بأنه لو دخل في صلاة مقيم لزمه الإتمام، فدل على أنه مخير في الأصل، وهذا فاسد، لأن الدخول في صلة الإمام يغير الفرض، ألا ترى أن المرأة والعبد فرضهما يوم الجمعة أربعة، ولو دخلا في الجمعة صليا ركعتين، ولم يدل ذلك على أنهما مخيران قبل الدخول بين الأربع والركعتين اهـ. 2120 - * روى أحمد عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بالأبطح

_ (1) أحمد (6/ 272). مجمع الزوائد (2/ 154) وقال الهيثمي: ذكر معناه ورجالها كلها ثقات. 2120 - أحمد (4/ 308، 309). ابن خزيمة (1/ 202، 203) جماع أبواب الأذان والإقامة، 41 - باب الانحراف في الأذان عند قول المؤذن حي على الصلاة. وإسناده صحيح.

- مدة السفر التي يصح معها القصر

وهو في قبة له حمراء، قال: فخرج بلال بفضل وضوئه فبين ناضح ونائل، فأذن بلال، فكنت أتتبع فاه، هكذا وهكذا، يعني يميناً وشمالاً، قال: ثم ركزت له عنزة، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وعليه جبة له حمراء أو حلة له حمراء، فكأني أنظر إلى بريق ساقيه، فصلى إلى العنزة الظهر أو العصر، ركعتين تمر المرأة، والحمار، والكلب، وراها لا يمنع. ثم لم يزل يصلي ركعتين حتى أتى المدينة. 2121 - * روى مالك عن صفوان بن عبد الله قال جاء عبد الله بن عمر رضي الله عنه يعود عبد الله بن صفوان، فصلى لنا ركعتين، ثم انصرف، فقمنا فأتممنا". أقول: ظاهر النص أن ابن مر كان مسافراً والآخرون مقيمين، فصلى هو ركعتين ثم أتموا. 2122 - * روى أحمد عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل يحب أن تؤتى رخصته كما يكره أن تؤتى معصيته". - مدة السفر التي يصح معها القصر 2123 - * روى الجماعة عن أنس بن مالك قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من

_ 2121 - الموطأ (1/ 150) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 6 - باب صلاة المسافر إذا كان إماماً أو كان وراء إمام. وإسناده صحيح. 2122 - أحمد (2/ 108). مجمع الزوائد (3/ 162) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. ابن خزيمة (3/ 259) جماع أبواب الصوم في السفر، 102 - باب: استحباب الفطر في السفر في رمضان. وإسناده صحيح. 2123 - البخاري (2/ 561) 18 - كتاب تقصير الصلاة، 1 - باب ما جاء في التقصير. مسلم (1/ 481) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 1 - باب صلاة المسافرين وقصرها. أبو داود (2/ 10) كتاب الصلاة، باب متى يتم المسافر؟ الترمذي (2/ 432) أبواب الصلاة، 392 - باب ما جاء في كم تقصر الصلاة. النسائي (3/ 121) 15 - كتاب تقصير الصلاة في السفر، 4 - باب المقام الذي يقصر بمثله الصلاة. ابن ماجه (1/ 342) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 76 - باب كم يقصر الصلاة المسافر.

المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين، حتى رجعنا إلى المدينة، قيل له: أقمتم بمكة شيئاً؟ قال: أقمنا بها عشراً"، وفي رواية البخاري (1) ومسلم (2) مختصراً قال: "أقمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عشرة نقصر الصلاة". 2124 - * روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أقام النبي صلى الله عليه وسلم تسع عشرة يقصر الصلاة، فنحن إذا سافرنا فأقمنا تسع عشرة قصرنا، وإن زدنا أتممنا، وفي رواية الترمذي (3) قال: سافر النبي صلى الله عليه وسلم سفراً، فصلى تسعة عشر يوماً ركعتين ركعتين، قال ابن عباس: فنحن نصلي فيما بيننا وبين تسع عشرة ركعتين ركعتين، فإذا أقمنا أكثر من ذلك صلينا أربعاً قال (4): وقد روي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أقام في بعض أسفاره تسع عشرة يصلي ركعتين ... وذكر نحوه، وفي رواية أبي داود (5) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام سبع عشرة بمكة يقصر الصلاة، قال ابن عباس: ومن أقام سبع عشرة قصر، ومن أقام أكثر أتم وله في أخرى (6) تسع عشرة. وله في أخرى (7) قال: أقام بمكة عام الفتح خمس عشرة يقصر الصلاة وأخرجه النسائي (8)، وفيه خمسة عشر. وهذه الرواية الأخيرة قواها ابن حجر في "الفتح" راداً على النووي تضعيفها. أقول: رأينا أن مذهب الحنفية يجعل نية الإقامة خمسة عشر يوماً، فمن نواها فعليه الإتمام ومن نوى الإقامة أقل من ذلك فعليه القصر، واستثنوا من ذلك ما إذا كان على عزم السفر ولم ينو الإقامة فإنه يقصر مهما طال الزمن، ورأينا أن مذهب الشافعية يعتبر الثمانية

_ (1) البخاري (2/ 21) 64 - كتاب المغازي، 52 - باب مقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة زمن الفتح. (2) مسلم (1/ 481) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 1 - باب صلاة المسافرين وقصرها. 2124 - البخاري (2/ 561) 18 - كتاب تقصير الصلاة، 1 - باب ما جاء في التقصير. (3) الترمذي (2/ 434) أبواب الصلاة، 392 - باب ما جاء في كم تقصر الصلاة. (4) الترمذي (2/ 432) في نفس الموضع السابق. (5) أبو داود (2/ 10) كتاب الصلاة، باب متى يتم المسافر؟. (6) أبو داود في نفس الموضع السابق. (7) أبو داود (2/ 10) كتاب الصلاة، باب متى يتم المسافر؟. (8) النسائي (3/ 121) 15 - كتاب تقصير الصلاة في السفر- 4 - باب المقام الذي يقصر بمثله الصلاة.

عشر يوماً هي الحد الذي ينتهي إليه من عزم على السفر ولم يتهيأ له سوى يومي الدخول والخروج، فإذا ما تجاوزت إقامته ولو كان على عزم السفر تسعة عشر يوماً مع يومي الدخول فعليه الإتمام، ويعتبرون كلام ابن عباس دليلاً لهم، والحنفية يحملون فعل الرسول صلى الله عليه وسلم على أنه لم ينو الإقامة وأنه كان على عزم السفر ولم يتهيأ له ذلك، وما دام المجتهد على مذهب إمام مجتهد فالأمر واسع في حقه. عن: مجاهد، قال: "إن ابن عمر كان إذا أجمع على إقامة خمسة عشر يوماً أتم الصلاة". رواه أبو بكر بن أبي شيبة، وإسناده صحيح (آثار السنن) (2/ 66). وعنه أيضاً، عن ابن عمر: "أنه إذا أراد أن يقيم بمكة خمسة عشر سرح ظهره وصلى أربعاً". رواه محمد بن الحسن في (كتاب الحجج)، وإسناده صحيح (آثار السنن) (2/ 66). وعنه أيضاً، عن عبد الله بن عمر، قال: "إذا كنت مسافراً فوطنت نفسك على إقامة خمسة عشر يوماً فأتمم الصلاة، وإن كنت لا تدري فاقصر". رواه محمد بن الحسن في (الآثار)، وإسناده حسن، (آثار السنن) (2/ 66). وأخرجه الحافظ في (الدراية) (صـ 129) عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما، وعزاه إلى الطحاوي وسكت عنه. قال صاحب الإعلاء (7/ 275): وقد ذكر الحافظ الزيلعي في "نصب الراية" والحافظ ابن حجر في "الدراية" والعيني في "العمدة" (3 - 530) والشوكاني في "النيل" (3 - 85) والزرقاني في شرح الموطأ (1 - 268): إن التحديد بخمسة عشر يوماً مروي عن ابن عباس وعن ابن عمر كليهما دون ابن عمر فقط، فقد روى ذلك الطحاوي عنهما وأبو حنيفة، فما قاله صاحب الهداية وهو- أي مذهبنا- مأثور عن ابن عباس وابن عمر إلخ. لا شك في صحته بعد عزو هؤلاء الأعلام ذلك إليهما، لا سيما الحافظ ابن حجر فإنه لم يكن ليعزو القول به إلى ابن عباس رضي الله عنه إلا وقد ثبت ذلك عنه عنده. وقال التهانوي حول حديث:

لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة أقام فيها تسع عشرة يصلي ركعتين، قال: فنحن إذا سافرنا فأقمنا تسع عشرة قصرنا، وإن زدنا أتممنا. ا. هـ. كذا في [النيل (3/ 85)]. وعزاه إلى البخاري وأحمد وابن ماجة. قلنا في الجواب عنه إن مبنى هذا القول هو إقامة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة تسعة عشرة يوماً، ولا حجة فيه ما لم يعلم أن عزمه صلى الله عليه وسلم ماذا كان؟ فإن المدار على العزم دون القيام، فلما اطلعنا على مبنى قوله وهو ضعيف علمنا ضعف قوله هذا، ولم يكن مثل هذا المبنى في قوله: بخمسة عشر يوماً، فأخذنا به لا سيما وقد وجدنا ابن عمر وافقه في التحديد بذلك، ولم يوافقه في التحديد بتسعة عشر يوماً أحد من الصحابة. وإن سلمنا أن قيامه صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفتح كان بنية الإقامة فنقول: قد اضطربت الروايات في بيان مدة إقامته إذ ذاك، فروى البخاري من طريق عاصم، وحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: "أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة عشر يقصر" كما مر، وأخرجه أبو داود من طريق حفص بن غياث، عن عاصم، عن عكرمة، عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام سبع عشرة بمكة يقصر الصلاة". قال ابن عباس: "ومن أقام سبع عشرة قصر، ومن أقام أكثر أتم" ا. هـ. ثم أخرجه بطريق ابن الأصبهاني، عن عكرمة، عنه كذلك، بلفظ سبع عشرة (1/ 475). وإسناد الأول قال النووي في "الخلاصة": على شرط البخاري، كما في الزيلعي (1/ 308) وفي "الدراية": إسناده صحيح ا. هـ. ورواه ابن حبان في "صحيحه" كما في التلخيص الجبير: (1/ 129) ولأبي داود أيضاً من طريق محمد ابن سلمة، عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس: "أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفتح خمس عشرة يقصر الصلاة". قال الحافظ في "الفتح": وضعفها النووي في "الخلاصة" وليس بجيد، لأن رواتها ثقات، ولم ينفرد بها ابن إسحاق. قلت (التهانوي): لكن تأولها ابن حجر أن الراوي حذف يومي الدخول والخروج فتوافق سبعة عشر فلما اضطربت الروايات في مدة إقامته صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفتح أخذ الثوري وأهل الكوفة وأصحابنا الحنفية برواية خمس عشرة، لكونها أقل ما ورد، والأقل المتيقن، فيحمل ما زاد على أنه وقع اتفاقاً، وهذه وإن لم تكن من رواية البخاري ولا كرواية تسع عشرة في قوة الإسناد ولكن رواتها كلهم ثقات، وهي راجحة على سائر الروايات "دراية" كما

- القصر لمن لم ينو الإقامة وإن طال مكثه

قلنا لا سيما وقد أيدها فتوى ابن عباس وابن عمر التي ذكرها صاحب "الهداية"، وأخرجها الطحاوي وأبو حنيفة كما تقدم، فلا وجه لقول بعض الناس: إن ما ثبت عنه- أي عن ابن عباس- في الصحيح يكون أولى أو تساقط القولان ا. هـ. بل الساقط ما تردد فيه، والمتيقن هو الأولى فافهم. ا. هـ. - القصر لمن لم ينو الإقامة وإن طال مكثه: 2125 - * روى ابن أبي شيبة عن أبي جمرة نصر بن عمران، قال: قلت لابن عباس: "إنا نطيل القيم بخراسان فكيف ترى؟ قال: صل ركعتين وإن أقمت عشر سنين". 2126 - * روى البيهقي عن: نافع، عن ابن عمر، قال: "ارتج علينا الثلج ونحن بأذربيجان ستة أشهر في غزاة، قال ابن عمر: وكنا نصلي ركعتين". 2127 - * روى عبد الرزاق عن: الحسن، قال: "كنا مع عبد الرحمن بن سمرة ببعض بلاد فارس سنتين، فكان لا يجمع ولا يزيد على ركعتين". 2128 - * روى البيهقي عن: أنس رضي الله عنه: "أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أقاموا برامهرمز تسعة أشهر يقصرون الصلاة". 2129 - * روى أبو داود عن: جابر بن عبد الله، قال: "أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك

_ 2125 - هذا الحديث رواه أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا وكيع، ثنا المثنى بن سعيد، عن أبي جمرة فذكره، وإسناده صحيح "أثار السنن". 2126 - سنن البيهقي (2/ 152) كتاب الصلاة، باب من قال يقصر أبداً ما لم يجمع مكثاً وإسناده صحيح. وقال النووي في "الخلاصة" هذا سند على شرط الشيخين، وقال الحافظ في "الدراية" بإسناد صحيح ("آثار السنن" مع تعليقه السابق). 2127 - المصنف (2/ 536) باب الصلاة في السفر. وإسناده صحيح. (آثار السنن السابق). 2128 - سنن البيهقي (3/ 152) كتاب الصلاة، باب من قال يقصر أبداً ما لم يجمع مكثاً. وإسناده حسن. وقال النووي، إسناده صحيح، وكذا صحح إسناده الحافظ في "الدراية" وفيه عكرمة بن عمار مختلف فيه، واحتج به مسلم كذا في ("آثار السنن" مع تعليقه السابق). 2129 - أبو داود (2/ 11) كتاب الصلاة، باب إذا أقام بأرض العدو ويقصر. سنن البيهقي (3/ 152) كتاب الصلاة، باب من قال يقصر أبداً ما لم يجمع مكثاً. وقال: غير معمر لا يسنده اهـ وقال في "الجوهر النقي": أخرجه أبو داود والبيهقي بسند على شرط "الصحيح".

- قصر الصلاة في السفر من غير خوف

عشرين يوماً يقصر الصلاة". قال الترمذي: ثم أجمع أهل العلم على أن للمسافر أن يقصر ما لم يجمع الإقامة وإن أتى عليه سنون ا. هـ (1 - 72). وكذا قاله ابن المنذر، وقد أخرج أحمد في مسنده عن ثمامة بن شراحبيل، قال: خرجت على ابن عمر، فقلت: ما صلاة المسافر: فقال: ركعتين ركعتين إلا المغرب ثلاثاً، قلت: أرأيت إن كنا بذي المجاز؟ قال: وما ذي المجاز؟ قال: مكان نجتمع فيه ونبيع فيه ونمكث عشرين ليلة أو خمس عشرة ليلة، فقال: يا أيها الرجل كنت بأذربيجان لا أدري قال: أربعة أشهر أو شهرين، يصلون ركعتين ركعتين ا. هـ ذكره الحافظ في التلخيص ولم يتكلم عليه كذا في "النيل". وفيه دلالة على قصر المسافر ما لم يجمع مكثاً انظر (الإعلاء 7/ 282). أقول: ما سأل عنه ثمامة غير ما أجاب عنه ابن عمر فما سأل عنه السائل هو ما الحكم فيمن نوى الإقامة في مكان خمسة عشر يوماً أو عشرين يوماً فالمذاهب الأربعة على وجوب الإتمام في الصورتين وما أجاب عنه ابن عمر محمول على من لم ينو الإقامة وكان على عزم السفر ثم استجرته الظروف يوماً بعد يوم فطال سفره، وهذه النصوص كلها محمولة على من لم يتيقن الإقامة وكان على الأهبة للسفر أما من تيقن الإقامة فإنه مطالب بأحكام المقيم، وقد غلط ناس أفتوا بجواز القصر مع التيقن من الإقامة التي لا يباح معها القصر. - قصر الصلاة في السفر من غير خوف: 2130 - * روى مالك عن ابن شهاب عن رجل من آل خالد بن أسيد أنه سأل ابن عمر، فقال له: إنا نجد صلاة الخوف وصلاة الحضر في القرآن، ولا نجد صلاة السفر؟ فقال ابن عمر: يا ابن أخي، إن الله بعث إلينا محمداً صلى الله عليه وسلم ولا نعلم شيئاً، فإنما نفعل كما رأيناه يفعل.

_ 2130 - الموطأ (1/ 145، 146) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 2 - باب قصر الصلاة في السفر. النسائي (3/ 117) 15 - كتاب تقصير الصلاة في السفر، 1 - باب. وهو صحيح. ابن خزيمة (2/ 72) جماع أبواب الفريضة في السفر، 369 - باب بيان النبي صلى الله عليه وسلم عدد ركعات فريضة السفر. هناك تعقيب على الحديث وهو: إلا أن الموطأ لم يسم الرجل، وسماه النسائي: أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد.

- رخصة الإتمام في السفر

2131 - * روى البخاري عن حارثة بن وهب رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن أكثر ما كنا قط وآمنه، بمنى: ركعتين، وفي رواية أبي داود (1) والنسائي (2) قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى أكثر ما كانوا، فصلى بنا ركعتين في حجة الوداع. 2132 - * روى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة إلى مكة لا يخاف إلا رب العالمين، فصلى ركعتين". 2133 - * روى مسلم عن يعلى بن أمية قال: قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: عجبت للناس وقصرهم للصلاة وقد قال الله عز وجل: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} (3). وقد ذهب هذا فقال عمر رضي الله عنه: عجبت مما عجبت منه، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "هو صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته". - رخصة الإتمام في السفر: 2134 - * روى النسائي عن عائشة رضي الله عنها أنها اعتمرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة، حتى إذا قدمت مكة قالت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، قصرت وأتممت، وأفطرت وصمت، قال: "أحسنت يا عائشة، وما عاب علي".

_ 2131 - البخاري (3/ 509) 25 - كتاب الحج، 84 - باب الصلاة بمنى. مسلم (1/ 483.) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 2 - باب قصر الصلاة بمنى. الترمذي (3/ 328) 7 - كتاب الحج، 52 - باب ما جاء في تقصير الصلاة بمنى. (1) أبو داود (2/ 200) كتاب المناسك (الحج)، باب القصر لأهل مكة. (2) النسائي (3/ 119، 120) 15 - كتاب تقصير الصلاة في السفر، 3 - باب الصلاة بمنى. 2132 - الترمذي (2/ 431) أبواب الصلاة، 391 - باب ما جاء في التقصير في السفر. النسائي (3/ 117) 15 - كتاب تقصير الصلاة في السفر، 1 - باب. وإسناده صحيح. 2133 - مسلم (1/ 478) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 1 - باب صلاة المسافرين وقصرها. ابن خزيمة (2/ 71) الفريضة في السفر، 368 - باب ذكر الدليل على أن الله عز وجل قد يبيح الشيء. (3) النساء: 101. 2134 - النسائي (3/ 122) 15 - كتاب تقصير الصلاة في السفر، 4 - باب المقام الذي يقصر بمثله الصلاة وصححه بعضهم وطعن فيه آخرون.

أقول: هذا النص يشهد لمن أجاز الإتمام للمسافر لكن للعلماء كلام كثير حول هذا الحديث ومما قيل فيه ما ذكره التهانوي (7/ 251): وفي إسناده العلاء بن زهير، عن عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد النخعي عنها، والعلاء بن زهير قال ابن حبان: كان يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات، فبطل الاحتجاج به فيما لم يوافق الأثبات. وقد اختلف في سماع عبد الرحمن منها، واختلف قول الدارقطني فيه، فقال في "السنن": إسناده حسن، وقال في "العلل": المرسل أشبه. قال في "البدر المنير": إن في متن هذا الحديث نكارة وهو كون عائشة خرجت معه في عمرة رمضان، والمشهور أنه صلى الله عليه وسلم لم يعتمر إلا أربع عمر ليس منهن شيء في رمضان، بل كلهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته، فكان إحرامها في ذي القعدة وفعلها في ذي الحجة، قال: هذا هو المعروف في الصحيحين وغيرهما، واعترض عليه الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي في كلام له على هذا الحديث، وقال: وهم في هذا في غير موضع، وذكر أحاديث في الرد عليه، وقال ابن حزم: هذا حديث لا خير فيه وطعن فيه. قال (ابن القيم) في الهدي بعد ذكره هذا الحديث: وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: هذا حديث كذب على عائشة، ولم تكن عائشة لتصلي بخلاف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الصحابة، وهي تشاهدهم يقصرون ثم تتم هي وحدها بلا موجب، كيف؟ وهي القائلة: فرضت الصلاة ركعتين، فزيدت في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر. فكيف يظن بها أنها تزيد على فرض الله، وتخالف رسول الله وأصحابه، وقال الزهري لهشام لما حدثه عن أبيه عنها بذلك (الحديث فرضت الصلاة ركعتين إلخ): فما شأنها كانت تتم الصلاة؟ قال: تأولت كما تأول عثمان، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد حسن فعلها فأقرها عليه فما للتأويل حينئذ وجه، ولا يصح أن يضاف إتمامها إلى التأويل على هذا التقدير، ا. هـ من "النيل" ملخصاً. وحديث عائشة رضي الله عنها هذا أخرجه الدارقطني بلفظ آخر أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم

- التطوع في السفر

كان يقصر في السفر ويتم، ويفطر ويصوم. وقال: إسناده صحيح، كما في "المنتقى" مع "النيل". قلت: أي التهانوي لا حجة فيه أصلاً، فإن الحافظ ضبط لفظ تتم وتصوم بالمثناة من فوق ومعناه أن عائشة كانت تتم دون رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في "التلخيص الحبير". قال الحافظ: وقد استنكره أحمد وصحته بعيدة، (أي مع كون لفظ تتم وتصوم بالمثناة من فوق) فإن عائشة كانت تتم، وذكره عروة أنها تأولت ما تأولت ما تأول عثمان كما في الصحيح، فلو كان عندها عن النبي صلى الله عليه وسلم رواية لم يقل عروة عنها أنها تأولت، وقد ثبت في الصحيحين خلاف ذلك ا. هـ. وقال النووي في شرح مسلم له: واحتج الشافعي وموافقوه بالأحاديث المشهورة في صحيح مسلم وغيره أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يسافرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنهم القاصر، ومنهم المتم، ومنهم الصائم، ومنهم المفطر، لا يعيب بعضهم على بعض، وبأن عثمان كان يتم، وكذلك عائشة وغيرها، وهو ظاهر قول الله عز وجل: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ}، وهذا يقتضي رفع الجناح والإباحة ا. هـ. وأجاب الشوكاني عن الأول: بأنا لم نجد في صحيح مسلم قوله: فمنهم القاصر ومنهم المتم، وليس فيه إلا أحاديث الصوم والإفطار، وإذا ثبت ذلك فليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وقررهم عليه، إلى أن قال: وقد لاح من مجموع ما ذكرنا رجحان القول بالوجوب (أي وجوب القصر) وأما دعوى أن التمام أفضل فمدفوعة بملازمته صلى الله عليه وسلم للقصر في جميع أسفاره، وعدم صدور التمام عنه كما تقدم، ويبعد أن يلازم النبي صلى الله عليه وسلم طول عمره المفضول ويدع الأفضل ا. هـ. - التطوع في السفر: 2135 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: صحبت النبي صلى الله عليه وسلم، فلم أره يسبح في السفر، وقال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ

_ 2135 - البخاري (2/ 577) 18 - كتاب تقصير الصلاة، 11 - باب من لم يتطوع في السفر دبر الصلاة وقبلها. مسلم (1/ 480) 6 - كتاب صلاة المسافرين، 1 - باب صلاة المسافرين وقصرها.

حَسَنَةٌ} (1). وفي رواية (2) يزيد بن زريع قال: مرضت، فجاء ابن عمر يعودني، فسألته عن السبحة في السفر؟ فقال: صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأيته يسبح، ولو كنت مسبحاً لأتممت، وللبخاري (3) عن عاصم أنه سمع ابن عمر يقول: صحبت النبي صلى الله عليه وسلم، فكان لا يزيد في السفر على ركعتين، وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك". ولمسلم (4) عن عاصم قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم بمنى صلاة المسافر، وأبو بكر وعمر وعثمان ثماني سنين، أو قال: ست سنين، قال حفص: وكان ابن عمر يصلي بمنى ركعتين، ثم يأتي فراشه، فقلت لابن عمر: لو صليت بعد هذا ركعتين؟ قال: لو فعلت لأتممت الصلاة؛ وله في أخرى (5) عنه قال: "صحبت ابن عمر في طريق مكة، قال: فصلى لنا الظهر ركعتين، ثم أقبل وأقبلنا معه، حتى جاء رحله وجلس، وجلسنا معه، فحانت منه التفاتة نحو حيث صلى، فرأى أناساً قياماً، فقال: ما يصنع هؤلاء؟ قلت يسبحون، قال: لو كنت مسبحاً لأتممت صلاتي، يا ابن أخي، إني صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر، فلم يزد على ركعتين، حتى قبضه الله، وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، ثم صحبت عمر، فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، ثم صحبت عثمان، فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وقد قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}. وفي رواية الترمذي (6) قال: "سافرت مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، كانوا يصلون الظهر والعصر ركعتين ركعتين، لا يصلون قبلها ولا بعدها، وقال ابن عمر: لو كنت مصلياً قبلها أو بعدها لأتممتها. وفي رواية الموطأ (7): أن عبد الله بن عمر لم يكن يصلي مع صلاة الفريضة في السفر

_ (1) الأحزاب: 21. (2) مسلم نفس الموضع السابق. (3) البخاري (1/ 577) نفس الموضع السابق. (4) مسلم (1/ 483) 6 - كتاب صلاة المسافرين، 2 - باب قصر الصلاة بمنى. (5) مسلم (1/ 479) 6 - كتاب صلاة المسافرين، 1 - باب صلاة المسافرين وقصرها. (6) الترمذي (2/ 428) أبواب الصلاة، 391 - ما جاء في التقصير في السفر. (7) الموطأ (1/ 150) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 7 - باب صلاة النافلة في السفر بالنهار والليل ... إلخ.

شيئاً قبلها ولا بعدها، إلا من جوف الليل، فإنه كان يصلي على الأرض، وعلى راحلته حيث توجهت". أقول: هذه الروايات أصل لمن ذهب أنه لا تصلى مع الفرائض رواتبها في السفر، فيصلي من أراد النفل المطلق ما شاء، والحنفية يرون للمسافر أن يصلي الرواتب في حال الأمن والقرار ولا يصليها حال السير والخوف والفرار، قال محقق الجامع: وفي الباب أحاديث يدل مجموعها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي السنن أو بعضها في السفر أحياناً، أقول: منها:. 2136 - * روى الترمذي عن البراء بن عازب رضي الله عنه، قال: صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سفراً، فما رأيته ترك الركعتين إذا زاغت الشمس قبل الظهر. 2137 - * روى الترمذي عن: ابن عمر رضي الله عنه، قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحضر والسفر، فصليت معه في الحضر الظهر أربعاً وبعدها ركعتين، وصليت معه في الظهر ركعتين وبعدها ركعتين، والعصر ركعتين. ولم يصل بعدها شيئاً، والمغرب في الحضر والسفر سواء ثلاث ركعات، لا ينقص في حضر ولا سفر وهي وتر النهار، وبعدها ركعتين. قال الترمذي: ثم اختلف أهل العلم بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فرأى بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يتطوع الرجل في السفر، وبه يقول أحمد وإسحاق، ولم ير طائفة من أهل العلم أن يصلي قبلها ولا بعدها، ومعنى من لم يتطوع في السفر قبول الرخصة، ومن تطوع فله في ذلك فضل كثير، وهو قول أكثر أهل العلم يختارون التطوع في السفر ا. هـ. وفي "رد المحتار": وقيل الأفضل الترك ترخيصاً، وقيل: الفعل تقرباً، وقال الهندواني: الفعل

_ 2136 - الترمذي (2/ 435) أبواب الصلاة، 393 - باب ما جاء في التطوع في السفر، وحكي عن البخاري أنه رآه حسناً. 2137 - الترمذي (2/ 437، 438) نفس الموضع السابق. وأخرجه الطحاوي بسند حسن، وزاد فيه: (وصلى العشاء ركعتين وبعدها ركعتين) وحمل حديث ابن عمر لو كنت مصلياً قبلها أو بعدها لأتممتها على حالة العجالة والسير.

- صلاة النفل على الراحلة في السفر

حال النزول والترك حال السير، وقيل: يصلي سنة الفجر خاصة، وقيل: سنة المغرب أيضاً "بحر"، قال في "شرح المنية": والأعدل ما قاله الهندواني ا. هـ "الإعلاء". 2138 - * روى الدارمي عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر: فقال: "إن هذا السفر جهد وثقل، فإذا أوتر أحدكم فليركع ركعتين فإن استيقظ وإلا كانتا له". أقول: هذا النص يدل على مشروعية صلاة الوتر في السفر كما يدل على مشروعية صلاة النفل المطلق في السفر. 2139 - * روى ابن خزيمة عن عثمان بن عبد الله بن سراقة: أنه رأى حفص بن عاصم يسبح في السفر ومعهم في ذلك السفر عبد الله بن عمر، فقيل: إن خالك ينهى عن هذا، فسألت ابن عمر عن ذلك، فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصنع ذلك، لا يصلي قبل الصلاة ولا بعدها، قلت: أصلي بالليل؟ فقال: صلِّ بالليل ما بدا لك. - صلاة النفل على الراحلة في السفر: 2140 - * روى البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته نحو المشرق، فإذا أراد أن يصلي المكتوبة نزل فاستقبل القبلة". أقول: هذا النص يدل على مشروعية النفل المطلق للمسافر. 2141 - * روى ابن خزيمة عن جابر بن عبد الله قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على

_ 2138 - سنن الدارمي (1/ 374) كتاب الصلاة، باب الركعتين في الوتر، وقال: ويقال هذا السفر وأنا أقول هذا السهر. ابن خزيمة (2/ 159) جماع أبواب ذكر الوتر وما فيه من السنن، 452 - باب ذكر الدليل على أن الصلاة بعد الوتر مباحة لجميع من يريد الصلاة بعده ... إلخ، وإسناده صحيح. 2139 - ابن خزيمة (2/ 246) جماع أبواب صلاة التطوع قاعداً، 552 - باب صلاة التطوع في السفر قبل المكتوبة. 2140 - البخاري (2/ 575) 18 - كتاب تقصير الصلاة، 9 - باب ينزل للمكتوبة، ولهذا الحديث روايات عند البخاري ومسلم ترد في "الصلاة على الدابة". 2141 - ابن خزيمة (2/ 252) جماع أبواب صلاة التطوع في السفر على الدواب، 558 - باب ذكر البيان ضد قول من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما صلى على راحلته تطوعاً ... إلخ وإسناده صحيح على شرط مسلم.

راحلته متوجهاً إلى تبوك. 2142 - * روى مسلم عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته متوجهاً من مكة، فنزلت: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} (2). 2143 - * روى البخاري عن ابن عبد الله بن عمر عن أبيه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح على الراحلة قبل أي وجه توجه ويوتر عليها غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة. قال البغوي في (شرح السنة 4/ 190): اتفق أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم على جواز النافلة في السفر على الدابة متوجهاً إلى الطريق، ويجب أن ينزل لأداء الفريضة. واختلفوا في الوتر، فذهب أكثرهم إلى جوازها على الراحلة، روي ذلك عن: علي، وعبد الله بن عباس، وابن عمر، وهو قول عطاء، وبه قال مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق. وقال أصحاب الرأي: لا يوتر على الراحلة، وقال النخعي: كانوا يصلون الفريضة والوتر بالأرض. ويجوز أداء النافلة على الراحلة في السفر الطويل والقصير جميعاً عند أكثرهم، وهو قول الأوزاعي، والشافعي، وأصحاب الرأي. وقال مالك: لا يجوز إلا في سفر تقصر فيه الصلاة. وإذا صلى على الدابة يفتتح الصلاة إلى القبلة إن تيسر عليه، ثم يقرأ ويركع، ويسجد حيث توجهت به راحلته، ويومئ بالركوع والسجود برأسه، ويجعل السجود أخفض من الركوع.

_ 2142 - مسلم (1/ 486) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 4 - باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت. ابن خزيمة (2/ 252) نفس الموضع السابق. (1) البقرة: 115. 2143 - البخاري (2/ 575) 18 - كتاب تقصير الصلاة، 9 - باب ينزل للمكتوبة. ابن خزيمة (2/ 249) جماع أبواب صلاة التطوع في السفر، 555 - باب إباحة الوتر على الراحلة في السفر إلخ.

الصلاة على الراحلة في السفر لعذر

روي عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر وأراد أن يتطوع استقبل القبلة بناقته، فكبر، ثم صلى حيث وجهة ركابه [أخرجه أبو داود وحسنه المنذري وغيره]. وجوّز الأوزاعي للماشي على رجله أن يصلي بالإيماء مسافراً كان أو غير مسافر، وكذلك على الدابة إذا خرج من بلده لبعض حاجته. قال البغوي: ومن صلى في سفينة يصلي قائماً، إلا أن يدور رأسه فلا يقدر على القيام. 2144 - * روى أحمد عن سعيد بن جبير أن ابن عمر كان يصلي على راحلته تطوعاً فإذا أراد أن يوتر نزل فأوتر على الأرض. أقول: هذا النص يشهد لمذهب الحنفية الذين يرون أن الوتر واجب، لذلك عامله ابن عمر معاملة الفريضة بنزوله عن الدابة من أجله، والأمر واسع ما دام أئمة الاجتهاد مختلفين، والاحتياط أولى إذا لم توجد ضرورة. الصلاة على الراحلة في السفر لعذر: 2145 - * روى أحمد عن سمرة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر في يوم مطير: "الصلاة في الرحال". 2146 - * روى أحمد عن عمرو بن أوس قال أخبرني من سمع منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قامت الصلاة أو حين حانت الصلاة أو نحوها أن صلوا في رحالكم لمطر كان.

_ 2144 - أحمد (2/ 4). مجمع الزوائد (2/ 162) وقال الهيثمي، رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. 2145 - أحمد (5/ 19). الطبراني في الكبير (7/ 199). مجمع الزوائد (2/ 47) قال الهيثمي. رواه أحمد والطبراني في الكبير وللبزار بنحوه وزاد كراهية أن يشق علينا. ورجال أحمد رجال الصحيح. 2146 - أحمد (3/ 415، 416). مجمع الزوائد (2/ 47) قال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

2147 - * روى النسائي عن أبي المليح بن أسامة عن أبيه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحنين، فأصابنا مطر، فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن صلوا في رحالكم. 2148 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فمطرنا، فقال: "ليصل من شاء منكم في رحله". 2149 - * روى مالك عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه نادى للصلاة في ليلة ذات برد وريح ومطر، وقال في آخر ندائه ألا صلوا في رحالكم، ألا صلوا في الرحال، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة أو ذات مطر في السفر أن يقول: "ألا صلوا في رحالكم" وفي رواية (1) أذن ابن عمر في ليلة باردة، ونحن بضجنان، ثم قال: "ألا صلوا في رحالكم"، وأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر مؤذناً يؤذن، ثم يقول على إثره: "ألا صلوا في الرحال، وفي الليلة الباردة، أو المطيرة في السفر". وحدث نافع عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كانت ليلة باردة أو مطيرة، أمر المنادي فنادى: "إن الصلاة في الرحال" وله في أخرى (2): قال: نادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم بذلك [في المدينة] في الليلة المطيرة، والغداة القرة. 2150 - * روى الطبراني عن يعلى بن أمية قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فأصابتنا

_ 2147 - النسائي (2/ 111) 10 - كتاب الإمامة، 51 - باب العذر في ترك الجماعة، وإسناده صحيح. 2148 - مسلم (1/ 484، 485) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 3 - باب الصلاة في الرحال في المطر. 2149 - الموطأ (1/ 73) 3 - كتاب الصلاة، 2 - باب النداء في السفر وعلى غير وضوء. البخاري (2/ 156، 157) 10 - كتاب الأذان، 40 - باب الرخصة في المطر والعلة أن يصلي في رحله. مسلم (1 484) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 3 - باب الصلاة في الرحال في المطر. أبو داود (1/ 279) كتاب الصلاة، 213 - باب التخلف عن الجماعة في الليلة الباردة. (1) البخاري (2/ 112) 10 - كتاب الأذان، 18 - باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة ... إلخ ووردت هذه الرواية أيضاً في أبي داود وذلك في. (1/ 278، 279) كتاب الصلاة، 213 - باب التخلف عن الجماعة في الليلة الباردة. (ضجنان) موقع أو جبل بين مكة والمدينة. (2) أبو داود (1/ 279) نفس الموضع السابق. 2150 - الطبراني "المعجم الكبير" (23/ 256، 257).

السماء، فكانت البلة من تحتنا والسماء من فوقنا وكان في مضيق فحضرت الصلاة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً، فأذن وأقام وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى على راحلته والقوم على رواحلهم يومي إيماء يجعل السجود أخفض من الركوع". أقول: هذا يدل على أنه تجوز صلاة الفريضة على الراحلة إذا كانت الأرض موحلة، مما يدل على أن للعذر دوره في جواز صلاة الفريضة على الدابة ويقاس على ذلك الصلاة في الطائرة، فالعذر واضح فيمن يركب طائرة أن يصلي فرضه فيها، فإن استطاع القيام والتوجه إلى القبلة دون خوف فعليه ذلك وإلا صلى جالساً في مكانه وأعاد احتياطاً مراعاة لقول القائلين بعدم جواز ذلك. 2151 - * روى الطبراني عن أنس بن سيرين قال: أقبلنا مع أنس بن مالك من الكوفة حتى إذا كنا بأطيط أصبحنا والأرض طين وماء فصلى المكتوبة على دابة ثم قال ما صليت المكتوبة قط على دابتي قبل اليوم. 2152 - * روى الطبراني عن أنس بن سيرين قال: خرجت مع أنس بن مالك إلى أرض بلبق سرين حتى إذا كنا بدجلة حضرت الظهر فأمنا قاعداً على بساط في السفينة، وإن السفينة لتجر بنا جراً. أقول: إذا خاف المصلي في سفينة أن يطرأ عليه طارئ بسبب القيام للفريضة فله أن يصلي جالساً.

_ مجمع الزوائد (2/ 161) قال الهيثمي: رواه أبو داود من حديث يعلى بن مرة وهو هنا من حديث يعلى بن أمية. ورواه الطبراني في الكبير وإسناده إسناد أبي داود ورجاله موثقون إلا أن أبا داود قال: غريب تفرد به عمر ابن الرماح. 2151 - مجمع الزوائد (2/ 161، 162) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله ثقات. (أطيط): موضع بين الكوفة والبصرة. 2152 - مجمع الزوائد (2/ 163) وقال الهيثمي: رواه الطبراني، ورجاله ثقات.

- صلاة المقيم خلف المسافر

- صلاة المقيم خلف المسافر: 2153 - * روى مالك عن عمر بن الخطاب كان إذا قدم مكة صلى لهم ركعتين ثم يقول: يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر. وفي شرح السنة (4/ 182): والعمل على هذا عند أهل العلم أن المسافر والمقيم يجوز اقتداء كل واحد منهما بصاحبه في الصلاة، ثم إذا اقتدى المقيم بالمسافر، فقصر الإمام، فإذا سلم من صلاته، قام المقيم فأتم لنفسه الصلاة، وليس له أن يقصر لموافقته. وإذا اقتدى المسافر بالمقيم، عليه أن يتم لموافقة إمامه، قال نافع: كان عبد الله بن عمر يصلي وراء الإمام بمنى أربعاً، فإذا صلى لنفسه صلى ركعتين [كذا في الموطأ 1/ 149 وإسناده صحيح]. 2154 - * روى مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه "أن عمر بن الخطاب لما قدم مكة صلى بهم ركعتين، ثم انصرف وقال: "يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر"، ثم صلى عمر ركعتين بمنى، ولم يبلغني أنه قال لهم شيئاً". قال البغوي (4/ 183): قال مالك في أهل مكة: إنهم يصلون بمنى إذا حجوا ركعتين حتى ينصرفوا إلى مكة، ومن كان ساكناً بمنى يتم الصلاة بمنى، وكذلك من كان ساكناً بعرفة يتم الصلاة بعرفة. قال رحمه الله: وأكثر أهل العلم على أن أهل مكة لا قصر لهم بمنى ولا بعرفة. - الصلاة لمن يريد السفر والقادم منه: 2155 - * روى أبو داود عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ 2153 - الموطأ (1/ 149) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 6 - باب صلاة المسافر إذا كان إماماً أو كان وراء إمام، وإسناده صحيح. 2154 - الموطأ (1/ 402) 20 - كتاب الحج، 66 - باب صلاة منى، وإسناده صحيح. 2155 - أبو داود (3/ 91) كتاب الجهاد، باب الصلاة عند القدوم من السفر وهو طرف من حديث توبة كعب بن=

إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد، فصلى فيه ركعتين، ثم جلس للناس". 2156 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: إني أريد أن اخرج إلى البحرين في تجارة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "صل ركعتين". 2157 - * روى ابن خزيمة عن أنس بن مالك قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينزل منزلاً إلا ودعه بركعتين.

_ = مالك، وقد أخرجه البخاري ومسلم بتمامه. 2156 - الطبراني "المعجم الكبير" (10/ 251). مجمع الزوائد (2/ 283) قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله موثقون. 2157 - ابن خزيمة (2/ 248) 553 - باب صلاة التطوع في السفر عند توديع المنازل وإسناده ضعيف، كما قال الألباني في الضعيفة.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد - قال الحنابلة: لو وجد قريتان متدانيتان، واتصل بناء إحداهما بالأخرى فهما كالواحدة لا يقصر المسافر حتى يتجاوز بناء الثنتين وإن لم يتصل بناؤهما فلكل قرية حكم نفسها. والملاح الذي يسير بسفينة وليس له بيت سوى سفينته، فيها أهله ومتاعه وحاجته لا يباح له القصر. - من كان تابعاً لغيره ممن يملك أمره كالزوجة مع زوجها والجندي مع أميره والخادم مع سيده والطالب مع أستاذه، والسجين مع السلطة، فحكم هؤلاء تابع لنية المتبوع. - قال الحنفية من نوى الإقامة في بلدتين ولو متقاربتين خمسة عشر يوماً لا يعتبر مقيماً ويجب عليه القصر ما دامت البلدتان مستقلتين ولو كانت إحداهما قرية منفصلة عن البلدة. - في بحث السفر يتحدث الحنفية أن الوطن ثلاثة أنواع: الوطن الأصلي وهو الذي ولد فيه أو تزوج أو لم يتزوج وقصد التعيش فيه لا الارتحال عنه، أو تزوج فيه ولو زوجة ثانية أو ثالثة. ووطن الإقامة وهو الموضع الذي نوى الإقامة فيه نصف شهر فما فوقه، ووطن السكنى وهو ما ينوي الإقامة فيه دون نصف شهر، فهذا الوطن يجب القصر فيه أما وطن الإقامة فيلغيه سفره منه إلى غيره أو عودته إلى الوطن الأصلي، ومتى دخل الوطن الأصلي فعليه إتمام الصلاة فيه ولو مر فيه مروراً. وقال الشافعية: الوطن هو محل الإقامة الدائمة صيفاً وشتاءً، ويمتنع القصر برجوعه إلى وطنه وإلى موضع نوى الإقامة فيه مطلقاً أو أربعة أيام صحيحة أو لحاجة لا تنقضي إلا في المدة المذكورة، وعندهم أنه يقصر إذا مر بوطنه مروراً فقط كما أنه يقصر في بلد أقام فيها إن كان يتوقع قضاء حاجة كل يوم إلى ثمانية عشر يوماً.

وقال الحنابلة من رجع إلى الوطن الذي سافر منه أتم كما أنه يتم إذا مر بوطنه الأصلي ولو لم يكن له حاجة سوى المرور، ويتم إذا مر ببلد له فيه امرأة أو مر ببلد تزوج فيه ولو أنه طلق زوجته، أما لو كان له به أقارب كأم وأب أو ماشية أو مال لم يمتنع عليه القصر إن لم يكن مما سبق. - قال الحنفية: من خرج من بلده يريد سفراً يوجب القصر ثم غير نيته قبل قطع مسافة السفر أتم بمجرد نية العودة. - من ولد في مكان وكان وطنه في الأصل ثم انتقل إلى مكان آخر للاستقرار، ولم يبق له أهل في بلده الأصلي لم يعد هذا الوطن في حقه أصلياً فإن عاد إليه قصر ولو كان له فيه أرض أو عقار فالوطن الأصلي للإنسان يبطل إذا هاجر بنفسه وأهله ومتاعه إلى بلد آخر، فإن عاد إلى بلده الأول لا للإقامة قصر كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما دخل مكة، فالوطن الأصلي يبطل بمثله ولا يبطل الوطن الأصلي بوطن الإقامة، ولا بالسفر. - توسع قوم في الفتوى في إباحة القصر حتى شذوا، فقد أفتى بعضهم بجواز القصر للطالب إذا سافر لطلب العلم واستقر في مكان للدراسة، وكانت نيته الإقامة الطويلة كما أفتى بعضهم للهاربين من أوطانهم بجواز القصر مع استقرارهم في وطن آخر وارتباط معيشتهم به أو تزوجهم فيه مع وضوح استحالة عودتهم السريعة في ظاهر الحال، كما أفتى بعضهم لبعض المعتقلين السياسيين غير المحكومين بالقصر إذا كانوا بعيدين عن وطنهم الأصلي مع وضوح نية السلطة أو تصريحها بعدم الإفراج السريع عنهم، وذلك شذوذ في الفتوى، نسأل الله التسديد والعون.

الفقرة الثانية في صلاة المريض عرض إجمالي

الفقرة الثانية في صلاة المريض عرض إجمالي للمرض أنواع ولبعض أنواعه درجات، ومن مظاهر يسر الإسلام، ورفع الحرج فيه أن خفف بسبب المرض بعض التكاليف يظهر ذلك في دوائر كثيرة وتمر معنا أثناء عرض نصوص الكتاب والسنة أحكام كثيرة لها صلة بالتخفيف عن المريض، وكثيراً ما تمر في أبواب الفقه أحكام تتعلق بالمريض، وقد مرت معنا من قبل في جزء الصلاة كثير من الأحكام التي تتعلق بالمريض والمرض ففي أبحاث الطهارة مرت مخففات بسبب المرض، وفي أبحاث الجمعة والجماعة مرت مخففات بسبب المرض، وسيمر معنا في جزء الصوم وفي جزء الحج وفي جزء الجهاد وفي أجزاء أخرى من هذا الكتاب أحكام كثيرة خفف الله عز وجل بها عن المكلف بسبب المرض. وقد خصصنا هذه الفقرة لصلاة المريض وها نحن نستخلص بعض أحكام صلاة المريض من كتب الفقه. لقد اتفق الفقهاء على أنه يسقط القيام في الفرض والنافلة للعاجز عنه. ولكن إذا قدر على بعض القراءة ولو آية قائماً لزمه بقدرها، ومن حالات العجز المسقطة للقيام: حالة المداواة كمن يسيل جرحه إذا قام أو أثناء مداواة العين استلقاء، ومن الحالات المسقطة للقيام: حالة سلس البول فإن كان يسيل بوله لو قام، وإن قعد لم يسل صلى قاعداً ولا إعادة عليه. ومن الحالات التي يسقط فيها القيام عند الحنابلة أن يصلي الإنسان خلف إمام حي عاجز. ومن كلام الحنفية في صلاة المريض إذا عجز المريض عن القيام سقط عنه وصلى قاعداً كيف تيسر له، يركع ويسجد إن استطاع، فإن لم يستطع الركوع والسجود أو السجود فقط أومأ إيماء برأسه وجعل إيماءه للسجود أخفض من ركوعه، ولا يرفع إلى وجهه شيئاً مثل الكرسي والوسادة وأمثاله ليسجد عليه.

فإن لم يستطع القعود استلقى على ظهره وجعل رجليه إلى القبلة وأومأ بالركوع والسجود، وإن استلقى على جنبه ووجهه إلى القبلة وأومأ جاز، والاستلقاء أولى من الاضطجاع، والاضطجاع على الشق الأيمن أولى من الأيسر، وإذا عجز عن التوجه إلى القبلة سقط عنه التوجه على مذهب الإمام أبي حنيفة في كل الأحوال ولو وجد من يوجهه، وقال آخرون إن وجد من يوجهه نحو القبلة استعان بهم وصلى نحو القبلة، فإن لم يستطع الإيماء برأسه أخر الصلاة عند الحنفية ولا يومئ بعينه ولا بقلبه ولا بحاجبيه، وما دام يفهم مضمون الخطبة فإن الصلاة لا تسقط عنه ويجب عليه القضاء ولو كثرت الصلوات، ولكن ذكر الكاساني في البدائع كما ذكر غيره عدم لزوم القضاء إذا كثرت الصلوات فزادت عن صلاة يوم وليلة وعليه الفتوى. وإن قدر المريض على القيام ولم يقدر على الركوع والسجود لم يلزمه القيام وجاز أن يصلي قاعداً يومئ برأسه إيماءً. وإن صلى الصحيح بعض صلاته قائماً ثم مرض أتمها قاعداً يركع ويسجد أو يومئ إذا لم يستطع الركوع والسجود أو مستلقياً إذا لم يستطع القعود. ومن صلى قاعداً يركع ويسجد لمرض ثم صح أتم صلاته قائماً، أما إذا كان يومئ إيماء ثم قدر على القيام والركوع والسجود بطلت صلاته واستأنف الصلاة من جديد. (انظر الدر المختار وحاشية ابن عابدين 1/ 508 - 512). ومن كلام المالكية في صلاة المريض:. إذا لم يقدر المصلي على القيام استقلالاً لعجز أو لمشقة فادحة كدوخة في صلاة الفرض، جاز فيه الجلوس، ولا يجوز الاضطجاع إلا لعذر. ويجوز أداء بعض الصلاة قائماً وبعضها جالساً باتفاق أهل المذهب. ومن قدر على القيام في الفرض، ولكن خاف به ضرراً كالضرر المبيح للتيمم (وهو خوف حدوث مرض من نزلة أو إغماء أو زيادته لمتصف به، أو تأخر برء)، أو خاف

بالقيام خروج حدث كريح، استند ندباً لحائط أو على قضيب أو لحبل معلق بسقف البيت يمسكه عند قيامه، أو على شخص غير جنب أو حائض. فإن استند على جنب أو حائض أعاد بوقت ضروري. وإن صلى جالساً مستقلاً عن غيره، مع القدرة على القيام مستنداً، صحت صلاته. وإن تعذر القيام بحالتيه (مستقلاً أو مستنداً)، جلس وجوباً إن قدر، وإن لم يقدر جلس مستنداً. وتربع ندباً للجلوس البديل عن القيام: وهو حالة تكبيرة الإحرام، والقراءة والركوع، ثم يغير جلسته في الجلوس بين السجدتين والتشهد. وإن لم يقدر على الجلوس بحالتيه (مستقلاً أو مستنداً)، صلى على شق أيمن ندباً، فأيسر إن عجز عن الأيمن، ثم مستلقياً على ظهره ورجلاه للقبلة، فإن لم يقدر فعلى بطنه ورأسه للقبلة. وإن كان بجبهته قروح، فسجد على أنفه، صحت صلاته، لأنه أتى بما في طاقته من الإيماء، علماً بأن حقيقة السجود: وضع الجبهة على الأرض. إن لم يقدر المصلي على شيء من الأركان إلا على نية، بأن ينوي الدخول في الصلاة ويستحضرها، أو قدر على النية مع إيماء بطرف، وجبت الصلاة بما قدر عليه، وسقط عنه غير المقدور عليه. وإن قدر مع ذلك على "السلام" سلم. ولا يجوز له تأخير الصلاة عن وقتها بما قدر عليه، ما دام المكلف في عقله. (انظر الشرح الصغير 1/ 358 - 363) وقال الشافعية: إن لم يقدر على القيام في الفرض مع نصب عموده الفقري، وقف منحنياً، لأن الميسور لا يسقط بالمعسور. وإن عجز عن القيام أصلاً (بأن لحقته مشقة شديدة لا تحتمل في العادة كدوران رأس راكب السفينة)، قعد كيف شاء وقعوده مفترشاً كهيئة الجالس للتشهد الأول أفضل من تربعه في الأظهر، فإن لم يقدر على القعود: بأن نالته المشقة السابقة، اضطجع وجوباً على

جنبه، مستقبلاً القبلة بوجهه ومقدم بدنه. والجنب الأيمن أفضل للاضطجاع عليه من الأيسر، والأيسر بلا عذر مكروه. فإن لم يقدر على الاضطجاع استلقى، ويرفع وجوباً رأسه بشيء كوسادة ليتوجه إلى القبلة بوجهه ومقدم بدنه. ويركع ويسجد بقدر إمكانه، فيومئ برأسه للركوع والسجود، وإيماؤه للسجود أكثر، قدر إمكانه. فإن لم يقدر، أومأ بطرفه (أي بصره) إلى أفعال الصلاة. فإن لم يقدر، أجرى الأركان على قلبه، مع السنن، بأن يمثل نفسه قائماً وراكعاً، وهكذا؛ لأنه الممكن. فإن اعتقل لسانه، أجرى القراءة وغيرها على قلبه كذلك. ولا تسقط عنه الصلاة ما دام عقله ثابتاً، لوجود مناط التكليف. ومتى قدر على مرتبة من المراتب السابقة في أثناء الصلاة، لزمه الإتيان بها. وللقادر على القيام: أن يتنفل قاعداً، أو مضطجعاً في الأصح، لا مستلقياً، ويقعد للركوع والسجود ولا يومئ بهما إن اضطجع، لعدم وروده في السنة. والخلاصة: أن المريض يصلي كيف أمكنه ولو مومياً ولا يعيد، والغريق والمحبوس يصليان موميين ويعيدان. انظر (المهذب 1/ 101)، (الفقه الإسلامي 1/ 642). وقال الحنابلة: إن لم يستطع المريض القيم أو شق عليه مشقة شديدة لضرر من زيادة مرض، أو تأخر برء ونحوه، فإنه يصلي قاعداً، متربعاً ندباً كمتنفل وكيف قعد جاز كالمتنفل، ويثني رجليه في ركوع وسجود، كمتنفل. انظر (المغني 2/ 143 - 149). والخلاصة: أن أقصى حالات التيسير للمريض هو الإيماء بالرأس عند الحنفية، والإيماء بالطرف (البصر أو العين) أو مجرد النية عند المالكية، وإجراء الأركان على القلب عند الشافعية والحنابلة.

واتفق الكل على أنه لا تسقط الصلاة عن المرء ما دام في عقله. انظر (الفقه الإسلامي 1/ 644 - 645). وهذه نصوص تتعلق بصلاة المريض:

نصوص في صلاة المريض

نصوص في صلاة المريض 2158 - * روى البخاري عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: "كانت بي بواسير، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة؟ فقال: صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب" وفي رواية (1) "أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل قاعداً؟ قال: إن صلى قائماً فهو أفضل، ومن صلى قاعداً فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائماً فله نصف أجر القاعد"، إلا أنه لم يذكر البواسير، وقال: "سألته عن صلاة المريض؟ ". ولأبي داود في أخرى (2) "أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل قاعداً؟ قال: صلاته قائماً أفضل من صلاته قاعداً، وصلاته قاعداً على النصف من صلاته قائماً، وصلاته نائماً على النصف من صلاته قاعداً"، وله في أخرى (3) قال: "كان بي الناصور، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم؟ وذكر مثل الرواية الأولى". وللبخاري (4) عن عمران بن حصين- وكان مبسوراً "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل قائماً؟ .. الحديث" وأخرج النسائي (5) الرواية الثانية. وأخرج ابن خزيمة (6) الرواية الأولى.

_ 2158 - البخاري (2/ 587) 18 - كتاب تقصير الصلاة، 19 - باب إذا لم يطق قاعداً صلى على جنب. أبو داود (1/ 250) كتاب الصلاة، باب في صلاة القاعد. الترمذي (2/ 208) أبواب الصلاة، 274 - باب ما جاء أن صلاة القاعدة على النصف من صلاة القائم. (1) البخاري (2/ 584) 18 - كتاب تقصير الصلاة، 17 - باب صلاة القاعد. (2) أبو داود (1/ 250) كتاب الصلاة، باب [في] صلاة القاعد. (3) أبو داود في نفس الموضع السابق. (4) البخاري (2/ 584) 18 - كتاب تقصير الصلاة، 17 - باب صلاة القاعد. (5) النسائي (3/ 223، 224) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 21 - فضل صلاة القاعد على صلاة النائم. (6) ابن خزيمة (2/ 235) جماع أبواب صلاة التطوع قاعداً، 541 - باب تقصير أجر صلاة القاعد عن صلاة القائم في التطوع. ورد في موضع آخر عنده (2/ 242) جماع أبواب صلاة التطوع قاعداً، 550 - باب صفة صلاة المضطجع خلاف ما يتوهمه العامة. (مبسوراً) المبسور: هو الذي به بواسير، وقد أفصح به في الرواية الأخرى قال "كانت في بواسير".

قال ابن خزيمة: قد كنت أعلمت قبل أن العرب توقع اسم النائم على المضطجع وعلى النائم الزائل العقل بالنوم، وإنما أراد المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: وصلاة النائم: المضطجع لا زائل العقل بالنوم، إذ زائل العقل بالنوم لا يعقل الصلاة في وقت زوال العقل. أقول: لا تجوز صلاة الفريضة إلا بقيام إلا إذا كان هناك عذر يجيز القعود فما سواه، كالمرض مثلاً وما ذكر في النص عن أن صلاة القاعد على النصف من أجر القائم فذلك محمول على التنفل، وللمتنفل أن يصلي قاعداً أو مضطجعاً أو على دابة وفي صلاته مضطجعاً خلاف وما ذكر في الحديث مما يفهم منه أن من كان معه بواسير جاز له أن يصلي قاعداً فذلك محمول على صورتين: الأولى أن تصيبه بسبب القيام آلام شديدة، والصورة الثانية: أن ينزف دماً حال القيام ويقل أو ينعدم نزيفه حال القعود، ومن صلى قاعداً أو غير ذلك بسبب المرض فله أجره كما لو صلى قائماً. انظر (فتح الباري 2/ 585). 2159 - * روى البخاري عن الزهري سمع أنس بن مالك- وهذا حديث عبد الجبار- قال: "سقط رسول الله صلى الله عليه وسلم من فرس فجحش شقه الأيمن، فدخلنا نعوده فحضرت الصلاة، فصلى بنا قاعداً". 2160 - * روى الشيخان عن عائشة قالت: لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضه الذي مات فيه، جاءه بلال يؤذنه بالصلاة فقال: "مروا أبا بكر، فليصل بالناس". قلنا: يا رسول الله إن أبا بكر رجل أسيف، ومتى ما يقوم مقامك يبكي، فلا يستطيع، فلو أمرت عمر أن يصلي بالناس قال: "مروا أبا بكر فليصل بالناس- ثلاث مرات-

_ 2159 - البخاري (2/ 584) 18 - كتاب تقصير الصلاة، 17 - باب صلاة القاعد. ابن خزيمة (2/ 89) صلاة الفريضة عند العلة تحدث، 383 - باب صلاة المريض جالساً إذا لم يقدر على القيام. (جحش): أي انخدش جلده. 2160 - البخاري (2/ 151، 152) 10 - كتاب الأذان، 39 - باب حد المريض أن يشهد الجماعة، وص 204، 68 - باب الرجل يأتم بالإمام ... إلخ. مسلم (1/ 313، 314) 4 - كتاب الصلاة، 21 - باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من المرض ... إلخ. ابن ماجة (1/ 389) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 142 - باب ما جاء في صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه. ابن خزيمة (3/ 53، 54) 121 - باب ذكر أخبار تأولها بعض العلماء ناسخة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ... إلخ.

"فإنكن صواحبات يوسف". قالت: فأرسلنا إلى أبي بكر، فصلى بالناس، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم خفة، فخرج يهادى بين رجلين، ورجلاه تخطان في الأرض. فلما أحس به أبو بكر، ذهب ليتأخر، فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم: أن مكانك. قال: فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فجلس إلى جنب أبي بكر، فكان أبو بكر يأتم بالنبي صلى الله عليه وسلم والناس يأتمون بأبي بكر رضوان الله عليه. هذا حديث وكيع وقال في حديث أبي معاوية: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعداًن وأبو بكر قائماً. قال ابن خزيمة: قال قوم من أهل الحديث إذا صلى الإمام المريض جالساً، صلى من خلفه قياماً إذا قدروا على القيام، وقالوا: خبر الأسود وعروة عن عائشة ناسخ للأخبار التي تقدم ذكرنا لها في أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالجلوس إذا صلى الإمام جالساً. قالوا: لأن تلك الأخبار عند سقوط النبي صلى الله عليه وسلم من الفرس، وهذا الخبر في مرضه الذي توفي فيه: قالوا: والفعل الآخر ناسخ لما تقدم من فعله وقوله. 2161 - * روى البزار عن جابر بن عبد الله قال: عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم مريضاً وأنا معه فرآه يصلي ويسجد على وسادة فنهاه وقال: "إن استطعت أن تسجد على الأرض فاسجد وإلا فأومئ إيماءً واجعل السجود أخفض من الركوع". 2162 - * روى الطبراني في الأوسط عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من استطاع منكم أن يسجد فليسجد ومن لم يستطع فلا يرفع إلى جبهته شيئاً يسجد عليه ولكن ركوعه وسجوده يومئ إيماءً".

_ 2161 - كشف الأستار (1/ 275) باب صلاة المريض. أبو يعلى (3/ 346). مجمع الزوائد (2/ 148) وقال الهيثمي: "رواه البزار وأبو يعلى بنحوه إلا أنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد مريضاً فرآه يصلي على وسادة فرمى بها فأخذ عوداً يصلي عليه فرمى به، ورجال البزار رجال الصحيحين. 2162 - مجمع الزوائد (2/ 148، 149) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله موثقون ليس فيهم كلام يضر والله أعلم.

2163 - * روى أحمد عن المختار قال سألت أنساً عن صلاة المريض فقال: يركع ويسجد قاعداً في المكتوبة. 2164 - * روى الطبراني عن ابن مسعود أنه دخل على أخيه عتبة وهو يصلي على سواك يرفعه إلى وجهه فأخذه فرمى به ثم قال: أوم إيماءً ولتكن ركعتك أرفع من سجدتك.

_ 2163 - أحمد (3/ 126). مجمع الزوائد (2/ 149) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات. 2164 - مجمع الزوائد (2/ 149) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله ثقات.

الفقرة الثالثة في صلاة الخوف

الفقرة الثالثة في صلاة الخوف مقدمة من معجزات هذا الدين انسجام تكاليفه مع بعضها ومن معجزاته شمولية بعض النصوص بحيث تسع الزمان والمكان، ومن معجزاته أن كانت بعض نصوصه قابلة لتعدد الفهم مما أدى إلى اختلاف أئمة الاجتهاد بما يسع الزمان والمكان كذلك، ومما تظهر به هذه القضايا مجتمعة صلاة الخوف. فالمكلف في الإسلام مكلف بالعبادة والعبودية والإيمان بالقدر والتوكل والأخذ بالأسباب، فمن عبادات الإسلام الصلاة والجهاد، والمسلم يقاتل متوكلاً على الله راضياً بقضائه، آخذاً بالأسباب ومن أهم مبادئ القتال التي ينبغي أن يراعيها المقاتل مبدأ المفاجأة، فهو من ناحية عليه أن يعمل الحيلة ليفاجئ خصمه وعليه أن يكون في غاية الحذر كي لا يفاجئه خصمه. وصلاة الخوف تجتمع فيه مراعاة كل ما مر. فالمسلم وهو يقاتل لا يغفل عن أداء الصلاة، وقد شرعت له صلاة الخوف ليستطيع أن يصلي في أي ظرف قتالي يواجهه، وكي لا يباغت المسلم من قبل الخصم شرعت صلاة الخوف بما يحقق الحذر من المفاجأة والمباغتة، وتعددت صورها في النصوص بما يسع الزمان والمكان، وذلك من مظاهر معجزات هذا الدين، فانسجام تكاليفه ومراعاته كل مصالح الإنسان الروحية والمادية، وإذا تأملت أقوال العلماء فيما ورد في صلاة الخوف تجد معجزة أخرى من معجزات الإسلام، وذلك أن القرآن الكريم تحدث في مقامين عن صلاة الخوف: المقام الأول: في سورة النساء وذلك في قوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ

كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} (1). ولقد أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم لصلاة الخوف سبع صيغ تحقق مقاصدها وقد أخذ بها جميعاً فقهاء الحنابلة لأنها بمجموعها تراعي الظروف التي يمكن أن تواجه المقاتل في عصر النبوة والعصور التي تشابهه في طرق القتال ووسائله. والمقام الآخر: الذي تحدث عنه القرآن عن صلاة الخوف هو ما ذكره في سورة البقرة، قال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} (2) أي صلوا مترجلين أو راكبين بالقدر الذي تستطيعون. ومن تأمل وسائل الحرب في عصرنا وجد أن تطبيق آية البقرة هو الذي يتلاءم مع ظروف الحرب في عصرنا. فالطيران والمدفعية والصواريخ لا تعطي مجالاً في عصرنا لصلاة الخوف كما وردت في سورة النساء، فإذا علمت أن أبا يوسف من فقهاء الحنفية قال: إن صلاة الخوف مشروعة في سورة النساء خاصة بعصر النبوة لأن الخطاب فيها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي خاصة به ولأن للصلاة وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم ميزة وفضلاً وأجراً لا ينالها الإنسان إلا بالصلاة وراءه، أما في غير عصر النبوة وما لم تكن الصلاة وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإمكان أني صلي المسلمون جماعات متعددة، ولم يوافق على اتجاه أبي يوسف بقية الأئمة ولكنا في عصرنا ندرك أهمية هذا القول حيث لا يمكن أن تتحقق صلاة الخوف كما وردت في سورة النساء على أرض الواقع. فوجود صيغة أخرى لصلاة الخوف في القرآن تسع زماننا، وشمولية النصوص بحيث راعت كل صورة محتملة تواجهها الأمة الإسلامية، واختلاف الأئمة بحيث رأى بعضهم كأبي يوسف خصوصية آيات سورة النساء في عصر النبوة، ووجود بعض الفقهاء الذين قالوا باستمرارية الأحكام التي وردت في سورة النساء بحيث طبقها المسلمون خلال عصور طويلة، حيث كانت وسائل القتال تشبه وسائل القتال في عصر النبوة حتى إذا جاء عصرنا الذي

_ (1) النساء: 102. (2) البقرة: 238.

أصبح انتشار الجندي فيه أثناء القتال قانوناً من قوانين الحرب الحديثة رأينا نص سورة البقرة الذي يسع هذا الوضع ورأينا كلام أبي يوسف في آيات سورة النساء، وذلك كله من معجزات هذا الدين الذي يسع الزمان والمكان، والتي كانت بعض نصوصه تؤدي إلى اختلاف أئمة الاجتهاد بما يسع الزمان والمكان، ومن ههنا تدرك ضيق أفق الذين يضيقون ذرعاً باختلاف أئمة الاجتهاد، فيجعلون ما هو ميزة لهذا الدين وكأنه وصمة عار على المقلدين للأئمة المجتهدين وها نحن بعد هذه المقدمة نستخلص لك عرضاً إجمالياً لصلاة الخوف.

عرض إجمالي

عرض إجمالي ثبتت صلاة الخوف في الكتاب والسنة، وصح أنه صلى الله عليه وسلم صلاها في أربعة مواضع في غزوة ذات الرقاع وبطن نخل وذي قرد وعسفان، وقد صلاها النبي صلى الله عليه وسلم أربعاً وعشرين مرة، وصلاها الصحابة من بعده عليه الصلاة والسلام. وجمهور الفقهاء على أن الكيفيات التي صلى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم تطبيقاً لآيات سورة النساء مشروعة بعده عليه الصلاة والسلام إلا ما كان من أبي يوسف كما رأينا. صلاة الخوف التي وردت في سورة النساء وتطبيقاتها في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم سببها الخوف من هجوم العدو وذلك لا يتحقق إلا في حالة حضور العدو. وصلاة الخوف كما وردت في سورة البقرة لا تختص بحالة القتال بل تجوز في كل خوف: كهرب من سيل أو حريق أو سبع أو جمل أو كلب ضار أو صائل أو لص أو حية ونحو ذلك ولم يجد معدلاً عنه سواء في ذلك السفر والحضر والبحر والبر، ومع أن أكثر الفقهاء على جواز صلاة الخوف كما وردت في سورة النساء وعلى جواز صلاتها بالكيفيات التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد اتفقوا على أنه يجوز للجيش أن يصلوا بإمامين، كل طائفة بإمام بدلاً من صلاة الخوف بإمام واحد كما ورد في آيات النساء، واتفق الفقهاء على أنه في اشتداد الخوف وتعذر الجماعة يجوز للجنود تطبيقاً لآية البقرة أن يصلوا فرادى وركباناً وراجلين، في مواقعهم وخنادقهم يومئون إيماء بالركوع والسجود إلى أي جهة فرضها عليهم القتال إلى القبلة أو إلى غيرها، وإن قدروا أن يبدؤوا بتكبيرة الإحرام وهم متوجهون إلى القبلة ثم يتوجهون حيث فرض عليهم القتال أن يتوجهوا يكون أحسن. أما صلاة الخوف كما وردت في سورة النساء فقد جاءت الأخبار بأنها على ستة عشر نوعاً، في صحيح مسلم بعضها ومعظمها في سنن أبي داود وفي صحيح ابن حبان منها تسعة، ففي كل مرة كان صلى الله عليه وسلم يفعل ما هو أحوط للصلاة وأبلغ في الحراسة، والمشهور من ذلك سبع كيفيات واختار الجمهور منها أقواها وأصحها لديهم وأجازها كلها الإمام أحمد. وإذ كانت هذه الكيفيات في حروب عصرنا غير عملية في الغالب فسنكتفي أثناء عرض

النصوص بذكر بعضها. ويسن للمصلي في الحرب ألا يتخلى عن سلاحه احتياطاً، والرخصة في وضع السلاح كائنة إذا كان ذلك لا يتنافى مع الحذر المطلوب. وأهم شيء في عصرنا بالنسبة لصلاة الخوف أن نعرف ما قاله الأئمة في التطبيقات العملية لآية البقرة في صلاة الخوف. قال الدكتور الزحيلي في كتاب "الفقه الإسلامي" وأدلته ما يلي عارضاً أقوال المذاهب الأربعة في صلاة الخوف حال شدة القتال وهي الصورة التي ذكرتها سورة البقرة. قال الحنفية: إن اشتد خوف العسكر بحيث لا يدعهم العدو يصلون وعجزوا عن النزول، صلوا ركباناً فرادى، لأنه لا يصح الاقتداء لاختلاف المكان بين الإمام والمأمومين، ويومئون بالركوع والسجود إلى أي جهة شاءوا، إذا لم يقدروا على التوجه إلى القبلة، لقوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا}، وسقط التوجه للقبلة للضرورة، كما سقطت أركان الصلاة. والسابح في البحر: إن أمكنه أن يرسل أعضاءه ساعة صلى بالإيماء، وإلا لا تصح صلاته، كصلاة الماشي والسائف، وهو يضرب بالسيف، فلا يصلي أحد حال المسايفة. وقال الجمهور: تجوز الصلاة إيماءً عند اشتداد الخوف وفي حال التحام القتال، وهي صلاة المسايفة. وعبارة المالكية: تجوز الصلاة عند اشتداد الخوف، وفي حال المسايفة أو مناشبة الحرب، في آخر الوقت المختار، إيماء بالركوع والسجود إن لم يمكنا، ويخفض للسجود أكثر من الركوع، فرادى (وحدانا)، بقدر الطاقة، مشاة وركباناً، وقوفاً أو ركضاً، مستقبلي القبلة وغير مستقبليها. فيحل للمصلي صلاة الالتحام للضرورة مشي وهرولة وجري وركض، وضرب وطعن للعدو، وكلام من تحذير وإغراء، وأمر ونهين وعدم توجه للقبلة، ومسك سلاح ملطخ

بالدم. فإن أمنوا في صلاة الالتحام أتموا صلاة أمن بركوع وسجود. وعبارة الشافعية: إذا التحم القتال أو اشتد الخوف يصلي كل واحد كيف أمكن راكباً وماشياً، ويومئ للركوع والسجود، إن عجز عنهما، والسجود أخفض. ويعذر في ترك القبلة، وكذا الأعمال الكثيرة لحاجة في الأصح، ولا يعذر في الصياح بل تبطل به الصلاة، ويلقي السلاح إذا دمي دماً لا يعفى عنه، حذراً من بطلان الصلاة، فإن احتاج إلى إمساكه بأن لم يكن له منه بد، أمسكه للحاجة. ولا قضاء للصلاة حينئذ في الأظهر. وله أن يصلي هذه الصلاة (أي شدة الخوف) حضراً وسفراً، في كل قتال وهزيمة مباحين وهرب من حريق وسيل وسبع وغريم عند الإعسار، وخوف حبسه. وعبارة الحنابلة: إذا كان الخوف شديداً، وهم في حال المسايفة، صلوا رجالاً وركباناً، إلى القبلة وإلى غيرها، يومئون إيماء بالركوع والسجود على قدر الطاقة، ويكون سجودهم أخفض من ركوعهم كالمريض، يبتدئون تكبيرة الإحرام إلى القبلة إن قدروا أو إلى غيرها. ويتقدمون ويتأخرون، ويضربون ويطعنون، ويكرون ويفرون، ولا يؤخرون الصلاة عن وقتها. ويصح أن يصلوا في حال شدة الخوف جماعة، بل تجب، رجالاً وركباناً، بشرط إمكان المتابعة، فإن لم تمكن لم تجب الجماعة ولا تنعقد. ولا يضر تأخر الإمام عن المأموم في شدة الخوف، للحاجة إليه. ولا يضر تلويث سلاحه بدم ولو كان كثيراً، وتبطل الصلاة بالصياح والكلام لعدم الحاجة إليه. وتجوز هذه الصلاة لمن هرب من عدوه هرباً مباحاً كخوف قتل أو أسر محرم بأن يكون الكفار أكثر من مثلي المسلمين، أو هرب من سيل أو سبع ونحوه، كنار أو غريم ظالم، أو خاف على نفسه أو أهله أو ماله من شيء مما سبق. (الفقه الإسلامي 2/ 442 - 444).

أقول: ومن ههنا نعرف أنه في حالة قيام المعركة يصلي الطيار والمقاتلون في الدبابات والمركبات والمشاة حيث أمكنهم بأي صورة قدروا عليها وإذا لم يكونوا على وضوء تيمموا وصلوا وفي الحرب الحديثة لا يستغني المقاتلون عن الاتصال بقياداتهم وخاصة الطيارون وقادة الدبابات ولا يستغنون عن الرد في أي لحظة يأتيهم خطاب، وبعض المقاتلين لا يستطيعون تأخير الكلام ولو لحظة كالقائمين على شؤون الرصد والرادارات وأمثال ذلك. وقد رأينا أن مذهب المالكية يجيز الكلام أثناء الصلاة لصالح المعركة. ومما مر نعرف أن النصوص التي ستمر معنا سيكون الكثير منها في التطبيقات العملية لآيات سورة النساء. وإلى نصوص هذه الفقرة:

نصوص في صلاة الخوف

نصوص في صلاة الخوف 2165 - * روى البخاري ومسلم عن سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في الخوف، فصفهم خلفه صفين، فصلى بالذين يلونه ركعة، ثم قام فلم يزل قائماً حتى صلى الذين خلفه ركعة، ثم تقدموا، وتأخر الذين كانوا قدامهم، فصلى بهم ركعة، ثم قعد حتى صلى الذين تخلفوا ركعة، ثم سلم. وفي رواية (1) عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف: "أن طائفة صفت معه، وطائفة وجاه العدو، فصلى بالتي معه ركعة، ثم ثبت قائماً، وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى، فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالساً، فأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم"، وفي رواية الموطأ (2) عن صالح "أن سهل بن أبي حثمة حدثه أن صلاة الخوف: أن يقوم الإمام ومعه طائفة من أصحابه، وطائفة مواجهة العدو، فيركع الإمام ركعة، ويسجد بالذين معه، ثم يقوم، فإذا استوى قائماً ثبت، وأتموا لأنفسهم الركعة الباقية، ثم يسلمون وينصرفون والإمام قائم، فيكونون وجاه العدو، ثم يقبل الآخرون الذين لم يصلوا، فيكبرون وراء الإمام، فيركع بهم ويسجد، ثم يسلم، فيقومون ويركعون لأنفسهم الركعة الباقية، ثم يسلمون". وفي رواية (3) الترمذي نحوه، وزاد في آخره، فهي له ثنتان، ولهم واحدة، وأخرج أبو داود (4) الأولى من روايتي البخاري ومسلم، ورواية الموطأ، وأخرج هو (5) والموطأ (6)

_ 2165 - البخاري (7/ 422) 64 - كتاب المغازي، 31 - باب غزوة ذات الرقاع. مسلم (1/ 575) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 57 - باب صلاة الخوف. (1) البخاري (7/ 421) 64 - كتاب المغازي، 31 - باب غزوة ذات الرقاع. (2) الموطأ (1/ 183، 184) 11 - كتاب صلاة الخوف، 1 - باب صلاة الخوف. (3) الترمذي (2/ 455) أبواب الصلاة، 398 - باب ما جاء في صلاة الخوف. (4) أبو داود (2/ 12، 13) كتاب الصلاة، باب من قال يقوم صف مع الإمام وصف وجاه العدو. (5) أبو داود (2/ 13) كتاب الصلاة، باب من قال إذا صلى ركعة وثبت قائماً أتموا لأنفسهم ركعة ثم سلموا ثم انصرفوا فكانوا وجاه العدو واختلف في السلام. (6) الموطأ (1/ 183) 11 - كتاب صلاة الخوف، 1 - باب صلاة الخوف. (وجاه) الإنسان- بضم الواو وكسرها- مقابله وتلقاؤه.

والنسائي (1) الرواية الثانية من روايتهما، وفي رواية للنسائي (2) قال: "يقوم الإمام مستقبل القبلة، وتقوم طائفة منهم معه، وطائفة قبل العدو، وجوههم إلى العدو، فيركع بهم ركعة، ويركعون لأنفسهم، ويسجدون سجدتين في مكانهم، ويذهبون إلى مقام أولئك، ويجيء أولئك، فيركع بهم ويسجد سجدتين، فهي له ثنتان، ولهم واحدة، ثم يركعون ركعة ويسجدون سجدتين" وله في أخرى (3) مختصرة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم ركعة، ثم ذهب هؤلاء، وجاء أولئك، فصلى بهم ركعة". 2166 - * روى مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: "شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، فصففنا صفين خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعدو بيننا وبين القبلة، فكبر النبي صلى الله عليه وسلم، وكبرنا جميعاً، ثم ركع وركعنا جميعاً، ثم رفع رأسه من الركوع، ورفعنا جميعاً، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه، وقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود، وقام الصف الذي يليه، انحدرا لصف المؤخر بالسجود وقاموا، ثم تقدم الصف المؤخر، وتأخر الصف المقدم، ثم ركع النبي صلى الله عليه وسلم وركعنا جميعاً، ثم رفع رأسه من الركوع، ورفعنا جميعاً، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخراً في الركعة الأولى، فقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود، والصف الذي يليه، انحدر الصف المؤخر بالسجود، فسجدوا، ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم وسلمنا جميعاً- قال جابر: كما يصنع حرسكم هؤلاء بأمرائهم وفي أخرى (4) له قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً مع جهينة، فقاتلونا قتالاً شديداً، فلما صلينا الظهر، قالوا: لو ملنا عليهم ميلة لاقتطعناهم، فأخبر جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وقالوا: إنهم ستأتيهم صلاة هي أحب إليهم من الأولاد، فلما حضرت

_ (1) النسائي (3/ 171) 18 - كتاب صلاة الخوف. (2) النسائي (3/ 178، 179) 18 - كتاب صلاة الخوف. (3) النسائي (3/ 171) 18 - كتاب صلاة الخوف. 2166 - مسلم (1/ 574، 575) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 57 - باب صلاة الخوف. (4) مسلم (1/ 575) في نفس الموضع السابق. (لاقتطعناهم) اقتطعت الشيء: إذا أخذته لنفسك جميعه واستأصلته، وهو افتعال من القطع.

العصر صففنا صفين، والمشركون بيننا وبين القبلة- ثم ذكره- إلى أن قال: كما يصلي أمراؤكم هؤلاء". وفي رواية النسائي (1) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم صلاة الخوف، فقام صف بين يديه، وصف خلفه، صلى بالذين خلفه ركعة وسجدتين، ثم تقدم هؤلاء حتى قاموا في مقام أصحابهم وجاء أولئك فقاموا مقام هؤلاء فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة وسجدتين، ثم سلم، فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم ركعتان، ولهم ركعة ركعة". وله في أخرى (2) بنحو رواية مسلم الأول من أفراده، وله في أخرى (3) "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بطائفة من أصحابه ركعتين، ثم سلم، ثم صلى بأخرى ركعتين، ثم سلم" وله في أخرى (4) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه صلاة الخوف، فصلت طائفة معه، وطائفة وجوههم قبل العدو، فصلى بهم ركعتين، ثم قاموا مقام الآخرين، وجاء الآخرون فصلى بهم ركعتين، ثم سلم". (كما يصنع حرسكم هؤلاء بأمرائهم): يفهم من هذا أن حراس الأمراء في زمن بني أمية كانوا يصلون الجماعة وراء أمرائهم إلا أنهم كانوا يؤدونها على صورة من صور الخوف. 2167 - * روى أبو داود عن أبي عباس الزرقي رضي الله عنه قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان، وعلى المشركين خالد بن الوليد، فصلينا الظهر، فقال المشركون: لقد أصبنا غفلة، لو كنا حملنا عليهم وهم في الصلاة؟ فنزلت آية القصر بين الظهر والعصر، فلما حضرت العصر قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة، والمشركون أمامه، فصف خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم صف، وصُف بعد ذلك الصف صف آخر، فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وركعوا جميعاً، وسجد وسجد الصف الذي يليه، وقام الآخرون يحرسونهم، فلما صلى هؤلاء

_ (1) النسائي (3/ 174) 18 - كتاب صلاة الخوف. (2) النسائي (3/ 176) في نفس الموضع السابق. (3) النسائي (3/ 178) في نفس الموضع السابق. (4) النسائي (3/ 178) في نفس الموضع السابق. 2167 - أبو داود (2/ 11، 12) كتاب الصلاة، باب صلاة الخوف. حديث صحيح.

السجدتين وقاموا، سجد الآخرون الذين كانوا خلفهم، ثم تأخر الصف الذي يليه إلى مقام الآخرين، وتقدم الصف الآخر إلى مقام الصف الأول، ثم ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم وركعوا جميعاً، ثم سجد، وسجد الصف الذي يليه، ثم قام الآخرون يحرسونهم، فلما جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم والصف الذي يليه، سجد الآخرون، ثم جلسوا جميعاً، فسلم عليهم جميعاً". وللنسائي (1) فقال المشركون: لقد أصبنا منهم غفلة، فنزلت صلاة الخوف ما بين الظهر والعصر، فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر، ففرقنا فرقتين: فرقة تصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، وفرقة يحرسونهم، ثم ركع وركع هؤلاء وأولئك، ثم سجد الذين يلونه، وتأخر هؤلاء الذين يلونه، وتقدم الآخرون فسجدوا، ثم قام فركع بهم جميعاً الثانية بالذين يلونه والذين يحرسونهم، ثم سجد بالذين يلونه، ثم تأخروا، وقاموا في مصاف أصحابهم، وتقدم الآخرون فسجدوا، ثم سلم عليهم، فكانت لكلهم ركعتان ركعتان مع إمامهم". 2168 - * روى مسلم عن- عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة". أقول: هذه صورة من صور صلاة الخوف أخذ بها الإمام أحمد ومنعها بقية الأئمة وتأولوها على غير ظاهرها، فهي على ظاهرها تفيد أن الإمام يصلي ركعتين وكل طائفة تصلي ركعة واحدة مع الإمام ثم تسلم، قال (النووي 5/ 197): هذا الحديث قد عمل بظاهره طائفة من السلف منهم الحسن والضحاك وإسحق بن راهويه وقال الشافعي ومالك والجمهور إن صلاة الخوف كصلاة الأمن في عدد الركعات فإن كانت في الحضر وجب أربع ركعات وإن كانت في السفر وجب ركعتان ولا يجوز الاقتصار على ركعة واحدة في حال من الأحوال وتأولوا حديث ابن عباس هذا على أن المراد ركعة مع الإمام وركعة أخرى يأتي بها

_ (1) النسائي (3/ 177، 178) 18 - كتاب صلاة الخوف، صلاة الخوف. (مصاف) العدو: أي صفوفه مقابل صفوفهم، والمصاف: جمع مصف، وهو موضع الحرب. 2168 - مسلم (1/ 479) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 1 - باب صلاة المسافرين وقصرها. أبو داود (2/ 17) كتاب الصلاة، باب من قال يصلي بكل طائفة ركعة ولا يقضون. النسائي (3/ 169) 18 - كتاب صلاة الخوف. ابن خزيمة (2/ 294) صلاة الخوف، 612 - باب صلاة الإمام في شدة الخوف ... إلخ.

منفرداً كما جاءت الأحاديث الصحيحة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الخوف وهذا التأويل لابد منه للجمع بين الأدلة والله أعلم. 2169 - * روى الشيخان عن- عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف: بإحدى الطائفتين ركعة، والطائفة الأخرى مواجهة العدو، ثم انصرفوا، وقاموا في مقام أصحابهم، مقبلين على العدو، وجاء أولئك، ثم صلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم ركعة، ثم قضى هؤلاء ركعة، وهؤلاء ركعة" وفي رواية (1) قال: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف في بعض أيامه، فقامت طائفة معه، وطائفة بإزاء العدو، فصلى بالذين معه ركعة، وجاء الآخرون فصلى بهم ركعة، ثم قضت الطائفتان ركعة ركعة قال: وقال ابن عمر: إذا كان الخوف أكثر من ذلك صلى راكباً وقائماً يومئ إيماءً". وللبخاري (2) عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر نحواً من قول مجاهد: "إذا اختلطوا قياماً" كذا قال، وزاد عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم "وإن كانوا أكثر من ذلك صلوا قياماً وركباناً" وللبخاري (3) أن ابن عمر "كان إذا سئل عن صلاة الخوف؟ قال: يتقدم الإمام وطائفة من الناس، فيصلي بهم الإمام ركعة، وتقوم طائفة منهم بينه وبين العدو لم يصلوا، فإذا صلى الذين معه ركعة استأخروا مكان الذين لم يصلوا، ولا يسلمون، ويتقدم الذين لم يصلوا فيصلون معه ركعة، ثم ينصرف الإمام وقد صلى ركعتين، فيقوم كل واحد من الطائفتين فيصلون لأنفسهم ركعة بعد أن ينصرف الإمام، فيكون كل واحد من الطائفتين قد صلوا ركعتين، فإن كان خوف هو أشد من ذلك صلوا رجالاً: قياماً على أقدامهم وركباناً، مستقبلي القبلة وغير مستقبليها" قال مالك: قال نافع: ولا أرى ابن عمر ذكر ذلك إلا عن النبي.

_ 2169 - البخاري (7/ 422) 64 - كتاب المغازي، 31 - باب غزوة ذات الرقاع. مسلم (1/ 574) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 57 - باب صلاة الخوف. (1) مسلم، الموضع السابق. (2) البخاري (2/ 431) 12 - كتاب الخوف، 1 - باب صلاة الخوف. (3) البخاري (8/ 199) 65 - كتاب التفسير، 43 - باب {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}. (رجالاً وركباناً) الرجال: جمع راجل، والركبان: جمع راكب.

2170 - * روى البخاري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "قام النبي صلى الله عليه وسلم، وقام الناس معه "فكبر وكبروا معه، وركع وركع ناس معه، ثم سجد وسجدوا معه، ثم قام للثانية، فقام الذين سجدوا وحرسوا إخوانهم، وأتت الطائفة الأخرى، فركعوا وسجدوا معه والناس كلهم في الصلاة، ولكن يحرس بعضهم بعضاً"، وفي أخرى (1) للنسائي قال: "ما كانت صلاة الخوف إلا سجدتين، كصلاة حراسكم هؤلاء اليوم خلف أئمتكم هؤلاء، إلا أنها كانت عقباً، قامت طائفة منهم وهم جميعاً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسجدت معه طائفة، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاموا معه جميعاً، ثم ركع وركعوا معه، ثم سجد فسجدوا معه الذين كانوا قياماً أول مرة، فلما جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين سجدوا معه في آخر صلاتهم، سجد الذين كانوا قياماً لأنفسهم، ثم جلسوا، فجمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتسليم" وله في أخرى (2) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بذي قرد، فصف الناس خلفه صفين: صفاً خلفه، وصفاً موازي العدو، فصلى بالذين خلفه ركعة، ثم انصرف هؤلاء إلى مكان هؤلاء، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ولم يقضوا". 2171 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل بين ضجنان وعسفان، فقال المشركون: لهؤلاء صلاة هي أحب إليهم من آبائهم وأبنائهم، وهي العصر، فأجمعوا أمركم فميلوا عليهم ميلة واحدة، وأن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يقسم أصحابه شطرين فيصلي بهم، وتقوم طائفة أخرى وراءهم، وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم، ثم يأتي الآخرون ويصلون معه ركعة واحدة، ثم يأخذ هؤلاء حذرهم وأسلحتهم فتكون

_ 2170 - البخاري (2/ 433) 12 - كتاب الخوف، 3 - باب يحرس بعضهم بعضاً في صلاة الخوف. النسائي (3/ 169، 170) 18 - كتاب صلاة الخوف. (1) النسائي، الموضع السابق ص 170. (2) النسائي، الموضع السابق ص 169. (عقباً) غزا الجيش عقباً: إذا خرجت منه طائفة، فأقامت في الغزو مدة، ثم جاءت أخرى عوضها، عادت الأولى، وأقامت الثانية، فهم يتعاقبون طائفة بعد طائفة. 2171 - الترمذي (5/ 243) 48 - كتاب التفسير، 5 - باب "ومن سورة النساء". النسائي (3/ 174) 18 - كتاب صلاة الخوف، وزاد فيه بعد قوله: "وعسفان": "محاصر المشركين" وقال فيه: "من أبنائهم وأبكارهم".

لهم ركعة ركعة، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان". وفي رواية (1) أبي داود عن عروة بن الزبير "أن مروان سأل أبا هريرة قال: هل صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ قال أبو هريرة: نعم، فقال مروان: متى؟ قال أبو هريرة: عام غزوة نجد، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صلاة العصر، فقامت معه طائفة، وطائفة أخرى مقابلو العدو، ظهورهم إلى القبلة، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبروا جميعاً: الذين معه، والذين مقابلو العدو، ثم ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة واحدة، وركعت الطائفة التي معه، ثم سجد فسجدت الطائفة التي تليه، والآخرون قيام مقابلي العدو، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقامت الطائفة التي معه، فذهبوا على العدو فقابلوهم، وأقبلت الطائفة التي كانت مقابلي العدو فركعوا وسجدوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم كما هو، ثم قاموا، فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة أخرى وركعوا معه، وسجد وسجدوا معه، ثم أقبلت الطائفة التي كانت مقابلي العدو فركعوا وسجدوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد ومن معه، ثم كان السلام، فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسلموا جميعاً، فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان، ولكل رجل من الطائفتين ركعة" وفي أخرى (2) له قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجد، حتى إذا كنا بذات الرقاع من نخل لقي جمعاً من غطفان ... فذكر معناه. وأخرج النسائي (3) رواية أبي داود، وقال في آخره: "ولكل واحدة من الطائفتين ركعتان ركعتان". أقول: المذاهب الثلاثة ما عدا الحنابلة تفهم النصوص التي ذكرت الركعة الواحدة على أنها ركعة مع الإمام وركعة أخرى صلتها منفردة، فالصلاة لم تنقص عن ركعتين وهي صلاة المسافر إلا في المغرب فإنها ثلاث.

_ (1) أبو داود (2/ 14) كتاب الصلاة، باب من قال يكبرون جميعاً. (2) أبو داود، الموضع السابق ص 14، 15، وقال أبو داود: ولقطة غير لقط حيوة بن شريح، وقال فيه: "حتى ركع بمن معه وسجد، قال: فلما قاموا مشوا القهقرى إلى مصاف أصحابهم" ولم يذكر استدبار القبلة. (3) النسائي (3/ 173، 174) 18 - كتاب صلاة الخوف. وهو حديث صحيح وقال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب.

2172 - * روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبرت الطائفة الذين صفوا معه، ثم ركع فركعوا، ثم سجد فسجدوا، ثم رفع فرفعوا، ثم مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً، ثم سجد هؤلاء لأنفسهم الثانية، ثم قاموا فنكصوا على أعقابهم يمشون القهقرى، حتى قاموا من ورائهم، وجاءت الطائفة الأخرى، فقاموا فكبروا، ثم ركعوا لأنفسهم، ثم سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسجدوا معه، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجدوا لأنفسهم الثانية، ثم قامت الطائفتان جميعاً فصلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فركع وركعوا، ثم سجد فسجدوا جميعاً، ثم عاد فسجد الثانية، فسجدوا معه سريعاً كأسرع الأسراع جاهداً، لا يألون سراعاً، ثم سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شاركه الناس في الصلاة كلها". 2173 - * روى أبو داود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، فقاموا صفين: قام صف خلف النبي صلى الله عليه وسلم وصف مستقبل العدو، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة، وجاء الآخرون فقاموا مقامهم، واستقبل هؤلاء، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة، ثم سلم، فقام هؤلاء فصلوا لأنفسهم ركعة، ثم سلموا، ثم ذهبوا فقاموا مقام أولئك مستقبلي العدو، ورجع أولئك إلى مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعة، ثم سلموا". وفي رواية (3) بمعناه قال: "فكبر نبي الله صلى الله عليه وسلم وكبر الصفان جميعاً". قال أبو داود (4) "وصلى عبد الرحمن بن سمرة هكذا، إلا أن الطائفة التي صلى بهم ركعة ثم سلم، مضوا إلى مقام أصحابهم، وجاء هؤلاء فصلوا لنفسهم ركعة، ثم رجعوا إلى مقام أولئك مستقبلي العدو، ورجع أولئك إلى مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا قال أبو داود: حدثنا بذلك مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا عبد الصمد بن حبيب قال:

_ 2172 - أبو داود (2/ 15) كتاب الصلاة، باب من قال يكبرون جميعاً، وإن كانوا مستدبري القبلة وإسناده حسن. (لا يألون) يفعلون كذا: أي لا يقصرون. 2173 - أبو داود (2/ 16) كتاب الصلاة، باب من قال يصلي بكل طائفة ركعة ثم يسلم. (1) أبو داود (2/ 16) في نفس الموضع السابق. (2) أبو داود (2/ 16) في نفس الموضع السابق. وإسناده حسن.

أخبرني أبي أنهم غزوا مع عبد الرحمن بن سمرة كابل فصلى بنا صلاة الخوف". 2174 - * روى أبو داود عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في خوف الظهر، فصف بعضهم خلفه، وبعضهم بإزاء العدو، فصلى ركعتين، ثم سلم، فانطلق الذين صلوا معه فوقفوا موقف أصحابهم، ثم جاء أولئك فصلوا خلفه، فصلى بهم ركعتين، ثم سلم، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربعاً، ولأصحابه ركعتين ركعتين" وبذلك كان يفتي الحسن. قال أبو داود: وكذلك في المغرب يكون للإمام ست ركعات، وللقوم ثلاث. قال أبو داود: وكذلك رواه يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي أخرى (1) للنسائي "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بالقوم في الخوف ركعتين ثم سلم، ثم صلى بالقوم الآخرين ركعتين، ثم سلم، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم أربعاً". 2175 - * روى أبو داود عن عبد الله بن أنيس رضي الله عنه قال: "بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خالد بن سفيان الهذلي، وكان نحو عرنة وعرفات، قال: اذهب فاقتله، فرأيته وحضرت صلاة العصر، فقلت: إني لأخاف أن يكون بيني وبينه ما يؤخر الصلاة، فانطلقت أمشي وأنا أصلي، أومئ إيماءً نحوه، فلما دنوت منه قال لي: من أنت؟ قلت: رجل من العرب، بلغني أنك تجمع لهذا الرجل، فجئتك في ذاك، قال: إني لفي ذاك، قال: فمشيت معه ساعة، حتى إذا أمكنني علوته بسيفي حتى برد". أقول: لقد صلى عبد الله بن أنيس هذه الصلاة لأنه لو صلى الصلاة العادية لكشف أمره وحيل بينه وبين تنفيذ المهمة التي كلفه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يأخذ العدو منه حذره، فتفوت عليه المفاجأة، وفي ذلك محل تأمل للذين يفتون في عصرنا للبحث عن تطبيقات مماثلة قد يضطر إليها المسلمون في صراعهم الحالي في عالم معقد.

_ (كابل): هي عاصمة أفغانستان حالياً. 2174 - أبو داود (2/ 17) كتاب الصلاة، باب من قال يصلي بكل طائفة ركعة ولا يقضون. النسائي (3/ 179) 18 - كتاب صلاة الخوف. (1) النسائي (3/ 178) في نفس الموضع السابق. وهو حسن بشواهده. 2175 - أبو داود (2/ 18) كتاب الصلاة، باب صلاة الطالب.

2176 - * روى أبو داود عن ثعلبة بن زهدم قال: "كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان، فقام فقال: أيكم صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ فقال حذيفة: أنا، فصلى بهؤلاء ركعة، وبهؤلاء ركعة، ولم يقضوا". قال أبو داود: وروى بعضهم "أنهم قضوا ركعة أخرى". وفي رواية النسائي (1) "فقال حذيفة: أنا، فوصف فقال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بطائفة ركعة، صف خلفه، وطائفة أخرى بينه وبين العدو، وصلى بالطائفة التي تليه ركعة، ثم نكص هؤلاء إلى مصاف هؤلاء، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة" وفي أخرى له "فقال حذيفة: أنا، فقام حذيفة وصف الناس خلفه صفين: صفاً خلفه، وصفاً موازي العدو، فصلى بالذي خلفه ركعة، ثم انصرف هؤلاء إلى مكان هؤلاء، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ولم يقضوا". (طبرستان) ينسب إلى هذا الموضع الإمام أبو جعفر ابن جرير الطبري، صاحب التفسير المشهور، وطبرستان بلدان كثيرة واسعة يشملها هذا الاسم، خرج من نواحيها من لا يحصى كثرة من أهل العلم والأدب والفقه، والغالب على هذه النواحي الجبال، فمن أعيان بلدانها: دهستان، وجرجان، واسترباذ، وآمل، والإمام الطبراني نسبة إلى طبرية: من أعمال الأردن. 2177 - * روى الطبراني عن أبي العالية الرياحي أن أبا موسى كان بالدار من أصبهان وما بهم يومئذ كبير خوف ولكن أحب أن يعلمهم دينهم وسُنَّة نبيهم فجعلهم صفين طائفة معها السلاح مقبلة على عدوها وطائفة من ورائها فصلى بالذين يلونه ركعة ثم نكصوا على أدبارهم حتى قاموا مقام الآخرين يتخللونهم حتى قاموا وراءه فصلى بهم ركعة أخرى ثم سلم فقام الذين يلونه والآخرون فصلوا ركعة ركعة ثم سلم بعضهم على بعض فتمت للإمام ركعتين وللناس ركعة ركعة. وننقل لك فيما يلي تلخيصاً إجمالياً من كلام الإمام النووي رحمه الله إذ يقول في باب

_ 2176 - أبو داود (2/ 16، 17) كتاب الصلاة، باب من قال يصلي بكل طائفة ركعة ولا يقضون. النسائي (3/ 168) 18 - كتاب صلاة الخوف. (1) النسائي (3/ 168) في نفس الموضع السابق- وهو حديث صحيح. (فنكص) نكص على عقبيه: إذا رجع إلى ورائه. 2177 - مجمع الزوائد (2/ 197) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط بنحوه ورجال الكبير رجال الصحيح.

صلاة الخوف في شرحه على صحيح مسلم (6/ 124 - 126): ذكر مسلم رحمه الله في الباب أربعة أحاديث أحدها حديث ابن عمر "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بإحدى الطائفتين ركعة والأخرى مواجهة للعدو ثم انصرفوا فقاموا مقام أصحابهم وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ثم سلم فقضى هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة" وبهذا الحديث أخذ الأوزاعي وأشهب مالكي وهو جائز عند الشافعي ثم قيل إن الطائفتين قضوا ركعتهم الباقية معاً وقيل متفرقين وهو الصحيح. الثاني حديث ابن أبي حثمة بنحوه إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالطائفة ركعة وثبت قائماً فأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو وجاء الآخرون فصلى بهم ركعة ثم ثبت جالساً حتى أتموا ركعتهم ثم سلم بهم وبهذا أخذ مالك والشافعي وأبو ثور وغيرهم وذكر عنه أبو داود في سننه صفة أخرى أنه صفهم صفين فصلى بمن يليه ركعة ثم ثبت قائماً حتى صلى الذين خلفه ركعة ثم تقدموا وتأخر الذين كانوا قدامهم فصلى بهم ركعة ثم قعد حتى صلى الذين تخلفوا ركعة ثم سلم. وفي رواية سلم بهم جميعاً. الحديث الثالث حديث جابر "أن النبي صلى الله عليه وسلم صفهم صفين خلفه والعدو بينهم وبين القبلة وركع بالجميع وسجد معه الصف المؤخر وقاموا ثم تقدموا وتأخر الذي يليه وقام المؤخر في نحر العدو فلما قضى السجود سجد الصف المقدم وذكر في الركعة الثانية نحوه وحديث ابن عباس نحو حديث جابر لكن ليس فيه تقدم الصف وتأخر الآخر وبهذا الحديث قال الشافعي وابن أبي ليلى وأبو يوسف: إذا كان العدو في جهة القبلة ويجوز عند الشافعي تقدم الصف الثاني وتأخر الأول كما في رواية جابر ويجوز بقائهما على حالهما كما هو ظاهر حديث ابن عباس. الحديث الرابع حديث جابر "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بكل طائفة ركعتين" وفي سنن أبي داود وغيره من رواية أبي بكرة أنه صلى بكل طائفة ركعتين وسلم فكانت الطائفة الثانية مفترضين خلف متنفل وبهذا قال الشافعي وحكوه عن الحسن البصري وادعى الطحاوي أنه منسوخ ولا تقبل دعواه إذ لا دليل لنسخه فهذه ستة أوجه في صلاة الخوف وروى ابن مسعود وأبو هريرة وجهاً سابعاً أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بطائفة ركعة وانصرفوا ولم يسلموا ووقفوا بإزاء العدو وجاء الآخرون فصلى بهم ركعة ثم سلم فقضى هؤلاء ركعتهم ثم سلموا وذهبوا فقاموا مقام أولئك ورجع أولئك فصلوا لنفسهم ركعة ثم سلم وبهذا أخذ أبو حنيفة وقد روى أبو داود وغيره وجوهاً

فائدة

أخرى في صلاة الخوف بحيث يبلغ مجموعها ستة عشر وجهاً وذكر ابن القصار المالكي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها في عشرة مواطن والمختار أن هذه الأوجه كلها جائزة بحسب مواطنها وفيها تفصيل وتفريع مشهور في كتب الفقه قال الخطابي صلاة الخوف أنواع صلاها النبي صلى الله عليه وسلم في أيام مختلفة وأشكال متباينة يتحرى في كلها ما هو أحوط للصلاة وأبلغ في الحراسة فهي على اختلاف صورها متفقة المعنى ثم مذهب العلماء كافة أن صلاة الخوف مشروعة اليوم كما كانت إلا أبا يوسف والمزني فقالا: لا تشرع بعد النبي صلى الله عليه وسلم لقول الله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} واحتج الجمهور بأن الصحابة لم يزالوا على فعلها بعد النبي صلى الله عليه وسلم وليس المراد بالآية تخصيصه صلى الله عليه وسلم وقد ثبت قوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي". ا. هـ. فائدة: من خاف من عدو بحيث إذا قام رآه العدو صلى قاعداً ولا إعادة عليه، وهذا ينطبق على حالة الحرب وعلى حالات تقتضيها الحرب كحالة الكمين، وحالات الاستخفاء في الخنادق، ومن الصور التي ذكرها الحنابلة التي تجيز الصلاة قاعداً قصر سقف لعاجز عن خروج، ومن مظاهر ذلك في الحرب أن يكون الإنسان في ملجأ بسبب قصف صاروخي أو مدفعي وكان سقف الملجأ منخفضاً.

وصل: في ما حدث من جمع الصلوات يوم الخندق وقريظة وما يمكن أن يبنى عليه

وصل: في ما حدث من جمع الصلوات يوم الخندق وقريظة وما يمكن أن يبنى عليه لقد جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين صلاتين يوم الخندق على رواية وبين أكثر من صلاتين في روايات أخرى، والاتجاه الأقوى عند العلماء أن الجمع بين عدة صلوات بسبب الحرب منسوخ بصلاة الخوف في قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} (1) ووجد من يقول بعدم النسخ ثم إنه في المسير إلى بني قريظة جمع بعض الصحابة في روايات صحيحة بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء مما استفاد منه بعضهم أنه كما يجمع بسبب القتال المباشر بين عدة صلوات فإنه يجمع بسبب ما تتطلبه مصلحة الحرب من سرعة حركة وانتقال ومباغتة بين عدة صلوات، فما تقتضيه مصلحة الحرب له حكم الحرب. وفي عصرنا فإن لهذا الموضوع أهمية خاصة، ولذلك فإننا ننقل ما ورد في الجمع بين الصلاة يوم الأحزاب وتعليق صاحب نيل الأوطار عليه ثم ننقل بعض روايات البخاري لحادثة جمع الصلاة بسبب المسير إلى بني قريظة وتعليق ابن حجر عليه ثم نعلق على الحادثتين ملاحظين وضع المسلمين في عصرنا. أولاً: حادثة الخندق: 2178 - * روى الشيخان عن جابر بن عبد الله "أن عمر جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس فجعل يسب كفار قريش وقال: يا رسول الله: ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم "والله ما صليتها" فتوضأ وتوضأنا فصلى العصر بعد ما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب". قال الشوكاني في نيل الأوطار: والحديث يدل على وجوب قضاء الصلاة المتروكة لعذر

_ (1) البقرة: 239. 2178 - البخاري (2/ 434) 12 - كتاب الخوف، 4 - باب الصلاة عند مناهضة الحصون. مسلم (1/ 438) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 36 - باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر.

الاشتغال بالقتال وقد وقع الخلاف في سبب ترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه لهذه الصلاة فقيل تركوها نسياناً وقيل شغلوا فلم يتمكنوا وهو الأقرب كما قال الحافظ: وفي سنن النسائي عن أبي سعيد أن ذلك قبل أن ينزل الله في صلاة الخوف: {فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} وقد استدل بهذا الحديث على وجوب الترتيب بين الفوائت المقضية والمؤداة فأبو حنيفة ومالك والليث والزهري والنخعي وربيعة قالوا بوجوب تقديم الفائتة على خلاف بينهم وقال الشافعي والهادي والقاسم لا يجب ولا ينتهض استدلال الموجبين بالحديث للمطلوب لأن الفعل بمجرده لا يدل على الوجوب قال الحافظ إلا أن يستدل بعموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم "صلوا كما رأيتموني أصلي" فيقوى قال وقد اعتبر ذلك الشافعية في أشياء غير هذه انتهى. 2179 - * روى أحمد عن أبي سعيد قال "حبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان بعد المغرب يهوي من الليل كفينا وذلك قول الله عز وجل {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} (1) قال فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً فأقام الظهر فصلاها فأحسن صلاتها كما كان يصليها في وقتها ثم أمره فأقام العصر فصلاها فأحسن صلاتها كما كان يصليها في وقتها ثم أمره فأقام المغرب فصلاها كذلك قال وذلك قبل أن ينزل الله عز وجل في صلاة الخوف {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} ". 2180 - * روى الترمذي عن عبد الله بن مسعود بلفظ "أن المشركين شغلوا رسول الله

_ 2179 - أحمد (3/ 49). (1) الأحزاب: 25. النسائي (2/ 17) 7 - كتاب الأذان، 21 - الأذان للغائب من الصلوات. ابن خزيمة (2/ 99) 397 - باب ذكر فوت الصلوات والسنة في قضائها. ابن حبان (4/ 241) ذكر البيان بأن المرء إذا أخر الصلاة في الحال التي وصفناها له بعد ذلك أن يؤدي الصلوات على غير المثال الذي وصفناه. وصححه ابن السكن، ورجال إسناد الحديث رجال الصحيح. 2180 - الترمذي (1/ 337) أبواب الصلاة، 19 - ما جاء في الرجل تفوته الصلوات بأيتهن يبدأ. النسائي (2/ 17، 18) 7 - كتاب الأذان، 22 - الاجتزاء لذلك كله بأذان واحد. إلخ.

ثانيا: حادثة بني قريظة

صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق" وساقا نحو الحديث. قال صاحب نيل الأوطار: قوله "يهوي" الهوي بفتح الهاء وكسر الواو وبياء مشددة السقوط والمراد بعد دخول طائفة من الليل والحديث يدل على وجوب قضاء الصلاة المتروكة لعذر الاشتغال بحرب الكفار ونحوهم لكن إنما كان هذا قبل شرعية صلاة الخوف كما في آخر الحديث والواجب بعد شرعيتها على من حبس بحرب العدو أن يفعلها: وقد ذهب الجمهور إلى أن هذا منسوخ بصلاة الخوف وذهب مكحول وغيره من الشاميين إلى جواز تأخير صلاة الخوف إذا لم يتمكن من أدائها والصحيح الأول لما في آخر هذا الحديث، والحديث مصرح بأنها فائتة صلاة الظهر والعصر وحديث جابر المتقدم مصرح بأنها العصر وحديث عبد الله ابن مسعود مصرح بأنها أربع صلوات فمن الناس من اعتمد الجمع فقال إن وقعة الخندق بقيت أياماً فكان في بعض الأيام الفائت العصر فقط وفي بعضها الفائت العصر والظهر وفي بعضها الفائت أربع صلوات ذكره النووي وغيره: ومن الناس من اعتمد الترجيح فقال إن الصلاة التي شغل عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واحدة وهي العصر ترجيحاً لما في الصحيحين على ما في غيرهما ذكره أبو بكر بن العربي قال ابن سيد الناس والجمع أرجح لأن حديث أبي سعيد رواه الطحاوي عن المزني عن الشافعي حدثنا ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه قال وهذا إسناد صحيح جليل انتهى. ثانياً: حادثة بني قريظة: 2181 - * روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت "لما رجع النبي من الخندق ووضع السلاح واغتسل، أتاه جبريل عليه السلام فقال: قد وضعت السلاح، والله ما وضعناه، فاخرج إليهم. قال: فإلى أين؟ قال: ها هنا. وأشار إلى قريظة، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم غليهم".

_ (1) الموطأ (1/ 184، 185) 11 - كتاب صلاة الخوف، 1 - باب صلاة الخوف. 2181 - البخاري (7/ 407) 64 - كتاب المغازي، 30 - باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب.

2182 - * روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال "كأني أنظر إلى الغبار ساطعاً في زقاق بني غنم، موكب جبريل حين سار رسول الله صلى الله عليه وسلم بني قريظة". 2183 - * روى البخاري عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال "قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة"، فأدرك بعضهم العصر في الطريق فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيهم، وقال بعضهم: بل نصلي، لم يرد منا ذلك. فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحداً منهم". قال الحافظ في "الفتح": (لا يصلين أحد العصر) كذا وقع في جميع النسخ عند البخاري، ووقع في جميع النسخ عند مسلم "الظهر" مع اتفاق البخاري ومسلم على روايته عن شيخ واحد بإسناد واحد، وقد وافق مسلماً أبو يعلى وآخرون، وكذلك أخرجه ابن سعد عن أبي عتبان مالك بن إسماعيل عن جويرية بلفظ "الظهر" وابن حبان من طريق أبي عتبان كذلك. قال السهيلي وغيره: في هذا الحديث من الفقه أنه لا يعاب على من أخذ بظاهر حديث أو آية، ولا على من استنبط من النص معنى يخصصه. وفيه أن كل مختلفين في الفروع من المجتهدين مصيب، قال السهيلي: ولا يستحيل أن يكون الشيء صواباً في حق إنسان وخطأ في حق غيره وإنما المحال أن يحكم في النازلة بحكمين متضادين في حق شخص واحد، قال: والأصل في ذلك أن الحظر والإباحة صفات أحكام لا أعيان قال: فكل مجتهد وافق اجتهاده وجهاً من التأويل فهو مصيب انتهى. والمشهور أن الجمهور ذهبوا إلى أن المصيب في القطعيات واحد، وخالف الجاحظ والعنبري. وأما ما لا قطع فيه فقال الجمهور أيضاً: المصيب واحد وقد ذكر ذلك الشافعي وقرره، ونقل عن الأشعري أن كل مجتهد مصيب، وأن حكم الله تابع لظن المجتهد. وقال بعض الحنفية وبعض الشافعية: هو مصيب باجتهاده، وإن لم يصب ما في نفس الأمر فهو مخطئ وله أجر واحد.

_ 2182 - البخاري، الموضع السابق. 2183 - البخاري، (2/ 436) 12 - كتاب الخوف، 5 - باب صلاة الطالب والمطلوب.

ثم الاستدلال بهذه القصة على أن كل مجتهد مصيب على الإطلاق ليس بواضح وإنما فيه ترك تعنيف من بذل وسعه واجتهد، فيستفاد منه عدم تأثيمه وحاصل ما وقع في القصة أن بعض الصحابة حملوا النهي على حقيقته، ولم يبالوا بخروج الوقت ترجيحاً للنهي الثاني على النهي الأول وهو ترك تأخير الصلاة عن وقتها، واستدلوا بجواز التأخير لمن اشتغل بأمر الحرب بنظير ما وقع في تلك الأيام بالخندق فقد تقدم حديث جابر المصرح بأنهم صلوا العصر بعد ما غربت الشمس وذلك لشغلهم بأمر الحرب، فجوزوا أن يكون ذلك عاماً في كل شغل يتعلق بأمر الحرب ولا سيما والزمان زمان التشريع، والبعض الآخر حملوا النهي على غير الحقيقة وأنه كناية عن الحث والاستعجال والإسراع إلى بني قريظة، وقد استدل به الجمهور على عدم تأثيم من اجتهد لأنه صلى الله عليه وسلم لم يعنف أحداً من الطائفتين، فلو كان هناك إثم لعنف من أثم، واستدل به ابن حبان على أن تارك الصلاة حتى يخرج وقتها لا يكفر، وفيه نظر لا يخفى. واستدل به غيره على جواز الصلاة على الدواب في شدة الخوف، وفيه نظر قد أوضحته في باب صلاة الخوف. وعلى ان الذي يتعمد تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها يقضيها بعد ذلك لأن الذين لم يصلوا العصر صلوها بعد ذلك كما وقع عند ابن إسحق أنهم صلوها في وقت العشاء، وعند موسى بن عقبة أنهم صلوها بعد أن غابت الشمس، وكذا في حديث كعب بن مالك، وفيه نظر أيضاً لأنهم لم يؤخروها إلا لعذر تأولوه، والنزاع إنما هو فيمن أخر عمداً بغير تأويل، وأغرب ابن المنير فادعى أن الطائفة الذين صلوا العصر لما أدركتهم في الطريق إنما صلوها وهم على الدواب، واستند إلى أن النزول إلى الصلاة ينافي مقصود الإسراع في الوصول، قال: فإن الذين لم يصلوا عمدوا بالدليل الخاص وهو الأمر بالإسراع فترك عموم إيقاع العصر في وقتها إلى أن فات، والذين صلوا جمعوا بين دليلي وجوب الصلاة ووجوب الإسراع فصلوا ركبانا، لأنهم لو صلوا نزولاً لكان مضادة لما أمروا به من الإسراع ولا يظن ذلك بهم مع ثقوب أفهامهم انتهى. وفيه نظر لأنه لم يصرح لهم بترك النزول، فلعلهم فهموا أن المراد بأمرهم أن لا يصلوا العصر إلا في بني قريظة المبالغة في الأمر بالإسراع فبادروا إلى امتثال أمره، وخصوا وقت الصلاة من ذلك لما تقرر عندهم من تأكيد أمرها، فلا يمتنع أن ينزلوا فيصلوا ولا يكون في ذلك مضادة لما أمروا به، ودعوى أنهم صلوا ركباناً يحتاج إلى دليل ولم أره صريحاً في شيء من طرق هذه القصة، وقد تقدم

تعليقات

بحث ابن بطال في ذلك في "باب صلاة الخوف". وقال ابن القيم في الهدي ما حاصله: كل من الفريقين مأجور بقصده، إلا أن من صلى حاز الفضيلتين: امتثال الأمر في الإسراع، وامتثال الأمر في المحافظة على الوقت ولا سيما ما في هذه الصلاة بعينها من الحث على المحافظة عليها وأن من فاتته حبط عمله، وإنما لم يعنف الذين أخروها لقيام عذرهم في التمسك بظاهر الأمر، ولأنهم اجتهدوا فأخروا لامتثالهم الأمر. لكنهم لم يصلوا إلى أن يكون اجتهادهم أصوب من اجتهاد الطائفة الأخرى. وأما من احتج لمن أخر بأن الصلاة حينئذ كانت تؤخر كما في الخندق وكان ذلك قبل صلاة الخوف، فليس بواضح، لاحتمال أن يكون التأخير في الخندق كان عن نسيان، وذلك بين في قوله صلى الله عليه وسلم لعمر لما قال له ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس أن تغرب، فقال: والله ما صليتها. لأنه لو كان ذاكراً لها لبادر إليها كما صنع عمر. انتهى. تعليقات: أولاً: رأينا أنه مما ينبغي أن يدركه مسلمو عصرنا وهو شيء لا يفطن له الكثيرون، أنه متى دخلنا في السياسة دخلنا في الموازنات كأهون الشرين وأخف الضررين، ومتى دخلنا في الحرب والسياسة دخلنا في الفتوى الاستثنائية التي تلاحظ الزمان والمكان والأشخاص، على أن تكون هذه الفتوى صادرة من أهلها. ثانياً: إنه وإن قال الجمهور أن ما حدث يوم الخندق منسوخ إلا أن لقول علماء الشام الذين ذكرهم الشوكاني وجهاً قوياً، فكل ما يفيده حديث أبي سعيد الخدري أن آية {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} جاءت بعد حادثة الخندق وهذا قد يفيد النسخ، وقد يحمل كل من النصلين على أنه يطبق في بعض الحالات القتالية. ثالثاً: هناك حالات في عصرنا تضطر المسلمين إلى فتاوى مناسبة ومكافئة، ولعل ما ورد في صلاة الخوف، وفي حادثة الجمع بين الصلوات في المسير إلى بني قريظة، ويوم الخندق مما يجعلنا نستأنس لهذه الفتاوى التي يحتاج إليها العصر، فالتدريب على أنواع الأسلحة، والمناورات العسكرية لرفع المستوى القتالي، والتنفلات العسكرية في جيوش غير إسلامية قد لا تعطي فرصاً لإقامة الصلاة في وقتها أو على هيئتها، فالمسلم في هذه الحاجات الحرجة

بحاجة إلى فتوى تناسب الوضع الذي هو فيه، وعلى أئمة الفتوى أن يقدروا الظروف التي تحيط بالمسلم في مثل هذه الأحوال. رابعاً: أصبح واضحاً في عصرنا أن الجيش في بلدان العالم الثالث له الكلمة الأخيرة في فرض الأنظمة السياسية، والأنظمة السياسية في عصرنا تتدخل في كل شيء، فإذا صارت في طريق معاد للإسلام فقد تنهي الإسلام في بعض الأقطار إنهاءً تاماً كما حدث في مرحلة من المراحل في ألبانيا مثلاً، ولذلك فإن كثيراً من القوى العالمية والمحلية تتخير للجيش وترصد كل فرد فيه، وبعض هذه الأنظمة معاد للإسلام ويريد استئصاله، وكل من شمت منه رائحة الإسلام سرح أو اغتيل أو اعتقل والمسلمون في هذه الحالة بين خيارين: الخيار الأول أن يدخلوا الجيش على أمل التغيير أو يتركوا الجيش ليبقى الكفر مسيطراً، فلو افترضنا أنه وجد مثل هذا الوضع فالأفضل للمسلمين أن يدخلوا الجيش وأن يتستروا على أنفسهم، وإذا كانت الضرورات تبيح المحظورات في حق الأفراد فمن باب أولى أنها تبيح المحظورات إذا ترتبت عليها مصلحة الإسلام والمسلمين. وقد أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم بعض المكلفين بمهمات قتالية أن يقولوا كلمة الكفر ليحققوا هدفاً كما أن بعض الصحابة صلوا وهم يمشون حتى لا ينكشف أمرهم لمن يريدون قتله وعلى هذا فإذا ما وجدت مثل هذه الظروف التي ذكرناها وهي موجودة في البلدان الإلحادية فإن على أئمة الفتوى أن يفتوا بما يلحظون به مصلحة الإسلام والمسلمين حاضراً ومستقبلاً، ثم إن هناك مهمات أخرى كمهمات التجسس على العدو والتي تقتضي أحياناً فتاوى استثنائية للنجاح فيها، إلا أن هذه الفتاوى الاستثنائية يجب أن تكون من أهلها، ويجب أن يكون أهلها مؤتمنين على أسرار من يستفتيهم، ومن حيث المبدأ نقول: إن هناك حالات تجيز للإنسان ي بعض الظروف أن يتيمم مكتفياً بمسح كفيه ووجهه دون أن يشرك الذراعين حتى لا ينكشف أمره وأن يجمع بين الصلوات الخمس قبل نومه وهو على فراشه يومئ بعينيه إيماءً، إلا أن هذه الفتوى وأمثالها في تكاليف إسلامية كثيرة لا يفتى بها إلا بعد موازنات دقيقة من أهلها، وفي ظروف نرجو أن لا توجد على الأرض الإسلامية، ولكنها في واقع الحال موجودة في بعض البلدان الإسلامية وغيرها.

قال سفيان الثوري رحمه الله: (العلم رخصة من ثقة، وأما التشدد فيعرفه كل الناس). ونحن في هذا المقام لا نفتي فتوى عامة لكن نقول: إن الفتوى تقدر زماناً ومكاناً وشخصاً فكل فرد نفتيه على انفراد بحسب وضعه. ومن أهم ما يحتاجه عصرنا أن يوجد فقهاء وأئمة في الفتوى يعرفون كيف يستخرجون الرخص ويضعونها في محلها، ولا شك أن هناك فارقاً كبيراً بين من يخرجون من الإسلام ويخرجون غيرهم بحجة التسهيل، وبين من يعرفون الرخصة الشرعية ويفتون بها لصالح الإسلام والمسلمين، وضمن مقتضيات الضرورة.

الباب التاسع صلاة المناسبات

الباب التاسع صلاة المناسبات وفيه مقدمة عن الصلوات عامة وفقرات * الفقرة الأولى: في صلاة الاستخارة. * الفقرة الثانية: في صلاة الحاجة وصلاة التوبة وصلاة من قُدِّمَ للقتل. * الفقرة الثالثة: في صلاة الاستسقاء. * الفقرة الرابعة: في صلاة الكسوف والخسوف. * الفقرة الخامسة: في صلاة الجنازة وأحكام الشهداء.

مقدمة

مقدمة فرض الله عز وجل علينا الصلوات الخمس، وشرع لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوحي من الله عز وجل صلوات أخرى منها رواتب الصلوات الخمس، ومنها الوتر، ومنها قيام الليل والتهجد ومنها سنة الضحى، ومنها النفل المطلق، ومنها سنة دخول المنزل والخروج منه، ومنها سنة الوضوء وتحية المسجد، ومنها سنة الخروج للسفر وسنة العودة من السفر، ومنها سنة وداع المنزل في السفر ومنها صلاة التراويح وصلاتا العيدين وصلاة الأوابين وصلاة التسابيح وكل ذلك مر معنا بمناسباته، وبعض ما مر معنا يعتبر من صلوات المناسبات إلا أنا أدخلناه في الأبواب الأكثر لصوقاً به. ومن صلوات المناسبات مما لم يمر معنا: صلاة الاستخارة وصلاة الحاجة وصلاة كسوف الشمس وخسوف القمر وصلاة الاستسقاء وركعتا الطواف وركعتا الإحرام بالحج، وصلاة التوبة وصلاة الدعاء عند المالكية وصلاة ركعتين لمن قدم للقتل. وخصصنا هذا الباب لصلوات المناسبات التي لم تمر معنا من قبل ما عدا ركعتي الإحرام وركعتي الطواف اللواتي سنذكرها في جزء الحج.

الفقرة الأولى في صلاة الاستخارة

الفقرة الأولى في صلاة الاستخارة تقديم: شرع للمسلم أن يتبع الأمر ويترك النهي، وفي الأمور المباحة التي تتردد المصلحة فيها حاضراً أو مستقبلاً أن يستخير وأن يستشير، فالاستخارة لله والاستشارة لأهل الله ممن اجتمع لهم إمامة ومعرفة وخبرة في الأمور التي يستشارون بها، تجعلان المسلم أقرب إلى الإصابة وأجدر بالصواب فهو بالاستخارة يعرض نفسه لرحمات الله ومعونته، وبالاستشارة تجتمع له قوة إلى قوة في الرأي. والاستخارة شرعت بالسنة النبوية، وهي البديل المحكم لما كان عليه أهل الجاهلية من تطيير الطيور فإذا تيامنت أقدموا وإذا تياسرت أحجموا، كما أنها البديل المحكم لما يفعله الجهلة، إذ يستأنسون للإقدام والإحجام بأعمال غير معقولة ولا مشروعة، فشرع لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الاستخارة. وأي شيء أعظم من أن تلقي أمرك لله وتطلب من الله أن يختار لك. والاستخارة صلاة ركعتين فدعاء كما سنرى، ثم بعد ذلك ينتظر المسلم ما ينشرح له صدره، فالعبرة في الاستخارة لانشراح الصدر والتيسير. وقد يحس الإنسان بالانشراح بعد الاستخارة مباشرة، وقد يرى بعد الاستخارة رؤيا يستأنس بها عن المراد. ففي الحديث الثابت: "ذهبت النبوة وبقيت المبشرات، الرؤيا الصالحة للرجل الصالح يراها أو ترى له". وإذا لم يتبين للإنسان شيء من الاستخارة الأولى يكرر الاستخارة، وقد استحب بعض الفقهاء تكرارها إلى سبع، وبنوا ذلك على رواية ذكرها ابن السني، ثم إن السبعة عدد مبارك فالسموات سبع، والأرضون سبع والطواف سبع ورمي الجمار سبع وأيام الأسبوع

سبعة، ثم إن السبعة تعبر عن الكثرة عند العرب فمن كرر الاستخارة سبعاً فقد أتى بالكثير الطيب. عرف الحنفية الاستخارة بأنها طلب ما فيه الخير، وذكروا أنها تكون في الأمور المباحة التي لا يعرف وجه الصواب فيها وهي: ركعتان يدعو بعدهما بالدعاء المأثور كما سنراه، ويستحب افتتاح هذا الدعاء وختمه بالحمد لله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ويقرأ في الركعة الأولى {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وفي الثانية (الإخلاص) بعد الفاتحة في الركعتين. ونص على قراءة هاتين السورتين في صلاة الاستخارة المالكية والشافعية وهي مندوبة في المذاهب الأربعة قال الحنفية ولو تعذرت عليه الصلاة استخار بالدعاء. وإليك هذين النصين في صلاة الاستخارة: 2184 - * روى البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: "إذا همَّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري- أو قال: عاجل أمري وآجله- فاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري- أو قال: في عاجل أمري وآجله- فاصرفه عني، واصرفني عنه، وقادر لي الخير حيث كان، ثم رضني به". قال:

_ 2184 - البخاري (3/ 48) 19 - كتاب التهجد، 25 - باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى. أبو داود (2/ 89، 90) كتاب الصلاة، باب في الاستخارة. الترمذي (2/ 345، 346) أبواب الصلاة، 349 - باب ما جاء في صلاة الاستخارة. النسائي (6/ 80) 26 - كتاب النكاح، 27 - كيف الاستخارة. (الاستخارة) في الأمور: طلب الخيرة فيها، واستعلام ما عند الله تعالى فيها. (أستقدرك) لكذا، أي: أطلب منك أن تقدرني عليه. (فاقدره لي) قدرت الشيء أقدره: أي قدرته وهيأته، وليلة القدر: هي الليلة التي تقدر فيها الأرزاق.

"ويسمي حاجته". 2185 - * روى أبو يعلى عن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا أراد أحدكم أمراً فليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كان كذا وكذا في الذي يريد خيراً لي في ديني ومعيشتي وعاقبة أمري وإلا فاصرفه عني واصرفني عنه ثم قدر لي الخير أينما كان لا حول ولا قوة إلا بالله".

_ 2185 - أبو يعلى (2/ 497) إسناده حسن. مجمع الزوائد (2/ 281) قال الهيثمي: رواه أبو يعلى، ورجاله موثقون ورواه الطبراني في الأوسط بنحوه. ابن حبان (2/ 122) ذكر الأمر بالاستخارة إذا أراد المرء أمراً قبل الدخول عليه وفي الباب عن أبي هريرة وأبي أيوب، انظر موارد الظمآن 685 - 686.

الفقرة الثانية في: صلاة الحاجة، وصلاة التوبة، وصلاة من قدم للقتل

الفقرة الثانية في: صلاة الحاجة، وصلاة التوبة، وصلاة من قدم للقتل - صلاة الحاجة: 2186 - * روى الطبراني في الصغير عن عثمان بن حنيف أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته فلقي عثمان بن حنيف فشكا ذلك إليه فقال له عثمان بن حنيف ائت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك على ربي فيقضي لي حاجتي وتذكر حاجتك ورُح إلي حين أروح معك فانطلق الرجل فصنع ما قال له ثم أتى باب عثمان فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة وقال: حاجتك؟ فذكر حاجته فقضاها له ثم قال له: ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة وقال ما كانت لك من حاجة فائتنا، ثم إن الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف قال له جزاك الله خيراً ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إلي حتى كلمته في فقال عثمان بن حنيف والله ما كلمته ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره فقال له النبي: "أو تصبر" فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد وقد شق علي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ائت الميضأة" فتوضأ ثم صل ركعتين ثم ادع بهذه الكلمات فقال عثمان بن حنيف فو الله ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل عليه الرجل كأنه لم يكن به ضرر قط. أقول: فحديث صححه الطبراني ووافقه الهيثمي وقال (الحاكم 1/ 526) فيه بعد أن ساق الحديث من رواية عون بن عمارة- وليس فيها صاحب الحاجة-: تابعه شبيب بن سعيد الحبطي عن روح بن القاسم- يقصد هذه التي هنا- بزيادات في المتن والإسناد والقول فيه قول شبيب فإنه ثقة مأمون ووثقه ابن المديني والدارقطني وقال أبو زرعة لا بأس به،

_ 2186 - الروض الداني (1/ 306، 307). مجمع الزوائد (2/ 279) قال الهيثمي: رواه الطبراني في الصغير وقال عقبه: والحديث صحيح بعد ذكر طرفه التي روي بها. (الطنفسة): بساط له خمل رقيق.

صلاة التوبة

(تهذيب 4/ 307). فحديث هذا شأنه هل يلتفت إلى تضعيف من ضعفه؟!. وكون ابن عدي قال في (كامله 4/ 1346) ابن وهب يحدث عن شبيب بالمناكير لا يعني أن كل حديث من طريقه منكر فلم يصحح هؤلاء الأئمة هذه الرواية إلا وعندهم ما رجح التصحيح. 2187 - * روى ابن ماجه عن عثمان بن حنيف، أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله لي أن يعافيني، فقال: "إن شئت أخرت لك وهو خير وإن شئت دعوت" فقال ادعه، فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويصلي ركعتين ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بمحمد نبي الرحمة، يا محمد إني قد توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى، اللهم فشفعه في. 2188 - * روى الترمذي عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ادع الله أن يعافيني، فقال: "إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت فهو خير لك"، قال: فادعه، قال: فأمره أن يتوضأ فيحسن الوضوء، ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد: نبي الرحمة، إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي اللهم فشفعه في. صلاة التوبة: 2189 - * روى الترمذي عن أبي بكر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله

_ 2187 - ابن ماجة (1/ 441، 442) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 189 - باب ما جاء في صلاة الحاجة. قال أبو إسحاق: هذا حديث صحيح. 2188 - الترمذي (5/ 569) 49 - كتاب الدعوات، 119 - باب. ابن خزيمة (2/ 225، 226) 527 - باب صلاة الترغيب والترهيب، وإسناده صحيح. 2189 - الترمذي (2/ 257، 258) أبواب الصلاة، 298 - باب ما جاء في الصلاة عند التوبة. أبو داود (2/ 86) كتاب الصلاة، باب في الاستغفار. ابن ماجه (1/ 446) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 193 - باب ما جاء في أن الصلاة كفارة. وقد أورد ابن ماجه في هذا الحديث: ثم يصلي ركعتين. ابن حبان (2/ 10) ذكر مغفرة الله جل وعلا للتائب المستغفر لذنبه إذا عقب استغفاره صلاة، وقد أورد ابن=

الصلاة ركعتين لمن قدم للقتل

عليه وسلم يقول: "ما من رجل يذنب ذنباً، ثم يقوم فيتطهر، ثم يصلي، ثم يستغفر الله إلا غفر الله له"، ثم قرأ هذه الآية: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ ...} (1) إلى آخر الآية. أقول: ويشهد لصلاة التوبة شواهد كثيرة منها ما ذكره صاحب الترغيب والترهيب مما يزيد هذا المعنى الذي ذكره النص قوة. 2190 - * روى البيهقي عن الحسن البصري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أذنب عبد ذنباً، ثم توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى براز من الأرض فصلى فيه ركعتين، واستغفر الله من ذلك الذنب إلا غفره الله له". 2191 - * روى ابن خزيمة عن عبد الله بن بريدة رضي الله عنه عن أبيه قال: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً، فدعا بلالاً، فقال: "يا بلال بم سبقتني إلى الجنة؟ إني دخلت الجنة البارحة، فسمعت خشخشتك أمامي"، فقال: يا رسول الله ما أذنبت قط إلا صليت ركعتين، وما أصابني حدث قط إلا توضأت عندها، وصليت ركعتين. وفي رواية: ما أذنت، والله أعلم. الصلاة ركعتين لمن قدم للقتل: 2192 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة عيناً وأمَّرَ عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري جد عاصم بن عمر بن الخطاب، حتى إذا كانوا بالهدة بين عسفان ومكة ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان، فنفروا لهم بقريب من مائة رجل رام، فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم التمر في منزل نزلوه،

_ = حبان في هذا الحديث: ثم يصلي ركعتين. ابن خزيمة (2/ 216) 525 - باب ذكر الأخبار المنصوصة والدالة ... إلخ. (1) آل عمران: 135. 2190 - رواه البيهقي مرسلاً. [البراز]: بكسر الباء وبعدها راء، ثم ألف، ثم زاي: هو الأرض الفضاء. 2191 - ابن خزيمة (2/ 213، 214) 523 - باب استحباب الصلاة عند الذنب. 2192 - البخاري (7/ 308، 309) 64 - كتاب المغازي، 10 باب.

فقالوا: تمر يثرب، فاتبعوا آثارهم. فلما حس بهم عاصم وأصحابه لجأوا إلى موضع فأحاط بهم القوم فقالوا لهم: انزلوا فأعطوا بأيديكم، ولكم العهد والميثاق ألا نقتل منكم أحداً. فقال عاصم بن ثابت: أيها القوم، أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر. ثم قال: اللهم أخبر عنا نبيك صلى الله عليه وسلم. فرموهم بالنبل فقتلوا عاصماً، ونزل إليهم ثلاثة نفر على العهد والميثاق، منهم خبيب وزيد بن الدثنة ورجل آخر. فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم بها. قال الرجل الثالث: هذا أول الغدر، والله لا أصحبكم، إن لي بهؤلاء أسوة- يريد القتلى- فجرروه وعالجوه، فأبى أن يصحبهم. فانطلق بخبيب وزيد بن الدثنة حتى باعوهما بعد وقعة بدر، فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل خبيباً- وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر- فلبث خبيب عندهم أسيراً حتى أجمعوا قتله، فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحد بها، فأعارته، فدرج بني لها وهي غافلة حتى أتاه، فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده. قالت ففزعت فزعة عرفها خبيب. فقال: أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك. قالت: والله ما رأيت أسيراً قط خيراً من خبيب، والله لقد وجدته يوماً يأكل قطفاً من عنب في يده وإنه لموثق بالحديد، وما بمكة من ثمرة. وكانت تقول: إنه لرزق رزقه الله خبيباً. فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحل قال لهم خبيب: دعوني أصلي ركعتين، فتركوه فركع ركعتين فقال: والله لولا أن تحسبوا أن ما بين جزع لزدت. ثم قال: اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تبق منهم أحداً. ثم أنشأ يقول: فلست أبالي حين أقتل مسلماً ... على أي جنب كان لله مصرعي وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع ثم قام إليه أبو سروعة عقبة بن الحارث فقتله. وكان خبيب هو سن لكل مسلم قتل صبراً الصلاة. وأخبر- يعني النبي صلى الله عليه وسلم- أصحابه يوم أصيبوا خبرهم. وبعث ناس من قريش إلى عاصم ابن ثابت حين حدثوا أنه قتل أن يأتوا بشيء منه يعرف- وكان قتل رجلاً عظيماً من عظمائهم- فبعث الله لعاصم مثل الظلة من الدبر فحمته من رسلهم، فلم يقدروا أن يقطعوا منه شيئاً".

أقول: هذه رواية البخاري والشاهد فيها أن خبيباً سن لمن قدم للقتل أن يصلي ركعتين.

الفقرة الثالثة صلاة الاستسقاء العرض الإجمالي

الفقرة الثالثة صلاة الاستسقاء العرض الإجمالي الاستسقاء: طلب السقي من الله تعالى بمطر عند حاجة العباد إليه بصلاة وخطبة واستغفار وحمد وثناء وقال أبو حنيفة: ليس في الاستسقاء صلاة مسنونة في جماعة، وإذا صلى الناس فرادى أو وحداناً جاز من غير كراهة لأنها نفل مطلق، وإنما الاستسقاء دعاء واستغفار، فلا يحتاج الاستسقاء إلى جماعة ولا خطبة ولا قلب رداء، ولا ينبغي أن يحضر كافر. وقال جمهور الفقهاء ومنهم أبو يوسف ومحمد من الحنفية. صلاة الاستسقاء سنة مؤكدة حضراً وسفراً وتكرر في أيام ثانياً وثالثاً وأكثر حتى يسقيهم الله تعالى وإذا تأهبوا للصلاة فأمطروا قبلها صلوها عند المالكية، واجتمعوا عند الشافعية: للشكر والدعاء ويصلون صلاة الاستسقاء شكراً، ويخطب بهم الإمام على القول الأصح، وقال الحنابلة لا يخرج الناس حينئذ للصلاة، ويشكرون الله عز وجل، ويسألونه المزيد، إن خرجوا فأمطروا قبل أن يصلوا، صلوا شكراً لله تعالى وحمدوه ودعوه. وقد اتفق الجمهور غير أبي حنيفة على أن صلاة الاستسقاء ركعتان بجماعة في المصلى بالصحراء خارج البلد بلا أذان ولا إقامة، وإنما ينادى لها الصلاة جامعة. ويجهر فيهما بالقراءة كصلاة العيد، بتكبيرات عند الشافعية والحنابلة بعد الافتتاح قبل التعوذ سبعاً في الركعة الأولى وخمساً في الثانية مع رفع يديه حذو منكبيه ووقوفه بين كل تكبيرتين كآية معتدلة، ويجعل عند المالكية والصاحبين من الحنفية الاستغفار بدلاً من التكبير. وإذا قرأ سورة (الأعلى والغاشية) فحسن عند الحنابلة والصاحبين، والأفضل عند المالكية سورة (الأعلى) وسورة (الشمس)، وعند الشافعية سورة (ق) وسورة (القمر) وإذا قرأ ما شاء فلا حرج وكما تصلى صلاة الاستسقاء جماعة وهو الأفضل فإنها تصلى فرادى والأفضل أن تصلى في مكة والمدينة وبيت المقدس في مساجدها المقدسة وإذا خرج الناس لصلاة الاستسقاء فالأفضل أن يخرجوا مشاة وأن يلبسوا ثياباً متواضعة، وأن يظهر عليهم

التذلل والتواضع والخشوع لله تعالى وأن يجددوا التوبة، ويستسقون بالضعفة والشيوخ والعجائز والأطفال، وينبغي أن يقدموا الصدقة في كل يوم يخرجون فيه. ولا يشترط عند أبي حنيفة إذن الإمام لدعاء الاستسقاء ويشترط ذلك عند الشافعية لصلاة الاستسقاء. ولا تختص بوقت، إلا أنها لا تفعل في وقت النهي عن الصلاة بغير خلاف. إلا أن الإمام يعلم الناس عن ميقاتها ليجتمعوا لها. والأفضل فعلها أول النهار كصلاة العيد، وإن استسقى الناس عقب صلواتهم أو في خطبة الجمعة أو في الركعة الأخيرة جاز وأصابوا، ولا يؤمر بها عند المالكية النساء والصبيان غير المميزين، وقال الشافعية والحنابلة: يندب خروج الأطفال والشيوخ والعجائز ومن لا هيئة لها من النساء، ولا يستحب عند المالكية إخراج البهائم ويستحب إخراجها مع أولادها عند الحنفية والشافعية على الأصح ويباح عند الحنابلة. ويستحب التوسل بذوي الصلاح. وقال أبو حنيفة: لا خطبة للاستسقاء. وقال محمد: يخطب بعد الصلاة خطبتين بينهما جلسة كالعيد وقال أبو يوسف: يخطب خطبة واحدة ويكون معظم الخطبة الاستغفار ويستقبل القبلة بالدعاء. وقال المالكية والشافعية: يخطب الإمام للاستسقاء بعد الصلاة خطبتين كصلاة العيد، وقال الحنابلة: يخطب خطبة واحدة، وتجوز عند الشافعية الخطبة قبل الصلاة. والجميع يستحبون الإكثار من الخطبة في صلاة الاستسقاء، ولا حد للاستغفار عند المالكية ويستغفر الخطيب في الخطبة الأولى عند الشافعية تسعاً وفي الثانية سبعاً، ويبدأ الخطيب عند الحنابلة بالتكبير تسعاً نسقاً، ويكثر فيها عندهم من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ومن الاستغفار. ويدعو الخطيب بالمأثور ما أمكن وإلا فبما يحقق المقصود ويؤمن المأمومون على دعائه سراً إن أسر وجهراً إن جهر. ويستحب عند الصاحبين استقبال القبلة أثناء الدعاء وقال المالكية: يستقبل القبلة بوجهه قائماً بعد الفراغ من الخطبة، ولا يخص أحداً من الناس بدعاء وقال الشافعية: يستقبل الإمام القبلة بعد حوالي ثلث الخطبة الثانية ثم يدعو سراً وجهراً ثم يستقبل الناس بوجهه ويحثهم على الطاعة ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويقرأ آية وآيتين ويدعو للمؤمنين

والمؤمنات ويختم بقوله: أستغفر الله لي ولكم. وقال الحنابلة: يستقبل القبلة في أثناء الخطبة ويستحب رفع الأيدي في دعاء الاستسقاء للخطيب على خلاف خطبة الجمعة، ويرفع الناس أيديهم وقال أبو يوسف ومحمد: يقلب الإمام رداءه عند الدعاء، وصفة القلب إن كان مربعاً جعل أعلاه أسفله وإن كان مدوراً كالجبة جعل الجانب الأيمن على الأيسر ولا يقلب القوم أرديتهم ولا يسن القلب عند أبي حنيفة وقال الجمهور كقول الصاحبين إلا أنهم قالوا: يحول الذكور أرديتهم مثل الإمام وهم جلوس. ولا يستحب المالكية والحنفية تنكيس الرداء بل يكتفون بجعل الأيمن على الأيسر، والأيسر على الأيمن، واستحب الشافعية في الجديد تنكيس الرداء وجعل أسفله أعلاه. قال الحنابلة: ويظل الرداء محولاً حتى ينزع بعد الوصول إلى المنزل. وحكمة تحويل الرداء التفاؤل بتحويل الحال، إظهاراً بحسن الظن بالله تعالى. وإذا أريد الاستسقاء أمر الإمام الناس بالتوبة من المعاصي والتقرب إلى الله تعالى بوجوه البر والخروج من المظالم وأداء الحقوق ويأمر بصيام ثلاثة أيام قبل صلاة الاستسقاء ويخرج الناس في آخر أيام الصيام أو في اليوم الرابع إلى الصحراء، وقال الشافعية: يلزم الناس امتثال أمر الإمام، وقال الحنابلة: لا يلزم. ويستحب للاستسقاء التنظف لا التطيب ويستحب لأهل الخصب أن يدعو لأهل الجدب، وأجاز المالكية التنفل قبل صلاة الاستسقاء وبعدها، والدعاء يطون ببطن الكف إذا كان لطلب شيء وتحصيله وبظهر الكف إلى السماء إذا أريد به رفع البلاء. انظر: (حاشية ابن عابدين على الدر 1/ 567)، (اللباب 1/ 121)، (والشرح الصغير 1/ 537 - 541)، (والمهذب 1/ 123)، (والمغني 2/ 430 فما بعدها)، (الفقه الإسلامي وأدلته 2/ 415 فما بعدها). أقول: إن من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم حوادث الاستسقاء في حياته عليه الصلاة والسلام بل إنه ما يكاد ينتهي من دعائه والناس في حالة يأس وإبلاس- وليس ما يدل على أن هناك احتمالات مطر- حتى يكرم الله رسوله صلى الله عليه وسلم فينزل المطر بشكل معجز مدهش واستمر

هذا الحال في أمته معجزة له صلى الله عليه وسلم وكرامة لهذه الأمة. إن من تتبع حوادث الاستسقاء في تاريخ الأمة الإسلامية وجد عجباً، فكم من مرة خرج المسلمون للاستسقاء فلم يرجعوا إلا والمطر يتنزل، وإني لأرجو أن يقوم طالب علم بتتبع حوادث الاستسقاء في تاريخ الأمة الإسلامية وفي واقعها، فإنه سيجد الكثير الذي يدل على معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم مستمرة وأن ما وعدنا به صدق وحق، والأمر بيد الله وله فيما يفعل حكمة، وكنا قد تحدثنا في كتابنا/ الله جل جلاله/ أن من الظواهر الكبرى التي تعرفنا عليه ظاهرة الاستجابة، وهي ظاهرة مستمرة في حياة الإنسانية ومن أبرز مظاهرها حوادث السقي بعد الاستسقاء ولقد شهدت مرة في بلدنا خروج الناس للاستسقاء ثلاثة أيام متوالية، فما كاد الناس ينتهون من دعائهم في اليوم الثالث حتى صبت السماء بركاتها بشكل عجيب، إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب. وإلى نصوص هذه الفقرة:

- الدعاء والصلاة وقلب الرداء في الاستسقاء

- الدعاء والصلاة وقلب الرداء في الاستسقاء: 2193 - * روى أبو داود عن هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة عن أبيه قال: "أرسلني الوليد بن عقبة- وهو أمير المدينة- إلى ابن عباس يسأله عن استسقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأتيته فقال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم متبذلاً متواضعاً متضرعاً، حتى أتى المصلى فرقي المنبر، فلم يخطب خطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير، ثم صلى ركعتين كما يصلي في العيد". وزاد في رواية (1) "متخشعاً". وأخرجه النسائي قال: "أرسلني فلان إلى ابن عباس أسأله عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء؟ فقال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم متضرعاً متواضعاً متبذلاً، فلم يخطب نحو خطبتكم هذه، فصلى ركعتين". وله في أخرى (2) قال: "أرسلني أمير من الأمراء إلى ابن عباس: أسأله عن الاستسقاء؟ فقال ابن عباس: ما منعه أن يسألني؟ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم متواضعاً متذللاً متخشعاً متضرعاً، فصلى ركعتين كما يصلي في العيدين، ولم يخطب خطبتكم هذه" وأخرج الرواية (3) الأولى، وأول حديثه قال: "سألت ابن عباس" وإسناده حسن.

_ 2193 - أبو داود (1/ 302) كتاب الصلاة، 257 - جماع أبواب صلاة الاستسقاء وتفريعها وقد روى أبو داود هذا الحديث ولم يذكر "متبذلاً" ولا "متخشعاً"، وقال: روى الوليد بن عقبة، وابن عتبة والصواب: ابن عتبة. الترمذي (2/ 445) أبواب الصلاة، 395 - باب ما جاء في صلاة الاستسقاء. والحديث إسناده حسن، ورواه أيضاً أبو عوانة وابن حبان وصححاه والحاكم والدارقطني والبيهقي كذا في النيل. النسائي (3/ 156) 17 - كتاب الاستسقاء، 3 - باب الحال التي يستحب للإمام أن يكون عليها إذا خرج. (الاستسقاء): طلب السقي، وقد صار غالباً على طلب الغيث، ومسألة الله تعالى: أن يسقي الناس والدواب والنبات عند تعذر الغيث. (متبذلاً) التبذل: ترك التزين، والتهيؤ بالهيئة الحسنة الجميلة. (متضرعاً): التضرع: المبالغة في السؤال والرغبة. (1) الترمذي (2/ 445) أبواب الصلاة، 395 - باب ما جاء في صلاة الاستسقاء. (2) النسائي (3/ 163) 17 - كتاب الاستسقاء، 13 - كيف صلاة الاستسقاء. (3) النسائي (3/ 156، 157) 17 - كتاب الاستسقاء، 4 - باب جلوس الإمام على المنبر للاستسقاء.

استنبط من قوله كصلاة العيد أنه يكبر في الأولى سبع تكبيرات وفي الثانية خمساً كما في العيدين وبه قال الشافعي وأحمد في قول: وقال مالك والصاحبان وأحمد في قول لا يزيد على تكبيرة الإحرام وتكبيرات الانتقال. (منهاج الطالبين 1/ 315)، (الكافي 1/ 319). وفي "النيل": تأوله الجمهور على أن المراد كصلاة العيد في العدد، والجهر بالقراءة وكونها قبل الخطبة (4/ 31) قال التهانوي (8/ 154): ولا يراد التشبيه في كونها مشتملة على التكبيرات كالعيدين، قاله الشيخ. وأما ما أخرجه الحاكم في "المستدرك"، والدارقطني، ثم البيهقي في "السنن" عن محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن طلحة قال: أرسلني مروان إلى ابن عباس أسأله عن سنة الاستسقاء، فقال: "سنة الاستسقاء سنة الصلاة في العيدين، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلب رداءه، فجعل يمينه على يساره، ويساره على يمينه. وصلى ركعتين، كبر في الأولى سبع تكبيرات، وقرأ (بسبح اسم ربك الأعلى) وقرأ في الثانية (هل أتاك حديث الغاشية) وكبر فيها خمس تكبيرات" انتهى. قال الحاكم: "صحيح الإسناد، ولم يخرجاه" كما في الزيلعي (2/ 240). فالجواب عنه ما أفاده الزيلعي: من وجهين، أحدهما ضعف الحديث، فإن محمد بن عبد العزيز هذا قال فيه البخاري: "منكر الحديث". وقال النسائي: "متروك الحديث". وقال أبو حاتم: "ضعيف الحديث، ليس له حديث مستقيم". وقال ابن حبان في كتاب الضعفاء: "يروي عن الثقات المعضلات، وينفرد بالطامات عن الأثبات، حتى سقط الاحتجاج به" انتهى ... والثاني أنه معارض بحديث رواه الطبراني في معجمه الأوسط ... عن أنس بن مالك، "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسقى، فخطب قبل الصلاة، واستقبل القبلة، وحول رداءه، ثم نزل، فصلى ركعتين، ولم يكبر فيهما إلا تكبيرة". انتهى. 2194 - * روى الشيخان عن عبد الله بن زيد المازني رضي الله عنه قال: "خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المصلى يستسقي، فدعا واستسقى، ثم استقبل القبلة، فقلب رداءه".

_ 2194 - البخاري (2/ 497، 498) 15 - كتاب الاستسقاء، 4 - باب تحويل الرداء في الاستسقاء. مسلم (2/ 611) 9 - كتاب صلاة الاستسقاء.

زاد في رواية (1) "ثم صلى ركعتين". قال البخاري: كان ابن عيينة يقول: هو صاحب الأذان، ولكنه وهم، لأن هذا عبد الله بن زيد بن عاصم المازني، مازن الأنصار. وفي رواية أبي داود (2) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بالناس يستسقي، فصلى بهم ركعتين، جهر بالقراءة فيهما، وحوَّل رداءه، فدعا واستسقى واستقبل". وله في أخرى (3) قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً يستسقي، فحول، إلى الناس ظهره يدعو الله- قال سليمان: واستقبل القبلة وحول رداءه، ثم صلى ركعتين، قال ابن أبي ذئب: وقرأ فيهما- زاد ابن السرح: يريد الجهر. وفي أخرى (4) بهذا الحديث- ولم يذكر الصلاة- قال: وحول رداءه، وجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر، وجعل عطافه الأيسر على عاتقه الأيمن، ثم دعا الله". وفي أخرى (5) قال: "استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه خميصة له سوداء، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ أسفلها فيجعله أعلاها، فلما ثقلت قلبها على عاتقه". وللنسائي (6): "أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء استقبل القبلة، وقلب الرداء، ورفع يديه". وقت التحويل عند استقبال القبلة للدعاء والحكمة في تحويل الرداء إظهار التذلل والافتقار إلى الله تعالى والتفاؤل بأنه سيتحول حال الضيق والقحط إلى حال الغيث والخصب بفضل الله تعالى.

_ (1) مسلم (2/ 611) نفس الموضع السابق. (2) أبو داود (1/ 301) كتاب الصلاة، 257 - جماع أبواب صلاة الاستسقاء وتفريعها. (3) أبو داود (1/ 302) نفس الموضع السابق. (4) أبو داود (1/ 302) نفس الموضع السابق. (5) أبو داود (1/ 302) نفس الموضع السابق. ابن خزيمة (2/ 335) 658 - باب ذكر الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما حول رداءه، بجعل الأيمن على الأيسر ... إلخ، إسناده صحيح. (6) النسائي (3/ 158) - كتاب الاستسقاء، 8 - رفع الإمام يده. (الخميصة): كساء أسود له علمان، فإن لم يكن معلماً فليس بخميصة.

- من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء والاستسقاء في صلاة الجمعة

2195 - * روى ابن خزيمة عن أبي هريرة، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ماداً يديه، حتى رأيت بياض إبطيه. قال سليمان: ظننته يدعو في الاستسقاء. 2196 - * روى ابن خزيمة عن عبد الله بن زيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى المصلى فاستسقى، فقلب رداءه وصلى ركعتين. قال المسعودي عن أبي بكر، عن عباد بن تميم، قلت له: أخبرنا جعل أعلاه أسفله، أو أسفله أعلاه، أم كيف جعله؟ قال: لا، بل جعل اليمين الشمال والشمال اليمين. 2197 - * روى الطبراني عن عبد الله بن يزيد الخطمي أن ابن الزبير خرج يستسقي بالناس فخطب ثم صلى بغير أذان ولا إقامة وفي الناس يومئذ البراء بن عازب وزيد بن أرقم. 2198 - * روى الشيخان عن أبي إسحاق السبيعي قال: "خرج عبد الله بن يزيد الخطمي الأنصاري، وخرج معه البراء بن عازب وزيد بن أرقم فاستسقوا، فقام زيد فاستسقى، فقام لهم على رجليه على غير منبر، فاستغفر، ثم صلى ركعتين، يجهر بالقراءة، ولم يؤذن ولم يقم". - من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء والاستسقاء في صلاة الجمعة: 2199 - * روى البخاري عن عبد الله بن دينار قال: سمعت ابن عمر يتمثل بشعر أبي طالب. وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل

_ 2195 - ابن خزيمة (2/ 334) 656 - باب صفة رفع اليدين في الاستسقاء، وإسناده صحيح. 2196 - ابن خزيمة (2/ 335) 657 - باب صفة تحويل الرداء في الاستسقاء ... وهو حديث حسن. 2197 - مجمع الزوائد (2/ 216) قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. 2198 - البخاري (2/ 513) 15 - كتاب الاستسقاء، 15 - باب الدعاء في الاستسقاء قائماً. 2199 - البخاري (2/ 494) 15 - كتاب الاستسقاء، 3 - سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا.

وفي رواية (1) أخرجها البخاري معلقة: عن ابن عمر: (ربما ذكرت قول الشاعر وأنا أنظر إلى وجه النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي، فما ينزل حتى يجيش كل ميزاب: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل 2200 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "أصابت الناس سنة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة قام أعرابي فقال: يا رسول الله هلك المال، وجاع العيال، فادع الله لنا، فرفع يديه وما نرى في السماء قزعة، فوالذي نفسي بيده، ما وضعهما حتى ثار السحاب أمثال الجبال، ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت السحاب يتحادر على لحيته، فمطرنا يومنا ذلك، ومن الغد، ومن بعد الغد، والذي يليه، حتى الجمعة الأخرى، فقام ذلك الأعرابي- أو قال: غيره- فقال: يا رسول الله، تهدم البناء، وغرق المال، فادع الله لنا، فرفع يديه فقال: "اللهم حوالينا ولا علينا"، فا يشير بيده على ناحية من السحاب إلا انفرجت، وصارت المدينة مثل الجوبة، وسال وادي قناة شهراً، ولم يأت أحد من ناحية إلا حدَّث بالجود". وفي أخرى (2) "أن رجلاً دخل المسجد يوم جمعة من باب كان نحو دار القضاء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً، ثم قال: يا رسول الله،

_ (1) البخاري (2/ 494) نفس الموضع السابق، وهو قول أبي طالب. 2200 - البخاري (2/ 413) 11 - كتاب الجمعة، 35 - باب الاستسقاء في الخطبة يوم الجمعة. مسلم (2/ 614) 9 - كتاب صلاة الاستسقاء، 2 - باب الدعاء في الاستسقاء. (سنة) السنة ها هنا: الجدب والغلاء. (المال) أراد بالمال: المواشي. (قزعة) القزعة- بالتحريك-: القطعة من الغيم، والجمع: قزع. (الجوبة): الموضع المنخفض. (وادي قناة): اسم لواد من أودية المدينة، وعليه زروع لهم. (بالجود): الجود- بفتح الجيم-: المطر الغزير. (2) البخاري (2/ 507، 508) 15 - كتاب الاستسقاء، 7 - باب الاستسقاء في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة.

هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا، قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه، ثم قال: "اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا". قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار، قال: وطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت قال: فلا والله، ما رأينا الشمس سبتا. قال: ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبله قائماً فقال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يمسكها عنا. قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه، ثم قال: "اللهم حوالينا، اللهم على الآكام والظراب، وبطون الأودية، ومنابت الشجر"، قال: فانقلعت وخرجنا نمشي في الشمس، قال شريك: فسألت أنس بن مالك: أهو الرجل الأول؟ قال: لا أدري". وفي أخرى (1) قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، فقام الناس، فصاحوا، فقالوا: يا رسول الله، قحط المطر، واحمرت الشجر، وهلكت البهائم، فادع الله أن يسقينا، فقال: "اللهم اسقنا"- مرتين- وايم الله، ما نرى في السماء قزعة من سحاب، فنشأت سحابة فأمطرت، ونزل عن المنبر فصلى بنا، فلما انصرف لم تزل تمطر إلى الجمعة التي تليها، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب صاحوا إليه: تهدمت البيوت، وانقطعت السبل، فادع الله يحبسها عنا، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: "اللهم حوالينا ولا

_ (يغيثنا): بالرفع، أي: فهو يغيثنا، وهذه رواية الأكثر، وفي بعض الروايات: أن يغثنا، بالنصب، وفي بعضها: يغثنا، بالجزم، والكل صواب. (أغثنا) الإغاثة: الإعانة. والمراد به: إعانتهم بإنزال المطر، وليس هو من الغيث، فإن فعل الغيث ثلاثي، تقول: غاث الغيث الأرض: إذا أصابها، وغاث الله البلاد يغيثها غيثاً، وغيثت الأرض تغاث، والسؤال منه: غيثاً، ومن الغوث: أغثنا. (السبل): جمع سبيل، وهي الطريق. (الآكام): جمع أكمة، وهي الرابية المرتفعة من الأرض. (الظراب): جمع ظرب، وهي صغار الجبال والتلال. (سبتا): وقع للأكثر بلفظ السبت، يعني أحد الأيام، والمراد به: الأسبوع وهو من تسمية الشيء باسم بعضه، كما يقال: جمعة. (المواشي) جمع ماشية، وهي الغنم والبقر والإبل السائمة. (1) البخاري (2/ 512) 15 - كتاب الاستسقاء، 14 - باب الدعاء إذا كثر المطر "حوالينا ولا علينا".

علينا"، وتكشطت المدينة، فجعلت تمطر حولها، ولا تمطر بالمدينة قطرة، فنظرت على المدينة، وإنها لفي مثل الإكليل". وللبخاري (1) قال: "أتى رجل أعرابي من أهل البدو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، فقال، يا رسول الله، هلكت المواشي، هلك العيال، هلك الناس، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه يدعو، ورفع الناس أيديهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعون قال: فما خرجنا من المسجد حتى مطرنا، فما زلنا نمطر حتى كانت الجمعة الأخرى، فأتى الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، بشق المسافر، ومنع الطريق". ولأبي داود (2): قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه حذاء وجهه، فقال: "اللهم اسقنا". قال التهانوي (8/ 147): وفي عمدة القاري: فهذه الأحاديث والآثار كلها تشهد لأبي حنيفة أن الاستسقاء استغفار ودعاء. وأجيب عن الأحاديث التي فيها الصلاة أنه صلى الله عليه وسلم فعلها مرة، وتركها أخرى. وهذا لا يدل على السنية، وإنما يدل على الجواز اهـ. قلت التهانوي فيكون كل من الصلاة والدعاء مستحباً. لأنه صلى الله عليه وسلم لم يواظب على أحد منهما، ولكن الصلاة أحب، لاشتمالها على الدعاء وغيره اهـ. وعبارات البخاري تشير إلى إمكانية طي صلاة الاستسقاء بصلاة الجمعة فلقد ترجم البخاري في كتابه 2/ 507 هذه الترجمة: (الاستسقاء في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة) كما ترجمه في مكان آخر (2/ 501) بقوله:

_ (قحوط): المطر: احتباسه وتأخره. يقال: قحط المطر وقحط- بالفتح والكسر- وأقحط القوم: إذا أصابهم القحط، وهو الجدب، وقحطوا على ما لم يسم فاعله. (تكشطت عن المدينة) الكشط والقشط واحد، وهو قلع الشيء وإزالته والمراد: انكشاف الغيم عن المدينة. (بشق) المسافر- بالباء الموحدة- أي: اشتد عليه السفر من كثرة الوحل. (الإكليل): ما أطاف بالرأس: من عصابة مزينة بجوهر أو خرز ونحوه، أراد: أن الغيم تقطع عن وسط السماء، وصار في آفاقها كالإكليل، وكل شيء أحدق بشيء وأطاف به فهو إكليل له. (1) البخاري (2/ 516) 15 - كتاب الاستسقاء، 21 - باب رفع الناس أيديهم مع الإمام في الاستسقاء. (2) أبو داود (1/ 305) كتاب الصلاة، باب رفع اليدين في الاستسقاء.

(الاستسقاء في المسجد الجامع). قال ابن حجر: أشار بهذه الترجمة إلى أن الخروج إلى المصلى ليس بشرط في الاستسقاء لأن الملحوظ في الخروج المبالغة في اجتماع الناس وذلك حاصل في المسجد الأعظم بناءً على المعهود في ذلك الزمان من عدم تعدد الجامع بخلاف ما حدث في هذه الأعصار في بلاد مصر والشام اهـ كما ترجم البخاري أيضاً (2/ 508): (من اكتفى بصلاة الجمعة في الاستسقاء). قال ابن حجر (2/ 501): فأشار بذلك إلى أنه إن اتفق وقوع ذلك يوم الجمعة اندرجت خطبة الاستسقاء وصلاتها في الجمعة وقال (2/ 508): وفيه تعقب على من استدل به لمن يقول لا تشرع الصلاة للاستسقاء لأن الظاهر ما تضمنته الترجمة. اهـ أي الاكتفاء بصلاة الجمعة. 2201 - * روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: "شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر، فأمر بمنبر، فوضع له في المصلى، ووعد الناس يوماً يخرجون فيه، قالت عائشة: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس، فقعد على المنبر، فكبر وحمد الله، ثم قال: "إنكم شكوتم جدب دياركم، واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم، وقد أمركم الله أن تدعوه، ووعدكم أن يستجيب لكم، ثم قال: الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، لا إله إلا الله، يفعل ما يريد، اللهم أنت الله، لا إله إلا أنت الغني، ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغاً إلى حين". ثم رفع يده، فلم يترك الرفع حتى بدا بياض إبطيه، ثم حول إلى الناس ظهره، وقلب- أو حول- رداءه، وهو رافع يده، ثم أقبل على الناس، ونزل فصلى ركعتين، فأنشأ الله سحابة، فرعدت وبرقت، ثم أمطرت بإذن الله، فلم يأت مسجده حتى سالت السيول، فلما رأى سرعتهم إلى الكن ضحك حتى بدت نواجذه، فقال: "أشهد أن الله على كل شيء قدير، وأني عبد الله ورسوله".

_ 2201 - أبو داود (1/ 304) كتاب الصلاة، باب رفع اليدين في الاستسقاء. وإسناده جيد. (إبان) الشيء: وقته وأوانه. (بلاغاً) البلاغ: ما يتبلغ به، ويتوصل به إلى الشيء المطلوب. (الكن): ما يرد الحر والبرد من الأبنية والمساكن.

- إذا استشفع المشركون بالمسلمين عند القحط

يظهر من النصوص السابقة أن للاستسقاء صوراً ثلاثاً. 1 - أن يخرج الإمام بالناس إلى ظاهر البلد فيعظ الناس ويذكرهم ويدعو الله تعالى ويصلي ركعتين كما في حديث عائشة. 2 - أن يصلي ويدعو دون خطبة كما في حديث ابن عباس. 3 - الدعاء على المنبر يوم الجمعة كما في حديث أنس، وهذا موضع اتفاق. أما الصورة الأولى والثانية فقال بها الجمهور وقال الإمام أبو حنيفة ليس في الاستسقاء صلاة مسنونة في جماعة ولا خطبة فإن صلوا وحداناً جاز وإنما الاستسقاء الدعاء والاستغفار وذلك لقوله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} (1) والذي تدل عليه الأحاديث جواز الصور كلها وأنه يحصل بها المقصود فيتخير الإمام ما يراه أصلح لحال الناس. انظر هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخاصة (155 - 156). - إذا استشفع المشركون بالمسلمين عند القحط: 2202 - * روى الشيخان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "إن قريشاً أبطأوا عن الإسلام، فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذتهم سنة، حتى هلكوا فيها، وأكلوا الميتة والعظام، فجاءه أبو سفيان، فقال: يا محمد، جئت تأمر بصلة الرحم، وإن قومك هلكوا، فادع الله لهم، فقرأ {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} (2) ثم عادوا إلى كفرهم، فذلك قوله تعالى: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} (3) يوم بدر. زاد في رواية (4): فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسقوا الغيث، فأطبقت عليهم سبعاً، وشكا

_ (1) نوح: 10، 11. 2202 - البخاري (2/ 510) 15 - كتاب الاستسقاء، 13 - باب إذا استشفع المشركون بالمسلمين عند القحط. مسلم (4/ 2155، 2156) 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، 7 - باب الدخان. الترمذي (5/ 380) 48 - كتاب تفسير القرآن، 46 - باب ومن سورة الدخان. (2) الدخان: 10. (3) الدخان: 16. (4) البخاري (2/ 510) 15 - كتاب الاستسقاء، 13 - باب إذا استشفع المشركون بالمسلمين.

- رفع الأيدي بدعاء الاستسقاء

الناس كثرة المطر، قال: "اللهم حوالينا ولا علينا"، فانحدرت السحابة عن رأسه، فسقوا الناس حولهم". وفي رواية (1): أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى من الناس إدباراً قال: "اللهم سبعاً كسبع يوسف، فأخذتهم سنة حصت كل شيء حتى أكلوا الجلود والميتة والجيف ... وذكر الحديث. - رفع الأيدي بدعاء الاستسقاء: 2203 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء، فإنه كان يرفع حتى يرى بياض إبطيه". وفي رواية (2): لمسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى، فأشار بظهر كفيه إلى السماء. 2204 - * روى أبو داود عن عمير مولى آبي اللحم رضي الله عنه "أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي عند أحجار الزيت قريباً من الزوراء، قائماً يدعو، يستسقي، رافعاً يديه قبل وجهه، لا يجاوز بهما رأسه". وأخرجه الترمذي عن عمير مولى آبي اللحم، وقال: كذا قال قتيبة في هذا الحديث عن آبي اللحم، قال: [ولا يعرف له عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا هذا الحديث الواحد]، وعمير مولى أبي اللحم قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث، وله صحبة.

_ (1) مسلم (4/ 2156) 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، 7 - باب الدخان. (حص) ريش الطائر: إذا حلقه، فشبه هلاك نبات الأرض بالجدب بحلق ريش الطائر. 2203 - البخاري (2/ 517) 15 - كتاب الاستسقاء، 22 - باب رفع الإمام يده في الاستسقاء. مسلم (2/ 612) 9 - كتاب صلاة الاستسقاء، 1 - باب رفع اليدين بالدعاء في الاستسقاء. (2) مسلم (2/ 612) نفس الموضع السابق. 2204 - أبو داود (1/ 303) كتاب الصلاة، باب رفع اليدين في الاستسقاء. الترمذي (2/ 443) أبواب الصلاة، 395 - باب ما جاء في صلاة الاستسقاء. النسائي (3/ 158، 159) 17 - كتاب الاستسقاء، 9 - كيف يرفع، وإسناده صحيح. (مقنع) أقنع الرجل يديه: إذا رفعهما، وكذلك أقنع رأسه.

- ما يقوله في دعاء الاستسقاء

ولفظ الترمذي أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم عند أحجار الزيت يستسقي وهو مقنع بكفيه يدعو. وأخرجه النسائي مثل الترمذي رواية ولفظاً. 2205 - * روى أبو داود عن محمد بن إبراهيم التيمي رحمه الله قال: أخبرني من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو عند أحجار الزيت باسطاً كفيه". - ما يقوله في دعاء الاستسقاء: 2206 - * روى أبو داود عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يواكي، فقال: "اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً مريعاً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير آجل، قال: فأطبقت عليهم السماء". وفي رواية (1) ذكرها رزين قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استسقى قال: "اللهم اسق بلادك، وارحم عبادك، وانشر رحمتك، وأحي بلدك الميت، اللهم اسقنا غيثاً مريئاً مريعاً، نافعاً غير ضار، عاجلاً غير رائث"، قال: وكان إذا استسقى يمد يديه ويجعل بطونهما مما يلي الأرض، ويرفع حتى أرى بياض إبطيه. 2207 - * روى مالك عن عمرو بن شعيب رحمه الله عن أبيه عن جده "أن رسول الله

_ 2205 - أبو داود (1/ 304) كتاب الصلاة، باب رفع اليدين في الاستسقاء، وإسناده صحيح. 2206 - أبو داود (1/ 303) كتاب الصلاة، باب رفع اليدين في الاستسقاء، وإسناده صحيح وهو حديث صحيح، وسبق حديث عائشة وفيه ذكر ما يقول في دعاء الاستسقاء. (1) ذكرها رزين في مسنده. (يواكي): يتحامل على يديه إذا رفعهما ومدهما في الدعاء، ومنه التوكؤ على العصا وهو التحامل عليها. (مريئاً) سهل المسلك ممتعاً والمرئ الذي يمرئ، يقال: مرأني الطعام وأمرأني. قال الفراء: يقال: هنأني الطعام، ومرأني، فإذا أتبعوها "هنأني" قالوا: "مرأني" بغير ألف، فإذا أفردوها قالوا: "أمرأني". (مريعاً) من المراعة وهي الخصب. (راث) علينا الأمر: إذا أبطأ، فهو رائث. 2207 - الموطأ (1/ 190، 191) 13 - كتاب الاستسقاء، 2 - باب ما جاء في الاستسقاء إلا أن الموطأ لم يذكر عن أبيه عن جده. أبو داود (1/ 305) كتاب الصلاة، باب رفع اليدين في الاستسقاء وإسناده حسن.

- ما يقول إذا رأى المطر

صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا استسقى: "اللهم اسق عبادك وبهائمك، وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت". 2208 - * روى الطبراني عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو إذا استسقى اللهم أنزل في أرضنا بركتها وزينتها وسكنها، وفي رواية (1) وارزقنا وأنت خير الرازقين. - ما يقول إذا رأى المطر: 2209 - * روى البخاري عن عائشة- رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى المطر قال: "اللهم اجعله صيباً نافعاً". وأشار بقوله نافعاً إلى أنه قد يكون المطر ضاراً إذا صار سيولاً فهذا يتعوذ منه كما أنه ربما لا يكون له نفع في الإنبات والخصب كما في الحديث: 2210 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليست السَّنَة أن لا تمطروا، ولكن السَّنة أن تمطروا وتمطروا ولا تنبت الأرض شيئاً". وفي ذلك عبرة أن الرجاء للسقيا يتعلق بإغاثة إلهية وإلا فإن الماء قد يتوفر ولا يحصل النبات أو يحصل النبات وتسلط عليه الآفات وفي ذلك ذكرى لمن كان له قلب.

_ 2208 - الطبراني "المعجم الكبير" (7/ 228)، (7/ 217)، (7/ 223). (1) الطبراني "المعجم الكبير" (7/ 228). كشف الأستار (1/ 318) باب التكبير في صلاة الاستسقاء. مجمع الزوائد (2/ 215) قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والبزار باختصار وإسناده حسن صحيح، يعني إسناد البزار. 2209 - البخاري (2/ 518) 15 - كتاب الاستسقاء، 23 - باب ما يقال إذا أمطرت. النسائي (3/ 164) 17 - كتاب الاستسقاء، 15 - القول عند المطر. (صيباً) الصيب: المطر المدرار الدافق. 2210 - مسلم (4/ 2228) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 15 - باب في سكنى المدينة وعمارتها قبل الساعة.

- الإصابة من مطر السماء

- الإصابة من مطر السماء: 2211 - * روى أبو داود عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال "أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر، فحسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه، حتى أصابه من المطر، قلنا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟ قال: "إنه حديث عهد بربه". - تحريم الاستمطار بالأنواء والتحذير من الشرك بالله: 2212 - * روى أحمد عن معاوية الليثي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يكون الناس مجدبين فينزل الله تبارك وتعالى عليهم رزقاً من رزقه فيصبحون مشركين". فقيل له وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال: يقولون مطرنا بنوء كذا وكذا. أقول: الشرك هنا هو نسبة الأشياء إلى أسبابها وقطع صلة ذلك بالله تعالى، فمن أنكر الأسباب فقد كفر، ومن جعل لها تأثيراً فقد أشرك. 2213 - * روى مالك عن زيد بن خالد الجهني أنه قال: "صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية في أثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس، فقال: "هل تدرون ماذا قال ربكم؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله وبرحمته، فذلك مؤمن بي، كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي، مؤمن بالكوكب". قال في (شرح السنة 4/ 420 - 421):

_ 2211 - أبو داود (4/ 326، 327) كتاب الأدب، 114 - باب ما جاء في المطر. أحمد (3/ 133). مسلم (2/ 615) 9 - كتاب صلاة الاستسقاء، 2 - باب الدعاء في الاستسقاء. 2212 - أحمد (3/ 429). كشف الأستار (1/ 318) باب النهي أن يقال مطرنا بنوء كذا وكذا. مجمع الزوائد (2/ 212) قال الهيثمي: رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط ورجاله موثقون. 2213 - الموطأ (1/ 192) 13 - كتاب الاستسقاء، 3 - باب الاستمطار بالنجوم. البخاري (2/ 333) 10 - كتاب الأذان، 156 - باب يستقبل الإمام الناس إذا سلم.=

قوله: "في أثر سماء" أي في أثر مطر، والعرب تسمي المطر سماء، لأنه ينزل من السماء. والنوء للكواكب الثمانية والعشرين التي هي منازل القمر، يسقط منها في كل ثلاث عشرة ليلة نجم منها في المغرب مع طلوع الفجر، ويطلع آخر يقابله من المشرق من ساعته، فيكون انقضاء السنة مع انقضاء هذه الثمانية والعشرين. وأصل النوء: هو النهوض، سمي نوءاً، لأنه إذا سقط الساقط منها بالمغرب ناء الطالع بالمشرق ينوء نوءاً، وذلك النهوض، وقد يكون النوء للسقوط. وكانت العرب تقول في الجاهلية: إذا سقط منها نجم، وطلع آخر، لابد من أن يكون عند ذلك مطر، فينسبون كل غيث يكون عند ذلك على النجم، فيقولون: مطرنا بنوء كذا. وهذا التغليظ فيمن يرى ذلك من فعل النجم، فأما من قال: مطرنا بنوء كذا، وأراد: سقانا الله تعالى بفضله في هذا الوقت، فذلك جائز. 2214 - * روى مسلم عن أبي مالك الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة". 2215 - * روى أحمد عن سعد بن إبراهيم يعني ابن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما قال: كنت جالساً إلى جنب حميد بن عبد الرحمن، فمر شيخ جميل من بني غفار وفي أذنيه صمم- أو قال وقر- فأرسل إليه حميد فلما أقبل قال: يا ابن أخي أوسع له فيما بيني وبينك فإنه قد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء حتى جلس فيما بيني وبينه فقال له حميد: حدثني بالحديث الذي حدثتني به عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فقال الشيخ: سمعت

_ = مسلم (1/ 83، 84) 1 - كتاب الإيمان، 32 - باب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء. 2214 - مسلم (2/ 644) 11 - كتاب الجنائز، 10 - باب التشديد في النياحة. 2215 - أحمد (5/ 435). مجمع الزوائد (2/ 216) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

- التوسل بالصالحين

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله عز وجل ينشئ السحاب فينطق أحسن النطق ويضحك أحسن الضحك". - التوسل بالصالحين: 2216 - * روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه "أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبيك فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبيك صلى الله عليه وسلم فاسقنا فيسقون". قال الحافظ (2/ 497): وقد بين الزبير بن بكار في "الأنساب" صفة ما دعا به العباس في هذه الواقعة، والوقت الذي وقع فيه ذلك، فأخرج بإسناد له أن العباس لما استسقى به عمر قال: اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة، وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب، ونواصينا إليك بالتوبة، فاسقنا الغيث، فأرخت السماء مثل الحبال حتى أخصبت الأرض، وعاش الناس. وأخرج أيضاً من طريق داود، عن عطاء، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر قال: استسقى عمر بن الخطاب عام الرمادة بالعباس بن عبد المطلب، فذكر الحديث ... وقال الحافظ (2/ 495). وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الداري- وكان خازن عمر- قال: "أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبل النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا فأتي الرجل في المنام فقيل له ائت عمر". قال الحافظ: (وقد روى سيف في الفتوح أن الذي رأى المنام المذكور هو بلال المزني أحد الصحابة).

_ 2216 - البخاري (2/ 494) 15 - كتاب الاستسقاء، 3 - باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا.

الفقرة الرابعة في الكسوف والخسوف

الفقرة الرابعة في الكسوف والخسوف مقدمة وعرض إجمالي: من معجزات رسولنا عليه الصلاة والسلام الكبرى إخراج الظواهر الكونية من مجال الوهم والتوهم وإدخالها في دائرة العلم وفي دائرة التوصل إلى معرفة الحقيقة في شأنها من خلال البحث، وربط الأسباب المسببات لمعرفة خالقها، والقيام بحقوق العبادة والعبودية شكراً له جل جلاله، يظهر ذلك في نصوص كثيرة. ففي معرض السؤال عن الأهلة جاء الجواب: {قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} (1) فمن مجيء الجملة الأخيرة في هذا السياق نفهم أن الظواهر الكونية ينبغي الوصول إليها من خلال الطرق المؤدية على ذلك. وقد جاء في سورة العنكبوت: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} (2) فالآية طلب عن البحث في الأرض للوصول إلى معرفة البدايات الأولى للحياة، وهو ما يسمى الآن بعلم المستحاثات، ومن أعظم ما يظهر فيه مجموع ما قلناه: ما شرع لنا بمناسبتي الكسوف والخسوف وما قاله فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد كان الناس تغلب عليهم الأوهام في أمر الكسوف والخسوف فيربطون ذلك بأحداث أرضية، وتغلب عليهم الغفلة عن الله عز وجل الذي هو خالق كل شيء، ويغلب عليهم القيل والقال والتفسيرات والتخوفات فينشغلون بذلك عن عبادة الله عز وجل، فأزال الشارع هذه الأمور كلها، فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه لا ارتباط للكسوف والخسوف بما يجري على الأرض وأن الكسوف والخسوف من آيات الله التي تدل عليه وإنه إذا حدث الكسوف والخسوف، فأدب المسلم أن يقبل على الله عز وجل بالدعاء والصلاة، فيكون الكسوف والخسوف مذكرين للمسلم بما يجب عليه لله

_ (1) البقرة: 189. (2) العنكبوت: من 20.

خالق كل شيء من القيام بشؤون العبادة والعبودية، وبعد هذه المقدمة التي ستأتي أدلتها نستخلص لك من كتب الفقه خلاصة عن هذا الموضوع: غلب في اصطلاح الناس والفقهاء وعلماء الكون أن يخصص الكسوف بالشمس والخسوف بالقمر، فالكسوف: هو ذهاب ضوء الشمس أو بعضه في النهار بسبب وقوع ظل القمر بين الشمس والأرض، والخسوف: هو ذهاب ضوء القمر أوب عضه ليلاً لوقوع ظل الأرض بين الشمس والقمر. وقد شرعت لنا بمناسبة الكسوف والخسوف صلاة وهي: سنة مؤكدة باتفاق الفقهاء، وهي مشروعة حضراً وسفراً للرجال والنساء، أي للمكلفين ومن تطلب منه الصلاة، ويدخل في ذلك الصبيان ولهم وللعجائز حضورها جماعة، ويؤمر بها من تجب عليه الجمعة اتفاقاً، وتشرع بلا أذان ولا إقامة، وتصلى جماعة أو فرادى سراً أو جهراً، بخطبة أو بلا خطبة وفعلها في مسجد الجماعة والجمعة أفضل، ولا يشترط لها إذن الإمام، ويسن الغسل لها والخطبة عند الشافعية، والوعظ ندباً عند المالكية، وذهب الجمهور غير المالكية والحنابلة إلى شروع الصلاة لكل ظاهرة كونية مفزعة كالزلزلة والصواعق والريح الشديدة، لكن الأصل فيما سوى صلاة الكسوف والخسوف أن تصلى فرادى، والحنابلة يوافقون الجمهور في الصلاة للزلزلة ويرى الحنفية أن صلاة الكسوف والخسوف ركعتان كهيئة الصلوات الأخرى العادية ولا تختلف عنها، وقال الجمهور صلاة الكسوف والخسوف ركعتان في كل ركعة قيامان وقراءتان وركوعان وسجودان والجميع والجميع متفقون على الندب في إطالة القراءة والركوع والسجود لينجلي الكسوف أو الخسوف. وأجاز الحنابلة أن تؤدى صلاة الكسوف والخسوف على كل صفة وردت عن الشارع، فإن شاء أداها كما قال الحنفية وإن شاء أداها بركوعين في كل ركعة، وما يستتبع ذلك من رفع، وإن شاء أداها بثلاث ركوعات في كل ركعة أو خمس ركوعات في كل ركعة، لكن لا يزيد عندهم على خمس ركوعات في كل ركعة، ويخفي الإمام القراءة في صلاة الكسوف والخسوف عند أبي حنيفة وقال الصاحبان يجهر الإمام في صلاة الكسوف والخسوف، وقال المالكية والشافعية يسر الإمام في صلاة كسوف الشمس ويجهر في صلاة خسوف القمر وقال الحنابلة يجهر في صلاتي الكسوف والخسوف.

والجمهور على أن الكسوف والخسوف إذا وقعا في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها لا تصلى فيها وذهب الشافعية إلى أنها تصلى في الأوقات الخمسة المنهي عنها كما تصلى في غيرها. ويندب عند المالكية تكرار صلاة الخسوف حتى ينجلي القمر أو يغيب في الأفق أو يطلع الفجر، ووقت صلاة الكسوف والخسوف من حين الكسوف والخسوف إلى حين التجلي، فإذا حدث التجلي أثناء الصلاة، أتمها خفيفة على صفة الصلاة كما نص عليه الحنابلة، وتفوت صلاة الكسوفين بالتجلي قبل الصلاة أو بغيبوبة الشمس كاسفة، أو بطلوع الشمس والقمر خاسف أو بطلوع الفجر والقمر خاسفاً ويقول الذين لا يرون صلاة الكسوف في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها: إنه يشرع في هذه الحالة الدعاء والذكر، وإن فاتت صلاة الكسوف لفوات وقتها لم تقض، وقال الحنفية والحنابلة: لا خطبة لصلاة الكسوف، وقال المالكية: لا يشترط في هذه الصلاة خطبة وإنما يندب وعظ بعدها يثني فيه على الله عز وجل ويصلي ويسلم على نبيه عليه الصلاة والسلام. وقال الشافعية: يسن أن يخطب الإمام لصلاة الكسوفين خطبتين بعد الصلاة كخطبة الجمعة والعيدين بأركانهما ويعلقون جواز الخطبة في بلد فيه وال على إذنه، واتفق الفقهاء على استحباب الذكر والدعاء والاستغفار والصدقة وفعل القربات بهذه المناسبات. ففي الإسلام تكون هذه المناسبة مذكرة للناس بأن يقوموا بحقوق العبودية لله تعالى، ويدعو الإمام جالساً بعد الصلاة مستقبلاً القبلة إن شاء أو قائماً مستقبلاً الناس. واتفق الفقهاء على أن صلاة الكسوف تسن جماعة في المسجد ويصلي بالناس الإمام الذي يصلي بهم الجمعة إن وجد، وأجاز الحنابلة والشافعية صلاتها فرادى، وقال الحنفية: إن لم يحضر إمام الجمعة صلاها الناس فرادى ركعتين أو أربعاً في منازلهم. وأما صلاة خسوف القمر فإنها تصلى فرادى ويمكن عند الشافعية والحنابلة أن تصلى جماعة. وقال الحنفية: تصلى صلاة الخسوف ركعتين أو أربعاً فرادى في المنازل، وقال المالكية:

يندب لخسوف القمر ركعتان جهراً، وقال الشافعية والحنابلة: صلاة الخسوف كالكسوف بجماعة بركوعين وقيامين وقراءتين وسجدتين في كل ركعة، تؤدى جهراً لا سراً. وإذا اجتمعت صلاتان كالكسوف مع غيرها من الجمعة أو فرض آخر أو العيد أو الجنازة أو الوتر، وإن لم يخف فوته يقدم الكسوف، وتكفي عند الشافعية خطبة الجمعة عن خطبة الكسوف. أما إذا اجتمع عيد أو كسوف مع صلاة جنازة قدمت الجنازة على الكسوف والعيد كما تقدم الجنازة على صلاة العيد إن لم يخف فوتها وتقدم صلاة الكسوف على صلاة العيد والمكتوبة إن أمن الفوت. ويقدم الخسوف على الوتر عند الشافعية والحنابلة كما تقدم عند الشافعية على التراويح. وتقدم التراويح على الكسوف عند الحنابلة إذا تعذر فعلها. (انظر الدر المختار وحاشية ابن عابدين 1/ 565 - 566)، (الشرح الصغير: 1/ 532 - 536)، (المهذب: 1/ 122)، (المغني: 2/ 420 - 429)، (الفقه الإسلامي: 2/ 398 - 410). أقول: وحيث ما كان اختلاف للفقهاء في صلاة الكسوف والخسوف وصلاها الناس جماعة فإن الإمام هو الذي ينبغي أن يقتدى به، فالناس له تبع في هذه الحالة، وهو يختار الكيفية التي يراها إذا كان وراءه ناس من مذاهب مختلفة أما إذا كان في منطقة ليس فيها إلا مذهب واحد كتركيا مثلاً أو المغرب العربي حيث يغلب في الأولى المذهب الحنفي وفي الثانية المذهب المالكي فالأولى أن يراعي مذهب المنطقة. وإلى نصوص هذه الفقرة:

- الصلاة في كسوف الشمس وكيفيتها والتعوذ من عذاب القبر

- الصلاة في كسوف الشمس وكيفيتها والتعوذ من عذاب القبر: 2217 - * روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقام النبي صلى الله عليه وسلم، فصلى بالناس، فأطال القراءة ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع رأسه، فأطال القراءة- وهي دون قراءته الأولى- ثم ركع فأطال الركوع، دون ركوعه الأول، ثم رفع رأسه، فسجد سجدتين، ثم قام فصنع في الركعة الثانية مثل ذلك، ثم قام فقال: "إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما آيتان من آيات الله يريهما عباده، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة". وفي أخرى (1) نحوه، إلا أنه قال: "فسلم وقد تجلت الشمس، فخطب الناس ... " ثم ذكر الحديث. وفي أخرى (2) قال: "خسفت الشمس في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج إلى المسجد، فصف الناس وراءه، فكبَّر ... " وذكر نحوه، إلا أنه قال: ثم قال: "سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم سجد" وفيه "وانجلت الشمس قبل أن ينصرف" ثم وصل به حديثاً عن كثير بن عباس عن ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات، ثم قال الزهري: فقلت لعروة: إن أخاك يوم كسفت الشمس بالمدينة- لم يزد على ركعتين مثل الصبح، قال: أجل، لأنه أخطأ السُّنة". وفي أخرى (3): "أنه صلى الله عليه وسلم جهر في صلاة الخسوف بقراءته، فإذا فرغ من قراءته كبَّر

_ 2217 - البخاري (2/ 545) 16 - كتاب الكسوف، 13 - باب لا تنكسف الشمس لموت أحد أو لحياته. مسلم (2/ 618) 10 - كتاب الكسوف، 1 - باب صلاة الكسوف. (1) البخاري (2/ 535) 16 - كتاب الكسوف، 5 - باب هل يقول كسفت الشمس أو خسفت. (2) البخاري (2/ 533، 534) 16 - كتاب الكسوف، 4 - خطبة الإمام في الكسوف. (3) البخاري (2/ 549) 16 - كتاب الكسوف، 19 - باب الجهر بالقراءة في الكسوف. (كسفت) يقال: كسفت الشمس بالفتح، وكسفها الله، يتعدى فعله ولا يتعدى، وكذلك: كسف القمر، والأولى أن يقال: خسف القمر، وقد جاء في الحديث "كسفت الشمس وخسفت" و"كسف القمر وخسف". (فافزعوا) فزعت إلى الشيء: لجأت إليه، يقال: فزعت إلى الشيء: لجأت إليه، يقال: فزعت إلى فلان فأفزعني، أي: لجأت غليه فألجأني، واستعنت به فأعانني.

فركع، وإذا رفع من الركعة قال: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم يعاود القراءة في صلاة الكسوف أربع ركعات في ركعتين، وأربع سجدات". قال: وقال الأوزاعي وغيره عن الزهري عن عروة عن عائشة: "خسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث منادياً: الصلاة جامعة، فقام فصلى أربع ركعات في ركعتين، وأربع سجدات". قال البخاري: تابعه سليمان بن كثير وسفيان بن حسين عن الزهري في الجهر. وفي رواية (1): وقال أيضاً "فصلوا حتى يفرَّج عنكم"، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيت في مقامي هذا كل شيء وعدتم به، حتى لقد رأيتني أريد أن آخذ قطفاً من الجنة حين رأيتموني جعلت أقدم- وفي رواية أتقدم- ولقد رأيت جهنم يحطم بعضها بعضاً، حين رأيتموني تأخرت، ورأيت فيها ابن لحي، وهو الذي سيب السوائب". وفي أخرى (2) قالت: خسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام. ثم ذكر الأربع ركعات، وإطالته فيها، وأن القيام والركوع في كل منها دون ما قبله. وفيه ... ثم انصرف وقد انجلت الشمس، فخطب الناس، وحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا، وصلوا وتصدقوا"، ثم قال: "يا أمَّة محمد، والله ما من أحد أغير من الله: أن يزني عبده، أو تزني أمته، يا أمَّة محمد، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً". زاد في رواية (3) "ألا هل بلغت؟ ".

_ (1) مسلم (2/ 619) 10 - كتاب الكسوف، 1 - باب صلاة الكسوف. (2) البخاري (2/ 529) 16 - كتاب الكسوف، 2 - باب الصدقة في الكسوف. (3) مسلم (2/ 618) 10 - كتاب الكسوف، 1 - باب صلاة الكسوف. (قطفاً) القطف: العنقود، اسم لكل ما يقطف من الفواكه ونحوها. (يحطم) الحطم: الكسر والدوس. (سيب) السوائب: جمع سائبة، وهي الناقة التي كانوا يسيبونها من إبلهم، فلا تركب ولا تحلب ولا يؤكل لحمها.

وفي أخرى (1) "ثم رفع يديه فقال: اللهم هل بلغت؟ ". وفي أخرى (2) قالت: "إن يهودية جاءت تسألها؟ فقالت لها: أعاذك الله من عذاب القبر، فسألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيعذب الناس في قبورهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عائذاً بالله من ذلك"، ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة مركباً، فخسفت الشمس، فرجع ضحى، فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ظهراني الحجر، ثم قام يصلي، وقام الناس وراءه .. ثم ذكر نحو ما تقدم في عدد الركوع، وطول القيام، وأن ما بعد كل من ذلك دون ما قبله ... وقال في آخره: ثم انصرف، فقال ما شاء الله أن يقول، ثم أمرهم أن يتعوذوا من عذاب القبر". وفي أخرى (3) نحوه، وفي آخره فقال "إني قد رأيتكم تفتنون في القبور كفتنة الدجال، قالت عمرة: فسمعت عائشة تقول: فكنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يتعوذ من عذاب النار وعذاب القبر". ولمسلم (4) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ست ركعات وأربع سجدات. وفي أخرى (5) "أن الشمس انكسفت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام قياماً شديداً، يقوم قائماً، ثم يركع، ثم يقوم، ثم يركع ركعتين في ثلاث ركعات وأربع سجدات، فانصرف وقد تجلت الشمس، وكان إذا ركع قال: الله أكبر، ثم يركع، وإذا رفع رأسه قال: سمع الله لمن حمده، فقام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما من آيات الله يخوف الله بهما عباده، فإذا رأيتم كسوفاً، فاذكروا الله حتى ينجليا".

_ (1) مسلم (2/ 619) نفس الموضع السابق. (2) البخاري (2/ 538) 16 - كتاب الكسوف، 7 - باب التعوذ من عذاب القبر في الكسوف. (3) مسلم (2/ 621، 622) 10 - كتاب الكسوف، 2 - باب ذكر عذاب القبر في صلاة الخسوف. (4) مسلم (2/ 621) 10 - كتاب الكسوف، 1 - باب صلاة الكسوف. (5) مسلم (2/ 620، 621) 10 - كتاب الكسوف، 1 - باب صلاة الكسوف. (عائذ) العائذ: اللاجئ، عذت بفلان: أي لجأت إليه. (ظهراني الحجر) الحجر: جمع حجرة، يريد بها منازل نسائه. وظهرانيها- بفتح النون- أي: بينها. (تفتنون في القبور) الفتنة: الاختبار والامتحان. والمراد بفتنة القبور: مساءلة منكر ونكير.

أقول: استدل الشافعي وأحمد بهذه الرواية على مشروعية الخطبة بعد صلاة الكسوف وذهب الحنفية والمالكية إلى أن هذا التذكير كان عارضاً لتصحيح الاعتقاد فلا تسن خطبة للكسوف. وقد أخرج أبو داود (1) رواية ذكر فيها: "ثلاث ركعات، يركع الثالثة ثم يسجد، حتى إن رجالاً يومئذ ليغشى عليهم مما قام بهم، حتى إن سجال الماء لتصب عليهم، يقول إذا ركع: الله أكبر ... وذكر الحديث" وقال في آخره: "يخوِّف بهما عباده، فإذا كسفا فافزعوا إلى الصلاة". وله في أخرى (2) قال: كسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس، فقام، فحزرت قراءته، فرأيت أنه قرأ سورة البقرة ... وساق الحديث، ثم سجد سجدتين، ثم قام فأطال القراءة، فحزرت قراءته، فرأيت أنه قرأ سورة آل عمران .. " وساق الحديث من لفظ أبي داود. أقول: في الروايات التي مرت معنا رأينا ثلاث صيغ لصلاة الكسوف، صيغة ابن الزبير: التي قال عنها أخوه عروة أنه أخطأ السنة أي صلاها كصلاة الفجر، وابن الزبير خليفة راشد فاجتهاده عندنا أقوى من اجتهاد أخيه، فعمله يدل على أن صلاة الكسوف تصلى كما تصلى صلاة الفجر بركوع واحد وسجدتين في كل ركعة وهو الذي أخذ به الحنفية. والصيغة الثانية: أن يركع في كل ركعة مرتين، وأن يقرأ قبل الركوع الأول وقبل الركوع الثاني ثم يسجد سجدتين كالعادة. والصيغة الثالثة: أن يركع ثلاث ركوعات في الركعة الواحدة ويقرأ ثلاث مرات في كل ركعة ثم يسجد سجودين. وقد رأينا أن الحنابلة يجيزون أن يركع في الركعة الواحدة خمس ركوعات، قبل كل ركوع قراءة، ويعتبرون كلاً سنة والأمر واسع، وقد لاحظنا من الروايات أن الرسول صلى الله عليه وسلم خطب بعد صلاة الكسوف، والفقهاء على رأيين في هذا

_ (1) أبو داود (1/ 306) كتاب الصلاة، باب صلاة الكسوف. (2) أبو داود (1/ 309) كتاب الصلاة، باب القراءة في صلاة الكسوف. (سجال) السجال: جمع سجل، وهو الدلو إذا كان فيه ماء، قل أو كثر، ولا يقال له وهو فارغ: سجل، ولفظه مذكر، والدلو مؤنثة، هكذا قال الجوهري. وقال الأزهري: السجل: أعظم ما يكون من الدلاء.

الموضوع، فمنهم من اعتبر خطبته سنة دائمة ومنهم من اعتبرها خاصة بتلك الصلاة، ولاحظنا أن بعض الروايات تذكر رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم للجنة والنار وقد قربتا منه ولم يرهما أصحابه فدل ذلك على أن الجنة والنار مغيبتان عنا وإذا كانت الجنة فوق السماء السابعة الآن فهذا دليل على أن ما ذهبنا إليه من أن السماوات السبع والكرسي والعرش كلها من أمر الغيب. ويمكننا إجمال فوائد الأحاديث بما يلي: 1 - دل الحديث على مشروعية صلاة الكسوف وأن تؤدى بجماعة في المسجد، وقد اتفق العلماء على أنها سنة مؤكدة؛ لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم إياها، وجمعه الناس عليها، وهذه أمارات التأكيد. 2 - دل حديث عائشة على أن صلاة الكسوف ركعتان في كل ركعة ركوعان، وقد اتفقوا على عدد الركعات أنه اثنتان، لكن اختلفوا في عدد الركوع: فذهب الحنفية إلى أنها تصلى بركوع واحد في كل ركعة. وأجاب الحنفية عن أحاديث تعدد الركوع بأجوبة اختار منها الكمال بن الهمام، القول بالاضطراب، لأن الرواة اختلفوا، فتارة قالوا ركوعين، وتارة قالوا ثلاثة ركوعات، وتارة قالوا أربعة ركوعات، وقالوا غير ذلك. فوجب أن يصلي ما هو المعهود في الصلاة وهو ركعتان بركوع واحد للركعة. فرجعوا بهذه الدلالة العمل برواية الركوع الواحد. وذهب المالكية والشافعية: إلى أنه يركع في كل ركعة ركوعين عملاً بحديث عائشة وغيرها، وقالوا إنه أصح الروايات وأشهرها فيعمل به، ويكون راجحاً على الروايات الأخرى. وهؤلاء سلكوا أيضاً طريق الترجيح بين الروايات. أما الحنبلية فقالوا: الأفضل ما ورد في حديث عائشة، ولا مانع من الزيادة في الركوع عملاً بالروايات الأخرى. وهذا المسلك ذهب إلى الجمع بين الروايات والعمل بها جميعها.

- الشمس والقمر آيتان لا يكسفان لموت أحد ولا لحياته

- الشمس والقمر آيتان لا يكسفان لموت أحد ولا لحياته: 2218 - * روى احمد عن محمود بن لبيد قال كسفت الشمس يوم مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا كسفت الشمس لموت إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله عز وجل ألا وإنهما لا يكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموهما كذلك فافزعوا إلى المساجد" ثم قام فقرأ بعض الذاريات ثم ركع ثم اعتدل ثم سجد سجدتين ثم قام ففعل كما فعل في الأولى. أقول: هذه الرواية تدل على أن ما فعله ابن الزبير كما مر معنا في إحدى الروايات السابقة كانت سنة، وهو الذي أخذ به فقهاء الحنفية وهذا النص يشهد لذلك. 2219 - * روى أبو داود عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: "بينما أنا وغلام من الأنصار نرمي غرضين لنا، حتى إذا كانت الشمس قيد رمحين أو ثلاثة في عين الناظر من الأفق، اسودت حتى آضت كأنها تنومة، فقال أحدنا لصاحبه: انطلق بنا إلى المسجد، فوالله ليحدثن شأن هذه الشمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته حدثاً، قال: فدفعنا فإذا هو بارز، فاستقدم فصلى، فقام بنا كأطول ما قام بنا في صلاة قط، لا نسمع له صوتاً، قال: ثم ركع بنا كأطول ما ركع بنا في صلاة قط، لا نسمع له صوتاً، قال: ثم سجد كأطول ما سجد بنا في صلاة قط، لا نسمع له صوتاً، ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك، قال: فوافق تجلي الشمس جلوسه في الركعة الثانية، ثم سلم فحمد الله وأثنى عليه،

_ 2218 - أحمد (5/ 428). مجمع الزوائد (2/ 207) قال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. 2219 - أبو داود (1/ 308) كتاب الصلاة، باب من قال أربع ركعات. النسائي (3/ 140) 16 - كتاب الكسوف، 15 - نوع آخر. (قيد) القيد، بكسر القاف: القدر، الغرضان: الهدفان. (تنومة) التنومة من نبات الأرض: نبت فيه وفي ثمره سواد قليل. (بارز) قال الخطابي: قوله: "بارز" براء غير معجمة قبل زاي معجمة، وهو اسم فاعل من البروز- الظهور خطأ: وهو تصحيف من الراوي، وإنما هو "بأزز" بزاءين معجمتين: أي بجمع كثير. تقول العرب: الفضاء منهم أزز والبيت منهم أزز: إذا غص بهم لكثرتهم. وقال الأزهري في كتاب "التهذيب" وذكر حديث سمرة بن جندب وقال: "بأزز" بزاءين أيضاً، وفسره بمعناه، وكذلك ذكره الهروي في كتابه، قال: يقال: أتيت الوالي والمجلس أزز، أي: كثير الزحام ليس فيه متسع، ويقال: الناس أزز: إذا انضم بعضهم إلى بعض.

وشهد أن لا إله إلا الله، وشهد أنه عبده ورسوله ... ثم ساق ابن يونس خطبة النبي صلى الله عليه وسلم". وأخرجه النسائي، ولم يذكر "حتى آضت كأنها تنومة" وقال فيه: "فدفعنا إلى المسجد، قال: فوافقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى الناس، قال: فاستقدم" والباقي مثله. وله في أخرى (1): "أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب حين انكسفت الشمس، فقال: أما بعد .. ". وله (2) وللترمذي (3) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بنا في كسوف لا نسمع له صوتاً". قال محقق الجامع: وفي سنده ثعلبة بن عباد العبدي وهو مجهول لم يوثقه غير ابن حبان، قال الترمذي: حديث سمرة، حديث حسن صحيح، قال: وفي الباب عن عائشة، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، ولعل ذلك لشواهده، فقد جاء عن ابن عباس قال: كنت إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف، فما سمعت منه حرفاً، رواه أحمد وأبو يعلى والبيهقي من حديث عكرمة عنه، وزاد في آخره: حرفاً من القرآن، وفي سنده ابن لهيعة، وهو ضعيف، وللطبراني من طريق موسى بن عبد العزيز عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس، ولفظه: صليت إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم يوم كسفت الشمس فلم أسمع له قراءة، وقد ذكر هذه الروايات الحافظ في التلخيص، وقال الترمذي: وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا، يعني الإسرار بالقراءة في صلاة الكسوف، وهو قول الشافعي. أقول: وقد قال بذلك كثير من الفقهاء، وفي الصحيحين، عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم في كسوف الشمس وجهر بالقراءة فيها. قال أبو بكر بن العربي: والجهر عندي أولى لأنها صلاة جامعة ينادى لها ويخطب، فأشبهت العيد والاستسقاء، والله أعلم. وقال الحافظ في "الفتح" بعد ما ذكر أحاديث الإسرار في قراءته: وعلى تقدير صحتها، فمثبت

_ (1) النسائي (3/ 152) 16 - كتاب الكسوف، 23 - باب كيف الخطبة في الكسوف. (2) النسائي (3/ 148، 149) 16 - كتاب الكسوف، 19 - باب ترك الجهر فيها بالقراءة. (3) الترمذي (2/ 451) أبواب الصلاة، 397 - باب ما جاء في صفة القراءة في الكسوف.

ما عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمر الجنة والنار في صلاة الخسوف

الجهر معه قدر زائد، فالأخذ به أولى، وإن ثبت التعدد، فيكون فعل ذلك لبيان الجواز. اهـ. ما عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمر الجنة والنار في صلاة الخسوف: 2220 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "انكسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الناس: إنما كسفت لموت إبراهيم، فقام النبي صلى الله عليه وسلم، فصلى بالناس ست ركعات بأربع سجدات، ثم بدأ فكبَّر، ثم قرأ فأطال القراءة، ثم ركع نحواً مما قام، ثم رفع رأسه من الركوع، فقرأ قراءة دون القراءة الأولى، ثم ركع نحواً مما قام، ثم رفع رأسه من الركوع، فقرأ قراءة دون القراءة الثانية، ثم ركع نحواً مما قام، ثم رفع رأسه من الركوع، ثم انحدر بالسجود، فسجد سجدتين، ثم قام أيضاً، فركع ثلاث ركعات ليس منها ركعة إلا التي قبلها أطول من التي بعدها، وركوعه نحو من سجوده، ثم تأخر وتأخرت الصفوف خلفه، حتى انتهينا إلى النساء، ثم تقدم وتقدم الناس معه حتى قام في مقامه، فانصرف حين انصرف وقد آضت الشمس، فقال: "يا أيها الناس، إنما الشمس والقمر آيتان من آيات الله، وإنهما لا ينكسفان لموت أحد من الناس، فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فصلوا حتى تنجلي، ما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه، ولقد جيء بالنار، وذلك حين رأيتموني تأخرت، مخافة أن يصيبني من لفحها، وحتى رأيت فيها صاحب المحجن يجر قصبه في النار، كان يسرق الحاج بمحجنه، فإن فطن له قال: إنما تعلق المحجن، وإن غفل عنه ذهب به، وحتى رأيت فيها صاحبة الهرة التي ربطتها فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت جوعاً، ثم جيء

_ 2220 - مسلم (2/ 623، 624) 10 - كتاب الكسوف، 3 - باب ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار. (آضت) آض الشيء: إذا عاد ورجع. (لفحها) لفح النار: حرها ووهجها. (المحجن): شبه الصولجان، وليس به. (قصبه) القصب: واحد الأقصاب، وهي الأمعاء. (خشاش الأرض) حشراتها وهوامها، وقد جاء في الحديث "خشاشها- أو خشيشها".

- صلاة الرجال مع النساء في الكسوف

بالجنة، وذلك حين رأيتموني تقدمت حتى قمت في مقامي، ولقد مددت يدي، فأنا أريد أن أتناول من ثمرها لتنظروا إليه، ثم بدا لي أن لا أفعل، فما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه". وفي أخرى (1) قال: "كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم شديد الحر، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه، فأطال القيام، حتى جعلوا يخرون، ثم ركع فأطال، ثم رفع فأطال، ثم ركع فأطال، ثم سجد سجدتين ثم قام فصنع نحواً من ذلك، فكانت أربع ركعات وأربع سجدات، ثم قال: "إنه عرض علي كل شيء تولجونه، فعرضت علي الجنة، حتى لو تناولت منها قطفاً لأخذته"- أو قال: "تناولت منها قطفاً، فقصرت يدي عنه- وعرضت علي النار، فرأيت فيها امرأة من بني إسرائيل تعذب في هرة لها ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض، ورأيت أبا ثمامة عمرو بن مالك يجر قصبه في النار، وإنهم كانوا يقولون: إن الشمس والقمر لا يخسفان إلا لموت عظيم، وإنهما آيتان من آيات الله يريكموهما، فإذا خسفا فصلوا حتى تنجلي". وفي أخرى (2) نحوه، إلا أنه قال: "ورأيت في النار امرأة حميرية سوداء طويلة" ولم يقل "من بني إسرائيل". - صلاة الرجال مع النساء في الكسوف: 2221 - * روى الشيخان عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: "أتيت عائشة رضي الله عنها وهي تصلي، فقلت: ما شأن الناس؟ فأشارت إلى السماء، فإذا النسا قيام، قالت: سبحان الله، قلت: آية؟ فأشارت برأسها: أي نعم، فقمت حتى تجلاني الغشي، فجعلت أصب على رأسي الماء، فحمد الله النبي صلى الله عليه وسلم وأثنى عليه، قال: "ما من

_ (1) مسلم (2/ 622) نفس الموضع السابق. (2) مسلم (2/ 623) نفس الموضع السابق. (تجلت) الشمس: إذا انكشفت وخرجت من الكسوف، وكذلك انجلت. 2221 - البخاري (1/ 182) 3 - كتاب العلم، 24 - باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس. مسلم (2/ 624) 10 - كتاب الكسوف، 3 - باب عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار.

تفتنون في قبوركم مثل، أو قريباً- لا أدري أي ذلك قالت أسماء؟ - من فتنة المسيح الدجال. يقال: ما علمك بهذا الرجل؟ فأما المؤمن، أو الموقن- لا أدري أيهما قالت أسماء؟ - فيقول: هو محمد، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاءنا بالبينات والهدى، فأجبنا واتبعنا، هو محمد- ثلاثاً- فيقال: نم صالحاً، قد علما إن كنت لموقناً به، وأما المنافق، أو المرتاب؛ - لا أدري أي ذلك قالت أسماء؟ فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته". وفي حديث (1) زائدة "لقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعتاقة في كسوف الشمس". قال البخاري: قالت أسماء: "فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تجلت الشمس، فحمد الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد: ". قال البخاري (2) في رواية وذكر نحو ما قدمنا، وفيه قالت: "فأطال رسول الله صلى الله عليه وسلم جداً، حتى تجلاني الغشي، وإلى جنبي قرية فيها ماء، ففتحتها فجعلت أصب منها على رأسي، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تجلت الشمس، فخطب الناس، فحمد الله بما هو أهله، ثم قال: "أما بعد"- ولغط نسوة من الأنصار، فانكفأت إليهن لأسكتهن- فقلت لعائشة: ما قال؟ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من شيء لم أكن رأيته إلا رأيته في مقامي هذا، حتى الجنة والنار، ولقد أوحي إلي: أنكم تفتنون في القبور مثل- أو قريباً- من فتنة الدجال" ثم ذكر نحو ما تقدم ... إلى قوله: "سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته" قال هشام: وقد قالت لي فاطمة فأوعيته، غير أنها ذكرت ما يغلَّظ عليه. وللبخاري (3) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الكسوف، فقام فأطال القيام، ثم ركع

_ (1) البخاري (2/ 543، 544) 16 - كتاب الكسوف الشمس. (2) البخاري (2/ 402، 403) 11 - كتاب الجمعة، 29 - باب من قال في الخطبة بعد الثناء أما بعد. (3) البخاري (2/ 231) 10 - كتاب الأذان، 90 - باب 745. (العتاقة): من العتق وهو الحرية. (فانكفأت) الانكفاء: الرجوع من حيث جئت، أو الميل إلى جهة أخرى.

- إطالة القيام والركوع والسجود في الكسوف والركعة الأولى في الكسوف أطول

فأطال الركوع، ثم قام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع، ثم سجد فأطال السجود، ثم رفع، ثم سجد فأطال السجود، ثم قام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم قام فأطال القيام، ثم ركع فأطال الركوع، ثم رفع، فسجد فأطال السجود، ثم رفع، فسجد فأطال السجود، ثم انصرف، فقال: "قد دنت مني الجنة، حتى لو اجترأت عليها لجئتكم بقطاف من قطافها، ودنت مني النار، حتى قلت: أي رب، وأنا معهم؟ وإذا امرأة- حسبت أنه قال: تخدشها هرة- قلت: ما شأن هذه؟ قالوا: حبستها حتى ماتت جوعاً، لا هي أطعمتها، ولا أرسلتها تأكل"- قال نافع: حسبت أنه قال: من خشيش الأرض- أو خشاش- قال أبو بكر الإسماعيلي: والصحيح "أو أنا معهم؟ " قال: وقد يستخف إسقاط ألف الاستفهام في مواضع. - إطالة القيام والركوع والسجود في الكسوف والركعة الأولى في الكسوف أطول: 2222 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: انخسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه، فقام قياماً طويلاً نحواً من قراءة سورة البقرة، ثم ركع ركوعاً طويلاً، ثم رفع فقام قياماً طويلاً، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً، وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم قام قياماً طويلاً، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً، وهو دون الركوع الأول، ثم رفع، فقام قياماً طويلاً، وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعاً طويلاً، وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم انصرف وقد تجلت الشمس، فقال صلى الله عليه وسلم: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله"، قالوا: يا رسول الله، رأيناك تناولت شيئاً في مقامك، ثم رأيناك تكعكعت؟ قال:

_ 2222 - البخاري (2/ 540) 16 - كتاب الكسوف، 9 - باب صلاة الكسوف جماعة. مسلم (2/ 626) 10 - كتاب الكسوف، 3 - باب ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار. (تكعكعت) التكعكع: المشي إلى وراء، وقيل: التوقف والاحتباس. عند مسلم "بكفر العشير، وبكفر الإحسان" قال النووي في "شرح مسلم": هكذا ضبطناه بالباء الموحدة الجارة، وفيه جواز إطلاق الكفر على كفران الحقوق، وإن لم يكن ذلك الشخص كافراً بالله تعالى.

- الفزع إلى الدعاء والذكر والاستغفار عند كسوف الشمس

"إني رأيت الجنة، فتناولت عنقوداً، ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، وأريت النار، فلم أر منظراً كاليوم قط أفظع، ورأيت أكثر أهلها النساء"، قالوا: بم يا رسول الله؟ قال: "بكفرهن". قيل: أيكفرن بالله؟ قال: "يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله، ثم رأت منك شيئاً، قالت: ما رأيت منك خيراً قط". ولمسلم (1) في أخرى قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كسفت الشمس ثماني ركعات في أربع سجدات. وقال: عن علي مثل ذلك. - الفزع إلى الدعاء والذكر والاستغفار عند كسوف الشمس: 2223 - * روى الشيخان عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: "خسفت الشمس في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام فزعاً يخشى أن تكون الساعة، حتى أتى المسجد، فقام يصلي بأطول قيام وركوع وسجود، ما رأيته يفعله في صلاة قط، ثم قال: إن هذه الآيات التي يرسلها الله، لا تكون لموت أحد ولا لحياته، ولكن الله عز وجل يرسلها يخوِّف بها عباده، فإذا رأيتم منها شيئاً فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره". 2224 - * روى أحمد عن علي قال: كسفت الشمس فصلى علي فقرأ يس أو نحوها ثم ركع نحواً من قدر السورة ثم رفع رأسه فقال سمع الله لمن حمده ثم قام قدر السورة يدعو ويكبر ثم ركع قدر قراءته أيضاً ثم قال سمع الله لمن حمده ثم قام أيضاً قدر السورة ثم ركع قدر ذلك أيضاً حتى صلى أربع ركعات ثم قال سمع الله لمن حمده ثم سجد ثم قام إلى الركعة الثانية ففعل كفعله في الركعة الأولى ثم جلس يدعو ويرغِّب حتى انجلت الشمس ثم حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك فعل.

_ (1) مسلم (2/ 627) 10 - كتاب الكسوف، 4 - باب ذكر من قال أنه ركع ثماني ركعات في أربع سجدات. 2223 - البخاري (2/ 545) 16 - كتاب الكسوف، 14 - باب الذكر في الكسوف. مسلم (2/ 628، 629) 10 - كتاب الكسوف، 5 - باب ذكر النداء بصلاة الكسوف الصلاة الجامعة. النسائي (3/ 153، 154) 16 - كتاب الكسوف، 25 - باب الأمر بالاستغفار في الكسوف. (ففزع) فزعت إلى الأمر: لجأت إليه. 2224 - أحمد (1/ 143). مجمع الزوائد (2/ 207) قال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات.

2225 - * روى البزار عن علي قال انكسفت الشمس فقام علي فركع خمس ركعات وسجدتين ثم قام في الركعة الثانية مثل ذلك ثم قال ما صلاها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد غيري. أقول: رأينا أن مذهب الحنابلة أدخل في صيغ صلاة الكسوف أن يركع في الركعة الواحدة أربعة ركوعات أو خمسة وهاتان الروايتان عن علي تشهد لهاتين الصيغتين، وعلى هذا فهناك خمس كيفيات لصلاة الكسوف كل منها مشروع. قال الخطابي في "معالم السنن" يشبه أن يكون اختلاف الروايات في صلاة الكسوف، في عدد ركعاتها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلاها دفعات، فكانت إذا طالت مدة الكسوف مد في صلاته، وإذا لم تطل لم يطل. قال ابن خزيمة: فجائز للمرء أن يصلي في الكسوف كيف أحب وشاء مما فعل النبي صلى الله عليه وسلم من عدد الركوع، إن أحب ركع في كل ركعة ركوعين، وإن أحب ركع في كل ركعة ثلاث ركعات وإن أحب ركع في كل ركعة أربع ركعات، لأن جميع هذه الأخبار صحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الأخبار دالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في كسوف الشمس مرات لا مرة واحدة.

_ 2225 - كشف الأستار (1/ 325) باب صلاة الكسوف. مجمع الزوائد (2/ 207) قال الهيثمي: رواه البزار وقد تقدم حديث علي من مسند أحمد ورجاله رجال الصحيح.

الفقرة الخامسة في صلاة الجنازة وأحكام الشهداء

الفقرة الخامسة في صلاة الجنازة وأحكام الشهداء مقدمة وعرض إجمالي: إذا تأملت في النصوص التي تتحدث عن الزواج وفي الأحكام التي تتعلق بالنكاح، وإذا تأملت الأحكام المتعلقة ببعض الحدود كحد الزنا والقذف فإنك تجد الرعاية للذرية تبدأ بالنسبة للإنسان قبل الولادة فإذا عرفت أن الإسلام خص الطفل والمرأة والشيوخ بمزيد الوصايا والرعاية عرفت أن من خواص هذا الدين الرحمة بالمستضعفين والعاجزين، وإذا عرفت أن للطفل أول ما يولد أحكاماً وأن للإنسان إذا مات حقوقاً عرفت مظهراً من مظاهر شمولية هذا الدين لكل حالات الإنسان، وهذا مظهر من مظاهر أن هذا الدين دين الله. وحقوق الإنسان عند الوفاة كثيرة، وحقوقه إذا مرض كثيرة، فمن حق المسلم على المسلم أن يعوده إذا مرض ويتبع جنازته إذا مات، ونحن في كتابنا هذا سنخص أدب التعامل مع الموت بجزء خاص في القسم الرابع من أقسام هذا الكتاب كما سنخصص للكلام عن الطب والمرض جزءاً خاصاً في القسم الرابع كذلك، وها هنا نكتفي بذكر حق من حقوق الميت المسلم سواء كان رجلاً أو امرأة وطفلاً بالذكر وهو حقه أن يصلى عليه، وإذا كان للشهيد أحكام خاصة به ومنها ما له علاقة في الصلاة عليه واختلاف الفقهاء في بعض صور ذلك، ولكون الصلاة على الميت ألصق ببحث الصلاة، فقد ذكرنا هذه الفقرة هنا، وها نحن نستخلص لك خلاصة من كتب الفقه في أحكام الصلاة. - الصلاة على المسلم الميت غير الشهيد سواء كان ذكراً أو أنثى فرض كفاية على الأحياء بالإجماع إذا فعلها البعض ولو واحد سقط الإثم عن الباقين، وإذا أريدت الصلاة نودي: الصلاة على الميت يرحمكم الله ولا تجوز الصلاة على كافر أو منافق، وهي عند الحنفية: حق لكل مسلم مات إلا البغاة وقطاع الطريق إذا قتلوا في الحرب، وأهل العصبية والمكابر في

مصر ليلاً بسلاح. أو من تكرر منه الخنق في المصر، ولا يصلى عندهم على قاتل أحد أبويه إهانة له إذا قتله الإمام قصاصاً، أما إن مات حتف أنفه فإنه يصلى عليه والمراد بأهل العصبية هم الذين يتعاونون على الظلم، ويتعصبون لقوم أو قبيلة ويقتلون بسبب ذلك وهم ظالمون، ومن قتل نفسه عمداً يغسل ويصلى عليه على المفتى به عند الحنفية، ورأى قوم كأبي يوسف أنه لا يصلى عليه، وقال المالكية ولا يصلي الإمام على من قتله في حد أو قصاص، ويصلي عليه غيره، وقال المالكية وينبغي لأهل الفضل أن يجتنبوا الصلاة على المبتدعة ومظهري الكبائر، واستثنى الحنابلة من فرضية صلاة الجنازة الشهيد والمقتول ظلماً، والجمهور غير الحنفية على أن الشهيد لا يصلى عليه، ولم يصلِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على من غل من الغنيمة أي أخذ شيئاً من الغنيمة دون إذن الإمام. والأحق بالصلاة عند الحنفية على الميت السلطان إذا حضر أو نائبه إذا غاب، أو القاضي في حال غياب الاثنين، ثم إمام الحي، ثم الولي الذكر المكلف بترتيب عصوبة أو أولياء نكاح والأب يقدم على الابن ويقدم الأقرب فالأقرب، كترتيبهم في ولاية الزواج ولمن له حق التقدم أن يأذن لغيره ومن له ولاية التقدم أحق ممن أوصى له الميت بالصلاة عليه على المفتى به. فإن صلى عليه غير الوالي والسلطان ونائبه فللولي إعادة الصلاة ولو على قبره إن شاء وإن صلى الولي لم يجز لأحد أن يصلي عليه بعده، فإذا دفن ولم يصل عليه صلى على قبره ما لم يغب على الظن تفسخه، وقال المالكية والحنابلة أحق الناس بالصلاة على الميت من أوصى الميت أن يصلي عليه ثم الوالي أو الأمير ثم الأولياء والعصبات على ترتيب ولايتهم في النكاح، لكن يقدم الأخ وابنه عند المالكية على الجد، ويصلي النساء عند المالكية حال عدم الرجال فرادى دفعة واحدة، ويقدم عند الحنابلة الأحق بالإمامة في المكتوبات، وقال الشافعية: الولي أولى بالإمامة من الوالي ولو أوصى الميت لغير الولي، ويقدم الأب ثم الجد وإن علا ثم الابن وإن سفل ثم الأخ الشقيق ثم الأخ لأب ... فإذا لم يوجد عصبات قدم الأقرب فالأقرب من ذوي الأرحام فإن استوى الأولياء في الدرجة وكلهم صالح للإمامة فالأسن ولو

كان غيره أفقه منه، واتفقت المذاهب الأربعة على جواز الصلاة على الجنائز المتعددة دفعة واحدة وعلى أن إفراد كل جنازة بصلاة أفضل ويقدم الأفضل فالأفضل. وفي حال اجتماع الجنائز: قال الحنفية تصف صفاً عريضاً ويقوم الإمام عند أفضلهم أو تصف صفاً طويلاً مما يلي القبلة بحيث يكون صدر كل واحد منهم قدام الإمام محاذياً له. ولصلاة الجنازة عند الحنفية ركنان: التكبيرات الأربع والقيام، والسلام مرتين بعد التكبيرة الرابعة واجب عندهم، والنية شرط ولا تجوز الصلاة عندهم على الجنازة راكباً ولا قاعداً بغير عذر، وسنن الصلاة عندهم: التحميد والثناء والدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. وأركان الصلاة عند المالكية: النية والتكبيرات الأربع والدعاء للميت بما تيسر وتسليمة واحدة والقيام للقادر عليه. وعند الشافعية والحنابلة: قراءة الفاتحة بعد التكبيرة الأولى ركن، وكيفية الصلاة عند الحنفية: أن ينوي المصلي الصلاة لله تعالى والدعاء لهذا الميت ثم يرفع يديه في التكبيرة الأولى فقط ويدعو بدعاء الثناء وهو (سبحانك اللهم ...) ثم يكبر التكبيرة الثانية ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يكبر التكبيرة الثالثة ويدعو فيها لنفسه وللميت وللمسلمين ثم يكبر الرابعة ويسلم، وجاز عندهم أن تقرأ الفاتحة بعد الثناء على نية الثناء لا على نية التلاوة، ويندب أن يدعو بالمأثورات، وإلا فما تيسر، ولو كبر الإمام خمساً لم يتبع، فيمكث المؤتم حتى يسلم مع الإمام إذا سلم، ولا يستغفر لصبي ومجنون، ولكن يدعو لهم بالمأثور كما سنراه. وأفضل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنازة وغيرها هي الصلاة الإبراهيمية، وكما رأينا فإنه لا يرفع يديه إلا عند التكبيرة الأولى فقط ويضع بعد ذلك يده اليمنى على اليسرى تحت سرته حتى ينهي الصلاة. وصلاة الجنازة متقاربة في المذاهب.

وخلاصة الأمر هي ما يلي

وخلاصة الأمر هي ما يلي: أن صلاة الجنازة تبدأ بالنية وتشتمل على أربع تكبيرات ودعاء للميت حال القيام، وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وفاتحة وسلام إلا أن النية شرط لا ركن عند الحنفية والحنابلة، ومحل الدعاء عند الجمهور بعد التكبيرة الثالثة، وعقب كل تكبيرة حتى الرابعة على المعتمد عند المالكية، والصلاة على النبي مسنونة عند الحنفية، مندوبة عند المالكية، ركن عند الآخرين، والسلام واجب عند الحنفية ركن عند الجمهور، وقراءة الفاتحة مكروهة تحريماً بنية التلاوة جائزة بنية الدعاء عند الحنفية، ومكروهة تنزيهاً عند المالكية وركن عند الآخرين. ولو زاد الإمام عن أربع تكبيرات لا يتابعه المقتدي في الزيادة، وإنما ينتظره ليسلم معه عند الحنفية والشافعية، ويسلم عند المالكية، ويتابعه إلى سبع تكبيرات عند الحنابلة. وقال الحنفية: يندب أن يقوم الإمام بحذاء الصدر مطلقاً للرجل والمرأة، وقال المالكية: يقف الإمام عند وسط الرجل وعند منكبي المرأة وقال الشافعية: يندب أن يقف المصلي إماماً أو منفرداً عند رأس الرجل وعند عجز الأنثى. وقال الحنابلة: يقوم الإمام عند صدر الرجل ووسط المرأة. والمسبوق يتابع الإمام فيما لحق ويتم ما فاته، وقال الحنفية وآخرون إذا كبر الإمام الرابعة فقد فاتت الصلاة. وأجاز الحنفية لمن لم يكن على طهارة وحضرت صلاة الجنازة وخاف إن توضأ أن لا يدركها جاز له التيمم، وقال الحنفية، يكره تحريماً الصلاة على الجنازة في الأوقات الخمسة التي ورد النهي عن الصلاة فيها. وقال المالكية والحنابلة: تحرم الصلاة على الجنازة عند طلوع الشمس وغروبها وزوالها، وتجوز بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس والعصر إلى الغروب، وقال الشافعية: يجوز فعل الصلاة في جميع الأوقات ويكره عند الحنفية والمالكية تكرار الصلاة على الجنازة إن صلى عليها جماعة فإذا لم تكن صلي عليها جماعة أعيدت ندباً بجماعة قبل الدفن.

وأجاز الشافعية والحنابلة تكرار الصلاة على الجنازة مرة أخرى لمن لم يصل عليها أولاً ولو بعد الدفن، بينما يسن ذلك عند الشافعية، واتفق الفقهاء على جواز الصلاة على الميت بعد الدفن إذا لم يكن صلي عليها على تفصيلات الأئمة في هذا الشأن فمثلاً إذا غلب الظن أن الميت قد تفسخ في قبره فإنه لا يصلى عليه عند الحنفية، وأجاز الشافعية والحنابلة جواز الصلاة على الميت الغائب عن البلد وإن قربت المسافة ولم يكن في جهة القبلة لكن المصلي يستقبل القبلة وتتوقت الصلاة على الغائب عند الحنابلة بشهر كالصلاة على قبر، ولا تجوز الصلاة على الغائب عند الحنفية والمالكية، وقالوا إن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي خصوصية، ويصلى على المولود أو السقط عند الحنابلة إذا ولد لأكثر من أربعة أشهر ويغسل أيضاً، والسقط هو ما وضعته المرأة ميتاً أو بغير تمام. واتفق الفقهاء على أن السقط إذا خرج حياً واستهل بأن سمع له صوت بكاء عند الولادة، ووجد منه ما يدل على حياته بعد خروج أكثره فإنه يغسل ويصلى عليه. ولا يصلى عند الحنفية على السقط إذا لم يستهل لكنه يغسل ويدرج في خرقة ويدفن، والشافعية كالحنفية في عدم الصلاة على السقط إذا لم يستهل، واستثنوا من ذلك إذا بلغ تمام أشهره فإنه يغسل ويصلى عليه، ويكره عند المالكية أن يغسل السقط أو يصلى عليه إذا لم يستهل صارخاً أو تتحقق حياته غلا أنه يغسل عنه دمه ويلف بخرقة ويوارى، والأصل أني صلى على الميت في المصلى وأما الصلاة في المقبرة على الجنازة فهي مكروهة عند الحنفية والشافعية وأجاز المالكية والحنابلة الصلاة على الجنازة في المقبرة، ويكره عند الحنفية والمالكية أن يصلى عليها في المسجد وأجاز ذلك الشافعية والحنابلة، والذين أجازوها في المسجد قيدوا ذلك فيما إذا لم يخش تلويثه. والشهيد عند الحنفية يكفن بثيابه ويصلى عليه ولا يغسل إذا استشهد وهو مكلف طاهر، أما الجنب والحائض والنفساء إذا استشهدوا يغسلون عند أبي حنيفة كما يغسل الصبي والمجنون، وقال الصاحبان لا يغسلان ولا يغسل عن الشهيد دمه ولا ينزع عنه ثيابه لكن ينزع عنه الفرو والحشو والخف والسلاح مما لا يصلح للكفن وقال الجمهور: لا يغسل الشهيد ولا يكفن ولا يصلى عليه ولكن تزال النجاسة الحاصلة من غير الدم، ويدفن

الشهيد بثيابه بعد تنحية الجلود والسلاح عنه ويستحب دفن الشهيد في مكان مصرعه، والبالغ وغيره سواء عند الجمهور، ولا يغسل الجنب ونحوه عند المالكية وهذا كله فيمن ينطبق عليه تعريف شهيد الدنيا والآخرة، وأما شهيد الآخرة فقط كالمرأة تموت في ولادتها والمبطون فهؤلاء يعاملون معاملة الموتى العاديين وعلى هذا لابد من تعريف من ينطبق عليه وصف شهداء الدنيا والآخرة الذين لهم أحكام خاصة قال الحنفية في التعريف بهذا النوع من الشهداء. الشهيد من قتله أهل الحرب، أو أهل البغي، أو قطاع الطريق، أو اللصوص في منزله ليلاً أو نهاراً بأي آلة: مثقل أو محدد، أو وجد في المعركة وبه أثر كجرح وكسر وحرق وخروج دم من أذن أو عين، أو قتله مسلم ظلماً عمداً بمحدد، وكان مسلماً مكلفاً (بالغاً عاقلاً) طاهراً (خالياً من حيض أو نفاس أو جنابة)، ولم يرتث بعد انقضاء الحرب أي لا يموت عقب الإصابة. والارتثاث: أن يأكل أو يشرب أو يداوى، أو يبقى حياً حتى يمضي عليه وقت صلاة وهو يعقل، أو ينقل من المعركة حياً، أي وهو يعقل. أما المقتول حداً أو قصاصاً، فإنه يغسل ويصلى عليه، لأنه لم يقتل ظلماً، وإنما قتل بحق، وأما من قتل من البغاة أو قطاع الطرق فلا يغسل ولا يصلى عليه. وبه يتبين أن شروط تحقيق الشهادة عندهم: هي الإسلام والعقل والبلوغ، والطهارة من الحدث الأكبر، وأن يموت عقب الإصابة. وأن كل مقتول في المعركة مع العدو، أو قتل ظلماً، أو دفاعاً عن النفس أو المال فهو شهيد. أما من خرج حياً من المعركة، أو كان جنباً فلا تطبق عليه أحكام الشهيد. وقال المالكية: الشهيد: من مات في معترك المشركين، ومن أخرج من المعركة في حكم الأموات وهو من رفع من المعركة حياً منفوذ المقاتل، أو مغموراً (أي يعاني غمرات الموت: وهي شدائده): وهو من لم يأكل ولم يشرب ولم يتكلم إلى أن مات، فإن قتل في غير المعركة ظلماً، أو أخرج من المعترك حياً، ولم تنفذ مقاتله، ثم مات، غسل وصلي عليه في

المشهور، كما أن من قتل في المعترك في قتال المسلمين غسل وصلي عليه، ويغسل الجنب. وقال الشافعية: الشهيد: هو من مات من المسلمين في جهاد الكفار بسبب من أسباب قتالهم قبل انقضاء الحرب، كأن قتله كافر، أو اصابه سلاح مسلم خطأ، أو عاد إليه سلاحه، أو تردى في بئر أو وهدة، أو رفسته دابته فمات، أو قتله مسلم باغ استعان به أهل الحرب. فإن مات لا بسبب القتال، أو بعد انقضاء المعركة، أو في حال قتال البغاة، فغير شهيد في الأظهر. ولا تشترط الطهارة من الحدث الأكبر عند المالكية والشافعية، فمن مات جنباً فإنه لا يغسل. وقال الحنابلة: الشهيد: هو من مات بسبب القتال مع الكفار وقت قيام القتال، أو هو المقتول بأيدي العدو من الكفار، أو البغاة، أو المقتول ظلماً، ولو كان غير مكلف رجلاً أو امرأة. أو كان غالاً (خائناً): كتم من الغنيمة شيئاً. ومن عاد إليه سلاحه فقتله فهو كالمقتول بأيدي العدو، لكن تشترط الطهارة من الحدث الأكبر كالحنفية، فمن قتل جنباً غسل. كذلك يغسل ويصلى عليه من حمل وبه رمق أي حياة مستقرة، وإن كان شهيداً. انظر: (حاشية ابن عابدين والدر: 1/ 582 - 597، 1/ 607 - 610)، (والهدية العلائية: 160 - 165)، (والشرح الصغير: 1/ 542 - 543، 1/ 553 - 560، 1/ 575 - 577)، (والمهذب: 1/ 132 - 135)، (وكشف القناع: 2/ 127، 2/ 113)، (والفقه الإسلامي: 2/ 483 - 508، 2/ 554 - 556). وإلى نصوص هذه الفقرة:

- أجر من صلى على جنازة وتبعها

- أجر من صلى على جنازة وتبعها: 2226 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان"، قيل: وما القيراطان؟ قال: "مثل الجبلين العظيمين". زاد في رواية (1): قال ابن شهاب قال سالم بن عبد الله: وكان ابن عمر يصلي عليها، ثم ينصرف، فلما بلغه حديث أبي هريرة قال: "لقد ضيعنا قراريط كثيرة". وللبخاري (2) قال: "من تبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً وكان معها حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها، فإنه يرجع من الأجر بقيراطين، كل قيراط مثل أحد، ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن فإنه يرجع بقيراط". ولمسلم (3) قال: "من صلى على جنازة ولم يتبعها فله قيراط، فإن تبعها فله قيراطان، قيل: وما القيراطان؟ قال: أصغرهما مثل أُحُد". وفي أخرى (4): قال: قلت لأبي هريرة "وما القيراط؟ قال: مثل أُحُد". وفي أخرى (5): عن عامر بن سعد بن أبي وقاص "أنه كان قاعداً عند ابن عمر، إذ طلع خباب صاحب المقصورة، فقال: يا عبد الله بن عمر، ألا تسمع ما يقول أبو هريرة؟ يقول: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من خرج مع جنازة من بيتها، وصلى

_ 2226 - البخاري (3/ 196) 23 - كتاب الجنائز، 58 - باب من انتظر حتى تدفن. مسلم (2/ 652) 11 - كتاب الجنائز، 17 - باب فضل الصلاة على الجنائز. (1) مسلم (2/ 652) نفس الموضع السابق. (2) البخاري (1/ 108) 2 - كتاب الإيمان، 35 - باب اتباع الجنائز من الإيمان. (3) مسلم (2/ 653) نفس الموضع السابق. (4) مسلم (2/ 653) نفس الموضع السابق. (5) مسلم (2/ 653، 654) نفس الموضع السابق. قوله (قيل وما القيراطان قال مثل الجبلين العظيمين) القيراط مقدار من الثواب معلوم عند الله تعالى وهذا الحديث يدل على عظم مقداره في هذا الموضع ولا يلزم من هذا أن يكون هذا هو القيراط المذكور فيمن اقتنى كلباً إلا كلب صيد أو زرع أو ماشية نقص من أجره كل يوم قيراط وفي روايات قيراطان بل ذلك قدر معلوم ويجوز أن يكون مثل هذا. النووي 7/ 14.

عليها، واتبعها حتى تدفن، كان له قيراطان من أجر، كل قيراط مثل أُحُد، ومن صلى عليها ثم رجع كان له من الأجر مثل أُحُد"، فأرسل ابن عمر خباباً إلى عائشة يسألها عن قول أبي هريرة، ثم يرجع إليه فيخبره بما قالت، وأخذ ابن عمر قبضة من حصى المسجد يقلبها في يده حتى رجع، فقال: قالت عائشة: صدق أبو هريرة، فضرب ابن عمر بالحصى الذي كان في يده الأرض، ثم قال: لقد فرطنا في قراريط كثيرة". 2227 - * روى مسلم عن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى على جنازة فله قيراط، فإن شهد دفنها فله قيراطان، القيراط مثل أُحُد". وفي رواية (1): "سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن القيراط؟ فقال: "مثل أُحُد". 2228 - * روى النسائي عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تبع جنازة حتى يصلى عليها كان له من الأجر قيراط، ومن مشى مع الجنازة حتى تدفن، كان له من الأجر قيراطان، والقيراط مثل أُحُد". قال النووي في (شرح مسلم: 7/ 13 - 14): فيحصل بالصلاة قيراط وبالاتباع مع حضور الدفن قيراط آخر فيكون الجميع قيراطين تبينه رواية البخاري في أول صحيحه في كتاب الإيمان من شهد جنازة وكان معها حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها رجع من الأجر بقيراطين فهذا صريح في أن المجموع بالصلاة والاتباع وحضور الدفن قيراطان ... وقال بعض أصحابنا يحصل القيراط الثاني إذا ستر الميت في القبر باللبن وإن لم يلق عليه التراب والصواب الأول وقد يستدل بلفظ الاتباع في هذا الحديث وغيره من يقول المشي وراء الجنازة أفضل من أمامها وهو قول علي بن أبي طالب ومذهب الأوزاعي وأبي حنيفة وقال جمهور الصحابة والتابعين ومالك والشافعي وجماهير العلماء المشي قدامها أفضل وقال الثوري

_ 2227 - مسلم (2/ 654) 11 - كتاب الجنائز، 17 - باب فضل الصلاة على الجنازة واتباعها. (1) مسلم (2/ 654) نفس الموضع السابق. 2228 - النسائي (4/ 54، 55) 21 - كتاب الجنائز، 54 - باب فضل من يتبع الجنازة، وأخرج النسائي مثله عن عبد الله بن مغفل، وهو حديث صحيح.

- الصلاة على الغائب

وطائفة هما سواء قال القاضي وفي إطلاق هذا الحديث وغيره إشارة إلى أنه لا يحتاج المنصرف عن اتباع الجنازة بعد دفنها إلى استئذان وهو مذهب جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وهو المشهور عن مالك وحكى ابن عبد الحكم عنه أنه لا ينصرف إلا بإذن وهو قول جماعة من الصحابة. - الصلاة على الغائب: 2229 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلى، فصف بهم، وكبَّر عليه أربع تكبيرات". وفي رواية (2): نعى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم النجاشي صاحب الحبشة في اليوم الذي مات فيه، وقال: "استغفروا لأخيكم"، لم يزد على هذا. 2230 - * روى الشيخان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على أصحمة النجاشي، فكبَّر عليه أربعاً". 2231 - * روى مسلم عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أخاً لكم قد مات، فقوموا فصلوا عليه- يعني: النجاشي-". وفي رواية الترمذي (5): "إن أخاكم النجاشي قد مات، فقوموا فصلوا عليه"،

_ 2229 - البخاري (3/ 116) 23 - كتاب الجنائز، 4 - باب الرجل ينعي إلى أهل الميت بنفسه. مسلم (2/ 657) 11 - كتاب الجنائز، 22 - باب في التكبير على الجنازة. النسائي (4/ 70) 21 - كتاب الجنائز، 72 - الصفوف على الجنازة. (1) البخاري (3/ 199) 23 - كتاب الجنائز 60 - باب الصلاة على الجنائز بالمصلى والمسجد. مسلم (2/ 656) 11 - كتاب الجنائز، 22 - باب في التكبير على الجنازة. (نعى) النعي: خبر الميت. 2230 - البخاري (3/ 116) 23 - كتاب الجنائز، 4 - باب التكبير على الجنازة أربعاً. مسلم (2/ 657) 11 - كتاب الجنائز، 22 - باب في التكبير على الجنازة. 2231 - مسلم (2/ 658) 11 - كتاب الجنائز، 22 - باب في التكبير على الجنازة. (2) الترمذي (3/ 357) 8 - كتاب الجنائز، 48 - باب ما جاء في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي.

فقمنا فصففنا كما يصف على الميت، وصلينا معه كما يصلى على الميت". قال النووي: فيه إثبات الصلاة على الميت وأجمعوا على أنها فرض كفاية والصحيح عند أصحابنا أن فرضها يسقط بصلاة رجل واحد وقيل يشترط اثنان وقيل ثلاثة وقيل أربعة وفيه أن تكبيرات الجنازة أربع وهو مذهبنا ومذهب الجمهور وفيه دليل للشافعي وموافقيه في الصلاة على الميت الغائب وفيه معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لإعلامه بموت النجاشي وهو في الحبشة في اليوم الذي مات فيه وفيه استحباب الإعلام بالميت لا على صورة نعي الجاهلية بل مجرد إعلام الصلاة عليه وتشييعه وقضاء حقه في ذلك والذي جاء من النهي عن النعي ليس المراد به هذا وإنما المراد نعي الجاهلية المشتمل على ذكر المفاخر وغيرها وقد يحتج أبو حنيفة في أن صلاة الجنازة لا تفعل في المسجد بقوله خرج إلى المصلى ومذهبنا ومذهب الجمهور جوازها فيه ويحتج بحديث سهل بن بيضاء ويتأول هذا على أن الخروج إلى المصلى أبلغ في إظهار أمره المشتمل على هذه المعجزة- أي إبلاغهم بوفاة النجاشي. شرح مسلم (7/ 21). أقول: استدل من يقول بجواز الصلاة على الغائب بالصلاة على النجاشي رحمه الله، ومن ذهب إلى عدم جوازها اعتبر هذه الصلاة خاصة بالنجاشي. وفي الصلاة على النجاشي رحمه الله شهادة منه صلى الله عليه وسلم بإسلام النجاشي، وهذا أصل عظيم من أصول النظام السياسي في الإسلام، فالنجاشي مسلم كان يحكم شعباً غير مسلم بغير الإسلام فهذا يدل على أن المشاركة في الحكم على أي مستوى يمكن أن تكون جائزة في بعض الصور بل قد تكون مفروضة ولو كانت المشاركة في نظام كفري، وفي قصة يوسف عليه السلام ما يدل على ذلك لقوله تعالى: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) (1)، فدل ذلك على أن شريعة المصريين حينذاك غير شريعة يوسف عليه السلام، ومع ذلك فقد طلب هو بنفسه أن يتولى الولاية التي وليها فيما بعد.

_ (1) يوسف: 76.

- التكبيرات في صلاة الجنازة

- التكبيرات في صلاة الجنازة: 2232 - * روى مسلم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: "كان زيد بن أرقم يكبِّر على جنائزنا أربعاً، وإنه كبَّر على جنازة خمساً، فسألناه فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبِّرُها". وفي رواية النسائي (1): "أن زيد بن أرقم صلى على جنازة، فكبَّر عليها خمساً، وقال: كبَّرها رسول الله صلى الله عليه وسلم". 2233 - * روى الشيخان عن الشعبي قال: "أخبرني من شهد النبي صلى الله عليه وسلم أتى على قبر منبوذ فصفهم وكبر أربعاً قلت: من حدثك؟ قال ابن عباس رضي الله عنهما". 2234 - * روى البخاري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه "صلى على سهل بن حنيف، فكبَّر، وقال: إنه شهد بدراً". قال الحافظ في "الفتح": كذا في الأصول لم يذكر عد التكبير، وقد أورده أبو نعيم في المستخرج من طريق البخاري بهذا الإسناد، فقال فيه: "كبر خمساً" وأخرجه البغوي في معجم الصحابة عن محمد بن عباد بهذا الإسناد والإسماعيلي والبرقاني والحاكم من طريقه فقال: "ستاً"، وكذا أورده البخاري في التاريخ عن محمد بن عباد، وكذا أخرجه سعيد ابن منصور عن ابن عيينة، وأورده بلفظ "خمساً"، زاد في رواية الحاكم: التفت إلينا فقال: إنه من أهل بدر، اهـ وهو عند الطبراني في الكبير وذكر ستاً. أقول: التكبيرات في صلاة الجنازة أربع في المذاهب الأربعة، ويرى الحنفية أنه إذا زاد الإمام على أربع فإنه لا يتابع، ويرى آخرون جواز المتابعة كما سيدل عليه نص لاحق عن

_ 2232 - مسلم (2/ 659) 11 - كتاب الجنائز، 23 - باب الصلاة على القبر. أبو داود (3/ 209) كتاب الجنائز، باب التكبير على الجنازة. الترمذي (3/ 343) 8 - كتاب الجنائز، 37 - باب ما جاء في التكبير على الجنازة. (1) النسائي (4/ 72) 21 - كتاب الجنائز، 76 - باب عدد التكبير على الجنازة. 2233 - البخاري (2/ 344) 10 - كتاب الأذان، 161 - باب وضوء الصبيان ومتى يجب عليهم الغسل والطهور. مسلم (2/ 658) 11 - كتاب الجنائز، 23 - باب الصلاة على القبر. 2234 - البخاري (7/ 317) 64 - كتاب المغازي، 11 - باب شهود الملائكة بدراً.

عبد الله بن مسعود، والظاهر من فعل الإمام علي رضي الله عنه أن أهل الفضل يمكن أن يخصوا بمزيد فضل، والتقيد بالأربع أفضل. قال النووي نقلاً عن القاضي عياض: واختلف الصحابة في ذلك من ثلاث تكبيرات إلى تسع وروي عن علي رضي الله عنه أنه كان يكبر على أهل بدر ستاً وعلى سائر الصحابة خمساً وعلى غيرهم أربعاً قال ابن عبد البر وانعقد الإجماع بعد ذلك على أربع وأجمع الفقهاء وأهل الفتوى بالأمصار على أربع على ما جاء في الأحاديث الصحاح وما سوى ذلك عندهم شذوذ لا يلتفت إليه قال ولا نعلم أحداً من فقهاء الأمصار يخمس إلا ابن أبي ليلى ولم يذكر في روايات مسلم السلام وقد ذكره الدارقطني في سننه وأجمع العلماء عليه ثم قال جمهورهم يسلم تسليمة واحدة وقال الثوري وأبو حنيفة والشافعي وجماعة من السلف تسليمتين واختلفوا هل يجهر الإمام بالتسليم أم يسر؟ وأبو حنيفة والشافعي يقولان يجهر وعن مالك روايتان واختلفوا في رفع الأيدي في هذه التكبيرات ومذهب الشافعي الرفع في جميعها وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر وعمر بن عبد العزيز وعطاء وسالم بن عبد الله وقيس بن أبي حازم والزهري والأوزاعي وأحمد وإسحاق واختاره ابن المنذر وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحاب الرأي لا يرفع إلا في التكبيرة الأولى وعن مالك ثلاث روايات الرفع في الجميع وفي الأولى فقط وعدمه في كلها. (شرح مسلم 7/ 23 - 24). 2235 - * روى أحمد عن عبد الله بن مسعود قال لم يؤقت لنا في الصلاة على الميت قراءة ولا قول، كبِّر ما كبَّر الإمام وأكثر من طيب الكلام. 2236 - * روى الطبرني عن عمر بن أبي عطاء قال شهدت محمد بن الحنفية حين مات ابن عباس بالطائف فوليه محمد بن الحنفية وكبَّر عليه أربعاً وأخذه من قبل القبلة حتى أدخله القبر وضرب عليه فسطاطاً ثلاثة أيام. 2237 - * روى البخاري عن حميد بن عبد الرحمن قال: "صلى بنا أنس، فكبَّر ثلاثاً،

_ 2235 - مجمع الزوائد (3/ 32) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. 2236 - مجمع الزوائد (3/ 34) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. (الفسطاط): دون السرادق. 2237 - البخاري "تعليقاً" (3/ 202) 23 - كتاب الجنائز، 64 - باب التكبير على الجنازة أربعاً.

- ما يقرأ في صلاة الجنازة والدعاء للميت

وسلم، فقيل له، فاستقبل القبلة، وكبَّر الرابعة، ثم سلم". قال الحافظ في "الفتح": لم أره موصولاً من طريق حميد، وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس أنه كبر على جنازة ثلاثاً ثم انصرف ناسياً، فقالوا: يا أبا حمزة إنك كبرت ثلاثاً، فقال: صفُّوا، فصفوا، فكبَّر الرابعة. - ما يقرأ في صلاة الجنازة والدعاء للميت: 2238 - * روى مالك عن نافع مولى ابن عمر رضي الله عنهم "أن عبد الله بن عمر كان لا يقرأ في الصلاة على الجنازة". 2239 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما "أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب". وفي رواية (1) عن طلحة بن عبد الله بن عوف أن ابن عباس صلى على جنازة، فقرأ بفاتحة الكتاب، فقلت له، فقال: إنه من السنة- أو تمام السُّنَّة. وأخرج البخاري (2) قال: "صليت خلف ابن عباس على جنازة، فقرأ بفاتحة الكتاب، وقال: لتعلموا أنها سُنَّة". وفي رواية (3) النسائي قال: "صليت خلف ابن عباس على جنازة، فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة، وجهر حتى أسمعنا، فلما فرغ أخذت بيده، فسألته؟ فقال: سُنَّة وحق". قال الترمذي: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، وهو قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق.

_ 2238 - الموطأ (1/ 228) 16 - كتاب الجنائز، 6 - باب ما يقول المصلي على الجنازة. وإسناده صحيح. 2239 - الترمذي (3/ 345) 8 - كتاب الجنائز، 39 - باب ما جاء في القراءة على الجنازة بفاتحة الكتاب. وقال الترمذي في الرواية الأولى: إن إسنادها ليس بالقوي، والصحيح: أنه موقوف. (1) أبو داود (3/ 210) كتاب الجنائز، باب ما يقرأ على الجنازة. (2) البخاري (3/ 203) 23 - كتاب الجنائز، 65 - باب قراءة فاتحة الكتاب على الجنازة. (3) النسائي (4/ 74) 21 - كتاب الجنائز، 77 - باب الدعاء.

أقول: جمع الحنفية بين فعل ابن عمر وفعل ابن عباس بأن قالوا بأن الأصل بعد التكبيرة الأولى قراءة الثناء، فإذا جمع إليها المصلي الفاتحة على نية الثناء فلا حرج، وذهب بعضهم كالشافعية والحنابلة إلى أن قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة بعد التكبيرة الأولى ركن، انظر لمزيد بيان (إعلاء السنن 8/ 213 - 214). قال ابن بطال في شرح البخاري: اختلف في قراءة الفاتحة على الجنازة، فقرأ بها قوم على ظاهر حديث ابن عباس؛ وبه قال الشافعي. وكان عمر، وابنه وعلي، وأبو هريرة ينكرونه وبه قال أبو حنيفة، ومالك. وقال الطحاوي: من قرأها من الصحابة يحتمل أن يكون على وجه الدعاء لا التلاوة الخ اهـ. 2240 - * روى النسائي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: السُّنة في الصلاة على الجنازة: أن تقرأ في التكبيرة الأولى بأم القرآن مخافتة، ثم تكبر ثلاثاً، والتسليم عند الآخرة. وعن الضحاك بن قيس بنحو ذلك. 2241 - * روى مالك عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أبو سعيد المقبري: إنه سأل أبا هريرة: كيف يصلى على الجنازة؟ فقال أبو هريرة: أنا لعمر الله أخبرك: أتبعها من عند أهلها، فإذا وضعت كبرت، وحمدت الله، وصليت على نبيه، ثم قال: اللهم إنه عبدك وابن عبدك وابن أمتك، كان يشهد أن لا إله إلا أنت، وأن محمداً عبدك ورسولك، وأنت أعلم به مني، اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه، وإن كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده. أقول: كيفية صلاة الجنازة عند الحنفية أن ينوي الصلاة لله تعالى والدعاء لهذا الميت ثم يكبر التكبيرة الأولى، ثم يقرأ دعاء الثناء (سبحانك اللهم ...) وهو واضع يده اليمنى على اليسرى تحت سرته ولا يرفعها إلا في التكبيرة الأولى ثم يكبر الثانية فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم

_ 2240 - النسائي (4/ 75) 21 - كتاب الجنائز، 77 - باب الدعاء، وإسناده صحيح، وصححه النووي والحافظ ابن حجر وغيرهما. 2241 - الموطأ (1/ 228) 16 - كتاب الجنائز، 6 - باب ما يقول المصلي على الجنازة وإسناده صحيح. أبو يعلى (11/ 477). مجمع الزوائد (3/ 33) باب: الصلاة على الجنازة، وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح.

ثم يكبر الثالثة فيدعو لنفسه وللميت وللمسلمين وللمسلمات ثم يكبر الرابعة ويسلم بعدمها يميناً وشمالاً، ويرى العلماء أنه يدعو بعد الثالثة للميت، وبعد الرابعة لنفسه ثم يسلم. قال الزرقاني فيه (أي في قوله: حمدت وصليت): إنه (أي أبا هريرة) لم يكن يرى القراءة في صلاتها. وفي المدونة الكبرى: قلت: لابن القاسم: أي شيء يقال على الميت في قول مالك؟ قال: الدعاء للميت. قلت: فهل يقرأ على الجنازة في قول مالك؟ قال: "لا! " قال ابن وهب عن رجال من أهل العلم عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر، وفضالة بن عبيد، وأبي هريرة، وجابر بن عبد الله، وواثلة ابن الأسقع، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله، وابن المسيب، وربيعة، وعطاء بن أبي رباح، ويحيى بن سعيد أنهم لم يكونوا يقرؤون في الصلاة على الميت. قال ابن وهب: وقال مالك: ليس ذلك بمعمول به في بلدنا، إنما هو الدعاء. أدركت أهل بلدنا على ذلك ا. هـ (1 - 158، 159). 2242 - * روى مسلم عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة، فحفظنا من دعائه: "اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من القبر، أو من عذاب النار" قال عوف: حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت. زاد في رواية (1) لدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له وفيها "بماء وثلج وبرد". 2243 - * روى أبو داود عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل من المسلمين، فسمعته يقول: "اللهم إن فلان بن فلان في ذمتك- زاد

_ 2242 - مسلم (2/ 662، 663) 11 - كتاب الجنازة، 26 - باب الدعاء للميت في الصلاة. (1) مسلم في نفس الموضع السابق. (نزله) النزل: ما يعد للضيف من طعام وشراب ونحوه. (بماء الثلج والبرد) هذا مبالغة في التنظيف. 2243 - أبو داود (3/ 211) كتاب الجنائز، باب الدعاء للميت. وإسناده حسن.

في رواية: وحبل جوارك- فقه من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر له وارحمه، إنك أنت الغفور الرحيم". 2244 - * روى الترمذي عن أبي إبراهيم الأشهلي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى على الجنازة قال: "اللهم اغفر لحيِّنا وميتنا وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا". وزاد (2) فيه "اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان". 2245 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جناز، فقال: "اللهم اغفر لحينا وميتنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، وشاهدنا وغائبنا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان، ومن توفيته منا فتوفه على الإسلام، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلنا بعده". 2246 - * روى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى على الميت: قال "اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا ولأنثانا وذكورنا من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان اللهم عفوك عفوك".

_ (حبل جوارك) الحبل: العهد والأمان، ومنه قوله تعالى {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} [آل عمران: 103] أي: بعده، وكان من عادة العرب أن يخيف بعضها بعضاً، فكان الرجل إذا أراد سفراً أخذ عهداً من سيد قبيلة، فيأمن بذلك ما دام في حدودها، حتى ينتهي إلى الأخرى، فيأخذ مثل ذلك، فهذا حبل الجوار. 2244 - الترمذي (3/ 344) 8 - كتاب الجنائز، 38 - باب ما يقول في الصلاة على الميت. وقال الترمذي: رواه أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. (1) الترمذي (3/ 344) 8 - كتاب الجنائز، 38 - باب ما يقول في الصلاة على الميت. قال: وقد روي عن أبي سلمة مرسلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهو حسن لغيره. النسائي (4/ 74) 21 - كتاب الجنائز، 77 - باب الدعاء وهو حسن لغيره. 2245 - أبو داود (3/ 211) كتاب الجنائز، باب الدعاء للميت، وهو حسن لغيره. 2246 - الطبراني "المعجم الكبير" (12/ 133). مجمع الزوائد (3/ 33) وقال الهيثمي: وإسناده حسن.

2247 - * روى أبو داود عن علي بن شماخ قال: شهدت مروان يسأل أبا هريرة: كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الجنازة؟ قال: أمع الذي قلت؟ قال: نعم- قال: كلام كان بينهما قبل ذلك- قال أبو هريرة: سمعته يقول "اللهم أنت ربُّها، وأنت خلقتها، وأنت هديتها إلى الإسلام، وأنت قبضت روحها، وأنت أعلم بسرها وعلانيتها، جئنا شفعاء، فاغفر لها". 2248 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء". 2249 - * روى مالك عن سعيد بن المسيب قال: صليت وراء أبي هريرة على صبي لم يعمل خطيئة قط، فسمعته يقول: "اللهم أعذه من عذاب القبر". أقول: الطفل غير مكلف، ولذلك لا يستغفر له كما سنرى، فالدعاء المأثور وإعاذته من عذاب القبر لعل المراد به ضمته. 2250 - * روى البخاري عن الحسن قال: يقرأ على الطفل فاتحة الكتاب، ويقول: "اللهم اجعله سلفاً وفرطا وذخراً وأجراً". قال الحافظ في "الفتح": وصله عبد الوهاب بن عطاء في كتاب الجنائز له عن سعيد بن أبي عروبة، أنه سئل عن الصلاة على الصبي، فأخبرهم عن قتادة عن الحسن أنه كان يكبر، ثم يقرأ فاتحة الكتاب ثم يقول: اللهم اجعله لنا سلفاً، وفرطاً، وأجراً. أقول: إذا ولد الطفل ميتاً لتمام حمله صلي عليه عند الشافعية أما إذا جاء قبل تمام أشهره فإن استهل صارخاً أو ظهر به علامة حياة قبل موته فإنهي صلى عليه عند الحنفية والمالكية والشافعية.

_ 2247 - أبو داود (3/ 210) كتاب الجنائز، باب الدعاء للميت. وهو حديث حسن، حسنه الحافظ ابن حجر. وعلي بن شماخ لم يوثقه غير ابن حبان. 2248 - أبو داود (3/ 210) كتاب الجنائز، باب الدعاء للميت. سنده حسن. 2249 - الموطأ (1/ 228) 16 - كتاب الجنائز، 6 - باب ما يقول المصلي على الجنازة. وإسناده صحيح. 2250 - البخاري "تعليقاً" (3/ 203) 23 - كتاب الجنائز، 65 - باب قراءة فاتحة الكتاب على الجنازة. (سلفاً وفرطاً) إذا مات للإنسان ولد صغير قيل: جعله الله لك سلفاً وفرطاً، فالسلف: من سلف المال في=

- الصلاة على الصغير

- الصلاة على الصغير: 2251 - * روى الطبراني عن عبد الله بن أبي طلحة أن أبا طلحة دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمير بن أبي طلحة حين توفي فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى عليه في منزله فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو طلحة وراءه وأم سليم وراء أبي طلحة ولم يكن معهم غيرهم. 2252 - * روى أحمد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يصلى على السقط، ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة". 2253 - * روى أحمد من حديث المغيرة بن شعبة يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: قال: "الراكب خلف الجنازة والماشي أمامها قريباً عن يمينها أو عن يسارها والسقط يصلى عليه، ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة". 2254 - * روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: "مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانية عشر شهراً، فلم يصل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم". وذلك لا ينفي مشروعية الصلاة على الطفل، وإنما يدل على أن الصلاة عليه ليست للوجوب. - أين يقف الإمام من الرجل والمرأة: 2255 - * روى أبو داود عن نافع أبي غالب قال: كنت في سكة المربد فمرت جنازة ومعها ناس كثير، قالوا: جنازة عبد الله بن عمير، فتبعتها، فإذا أنا برجل عليه كساء

_ = المبيعات، كأنه قد أسلفه وجعله ثمناً للأجر والثواب، والفرط" المتقدم على القوم لطلب الماء، أي: جعله الله متقدماً بين يديك، وذخراً عنده. 2251 - مجمع الزوائد (3/ 34) باب الصلاة على الجنازة وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. 2252 - أحمد (4/ 248، 249). أبو داود (3/ 205) كتاب الجنائز، باب المشي أمام الجنازة. 2253 - أحمد (4/ 248، 249). وإسناده صحيح. (السقط): الولد يسقط من بطن المرأة قبل تمامه. 2254 - أبو داود (3/ 207) كتاب الجنائز، باب في الصلاة على الطفل. وإسناده حسن. 2255 - أبو داود (3/ 208، 209) كتاب الجنائز، باب أين يقوم الإمام من الميت إذا صلى عليه. وهو حديث حسن. وبهذا أخذ الشافعية. (السكة): الزقاق والطريقة المصطفة من النخل كما تطلق على الحديدة التي تحرث بها الأرض.=

رقيق على بريذينة، وعلى رأسه خرقة تقيه من الشمس، فقلت: من هذا الدهقان؟ فقيل: هذا أنس بن مالك، فلما وضعت الجنازة قام أنس فصلى عليها، وأنا خلفه، لا يحول بيني وبينه شيء، فقام عند رأسه، وكبَّر أربع تكبيرات، لم يطل ولم يسرع، ثم ذهب فقعد، فقيل: يا أبا حمزة، المرأة الأنصارية فقربوها وعليها نعش أخضر فقام عند عجيزتها، فصلى عليها نحو صلاته على الرجل، ثم جلس، فقال له العلاء بن زياد: يا أبا حمزة، أهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الجنازة كصلاتك هذه: يكبر عليها أربعاً، ويقوم عند رأس الرجل وعجيزة المرأة؟ قال: نعم، قال: يا أبا حمزة، غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، غزوت معه حنيناً، فخرج المشركون، فحملوا علينا، حتى رأينا خيلنا وراء ظهورنا، وفي القوم رجل يحمل علينا، فيذقنا ويحطمنا، فهزمهم الله، وجعل يجاء بهم، فيبايعونه على الإسلام، فقال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: إن علي نذراً إن جاء الله بالرجل الذي كان منذ اليوم يحطمنا لأضربن عنقه، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجيء بالرجل، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله تبت إلى الله، فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه لا يبايعه، ليفي الآخر بنذره، قال: فجعل الرجل يتصدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليأمره بقتله، وجعل يهاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتله، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يصنع شيئاً، بايعه، فقال الرجل: يا رسول الله، نذري، فقال: إني لم أمسك عنه منذ اليوم إلا لتوفي بنذرك، قال: يا رسول الله، ألا أومضت إلي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه ليس لنبي أن يومض"، قال أبو غالب: ثم سألت عن صنيع أنس في قيامه على المرأة عند عجيزتها؟ فحدثوني: أنه إنما كان لأنه لم تكن النعوش، فكان الإمام يقوم حيال عجيزتها، يسترها من القوم". 2256 - * روى الشيخان عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: "لقد كنت على

_ = (الدهقان) الملك الكبير الذي له فلاحون يعملون بين يديه في أعماله: من الفلاحة والزراعة ونحوها. (يحطمنا) الحطم: الكسر والدوس. (يتصدقى) التصدي: التعرض لشيء، وقيل: هو الذي يستشرف الشيء ناظراً إليه. (أومضت) الإيماض: الإشارة إلى الشيء. (حيال) حيال الشيء: تلقاؤه. (عجيزتها) العجيزة: العجز. 2256 - البخاري (3/ 201) 23 - كتاب الجنائز، 62 - باب الصلاة على النفساء إذا ماتت في نفاسها.

- تقديم الرجال على النساء في صلاة الجنازة

عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً، فكنت أحفظ عنه، فما يمنعني من القول إلا أن ها هنا رجالاً هم أسن مني، وقد صليت وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة ماتت في نفاسها، فقام عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة عند وسطها". وبهذا أخذ الحنابلة. وقد ترجم البخاري للحديث بقوله: (الصلاة على النفساء إذا ماتت في نفاسها). قال الزين بن المنير وغيره: المقصود بهذه الترجمة أن النفساء وإن كانت معدودة من جملة الشهداء فإن الصلاة عليها مشروعة بخلاف شهيد المعركة (الفتح 3/ 201). - تقديم الرجال على النساء في صلاة الجنازة: 2257 - * روى أبو داود عن مالك بن أنس بلغه "أن عثمان بن عفان وأبا هريرة وابن عمر كانوا يصلون على الجنائز بالمدينة: الرجال والنساء، فيجعلون الرجال مما يلي الإمام، والنساء مما يلي القبلة". 2258 - * روى أبو داود عن مولى الحارث بن نوفل قال: "شهدت جنازة أم كلثوم وابنها، فجعل الغلام مما يلي الإمام ... فأنكرت ذلك- وفي القوم ابن عباس وأبو قتادة وأبو سعيد وأبو هريرة، فكلهم قالوا: إن هذه السُّنة". وفي رواية (1) النسائي قال: "حضرت جنازة صبي وامرأة، فقدم الصبي مما يلي القوم، ووضعت المرأة وراءه، فصلي عليهما وفي القوم أبو سعيد الخدري وابن عباس وأبو قتادة وأبو هريرة، فسألتهم عن ذلك؟ فقالوا: السُّنَّة". 2259 - * روى النسائي عن نافع- مولى ابن عمر- رضي الله عنهما زعم "أن ابن عمر صلى على تسع جنائز جميعاً، فجعل الرجال يلون الإمام، والنساء يلين القبلة، فصفهن

_ = مسلم (2/ 664) 11 - كتاب الجنائز، 27 - باب أين يقوم الإمام من الميت للصلاة عليه. (نفاسها) نفست المرأة- بفتح النون وضمها إذا ولدت، والنفاس. الولادة، وبفتح النون لا غير: إذا حاضت. 2257 - الموطأ (1/ 230) 16 - كتاب الجنائز، 9 - باب جامع الصلاة على الجنائز. وله شاهدان وهو حديث حسن. 2258 - أبو داود (3/ 208) كتاب الجنائز، باب إذا حضر جنائز رجال ونساء من يقدم. (1) النسائي (4/ 71) 21 - كتاب الجنائز، 74 - باب اجتماع جنازة صبي وامرأة وهو حديث صحيح. 2259 - النسائي (4/ 71، 72) 21 - كتاب الجنائز، 75 - اجتماع جنائز الرجال والنساء. وإسناده صحيح.

- وقت الصلاة على الجنازة

صفاً واحداً، ووضعت جنازة أم كلثوم بنت علي امرأة عمر بن الخطاب، وابن يقال له: زيد، وضعا جميعاً، والإمام يومئذ سعيد بن العاص، وفي الناس ابن عباس وأبو هريرة وأبو سعيد وأبو قتادة، فوضع الغلام مما يلي الإمام، فقال رجل: فأنكرت ذلك، فنظرت إلى ابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد وأبي قتادة، فقلت: ما هذا؟ قالوا: هي السُّنَّة". - وقت الصلاة على الجنازة: 2260 - * روى مالك عن محمد بن أبي حرملة مولى عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب "أن زينب بنت أبي سلمة توفيت وطارق أمير المدينة، فأتي بجنازتها بعد صلاة الصبح، فوضعت بالبقيع، قال: وكان طارق يغلس بالصبح، قال ابن أبي حرمة: فسمعت عبد الله بن عمر يقول لأهلها: إما أن تصلوا على جنازتكم الآن، وإما أن تتركوها حتى ترتفع الشمس". أقول: هذا النص يدل على أن مذهب ابن عمر أنه لا يصلى على الجنازة عند طلوع الشمس ويصلى عليها بعد طلوع الفجر، وقد رأينا أن للفقهاء ثلاثة اتجاهات، فمنهم من لا يرى الصلاة عليها في الأوقات الخمسة، ومنهم من لا يرى الصلاة عليها في الأوقات الثلاثة فقط، ومنهم من يرى جواز الصلاة عليها في كل الأوقات. 2261 - * روى مالك عن نافع- مولى ابن عمر- رضي الله عنهم أن عبد الله بن عمر قال: "يصلى على الجنازة بعد الصبح، وبعد العصر، إذا صليتا لوقتهما". وفي رواية (1) ذكرها البخاري في ترجمة باب بغير إسناد قال: "كان ابن عمر لا يصلي إلا طاهراً ولا يصلي عند طلوع الشمس ولا غروبها ويرفع يديه". قال الحافظ في "الفتح": وصله سعيد بن منصور من طريق أيوب عن نافع قال: كان ابن عمر إذا سئل عن الجنازة بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر يقول: ما صليتا

_ 2260 - الموطأ (1/ 229) 16 - كتاب الجنائز، 7 - باب الصلاة على الجنائز بعد الصبح. وإسناده صحيح. (يغلس) الغلس: ظلمة آخر الليل، والتغليس فعل الشيء في الغلس. 2261 - الموطأ (1/ 229) 16 - كتاب الجنائز، 7 - باب الصلاة على الجنائز بعد الصبح إلى الإسفار، وإسناده صحيح. (1) البخاري (3/ 189) تعليقاً 23 - كتاب الجنائز، 56 - باب سنة الصلاة على الجنائز.

الصلاة على الجنازة في المسجد

لوقتهما. أقول: وقد وصله مالك وقد تقدم بإسناد صحيح. (م). وأخرج الموطأ (1) أيضاً: أن ابن عمر كان يقول: لا يصلي الرجل على الجنازة إلا وهو طاهر". الصلاة على الجنازة في المسجد: 2262 - * روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها لما توفي سعد بن أبي وقاص قالت: "ادخلوا به المسجد حتى أصلي عليه، فأنكر ذلك عليها، فقالت: والله، لقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابني بيضاء في المسجد: سهيل وأخيه". وفي رواية (2) فأنكر الناس ذلك عليها، فقالت: ما أسرع ما نسي الناس- وفي نسخة: ما أسرع الناس- ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن البيضاء إلا في المسجد. وفي رواية (3) لما توفي سعد بن أبي وقاص أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: "أن يمروا بجنازته في المسجد فيصلين عليه، ففعلوا، فوقف به على حجرهن يصلين عليه، وأُخرج من باب الجنائز الذي كان إلى المقاعد، فبلغهن أن الناس عابوا ذلك، وقالوا: ما كانت الجنائز يدخل بها في المسجد، فبلغ ذلك عائشة، فقالت: ما أسرع الناس إلى أن يعيبوا ما لا علم لهم به! عابوا علينا أن يمروا بجنازته في المسجد، وما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن البيضاء إلا في جوف المسجد"، وقال: سهيل بن دعد- وهو ابن البيضاء- أمه بيضاء. 2263 - * روى أبو داود عن ابن أبي ذئب حدثني صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له". قال النووي تعليقاً على حديث ابني بيضاء:

_ (1) الموطأ (1/ 230) 16 - كتاب الجنائز، 9 - باب جامع الصلاة على الجنائز. وإسناده صحيح. 2262 - مسلم (2/ 669) 11 - كتاب الجنائز، 34 - باب الصلاة على الجنازة في المسجد. (2) مسلم (2/ 668) 11 - كتاب الجنائز، 34 - باب الصلاة على الجنازة في المسجد. (3) مسلم (2/ 668) في نفس الموضع السابق. 2263 - أبو داود (3/ 207) كتاب الجنائز، باب الصلاة على الجنازة في المسجد. قال في زاد المعاد: وهذا الحديث حسن.

قال العلماء: بنو بيضاء ثلاثة إخوة سهل وسهيل وصفوان وأمهم البيضاء اسمها دعد والبيضاء وصف وأبوهم وهب بن ربيعة القرشي الفهري وكان سهيل قديم الإسلام هاجر إلى الحبشة ثم عاد إلى مكة ثم هاجر إلى المدينة وشهد بدراً وغيرها توفي سنة تسع من الهجرة رضي الله عنه وفي هذا الحديث دليل للشافعي والأكثرين في جواز الصلاة على الميت في المسجد وممن قال به أحمد وإسحاق قال ابن عبد البر ورواه المدنيون في الموطأ عن مالك وبه قال ابن حبيب المالكي وقال ابن أبي ذئب وأبو حنيفة ومالك على المشهور عنه لا تصح الصلاة عليه في المسجد بحديث في سنن أبي داود من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له ودليل الشافعي والجمهور حديث سهيل بن بيضاء وأجابوا عن حديث سنن أبي داود بأجوبة أحدها أنه ضعيف لا يصح الاحتجاج به قال أحمد بن حنبل هذا حديث ضعيف تفرد به صالح مولى التوأمة وهو ضعيف. والثاني أن الذي في النسخ المشهورة المحققة المسموعة من سنن أبي داود ومن صلى على جنازة في المسجد فلا شيء عليه ولا حجة لهم حينئذ فيه. الثالث أنه لو ثبت الحديث وثبت أنه قال فلا شيء لوجب تأويله على فلا شيء عليه ليجمع بين الروايتين وبين هذا الحديث وحديث سهيل بن بيضاء وقد جاء له بمعنى عليه كقوله تعالى (وإن أسأتم فلها) الرابع أنه محمول على نقص الأجر في حق من صلى في المسجد ورجع ولم يشيعها إلى المقبرة لما فاته من تشييعه إلى المقبرة وحضور دفنه والله أعلم وفي حديث سهيل هذا الدليل لطهارة الآدمي الميت وهو الصحيح في مذهبنا (شرح مسلم 7/ 39 - 40). لكن قال في الخلاصة بعد أن بين أن سبب ضعف صالح هو الاختلاط لكن قالوا: إن سماع ابن أبي ذئب منه كان قبل اختلاطه ا. هـ. وكذا قال ابن القيم في زاد المعاد. قال التهانوي (8/ 228): فالحديث سالم عن الجرح وأما لفظ فلا شيء عليه غير محفوظ ... ومما يدل على ما ذهب إليه الحنفية إنكار الصحابة على عائشة. وأما ما ورد من الصلاة على الجنازة في المسجد في بعض الحالات فأجاب الحنفية: أنها واقعات حال لا عموم لها فيمكن أن يكون ذلك لعذر وفي العذر لا نمنع من ذلك إنما

- الصلاة على القبر

تكره في المسجد بغير عذر وذكر الحنفية أن النهي محمول على كراهية التنزيه انظر (الإعلاء 8/ 229). - الصلاة على القبر: 2264 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد/- أو شاباً- فقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عنها- أو عنه- فقالوا: مات، قال أفلا كنتم آذنتموني؟ قال: فكأنهم صغروا أمرها- أو أمره- فقال: دلوني على قبره، فدلوه، فصلى عليها، ثم قال: إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله ينورها لهم بصلاتي عليهم. 2265 - * روى مسلم عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم "صلى على قبر". 2266 - * روى الشيخان عن عامر الشعبي رحمه الله قال: "أخبرني من مر مع النبي صلى الله عليه وسلم على قبر منبوذ، فأمهم وصفهم خلفه، وقال الشيباني: قلت للشعبي: من حدثك بهذا يا أبا عمرو؟ قال: ابن عباس". وفي رواية (1) زائدة قال: "أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبراً منبوذاً، فقالوا: "هذا دفن"- أو "دفنت- البارحة"، قال ابن عباس: فصفنا خلفه، ثم صلى عليها"ومنهم من قال: "إنه صلى الله عليه وسلم قال: "أفلا آذنتموني؟ " قالوا: دفناه في ظلمة الليل، وكرهنا أن نوقظك، فقام فصفنا خلفه، قال ابن عباس: وأنا فيهم، فصلى عليها".

_ 2264 - البخاري (3/ 305) 23 - كتاب الجنائز، 66 - باب الصلاة على القبر بعد ما يدفن. مسلم (2/ 659) 11 - كتاب الجنائز، 23 - باب الصلاة على القبر. أبو داود (3/ 211) كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر. وأخرجه أبو داود إلى قوله "فصلى عليه". (تقم) القم: الكنس، والقمامة: الكناسة. (آذنتموني) الإيذان: الإعلام بالأمر. 2265 - مسلم (2/ 659) 11 - كتاب الجنائز، 23 - باب الصلاة على القبر. 2266 - البخاري (2/ 344) 10 - كتاب الأذان، 161 - باب وضوء الصبيان ومتى يجب عليهم الغسل والطهور؟ مسلم (2/ 658) 11 - كتاب الجنائز، 23 - باب الصلاة على القبر. (1) البخاري (3/ 189) 23 - كتاب الجنائز، 55 - باب صفوف الصبيان مع الرجال في الجنائز.

وفي أخرى (1) قال: "انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قبر رطب، فصلى عليه وصفوا خلفه، وكبَّر أربعاً". أقول: قال الحنفية: إذا دفن الميت ولم يصلَّ عليه صلي على قبره وإذا صلي عليه من غير الإمام أو السلطان أو نائبه فلوليه أن يصلي على قبره، وقد أخذوا ذلك من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرسول الله صلى الله عليه وسلم ولي من لا ولي له، وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم. 2267 - * روى أحمد عن أنس أن أسود كان ينظف المسجد فمات فدفن ليلاً فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبر فقال: انطلقوا إلى قبره فانطلقوا فقال إن هذه القبور ممتلئة على أهلها ظلمة وإن الله عز وجل ينورها بصلاتي عليها فأتى القبر فصلى عليه وقال رجل من الأنصار يا رسول الله إن أخي مات ولم تصل عليه قال فأين قبره فأخبره فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم مع الأنصاري. 2268 - * روى الترمذي عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه "أن أم سعد ماتت والنبي صلى الله عليه وسلم غائب، فلما قدم صلى عليها، وقد مضى لذلك شهر". أقول: لم يقدر الفقهاء للصلاة على القبر في حالة جواز الصلاة عليه مدة لكن قيدوا ذلك بأن تكون الصلاة عليه قبل تفسخه، وهذا يختلف باختلاف الزمان والمكان، ففي أيام البرد والمناطق الباردة وبعض أنواع الأرضين يبطؤ التفسخ، والعبرة لغالب الظن. 2269 - * روى الطبراني عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم مر في بعض سكك المدينة فرأى رجلاً أسوداً ميتاً قد رموا به في الطريق فسأل بعض من ثم عنه فقال: "مملوك من هذا؟ " قالوا مملوك لآل فلان فقال: "أكنتم ترونه يصلي؟ ". قالوا: كنا نراه أحياناً

_ (1) مسلم (2/ 658) 11 - كتاب الجنائز، 23 - باب الصلاة على القبر. (قبر منبوذ) المنبوذ: المرمي الملقى، أراد: أنه مر بقبر منتبذ عن القبور، فصلى عليه. 2267 - أحمد (3/ 150). مجمع الزوائد (3/ 36) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. 2268 - الترمذي (3/ 356) 8 - كتاب الجنائز، 47 - باب ما جاء في الصلاة على القبر وهو حديث حسن. 2269 - مجمع الزوائد (10/ 266) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده جيد.

يصلي وأحياناً لا يصلي فقالك "قوموا فاغسلوه وكفنوه" فقاموا فغسلوه وكفنوه وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى عليه فلما كبر قال: "سبحان الله" "سبحان الله" فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال له أصحابه يا رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعناك لما كبرت تقول سبحان الله سبحان الله فلم قلت سبحان الله سبحان الله قال: "كادت الملائكة أن تحول بيني وبينه من كثرة ما صلوا عليه". 2270 - * روى النسائي عن يزيد بن ثابت رضي الله عنه قال: "إنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فرأى قبراً جديداً، فقال: "ما هذا؟ " قالوا: هذه فلانة مولاة فلان، فعرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ماتت ظهراً وأنت صائم قائل، فلم نحب أن نوقظك بها، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفَّ الناس خلفه، فكبَّر عليها أربعاً، ثم قال: "لا يموت فيكم ميت ما دمت بين أظهركم، إلا- يعني: "آذنتموني به- فإن صلاتي له رحمة". 2271 - * روى أبو داود عن عقبة بن عامر رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوماً، فصلى على أهل أُحُد صلاته على الميت، ثم انصرف". وفي رواية (1) "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أُحُد بعد ثمان سنين، كالمودع للأحياء والأموات". وللنسائي (2) قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً، فصلى على أهل أُحُد صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر، فقال: "إني فرطكم، وغني شهيد عليكم". أقول: صلاته صلى الله عليه وسلم بعد سنين على شهداء أحد خصوصية له صلى الله عليه وسلم ويصلح هذا الحديث دليلاً للحنفية الذين يرون الصلاة على الشهيد، والأصح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل على

_ 2270 - النسائي (4/ 85) 21 - كتاب الجنائز، 94 - الصلاة على القبر. وإسناده صحيح. (قائل) القائل: اسم فاعل، من القائلة، وهي شدة الحر. 2271 - أبو داود (3/ 216) كتاب الجنائز، باب الميت يصلى على قبره بعد حين. (1) أبو داود (3/ 216) كتاب الجنائز، باب الميت يصلى على قبره بعد حين. (2) النسائي (4/ 61، 62) 21 - كتاب الجنائز، 61 - باب الصلاة على الشهداء. وإسناده صحيح.

- الصلاة على من عليه حق للعباد

شهداء أحد، فهذه الصلاة قد تكون بديلاً عن ذلك خاصة وقد ثبت أن من رؤيت جثته من شهداء أحد بعد فترة طويلة من دفنه وجدت كيوم دفنت تقريباً مما يدل على أنه بالإمكان أن تكون جثث شهداء أحد لم تأكلها الأرض، فلا تنافي بين ما قال بعض الفقهاء إنه لا يصلى على من دفن إذا تفسخ جسده، وبين صلاته عليه الصلاة والسلام على شهداء أحد بعد هذه المدة الطويلة. - الصلاة على من عليه حق للعباد: 2272 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل المتوفى عليه الدَّيْنُ، فيسأل: "هل ترك لدينه قضاء؟ " فإن حدِّث أنه ترك وفاء صلى عليه، وإلا قال للمسلمين: صلوا على صاحبكم، قال: فلما فتح الله على رسوله كان يصلي ولا يسأل عن الدين، وكان يقول: "أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي من المؤمنين فترك ديناً أو كلاً أو ضياعاً، فعلي وإلي، ومن ترك مالاً فلورثته". 2273 - * روى البزار عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بجنازة فقام يصلي عليها قالوا: عليه دين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "انطلقوا بصاحبكم فصلوا عليه" فقال رجل علي دينه فصل عليه فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى عليه. 2274 - * روى أحمد عن جابر قال توفي رجل فغسَّلناه وكفَّناه وحنَّظناه ثم أتينا به

_ 2272 - البخاري (4/ 477) 39 - كتاب الكفالة، 5 - باب الدين، (9/ 515). 69 - كتاب النفقات، 15 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "من ترك كلاً أو ضياعاً فإلي". مسلم (3/ 137) 23 - كتاب الفرائض، 4 - باب من ترك مالاً فلورثته. الترمذي (3/ 382) 8 - كتاب الجنائز، 69 - باب ما جاء في الصلاة على المديون. النسائي (4/ 66) 21 - كتاب الجنائز، 67 - الصلاة على من عليه دين. (كلاً) الكل: الثقل والدَّين. (الضياع) بفتح الضاد: العيال. 2273 - كشف الأستار (2/ 115) كتاب البيوع، باب ما جاء في الدين. مجمع الزوائد (4/ 127) وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. 2274 - أحمد (3/ 330).

- الصلاة على من قتل نفسه

رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عليه فقلنا تصلي عليه فخطا خطوة ثم قال "أعليه دين؟ " قلت: ديناران فانصرف فتحملها أبو قتادة فأتيناه فقال أبو قتادة الديناران علي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قد أوفى الله حق الغريم وبرئ منها الميت" قال: نعم فصلى عليه ثم قال بعد ذلك بيوم ما فعل الديناران قلت إنما مات من الأمس قال فعاد إليه من الغد قال قد قضيتهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الآن بردت عليه جلدته". أقول: عدم صلاته عليه الصلاة والسلام على من عليه دين فيه حض للمسلمين على أن يوفوا ديون أمواتهم فيقضوا بذلك حقوق الناس وترتفع عن الميت المؤاخذة وفي ذلك إشعار بأهمية حقوق العباد، ولو أن الإمام صلى على ميت دون أن يسأل عن ديونه، فذلك جائز، ولو أنه صلى عليه وهو يعلم أن عليه ديناً فذلك جائز، ولكن فعله عليه الصلاة والسلام فيه تأديب للمسلمين في مراعاة حق الدائن. - الصلاة على من قتل نفسه: 2275 - * روى مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمشاقص، فلم يصلِّ عليه. أقول: تجوز الصلاة على من قتل نفسه ولكن ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم محمول على الزجر حتى لا يقدم أحد على هذه الجريمة، وعلى هذا يحمل النص اللاحق بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يصل على من سيذر في النص اللاحق وأجاز لأصحابه أن يصلوا عليه. قال النووي: وفي هذا الحديث دليل لمن يقول لا يصلى على قاتل نفسه لعصيانه وهذا مذهب عمر بن عبد العزيز والأوزاعي وقال الحسن والنخعي وقتادة ومالك وأبو حنيفة

_ = كشف الأستار (2/ 115، 116) كتاب البيوع، باب ما جاء في الدين. مجمع الزوائد (4/ 127) وقال الهيثمي: قلت رواه أبو داود باختصار ورواه أحمد والبزار وإسناده حسن. 2275 - مسلم (2/ 672) 11 - كتاب الجنائز، 37 - باب ترك الصلاة على القاتل نفسه. الترمذي (3/ 380) 8 - كتاب الجنائز، 68 - باب ما جاء فيمن قتل نفسه، ولم يذكر المشاقص. النسائي (4/ 66) 21 - كتاب الجنائز، 68 - باب ترك الصلاة على من قتل نفسه. (بمشاقص) المشاقص، جمع مشقص، وهو من النصال ما طال وعرض، وقيل هو سهم له نصل عريض.

- فضل كثرة المصلين على الجنازة

والشافعي وجماهير العلماء يصلى عليه وأجابوا عن هذا الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل عليه بنفسه زجراً للناس عن مثل فعله وصلت عليه الصحابة وهذا كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة في أول الأمر على من علي دين زجراً لهم عن التساهل في الاستدانة وعن إهمال وفائه وأمر أصحابه بالصلاة عليه فقال صلى الله عليه وسلم صلوا على صاحبكم قال القاضي مذهب العلماء كافة الصلاة على كل مسلم ومحدود ومرجوم وقاتل نفسه وولد الزنا وعن مالك وغيره أن الإمام يجتنب الصلاة على مقتول في حد وأن أهل الفضل لا يصلون على الفساق زجراً لهم وعن الزهيري لا يصلى على مرجوم ويصلى على المقتول في قصاص وقال أبو حنيفة: لا يصلى على محارب ولا على قتيل الفئة الباغية وقال قتادة: لا يصلى علي ولد الزنا وعن الحسن لا يصلى على النفساء تموت من زنا ولا على ولدها ومنع بعض السلف الصلاة على الطفل الصغير واختلفوا في الصلاة علي السقط فقال بها فقهاء المحدثين وبعض السلف إذا مضى عليه أربعة أشهر، ومنعها جمهور الفقهاء حتى يستهل وتعرف حياته بغير ذلك وأما الشهيد المقتول في حرب الكفار فقال مالك والشافعي والجمهور: لا يغسل ولا يصلى عليه وقال أبو حنيفة: يغسل ولا يصلى عليه وعن الحسن: يغسل ويصلى عليه والله أعلم. (شرح مسلم 7/ 47 - 48). 2276 - * روى الطبراني عن أبي أمامة قال: توفي رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يوجد له كفن فأتي النبي صلى الله عليه وسلم فقال "انظروا إلى داخلة إزاره" فأصيب دينار أو ديناران فقال: "كيتان صلوا على صاحبكم". - فضل كثرة المصلين على الجنازة: 2277 - * روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من ميت تصلي عليه أمة من المسلمين، يبلغون مائة، كلهم يشفعون له، إلا شفِّعوا فيه".

_ 2276 - مجمع الزوائد (3/ 41) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. 2277 - مسلم (2/ 654) 11 - كتاب الجنائز، 18 - باب من يصلي عليه مائة شفعوا فيه. الترمذي (3/ 348) 8 - كتاب الجنائز، 40 - باب ما جاء في الصلاة على الجنازة والشفاعة للميت. النسائي (4/ 75) 21 - كتاب الجنائز، 78 - باب فضل من صلى عليه مائة.

قال راويه- وهو عبد الله بن يزيد، رضيع عائشة-: فحدَّثت به شعيب بن الحبحاب، فقال: حدثني به أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرجه الترمذي والنسائي إلى قوله: "إلا شُفِّعوا فيه". وقال في رواية (1) أخرى: "مائة فما فوقها". 2278 - * روى مسلم عن كريب مولى ابن عباس "أن ابن عباس مات له ابن بقديد- أو بعسفان- فقال: يا كريب، انظر ما اجتمع له من الناس، قال: فخرجت، فإذا ناس قد اجتمعوا له، فأخبرته، فقال: تقول: هم أربعون؟ قال: قلت: نعم، قال: أخرجوه، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من رجل يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً، لا يشركون بالله شيئاً، إلا شفعهم الله فيه". 2279 - * روى النسائي عن الحكم بن فروخ قال: "صلى بنا أبو المليح على جنازة، فظننا أنه قد كبَّر، فأقبل علينا بوجهه، فقال: أقيموا صفوفكم، ولتحسن شفاعتكم، قال أبو المليح: حدثني عبد الله عن إحدى أمهات المؤمنين- وهي ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من ميت يصلي عليه أمة من الناس إلا شفِّعوا فيه، فسألت أبا المليح عن الأمة؟ فقال: أربعون". 2280 - * روى أبو داود عن مالك بن هبيرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من مسلم يموت، فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب" فكان مالك إذا استقل أهل الجنازة جزأهم ثلاثة صفوف، لهذا الحديث. وفي رواية (5) الترمذي قال: "كان مالك بن هبيرة إذا صلى على جنازة، فتقال الناس

_ (1) الترمذي (3/ 348) 8 - كتاب الجنائز، 40 - باب ما جاء في الصلاة على الجنازة والشفاعة للميت. (رضيع عائشة) الرضيع: الذي تشرب أنت وهو لبناً واحداً، وهو الأخ من الرضاعة. 2278 - مسلم (2/ 655) 11 - كتاب الجنائز، 19 - باب من صلى عليه أربعون شفعوا فيه. 2279 - النسائي (4/ 76) 21 - كتاب الجنائز، 78 - فضل من صلى عليه أربعون شفعوا فيه. 2280 - أبو داود (3/ 202) كتاب الجنائز، باب في الصفوف على الجنازة. (2) الترمذي (3/ 347) 8 - كتاب الجنائز، 40 - باب ما جاء في الصلاة على الجنازة والشفاعة للميت. وقال الترمذي: حديث مالك بن هبيرة حديث حسن، قال: وفي الباب عن عائشة، وأم حبيبة، وأبي هريرة، =

- النهي عن الصلاة على الجنائز بين القبور

عليها جزأهم ثلاثة أجزاء، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى عليه ثلاثة صفوف أوجب". أقول: والتوفيق بين هذه النصوص أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أولاً بأن الله جاء بالمغفرة لمن شفع فيه مئة ثم أخبر أنه جاء بالمغفرة لمن شفع فيه أربعون ولمن صلى عليه ثلاثة صفوف. انظر هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخاصة (205 - 206) وشرح مسلم للنووي (7/ 17). - النهي عن الصلاة على الجنائز بين القبور: 2281 - * روى الطبراني في الأوسط عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى على الجنائز بين القبور. - لا صلاة على منافق علم نفاقه: 2282 - * روى البزار عن حذيفة قال دعي عمر لجنازة فخرج فيها أو يريدها فتعلقت به فقلت اجلس يا أمير المؤمنين فإنه من أولئك فقال نشدتك بالله أنا منهم قال لا ولا أبرئ أحداً بعدك. أقول: نهى الله عن الصلاة على المنافقين: قال تعالى: (ولا تصل على أحد منهم مات أبداً) (1). وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أطلع حذيفة على من هم منافقون حماية للصف الإسلامي أن يؤثر عليه هؤلاء، وإذا كان الميت من هؤلاء فقد منع عمر أن يصلي عليه، ولم يمنع غيره لأنه ليس مكلفاً بذلك، وإنما خص عمر بالتعرف على هذا المنافق لمقام عمر ومكانته.

_ = وميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم. (أوجب) الرجل: إذا فعل فعلاً وجبت له به الجنة أو النار. 2281 - مجمع الزوائد (3/ 36) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، وإسناده حسن. 2282 - كشف الأستار (1/ 391، 392) باب النهي عن الصلاة على المنافقين. مجمع الزوائد (3/ 42) وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله ثقات. (1) التوبة: من 84.

- الأولى بالصلاة على الجنازة

- الأولى بالصلاة على الجنازة: 2283 - * روى الطبراني عن قيس بن أبي حازم قال اجتمع جرير والأشعث في جنازة فقدم الأشعث جريراً فصلى عليها. 2284 - * روى البزار عن أبي حازم قال: شهدت حسيناً حين مات الحسن وهو يدفع في قفا سعيد بن العاص وهو يقول تقدم فلولا أنها السنة ما قدمتك وسعيد أمير على المدينة يومئذ. أقول: هذا دليل على أنه كان من المتعارف بين الصحابة أن الأولى بالصلاة على الميت الأمير أولاً. - التسليم في الجنازة: 2285 - * روى الطبراني عن ابن مسعود قال خلال كان يفعلهن رسول الله صلى الله عليه وسلم تركهن الناس، إحداهن تسليم الإمام في الجنازة مثل تسليمه في الصلاة. 2286 - * روى مالك عن نافع- مولى ابن عمر- رضي الله عنهما "أن عبد الله بن عمر كان إذا صلى على الجنائز يسلم حتى يسمع من يليه". 2287 - * روى الطبراني عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه انتظر أم عبد الله حتى صلت على عتبة.

_ 2283 - مجمع الزوائد (3/ 32) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. 2284 - كشف الأستار (1/ 385، 386) باب من أحق بالصلاة على الميت. مجمع الزوائد (3/ 31) وقال الهيثمي: رواه البزار، والطبراني في الكبير، ورجاله موثقون. 2285 - الطبراني "المعجم الكبير" (10/ 100). مجمع الزوائد (3/ 34) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. 2286 - الموطأ (1/ 230) 16 - كتاب الجنائز، 19 - باب جامع الصلاة على الجنائز وإسناده صحيح. 2287 - مجمع الزوائد (3/ 34) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن.

وصل في أحكام الشهداء

وصل في أحكام الشهداء 2288 - * روى البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "لما حضر أحد دعاني أبي من الليل، فقال: ما أراني إلا مقتولاً في أول من يقتل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني لا أترك بعدي أعز علي منك، غير نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن علي ديناً، فاقض، واستوص بأخواتك خيراً، فأصبحنا، فكان أول قتيل، فدفنت معه آخر في قبره، ثم لم تطب نفسي أن أتركه مع آخر، فاستخرجته بعد ستة أشهر، فإذا هو كيوم وضعته، غير أذنه". وفي رواية (1): "فجعلته في قبر على حدة". وفي رواية (2) أبي داود قال: "دفن مع أبي رجل، وكان في نفسي من ذلك حاجة، فأخرجته بعد ستة أشهر، فما أنكرت منه شيئاً إلا شعيرات كن في لحيته مما يلي الأرض". 2289 - * روى البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان يجمع بين الرجلين من قتلى أُحُد في ثوب واحد، ثم يقول: "أيهما أكثر أخذاً للقرآن؟ " فإذا أشير إلى أحدهما قدَّمه في اللحد، وقال: "أنا شهيد على هؤلاء"، وأمر بدفنهم بدمائهم، ولم يصل عليهم، ولم يغسِّلهم". وفي أخرى (3) قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يجمع بين الرجلين والثلاثة من قتلى أحد، وقال: ادفنوهم في دمائهم، ولم يغسِّلهم".

_ 2288 - البخاري (3/ 214) 23 - كتاب الجنائز، 77 - باب هل يخرج الميت من القبر واللحد لعلة. (1) البخاري ص 215، الموضع السابق. (2) أبو داود (3/ 218) كتاب الجنائز، باب في تحويل الميت من موضعه للأمر يحدث. (على حدة) قعد فلان على حدة: إذا قعد منفرداً. 2289 - البخاري (3/ 212) 23 - كتاب الجنائز، 75 - باب من يقدم في اللحد. (3) البخاري (3/ 212) الموضع السابق. أبو داود (3/ 196) كتاب الجنائز، باب في الشهيد يغسل، وليس عند أبي داود "ولم يصل عليهم". الترمذي (3/ 336) 8 - كتاب الجنائز، 31 - باب ما جاء في قتلى أحد وذكر حمزة. النسائي (4/ 62) 21 - كتاب الجنائز، 62 - ترك الصلاة عليهم.

2290 - * روى الطبراني عن سعيد بن عبيد وكان يدعى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم القارئ وكان له عدو فانهزم منهم فقال له عمر: هل لك في الشام لعل الله أن يمن عليك قال: لا إلا العدو الذي فررت منهم قال: فخطبهم بالقادسية فقال إنا لاقو العدو إن شاء الله غداً وإنا مستشهدون فلا تغسلوا عنا دماً ولا نكفَّن إلا في ثوب كان علينا. 2291 - * روى أبو داود عن هشام بن عامر رضي الله عنه قال: "جاءت الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فقالت: أصابنا قرح وجهد، فكيف تأمرنا؟ قال: أوسعوا القبر، وأعمقوا، واجعلوا الرجلين والثلاثة في القبر. قيل: فأيهم يقدم؟ قال: أكثرهم قرآناً قال: أصيب أبي يومئذ عامر بين اثنين، أو قال: واحد". وفي رواية (1) الترمذي قال: "شكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجراحات يوم أُحد، فقال: "احفروا، وأوسعوا، وأحسنوا، وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد، وقدموا أكثرهم قرآناً، فمات أبي، فقدِّم بين يدي رجلين". وفي رواية (2) النسائي قال: "شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فقلنا: يا رسول الله، الحفر علينا لكل إنسان شديد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "احفروا، وأعمقوا، وأحسنوا، وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد، قالوا: فمن نقدم يا رسول الله؟ قال: "قدموا أكثرهم قرآناً"، فكان أبي ثالث ثلاثة في قبر واحد. وفي أخرى (3) له قال "اشتد الجراح يوم أحد، فشكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "احفروا، وأوسعوا، وأحسنوا، وادفنوا". وفي أخرى (4) قال: "لما كان يوم أُحد، أصاب الناس جهد شديد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

_ 2290 - الطبراني "المعجم الكبير" (6/ 70). مجمع الزوائد (3/ 23) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح. 2291 - أبو داود (3/ 314) كتاب الجنائز، باب في تعميق القبر. (1) الترمذي (4/ 213) 24 - كتاب الجهاد، 33 - باب ما جاء في دفن الشهداء. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وهو كما قال [م]. (2) النسائي (4/ 80، 81) 21 - كتاب الجنائز، 86 - باب ما يستحب من إعماق القبر. (3) النسائي ص 83، 84. الموضع السابق. (قرح) القرح: الجرح، والجهد، والمشقة. (4) النسائي ص 83 الموضع السابق.

"احفروا ... وذكر الحديث إلى قوله: أكثرهم قرآناً". 2292 - * روى مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة رحمه الله بلغه "أن عمرو بن الجموح، وعبد الله بن عمرو الأنصاريين، ثم السلميين- رضي الله عنهما- دفنا يوم أحد معاً، فجرف السيل قبرهما فحفر عنهما ليغيرا من مكانهما، فوجدا كأنما ماتا بالأمس، وكان في أحدهما جرح قد وضع يده عليه، فأميطت يده عن جرحه، ثم أرسلت؛ فرجعت كما كانت، وكان بين يوم أحد ويوم حفر عنهما ست وأربعون سنة". 2293 - * روى الترمذي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "لما كان يوم أحد جاءت عمتي بأبي لتدفنه في مقابرنا، فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ردوا القتلى إلى مضاجعهم". وفي رواية (1) أبي داود قال: "كنا حملنا القتلى يوم أحد لندفنهم، فجاء منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأمركم أن تدفنوا القتلى في مضاجعهم، فرددناهم". وفي رواية (2) النسائي "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتلى أحد أن يردوا إلى مصارعهم، وكانوا نقلوا إلى المدينة". 2294 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلى أُحد: أن ينزع عنهم الحديد والجلود، وأن يدفنوا بثيابهم ودمائهم".

_ 2292 - الموطأ (2/ 470) 21 - كتاب الجهاد، 21 - باب الدفن في قبر واحد من ضرورة، وإسناده منقطع، قال ابن عبد البر: لم تختلف الرواة في قطعه، ويتصل معناه من وجوه صحاح. 2293 - الترمذي (4/ 215) 24 - كتاب الجهاد، 37 - باب ما جاء في دفن القتيل في مقتله. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وهو كما قال. (1) أبو داود (3/ 202) كتاب الجنائز، باب في الميت يحمل من أرض إلى أرض. (2) النسائي (4/ 79) 21 - كتاب الجنائز، 83 - أين يدفن الشهيد. 2294 - أبو داود (3/ 195) كتاب الجنائز، باب في الشهيد يغسل.

2295 - * روى أبو داود عن محمد بن شهاب رحمه الله أن أنساً حدثهم "أن شهداء أحد لم يغسلوا، ودفنوا بدمائهم، ولم يصل عليهم". وفي رواية (1) قال أنس: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على حمزة وقد مثل به، فقال، لولا أن تجد صفية في نفسها لتركته حتى تأكله العافية ويحشر من بطونها، وقلت الثياب، وكثرت القتلى، فكان الرجل والرجلان والثلاثة يكفنون في الثوب الواحد". زاد في رواية (2): "ثم يدفنون في قبر واحد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل: "أيهم أكثر قرآناً" فيقدمه إلى القبلة. وفي أخرى (3) قال: "مر النبي صلى الله عليه وسلم بحمزة وقد مثل به، ولم يصل على أحد من الشهداء غيره". وفي رواية (4) الترمذي: أن أنسأ قال: "أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة يوم أحد، فوقف عليه، فرآه قد مُثِّل به قال: "لولا أن تجد صفية في نفسها لتركته حتى تأكله العافية، حتى يحشر يوم القيامة من بطونها"، قال: ثم دعا بنمرة فكفنه فيها، فكانت إذا مدت على رجليه بدا رأسه، قال: فكثر القتلى وقلت الثياب، فكفن الرجل والرجلان والثلاثة في الثوب الواحد، ثم يدفنون في قبر واحد، قال: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عنهم: أيهم أكثر قرآناً؟ فيقدمه إلى القبلة: فدفنهم، ولم يصل عليهم". تنبيه: ذكرنا في هذا الفصل ما يتعلق بالصلاة على الجنازة فقط أما الحقوق الأخرى من تكريم الميت وغسله ودفنه ... إلخ فسنذكرها في القسم الرابع من أقسام الكتاب في أدب التعامل مع الموت.

_ 2295 - أبو داود (3/ 195) الموضع السابق. (1) أبو داود، الموضع السابق 195، 196. (2) أبو داود، الموضع السابق ص.196 (3) أبو داود، الموضع السابق. (4) الترمذي (3/ 335، 336) 8 - كتاب الجنائز، 31 - باب ما جاء في قتلى أحد وذكر حمزة. (تجد) وجدت على الميت: إذا حزنت عليه وجزعت. (لعافية): كل طالب رزق من سبع أو طائر أو دابة أو إنسان فهو عاف، وأكثر ما تطلق العافية على السباع والطير.

الباب العاشر في السجدات

الباب العاشر في السجدات وفيه مقدمة وفقرات الفقرة الأولى: في سجود السهو. الفقرة الثانية: في سجود التلاوة. الفقرة الثالثة: في سجود الشكر.

مقدمة

مقدمة أخرنا الكلام عن سجود السهو إلى آخر باب في جزء الصلاة، لأن سجود السهو جبر لما يطرأ على الصلاة من غير أن يبطلها سواء كان هذا الطارئ بالزيادة أو النقصان وإذا كان هذا الطارئ قد شرع له في بعض الحالات سجود السهو سواء في ذلك ما إذا كانت الصلاة فريضة أو نافلة فقد رأينا تأخير الكلام عن أحكام سجود السهو إلى ما بعد ذكر الفرائض والنوافل وإذا كانت سجدة التلاوة على نوعين سجدة التلاوة في الصلاة وسجدة التلاوة خارج الصلاة، وكان حق الأولى أن تذكر أثناء القراءة في الصلاة وحق الثانية أن تذكر في بحث السجدات المفردة كسجدة الشكر، فقد ارتأينا أن نؤخرها إلى بحث السجدات الذي خصصنا له هذا الباب لأن أحد نوعيها يشبه سجدة الشكر، وهكذا أدخلنا في هذا الباب سجود السهو وسجود التلاوة وسجود الشكر وخصصننا لكل من هذه الثلاثة فقرة خاصة بها.

الفقرة الأولى في سجود السهو عرض إجمالي

الفقرة الأولى في سجود السهو عرض إجمالي من أهم موضوعات الصلاة موضوع سجود السهو، فالفقه فيه مرتبط بفقه الصلاة كلها، ولذلك كان الاهتمام فيه يعتبر اهتماماً بفقه الصلاة عامة وها نحن نستخلص لك خلاصة من كتاب الفقه الإسلامي لهذا الموضوع. السهو في الشيء: تركه من غير علم. ولا مرية في مشروعية سجود السهو جبراً لنقص الصلاة وتفادياً عن إعادتها بسبب ترك أمر غير أساسي فيها، أو زيادة شيء فيها، ولا يشرع سجود السهو في حالة العمد، والحكم في حالة الترك المتعمد لشيء من الصلاة يختلف باختلاف المتروك فإذا كان ركناً بطلت الصلاة وإن كان واجباً تجب إعادة الصلاة عند الحنفية، وسجود السهو واجب على الصحيح عند الحنفية، سنة في الجملة في المذاهب الأخرى، قال الحنفية: يجب سجود السهو على الصحيح إذا ترك الإنسان واجباً سهواً كقراءة التشهد والسلام، أما إذا ترك ركناً فإن الصلاة تبطل بالترك نسياناً أو عمداً إذا علم بعد ذلك، ولم يعد له حق العودة إلى ما ترك، ويتحمل الإمام عند الحنفية سهو المأموم، فسجود السهو واجب على الإمام والمنفرد وإذا حصل السهو من الإمام وجب على المأموم أن يتابعه في سجوده وإن كان مدركاً أو مسبوقاً في حالة الاقتداء، وإن لم يسجد الإمام سقط عن المأموم، وإذا سلم الإمام قبل سجود السهو ثم سجد للسهو لا يتابعه المسبوق في السلام ويتابعه في السجود، ولذلك يستحب في المأموم أن لا يستعجل القيام قبل انتهاء الإمام من السلام حتى إذا كان على الإمام سجود سهو تابعه فيه، وإذا قام المسبوق لقضاء ما فاته فسها فإنه يسجد لسهوه. ويسقط سجود السهو إذا طلعت الشمس بعد السلام في صلاة الفجر أو احمرت في صلاة العصر أو فعل فعلاً يمنعه من البناء على صلاته بأن تكلم أو قهقه أو أحدث متعمداً أو خرج من المسجد أو صرف وجهه عن القبلة، والأولى ترك سجود السهو في الجمعة والعيدين لئلا

يشتبه الأمر على المصلين، وإذا سها في سجود السهو فلا سجود عليه، وقال المالكية: سجود السهو سنة مؤكدة للإمام والمنفرد بسبب زيادة أو نقص لسنة مؤكدة أو سنتين خفيفتين. وقال الشافعية: وإذا ترك الإمام سجود السهو لم يجب على المأموم أن يسجد بل يندب. وقال الحنابلة: سجود السهو وجب، وقد يكون مندوباً وقد يصبح مباحاً ويجب عندهم سجود السهو لما يأتي: أ- لكل ما يبطل الصلاة إن فُعل عمداً بالزيادة أو النقصان كترك ركن فعلي. ب- لترك كل واجب سهواً، كترك التسبيح في الركوع أو السجود. ج- الشك في الصلاة في بعض صوره كالشك في ترك ركن أو في عدد الركعات. د- لمن لحن لحناً يغير المعنى سهواً أو جهلاً، ويندب سجود السهو عندهم إن أتى بقول مشروع في غير موضعه ويباح سجود السهو لترك سنة من سنن الصلاة والنافلة كالفرض في حكم سجود السهو. وقد لخص حكم سجود السهو صاحب بداية المجتهد فقال (1/ 191). اختلفوا في سجود السهو هل هو فرض أو سنة؟، فذهب الشافعي إلى أنه سنة، وذهب أبو حنيفة إلى أنه فرض لكن من شروط صحة الصلاة. وفرق مالك بين السجود للسهو في الأفعال وبين السجود للسهو في الأقوال وبين الزيادة والنقصان فقال: سجود السهو الذي يكون للأفعال الناقصة واجب، وهو عنده من شروط صحة الصلاة، هذا في المشهور، وعنه أن سجود السهو للنقصان واجب وسجود الزيادة مندوب. ومكان سجود السهو عند الحنفية بعد السلام مطلقاً. وعند المالكية قبل السلام إن كان سببه النقصان أو النقصان والزيادة معاً وبعد السلام إن كان سببه الزيادة فقط وينوي وجوباً للسجود البعدي. ومحل سجود السهو عند الشافعية قبل السلام مطلقاً.

وعند الحنابلة الأفضل أن يكون قبل السلام أكثر وفي حالتين يسجد بعد السلام. - أن يسجد لنقص ركعة فأكثر وكان قد سلم قبل إتمام صلاته. - أن يشك الإمام في شيء من صلاته ثم يبني على غالب ظنه. وصفته عند الحنفية أن يسجد سجدتين بعد التشهد ثم يعيد التشهد ويأتي بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء في قعدة السهو ولو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم قبل سجود السهو فلا حرج، وعند المالكية يتشهد بعد سجود السهو استناناً ولا يدعو ولا يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم. وعند الشافعية: يسلم مباشرة بعد السجدتين. وقال الحنابلة: إن سجد للسهو بعد السلام يأتي بالتشهد كتشهد الصلاة ثم يسلم، وإن سجد قبل أن يسلم لم يتشهد ويسلم عقبه ومن ترك السجود الواجب للسهو عمداً بطلت صلاته عندهم، وإذا نسي سجود السهو حتى طال الفصل لم تبطل الصلاة. ومما قاله الحنفية في سجود السهو: 1 - لا يسجد للسهو في العمد إلا في ثلاث: ترك القعود الأول أو تأخيره سجدة من الركعة الأولى إلى آخر الصلاة، أو تفكره عمداً حتى شغله عن مقدار ركن. 2 - يسجد للسهو بترك واجب من واجبات الصلاة سهواً إما بتقديم أو بتأخير أو زيادة أو نقص، وهي أحد عشر واجباً، منها ستة واجبات أصلية، وهي ما يلي: الأول: ترك قراءة الفاتحة أو أكثرها في الركعتين الأوليين من الفرض. الثاني: ترك سورة أو ثلاث آيات قصار أو آية طويلة بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين من الفريضة. الثالث: مخالفة نظام الجهر والإسرار: فإن جهر في الصلاة السرية نهاراً وهي الظهر والعصر، وخافت في الصلاة الجهرية ليلاً وهي الفجر والمغرب والعشاء، سجد للسهو. الرابع: ترك القعدة الأولى للتشهد الأول في صلاة ثلاثية أو رباعية.

الخامس: ترك التشهد في القعدة الأخيرة. السادس: عدم مراعاة الترتيب في فعل مكرر في ركعة واحدة، وهو السجدة الثانية في كل ركعة، فلو سجد سجدة واحدة سهواً، ثم قام إلى الركعة التالية، فأداها بسجدتيها، ثم تذكر السجدة المتروكة في آخر صلاته، فسجدها، فيجب عليه سجود السهو بترك الترتيب؛ لأنه ترك الواجب الأصلي ساهياً، فوجب سجود السهو. أما عدم رعاية الترتيب فيما لا يتكرر كأن أحرم فركع ثم رفع ثم قرأ الفاتحة والسورة، فيوجب عليه إعادة الركوع، ويسجد للسهو. وكذلك ترك سجدة التلاوة وكل تأخير أو تغيير في محل فرض، كالقعود محل القيام وعكسه يوجب سجود السهو. السابع: ترك الطمأنينة الواجبة في الركوع والسجود، فمن تركها ساهياً وجب عليه سجود السهو على الصحيح. الثامن: تغيير محل القراءة في الفرض: بأن قرأ الفاتحة بعد السورة، أو قرأ السورة في الركعتين الأخريين من الرباعية، أو في الثانية والثالثة فقط، وجب عليه السهو. التاسع: ترك قنوت الوتر: ويتحقق تركه بالركوع قبل الإتيان به، فمن تركه سجد للسهو. العاشر: ترك تكبير القنوت. الحادي عشر: ترك تكبيرات العيدين أو بعضها، أو تكبيرة ركوع الركعة الثانية من صلاة العيد، فإنها واجبة. بخلاف التكبيرة الأولى. 3 - زيادة فعل في الصلاة ليس من جنسها وليس منها: كأن ركع ركوعين، فإنه يسجد للسهو. العود إلى ما سها عنه: من سها عن القعدة الأولى، ثم تذكر، وهو إلى حال القعود أقرب، عاد، فجلس وتشهد، وإن كان إلى حال القيام أقرب لم يعد، ويسجد للسهو. ومن سها عن القعدة الأخيرة، فقام إلى الخامسة، رجع إلى القعدة ما لم يسجد وألغى

الخامسة، ويسجد للسهو. فإن قيد الخامسة بسجدة بطل فرضه، وتحولت صلاته نفلاً عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وكان عليه أني ضم ركعة سادسة ندباً. وإن قعد في الرابعة قدر التشهد، ثم قام ولم يسلم يظنها القعدة الأولى، عاد إلى القعود ما لم يسجد في الخامسة، ويسلم، وإن قيد الخامسة بسجدة ضم إليها ركعة أخرى استحباباً، وقد تمت صلاته لوجود الجلوس الأخير في محله، والركعتان الزائدتان: له نافلة. الشك في الصلاة: إذا سها في صلاته، فلم يدر أثلاثاً صلى أم أربعاً؟ فإن كان ذلك أول ما سها (أي أن السهو لم يصر عادة له، لا أنه لم يسه في عمره قط)، استقبل الصلاة، وبطلت، أي استأنفها وأعادها، والسلام قاعداً أولى، وإن حدث الشك المذكور بعد السلام، فلا إعادة عليه، كما لا إعادة عليه إن شك بعد قعوده قدر التشهد قبل السلام. فإن كان الشك يعرض له كثيراً، بنى على غالب ظنه، إذا كان له ظن يرجح أحد الطرفين. وإن لم يكن له ظن أو رأي، أخذ بالأقل أي بنى على اليقين؛ لأنه المتيقن، ويقعد في كل موضع ظنه موضع قعوده، لئلا يصير تاركاً فرض القعود أو واجبه مع تيسر الوصول إليه، فإذا وقع الشك في صلاة رباعية أن الركعة هي الأولى أو الثانية عمل بالتحري، فإن لم يقع تحريه على شيء بنى على الأقل، فيجعلها أولى، ثم يقعد لجواز أنها الركعة الثانية، والقعدة فيها واجبة، ثم يقوم ويصلي ركعة أخرى ويقعد ويسجد للسهو. ومما قاله المالكية في سجود السهو: يسجد للسهو بأسباب ثلاثة: نقص فقط، وزيادة فقط، ونقص وزيادة. أما النقص: فهو ترك سنة مؤكدة داخلة في الصلاة سهواً أو عمداً، كالسورة إذا تركها عن محلها سهواً، أو سنتين خفيفتين فأكثر كتكبيرتين من تكبيرات الصلاة سوى تكبيرة الإحرام، أو ترك تسميعتين أو تكبيرة وتسميعة. ومن أمثلة ترك سنة أيضاً: ترك جهر بفاتحة فقط ولو مرة، أو بسورة فقط في الركعتين بفرض كالصبح، لا نفل كالوتر والعيدين، مع اقتصار على حركة اللسان الذي هو أدنى السر، وترك تشهد ولو مرة لأنه

سنة خفيفة. ويسجد للنقصان قبل السلام. فإن أنقص ركناً عمداً بطلت صلاته، وإن أنقصه سهواً أجبره ما لم يفت محله، فإن فات ألغى الركعة وقضاها. وأما الزيادة: فهي زيادة فعل غير كثير ليس من جنس الصلاة، أو من جنسها. مثال الأول: أكل خفيف أو كلام خفيف سهواً. ومثال الثاني: زيادة ركن فعلي من أركان الصلاة كالركوع والسجود، أو زيادة بعض من الصلاة كركعة أو ركعتين، أو أن يسلم من اثنتين. ويسجد للزيادة بعد السلام. أما زيادة القول سهواً: فإن كان من جنس الصلاة فمغتفر، وإن كان من غيرها سجد له. وأما الزيادة والنقص معاً: فهو نقص سنة ولو غير مؤكدة، وزيادة ما تقدم في السبب الثاني، كأن ترك الجهر بالسورة وزاد ركعة في الصلاة سهواً، فقد اجتمع له نقص وزيادة. ويسجد للزيادة والنقصان قبل السلام، ترجيحاً لجانب النقص على الزيادة. ومما قاله الشافعية في سجود السهو: أن الزيادة الموجبة للسهو نوعان: قول وفعل، فالقول كالسلام في غير موضعه ناسياً، أو الكلام ناسياً، والفعل: كأن يزيد سهواً في صلاته ركعة أو ركوعاً أو سجوداً أو قياماً أو قعوداً، أو يطيل القيام بنية القنوت في غير موضع القنوت، أو يقعد للتشهد في غير موضع القعود على وجه السهو، فيسجد للسهو. وأما النقصان: فهو أن يترك سنة مقصودة، وهو أمران: الأول: أن يترك التشهد الأول ناسياً فيسجد للسهو، والثاني: أن يترك القنوت ساهياً، فيسجد للسهو؛ لأنه سنة مقصودة في محلها، فتعلق السجود بتركها، كالتشهد الأول. وإن ترك سنة غير مقصودة كالتكبيرات والتسبيحات، والجهر والإسرار والتورك والافتراش، وما أشبهها، لم يسجد؛ لأنه ليس بمقصود في موضعه، فلم يتعلق بتركه الجبران.

ويلاحظ أن التشهد الأخير إلى قوله: "وأن محمداً رسول الله، أو عبده ورسوله، أو رسوله" هو الواجب، وهذا هو السنة مع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول، أما الصلاة على الآل في التشهد الأخير فهي سنة وفي التشهد الأول خلاف الأولى على المعتمد، وقيل: مكروهة، فلا يسجد للسهو لترك ذلك، ولا لفعله. ومما قاله الحنابلة في سجود السهو: ومتى ذكر من زاد في صلاته، عاد إلى ترتيب الصلاة بغير تكبير، لإلغاء الزيادة، وعدم الاعتداد بها. وإن زاد ركعة كثالثة في صبح أو رابعة في مغرب أو خامسة في ظهر أو عصر أو عشاء، قطع تلك الركعة، بأن يجلس في الحال متى ذكر بغير تكبير، وبنى على فعله قبل تلك الزيادة، ولا يتشهد، إن كان تشهد، ثم سجد للسهو، وسلم، ولا تحتسب الركعة الزائدة من صلاة مسبوق. ووجبت مفارقة الإمام القائم إلى زائدة على من علم ذلك، لاعتقاده خطأه، ويتم المفارق صلاته لنفسه للعذر. وأما النقص في الصلاة: فمثل ترك الركوع أو السجود أو قراءة الفاتحة ونحو ذلك سهواً، ويجب عليه تداركه والإتيان به إذا تذكره، ويجب أن يسجد للسهو في آخر صلاته. وإن نسي التشهد الأول، لزمه الرجوع والإتيان به جالساً، ما لم ينتصب قائماً، وهذا متفق عليه. وإن استوى قائماً ولم يقرأ، فعدم رجوعه أولى، لحديث المغيرة، ويتابعه الإمام ويسقط عنه التشهد. وإن قرأ ثم قرأ التشهد، لم يجز له الرجوع، لحديث المغيرة، ولأنه شرع في ركن مقصود، كما لو شرع في الركوع، وتبطل صلاة الإمام إذا رجع بعد شروعه فيها، إلا أن يكون جاهلاً أو ناسياً وعليه سجود السهو لذلك. وكذلك حكم التسبيح في الركوع والسجود، ودعاء "رب اغفر لي" بين السجدتين، وكل واجب تركه سهواً ثم ذكره، فيرجع إلى تسبيح الركوع قبل الاعتدال لا بعده.

وأما الشك في الصلاة الذي يقتضي سجود السهو بعض صوره: فهو مثل أن يشك في ترك ركن من الأركان، أو في عدد الركعات، فيبني على المتيقن، ويأتي بما شك في فعله، ويتم صلاته، ويسجد للسهو وجوباً، ولا يسجد للسهو حالة الشك في ترك واجب كتسبيح الركوع أو السجود وإنما يسجد لترك الواجب سهواً. انظر: (فتح القدير 1/ 355 - 374)، (الشرح الصغير: 1/ 337 - 400)، (المهذب: 1/ 89 - 92)، (كشف القناع: 1/ 459 - 481)، (بداية المجتهد: 1/ 192 - 199)، (الفقه الإسلامي: 2/ 92 - 103، 106 - 108). وإلى نصوص هذه الفقرة:

- ما جاء في السهو إذا قام من ركعتي الفريضة

- ما جاء في السهو إذا قام من ركعتي الفريضة: 2296 - * روى الشيخان عن عبد الله بن مالك بن بحينة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام من اثنتين من الظهر، لم يجلس بينهما، فلما قضى صلاته سجد سجدتين، ثم سلم بعد ذلك". وفي رواية (1) "صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين من بعض الصلوات، ثم قام فلم يجلس، فقام الناس معه، فلما قضى صلاته، ونظرنا تسليمه، كبَّر قبل التسليم، فسجد سجدتين وهو جالس". وفي أخرى (2) نحوه، وفيه: "فلما قضى صلاته، وانتظر الناس تسليمه؛ كبَّر فسجد قبل أن يسلم، ثم رفع رأسه ثم كبر فسجد، ثم رفع رأسه وسلم". وفي أخرى (3): "قام في صلاة الظهر، وعليه جلوس، فلما أتم صلاته: سجد سجدتين، يكبر في كل سجدة وهو جالس قبل أن يسلم، وسجدهما الناس معه، مكان ما نسي من الجلوس". وللنسائي (4): صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ثم قام فلم يجلس فقام الناس معه فلما قضى صلاته ونظرنا تسليمه كبر فسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم ثم سلم. 2297 - * روى أبو داود عن المغيرة بن شعبة قال زياد بن علاقة: "صلى بنا المغيرة بن شعبة، فنهض في الركعتين، فقلنا: سبحان الله! فقال: سبحان الله! ومضى، فلما أتم صلاته سجد سجدة قبل السلام ثم سلم". وفي رواية (5): "فلما أتم صلاته وسلم، سجد سجدتي السهو، فلما انصرف قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصنع كما صنعت". قال أبو داود: وفعل كفعل المغيرة: سعد بن أبي وقاص، وعمران بن حصين، والضحاك، ومعاوية،

_ 2296 - البخاري (2/ 92) 22 - كتاب السهو، 1 - باب ما جاء في السهو إذا قام من ركعتي الفريضة. (1) مسلم (1/ 399) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 19 - باب السهو في الصلاة والسجود له. (2) البخاري، الموضع السابق، ومسلم، الموضع السابق، مع تغير في بعض الألفاظ. (3) مسلم (1/ 399) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة. (4) النسائي (3/ 19) 13 - كتاب السهو، 21 - ما يفعل من قام من اثنتين نسياناً ولم يتشهد. 2297 - أبو داود (1/ 272) كتاب الصلاة، باب من نسي أن يتشهد وهو جالس. (5) أبو داود (1/ 272) في نفس الموضع السابق.

- السهو إذا صلى خمسا

وأفتى به ابن عباس، وعمر بن عبد العزيز. وفي أخرى (1)، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا قام الإمام في الركعتين: فإن ذكر قبل أن يستوي قائماً فليجلس، وإذا استوى قائماً فلا يجلس، ويسجد سجدتي السهو". أقول: اتفق الفقهاء على أن من نسي القعود الأول واستوى قائماً ثم تذكر أو ذكر لا يصح له أن يرجع إلى الجلوس، فإن رجع بطلت صلاته إلا أن الحنابلة قالوا تبطل صلاته إذا رجع بعد أن تلبس بالقراءة أما إذا كان للقعود أقرب فرجع إلى الجلوس فلا حرج عليه. قال في بداية المجتهد: واتفقوا من هذا الباب على سجود السهو لترك الجلسة الوسطى واختلفوا فيها هل هي فرض أو سنة؟، وكذلك اختلفوا هل يرجع الإمام إذا سبح به إليها أو ليس يرجع؟ وإن رجع فمتى يرجع؟ قال الجمهور: يرجع ما لم يستو قائماً وقال قوم: يرجع ما لم يعقد الركعة الثالثة. وقال قوم: لا يرجع إن فارق الأرض قيد شبر، وإذا رجع عند الذين لا يرون رجوعه، فالجمهور على أن صلاته جائزة. وقال قوم: تبطل صلاته. اهـ: (193 - 194). - السهو إذا صلى خمساً: 2298 - * روى الشيخان عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "صلى النبي صلى الله عليه وسلم، فزاد أو نقص- شك بعض الرواة- أنه زاد- فلما سلم قيل له: يا رسول الله، أحدث في الصلاة شيء؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صليت كذا وكذا، قال: فثنى رجليه واستقبل القبلة، وسجد سجدتين، ثم سلم، ثم أقبل علينا بوجهه، فقال: إنه لو حدث في الصلاة شيء

_ (1) أبو داود، الموضع السابق. الترمذي (2/ 201) أبواب الصلاة، 159 - باب ما جاء في الإمام ينهض في الركعتين ناسياً. ابن ماجه (1/ 385) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 137 - باب ما جاء في البناء على الصلاة. 2298 - البخاري (1/ 503، 504) 8 - كتاب الصلاة، 31 - باب التوجه نحو القبلة حيث كان. مسلم (1/ 400) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 19 - باب السهو في الصلاة والسجود له.

أنبأتكم به، ولكني إنما أنا بشر، أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني، وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليبن عليه، ثم يسجد سجدتين". وفي أخرى (1) "أنه عليه الصلاة والسلام سجد سجدتي السهو بعد السلام والكلام" وفي أخرى (2) "قالوا: فإنك صليت خمساً، فانفتل ثم سجد سجدتين ثم سلم"، وفي أخرى (3) لمسلم نحوه مختصراً، قال: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خمساً، فقلنا: يا رسول الله، أزيد في الصلاة؟ قال: "وما ذاك؟ " قالوا: صليت خمساً، فقال: "إنما أنا بشر مثلكم، أذكر كما تذكرون، وأنسى كما تنسون"، ثم سجد سجدتي السهو وله في أخرى (4) بنحو ما سبق، وقال: "فلينظر أحرى ذلك للصواب" وفي أخرى (5): "فليتحر أقرب ذلك إلى الصواب" وفي أخرى (6) عن الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم بن سويد قال: "صلى بنا علقمة الظهر خمساً، فلما سلم قال القوم: يا أبا شبل، قد صليت خمساً، قال: كلا، ما فعلت، قالوا: بلى، قال: وكنت في ناحية القوم وأنا غلام، فقلت: بلى صليت خمساً، قال لي: وأنت أيضاً يا أعور تقول ذلك؟ قال: قلت: نعم، قال: فانفتل فسجد سجدتين، ثم سلم، ثم قال: قال عبد الله: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خمساً، فلما انفتل توشوش القوم بينهم، فقال: "ما شأنكم؟ " قالوا: يا رسول الله، هل زيد في الصلاة؟ قال: "لا"، قالوا: فإنك قد صليت خمساً، فانفتل، ثم سجد سجدتين، ثم سلم، ثم قال: "إنما أنا بشر مثلكم، أنسى كما تنسون"- زاد في رواية (7): فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين.

_ (1) مسلم (1/ 402) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 19 - باب السهو في الصلاة والسجود له. (2) مسلم (1/ 402) نفس الموضع السابق. (3) مسلم (1/ 402) نفس الموضع السابق. (4) مسلم (1/ 400) نفس الموضع السابق. (5) مسلم (1/ 401) نفس الموضع السابق. (6) مسلم (1/ 401، 402) نفس الموضع السابق. (7) مسلم (1/ 402) نفس الموضع السابق. (فليتحر) التحري: القصد، وطلب الأولى والأحرى. (توشوش) القوم: إذا تكلموا مختلطين في القول.

- السجود إذا سلم من ركعتين أو ثلاث: 2299 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من اثنتين، فقال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة، أو نسيت يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصدق ذو اليدين؟ فقال الناس: نعم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى اثنتين أخريين، ثم سلم، ثم كبر، ثم سجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع: وفي رواية (1) سلمة بن علقمة "قلت لمحمد- يعني ابن سيرين: في سجدتي السهو تشهُّد؟ قال: ليس في حديث أبي هريرة". وفي رواية (2) قال: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي- قال محمد: وأكثر ظني: العصر- ركعتين، ثم سلم، ثم قام على خشبة في مقدم المسجد، فوضع يده عليها، وفيهم أبو بكر وعم فهاباه أن يكلماه، وخرج سرعان الناس فقالوا: أقصرت الصلاة؟ ورجل يدعوه النبي صلى الله عليه وسلم ذا اليدين فقال: يا نبي الله، أنسيت، أم قصرت؟ فقال: "لم أنس ولم تقصر"، قال: بلى، قد نسيت، قال: صدق ذو اليدين، فقام فصلى ركعتين، ثم سلم، ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه وكبَّر". وفي أخرى (3) نحوه، وفيه: "ثم أتى جذعاً في قبلة المسجد فاستند إليه مغضباً" وفيه: "فقام ذو اليدين، فقال: يا رسول الله، أقصرت الصلاة، أم نسيت؟ فنظر النبي صلى الله عليه وسلم يميناً وشمالاً، فقال: ما يقول ذو اليدين؟ فقالوا: صدق، لم تصل إلا ركعتين، فصلى ركعتين ثم كبر ثم سجد، ثم كبر فرفع، ثم كبر وسجد، ثم كبر ورفع- قال: وأخبرت عن عمران بن حصين أنه قال: وسلم". وفي أخرى (4) للبخاري قال: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر ركعتين، فقيل: صليت ركعتين، فصلى ركعتين ثم سلم، ثم سجد سجدتين". وفي أخرى (5) له: "صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم الظهر أو العصر ركعتين فسلم، فقال

_ 2299 - البخاري (3/ 98) 22 - كتاب السهو، 4 - باب من لم يتشهد في سجدتي السهو. مسلم (1/ 403) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 19 - باب السهو في الصلاة والسجود له. (1) البخاري (3/ 98) 22 - كتاب السهو، 4 - باب من لم يتشهد في سجدتي السهو. (2) البخاري (3/ 99) 22 - كتاب السهو، 5 - من يكبر في سجدتي السهو. (3) مسلم (1/ 403) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 19 - باب السهو في الصلاة والسجود له. (4) البخاري: المواضع السابقة. (5) البخاري (3/ 96) 22 - كتاب السهو، 3 - باب إذا سلم في ركعتين أو في ثلاث.

له ذو اليدين: الصلاة يا رسول الله، أنقصت؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "أحق ما يقول؟ " قالوا: نعم، فصلى ركعتين أخريين، ثم سجد سجدتين، قال سعد: هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف- ورأيت عروة بن الزبير صلى من المغرب ركعتين فسلم، وتكلم، ثم صلى ما بقي، وسجد سجدتين، وقال: هكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم. ولمسلم (1) قال راويه: سمعت أبا هريرة يقول: صلى لنا النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العصر فسلم في ركعتين، فقام ذو اليدين فقال: أقصرت الصلاة يا رسول الله، أم نسيت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل ذلك لم يكن، فقام ذو اليدين فقال: قد كان بعض ذلك يا رسول الله، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس، فقال: أصدق ذو اليدين؟ فقالوا: نعم يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتم النبي صلى الله عليه وسلم ما بقي من الصلاة، ثم سجد سجدتين وهو جالس بعد التسليم. وفي رواية لأبي داود (2) (فأومؤوا: أي نعم) ولم يذكر الإجابة باللسان والترمذي: (3) أن النبي صلى الله عليه وسلم سجدها بعد السلام. ذكر البخاري في هذا الحديث في كتابه في مواضع من سجود السهو وترجمه له بما يلي. - إذا سلم في ركعتين أو ثلاث في ثلاث فسجد سجدتين مثل سجود الصلاة أو أطول (3/ 96). - إذا سلم في ركعتين أو في ثلاث فسجد سجدتين مثل سجود الصلاة أو أطول (3/ 97). - يكبر في سجدتي السهو (3/ 99) قال في "الفتح": اختلف في سجود السهو هل يشترط

_ (1) مسلم (1/ 404) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 19 - باب السهو في الصلاة والسجود له. (صلاتي العشي) العشي: ما بعد الزوال إلى الليل، وإحدى صلاتيه: الظهر أو العصر. (سرعان) الناس: أوائلهم والمتقدمون منهم. (2) أبو داود (1/ 265) كتاب الصلاة، 194 - باب السهو في السجدتين. (3) الترمذي (2/ 239) أبواب الصلاة، 289 - باب ما جاء في سجدتي السهو بعد السلام والكلام.

له تكبيرة إحرام أو يكتفي بتكبير السجود؟ فالجمهور على الاكتفاء. 2300 - * روى مسلم عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العصر فسلم في ثلاث ركعات، ثم دخل منزله، فقام إليه رجل يقال له: الخرباق- وكان في يديه طول- فقال: يا رسول الله ... فذكر له صنيعه وخرج غضبان يجر رداءه، حتى انتهى إلى الناس، فقال: أصدق هذا؟ قالوا: نعم، فصلى ركعة ثم سلم، ثم سجد سجدتين، ثم سلم" وفي أخرى (1) قال: "سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثلاث ركعات من العصر، ثم قام فدخل الحجرة فقام رجل بسيط اليدين، فقال: أقصرت الصلاة يا رسول الله؟ فخرج مغضباً، فصلى الركعة التي كان ترك، ثم سلم، ثم سجد سجدتي السهو ثم سلم" وعند أبي داود (2): "فصلى تلك الركعة ثم سلم، ثم سجد سجدتيها، ثم سلم" وله في أخرى (3): "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسها، فسجد سجدتين، ثم تشهد، ثم سلم". وأخرج النسائي (4) روايتي أبي داود. أقول: قال الحنفية: التكلم في الصلاة ناسياً أو جاهلاً يبطلها واعتبروا حديث ذي اليدين منسوخاً بالأحاديث التي نهت عن التكلم في الصلاة وجمهور العلماء على اعتماد قصة ذي اليدين: أن نية الخروج من الصلاة وقطعها إذا كانت بناءً على ظن التمام لا يوجب بطلانها ولو سلم تسليمتين، وإن كلام الناسي لا يبطل الصلاة وكذلك من ظن التمام، وبعض العلماء قال إن الكلام الذي يجيز للناسي أن يبني على صلاته هو ومن وراءه، هو الكلام الذي يكون بالقدر الذي تحتاجه مصلحة الصلاة، وحدده بعضهم بالمقدار الذي جرى في حادثة ذي اليدين سواء من سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من ذي اليدين.

_ 2300 - مسلم (1/ 404، 405) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 19 - باب السهو في الصلاة والسجود له. (1) مسلم (1/ 405) في نفس الموضع السابق. (2) أبو داود (1/ 267) كتاب الصلاة، باب السهو في السجدتين. (3) أبو داود (1/ 273) كتاب الصلاة، باب سجدتي السهو فيهما تشهد وتسليم. (4) النسائي (3/ 66) 13 - كتاب السهو، 76 - السلام بعد سجدتي السهو.

2301 - * روى أحمد عن عطاء أن ابن الزبير صلى الغرب وسلم في ركعتين ونهض ليستلم الحجر فسبح القوم فقال ما شأنكم وصلى ما بقي وسجد سجدتين فذكر ذلك لابن عباس فقال ما أماط عن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم. 2302 - * روى أبو داود عن معاوية بن خديج رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى يوماً فسلم وقد بقيت من الصلاة ركعة، وخرج فأدركه رجل، فقال: نسيت من الصلاة ركعة، فخرج فدخل المسجد وأمر بلالاً فأقام الصلاة، فصلى للناس ركعة، فأخبرت بذلك الناس، فقالوا: تعرف الرجل؟ قلت: لا، غلا أن أراه، فمر بي رجل، فقلت: هذا هو، فقالوا: هذا هو طلحة بن عبيد الله". 2303 - * روى الطبراني عن أبي عثمان النهدي قال: خرج أبو موسى الأشعري وأصحابه من مكة فصلى بهم المغرب ركعتين ثم سلم ثم قام فقرأ بثلاث آيات من النساء ثم ركع وسجد وسلم يذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم. أقول: ذهب الحنفية إلى أن قراءة الفاتحة في الركعة الثالثة، من الثلاثية والركعتين الأخيرتين من الرباعية سنة، فلو أن الإنسان سبح بمقدار قراءة الفاتحة أو سكت جازت صلاته، كما أجاز الحنفية أن يقرأ بعد الفاتحة في الثالثة من الثلاثية والأخيرتين من الرباعية بشيء من القرآن والنص يصلح دليلاً لذلك كله لأنه يحتمل أكثر من وجه، فإذا حمل على أنه لم يقرأ إلا ثلاث آيات من النساء فذلك دليل على عدم وجوب قراءة الفاتحة وإن حمل على أنه قرأ بعد الفاتحة فذلك دليل على أنه لا حرج على الإمام ولا المنفرد أن يقرأ مع الفاتحة غيرها في الثالثة من الثلاثية وفي الثالثة والرابعة من الرباعية، والكلام كله في المكتوبة.

_ 2301 - أحمد (1/ 351). كشف الأستار (1/ 278) كتاب الصلاة، باب السجود للنقصان. مجمع الزوائد (2/ 150) وقال الهيثمي: رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط ورجال أحمد رجال الصحيح. 2302 - أبو داود (1/ 269) كتاب الصلاة، 195 - باب إذا صلى خمساً. النسائي (2/ 18) 7 - كتاب الأذان، 24 - الإقامة لمن نسي ركعة من صلاة، وإسناده صحيح. 2303 - مجمع الزوائد (2/ 153) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح.

- السجود للشك

- السجود للشك: 2304 - * روى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدر: كم صلى: ثلاثاً، أو أربعاً؟ فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمساً، شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتماماً لأربع، كانتا ترغيماً للشيطان". ولأبي داود (2): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا شك أحدكم في صلاته، فإن استيقن أن قد صلى ثلاثاً، فليقم فليتم ركعة بسجودها، ثم يجلس فيتشهد، فإذا فرغ فلم يبق إلا أن يسلم، فليسجد سجدتين وهو جالس، ثم يسلم" ثم ذكر معنى ذلك، وللنسائي (3) قال: "إذا شك أحدكم في صلاته فليلغ الشك، وليبن على اليقين، فإذا استيقن بالتمام، فليسجد سجدتين وهو قاعد" وفي رواية (4) الترمذي عن عياض بن هلال قال: "قلت لأبي سعيد: أحدنا يصلى، فلا يدري كيف صلى؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم فلم يدر: أزاد، أم نقص؟ فليسجد سجدتين وهو قاعد" وأخرج (5) أبو داود هذه الرواية، وزاد فيها "فإذا أتاه الشيطان، فقال له: إنك أحدثت، فليقل له: كذبت، إلا ما وجد ريحاً بأنفه أو صوتاً بأذنه". 2305 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أحدكم إذا قام يصلي جاءه الشيطان، فلبس عليه حتى لا يدري كم صلى؟ فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس" وفي رواية (7) قال "إذا نودي

_ 2304 - مسلم (1/ 400) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 19 - باب السهو في الصلاة والسجود له. (1) أبو داود (1/ 270) كتاب الصلاة، 196 - باب إذا شك في الثنتين والثلاث. (2) النسائي (3/ 27) 13 - كتاب السهو- 24 - باب إتمام المصلي على ما ذكر إذا شك. (3) الترمذي (2/ 243) أبواب الصلاة، 291 - باب ما جاء في الرجل يصلي فيشك في الزيادة والنقصان. (4) أبو داود (1/ 270) كتاب الصلاة، 197 - باب من قال يتم على أكبر ظنه. 2305 - البخاري (3/ 104) 22 - كتاب السهو، 7 - باب السهو في الفرض والتطوع. مسلم (1/ 398) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 19 - باب السهو في الصلاة والسجود له. (5) البخاري (3/ 103) 22 - كتاب السهو، 6 - باب إذا لم يدر كم صلى ثلاثاً أو أربعاً ... إلخ.

بالصلاة أدبر الشيطان له ضراط، حتى لا يسمع الأذان، فإذا قضي الأذان أقبل، فإذا ثوِّب بها أدبر، فإذا قضي التثويب، أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه، ويقول: اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر، حتى يظل الرجل إن يدري: كم صلى؟ فإذا لم يدر أحدكم: ثلاثاً صلى أو أربعاً؟ فليسجد سجدتين وهو جالس". ولمسلم (1): "إن الشيطان إذا ثوِّب بالصلاة ولى وله ضراط ... فذكر نحوه" وزاد: فهناه ومنَّاه، وذكَّره من حاجته ما لم يكن يذكر". أقول: إذا شك إنسان في صلاته كم صلى فإنه يبني على غالب ظنه، فإن لم يكن له غالب ظن بنى على اليقين بأن يبني على الأقل في حق العدد وللاحتمال بأنه قد غلط يبني على الأكثر في حق القعود فيجلس ثم يسجد للسهو في آخر صلاته. 2306 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى سجدتي السهو: "المرغمتين". أقول: سماهما كذلك لأنهما ترغمان الشيطان. 2307 - * روى الترمذي عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إذا سها أحدكم في صلاته، فلم يدر: واحدة صلى، أو ثنتين؟ فليبن على واحدة، فإن لم يدر: ثنتين صلى، أو ثلاثاً؟ فليبن على ثنتين فإن

_ (1) مسلم (1/ 399) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 19 - باب السهو في الصلاة والسجود وله. (ثوب) التثويب بالصلاة: إقامتها والنداء بها. (يخطر) خطر الشيطان بين المرء وقلبه: إذا وسوس له. (فهناه) هناه: ذكره المهانئ، و"مناه" عرض له الأماني، والمراد به: ما يعرض للإنسان في صلاته من أحاديث النفس ومواعيد الشيطان الكاذبة. 2306 - أبو داود (1/ 269) كتاب الصلاة، 196 - باب إذا شك في الثنتين والثلاث من قال يلقي الشك. وإسناده صحيح. 2307 - الترمذي (2/ 245) أبواب الصلاة، 291 - باب ما جاء في الرجل يصلي فيشك في الزيادة والنقصان. وهو حديث حسن على خلاف فيه.

- التشهد في سجود السهو

لم يدر: ثلاثاً صلى، أو أربعاً؟ فليبن على ثلاث، وليسجد سجدتين قبل أن يسلِّم". قال في بداية المجتهد مبيناً حكم سجود السهو للشك (1/ 198): وأما سجود السهو الذي هو لموضع الشك فإن الفقهاء اختلفوا فيمن شك في صلاته فلم يدر كم صلى أواحدة أو اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً على ثلاثة مذاهب. فقال قوم: يبني على اليقين وهو الأقل ولا يجزيه التحري ويسجد سجدتي السهو، وهو قول مالك والشافعي وداود. وقال أبو حنيفة: إن كان أول أمره فسدت صلاته، وإن تكرر ذلك منه تحرى وعمل على غلبة الظن ثم يسجد سجدتين بعد السلام. وقالت طائفة: إنه ليس عليه إذا شك لا رجوع إلى اليقين ولا تحر، وإنما عليه السجود فقط إذا شك. - التشهد في سجود السهو: 2308 - * روى الترمذي عن عمران بن حصين "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسها، فسجد سجدتين، ثم تشهد، ثم سلم". وقال في الفتح (3/ 99): قال ابن المنذر: لا أحسب التشهد في سجود السهو يثبت، لكن قد رود في التشهد في سجود السهو، عن ابن مسعود عند أبي داود والنسائي، وعن المغيرة عند البيهقي، وفي إسنادهما ضعف، فقد يقال: إن الأحاديث الثلاثة في التشهد باجتماعها ترتقي إلى درجة الحسن، قال العلائي: وليس ذلك ببعيد، وقد صح ذلك عن ابن مسعود من قوله، أخرجه ابن أبي شيبة. وقد حكى بعض العلماء أن لفظة (ثم تشهد) شاذة تفرد بها أشعث الحمراني عن محمد بن سيرين عن خالد الحذاء. قال (في الإعلاء 7/ 142). وأما الجواب عن شذوذ رواية أشعت فكما ذكره في "الجوهر النقي" (1/ 186): قلت: أشعث الحمراني ثقة، أخرج له البخاري في المتابعات- في باب يخوف الله عباده

_ 2308 - الترمذي (2/ 241) أبواب الصلاة، 290 - باب ما جاء في التشهد في سجدتي السهو وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.

- إعلام الإمام بالسهو

بالكسوف- ووثقه ابن معين وغيره، وقال يحيى بن سعيد: ثقة مأمون، وعنده أيضاً قال: لم أدرك أحداً من أصحابنا هو أثبت عندي منه، ولا أدركت من أصحاب ابن سيرين بعد ابن عون أثبت منه، وإذا كان ذلك فلا يضره تفرده بذلك، ولا يصير سكوت من سكت عن ذكره حجة على من ذكره وحفظه لأنه زيادة ثقة، اهـ. أقول: ذهب الحنفية إلى وجوب التشهد بعد السهو، وفرق الحنابلة بين ما إذا كان سجود السهو بعد السلام أو قبله، فإن كان بعد السلام تشهد، ويسن عند المالكية أن يتشهد بعد سجود السهو استناناً، ولا يتشهد عند الشافعية بعد سجود السهو، وهل يأتي قبل سجود السهو عند الحنفية بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، قولان في ذلك ويأتي بعد سجود السهو بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء مع التشهد. - إعلام الإمام بالسهو: 2309 - * روى الشيخان عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء". أقول: هذا في حالة سهو الإمام، فالمرأة تصفق وهي ملصقة أصل كفها بيدها والرجال يسبحون وذلك ليذكروا الإمام إذا سها، فإن كان سهوه بعد أن قام إلى الثالثة ليذكروه بالقعود فلا يعود، وإن كان سهوه بأن قام إلى ركعة زائدة فعليه أن يعود، وإن سها فقعد حيث لا ينبغي القعود فعليه أن يقوم وفي كل الأحوال هذه يسجد للسهو. وفي شرح مسلم قال النووي (4/ 145): " ... السنة لمن نابه شيء في صلاته كإعلام من يستأذن عليه وتنبيه الإمام وغير ذلك أن يسبح إن كان رجلاً فيقول سبحان الله وأن تصفق وهو التصفيح إن كانت امرأة فتضرب بطن كفها الأيمن على ظهر كفها الأيسر، ولا تضرب بطن كف على وجه اللعب واللهو فإن فعلت هكذا على وجه اللعب بطلت صلاتها لمنافاة الصلاة .. ".

_ 2309 - البخاري (3/ 77) 21 - كتاب العمل في الصلاة، 5 - باب التصفيق للنساء. مسلم (1/ 318) 4 - كتاب الصلاة، 23 - باب تسبيح الرجل وتصفيق المرأة إذا نابهما شيء في الصلاة.

الفقرة الثانية في سجود التلاوة عرض إجمالي

الفقرة الثانية في سجود التلاوة عرض إجمالي: هناك آيات في القرآن الكريم إذا قرأها المكلف أو سمعها يشرع له السجود بسبب ذلك على خلاف بين الفقهاء في بعض هذه الآيات وعلى خلاف في درجة المشروعية هل هي الوجوب أو ضمن ذلك، وعلى خلاف في بعض التفصيلات سنراها، وعدد السجدات عند المالكية في المشهور: إحدى عشرة، منها عشرة بالإجماع وهي: في سورة الأعراف الآية (206)، والرعد (15)، والنحل (49)، والإسراء (107)، ومريم (58)، وفي أول الحج (18)، وفي الفرقان (60)، وفي النمل (25)، وفي ألم السجدة (15)، وفي فصلت (38)، وفي ص (24). واتفق الحنفية مع المالكية على سجدة "ص" وهي عندهم أربع عشرة، بإضافة ثلاث أخرى: في سورة النجم (62)، وإذا السماء انشقت (21)، واقرأ باسم ربك الذي خلق (19)، أما سجدة الحج الثانية فإنها للأمر بالصلاة بدليل اقترانها بالركوع، والأحاديث الواردة بتفضيل سورة الحج بسجدتين فيها راويان ضعيفان. وقال الشافعية والحنابلة: السجدات أربع عشرة، منها سجدتان في سورة الحج، في أولها وآخرها (77)، أما سجدة ص فهي سجدة شكر تستحب في غير الصلاة، وتحرم في الصلاة على الأصح وتبطلها. وقد ثبتت مشروعية سجود التلاوة بالقرآن والسنة والإجماع، وسنرى نصوص السنة التي تتحدث عن ذلك، وأما القرآن فلقد قال تعالى: (وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون) (1). وسجدة التلاوة واجبة على التراخي على القارئ والسامع عند الحنفية، سنة عند بقية

_ (1) الانشقاق: 21.

الفقهاء، وقال المالكية والحنابلة: إن السامع غير القاصد للسماع ليس مطالباً بها ولو على وجه الاستحباب، وعند الحنفية تجب على الفور إذا تليت في الصلاة، وإذا لم يسجد لها في الصلاة فإنها لا تقضى خارج الصلاة، فإن أنهى قراءته بآية السجدة فركع مباشرة بنية أدائها في الركوع أجزأت عنه فإن لم ينوها في ركوعه وسجد بعد ذلك مباشرة أجزأت عنه نوى أو لم ينو وإذا ركع أو سجد بعد آيتين من آية سجدة التلاوة فالحكم كذلك. أما إذا قرأ ثلاث آيات فأكثر فيجب أن يسجد لها سجوداً مستقلاً، وإذا سجد لها سجوداً مستقلاً بعد قراءتها مباشرة أو بعد قراءة ثلاث آيات فأكثر فالمستحب له بعد قيامه من السجود أن يقرأ شيئاً من القرآن ويجب على المأموم أن يتابع إمامه في سجود التلاوة، والجمهور على أن تخلف المقتدي عن متابعة الإمام في سجدة التلاوة يبطل صلاته وكذلك إذا سجد المأموم دون إمامه، ولا يسجد المأموم لقراءة نفسه فإن فعل بطلت صلاته. ويشترط لوجوب سجدة التلاوة عند الحنفية أن يقرأها، أو يسمعها ممن تجب عليه الصلاة واتفق الفقهاء على أنه يشترط لصحة سجدة التلاوة الطهارة وستر العورة واستقبال القبلة والنية ولا يشترط لها عند الحنفية التحريمة ولا السلام، فهي عندهم سجدة بين تكبيرتين، سواء أداها الإنسان قائماً أو قاعداً ولا تعتبر التكبيرة الأولى تكبيرة إحرام وتجب السجدة على التراخي على خطيب الجمعة والعيدين والسامعين، ويكره للإمام الإتيان بها فوق المنبر فينزل إن شاء أن يؤديها على الفور فيسجد ويسجد الناس معه والمالكية كالحنفية في أن سجدة التلاوة لا إحرام فيها ولا تسليم، ويشترط عند الشافعية مع النية تكبيرة الإحرام على الصحيح ويشترط السلام أيضاً في الأظهر بعد القعود كالصلاة ولا يشترط التشهد في الأصح. وقال الفقهاء: يبطل سجدة التلاوة كل ما يبطل الصلاة إلا أن الحنفية قالوا لا تفسدها محاذاة المرأة الرجل وإن نوى إمامتها، وصفة السجود عند الحنفية أن يكبر للسجود دون رفع يديه ويسجد بين كفيه ثم يكبر للرفع وكل من هاتين التكبيرتين سنة ويرفع رأسه ولا يقرأ التشهد ولا يسلم، ويقول في سجوده ما يقول في سجود الصلاة وإذا كانت سجدة التلاوة خارج الصلاة يندب له على أن يزيد على ذلك ما ورد من مأثور، والمالكية كالحنفية، وعند الحنفية والمالكية يكبر القائم من قيام والجالس من جلوس، وقال الشافعية:

لا يسن له أن يرفع يديه عند التكبيرة لسجود التلاوة في الصلاة ويسن الرفع خارج الصلاة، ويقوم مقام سجود التلاوة لمن لم يرد فعلها، أن يقول أربع مرات سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. ومن كلام الحنابلة: ويكره للإمام سجوده لقراءة سجدة في صلاة سرية لئلا يخلط على المأمومين فإن فعل خير المأموم بين المتابعة والترك والأولى المتابعة، وأركانها عند الحنابلة السجود والرفع منه والتسليمة الأولى أما التكبيرة للهوي والرفع من السجود والذكر في السجود فهو واجب والجلوس للتسليم مندوب والأفضل سجوده عن قيام ويرفع يديه مع تكبيرة السجود إن سجد في غير الصلاة. وتتكرر السجدة بتكرر التلاوة عند الجمهور، ولا تتكرر عند الحنفية إذا كانت لآية واحدة في مجلس واحد. وإذا تكررت التلاوة من القارئ في أكثر من مجلس فعليه تكرار السجود أما السامع الذي لم يغير مجلسه فعليه سجدة واحدة، وقال المالكية: إذا كرر المعلم أو المتعلم آية السجدة فيسن السجود لقراءتها أول مرة فقط، ويكره تحريماً عند الحنفية ترك آية سجدة وقراءة باقي السورة. ويستحسن عندهم إخفاء آية السجدة عن سامع غير متهيئ للسجود. ولا يرى الحنفية والمالكية وغيرهم أن يداوم الإمام على قراءة سجدة ألم في فجر يوم الجمعة حتى لا يظن العامة فرضية ذلك، ومما نص عليه الحنابلة أنه لا يسجد سجدة التلاوة في الأوقات المنهي عنها التي لا يجوز فيها التطوع خلافاً للشافعية، ومما ذكره المالكية أن الإمام إذا كان يصلي صلاة سرية ومر بآية سجدة فإنه يجهر بها ليعرف من وراءه إذا سجد لها سبب السجود. انظر: (اللباب: 1/ 102 - 104)، (الشرح الصغير: 1/ 416 - 422)، (والمهذب: 1/ 85 - 86)، (كشف القناع: 1/ 521 - 526)، (والفقه الإسلامي: 2/ 110 فما بعدها). وإلى نصوص هذه الفقرة:

- في مؤكدات سجود التلاوة

- في مؤكدات سجود التلاوة: 2310 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا ويلتي، أمر ابن آدم بالسجود فسجد، فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار". 2311 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ السورة التي فيها السجدة فيسجد ونسجد، حتى ما يجد أحدنا مكاناً لموضع جبهته في غير وقت صلاة"، وفي أخرى (1) لأبي داود قال: "كان رسول الله يقرأ علينا القرآن، فإذا مر بالسجدة كبَّر، وسجد وسجدنا". في كونها سنة: 2312 - * روى البخاري عن ربيعة بن عبد الله أنه حضر عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ يوم الجمعة على المنبر: (سورة النحل)، حتى جاء السجدة فنزل فسجد وسجد الناس، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها، حتى إذا جاء السجدة قال: يا أيها الناس، إنما نمر بالسجود، فمن سجد فقد أصاب ومن لم يسجد فلا إثم عليه، ولم يسجد عمر". قال البخاري: زاد نافع عن ابن عمر "قال- يعني عمر- إن الله لم يفرض علينا السجود، إلا أن نشاء". هذا دليل لمن ذهب إلى أن سجود التلاوة ليس بواجب بل هو على الندب، خلافاً لمن قال بالوجوب. 2313 - * روى البخاري عن عمران بن حصين رضي الله عنه قيل له: "الرجل يسمع

_ 2310 - مسلم (1/ 87) 1 - كتاب الإيمان، 35 - باب بيان إطلاق الكفر على من ترك الصلاة. 2311 - البخاري (2/ 556) 17 - كتاب سجود القرآن، 7 - باب سجدة {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}. مسلم (1/ 405) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 20 - باب سجود التلاوة. أبو داود (2/ 60) كتاب الصلاة، باب في الرجل يسمع السجدة وهو راكب [وفي غير الصلاة]. (1) أبو داود (2/ 60) في نفس الموضع السابق. 2312 - البخاري (2/ 557) 17 - كتاب سجود القرآن، 10 - باب من رأى أن الله عز وجل لم يوجب السجود. 2313 - البخاري (2/ 557) تعليقاً في نفس الموضع السابق.

- سجدة الحج

السجدة ولمي جلس لها؟ قال: أرأيت لو جلس لها كأنه لا يوجبه عليه". قال الحافظ في "الفتح": وصله ابن أبي شيبة بمعناه من طريق مطرف قال: سألت عمران بن حصين عن الرجل لا يدري أسمع السجدة أو لا؟ فقال: وسمعها أولاً، فماذا؟ وروى عبد الرزاق من وجه آخر عن مطرف أن عمران مر بقاص، فقرأ القاص السجدة، فمضى عمران ولم يسجد معه، وإسنادهما صحيح. - سجدة الحج: 2314 - * روى مالك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ (سورة الحج) فسجد فيها سجدتين، ثم قال: "إن هذه السورة فضِّلت بسجدتين". وفي سنده جهالة رجل من أهل مصر، ولكن له شواهد بمعناه يقوى بها، منها الذي بعده، ومنها ما ذكره ابن كثير في التفسير، قال: قال الحافظ أبو بكر الإسماعيلي: حدثني ابن أبي داود، حدثنا يزيد بن عبد الله، حدثنا الوليد، حدثنا أبو عمرو، حدثنا حفص بن غياث حدثني نافع قال: حدثني أبو الجهم أن عمر سجد سجدتين في الحج وهو بالجابية وقال: إن هذه فضلت بسجدتين (م). 2315 - * روى أبو داود عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفي (الحج) سجدتان؟ قال: "نعم، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما". أقول: يصلح هذا النص دليلاً للحنفية: على أن درجة الطلب لسجود التلاوة درجة رفيعة ولذلك قالوا: إن سجود التلاوة واجب فهو دون الفرض وفوق السنة. - سجدة (ص): 2316 - * روى البخاري عن مجاهد قال: قلت لابن عباس: أأسجد في (ص) فقرأ:

_ 2314 - الموطأ (1/ 205، 206) 15 - كتاب القرآن، 5 - باب ما جاء في سجود القرآن. 2315 - أبو داود (2/ 58) كتاب الصلاة، باب تفريع أبواب السجود وكم سجدة في القرآن. الترمذي (2/ 470) أبواب الصلاة، 406 - باب ما جاء في السجدة بالحج، وهو حديث صحيح. 2316 - البخاري (6/ 456) 60 - كتاب أحاديث الأنبياء، 39 - باب "واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب".

- سجدة النجم

{وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ} - حتى أتى- {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (1) فقال: نبيكم صلى الله عليه وسلم ممن أمر أن يقتدي بهم، وفي رواية عكرمة عن ابن عباس قال: "ليست (ص) من عزائم السجود، وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسجد فيها". وفي رواية (2) النسائي قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في (ص)، وقال: "سجدها داود توبة، ونسجدها شكراً". 2317 - * روى أبو داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه "قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة (ص) وهو على المنبر، فلما بلغ السجدة نزل، فسجد، وسجد الناس معه، فلما كان يوم آخر قرأها، فلما بلغ السجدة تشزن الناس للسجود، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما هي توبة نبي، ولكني رأيتكم تشزنتم، فنزل فسجد وسجدوا". 2318 - * روى الطبراني عن مسروق قال: قال عبد الله: ألا هي توبة نبي ذكرت فكان لا يسجد فيها يعني سجدة (ص). - سجدة النجم: 2319 - * روى الشيخان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ (والنجم) فسجد فيها، وسجد من كان معه غير أن شيخاً من قريش أخذ كفاً من حصى أو تراب فرفعه إلى جبهته، وقال: يكفيني هذا. قال عبد الله: فلقد رأيته بعد قُتِل

_ (1) الأنعام: 84 - 90. (2) النسائي (2/ 159) 11 - كتاب الافتتاح، 48 - باب سجود القرآن وصححه ابن السكن. (عزائم السجود): واجباتها، والمراد: ما سنَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، وما عزم على فعله. 2317 - أبو داود (2/ 59، 60) كتاب الصلاة، باب في السجود في "ص". (تشزون) التشزن: التهيؤ والاستعداد لفعل الشيء. 2318 - الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 156). مجمع الزوائد (2/ 285) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات رجال الصحيح. 2319 - البخاري (8/ 614) 65 - كتاب التفسير، 4 - باب "فاسجدوا لله واعبدوا". مسلم (1/ 405) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 20 - باب سجود التلاوة. أبو داود (2/ 59) كتاب الصلاة، باب من رأى فيها السجود. النسائي (2/ 160) 11 - كتاب الافتتاح، 49 - باب السجود في النجم.

كافراً"، وأخرجه النسائي مختصراً قال: "قرأ (النجم) فسجد فيها" وفي رواية (1) للبخاري قال: "أول سورة أنزلت فيها سجدة (النجم) قال: فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجد من خلفه، إلا رجلاً رأيته أخذ كفاً من تراب فسجد عليه، فرأيته بعد ذلك قتل كافراً، وهو أمية بن خلف". 2320 - * روى البخاري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد بـ (النجم)، وسجد معه المسلمون والمشركون، والجن والإنس". 2321 - * روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما "أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ (النجم) فسجد بها". 2322 - * روى مالك عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج "أن عمر بن الخطاب قرأ بـ (النجم إذا هوى)، فسجد فيها، ثم قام فقرأ بسورة أخرى". 2323 - * روى الشيخان عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: "قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم (النجم)، فلم يسجد فيها". وفي رواية (2) النسائي عن عطاء بن يسار: "أنه سأل زيد بن ثابت عن القراءة مع الإمام؟ فقال: لا قراءة مع الإمام في شيء، وزعم أنه قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم (والنجم إذا هوى) فلم يسجد".

_ (1) البخاري (8/ 614) 65 - كتاب التفسير، 4 - باب "فاسجدوا لله واعبدوا). 2320 - البخاري (2/ 553) 17 - كتاب سجود القرآن، 5 - باب سجود المسلمين مع المشركين. الترمذي (2/ 464) أبواب الصلاة، 403 - باب ما جاء في السجدة في النجم. 2321 - البخاري (2/ 553) جزء من الحديث السابق للبخاري. 2322 - الموطأ (1/ 206) 15 - كتاب القرآن، 5 - باب ما جاء في سجود القرآن، وإسناده منقطع، لكن روى الطبري بسند صحيح عن عبد الرحمن بن أبزى عن عمر أنه قرأ (النجم) من الصلاة فسجد فيها، ثم قام فقرأ "إذا زلزلت". [م]. 2323 - البخاري (2/ 554) 17 - كتاب سجود القرآن، 6 - باب من قرأ السجدة ولم يسجد. مسلم (1/ 406) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 20 - باب سجود التلاوة. أبو داود (2/ 58) كتاب الصلاة، باب لم ير السجود في المفصل. وقال أبو داود: "وكان زيد الإمام، فلم يسجد فيها". الترمذي (2/ 466) أبواب الصلاة، 404 - باب ما جاء من لم يسجد فيه. (2) النسائي (2/ 160) 11 - كتاب الافتتاح، 50 - باب ترك السجود في النجم ورجاله رجال الصحيح.

- سجدة سورة الانشقاق والعلق.

2324 - * روى ابن خزيمة عن زيد بن ثابت، قال: عرضت النجم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يسجد منا أحد. قال أبو صخر: وصليت خلف عمر بن عبد العزيز وأبي بكر بن حزم فلم يسجدا. - سجدة سورة الانشقاق والعلق. 2325 - * روى الشيخان عن أبي سلمة قال: "رأيت أبا هريرة قرأ: (إذا السماء انشقت) فسجد بها، فقلت: يا أبا هريرة، ألم أرك تسجد؟ قال: لو لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يسجد لم أسجد"، وفي حديث أبي رافع الصايغ قال: "صليت مع أبي هريرة العتمة، فقرأ (إذا السماء انشقت) فسجد، فقلت: ما هذه السجدة قال: سجدت بها خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم، فلا أزال أسجد بها حتى ألقاه". ولمسلم (1): "أن أبا هريرة قرأ لهم: (إذا السماء انشقت) فسجد فيها، فلما انصرف أخبرهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد فيها". 2326 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "سجدنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} " وفي أخرى (2) قال: سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} ". وللنسائي قال: "سجد أبو بكر وعمر، ومن هو خير منهما في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} ".

_ 2324 - ابن خزيمة (1/ 284) 135 - ذكر الدليل على أن السجود عند قراءة السجدة فضيلة لا فريضة. 2325 - البخاري (2/ 556) 17 - كتاب سجود القرآن، 7 - باب سجدة إذا السماء انشقت. مسلم (1/ 407) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 20 - باب سجود التلاوة. (1) مسلم (1/ 406) الموضع السابق. 2326 - مسلم (1/ 406) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 20 - باب سجود التلاوة. (2) مسلم (1/ 407) الموضع السابق. أبو داود (2/ 59) كتاب الصلاة، باب السجود في (إذا السماء انشقت) واقرأ. الترمذي (2/ 462) أبواب الصلاة، 402 - باب ما جاء في السجدة في (اقرأ باسم ربك الذي خلق)، و (إذا السماء انشقت). النسائي (2/ 162) 11 - كتاب الافتتاح، 52 - باب السجود في (اقرأ باسم ربك) وهو حديث صحيح.

- إجزاء الركوع مباشرة عن سجود.

2327 - * روى الطبراني عن عمر بن الخطاب أنه صلى الصبح فقرأ (إذا السماء انشقت) فسجد فيها. 2328 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود أنه كان يسجد في النجم واقرأ باسم ربك الذي خلق. - إجزاء الركوع مباشرة عن سجود. 2329 - * روى الطبراني عن ابن مسعود: قال إذا كانت السجدة آخر السورة فاركع إن شئت أو اسجد فإن السجدة مع الركعة. - ما يقول في سجوده: 2330 - * روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في سجود القرآن بالليل: سجد وجهي للذي خلقه، وشق سمعه وبصره، بحوله وقوته". 2331 - * روى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، رأيتني الليلة وأنا نائم، كأني أصلي خلف شجرة، فسجدت، فسجدت الشجرة لسجودي، فسمعتها تقول: اللهم اكتب لي بها أجراً، وحط عني بها وزراً، واجعلها لي عندك ذخراً، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود، قال ابن عباس: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ سجدة ثم سجد، فقال مثل ما أخبره الرجل عن قول الشجرة".

_ 2327 - مجمع الزوائد (2/ 286) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله موثقون. 2328 - الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 159). مجمع الزوائد (2/ 286) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. 2329 - الطبراني "المعجم الكبير" (9/ 155) وقال الهيثمي رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. 2330 - أبو داود (2/ 60) كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا سجد. الترمذي (2/ 474) أبواب الصلاة، 407 - باب ما يقول في سجود القرآن، وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح. النسائي (2/ 221) 12 - كتاب التطبيق، 17 - نوع آخر. 2331 - الترمذي (2/ 472، 473) أبواب الصلاة، 407 باب ما يقول في سجود القرآن، وحسنه الحافظ، والحاكم (1/ 220) كتاب الصلاة، وصححه ووافقه الذهبي.

الفقرة الثالثة في سجود الشكر عرض إجمالي

الفقرة الثالثة في سجود الشكر عرض إجمالي تستحب سجدة الشكر عند الجمهور إذا حصلت للإنسان نعمة أو جاءه خبر يسره على شرط أن يكون محل السرور مشروعاً. وقد أفتى الحنفية: باستحبابها وأن هيئتها مثل سجدة التلاوة، وكرهوا أن تؤدى بعد الصلاة مباشرة كما كرهوا أن تؤدى في الوقت الذي يكره فيه النفل وقال الشافعية: تسن سجدة الشكر لهجوم نعمة أو اندفاع نقمة أو رؤية مبتلى أو عاص يجهر بالمعصية، ويظهرها للعاصي لا للمبتلى وهي كسجدة التلاوة، وتصح على الراحلة للمسافر بالإيماء كسجدة التلاوة، وكسجود السهو للنافلة. وقال الحنابلة: يستحب سجود الشكر عند تجدد النعم واندفاع النقم، ويشترط لسجود الشكر ما يشترط لسجود التلاوة. وأجاز ابن حبيب المالكي سجدة الشكر إلا أن الأصل عند المالكية أنه يستحب عند حدوث نعمة أو اندفاع نقمة: صلاة ركعتين، أما مجرد السجود عندهم للشكر فهو مكروه وقد اتجه أبو حنيفة نفسه إلى كراهية سجود الشكر لعدم إحصاء نعم الله لكثرتها ولكن المفتى به عند الحنفية جوازها كما رأينا. وإلى نصوص هذه الفقرة: 2332 - * روى أبو داود عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءه أمر سرور، أو بُشِّر به، خر ساجداً، شاكراً لله تعالى"، وفي رواية الترمذي (1): "أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه أمر فسر به، فخر ساجداً".

_ 2332 - أبو داود (3/ 89) 174 - باب في سجود الشكر. (1) الترمذي (4/ 141) 22 - كتاب السير، 25 - باب ما جاء في سجدة الشكر، وإسناده حسن.

2333 - * روى ابن خزيمة عن مجاهد وعطاء: أن ابن عباس كان يقول، ولقد حدثني أخي أن- رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخلها خر بين العمودين ساجداً، ثم قعد، فدعا ولم يصل. 2334 - * روى أحمد عن عبد الرحمن بن عوف قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوجه نحو صدقته فدخل فاستقبل القبلة فخر ساجداً فأطال السجود حتى ظننت أن الله قد قبض نفسه فيها فدنوت منه فرفع رأسه قال: "من هذا؟ " قلت عبد الرحمن. قال: "ما شأنك؟ " قلت يا رسول الله سجدت سجدة خشيت أن يكون الله قد قبض نفسك فيها. قال: "إن جبريل صلى الله عليه وسلم أتاني فبشرني، فقال: إن الله عز وجل يقول من صلى عليك صليت عليه ومن سلم عليك سلمت عليه، فسجدت لله شكراً". 2335 - * روى البزار عن جابر رفعه: قال: مر رجل بجمجمة إنسان فحدث نفسه فخر ساجداً، فقيل له: ارفع رأسك فأنت أنت وأنا أنا. أقول: الظاهر من النص أن السجود ها هنا كان شكراً لله، إذ رأى صاحبه ما يحدث للإنسان، فخرج ساجداً على النعمة التي هو فيها، فجاءه إلهام رباني مطالباً إياه بالتسليم لفعل الله، فكل شيء فعله وهو شأنه وحده ويحتمل أن يكون قد سمع خطاباً من الميت نفسه يذكره بأن كل إنسان له شأنه الخاص عند الله وهو المسؤول ومحاسب.

_ 2333 - ابن خزيمة (4/ 330) 840 - باب استحباب السجود بين العمودين عند دخول الكعبة والجلوس بعد السجدة والدعاء، وإسناده صحيح. (دخلها): أي دخل الكعبة. 2334 - أحمد (1/ 191). مجمع الزوائد (2/ 287) قال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات. 2335 - كشف الأستار (1/ 361) باب سجود الشكر. مجمع الزوائد (2/ 287) قال الهيثمي: رواه البزار ورجاله ثقات، قال البزار: لا نعلمه عن جابر إلا من هذا الوجه ولم أحسب جعفر بن سليمان سمع ابن المنكدر (رواه في السند) ولا روى عنه إلا هذا على أنه عن من هو دونه في السن مثل بشر بن المفضل وعبد الوارث.

خاتمة وجسر

خاتمة وجسر لقد أنهينا عرض ما تيسر عرضه من نصوص الصلاة ومن فقهها، وقد مر معنا من قبل بمناسبة الكلام عن السيرة والعقائد كلام عن الصلاة، وستمر معنا مناسبات أخرى ستذكر الصلاة في سياق نصوص تتحدث عن الصلاة وغيرها بآن واحد، ولا غرو أن أخذت الصلاة هذا الحجم الكبير، فإنها أهم ما بعث به الرسل عليهم الصلاة والسلام بعد العقيدة، وإذا كانت الصلاة عبادة بدنية وكان الهدف منها إقامة الشكر لله تعالى بأفعالها وأذكارها وكل ذلك ذكر لله تعالى، وإذا كانت قراءة القرآن فيها ركناً من أركانها فقد اخترنا أن يكون الجزءان اللاحقان في تلاوة القرآن وبعض المأثور في تفسيره، وفي الأذكار والدعوات لأن هذين الجزءين مكملان في الحقيقة للحكمة التي من أجلها شرعت الصلاة، وقد جعلنا هذه الخاتمة بمثابة الإشارة الأخيرة للصلاة وبمثابة الجسر الذي يوصل للحديث عن الجزءين اللاحقين من هذا القسم. القرآن ذكر بنص القرآن قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (1). لاحظ في الآية كلمة {الذِّكْرُ} وكلمة {لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}. وإذ كانت الحكمة في فرض الصلاة الذكر قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (2) وإذ كان القرآن ذكراً فقد جعلنا تلاوة القرآن بعد جزء الصلاة لأنها امتداد لعبادة الصلاة، كيف وقراءة القرآن ركن من أركان الصلاة تذكر قوله تعالى في الآية المتقدمة {وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} فإنك تدرك من خلالها أن القرآن مثير للفكر وباعث له ومهيج عليه، فإذا كان في الوقت نفسه ذكراً، عرفنا أهمية القرآن في العبادة. فالذكر والتفكر هما اللذان يوصلان الإنسان إلى التذكر بالحقائق المجبولة عليها ذاته وفي مقام العبودية لله ومقتضياه، وإنما يفعل القرآن ذلك كله إذا اجتمع مع

_ (1) النحل: 44. (2) طه: 14.

تلاوته التدبر قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (1) ومن ها هنا كانت تلاوة القرآن مكملة للصلاة فلا عجب أن نجعلها بعد الصلاة. ومما يذكر به القرآن العودة إلى الله والحشر والنشر وهذا يبعث على التأمل باليوم الآخر والمحاسبة المستمرة للنفس والاستعداد للموت قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} (2). لذلك ولكون التأمل جزءاً من التفكر، وهو مما تثيره تلاوة القرآن في النفس فقد ذكرنا هذا الموضوع بعد الصلاة لأنه مكمل لها في هذه الشؤون كلها. وتلاوة القرآن تكون أثراً عن قراءة في المصحف أو عن حفظ لقرآن، وقد جاءت نصوص تحض على حفظ القرآن كله أو على حفظ سور أو آيات مخصوصة، والحفظ عبادة زائدة على مجرد التلاوة لذلك أدخلنا النصوص الواردة في الحفظ في الجزء اللاحق لأنه من العبادات المباشرة كالصلاة. وقد جرت عادة المؤلفين أن يجمعوا بين النصوص الواردة في التلاوة والحفظ والتفسير في كتاب واحد وذلك أن من آداب التلاوة التدبر، ومما يعين على التدبر معرفة المعنى فأدخلنا هذا كله في الجزء اللاحق. وقد مر معنا في بحث الصلاة كلام عن قراءة القرآن في الصلاة وما هو مسنون فيها، كما مر معنا في قيام الليل شيء عن ذلك فليبق الإنسان على ذكر من ذلك، ومن فاته أن يقرأ المسنون في الصلوات المفروضة أو المسنون في صلاة الليل فلا تفوته القراءة ولو لم تكن في صلاة. كما مر معنا نصوص لها علاقة بسجدات القرآن أشرنا إليها أثناء الكلام عن سجدات التلاوة. وفي الصلاة ذكر وتذكر ودعاء وتلاوة قرآن وتفكر وتأمل ففيها تسبيح وحمد،

_ (1) ص: 29. (2) الحشر: 18.

وفيها تذكر لليوم الآخر، وفيها دعاء في الفاتحة وغيرها، وفيها تلاوة قرآن أثناء القيام حقيقة أو حكماً وفيها تفكر وتأمل بمعانيها، وكما شرعت هذه المعاني داخل الصلاة فقد شرعت خارجها بل إن ما شرع في الصلاة هو الحد الأدنى منها وإن كان هو المقام الأرقى لأدائها. {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} (1) تأمل هذا الثناء العاطر عليهم إذ يتلون الكتاب في صلاتهم ولكن كما شرع لنا أن نتلو الكتاب في صلاتنا فقد شرع لنا أن نتلو القرآن خارج الصلاة وكذلك قل في الذكر والتذكر والدعاء والتفكر والتأمل، بل هذه خارج الصلاة تكمل الصلاة في آثارها وتأثيرها وتقريبها إلى الله وإبعادها عن الفحشاء والمنكر. {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} (2). ولا ننسى أن من لم يقم الصلاة فقد أسقط الفرض الأكبر في الذكر ومما ذكرناه ندرك أن هناك صلة تكاملية بين الصلاة وتلاوة القرآن والأدعية والأذكار. فلنتأمل معنى كلمة أركان الإسلام: إن الركن هنا ما قام عليه غيره لأن أصل المعنى مأخوذ من قوله عليه الصلاة والسلام "إن الإسلام بني على خمس ... " ترى أي شيء بني على الصلاة في الإسلام؟. إن الصلاة في الإسلام هي ركن العبادات الذكرية والتأملية وعلى هذا فكل العبادات الذكرية والتأملية ترتكز عليها وتعاونها وبقدر ما يقوم ركن الصلاة وترفده مكملاته من تلاوة وأذكار وأدعية يزيد ذلك من إشراق الإيمان في القلب ويؤثر ذلك على إقامة حق الله في بقية الأركان وفي السلوك إلى الله ومن هنا نجد الصلة بين العبادة والهداية في قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (3).

_ (1) آل عمران: 113. (2) العنكبوت: 45. (3) الفاتحة: 5، 6.

ولذلك جعلنا الجزء الثاني في هذا القسم في الصلوات والجزء الثالث في التلاوة والجزء الرابع في الأدعية والأذكار، فالتلاوة الصحيحة والأدعية والأذكار وما يرافق ذلك من تفكر وتأمل وتذكر عبادات متممة ومكملة للصلاة ولدورها في إصلاح القلب والسلوك. والصلوات والأذكار والأدعية وتلاوة القرآن هي المظهر الأوضح لعبادة الله وهي بجملتها ذات تأثير يومي مباشر على سلوك الإنسان، فالزكوات والصدقات والصوم والحج والجهاد كلها تأخذ محلها في سلم العبادة، ولها تأثيرها ودورها في تزكية النفس وفي سلوك الإنسان، ولكن الزكاة المفروضة تؤدى مرة في العام وكذلك الصوم المفروض، والحج المفروض يؤدى مرة في العمر، والجهاد المفروض يكون أحياناً فرض عين وأحياناً فرض كفاية وأحياناً لا تتوافر أسبابه، وحتى نوافل هذه العبادات لا تستغرق من الوقت ما يمكن أن تستغرقه الصلوات والأذكار والدعوات وتلاوة القرآن من مجمل العمر التكليفي. فهناك صلوات يومية فرائض ونوافل ويندب للإنسان يومياً أن يقرأ القرآن ويدعو ويذكر ويتذكر ويتأمل، ولذلك قلنا إن الصلوات وهذه العبادات الأخرى هي المظهر الأول للعبادة، وبقدر ما يؤديها الإنسان يكون محققاً للحكمة من وجوده وإيجاده:. {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1). كما أنها هي العامل الأكبر في إبقاء حياة العقيدة في القلب وحيويتها. إن ميزان السير إلى الله والعمل لليوم الآخر يتمثل بنيتين: العلم والذكر: 2336 - * روى ابن ماجه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدنيا ملعونة

_ (1) الذاريات: 56. 2336 - ابن ماجه (2/ 1377) 37 - كتاب الزهد، 3 - باب مثل الدنيا، وهو حسن.

ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالماً أو متعلماً". وإذن فبقدر ما تعطي من وقتك للعلم الأخروي والذكر تعطي للآخرة، ومع أن أي عمل من أعمال الإسلام ولو لم يكن فيه ذكر مباشر هو ذكر ضمني، فإن الذكر المباشر هو أول ما ينطبق عليه وصف الذكر: والصلاة كلها ذكر، وتلاوة القرآن كلها ذكر، والدعوات والأذكار كلها ذكر وهذه كلها تقتضي تأملاً وتدبراً وتفكراً والتأمل والتذكر والتفكر ذكر في النهاية لذلك قلنا إن هذه الأمور هي المظهر الأول للعبادة. فإذا عرفنا أن الدعاء هو العبادة، وان التلاوة أرقى من الدعاء ففي الحديث الذي. 2337 - * روى الترمذي عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من شغله قراءة القرآن عن مسألتي: أعطيته أفضل ما أعطي السائلين". تأكد لك ما ذكرناه عن الصلوات والأذكار والدعوات وتلاوة القرآن. وقد جرت عادة أهل السلوك إلى الله مع اهتمامهم الزائد بالصلاة فريضة ونافلة أن يرتبوا على أنفسهم ورداً يومياً يجمع بين الذكر من استغفار إلى صلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تهليل وتسبيح وبين تلاوة القرآن وبين التفكر في الملك والملكوت والتأمل في اليوم الآخر، وأن يحاولوا مع هذا الإكثار بقية يومهم وليلتهم من الذكر والتفكر تحقيقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم العملية وقياماً بحق قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (1). ويحرصون أن يتلقوا ذلك عن أهل العلم والسير إلى الله تحقيقاً لسنة التلقن

_ 2337 - الترمذي (5/ 184) 46 - كتاب فضائل القرآن، 25 - باب. وقد أخرجه الترمذي لكن إسناده ضعيف وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب ولعله حسن ببعض الشواهد. (1) آل عمران: 190، 191.

والتلقين التي كانت هي السائدة وهي الأصل في حياة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين وتابع التابعين بإحسان فهم يحرصون على إحياء سنة التلقن القرآني عن أهل ذلك، وسنة التلقن للسنة النبوية عن أهل ذلك، وسنة التلقن للأذكار والدعوات عن أهل ذلك، فمع التلقن تسري أنوار وأسرار إلى القلوب وعند عدم تيسر التلقن والتلقين، فالمطالعة والمذاكرة والمجالسة من الوسائل التي تنوب عن الأصل حال فقده. وقد ورد في تلاوة القرآن نصوص كثيرة في الكتاب والسنة وقد فرض علينا أن نقرأ القرآن كما أنزل، وهذا يقتضي أن نقرأه كما أقرأنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أمر رسول الله أن يقرأه مرتلاً {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} (1) لذلك كان أخذ القرآن من أهله وقراءته على الطريقة التي كان يؤديها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفرائض وقد استقرأ علماء المسلمين طرق الأداء واستخرجوا أحكام ترتيل القرآن على كل الروايات التي وردتنا بالطرق المتواترة عن رسولنا عليه الصلاة والسلام فبأي رواية قرأ المسلم القرآن فعليه أن يلاحظ هذه الأحكام، ولذلك افترض على مريد قراءة القرآن أن يعرف هذه الأحكام، وافترض على من يحفظ شيئاً من القرآن أن يحفظه ملاحظاً هذه الأحكام وهذا يقتضي الاهتمام بحلقات القرآن وقراءته وإقرائه ومعرفة أحكام ترتيله. وقد نزل القرآن على سبعة أحرف ليسع لهجات العرب وطرائقهم في النطق وقد جمع القرآن كتابة في عهد خلافة أبي بكر على الرسم الذي يلحظ لغة قريش، ثم عمم ذلك عثمان رضي الله عنه فما وافق هذا الرسم من الأحرف السبعة لا زال حياً وما خالفه فقد انتهى دوره لإمكانية أن يستقيم لسان الأمة على ما وافق هذا الرسم بعد المرحلة الانتقالية فإذا ما ورد شيء من ذلك فإما أنه منسوخ أو أنه من باب التفسير لأن مصحف عثمان أجمع عليه الصحابة أنه كله قرآن غير منسوخ التلاوة، وهو منقول تواتراً ولم يتوافر لغيره هذان الشرطان فإذا ما سمعنا كلمة القراءات السبع أو القراءات العشر فليس المراد من ذلك الأحرف السبعة التي وردت في النصوص بل هي متضمنة لشيء من الأحرف السبعة مما وافق الرسم العثماني للمصحف، والمحافظة على هذه

_ (1) المزمل: 4.

القراءات من فروض الكفايات التي تلزم بها الأمة. وحفظ ما يلزم المسلم لإقامة صلواته واجب عيني وحفظ جميع القرآن سنة عينية وأن يكون لنا وردنا اليومي من تلاوة القرآن فذلك سنة عينية لمن كان قلبه سليماً وإيمانه كاملاً وفطرته مستقيمة، أما من كان في قلبه أمراض وتعينت تلاوة القرآن لشفائها، فهذا القدر في حقه فريضة عينية. قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} (1) بل كل الفرائض التي تتحقق بدون التلاوة تجعل هذا القدر من التلاوة فريضة عينية وقل مثل ذلك في الحفظ فالمسلم مكلف بطمأنينة القلب وبسلامته وعمارته بالأنوار، ولتلاوة القرآن ولحفظ بعضه دخل في ذلك. ومن ههنا كان للتلاوة اليومية ولحفظ القرآن وقراءته وإقرائه فضل عظيم. وها إن الجزء اللاحق يعطيك تصوراً عن كثير مما ينبغي معرفته عن القرآن وعن القيام بحقوقه بالقدر الذي يتفق مع مقاصد هذا الكتاب. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.

_ (1) يونس: 57.

الجزء الثالث في تلاوة القرآن وما يتعلق به من علوم

الجزء الثالث من قسم العبادات الرئيسية في تلاوة القرآن وما يتعلق به من علوم وفيه مقدمة وبابان * المقدمة

مقدمة

مقدمة ليس هناك في هذا العالم كتاب أجدر من القرآن الكريم للاهتمام به ولا كتاب أعظم منه ولا أرقى ولا أعلى في كل شيء. وقد مر معنا حديث عن القرآن في قسم العقائد بمناسبة الكلام عن الكتب السماوية والدينية في هذا العالم، ومن خلال المقارنة بين القرآن وبين ما سواه من الكتب الدينية يدرك العاقل أي بعد سحيق بين علو القرآن وبين كتب الأديان كما آلت إليه بعد أن داخلها التحريف والتبديل والزيادة والنقصان، وفي الأصل فقد جعل الله عز وجل لهذا القرآن من الخصائص الزائدة على كل كتاب أنزله من قبل ما يجعله أعظم كتاب أنزله الله تعالى، وإذا كان هذا محله بين الكتب السماوية التي هي أكمل الكتب وأرقاها وأسلمها وأصحها وأصدقها وأهداها فإنه لا يصح أن يقارن بكتاب سواه، بل المقارنة نوع من السخف والجنون، والاهتمام بكتاب الله تعالى له مظاهر متعددة منها: الاهتمام بعلومه وهو موضوع يتوسع على الزمن كعلم الإعجاز والمعجزات، وعلم القراءات، وعلم الناسخ والمنسوخ، وعلم المتشابه والمحكم إلى غير ذلك، كما أن الاهتمام به يقتضي تلقياً وتلقناً للقراءات المتواترة التي وصلتنا بالتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما يقتض معرفة بتفسيره، وإقبالاً على تلاوته وتدبره وحفظه ومعرفة أحكام التلاوة، وهذا الاهتمام بالقرآن بعضه تطالب به الأمة بمجموعها فهو من فروض الكفاية أو من سنن الكفاية وبعضه يطالب به كل مسلم إما كفرض عيني أو كسنة عينية، فمن فروض الكفاية مثلاً أن يوجد قراءة يحافظون على القراءات المتواترة، ومن فروض الكفاية أن يوجد متخصصون في علوم القرآن، ومن المطلوبات العينية في حق كل مسلم على اختلاف في درجة الطلب: إتقان تلاوة القرآن، ومراعاة أحكام الترتيل وحفظ ما أمكن منه، وأن يكون للمسلم ورده اليومي من تلاوة القرآن، وأن يتعرف على شيء من علومه ولو إجمالياً وأن يعرف ما ورد في السنة عن هذا القرآن وأن تكون له دراسة في القرآن ومدارسه واجتماع، وأن يعرف ما يستطيع معرفته من تفسير الراسخين في العلم لآياته، وأن يعرف أحكام التعامل مع القرآن والآداب المطلوبة من المسلم تجاه القرآن، وهذه الموضوعات كلها تطلب في مظانها من الكتب المؤلفة فيها أو عند أهلها المختصين فيها، ويستطيع المسلم المثقف اللبيب تحصيل الكثير منها بجهده الشخصي وبعضها لابد أن يأخذه من أهله كعلم القراءات مثلاً.

وقد درج جامعو السنة النبوية أن يدخلوا في كتب السنة بعضاً مما ذكرناه، وإذا كان هذا الكتاب في السنة فننا سنذكر فيه ما استطعنا جمعه مما يرد عادة في كتب السنة عن بعض هذه الشؤون التي ذكرناها، وسنحاول من خلال المقدمات والتعليقات والمسائل والفوائد أن نعطي المسلم بعض ما ينبغي أن يعرفه عن كثير مما سبقت الإشارة إليه. ونكتفي في هذه المقدمة في أن نعرفك على بعض المعاني التي لابد أن تعرفها عن القرآن، فهذه كلمات نستخلصها من بعض كتب العلوم "كالإتقان" "ومناهل العرفان" حول القرآن، تحقق هذا المراد وذلك كله بين يدي هذا الجزء ولنبدأ على بركة الله. القرآن في اللغة: مصدر مرادف للقراءة ثم نقل إلى أن جعل اسماً علماً للكلام المعجز المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله أسماء كثيرة جداً، ومعرفتنا بهذه الأسماء ومدلولاتها ومعرفة مَجْلاها في القرآن الكريم تعرفنا على عظمة هذا القرآن، وأشهر أسمائه بعد القرآن: الفرقان لأنه يفرق بين الحق والباطل، والكتاب لأن علم على أعظم كتب الله أو لأنه ذكر فيه ما فرضه الله عز وجل على خلقه، ومن أسمائه الذكر لأن الله عز وجل قد أنزله مذكراً بحيث إنه عرضت كل معانيه بصيغة التذكير ومن أسمائه المشهورة التنزيل لأن الله عز وجل نزله على عبده محمد صلى الله عليه وسلم ليكون للعالمين نذيراً، وقد ذكر صاحب البرهان خمسة وخمسين اسماً للقرآن وأوصلها النووي إلى نيف وتسعين وقد جمع كل من الاثنين بين ما هو اسم للقرآن أو صفة له أو على إطلاقات وردت في القرآن تصف هذا القرآن ومن تأمل هذه الأسماء والصفات وعرف معناها ومجلاها عرف عظمة هذا القرآن من خلال أسمائه وحقيَّتها وقد نقل السيوطي في كتابه "الإتقان" عن صاحب "البرهان" ما جمعه من أسماء للقرآن الكريم، وفسر بعضها فقال رحمه الله: "وقال أبو المعالي عُزيزي في كتاب البرهان: اعلم أن الله سمى القرآن بخمسة وخمسين اسماً، سماه كتاباً مبيناً في قوله: {حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ}. وقرآنا كريماً في قوله: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} وكلاماً: {حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ}. ونوراً: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا}. وهدى ورحمة: {وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}. وفرقاناً: {نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ}. وشفاء: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ}. وموعظة: {قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ}. وذكراً مباركاً: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ}.

وعليا: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ}. وحكمة: {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ}. وحكيما: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ}. ومهيمناً: {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ}. وحبلاً: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ}. وصراطاً مستقيماً: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا}. وقيماً: {قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا}. وقولاً فصلاً: {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ}. ونبأ عظيماً: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ}. وأحسن الحديث ومثاني ومتشابهاً: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ}. وتنزيلاً: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. وروحاً: {أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا}. ووحياً: {إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ}. وعربياً: {قُرْآنًا عَرَبِيًّا}. وبصائر: {هَذَا بَصَائِرُ}. وبياناً: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ}. وعلماً: {مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ}. وحقاً: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ}. وهادياً: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي}. وعجباً: {قُرْآنًا عَجَبًا}. وتذكرة: {وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ}. والعروة الوثقى: {اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}. وصدقاً: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ}. وعدلاً: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا}. وأمراً: {ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ}. ومنادياً: {يُنَادِي لِلْإِيمَانِ}. وبشرى: {وَهُدًى وَبُشْرَى}. ومجيداً: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ}. وزبوراً: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ}. وبشيراً ونذيراً: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}. وعزيزاً: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ}. وبلاغاً: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ}. وقصصاً: {أَحْسَنَ الْقَصَصِ}، وسماه أربعة أسماء في آية واحدة: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ} ا. هـ. فأما تسميته كتاباً: فلجمعه أنواع العلوم والقصص والأخبار على أبلغ وجه، والكتاب لغة: الجمع، والمبين: لأنه أبان: أي أظهر الحق من الباطل. وأما الكلام فمشتق من الكلم بمعنى التأثير، لأنه يؤثر في ذهن السامع فائدة لم تكن عنده، وأما النور: فلأنه يدرك به غوامض الحلال والحرام. وأما الهدى: فلأن فيه الدلالة على لاحق، وأما الفرقان: فلأنه فرق بين الحق والباطل، وجهه بذلك مجاهد كما أخرجه ابن أبي حاتم، وأما الشفاء: فلأنه يشفي من الأمراض القلبية كالكفر والجهل والغل والبدنية أيضاً. وأما الذكر: فلما فيه من المواعظ وأخبار الأمم الماضية، والذكر أيضاً الشرف، قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} أي شرف لأنه بلغتهم. وأما الحكمة فلأنه نزل على القانون المعتبر من وضع كل شيء في محله، أو لأنه مشتمل على الحكمة. وأما الحكيم فلأنه أحكمت آياته بعجيب النظم وبديع المعاني، وأحكمت عن تطرق التبديل والتحريف والاختلاف والتباين. وأما المهيمن: فلأنه شاهد على جميع

الكتب والأمم السالفة. وأما الحبل: فلأنه من تمسك به وصل إلى الجنة أو الهدى والحبل: السبب. وأما الصراط المستقيم: فلأنه طريق إلى الجنة قويم لا عوج فيه. وأما المثاني: فلأن فيه بيان قصص الأمم الماضية فهو ثان لما تقدمه، وقيل لتكرار القصص والمواعظ فيه. وأما المتشابه: فلأنه يشبه بعضه بعضاً في الحسن والصدق، وأما الروح: فلأنه تحيا به القلوب والأنفس. وأما المجيد: فلشرفه. وأما العزيز: فلأنه يعزّ على من يروم معارضته. وأما البلاغ: فلأنه أبلغ به الناس ما أمروا به ونهوا عنه، أو لأن فيه بلاغة وكفاية عن غيره. ا. هـ. من [الإتقان 10/ 67 - 68]. ومن أهم ما تميز به القرآن الكريم أسلوبه وإعجازه ومعجزاته وتبيانه لكل شيء، وهدايته للإنسان إلى كل خير وبأخصر الطرق فمن المعروف أن الخط المستقيم هو أقرب طريق وأقرب بعد بين نقطتين، وما من شيء في أبواب الهداية في العقائد والعبادات ومناهج الحياة، وفي أمر الدنيا والآخرة إلا وقد هدى الله الإنسان إليه، وهداه إليه بأقرب طريق وأخصره ولذلك قال الله تعالى {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (1)، ومن تأمل هداية القرآن في كل شيء وقارنها بما عليه الخلق من ضلالات عرف أنه لا يمكن أن يكون هذا القرآن بشري المصدر ومن تأمل شمول البيان في القرآن لكل ما يحتاجه الإنسان ولكل ما تنبغي معرفته وقرأ مظاهر هذا التبيان في العلوم التي انبثقت عن القرآن في العقائد والفقه والتعامل البشري وما أعطانا إياه القرآن من تصور هائل للزمان والمكان إلى غير ذلك مما بينا تفصيلاً في كتابنا (الأساس في التفسير) عرف استحالة أن يكون هذا القرآن مصدره الإنسان، قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (2). وأما أسلوب القرآن فإنه لا يشبه أي أسلوب بشري ويكفي أن تعرف سياقات القرآن والمناسبات بين الآيات في السورة الواحدة، وكيف أن كل مجموعة سور من القرآن تشكل وحدة تمضي على نسق، وأن كل مجموعات القرآن تفصل على نسق واحد في سورة البقرة لتعرف أن أسلوب القرآن لا يمكن أن يكون بشري المصدر. قال تعالى في وصف كتابه

_ (1) الإسراء: من آية 9. (2) النحل: من آية 89.

{وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} (1). فما من شيء في هذا القرآن إلا وهو في أعلى الذرى سواء في ذلك فصاحته أو بيانه أو معانيه وما من شيء في القرآن إلا هو على غاية الحكمة، فكما أن هذا الكون مجلي لاسم الله الحكيم فهذا القرآن مجلي لاسم الله الحكيم كذلك. فإذا ما جئت إلى إعجاز القرآن ورأيت عجز البشر جميعاً في كل العصور عن أن يأتوا بسورة من مثله أوقفك هذا وحده على عظمة هذا القرآن وتميزه عن كلام البشر، فإذا ما أضفت إلى هذا كله أن في هذا القرآن معجزات متعددة منها التاريخي ومنها الكوني ومنها ومنها ... عرفت عظمة هذا القرآن، وعظمة منزله وإن له ميزان دقيق أن تعرف مقامك من خلال موقفك من القرآن فبقدر معرفتك بعظمته تعرف عظمة الله، وبقدر معرفتك به تعرف الله، وبقدر حبك له يتجلى حبك لله، وهذه القضايا الخمس بحار لا سواحل لها، وإن كل ما تكلم به الناس في أي واحدة منها فإنهم يبقون قريبين جداً من الشاطئ، وهيهات أن يصل الإنسان إلى الشاطئ الآخر من هذه القضايا الخمس: هداية القرآن، وشمولية بيانه وأسلوبه، وإعجازه ومعجزاته. وقد تكلم الكثيرون في الإعجاز، وتكلم الكثيرون في معجزات القرآن وفي أسلوبه، وفي شمولية بيانه وفي كمال هدايته ولا سبيل إلا الاستقصاء، فقد تعرضنا لكل هذه الأمور في كتابنا (الأساس في التفسير)، فلن نتعرض في هذه المقدمة لقضيتين شمولية البيان وكمال الهداية فذلك شيء محل تفصيله هذه السلسلة كلها (الأساس في المنهج) بكتبها الثلاثة: الأساس في التفسير، الأساس في السنة وفقهها، الأساس في قواعد المعرفة وضوابط الفهم للنصوص. وإنما نستخلص لك خلاصة في موضوع أسلوب القرآن إعجازه ومعجزاته مستعينين بما كتب مضيفين إلى ذلك ما يفتح الله علينا من فضله جل جلاله.

_ (1) الزخرف: 4.

- أولاً: أسلوب القرآن قال صاحب مناهل العرفان: الأسلوب في الاصطلاح: تواضع المتأدبون وعلماء العربية، على أن الأسلوب هو الطريقة الكلامية التي يسلكها المتكلم في تأليف كلامه واختيار ألفاظه، أو هو المذهب الكلامي الذي انفرد به المتكلم في تأدية معانيه ومقاصده من كلامه. أو هو طابع الكلام أو فنه الذي انفرد به المتكلم كذلك. معنى أسلوب القرآن: وعلى هذا فأسلوب القرآن الكريم هو طريقته التي انفرد بها في تأليف كلامه واختيار ألفاظه، ولا غرابة أن يكون للقرآن الكريم أسلوب خاص به، فإن لكل كلام إلهي أو بشري أسلوبه الخاص به. وأساليب المتكلمين وطرائقهم في عرض كلامهم من شعر أو نثر، تتعدد بتعدد أشخاصهم، بل تتعدد في الشخص الواحد بتعدد الموضوعات التي يتناولها، والفنون التي يعالجها ا. هـ. أقول: أولاً: إن الأسلوب البشري كما ألفناه وعرفناه مرتبط بثقافته اللغوية وثقافته الخاصة والعامة، وهو يعبر عن شخصية صاحبه وصفاته ويتأثر إلى حد كبير بمفاهيم صاحبه وقيمه، وأول ما نلحظه في أسلوب القرآن أنه يستحيل أن يكون بشري المصدر، فإنك تجد وأنت تقرأ القرآن أنك أمام خطاب يتوجه من ذات لا كالذوات، متصفة بصفات لا كالصفات مسماة بأسماء تتجلى في هذا القرآن وأنك أمام خطاب محيط بالزمان والمكان والحق والعدل والخير والشر بشكل لا يمكن أن يكون بشري المصدر، إنك تجد فيه خطاباً من ذات علوية قاهرة تخاطب كياناً مأموراً مأسوراً كما أنك تجد نفسك أمام ذات أحاط علمها بكل شيء، وتجد نفسك أمام كتاب يتحدث عن قدرة الله وأفعاله بما لا يمكن أن يصدر عن بشر، وتجد أن هذا القرآن مجلي لأسماء القرآن كلها، (ولله المثل الأعلى) كما تجد نفسك أمام

حق خالص وعدل لا مثيل له، يظهر هذا العدل في التشريع، ويظهر في ما أعده الله لأهل التكليف من جزاء وعقاب، وإن وصف الجزاء والعقاب لكافٍ أن يدلك على انه يستحيل أن يكون بشري المصدر. - ثانياً: ومما اعتدناه في أساليب البشر، أنك لا تجد في خطابهم ما يصمد على الزمان والمكان فكثيراً ما ينتقض كلام الإنسان بمرور الأيام، أما هذا القرآن فقد وسع أسلوبه الزمان والمكان فلا ينقضه شيء، بل كلما جاء زمان تفتح لأصحاب هذا الزمان من دقائق المعاني ما يسع زمانه، وذلك وحده معجز. - ثالثاً: ما من كتاب بشري إلا وللتناقض في محل إن في درجة الارتقاء بين كلام وكلام أو بيان وبيان أو معنى ومعنى أما أسلوب هذا القرآن فإنه يجري على نسق واحد. - رابعاً: وأسلوب هذا القرآن أسلوب متميز عن أساليب البشر، فهو لا يشبه شعراً ولا نثراً ولا طريقة من طرائق البيان المعتادة لدى البشر. - خامساً: ومن خواص أسلوب القرآن مسحته اللفظية التي تتجلى في نظامه الصوتي وجماله اللغوي فإنك تجد فيه اتساقاً وائتلافاً في الحركات والسكنات والمدات والغنات والاتصالات والسكتات وتناسق الحروف مع بعضها والكلمات فيما بينها وتناسق الجرس في الآية والسورة بحيث تجد توقيعاً تتلقاه الآذان في كل مقطع من سورة وفي كل سورة بما ليس معهوداً في كلام البشر وقد أحست العرب بهذه الحقيقة منذ سمعت هذا القرآن، فإذا ما أضيفت إلى ذلك ملاءمة الجرس القرآني للموضوع الذي يتكلم به تجد شيئاً لا نظير له وأدركت ان أسلوب القرآن لا يمكن أن يكون بشري المصدر. - سادساً: شعور قارئه بقربه من فهمه فالعامي يستشعر أنه يفهمه، وكلما ارتقى الإنسان في مراتب الاختصاص والفهم تفتح له من الفهم ما يناسب قدراته وفيه لصحاب الاختصاصات مزيد فإذا عرفت أنه قد عرض لكل الموضوعات بأسلوب واحد وعلى غاية من البيان عرفت أن ذلك فوق الطاقة البشرية فإذا ما أصفت إلى ما سبق أن الأسلوب القرآني يخاطب الكينونة البشرية عقلاً وقلباً ويخاطب الكيان البشري كله خطاباً يجمع بين الحق

والجمال معاً أدركت سراً آخر من أسرار أسلوب القرآن فإذا ما عرفت أنه في خطابه الكينونة البشرية يذكر في قضية ما بالقدر الذي تحتاجه الكينونة البشرية رأيت أمراً عجباً. فإذا عرفت أن البشر قد اعتادوا على أنواع من الأساليب، أسلوب أدبي وأسلوب علمي وأسلوب مدرسي، وأسلوب خطابي إلى غير ذلك، ورأيت أن أسلوب القرآن واحد في قوة البيان وهو يتحدث عن كل الموضوعات مما لا تجده في أساليب الخلق عرفت أنك أمام أسلوب لا يمكن أن يكون بشري المصدر. - سابعاً: ولقد كان من مقاصدنا الرئيسية في كتابنا "الأساس في التفسير" أن نبرهن على ترابط الآيات في السورة الواحدة، وترابط سور كل مجموعة مع بعضها وكيف أن هناك سياقاً خاصاً لكل مجموعة يأتي على نسق واحد، بحيث يكون للقرآن كله سياق خاص، ولو عرفت من هذا النوع من سبك الكلام وإحكام سرده وترابط أجزائه وتماسك كلماته وجمله وآياته وسوره على أسلوب لا يمكن أن يخطر ببال بشر، هذا مع تنوع المقاصد وتعدد الطرائق للموضوع الواحد، لرأيت من ذلك عجباً لا ينقضي وفي تفسيرنا بيان تفصيلي لمثل هذه الشؤون، فأسلوب القرآن تجتمع فيه الوحدة البيانية والوحدة الموضوعية. والوحدة في السياق على أنواع شتى لا يكاد الناس أن يدركوا جزءاً من كمالاته. - ثامناً: وهناك شيء واضح في أسلوب القرآن أشرنا إليه من قبل وهو أنه يورد المعنى الواحد بألفاظ متعددة وطرق جديدة بإجمال واختصار أحياناً وبإسهاب أحياناً، وإنك لتجد قارئه لا يمل من تكراره لما فيه من سلاسة وجدة وسياق وجرس وإيقاع، وكل ذلك دون أن يتناقض، فهو الحق الخالص، والصدق الخالص، وفي ذلك من الحكم ما لا يحيط به أحد، وإنما كمال العلماء يظهر بقدر ما يدركون من هذه الأسرار، هذا دون أن يكون في ذلك كله حشو أو حرف في غير محله أو كلمة في غير محلها، فإذا ما اجتمع إلى كل هذا غاية البيان عرفت أن هذا شيء جل عن طاقة البشر، وقد وصف بعضه أسلوبه بقوله: تلتقي عنده نهايات الفضيلة كلها على تباعد ما بين أطرافها ثم ذكر خصائص أسلوب القرآن فذكر القصد في اللفظ والوفاء بحق المعنى، وخطاب العامة وخطاب الخاصة، وإقناع العقل وإمتاع العاطفة، والبيان والإجمال.

(انظر النبأ العظيم ص: 101 فما بعدها). ولقد تكلم المتكلمون عن أسلوب القرآن ولا زالوا يتكلمون ولا زال بينهم وبين التعبير الشامل عن خصائص أسلوب القرآن بون شاسع. ثانياً: إعجاز القرآن المراد بإعجاز القرآن أن الخلق عاجزون عن الإتيان بما تحداهم به لإظهار أن هذا الكتاب حق، وأن الرسول الذي أنزل عليه رسول صدق وكذلك الشأن في كل معجزات الأنبياء ويخلط بعض الكاتبين بين إعجاز القرآن ومعجزاته، فالقرآن كله معجز، وقد تحدى الله الناس أن يأتوا بمثل أقصر سورة من سوره، فوقف الناس عاجزين، وهذا وحده دليل كافٍ أنك تجد البشر جميعاً لم يستطيعوا أن يخرقوا هذا التحدي، ومن حاول منهم أتى بالمضحكات ومع هذا الإعجاز في القرآن فإن في القرآن مالا يُحصى من المعجزات، وقد اختلط الأمر على بعض الكاتبين فأطلقوا على أنواع المعجزات اسم الإعجاز، فقالوا الإعجاز العلمي والإعجاز التاريخي، والإعجاز الغيبي إلى غير ذلك. وهي في الحقيقة معجزات زائدة على الإعجاز فوصفها بالإعجاز نوع من التجوز في الكلام، والتحقيق أن فيه إعجازاً ومعجزات وكلامنا هاهنا في إعجازه، ولقد تحدى القرآن الخلق جميعاً أن يأتوا بمثله أو بعشر سور من مثله أو بسورة واحدة من سوره، فوقف الخلق عاجزين، وهذا وحده يكفي العاقل ليعرف أن هذا القرآن معجز فأي إنسان في العالم يجرؤ على أن يقول قولاً بمقدار سطر أو سطرين ثم يتحدى العالم أن يأتوا بمثله ثم يقف الناس عاجزين عن فعل ذلك. ولقد كتب في إعجاز القرآن الكثير وألفت فيه الكتب المستقلة، ومن أعظم المؤلفين فيه في القديم: الخطابي والرماني والزملكاني والإمام الرازي وابن سراقة والقاضي أبو بكر الباقلاني، ومن المحدثين: مصطفى صادق الرافعي. وقد حاول كل من كتب أن يضع يده على سر الإعجاز من حيث البيان والفصاحة والإيقاع واجتماع وتضافر الأرقى من كل شيء في المعنى واللغة. ومع ذلك فإن كل ما كتب في هذا

الشأن هو بعض ما يقال ويبقى في الإعجاز سر هو كسر الروح بالنسبة للإنسان، فكما أن الله عز وجل قال عن الروح: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} (1). فكذلك هذا القرآن فإن الله عز وجل سماه روحاً، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا} (2) فمهما تكلم المتكلمون في الإعجاز فإن الإعجاز شيء أعظم وأكبر وأدق أسراراً. لقد تفنن الكاتبون في التدليل على الإعجاز فمنهم من أقام الحجة على الإعجاز بما في هذا القرآن من معجزات ومنهم من أقام الحجة على الإعجاز باستسلام العرب لهذا الإعجاز، ومنهم من أقام الحجة من خلال عرضه للمعاني ومنهم من أقام الحجة بتبيان الفارق بين أسلوب القرآن وأسلوب الحديث النبوي، ومنهم من أقام الحجة على إعجاز القرآن من خلال نزوله مفرقاً وتناسقه وتناسب آياته وسوره، ومنهم من أقام الحجة على إعجازه من خلال التدليل على أنه اجتمع فيه ما لا يصل إليه البشر من أساليب وفصاحة وبيان، ومنهم من أقام الحجة على إعجازه بالمقارنة بينه وبين غير في ضروب الهداية في كل شيء وفي موقفه من كل شيء مبرهنين على أنه الأعلى والأهدى، ومنهم من برهن على الإعجاز من خلال ما فيه من سياسات في إصلاح النفوس والمجتمعات ومنهم من برهن على الإعجاز بتبيان ما في حروفه وكلماته وجمله وآياته وسوره من كمالات لا يتناهى حسنها وجمالها. وكما قلنا فإن كثيرين قد خلطوا في الكلام عن الإعجاز بين ما هو إعجاز في القرآن وبين ما هو معجزات، المهم أن الكثيرين ممن كتبوا في الإعجاز كان همهم أن يبرهنوا على أنه يستحيل أن يكون هذا القرآن بشري المصدر، إلا أنه كما ذكرنا فإن الإعجاز غير المعجزات، وكل من كتب في الإعجاز حاول أن يضع يده على السر، ولكن سر الإعجاز يبقى أكبر وأعظم وأدق من أن يستطيع أحد أن يعبر عنه على الكمال والتمام أما التدليل على استحالة أن يكون هذا القرآن من عند محمد صلى الله عليه وسلم أو أن يكون بشري المصدر أصلاً.

_ (1) الإسراء: 85. (2) الشورى: 52.

فالأدلة على ذلك لا تتناهى: منها إعجازه ومنها معجزاته ومنها الكثير مما يستحيل عادة أن يصدر من إنسان في حق نفسه أو في حق غير، وقد حاولنا في كتابنا (الأساس في التفسير) وفيما كتبناه في كتاب (الرسول صلى الله عليه وسلم) أن نتحدث عن مثل هذه المعاني، ولكن كما قلنا: فإن التدليل على أن هذا القرآن من عند الله أوسع بكثير من الكلام على مجرد الإعجاز، فالأدلة على أن هذا القرآن من عند الله أوسع وأكثر، فآيات العتاب التي عاتب بها الله رسوله صلى الله عليه وسلم دليل على أن هذا القرآن من عند الله، وما نزل من القرآن بعد طول انتظار دليل على أن هذا القرآن من عند الله، والحالة التي كانت تحدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم عند نزول القرآن ثم يظهر على أثرها النص القرآني الذي لا مثيل له في الفصاحة والبلاغة والمعنى، دليل على أن هذا القرآن من عند الله، وتحدي الرسول صلى الله عليه وسلم أهل الكتاب أن يلاعنوه بأمر من القرآن وكذلك تحديه اليهود أن يتمنوا الموت دلائل واضحة على المصدر الرباني، ثم إن كل إنسان يحب أن ينسب لنفسه ما يعتبر فريداً من نوعه فلو كان غير رباني المصدر لنسبه لنفسِه صلى الله عليه وسلم وحاشاه. وإن قيل نسبه لربه ليكون أدعى لاستجابة الناس فالرد بسيط وهو لماذا لم ينسب أقواله كلها له؟ وما عرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفتي الأمانة والصدق باعتراف خصومه وشهادة الواقع والأتباع تأبى عليه أن لا يكون في قمة الصدق. وما في القرآن من أنباء الماضي وحقائق الغيب مما لا يمكن أن يتلقى بالدراسة أو ينال بالفراسة دلائل ناطقة على ربانية المصدر. ويتوج ذلك كله بأن كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب ولا يعرف في سيرته أنه اتصل بأحد من علماء زمانه (انظر لمزيد بيان كتاب: النبأ العظيم ص: 72 فيما بعدها) كل ذلك وغيره كثير مما يدخل في أدلة أن هذا القرآن من ند الله ولكن تحديد الكلام في الإعجاز هو جزء من هذا الموضوع الكلي الذي يسمى الإعجاز ومن هنا كان الكلام الذي ينصب على الإعجاز فقط هو الذي ينبغي أن يكون محل التركيز وقد كان، ولكن كل ما قيل في ذلك يبقى أقل من أن نعتبره محيطاً بأسرار الإعجاز. لقد تحدث بعضهم عن قوة تأثير القرآن في أعدائه وأوليائه، وهو في الحقيقة أثر عن

الإعجاز ويبقى الإعجاز محسوساً من خلال عجز البشر عن أن يأتوا بمثله ولكن الإحاطة بالإعجاز شيء فوق طاقة البشر وها نحن بعد هذا التقديم ننقل لك بعض ما قالوه في الإعجاز. قال السيوطي في [الإتقان 2/ 151]: "قال القاضي أبو بكر: وجه إعجازه ما فيه من النظم والتأليف والترصيف، وأنه خارج عن جميع وجوه النظم المعتاد في كلام العرب ومباين لأساليب خطاباتهم. قال: ولهذا لم يمكنهم معارضته فأما شأو ونظم القرآن فليس له مثال يحتذى ولا إمام يقتدى به ولا يصح وقوع مثله اتفاقاً قال: ونحن نعتقد أن الإعجاز في بعض القرآن أظهر وفي بعضه أدق وأغمض. وقال الإمام فخر الدين: وجه الإعجاز الفصاحة وغرابة الأسلوب والسلامة من جميع العيوب وقال الزملكاني: وجه الإعجاز راجع إلى التأليف الخاص به لا مطلق التأليف بأن اعتدلت مفرداته تركيباً وزنة، وعلة مركباته معنى بأن يوقع كل فن في مرتبته العليا في اللفظ والمعنى. وقال ابن عطية: الصحيح والذي عليه الجمهور والحذاق في وجه إعجازه أنه بنظمه وصحة معانيه وتوالي فصاحة ألفاظه، وذلك أن الله أحاط بكل شيء علماً وأحاط بالكلام كله، فإذا ترتيب اللفظة من القرآن علمٌ بإحاطته: أي لفظة تصلح أن تلي الأولى وتبين المعنى بعد المعنى، ثم كذلك من أول القرآن إلى آخره، .... فبهذا جاء نظم القرآن في الغاية القصوى من الفصاحة، ... ولهذا ترى البليغ ينقح القصيدة أو الخطبة حولاً ثم ينظر فيها فيغير فيها وهلم جراً وكتاب الله تعالى لو نزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب على لفظة أحسن منها لم يوجد، ونحن يتبين لنا البراعة في أكثره ويخفى علينا وجهها في مواضع لقصورنا عن مرتبة العرب يومئذ في سلامة الذوق وجودة القريحة، وقامت الحجة على العالم بالعرب إذ كانوا أرباب الفصاحة ومظنة المعارضة. كما قامت الحجة في معجزة موسى بالسحرة، وفي معجزة عيسى بالأطباء". وقال الأصبهاني في تفسيره: "إن الإعجاز المختص بالقرآن يتعلق بالنظم المخصوص، وبيان كون النظم معجزاً

يتوقف على بيان نظم الكلام، ثم بيان أن هذا النظم مخالف لنظم ما عداه فنقول: مراتب تألف الكلام خمس: الأولى: ضم الحروف المبسوطة بعضها إلى بعض لتحصل الكلمات الثلاث الاسم والفعل والحرف. والثانية: تأليف هذه الكلمات بعضها إلى بعض لتحصل الجمل المفيدة، وهو النوع الذي يتداوله الناس جميعاً في مخاطباتهم وقضاء حوائجهم، ويقال له المنثور من الكلام. والثالثة: يضم بعض ذلك إلى بعض ضما له مبادٍ ومقاطع مداخل ومخارج، ويقال له المنظوم. والرابعة: أن يعتبر في أواخر الكلام مع ذلك تسجيع، ويقال له المسجع. والخامسة: أن يجعل مع ذلك وزن، ويقال له الشعر، والمنظوم، إما محاورة ويقال له الخطابة. وإما مكاتبة ويقال له الرسالة. فأنواع الكلام لا تخرج عن هذه الأقسام، وللك من ذلك نظم مخصوص. والقرآن جامع لمحاسن الجميع على نظم غير نظم شيء منها يدل على ذلك، لأنه لا يصح أن يقال له رسالة أو خطابة أو شعر أو سجع، كما قال تعالى {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} تنبيهاً على أن تألفه ليس على هيئة نظم يتعاطاه البشر فيمكن أن يغير بالزيادة والنقصان كحالة الكتب الأخر وقال أبو حيان التوحيدي: سئل بندار الفارسي عن موضع الإعجاز من القرآن فقال: هذه مسألة فيها حيف على المعنى، وذلك أنه شبيه بقولك ما موضع الإنسان من الإنسان؟ فليس للإنسان موضع من الإنسان، بل متى أشرت إلى جملته فقد حققته ودللت على ذاته، كذلك القرآن لشرفه لا يشار إلى شيء منه إلا وكان ذلك المعنى آية في نفسه ومعجزة لمحاوله وهدى لقائله، وليس في طاقة البشر الإحاطة بأغراض الله في كلامه وأسراره في كتابه، فلذلك حارت العقول وتاهت البصائر عنده. وقال الخطابي: ذهب الأكثرون من علماء النظر إلى وجه الإعجاز فيه من جهة البلاغة لكن صعب علهم تفصيلها وصغوا فيه إلى حك الذوق. قال: والتحقيق أن أجناس الكلام مختلفة ومراتبها في درجات البيان متفاوتة، فمناه البليغ الرصين الجزل. ومنها الفصيح القريب السهل، ومنها الجائز المطلق الرسل. وهذه أقسام الكلام الفاضل المحمود. فالأول أعلاها. والثاني أوسطها. والثالث أدناها وأقربها. فحازت بلاغات القرآن من كل قسم من هذه الأقسام حصة، وأخذت من كل نوع شعبة، فانتظم لها بانتظام هذه الأوصاف نمط من الكلام يجمع صفتي

الفخامة والعذوبة. وهما على الانفراد في نعومتهما كالمتضادين، لأن العذوبة نتاج السهولة والجزالة والمتانة يعالجان نوعاً من الذعورة. فكان اجتماع الأمرين في نظمه مع نبو كل واحد منهما على الآخر فضيلة خص بها القرآن ليكون آية بينة لنبيه صلى الله عليه وسلم. وإنما تعذر عن البشر الإتيان بمثله لأمور. منها: أن علمهم لا يحيط بجميع أسماء اللغة العربية وأوضاعها التي هي ظروف المعاني، ولا تدرك أفهامهم جميع معاني الأشياء المحمولة على تلك الألفاظ، ولا تكمل معرفتهم باستيفاء جميع وجوه المنظوم التي بها يكون ائتلافها وارتباط بعضها ببعض، فيتواصلوا باختيار الأفضل من الأحسن من وجوهها إلى أن يأتوا بكلام مثله، وإنما يقوم الكلام بهذه الأشياء الثلاثة: لفظ حاصل ومعنى به قائم ورباط لهما ناظم، وإذا تأملت القرآن وجدت هذه الأمور منه في غاية الشرف والفضلة حتى لا ترى شيئاً من الألفاظ أفصح ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه، ولا ترى نظماً أحسن تأليفاً وأشد تلاوة وتشاكلاً من نظمه، وأما معانيه فكل ذي لب يشهد له بالتقدم في أبوابه والترقي إلى أعلى درجاته، وقد توجد هذه الفضائل الثلاث على التفرق في أنواع الكلام، فأما أن توجد مجموعة في نوع واحد منه فلم توجد إلا في كلام العليم القدير، فخرج من هذا أن القرآن إنما صار معجزاً لأنه جاء بأفصح الألفاظ في أحسن نظوم التأليف مضمناً أصح المعاني من توحيد الله تعالى وتنزيهه في صفاته ودعائه إلى طاعته وبيان لطريق عبادته، من تحليل وتحريم وحظر وإباحة، ومن وعظ وتقويم وأمر بمعروف ونهي عن منكر وإرشاد إلى محاسن الأخلاق وزجر عن مساويها، واضعاً كل شيء منها موضعه الذي لا يرى شيء أولى منه ولا يتوهم في صورة العقل أمر أليق به منه، مودعاً أخبار القرون الماضية وما نزل من مثلات الله بمن مضى وعائد منهم منبئاً عن الكوائن المستقبلة في الأعصار الآتية من الزمان، جامعاً في ذلك بين الحجة والمحتج له والدليل والمدلول عليه، ليكون ذلك آكد للزوم ما دعا إليه وأداء عن وجوب ما أمر به ونهى عنه، ومعلوم أن الإتيان بمثل هذه الأمور والجمع بين أشتاتها حتى تنتظم وتتسق أمر يعجز عنه قوى البشر ولا تبلغه قدرتهم، فانقطع الخلق دونه وعجزوا عن معارضته بمثله أو مناقضته في شكله ثم قال: وقد قلت في إعجاز القرآن وجهاً ذهب عنه الناس، وهو صنيعه في القلوب وتأثيره في النفوس، فإنك لا تسمع كلاماً غير القرآن منظوماً ولا منثوراً إذ قرع السمع خلص له إلى القلب من اللذة والحلاوة في حال ذوي

الروعة والمهابة في حال آخر ما يخلص منه إليه، قال تعالى {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} وقال {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} وقال الرماني: وجوه إعجاز القرآن تظهر من جهات ترك المعارضة مع توفر الدواعي وشدة الحاجة والتحدي للكافة والصرفة والبلاغة والإخبار عن الأمور المستقبلة ونقض العادة وقياسه بكل معجزة. قال: ونقض العادة هو أن العادة كانت جارية بضروب من أنواع الكلام معروفة: منها الشعر، ومنها السجع، ومنها الخطب، ومنها الرسائل، ومنها المنثور الذي يدور بين الناس في الحديث، فأتى القرآن بطريقة مفردة خارجة عن العادة لها منزلة في الحسن تفوق به كل طريقة ويفوق الموزون الذي هو أحسن الكلام. قال: وأما قياسه بكل معجزة فإنه يظهر إعجازه من هذه الجهة إذا كان سبيل فلق البحر وقلب العصا حية وما جرى هذا المجرى في ذلك سبيلاً واحداً في الإعجاز، وإذ خرج عن العادة فصد الخلق عن المعارضة. قال البارزي في أول كتابه (أنوار التحصيل في أسرار التنزيل) اعلم أن المعنى الواحد قد يخبر عنه بألفاظ بعضها أحسن من بعض، وكذلك كل واحد من جزأي الجملة قد يعبر عنه بأفصح ما يلائم الجزء الآخر، ولابد من استحضار معاني الجمل أو استحضار جميع ما يلائمها من الألفاظ ثم استعمال أنسبها وأفصحها واستحضار هذا متعذر على البشر في أكثر الأحوال وذلك عتيد حاصل في علم الله، فلذلك كان القرآن أحسن الحديث وأفصحه وإن كان مشتملاً على الفصيح والأفصح والمليح والأملح، ولذلك أمثلة منها قوله تعالى {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} لو قال مكانه وثمر الجنتين قريب لم يقم مقامه من جهة الجناس، بين الجني والجنتين ومن جهة أن الثمر لا يشعر بمصيره إلى حال يجني فيها، ومن جهة مؤاخاة الفواصل. ومنها قوله تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ} أحسن من التعبير بتقرأ لثقله بالهمزة ومنها {لَا رَيْبَ فِيهِ} أحسن من لاشك فيه لثقل الإدغام، ولهذا كثر ذكر الريب ومنها {وَلَا تَهِنُوا} أحسن من ولا تضعفوا لخفته و {وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي} أحسن من ضعف، لأن الفتحة أخف من الضمة، ومنها {وَآمَنَ} أخف من صدق، ولذا كان ذكره أكثر من ذكر التصديق و {آثَرَكَ اللَّهُ} أخف من فضلك، و {أَتَى} أخف من أعطى، و {وَأَنْذِرْ} أخف من خوف، و {خَيْرٌ لَكُمْ} أخف من أفضل لكم، والمصدر في نحو {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ} أخف من مخلوق، والغائب و {نَكَحَ} أخف من

تزوج، لأن فعل أخف من تفعَّلَ، ولهذا كان ذكر النكاح فيه أكثر. وللأستاذ مصطفى صادق الرافعي إشراقات في وصف القرآن ووصف إعجازه ننقل لك مقتطفات من كلامه لتقف على بعض أسرار الإعجاز. كان مما قال في وصف القرآن: آيات منزلة حول العرش، فالأرض بها سماء هي منها كواكب بل الجند الإلهي قد نشر له من الفضيلة علم وانضوت إليه من الأرواح مواكب، أغلقت دونه القلوب فاقتحم أقفالها ... ص 29. ألفاظ إذا اشتد فأمواج البحار الزاخرة، وإذا هي لانت فأنفاس الحياة الآخرة، تذكر الدنيا فمنها عمادها ونظامها وتصف الآخرة فمنها جنتها وصرامها، ومتى وعدت من كرم الله جعلت الثغور تضحك في وجوه الغيوب وإن أوعدت بعذاب الله جعلت الألسنة ترعد من حمى القلوب ... ص 30. ويتحدث عن حقيقة الإعجاز فكان مما قاله: القرآن معجز بالمعنى الذي يُفهم من لفظ الإعجاز على إطلاقه، حين ينفي الإمكان بالعجز عن غير الممكن، فهو أمرٌ لا تبلغ منه الفطرة الإنسانية مبلغاً وليس إلى ذلك مأتى ولا جهة؛ وإنما هو أثرٌ كغيره من الآثار الإلهية، يشاركها في إعجاز الصنعة وهيئة الوضع، وينفرد عنها بأن له مادة من الألفاظ كأنها مفرغةٌ إفراغاً من ذوْبِ تلك المواد كلها. وما نظنه إلا الصورة الروحية للإنسان، إذا كان الإنسان في تركيبه هو الصورة الروحية للعالم كله ... ص 156. ويتحدث عن أسلوب القرآن فيقول: "وهذا الأسلوب فإنما هو مادة الإعجاز العربي في كلام العرب كله ليس من ذلك: شيء إلا وهو معجز ص 188". وبعد أن عرض طبيعة أساليب العرب قال: "فلما ورد عليهم أسلوب القرآن رأوا ألفاظهم بأعيانها متساوقة فيما ألفوه من طرق الخطاب وألوان المنطق. ليس في ذلك إعنات ولا معاياة، غير أنهم ورد عليهم من طرق

نظمه، ووجوه تركيبه، ونسق حروفه في كلماتها، وكلماته في جملها، ونسق هذا الجمل في جملته - ما أذهلهم عن أنفسهم، من هيبة رائعة وروعة مخوفة، وخوف تقشعرُّ منه الجلود؛ حتى أحسُّوا بضعف الفطرة القوية، وتخلف الملكة المستحكمة؛ ورأى بلغاؤهم أنه جنس من الكلام غير ما هم فيه، وأن هذا التركيب هو روح الفطرة اللغوية فيهم، وأنه لا سبيل إلى صرفه عن نفس أحد العرب أو اعتراض مساغه إلى هذه النفس، إذ هو وجه الكمال اللغوي الذي عرف أرواحهم واطلع على قلوبهم ... ص 189. ويفيض في الكلام في وصف الإعجاز ومما قاله: وههنا معنى دقيقٌ في التحدي، ما نظن العرب إلا وقد بلغوا منه عجباً: وهو التكرار الذي يجيء في بعض آيات القرآن، فتختلف في طرق الأداء وأصل المعنى واحد في العبارات المختلفة، كالذي يكون في بعض قصصه لتوكيد الزجر والوعيد وبسط الموعظة وتثبيت الحجة ونحوها، أو في بعض عباراته لتحقيق النعمة وترديد المنَّة والتذكير بالنعم واقتضاء شكره، إلى ما يكون هذا الباب ... ص 193 - 194. ويضيف بعد كلام طويل: وفي القرآن مظهر غريب لإعجازه المستمر، لا يحتاج في تعرُّفه إلى روية ولا إعناتٍ، وما هو إلا أن يراه من اعترض شيئاً من أساليب الناس حتى يقع في نفسه معنى إعجازه؛ لأنه أمر يغلب على الطبع وينفرد به فيبين عن نفسهِ بنفسهِ، كالصوت المطرب البالغ في التطريب: لا يحتاج امرؤ في معرفته وتمييزه إلى أكثر من سماعه. ذلك هو وجه تركيبه، أو هو أسلوبه، فإنه مباين بنفسه لكل ما عُرف من أساليب البلغاء في ترتيب خطابهم وتنزيل كلامهم، وعلى أنه يؤاتي بعضه بعضاً، وتُناسب كلُّ آية منه كل آية أخرى في النظم والطرقة، على اختلاف المعاني وتباين الأغراض، سواءٌ في ذلك ما كان مبتدأ به من معانيه وأخباره وما كان متكرراً فيه، فكأنه قطعة واحدة ص 201. ثم يقول في وصف مظهر آخر من مظاهر الإعجاز: وبعدُ فأنت تعرف أن أفصح الكلام وأبلغه وأسراره وأجمعه لحرِّ اللفظ ونادر المعنى،

وأخلقه أن يكون منه الأسلوب الذي يحسمُ مادة الطبع في معارضته، هو ذلك الذي تريده كلاماً فتراه نفساً حيَّة، كأنها تُلقي عليك ما تقرؤه ممزوجاً بنبرات مختلفة وأصوات تدخل على نفسك - إن كنت بصيراً بالصناعة متقدماً فيها - كل مدخل، ولا تدع فيها إحساساً إلا أثارته، ولا إعجاباً إلا استخرجته ... ص 204. ويضيف معاني أخرى فيقول: ومعنى آخر هو أننا نرى أسلوب القرآن من اللين والمطاوعة على التقليب، والمرونة في التأويل، بحيث لا يصادم الآراء الكثيرة المقابلة التي تخرج بها طبائع العصور المختلفة ... ص 206. وبعد انتهائه من الكلام على أسلوب القرآن وبدئه الكلام عن نظم القرآن قال: ذلك بعض ما تهيأ لنا من القول في الجهات التي اختص بها أسلوب القرآن فكانت أسباباً لانقطاع العرب دونه انخذالهم عنه، وإنما تلك الجهات صفاتٌ من نظم القرآن وطريقة تركيبه، فنحن الآن قائلون في سر الإعجاز الذي قامت عليه هذه الطريقة وانفرد به ذلك النظم ... ص 209. وفي خاتمة مقدمته التي قدم بها للحديث عن نظم القرآن قال: فأنت الآن تعلم أن سر الإعجاز هو في النظم، وأن لهذا النظم ما بعده؛ وقد علمت أن جهات النظم ثلاث: في الحروف، والكلمات، والجُمل، فههنا ثلاثة. ص 211. وأفاض في الكلام عن الحروف وأصواتها (212 - 219) وتكلم فيما تكلم عن إعجاز النظم الموسيقي في القرآن والفواصل التي تنتهي بها آيات القرآن ومكانها من هذا النظم، وكون القرآن لا يخلق على كثرة الرد وكثرة التكرار ولا تمل منه الإعادة. ويتكلم عن تساوق هذه الحروف على أصول مضبوطة من بلاغة النغم بالهمس والجهر والقلقلة والصفير ثم اختلاف ذلك في الآيات بسطاً وإيجازاً وابتداءً ورداً ... إلخ. ثم يتكلم عن الكلمات وحروفها (220 - 235) وكان مما قاله (ص: 224): ولما كان الأصل في نظم القرآن أن تعتبر الحروف بأصواتها وحركاتها ومواقعها من الدلالة المعنوية استحالة أن يقع في تركيبه ما يسوغ الحكم في كلمة زائدة أو حرف مضطرب أو ما يجري

مجرى الحشو والاعتراض ... ويقول (ص 226) فلابد في مثل نظم القرآن من إخطار معاني الجمل وانتزاع جملة ما يلائمها من ألفاظ اللغة، بحيث لا تند لفظة ولا تتخلف كلمة ثم استعمال أمَسِّها رحماً بالمعنى وأفصحها في الدلالة عليه وأبلغها في التصوير وأحسنها في النسق وأبدعها سناء وأكثرها غناء ... ثم اطرد ذلك في جملة القرآن على اتساعه وما تضمن من أنواع الدلالة ووجوه التأويل ... ويقول (ص 228) وما من حرف أو حركة في الآية إلا وأنت مصيب من كل ذلك عجباً في موقعه والقصد به حتى ما تشك أن الجهة واحدة في نظم الجملة والكلمة والحركة ... ثم يأخذ في ضرب الأمثلة وبيان ما فيها من إعجاز ثم يقول (ص: 234): وما يشذُّ في القرآن الكريم حرف واحد عن قاعدة نظمه المعجز؛ حتى إنك لو تدبرت الآيات التي لا تقرأ فيها إلا ما يسرده من الأسماء الجامدة، وهي بالطبع مظنة أن لا يكون فيها شيء من دلائل الإعجاز؛ فإنك ترى إعجازها أبلغ ما يكون في نظمها وجهات سردها، ومن تقديم اسم على غيره أو تأخيره عنه، لنظم حروفه ومكانه من النطق في الجملة؛ أو لنكتة أخرى من نكت المعاني التي وردت فيها الآية بحيث يوجد شيئاً فيما ليس فيه شيء. ثم يتكلم عن الجمل وكلماتها (ص 236 - 248) ومما قال (ص 241): تختلف الألفاظ ولا تراها إلا متفقة وتفترق ولا تراها إلا مجتمعة وتذهب في طبقات البيان وتنتقل في منازل البلاغة وأنت لا تعرف منها إلا روحاً تداخلك بالطرب وتشرب قلبك الروعة .... وإنك لتحار إذا ما تأملت تركيب القرآن ونظم كلماته في الوجوه المختلفة التي يتصرف فيها وتقعد بك العبارة إذا أنت حاولت أن تمضي في وصفه حتى لا ترى في اللغة كلها أدل على غرضك وأجمع لما في نفسك وأبين لهذه الحقيقة غير كلمة الإعجاز ص 246. ويختم هذا الفصل فيقول (ص 248):

وإن من أعجب ما يحقق الإعجاز أن معاني هذا الكتاب الكريم لو ألبست ألفاظاً أخرى من نفس العربية، ما جاءت في نمطها وسمتها والإبلاغ عن ذات المعنى لا في حكم الترجمة، ولو تولى ذلك أبلغ بلغائها ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً؛ فقد ضاقت اللغة عنده على سعتها، حتى ليس فيها لمعانيه غير ألفاظه بأعيانها وتركيبها. ثم تحدث عن غرابة أوضاعه التركيبية: وذلك أنك حين تنظر في تركيبه لا ترى كيفما أخذت عينُك منه إلا وضعاً غريباً في تأليف الكلمات، وفي مساق العبارة، وبحيث تبادرك غرابته من نفسها وطابعها بما تقطع أن هذا الوضع وهذا التركيب ليس في طبع الإنسان، ولا يمكن أن يتهيأ له ابتداء واختراعاً دون تقديره على وضع يشبهه، أو احتذاء لبعض أمثلة تقابله، لا تحتاج في ذلك إلى اعتبار ولا مقايسةٍ، وليس إلا أن تنظر فتعلم ... ص 249. ويتحدث عن الطريقة النفسية في الطريقة اللسانية: فليس إلا أن تقرأ الآية على العربي أو مَنْ هو في حكمة لغة وبلاغة حتى تذهب نفسه مذهبها لا تني ولا تتخلف ... اهـ ص 262. وهكذا يعرض لنا الرافعي طرفاً من إعجاز القرآن. وقد شعر كل قارئ عجز الباحثين والمتكلمين عن الوفاء بحق الإعجاز فكان ذلك مظهراً آخر من مظاهر الإعجاز فلا نطيل أكثر من ذلك. ثالثاً: معجزات القرآن: ذكرنا أن في القرآن إعجازاً ومعجزات، ومعجزات القرآن لا يمكن حصرها، وكل معجزة من معجزاته كافية لتدل على أنه من عند الله عز وجل، ولتدل على أن محمداً كان رسولاً لله لا شك في ذلك ولا ريب، فكيف إذا اجتمع مع معجزات القرآن إعجازه؟! وكيف إذا كانت معجزات القرآن بعضاً من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! إنك لو تأملت معاني القرآن ونظرت إليها على أنها جاءت بواسطة رجل أمي فإنك تجد من خلال هذه النظرة معجزات لا يمكن

حصرها، وإذا نظرت إلى المكان الذي وجدت في هذه المعاني وهو جزيرة العرب، رأيت أن كثيراً من هذه المعاني القرآنية تدخل في باب الخوارق، وإذا نظرت إلى الزمان الذي نزل فيه هذا القرآن لوجدت استحالة أن توجد كثير من معاني القرآن في ذلك الزمان كما هي عليه في القرآن ولو تأملت ما حواه القرآن عن ماضي الإنسان لرأيت فيه من الخوارق الكثير، ولو تأملت ما ورد في القرآن مما كشفه النمو العلمي للإنسان لوجدت معجزات كثيرة. ولو أنك تأملت ما يسمى بالعلوم الإنسانية وعرضتها على القرآن لوجدت في ذلك كثيراً من الخوارق، ولو أنك تأملت ما انبثق عن القرآن من علوم تتوسع على مدى الزمان كالفقه مثلاً لرأيت كثيراً من الخوارق تدخل في باب المعجزات. ولو نظرت إلى العلوم التي انبثقت عن علوم القرآن لرأيت خوارق كثيرة، ولو نظرت إلى قصور الفلسفة في مباحثها الثلاثة: المعرفة والوجد والقيم بالنسبة لهذا القرآن لرأيت خوارق كثيرة. وهذا بعض ما في القرآن من معجزات فكيف إذا اجتمع لك مع هذا كله الحق والصدق في القرآن كله ودقة الوصف لما يعجز البشر عن أن يقولوا فيه إلا كلاماً متهافتاً وفي الكلام عن الله واليوم الآخر أعظم مثل على ذلك. ولهذا كله فإن الحديث عن معجزات القرآن واسع يحتاج الإنسان لكي يأخذ طرفاً منه أن يقرأ ما قاله المفسرون وأن يقرأ ما قاله المختصون في كثير من العلوم التي تعرض لها القرآن، وقد حاولنا في كتابنا "الأساس في التفسير" أن نعطي القارئ زاداً كثيراً في هذا الشأن، ولكن مع كثرة ما ذكرنا فإنه كُلٌّ من جُلٍّ ومن ذا الذي يحيط بمعجزات هذا القرآن الذي قال الله عز وجل فيه {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (1) وقال تعالى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ} (2). ونحن هنا نقتصر على ضرب أملة مما ذكره السابقون ومما يفتح الله عز وجل به: أولاً: في عصرنا وجدت قوتان عظيمتان تتنافسان في الارتقاء في الأسباب، فتحاولان

_ (1) الفرقان: من 6. (2) سبأ: من 6.

أن تتعرفا على قوانين هذا الكون وما فيه لتسخرها في الصراع فيما بين الكتلتين: كتلة الشرق الشيوعي وكتلة الغرب الرأسمالي. ومن مظاهر هذا الصراع: الصراع على الفضاء في عصرنا. فالأقمار الصناعية والمحطات الفضائية وغير ذلك مظهر من مظاهر هذا الصراع، اقرأ قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ} (1) فها هنا حديث عن معسكرين يرتقيان في الأسباب وأحد المعسكرين سيكون هو المغلوب، ونحن الآن نشهد بداية هذا الصراع بين المعسكرين. ثانياً: قال تعالى: {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} (2) فهذه الآية تدل على أن الليل هو الذي يطلب النهار وهذا لا يكون إلا إذا كانت الأرض تدور، لأنه لو كانت الشمس - وهي المنبع الضوئي للنهار- هي التي تدور حول الأرض لكان النهار هو الذي يطلب الليل. ثالثاً: لقد أعطانا القرآن تصوراً عن الزمان والمكان ما كان ليخطر ببال إنسان حتى إذا جاء عصرنا وعرفنا أبعاد النجوم، وعرفنا أن أيام بعض الكواكب والنجوم طويلة جداً، وعرفنا من سعة الكون ما لا يخطر ببال، أدركنا معجزة من معجزات القرآن إذ يقول الله تعالى {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} (3) وقال: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} (4) وقال تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} (5). رابعاً: ومن ذا الذي كان يعرف في جزيرة العرب أن الأرض كروية، انظر إلى قوله تعالى: {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ} (6). لتجد فيه إشارة إلى هذه الكروية.

_ (1) ص: 10، 11. (2) الأعراف: من 54. (3) الذاريات: 47. (4) الحج: من 47. (5) الواقعة: 75، 76. (6) الزمر: 5.

خامساً: من العلوم التي نشأت في العصور المتأخرة وأصبح لها دور كبير في مجالات شتى كإثبات الشخصية وإثبات بعض الجرائم علم البصمات الذي يرتكز على فكرة أن بصمة الإنسان لا تشبه بصمة إنسان آخر، ولهذا صلة بقوله تعالى: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} (1) البنان هو الذي فيه بصمة الإنسان، فالإشارة إليه معجزة يعرفه من تأمل. سادساً: وفي عصرنا عرف الإنسان شيئاً كثيراً عن السحاب وأنواع الكهربائية فيه ودور هذه الكهربائية في نزول المطر وانظر إلى قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ} (2). فإنك تجد معجزة من معجزات هذا القرآن. سابعاً: وفي عصرنا عرف الإنسان شيئاً عن أعماق المحيطات وعرف أن هناك أمواجاً ظاهرة وأمواجاً باطنة وانظر إلى قوله تعالى: {فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ} (3). لترى معجزة من معجزات هذا القرآن. ثامناً: وفي عصرنا عرف الإنسان فكرة الضغط الجوي وعرف أن الهواء المحيط في الأرض له قطر ينتهي به، وأن مآل من يصعد إلى السماء أن يختنق في النهاية وانظر إلى قوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} (4) لترى معجزة من معجزات هذا القرآن. تاسعاً: ومن معجزات القرآن ما أخبر عنه القرآن من غيوب ماضية وهي من الدقة بمكان عظيم، فمن المعروف مثلاً أن ما يسمى بالتوراة الحالية تتحدث عن غرق فرعون فقط والحفريات الحديثة أوجدت جثث كل منْ هو مظنة أن يكون فرعون موسى، والقرآن يذكر الغرق ويذكر نجاة البدن. قال تعالى: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} (5). وقد ثبت في حفريات بين النهرين أن البشر كانوا يعمرون أكثر من ألف سنة

_ (1) القيامة: 4. (2) النور: من 43. (الودق): المطر. (3) النور: من 40. (4) الأنعام: من 125. (5) يونس: من 92.

كما نقلنا ذلك في تفسيرنا وفي قسم العقائد من هذا الكتاب، والقرآن يقول عن نوح عليه السلام: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} (1) والقرآن يحدثنا أنه ترك سفينة نوح آية ولا يزال البحث قائماً على قدم وساق على جبل أرارات لأن الأقمار الصناعية وجدت على ظهر هذا الجبل ما مظنة أن يكون بقايا سفينة. عاشراً: تحدث القرآن عن غيوب في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وظهر صدق ذلك ومن أظهر هذا النوع من المعجزات ما أخبر عنه القرآن الكريم من أن الروم سيغلبون فارس بعد أن غلبوا وقد كان ذلك. ومن ذلك إخبار الله رسوله عن حفظه من الناس بقوله {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (2) وقد كان ذلك فلم يستطع أحد أن يقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم على كثرة الراغبين في ذلك. ومن ذلك إخبار الله رسوله عن انتصار الإسلام في كثير من الآيات وقد كان ذلك وهذا النوع من الإخبار بالغيوب المستقبلية كثير في القرآن وفي كل من ذلك معجزة من معجزات القرآن. حادي عشرك ولقد شارك اليهود والمصريون في عبادة أوزيرس الذي ينطق به الغربيون عوزر، وكان قدماء المصريين يعتقدون أن ابن الله وذهب بعض المفسرين إلى أن هذا والمراد بقوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} (3). ثاني عشر: والاستيعاب لمعجزات القرآن مستحيل وإنما ضربنا لك أمثلة لتعرف معنى ما ذكرناه من أن في القرآن إعجازاً وتعرف أنه مع كرامة الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم بأن أظهر على يده من المعجزات الحسية أكثر مما أظهره على يد الرسل السابقين ومع ذلك فقد خصه بهذا القرآن المعجز الذي فيه مالا يحصى من المعجزات ليكون حجة الله على البشر إلى قيام الساعة بأن محمداً رسول الله وأن القرآن من عند الله.

_ (1) العنكبوت: من 14. (2) المائدة: من 67. (3) التوبة: من 30.

قال صاحب مناهل العرفان: وهنا نلفت النظر إلى أن القرآن بما اشتمل عليه من هذه المعجزات الكثيرة قد كتب له الخلود، فلم يذهب بذهاب الأيام، ولم يمت بموت الرسول عليه الصلاة والسلام. بل هو قائم في فم الدنيا يحاج كل مكذب، ويتحدى كل منكر ويدعو أمم العالم جمعاء إلى ما فيه من هداية الإسلام وسعادة بني الإنسان. ومن هذا يظهر الفرق جلياً بين معجزات نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم ومعجزات إخوانه الأنبياء عليهم أزكى الصلاة وأتم السلام فمعجزات محمد في القرآن وحده آلاف مؤلفة، وهي متمتعة بالبقاء إلى اليوم وإلى ما بعد اليوم حتى يرث الله الأرض ومن عليها. أما معجزات سائر الرسل فمحدودة العدد، قصيرة الأمد، ذهبت بذهاب زمانهم، وماتت بموتهم، ومنْ يطلبها الآن لا يجدها إلا في خبر كان ولا يسلم له شاهدٌ بها إلا هذا القرآن، وتلك نعمة يمنها القرآن على سائر الكتب والرسل وما صح من الأديان كافة. قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} وقال عز اسمه {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} ا. هـ وبعد فقد قال الله عز وجل: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} (1). فالقرآن الكريم لمن عقل لا شك فيه أنه من عند الله عز وجل، وهذه مقدمة نتيجتها أن يهتدي الإنسان بالقرآن في أمره كله، وإنما تحدثنا عن أسلوب القرآن وإعجازه ومعجزاته لنصل إلى هذه النتيجة وهو أن نجعل القرآن الكريم هدانا في كل شيء، وهذا يقتضي تلاوة وفهماً وعلماً وعملاً، ونحن وإن كنا قد أجّلنا في هذه المقدمة الكلام عن هداية القرآن إلا أننا نجتزئ هنا بذكر شيء مما كتبه السيوطي في الإتقان تحت عنوان: (في العلوم المستنبطة من القرآن) وذلك للتذكير بالمراد الأول من إنزال هذا القرآن وهو الاهتداء به: قال تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} وقال: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} وقال صلى الله عليه وسلم "ستكون فتن، قيل: وما المخرج منها؟ قال: كتاب الله،

_ (1) البقرة: 1، 2.

فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم" أخرجه الترمذي وغيره. وأخرج سعيد بن منصور عن ابن مسعود قال: من أراد العلم فعليه بالقرآن، فإن فيه خبر الأولين والآخرين. قال البيهقي: يعني أصول العلم. وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه: جميع ما تقوله الأمة شرح للسنة، وجميع السنة شرح للقرآن وقال أيضاً: جميع ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن. قلت: ويؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم "إن لا أحل إلا ما أحل الله، ولا أحرم إلا ما حرم الله في كتابه" أخرجه بهذا اللفظ الشافعي في الأم. وقال سعيد بن جبير: ما بلغني حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجهه إلا وجدت مصداقه في كتاب الله. وقال ابن مسعود. إذا حدثتكم بحديث أنبؤكم بتصديقه من كتاب الله تعالى. أخرجهما ابن أبي حاتم. وقال الشافعي أيضاً: ليست تنزل بأحد في الدين نازلة إلا في كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها. فإن قيل: من الأحكام ما يثبت ابتداء بالسنة. قلنا: ذلك مأخوذ من كتاب الله في الحقيقة، لأن كتاب الله أوجب علينا اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وفرض علينا الأخذ بقوله. وقال ابن برهان: ما قال النبي صلى الله عليه وسلم من شيء فهو في القرآن أو فيه أصله قرب أو بعد، ففهمه من فهمه وعم عنه من عمه، وكذا كل ما حكم به أو قضى به، وإنما يدرك الطالب من ذلك بقدر اجتهاده وبذل وسعه ومقدار فهمه. وقال ابن أبي الفضل المرسي في تفسيره: جمع القرآن علوم الأولين والآخرين بحيث لم يحط بها علماً حقيقة إلا المتكلم بها، ثم رسل الله صلى الله عليه وسلم خلا ما استأثر به سبحانه وتعالى، ثم ورث عنه معظم ذلك سادات الصحابة وأعلامهم مثل الخلفاء الأربعة وابن مسعود وابن عباس حتى قال: لو ضاع لي عقال بعير لوجدته في كتاب الله تعالى، ثم ورث عنهم التابعون بإحسان، ثم تقاصرت الهمم وفترت العزائم تضاءل أهل العلم وضعفوا عن حمل ما حمله الصحابة والتابعون من علومه وسائر فنونه، فنوعوا علومه وقامت كل طائفة بفن من فنونه، فاعتنى قوم بضبط لغاته وتحرير كلماته ومعرفة مخارج حروفه وعددها وعدد كلماته وآياته وسوره وأحزابه وأنصافه وأرباعه وعدد سجداته والتعليم عند كل عشر آيات، إلى غير ذلك من حصر الكلمات المتشابهة والآيات المتماثلة من غير تعرض لمعانيه ولا تدبر لما أودع فيه، فسموا القراء واعتنى النحاة بالمعرب منه والمبني من الأسماء والأفعال والحروف العاملة

وغيرها، وأوسعوا الكلام في الأسماء وتوابعها وضروب الأفعال واللازم والمتعدي ورسوم خط الكلمات وجميع ما يتعلق به، حتى إن بعضهم أعرب مشكله وبعضهم أعربه كلمة كلمة، واعتنى المفسرون بألفاظه فوجدوا منه لفظاً يدل على معنى واحد ولفظاً يدل على معنيين ولفظاً يدل على أكثر، فأجروا الأول على حكمه وأوضحوا معنى الخفي منه، وخاضوا في ترجيح أحد محتملات ذي المعنيين والمعاني، وأعمل كل منهم فكره وقال بما اقتضاه نظره، واعتنى الأصوليون بما فيه من الأدلة العقلية والشواهد الأصلية والنظرية مثل قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة، فاستنبطوا منه أدلة على وحدانية الله ووجوده وبقائه وقدمه وقدرته وعلمه وتنزيهه عما لا يليق به، وسموا هذا العلم بأصول الدين. وتأملت طائفة منهم معاني خطابه فرأت منها ما يقتضي العموم ومنها ما يقتضي الخصوص إلى غير ذلك، فاستنطبوا منه أحكام اللغة من الحقيقة والمجاز، وتكلموا في التخصيص والإخبار والنص والظاهر والمجمل والمحكم والمتشابه والأمر والنهي والنسخ إلى غير ذلك من أنواع الأقيسة واستصحاب الحال والاستقراء، وسموا هذا الفن أصول الفقه. وأحكمت طائفة صحيح النظر وصادق الفكر فيما فيه من الحلال والحرام وسائر الأحكام، فأسسوا أصوله وفرعوا فروعه، وبسطوا القول في ذلك بسطاً حسناً، وسموه بعلم الفروع وبالفقه أيضاً. وتلمحت طائفة ما فيه من قصص القرون السالفة والمم الخالية ونقلوا أخبارهم ودونوا آثارهم ووقائعهم حتى ذكروا بدء الدنيا وأول الأشياء، وسموا ذلك بالتاريخ والقصص. وتنبه آخرون لما فيه من الحكم والأمثال والمواعظ التي تقلقل قلوب الرجال وتكاد تدكدك الجبال، فاستنبطوا مما فيه من الوعد والوعيد والتحذير والتبشير وذكر الموت والمعاد والنشر والحشر والحساب والعقاب والجنة والنار فصولاً من المواعظ وأصولاً من الزواجر، فسموا بذلك الخطباء والوعاظ. واستنبط قوم مما فيه من أصول التعبير مثل ما ورد في قصة يوسف في البقرات السمان وفي منامي صاحبي السجن وفي رؤياه الشمس والقمر والنجوم ساجدة، وسموه تعبير الرؤيا، واستنبطوا تفسير كل رؤيا من الكتاب، فإن عز عليم إخراجها منه فمن السنة التي هي شارحة للكتاب، فإن عسر فمن الحكم والأمثال. ثم نظروا إلى اصطلاح العوام في مخاطباتهم وعرف عادتهم الذي أشار إليه القرآن بقوله: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ} وأخذ قوم مما في آية المواريث من ذكر السهام وأربابها وغير ذلك علم الفرائض،

فاستنبطوا منها من ذكر النصف والثلث والربع والسدس والثمن حساب الفرائض ومسائل العول، واستخرجوا منه أحكام الوصايا. ونظر قوم إلى ما فيه من الآيات الدالات على الحكم الباهرة في الليل والنهار والشمس والقمر ومنازله والنجوم والبروج وغير ذلك فاستخرجوا منه علم المواقيت. ونظر الكتاب والشعراء إلى ما فيه من جزالة اللفظ وبديع النظم وحسن السياق المبادي والمقاطع والمخالص والتلوين في الخطاب والإطناب والإيجاز وغير ذلك واستنبطوا منه المعاني والبيان والبديع. وقد احتوى على علوم أخرى من علوم الأوائل وأم علوم القرآن ثلاثة: توحيد، وتذكير، وأحكام. فالتوحيد يدخل فيه معرفة المخلوقات ومعرفة الخالق بأسمائه وصفاته وأفعاله، والتذكير منه الوعد والوعيد والجنة والنار وتصفية الظاهر والباطن. والأحكام منها التكاليف كلها وتبيين المنافع والمضار والأمر والنهي والندب، ولذلك كانت الفاتحة أم القرآن لأن فيها الأقسام الثلاثة، وسورة الإخلاص ثلثه لاشتمالها على أحد الأقسام الثلاثة وهو التوحيد. وقال ابن جرير: القرآن يشتمل على ثلاثة أشياء: التوحيد، والأخبار، والديانات، ولهذا كانت سورة الإخلاص ثلثه لأنها تشمل التوحيد كله. وقال علي بن عيسى: القرآن يشتمل على ثلاثين شيئاً: الإعلام والتشبيه والأمر والنهي والوعد والوعيد ووصف الجنة والنار وتعليم الإقرار باسم الله وبصفاته وأفعاله وتعليم الاعتراف بإنعامه والاحتجاج على المخالفين والرد على الملحدين والبيان عن الرغبة والرهبة والخير والشر والحسن والقبيح ونعت الحكمة وفضل المعرفة ومدح الأبرار وذم الفجار والتسليم التحسين والتوكيد التقريع والبيان عن ذم الأخلاق وشرف الآداب. قال شيدلة: وعلى التحقيق أن تلك الثلاثة التي قالها ابن جرير تشمل هذه كلها بل أضعافها، فإن القرآن لا يستدرك ولا تحصى عجائبه. وقال الشيخ العز بن عبد السلام: وقد نوع الشارع في ذلك أنواعاً كثيرة ترغيباً لعباده وترهيباً وتقريباً إلى أفهامهم: فكل فعل عظمه الشرع أو مدحه أو مدح فاعله لأجله أو أحبه أو أحب فاعله أو رضي به أو رضي عن فاعله أو وصفه بالاستقامة أو البركة أو الطيب أو أقسم به أو بفاعله كالإقسام

بالشفع والوتر وبخيل المجاهدين وبالنفس اللوامة، أو نصبه سبباً لذكره لعبده أو لمحبته أو لثواب عاجل أو آجل أو لشكره له أو لهدايته إياه أو لإرضاء فاعله أو لمغفرة ذنبه وتكفير سيئاته أو لقبوله أو لنصرة فاعله أو بشارته أو وصف فاعله بالطيب أو وصف الفعل بكونه معروفاً أو نفي الحزن والخوف عن فاعله أو وعده بالأمن، أو نصب سبباً لولايته أو أخبر عن دعاء الرسول بحصوله أو وصفه بكونه قربة أو بصفة مدح كالحياة والنور والشفاء، فهو دليل على مشروعيته المشتركة بين الوجوب والندب، وكل فعل طلب الشارع تركه أو ذمه أو ذم فاعله أو عتب عليه أو مقت فاعله أو لعنه أو نفي محبته أو محبة فاعله أو الرضى به أو عن فاعله أو شبه فاعله بالبهائم أو بالشياطين أو جعله مانعاً من الهدى أو من القبول أو وصفه بسوء أو كراهة أو استعاذ الأنبياء منه أو أبغضوه أو جعل سبباً لنفي الفلاح أو لعذاب عاجل أو آجل أو لذم أو لوم أو ضلالة أو معصية أو وصف بخبث أو رجس أو نجس أو بكونه فسقاً أو إثماً أو سبباً لإثم أو رجس أو لعن أو غضب أو زوال نعمة أو حلول نقمة أو حد من الحدود أو قسوة أو خزي أو ارتهان نفس أو لعداوة الله ومحاربته أو لاستهزائه أو سخريته أو جعله الله سبباً لنسيان فاعله أو وصفه نفسه بالصبر عليه أو بالحلم أو بالصفح عنه أو دعا إلى التوبة منه أو وصف فاعله بخبث أو احتقار أو نسبه إلى عمل الشيطان أو تزيينه، أو تولي الشيطان لفاعله، أو وصفه بصفة ذم ككونه ظلماً أو بغياً أو عداناً أو إثماً أو مرضاً، أو تبرأ الأنبياء منه أو من فاعله، أو شكوا إلى الله من فاعله أو جاهدوا فاعله بالعداوة أو نهوا عن الأسى والحزن عليه أو نصب سبباً لخيبة فاعله عاجلاً أو آجلاً، أو رتب عليه حرمان الجنة وما فيها، أو وصف فاعله بأنه عدو لله أو بأن الله عدوه أو أعلم فاعله بحرب من الله ورسوله، أو حمل فاعله إثم غيره، أو قيل فيه لا ينبغي هذا أو لاتكون أوامره بالتقوى عند السؤال عنه، أو أمر بفعل مضاده أو بهجر فاعله، أو تلاعن فاعلوه في الآخرة، أو تبرأ بعضهم من بعض، أو دعا بعضهم على بعض، أو وصف فاعله بالضلالة وأنه ليس من الله في شيء، أو ليس من الرسول وأصحابه، أو جعل اجتنابه سبباً للفلاح، أو جعله سبباً لإيقاع العداوة والبغضاء بين المسلمين، أو قيل هل أنت منته، أو نهى الأنبياء عن الدعاء لفاعله، أو رتب عليه إبعاداً أو طرداً، أو لفظة قتل من فعله أو قاتله الله، أو أخبر أن فاعله لا يكلمه الله يوم القيامة ولا ينظر إليه ولايزكيه ولا يصلح

عمله ولا يهدي كيده أو لا يفلح، أو قيض له الشيطان أو جعل سبباً لإزاغة قلب فاعله أو صرفه عن آيات الله وسؤاله عن علة الفعل، فهو دليل على المنع من الفعل، ودلالته على التحريم أظهر من دلالته على مجرد الكراهة، وتستفاد الإباحة من لفظ الإحلال ونفي الجناح والحرج والإثم والمؤاخذة، ومن الإذن فيه والعفو عنه، ومن الامتنان بما في الأعيان من المنافع، ومن السكوت عن التحريم، ومن الإنكار على من حرم الشيء من الإخبار بأنه خلق أو جعل لنا، والإخبار عن فعل من قبلنا غير ذامّ لهم عليه، فإن اقترن بإخباره مدح دل على مشروعيته وجوباً أو استحباباً اهـ كلام الشيخ العز بن عبد السلام.

الباب الأول في فضل القرآن والإقبال على تلاوته وفي بعض الآداب والأحكام

الباب الأول في فضل القرآن والإقبال على تلاوته وفي بعض الآداب والأحكام فيه بعض ما خص بالذكر من آياته وسوره وفيه فقرات * الفقرة الأولى: في فضل القرآن وفي الإقبال عليه وتلاوته. * الفقرة الثانية: في بعض الآداب والأحكام المتعلقة بالقرآن. * الفقرة الثالثة: في بعض ما خصَّ بالذكر من آياته وسوره.

المقدمة

المقدمة القرآن هو كتاب الإسلام وهو الأصل الذي ينبثق عنه كل ما سواه وهو الحاكم على كل ما عداه وه كلام الله الذي لم يشب ولم يخالط وهو معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم العظمى بإعجازه ومعجزاته، والتركيز عليه هو الأصل الأصيل، فهو سنة المصطفى عليه الصلاة والسلام وسنة أصحابه ولذلك منع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُكتب عنه إلا القرآن ابتداءً ثم أذن، وكان عمر يوصي الجيوش ألا يشغلوا الناس عن القرآن بشيء فيأمرهم بالإقلال من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكر ذلك الدارمي، فالقرآن له وضع متميز، ولذلك فإن المسلم يعطي الأهمية الكبرى من نفسه وحياته دراسة وتلاوة وفهماً وعلماً، فهو متواتر بلفظه ومعناه وهو معجز وفيه معجزات، والسنة بالنسبة له شارحة فدورها دور المفصِّل قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (1) فالقرآن هو الذي يثير التفكير والرسول صلى الله عليه وسلم فصل بسنته القولية والعملية هذا القرآن فما من شيء في السنة إلا ويرجع بشكل ما إلى القرآن، فمن اشتغل في القرآن لم يفته شيء من الهداية الربانية ولكنه لا يستغني عن السنة لضبط الفهم وتفسير النصوص والقيام بالمطلوب وعن الكتاب والسنة ينبثق الفقهان الكبير والأكبر على ضوء القواعد الصحيحة التي تضبط الاستنباط. ولكن الكتاب يبقى هو الأصل الأصيل والحاكم الأول والنهائي والحجة على الخلق جميعاً. وقد غلط أصناف من الخلق في شأن القرآن: غلط من أهمله وأقبل على علوم أخرى. وغلط من لم يعط العلوم التي يحتاجها بيانه وفهمه وما انبثق عنه وغلط من حاول أن يسوي بينه وبين غيره كهؤلاء الذين يحاولون ألا يجعلوا فارقاً في قوة الإلزام بين نص القرآن وحديث الآحاد. ولذلك قامت معارك بسبب كثير من تفصيلات هذه الشؤون، والربانيون من هذه

_ (1) النحل: من 44.

الأمة يجعلون محل تركيزهم الأول هو القرآن ثم السنة. {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} (1). {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} (2). ولابد من إرجاع الأمر إلى نصابه بإعطاء كتاب الله عز وجل الاهتمام الأول، ثم السنة لأنها تفصيل الكتاب ثم يأتي بعد ذلك ما يلزم لخدمتهما أو لدراسة ما انبثق عنهما. وفي الجملة فإن مما ينبغي أن يدخل في الدائرة الأولى لاهتمامات المسلمين: أولاً: أن يتقن المسلم تلاوة القرآن على ضوء الأحكام المستقرأة لقراءة من القراءات المتواترة، وهذا يقتضي دراسة لكتاب في أحكام الترتيل، وقراءة ختمة أو أكثر على يد القراء الذين تلقنوا هذا القرآن تلقناً وأتقنوه. ثانياً: أن يكون للمسلم ورده اليومي من تلاوة القرآن بقدر استطاعته. ثالثاً: أن يبذل المسلم جهداً في حفظ ما أمكنه من كتاب الله وليكن هدفه أن يحفظ القرآن كله. رابعاً: أن يعرف ما يلزم قارئ القرآن في المصحف أو عن ظهر قلب من آداب. خامساً: أن يكون له إلمام بعلوم القرآن كل بقدر طاقته وما يتسع له وقته، وعلوم القرآن منها النقلية كعلم أسباب النزول والناسخ والمنسوخ ومنها البياني الذي له علاقة بعلوم اللغة العربية ومنها الموضوعات المتميزة التي انبثقت عن القرآن أو اقتضاها جمع موضوعاته الواحدة في كتاب واحد كإعجاز القرآن وأمثال القرآن، وأحكام القرآن، والأخلاق في القرآن، متشابه القرآن إلى غير ذلك. سادساً: ومن أهم ما ينبغي الاهتمام به علم القراءات المتواترة، فذلك علم يفترض كفاية

_ (1) آل عمران: من 79. (2) آل عمران: من 187.

على المسلمين أن يتقنوه وأن يورثوه. سابعاً: وفي العادة فإن علوم القرآن وعلم القراءات ينصب في النهاية في تفاسير القرآن الكريم، وكثير من المفسرين أدخلوا في تفاسيرهم كل شيء لأن القرآن تعرض لكل شيء فتجد بعض المفسرين يدخل في التفسير علوم القرآن النقلية والعلوم البيانية والمكتبة القرآنية، وبعض التفاسير تميز بخصوصية والمسلم لابد أن يكون له اهتمام بالتفسير وعليه أن يتخير من التفاسير ما يلائم التخصص أو العصر. ثامناً: وينبغي أن يدخل في اهتمامات المسلم التعرف على المكتبة القرآنية التي يدخل فيها كل ما مر ويدخل فيها سواه كإعراب القرآن، والتصوير الفني في القرآن. وسيمر معنا ذكر لكثير مما يدخل في المكتبة القرآنية مما ينبغي أن يكون للمسلمين اهتمام فيه. وقد خصصنا هذا الباب لذكر بعض النصوص الحديثية التي تنسجم مع عنوانه وختمناه بمسائل وفوائد تتعلق ببعض الأحكام والآداب. وإلى نصوص هذا الباب.

الفقرة الأولى في فضل القرآن والإقبال عليه وتلاوته

الفقرة الأولى في فضل القرآن والإقبال عليه وتلاوته - فضل من يحمل شيئاً من القرآن ويقرؤه ويحافظ عليه والاجتماع على تلاوته: 2338 - * روى الطبراني عن أبي الأحوصِ قال: قال ابن مسعود رضي الله عنه: "هذا القرآن مأدُبةُ الله فمن استطاع أن يتعلم منه شيئاً فليفعلْ فإن أصغر البيوتِ من الخيرِ الذي ليس فيه من كتاب الله شيء وإن البيت الذي ليس فهي من كتاب الله شيءٌ كخراب البيت الذي لا عامر له، وإن الشيطان يخرجُ من البيت يسمعُ فيه سورة البقرة". أقول: تشبيه القرآن بالمأدبة إشارة إلى أن في هذا القرآن غذاء العقل وفاكهته كما أنه غذاء للقلب والروح وفاكهة لهما، فالذين لا يجدون في القرآن الغذاء الشامل الكامل للعقل والقلب والروح مع قراءتهم إياه حظهم من القرآن ضئيل وقلوبهم مريضة، فليكثروا التلاوة والتأمل والتدبر والتفاعل مع هذا القرآن. 2339 - * روى الطبراني عن ابن مسعودٍ قال: "لكل شيءٍ سنامٌ وسنامُ القرآن سورةُ البقرة وإن لكل شيء لباباً وإن لباب القرآن المفصَّلُ، وإن الشياطين لتخرجُ من البيت الذي يُقرأ فيه سورةُ البقرة وإن أصغر البيوت للجوف الذي ليس فيه من كتاب الله شيء". قوله: (وإن أصغر البيوت للجوف الذي ليس فيه من كتاب الله شيء) يدل على أن عمارة القلب منوطة بحفظ القرآن، وبقدر الحفظ مع سلامة القلب من الضلالة والبدعة تكون عمارة القلب. والرواية التالية تؤكد ذلك:

_ 2338 - الطبراني في (الكبير) (9/ 138). مجمع الزوائد (7/ 164) وقال الهيثمي: ورجال هذه الطريق رجال الصحيح. 2339 - الطبراني في (الكبير) في الموضع السابق. مجمع الزوائد (7/ 159) وقال الهيثمي: وفيه عاصم بن بهدلة وهو ثقة وفيه ضعف وبقية رجاله رجال الصحيح.

2340 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخَرِبِ". 2341 - * روى أبو داود عن أبي هريرة (رض الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيُوتِ الله تبارك وتعالى يتْلُون كتاب الله عز وجلَّ، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينةُ، وغشيتْهم الرحمةُ، وحَفَّتْهم الملائكةُ، وذكرهم الله فمين عنده". أقول: إن من آثار تنزل السكينة زيادة الإيمان قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} (1) وهذه واحدة مما يكرم الله عز وجل بها المجتمعين على تلاوة القرآن ومدارسته، فانظر إلى فضل الاجتماع على القرآن، وقد وردت نصوص تحمل على الاجتماع على أنواع أخرى من الخير فاحرص على الجمعة والجماعة والاجتماع على الخير. 2342 - * روى الترمذي عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنةٌ، والحسنةُ بعشر أمثالها، لا أقول: "الم" حرفٌ، ولكن "ألفٌ" حرف، و"لامٌ" حرفٌ، و"ميمٌ" حرف".

_ 2340 - الترمذي (5/ 177) 46 - كتاب فضائل القرآن، 18 - باب وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. الحاكم (1/ 554) كتاب فضائل القرآن، وصححه وقال الذهبي: إن فيه قابوساً بن أبي ظبيان فيه لين، فإن قابوساً قد وثق من قبل عددٍ من العلماء. 2341 - أبو داود (2/ 71) كتاب الصلاة، 14 - باب في ثواب قراءة القرآن، وهذا الحديث هو جزء من حديث طويل رواه مسلم. (السكينة) فعيلة من السكون والطمأنينة. (حفَّتهم) الملائكة، أي: أحاطت بهم من جوانبهم. (1) الفتح: من 4. 2342 - الترمذي (5/ 175) 46 - كتاب فضائل القرآن، 16 - باب ما جاء فيمن قرأ حرفاً من القرآن ماله من الأجر، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه ا. هـ وصححه غيره.

2343 - * روى أحمد عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: كنتُ جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم، فسمعتُه يقول: "تعلمُوا سورة البقرة، فإن أخذها بركةٌ وتركها حسرةٌ، ولا تستطيعها البطلةُ، ثم سكت ساعةً. ثم قال: تعلموا سورة البقرة، وآل عمران، فإنهما الزهْرَوان، وإنهما تُظلان صاحبهما يوم القيامة، كأنهما غمامتان، أو غيايتان أو فرقان من طير صوافَّ، وإنَّ القُرآن يلقي صاحبهُ يوم القيامة حين ينشقُّ عنه القبرُ، كالرجُل الشاحب، فيقول له: هل تعرفني؟ فيقول: ما أعرفك. فيقول: أنا صاحبُك القرآن، الذي أظمْتُك في الهواجِر، وأسهرتُ ليلك، وإن كُلَّ تاجر من وراء تجارته، وإنك اليوم من وراء كل تجارة، فيُعطى المُلْك بيمينه، والخُلْدَ بشماله، ويوُضع على رأسه تاجُ الوقارِ، ويُكسى والداهُ حُلَّتيْن لا يُقَوَّمُ لهما الدُّنْيا، فيقولان: بم كُسينا هذا؟ ويُقالُ لهما: بأخذِ ولدكُما القرآن، ثم يُقال له: اقرأْ واصعدْ في درج الجنة وغُرفِهَا، فهو في صعُودٍ ما دام يقرأُ هذاًّ كان أو ترتيلا". 2344 - * روى الشيخان عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الماهِرُ بالقرآن مع السَّفرةِ الكرامِ البررةِ، والذي يقرأ القرآن ويتتَعْتَعُ فيه وهو

_ 2343 - أحمد (5/ 348). مجمع الزوائد (7/ 159) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. ابن ماجه (2/ 1242) 33 - كتاب الأدب، 52 - باب ثواب القرآن. الدارمي (2/ 45، 451) كتاب فضائل القرآن 15 - باب في فضل سورة البقرة وآل عمران. والحديث حسن إن شاء الله، فإن فيه بشير بن المهاجر قال عنه في التقريب: صدوق لين الحديث، ورمز أنه من رجال مسلم والأربعة. (البطلة): السحرة. (فِرقان): قطعتان. 2344 - البخاري (8/ 691) 65 - كتاب التفسير، 80 - سورة عبس. مسلم (1/ 549) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 38 - باب فضل الماهر بالقرآن والذي يتتعتع فيه. (الماهر) الحاذق بالشيء العارف به. (السفرة) جمع سافر، وهو الكاتب، والمراد بهم: الملائكة الحفظة. (البررة) جمع بارٍّ، وهو الصادق، والمراد بهم أيضاً الملائكة. (يتتعتع) التتعتُع في القول: التردُّد فيه.

عليه شاقٌّ، له أجران". وفي رواية أبي داود (1) والترمذي (2): "الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به الحديث" وليس فيه لفظة "يتتعتع" وقال أبو داود "وهو يشتد عليه". أقول: المقام الأرقى للأول الذي هو الماهر في القرآن، وكون الثاني له أجران لما يبذل في القرآن من جهد لا يقدم صاحبه على الأول في مقامه العالي الذي من آثاره استحقاقه الكينونة مع الملائكة. 2345 - * روى الجماعة عن أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مثلُ المؤمنِ الذي يقرأُ القرآن مثلُ الأتْرُجَّةِ، ريحُها طيبٌ، وطعمُها طيبٌ، ومثلُ المؤمن الذي لا يقرأُ القرآن مثل التمرة، لا ريح لها وطعمها حلوٌ، ومثلُ المنافق الذي يقرأ القرآن مثلُ الريحانة، ريحها طيبٌ، وطعمها مُرٌّ، ومثلُ المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة، لا ريح لها، وطعمها مُرٌّ". وفي رواية (3): "ومثلُ الفاجرِ" في الموضعين. 2346 - * روى أبو داود عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثلُ المؤمن الذي يقرأُ القرآن، مثلُ الأُتْرُجّة، ريحها طيبٌ، وطمعُها

_ (1) أبو داود (2/ 70، 71) كتاب الصلاة، 14 - باب في ثواب قراءة القرآن. (2) الترمذي (5/ 171) 46 - كتاب فضائل القرآن، 13 - باب ما جاء في فضل قاريء القرآن. 3345 - البخاري (9/ 555) 70 - كتاب الأطعمة، 30 - باب ذكر الطعام. مسلم (1/ 549) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 37 - باب فضيلة حافظ القرآن. أبو داود (4/ 259) كتاب الأدب، 19 - باب من يؤمر أن يُجالس. الترمذي (5/ 150) 44 - كتاب الأمثال، 4 - باب ما جاء في مثل المؤمن القاريء للقرآن وغير القاريء، إلا أن الترمذي قال في (الحنظلة) "وريحها مر". النسائي (8/ 124) 47 - كتاب الإيمان وشرائعه، 32 - مثل الذي يقرأ القرآن من مؤمنٍ ومنافق. ابن ماجه (1/ 77) المقدمة، 16 - باب فضل من تعلم القرآن وعلمه. (3) أبو داود (4/ 259) كتاب الأدب، 19 - باب منْ يؤمر أن يُجالس. (الأتُرجَّة): بضم الهمزة والراء وتشديد الجيم وهو ثمر مشجر من جنس الليمون. 2346 - أبو داود (4/ 259) كتاب الأدب، 19 - باب منْ يؤمر أنْ يُجالس؛ وإسناده صحيح.

طيبٌ، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن، مثل التمرةِ، طعمُها طيبٌ، ولا ريح لها، ومثلُ الفاجر الذي يقرأ القرآن، كمثل الريحانة، ريحها طيبٌ، وطعمها مُر، ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن، كمثل الحنظَلةِ، طعمُها مُرّ، ولا ريح لها، ومثل جليس الصالح، كمثل صاحب المسك، إن لم يُصِبْك منه شيء، أصابك من ريحه، ومثلُ جليس السوء، كمثل صاحب الكير، إن لم يصبْك منه سواده أصابك من دُخانه". 2347 - * روى مسلم عن عامر بن واثلة (رحمه الله) "أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بعُسْفان، وكان عمر استعمله على أهل مكة، فقال: من استعملت على أهل الوادي؟ قال: ابن أبْزَى، قال: ومنِ ابنُ أبْزَى؟ قال: مولى من موالينا، قال: فاستخلفت عليهم مولى؟ قال: إنه قارئ لكتاب الله عز وجل، وإن عالمٌ بالفرائض، قال عمر: أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال: إن الله يرفعُ بهذا الكتابِ أقواماً، ويضعُ به آخرين". أقول: الفرائض في النص تحتمل علم المواريث وهذا يشير إلى أهميته وتحمل العلم بالتكليف. لقد أنكر عمر رضي الله عنه على عامله أن يستخلف على أهل مكة مولى من الموالي لأن العرب تأنف أني ليها إلا منها، فيترتب على ما فعل فتنة كما أن ذلك يتنافى مع أدب مراعاة الرأي العام في المباح وهو من السياسات النبوية، فلما علل له ذلك بأن العلم والقرآن هما اللذان قدماه، رضي عمر، وفي ذلك إشارة إلى أن للعلم محله في التقديم، وهذا أمر يلاحظ، ولذلك جعلنا في بعض كتبنا معيار التقدم والتأخر في العمل الإسلامي المعاصر: الثقافة الإسلامية والخصائص والالتزام. 2348 - * روى مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أيُحبُّ أحدكم إذا رجع إلى أهله أن يجد ثلاث خلفاتٍ عظامٍ سمانٍ؟ قلنا (1):

_ = (الكير): بكسر القاف كير الحداد الذي ينفخ به النار. 2347 - مسلم (1/ 559) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 47 - باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه ... إلخ. 2348 - مسلم (1/ 552) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 41 - باب فضل قراءة القرآن في الصلاة وتعلمه. =

نعم، قال: فثلاث آياتٍ يقرأ بهن أحدُكم في صلاةٍ خيرٌ له من ثلاثِ خلفاتٍ عظامٍ سمانٍ". 2349 - * روى مسلم عن عقبة بن عامرٍ (رضي الله عنه) قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصُّفَّة، فقال: أيُّكم يحبُّ أن يغدُو كل يوم إلى بُطحان - أو قال: إلى العقيق -فيأتي منه بناقتين كوماويْنِ في غير إثمٍ ولا قطيعة رحمٍ؟ فقلنا: [يا رسول الله] نحبُّ ذلك، قال: أفلا يعدو أحدُكم إلى المسجد، فيعْلَمَ - أو يقرأ - آيتين من كتاب الله خيرٌ له من ناقتين، وثلاثٌ [خير له من ثلاثٍ]، وأربعٌ خير له من أربعٍ، ومن أعدادِهنَّ من الإبل". وفي رواية أبي داود (1) قال مثله إلى "كوماوَين" ثم قال: "زهراويْن بغير إثم بالله عز وجل ولا قطع رحم؟ قالوا: كُلُّنا يا رسول الله، قال: فلأنْ يغدو أحدكم كل يوم إلى المسجد، فيتعلَّم آيتين من كتاب الله عز وجل، خيرٌ له من ناقتين، وإنْ ثلاثٌ فثلاثٌ، مثلُ أعدادِهنَّ من الإبل". 2350 - * روى البخاري عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا حسد إلا في اثنتين: رجلٌ آتاهُ الله القرآن فهو يتلُوهُ آناء الليل والنهار فسمعهُ جارٌ له، فقال: ليتني أوتيتُ مثل ما أُوتيَ فلانٌ فعملتُ مثل ما عملُ، ورجلٌ آتاه الله مالاً فهو ينفقه في حقه، فقال رجل: ليتني أوتيتُ مثل ما أُوتي فلانٌ، فعملتُ مثل ما يعملُ".

_ = (الخَلِفات): جمع خَلِفة، وهي الناقة الحامل. 2349 - مسلم (1/ 552، 553) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 41 - باب فضل قراءة القرآن في الصلاة وتعلمه. (1) أبو داود (2/ 71) كتاب الصلاة، 14 - باب في ثواب قراءة القرآن. (الكوماء): الناقة العظيمة السنام، وكوماوان: تثنيتها. (العقيق): وادٍ مبارك قريب من المدينة المنورة. (بُطحان): قال ابن الأثير: بفتح الباء وادي المدينة، وأكثرهم يضمون الباء ولعله الأصح. 2350 - البخاري (13/ 502) 97 - كتاب التوحيد، 45 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ آتاه الله القرآن .. إلخ. مسلم (1/ 558، 559) 6 - كتاب صالة المسافرين وقصرها، 47 - باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه، وفضل من تعلم حكمة من فقه أو غيره فعمل بها وعلمها.

- فضل تعلم القرآن وتعليمه

2351 - * روى الترمذي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يجيء صاحب القرآن يوم القيامة، فيقول (أي القرآن): يا رب حلِّه، فيُلبسُ تاج الكرامة، ثم يقول: يا رب زدْه، فيُلْبَس حُلّة الكرامة، ثم يقول: يا رب أرض عنه، فيقول: رضيتُ عنه، فيُقال له: اقرأ وارْقَ، ويُعطى بكل آيةٍ حسنةً". 2352 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُقال لصاحب القرآن: اقرأْ وارْق ورتِّلْ كما كنت ترتِّلُ في دار الدنيا، فإن منزلك عند آخرِ آيةٍ تقرأُ بها". 2353 - * روى أحمد عن أبي هريرة - أو عن أبي سعيدٍ شكَّ الأعمشُ- قال: "يقال لصاحب القرآن يوم القيامة اقرأ وارقه فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها". - فضل تعلم القرآن وتعليمه: 2354 - * روى البخاري عن عثمان بن عفان (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خيركُمْ من تعلم القرآن وعلمَهُ" (1).

_ = الترمذي (4/ 330) 28 - كتاب البر والصلة، 24 - باب ما جاء في الحسد. مسند أبي يعلي (2/ 340) وقال: إسناده صحيح، يزيد بن عبد العزيز: هو ابن سياه. مجمع الزوائد (3/ 108) وقد فات الهيثمي أن ينسبه إلى أبي يعلي. 2351 - الترمذي (5/ 178) 46 - كتاب فضائل القرآن، 18 - باب، وقال: حديث حسن صحيح. الحاكم (1/ 552) كتاب فضائل القرآن، أخبار في فضائل القرآن جملة، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. 2352 - أبو داود (2/ 73) كتاب الصلاة، 20 - باب استحباب الترتيل في القراءة الترمذي (5/ 177) 46 - كتاب فضائل القرآن، 18 - باب، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. 2353 - أحمد (3/ 40). مجمع الزوائد (7/ 162) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. 2354 - البخاري (9/ 74) 66 - كتاب فضائل القرآن، 21 - باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه. أبو داود (2/ 70) كتاب الصلاة، 14 - باب في ثواب قراءة القرآن. الترمذي (5/ 175) 46 - كتاب فضائل القرآن، 15 - باب ما جاء في تعليم القرآن.

- في وجوب تعهد القرآن وعدم الغفلة عنه

2355 - * روى الطبراني عن أبي أمامة: "أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله اشتريت مقسِمَ بني فلان فربحت في كذا وكذا قال: ألا أنبئك بما هو أكثرُ منه ربحاً قال: وهل يوجد؟ قال: رجلٌ تعلم عشر آيات، فذهب الرجل فتعلم عشر آياتٍ فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره". - في وجوب تعهد القرآن وعدم الغفلة عنه: 2356 - * روى الشيخان عن أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعاهدُوا هذا القرآن، فوالذي نفسُ محمدٍ بيده، لهُوَ أشدُّ تفَلُّتاً من الإبل في عُقُلِها". 2357 - * روى أحمد عن عقبة بن عامرٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعلموا كتاب الله وتعادوه وتغنوا به فوالذي نفسي بيده لهو أشدُّ تَفَلُّتاً من النَّعَمِ في العُقُلِ". 2358 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما مَثَلُ صاحبِ القرآن كمثلِ صاحب الإبل المُعَقَّلَةِ، إنْ عاهد عليها أمْسكَها، وإنْ أطْلَقَها ذهبتْ" (1).

_ = 2355 - مجمع الزوائد (7/ 165) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله رجال الصحيح. (المَقْسِمُ): الموضع بالكسر. 2356 - البخاري (9/ 79) 66 - كتاب فضائل القرآن، 23 - باب استذكار القرآن وتعاهده. مسلم (1/ 545) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 33 - باب الأمر بتعهد القرآن. وفي رواية البخاري (تفصياً) بفتح الفاء وكسر الصاد المشددة، وهو بمعنى التفلت. (العُقُل): بضمتين، ويجوز سكون القاف: جمع عقال بكسر أوله وهو الحبل. 2357 - أحمد (4/ 146، 150، 153). الطبراني في (الكبير) (17، 290، 291). مجمع الزوائد (7/ 169) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. (النَّعَم): هي الأنعام من شاء وماعز وإبل وبقر والمراد بها ههنا إحداها وهي الإبل. 2358 - البخاري (9/ 79) 66 - كتاب فضائل القرآن، 23 - باب استذكار القرآن وتعاهده. مسلم (1/ 543) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرا، 33 - باب الأمر بتعهد القرآن.

وزاد مسلم في رواية أخرى (1): "وإذا قام صاحبُ القرآن فقرأه بالليل والنهار ذكرهُ، وإنْ لم يقم به نسيهُ". أقول: القرآن عزيز كما وصفه الله عز وجل: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} (2) فهو لا يبقى في صدر صاحبه مع إهماله إياه وكان أحد شيوخنا يقول: إن القرآن يحن إلى صاحبه فإذا عاود صاحبه التلاوة والإقبال عليه عاد إليه. 2359 - * روى الجماعة عن عبد الله بن مسعودٍ (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بئسما لأحدهِمْ أن يقول: نسيتُ آية كيت وكيت، بل هو نُسِّيَ، واستذكروا القرآن، فإنه أشدُّ تفصياً من صدور الرجال من النَّعَم من عُقُلها". وفي رواية (3) قال: "لا يقل أحدكم: نسيتُ آية كذا وكذا، بل هو نُسِّي".

_ (1) مسلم (1/ 544) نفس الموضع السابق. النسائي (2/ 154) 11 - كتاب الافتتاح، 37 - باب جامع ما جاء في القرآن. ابن ماجه (2/ 1243) 33 - كتاب الأدب، 52 - باب ثواب القرآن. (المعقلة) هي: الإبل التي شُدتْ بالعقال لئلا تهرب، والعِقال حُبيل صغير يُشد به ساعد البعير إلى فخذه ملوياً. (تعاهدوا) التعاهد والتعهد: المراجعة والمعاودة، قاله الهروي. قال محقق الجامع: شبه درس القرآن، واستمرار تلاوته بربط البعير الذي يخشى منه الشرود فما دام التعهد، موجوداً فالحفظ موجود، كما أن البعير ما دام مشدوداً بالعقال، فهو محفوظ. (2) فصلت: من 41. 2359 - البخاري (9/ 79) 66 - كتاب فضائل القرآن، 23 - باب استذكار القرآن وتعاهده. مسلم (1/ 544) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 23 - باب الأمر بتعهد القرآن ... (3) مسلم (1/ 544) الموضع السابق. الترمذي (5/ 193) 47 - كتاب القراءات، 10 - باب، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. النسائي (2/ 154، 155) 11 - كتاب الافتتاح، 37، جامع ما جاء في القرآن. (تفصياً) كل شيء كان لازماً لشيء ففُصل عنه، قيل: تفصَّى منه، كما يتفصى الإنسان من البلية؟ أي: يتخلص منها. قال محقق الجامع قال بعضهم: سبب الذم ما فيه من الإشعار بعدم الاعتناء بالقرآن، إذ لا يقع النسيان إلا بترك التعاهد وكثرة الغفلة، فلو تعاهده بتلاوته والقيام به في الصلاة لدام حفظه وتذكره، فإذا قال الإنسان: نسيت الآية الفلانية، فكأنه شهد على نفسه بالتفريط، فيكون متعلق الذم ترك الاستذكار والتعاهد، لأنه الذي يورث النسيان، وقال النووي: الكراهة فيه للتنزيه. "كيت وكيت" يعبر بهما عن الجمل الكثيرة، والحديث الطويلأ، ومثلهما "ذيت وذيت" وقال ثعلب: ... =

- نزول الملائكة والسكينة على قارئ القرآن

2360 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعودٍ قال: "من قرأ في ليلةٍ خمسين آية لم يُكْتَبْ من الغافلين، ومن قرأ مائة آيةٍ كُتِبَ من القانتين، ومن قرأ ثلثمائة آيةٍ كتب له قنطارٌ، ومن قرأ سبعمائة أفلح". 2361 - * روى النسائي عن السائب بن يزيد (رحمه الله) أن شُريحاً الحضرمي ذُكِرَ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يتوسَّدُ القرآن". - نزول الملائكة والسكينة على قارئ القرآن: 2362 - * روى البخاري عن أُسيد بن حُضيرٍ (رضي الله عنه) قال: "بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرةِ، وفرسُه مربوطةٌ عنده، إذْ جالت الفرسُ، فسكت، فسكنت الفرسُ، فقرأ، فجالت، فست، فسكنت الفرس، ثم قرأ فجالت الفرس، فانصرف، وكان ابنه يحيى قريباً منها، فأشفق أن تصيبه ولما أخَّره رفع رأسه إلى السماء (1)، فإذا مِثلُ

_ = "كيت" للأفعال، و"ذيت" للأسماء. وفي "الصحاح" قال أبو عبيدة: يقال "كان من الأمر كيت وكيت - بالفتح - وكيت وكيت - بالكسر - أي: كذا وكذا، والتاء فيهما هاء في الأصل، فصارت تاءً في الوصل، اهـ. وفي التحذير من نسيان القرآن قال الحافظ في الفتح: ومن طريق أبي العالية موقوفاً: كنا نعد من أعظم الذنوب أن يتعلم الرجل القرآن ثم ينام عنه حتى ينساه، وإسناده جيد، ومن طريق ابن سيرين بإسناد صحيح في الذي ينسى القرآن كانوا يكرهونه، ويقولون فيه قولاً شديداً. 2360 - الطبراني في (الكبير) (9/ 158) وفيه "مَنْ قرأ في ليلةٍ بخمس آيات" وليس بخمسين آية كما ورد هنا. مجمع الزوائد (2/ 268) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. 2361 - النسائي (3/ 257) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 60 - باب وقت ركعتي الفجر وإسناده حسن. قال الهروي: قال ابن الأعرابي: قوله "لا يتوسَّد القرآن" يجوز أن يكون مدحاً وأن يكون ذماً. فالمدح: أنه لا ينامُ الليل عن القرآن، فيكون القرآن مُتوسداً مع لم يتهجَّدْ به. والذَّمُّ: أنه لا يحفظ من القرآن شيئاً، فإذا نام لم يتوسدْ معه القرآن، يقال: توسد فلانٌ ذراعه: إذا نام عليها، وجعلها كالوسادة له. قال في الإصابة 2/ 147 شريح الحضرمي جاء ذكره في حديث صحيح أخرجه النسائي من طريق الزهري عن السائب بن يزيد أن شريحاً الحضرمي ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال له ذاك رجل لا يتوسد القرآن وهكذا قال أكثر أصحاب الزهري ... إلخ. 2362 - البخاري (9/ 63) 66 - كتاب فضائل القرآن، 15 - باب نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن.

الظُّلَّة، فيها أمثالُ المصابيح، فلما أصبح حدث النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: اقرأ يا ابن حُضير اقرأ يا ابن حُضير قال: أشفقْتُ يا رسول الله أن تطأ يحيى، وكان منها قريباً، فانصرفت إليه، ورفعت رأسي إلى السماء، فإذا مثلُ الظُّلَّةِ فيها أمثالُ المصابيح، فخرجتُ حتى لا أراها، قال: وتدري ما ذاك؟ قال: لا، قال: تلك الملائكة دنتْ لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها، لاتتوارى منهم". 2363 - * روى مسلم عن أبي سعيد الخُدري (رضي الله عنه): "أن أُسَيْد بن حضير بينما هو ليلةً يقرأ في مربدِه، إذْ جالتْ فرسُه، فقرأ، ثم جالتْ أخرى، فقرأ، ثم جالتْ أيضاً، قال أُسيد: فخشيتُ أن تطأ يحيى، فقمت إليها، فإذا مثلُ الظُّلَّة فوق رأسي، فيها أمثال السُّرُج عرجتْ في الجوِّ حتى ما أراها، قال: فغدوتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، بينما أنا البارحة من جوف الليل أقرأ في مِرْبَدي، إذ جالتْ فرسي، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ ابن حضيرٍ، قال: فقرأتُ، ثم جالت أيضاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ ابن حضير، قال: فانصرفتُ، وكان يحيى قريباً منها، فخشيتُ أن تطأه، فرأيتُ مثل الظُّلَّة، فيها أمثال السُّرُج عرجتْ في الجوِّ حتى ما أراها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلك الملائكة كانت تستمعُ لك، ولو قرأت لأصبحتْ يراها النساُ ما تستترُ منهم". أقول: هاتان الروايتان أصل أصيل في إثبات إمكانية انكشاف شيء من عالم الغيب للمسلم في حال إقباله على الله عز وجل، ولقد كثر الإنكار على الكشف وعلى أهله وليس ذلك ف محله إن جاءت الروايات عن صادق عدل، وكانت في دائرة الإمكان الشرعي. 2364 - * روى الشيخان عن البراء بن عازبٍ (رضي الله عنه) قال: "كان رجل يقرأُ (سورة الكهف) وعنده فرسٌ مربوطة بشطنيْن، فتغشَّتْه سحابةٌ فجعلتْ تدنو، وجعلَ (1).

_ 2363 - مسلم (1/ 548، 549) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 36 - باب نزول السكينة لقراءة القرآن. (المِرْبد): موقف الإبل، والمراد: موضعه الذي كان فيه. (العروج): الصعود إلى فوق. 2364 - البخاري (9/ 57) 66 - كتاب فضائل القرآن، 11 - باب فضل الكهف. مسلم (1/ 547، 548) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 36 - باب نزول السكينة لقراءة القرآن.

فرسه ينفِرُ منها، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر له ذلك، فقال: تلك السكينةُ تنزلتْ للقرآن" وفي رواية (1): "اقرأ فلانُ، فإنها السكينةُ تنزلتْ عند القرآن" "أو للقرآن" وفي رواية (2): "تنزلتْ بالقرآن". ترجم البخاري (9/ 63) لحديث أُسيد بن حضير السابق بقوله: باب نزول السكينة والملائكة عند قراءة القرآن قال ابن حجر كذا جمع بين السكينة والملائكة ولم يقع في حديث الباب [أي حديث أسيد السابق] ذكر السكينة ولا في حديث البراء الماضي في فضل الكهف (أي هذا) ذكر الملائكة ولعل المصنف كان يرى أنهما قصة واحدة ولعله أشار إلى أن المراد بالظلة في حديث الباب السكينة لكن ابن بطال جزم بأن الظلة السحابة وأن الملائكة كانت فيها ومعها السكينة والسكينة تتنزل أبداً مع الملائكة اهـ. وقيل إن صاحب هذه القصة هو أسيد أيضاً لكن قصة أسيد السابقة فيها انه كان يقرأ سورة البقرة وهذا ظاهره التعدد. وقعت لثابت بن قيس بن شماس قصة قريبة من قصة أسيد لكن في سورة البقرة أيضاً ويحتمل أن يكون قرأ سورة البقرة والكهف جميعاً أو من كل منهما. [انظر الفتح 9/ 57]. النووي (6/ 82): قد قيل في معنى السكينة هنا أشياء، المختار منها أنها شيء من مخلوقات الله تعالى في طمأنينة ورحمة ومعه الملائكة والله أعلم. وفي هذا الحديث جواز رؤية آحاد الأمة الملائكة (وقال ابن حجر 9/ 64 وهو صحيح لكن الذي يظهر التقييد بالصالح مثلاً والحسن الصوت). قال النووي وفيه فضيلة القرآن وأنها سبب نزول الرحمة وحضور الملائكة وفيه فضيلة استماع القرآن.

_ (1) مسلم (1/ 548) نفس الموضع السابق. (2) البخاري (8/ 586) 65 - كتاب التفسير، 4 - باب (هو الذي أنزل السكينة). الترمذي (5/ 161) 46 - كتاب فضائل القرآن، 6 - باب ما جاء في فضل سورة الكهف، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (الشطن): الحبْلُ.

- حب القرآن وعلاماته

وقال ابن حجر وفيه منقبة لأسيد وفضل سورة البقرة في صلاة الليل وفضل الخشوع في الصلاة وأن التشاغل بشيء من أمور الدنيا ولو كان من المباح قد يُفوِّتُ الخير الكثير فكيف لو كان بغير الأمر المباح. - حب القرآن وعلاماته: 2365 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعودٍ قال: "من أحبَّ أن يُحبَّه الله ورسوله فلينظر فإنْ كان يُحبُّ القرآن فهو يُحبُّ الله ورسوله". أقول: هذا ميزان لا يخطئ في التعرف على ما إذا كان الإنسان يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، وهو محبة قلبه للقرآن الكريم، وعلى هذا وبقدر ما يتعلق قلب الإنسان بهذا القرآن حباً وإجلالاً واحتراماً فإنه يكون قد تحقق بالصفة الأولى من صفات حزب الله يحبهم ويحبونه، وعلى هذا فإن مهمة الربانيين التركيز على القرآن الكريم من بداية السير إلى خاتمة العمر، قال تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} (1). 2366 - *روى الشيخان عن ابن مسعود: "قال لي النبيُّ صلى الله عليه وسلم اقرأ عليَّ القرآن، قلت: يا رسول الله أقرأُ عليك، وعليك أُنزل؟ قال: إني أحبُّ أن أسمعه من غيري، فقرأت عليه سورة النساء، حتى جئت إلى هذه الآية {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} قال: حسبُك الآن، فالتفتُّ إليه، فإذا عيناه تذرفان".

_ 2365 - الطبراني في (الكبير) (9/ 143). مجمع الزوائد (7/ 165) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. (1) آل عمران: من 79. 2366 - البخاري (9/ 98) 66 - كتاب فضائل القرآن 35 - باب البكاء عند قراءة القرآن. مسلم (1/ 551) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 40 - باب فضل استماع القرآن ... إلخ. أبو داود (3/ 324) كتاب العلم، 13 - باب في القصص. الترمذي (5/ 238) 48 - كتاب تفسير القرآن 5 - باب "ومن سورة النساء"؟

أقول: إن محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمع القرآن من غيره وتأثره بهذا السماع حتى ذرفت عيناه علامتان على حب هذا القرآن والتفاعل معه وهذا ما ينبغي أن يحصِّله المسلم من خلال التركيز على صحة قلبه وكثرة إقباله على القرآن الكريم وتدبره.

الفقرة الثانية: في بعض الآداب والأحكام المتعلقة بالقرآن

الفقرة الثانية: في بعض الآداب والأحكام المتعلقة بالقرآن - وجوب تعلم القرآن وتعليمه وآداب ذلك: 2367 - * روى أحمد عن عبد الرحمن بن شبلٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقروا القرآن فإذا قرأتموه فلا تستكبروا به ولا تغلُوا فيه ولا تجفوا عنه ولا تأكلوا به وقال: إن النساء هم أصحابُ النار. فقال رجلٌ: يا رسول الله أليس أمهاتُنا وأخواتُنا وبناتنا؟ فذكر كُفرَهن لحق الزوج وتضييعهن لحقه". وقد قرأ بعضهم جملة: (ولا تستكبروا به) على حرفين آخرين: (ولا تستكثروا به) (ولا تستأثروا به) والمعنى على الأول واضح فبعض الناس يستكبر بسبب أخذه القرآن، وعلى الثاني فالمراد عدم سؤال الناس بالقرآن استكثاراً، وعلى الثالث فالمراد أني علمه من يريد تعلمه. 2368 - * روى أحمد عن أبي سلامٍ قال: "كتبَ معاويةُ إلى عبد الرحمن بن شبلٍ أنْ عَلِّم الناس ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجمعهم فقال: إني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تعلموا القرآن فإذا علمتموه فلا تغلوا فيه ولا تجفوا عنه ولا تأكلوا به ولا تستكثروا". 2369 - * (1) روى الترمذي عن عِمران بن حُصينٍ (رضي الله عنه) أنه "مرَّ على

_ 2367 - أحمد (3/ 428، 444). مجمع الزوائد (4/ 314) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وله طرق رواها أحمد وغيره ورجاله ثقات. (ولا تجفوا): أي تعاهدوه بالقراءة. 2368 - أحمد (3/ 444). أبو يعلي (3/ 88) وقال: إسناده صحيح. أبان هو: ابن يزيد العطار، وزيد هو ابن سلام بن أ [ي سلام ممطور الحبشي، والحبراني هو أبو راشد. مجمع الزوائد (4/ 95) وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلي باختصار، والطبراني في الكبير والأوسط، ورجاله ثقات. 2369 - الترمذي (5/ 179) 46 - كتاب فضائل القرآن، 20 - باب وقال الترمذي: هذا حديث حسن، وحسنه غيره.

- إتقان القراءة

قارئ يقرأ القرآن، ثم يسألُ الناس به، فاسترجع عِمرانُ، وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قرأ القرآن، فليسأل الله به، فإنه سيجيءُ أقوامٌ يقرؤون القرآن ويسألون به الناس". - إتقان القراءة: 2370 - * روى أحمد عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقرأُ القُرآن، وفينا الأعرابيُّ والعجميُّ، فقال: اقرؤوا، فكلٌّ حسنٌ، وسيجيءُ أقوامٌ يُقيمونه كما يُقام القِدْحُ، يتعجَّلونه ولا يتأجَّلونه". - التغني بالقرآن وتزيينه بالصوت: 2371 - * روى أبو داود عن البراء بن عازبٍ (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "زيِّنُوا القرآن بأصواتكم". زينوا القرآن بأصواتكم: قال الخطابي في قوله: "زيِّنُوا القرآن بأصواتكم" قد فسَّرَهُ واحد من أئمة الحديث: زينوا أصواتكم بالقرآن، وقالوا: هذا من باب المقلوب، كما قالوا: عرضتُ الناقة على الحوض، وإنما هو عرضتُ الحوضَ على الناقة (1).

_ 2370 - أحمد (3/ 397). أبو داود (1/ 220) كتاب الصلاة، 138 - باب ما يجزيء الأمي والأعجمي من القراءة، وإسناده قوي. (فكلّ حسن)، قال محقق الجامع: أي: فكل قراءة من قراءتكم حسنة مرجوة للثواب، إذا آثرتم الآجلة على العاجلة. ولا عليكم ألا تقيموا ألسنتكم إقامة القدح، وهو السهم قبل أن راش، فإنه سيجيء أقوام يقيمون حروفه وألفاظه، ويجودونها بتفخيم المخارج وتمطيط الأصوات، يطلبون بقراءته العاجلة من عرض الدنيا والرفعة فيها، ولا يريدون به الآجلة وهو جزاء الآخرة. قال الطيبي: في الحديث رفع الحرج وبناء الأمر على المساهلة في الظاهر، وتحري الحسبة والإخلاص في العمل، والتفكر في معاني القرآن، والغوص في عجائب أمره. (الأعرابي): ساكن البادية من العرب، و"العجميُّ": المنسوب إلى العجم، وهم الفرس خاصة أو غير العرب. (القدح): السهم قبل أن يُعمل له ريش ولا نصْلٌ. (يتأجَّلُونهُ) التأجُّل: تفعُّل من الأجل، أي: يؤخرونه إلى أجل، والأجل: مُدَّةٌ معينةٌ. 2371 - أبو داود (2/ 74) كتاب الصلاة، 20 - باب استحباب الترتيل في القراءة. النسائي (1/ 179) 11 - كتاب الافتتاح، 83 - تزيين القرآن بالصوت. الدارمي (2/ 474) كتاب فضائل القرآن، باب التغني بالقرآن.

قال: ورواه معمر عن منصور عن طلحة، فقدم الأصوات على القرآن، وهو الصحيح. قال: ورواه طلحة عن عبد الرحمن بن عَوْسجةً عن البراء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "زينوا أصواتكم بالقرآن" أي: الهجُوا بقراءته، واشغلُوا أصواتكم به، واتخذوه شعاراً وزينة. وقال محقق الجامع في تفسيره الحديث على ظاهر الرواية الأولى ويكون ذلك بتحسين الصوت عند القراءة، فإن الكلام الحسن يزيد حسناً وزينة بالصوت الحسن، وفي أدائه بحسن الصوت وجودة الأداء بعث للقلوب على استماعه والإصغاء إليه، قال التوربشتي: هذا إذا لم يخرجه التغني عن التجويد، ولم يصرفه عن مراعاة النظم في الكلمات والحروف، فإن انتهى إلى ذلك، عاد الاستحباب كراهة، وأما ما أحدثه المتكلفون بمعرفة الأوزان والموسيقى فيأخذون في كلام الله مأخذهم في التشبيب والغزل، فإنه من أسوأ البدع، فيجب على السامع النكير، وعلى التالي التعزيز. أقول: ما دامت أحكام التجويد مراعاة، والخشوع حاصلاً فكل ما يزيد التلاوة حسناً لا حرج فيه. 2372 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما أذن الله لشيءٍ ما أذن لنبيٍّ: أن يتغنى بالقرآن، يجهرُ به". 2373 - * روى أحمد عن سعد بن أبي وقاصٍ (رضي الله عنه) قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يتغنَّ بالقرآن" (1).

_ 2372 - البخاري (9/ 68) 66 - كتاب فضائل القرآن، 19 - باب من لم يتغن بالقرآن. مسلم (1/ 545، 546) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 34 - باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن. أبو داود (2/ 75) كتاب الصلاة، 20 - باب استحباب الترتيل في القرآن. النسائي (2/ 180) 11 - كتاب الافتتاح، 83 - باب تزيين القرآن بالصوت. (أذِن) أذن الرجلُ الشيء: إذا استمع إليه. (والتغني) بالقرآن: هو الاستغناء به، هكذا جاء في بعض روايات الحديث، وقيل: هو تحسين الصوت بقراءته، قاله ابن الأثير. 2373 - أحمد (1/ 172، 175، 179). أبو داود (2/ 74) كتاب الصلاة، 20 - باب استحباب الترتيل في القراءة.

- الجمع بين حسن التلاوة وحسن الفهم والإخلاص فيهما

أقول: دل هذا النص وأمثاله على أن من أدب المسلم أن يكون له أنس في القرآن وإيناس، وإنْ من لم يصل به هذا الأنس إلى درجة التغني في القرآن، فإنه لم يصل إلى حقيقة الإيمان الذي يجعله من هذه الأمة، وفي النص تهديد ووعيد شديدان، فحيثما ورد قوله عليه الصلاة والسلام: (ليس منا) فذلك شيء مخيف، ولهذا فإننا نعتبر من الموازين التي على أساسها يختار الإنسان بطانته، من لم يقع في مثل هذا التهديد والوعيد فالله عز وجل يقول: {لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} (1) فإن ممن يدخل في هذا النص ضمناً كل من وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه ليس منا، فليتكلف المسلم أن يكون له تغنٍ في القرآن في تلاوة مجردة أو في قراءة في صلاة ولا يتحرج من ذلك ولا يخجل منه فإن ذلك حرج أو خجل في غير محله. 2374 - * روى أبو داود عن عبد الله بن أبي يزيد (رحمه الله) قال: مَرَّ بنا أبو لُبابة فاتبعناهُ، حتى دخل بيتهُ، فدخلنا عليه، فإذا رجلٌ رثُّ الهيئة، فسمعتُه يقول: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس منا من لم يتغن بالقرآن"، قال: فقلت لابن أبي مُليكة: يا أبا محمدٍ، أرأيت إذا لم يكنْ حسن الصوتِ؟ قال: يُحسِّنُه ما استطاع. - الجمع بين حسن التلاوة وحسن الفهم والإخلاص فيهما: 2375 - * روى الطبراني في الأوسط عن ابن عمر قال: "لقد عشتُ برهةً من دهري وإن أحدنا يُؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزلُ السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فيتعلَّمُ حلالها وحرامَها

_ = ابن حبان (1/ 166) ذكر الزجر عن أن لا يستغني المرءُ بما أوتي من كتاب الله جل وعلا. الحاكم (1/ 569) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذا الإسناد. وهذا لحديث قد أخرجه البخاري عن أبي هريرة وذلك في (13/ 501) 97 - كتاب التوحيد، 44 - باب قول الله تعالى (وأسروا قولكم ..) وقد أخرج هذا الحديث البزار والطبراني ولكن عن ابن عباس ففي البزار يوجد هذا الحديث في (3/ 97) باب ليس منا من لم يتغن بالقرآن. وفي الطبراني في (الكبير) يوجد هذا الحديث في (11/ 121) وقد قال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 170) رواه الطبراني في الكبير والبزار ورجال البزار رال الصحيح. (1) آل عمران: من 118. 2374 أبو داود (2/ 74، 75) كتاب الصلاة، 20 - باب استحباب الترتيل في القراءة وإسناده قوي. 2375 - مجمع الزوائد (1/! 65) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. (الدقل): هو رديء التمر ويابسه وما ليس له اسم خاص فتراه ليبسه ورداءته لا يجتمع ويكون منثوراً.

- صفة قراءة النبي صلى الله عليه وسلم

وما ينبغي أن يقفَ عنده منها كما تعلمون أنتم القرآن، ثم لقد رأيتُ رجالاً يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأُ ما بين فاتحة الكتاب إلى خاتمته ما يدري ما آمِرُه ولا زاجره وما ينبغي أن يقف عنده منه وينثره نثر الدقل". 2376 - * روى البزار عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يظهرُ الإسلام حتى يختلف التجارُ في البحر وحتى تخوض الخيلُ في سبيل الله، ثم يظهر قومٌ يقرؤون القرآن يقولون من أقرأُ منا، من أعلم منا، من أفقه منا، ثم قال لأصحابه: هل في أولئك من خيرٍ؟ قالوا الله ورسوله أعلمُ. قال: أولئك منكم من هذه الأمة وأولئك هم وقودُ النار". 2377 - * روى أحمد عن عبد الله بن عمروٍ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أكثرُ منافقي أمتي قُرَّاؤها: فأثخنوهم فالمأجورُ قاتِلُهم". 2378 - * روى أحمد عن عقبة بن عامرٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكثرُ منافقي أمتي قراؤها". أقول: هذا وأمثاله محمول على أهل البدعة من القراء ومن يوالي الكافرين مختاراً. - صفة قراءة النبي صلى الله عليه وسلم 2379 - * روى أحمد عن ابن عباس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} قال "سبحان ربي الأعلى" (1).

_ 2376 - كشف الأستار (1/ 99) باب ما يخاف على العالم. مجمع الزوائد (1/ 186) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط والبزار ورجال البزار موثقون. 2377 - أحمد (2/ 175). مجمع الزوائد (6/ 229، 230، 231) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، والطبراني رواه أيضاً وكذلك البزار بنحوه. 2378 - أحمد (4/ 151، 155). الطبراني في (الكبير) (17/ 305). مجمع الزوائد (6/ 229) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني وأحد أسانيد أحمد ثقات أثبات. 2379 - أحمد (1/ 232).

أقول: هذه سنة نبوية نجدها في أكثر من نص. مفادها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ يتجاوب مع معانيه وذلك من آثار التدبر فعلى المسلم أن يفطن لذلك. 2380 - * روى النسائي عن أم سلمة (رضي الله عنها) "سألها يعْلي بنُ ممْلكٍ عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلاته؟ قالت: ما لكم وصلاته؟ ثم نعتتْ قراءتَهُ، فإذا هي تنعتُ قراءةً مُفسرةً حرفاً حرفاً". وفي رواية الترمذي (1)، قالت: "ما لكم وصلاتَهُ؟ كان يصلي ثم ينام قدر ما صلى، ثم يصلي قدر ما نام، ثم ينامُ قدر ما صلى، حتى يصبح، ثم نعتتْ قراءته، فإذا هي تنعتُ قراءةً مفسرةً حرفاً حرفاً". وللترمذي من رواية (2) ابن أبي مُليكة عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقطعُ قراءته: يقول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ثم يقف، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، ثم يقف، وكان يقرأ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}. وأخرجه أبو داود (3) قال: قالت: قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، يقطع قراءته آية آيةً. أقول: ويرى بعضهم أن الأصل هو الوقوف على رؤوس الآيات ولكن لهذه القاعدة استثناءات فالعبرة عندهم للمعنى وبناء على هذا قسم الوقف إلى أقسام، ومعرفة أحكام الوقف نصف علم الترتيل والنصف الآخر إعطاء الحروف حقوقها ومستحقاتها.

_ = أبو داود (1/ 223) كتاب الصلاة، 151 - باب في الدعاء في الركوع والسجود. الحاكم (1/ 263، 264) وصححه وأقره الذهبي. 2380 - النسائي (2/ 181) 11 - كتاب الافتتاح، 83 - باب تزيين القرآن بالصوت. (1) الترمذي (5/ 182) 46 - كتاب فضائل القرآن، 23 - ما جاء كيف كان قراءة النبي صلى الله عليه وسلم. (2) الترمذي (5/ 185) 47 - كتاب القراءات، 1 - باب في فاتحة الكتاب. (3) أبو داود (4/ 37) كتاب الحروف والقراءات. قال محقق الجامع: ولهذا الحديث طرق كثيرة، وقال الجزري في "النشر" 1/ 226. وهو حديث حسن، وسنده صحيح. وقد عد بعضهم الوقف على رؤوس الآي في ذلك سنة، وقال أبو عمرو: هو أحب إليَّ، واختاره أيضاً البيهقي في "شعب الإيمان" وغيره من العلماء، وقالوا: الأفضل الوقوف على رؤوس الآيات، وإن تعلقت بما بعدها، قالوا: واتباع هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته أولى.

2381 - * روى البخاري عن قتادة (رحمه الله) قال: سألت أنساً عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "كان يمدُّ مداً، ثم قرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} يمدُّ ببسم الله، ويمد بالرحمن، ويمد بالرحيم. 2382 - * روى الشيخان عن عبد الله بن مُغفَّلٍ (رضي الله عنه) قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم-يوم فتح مكة على ناقته - يقرأُ سورة الفتح، فرجع في قراءته، قال: فقرأ ابن مُغفلٍ ورجع، وقال معاوية بن قُرة: لولا الناس لأخذت لكم بذلك الذي ذكره ابن مغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم. وفي رواية أبي داود قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم - وهو على ناقته- يقرأ سورة الفتح، وهو يُرجعُ. أقول: المشهور في تعرف الترجيع في الأذان أن يذكر الإنسان الشهادة بصوت غير مرتفع ثم يرفع صوته بها، فلعل أحد الأوجه في معنى الترجيع هاهنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ من سورة الفتح بصوت خفيض، ثم يعود ليقرأ ما قرأه بصوت مرتفع (1).

_ 2381 - البخاري (9/ 91) 66 - كتاب فضائل القرآن، 29 - باب مدِّ القراءة. أبو داود (2/ 73) كتاب الصلاة، 20 - باب استحباب الترتيل في القراءة. النسائي (2/ 179) 11 - كتاب الافتتاح، 82 - باب مد الصوت بالقراءة. وقد انتهت رواية كل من أبي داود والنسائي عند قوله "يمُدُّ مداً". 2382 - البخاري (13/ 512) 97 - كتاب التوحيد، 50 - باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، وروايته عن ربه. مسلم (1/ 547) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 35 - باب ذكر قراءة النبي صلى الله عليه وسلم سورة الفتح يوم فتح مكة. أبو داود (2/ 74) كتاب الصلاة، 20 - باب استحباب الترتيل في القراءة. قال محقق الجامع: الترجيع: هو تقارب ضروب الحركات في القراءة، وأصله: الترديد، وترجيع الصوت: ترديده في الحلق، وقد جاء تفسيره في حديث عبد الله بن مغفل في كتاب التوحيد من صحيح البخاري "أاأ" بهمزة مفتوحة بعدها ألف ساكنة ثم همزة أخرى، كذا ضبطه الحافظ وغيره، قوال العلامة عليِّ القاري: الأظهر أنها ثلاث ألفات ممدودات. ثم قالوا: يحتمل أمرين. أحدهما: أن ذلك حدث من هز الناقة. والآخر: أنه أشبع المد في موضعه، فحدث ذلك، قال الحافظ: وهذا الثاني أشبه بالسياق، فإن في بعض طرقه "لولا أن يجتمع الناس، لقرأت لكم بلك "اللحن" أي: النغم، وقد ثبت الترجيع في غير هذا الموضع، فأخرج الترمذي في "الشمائل" والنسائي وابن ماجه وابن أبي داود، واللفظ له من حديث أم هانئ "كنت أسمع صوت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ وأنا نائمة على فراشي - يُرجِّعُ القرآن"، وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة، معنى الترجيع: تحسين التلاوة، لا ترجيع الغناء، لأن القراءة بترجيع الغناء، تنافي الخشوع الذي هو مقصود التلاوة.

2383 - * روى الطبراني عن موسى بن يزيد الكندي قال: "كان ابن مسعود يقريء رجلاً فقرأ الرجل: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} مرسلةً، فقال ابن مسعودٍ ما هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال كيف أقرأكها يا أبا عبد الرحمن؟ قال أقرأنيها: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} فمددها". أقول: من المعلوم أن الهمزة أو السكون إذا جاءا بعد حرف المد في كلمة واحدة كما في قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ} فإنها تمد مداً واجباً مقداره أربع أو خمس حركات. ولقد استقرأ علماء القراءات كيفية أداء رسول الله صلى الله عليه وسلم لقراءة القرآن، فاستخرجوا قواعد التجويد والترتيب في الممدود وكيفية النطق بالأحرف إلى غير ذلك من قواعد ينبغي أن يبذل المسلم جهداً في تعلمها. فإنها من المطلوبات العينية في حق كل تالٍ للقرآن. 2384 - * روى أحمد عن بعض أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال نافعٌ أُراها حفصة - أنها سُئلت عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إنكم لا تستطيعونها. قال: فقيل أخبرينا بها. قال فقرأتْ قراءةً ترسلتْ فيها. قال فحكى لنا ابن أبي مليكة الحمد لله رب العالمين ثم قطع الرحمن الرحيم ثم قطع مالك يوم الدين. أقول: كما أن علماء النحو والصرف استقرؤوا اللغة العربية واستخرجوا قواعد النحو والصرف فكذلك علماء القراءات استخرجوا قواعد الترتيل استقراءً فأصبح علم الترتيل علماً قائماً بذاته فقارئ القرآن يجب عليه أن يقرأ القرآن مرتلاً وذلك بمراعاة طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأداء، وذلك لا يكون إلا بتلقن القرآن من أفواه المقرئين الذين يؤدونه كما تلقوه، ولا يستقيم ذلك بعد العصور الأولى إلا بمعرفة أحكام الترتيل كما دونها العلماء. فعلى المسلم أن يجمع وهو يقرأ القرآن ما بين أحكام التلاوة وتحسين الصوت والتخشع والتدبر (1)، ومن

_ 2383 - الطبراني في (الكبير) (9/ 148). مجمع الزوائد (7/ 155) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات، ولكن قال محقق الطبراني: قال في المجمع ورجاله رجال الصحيح وكذلك وقع في المجمع مسعود بن يزيد، وفي المطبوع من الطبراني موسى بن يزيد وهو الصحيح. 2384 - أحمد (6/ 288). مجمع الزوائد (2/ 108) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

- في كم يقرأ القرآن

فاته أن يتلقن القرآن من أفواه المقرئين فلا أقل من أن يقرأه عليهم ليصححوا له قراءته. - في كم يقرأ القرآن: 2385 - * روى الطبراني عن أبي الأحوص قال: قال عبد الله: "لا يُقرأُ القرآنُ في أقل من ثلاثٍ اقرؤوه في سبعٍ ويحافظُ الرجل على حزبه". 2386 - * روى الطبراني عن ابن مسعود قال: "من قرأ القرآن في أقل من ثلاثٍ فهو راجزٌ". 2387 - * روى مالك عن يحيى بن سعيدٍ (رحمه الله) قال: كنتُ أنا ومحمدُ بن يحيى ابن حبان جالسين، فدعا محمدٌ رجلاً، فقال: أخبرني بالذي سمعت من أبيك، فقال الرجل: أخبرني أبي: أنه أتى زيد بن ثابتٍ، فقال له: كيف ترى في قراءة القرآن في سبعٍ؟ قال زيد: حسنٌ، ولأن أقرأه في نصف شهرٍ أو عشرٍ أحبُّ إليَّ، وسلني: لِمَ ذاك؟ قال: فإني أسألك؟ قال زيدٌ: لكي أتدبَّرَهُ وأقف عليه. 2388 - * روى أبو داود عن شداد بن الهاد (رحمه الله) قال: سألني نافعُ بن جُبيرٍ بن مُطعمٍ، فقال لي: في كم تقرأُ القرآن؟ فقلت: ما أحزِّبُه، فقال لي نافع: لا تقل: ما أحزبه - وفي نسخةٍ: ما أجزئهُ - فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قرأتُ جُزءاً من القرآن" قال: حسبت أنهُ ذكره عن المغيرة بن شعبة. 2389 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعودٍ أنه كان يقرأُ القرآن في ثلاثٍ وقلما يأخُذُ منه بالنهارِ (1).

_ 2385 - الطبراني في (الكبير 9 (9/ 155). مجمع الزوائد (2/ 269) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. 2386 - الطبراني (في الكبير) (9/ 154). مجمع الزوائد (2/ 269) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. (فهو راجز) الرجزُ: بحر من بحور الشعر معروف ويسمى قائله راجزاً ولم يعده الخليل شعراً. وإنما سماه ابن مسعود راجزاً لأن الرجز أخف على لسان المنشد واللسان به أسرع من القصيد. 2387 - الموطأ (1/ 200، 201) 15 - كتاب القرآن، 3 - باب ما جاء في تحزيب القرآن. 2388 - أبو داود (2/ 55) كتاب الصلاة، باب تحزيب القرآن، وإسناده جيد. 2389 - الطبراني في (الكبير) (9/ 155). مجمع الزوائد (2/ 269) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير من طريقين ورجال أحدهما رجال الصحيح.

2390 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألمْ أُحبر أنك تصومُ الدهر، وتقرأُ القرآن كل ليلةِ؟ قلتُ: بلى يا نبي الله، ولم أُردْ بذلك إلا الخير، قال: فصُمْ صوْمَ داود - وكان أعبد الناس - واقرأ القرآن في كل شهرٍ، قال: قلت: يا نبيَّ الله، إني أطيقُ أفضل من ذلك، قال: فاقرأهُ في كل عشرين، قال: قلتُ: يا نبي الله، إني أطيقُ أفضل من ذلك، قال: فاقرأه في كل عشرٍ، قال: قلت: يا نبي الله، إني أطيق أفضل من ذلك، قال: فاقرأهُ في كل سبعٍ، لا تزدْ على ذلك. قال: فشددْتُ فشُدِّدَ عليَّ، وقال لي: إنك لا تردي، لعلك يطولُ بك عمرٌ، قال: فصرتُ إلى الذي قال لي النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كبِرْتُ ودِدْتُ أنِّي كنتُ قبِلْتُ رخصة نبي الله صلى الله عليه وسلم". في رواية (1) للترمذي قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يقرأ القرآن في أربعين. وفي رواية (2) له أيضاً ... قال: أختمه في خمسة عشر؟ .. قال: اختمه في خمس ... 2391 - * روى أبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لم يفقهْ من قرأ القُرآن في أقلَّ من ثلاثٍ". وفي رواية (3) لأبي داود قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "اقرأ القرآن في شهرٍ" قلتُ: أجدُ قُوةً، فناقصني وناقصتُه، إلى أن قال: "اقرأهُ في سبعٍ، ولا تزد على ذلك"، قلت: إني أجد قوة، قال: "اقرأ في ثلاثٍ، فإنه لا يفقهُ من قرأه في أقلَّ من ثلاث". أقول: إن قراءة القرآن في أقل من ثلاث جائزة ومأجور عليها وكان كثير من العباد

_ 2390 - البخاري (4/ 218) 30 - كتاب الصوم، 55 - باب حقِّ الجسم في الصوم. (1) مسلم (2/ 813) 13 - كتاب الصيام، 35 - باب النهي عن صوم الدهر ... إلخ. (2) الترمذي (5/ 197) 47 - كتاب القراءات، 13 - باب. (3) الترمذي (5/ 196) نفس الموضع السابق. 2391 - أبو داود (2/ 56) كتاب الصلاة، باب تحزيب القرآن. الترمذي (5/ 198) 47 - كتاب القراءات، 13 - باب. أبو داود (2/ 54) كتاب الصلاة، باب في كم يقرأ القرآن.

- في ختم القرآن

يقرءونه في ليلة فلم يفهموا من النهي المنع وإنما فهموا منه الإرشاد إلى الحد الذي يستطيع فيه الإنسان أن يجمع بين التلاوة والتدبر، وفهموا أنه إذا فاتهم أجر التدبر، فلا يفوتهم أجر التلاوة. والإكثار من التعبد ليس ببدعة إذا كان نوع العبادة مشروعاً. - في ختم القرآن: 2392 - * روى الطبراني عن ثابت أن أنس بن مالك كان إذا ختم القرآن جمع أهله وولده فدعا لهم. - ماذا يفعل من نام عن حزبه؟: 2393 - * روى الجماعة إلا البخاري عن عبد الرحمن بن عبد القارئ (رحمه الله) قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نام عن حزبه من الليل، أو عن شيء منه، فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر، كُتب له كأنما قرأه من الليل". وفي رواية (1) الموطأ، فقرأهُ حين تزولُ الشمسُ إلى صلاة الظُّهر، فإنه لم يفُتْهُ أو كأنه أدركه". - قراءة القرآن عند ائتلاف القلوب: 2394 - * روى الشيخان عن (جُندُبِ بن عبد الله) رفعه: "اقرءوا القرآن ما

_ 2392 - الطبراني (1/ 242) "الكبير". مجمع الزوائد (7/ 172) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله ثقات. 2393 - مسلم (1/ 515) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 18 - باب جامع صلاة الليل، ومن نام عنه أو مرض. أبو داود (2/ 34) كتاب الصلاة، 20 - باب من نام عن حزبه. الترمذي (2/ 474، 475) أبواب الصلاة، 408 - باب ما ذكر فيمن فاته حزبه من الليل فقضاه بالنهار. النسائي (3/ 259) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 65 - باب متى يقضي من نام عن حزبه من الليل. ابن ماجه (1/ 426) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 177 - باب ما جاء فيمن نام عن حزبه من الليل. (1) الموطأ (1/ 200) 15 - كتاب القرآن، 3 - باب ما جاء في تحزيب القرآن. 2394 - البخاري (9/ 101) 66 - كتاب فضائل القرآن 37 - باب اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم. ... =

- في أحكام الجهر والإسرار بقراءة القرآن

ائتلفتْ عليه قلوبُكم، فإذا اختلفْتُم فقوموا". أقول: إذا كان هذا في حق القرآن، فكيف بالاختلاف الذي هو أثر عن اختلاف في قضية مصلحية يؤدي إلى تعكير القلوب، وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرض موته يقطع الاجتماع عندما اختلفوا في أمر كتابته في شأن الخلافة، وعلى هذا فمن أدب العلماء والدعاة أن يؤجلوا الجلسات التي تؤدي إلى تناكر القلوب حتى يتضح الحق، ويقبل الناس على الاجتماع بقلوب متآلفة. - في أحكام الجهر والإسرار بقراءة القرآن: 2395 - * روى أبو داود عن أبي سعيدٍ الخدريِّ (رضي الله عنه) قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فسمعهُمْ يجهرون بالقراءةِ، فكشف الستْرَ، وقال: "ألا إنَّ كُلكُمْ يناجي ربَّهُ، فلا يُؤذينَّ بعضُكم بعضاً، ولا يرفعْ بعضُكم على بعض في القراءة - أو قال: في الصلاة". أقول: في هذا النص آداب يغفل عنها الناس منها: أن جواز الجهر بالقرآن منوط بعدم التشويش وعدم الإيذاء، فإذا كان هذا في حق القرآن فمن باب أولى أن يقال في غيره، وقد توسع الناس في عصرنا في استعمال مكبرات الصوت في المساجد لغير الأذان وفي الاحتفالات رغبة في إسماع ربات البيوت فلينظر في هذا كله وليتعامل معه بما لا يؤذي الناس بحذر، وقد كان شيخنا الشيخ محمد الحامد رحمه الله يذكر أنه لا يصح أن يتحكم إنسان في الأجواء فيشوش على الطلاب والعباد بسبب من إسماع صوت بواسطة المكبرات وغيرها. وإذا حضر حفلة يمنع وضع المكبرات إلا بالقدر الذي يحتاجه السامعون الحاضرون، أما شعيرة الأذان فلها وضع خاص وعلى كل الأحوال، فالموازنة بين المصالح والمضار في مثل هذه الشؤون يحكمها الذوق الإسلامي ورغبة الناس واستعدادهم (1)، أما ما يفعله بعض الناس بإظهار المنكرات ونشرها وإشاعتها والتشويش على الناس بها فهذا مما يوجب التعزير

_ = مسلم (4/ 2053) 47 - كتاب العلم، 1 - باب النهي عن اتباع متشابه القرآن ... إلخ. 2395 - أبو داود (2/ 38) كتاب الصلاة، 26 - باب [في] رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل، وإسناده صحيح.

والإنكار ممن يستطيع ذلك. 2396 - * روى الشيخان عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يقرأُ في سورةٍ بالليل، فقال: "يرحمه الله، لقد أذكرني كذا وكذا: آيةً كنتُ أنسيتها من سورة كذا وكذا". وفي رواية (1): "أسقَطْتُهنَّ في سورة كذا". وفي أخرى (2) قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسمعُ قراءة رجلٍ في المسجد، فقال: "رحمه الله، لقد أذكرني آيةً كنتُ أنسيتُها". 2397 - * روى أبو داود عن عائشة قالت: إنَّ رجلاً قام من الليل، فقرأ فرفع صوته بالقرآن، فلما أصبح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يرحمُ الله فلاناً، كأيِّنْ من آيةٍ أذكرنيها الليلة، كنتُ قد أسقطتها". 2398 - * روى أبو داود عن عقبة بن عامرٍ (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله

_ 2396 - البخاري (9/ 87) 66 - كتاب فضائل القرآن، 27 - باب من لم ير بأساً أن يقول سورة البقرة ... إلخ. مسلم (1/ 543) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 33 - باب الأمر بتعهد القرآن، وكراهة قول نسيت آية كذا ... إلخ. (1) البخاري، الموضع السابق. (2) مسلم، نفس الموضع السابق. 2397 - أبو داود (2/ 38) كتاب الصلاة، 26 - باب في رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل. (كأين) كأين وكائن بمعنى: كم، وهي كاف التشبيه، دخلت على "أي" التي للاستفهام ولم يظهر للتنوين صورة في الخط إلا في هذه. قال محقق الجامع: نقل الحافظ عن الإسماعيلي، أن النسيان من النبي صلى الله عليه وسلم لشيء من القرآن يكون على قسمين: أحدهما: نسيانه الذي يتذكره عن قرب، وذلك قائم بالطباع البشرية، وعليه يدل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود في السهو "إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون" والثاني: أن يرفعه الله عن قلبه على إرادة نسخ تلاوته، وهو المشار إليه بالاستثناء في قوله تعالى: (سنقرئك فلاتنسى إلا ما شاء الله). فأما القسم الأول، فعارض سريع الزوال بظاهر قوله تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون). وأما الثاني، فداخل في قوله (ما ننسخ من آية أو ننسها) على قراءة من قرأ بضم أوله من غير همز. قال الحافظ: وفي الحديث: دليل لمن أجاز النسيان على النبي صلى الله عليه وسلم فيما ليس طريقه البلاغ مطلقاً، وكذا فيما طريقه البلاغ، بشرط انه لا يقع إلا بعد ما يقع التبليغ، وبشرط أنه لا يستمر على نسيانه، بل يحصل له تذكره، إما بنفسه وإما بغيره، فأما قبل تبليغه، فلا يجوز عليه النسيان أصلاً. 2398 - أبو داود (2/ 38) كتاب الصلاة، باب في رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل.

صلى الله عليه وسلم يقول: "الجاهرُ بالقرآن كالجاهرِ بالصدقة، والمسِرُّ بالقرآن كالمُسِرّ بالصدقة". قال الترمذي: معنى الحديث: أن الذي يُسِرّ بقراءة القرآن أفضل من الذي يجهر، لأن صدقة السر أفضل عند أهل العلم من صدقة العلانية، وإنما معنى هذا عند أهل العلم: لكي يأمن الرجل من العُجْب، لأن الذي يُسِرُّ [بالعمل] لا يُخاف عليه العجب ما يُخاف عليه في العلانية. أقول: وكما أن الجهر بالصدقة أحياناً يكون أفضل لبعض الحيثيات كأن كان المتصدق محل قدوة ليقتدي به الناس، فكذلك الجهر بالقرآن، فقد يكون أفضل لبعض الحيثيات كأن طلب بعض الناس من قارئ أن يقرأ لهم فيذكرهم، والإخلاص مطلوب في كل الأحوال، ومجاهدة النفس في حملها على الاستقامة الظاهرة والباطنة مطلوبة في كل الأحوال. 2399 - * روى الترمذي عن عبد الله بن أبي قيس (رحمه الله) قال: سألت عائشة رضي الله عنها، كيف كانت قراءةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل، أكان يُسِرُّ بالقراء، أم يجهرُ؟ فقالت: كُلُّ ذلك قد كان يفعلُ، رُبما أسرَّ بالقراء، ورُبما جهر، فقلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعةً. 2400 - * روى الطبراني عن علقمة بن قيسٍ قال بتُّ مع عبد الله بن مسعودٍ ليلةً، فقام أول الليل ثم قام يُصلي فكان يقرأ قراءة الإمام في مسجد حيه يرتل ولا يرجع يُسمعُ من حوله ولا يرجِّعُ صوته حتى لم يبق من الغلس إلا كما بين أذان المغرب إلى الانصراف منها ثم أوتر (1).

_ = الترمذي (5/ 180) 46 - كتاب فضائل القرآن، 20 - باب. النسائي (3/ 225) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 24 - فضل السر على الجهر. 2399 - الترمذي (5/ 183) 46 - كتاب فضائل القرآن، 23 - باب ما جاء كيف كان قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. النسائي (3/ 224) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 23 - باب كيف القراءة بالليل، وقد انتهت رواية النسائي إلى قوله "ربما جهر وربما أسرَّ". 2400 - الطبراني في (الكبير) (9/ 323). مجمع الزوائد (2/ 266) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح.

- في من جمع القرآن من الصحابة

2401 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعودٍ قال: لم يخافت من أسمع أذنيه. أقول: هذا مذهب ابن مسعود بأن أدنى المخافتة ألا يسمع الإنسان نفسه وهناك اتجاه ذكره بعض فقهاء الحنفية: أن أدنى المخافتة أن يسمع الإنسان نفسه وأدنى الجهر أن يسمع الإنسان جاره في الصلاة. - في من جمع القرآن من الصحابة: 2402 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة -كلهم من الأنصار - أُبيُّ بن كعبٍ، ومعاذ بن جبل، وأبو زيد، وزيدٌ- يعني: ابن ثابتٍ، قلت لأنسٍ: من أبو زيدٍ؟ قال: أحدُ عمومتي. وفي أخرى للبخاري (1) قال: مات النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يجمع القرآن غيرُ أربعةٍ: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبلٍ، وزيدُ بن ثابتٍ، وأبو زيدٍ، ونحنُ ورثْناهُ. وفي أخرى له (2): مات أبو زيدٍ: ولم يترُكْ عقباً، وكان بدرياً، واسم أبي زيد سعدُ ابن عبيدٍ. أقول: هذا كله يشير إلى اهتمام الصحابة بحفظ القرآن، وعلى كل مسلم أن يبذل جهداً.

_ 2401 - الطبراني في (الكبير) (9/ 322). مجمع الزوائد (2/ 267) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. 2402 - البخاري (7/ 127) 63 - كتاب مناقب الأنصار، 17 - باب مناقب زيد بن ثابت. مسلم (4/ 1914، 1915) 44 - كتاب فضائل الصحابة، 23 - باب من فضائل أبي بن كعب وجماعة من الأنصار، رضي الله تعالى عنهم. الترمذي (5/ 666) 50 - كتاب المناقب، 33 - باب مناقب معاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأُبي، وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (1) البخاري (9/ 47) 66 - كتاب فضائل القرآن، 8 - باب القراءة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. (2) البخاري (7/ 313) 64 - كتاب المغازي، 12 - باب. قال محقق الجامع: هذا الحصر إضافي وليس بحقيقي، فإن في الرواية الأولى أُبيَّ بن كعب بدلاً من أبي الدرداء في هذه الرواية، وأخرج النسائي بإسنادٍ صحيح عن عبد الله بن عمروٍ قال: جمعت القرآن وقرأتُ به كل ليلة فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "اقرأه في شهر ... " وقد ذكر أبو عبيد القاسم بن سلام القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فعد من المهاجرين الخلفاء الأربعة وطلحة وسعداً وابن مسعود وحذيفة وسالماً، وأبا هريرة وعبد الله بن السائب والعبادلة. ومن النساء عائشة وحفصة وأم سلمة قال الحافظ: ولكن بعض هؤلاء أكمله بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.

- في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخص أحدا بشيء من القرآن

في تحصيل ما يستطيع من القرآن وأن تكون همته حفظ جميع القرآن، وقد مر معنا أن ذلك سنة عين. 2403 - * روى البخاري عن سعيد بن جبير (رحمه الله) قال: إن الذي تدعُونَهُ المفصل هو المُحكم، قال: وقال ابن عباس: تُوفِّي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قرأتُ المفصَّلَ المحْكَمَ. وفي رواية (1)، أنه قال: جمعتُ المحكم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فقلتُ له: وما المحكم؟ قال: المُفَصَّلُ. أقول: حققت في كتاب (الأساس في التفسير) أن المفصل يبدأ بالذاريات وفي النص ما يشير إلى نمط من أنماط الاشتغال بحفظ القرآن وهو البدء بالمفصل. - في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخصّ أحداً بشيء من القرآن: 2404 - * روى البخاري عن عبد العزيز بن رُفيعٍ (رحمه الله) قال: دخلتُ أنا وشدادُ بن معقل على ابن عباس، فقال له شدادٌ: "أترك النبيُّ صلى الله عليه وسلم من شيءٍ؟ قال: ما ترك من شيءٍ، إلا ما بين الدفَّتَيْنِ، قال: ودخلنا على محمد بن الحنفية فسألناه، فقال: ما ترك إلا ما بين الدَّفَّتين". أقوال: هذا رد على من زعم من الباطنية، وبعض غلاة الشيعة، وبعض الصوفية، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خص أحداً بشيء، نعم قد خص بعض الصحابة بأشياء غير تكليفية للأمة لمصالح مؤقتة تقتضيها مصلحة الأمة كإسراره لحذيفة بأسماء المنافقين، وكإسراره لأبي هريرة ببعض الأحداث والفتن التي ستظهر بعد وفاته عليه الصلاة والسلام في مرحلة مبكرة حتى إذا حدث لبس خيف به على مصلحة الأمة الإسلامية وجد من يزيل هذا اللبس.

_ 2403 - البخاري (9/ 83) 66 - كتاب فضائل القرآن، 25 - باب تعليم الصبيان القرآن. (1) البخاري (9/ 83) نفس الموضع السابق. 2404 - البخاري (9/ 64، 65) 66 - كتاب فضائل القرآن، 16 - باب منْ قال لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما بين الدفتين. (ما بين الدفتين) أراد بقوله: ما بين الدفتين: كتاب الله تعالى، وما هو مكتوب بين دفتي المصحف من القرآن العزيز.

- من أسرار القرآن

- من أسرار القرآن: 2405 - * روى الطبراني عن بعد الله بن مسعود قال: "من أراد العلم فليُثَوِّرْ القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين". وفي رواية: خير الأولين والآخرين. أقول: قال تعالى: {} (1) وكل يوم جديد يكتشف الناس فيه جديداً في إعجاز القرآن ومعجزاته، ومن ذلك أمر الإنسان والكون، قال تعالى: {} (2). 2406 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود قال: إن هذا القرآن ليس منه حرف إلا له حد ولكل حدٍ مطلعٌ. أقول: إن من تأمل فيما كُتب في إعجاز القرآن عرف أن الحرف القرآني لا ينوب غيره منابه وأن موضعه في كلمته معجز، ومن هاهنا كان للحرف القرآني حدُّه، وأن لهذا الحد ظهوراً، وهذا باب واسع فمن تأمل كل حرف في القرآن وعرف صفاته من همس أو وجهر واستعلاء أو استفال أو شدة أو رخاوة أو لين، إلى غير ذلك ونظر في كل حرف على حدة ونظر في ظهور الحروف في الكلمة والآية والسورة وما في ذلك من تجانس وتعاضد حتى كان هذا القرآن معجزاً بلفظه ومعناه أدرك سر هذا الأثر وعرف أن هذا الباب لا تنتهي عجائبه، ولقد حاول كثير من القدماء والمحدثين أن يلجوا هذا الباب فأتوا به بالمعجب

_ 2405 - الطبراني في (الكبير) (9/ 146). الطبراني في (الكبير) (9/ 146). مجمع الزوائد (7/ 165) وقال الهيثمي: رواه الطبراني بأسانيد ورجال أحدها رجال الصحيح. (فليثور) أي يتفكر في معانيه وتفسيره وقراءته. (1) النحل: من 89. (2) فصلت: من 53. 2406 - الطبراني في (الكبير) (9/ 146). مجمع الزوائد (7/ 153) لم يتكلم عليه الهيثمي في المجمع واكتفى بقوله رواه الطبراني

- أقسام القرآن ونسخه لما قبله وفضله على سائر الكتب

المطرب، وكان ممن مسه مساً رفيقاً فاستخرج من لطائفه الكثير سيد قطب رحمه الله في كتابه الظلال وفي كتابه التصوير الفني في القرآن. - أقسام القرآن ونسخه لما قبله وفضله على سائر الكتب: 2407 - * روى أحمد عن واثلة بن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أُعطيتُ مكان التوراة السبع، وأعطيتُ مكان الزبور المئين، وأعطيتُ مكان الإنجيل المثاني، وفضلت بالمُفصَّلِ". أقول: القول الراجح عندي نتيجة لاستقراءات قوية ذكرتها في التفسير أن السبع الطوال تنتهي ببراءة، وأن المئين تنتهي بالقصص، وأن المثاني تنتهي بسورة ق، ويبدأ المفصل بالذاريات وينتهي بسورة الناس آخر سورة في القرآن. - تلاوة القرآن من غير وضوء: 2408 - * روى أحمد عن أبي سلامٍ قال حدثني من رأى النبي صلى الله عليه وسلم بال ثم تلا آياتٍ من القرآن - قال هُشيمُ آياً من القرآن - قبل أن يمسَّ ماءً. أقول: هذا يدل على أن من أحدث حدثاً أصغر فله أن يقرأ القرآن، والمذاهب الأربعة على أنه لا يحق له مس المصحف إلا بعد وضوء أو تيمم حال جواز التيمم كما سيمر معنا بعد قليل حديث صحيح في ذلك. 2409 - * (1) روى الطبراني عن إبراهيم أن ابن مسعود كان يُقرئ رجلاً فلما انتهى إلى

_ 2407 - أحمد (4/ 107). الطبراني في (الكبير) (22/ 75، 76). مجمع الزوائد (7/ 46) قال الهيثمي: رواه أحمد وفيه عمران القطان وثقه ابن حبان وغيره وضعفه النسائي وغيره وبقية رجاله ثقات. 2408 - أحمد (4/ 237). مجمع الزوائد (1/ 276) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات. 2409 - الطبراني في (الكبير) (9/! 57). مجمع الزوائد (1/ 276) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات.

- حكم مس القرآن

شاطئ الفرات بالَ وكفَّ عنه الرجل: فقال مالك؟ قال أحدثت. قال اقرأ فجعل يقرأ وجعل يفتحُ عليه. - حكم مس القرآن 2410 - * روى الطبراني في الكبير والصغير عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يمس القرآن إلا طاهرٌ". - كراهة السفر بالقرآن إلى أرض العدو: 2411 - * روى مالك عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو. قال ابن عبد البر: أجمع الفقهاء أن لا يسافر بالمصحف في السرايا والعسكر الصغير المخوف عليه، واختلفوا في الكبير المأمون عليه: فمنع مالك أيضاً مطلقاً، وفصل أبو حنيفة، وأدار الشافعية الكراهة مع الخوف وجوداً وعدماً. وقال بعضهم كالمالكية، وستدل به على منع بيع المصحف من الكافر لوجود المعنى المذكور فيه وهو التمكن من الاستهانة به، ولا خلاف في تحريم ذلك وإنما وقع الاختلاف هل يصح لو وقع ويؤمر بإزالة ملكه عنه أم لا؟ واستدل به على منع تعلم الكافر القرآن: فمنع مالك مطلقاً، وأجاز الحنفية مطلقاً، وعن الشافعي قولان، وفصل بعض المالكية بين القليل لأجل مصلحة قيام الحجة عليهم فأجازه، وبين الكثير فمنعه. ويؤيده قصة هرقل حيث كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم بعض الآيات. وقد نقل النووي الاتفاق على جواز الكتابة إليهم بمثل ذلك [انظر الفتح 6/ 134] (1).

_ 2410 - الروض الداني (2/ 277). الطبراني في (الكبير) (12/ 314). مجمع الزوائد (1/ 276) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والصغير، ورجاله موثقون. 2411 - الموطأ (2/ 446) 21 - كتاب الجهاد، 2 - باب النهي عن أن يُسافر بالقرآن إلى أرض العدو، قال مالك: وإنما ذلك، مخافة أن يناله العدو. البخاري (6/ 133) 56 - كتاب الجهاد، 129 - باب كراهية السفر بالمصاحف إلى أرض العدو. مسلم (3/ 1490، 1491) 33 - كتاب الإمارة، 24 - باب النهي أن يسافر بالمصحف إلى أرض الكفار إذا خيف وقوعه بأيديهم، وقال أيوب: فقد ناله العدو وخاصموكم به. أبو داود (3/ 36) كتاب الجهاد، 88 - باب في المصحف يُسافر به إلى أرض العدو.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد تكلم بعض العلماء كالغزالي والنووي عن آداب تلاوة القرآن استنباطاً من الكتاب والسنة نلخص من كلامهم ما يلي: 1 - من المناسب اختيار الوقت الجيد لتلاوة القرآن، وأفضل الأوقات ثلث الليل الأخير ووقت السحر ثم قراءة الليل ثم قراءة الفجر ثم قراءة الصبح ... ثم قراءة باقي أوقات النهار. 2 - وكما تحدث العلماء عن اختيار الوقت المناسب تحدثوا عن اختيار المكان المناسب فالقراءة في بيت الله أفضل من غيره ويستحب أن يكون في مكان بعيداً عن الشواغل والموانع. 3 - اختيار الهيئة الصالحة بحيث يستشعر عبودتيه لله وتذلله وخضوعه كأن يستقبل القبلة جالساً جلسة التشهد أو أي جلسة أخرى مناسبة. 4 - أن يكون القارئ على طهارة تامة إذا مس المصحف وإن كان من غير مس فلابد أن يكون متطهراً من الجنابة والمرأة من الحيض والنفاس. 5 - استحضار النية عند التلاوة والإخلاص لله فيها من الالتجاء إلى الله والإقبال عليه والاستعاذة والبسملة إن كان من أول السورة باستثناء براءة. 6 - تفريغ النفس من شواغلها وقضاء حاجاتها وطلباتها فلا يكون جائعاً أو عطشاً أو قلقاً. 7 - الخشوع والخضوع والتفكر في كتاب الله والتأثر والانفعال والبكاء أو التباكي مع حصر الفكر وعدم شروده عن معاني القرآن. 8 - استشعار عظمة الله وكرمه وفيوضاته والوقوف أمام الآيات يتدبر معانيها ويدرك حقائقها ودلالاتها ودروسها وعبرها. 9 - استشعار القارئ أنه المخاطب بما يقرأ من آيات مكلف بالقيام بحقها وأوامرها والانزجار عن زواجرها فلذلك آثاره البليغة.

10 - التخلي عما يمنع من التدبر والخشوع والخضوع كارتكاب المعاصي أو النظر إلى المحرمات أو سماع الحرام أو إشغال الفكر والقلب بما لا يصح إذ هذه حواس التلقي فإذا لم تطهر كانت العائدة والفائدة أقل. ومما يساعد على فهم القرآن الكريم: أن يتحلى القارئ بما ذُكِر من آداب ثم يقف أمام الآيات وقفات تأمل وفحص وتدبر ويكررها مرات ومرات فقد يمن الله عليه بمعان ولفتات بما لا يجده عند غيره. ولابد من النظرة الفاحصة لسياق الآية وتركيبها ومعناها اللغوي وغريبها وإعرابها وظلالها وبلاغتها مع العودة إلى التفسير المأثور الصحيح ثم الاطلاع على ما كتب من تفاسير محررة علمية. وبعد هذا يستشعر القارئ الجانب التطبيقي العملي الواقعي للآيات المتلوة. هذه بعض الأمور التي تساعد على فهم كتاب الله عز وجل وتدبره ... ولرب قائل يقول إن اتباع هذا المنهج يعني أن لا يختم القارئ إلا بعد فترة طويلة لهذا فقد ذكر بعض العلماء أن على القارئ أن يكون له ورد تلاوة يقرأ فيه ما تيسر من جزء أو أكثر أو أقل ثم ورد حفظ بحيث لا يمضي يوم إلا وقد حفظ شيئاً من القرآن يحدد لنفسه ثم ورد تدبر وتفكر وفهم بحيث يقف عند آية كل يوم أو أكثر يتأملها ويحاول الاطلاع على كتب التفسير المتيسرة.

الفقرة الثالثة: في بعض ما خص بالذكر من آيات وسور

الفقرة الثالثة: في بعض ما خص بالذكر من آيات وسور الأصل أن يشتغل المسلم في الكتاب كله تلاوة وحفظاً وفهماً فالعكوف على تلاوته وختمه مرة بعد مرة وكرة بعد كرة والاشتغال اليومي به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، قال تعالى: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} (1) قال فقهاء الحنفية (وحفظ جميع القرآن سنة عين) وقد ورد في السنة النبوية حض على التلاوة اليومية لآيات بعينها أو سور بعينها كما ورد حض على تلاوة بعض السور أسبوعياً، ووردت نصوص في الحض على حفظ سور بعينها وكان بعضُ الصحابة يقدمون حفظ المفصل، كل ذلك استدعى تخصيص هذا الموضوع بالذكر. وسنرى في هذه الفقرة أن الأمر واسع في التخير من القرآن للحفظ، ولكن قد يكون من المستحسن تحقيقاً لهذه النصوص أن يأخذ الإنسان نفسه بالحفظ على مراحل: فالمرحلة الأولى: يعكف فيها على ما ورد فيه شيء يخصه: كالبقرة، وآل عمران، والكهف وسورة ألم السجدة وياسين والمفصل. وفي المرحلة الثانية: يكون التركيز على أخذ ما تبقى من قسم الطوال إلى منتهى براءة، ثم يكون عكوف على ما تبقى من القرآن، والأمر واسع، وهذه بعض النصوص التي وردت في تخصيص بعض القرآن في الذكر. - في البسملة: 2412 - * روى البزار عن ابن عباس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف خاتمة السورة حتى تنزل بسم الله الرحمن الرحيم، فإذا نزل بسم الله الرحمن الرحيم علِمَ أن السورة قد خُتمت واستُقبِلَتْ وابتدئِتْ سورةٌ أخرى.

_ (1) آل عمران: 113. 2412 - كشف الأستار (3/ 40) كتاب التفسير، باب ابتداء السور ببسم الله الرحمن الرحيم. وقال الهيثمي: اقتصر أبو داود على قوله: لا يعرف فصل السورة، حتى ينزل بسم الله الرحمن الرحيم. وقال في مجمع الزوائد (6/ 310) رواه البزار بإسنادين، ورجال أحدهما رجال الصحيح.

- فضل سورة الفاتحة

- فضل سورة الفاتحة: 2413 - * روى البخاري عن أبي سعيدٍ بن المعلي رضي الله عنه قال: "كنتُ أصلِّي في المسجد، فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم أُجِبْه، ثم أتيته، فقلت: يا رسول الله، إني كنت أصل، فقال: "ألم يقل الله: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ} (1) ثم قال لي: ألا أعلمُك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد؟ ثم أخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج قلت: ألم تقل: لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن؟ قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال: هي السَّبْعُ المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيتُه". أخرجه البخاري وقال: قال مُعاذ: ذكر الإسناد، وقال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} "هي السبع المثاني". وفي حديث أبي داود قال: "ما منعك أن تُجيبني؟ ". 2414 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "خرَج على أُبي بن كعبٍ وهو يُصلي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أُبيُّ، فالتفت أُبيٌّ فلم يُجبه، وصلى وخفف، ثم انصرف فقال: السلام عليك يا رسول الله، قال: وعليك السلام، ما منعك أن تُجيبني إذْ دعوتُك؟ قال: كنت في صلاةٍ، قال أفلم تجدْ فيما أُوحيَ إليَّ أن {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}؟ قال: لا أعودُ إن شاء الله، قال: تُحبُّ أن أُعلِّمَك سورة لم يُنزَّلْ في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزَّبور، ولا في الفرقان مثلُها؟ قال: نعم، قال: كيف تَقْرَأ في الصلاة؟ قال فقرأ أمَّ القرآن،

_ 2413 - البخاري (8/ 156، 157) 65 - كتاب التفسير، 1 - باب ما جاء في فاتحة الكتاب. أبو داود (2/ 71، 782) كتاب الصلاة، 15 - باب فاتحة الكتاب. النسائي (2/ 139) 11 - كتاب الافتتاح، 26 - باب تأويل قول الله عز وجل (ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم). (1) الأنفال، 25. 2414 - الترمذي (5/ 155) 46 - كتاب فضائل القرآن، 1 - باب ما جاء في فضل فاتحة الكتاب وقال: هذا حديث حسن صحيح. (الفرقان) من أسماء القرآن، لأنه فارق بين الحق والباطل.

- فضل خواتيم سورة البقرة

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، ما أُنزِلَ في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلُها، وإنها سبعٌ من المثاني، والقرآن العظيم الذي أُعْطِيتُه". 2415 - * روى الترمذي عن أُبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أنزل الله في التوراة والإنجيل مثل أم القرآن، وهي السبع المثاني، وهي مقسومة بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل". 2416 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أم القرآن، وأُمُّ الكتاب، والسبعُ المثاني". - فضل خواتيم سورة البقرة: 2417 - * روى مسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "بينا جبريلُ عليه السلام قاعدٌ عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضاً من فوقه، فرفع رأسه، فقال: هذا بابٌ من السماء فُتح اليوم، لم يُفتحْ قطُّ إلا اليوم، فنزل منه ملكٌ، فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض، لم ينزلْ قطُّ إل اليوم، فسلَّم، وقال: أبشر بنورين أُوتيتهما، لم يؤتهما نبيٌّ قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرفٍ منهما إلا أُعْطيته". 2418 - * روى الترمذي عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (1) "إن الله عز وجل كتب كتاباً قبل أن يخَلُقَ السموات والأرض بألفي عام فأنزل منه آيتين ختمَ

_ 2415 - الترمذي (5/ 297) 48 - كتاب تفسير القرآن، 16 - باب "ومن سورة الحجر". النسائي (2/! 39) 11 - كتاب الافتتاح، 26 - تأويل قول الله عز وجل (ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظم). وهو حديث حسن، وصححه ابن حبان. 2416 - أبو داود (2/ 71) كتاب الصلاة، 15 - باب فاتحة الكتاب الترمذي (5/ 297) 48 - كتاب تفسير القرآن، 16 - باب "ومن سورة الحجر". وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. 2417 - مسلم (1/ 554) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 43 - باب فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة. النسائي (2/ 138) 11 - كتاب الافتتاح، 25 - فضل فاتحة الكتاب. (نقيضاً) النقيض: الصوت، كصوت الباب إذا فُتح. 2418 - الترمذي (5/ 159 - 160) 46 - كتاب فضائل القرآن، 4 - باب ما جاء في آخر سورة البقرة، وقال الترمذي: =

- فضل سورتي البقرة وآل عمران

بها سورة البقرة لا يُقرآن في دارٍ ثلاث ليال فيقْرَبُها شيطانٌ". 2419 - * روى أحمد عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آيتين أوتيتُهما من كنزٍ من بيتٍ من تحت العرش ولم يؤتهما نبيٌّ قبلي" يعني الآيتين من آخر سورة البقرة. وفي رواية (1) "أُعطيت خواتيم سورة البقرة من بيتٍ". 2420 - * روى أحمد عن حُذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "أُعْطيتُ هذه الآيات من آخر سورة البقرة من كنزٍ تحت العرش لم يُعطها نبيٌّ قبلي". 2421 - * روى الشيخان عن أبي مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة ليلةً كفتاه". - فضل سورتي البقرة وآل عمران: 2422 - * روى مسلم عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ = هذا حديث حسن غريب، وقد روى الترمذي هذا لحديث عن النعمان بن بشير. النسائي: رواه في سننه. الحاكم (1/ 562) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. الطبراني في (الكبير) (7/ 285). مجمع الزوائد (6/ 312) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. 2419 - أحمد (5/ 151). (1) أحمد (5/ 180). مجمع الزوائد (6/ 312) وقال الهيثمي: رواه كله أحمد بأسانيد ورجال أحدها رجال الصحيح. 2420 - أحمد (5/ 383). الطبراني في (الكبير) (3/ 169). مجمع الزوائد (6/ 324) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط ورجال أحمد رجال الصحيح. 2421 - البخاري (9/ 55) 6 - كتاب فضائل القرآن، 10 - باب فضل سورة البقرة. مسلم (1/ 554، 555) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 43 - باب فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة والحث على قراءة الآيتين من آخر البقرة. أبو داود (2/ 56، 57) كتاب الصلاة، باب تحزيب القرآن. الترمذي (5/ 159) 46 - كتاب فضائل القرآن، 4 - باب ما جاء في آخر سورة البقرة وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (كفتاه) أي: أجزأتا عنه عن قيام الليل بالقرآن، وانظر كلام الحافظ في "الفتح" 9/ 50. 2422 - مسلم (1/ 554) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 42 - باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة. ... =

يقول: "يُؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعلمون به في الدنيا تقدمُه سورة البقرة وآل عمران - وضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أمثال ما نسيتُهن بعدُ - قال: كأنهما غمامتان - أو ظُلَّتان - سوداوان بينهما شرقٌ، أو كأنهما خِرقَان من طيرٍ صوافَّ، تُحاجّان عن صاحبهما". وعند الترمذي "ما نسيتُهنَّ بعدُ، قال: "يأتيان كأنهما غيابتان بينهما شرقٌ، أو كأنهما غمامتان سوداوان، أو كأنهما ظُلَّتان من طير صوافَّ، تُجادلان عن صاحبهما. 2423 - * روى مسلم عن أبي أمامة الباهلي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: "اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه اقرؤوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهم فِرْقَان من طيرٍ صوافَّ تُحاجان عن أصحابهما اقرؤوا سورة البقرة فإن أخذها بركةٌ وتركها حسرةٌّ ولا تستطيعها البطلةُ". قال معاوية بلغني أن البطلة السحرةُ. 2424 - * (1) روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا

_ = الترمذي (5/ 160) 46 - كتاب فضائل القرآن، 5 - باب ما جاء في سورة آل عمران، وقال الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجه. (الظُلَّة): السحابة، لأنها تُظِلُّ الإنسان، أي تُغطيه، هكذا جاء في حديث النوَّاس. حِزْقان: وفي رواية خِرْقان ومعناهما واحد وهما قطيعان وجماعتان يقال في الواحد خِرْق وحزق، وحزيقة أي جماعة وفي رواية خِرْقان من الخرقة، وهي القطعة من الجراد. (بينهما شرق): أي ضياء ونور، والشرق: المشرق، والشرق: الشمس. 2423 - مسلم (1/ 553) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 42 - باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة. قال ابن الأثير: زاد في رواية "ما من عبدٍ يقرأ بها في ركعةٍ قبل أن يسجد ثم سأل الله شيئاً إلا أعطاه، إنْ كادت لتستحصي الدين كله". ا. هـ وهذه الزيادة غير موجودة في المطبوع من صحيح مسلم. قال العلماء: سُميتا الزهراوين لنورهما وهدايتهما وعظيم أجرهما. النووي 6/ 90. 2424 - مسلم (1/ 539) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 29 - باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد. الترمذي (5/ 157) 46 - كتاب فضائل القرآن، 2 - باب ما جاء في فضل سورة البقرة وآية الكرسي، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

- في آية الكرسي

تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان يفرُّ من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة". وزاد مسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قضى أحدُكم الصلاة في مسجده، فليجعلْ لبيته نصيباً من صلاته، فإن الله جاعلٌ في بيته من صلاته خيراً". 2425 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لكل شيء سنامٌ، وإن سنام القرآن سورة البقرة، وفيها آية هي سيدة آي القرآن: آية الكرسي". - في آية الكرسي: 2426 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "وكَّلَني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت، فجعل يحثُو من الطعام، فأخذته، وقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إني محتاجٌ، وعليَّ عيالٌ، وبي حاجةٌ شديدةٌ، قال: فخليتُ عنه، فأصبحتُ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أبا هريرة ما فعل أسيرُك البارحة؟ قلت: يا رسول الله، شكا حاجةً وعيالاً، فرحمتُه فخليتُ سبيله، قال: أما إنه قد كذبك وسيعودُ، فعرفتُ أنه سيعودُ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرصدْتُه، فجاء يحثو من الطعام، فأخذته، ف قلت: لأرفعنَّك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: دعني، فإني محتاجٌ، وعليَّ عيالٌ، لا أعود، فرحمته فخليت سبيله، فأصبحت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا هرٍ، ما فعل أسيرُك؟ قلت: يا رسول الله، شكا حاجة شديدة وعيالاً فرحمته، فخليتُ سبيله، فقال: أما إنه كذبك وسيعود، فرصدتُه الثالثة، فجاء يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه آخر ثلاث مرات، إنك تزعم لا تعودُ ثم تعود، فقال: دعني، فإني أعلمك كلماتِ ينفعك الله بها، قلت: ما هُنَّ؟ قال (1): إذا أويتَ

_ 2425 - الترمذي (5/ 157) 46 - كتاب فضائل القرآن، 2 - باب ما جاء في فضل سورة البقرة وآية الكرسي، وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حكيم بن جبير، وقد تكلم شعبة في حكيم بن جبير وضعفه. (سنام القرآن): أعلاهُ، تشبيهاً بسنام البعير. 2426 - البخاري (4/ 487) 40 - كتاب الوكالة، 10 - باب إذا وكَّل رجلاً فترك الوكيل شيئاً فأجازه الموكل فهو جائز، وإن أقرضه إلى أجلٍ مُسمى جاز.

- في السبع الطوال

إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} حتى تختم الآية فنه لن يزال عليك من الله حافظٌ، ولا يقربُك شيطان حتى تُصبح، فخليت سبيله، فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا هر ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت: يا رسول اله، زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها، فخليتُ سبيله، قال: ما هي؟ قلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ أية الكرسي من أولها، حتى تختم الآية {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ، ولن يقربك شيطان، حتى تصبح- وكان أحرص شيء على الخير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلمُ من تخاطبُ منذ ثلاث يا أبا هريرة؟ قال: قلتُ: لا، قال: ذاك شيطان". 2427 - * روى مسلم عن أُبيِّ بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا المنذر، أتدري أي آيةٍ من كتاب الله معك أعظم؟ قلت: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (1) فضرب في صدري وقال: ليهنك العِلْمُ أبا المنذر". وفي رواية (2) أبي داود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبا المنذر، أيُّ آية معك من كتاب الله أعظم؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: أبا المنذر أيُّ آية من كتاب الله معك أعظم؟ قلت: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} ... الحديث. - في السبع الطوال: 2428 - * روى أحمد عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أخذ السبع الطِوَل فهو حبرٌ".

_ 2427 - مسلم (1/ 556) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 44 - باب فضل سورة الكهف وآية الكرسي. (1) البقرة: 255. (2) أبو داود (2/ 72) كتاب الصلاة، 17 - باب ما جاء في آية الكرسي. 2428 - أحمد (6/ 73، 82). كشف الأستار (3/ 95) باب في قراءة القرآن. مجمع الزوائد (7/ 162) وقال الهيثمي: رواه أحمد والبزار، ورجال البزار رجال الصحيح، يغر حبيب بن هند =

- في سورة الكهف

وفي رواية (1) للحاكم: "خير" بدل "حبرٌ". - في سورة الكهف: 2429 - * روى الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ سورة الكهف كانت له نوراً يوم القيامة من مقامه إلى مكة ومن قرأ عشر آيات من آخرها ثم خرج الدجال لم يضرَّه ومن توضأ فقال سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إل أنت أستغفرُك وأتوبُ إليك كُتِبَ في رقٍ ثم جُعل في طابع فلم يُكسَرْ إلى يوم القيامة". 2430 - * روى الحاكم عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين". وفي رواية (2) للبيهقي "من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له النور ما بينه وبين البيت العتيق". 2431 - * روى مسلم عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه سلم قال: "منْ حفظ عشر آياتٍ من أول (سورة الكهف) عُصِمَ من فتنة الدجال". وفي رواية (3) "من آخر الكهف".

_ = الأسلمي وهو ثقة، ورواه بإسناد آخر رجاله رجال الصحيح، ورواه بإسناد آخر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثله ولكن سقط من الإسناد رجل. (1) الحاكم (1/ 564). 2429 - مجمع الزوائد (1/ 239) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح إلا أن النسائي قال بعد تخريجه في اليوم والليلة هذا خطأ والصواب موقوفاً ثم رواه من رواية الثوري وغندر عن شعبة موقوفاً. (رق): ما يكتب فيه وهو جلد رقيق أو نحوه. (الطابع): الخاتم. 2430 - الحاكم (2/ 368) وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (2) البيهقي (3/ 249) باب ما يؤمر به في ليلة الجمعة ويومها من كثرة الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم (وقراءة سورة الكهف وغيرها 9. البيهقي: نفس الموضع السابق. 2431 - مسلم (1/ 555) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 44 - باب فضل سورة الكهف .... أبو داود (4/ 117) كتاب الملاحم، 14 - باب خروج الدجال. (3) مسلم (1/ 556) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 44 - باب فضل سورة الكهف .... إلخ.

- في فضل سورة تبارك "الملك"

وفي رواية (1) الترمذي "ثلاث آيات من أول سورة الكهف". - في فضل سورة تبارك "الملك": 2432 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من القرآن سورةٌ ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غُفر له. وهي: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} ". 2433 - * روى الحاكم عن بن مسعود (مرفوعاً): "سورة تبارك هي المانعة من عذاب القبر". 2434 - * روى الطبراني في الكبير والأوسط عن ابن مسعودٍ قال: كنا نسميها في عهدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم المانعة وإنها في كتاب الله سورةٌ من قرأها في ليلةٍ فقد أكثر وأطنب. 2435 - * روى الطبراني في الصغير والأوسط عن أنسٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سورة من القرآن ما هي إلا ثلاثون آية خاصمت عن صاحبها حتى أدخلته الجنة وهي سورة تبارك". - في التكوير والانفطار والانشقاق: 2436 - *روى أحمد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

_ (1) الترمذي (5/ 162) 46 - كتاب فضائل القرآن، 6 - باب ما جاء في فضل سورة الكهف قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. 2432 - أبو داود (2/ 57) كتاب الصلاة، باب في عدد الآي، وعند أبي داود: "تشفع لصاحبها"، بدلاً من (شفعت) التي عند الترمذي. الترمذي (5/ 164) 46 - كتاب فضائل القرآن، 9 - باب ما جاء في فضل سورة الملك وقال الترمذي: هذا حديث حسن. الحاكم (2/ 497، 498) تفسير سورة الملك، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. 2433 - الحاكم (2/ 498) وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي 2434 - مجمع الزوائد (7/ 127) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله ثقات. 2435 - الروض الداني (1/ 296). مجمع الزوائد (7/ 127) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الصغير والأوسط ورجاله رجال الصحيح. 2436 - أحمد (2/ 27، 36، 100). مجمع الزوائد (7/ 134) وقال الهيثمي: رواه أحمد بإسنادين ورجالهما ثقات. الترمذي (5/ 433) 48 - كتاب التفسير، 74 - باب "ومن سورة إذا الشمس كورت" وقال الترمذي: هذا ... =

- في سورة الزلزلة

"من سرَّه أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأيُ عينٍ فليقرأ {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} و {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} و {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}. - في سورة الزلزلة: 2437 - * روى أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: "أتى رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقرئني يا رسول الله، قال: "اقرأ ثلاثاً من ذوات آلر، فقال: كبرتْ سني، واشتد قلبي، وغلُظ لساني، قال: فاقرأ ثلاثاً من ذوات حم، فقال مثل مقالته، قال: اقرأ ثلاثاً من المسبحات، فقال مثل مقالته، فقال الرجل: يا رسول الله أقرئني سورة جامعة، فأقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} (1) حتى فرغ منها فقال الرجل: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليها أبداً، ثم أدبر الرجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلح الرُّويجِل-مرتين-". أقول: هذا دليل لمن ذهب من أئمة السلوك إلى الله عز وجل إلى أن للشيخ المربي أن يتخير آيات أو سورة يلقنها للتلميذ حتى يتنور قلبه بمعرفة الله وليس عنده سورة أعظم من سورة الفاتحة توصل إلى معرفة الله الذوقية، القلبية بأسرع ما يمكن لمن جعلها ورده الدائم. - في سورة الإخلاص: 2438 - * روى الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلاً قال: "يا رسول الله، إني أُحِبُّ هذه السورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} قال: "إن حُبَّك إياها أدخلك الجنة".

_ = حديث حسن غريب. الحاكم (2/ 515) وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وصححه ووافقه الذهبي. 2437 - أحمد (2/ 169). أبو داود (2/ 57) كتاب الصلاة، باب تحزيب القرآن. (1) الزلزلة: 1 - 8. الحاكم (2/ 532) وصححه ووافقه الذهبي. (سورة جامعة) أراد بقوله: سورة جامعة: أنها تجمع أسباب الخير وما يتوقع من البركة. (الرويجل): تصغير رجل، على القياس: رجيل، فأما "رويجل" فإنه تصغير على غير قياس، وقد جاء في العربية أشياء مصغرة على غير قياس. 2438 - الترمذي (5/ 170) 46 - كتاب فضائل القرآن، 11 - باب ما جاء في سورة الإخلاص.

2439 - * روى مسلم عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلةٍ ثلث القرآن؟ قال: وكيف يقرأ ثلث القرآن؟ قال: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن". وفي رواية (1) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله جزأ القرآن ثلاثة أجزاءٍ، فجعل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} جزءاً من أجزاء القرآن". 2440 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "أقرأ عليكم ثلث القرآن؟ فقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ} حتى ختمها. وفي رواية (2) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احُشدوا، فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن، فحشدَ من حشد، ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ثم دخل، فقال بعضنا لبعضٍ: إني أُري هذا خبراً جاءه من السماء، فذاك الذي أدخله، ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "إني قلت لكم: سأقرأُ عليكم ثلث القرآن، ألا إنها تعدلُ ثلث القرآن". سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}: تسمى سورة الإخلاص وسميت سورة الإخلاص: إما لأنها خالصة لله تعالى في صفته، أو لأن اللفظ بها قد أخلص التوحيد لله تعالى. 2441 - * روى مالك عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} يُردِّدُها، فلما أصبح جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له- وكان

_ 2439 - مسلم (1/ 556) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 45 - باب فضل قراءة قل هو الله أحد. (1) مسلم، الموضع السابق. 2440 - مسلم (1/ 557) الموضع السابق. الترمذي (5/ 169) 46 - كتاب فضائل القرآن 11 - باب ما جاء في سورة الإخلاص. (2) مسلم، الموضع السابق. (احشُدوا) الحشد: الجمع والاستكثار، أي: اجتمعوا، واستحضروا الناس. 2441 - الموطأ (1/ 208) 15 - كتاب القرآن، 6 - باب ما جاء في قراءة (قل هو الله أحد). البخاري (9/ 59) 66 - كتاب فضائل القرآن، 13 - باب فضل (قل هو الله أحد). أبو داود (2/ 72) كتاب الصلاة، 18 - باب في سورة الصمد. النسائي (2/ 171) 11 - كتاب الافتتاح، 69 - باب الفضل في قراءة (قل هو الله أحد). ... =

الرجل يتقالُّها - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، إنها لتعدِلُ ثلث القرآن". قال البخاري: وزاد [أبو معمرٍ: حدثنا] إسماعيلُ بن جعفر عن مالك عن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي سعيد قال: أخبرني أخي قتادة بن النُّعمان، عن النبي صلى الله عليه وسلم- وفي رواية (1): قال: قال النبي صلى الله عليه سلم لأصحابه: "أيعجزُ أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلةٍ؟ " فشق ذلك عليهم، وقالوا: أيُّنا يُطيقُ ذلك يا رسول الله؟ فقال: {اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ} ثلث القرآن". قال ابن الأثير: (ثلث القرآن) قد ذكر العلماء في كونه صلى الله عليه وسلم جعل (سورة الإخلاص) تعدل ثلث القرآن وجهاً صالحاً، فيه مناسبةٌ، قالوا: إن القرآن لا يعدو ثلاثة أقسام، وهي: الإرشاد إلى معرفة ذات الله وتقديسه، أو معرفة صفاته وأسمائه، أو معرفة أفعاله وسنه مع عباده، ولما اشتملت سورة الإخلاص على أحد هذه الأقسام الثلاثة، وهو التقديس، وازنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلث القرآن. 2442 - * روى مالك عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أقبلتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمع رجلاً يقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فقال: "وجبتْ"، فقلتُ: ماذا يا رسول الله؟ قال: "الجنةُ" قال أبو هريرة: فأردتُ أن أذهب إلى الرجل فأبشره، ففرقْتُ أن يفوتني الغداءُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فآثرتُ الغداء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذهبتُ إلى الرجل فوجدتهُ قد ذهب".

_ (1) البخاري، الموضع السابق. أخرج الموطأ الرواية الأولى، وقال: "يتفالها"، بالفاء، وأخرج النسائي الأولى أيضاً. 2442 - الموطأ (1/ 208) 15 - كتاب القرآن، 6 - باب ما جاء في قراءة قل هو الله أحد، وتبارك الذي بيده الملك. الترمذي (5/ 167، 168) 46 - كتاب فضائل القرآن، 11 - باب ما جاء في سورة الإخلاص. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، وإسناده صحيح. النسائي (2/ 171) 11 - كتاب الافتتاح، 69 - باب الفضل في قراءة (قل هو الله أحد). (ففرقت) فرِقتُ أفرق فرقاً: إذا فزعْتَ من الشيء، وكذلك أشفقتُ من فلان: إذا خِفْتَه.

- في المعوذتين

- في المعوذتين: 2443 - * روى النسائي عن عبد الله بن خُبيبٍ رضي الله عنه قال: "أصابنا طشٌّ وظُلمةٌ، فانتظرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي بنا ... [ثم ذكر كلاماً معناه] فخرج، فقال: قُلْ، قلتُ: ما أقول؟ قال: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ} والمعوذتين- حين تمسي وحين تُصبح [ثلاثاً]، تكفيك كل شيء". وفي رواية (1) قال: كنتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق مكة، فأصبحت خلوة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فدنوتُ منه، فقال: قل، قلت: ما أقول؟ قال: قل، قلت: ما أقول؟ قال: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} حتى ختمها، ثم قال: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} حتى ختمها، ثم قال: ما تعوذَ الناسُ بأفضل منهما". 2444 - * روى النسائي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلمك "اقرأ يا جابرُ، قلت: وماذا أقرأ - بأبي أنت وأمي - قال: اقرأ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} فقرأتُهما، فقال: اقرأ بهما، ولن تقرأ بمثلهما". 2445 - * روى مسلم عن عُقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألم تر آياتٍ أنزلت هذه الليلة، لم يُر مثلُهن قط {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}. وفي رواية (2) قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "أُنزل - أو أنزلتْ - عليَّ آياتٌ لم يُر مثلهن قطُّ: المعوذتين" زاد في رواية (3) عند ذكر عقبة "وكان من رُفقاء أصحاب محمدٍّ صلى الله عليه وسلم".

_ 2443 - النسائي (8/ 250) 50 - كتاب الاستعاذة، 1 - كتاب الاستعاذة. (طشَّ) الطشُّ: أقل ما يكون من المطر. (1) النسائي 08/ 251) الموضع السابق، وإسناده حسن. 2444 - النسائي (8/ 254) 50 - كتاب الاستعاذة، 1 - كتاب الاستعاذة، وإسناده حسن. 2445 - مسلم (1/ 558) 6 - كتاب صلاة المسافرين وصرها، 46 - باب فضل قراءة المعوذتين. (2) مسلم، الموضع السابق. (3) مسلم، الموضع السابق. ... =

وفي رواية (1) أبي داود والنسائي (2) قال: "كنت أقودُ برسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته في سفر، فقال لي: يا عقبة، ألا أعلمك خير سورتين قُرئتا؟ فعلمني {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} فلم يرني سُررتُ بهما جداً، فلما نزل لصلاة الصبح صلى بهما صلاة الصبح للناس، فلما فرغ رسول الله من الصلاة التفت إليَّ، فقال: يا عقبة، كيف رأيت؟ ". وفي رواية (3) للنسائي قال: "اتبعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راكبٌ، فوضعتُ يدي على قدمه، فقلتُ: أقرئني (سورة هودٍ)، أو (سورة يوسف)، قال: "لن تقرأ شيئاً أبلغ عند الله من [آيات] أنزلت عليَّ الليلة، لم يُر مثلهن {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ". وله في أخرى (4) قال: "بينما أقودُ برسول الله صلى الله عليه وسلم في نقبٍ من تلك النقابِ، إذ قال: "ألا تركبُ يا عقبة؟ فأجللْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرْكب مرْكب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: ألا تركبُ يا عقبة، فأشفقْتُ أن يكون معصيةً، فنزل فركبتُ هنيهةً، ونزلتُ، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: ألا أُعلِّمُك سورتين من خير سورتين قرأ بهما الناس، فأقرأني {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} فأقيمت الصلاة، فتقدم فقرأ بهما، ثم [مرَّ بي]، فقال: كيف رأيت يا عقبة؟ اقرأ بهما كلما نمت وقمت". وزاد (5) في أخرى "م سأل سائلٌ بمثلها، ولا استعاذ مستعيذٌ بمثلهما". ولأبي داود (6) في أخرى قال: "بينا أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الجُحْفَة والأبْواء،

_ = الترمذي (5/ 170) 46 - كتاب فضائل القرآن 12 - باب ما جاء في المعوذتين. النسائي (2/ 158) 11 - كتاب الافتتاح، 46 - باب الفضل في قراءة المعوذتين. (1) أبو داود (1/ 73) كتب الصلاة، 19 - باب في المعوذتين. (2) النسائي (8/ 252، 253) 50 - كتاب الاستعاذة، 1 - باب الاستعاذة. (3) النسائي (8/ 254) الموضع السابق. (4) النسائي (8/ 254) الموضع السابق. (5) النسائي (8/ 254) الموضع السابق. (6) أبو داود (2/ 73) كتاب الصلاة، 19 - باب في المعوذتين.

إذ غشيتنا ريحٌ وظلمة شديدة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ بأعوذ برب الفلق، وأعوذ برب الناس، ويقول: يا عقبة، تعوَّذْ بهما، فما تعوذ متعوذٌ بمثلهما، وقال: وسمعتُه يؤمُّنا بهما في الصلاة". وأخرج (1) الترمذي من هذا طرفاً آخر قال: "أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوذتين في دُبرِ كل صلاة". 2446 - * روى الطبراني في الوسط عن أبي مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لقد أُنزلَ عليَّ آيات لم ينزل عليَّ مثلهنَّ: المعوذتين".

_ (1) الترمذي (5/ 171) 46 - كتاب فضائل القرآن، 12 - باب ما جاء في المعوذتين. 2446 - مجمع الزوائد (7/ 149) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد - قراءة القرآن خارج الصلاة أفضل من سائر الذكر المندوب لكن الاشتغال بالمأثور من الذكر في محله كالرد على المؤذن، والدعاء بعد الأذان والأذكار المأثورة في أدبار الصلوات، إلى غير ذلك من أذكار ندب إليها في محلها أفضل من الاشتغال بتلاوة القرآن في ذلك المحل، وبعض القرآن أفضل من بعض. - يستحب حفظ القرآن إجماعاً، وعلى من حفظ منه أن يتعاهد المحفوظ بالتلاوة والمراجعة، وحفظه فرض كفاية إجماعاً، ويجب أن يحفظ منه ما تصح به الصلاة، وينبغي أن يهتم ولي الصغير والصغيرة بتعليمهما القرآن تلاوةً وحفظاً. - من المسائل التي نص عليها الحنفية: أن الاستماع لقراءة القرآن فرض كفاية وهذه رخصة، فكثيراً ما يفتح الناس المسجلات وغيرها على القرآن، فإذا ما اعتبرنا أن الاستماع فرض عين دخل الكثيرون في دائرة الحرج. - لا بأس بقراءة القرآن، والإنسان ماشٍ أو مضطجع أو جالس أو راكب إلا أن الكمال أولى. - يستحب للإنسان أن يكون له ورده القرآني اليومي بحيث يختم القرآن كل فترة من الزمن والمستحب ألا يتجاوز في ختمته الأربعين يوماً، فإذا ختمه في ثلاثة أو سبعة يكون أفضل، وبعض الناس يختمونه يومياً، والأجر حاصل ولكن يفوت صاحب ذلك التدبر وأجره، كما يفوت أجر الترتيل، فترتيل القرآن مع تدبره، أفضل من قراءة الكثير مع العجلة على أنه لا حرج في الإكثار ولو قل التدبر. - يستحب تحسين الصوت بالقرآن وتجب المحافظة على أحكام الترتيل كما تُلقيت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. - يستحب التعوذ قبل القراءة وحمد الله تعالى بعدها كما يستحب البكاء والتباكي وأن يسأل الله عند آية الرحمة ويتعوذ عند آية العذاب ولا يقطع القراءة لحديث الناس إلا لحاجة وأن يتلقى القرآن من العدول الصالحين العارفين بمعاني القرآن، وأن يتطهر ويستقبل

القبلة إذا قرأ قاعداً، ويتحرى أن يعرضه كل عام على من هو أقرأ منه وألا يجهر بين مصلين أو نيام جهراً يؤذيهم كما لا يجهر بين من يقرأ القرآن جهراً يؤذيه. ويكره الجهر بالقراءة في المسجد لما فيه من التشويش على الآخرين. - بعض الناس يحرصون على مراعاة الآداب حرصاً يمنعهم من تلاوة القرآن وهذا خطأ، فالأدب مطلوب، لكن إذا فوت علينا قراءة القرآن أفضل. - تكره القراءة في المواضع القذرة، وحال تكشف العورات والعورة المعتبرة في الكراهة هي عورة الرجل من الرجل وعورة المرأة من محرمها. - المذاهب الأربعة على أنه لا يصح للمحدث حدثاً أصغر أو أكبر أن يمس المصحف، أما القراءة بدون مس فتمنع مع الحدث الأكبر ولا تكره مع الحدث الأصغر ولا مع نجاسة في ثوب أو بدن ولا حال مس الزوجة والذكر، وتكره استدامتها حال خروج الريح وإنما يمسك حتى تنقضي ويجوز للجنب أن يقرأ القرآن بقلبه سواء كان ذلك من حفظه أو من المصحف على ألا يمسه. - القراءة في المصحف أفضل من القراءة عن ظهر قلب لأنه يجتمع فيهما السمع والبصر واللسان، ومن استمع لقارئ فإنه شريك في الأجر، ويكره الحديث عند القراءة لما لا فائدة فيه. - يستحب الدعاء عند ختم القرآن ويستحب لمن فرغ من ختمه أن يشرع في أخرى، ويسن لمن يختم القرآن أن يكبر آخر كل سورة ابتداءً من الضحى إلى آخر القرآن، ويستحب الإكثار من التلاوة في الأماكن الفاضلة كمكة والمساجد. - ولا يجوز أن يجعل القرآن بدلاً من الكلام مثل: جاء رجل فيقول: ثم جئت على قدر يا موسى. - ذكر السيوطي: أن نسيان القرآن كبيرة من الكبائر، صرح بذلك النووي، لكن فقهاء الحنفية قالوا: لا يعتبر نسيانه كبيرة إلا إذا نسي أصل القراءة من المصحف ومما ذكره النووي: سنية الاستياك لقراءة القرآن تعظيماً وتطهيراً. والمحافظة على قراءة البسملة أول

كل سورة غير براءة. - قال السيوطي: لا بأس بتكرير الآية وترديدها. وقال: الأولى أن يقرأ القرآن على ترتيب المصحف، ونقل عن شرح المهذب تعليل ذلك: لأن ترتيبه لحكمة فلا يتركه. أقول: وهو أدب تحسن مراعاته، ولا يترتب على عدم مراعاته إثم. ونقل السيوطي: أنه اشتهر عن المالكية تحريم الاقتباس وتشديد النكير على فاعله، لكنه نقل عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام جوازه، واختار السيوطي التفصيل نقلاً عن بعض العلماء، فما كان منه في الخطب والمواعظ ومدح الرسول صلى الله عليه وسلم والعهود فهو مقبول، وما كان في الغزل والرسائل والقصص فهو مباح، وما كان منه في هزل أو أن ينسب أحد ما لله لغير الله فهذا مردود والنكير قائم على أهل هؤلاء. - مما وصف به الخوارج قوله عليه الصلاة والسلام: يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ومن ثم كان القرآن ميزاناً يعرف به الإنسان حال قلبه، فإذا كانت معاني القرآن تصل إلى قلبه ويتأثر بها فتلك علامة على صحة القلب، وإلا فإن القلب مريض يحتاج إلى علاج، وسبب المرض إما بدعة وإما مرض من أمراض القلوب، ولابد من التوبة من البدعة وغيرها من الذنوب، والإكثار من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والدعاء والأذكار، وقراءة القرآن تساعد على الشفاء، وللتفكر والتدبر محلهما في الخروج من مرض القلب إلى عافيته. - مما ينبغي أن يراعيه قارئ القرآن ترتيله ويدخل في الترتيل تحسين الصوت به ومعرفة أمكنة الوقوف وتجويد النطق بالحروف بإعطاء كل حرف حقه ومستحقه فلكل حرف حقه الذي يتمثل في إخراجه من مخرجه ومراعاة صفاته كالهمس أو الجهر والشدة أو الرخاوة أو التوسط والاستعلاء أو الاستفال والإطباق أو الانفتاح والإذلاق أو الإصمات والقلقلة والتفشي والصفير واللين والانحراف والاستطالة وعدم التكرير. وأما مستحق الحرف فهو ما يجب للحرف بسبب ما يأتي بعده أو قبله من حروف كالمد والترقيق والتفخيم وغير ذلك وهذه لا تنال إلا بأخذ علم الترتيل من أهله بأن يعرف الإنسان أحكام الترتيل وبأن يتلقن القرآن أو يقرأه على مقرئ يتقن هذا الفن. وقد نص بعض العلماء على أن قراءة ما يقرؤه الإنسان

مرتلاً فريضة عينية لقوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} (1) ومن كلامهم: والأخذ بالتجويد حتم لازم ... من لم يجود القرآن آثم لكن من لم يلاحظ أحكام التجويد فهو آثم من حيثية ومأجور من حيثية ونرجو أن يكون أجره بتلاوة القرآن أكثر بما لا يقاس من إثمه.

_ (1) المزمل: من 4.

الباب الثاني في بعض علوم القرآن

الباب الثاني في بعض علوم القرآن وفيه مقدمة وفصول. الفصل الأول في نزول القرآن على سبعة أحرف وفي القراءات

مقدمة

مقدمة كانت للعرب لهجات مختلفة وطرائق للأداء، واختصت بعض القبائل بكلمات للتعبير عن معنى فبعض القبائل كانت تلفظ حتى (عتى) وبعض القبائل كانت تلفظ أعطيناك: (أنيطناك) وبعض القبائل كانت تلفظ التابوت (التابوه) ومن المعروف أن من اعتاد على طريقة في الأداء وألفها ومرن عليها يصعب عليه أن يغيرها، وكان من حكمة الله عز وجل أنه أنزل القرآن على العرب بما يناسب ذلك تخفيفاً وتسهيلاً فتلقن الأصحاب رضي الله عنهم القرآن على هذه الأحرف السبعة بما وسع ما ألفوه وقتذاك من طرائق النطق في الأحرف والتعبير عن المعاني بكلماتهم التي اعتادوها، على أنه لا يعتبر قرآناً إلا ما تلقنوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم دون أن يكون لأحد حرية الأداء والتعبير، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهي ابتداءاً أن يكتب عنه غير القرآن ثم أذن، وفي حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي مرحلة تأسيسية كان بعض الأحكام يتنزل مراعياً فيه تلك المرحلة، حتى إذا وجد الاستعداد للحكم الدائم تنزل الحكم الدائم ونسخ الأول، ومن هنا وجد المنسوخ من القرآن. وقد توفي رسول الله والقرآن كله مكتوب ولكنه لم يكن مجموعاً، وآخر عرضة للقرآن في المدارسة بين رسول الله صلى الله عليه سلم وبين جبريل كان يعرفها بعض الصحابة، ومن ههنا كان الترتيب التوقيفي للقرآن غير معروف لدى الجميع، وبقي بعض الصحابة يحفظ شيئاً مما نسخت تلاوته على أنه قرآن، وقام أبو بكر رضي الله عنه بتكليف من يجمع القرآن كتابة بما يتفق مع العرضة الأخيرة، ولم يلحظ في هذه الكتابة جمع الناس على رسم واحد للمصحف، وإنما لحظ فيه أن تجتمع الكتابة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم والحفظ المتواتر عنه عليه الصلاة والسلام، ثم قام عثمان رضي الله عنه بتكليف عدد من الصحابة أن ينسخوا من هذا المصحف الإمام عدة نسخ ملاحظين في ذلك تواتر النقل وأن يجمعوا الناس على رسم واحد للمصحف يوافق لغة قريش وحدها، وأمر عثمان أن يحرق كل ما سوى ذلك فاستقر الأمر على رسم واحد وعلى ترتيب واحد واستقر الإجماع في المآل على هذا الرسم والترتيب، واستقرار الإجماع على ذلك يشير إلى أن الأمة اعتبرت أن ما سوى ذلك كان مرحلياً. وقد استقرت الأمة على اعتماد الرسم العثماني للمصحف واحتفظ القراء بما ورثوه من طرائق أداء ولهجات بما يتفق مع الرسم العثماني، ومن ههنا وجدت القراءات السبع والقراءات العشر، فهذه القراءات كلها متواترة عن رسول الله

صلى الله عليه وسلم وكونها منسوبة إلى علم من أعلام القراء لا ينفي تواترها، لأن من كان يقرأ هذه القراءة تلقاها معه أعداد كثيرة، وتلقاها منه أعداد كثيرة أشهر من اشتهر بها هو من نسبت إليه، وهذه القراءات ليست هي الأحرف السبعة بل هي بقية من الأحرف السبعة مما يتفق مع الرسم العثماني للمصحف والقراءات المعتمدة كلها يجتمع فيها ثلاثة أوصاف: أولاً: أنها متفقة مع الرسم العثماني للمصحف. ثانياً: أنها منقولة تواتراً. ثالثاً: أن كل كلمة فيها منسجمة مع قواعد اللغة العربية المستقرأة أو على وجه من أوجهها. ونلحظ من خلال الروايات أن بعض الصحابة أصروا على أن يستمروا على ما تلقوه بأنفسهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه في حقهم قطعي، ولكن ذلك لم يكن متواتراً بالنسبة للأمة، لذلك فإن الأمة اعتبرت كل ما خالف الرسم العثماني شاذاً ولا يعتبر قرآنا لان سبيله سبيل روايات الآحاد، والتواتر حاكم عليه إلا أن هذا الشاذ يعطينا تصوراً عما نسخت تلاوته ويعطينا تصوراً نستأنس به للتعرف على نماذج نتعرف بها على فكرة الأحرف السبعة كما أن بعضه يمكن أن نستأنس به لبعض الأحكام أو لترجيح وجه من أوجه التفسير. ولم يزل علم القراءات المتواترة من العلوم التي تهتم بها الأمة، واشتهر من هذه القراءات بعضها فغلب على غيره في بعض الأقطار وأياً ما قرأ القارئ من القراءات المتواترة فهو على خير وصواب. والكلام عن القراءات وعن الرسم العثماني للمصحف يوصلنا إلى فكرة علوم القرآن التي ينبغي أن تدخل في ثقافة كل مسلم: فهناك علم القراءات وعلم أسباب النزول وعلم الناسخ والمنسوخ وعلم الرسم القرآني وعلم الترتيل وعلم الإعجاز وعلم المتشابه والمحكم وعلوم أخرى توضعت حول القرآن وهي مرتبطة به وهي تزداد سعة على مر الدهور، والإلمام بها منه ما هو فرض كفاية في حق الأمة ومنه ما هو فريضة عينية في حق أشخاص ومنه ما هو فريضة عينية في حق الجميع والمسلم

يستكثر من الخير وسنقتصر على ذكر ما وردت به نصوص مما له علاقة في فصول هذا الباب. ونحن في هذه المقدمة سنعطيك تصوراً عن كتابين في علوم القرآن كتاب متقدم قليلاً وكتاب متأخر تعرف من خلالهما الموضوعات الرئيسية التي تدخل في علوم القرآن. الكتاب الأول: الإتقان في علوم القرآن للسيوطي وهو كتاب قديم. والكتاب الثاني: مناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني. وهو كتاب حديث. وفي هذا الموضوع كتب كثيرة منها المختصر ومنها المطول بحيث يستطيع المسلم أن يتخير كتاباً من هذه الكتب يناسب وقته وحاله على أن يكون هذا الكتاب موثقاً إما بشهرة مؤلفه في أنه من الثقات أو بتوثيق أهل العلم لهذا الكتاب. أ - تعرف بكتاب الإتقان في علوم القرآن لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي رحمه الله المتوفى سنة 911 هـ، يتحدث السيوطي في مقدمة كتابه الإتقان في علوم القرآن عن عظمة هذا القرآن وما حوى وأنه كان يتعجب من المتقدمين إذ لم يُدَوِّنوا كتاباً في أنواع علوم القرآن، كما وضعوا ذلك بالنسبة إلى علم الحديث، ثم عرف أن شيخه: محيي الدين الكافيجي كتب كتاباً في علوم التفسير، قال عنه السيوطي: فإذا هو صغير الحجم جداً، وحاصل ما فيه بابان: الأول: في ذكر معنى التفسير والتأويل والقرآن والسورة والآية. والثاني: في شروط القول فيه بالرأي. وبعدهما خاتمة في آداب العالم المتعلم، فلم يشف لي ذلك غليلاً ولم يهدني إلى المقصود سبيلاً. ثم ذكر أن شيخه البُلْقيني ذكر له أن لأخيه قاضي القضاة جلال الدين كتاباً سماه (مواقع العلوم من مواقع النجوم) وذكر السيوطي كلام المؤلف في مقدمته، وأما كتابه فسينحصر في أمور هي: الأمر الأول: مواطن النزول وأوقاته ووقائعه، وفي ذلك اثنا عشر نوعاً: المكي، المدني،

السفري، الحضري، الليلي، النهاري، الصيفي، الشتائي، الفراشي، أسباب النزول، أول ما نزل، آخر ما نزل. الأمر الثاني: السند، وهو ستة أنواع: المتواتر، الآحاد، الشاذ، قراءات النبي صلى الله عليه وسلم، الرواة، الحفاظ. الأمر الثالث: الأداء، وهو ستة أنواع: الوقف، الابتداء، الإمالة، المدّ، تخفيف الهمزة، الإدغام. الأمر الرابع: الألفاظ، وهو سبعة أنواع: الغريب، المعرب، المجاز، المشترك، المترادف، الاستعارة، التشبيه. الأمر الخامس: المعاني المتعلقة بالأحكام، وهو أربعة عشر نوعاً: العام الباقي على عمومه، العام المخصوص، العام الذي أريد به الخصوص، ما خص فيه الكتاب السنة، ما خصت فيه السنة الكتاب، المجمل، المبين، المؤول، المفهوم، المطلق، المقيد، الناسخ، المنسوخ، نوع من الناسخ والمنسوخ وهو ما عمل به من الأحكام مدة معينة والعامل به واحد من المكلفين. الأمر السادس: المعاني المتعلقة بالألفاظ، وهو خمسة أنواع: الفصل، الوصل، الإيجاز، الإطناب، القصر. وبذلك تكملت الأنواع خمسين، ومن الأنواع ما لا يدخل تحت الحصر: الأسماء، الكنى، الألقاب، المبهمات، فهذا نهاية ما حصر من الأنواع. ثم ذكر السيوطي أنه بعد ما قرأ كتاب القاضي جلال الدين البلقيني وجد أنه يحتاج إلى تحرير وتتمات وزوائد مهمات فكتب كتاباً سماه (التحبير في علوم التفسير) ضمنه ما ذكره البلقيني مع زيادات وإضافات وعدد أنواع العلوم التي تضمنها هذا الكتاب فبلغت 102 من العلوم، ثم ذكر أنه خطر له أن يستقصي في كتاب آخر كل ما يمكن أن يدخل في علوم القرآن، وإذا به يبلغه - وهو يشد الهمة لذلك - أن بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي أحد المتأخرين من فقهاء الشافعية أنه ألف كتاباً سماه (البرهان في علوم القرآن). وأنه ذكر فيه سبعة وأربعين علماً وختم الزركشي مقدمة الكتاب بقوله:

"واعلم أنه ما من نوع من هذه الأنواع إلا ولو أراد الإنسان استقصاءه لاستفرغ عمره ثم لم يحكم أمره ولكن اقتصرنا من كل نوع على أصوله والرمز إلى بعض فصوله، فإن الصناعة طويلة والعمر قصير، وماذا عسى أن يبلغ لسان التقصير". وبعد أن قرأ السيوطي هذا الكتاب قوي عزمه على إبراز ما قد نواه محاولاً الاستقصاء في علوم القرآن فألف كتابه الإتقان في علوم القرآن، فذكر ثمانين نوعاً فيه ثم قال: فهذه ثمانون نوعاً على سبيل الإدماج، ولو نوعت باعتبار ما أدمجته في ضمنها لزادت على الثلاثمائة وغالب هذه الأنواع فيها تصاريف مفردة وقفت على كثير منها، وذكر بعد ذلك المراجع التي رجع إليها في كتابه وسننقلها لك بعد أن نعطيك لمحة في أهم العلوم التي تعرض لها: معرفة المكي والمدني: ماله علاقة في النزول وأمكنته وأزمنته وأنواعه وأسبابه إلى غير ذلك، ثم تحدث عن أسماء القرآن وسوره، وعن جمعه وترتيبه، ثم تحدث عن قراءات القرآن ورواته وحفاظه وما يتعلق بذلك، وبعض أحكام التلاوة ثم تحدث عن آداب التلاوة وعن غريب القرآن، وأتبع ذلك ببعض العلوم، ثم تحدث عن الأدوات والقواعد التي يحتاج إليها المفسر، ثم تحدث عن المحكم والمتشابه وعن المجمل والمتبين والناسخ والمنسوخ والمنطوق والمفهوم، والحقيقة والمجاز والكناية والتعريض ومباحث لغوية وبلاغية أخرى، ثم تحدث عن الآيات المتشابهات المشتبهات وعن إعجاز القرآن وعن العلوم المستنبطة من القرآن وبعد ذكره أنواعاً من علوم القرآن، تحدث عن فضائل القرآن ثم بعد ذكره أنواعاً أخرى تحث عن رسم القرآن وآداب كتابته ثم تحدث عن التفسير وشروط المفسر وختم الكتاب بالحديث عن طبقات المفسرين وكانت مراجعه التي رجع إليها في هذا الكتاب ما ذكره بقوله: وهذه أسماء الكتب التي نظرتها على هذا الكتاب ولخصته منها، فمن الكتب النقلية: تفسير ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبي الشيخ، وابن حبان، والفريابي، وعبد الرزاق، وابن المنذر، وسعيد بن منصور، وهو جزء من سننه، والحاكم وهو جزء من مستدركه، وتفسير الحافظ عماد الدين ابن كثير، و"فضائل القرآن" لأبي عبيد، و"فضائل القرآن" لابن الضريس، و"فضائل القرآن" لابن أبي شيبة، "المصاحف" لابن أبي داود، "المصاحف" لابن أشته، "الردّ على من خالف مصحف عثمان" لابن أبي بكر

الأنباري، "أخلاق حملة القرآن" للآجري، "التبيان في آداب حملة القرآن" للنووي، "شرح البخاري لابن حجر"، ومن جوامع الحديث والمسانيد مال ايحصى، ومن كتب القراءات وتعلقات الأداء: "جمال القراء" للسخاوي، "النشر والتقريب" لابن الجزري، و"الكامل" للهذلي، "الإرشادات في القراءات العشر" للواسطي، "الشواذ" لابن غلبون"، "الوقف والابتداء" لابن الأنباري وللسجاوندي وللنحاس وللداني وللعماني ولابن النكزاوي، "قرة العين"، "الفتح والإمالة"، "وبين اللفظين" لابن القاصح، ومن كتب اللغات والغريب والعربية والإعراب: "مفردات القرآن" للراغب، "غريب القرآن" لابن قتيبة وللعزيزي، "الوجوه والنظائر" للنيسابوري، ولابن عبد الصمد الواحد "والجمع في القرآن"، ولأبي حسن الأخفش، "الأوسط الزاهر" ابن الأنباري، "شرح التسهيل والارتشاف" لأبي حيان، "المغني" لابن هشام الجني، "الداني في حروف المعاني" لابن أم قاسم، "إعراب القرآن" لأبي البقاء وللسمين وللسفاقسي ولمنتخب الدين، "المحتسب في توجيه الشواذ" لابن جني، "الخصائص" له، "الخاطريات" له، "ذا القد" له، "أمالي ابن الحاجب المعرب" للجواليقي، "مشكل القرآن" لابن قتيبة، "اللغات التي نزل بها القرآن" لأبي القاسم محمد بن عبد الله. ومن كتب الأحكام وتعلقاتها: "أحكام القرآن" لإسماعيل القاضي ولبكر بن العلاء ولأبي بكر الرازي وللكيا الهراسي، ولابن العربي ولابن اغرس ولابن خويز منداد، "الناسخ والمنسوخ" لمكي ولابن الحصار وللسعيدي ولأبي جعفر النحاس ولابن العربي ولأبي داود السجستاني ولأبي عبيد القاسم بن رسلان ولأبي منصور عبد القاهر بن طاهر التيمي. "الإمام في أدلة الأحكام" لشيخ عز الدين بن عبد السلام، ومن الكتب المتعلقة بالإعجاز وفنون البلاغة: "إعجاز القرآن" للخطابي والرماني ولابن سراقة والقاضي أبي بكر الباقلاني ولعبد القاهر الجرجاني وللإمام فخر الدين ولابن أبي الأصبع واسمه "البرهان" وللزملكاني واسمه "البرهان" أيضاً ومختصره له واسمه "المجيد". "مجاز القرآن" لابن عبد السلام، "الإيجاز في المجاز" لابن القيم. "نهاية التأميل في أسرار التنزيل" للزملكاني. "التبيان في البيان" له. "المنهج المفيد في أحكام التوكيد" له. "بدائع القرآن" لابن أبي الأصبع: "التحبير" له. "الخواطر السوانح في أسرار الفواتح" له. "أسرار التنزيل" للشرف البازري. "الأقصى القريب: للتنوخي. "منهاج البلغاء" لحازم "العمدة" لابن رشيق. "الصناعتين" للعسكري. "المصباح" لبدر الدين بن مالء. "التبيان" للطيبي. "الكنايات" للجرجاني.

"الإغريض في الفرق بين الكتابة والتعريض" للشيخ تقي الدين السبكي له "الاقتناص في الفرق بين الحصر والاختصاص". "عروس الأفراح" لولده بهاء الدين. "روض الأفهام في أقسام الاستفهام" للشيخ شمس الدين بن الصائغ. "نشر العبير في إقامة الظاهر مقام الضمير" له "المقدمة في سر الألفاظ" المقدمة له. "أحكام الرأي في أحكام الآي" له. "مناسبات ترتيب السور" لأبي جعفر بن الزبير، "فواصل الآيات" للطوقي. "المثل السائر" لابن الأثير. "الفلك الدائر على المثل السائر". "كنز البراعة" لابن الأثير. "شرح بديع قدامة" للموفق عبد اللطيف. ومن الكتب فيما سوى ذلك من الأنواع: "البرهان في متشابه القرآن" للكرماني. "درة التنزيل وغرة التأويل في المتشابه" لأبي عبد الله الرازي، "كشف المعاني في المتشابه". "المثاني" للقاضي بدر الدين بن جماعة. "أمثال القرآن" للماوردي. "أقسام القرآن" لابن القيم. "جواهر القرآن" للغزالي. "التعريف والإعلام فيما وقع في القرآن من الأسماء والأعلام" للسهيلي. الذيل عليه لابن عساكر. "التبيان في مبهمات القرآن" للقاضي بدر الدين بن جماعة. "أسماء من نزل فيهم القرآن" لإسماعيل الضرير. "ذات الرشد" في عدد الآي وشرحها للموصلي. "شرح آيات الصفات" لابن اللبان. "الدر النظيم في منافع القرآن العظيم" لليافعي. ومن كتب الرسم: "المقنع للداني شرح الرائية" للسخاوي. شرحها لابن جباره. ومن الكتب الجامعة: "بدائع الفوائد" لابن القيم. "كنز الفوائد" للشيخ عز الدين بن عبد السلام. "الغرر والدرر" للشريف المرتضى. "تذكرة البدر بن الصاحب. "جامع الفنون" لابن شبيب الحنبلي. "النفيس" لابن الجوزي. "البستان" لأبي الليث السمرقندي. من تفاسير غير المحدثين: "الكشاف وحاشيته" للطيبي. تفسير الإمام فخر الدين. تفسير الأصبهاني، والحوفي، وأبي حيان، وابن عطية، والقشيري، والمرسي، وابن الجوزي، وابن عقيل، وابن رزين، والواحدي، والكواشي، والماوردي، وسليم الرازي، وإمام الحرمين، وابن برجان، وابن بريزة، وابن المنير. مالي الرافعي على الفاتحة. مقدمة تفسير ابن النقيب. "الغرائب والعجائب" للكرماني. "قواعد في التفسير" لابن تيمية. - فهذه مصادر السيوطي في كتابه الإتقان. ويلاحظ أن كتاب الإتقان يحتاج إلى تحرير ومراجعة وتحقيق وفيه مالا يرضاه العلماء

المحققون إلا أنه جمع علوماً كثيرة وفيرة مفيدة بلا شك. ب- تعريف بكتاب مناهل العرفان في علوم القرآن لمحمد عبد العظيم الزرقاني وهو كتاب ظهر في الستينيات من القرن الرابع عشر الهجري، وفي الأربعينيات من القرن العشرين الميلادي. يعتبر كتاب مناهل العرفان في علوم القرآن من الكتب التي أدت دوراً كبيراً في تقريب هذا العلم وتوضيحه، وله ميزان اقتضتها حاجات التأليف في عصر المؤلف: أولا: تبسيط هذا العلم مع قوة في التعبير وإشراق. ثانيها: تتبع الشبهات التي طرحها الكافرون في هذا العصر والرد عليها بإحكام وإسهاب. ثالثها: إظهار التآخي بين الإسلام والعلم في كل مناسبة. رابعها: تجلية أسرار التشريع الإسلامي وحِكَمِهِ لقطع دابر فكرة فصل الدين عن الدولة. خامسها: أن يكون بين يدي الدعاة كتاب ينزلون به إلى ميادين الدعوة والإرشاد وهم مؤهلون لذلك، وقد حاول المؤلف أن يستفيد مما كتب علماء الإسلام قديماً وحديثاً في القرآن الكريم وعلومه، والتفسير ومقدماته، وعلم التاريخ التشريعي، وعلمي أصول العقائد وأصول الفقه وعلوم اللغة العربية ومعاجمها، وراعي في التأليف أنه دخل في ساحة التأثير الفكري على الأمة الإسلامية وجود الفلسفة وما سمي بعلم الاجتماع وعلم النفس والأخلاق. وتحدث في مقدمته كيف أن هذا العلم الذي أطلق عليه علم القرآن كان أثراً في الأصل عن وجود مصنفات متنوعة وموسوعات قيمة في علوم كثيرة كعلم القراءات، وعلم التجويد وعلم الرسم العثماني للمصحف وعلم التفسير وعلم الناسخ والمنسوخ وعلم غريب القرآن وعلم إعجاز القرآن وعلم إعراب القرآن إلى علوم أخرى كثيرة، كل منها بحر لا ساحل له مما اقتضى أن يوجد علم جامع يجمع علوم القرآن كلها يجمع فيه مقاصدها وأغراضها وخصائصها

وأسرارها ليكون العالم على بصيرة بهذه العلوم كلها، فيكون ذلك بمثابة المقدمة لمن أراد التخصص في واحد منها، ولكي لا يغيب عن طالب علم عِلْمٌ من العلوم التي خدمت هذا القرآن مما هو في نفسه حجة على الخلق أجمعين بأن هذا القرآن الكريم فيه ما لا يتناهى من العلوم، وهو حجة على خلق الله أجمعين وقد استطاع المؤلف أن يبرز ذلك كله مع إبراز كثرة ما خُدِم به هذا القرآن وعظمته. وقد قسم كتابه إلى سبعة عشر مبحثاً، وقد جعل المبحث الأول في التعريف بالعلم عامة وعلوم القرآن خاصة، وبالتعريف على القرآن الكريم وأنواع العلماء الذين تخصصوا في خدمة هذا القرآن. وجعل المبحث الثاني في تاريخ علوم القرآن وظهور اصطلاحاته والمراحل التي مر عليها هذا العلم حتى استقر كعلم خاص له اسم خاص وعرض لأهم الكتب التي ألفت فيه وأشار إلى شيء مهم وهو: أن هناك كتاباً ألف في القرن الخامس لإبراهيم بن سعيد الخوفي المتوفى سنة 430 هجرية اسمه (البرهان في علوم القرآن) وهو يقع في ثلاثين مجلداً، يوجد منه الآن خمسة عشر مجلداً، وعلى هذا فنه يصحح التصور الذي أعطانا إياه السيوطي عن نشأة هذا العلم وأخذه اسمه المعروف في عهد مبكر. وتحدث عن كتب ألفت في هذا العلم ووجدت تحت اسم علوم القرآن منها: ما ألفه ابن الجوزي المتوفى سنة 597 هجرية في كتابيه: (الأفنان في علوم القرآن) و (المجتبي في علوم تتعلق بالقرآن) وكلاهما مخطوط بدار الكتب المصرية. ثم تحدث عن تاريخ هذا العلم بقريب مما تحدث عنه السيوطي حتى وصل إلى كتاب السيوطي (الإتقان في علوم القرآن) وذكر أنه بعد السيوطي لم يظهر من أبداع في هذا العلم حتى جاء القرن الرابع عشر، فألف في هذا العلم عدد كبير من المؤلفين إما في علوم القرآن أو في علم من علوم القرآن أو فيما يخدم هذا القرآن ويرد الشبه عنه وقد حاول المؤلف أن يستفيد من القديم والحديث في مؤلفه، فتحدث في المبحث الثالث عن علم نزول القرآن، وأهم أبحاثه الجديدة أنه تحدث عن الِكَم والأسرار في نزول القرآن منجماً فذكر أربع حكم تحوي في طياتها خمس عشرة حكمة. وبهذه المناسبة ناقش منكري الوحي فأقام عليهم الحجة

بستة أدلة، ثم ناقش شبهاتهم فذكر عشر شبه ورد على كل منها تفصيلاً. وجاء بحثه الرابع مكملاً للبحث الثالث في أول ما نزل وآخر ما نزل في القرآن الكريم بنوع تفصيل ندر أن يوجد في مكان آخر مع ذكر مسائل وفوائد وتفصيلات وشبه وردود نفيسة. ثم تحدث في المبحث الخامس عن علم أسباب النزول، وفوائد هذا العلم والمسائل التي اعتاد المؤلفون أن يذكروها في سياق هذا العلم. ثم جاء بحثه السادس في نزول القرآن على سبعة أحرف، والاختلاف الكثير بين العلماء في فهم هذا الموضوع وترجيحه للرأي الأقوى في هذا الشأن، ثم رد على أربع شبه يثيرها بعض الناس تتعلق بأصل هذا الموضوع. ثم تحدث في مبحثه السابع عن علم المكي والمدني ورد شبهات يثيرها أعداء الإسلام فذكر ست شبهات وأجوبتها. ثم تحدث في المبحث الثامن عن علم جمع القرآن وتدوينه وعن الرسم العثماني للمصحف ورد على ست شبه يثيرها أعداء الله عز وجل حول هذا الموضوع ثم ذكر في هذا السياق مجموعة حجج أطنب فيها إطناباً كثيراً أثبت فيها أن هذا القرآن محفوظ بما جعل الأمر من الوضوح بحيث لا يماري فيه كافر، أما المؤمن فإن هذا الموضوع محسوم عنده أصلاً. ثم تحدث في مبحثه التاسع عن ترتيب آيات القرآن وسوره. ثم تحدث في مبحثه العاشر عن كتابة القرآن ورسمه وعن مزايا الرسم العثماني ووجوب الالتزام به، ورد على شبه كثيرة يثيرها المشوشون، وتحدث عن جوانب تاريخية في تطوير خدمة المصحف. ثم تحدث في المبحث الحادي عشر عن القراءات والقراء وعن تواتر القراءات العشر وعن الأئمة الذين تنسب إليهم القراءات العشر، ورد خمس شبه في هذا المقام. ثم تحدث في المبحث الثاني عشر عن التفسير والمفسرين، وذكر أنواع التفسير والجائز منه وغير الجائز، وناقش بهذه المناسبة اتجاهات ضالة أو خاطئة أو كافرة تتعلق بفهم القرآن الكريم.

ثم تحدث في مبحثه الثالث عشر عن ترجمة القرآن الكريم وأحكامها وما يتعلق بذلك. ثم تحدث في مبحثه الرابع عشر عن علم الناسخ والمنسوخ وناقش بإسهاب شبه الكافرين والضالين، وشُبَه النافين للنسخ وأسهب في الحديث عن النسخ إسهاباً كبيراً وذكر فيه تفصيلات مفيدة وختم بحثه بأن ذكر الآيات التي اشتهر بأنها منسوخة. ثم تحدث في مبحثه الخامس عشر عن علم من أعظم علوم القرآن وهو علم محكم القرآن ومتشابهه وناقش نقاشاً طويلاً كل الآراء التي تطرح أو طرحت في ساحة هذا العلم قديماً وحديثاً. ثم تحدث في مبحثه السادس عشر عن علم أسلوب القرآن الكريم فأتى فيه بالمعجب والمدهش وإن كان استفاد من غيره مبرهناً على تفرد أسلوب القرآن بما لا يشبهه أسلوب بشر. وختم كتابه في الحديث عن علم إعجاز القرآن وما يتعلق به مبيناً أن في القرآن إعجازاً ومعجزات، فالإعجاز في نفسه حجة وكل معجزة من معجزات القرآن حجة وذكر ما يدل على الإعجاز والمعجزات، وفي هذا السياق ذكر أنواعاً من المعجزات، وذكر وجوهاً كثيرة تثبت أن هذا القرآن لا يمكن أن يكون إلا من عند الله العظيم. ثم ناقش نقاشاً طويلاً الشبهات التي أثارها كثير من الناس حول إعجاز القرآن ومعجزاته عبر العصور عامة وفي عصرنا خاصة. ولئن كان في بعض كلامه في هذا الكتاب مقال فنحن نعتقد أن العصمة للوحي، فما من كتاب صدر عن بشر عاديين (أي غير أنبياء) إلا ويمكن أن يكون فيه مقال، لكنه ما من شك أن من اجتمع له أن يقرأ كتاب الإتقان للسيوطي وكتاب مناهل العرفان للزرقاني فإنه يحصل من هذا العلم ما يعتبر عالماً فيه. ومن تتبع مباحث هذا العلم وجد نصوصاً كثيرة فيه ونحن سنقتصر على ذكر بعض النصوص التي ترد في كتب السنة تحت عناوين تتعلق بهذا العلم مع العلم أن كثيراً مما يمكن أن يدخل في مباحث هذا العلم مبثوث في هذا الكتاب في سياقات متعددة، وكما قلنا من

قبل إن إشاراتنا الفقهية لا تغني عن مطالعة كتب المذاهب الفقيية فإن إشاراتنا هاهنا إلى بعض التحقيقات في علوم القرآن لا يغني عن مطالعة الكتب التي تخصصت في علم من هذه العلوم أو في كل العلوم، وما لا يدرك كله لا يترك جُلُّه. والمؤلفات في علم القرآن كثيرة ومنها المطول الذي يحتاج إلى صبر والعلم لا ينال إلا بصبر وها نحن ننقلك إلى ذكر بعض النصوص التي كانت أصلاً لبعض علوم القرآن.

الفصل الأول في نزول القرآن على سبعة أحرف وفي القراءات

الفصل الأول في نزول القرآن على سبعة أحرف وفي القراءات عرض إجمالي: اختلف العلماء في ماهية الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن على رسولنا عليه الصلاة والسلام حتى بلغت الأقوال التي ذكرها العلماء أكثر من أربعين قولاً مما دعا بعض العلماء إلى أن يعتبر أن هذه الأحرف السبعة من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه وقد رُدَّ هذا القول وإنما ذكرناه ليعلم مقدار الخلاف في هذه الأحرف السبعة والذي نحب أن نقرره ههنا أن الأحرف السبعة غير القراءات السبع وقد غلط الذين توهموا هذا التوهم، والذي نرجحه أن القراءات العشر المتواترة والمجمع على قرآنيتها عند القراء فيها بقايا من الأحرف السبعة ولا يدخل فيها كل الأحرف السبعة وإذا أردنا أن نستأنس لمعرفة الأحرف السبعة فإننا نعرف ذلك من خلال النظر في القراءات المتعددة ومن خلال الروايات الصحيحة التي تذكر ألفاظاً تخالف الرسم العثماني للمصحف فالرسم العثماني كان على لغة قريش فما خالفها من الأحرف السبعة أسقط وما وافقها مما تناقله القراء في طريقة الأداء فهو من الأحرف السبعة، ولا نرى أن نقف كثيراً عند ماهية الأحرف السبعة لأنها قضية لا يترتب عليها عمل الآن لأن الإجماع منعقد على قرآنية القراءات العشر الظاهر أن الصحابة أجمعوا على أن ما خالف لغة قريش كان مرحلياً ومن ههنا أجمعت الأمة على أن ما خالف الرسم العثماني لا يعتبر قرآنا لأنه لم ينقل إلينا بالتواتر على أنه قرآن وذلك شرط من شروط القبول بقرآنية الكلمة. ولذلك قلنا إننا نستأنس بهذه الروايات للتعرف على كنه الأحرف السبعة دون الجزم بحمل الأحرف السبعة على ما ذكرناه. وإذا كان لابد من ذكر أهم الآراء في الأحرف السبعة فإننا نلاحظ أن هناك ثلاثة آراء كان لها نصيب كبير من القبول عند بعض العلماء:

الأول: أن القرآن لا يخرج عن سبع لغات من لغات العرب وهي لغة قريش وهذيل وثقيف وهوازن وكنانة وتميم واليمن باعتبارها أفصح اللغات. وهناك آراء تتفرع عن هذا الرأي. الثاني: أن المراد بالأحرف السبعة: أوجه من الألفاظ المختلفة في كلمة واحدة نحو هلم وأقبل وتعال وينسب إلى ابن جرير الطبري وربما فهم هذا الرأي على أنه سبع لغات من لغات العرب في الكلمات الواحدة. الثالث: أنها سبعة حروف في الاختلاف إذ الكلام في رأيهم لا يخرج عن سبعة أوجه في الاختلاف وهي: 1 - اختلاف الأسماء من إفراد وتثنية وجمع ... 2 - اختلاف تصريف الأفعال من ماض ومضارع وأمر. 3 - اختلاف وجوه الإعراب. 4 - الاختلاف بالنقص والزيادة. 5 - الاختلاف بالزيادة والتقديم والتأخير. 6 - الاختلاف بالإبدال. 7 - اختلاف اللهجات كالفتح والإمالة ... والترقيق والتفخيم .. ونرى أن الخوض في ترجيح الراجح لا طائل وراءه لأنه لا يجوز أن يقرأ بأي قراءة سواء كانت من لغات العرب أو من الزيادة والتقديم إن صح وقوعها أو يغر ذلك إلا أن يكون ذلك منقولاً بالتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيمكننا إذن القول إن الأحرف السبعة كيفيات أقرأ بها الرسول صلى الله عليه وسلم الناس بحسب قدراتهم وما اعتادته ألسنتهم وهذه الكيفيات بلغت سبعة أوجه للتيسير على هذه الأمة، وجميع هذه الكيفيات وحي من الله لا يجةز لأحد أن يتصرف فيها بالتغيير والزيادة. ثم

جمع عثمان الناس على رسم واحد بحسب لغة قريش وهذا الرسم يحتمل وجوهاً عدة من القراءات لكن لا يقرأ بشيء من هذه الوجوه إلا إذا كانت منقولة بالتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنها وحي. ومن ثم كانت القراءات العشر وهي غير الأحرف إذ قد تكون القراءة الواحدة مكونة من أكثر من حرف ... فالرسم العثماني الموجود، بنسخه المتعددة حفظ لنا أشياء من الأحرف السبعة لكن لا نستطيع القول إنه حفظ لنا الأحرف السبعة جميعها وإن كانت القراءات العشر محفوظة جميعها في الرسم العثماني وهذا يؤكد أن الأحرف غير القراءات وإن كانت القراءات أثراً عن الأحرف السبعة. والقراءات نوعان: قراءات شاذة، وقراءات معتمدة فالقراءات المعتمدة هي ما اجتمع فيها ثلاثة شروط: نقلها تواتراً وموافقتها للرسم العثماني وموافقتها لوجه من أوجه العربية وما لمي توافر فيه شروط من هذه الشروط الثلاثة. وما لم يجتمع فيه هذه الشروط الثلاثة فإنه الشاذ الذي لا يعتبر قرآناً على أنه إذا جاءت قراءة متواترة توافق الرسم لا يجوز أن يقال إن اللغة لا تؤيدها لأن القرآن هو الحاكم على اللغة لا العكس. والقراءات المعروفة التي توافرت فيها هذه الشروط عشر قراءات فما خالفها في شيء ما فإنه شاذ. وههنا عدد من الأمور تحتاج إلى توضيح وإن كان مر معنا بعضها. أولاً: إن هذه القراءات العشر هي التي وصلتنا وقد اجتمعت فيها الشروط وهناك قراءات قد اجتمعت فيها هذه الشروط ولم تصلنا لانقطاع أسانيدها بانعدام جود من يتحملها. ثانياً: إن هذه القراءات العشر فيها بقية الأحرف السبعة مما وافق الرسم العثماني للمصحف. ثالثاً: إن كلاً من هذه القراءات العشر منقول تواتراً إلا أن من نُسبت إليه من القراء كان أشهر فيها من غيره وأكثر إتقاناً فاشتهرت به مع أن كثيرين مثله قد أخذوا قراءته ومن ههنا نعطيها حكم التواتر. رابعاً: يلاحظ أن كل إمام من أئمة القراءات العشر كان له أكثر من راوٍ وهناك

اختلافات بسيطة بين رواية راوٍ وآخر والسر في ذلك يعود إلى أن الإمام نفسه قد تحمل أكثر من رواية لقراءته فخص أحد تلامذته برواية وخص تلميذاً آخر برواية ثانية. خامساً: يلاحظ أن هناك اختلافات بسيطة في أحكام الأداء بين قراءة وقراءة كما أن هناك اختلافاً فيما يسمى بفرش الأحرف في بعض الكلمات بما يوافق الرسم العثماني للمصحف فبعض القراءات يكون حرف المضارعة فيها الياء وبعضها التاء وكل ذلك منقول تواتراً وقد حفظت هذه الأمة عن نبيها صلى الله عليه وسلم كتاب ربها حفظاً منقطع النظير لوحظ فيه حقوق الحرف ومستحقاته إلى غير ذلك. وأما القراءات الصحيحة [التي لم تتواتر] الشاذة فهي لا تعتبر قرآناً ولكنها تخدم القرآن من حيث إنها تعتبر شارحة أو مفسرة أو مبينة لإجمال إلى غير ذلك. سادساً: إن الاختلاف في الأحرف السبعة وكذا في القراءات اختلاف تنوع وليس اختلاف تضاد أو تناقض فقد يكون الاختلاف في اللفظ فحسب والمعنى واحد ككلمتي (الصراط) و (السراط) وقد يختلف المعنيان ولكن يمكن الجمع بينهما كقوله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} وقراءة {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينَ}. فيكون لكل قراءة معنى خاص بها ويمكن الجمع بين المعنيين وقد تختلف القراءتان من حيث المعنى لكن ليس بين المعنيين تناقض أو تضاد من ذلك قوله تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا} ومعناها أن الشيطان أوقعهما بالزلة والخطيئة وفي قراءة {فأزالهما الشَّيْطَانُ عَنْهَا} ومعناها أزاحهما وأبعدهما ... فهذان معنيان متغايران ولا يتناقضان بل يتكاملان .. سابعاً: في فهم الأحرف السبعة يجب ملاحظة أمرين اثنين مهمين: الأول: أن يكون في هذا الاختلاف تحقيق يسر ورخصة كما هو منطوق النصوص التي ستمر معنا. الثاني: أن يكون هذا الاختلاف أياً كان شأنه قد نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فالذين قالوا إن من الأحرف السبعة الاختلاف في الزيادة والنقص ونحو ذلك ويضربون على ذلك الأمثلة. نقول إن قبول هذا متوقف على ورود النص المتواتر وإلا فلا

يجوز ذلك .. وكذا ما يتعلق باللهجات واللغات فإن ورد النص الصحيح كان ذلك من الأحرف وإلا فلا. وفي حكمة تنزل القرآن على سبعة أحرف وتعدد القراءات وفي حكمة وجود القراءات الشاذة قال صاحب مناهل العرفان ما نختصر لك بعضه: إن الحكمة في نزول القرآن على الأحرف السبعة هو التيسير على الأمة الإسلامية كلها، خصوصاً الأمة العربية التي شوفهتْ بالقرآن، فإن كانت قبائل كثيرة، وكان بينها اختلاف في اللهجات ونبرات الأصوات، وطريقة الأداء وشهرة بعض الألفاظ في بعض المدلولات على رغم أنها كانت تجمعها العروبة، ويوحِّدُ بينها اللسان العربيُّ العام. فلو أخذتْ كلها بقراءة القرآن على حرف واحد، لشق ذلك عليها ... قال المحقق ابن الجزري: "وأما سبب وروده على سبعة أحرف فللتخفيف على هذه الأمة، وإرادة اليسر بها، والتهوين عليها شرفاً لها، وتوسعة ورحمةً وخصوصيةً لفضلها، وإجابة لقصد نبيها أفضل الخلق وحبيب الحق ... وكان العرب الذين نزل القرآن بلغتهم لغاتهم مختلفةٌ وألسنتهم شتى، ويعسر على أحدهم الانتقال من لغةٍ إلى غيرها، أو من حرف إلى آخر. بل قد يكون بعضهم لا يقدر على ذلك ولو بالتعليم والعلاج، لا سيما الشيخ، والمرأة، ومن لم يقرأ كتاباً كما أشار إليه صلى الله عليه وسلم، فلو كُلِّفُوا العدول عن لغتهم، والانتقال عن ألسنتهم، لكان من التكليف بما لا يستطاع، وما عسى أن يتكلف المتكلفُ وتأبى الطباع" ا. هـ. (ومن الحكم): جمع الأمة الإسلامية الجديدة على لسانٍ واحدٍ يوحد بينها، وهو لسان قريش الذي نزل به القرآن الكريم، والذي انتظم كثيراً من مختارات ألسنة القبائل العربية التي كانت تختلف إلى مكة في موسم الحج وأسواق العرب المشهورة. فكان القرشيون يستملحون ما شاؤوا، ويصطفون ما راق لهم من ألفاظ الوفود العربية القادمة إليهم من كل صوْب وحدَب ثم يصقلونه ويهذبونه ويدخلونه في دائرة لغتهم المرنة، التي أذعن جميع العرب لها

بالزعامة، وعقدوا لها راية الإمامة. ومنها بيان حكم من الأحكام، كقوله سبحانه: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} قرأ سعد بن أبي وقاص "وله أخُ أو أخت من أمْ" بزيادة لفظ "من أمٍ" [وهذه قراءة شاذة لكنها تفسر نصاً] فتبين بها أن المراد بالإخوة في هذا الحكم الإخوة للأم دون الأشقاء ومن كانوا لأب، وهذا أمرٌ مجمع عليه. ومثل ذلك قوله ذلك قوله سبحانه في كفارة اليمين: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} وجاء في قراءة: "أو تحْريرُ رقبةٍ مؤمنةٍ" بزيادة لفظ "مؤمنةٍ" (وهي قراءة شاذة) فتبين بها اشتراطُ الإيمان في الرقيق الذي يعتق كفارة يمين. وهذا يؤيد مذهب الشافعي ومن نحا نحوه في وجوب توافر ذلك الشرط. ومنها الجمع بين حكمين مختلفين بمجموع القراءتين، كقوله تعالى {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} قرئ بالتخفيف والتشديد في حرف الطاء من كلمة "يطهرنَ" ولا ريب أن صيغة التشديد تفيد وجوب المبالغة في طهر النساء من الحيض لأن زيادة المبنَى تدلُّ على زيادة المعنى، أما قراءة التخفيف فلا تفيد هذه المبالغة، ومجموع القراءتين يحكم بأمرين: أحدهما أن الحائض لا يقربها زوجها حتى يحصل أصل الطهر، وذلك بانقطاع الحيض. وثانيهما أنها لا يقربها زوجها أيضاً إلا إن بالغت في الطهر وذلك بالاغتسال، فلابد من الطهرين كليهما في جواز قربان النساء. وهو مذهب الشافعي ومن وافقه أيضاً. ومنها الدلالة على حكمين شرعيين ولكن في حالين مختلفين: كقوله تعالى في بيان الوضوء {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} قرئ بنصب لفظ "أرجلكم" وبجرها، فالنصب يفيد طلب غسلها لأن العطف حينئذ يكون على لفظ "رؤوسكم" المنصوب، وهو مغسول. والجرُّ يفيد طلب مسحها لأن العطف حينئذ يكون على لفظ "رؤوسكم" المنصوب، وهو مغسول. والجرٌّ يفيد طلب مسحها لأن العطف حينئذ يكون على لفظ "رؤوسكم" المجرور وهو ممسوح. وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن المسح يكون للابس الخف وأن الغسل يجب على من لم يلبس الخف.

ومنها دفع توهم ما ليس مراداً كقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} وقرئ "فامضوا إلى ذكر الله". [وهي قراءة شاذة]. فالقراءة الأولى يتوهم منها وجوبُ السرعة في المشي إلى صلاة الجمعة، ولكن القراءة الثانية رفعت هذا التوهم لأن المضيَّ ليس من مدلوله السرعة. ومنها بيان لفظ مبهم على البعض نحو قوله تعالى: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} وقرئ "كالصوف المنفوش" [وهي قراءة شاذة] فبينت القراءة الثانية أن العهن هو الصوف. ومنها تجلية عقيدةٍ ضل فيها بعضُ الناس: نحو قوله تعالى في وصف الجنة وأهلها: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا} جاءت القراءة بضم الميم وسكون اللام في لفظ (وملكاً كبيراً) وجاءت قراءة أخرى بفتح الميم وكسر اللام في هذا اللفظ نفسه فرفعت هذه القراءة الثانية نقاب الخفاء عن وجه الحق في عقيدة رؤية المؤمنين لله تعالى في الآخرة، لأنه سبحانه هو الملك وحده في تلك الدار {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}. والخلاصة: أن تنوع القراءات، يقومُ مقام تعدد الآيات. وذلك ضربٌ من ضروب البلاغة، يبتدئ من جمال هذا الإيجاز وينتهي إلى كمال الإعجاز. أضفْ إلى ذلك ما في تنوع القراءات من البراهين الساطعة، والأدلة القاطعة على أن القرآن كلام الله، وعلى صدق من جاء به وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن هذه الاختلافات في القراءة على كثرتها لا تؤدي إلى تناقض في المقروء وتضاد، ولا إلى تهافت وتخاذل، بل القرآن كله على تنوع قراءاته، يُصدِّق بعضه بعضاً، ويبينُ بعضه بعضاً، ويشهد بعضه لبعض، على نمط واحد في علو الأسلوب والتعبير، وهدفٍ واحدٍ من سموِّ الهداية والتعليم. وذلك- من غير شكٍ - يفيدُ تعدد الإعجاز بتعدد القراءات والحروف. ومعنى هذا أن القرآن يعجزُ إذا قرئ بهذه القراءة، ويُعجزُ أيضاً إذا قُرئ بهذه القراءة الثانية، ويُعجز أيضاً إذا قُريء بهذه القراءة الثالثة، وهلم جرا. ومن هنا تتعدد المعجزات بتعدد تلك الووه والحروف!.

ولا ريب أن ذلك أدل على صدق محمد صلى الله عليه وسل، لأنه أعظم في اشتمال القرآن على مناحٍ جمة في الإعجاز وفي البيان، على كل حرف ووجه، وبكل لهجة ولسان {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} ا. هـ مناهل العرفان. وإلى النصوص:

النصوص

النصوص 2447 - * روى الجماعة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعتُ هشام بن حكيم ابن حزامٍ يقرأ سورة الفرقان، في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستمعْت لقراءته، فإذا هو يقرأ على حروف كثيرةٍ، لم يُقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكدْتُ أُساورُهُ في الصلاة، فتربَّصْتُ حتى سلم، فلبَبْتُهُ بردائِه، فقلت: من أقرْرأك هذه السورة التي سمِعْتُك تقْرَؤها؟ قال: أقْرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: كذبت، فن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقودُه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، إني سمعتُ هذا يقرأ سورة الفرقان على حروفٍ لم تُقْرِئنيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرسله، اقرأْ يا هشامُ" فقرأ عليه لقراءة التي كنتُ سمعته يقرأن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هكذا أُنْزِلتْ" ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: اقرأْ يا عمرُ" فقرأتُ القراءة التي أقرأني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هكذا أنْزِلتْ، إنَّ هذا القرآن أُنْزِلَ على سبعةِ أحرفٍ، فاقرؤوا ما تيسر منهُ". ولكن، نقول إن الكلمة الواحدة قد يقرها القرشي بلغته والهذلي بلغته. أقول (1): قوله عله الصلاة والسلام في القراءتين (هكذا أنزلت) دليل على أن الأحرف

_ 2447 - البخاري (9/ 23) 66 - كتاب فضائل القرآن، 5 - باب أنزل القرآن على سبعة أحرف وجاء أيضاً في (9/ 87) 66 - كتاب فضائل القرآن، 27 - باب منْ لم ير بأساً أنْ يقول سورة البقرة وسورة كذا وكذا. وورد هذا الحديث أيضاً في (12/ 303) 88 - كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، 9 - باب ما جاء في المتأولين. وورد أيضاً في (13/ 520) 97 - كتاب التوحيد، 53 - باب قول الله تعالى (فاقرأوا ما تيسر منه). مسلم (1/ 524، 561) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 48 - باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف، وبيان معناه. أبو داود 02/ 75، 76) كتاب الصلاة، 22 - باب "أُنزل القرآن على سبعة أحرف". الترمذي (5/ 193، 194) 47 - كتاب القراءات، 11 - باب ما جاء أُنزل القرآن على سبعة أحرف. وقال الترمذي: هذا حديث حسن. النسائي (2/ 150، 151، 152) 11 - كتاب الافتتاح، 37 - جامع ما جاء في القرآن. (أساوره) أي: أواثبه وأغالبُهُ. (فتربصتُ) تربص فلانٌ بفلانٍ، أي: انتظره، وأخره إلى وقت ما. (فلببته) يقال: أخذتُ بتلبيبه: إذا جمعت عليه ثوبه الذي هو لابسه، وقبضت عليه تجرُّه. (سبعة أحرف) أراد بالحرف: اللغة، يعني: على سبع لغاتٍ من لغاتِ العرب، وليس معناه: أن يكون في الحرف [الواحدِ] سبعة أوجهٍ، ولكن نقول: هذه اللغات السبع مفرَّقة في القرآن، فبعضه بلغة قريش، وبعضه ... =

السبعة كلها وحي رباني وأنها كلها مأخوذة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لأحد أن يقرأ القرآن إلا على ما تلقنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلام ابن الأثير في تفسير الأحرف السبعة وجه من الوجوه التي فسرت بها الأحرف السبعة، والرسم العثماني جمع الناس على لغة قريش لأن القرآن نزل على قرشي وأجمع الصحابة على الرسم العثماني للمصحف فكان إجماعهم دليلاً على أن ما خالف الرسم العثماني روعيت فيه المرحلية في الخطاب، وما كان الصحابة ليجمعوا إلا على شيء قامت عليه الأدلة سواء عرفناها، أو لم نعرفها. 2448 - * روى مسلم عن أُبيٍّ بن كعب رضي الله عنه قال: كنتُ في المسجد، فدخل رجل يُصلي، فقرأ قراءة أنكرتُها، ثم دخل آخر، فقرأ قراءةً سوى قراءة صاحبه، فلما قضينا الصلاة، دخلنا جميعاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إنَّ هذا قرأ قراءة أنكرتُها عليه: فدخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه، فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ، فحسَّنَ النبي صلى الله عليه وسلم شأنهما، فسُقط في نفسي من التكذيب، ولا إذْ كنتُ في الجاهلية، فلما رأى رسول الله صلى الله لعيه وسلم ما قد غشيني، ضرب في صدري، ففضْتُ عرقاً، وكأنما أنظرُ إلى الله عز وجل فرقاً، فقال لي: "يا أبيُّ، أرسل إليَّ: أن اقرأ القرآن على حرفٍ، فرددْتُ إليه: أنْ هونْ على أمتي، فردَّ إليَّ الثانية: أن اقرأهُ على حرفين، فرددتُ إليه: أن هونْ على أمتي، فردَّ إليَّ الثالثة: أن اقرأهُ على سبعة أحرف، ولك بكلِّ ردةٍ رددْتُكهَا مسألة تسألنيها، فقلت: اللهم اغفرْ لأمتي، وأخرْتُ الثالثة ليومٍ يرغبُ إليَّ الخلقُ كلُّهُم حتى إبراهيمُ". وفي رواية (1) أخرى قال: إن النبي صلى الله عليه سلم كان عند أضاة بني غفارٍ، فأتاه جبريلُ عليه السلام، فقال: إن الله يأمرُك أنْ تقرأ أُمَّتُك القرآن على حرفٍ، فقال: "أسأل الله معافاته ومغفرته، وإنَّ أمتي لا تُطيقُ ذلك، ثم أتاه الثانية، فقال إن الله يأمُرك أنْ تقرأ أمتُك القرآن على حرفين، فقال: أسألُ الله معافاته ومغفرته، وإنَّ أمتي لا تطيق ذلك، ثم جاء الثالثة فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمَّتُك القرآن على ثلاثة

_ = بلغة هذيل، وبعضه بلغة هوازن، وبعضه بلغة اليمن. "ابن الأثير". 2448 - مسلم (1/ 561، 562) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 48 - باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف، وبيان معناه. (1) مسلم (1/ 562، 563) نفس الموضع السابق.

أحرف، فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته، وإنَّ أمتي لا تطيق ذلك: ثم جاءه الرابعة، فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف، فأيُّما حرفٍ قرؤوا عليه فقد أصابُوا. وفي رواية (1) لأبي داود عن أُبيِّ قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أُبيُّ، إني أُقْرِئتُ القرآن، فقيل لي: على حرفٍ أو حرفين؟ فقال الملكُ الذي معي: قل: على حرفين، فقيل لي: على حرفين أو ثلاثة؟ فقال الملكُ الذي معي: قل: على ثلاثة، قلت: على ثلاثةٍ، حتى بلغ سبعة أحرفٍ، ثم قال: ليس منها إلا شافٍ كافٍ، إن قلت: سميعاً عليماً، عزيزاً حكيماً، ما لم تختِمْ آية عذابٍ برحمةٍ أو آية رحمةٍ بعذاب". وفي رواية (2) للنسائي عن أُبيِّ قال: ما حاك في صدري منذ أسلمتُ، إلا أني قرأتُ آيةً، وقرأها آخر غير قراءتي، فقلت، أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال الآخر: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: يا رسول الله، أقرأتني آية كذا وكذا؟ قال: "نعم" وقال الآخرُ: ألمْ تُقْرِئني آية كذا وكذا؟ قال: "نعم، إنَّ جبريل وميكائيل، أتياني، فقعد جبريل عن يميني، وميكائيلُ عن يساري، فقال جبريل: اقرأ القرآن على حرفٍ، وقال: ميكائيلُ استزدْهُ، حتى بلغ سبعة أحرفٍ، وكلُّ حرفٍ شافٍ كافٍ". وأخرج الترمذي (3) عن أبيِّ بن كعبٍ هذا المعنى بغير هذا اللفظ مُختصراً قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل، فقال: يا جبريل، بُعثْتُ إلى أمةٍ أُمِّيِّنَ، فيهم العجوز والشيخُ الكبير، والغلام والجارية، والرجل الذي لم يقرأ كتاباً قطُّ، فقال: يا محمدُ إنَّ القرآن أُنزل على سبعة أحرفٍ.

_ (1) أبو داود (2/ 76) كتاب الصلاة، 22 - باب "أنزل القرآن على سبعة أحرف". (2) النسائي (2/ 154) 11 - كتاب الافتتاح، 37 - باب جامع ما جاء في القرآن. الترمذي (5/ 194، 195) 47 - كتاب القراءات، 11 - باب ما جاء أُنزل القرآنُ على سبعة أحرف، وقال (3) الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وقد رُوي من غير وجهٍ عن أُبي بن كعب. (شافٍ كافٍ) شافٍ: من الشفاء، وكافٍ: من الكفاية. (فرقاً) الفرق: الفزع. ... =

أقول: وفي الرواية الثانية لمسلم أن أصل التكليف كان بحرف واحد والظاهر أنه كان بحرف قريش، وأن ما زاد على ذلك من الأحرف السبعة كان رخصة روعي فيها حال العرب وقت تنزل القرآن. ولعل هذا يصلح دليلاً للإجماع على رسم واحد للقرآن، وقوله: إن قلت سميعاً عليماً، عزيزاً حكيماً لا يعني هذا أن الإنسان مخير في أن يبدل كلمة بكلمة بل المراد إذا أقرأك رسول الله صلى الله عليه وسلم أي حرف فهو قرآن، ويفهم من ذلك أن الأحرف السبعة قبل الرسم العثماني للمصحف تشمل هذه الصورة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بعض الآيات تختم بأكثر من خاتمة على أن يحافظ القاريء على ما تلقنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الحديث إشارة إلى ما لا يبطل الصلاة كما أن فيه نموذجاً عملياً على الحال الذي كان يحدث للصحابة حال اجتماعهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه إشارة إلى ما يغلب القلب أحياناً من وساوس ليست محل مؤاخذة ما دام الإنسان يجاهدها. 2449 - * روى الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أقرأني جبريل على حرفٍ، فراجعتُه فزادني، فلم أزل أستزيده ويزيدُني، حتى انتهى إلى سبعة أحرفٍ" قال ابن شهابٍ: بلغني أن تلك السبعة الأحرف: إنما هي في الأمر الذي يكون واحداً، لا يختلفُ في حلال ولا حرام. أقول: يفيد النص أن الأحرف السبعة لا تتناقض، ولو أن الأحرف السبعة وصلتنا لكان فيها مظهر من مظاهر الإعجاز (1)، ولوجدنا فيها علماً كثيراً حول طرائق العرب في الخطاب ولهجاتهم المختلفة وتعبيراتهم عن المعنى الواحد بألفاظ متعددة ولكن هذه المصالح

_ (الأضاةُ) الغديرُ: وجمعها أضي، مثل حصاةٍ وحصي وأضاة بني غفار الواردة في الحديث هي غدير بني غفار. (أميين) الأميون: جمع أميِّ، وهو الذي لا يكتب، منسوب إلى ما عليه أمة العرب، وكانوا لا يكتبون، وقيل: الأمي: الذي على أصل ولادة أمه، لمي تعلم الكتابة، فهو على جبلته التي وُلد عليها. قوله: ولا إذ كنت في الجاهلية. معناه: ووسوس لي الشيطان تكذيباً للنبوة، أشد مما كنت عليه في الجاهلية، لأنه في الجاهلية كان غافلاً أو متشككاً، فوسوس له الشيطان الجزم بالتكذيب [م]. (ولك بكل ردة رددتكها مسألة تأسلنيها). معناه: مسألة مجابة قطعاً [م]. 2449 - البخاري (9/ 23) 66 - كتاب فضائل القرآن، 5 - باب أُنزل القرآن على سبعة أحرُف. مسلم (1/ 561) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 48 - باب بيان أن القرآن على سبعة أحرف، وبيان معناه.

أهدرها الصحابة أمام مصلحة توحيد الأمة على رسم واحد للمصحف، وفيما فعلوه كل الخير. 2450 - * روى الشيخان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه سمع رجلاً يقرأ آية سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها على خلاف ذلك، قال: فأخذت بيده، فانطلقْتُ به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرتُ ذلك له، فعرفْتُ في وجهه الكراهية وقال: "اقرأ، فكلاكُما مُحْسِن، ولا تختلفُوا، فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكُوا". أقول: هذا النص يفيد أن من قرأ شيئاً من القرآن على قراءة أقرأه إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصح لأحد أن ينكر عليه، ولكن بعدما أجمعت الأمة على الرسم العثماني للمصحف فلا يصح لأحد أن يعتب رما خالفه قرآنا لأن هذا الرسم مجمع عليه وغيره ليس كذلك، وهو منقول بروايات آحاد، أما القراءات المتواترة فليس لأحد أن ينكر على من قرأ بواحدة منها، وهي من بقايا الأحرف السبعة وليست هي الأحرف السبعة، إلا أنها توافق جميعها الرسم العثماني للمصحف، فإن القُرَّاء بعد أن أجمع الصحابة على الرسم العثماني للمصحف احتفظوا بما يوافقه من القراءات وتركوا ما سواه، فكل ما جاءنا من القراءات المتواترة متفق مع الرسم العثماني للمصحف، لكنه يختلف أحياناً في طرائق الأداء وأحياناً في فرش الحروف كما ذكرنا. 2451 - * روى أحمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "نزل القرآنُ على سبعة أحرفٍ. المراءُ في القرآن كُفر، ثلاث مراتٍ، فما عَلِمْتُم فاعْمَلوا به وما جهلتم منه فردوه إلى عالِمه" وفي رواية (1) "أُنزِلَ القرآنُ على سبعة أحرف عليماً حليماً غفوراً رحيماً".

_ 2450 - البخاري (9/ 101) 66 - كتاب فضائل القرآن، 27 - باب اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، ورد هذا الحديث في البخاري أيضاً في (5/ 70) 44 - كتاب الخصومات، 1 - باب ما يُذكر في الإشخاص والخصومة بين المسلم واليهود. 2451 - أحمد (2/ 300). (1) أحمد 02/ 332). كشف الأستار (3/ 90) باب كم أنزل القرآن على حرف. مجمع الزوائد (7/ 151) وقال الهيثمي: رواه كله أحمد بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح، ورواه البزار بنحوه.

2452 - * روى أحمد عن أبي الجهم أن رجلين اختلفا في آيةٍ من القرآن قال هذا تلقنتُها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الآخر تلقنتُها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "القرآن يُقرأ على سبعة أحرف فلا تماروا في القرآن فإن مراء في القرآن كُفرٌ". أقول (1): المراء في القرآن بغير علم قد يوقع المتجادلين بالكفر، وقد أطلق الرسول صلى الله عليه وسلم التحذير ليكون جو الأخذ للقرآن سليماً. * * *

_ 2452 - أحمد (4/ 169، 170). مجمع الزوائد (7/ 151) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

وصل في نماذج عن الأحرف والقراءات

وصل في نماذج عن الأحرف والقراءات 2453 - * روى الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكرٍ وعمر - وأُراهُ قال: وعثمان - كانوا يقرؤون {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} (1) بالألف. وقراءة ملك متواترة كهذه القراءة والرسم العثماني يشملها. 2454 - * روى أبو داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله لبني إسرائيل: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} (2). 2455 - * روى أبو داود عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (3) زاد في نسخة بكسر الخاء. 2456 - * روى أبو داود عن زيد بن ثابتٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} (4) زاد في نسخة، بنصب الراء. 2457 - * روى أبو داود عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} (5) [بالرفع في الأولى].

_ 2453 - الترمذي (5/ 185) 47 - كتاب القراءات، 1 - باب في فاتحة الكتاب، وإسناده حسن. (1) الفاتحة: 4. 2454 - أبو داود (4/ 38) كتاب الحروف والقراءات، وإسناده حسن، وهي قراءة ابن عامر. (2) البقرة: 58. 2455 - أبو داود (4/ 31) أول كتاب الحروف والقراءات، وإسناده صحيح، وهذه هي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وعاصم وحمزة والكسائي، وقرأ نافع وابن عامر بفتح الخاء على الخبر [م]. (3) البقرة: 126. 2456 - أبو داود (4/ 32) كتاب الحروف والقراءات، إسناده حسن، بنصب الراء، وهي قراءة نافع، ابن عامر، والكسائي، وخلف، والمفضل، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة (غيرُ) برفع الراء. قال أبو علي: من رفع الراء جعل (غير) صفة للقاعدين، ومنْ نصبها جعلها استثناء من القاعدين [م]. (4) النساء: 95. 2457 - أبو داود (4/ 32) كتاب الحروف والقراءات. الترمذي (5/ 186) 47 - كتاب القراءات، 1 - باب في فاتحة الكتاب، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. (5) المائدة: 45. (العين بالعين) الرفع في العين، معطوف على محل (أن النفس بالنفسِ) لأن المعنى: وكتبنا عليهم أن النفس بالنفس لإعطاء "كتبنا" معنى "قلْنَا". قال ابن الجوزي في "زاد المسير" 2/ 367 قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر (النفس بالنفس والعين بالعين ... =

2458 - * روى أبو داود عن أُبيِّ بن كعب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فلتَفْرَحُوا} (1) بالتاء. 2459 - * روى البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه قرأ {هَيْتَ لَكَ} (2) وقال: إنما نقرأُ كما عُلمنا، وعنه: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} (3) يعني بالرفع. وفي رواية (4) أبي داود أنه قرأ (هيتَ لك) [فقال شقيق: إنا نقرؤها (هئتُ)] فقال: ابن مسعودٍ: أقرؤُها كما عُلِّمْتُ أحبُّ إليَّ. وفي رواية (5) له قال: قيل لعبد الله: إنَّ أُناساً يقرؤون هذه الآية (وقالت: هِئتُ لك)؟ فقال: إني أقرأ كما عُلِّمْتُ أحبُّ إليَّ، (وقالت: هَيْتَ لك).

_ = والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن) ينصبون ذلك كله ويرفعون (والجروح) وكان نافع وعاصم وحمزة ينصبون ذلك كله، وكان الكسائي يقرأ (أن النفس بالنفس) نصباً ويرفع ما بعد ذلك. قال أبو علي: وحجته أن الواو لعطف الجمل، لا للاشتراك في العامل، ويجوز أن يكون حمل الكلام على المعنى، لأن معنى (وكتبنا عليهم) قلنا لهم: النفس بالنفس، فحمل العين على هذا، وهذه حجة من رفع "الجروح" [م]. وقرأ نافع بتسكين الذال من الأذن. والباقون بالضم. 2458 - أبو داود (4/ 33) كتاب الحروف والقراءات، وإسناده حسن. وفي رواية: موقوفاً عليه، وهي قراءة أبي مجلز وقتادة وأبي العالية ورويس عن يعقوب. (1) يونس: 58. 2459 - البخاري (8/ 363) 65 - كتاب التفسير، 4 باب (وراودته التي هو في بيتها ...). (2) يوسف: 23. (3) الصافات: 12. (4) أبو داود (4/ 38) كتاب الحروف والقراءات. (5) أبو داود: نفس الموضع السابق. (هيت لك) هيت: فيها لغات، ومعناها جميعها: هلم، وادْنُ في هذه اللفظة خمس قراءات، فنافع وابن ذكوان وأبو جعفر بكسر الهاء وياء ساكنة وتاء مفتوحة، وابن كثير بفتح الهاء وياء ساكنة وتاء مضمومة، وهشام بهاء مكسورة وهمزة ساكنة وتاء مفتوحة، أو مضمومة. والباقون بفتح الهاء وياء ساكنة وتاء مفتوحة" [م]. فالقراءات فيها هي: هِيْتَ، هَيْتُ، هَيْتَ، هِئْتُ، هِئْتَ. (عجبتُ) من ضمَّ تاء "عجبتُ" ردها إلى الله تعالى: أي عجبتُ من أن ينكروا البعث ممن هذه أفعاله. وهم يسخرون بمن يصف الله بالقدرة عليه. "قال ابن الجوزي في زاد المسير: وفي "عجبت" قراءتان، قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر "بل عجبت" بفتح التاء، وقرأ علي بن أبي طالب وابن مسعود وابن عباس وأبو عبد الرحمن السُّلمي وعكرمة وقتادة وأبو مجلس والنخعي وطلحة بن مصرف والأعمش وابن أبي ليلى وحمزة والكسائي في آخرين "بل عجبتُ" بضم التاء، فمنْ فتح أراد: بل عجبت يا محمد ويسخرون هم، قال ابن السائب: أنت تعجب منهم وهم يسخرون منكن ومن ضم أراد الإخبار عن الله أنه عجب".

2460 - * روى الطبراني عن تميم بن حَذلمٍ قال قرأت على عبد الله القرآن فلم يأخذ عليَّ إلا حرفين قلتُ {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} (1) قال: {وكل آتُوه داخرين} وقلت {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِّبوا} (2) قال: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا}. قوله أتوْه بالقصر: قراءة حفص وحمزة، وقرأ الباقون (آتُوه) ممدودة الهمزة مضمومة التاء. وقوله (كذبوا) فيها قراءتان: بالتخفيف كُذبوا وهي قراءة الكوفيين: حمزة والكسائي وعاصم وكُذِّبوا مشددة الذال وهي قراءة الباقين. 2461 - * روى الطبراني عن ابن مسعود أنه كان يقرأ {مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا}. 2462 - * روى أبو داود عن أُبيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "قرأ: {بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} (3) مَُقَّلةً". وفي أخرى (4) له قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا بدأ بنفسه، وقال: "رحمةُ الله علينا وعلى موسى، لو صبر لرأى مِنْ صاحبه العجَبَ، ولكنه قال: {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا}، طوَّلها حمزَةُ الزَّيَّات.

_ 2460 - الطبراني في (الكبير) (9/ 148). مجمع الزوائد (7/ 155) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات. (1) النمل: 78. (2) يوسف: 110. 2461 - الطبراني في (الكبير) (9/ 149، 150). مجمع الزوائد (7/ 155) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. (مجراها): بفتح الميم قرأ بذلك حفص وحمزة والكسائي وخلف، وقرأ الباقون بضم الميم. 2462 - أبو داود (4/ 33، 34) كتاب الحروف والقراءات. الترمذي (5/ 188) 47 - كتاب القراءات، 3 - باب "ومن سورة الكهف". (3) الكهف: 76. (4) أبو داود (4/ 33) كتاب الحروف والقراءات. وهذه الرواية موجودة عند مسلم وذلك في (4/ 1851) 43 - كتاب الفضائل، 46 - باب من فضائل الخضر عليه السلام. قال ابن الجوزي في "زاد المسير" 5/ 174: قرأ ابن كثير وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة والكسائي (من لدني) مثقل، وقرأ نافع (من لدني) بضم الدال مع تخفيف النون. وروى أبو بكر عن عاصم (من لدني) بفتح اللام مع تسكين الدال. وفي رواية أخرى عن عاصم (لدني) بضم اللام وتسكين الدال. قال الزجاج: وأجودها تشديد ... =

2463 - * روى أبو داود عن ابن عباس قال: أقرأني أُبيِّ كما أقرأهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم {فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ}. 2464 - * روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: نزل الوحيُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأ {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا}. قال أبو داود: يعني مخففة الراء، حتى أتى على هذه الآيات. 2465 - * روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقرأ {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} (1) وتقول: الوَلَقُ: الكذبُ. قال ابن أبي مُليكة: وكانت أعلم بذلك من غيرها، لأنه نزل فيها. لم أجد هذه القراءة في عدد من كتب القراءات السبع والعشر وذكرها المفسرون وذكروا

_ = النون، لأن أصل (لدن) الإسكان، فإذا أضفتا إلى نفسك زدت نوناً، ليسلم سكون النون الأولى. تقول: من لدن زيد، فتسكن النون، ثم تضيف إلى نفسك، فتقول: من لدني، كما تقول: عن زيد وعني، فأما إسكان دال لدني فنهم أسكنوها، كما تقول في عضد: عضد، فيحذفون الضم. 2463 - أبو داود (4/ 34) كتاب الحروف والقراءات، وهو صحيح. (حمئةٍ) ذات حمأةٍ: هي الطين الأسود. قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو، وحفص عن عاصم (حمئة) وهي قراءة ابن عباس، وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم "حامية" وهي قراءة عمرو، وعلي، وابن مسعود، والزبير، ومعاوية، وأبي عبد الرحمن: والحسن، وعكرمة، والنخعي، وقتادة، وأبي جعفر، وشيبة، ابن محيصن، والأعمش، كلهم لم يهمز. قال الزجاج: فمن قرأ "حمئة" أراد في عين ذات حمأة، ومن قرأ "حامية" بغير همز. أراد: حارة، وقد تكون حارة ذات حمأة. [م]. 2464 - أبو داود (4/ 38) كتاب الحروف والقراءات. قرأ ابن كثير، وأبو عمرو (فضناها) بالتشديد. وقرأ ابن مسعود وابن عبد الرحمن السُّلَمي والحسن وعكرمة والضحاك والزهري ونافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وأبو جعفر وابن يعمر والأعمش وابن أبي عبلة (فرضناها) بالتخفف. قال الزجاج: من قرأ بالتشديد، فعلى وجهين. أحدهما: على معنى التكثير. أي: إننا فرضنا فيها فروضاً. والثاني: على معنى بينا وفصلنا ما فيها من الحلال والحرام. ومن قرأ بالتخفيف، فمعناه: ألزمناكم العمل بما فرض فيها، وقال غيره: من شدد. أراد: فصلنا فرائضها، ومن خفف، فمعناه: فرضنا ما فيها [م]. 2465 - البخاري (8/ 482) 65 - كتاب التفسير، 8 - باب (إذ تلقونه بألسنتكم). (تَلِقُونَه): بتاء واحدة خفيفة مفتوحة وكسر اللام ورفع القاف. قال ابن الجوزي: وهي قراءة أُبي بن كعب وعائشة ومجاهد وأبي حيوة. [م]. (1) النور: 15.

فيها وجوهاً أخرى، والقراءة المشهورة. تلقَّوْنَه. والمعنى التلقي والتلقف بسرعة مع الإلقاء مباشرة دون تفكر وروية وقراءة تلِقُونَه: من ولْقَ الكلام الاستمرار في الكذب انظر [الآلوسي 18/ 119]. 2466 - * روى أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: - وذكر حديث الوحي- قال: [فذلك] قوله جل ثناؤه {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} (1). 2467 - * روى الشيخان عن يعْلي بن أمية رضي الله عنه قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ {وَنَادَوْا: يَامَالِكُ، لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} (2) قال سفيان: في قراءة عبد الله (ونادوا: يا مَالِ). وفي رواية أبي داود (3) والترمذي (4): (يا ماَلِكُ). قال أبو داود: بِلا تَرْخيمٍ. أقول: قراءة الترخيم شاذة لأنها لاتتفق مع الرسم العثماني للمصحف وروي أنه قيل لابن عباس أن ابن مسعود قرأ (ونادوا يا مالِ) فقال ما كان أشغل أهل النار عن الترخيم. قال بعضهم: وهي وإن كانت شاذة إلا أن فيها فائدة بلاغية أنه من شدة العذاب يتقطعون الاسم (مالك) لضعفهم عن إتمامه (قطر الندى 214).

_ 2466 - أبو داود (4/ 34، 35) كتاب الحروف والقراءات. قال محقق الجامع: كذا الأصل "فزع" بالزاي والعين على القراءة المشهورة. وهو في نسخة مختصر سنن أبي داود للمنذري "فرغ" وفي هامشها: قرأ الحسن "فرغ" من الفراغ وفي عون المعبود "فُزِّع" بتشديد الزاي - بصيغة المبني للمجهول من التفزيع: هكذا في جميع النسخ. وقال السيوطي هو في نسختي - بالزاي والعين المفتوحة - ويحتمل أنه- بالراء والغين المعجمة - فإن أبا هريرة كان يقرؤها كذلك "فرغ" وقال ابن الجوزي: قرأ الأكثرون (فزع) بضم الفاء وكسر الزاي. وقرأ ابن عامر ويعقوب وأبان (فزع) بفتح الفاء والزاي. وقرأ الحسن وقتادة وابن يعمر 0 فرغ) بالراء غير معجمة وبالغين معجمة. (1) سبأ: 23. 2467 - البخاري (6/ 312) 59 - كتاب بدء الخلق، 7 - باب إذا قال أحدكم (آمين) .... إلخ. وجاء أيضاً في (6/ 330) 59 - كتاب بدء الخلق، 10 - باب صفة النار وأنها مخلوقة. مسلم (2/ 594، 595) 7 - كتاب الجمعة، 13 - باب تخفيف الصلاة والخطبة. (2) الزخرف: 77. (3) أبو داود (4/ 35) كتاب الحروف والقراءات. (4) الترمذي (2/ 382) أبواب الصلاة، 365 - باب ما جاء في القراءة على المنبر. قال ابن الجوزي: وهي قراءة علي بن أبي طالب وابن يعمر: قال الزجاج: وهذا يسميه النحويون الترخيم، ولكني أكرهها لمخالفة المصحف. [م].

2468 - * روى مالك عن ابن شهاب كان عمر يقرؤها (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فامضوا إلى ذكر الله). أقول: قراءة (فامضوا) شاذة لأنها تخالف الرسم العثماني للمصحف لكنها تصلح أن تكون تفسيراً لقوله تعالى: {فَاسْعَوْا}. 2469 - * روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ {فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ} (1). 2470 - * روى الشيخان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم (مُذِّكِر) فردَّها علي {مُدَّكِرٍ} (2). وفي أخرى (3): سمعته يقول: (مُدَّكِر) دالاً. وفي رواية (4) أبي داود: [أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} قال أبو داود]: مضمومة الميم مفتوحة الدال مكسورة الكاف. 2471 - * روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ

_ 2468 - الموطأ (1/ 106) 5 - كتاب الجمعة، 5 - باب ما جاء في السعي يوم الجمعة. 2469 - الترمذي (5/ 190) 47 - كتاب القراءات، 6 - باب "ومن سورة الواقعة". (فروحٌ) روح بضم الراء، بمعنى: الرحمة. قراءة الجمهور بفتح الراء، وقرأ أبو بكر وأبو رُزين الحسن وعكرمة وابن يعمر وقتادة ورويس عن يعقوب وابن أبي سريج عن الكسائي برفع الراء [م]. (1) الواقعة: 89. 2470 - البخاري (8/ 618) 65 - كتاب التفسير، 4 - باب (ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر). مسلم (1/ 565) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 50 - باب ما يتعلق بالقراءات. (2) القمر: 15. (3) مسلم: نفس الموضع السابق. الترمذي (5/ 190) 47 - كتاب القراءات، 5 - باب "ومن سورة القمر". وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (4) أبو داود (4/ 35) كتاب الحروف والقراءات. 2471 - البخاري (8/ 687، 688) 65 - كتاب التفسير، 2 - باب قوله (إنها ترمي بشررٍ كالقصر)، 3 - باب (كأنه جمالاتٌ صفر).

كَالْقَصْرِ} (1) كنا نفعُ الخشبة للشتاء ثلاثة أذرعٍ أو أقلَّ، ونسميه، القصر {كَالْقَصْرِ} (2) حبال السفن تُجمعُ، حتى تكون كأوساط الرجال. أقول: القراءة المشهورة {كَالْقَصْرِ} أي كالقصر في العظم ليست كالشجر والجبال .. وقرأ ابن عباس ومجاهد وابن جبير {كالقَصَر} وهي أصول النخل والشجر، ومنه الخشبة التي كانت ترفع للشتاء وطولها ثلاثة أذرع أو أقل من أجل المدفئة والإحراق أيام البرد فقد ذكر ابن عباس أنهم كانوا يسمونها القصر. 2472 - * روى أبو داود عن أبي قلابة عمن أقرأه النبي صلى الله عليه وسلم: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} (3). هناك قراءتان سبعيتان متواترتان بقوله تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} فقراءة حفص ومن وافقه على بناء يعذب ويوثق للمعلوم أي بكسر الذال والثاء. وقرأ الكسائي ووافقه يعقوب وآخرون بفتح الذال والثاء على البناء للمجهول فكانت قراءتهما لا يعذب عذابه أحد ولا يوثَقُ وثاقه أحد. انظر [الغاية في القراءات العشر: 292]. وانظر كتاب [الإقناع في القراءات السبع (2/ 180)]. وجاءت هذه الرواية تقرر قراءة الكسائي بفتح ذال يعذَّب وثاء يوثَق. 2473 - * روى الشيخان عن علقمة رحمه الله قال: قدم أصحاب عبد الله بن مسعود على أبي الدرداء رضي الله عنهما، فطلبهم فوجدهم، فقال: أيُّكم يقرأ قراءة عبد الله؟ قالوا: كُلُّنا، قال: فأيُّكم أحفظُ؟ فأشاروا إلى علقمة، قال: كيف سمعته يقرأ {وَاللَّيْلِ إِذَا

_ = (القصَر): بفتح القاف والصاد وهي قراءة ابن عباس والحسن جمع (قصرة) بالفتح وهي أعناق الإبل والنخل وأصول الشجر. (نرفع الخشبة للشتاء): نعد الخشب لإحراقه والتدفئة عليه أيام البرد. (1) المرسلات: 32. (2) المرسلات: 33. 2472 - أبو داود (4/ 36) كتاب الحروف والقراءات، وسكت عنه المنذري كذا في تخريج السنن 1/ 10. (3) الفجر: 25، 26. 2473 - البخاري (8/ 706) 65 - كتاب التفسير، 1 - باب (والنهار إذا تجلى). مسلم (1/ 565، 566) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 50 - باب ما يتعلق بالقراءات.

يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} (1) قال: {الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} قال أبو الدرداء: والله لا أتابعهم، ثم قال أبو الدرداء: أنت سمعته مِنْ في صاحبك؟ قال: نعم، قال: وأنا سمعت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء يأبون علينا. وفي رواية (2): أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ هكذا، وهؤلاء يريدونني أن أقرأ {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} والله لا أتابعهم عليه. ولمسلم (3) قال: أتى علقمةُ الشام، فدخل مسجداً، فصلى فيه، ثم قام إلى حلقةٍ، فجلس فيها، قال: فجاء رجلٌ فعرفتُ فيه تحوُّشَ القوم وهيْئتَهُمْ، قال: فجلس إلى جنبي، ثم قال: أتحفظُ كما كان عبد الله يقرأ فذكر بمثله.

_ (1) الليل: 1 - 3. (2) البخاري (8/ 707) 65 - كتاب التفسير، 2 - باب (وما خلق الذكر والأنثى). (3) المسلم (1/ 566) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 50 - باب ما يتعلق بالقراءات. قال ابن الأثير (تحوش) احْتَوش القومُ على فلان: إذا جعلوهُ وسطهم، وتحوَّشَ القوم عني: تنحَّوْا. قال النووي: هو بمثناة في أوله مفتوحة، وحاء مهملة وواو مشددة وشين معجمة. أي انقباضهم. قال القاضي: ويحتمل أن يريد: الفطنة والذكاء .. يقال: رجل حوشي الفؤاد. أي: حديده. قال الحافظ: وهذه القراءة لم تنقل إلا عمن ذكر في هذا الحديث. ومن عداهم قرؤوا (وما خلق الذكر والأنثى) وعليها استقر الأمر مع قوة إسناد ذلك إلى أبي الدرداء ومن ذكر معه. ولعل هذا مما نسخت تلاوته، ولم يبلغ لنسخ أبا الدرداء ومن ذكر معه. والعجب من نقل الحفاظ الكوفيين هذه القراءة عن علقمة وعن ابن مسعود: وإليهما تنتهي القراءة بالكوفة، ثم لم يقرأ بها أحد منهم، وكذا أهل الشام حملوا القراءة عن أبي الدرداء، ولم يقرأ أحد منهم بهذا، فهذا مما يقوي أن التلاوة بها نسخت [م].

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد - يجد القارئ لكتب اللغة والنحو كثيراً من الكلام عما اختصت به بعض القبائل من لغات أو نطق لبعض الحروف أو طرائق أداء، وهذا كله يمكن أن يستأنس به لمعرفة الأحرف السبعة دون الجزم بأي منها على أنها من الأحرف السبعة وقد توسع الرافعي في كتابه (تاريخ آداب العرب) في عرضه لهذه الموضوعات ومما ذكره في هذا الموضوع: ورأينا أن نقسم أنواع الاختلاف التي جمعناها إلى خمسة أقسام: (1) لغات منسوبة ملقبة. (2) لغات منسوبة غير ملقبة تجري في إبدال الحروف. (3) لغات من ذلك في تغير الحركات. (4) لغات غير منسوبة ولا ملقبة. (5) لغة أو لثغة في منطق العرب. النوع الأول: ومن أمثلته: (1) الكشكشة: وهي في ربيعة ومضر: يجعلون بعد كاف الخطاب في المؤنث شيناً، فيقولون في رأيتك: رأيتكش، وبكش وعليكش؛ وهم في ذلك ثلاثة أقسام: قسم يثبت الشين حالة الوقف فقط، وهو الأشهر؛ وقسم يثبتها في الوصل أيضاً؛ وقسم يجعل الشين مكان الكاف ويكسرها في الوصل ويسكنها في الوقف، فيقولون في مررت بك اليوم: مررت بشِ اليوم، وفي مررت بِكْ- في الوقف - مررت بِشْ. وقد تروى الكشكشة لأسد وهوازن، وقال ابن فارس في فقه اللغة: إنها في أسد. (2) الكسكسة: وهي في ربيعة ومضر أيضاً: يجعلون بعد الكاف أو مكانها في خطاب المذكر سيناً على ما تقدم؛ وقصدوا بالفرق بين الحرفين، السين والشين، تحقيق الفرق بين

المذكر والمؤنث في النطق. ونقل الحريري أن الكسكسة لبكر لا لربيعة ومضر، وهي فيما نقله زيادة سين بعد كاف الخطاب في المؤنث لا في المذكر. وروى صاحب القاموس أنها لتميم لا لبكر، وفسرها كما فسر الحريري. (3) الشنشنة في لغة اليمين: يجعلون الكاف شيناً مطلقاً، فيقولون في لبيك اللهم لبيك، لبيش اللهم لبيش. (4) العنعنة في لغة تميم وقيس: يجعلون الهمزة المبدوءة بها عيناً، فيقولون في إنك: عِنك، وفي أسلم: عَسْلم، وفي إذن: عِذَن، وهلم جرا. (5) الفحفحة في لغة هذيل: يجعلون الحاء عيناً، فيقولون في مثل حلت الحياة لكل حي: علت العياة لكل عيّ. (6) العجعجة في لغة قضاعة: يجعلون الياء المشددة جيماً فيقولون في تميمي "تميمج"؛ وكذا يجعلون الياء الواقعة بعد عين، فيقولون في الراعي: الراعج، وهكذا - وسيأتي في النوع الثاني عكس هذه اللغة - وكانت قضاعة إذا تكلموا غمغموا فلا تكاد تظهر حروفهم، وقد سمى العلماء ذلك منهم "غمغمة قضاعة". (7) الوتم في لغة اليمن أيضاً: يجعلون السين تاء: فيقولون في الناس: النات، وهكذا. (8) الوكم في لغة ربيعة، وهم قوم من كلب يكسرون كاف الخطاب في الجمع متى كان قبلها ياء أو كسرة، فيقولون في عليك وبكم: عليكِمِ وبكِمِ. (9) الوهم في لغة كلب: يكسرون هاء الغيبة متى وليتها ميم الجمع مطلقاً "والفصيح أنها لا تكسر إلا إذا كان قبلها ياء أو كسرة نحو عليهم وبهم" فيقولون في منهم وعنهم وبينهم؛ منهمِ وعنهِم وبينهِم. (10) الاستنطاء في لغة سعد بن بكر وهذيل والأزد وقيس والأنصار يجعلون العين

للساكنة نوناً إذا جاورت الطاء، فيقولون في أعطى: أنطى وعلى لغتهم قرئ شذوذاً: "إنا أنطيناك الكوثر". (11) التلتلة في بهراء، وهم بطن من تميم، وذلك أنهم يكسرون أحرف المضارعة مطلقاً، وقد ذكر سيبويه في الجزء الثاني من كتابه مواضع يكون فيها كسر أوائل الأفعال المضارعة عاماً في لغة جميع العرب إلا أهل الحجاز وذلك في نحو مضارع "فعل" إذا كانت لامه أو عينه ياءً أو واواً، نحو وجِلَ وخشَى، مثلاً، فيقولون: نيجل ونخشى؛ وهكذا، فراجعه في الكتاب فإن فيه تعليلاً حسناً. وقال في آخر هاذ الفصل: إن بني تميم يخالفون العرب ويتفقون مع أهل الحجاز في فتح ياء المضارعة فقط (12) القُطعة في لغة طيء: وهي قطع اللفظ قبل تمامه، فيقولون في مثل يا أبا الحكم يا أبا الحكا. وهي غير الترخيم المعروف في كتب النحو، لأن هذا مقصور على حذف آخر الاسم المنادى، أما القطعة فتتناول سائر أبنية الكلام. (13) اللخلخلانية: وهي تعرض في لغة أعراب الشحّر وعُمان، فيحذفون بعض الحروف اللينة، ويقولون في نحو ما شاء الله: مشاالله. ومن لغات الشحر المرغوب عنها ما نقله صاحب المخصص من أن بعضهم يقول في السيف: شَلقَى. (14) الطُّمطُمانية في لغة حِمْير: يبدلون لام التعريف ميماً، وعليها جاء الحديث في مخاطبة بعضهم: "ليس من امْبِرِّ امْصِيامُ في امْسفر": أي ليس من البر الصيام في السفر. النوع الثاني: لغاتُ منسوبة غير ملقبة عند العلماء، ومن أمثلته: (1) في لغة فُقيم [دارم] يبدلون الياء جيماً، ولغتهم في ذلك أعمُّ من لغة قضاعة التي مرت في النوع الأول؛ لأنها غير مقيدة، فيقولون في بختي وعليّ؛ بختجٌّ وعلجٌّ. (2) في لغة مازن يبدلون الميم باءً والباء ميماً، فيقولون في بكر: مكر، وفي اطمئن: اطبئن.

ومما يريدونه: أن الخليفة الواثق المتوفى سنة 232 لما قدم عليه أبو عثمان المازني سأله: ممن الرجل؟ فقال: من بني مازن. قال: أي الموازن تميم أم مازن قيس أم مازن ربيعة؟ قال: من مازن ربيعة فكلمه الواثق بكلام قومه وقال: (باسْبُك)؟ يريد: ما اسمك؟ لأنهم يقلبون الميم باء والباء ميماً، قال المازني: فكرهت أن أحبيبه على لغة قومي كيلا أواجهه بالمكر- لأن اسمه بكر - فقلت: بكر يا أمير المؤمنين! فأعجبه ذلك وقال لي: اجلس فاطبئن. يريد: اطمئن ... (3) في لغة طيء يبدلون تاء الجمع هاء إذا وقفوا عليها، إلحاقاً لها بتاء المفرد؛ وقد سمع من بعضهم. "دفن البناه، من المكرماه" يريد: البنات، والمكرمات؛ وحكى قطرب قول بعضهم: كيف البنون والبناه، وكيف الإخوة والأخواه؟ وسيأتي في النوع الرابع عكس هذه اللغة. (4) في لغة طيء أيضاً يقلبون الياء ألفاً بعد إبدال الكسرة التي قبلها فتحة، وذلك من كل ماضٍ ثلاثي مكسور العين، ولو كانت الكسرة عارضة كما لو كان الفعل مبنياً للمجهول، فيقولون في رضي وهُدي رضا وهدى؛ بل ينطِقون بها قول العرب: "فرسٌ حظية بظية" فيقولون. حظاة بظاة، وكذلك يقولون: النصاة، في الناصية. ومن لغتهم أنهم يحذفون الياء من الفعل المعتل بها إذا أُكِّد بالنون، فيقولون في: اخْشينَّ وارمينَّ ... إلخ. اخْشَنَّ وارِمِنَّ. وجاء من ذلك في الحديث الشريف على لغتهم: "لتُؤدَّنَّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء تنطحها" تنسب هذه اللغة إلى فزارة أيضاً كما تنسب إلى طيئ. (5) في لغة طيئ على ما رواه ابن السكيت أنهم يبدلون في الهمزة في بعض المواضع هاء، فيقولون هِنْ فعلتُ، يريدون: إن فعلت. (6) في لغة تميم يجيئون باسم المفعول من الفعل الثلاثي إذا كانت عينه ياءً على أصل الوزن بدون حذف، فيقولون في نحو مبيع مبيوع؛ ولكنهم لا يفعلون ذلك إذا كانت عين الفعل واواً إلا ما ندر، بل يتبعون فيه لغة الحجازيين، نحو: مَقُول ومصوغ؛ وهكذا.

(7) في لغة هذيل لا يبقون ألف المقصور على حالها عند الإضافة إلى ياء المتكلم، بل يقلبونها ياءً ثم يدغمونها، توصلاً إلى كسر ما قبل الياء، فيقولون في عصاي وهواي: عصيّ وهويّ. ولا يفعلون ذلك إلا إذا كانت الألف في آخر الاسم للتثنية، كما في نحو "فتياي" بل يوافقون الجمهور في إبقائها دون قلب، كأنهم كرهوا أن يزيلوا دلالتها على المعنى الذي أُلحقت بالكلمة له. (8) في لغة فزارة وبعض قيس يقلبون الألف في الوقف ياءً، فيقولون: الهُويْ وأفعي وحُبليْ. ومن تميم من يقلب هذه الألف واواً فيقول: "الهُدوْ وأفعوا وحبلو" ومنهم من يقلبها همزة فيقولك الهُدأ وأفعأ وحُبلأ". وقريب من قلب الألف واواً ما رواه ابن قتيبة عن ابن عباس: "لا بأس بلبس الحِذَوْ للمحرم": أي الحذاء وهو دليل على أن من بعض لغاتهم قلب الألف مطلقاً واواً. (9) في لغة خثعم وزبيد يحذفون نون "مِنْ" الجارة إذا وليها ساكن، قال شاعرهم: لقد ظفر الزوار أقفية العدا بما جاوز الآمال مِ الأسر والقتلِ وقد شاعت هذه اللغة في الشعر واستخفها كثير من الشعراء فتعاوروها. (10) في لغة بلحرث يحذفون الألف من "على" الجارة واللام الساكنة التي تليها، فيقولون في على الأرض، علأرضِ، وهكذا. (11) في لغة قيس وربيعة وأسد أهل نجد من بني تميم، يقصرون "أولاء" التي يشار بها للجمع ويلحقون بها "لاماً" فيقولون: "أُولالك. (12) في لغات أسماء الموصول: بلحرث بن كعب وبعض ربيعة يحذفون نون اللذين واللتين في حالة الفعل، وعلى لغتهم قول الفرزدق:

أبني كليب، إن عمي اللذا ... قتلا الملوك وفككا الأغلال وقول الأخطل: هما اللتا لو ولودت تميمُ ... لقيل، فخْر لهمُ صميمُ وتميم وقيس يثبتون هذه النون ولكنهم يشددونها، فيقولون: اللذان، واللتان؛ وذلك في أحوال الإعراب الثلاثة، وللنحاة في حكمة هذا التشديد أقوال ليست من غرضنا. وطيء تقول في الذي ذو، وفي التي ذات. ولا يغيرونهما في أحوال الإعراب الثلاثة رفعاً ونصباً وجراً. وقال أبو حاتم: إن "ذو" الطائية للواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث بلفظ واحد، وإعرابها بالواو في كل موضع. وسيأتي في النوع الرابع بعض لغات غير منسوبة في أسماء الموصول. (13) في لغة ربيعة يقفون على الاسم المنون بالسكون في كل أحوال الإعراب، فيقولون: رأيت خالدْ، ومررت بخالدْ، وهذا خالدْ؛ وغيرهم يشاركهم إلا في النصب. وفي لغة الأزد يبدلون التنوين في الوقف من جنس حركة آخر الكلمة فيقولون جاء خالدو، ومررت بخالدي. وفي لغة سعد يضعفون الحرف الأخير من الكلمة الموقوف عليها إلا إذا كان هذا الحرف همزة أو كان ما قبله ساكناً، فيقولون: هذا خالدّ، ولا يضعفون في مثل رشأ وبكر. (14) في لغة بلحرث وخثعم وكنانة يقلبون الياء بعد الفتحة ألفاً، فيقولون في إليك وعليك ولديه: "إلاك، وعلاك، ولداهُ". ومن لغتهم أيضاً إعراب المثنى بالألف مطلقاً، رفعاً ونصباً وجراً؛ وذلك لقلبهم كل ياء ساكنة انفتح ما قبلها ألفاً؛ فيقولون: جاء الرجلان، ورأيت الرجلان، ومررت بالرجلان؛ وأنشد ابن فارس في فقه اللغة لبعضهم: تزود منا بين أذناه ضربةً ... دعته إلى هابي التراب عقيم

غير أنه خص هذه اللغة ببني الحارث بن كعب. قال ابن جني في "سر الصناعة": إن من العرب من يقلب في بعض الأحوال الواو والياء. الساكنتين ألفين للفتحة قبلهما، وذلك نحو قولهم في الحيرة: حاري؛ وفي طييء: طائي. (15) ذكر المبرد في "الكامل" أن بني سعد بن زيد مناة، ولخم من قاربها، يبدلون الحاء هاء لقرب المخرج، فيقولون في مدحته. مدهتُه؛ وعليه قول رؤبة: * لله در الغانيات المدّه * أي المدّح؛ وفي هذه الأرجوزة: * برَّاق أصلاد الجبين الأجله * أي الأجلح. وقال في موضع آخر: العرب تقول: هودج، وبنو سعد بن زيد مناة ومن وليهم يقولون: فودج؛ فيبدلون من الهاء فاءً. وفي أمالي ثعلب: أزد شنوءة تقول: تفكهون، وتميم يقولون تفكنون، بمعنى تعجبون. وأمثلة الاختلاف من هذا الضرب غير قليلة. (16) في أمالي القالي عن أبي زيد أن الكلابيين يلحقون علامة الإنكار في آخر الكلمة، وذلك في الاستفهام إذا أنكروا أن يكون رأي المتكلم على ما ذكر في كلامه أو أن يكون على خلاف ما ذكر. فإذا قلت: رأيتُ زيداً، وأنكر السامع أن تكون رأيته قال: زيداً إنيه! بقطع الألف وتبيين النون، وبعضهم يقول: زيدنِّيه! كأنه ينكر أن يكون رأيك على ما ذكرت. وهذه الزيادة تجري في لغة غيرهم على النحو الذي تسمعه في لغة العامة من مصر، فإنك إذا قلت لأحدهم: رأيتُ الأسد، يقول: أسد إيه! فالعرب تحرّك آخر الكلمة إذا كان ساكناً وتلحق به الزيادة، فإذا قال رجل: رأيت زيداً، قالا: أزَيْدنيه! ويقول: قدم

زيدٌ فتقول: أزيْدُنيه! أما إذا كان آخر الكلمة مفتوحاً فإنهم يجعلون الزيادة ألفاً، ويجعلونها واواً إذا كان مضموماً، وياءً إذا كان مكسوراً، فإن قال: رأيت عثمان، قلت: أعثماناه! ويقول: أتاني عمر، فتقول: أعمروه! وهكذا. فإن كان الاسم معطوفاً عليه أو موصوفاً، جعلوا الزيادة في آخر الكلام؛ يقال: رأيت زيداً وعمراً، فتقول: أزيداً وعمرنيه! ويقال: ضربت زيداً الطويل، فتقول: أزيداً الطويلاه! وذكر سيبويه أنه سمع رجلاً من أهل البادية وقيل له: أتخرج إن أخصبت البادية؟ فقال: أنا إنيه! وإنما أنكر أن يكون رأيه على خلاف الخروج وسيأتي وصف لغة أخرى للحجازيين في النوع التالي: النوع الثالث: وهو من تغيير الحركات في الكلمة الواحدة حسب اختلاف اللهجات؛ ومن أمثلته: (1) "هلُمَّ" في لغة أهل الحجاز تلزم حالة واحدة "بمنزلة رُوَيدَ"، على اختلاف ما تسند إليه مفرداً أو مثنى أو جمعاً، مذكراً أو مؤنثاً؛ وتلزم في كل ذلك الفتح؛ وفي لغة نجد من بني تميم تتغير بحسب الإسناد؛ فيقولون هَلُمَّ يا رجل، وهَلُمِّي، وهلُمُّوا، وهلْمُمن؛ وإذا أسندت لمفرد لا يكسرونها كما قال سيبويه، فلا يقولون: هلِمّ يا رجل، ولكنها تُكسَر في لغة كعب وغني. (2) في لغة تميم يكسرون أول فعِيل وفَعِل إذا كان ثانيهما حرفاً من حروف الحلق الستة، فيقولون في لئيم ونحيف ورغيف وبخيل: لئيم، ونحيف .. إلخ، بكسر الأول، ويقولون: هذا رجلٌ لِعبٌ، ورجلٌ محِكٌ وهذا ماضغٌ لهِمٌ "كثير البلع" وهذا رجل وغِلٌ "طفيلي على الشراب"، وفِخِد، ونحوها كل ذلك في لغتهم بالكسر وغيرهم بفتحه؛ وقد نقل صاحب المخصص في ذلك تعليلاً حسناً يرجع إلى الأسباب اللسانية. (3) في لغة خزاعة يكسرون لام الجر مطلقاً مع الظاهر والضمير، وغيرهم يكسرها مع الظاهر ويفتحها مع الضمير غير ياء المتكلم؛ فيقولون: المال لِك ولِهُ. ونقل اللحياني ذلك عن خزاعة أيضاً.

وفي "سر الصناعة" لابن جني عن أبي عبيدة والأحمر ويونس، أنهم سمعوا العرب تفتح اللام الجار مع المظْهَر، وقال أبو زيد: سمعت من يقول: وما كان الله ليعذبهم؛ وفي لغة هؤلاء يقولون: المال للرجل؛ ومثل هذه اللغة في عامية الشام. ولكن العرب إجماعاً "ومنهم خزاعة" على كسر اللام إذا اتصلت بياء المتكلم فلا يفتحها منهم أحد. (4) هاء الغائب مضمومة في لغة أهل الحجاز مطلقاً إذا وقعت بعد ياء ساكنة، فيقولون: لديه وعليه؛ ولغة غيرهم كسرها، وعلى منطق أهل الحجاز قرأ حفص حمزة: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ} و {عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ} وهي القراءة المتبعة أما غيرهم من القراء فيكسر الهاء. (5) في لغة بني مالك من بني أسد يضمون هاء التنبيه؛ فيقولون في يا أيها الناس، يا أيُّهُ الناسُ ويا أيُّهُ الرجلُ؛ إلا إذا تلاها اسم إشارة، نحو: أيُّهذا، فإنهم يوافقون فيها الجمهور. (6) في لغة بني يربوع- وهم من بني تميم - يكسرون ياء المتكلم إذا أضيف إليها جمع المذكر السالم فيقولون في نحو ضاربيَّ ضاربيِّ، وهكذا. (7) في لغة الحجازيين يحكون الاسم المعرفة في الاستفهام إذا كان علماً كما نطق به؛ فإذا قيل: جاء زيد، ورأيت زيداً، ومررت بزيد، يقولون: من زيدٌ ومن زيداً؟ أما إذا كان غير علم: كجاءني الرجل، أو كان علماً موصوفاً: كزيد الفاضل، فلا يستفهمون إلا بالرفع، يقولون: من الرجلُ؟ ومن زيدٌ الفاضلُ؟ في الأحوال الثلاث. وإذا استفهموا عن النكرة المُعربة ووقفوا على أداة الاستفهام، جاءوا في السؤال بلفظة (من)، ولكنهم في حالة الرفع يُلحقون بها واواً لمجانسة الضمة في النكرة المُستفهم عنها، ويلحقون بها ألفاً في حالة النصب، وياءً في حالة الجر؛ فإذا قلت: جاءني رجل، ونظرت رجلاً، ومررت برجل؛ يقولون في الاستفهام عنه: (مَنو؟ ومضنا؟ ومني؟). وكذلك يلحقون بها علامة التأنيث والتثنية والجمع، فيقولون: (مَنَه)؟ في الاستفهام عن

المؤنثة، منان ومنَيْن؟ للمثنى المذكر، ومنتان؟ ومنتين؟ للمثنى المؤنث، ومنون؟ ومنين؟ للجمع المذكر، ومنات؟ للجمع المؤنث؛ وهكذا كله إذا كان المستفهم واقفاً؛ فإذا وصل أداة الاستفهام جرَّدَها عن العلامة، فيقول: من يا فتى؟ في كل الأحوال. وبعض الحجازيين لا يفرق بين المفرد وغيره في الاستفهام، فيقول: مَنُو، ومنا، ومنِي، إفراداً وتثنية وجمعاً، في التذكير والتأنيث. (8) من لغة الحجازيين أيضاً أنهم يعاقبون بين الواو والياء فيجعلون إحداهما مكان الأخرى؛ والمعاقبة إما أن تكون لغةً عند القبيلة الواحدة، أو تكون لافتراق القبيلتين في اللغتين، وليست بمطردة في لغة أهل الحجاز بين كل واو وياء، ولكنها محفوظة عنهم، فيقولون في الصواغ: الصيَّاغ؛ وقد دَوُخوا الرجل، ودَيَّخوه. وسمع الكسائي بعض أهل العالية يقول: لا ينفعني ذلك ولا يضورُني أي يَضِيرُني- وقوم يقولون في سريع الأوبة: سريع الأيْبَة؛ ومنهم من يقول في المصايب: مصاوب، ويقول بعضهم: حكوُت الكلام، أي حكيته؛ وأهل العالية يقولون: القصْوَى، ويقول فيها أهل نجد القُصْيا. وقد وردت أفعال ثلاثية تحكي لاماتها بالواو والياء، مثل: عزوت وعزيْت، وكنوت وكنيْت، وهي قريب من مائة لفظة نظمها ابن مالك النحوي في قصيدة مشهورة. (9) في لغة بكر بن وائل وأناس كثير من بني تميم، يسكنون المتحرك استخفافاً، فيقولون في فخذ، والرَّجُل، وكرُم، وعلم: فخْد، وكرم، والرَّجْل، وعلْم. وهذه اللغة كثيرة أيضاً في تغلب، وهو أخو بكر بن وائل. ثم إذا تناسبت الضمتان أو الكسرتان في كلمة خففوا أيضاً فيقولون في العنُق والإبل. العنْق، والإبْل. (10) في "الخصائص" لابن جني عن أبي الحسن الأخفش: أن من لغة أزد السراة تسكين ضمير النصب المتصل. (11) لغات في كلمات: تميم من أهل نجد يقولون: نِهْيٌ، للغدير، وغيرهم يفتحها.

والوُتر في العدد حجازية، والوتر - بالكسر - في الذحل: الثار. وتميم تكسرها جميعاً، وأهل العالية يفتحون في العدد فقط. اللَّحد واللّحد: للذي يحفر في جانب القبر، والرَّفع والرُّفع: لأصول الفخذين، فالفتح لتميم، والضم لأهل العالية. يقال: وتِد، ووتد. وأهل نجد يُدغمونها فيقولون: وَدّ. وفي لغة بعض الكلابيين يقولون: الدِّواء، وغيرهم يفتحها. والعرب يقولون: شواظ من نار، والكلابيون يكسرون الشين. ويقولون: رُفقة، للجماعة، ولغة قيس كسر الراء. وقالوا: وجنة ووُجنة، وبالكسر لغة أهل اليمامة. أهل الحجاز يقولون: خمس عشرة، وتميم يقولون: خمس عشرة، ومنهم مني فتح الشين. والحجازيون يقولون: لعَمْري، وتميم تقول: رعَمْلي، وتحكي عنهم رعَمْري أيضاً. واللص في لغة طيئ، وغيرهم يقول: اللِّصْت. (12) لغات في الإعراب: في لغة هذيل يستعملون "متى" بمعنى "مِن"، ويجرُّون بها؛ سُمِع من بعضهم: أخرجا متى كُمِّه: أي من كُمه؛ ويروون من ذلك البيت المشهور: شَربْنَ بماءِ البحر ثم ترفَّعتْ ... متى لججٍ خضْرٍ لهُنَّ نئيجُ وفي لغة تميم ينصبون تمييز "كم" الخبرية مفرداً، ولغةُ غيرهم وجوبُ جره وجوازُ إفراده وجمعِه، فيقال: كم درهمٍ عندك، وكم عبيدٍ ملكتَ! وتميم يقولون: كم درهماً، وكم عبداً! في لغة الحجازيين ينصب الخبر بعد "ما" النافية نحو: ما هذا بشراً، وتميم يرفعونه. في لغة أهل العالية ينصبون الخبر بعد "إن" النافية، سُمِع من بعضهم: إنْ أحدٌ خيراً

من أحدٍ إلا بالعافية. الحجازيون ينصبون خبر ليس مطلقاً، وبنو تميم يرفعونه إذا اقترن بإلا؛ فيقول الحجازيون: ليس الطيبُ إلا المسك، وبنو تميم: إلا المسكُ. في لغة بني أسد يصرفون ما لا ينصرف فيما عِلةُ منْعِه الوصفيَّة وزيادة النون، فيقولون: لست بسكرانٍ، ويلحقون مؤنثه التاء، فيقولون: سكرانة. في لغة ربيعة وغنمٍ، يبنون "مع" الظرفية على السكون، فيقولون: ذهبتُ معه، وإذا وليها ساكن يكسرونها للتخلص من التقاء الساكنين، فيقولون: ذهبتُ مع الرجل، وغنْمٌ: حي من تغلب بن وائل. في لغة بني قيس بن ثعلبة يعربون "لدُن" الظرفية، وعلى لغتهم قرئ: "من لدُنِه علماً". الحجازيون يبنون الأعلام التي على وزن فعال: كحزام، وقطام، على الكسر في كل حالات الإعراب؛ وتميم تعربها ما لم يكن آخرها راءً وتمنعها من الصرف للعلمية والعدل؛ فإذا كان آخرها راءً كوبار "قبيلة" وظفار "مدينة" فهم فيها كالحجازيين. في لغة هذيل أو "عقيل" يعربون "الذين" من أسماء الموصول إعرابَ جمع المذكر السالم، قال شاعرهم: نحن الَّذونَ صبَّحوا الصباحا ... يوم النُّخَيل غارةً ملْحاحاً ومن لغة هذيل أيضاً فتح الياء والواو في مثل: بيضات، وهيآت، وعورات، فيقولون: بيضات، وهيآت، وعورات، والجمهور على إسكانها. النوع الرابع: وهو يشمل اللغات التي ذكرها العلماء ولم ينسبوها وتكون في جملتها راجعة إلى تباين المنطق واختلاف اللهجات، وهذا القسم هو اللغة أو أكثرها: لأن الذين دونها جمعوا كل لغات العرب وجعلوها لغة جنسية فلم يميزوا منطقاً من منطق، ولا أفردوا لغة عن لغة؛ إذ

كان ذلك من سبيل خدمة التاريخ اللغوي، وهم إنما أرادوا بصنيعهم خدمة القرآن وعلومه، فلولاه لمضت لغة العرب في سبيل ما تقدمها، ولماتت مع أهلها، وكان من يظفر اليوم بحرف منها فقد أحيا شيئاً من التاريخ. ولو أردنا استغراق هذا النوع لخرجنا بالكتاب عن معناه إلى أن يكون مُعحماً من معاجم اللغة: ولكنا نأتي شيء من نادره ونقتصر على القليل من غريبه مما يجانس ما قدمناه ويتحقق به نوعٌ من أنواع الاختلاف اللساني في العرب، ومن أمثلة ذلك: (1) إبدالهم أواخر بعض الكلمات المجرورة ياء، كقولهم في الثعالب والأرانب والضفادع: الثعالي، والأراني، والضفادي. وفي الصحاح: قد يبدلون بعض الحروف ياء كقولهم: في أمَّا: أيْما وفي سادس: سادي، وفي خامس: خامي. وجاءت لغات الإبدال وكلها غير منسوبة ولا مُسماة، وهي كثيرة؛ ومنها نوع طريف يعدّ من "لغات اللغويين" لأنهم جمعوه ورتبوه؛ وهو في الألفاظ التي يُنطق فيها بلغتين بحيث يؤم التصحيف: كالتي تنطق بالياء والتاء والباء والثاء؛ ونحوها مما يقع في حروفه التصحيف، وهذه الحروف هي: ب ... ت ... ث ... ج ... ح ... خ ... د ... ذ ر ... ز ... س ... ش ... ص ... ض ... ط ... ظ ع ... غ ... ف ... ق ... ك ... ل ... ن ... وفالنون تشتبه بالتاء والثاء، والواو تشتبه بالراء؛ أما سائر الحروف فالاشتباه فيها ظاهر. وعلى أن هذا مما يرجع إلى الخط ويبعد أن يكون العرب أرادوه، ولكن اللغويين وفقوا في عده من لغات الإبدال، ومن أمثلته: الثَّرى والبرى: بمعنى التراب، وثجَّ الجريح ونجَّ: سال دمُه، وفاح الطيب وفاخ وهلمَّ جراً ... (2) من العرب من يجعل الكاف جيماص، فيقول مثلاً: الجعبة، في "الكعبة" وبعضهم ينطق بالتاء طاء: كأفْلِطني، في "أفلتني" قال الخليل: وهي لغة تميمية قبيحة.

(3) نقل صاحب المخصص في "باب ما يجيء مقولاً بحرفين وليس بدلاً "أن بعض العرب يقول: أردت عن تفعل كذا، وبعضهم يقول. لألني في "لعلني" وقال في موضع آخر: وفي "لعل" لغات يقولها بعض العرب دون بعض، وهي: لعلِّي، لعلني، علِّي، علَّني، لعنِي لغنِّي؛ وأنشد للفرزدق: هل أنتم عائجون بنا لعنَّا ... نرى العرصات أو أثر الخيام وتروى في "لعل" لغة بكسر اللام- لِعلّ-؛ و .... لغة عقيل الجر بلعل وهو مما عزاه إليهم أبو زيد، وغيره يقول إن ذلك في لغة بعض العرب. ومما أورده في هذا الباب: قرأ فما تلعثم، وبعضهم يقول: تلعْزَم. وتضَيَّفَت الشمسُ للغروب، وتضيفت، قال: ومنه اشتقاق الصيف. (4) وفي المخصص أيضاً عن السِّكِّيت في "لغات: عند" تقول: هو عِندي، وعُندي، وعَندي؛ ومنه أيضاً "لدن" فيه ثماني لغات، وهي: لدُن، ولُدُن، ولدّى، ولدُ، ولدْن، ولُدْن، ولَدْ، ولدىً؛ ومنه أيضاً في "الذي" لغات: الذي بإثبات الياء، واللذِ، واللّذْ، واللذيُّ؛ وفي التثنية اللذانِ، واللذانِّ، واللذا؛ وفي الجمع: الذي والذون واللاؤون، واللاءوا، واللائي- بإثبات الياء في كل حال - والأولى؛ وللمؤنث؛ اللائي، واللاء، واللاتي، واللتِ، واللاتْ، واللتان، واللتا، واللتانِّ؛ وجمع التي: اللاتي، واللات، واللواتي، واللوات، واللوا، واللاءِ، واللآتِ. ومن لغات "هو وهي": هُوْ -بالسكون- وهُوّ، وهِيّ، قال بعضهم: وتُحكى فيها لغةً رابعة، وهي أن تحذف الواو والياء وتبقى الهاء متحركة فتقول: هُـ، هِـ. ومن لغات "لا جَرَمَ" على ما رواه الكوفيون: لا جَرَ، ولا ذا جرم، ولا ذا جر، ولا إن ذا جرم؛ ولا عِنّ ذا جرم.

ومن لغات "نعم، حرف الإيجاب": نَعِم، ونِعِم، ونَحَم، بإبدال العين حاءً كما أبدلت الحاء من "حتى" عيناً في فحفحة هذيل فقيل: عَتّى، كما مر في موضعه. (5) بعض العرب يبدل هاء التأنيث تاءً في الوقف، فيقول: هذه أمَتْ، "في أمَهْ" وسُمع بعضهم يقول: يا أهل سورةِ البقرَتْ، فقال مُجيب: ما أحفظ منها ولا آيَتْ! ويؤخذ مما ذكره ابن فارس في فقه اللغة أن هذه اللهجة كانت من اللغات المسماة المنسوبة إلى أصحابها في القرن الرابع، ولكنا لم نقف على نسبتها. النوع الخامس: وهو ما يروونه على أنه لغة في الكلام أو لثغة من المتكلم، كالألفاظ التي وردت بالراء والغين، أو بالراء واللام، أو بالزاي والذال، أو بالسين والثاء، أو بالشين والسين؛ فكل ذلك مما يشك فيه الرواة، لا يجزمون بأنه لغة فرد أو لغة قبيلة، وقد قال الأنباري في شرح المقامات يذكر أنواع اللثغة في منطقهم: اللغثة تكون في السين، والقاف، والكاف، واللام، والراء؛ وقد تكون في الشين. فاللثغة في السين أن تبدل ثاءً، وفي القاف أن تبدل طاءً، وربما أُبدلت كافاً، وفي الكاف أن تبدل همزة، وفي اللام أن تبدل ياءً وربما جعلها بعضهم كافاً؛ وأما اللثغة في الراء فإنها تكون في ستة أحرف: "ع غ ي د ل ط"، وذكر أبو حاتم أنها تكون في الهمزة. ا. هـ. قلنا: وليس ما ذكره أبو حاتم بغريب، فقد رأينا في "بغية الوعاة" في ترجمة ركن الدين بن القوابع النحوي المتوفى سنة 738 أنه كان يلثغ بالراء همزة. وبعضهم يلثغ في اللام فيجعلها تاءً، ويسمونه الأرَتّ؛ أما النطق بالحاء هاء فيسمونه ههَّة، كقول صاحب الصحاح: اللَّهْمسُ لغةٌ في اللَّحْس، أو ههّة. (1/ 140/161).

الفصل الثاني في ترتيب القرآن وجمعه وجمع الناس على رسم واحد وفي حكم تنزيله منجما وفي أول ما نزل وآخر ما نزل

الفصل الثاني في ترتيب القرآن وجمعه وجمع الناس على رسم واحد وفي حكم تنزيله منجماً وفي أول ما نزل وآخر ما نزل وفيه عرض إجمال ونصوص

عرض إجمالي

عرض إجمالي إن مما يدل على أن هذا القرآن من عند الله عز وجل أنه نزل خلال ثلاثة وعشرين عاماً، وهو مع كونه نزل مفرقاً فإن ترتيب آياته في السورة الواحدة وترتيب سورة على غاية من الكمال هي وحدها معجزة، فنزول القرآن مفرقاً وكونه على هذا الكمال في الترتيب ذلك وحده معجزة. وهذه إحدى حكم نزول القرآن منجماً، وهناك حكم أخرى سنرى بعضها في هذه الفقرة، وقد فصلنا في كتابنا (الأساس في التفسير) المعجزة الكبرى في ترتيب القرآن على ما هو عليه في المصحف العثماني مما يدهش الألباب وذلك يقطع كل لبس في أن ترتيب القرآن كان توقيفياً من الله عز وجل والأدلة على ذلك كثيرة، ولقد اجتمع لهذا القرآن كل لوازم الحفظ تحقيقاً للمعجزة في قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (1) فقد اجتمع له أن حفظته الصدور والسطور من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا وإلى ما يشاء الله عز وجل. فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بكتابة ما يوحى إليه من القرآن كما كان يلقن هذا القرآن لأصحابه تلقيناً ليْحَفظوه ويُحفِّظوه، ولقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن مكتوب وإن كان غير مجموع. وكما كان مكتوباً فإنه كان محفوظاً في الصدور، وكان من توفيق الله لأبي بكر رضي الله عنه أنه جمع القرآن في مصحف واحد، ثم جاء عثمان رضي الله عنه فجمع النسا على رسم واحد أجمعت عليه الأمة، ولا زال هذا الرسم هو الذي ترسم به كلمات المصحف مع مزيد عناية فيما يخدم إتقان التلاوة. وفي هذه الأمور كلها نصوص وعلوم يتعرض لها العلماء بمناسباتها في كتبهم ومما ذكره صاحب مناهل العرفان حول هذه الشؤون ما يلي: قال صاحب مناهل العرفان في الحكم والأسرار في تنجيم القرآن: (لتنجيم نزول القرآن الكريم [أي في نزوله مفرقاً] أسرارٌ عدةَّ وحِكَمٌ كثيرة، نستطيع أن نُجمِلَها في أرْبع حِكَمٍ رئيسية:

_ (1) الحجر: 9.

الحكمة الأولى

الحكمة الأولى تثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم، وتقوية قلبه، وذلك من وجوه خمسة: الوجه الأول: أن في تجدُّد الوحي وتكرار نزول الملك به من جانب الحق إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، سروراً يملأُ قلب الرسول، وغبطة تشرح صدره. الوجه الثاني: أن في التنجيم تيسيراً عليه من الله في حفظه وفهمه ومعرفة أحكامه وحكمه. الوجه الثالث: أن في كل نوبة من نوبات هذا النزول المنجَّم معجزةً جديدة غالباً حيث تحداهم كل مرة أن يأتوا بمثل نوبة من نُوب التنزيل، فظهر عجزهم عن المعارضة. الوجه الرابع: أن في تأييد حقه ودحض باطل عدوه - المرة بعد الأخرى - تكراراً للذة فوزه وفلجه بالحق والصواب. الوجه الخامس: تعهُّد الله إياه عند اشتداد الخصام بينه وبين أعدائه بما يُهَوِّن عليه هذه الشدائد. {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} (1). الحكمة الثانية التدرُّج في تربية هذه الأمة الناشئة علماً وعملاً. وينضوي تحت هذا الإجمال أمور خمسة أيضاً: أولها: تيسير حفظ القرآن على الأمة. ثانيها: تسهيل فهمه عليهم كذلك. ثالثها: التهميد لكمال تخليهم عن عقائدهم الباطلة، وعباداتهم الفاسدة، وعاداتهم المرذولة. وذلك بأن يُراضوا على هذا التخلِّي شيئاً فشيئاً، بسبب نزول القرآن عليهم

_ (1) الفرقان: 32.

الحكمة الثالثة

كذلك شيئاً فشيئاً. رابعها: التمهيد لكمال تحليهم بالعقائد الحقة، والعبادات الصحيحة، والأخلاق الفضالة، بمثل تلك السياسة. خامسها: تثبيت قلوب المؤمنين وتسليحهم بعزيمة الصبر واليقين، بسبب ما كان يقصه القرآن عليهم الفيْنة بعد الفَيْنة والحين بعد الحين، من قصص الأنبياء والمرسلين وما كان لهم ولأتباعهم مع الأعداء والمخالفين، وما وعد الله به عباده الصالحين، من النصر والأجر والتأييد والتمكين. {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} (1). الحكمة الثالثة مُسايرةُ الحوادث والطواريء في تجدُّدها وتفرقها، فكلما جدَّ منهم جديد، نزل من القرآن ما يناسبه، وفصَّل الله لهم من أحكامه ما يوافقه. وتنتظم هذه الحكمة أموراً أربعة: أولها: إجابة السائلين على أسئلتهم عندما يوجهونها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. ثانيها: مُجاراة الأقضية والوقائع في حينها ببيان حُكم الله فيها عند حدوثها ووقوعها. ثالثها: لفت أنظار المسلمين إلى تصحيح أغلاطهم التي يخطئون فيها، وإرشادهم إلى شاكلة الصواب في الوقت نفسه. رابعها: كشف حال أعداء الله المنافقين، وهَتْك أستارهم وسرائرهم للنبي والمسلمين. الحكمة الرابعة الإرشاد إلى مصدر القرآن، وأنه كلام الله وحده، وأنه لا يمكن أن يكون كلام [النبي] صلى الله عليه وسلم ولا كلام مخلوق سواه.

_ (1) هود: 120.

وبيان ذلك أن القرآن الكريم تقرؤه من أوله إلى آخره، فإذا هو مُحْكَمُ السرد دقيق السبْك، متين الأسلوب، قوي الاتصال، آخذٌ بعضُه برقاب بعض في سوره وآياته وجُمله [هذا مع نزوله منجماً]. وفي جمع القرآن وتدوينه قال الزرقاني: "فها هو ذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد اتَّخذَ كُتَّاباً للوحي، كلما نزل شيء من القرآن أمرهم بكتابته، مبالغةً في تسجيله وتقييده. وزيادةً في التوثُّقِ والضبط والاحتياط في كتاب الله تعالى، حتى تُظاهر الكتابةُ الحفظ ويُعاضِد النقشُ اللفظ. وكان هؤلاء الكُتاب من خيرة الصحابة، فيهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، ومعاوية، أبان بن سعيد، وخالد بن الوليد، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وثابت بن قيس، وغيرهم. وكان صلى الله عليه وسلم يدلهم على موضع المكتوب من سورته، ثم يوضع المكتوب في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتباً حسب إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم وكان هذا الترتيب بتوقيف من جبريل عليه السلام، فقد ورد أن جبريل عليه السلام كان يقول "ضعُوا كذا في موضع كذا" ولا ريب أن جبري لكان لا يصدر في ذلك إلا عن أمر الله عز وجل. أما الصحابة- رضوان الله عليهم- فقد كان منهم من يكتبون القرآن، بالمقدار الذي يبلغ الواحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولم يلتزموا توالي السور وترتيبها، وذلك لأن أحدهم كان إذا حفظ سورةً أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كتبها، ثم خرج في سَرِيةٍ مثلاً فنزلت في وقت غيابه سورة، فإنه كان إذا رجع يأخذ في حفظ ما ينزل بعد رجوعه وكتابته، ثم يستدرك ما كان قد فاته في غيابه، فيجمعه ويتتَّبعه على حسب ما يسهل له، فيقع فيما يكتبه تقديم وتأخير بسبب ذلك. وقد كان من الصحابة من يعتمد على حفظه فلا يكتب جرياً على عادة العرب في حفظ أنسابها، واستظهار مفاخرها وأشعارها من غير كتابة. [ثم] ألقت الخلافة قيادها إلى أبي بكر رضي الله عنه وواجهتْ أبا بكر في خلافته هذه أحداثٌ شِدادٌ ومشاكل صعاب. منها موقعة اليمامة سنة 12 اثنتي عشرة للهجرة. وفيها دارت رحى الحرب بين المسلمين وأهل الردة من أتباع مُسَيْلمة الكذاب، وكانت معركة حامية

الوطيس استُشهد فيه كثيرٌ من قُرَّاء الصحابة وحفظتهم للقرآن، ينتهي عددهم إلى السبعين، وأنهاه بعضهم إلى خمسمائة، من أجَلِّهم سالم مولى أبي حذيفة. ولقد هالَ ذلك المسلمين، وعز الأمر على عمر، فدخل على أبي بكر وأخبره الخبر واقترح عليه أن يجمع القرآن، خشية الضياع بموت الحفاظ وقتل القراء. فتردد أبو بكر أول الأمر لأنه كان وقافاً عند حدود ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم يخاف أن يجرَّه التجديد إلى التبديل، أو يسوقه الإنشاء والاختراع، إلى الوقوع في مهاوي الخروج والابتداع. ولكنه بعد مفاوضة بينه وبين عمر تجلَّى له وجهُ المصلحة فاقتنع بصواب الفكرة وشرح الله لها صدره، وعلم أن ذلك الجمع الذي يشير به عمر ما هو إلا وسيلة من أعظم الوسائل النافعة إلى حفظ الكتاب الشريف، والمحافظة عليه من الضياع والتحريف، وأنه ليس من محدثات الأمور الخارجة، ولا من البدع والإضافات الفاسقة. بل هو مُستمدٌّ من القواعد التي وضعها الرسول بتشريع كتابة القرآن، واتخاذ كُتَّاب للوحي، وجمع ما كتبوه عنده حتى مات صلوات الله وسلام عليه قال الإمام أبو عبد الله المحاسبي في كتاب فهم السنن ما نصُّه: "كتابة القرآن ليست بمحدثة، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بكتابته، ولكنه كان مُفرقاً في الرقاع، والأكتاف، والعسُب، فإنما أمر الصديق بنسخها من مكانٍ إلى مكان مجتمعاً، وكان ذلك بمنزلة أوراقٍ وجدت في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها القرآن منتشراً، فجمعها جامع وربطها بخيط، حتى لا يضيع منها شيء" ا. هـ. اهتم أبو بكر بتحقيق هذه الرغبة، ورأى بنور الله أن يندب لتحقيقها رجلاً من خيرة رجالات الصحابة هو زيد بن ثابت رضي الله عنه، لأنه اجتمع فيه من المواهب ذات الأثر في جمع القرآن، ما لم يجتمع في غيره من الرجال، إذ كان من حفَّاظ القرآن، ومن كتاب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد العَرْضَة الأخيرة للقرآن في ختام حياته صلى الله عليه وسلم. وكان فوق ذلك معروفاً بخصوبة عقله، وشدة ورعه، وعظم أمانته، وكمال خلقه، واستقامة دينه. فاستشار أبو بكر عمر في هذا فوافقه. وجاء زيدٌ فعرض أبو بكر عليه الفكرة، ورغَّب إليه أن يقوم بتنفيذها فتردد زيدٌ أول الأمر ولكن أبا بكرٍ ما زال به يعالج شكوكه، ويبين له وجه المصلحة، حتى اطمأن واقتنع بصواب ما نُدب إليه، وشرع يجمع، وأبو بكر وعمر

وكبار الصحابة يشرفون عليه، ويعاونونه في هذا المشروع الجلل، حتى تمَّ لهم ما أرادوا {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}. دستور أبي بكر في كتابة الصحف: وانتهج زيد في القرآن طريقةً دقيقة مُحكمة وضعها له أبو بكر وعمر، فيها ضمان لحياطة كتاب الله بما يليق به من تثبت بالغ وحذر دقيق، وتحريات شاملة، فلم يكتف بما حفظ قلبه، ولا بما كتب بيده، ولا بما سمع بأذنه. بل جعل يتتبَّع ويستقصي آخذاً على نفسه أن يعتمد في جمعه على مصدرين اثنين: أحدهما: ما كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم والثاني: ما كان محفوظاً في صدور الرجال. وبلغ من مبالغته في الحيطة والحذر أنه لم يقبل شيئاً من المكتوب حتى يشهد شاهدان عدْلان أنه كُتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد قوبلت تلك الصحف التي جمعها زيدٌ بما تستحقُّ من عناية فائقة، فحفظها أبو بكر عنده. ثم حفظها عمر بعده. ثم حفظتها أمُّ المؤمنين حفصة بنت عمر بعد وفاة عمر حتى طلبها منها خليفة المسلمين عثمان رضي الله عنه، حيث اعتمد عليها في استنساخ مصاحف القرآن. ثم ردّها إليها كما يأتيك بيانه إن شاء الله. مزايا هذه الصُّحف: وامتازت هذه الصحف. أولاً: بأنها جمعت القرآن على أدقِّ وجوه البحث والتحرِّي، وأسلم أُصول التثبُّت العلمي، كما سبق شرحه لك في الدستور السابق. ثانياً: أنه اقْتُصِرَ فيها على ما لم تُنسخ تلاوته. ثالثاً: أنها ظفرت بإجماع الأمة ليها، وتواتُر ما فيها. ولا يطعن في ذلك التواتر ما مرَّ عليك من أن آخر سورة براءة لم يوجد إلا عند أبو خزيمة، فإن المراد أنه لم يوجد مكتوباً إلا عنده، وذلك لا ينافي أنه وُجد محفوظاً عند كثرة غامرة من الصحابة بلغت حدَّ التواتر، وقد قلنا غير مرة: إن المعوَّل عليه وقتئذ كان هو الحفظ والاستظهار. وإنما اعتمد على

جمع القرآن على عهد عثمان رضي الله عنه

الكتابة كمصدر من المصادر، زيادة في الاحتياط ومبالغة في الدقَّة والحذر (ولا يعزُبَنَّ عن بالك أن هذا الجمع كان شاملاً للأحرف السبعة التي نزل بها القرآن تيسيراً على الأمة الإسلامية كما كانت الأحرف السبعة في الرقاع كذلك). جمع القرآن على عهد عثمان رضي الله عنه اتسعت الفتوحات في زمن عثمان، واستبحر العمران، وتفرَّق المسلمون في الأمصار والأقطار، ونبتت ناشئة جديدة كانت بحاجة إلى دراسة القرآن. وطال عهد الناس بالرسول والوحي والتنزيل. وكان أهل كل إقليم من أقاليم الإسلام، يأخذون بقراءة من اشتهر بينهم من الصحابة، فأهل الشام يقرؤون بقراءة أبيِّ بن كعب، وأهل الكوفة يقرؤون بقراءة عبد الله بن مسعود، وغيرهم يقرأ بقراءة أبي موسى الأشعري. فكان بينهم اختلاف في حروف الأداء ووجوه القراءة، بطريقة فتحت باب الشقاق والنزاع في قراءة القرآن أشبه بما كان بين الصحابة قبل أن يعلموا أن القرآن نزل على سبعة أحرف بل كان هذا الشقاق أشد؛ لبعد عهد هؤلاء بالنبوة، وعدم وجود الرسول بينهم يطمئنون إلى حكمه، ويصدرون جميعاً عن رأيه. وكان الذين يسمعون اختلاف القراءات من تلك الأمصار إذا جمعتهم المجامع أو التقوا على جهاد أعدائهم، يعجبون من ذلك. وكانوا يُمعنون في التعجب والإنكار، كلما سمعوا زيادة في اختلاف طرق أداء القرآن. وتأدى بهم التعجب إلى الشكِّ والمداجاة، ثم إلى التأثيم والملاحاة وتيقظت الفتنة. أضف إلى ذلك أن الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن لم تكن معروفة لأهل تلك الأمصار، ولم يكن من السهل عليهم أن يعرفوها كلها، حتى يتحاكموا إليها فيما يختلفون. إنما كان كل صحابي في إقليم يقرئهم بما يعرف فقط من الحروف التي نزل عليها القرآن. ولم يكن بين أيديهم مصحف جامع يرجعون إليه فيما شجر بينهم من هذا الخلاف والشقاق البعيد. لهذه الأسباب والأحداث، رأى عثمان بثاقب رأيه، وصادق نظره، أن يتدارك الخرْق

قبل أن يتسع على الراقع، فجمع أعلام الصحابة وذوي البصر منهم، وأجال الرأي بينه وبينهم في علاج هذه الفتنة، ووضْع حدٍّ لذلك الاختلاف، وحسم مادة هذا النزاع، فأجمعوا أمرهم على استنساخ مصاحف يرسل منها إلى الأمصار، وأن يؤمر الناس بإحراق كل ما عداها، وألا يعتمدوا سواها وبذلك يرأبُ الصدع، ويجبر الكسر، وتعتبر تلك المصاحف العثمانية الرسمية نورهم الهادي في ظلام هذا الاختلاف، ومصباحهم الكشاف في ليل تلك الفتنة، وحكمهم العدل في ذاك النزاع والمراء، وشفاءهم الناجع من مصيبة ذلك الداء. تنفيذ عثمان لقرار الجمع: وشرع عثمان في تنفيذ هذا القرار الحكيم حوالي أواخر سنة أربع وعشرين وأوائل سنة خمس وعشرين من الهجرة، فعهد في نسخ المصاحف إلى أربعة من خيرة الصحابة وثقات الحفاظ، وهم زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وهؤلاء الثلاثة الأخيرون من قريش. وأرسل عثمان إلى أم المؤمنين حفصة بنت عمر، فبعثت إليه بالصحف التي عندها، وهي الصحف التي جمع القرآن فيها على عهد أبي بكر رضي الله عنه، وأخذت لجنة الأربعة هؤلاء في نسخها، وجاء في بعض الروايات أن الذين ندبوا لنسخ المصاحف كانوا اثني عشر رجلاً وما كانوا يكتبون شيئاً إلا بعد أن يعرض على الصحابة ويقرُّوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ على هذا النحو الذي نجده الآن في المصاحف. دستور عثمان في كتابة المصاحف: ومما تواضع عليه هؤلاء الصحابة أنهم كانوا لا يكتبون في هذه المصاحف إلا ما تحققوا أنه قرآن، وعلموا أنه قد استقر في العرضة الأخيرة، وما أيقنوا صحته عن النبي صلى الله عليه وسلم مما لم يُنسخ. وإنما كتبوا مصاحف متعدِّدة، لأن عثمان رضي الله عنه قصد إرسال ما وقع الإجماع عليه إلى أقطار بلاد المسلمين، وهي الأخرى متعددة.

ترتيب آيات القرآن

تحريق عثمان للمصاحف والصحف المخالفة: بعد أن أتم عثمان نسخ المصاحف عمل على إرسالها وإنفاذها إلى الأقطار، وأمر أن يحرق كل ما عداها مما يخالفها، سواء أكانت صحفاً أم مصاحف. وذلك ليقطع عرق النزاع من ناحية، وليحمل المسلمين على الجادَّة في كتاب الله من ناحية أخرى، فلا يأخذوا إلا بتلك المصاحف التي توافر فيها من المزايا ما لم يتوافر في غيرها. وهذه المزايا هي: (1) الاقتصار على ما ثبت بالتواتر، دون ما كانت روايته آحاداً. (2) وإهمال ما نسخت تلاوته ولم يستقرَّ في العرضة الخيرة. (3) وترتيب السور والآيات على الوجه المعروف الآن. بخلاف صحف أبي بكر رضي الله عنه فقد كانت مرتبة الآيات دون السور. (4) وكتابتها بطريقة كانت تجمع وجوه القراءات المختلفة والأحرف التي نزل بها القرآن. (5) وتجريدها من كل ما ليس قرآناً كالذي كان يكتبه بعض الصحابة في مصاحفهم الخاصة شرحاً لمعنى، أو بياناً لناسخ ومنسوخ، أو نحو ذلك. وقد استجاب الصحابة لعثمان، فحرقوا مصاحفهم، واجتمعوا جميعاً على المصاحف العثمانية، حتى عبد الله بن مسعود الذي نقل عنه أنه أنكر أولاً مصاحف عثمان، وأنه أبى أن يحرق مصحفه، رجع وعاد إلى حظيرة الجماعة، حين ظهر له مزايا تلك المصاحف العثمانية، واجتماع الأمة عليها، وتوحيد الكلمة بها. ترتيب آيات القرآن انعقد إجماع الأمة على أن ترتيب آيات القرآن الكريم على هذا النمط الذي نراه اليوم بالمصاحف، كان بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى، وأنه لا مجال للرأي والاجتهاد فيه. بل كان جبريل ينزل بالآيات على الرسول صلى الله عليه وسلم ويرشده إلى موضع كل آية من سورتها، ثم

يقرؤها النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه واستدل أصحاب هذا الرأي بأن الصحابة أجمعوا على المصحف الذي كتب في عهد عثمان ولم يخالف منهم أحدٌ. وإجماعهم لا يتم إلا إذا كان الترتيب الذي أجمعوا عليه عن توقيف، لأنه لو كان عن اجتهاد لتمسك أصحاب المصاحف المخالفة بمخالفتهم. لكنهم لم يتمسكوا بها بل عدلوا عنها وعن ترتيبهم، وعدلوا عن مصاحفهم وأحرقوها، ورجعوا إلى مصحف عثمان وترتيبه جميعاً، ثم ساقوا روايات لمذهبهم كأدلة يستند إليها الإجماع. منها ما رواه الإمام أحمد وأبو داود عن حذيفة الثقفي قال: "كنت في الوفد الذي أسلموا من ثقيف: إلى أن جاء في هذه الرواية ما نصه: فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: طرأ عليَّ حزبٌ من القرآنِ فأردت ألا أخرج حتى أقضيه فسألنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: كيف تحزبون القرآن؟ قالوا نُحذِّبُه ثلاث سورٍ، وخمس سور، وسبع سور، وتسع سور، وإحدى عشرة سورة، وثلاث عشرة، وحزب المفصَّل من "ق" حتى نختم قالوا: فهذا يدل على أن ترتيب السور على ما هو في المصحف الآن كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. واحتجوا لمذهبهم أيضاً بأن السور المتجانسة في القرآن لم يلتزم فيها الترتيب والولاء، ولو كان الأمر بالاجتهاد للوحظ مكانُ هذا التجانس والتماثل دائماً، لكن ذلك لم يكن، بدليل أن سور المسبحات لم ترتب على التوالي بينما هي متماثلة في افتتاح كل منها بتسبيح الله. بل فصل بين سورها بسورة "قد سمع" والممتحنة والمنافقين، وبدليل أن (طسم الشعراء وطسم القصص) لم يتعاقبا مع تماثلهما، بل فصل بينهما بسورة أقصر منهما وهي "طس". وقد أيد هذا المذهب أبو جعفر النحاس فقال: "المختار أن تأليف السور على هذا الترتيب من رسول الله صلى الله عليه وسلم لحديث وائلة: أعطيتُ مكان التوراة السبع الطوال". وكذلك انتصر أبو بكر الأنباري لهذا المذهب فقال: "أنزل الله القرآن إلى سماء الدنيا ثم فرَّقه في بضع وعشرين سنة، فكانت السورة تنزل لأمرٍ يحدث والآية جواباً لمستخبر،

فوائد حول الرسم العثماني للمصحف

ويقف جبريلُ النبي صلى الله عليه وسلم على موضع السورة والآيات والحروف، كله من النبي صلى الله عليه وسلم فمن قدم سورة أو أخرها أفسد نظم القرآن". وأخرج ابن أشته في كتاب المصاحف من طريق ابن وهب عن سليمان بن بلال قال: سمعت ربيعة يسأل: لم قدمت البقرة وآل عمران وقد أنزل قبلهما بضع وثمانون سورة بمكة، وإنما أنزلتا بالمدينة؟، فقال: قدمتا وأُلِّفَ القرآن على علم ممن ألَّفه به إلى أن قال: فهذا مما يُنْتَهى إليه ولا يُسأل عنه. أ. هـ. فوائد حول الرسم العثماني للمصحف: الفائدة الأولى: الدلالة في القراءات المتنوعة في الكلمة الواحدة بقدر الإمكان، وذلك أن قاعدة الرسم لوحظ فيها أن الكلمة إذا كان فيها قراءتان أو أكثر، كُتبت بصورة تحتمل هاتين القراءتين أو الأكثر. فإن كان الحرف الواحد لا يحتمل ذلك بأن كنت صورة الحرف تختلف باختلاف القراءات جاء الرسم على الحرف الذي هو خلاف الأصل، وذلك ليعلم جواز القراءة به وبالحرف الذي هو الأصل. وإذا لم يكن في الكلمة إلا قراءة واحدة بحرف الأصل رُسمت به. مثال الكلمة تكتب بصورة واحدة وتُقرأ بوجوه متعددة قوله تعالى {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} رسمت في المصحف العثماني هكذا: {إن هدان لساحران} من غير نقط ولا شكل ولا تشديد ولا تخفيف في نوني إن وهذان، ومن غير ألف ولا ياء بعد الذال من هذان. ومجيء الرسم كما ترى، كان صالحاً عندهم لأن يُقرأ بالوجوه الأربعة التي وردت كلها بأسانيد صحيحة. (أولها) قراءة نافع ومن معه إذ يشدِّدون نون "إن" ويخففون (هذان) بالألف. (ثانيها) قراءة ابن كثير وحده إذ يخفِّف النون في "إن" ويشدد النون في (هذان). (ثالثها) قراءة حفص إذ يخفف النون في "إن" و"هذان" بالألف.

الفائدة الثانية

(رابعها) قراءة أبي عمرو بتشديد (إن) وبالياء وتخفيف النون في (هذين). الفائدة الثانية: إفادة المعاني المختلفة بطريقة تكاد تكون ظاهرة، وذلك نحو قطع كلمة "أمْ" في قوله تعالى: {أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} ووصلها في قوله تعالى {أمْ مَنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} إذ كتبت هكذا (أمن) بإدغام الميم الأولى في الثانية وكتابتهما ميماً واحدة مشددة، فقطع أمْ الأولى في الكتابة للدلالة على أنها أمْ المنقطعة التي بمعنى بل ووصل أمْ الثانية للدلالة على أنها ليست كتلك. الفائدة الثالثة: الدلالة على معنى خفيٍ دقيق كزيادة الياء في كتابة كلمة "أيدٍ" من قوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بأيدٍ} إذ كتبت (بأييد) وذلك للإيماء إلى تعظيم قوة الله التي بنى بها السماء وأنها لا تشبهها قوة على حد القاعدة المشهورة وهي: زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى. ومن هذا القبيل كتابة هذه الأفعال الأربعة بحذف الواو وهي: "ويَدْعُو الإنسانُ، ويمحُو الله الباطل، يوم يدْعُو الدَّاع، سندْعُوا الزبانية" فإنها كتبت في المصحف العثماني هكذا: "ويدْعُ الإنسانُ، ويمْحُ الله الباطل، يوم يدْعُ الداعِ، سندْعُ الزبانيةَ" ولكن من غير نقط ولا شكل في الجميع. قالوا: والسرُّ في حذفها من {وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ} هو للدلالة على أن هذا الدعاء سهل على الإنسان يسارع فيه كما يسارع إلى الخير بل إثبات الشر إليه من جهة ذاته أقرب إليه من الخير. والسرُّ في حذفها من {وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ} الإشارة إلى سرعة ذهابه واضمحلاله. والسرُّ في حذفها من {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ} الإشارة إلى سرعة الدعاء وسرعة إجابة الداعين. والسر في حذفها من {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} الإشارة إلى سرعة الفعل وإجابة الزبانية وقوة البطش! ويجمع هذه الأسرار قول المراكشي:

الفائدة الرابعة

"والسرُّ في حذفها من هذه الأربعة سرعة وقوع الفعل وسهولته على الفاعل وشدة قبول المنفعل المتأثر به في الوجود". ا. هـ. الفائدة الرابعة: الدلالة على أصل الحركة مثل كتابة الكسرة ياء في قوله سبحانه {وإيتاء ... ذِي الْقُرْبَى} إذ تكتب هكذا {وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} ومثل كتابة الضمة واواً في قوله سبحانه {سأريكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} إذ كتبت هكذا {سَأُرِيكُمْ} ومثل ذلك الدلالة على أصل الحرف في نحو الصلاة والزكاة إذ كتبا هكذا: "الصلوة، الزكوة" ليفهم أن الألف فيهما منقلبة عن واو من غير نقط ولا شكل. الفائدة الخامسة: إفادة بعض اللغات الفصيحة، مثل كتابة هاء التأنيث تاء مفتوحة دلالة على لغة طيئ ومثل قوله سبحانه: {يَوْمَ يأْتِي لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ} كتبت بحذف الياء هكذا (يأتِ) للدلالة على لغة هذيل. الفائدة السادسة: حملُ الناس على أن يتلقوا القرآن من صدور ثقات الرجال، ولا يتَّكلوا على هذا لرسم العثماني الذي جاء غير مطابق للنطق في الجملة وينضوي تحت هذه الفائدة مزيَّتان: (إحداهما): التوثق من ألفاظ القرآن وطريقة أدائه وحسن ترتيله وتجويده فإن ذلك لا يمكن أن يعرف على وجه اليقين من المصحف، مهما تكن قاعدة رسمه واصطلاح كتابته. فقد تخطيء المطبعة في الطبع، وقد يخفى على القارئ بعض أحكام تجويده، كالقلقلة والإظهار والإخفاء والإدغام والروم والإشمام ونحوها، فضلاً عن خفاء تطبيقها. ولهذا قرر العلماء أنه لا يجوز التعويل على المصاحف وحدها. بل لابدَّ من التثبُّت في الأداء والقراءة، بالأخذ عن حافظٍ ثقةٍ. وإن كنت في شكٍّ فقل لي بربك: هل يستطيع المصحف وحده بأيِّ رسم يكون، أن يدل قارئاً أيًّا كان على النطق الصحيح بفواتح السور

هل رسم المصحف توقيفي؟

الكريمة؟ مثل "كهيعص، حم عسق، طسم"؟؟؟ ومن هذا الباب الروم والإشمام في قوله سبحان {مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ} من كلمة "لا تأْمَنَّا"!. (المزية الثانية): اتصال السند برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وتلك خاصة من خواصِّ هذه الأمة الإسلامية امتازت بها على سائر الأمم. هل رسم المصحف توقيفي؟ للعلماء في رسم المصحف آراء ثلاثة: (الرأي الأول): أنه توقيفي لا تجوز مخالفته. وذلك مذهب الجمهور، واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان له كُتَّاب يكتبون الوحي، وقد كتبوا القرآن فعلاً بهذا الرسم وأقرَّهم الرسول على كتابتهم، ومضى عهده صلى الله عليه وسلم والقرآن على هذه الكَتْبَة لم يحدث فيه تغيير ولا تبديل. ثم جاء أبو بكر فكتب القرآن بهذا الرسم في صحف، ثم حذا حَذْوَه عثمان في خلافته، فاستنسخ تلك الصحف في مصاحف على تلك الكتبة وأقر أصحابُ النبي صلى الله عليه وسلم عمل أبي بكر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين، وانتهى المر بعد ذلك إلى التابعين وتابعي التابعين، فلم يخالف أحد منهم في هذا الرسم، ولم ينقل أن أحداً منهم فكَّر أن يستبدل به رسماً آخر من الرسوم التي حدثت في عهد ازدهار التأليف، ونشاط التدوين، وتقدم العلوم. بل بقي الرسم العثماني محترماً متبعاً في كتابة المصاحف لا يُمسُّ استقلاله، ولا يُباح حِمَاه!. وأنت خبير بأن اتباع الرسول واجب فيما أمر به أو أقرَّ عليه لقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} والاهتداء بهدي الصحابة واجب خصوصاً الخلفاء الراشدين، لحديث العِرْبَاض بن سارية وفيه يقول صلى الله عليه وسلم: "فإنه من يعشْ منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسُنَّتي وسنَّة الخُلفاء الراشدين منْ بعدي، عضُّوا عليها بالنواجذ" ولا ريب أن إجماع الأمة في أي عصر واجب الاتباع، خصوصاً العصر الأول. قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}. وانعقادُ الإجماع على تلك المصطلحات في رسم المصحف دليل على أنه لا يجوز العدول

عنها إلى غيرها. (الرأي الثاني): أن رسم المصاحف اصطلاحي لا توقيفي، وعليه فتجوز مخالفته وممن جنح إلى هذا الرأي ابن خلدون في مقدمته. وممن تحمَّس له القاضي أبو بكر في "الانتصار". (الرأي الثالث): هو ما ذكره صاحب "التبيان" وهاك كلامه: وأما كتابته - أي المصحف- على ما أحدث الناس من الهجاء، فقد جرى عليه أهل المشرق، بناء على كونها أبعد من اللبس، وتحاماه أهل المغرب بناء على قول الإمام مالك وقد سئل. هل يكتب المصحف على ما أحدث الناس من الهجاء؟ فقال: "لا: إلا على الكتبة الأولى". قال في البرهان: قلت: وهذا كان في الصدر الأول، والعلم حيٌّ غضٌّ. وأما الآن فقد يخشى الالتباس، ولهذا قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: "لا تجوز كتابة المصحف الآن إل على الرسم الأول باصطلاح الأئمة، لئلا يوقع في تغيير من الجهال. ولكن لا ينبغي إجراء هذا على إطلاقه، لئلا يؤدي إلى دروس العلم، وشيء قد أحكمته القدماء لا يترك مراعاةً لجهل الجاهلين. "ولن تخلو الأرض من قائم لله بحجة" ا. هـ. أقول: ينبغي أن يراعي في كتابة المصاحف الرسم العثماني لأن القراءات جميعها تحفظ به، ولأن المأثور عن رسول الله وصحبه وعليه أجمعت الأمة. أما في المكاتبات العادية وفي الكتب المؤلفة فلا حرج أن يكتب شيء من المصحف بالإملاء المتعارف عليه عند أهل عصر من العصور. عدد المصاحف: اختلفوا في عدد المصاحف التي استنسخها عثمان رضي الله عنه، فصوَّبَ ابن عاشر أنها ستة: المكي، والشامي، والبصري، والكوفي، والمدني العام الذي سيَّره عثمان رضي الله عنه من محل نسخه إلى مقره، والمدني الخاص به الذي حبسه لنفسه وهو المسمى بالإمام. وذهب السيوطي وابن حجر إلى أنها خمسة. ولعلهما أرادا بالخمسة ما عدا المصحف الإمام

كيف أنفذ عثمان المصاحف العثمانية؟

فيكون الخلاف لفظياً بينه وبين سابقيه. وقيل إنها ثمانية: خمسة متفق عليها وهي الكوفي والبصري ولشامي والمدني العام والمدني الخاص، وثلاثة مختلف فيها وهي المكي، ومصحف البحرين، ومصحف اليمن وقيل إن عثمان رضي الله عنه أنفذ إلى مصر مصحفاً. ولعل القول بأن عددها ستة، هو أولى الأقوال بالقبول. والمفهوم على كل حال أن عثمان رضي الله عنه، قد استنسخ عدداً من المصاحف يفي بحاجة الأمة وجمع كلمتها. كيف أنفذ عثمان المصاحف العثمانية؟ كان الاعتماد في نقل القرآن - ولا يزال - على التلقي من صدور الرجال ثقةً عن ثقة وإماماً عن إمام إلى النبي صلى الله عليه وسلم. لذلك اختار عثمان حُفَّاظاً يثق بهم وأنفذهم إلى الأقطار الإسلامية واعتبر هذه المصاحف أصولاً ثواني مبالغة في الأمر، وتوثيقاً للقرآن ولجمع كلمة المسلمين. فكان يرسل إلى كل إقليم مصحفه ما من يوافق قراءته في الأكثر الأغلب، ثم نقل التابعون عن الصحابة فقرأ أهل كل مصر بما في مصحفهم تلقياً عن الصحابة الذين تلقوه من فم النبي صلى الله عليه وسلم فقاموا في ذلك مقام الصحابة الذين تلقوه من فم النبي صلى الله عليه وسلم. ثم تفرغ قوم للقراءة والأخذ والضبط، حتى صاروا في هذا الباب أئمة يرحل إليهم ويؤخذ عنهم، وأجمع أهل بلدهم على تلقي قراءتهم واعتماد روايتهم. ومن هنا نسبت القراءة إليهم، وأجمعت الأمة - وهي معصومة من الخطأ في إجماعها - على ما في هذه المصاحف، وعلى ترك كل ما خالفها من زيادة ونقص وإبدال، لأنه لم يثبت عندهم ثبوتاً متواتراً أنه من القرآن. المصاحف في دور التجويد والتحسين: المعروف أن المصحف العثماني لم يكن منقوطاً، وهو بقاء الكلمة محتملة لأن تقرأ بكل ما يمكن من وجوه القراءات فيها. بيد أن المؤرخين يختلفون، فمنهم من يرى أن الإعجام كان معروفاً قبل الإسلام ولكن تركوه عمداً في المصاحف. ومنهم من يرى أن النقط لم يعرف إلا من بعدُ على يد أبي الأسود الدُّؤَلِيِّ.

وسواء أكان هذا أم ذاك فإن إعجام المصاحف لم يحدث على المشهور إلا في عهد عبد الملك بن مروان إذ رأى أن رقعة الإسلام قد اتسعت، واختلط العرب بالعجم، وكادت العجمة تمسُّ سلامة اللغة، وبدأ اللبس والإشكال في قراءة المصاحف يُلِحُّ بالناس، حتى ليشق على السوادِ منهم أن يهتدوا إلى التمييز بين حروف المصحف وكلماته وهي غير معجمة. هنالك رأى بثاقب نظره أن يتقدم للإنقاذ، فأمر الحجاج أن يُعنى بهذا الأمر الجلل، وندب الحجاجُ - طاعةً لأمير المؤمنين - رجلين جليلين يعالجان هذا المشكل، هما نصر بن عاصم الليثي، ويحيى بن يعمر العدواني. وكلاهما كفء قدير على ما نُدب له، إذ جمعا بين العلم والعمل، والصلاح والورع، والخبرة بأصول اللغة ووجوه قراءة القرآن وقد اشتركا أيضاً في التلمذة والأخذ عن أبي السود الدؤلي. ويرحم الله هذين الشيخين، فقد نجحا في هذه المحاولة، وأعجما المصحف الشريف لأول مرة، ونقطا جميع حروفه المتشابهة، والتزما ألا تزيد النقط في أيِّ حرف على ثلاث. وشاع ذلك في الناس بعد، فكان له أثره العظيم في إزالة الإشكال واللبس عن المصحف الشريف. وقيل: إن أول من نقط المصحف أبو الأسود الدؤلي، وإن ابن سيرين كان له مصحف منقوط، نقطه يحيى بن يعمر. ويمكن التوفيق بين هذه الأقوال بأن أبا الأسود أول من نقط المصحف ولكن بصفة فردية، ثم تبعه ابن سيرين، وأن عبد الملك أول منْ نقط المصحف، ولكن بصفة رسمية عامة، ذاعت وشاعت بين الناس، دفعاً للبس والإشكال عنهم في قراءة القرآن. واتفق المؤرخون على أن العرب في عهدهم الأول، لم يكونوا يعرفون شكل الحروف والكلمات فضلاً عن أن يشكلوها. ذلك لأن سلامة لغتهم، وصفاء سليقتهم وذلاقة ألسنتهم كل أولئك كان يغنيهم عن الشكل. ولكن حين دخلت الإسلام أمم جديدة؛ منهم العجم الذين لا يعرفون العربية، بدأت العجمة تحيف على لغة القرآن. بل قيل إن أبا الأسود الدؤلي سمع قارئاً يقرأ قوله تعالى: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ}. فقرأها بجر اللام من كلمة 0 رسوله). فأفزع هذا اللحنُ الشنيع أبا الأسود وقال: عزَّ وجه الله أن يبرأ

من رسوله، ثم ذهب إلى زياد والي البصرة وقال له: وقد أجبتك إلى ما سألت. وكان زياد قد سأله أن يجعل للناس علامات يعرفون بها كتاب الله، فتباطأ في الجواب حتى رعه هذا الحادث، وهنا جّدَّ جِدُّه، وانتهى به اجتهاده إلى أن جعل علامة الفتحة نقطة فوق الحرف، وجعل علامة الكسر نقطة أسفله، وجعل علامة الضمة نقطة بين أجزاء الحرف، وجعل علامة السكون نقطتين. طفق الناس ينهجون منهجه، ثم امتدَّ الزمان بهم فبدؤوا يزيدون ويبتكرون، حتى جعلوا للحرف المشدَّد علامة كالقوس، لألف الوصل جرَّة فوقها أو تحتها أو وسطها، على حسب ما قبلها من فتحة أو كسرة أو ضمة. ودامت الحال على هذا حتى جاء عبد الملك بن مروان، فرأى بنافذ بصيرته أن يميز ذوات الحروف من بعضها، وأن يتخذ سبيله إلى ذلك التمييز بالإعجام والنقط، وهنالك اضطرَّ أن يستبدل بالشكل الأول الذي هو النقط، شكلاً جديداً هو ما نعرفه اليوم من علامات الفتحة والكسرة والضمة والسكون. والذي اضطره إلى هذا الاستبدال، أنه لو أبقى العلامات الأولى على ما هي عليه نقطاً، ثم جاءت هذه الأخرى نقطاً كذلك لتشابها واشتبه الأمر. فميز بين الطائفتين بهذه الطريقة. ونِعمَّا فَعَلَ! حُكْمُ نقط المصحف وشكله: كان العلماء في الصدر الأول يرون كراهة نقط المصحف وشكله، مبالغةً منهم في المحافظة على أداء القرآن كما رسمه المصحف، وخوفاً من أن يؤدي ذلك إلى التغيير فيه. ومن ذلك ما روي عن ابن مسعود أنه قال: جرِّدوا القرآن ولا تخلطوه بشيء. وما روي عن ابن سيرين أنه كره النقط والفواتح والخواتم إلى غير ذلك. ولكن الزمان تغيَّر- كما علمت - فاضطر المسلمون إلى إعجام المصحف وشكل لنفس ذلك السبب أي للمحافظة على أداء القرآن كما رسمه المصحف، وخوفاً من أن يؤدي تجرده من النقط والشكل إلى التغيير فيه. فمعقولٌ حينئذ أن يزول القول بكراهة ذينك الإعجام والشكل، ويحلَّ محلَّه القول بوجوب أو باستحباب الإعجام والشكل. لما هو مقرر من أن الحكم يدور مع علته وجوداً

وعدماً. قال النووي في كتابه التبيان ما نصه: قال العلماء: ويستحب نقط المصحف وشكله، فإنه صيانة من اللحن فيه. وأما كراهة الشعبي والنخعي النقط، فإنما كرهاه في ذلك الزمان خوفاً من التغيير فيه. وقد أُمن ذلك اليوم فلا يمنع من ذلك لكنه محدثاً، فإنه من المحدثات الحسنة، فلا يمنع منه كنظائره مثل تصنيف العلم وبناء المدارس والرباطات وغير ذلك. والله أعلم ا. هـ. تجزئة القرآن: كانت المصاحف العثمانية مجردة من التجزئة التي نذكرها، كما كانت مجردة من النقط والشكل. ولما امتدَّ الزمان بالناس جعلوا يَفْتَنُّونَ في المصاحف وتجزئتها عدة تجزئات مختلفة الاعتبارات. فمنهم من قسم القرآن ثلاثين سماً، وأطلقوا على كل قسم منها اسم الجزء بحيث لا يخطر بالبال عند الإطلاق غيره، حتى إذا قال قائل: قرأت جزءاً من القرآن تبادر إلى الذهن أنه قرأ جزءاً من الثلاثين جزءاً التي قسموا المصحف إليها. وجرى على ذلك أصحاب الربعات، إذ طبعوا كل جزء في نسخة مستقلة، ومجموع النسخ الجامعة للقرآن كله يسمونه (رَبْعة). ويوجد من هذا القبيل أجزاء مستقلة بالطبع بأيدي صغار التلاميذ في المدارس وغيرهم. ومن الناس من قسموا الجزء إلى حزبين، ومن قسموا الحزب إلى أربعة أجزاء سموا كل واحد منها رُبْعاً. ومن الناس من وضعوا كلمة خمس، عند نهاية كل خمس آيا تمن السورة، وكلمة عشر عند نهاية كل عشر آيات منها، فإذا انقضت خمس أخرى بعد العشر أعادوا كلمة خمس، فإذا صارت هذه الخمس عشراً أعادوا كلمة عشر وهكذا دواليك إلى آخر السورة. وبعضهم يكتب في موضع الأخماس رأس الخاء بدلاً من كلمة خمس، ويكتب في موضع الأعشار رأس العين بدلاً من كلمة عشر. وبعض الناس يرمز إلى رؤوس الآي برقْمِ عددها من السورة أو من غير رقم. وبعضهم يكتب فواتح للسور كعنوان يُنوِّه فيه باسم السورة وما فيها من الآيات المكية والمدنية إلى غير ذلك.

وللعلماء في ذلك كلام طويل، بين الجواز بكراهة والجواز بلا كراهة، ولكن الخطب سهل على كل حال، مادام الغرض هو التيسير والتسهيل، وما دام الأمر بعيداً عن اللبس والتزيُّد والدخيل: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ}.

النصوص

النصوص - في عرضة جبريل الأخيرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم: 2474 - * روى البزار عن سمُرَة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال عُرِضَ القرآنُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عرضاتٍ، قال: فيرون أن قراءتنا هي الأخيرةُ، فلا أدري في هذا الحديث أو غيره- يعني فيرون أن قراءتنا. أقول: في هذا النص دلالة على أن ترتيب القرآن توقيفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام عن الله عز وجل وقد ذكرنا في كتابنا (الأساس في التفسير) من أسرار ترتيب القرآن ما يعتبر وحده من المعجزات العظمى في هذا القرآن ولهذا الدين. 2475 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريلُ، وكان يلقاه جبريلُ في كل ليلةٍ من رمضان، فيُدارسُه القرآن، فلرسول الله حين يلقاه جبريل أجودُ بالخير من الريح المرسلة". وفي رواية (1) نحوه قال: "وكان جبريل يلقاه كل ليلةٍ من رمضان حتى ينسلخ، يعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن". 2476 - * روى البخاري عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: "كان يُعْرَضُ على النبي صلى الله عليه وسلم القرآنُ كلَّ عامٍ مرةً، فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه". قوله يُعْرَضُ على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن: فيها روايتان: بضم أوله على البناء للمجهول،

_ 2474 - كشف الأستار (3/ 91) باب منه. مجمع الزوائد (7/ 151) وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. 2475 - البخاري (9/ 43) 66 - كتاب فضائل القرآن، 7 - باب كان جبريل يعرضُ القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم. مسلم (4/ 1803) 43 - كتاب الفضائل، 12 - باب كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود النسا بالخير من الريح المرسلة. النسائي (4/ 125) 22 - كتاب الصيام، 2 - باب الفضل والجود في شهر رمضان. (1) البخاري (4/ 116) 30 - كتاب الصوم، 7 - باب أجودُ ما كان النبي صلى الله عليه وسلم. 2476 - البخاري (9/ 43) 66 - كتاب فضائل القرآن، 7 - باب كان جبريل يعرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم.

- في جمع القرآن

وبفتح أوله بحذف الفاعل، والمحذوف هو جبريل كما في بعض الروايات ... (فتح الباري 9/ 46). أقول: إن مدارسة القرآن من قبل جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعرض جبريل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم، كل ذلك مما يستأنس به على أن ترتيب القرآن توقيفي، لأن المدارسة والعرض يقتضيان ترتيباً. - في جمع القرآن: 2477 - * روى البخاري عن زيد بن ثابتٍ (رضي الله عنه) قال: أرسل إليَّ أبو بكر، مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر جالس عنده، فقال أبو بكر: إن عمر جاءني، فقال: إن القتل قد استحَرَّ يوم اليمامة بقُرَّاء القرآن، وإنِّي أخشى أن يستحِرَّ القتل بالقُراء في كل المواطن، فيذهب من القرآن كثيرٌ، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن، قال: قلت لعمر: كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمر: هو والله خيرٌ، فلم يزل يُراجعني في ذلك، حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر عمر، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر، قال زيد: فقال لي أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل، لا نتهمُك، قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه، قال زيدٌ: فوالله لو كلفني نقل جبلٍ من الجبال ما كان أثقل عليَّ مما أمرني به من جمع القرآن، قال: قلت: كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال أبو بكر: هو والله خيرٌ، قال: فلم يزل أبو بكر يُراجعني - وفي أخرى: فلم يزل عمر يراجعني - حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر، قال: فتتبعتُ القرآن أجمعه من الرقاع والعُسُب، واللخافِ، وصدور الرِّجال (1)،

_ 2477 - البخاري (9/ 10، 11) 66 - كتاب فضائل القرآن 3 - باب جمع القرآن. الترمذي (5/ 283، 284) 48 - كتاب تفسير القرآن، 10 - باب "ومن سورة التوبة" قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. قال ابن الأثير: (مقتل أهل اليمامة) هو مفْعل من القتل، وهو ظرف زمانٍ هاهنا، يعني: أوان قتلهم، واليمامة: أراد الوقعة التي كانت باليمامة، في زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وهم أهل الرِّدَّة. (استحرَّ القتل) كثر واشتد. (الرقاع): جمع رقعة، وقد تكون من جلد أو ورق أو كاغد. (العُسُبُ) جمع عسيب، وهو سعفُ النخل. (اللخافُ) جمع لخفة، وهي حجارة بيض رقاق. ... =

حتى وجدت آخِرَ سورةِ التوبة مع خُزيمة - أو أبي خزيمة الأنصاري- لم أجدها مع أحد غيره {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} (1) خاتمة براءة، قال: فكانت الصُّحُفُ عند أبي بكر، حتى توفاه الله، ثم عند عمر، حتى توفاه الله، ثم عند حفصة بنت عمر. قال بعض الرواة فيه: اللخافُ: يعني: الخَزَفَ. 2478 - * روى ابن خزيمة عن علقمة، قال: "جاء رجل إلى عمر وهو يعرفه، فقال: يا أمير المؤمنين، جئتُ من الكوفة وتركتُ بها رجلاً يُملي المصاحف عن ظهر قلبه. قال: فغضب عمر انتفخ حتى كاد يملأُ ما بين شُعبتي الرحل، فقال: من هو ويحك؟ قال: عبد الله بن مسعود. قال: فما زال يُسرَّى عنه الغضب ويُطفأُ حتى عاد إلى حاله التي كان عليها، ثم قال: ويحك ما أعلم بقي أحدٌ أحقُ بذلك منه. وسأحدثُك عن ذلك. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال يسمُرُ عند أبي بكر الليلة كذلك في الأمر من أمر المسلمين، وإنه سمر عنده ذات ليلة وأنا معه، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وخرجنا معه، فإذا رجل قائم يصلي في المسجد، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمعُ قراءته، فلما كدنا أن نعرف الرجل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سره أن يقرأ القرآن رطباً كما أُنزل، فليقرأ على قراءة ابن أم عبدٍ". قال: ثم جلس الرجل يدعو، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سل تُعْطَهْ"، مرتين. قال: فقال عمر: فقلت: والله لأغدون إليه فلأبشرنه، قال: فغدوتُ إليه لأبشره فوجدت أبا بكر قد سبقني إليه فبشره، ولا والله ما سابقته إلى خير قطُّ إلا سبقني. هذا حديث أبي موسى. غير أنه لم يقل وانتفخ.

_ = قال محقق الجامع عن آخر سورة التوبة: "لقد ثبت كونها قرآناً بأخبار كثيرة، غامرة من الصحابة عن حفظهم في صدورهم، وإن لم يكونوا كتبوه في أوراقهم. ومعنى قول زيد "لم أجدها مع أحد غيره" أنه لم يجدها مكتوبة عند أحد إلا عند خزيمة. فالذي انفرد به خزيمة هو كتابتها لا حفظها، وليست الكتابة شرطاً في المتواتر، بل المشروط فيه أن يرويه جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب، ولو لم يكتبه واحد منهم. وقال الحافظ في [الفتح 9/ 12] تعليقاً على قوله "لم أجدها مع أحد غيره" أي مكتوبة لما تقدم من أنه كان لا يكتفي بالحفظ دون الكتابة، ولا يلزم من عدم وجدانه إياها حينئذ أن لا تكون تواترت عند من لم يتلقها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كان زيد يطلب التثبت عمن تلقاها بغير واسطة". (1) التوبة: 127. 2478 - ابن خزيمة (2/ 291) 610 - باب ذكر الدليل على أن كراهة السمر بعد العشاء في غير ما يجب على المرء أن يناظر فيه ... إلخ.

- جمع عثمان الناس على رسم واحد

وقال سلم بن جنادة: فما زال يُسرَّى عنه، وقال: واقف بعرفة، ولم يقل: لا يزال، وقال: يستمع قراءته، وقال: فقال عمر: والله لأغدونَّ إليه". أقول: هاتان الروايتان تؤكدان أن الجمع للقرآن كان جمعاً لما كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن إظهار عمر الغضب ممن يملي القرآن من حفظه ليكتبه الناس دليل على ذلك ولم يخفف عن عمر إلا معرفته بإتقان المملي. - جمع عثمان الناس على رسم واحد: 2479 - * روى البخاري عن محمد بن شهاب الزُّهريِّ (رحمه الله) عن أنسٍ، أن حُذيفة ابن اليمان قدم على عثمان - وكان يُغازي أهل الشام في فتح إرْمينيَّة وأذربيجان مع أهل العراق - فأفزع حُذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرِكْ هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة: أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف، ثم نرُدُّها إليك، فأرسلتْ بها إليه، فأمر زيد بن ثابتٍ وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوُها في المصاحف، وال عثمان للرهْطِ القرشيين: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابتٍ في شيء من القرآن، فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، ردَّ عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفقٍ بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سوى ذلك من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يُحرقَ. قال ابن شهابٍ: وأخبرني خارجة بن زيدٍ بن ثابت: أنه سمع زيد بن ثابت يقول: فقدتُ آيةً من سورة الأحزاب - حين نسختُ الصحف- قد كنتُ أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، فالتمسناها، فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} (1) فألحقناها في سورتها من المصحف. قال في رواية (2) أبي اليمان: خُزيمة بن ثابتٍ الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته شهادة رجلين.

_ 2479 - البخاري (9/ 11) 66 - كتاب فضائل القرآن 3 - باب جمع القرآن. الترمذي (5/ 284، 285) 48 - كتاب تفسير القرآن، 10 - باب "من سورة التوبة". (1) الأحزاب: 23. (2) البخاري (8/ 518) 65 - كتاب التفسير، 3 - باب (فمنهم من قضى نحبه ....). ... =

زاد في رواية أخرى (1): قال ابن شهابٍ: اختلفوا يومئذ في (التابوت) فقال زيد: (التابوهُ) وقال ابن الزبير وسعيد بن العاص (التابوت) فرُفع اختلافهم إلى عثمان، فقال: اكتبوه (التابوت) فإنه بلسان قُريش. أقول: قوله: (اختلفوا يومئذ في التابوت فقال زيد: التابوه): هذا نموذج على حرف من الأحرف السبعة التي كان يُقرئ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ملاحظاً لغات العرب ولهجاتها وقد قدم الصحابة مصلحة اجتماع الأمة على رسم واحد للقرآن على أي مصلحة أخرى وتفرع عن هذا التصرف أن بنى فقهاء المسلمين على ذلك فروعاً منها: أن لإمام المسلمين أن يفرض على الأمة حكماً متخيراً من أقوال أئمة الاجتهاد لوحدة القضاء. 2480 - * روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال عمر: أُبيُّ أقرأنا وإنا لندعُ من لحن أُبي، وأبيٌّ يقول: أخذتُ من فيِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا أتركُه لشيءٍ، وقال الله: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} (2).

_ (1) الترمذي (5/ 285) نفس الموضع السابق. = وفي آية الأحزاب قال محقق الجامع: قال الحافظ في "الفتح" 9/ 17: وظاهر حديث زيد بن ثابت هذا، أنه فقد آية الأحزاب من الصحف التي كان نسخها في خلافة أبي بكر، حتى وجده مع خزيمة بن ثابت. ووقع في رواية إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع عن ابن شهاب، أن فقده إياها إنما كان في خلافة أبي بكر، وهو وهم منه. والصحيح ما في الصحيح، وأن الذي فقد في خلافة أبي بكر الآيتان من آخر براءة. وأما التي في الأحزاب: ففقدها لما كتب المصحف في خلافة عثمان. قال العلماء: الفرق بين جمع أبي بكر وبين جمع عثمان: أن جمع القرآن في عهد أبي بكر كان عبارة عن نقل القرآن وكتابته في صحف مرتب الآيات، مقتصراً فيه على ما لم تنسخ تلاوته مستوثقاً له بالتواتر والإجماع. وكان الغرض منه تسجيل القرآن وتقييده بالكتابة، مجموعاً مرتباً خشية ذهاب شيء منه بموت حملته وحفاظه. وأما الجمع في عهد عثمان فقد كان عبارة عن نقل ما في تلك الصحف في مصحف واحد إمام، واستنسخ مصاحف منه ترسل إلى الآفاق الإسلامية، ملاحظاً فيها ترتيب سور وآياته جميعاً، وكتابته بطريقة تجمع وجوه القراءات المختلفة، وتجريده من كل ما ليس قرآنا، والغرض منه إطفاء الفتنة التي اشتعلت بين المسلمين حين اختلفوا في قراءة القرآن وجمع شملهم وتوحيد كلمتهم والمحافظة على كتاب الله من التغيير والتبديل. 2480 - البخاري (9/ 47) 66 - كتاب فضائل القرآن 8 - باب القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. (نحن أُبي): هو أُبي بن كعب الأنصاري، ولحنه: لغته وقراءته. (وإنا لندع من لحن أبي) طريقته التي يقرأ بها القرآن: أيك من قراءته، ولحن القول: فحواه ومعناه، والمراد به هنا: القول. (2) البقرة: 107.

- في وقوع النسخ في القرآن

قال الحافظ: وكان أبي بن كعب لا يرجع عما حفظه من القرآن الذي تلقاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو أخبره غيره أن تلاوته نسخت، لأنه إذا سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم حصل عنده القطع به، فلا يزول عنه بإخبار غيره أن تلاوته نسخت، وقد استدل عليه عمر بالآية الدالة على النسخ، وهو من أوضح الاستدلال في ذلك. أقول: إذا كان لأُبيِّ وأمثاله من الصحابة عذر بسبب ما ذكره الحافظ فإنه لا حجة لأحد بعدهم أن يخالف رسم المصحف لقراءة شاذة عن ذلك لمخالفة المتواتر والإجماع. وفي هذا النص توضيح لما ذكر من قبل أن المصحف العثماني خلا مما نسخت تلاوته. - في وقوع النسخ في القرآن: 2481 - * روى الترمذي عن أبي رفعه: "إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن، فقرأ عليه لم يكن الذين كفروا، وقرأ فيها، إن الدين عند الله الحنيفيةُ المسلمة لا اليهوديةُ ولا النصرانية ولا المجوسية، ومن يعمل خيراً فلن يُكفرهُ، وقرأ فيها، لو أن لابن آدم وادياً من مال لابتغى إليه ثانياً، ولو أن له ثانياً لابتغى إليه ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب". 2482 - * روى أحمد: أن أُبياً قرأ لم يكن حتى بلغ {إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ}، ثم قرأ: (إن الدين عند الله الحنيفية) إلى آخر الزيادة، فقال: ثم ختم ما بقي من السورة. أقول: ما ورد في هذه الرواية من باب المنسوخ التلاوة ولذلك لم يدخل في المصحف الإمام، وفي هذه الرواية تفصيل لما كان يحافظ عليه أبي بسبب ما ذكرناه. 2483 - * (1) روى مسلم عن أبي الأسود الدؤلي (رحمه الله) قال: بعث أبو مُوسى إلى قُرَّاء أهل البصرة، فدخل عليه ثلاثمائة رجلٍ قد قرؤوا القرآن، فقال: أنت خيارُ أهل البصرةِ

_ 2481 - الترمذي (5/ 665، 666) 50 - كتاب المناقب، 33 - باب مناقب معاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبي، وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم، وجاء أيضاً في كتاب المناقب في 65 - باب من فضائل أبي بن كعب رضي الله عنه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن. 2482 - أحمد (5/ 131، 132). مجمع الزوائد (7/ 140، 141) وقال الهيثمي: رواه أحمد وابنه وفيه عاصم بن بهدلة وثقه قوم وضعفه آخرون، وبقية رجاله راجل الصحيح. 2483 - مسلم (2/ 726) 12 - كتاب الزكاة، 39 - باب لو أن لابن آدم واديين لابتغى ثالثاً.

وقراؤهم، فاتلُوهُ، ولا يطولنَّ عليكم الأمدُ، فتقسُو قلوبكم، كما قستْ قلوبُ من كان قبلكم، وإنا كنا نقرأ سورة نشبهها في الطول والشدة ببراءة، فأنسيتُها، غير أني قد حفظت منها: لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدى المُسبِّحات فأنسيتُها، غير أني حفظت منها: يا أيها الذين آمنوا، لم تقولن ما لا تفعلون؟ فتكتبُ شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة. أقول: في النص توضيح وتعريف على بعض منسوخ التلاوة من القرآن الكريم، وهو مما جرد من القرآن في المصحف الذي نسخ في عهد أبي بكر وفي نسخ المصاحف العثمانية، ومن المعروف أن أبا موسى قد أرسله عثمان مع نسخة من نسخ المصاحف العثمانية إلى أهل البصرة ليجمع الناس على الرسم العثماني للمصحف. وفي كلام أبي موسى توضيح لقُرَّاء البصرة أن هناك من القرآن ما هو منسوخ التلاوة وأن هذا المنسوخ لا يعتبر قرآنا، وفي ذلك إشارة إلى أن المصاحف العثمانية قد جردت من منسوخ التلاوة. وقد تعدد الروايات التي تشير إلى وقوع النسخ في التلاوة وهي صحيحة كما ترى. وبعض العلماء يرى أن نسخ التلاوة غير موجود وأن هذه الروايات إما خطأ من الصحابة بحيث ظن ما ليس بقرآن أصلاً أنه كان قرآناً ثم نسخ، أو أن الروايات معلولة. وبعضهم رأى أنه حتى نثبت وقوع نسخ التلاوة لابد من التواتر .. والرم في ظننا لا يحتاج إلى تواتر ما دام أنها قد نسخت. أما ما يقال إن هذه النماذج التي عرضت ليس فيها أسلوب القرآن فلا دليل على أنها كانت قرآناً ثم نسخت، فيجاب أن هذا طبيعي لأن الآية نسخ فلم يعد فيها سر القرآن ولا روحه ولا إعجازه، ثم إنه ربما تكون قد رويت بالمعنى وتصرف فيها الرواة فلا حجة في ذلك .. واحتج الذين قالوا إنه لا نسخ تلاوة وأن ما ورد على أنه منسوخ تلاوة سببه ظن خاطيء من بعض الصحابة بروايات عدة منها: 2484 - * روى البخاري: قال ابن عباس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (1) "لو أن

_ 2484 - البخاري (11/ 253) 81 - كتاب الرقاق، 10 - باب ما يُتقى من فتنة المال ... إلخ.

لابن آدم ملء وادٍ مالاً لأحبَّ أن له إليه مثله؛ ولا يملأُ عين ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب". قال ابن عباس: فلا أدري من القرآن هو أم لا. قال: وسمعت ابن الزبير يقول ذلك على المنبر. وهذه الروايات نفسها وردت مصرح فيها أنها من لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم. 2485 - * روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثاً، ولا يملأُ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب". 2486 - * روى البخاري عن عباس بن سهل بن سعد قال: "سمعت ابن الزبير على المنبر بمكة في خطبته يقول: يا أيها الناس، إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "لو أن ابن آدم أُعطي وادياً ملآن من ذهب أحبَّ إليه ثانياً، ولو أعطي ثانياً أحب إليه ثالثاً، ولا يسدُّ جوف ابن آدم إلا التراب. ويتوب الله على من تاب". 2487 - * روى البخاري عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو أن لابن آدم وادياً من ذهب أحب أن يكون له واديان؛ ولن يملأ فاه إلا التراب، ويتوب الله على من تاب". وقالوا: كيف نستطيع أن نفهم حديث عائشة الذي رواه مسلم إن كان من منسوخ التلاوة، وليس من خطأ الصحابة وهو: 2488 - * روى الجماعة إلا البخاري عن عائشة (رضي الله عنها) قالت (1): "كان فيما

_ 2485 - البخاري: نفس الموضع السابق. 2486 - البخاري: نفس الموضع السابق. 2487 - البخاري: نفس الموضع السابق. 2488 - مسلم (2/ 1075) 17 - كتاب الرضاع، 6 - باب التحريم بخمس رضعات. أبو داود (2/ 223، 224) كتاب النكاح، باب هل يحرم [ما] دون خمس رضعات. الترمذي (3/ 456) 10 - كتاب الرضاع، 3 - باب ما جاء لا تُحرم المصة ولا المصتان. النسائي (6/ 100) 26 - كتاب النكاح، 51 - باب القدر الذي يحرم من الرضاعة. ابن ماجه (1/ 625) 9 - كتاب النكاح، 35 - باب لا تحرم المصة ولا المصتان.

- في مصحف حفصة

أنزل من القرآن: عشرُ رضعات معلومات تُحرِّمن، ثم نُسِخْنَ بخمسٍ معلوماتٍ، فتوفِّي رسول الله صلى الله لعيه وسلم وهن فيما يقرأُ من القرآن". مع أن العلماء قالوا فيه: معناه: أن النسخ بخمس رضعات تأخر إنزاله حتى إنه صلى الله عليه وسلم تُوفِّي وبعض الناس يقرأ خمس رضعاتٍ ويجعلها قرآناً متلواً لكونه لم يبلغه النسخ، لقرب عهده، فلما بلغهم النسخ رجعوا عن تلاوته وأجمعوا على أن هذا لا يتلى [جامع الأصول 11/ 482]. هذا وكثير من الفقهاء لم يحتج بهذا الحديث لأسباب لا مجال لذكرها .. وقال نافو نسخ التلاوة: إذا كان قول عمر فيما رواه عنه سعيد بن المسيب: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة) أخرجه مالك في الموطأ ... قرآناً منسوخاً مع بقاء حكمهما، فكيف نعرف حد الشيخ من غير الشيخ ... وإن كلمة البتة لم ترد في القرآن البتة ... هذه بعض وجهات النظر في منسوخ التلاوة، ونرى أن فيها رواية أبي موسى الأشعري السابقة. وغيرها ما يدل على وقوع منسوخ التلاوة ويؤكد ذلك قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} (1) فقوله ننسها يدل على نسخ التلاوة أما قول القائل إن معنى ننسها ننسى الناس حكمها أو نحو ذلك فلا دليل عليه والله أعلم. - في مصحف حفصة: 2489 - * روى الطبراني عن سالم بن مروان كان يرسل إلى حفصة يسألُها عن المصحف الذي نُسخ منه القرآن فتأبى حفصةُ أن تعطيهُ إياه فلما دفنَّا حفصة أرسل مروانُ إلى ابن عمر: أرسل إليَّ بذلك المصحف، فأرسله إليه. أقول: كانت حفصة رضي الله عنها مؤتمنة على المصحف بعد وفاة والدها وأقر ذلك عثمان رضي الله عنه، ولذلك أرجعه إليها بعد ما نسخ عثمان عنه فلما آل الأمر إلى بني أمية لم تر

_ (1) البقرة: من 106. 2489 - مجمع الوائد (7/ 156) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.

- في أول ما نزل وآخر ما نزل

أن تتنازل عن هذه الصحف التي ائتمنها عليها خليفة راشد بعد أن آلت الإمرة إلى أن أصبحت أثراً عن ملك عضوض، وهذا يفيد إلى أن الطاعة تختلف باختلاف نوع الإمرة، وفعل ابن عمر في التسليم يفيد أن من حق الدولة المسلمة أن تضع يدها على ما يعتبر تراثاً للأمة مما لاحق شخصياً لأحد فيه. - في أول ما نزل وآخر ما نزل: 2490 - * روى الطبراني عن أبي رجاءٍ العُطارديِّ قال كان أبو موسى يُقْرِئُنا يُجلسنا حلَقاً حِلَقاً، عليه ثوبان أبيضان فإذا قرأ هذه السورة {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} قال: هذه الآيةُ أول سورة أُنزلتْ على محمد صلى الله عليه وسلم. 2491 - * روى البخاري عن عائشة: إنما نزل أول ما نزل سورةٌ من المصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناسُ إلى الإسلام، نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيءٍ لا تشربوا الخمر قالوا: لا ندعُ أبداً، ولو نزل لا تزنوا لقالوا لا ندعُ الزنا أبداً. أقول: تشير السيدة عائشة رضي الله عنها إلى حكمة كبيرة من حكم تنزل القرآن منجماً وهي ملاحظة حال المخاطبين الأول واستعداداتهم، وبعد أن استقر التشريع أصبح الإنسان مكلفاً بالقرآن كله، ولكن أدب الدعوة الإسلامية لا زال ملحوظاً فيه البدء بالدعوة إلى الاعتقاد ثم العمل. فلابس خاتم الذهب الكافر لا تبدأ بدعوته إلى خلع الخاتم بل تبدأ بدعوته إلى الإسلام اعتقاداً، ثم إلى العمل بالإسلام. 2492 - * روى الشيخان عن البراء: آخرُ سورةٍ نزلت تامةً التوبةُ، وآخر آيةٍ نزلت آيةُ الكلالة. 2493 - * روى مسلم عن ابن عباس: إن آخر سورةٍ نزلتْ جميعاً {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} (1).

_ 2490 - مجمع الزوائد (7/ 139) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. 2491 - البخاري (9/ 39) 66 - كتاب فضائل القرآن 6 - باب تأليف القرآن. 2492 - البخاري (8/ 267) 65 - كتاب التفسير، 27 - باب (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ...). مسلم (3/ 1237) 23 - كتاب الفرائض، 3 - باب آخر آية أنزلت آية الكلالة. 2493 - مسلم (4/ 2318) 54 - كتاب التفسير.

2494 - * روى الترمذي ع عمرو بن العاص: آخر سورة نزلت سورة المائدة والفتح. 2495 - * روى البخاري عن ابن عباس: آخر آية نزلت آية الربا. قوله: (وآخر آية نزلت آية الكلالة) هذه الآخرية نسبية فهي آخرية بالنسبة لأحكام المواريث، وسورة براءة آخريتها نسبية، فهي ليست آخر سورة نزلت كما سنرى بل هي من أواخر ما نزل. وآخر سورة نزلت كسورة هي سورة {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} ولا ينفي ذلك أن تكون نزلت بعدها آيات كما سنرى. أقول: كان الصحابة يركزون على أن سورة المائدة نزلت متأخرة للتأكيد على أنها ليست منسوخة الأحكام. ولا شك أن قسماً منها كان من أواخر ما نزل، وإذا كان المراد بسورة الفتح {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} فالكلام هنا على إطلاقه في أنها آخر سورة نزلت، وإن كان المراد بسورة الفتح {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} فالآخرية هنا تفيد أنها من أواخر ما نزل لأن سورة {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} نزلت بعد الحديبية. 2496 - * روى الطبراني عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} أنها آخرُ آيةٍ نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم. أقول: لتحقيق أن هذه الآية هي آخر الآيات نزولاً وهي تأتي مباشرة بعد آيات الربا في سورة البقرة، فهذا القول لا ينقض رواية ابن عباس السابقة بل هو تفصيل لبعض ما يدخل فيه (1). * * *

_ 2494 - الترمذي (5/ 261) 48 - كتاب تفسير القرآن، 6 - باب "ومن سورة المائدة". 2495 - البخاري (8/ 205) 65 - كتاب التفسير، 53 - باب (واتقوا يوماً تُرجعون فيه إلى الله). 2496 - الطبراني (المعجم الكبير) (11/ 371). مجمع الزوائد (6/ 324) وقال الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما ثقات.

الفصل الثالث في بعض المأثور من التفسير وبعض أسباب النزول والناسخ والمنسوخ

الفصل الثالثُ في بعض المأثور من التفسير وبعض أسباب النزول والناسخ والمنسوخ راجع هذا الفصل ودققه فضيلة الشيخ/ عبد الحميد الأحدب

مقدمة

مقدمة: وضعنا هذا الفصل والفلين قبله ولهما علاقة بالتفسير بعد باب التلاوة، لأن التلاوة تحتاج إلى تدبر، والتدبر يقتضي فهماً ويعمق فهماً، وقد جرت عادة المؤلفين في الحديث الشريف أن يجعلوا التلاوة والتفسير المأثور متلاصقين، أو في مبحث واحد. والمراد بالتفسير هنا: التفسير الذي اعتاد المحدثون أن يذكروه في كتب الحديث وبعض المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابة والتابعين. ونحن نرى فارقاً كبيراً بين حجم ما يذكره المحدثون تحت باب التفسير، وأحجام الكتب المؤلفة فيما بعد في التفسير، وهذا يدل على أن الصحابة رضوان الله عنهم لم يكونوا يحتاجون إلى إفاضة في التفسير لقوة فهمهم عن الله عز وجل، ولإدراكهم معاني القرآن الكريم. فكلما ابتعدنا عن جيل الصحابة أصبح الناس بحاجة إلى جديد لفهم القرآن الكريم. غير أنه إذا كان حجم باب التفسير في كتب الحديث قليلاً نسبياً، فذلك يعود إلى شيء آخر، وهو أن الأصل أن السنة كلها بما في ذلك السيرة، هي شرح للقرآن الكريم وتفسير، قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (1). فالرسول صلى الله لعي وسلم مهمته البيان القولي والفعلي لكتاب الله عز وجل، ولذلك فإن بالإمكان أن نعتبر كل ما ورد في السنة شرحاً للقرآن الكريم وتفسيراً، ولذلك ندر ما تجد باباً في السنة إلا ويمكن أن تصدره ببعض آيات القرآن الكريم، وفي كثير من الأبواب نجد أحاديث هي من باب الناسخ والمنسوخ، أو من أسباب النزول، وذلك كله تفسير في الحقيقة. إلا أنه لوجود بعض المأثور الذي قد لا يدخل في أبواب أخرى، خص المحدثون التفسير بباب مستقل، ونحن نقتدي بهم فنذكر هذا الفصل ههنا، وهو ليس بعيداً عن موضوعات هذا القسم فتدبر القرآن عبادة، وهذا الفصل يعين على العبادة، وهذا الفصل علم بكتاب الله، وقد جعلنا العلم أحد أجزاء هذا القسم، وقارئ كتاب الله يهمه أن يعرف بعض ما ورد من مأثور التفسير، ولهذا جعلنا فصول هذا الباب مع باب التلاوة في جزء واحد.

_ (1) النحل: 44.

عرض إجمالي لموضوع التفسير

عرض إجمالي لموضوع التفسير: إن كلمة تفسير القرآن كان لها من الهيبة والجلال والإجلال عند السلف الصالح ما ليس لها في عصرنا، لجرأة الناس على الإقدام على التفسير في مواعظهم وخطبهم وكتبهم دون أن يستشعروا خطورة الأمر الذي يقدمون عليه ودون أن يملكوا أدوات التفسير، وكما أن الناس في عصرنا تجرؤوا على مالا تنبغي الجرأة فيه، فإن كثيراً من المفسرين فيما مضى أدخلوا على أنواع من التفاسير طاماتٍ ما كان ينبغي لهم أن يجرؤوا عليها فعلم التفسير هو العلم الذي تخدمه كل العلوم: من علوم اللغة العربية إلى علوم القرآن والحديث إلى العلوم الكونية والاجتماعية والسياسية، وأول ذلك العلم المحيط بالسنة والعلم باتجاهات الراسخين في العلم من أئمة الهدى من أهل السنة والجماعة إنْ في العقائد أو في الفقه أو في دقائق علم القلب والأخلاق والسلوك وتزكية الأنفس، ولذلك كان العلماء قديماً لا يجيزون في التفسير إلا من أحاط علماً بهذه الأمور وغيرها. لقد وجدت علوم اللغة العربية وتوسعت من نحو إلى صرف إلى علوم البلاغة إلى فقه اللغة إلى صفات الحروف إلى غير ذلك، وكل ذلك لا يستغني عنه المفسر، وكان الصحابة أعرف الناس بأسباب النزول، وبعلم الناسخ والمنسوخ، وبالأحرف السبعة، وورثت الأمة هذه العلوم كما ورثت علم فضائل القرآن وآدابه وأحكامه، وفقه آيات أحكام ومحل السنة بالنسبة له، ووجد المختصون بعلم أصول الفقه وعلم أصول العقائد ليضعوا كل شيء في محله، والمفسر لا يستغني عن ذلك كله ليستطيع أن يضع كل نص في محله بالنسبة لمجموع النصوص القرآنية، ويستطيع أن يعرف دقائق المعاني، وليكون قادراً في النهاية على إبراز ما في هذا القرآن من إعجاز ومعجزات وخصائص وصفات. ومن المؤسف العجيب أنه وجد في عصرنا من لا يعطي من توافرت فيه هذه الشروط ثقته واحترامه، ويعطي لمن لم تتوافر فيه هذه الشروط ثقته واحترامه، وما ذلك إلا لعدم الرسوخ في العلم. لقد رأينا مثلاً أناساً لا يعتبرون لعلوم البلاغة محلاً في فهم القرآن، وكأن القرآن لم ينزل على أساليب العرب في الخطاب، وكأن علوم البلاغة ليست كعلوم النحو والصرف اللذين

لابد منهما لضبط النطق والفهم، كما أن علوم البلاغة لابد منها لضبط الفهم للنصوص. إن أمثال هؤلاء جعلهم بعض الناس أئمة في فهم القرآن الكريم، وحكماً على الراسخين في العلم ممن توافرت فيهم شروط المفسر الكامل، فالمفسر الكامل أصبح ضالاً عند أمثال هؤلاء. والذي ينكر أن يكون في اللغة العربية مجاز واستعارة وكناية وحذف مما يعتبر بدهيات عند أدنى طالب للعلم، أمثال هؤلاء جُعلوا مرجعاً وحكماً على الأولين، والذين يخالفون الإجماع في أصول عقدية أصبح بعضهم يعتبرهم حكاماً على المفسرين الذين اجتمع لهم فيما اجتمع من الرسوخ في العلم الرسوخ في علم الأصوليين. وذلك كله من غلبة الجهل والهوى وعدم معرفة الفضل لأهل الفضل. وهذا اقتضانا أن نخصص كتاباً سميناه الأساس في قواعد المعرفة وضوابط الفهم للنصوص، لنرجع لمن يستأهل الثقة الجديرة به، ولنعرف أهل العصر على الزيف المخلوط بالدعاوى الكاذبة والممزوج في الوقت نفسه بكثير من الحق الذي يجعل الأمر ملتبساً، ولنعد إلى أصل الموضوع. وهذه خلاصات نستخلصها من كتابي الإتقان ومناهل العرفان في شروط المفسر للقرآن. أولاً: أن يحيط الإنسان بالقرآن الكريم وأن يكون دقيق الفهم له، فإن القرآن يفسر بعضه بعضاً. ثانياً: أن يحيط بالسنة والسيرة لأنهما شارحتان للقرآن موضحتان له. ثالثاً: أن يعرف أقوال الصحابة في التفسير إذا كان لهم قول لأنهم أدرى بأسباب النزول وبفهم القرآن. رابعاً: أن يكون المفسر صحيح الاعتقاد، صحيح العمل، فمن كان صاحب بدعة أو هوى أو من فرقة ضالة كافرة أو مخالفاً للإجماع فإنه لا يؤتمن في الإخبار عن أبرار الله تعالى، وأن يكون من أهل الاجتهاد والمجاهدة والتقوى فقد قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} (1).

_ (1) العنكبوت: من 69.

خامساً: أن يكون قادراً على أن يعرض القرآن عرضاً لا تتناقض به نصوص مع بعضها أو مع السنة الثابتة أو عمل الخلفاء الراشدين، أو يتناقض مع القطعيات العقلية. سادساً: أن يكون قادراً على الترجيح لأصوله الصحيحة فيما تعارضت فيه الأدلة. سابعاً: أن يكون ممتلئاً من علوم اللغة العربية، نحواً وصرفاً وبلاغة وفقه لغة ومعرفة بوجوه الإعراب ومفردات اللغة. ثامناً: قدرته على التمييز بين ما يمكن أخذه من كتب أهل الكتاب وما يجب رفضه، وقل مثل ذلك في التمييز بين ما أوصلت إليه الحفريات، وبعض العلماء يرى وجوب غلق باب الأخذ عن الإسرائيليات لما رأوا من طامات لا يحتملها العقل والشرع تدخل في كتب التفسير. تاسعاً: أن يعرف المتشابه والمحكم وأن يكون قادراً على حمل المتشابه على المحكم. عاشراً: أن يعرف أقوال أئمة الهدى من الراسخين في العلم في أصول الفقه، وأصول العقائد، والعقائد والفقه، والسلوك. حادي عشر: أن يعرف علوم القرآن وأن يعرف التحقيق في مفرداتها وخاصة أسباب النزول والناسخ والمنسوخ وغير ذلك مما يدخل في هذه العلوم ومما قاله صاحب مناهل العرفان في العلوم التي يحتاج إليها المفسر ناقلاً وملخصاً ما يلي: وقد بيَّن العلماء أنواع العلوم التي يجب توافرها في المفسر فقالوا: هي اللغة والنحو؛ والصرف، وعلوم البلاغة، وعلم أصول الفقه، وعلم التوحيد ومعرفة أسباب النزول، والقصص، والناسخ، والمنسوخ، والأحاديث المبينة للمجمل والمبهم، وعلم الموهبة، وهو علم يورثه الله تعالى لمن عمل بما علم، ولا يناله من في قلبه بدعة أو كبر أو حبُّ دنيا أو ميل إلى المعاصي. قال الله تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} وقال الإمام الشافعي: شكوتُ إلى وكيع سوء حفظي ... فأرشدني إلى ترك المعاصي

وأخبرني بأن العِلْمَ نُورٌ ... ونور الله لا يُهْدى لعاصي هذه الشروط التي ذكرناها، وهذه العلوم كلها، إنما هي لتحقيق أعلى مراتب التفسير مع إضافة الاعتبارات المبهمة المنظورة في الكلمات القيمة الآتية: أحدها: فهم حقائق الألفاظ المفردة التي أودعَها القرآن، بحيث يحقق المفسر ذلك من استعمالات أهل اللغة، غير مكتف بقول فلان وفهم فلان، فإن كثيراً من الألفاظ كانت تستعمل في زمن التنزيل لمعانٍ، ثم غلبت على غيرها بعد ذلك بزمن قريب أو بعيد. فعلى المحقِّق المدقق أن يفسر القرآن بحسب المعاني التي كانت مستعملة في عصر نزله والأحسن أن يفهم اللفظ من القرآن نفسه، بأن يجمع ما تكرر في مواضع منه، وينظر فيه، فربما استعمل بمعان مختلفة كلفظ الهداية وغيره، ويحقق كيف يتفق معناه مع جملته من الآية! فيعرف المعنى المطلوب من بين معانيه. وقد قالوا: إن القرآن يفسر بعضه بعضاً، وإن أفضل قرينة تقوم على حقيقة معنى اللفظ موافقته لما سبق له من القول، واتفاقه مع جملة المعنى، وائتلافه مع القصد الذي جاء له الكتاب بجملته. ثانيها: الأساليب، فينبغي أن يكون عنده من علهما ما يفهم به هذه الأساليب الرفيعة وذلك يحصل بممارسة الكلام البليغ ومزاولته، مع التفطُّن لنكته ومحاسنه، والوقوف على مُراد المتكلم منه. نعم إننا لا نتسامى إلى فهم مُراد الله تعالى كله على وجه الكمال والتمام. ولكن يمكننا فهم ما نهتدي به بقدر الطاقة ويحتاج في هذا إلى علم الإعراب. وعلم الأساليب (المعاني والبيان). ولكن مجرد العلم بهذه الفنون وفهم مسائلها وحفظ أحكامها لا يفيد المطلوب. ترون في كتب العربية أن العرب كانوا مُسدَّدِين في النطق، يتكلمون بما يوافق القواعد قبل أن توضع أتحسبون أن ذلك كان طبيعياً لهم؟ كلا. وإنما هي ملكة مكتسبة بالسماع والمحاكاة، لذلك صار أبناء العرب أشدَّ عجمةً من العجم عندما اختلطوا بهم، ولو كان طبيعياً ذاتياً لهم، لما فقدوه في مدة خمسي سنة من بعد الهجرة. ثالثها: علم أحوال البشر، فقد أنزل الله هذا الكتاب وجعله آخر الكتب وبين فيه ما لم يبينه في غيره، وبين فيه كثيراً من أحوال الخلق وطبائعه وسننه الإلهية في البشر، وقصَّ

علينا أحسن القصص عن الأمم وسيرها الموافقة لسنته فيها. فلابدَّ للناظر في هذا الكتاب من النظر في أحوال البشر في أطوارهم وأدوارهم ومناشيء اختلاف أحوالهم، من قوة وضعف، وعز وذل، وعلم وجهل وإيمان وكفر. ومن العلم بأحوال العالم الكبير علويه وسفليه. ويحتاج في هذا إلى فنون كثيرة؛ من أهمها التاريخ بأنواعه. أجمل القرآن الكلام عن الأمم، وعن السنن الإلهية، وعن آياته في السماوات والأرض وفي الآفاق والأنفس، وهو إجمالٌ صادرٌ عمن أحاط بكل شيء علماً. وأمرنا بالنظر والتفكير والسير في الأرض لنفهم إجماله بالتفصيل الذي يزيدنا ارتقاء وكمالاً ولو اكتفينا من علم المكون بنظرة في ظاهره، لكنَّا كمن يعتبر الكتاب بلون جلده، لا مما حواه من علم وحكمة. رابعها: العلم بوجه هداية البشر كلهم بالقرآن، فيجب على المفسر القائم بهذا الفرض الكفائي أن يعلم ما كان عليه الناس في عصر النبوَّة من العرب وغيرهم لأن القرآن ينادي بأن الناس كلهم كانوا في شقاء وضلال، وأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث به لهدايتهم وإسعادهم، وكيف يفهم المفسر ما قبحته الآيات من عوائدهم على وجه الحقيقة أو ما يقرب منها إذا لم يكن عارفاً بأحوالهم وما كانوا عليه. يروى عن عمر رضي الله عنه أنه قال: "تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية". والمراد أن من نشأ في الإسلام، ولم يعرف حال الناس قبله، يجهل تأثير هدايته وعناية الله بجعله مغيراً لأحوال البشر، ومخرجاً لهم من الظلمات إلى النور. خامسها: العلم بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وما كانوا عليه من علم وعمل وتصرف في الشؤون دنيويها وأخرويها. اهـ. من مناهل العرفان. إذا عرفت ما ينبغي أن يتوفر في المفسر الكامل عرفت أن المفسر الكامل، إذا أراد أن يراعي كل أدوات التفسير فإنه يمكن أن يصل تفسيره إلى عشرات المجلدات، ولذلك فإن المفسرين كانوا على طبقات فمنهم من جمع مختصراً، ومنهم من جمع متوسعاً، ومنهم من اقتصر على أن يركز على علوم بعينها، وقد كثرت التفاسير، فلمع في كل عصر مفسرون كبار خدموا كتاب الله عز وجل الخدمة التي رأوا أن عصرهم يحتاجها، فوجد عندنا مالا

يحصى من التفاسير، ولابد للمسلم أن يميز بين نوعين من التفاسير، تفاسير أهل السنة والجماعة، وتفاسير الفرق الضالة، أو تفاسير أهل الشذوذ الذين خالفوا الإجماع، وغير المتمكن في العلوم لا ينبغي له أن يطالع إلا في تفاسير أهل السنة والجماعة ومع ذلك، فإن تفاسير أهل السنة والجماعة تأثر بعضها بثقافات خاطئة كانت محل اعتبار في عصورهم، ومن هاهنا فإن من المناسب للمسلم المعاصر أن يقرأ كتاباً موثقاً لمفسر معاصر، وقد كتبنا كتابنا الأساس في التفسير محاولين فيه أن نتجنب مثل هذه الأخطاء. وهناك كتب أطلق عليه اسم التفاسير وهي ليست في شيء من التفسير، وهي ما اصطلح عليه بالتفسير الإشاري وهذا النوع وجد في كتب خاصة ووجد في بعض التفاسير كجزء منها، وهو كما قلنا ليس من التفسير وإنما هو من باب تسجيل خواطر تقع في القلب عند تلاوة آية، فمن اعتقد أن مثل هذه الخواطر تفسير للقرآن عندما تتناقض مع ما قاله المفسرون الأثبات فإنه يكفر بذلك، فلابد من الانتباه إلى مثل هذا. ويقسم بعض المؤلفين التفسير إلى نوعين: تفسير بالمأثور، وتفسير بالرأي، وهو تقسيم مدرسي لا نعترض عليه لكنا نقول لا فارق في باب الهداية بين هذين النوعين من التفاسير ما دام أصحابه من أئمة الهدى الراسخين في العلم. ومن المناسب للمسلم المعاصر أن تكون له مطالعاته في كتب التفسير الموثقة حتى إذا أراد معرفة إعراب أو نكتة بلاغية عرف كيف يراجعها، ومن المناسب لأتباع كل مذهب فقهي من المذاهب الأربعة أن يرجعوا إلى تفسير لإمام من أئمة مذهبهم ليعرفوا وجهة نظر مذهبهم الفقهي من فهم الآيات كأحكام القرآن للجصاص، وكتفسير أبي السعود مثلاً من فقهاء الحنفية، هذا مع محاولة التعرف على مفردات القرآن في كتاب يجمعها ككتاب المفردات في غريب القرآن للراغب الأصبهاني فإنه قيم جداً، ومحاولة قراءة لتفسير معاصر شامل وموثق. ونحن في هذا الفصل سنقتصر على ذكر ما اعتاد المحدثون أن يذكروه في كتبهم تحت عنوان التفسير، وسنرى بذلك نموذجاً على التفسير المأثور بحق، كما سنرى أن اهتمامات

المحدثين في باب التفسير تنصب إلى حد كبير على أسباب النزول وعلى الناسخ والمنسوخ هذا وإننا لم نذكر كل ما أدخلته أصول هذا الكتاب (1) في هذا الفصل لأن بعضاً منها ذكر في سياقات أخر ففي قسم السيرة وقسم العقائد وفي بية أقسام هذا الكتاب وردت أشياء في سياقاتها الألصق بها، إذ كان بالإمكان إدخالها في فصل التفسير، ثم إن بعضاً منها ليس له أسانيد متصلة، وبعضها منقول عما بعد جيل التابعين وهذا لا يدخل في أصل موضوع هذا الكتاب، فلم نذكره وهناك أحاديث لصيقة بكتب التفسير عند المحدثين إلا أنها وردت عندنا في سياقات أخرى فكثير منها لم نذكره حتى لا يتكرر ما أمكننا ذلك وإلى نصوص هذا الفصل.

_ (1) التي اعتمد عليها المؤلف من كتب السنة.

من تفسير سورة الفاتحة

من تفسير سورة الفاتحة قال البخاري: وسميت أم الكتاب، أنه يُبدأ بكتابتها في المصاحف ويبدأ بقراءتها في الصلاة، والدين الجزاء في الخير والشر، كما تدين تدان، وقال مجاهد بالدين بالحساب، مدينين محاسبين "الفتح 8/ 155 - 156". 2497 - * روى الترمذي عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المغضوب عليهم: اليهود، والضالين: النصارى". أقول: لقد أمرنا أن ندعو الله عز وجل في الفاتحة بأن يجنبنا صراط اليهود والنصارى فإذا كان الأمر كذلك، وهؤلاء أهل كتاب بيقين، فمن باب أولى أن نتجنب صراط غيرهم، ومن وَصْفِ اليهود بالمغضوب عليهم، والنصارى بالضالين نعرف سبب الأمر بتجنب صراطهم مع أن موسى وعيسى رسولان عليهما الصلاة والسلام، ولكن أتباع موسى استقروا على ما يغضب الله، وأتباع عيسى استقروا على الضلال، والمنهاج الصحيح لموسى وعيسى عليهما السلام هو الإسلام ونحن وارثوه، ولكن صراطهم الذي أوصلهم للغضب والضلال هو الذي نهينا أن نسير فيه. 2498 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قال الإمام {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فقولوا آمين، فمن وافق قوله قول الملائكة غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه" (1).

_ 2497 - الترمذي (5/ 204) 48 - كتاب تفسير القرآن، 2 - باب "ومن سورة فاتحة الكتاب" وقد حسَّن هذا الحديث وأكد تحسينه محقق الجامع وأخرجه أحمد في المسند (4/ 378، 379) وأخرجه ابن حبان وصححه في (8/ 48). 2498 - البخاري (8/ 159) 65 - كتاب التفسير، 2 - باب (غير المغضوب عليهم ولا الضالين.

سورة البقرة

سورة البقرة 2499 - *روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قِيل لبني إسرائيل: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ} فبدَّلوا، فدخلوا بزحفون على أستاههم فبدلوا، وقالوا: حِطَّة حبَّةٌ في شعرةٍ". وفي رواية (1) الترمذي في قول الله تعالى: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} قال: "دخلوا متزحفين على أوراكهم: أي مُنحرفين". قال: وبهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} قال: "قالوا: حبَّةٌ في شعرةٍ". 2500 - * روى البزار عن ابن عباس في قوله تعالى {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ} قال أبو جهل لئن رأيتُ محمداً يصلي لأطأنَّ على عنقِهِ. فقيل: هو ذاك. قال: ما أراهُ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو فعل لأخذتْه الملائكة عياناً، ولو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا". 2501 - * روى الشيخان عن انس بن مالك رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي

_ 2499 - البخاري (8/ 304) 65 - كتاب التفسير، 4 - باب (وقولوا حطة). مسلم (4/ 2312) 54 - كتاب التفسير. (1) الترمذي (5/ 205) 48 - كتاب تفسير القرآن، 3 - باب "ومن سورة البقرة". وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (سجداً) خضعاً متواضعين خاشعين شأن التائب من ذنوبه. (الأستاه) المقاعد. (حِطة) فِعْلة، من حطَّ، وهي مرفوعة على معنى: أمرُنا حِطَّة، أي: حط عنا ذنوبنا. قال الحافظ في الفتح: وللكشميهني "في شعيرة" بكسر العين المهملة وزيادة تحتانية بعدها، والحاصل أنهم خالفوا ما أمروا به من الفعل والقول، فإنهم أمروا بالسجود عند انتهائهم شكراً لله تعالى، وبقولهم (حطة) فبدلوا السجود بالزحف، وقالوا (حنطة) بدل (حطة) أو قالوا: حطة، وزادوا فيها "حبة في شعيرة" وروى الحاكم من طريق السدي عن مرة عن ابن مسعود قال: قالوا: "هطي سمقاً" وهي بالعربية: حنطة حمراء قوية، فيها شعيرة سوداء. 2500 - كشف الأستار (3، 40، 41) سورة البقرة. مجمع الزوائد (6/ 314) وقال الهيثمي: قلت هو في الصحيح بغير سياقه، رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. 2501 - البخاري (1/ 504) 8 - كتاب الصالة، 32 - باب ما جاء في القبلة ... إلخ.

الله عنه قال: يا رسول الله، لو صلينا خلف المقامِ. فنزلت {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (1). 2502 - * روى الطبراني عن ابن عباس {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} كان إبراهيم احتجرها دون الناس، فأنزل الله: ومن كفر أيضاً فأنا أرزقهم كما أرزق المؤمنين، أمتعُهم قليلاً ثم اضطرهم إلى عذاب النار، ثم قرأ ابن عباس {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ}. 2503 - * روى مسلم عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي نحو بيت المقدس، فنزلت: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} فمر رجلٌ من بني سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر، قد صلوا ركعةً، فنادى: ألا إنَّ القِبلة قد حُوِّلت، فمالوا كما هم نحو القبلة. وأخرجه أبو داود، وقال: فيه نزلت الآية، فمر رجلٌ من بني سلمة، وهم ركوعٌ في صلاة الفجر، نحو بيت المقدس، فقال: ألا إن القبلة قد حُوِّلت إلى الكعبة - مرتين - قال: فمالوا كما هم ركوعاً إلى الكعبة. 2504 - * روى البخاري عن أبي سعيد الخُدريِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله

_ = مسلم (4/ 1865) 44 - كتاب فضائل الصحابة، 2 - باب من فضائل عمر رضي الله عنه، وقد جاءت رواية مسلم هذه عن ابن عمر. الترمذي (5/ 206) 48 - كتاب تفسير القرآن، 3 - باب "ومن سورة البقرة" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. قال ابن الجوزي: إنما طلب عمر الاستنان بإبراهيم عليه السلام لأنه سمع قول الله تعالى في حق إبراهيم: (إني جاعلك للناس إماماً) وقوله تعالى: (أن اتبع ملة إبراهيم) فعلم أن الائتمام بإبراهيم من هذه الشريعة، ويكون البيت مضافاً إليه، وأن أثر قدميه في المقام كرقم الباني في البناء ليذكر به بعد موته، فرأى الصلاة عند المقام. (1) البقرة: 125. 2502 - الطبراني (المعجم الكبير) (12/ 38). مجمع الزوائد (6/ 316) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. 2503 - مسلم (1/ 375) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 2 - باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة. أبو داود (1/ 274) كتاب الصلاة، 205 - منْ صلى لغير القبلة ثم علم. 2504 - البخاري (6/ 371) 60 - كتاب الأنبياء، 3 - باب قول الله عز وجل [هود: 25]: (ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه). =

صلى الله عليه وسلم: "يجيءُ نوح وأمتُه، فيقول الله: هل بلغت؟ فيقول: نعم، أي ربِّ، فيقول لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: لا، ما جاءنا من نبيٍّ، فيقول لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فنشهد أنه قد بلغ"، وهو قوله عز وجل: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} (1). إلا أن في رواية الترمذي، فيقولون: ما أتانا من نذير، وما أتانا من أحد- وذكر الآية إلى آخرها- ثم قال: والوسطُ، العدل. واختصره الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (وكذلك جعلناكم أمةً وسطا) قال: عدلاً. 2505 - * روى أحمد عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} قال عدلاً. أقول: العدل، مفرد العدول، وهم الذين اتصفوا بصفة العدالة، فهم غير متهمين بضلال أو فسوق أو انخرام مروءة. 2506 - * روى الشيخان عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما قال: سألت عائشة رضي الله عنها، فقلت لها: أرأيت قول الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ

_ = الترمذي (5/ 207) 48 - كتاب تفسير القرآن، 3 - باب "ومن سورة البقرة". وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. قال الطبري: وأما الوسط فإنه في كلام العرب الخيار يقال منه: فلان وسط الحسب في قومه، أي: متوسط الحسب إذا أرادوا بذلك الرفعة ف يحسبه، وهو وسط في قومه وواسطة قال: وأنا أرى أن الوسط في هذا الموضع هو الوسط الذي بمعنى الجزء الذي هو بين الطرفين، مثل وسط الدار، والمعنى أنهم وسط لتوسطهم في الدين، فلم يغلوا كغلو النصارى ولم يقصروا كتقصير اليهود، ولكنهم أهل وسط واعتدال، قال الحافظ: لا يلزم من كون الوسط في الآية صالحاً لمعنى التوسط أن لا يكون أريد به معناه الآخر، كما نص عليه الحديث، فلا مغايرة بين الحديث وبين ما دل عليه معنى الآية. (1) البقرة: 143. 2505 - أحمد (3/ 9). مجمع الزوائد (6/ 316) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. 2506 - البخاري (3/ 497، 498) 25 - كتاب الحج، 79 - باب وجود الصفا والمروة ... مسلم (2/ 928، 929) 15 - كتاب الحج، 43 - باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركنٌ ...

حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} (1) فوالله ما على أحدٍ جُناحٌ أنْ لا يطوف بالصفا والمروة، قالت: بئسما قلت يا ابن أختي، إن هذه لو كانت على ما أولتها: كانت لا جناح عليه أن لا يطوف بهما، ولكنها أُنزلت في الأنصار، كانوا قبل أن يسلموا يُهِلُّون لمناةَ الطاغية، التي كانوا يعبدونها عن المُشلَّلِ، وكان من أهل لها يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة، فلما أسلموا سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقالوا: يا رسول الله، إنا كنا نتحرج أنْ نطوف بين الصفا والمروة؟ فأنزل الله عز وجل {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الطواف بينهما، فليس لأحدٍ أن يترك الطواف بينهما. قال الزهري: فأخبرتُ أبا بكر بن عبد الرحمن، فقال: إن هذا العِلْم ما كنتُ سمعته، ولقد سمعت رجالاً من أهل العلم يذكرون أن الناس - إلا من ذكرت عائشة ممن كان يُهِلُّ لمناة - كانوا يطوفون كلهم بالصفا والمروة، فلما ذكر الله الطواف بالبيت، ولم يذكر الصفا والمروة في القرآن، قالوا: يا رسول الله، كنا نطوف بالصفا والمروة، وإن الله أنزل الطواف بالبيت، ولم يذكر الصفا، فهل علينا من حرجٍ أن نطوف بالصفا والمروة؟ فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ} الآية ... قال أبو بكر: فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما، في الذين كانوا يتحرجون أن يطوفوا في الجاهلية بين الصفا والمروة، والذين كانوا يطوفون ثم ترجوا أن يطوَّفوا بهما في الإسلام، من أجل أن الله تعالى أمر بالطواف بالبيت، ولم يذكر الصفا حتى ذكر ذلك بعد ما ذكر الطواف بالبيت. وفي رواية (2): أن الأنصار كانوا قبل أن يُسْلِموا - هم وغسان يُهِلُّون لمناة - فتحرَّجوا

_ = (الصفا والمروة): هما الجبلان بمكة، وهما منتهى المسعى من الجانبين. وحقيقة الصفا في اللغة: جمع صفاة، وهي الحجر الأملس، والمروة: الحجرُ الرَّخو. (يُهِلُّون لمناةَ) مناة: صنم كان لهُذيل وخُزاعة، بين مكة والمدينة، والهاء فيها للتأنيث، والوقف عليها بالتاء، والإهلالُ، رفع الصوت بالتلبية. (يتحرَّجونَ) التحرُّجُ تفعُّلٌ من الحرج، وهو الضيق والإثم، يعني: أنهم كانُوا لا يسعوْنَ بين الصفا والمروة خروجاً من الحرج والإثم. (شعائر) جمع شعيرة، وهي معالم الإسلام. (المُشَلَّلُ): موضع بين مكة والمدينة، وكذلك قُدَيدٌ. (1) البقرة: 158. (2) مسلم (2/ 390) نفس الموضع السابق. ... =

أن يطوَّفوا بين الصفا والمروة، وكان ذلك سُنَّةً في آبائهم، من أحرم لمناة لم يطفْ بين الصفا والمروة، وإنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك حين أسلموا، فأنزل الله تعالى في ذلك: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} وذكر إلى آخر الآية. 2507 - * روى الشيخان عن عاصم بن سليمان الأحول رحمه الله قال: قلت لأنسٍ: أكنتم تكرهون السعي بين الصفا والمروة؟ فقال: نعم، لأنها كانت من شعائر الجاهلية، حتى أنزل الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}. وفي رواية (1): كنا نرى ذلك من أمر الجاهلية، فلما جاء الإسلامُ، أمسكنا عنهما، فأنزل الله عز وجل، وذكر الآية. وفي رواية (2) قال: كانت الأنصارُ يكرهون أن يطوَّفوا بين الصفا والمروة، حتى

_ = قال الحافظ في الفتح 3/ 398 تعليقاً على قوله: "فوالله ما على أحد جناح ألا يطوف بهما-إلخ" محصله: أن عروة احتج للإباحة باقتصار الآية على رفع الجناح، فلو كان واجباً، لما اكتفى بذلك لأن رفع الإثم علامة المباح ويزداد المستحب بإثبات الأجر، ويزداد الوجوب عليهما بعقاب التارك ومحصل جواب عائشة: أن الآية ساكتة عن الوجوب وعدمه، مصرحة برفع الإثم عن الفاعل، وأما المباح فيحتاج إلى رفع الإثم عن التارك، والحكمة في التعبير بذلك مطابقة جواب السائلين، لأنهم توهموا من كونهم كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية أنه لا يستمر في الإسلام، فخرج الجواب مطابقاً لسؤالهم، وأما الوجوب، فيستفاد من دليل آخر، ولا مانع أن يكون الفعل واجباً، ويعتقد إنسان امتناع إيقاعه على صفة مخصوصة، فيقال له: لا جناح عليك في ذلك، ولا يستلزم ذلك نفي الوجوب، ولا يلزم من نفي الإثم عن الفاعل نفي الإثم عن التارك، فلو كان المراد مطلق الإباحة لنفي الإثم عن التارك: وقال الطحاوي أيضاً: لا حجة لمن قال: السعي مستحب بقوله (فمن تطوع خيراً) لأنه راجع إلى أصل الحج والعمرة، لا إلى خصوص السعي، لإجماع المسلمين على أن التطوع بالسعي لغير الحاج والمعتمر غير مشروع. سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما. أي: فضه بالسنة، وليس مراده نفي فريضتها، ويؤيده قولها "لم يتم الله حج أحد ولا عمرته ما لم يطف بينهما" قاله الحافظ. ا. هـ. 2507 - البخاري (3/ 502) 25 - كتاب الحج، 80 - باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة. مسلم 02/ 930) 15 - كتاب الحج، 43 - باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ركن لا يصح الحج إلا به. الترمذي (5/ 209) 48 - كتاب تفسير القرآن، 3 - باب "ومن سورة البقرة". (1) البخاري (8/ 176) 65 - كتاب التفسير، 21 - باب قوله (إن الصفا والمروة من شعائر الله ...). (2) مسلم (2/ 930) نفس الموضع السابق.

نزلت: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}. 2508 - * روى البخاري عن مجاهد رحمه الله قال: سمعتُ ابن عباس يقول: كان في بني إسرائيل القصاص، ولم تكن فيهم الديَةُ، فقال الله عز وجل لهذه الأمة: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} فالعفو: أن يقْبل الرجل الدية في العمد، {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ}: أن يطلب هذا بمعروفٍ، ويؤدي هذا بإحسان {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} مما كُتب على من كان قبلكم {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ} قتل بعد قبول الدية. 2509 - * روى البخاري عن عطاءٍ رحمه الله أنه سمع ابن عباس يقرأ: (وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكينٍ) قال ابن عباس: ليست بمنسوخةٍ هي للشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة، لا يستطيعان أن يصوما، فيُطعمان مكان كل يومٍ مسكيناً. وفي رواية أبي داود (1) قال: {الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} فكان من شاء منهم أن يفتدي بطعام مسكين افتدى، وتم له صومُه، فقال الله تبارك وتعالى: {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} ثم قال: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}. وفي أخرى (2) له: أثبتتْ للحُبلى والمرضعِ، يعني الفدية والإفطار. وفي أخرى (3) له: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} قال: كانت رُخصةً

_ 2508 - البخاري (8/ 176، 177) 65 - كتاب التفسير، 23 - باب (يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم القصاص في القتلى ... ". النسائي (8/ 36، 37) 45 - كتاب القاسمة، 27، 28 - تأويل قوله عز وجل (فمن عُفي له من أخيه شيءٌ فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان). 2509 - البخاري (8/ 179) 65 - كتاب التفسير، 25 - باب (أياماً معدودات). (1) أبو داود (2/ 296) كتاب الصوم، 2 - باب نسخ قوله (وعلى الذين يُطيقونه فدية) وسنده حسن. (2) أبو داود (2/ 296) كتاب الصوم، 3 - باب من قال هي مثبتة للشيخ والحبلى، وسنده حسن. (3) أبو داود: نفس الموضع السابق، وسنده قوي.

للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة - وهما يُطيقان الصيام - أن يُفطرا، ويُطعمَا مكان كل يومٍ مسكيناً، والحُبلى والمرضع: إذا خافتا - يعني على أولادهما - أفطرتا وأطعمتا. وأخرجه النسائي (1) قال: في قول الله عز وجل {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} قال: يُطيقونه: يُكلَّفونه، فديةٌ طعامُ مسكين واحد، فمن تطوع: فزاد على مسكين آخر، ليست بمنسوخة، فهو خير له، {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} لا يرخص في هذا إلا للذي ل يطيق الصيام أو مريضٍ لا يُشفى. أقول: قراءة يُطوَّقونه: قراءة شاذة لأنها تخالف الرسم العثماني للمصحف، وهي كالتفسير لوجه من الأوجه التي تحتملها الآية. 2510 - * روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قرأ {فِدْيَةٌ طعامِ مِسْكِينٍ} قال: هي منسوخة. هذه القراءة بإضافة فدية إلى طعام وبجمع كلمة مساكين قراءة نافع وابن ذكوان ومراد الراوي بالنسخ، نسخ الحكم لا نسخ التلاوة لأن هذه القراءة من القراءات السبع المتواترة وقراءة حفص كما هو المعلوم {فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} بتنوين فدية وإفراد مسكين، أما قراءة هشام أحد الرواة عن ابن عامر وهو من القراء السبعة فإضافة فدية وإفراد مسكين فتكون قراءته {فِدْيَةٌ طعامِ مِسْكِينٍ}. والخلاصة أن هذه الآية {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} فيها ثلاثة آراء:

_ (1) النسائي (4/ 190، 191) 22 - كتاب الصيام، 63 - باب تأويل قول الله عز وجل (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) وسنده صحيح. (يطوقونه) أي: يُكلفونه، كأنه يجعلُ في أعناقهم مثل الطَّوق. قال الحافظ في "الفتح" 8/ 135: وقد وقع عند النسائي من طريق ابن أبي نجيح عن عمرو بن دينار: يطوقونه: يكلفونه، وهو تفسير حسن، أي: يكلفون إطاقته، وقد رد الطبري في تفسيره 3/ 438 هذه القراءة بقوله: وأما قراءة من قرأ ذلك (وعلى الذين يطوقونه) فقراءة لمصاحف أهل الإسلام خلاف، وغير جائز لأحد من أهل الإسلام الاعتراض بالرأي على ما نقله المسلمون وراثة عن نبيهم صلى الله عليه وسلم نقلاً ظاهراً قاطعاً للعذر، لأن ما جاءت به الحجة عن الدين هو الحق الذي لا شك فيه أنه من عند الله، ولا يعترض على ما قد ثبت وقامت به حجة أنه من عند الله بالآراء والظنون والأقوال الشاذة. 2510 - البخاري (8/ 180، 181) 65 - كتاب التفسير، 26 - باب (فمن شهد منكم الشهر فليصمه).

الأول: الذي يقول إن هاهنا حرفاً محذوفاً والتقدير وعلى الذين لا يطيقونه ونرى أن هذا لا يليق بجلال القرآن وإعجاز نظمه ولو كان مراداً لقيل: وعلى الذين لا يطيقونه. الثاني: أن هذه الآية في الذين يتحملونه بصعوبة كما ذهب إلى ذلك ابن عباس ومعناها أن الذين يجدون مشقة في الصوم كالحامل والمرضع والشيخ الهرم والمريض يمكنهم الفطر وعليهم فدية لكن الصوم أفضل ويبدو أن هذا لا يتفق مع يسر الشريعة وقول الله {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ}. والرأي الثالث: وهو ما ذهب إليه ابن عمر ورجحه كثير من العلماء أن الآية منسوخة بقوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} فقد كان أولاً يجوز لمن يستطيع الصيام ولم يرد أن يصوم أن يفطر ويخرج فدية فمن تطوع خيراً أي زاد على هذه الفدية فذلك خير ولكن مع التخيير يبقى الصوم أفضل ثم نسخ هذا وهو من حكمة التشريع في التدرج وأثبت الصوم على كل مستطيع دون تخيير وفي النصوص التالية ما يؤكد ذلك. 2511 - * روى البخاري عن عبد الرحمن بن أبي ليلى رحمه الله عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا: نزل شهر رمضان، فشقَّ عليه، فكان من أطعم كل يومٍ مسكيناً ترك الصوم، ممن يُطيقه، ورُخص لهم في ذلك، فنسختها {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} فأمروا بالصوم. 2512 - * روى الجماعة إلا الموطأ عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} (1) كان من أراد أن يُفطر

_ 2511 - البخاري (4/ 187) 30 - كتاب الصوم، 39 - باب (وعلى الذين يطيقونه فدية). قال الحافظ: وصله أبو نعيم في "المستخرج" والبيهقي من طريقه ولفظ البيهقي "قدم النبي المدينة ولا عهد لهم بالصيام، فكانوا يصومون ثلاثة أيام من كل شهر حتى نزل شهر رمضان، فاستكثروا ذلك وشق عليهم، فكان من أطعم مسكيناً كل يوم ترك الصيام ممن يطيقه، ورخص لهم في ذلك، ثم نسخه (وأن تصوموا خير لكم) فأمروا بالصيام. 2512 - البخاري (8/ 181) 65 - كتاب التفسير، 26 - باب (فمن شهد منكم الشهر فليصمه). مسلم (2/ 802) 13 - كتاب الصيام، 25 - باب بيان نسخ قوله تعالى (وعلى الذين يطيقونه فدية) بقوله (فمن شهد منكم الشهر فليصمه). أبو داود (2/ 296) كتاب الصوم، باب نسخ قوله (وعلى الذين يُطيقونه فدية). الترمذي (3/ 162، 163) 6 - كتاب الصوم، 75 - باب ما جاء (وعلى الذين يطيقونه). النسائي (4/ 190) 22 - كتاب الصيام، 63 - تأويل قول الله عز وجل (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين).

ويفتدي، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها. وفي رواية (1): حتى نزلت هذه الآية: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}. 2513 - * روي البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: لما نزل صومُ رمضان، كانوا لا يقربُون النساء رمضان كُلَّه، وكان رجالٌ يخونون أنفسهم، فأنزل الله تعالى {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ} (2). 2514 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (3) قال: وكان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلوا العتمة حرُمَ عليهم الطعامُ والشرابُ والنساءُ، وصاموا إلى القابلة، فاختان رجلٌ نفسه فجامع امرأته وقد صلى العشاء ولم يُفطِرْ، فأراد الله أن يجعل ذلك يسراً لمن بقي ورخصة ومنفعةً، فقال: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} الآية فكان هذا مما نفع الله به الناس، ورخص لهم ويسرَ. 2515 - * روى البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: كان أصحابُ محمد صلى الله عليه وسلم، إذا كان الرجلُ صائماً، فحضر الإفطارُ، فنام قبل أن يفطر، لم يأكلْ ليلتَهُ ولا يومَهُ، حتى يُمسي، وإن قيس بن صِرْمَةَ الأنصاري كان صائماً فلما حضر الإفطار، أتى امرأتهُ، فقال: أعندَكِ طعامٌ؟ قالت: لا، ولكن أنطَلِقُ فأطلبُ لك، وكان يومَهُ

_ (1) مسلم (2/ 802) نفس الموضع السابق. 2513 - البخاري (8/ 181) 65 - كتاب التفسير، 27 - باب (أُحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ..). (يخونون) أنفسهم، أي يظلمونها بارتكاب ما حُرِّم عليهم، ويختانون: يفتعلون منه. (2) البقرة: 187. 2514 - أبو داود (2/ 295) كتاب الصوم، باب مبدأ فرض الصيام، وإسناده حسن. (القابلة) الليلة الآتية. (العتمة): صلاة العشاء. (3) البقرة: 183. 2515 - البخاري (4/ 129) 30 - كتاب الصوم، 15 - باب قول الله جل ذكره (أُحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ..). الترمذي (5/ 210) 48 - كتاب تفسير القرآن 3 - باب "ومن سورة البقرة" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وزاد أبو داود بعد قوله: (غُشِي عليه) قال: "فكان يعملُ يومَهُ في أرضه" وذلك في (2/ 295) كتاب الصوم، 1 - باب مبدأ فرض الصيام ... =

يعملُ، فغلبتْهُ عينُهُ، فجاءت امرأتُهُ، فلما رأتْهُ، قالتْ: خيبةً لك، فلما انتصف النهار، غُشي عليه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} ففرحوا فرحاً شديداً، ونزلت {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}. 2516 - * روى الشيخان عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: نزلتْ هذه الآية فينا، كانت الأنصار إذا حجَّوا فجاؤوا، لم يدْخلوا من قِبَلِ أبواب البيوت، فجاء رجلٌ من الأنصار، فدخل من قِبَلِ بابه، فكأنه عُيِّرَ بذلك فنزلت: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} (1). وفي رواية (2) قال: كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيت من ظهره، فأنزل الله: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}. 2517 - * روى البخار يعن حُذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} قال: نزلت في النفقة (3). 2518 - * روى الترمذي عن أسلم أبي عمران رحمه الله قال: كُنا بمدينة الرُّوم، فأخرجوا إلينا صفاً عظيماً من الروم، فخرج إليهم من المسلمين مثلُهم أو أكثرُ، وعلى أهل مصر: عُقبةُ بن عامرٍ، وعلى الشَّامٍ: فضالةُ بن عبيدٍ، فحمل رجل من المسلمين على صفِّ

_ = (الرفثُ) هاهنا: الجماع، وقيل: هو كلمة جامعة لكل ما يريد الرجل من المرأة. رجح الحافظ بعد بيان الاختلاف في اسم الأنصاري في الفتح أنه أبو قيس صِرْمة بن أبي أنس قيس بن مالك بن عدي، وأنه على هذا جاء الاختلاف فيه، فبعضهم أخطأ اسمه وسماه بكنيته، وبعضهم نسبه لجده، وبعضهم قلب نسبه، وبعضهم صحفه ضمرة بن أنس، وأن صوابه صِرْمة بن أبي أنس. 2516 - البخاري (3/ 621) 26 - كتاب العمرة، 18 - باب قول الله تعالى: (وأتوا البيوت من أبوابها). مسلم (4/ 2319) 54 - كتاب التفسير. (1) البقرة: 189. (2) البخاري (8/ 183) 65 - كتاب التفسير، 29 - باب (وليس البر أن تأتوا البيوت من ظهورها). 2517 - البخاري (8/ 185) 65 - كتاب التفسير، 31 - باب 0 وأنفقوا في سبيل الله ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة ...). (3) البقرة: 195. 2518 - الترمذي (5/ 212) 48 - كتاب تفسير القرآن، 3 - باب "ومن سورة البقرة". وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.

الروم، حتى دخل فيهم، فصاح الناسُ، وقالوا: سُبحان الله! يُلقِي بيديه إلى التهلكة؟! فقام أبو أيُّوبٍ الأنصاريُّ، فقال: يا أيها الناس إنكم لتؤوِّلون هذه الآية هذا التأويل، وإنما نزلتْ هذه الآية فينا معشر الأنصار: لما أعز الله الإسلام، وكثُر ناصروه، فقال بعضنا لبعض سراً - دون رسول الله صلى الله عليه وسلم-: إن أموالنا قد ضاعتْ، وإن الله قد أعز الإسلام، وكثر ناصروه، فلو أقمنا في أموالنا، فأصْلَحْنا ما ضاع منها، فأنزل الله تبارك وتعالى على نبيه، يردُّ علينا ما قلنا: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} وكانت التهلكة: الإقامة على الأموال وإصلاحها، وتركنا الغزو، فما زال أبو أيوبٍ شاخصاً في سبيل الله، حتى دُفِنَ بأرض الروم. وفي رواية صحيحة (1) عند أبي داود قال: "غزونا من المدينة، نريد القسطنطينية وعلى الجماعة عبْدُ الرحمن بن خالد بن الوليد، والروم مُلْصقُوا ظهورهم بحائط المدينة، فحمل رجل على العدو، فقال الناس، مه مه، لا إله إلا الله يُلْقي بيديه إلى التهلكة! فقال أبو أيوبٍ: إنما أُنزِلتْ هذه الآية فينا معشر الأنصار لما نصر الله نبيهُ، وأظهر الإسلام، قلنا: هلُمَّ نُقيمُ في أموالنا ونُصْلِحُها، فأنزل الله عز وجل {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} فالإلقاء بالأيدي إلى التهلكة: أنْ نقيم في أموالنا ونُصْلِحها، وندع الجهاد، قال أبو عمران: فلم يزل أبو أيوبٍ يُجاهِدُ في سبيل الله حتى دُفن بالقسطنطينية". فائدة: عبد الرحمن بن خالد بن الوليد توفي سنة 46 للهجرة وهذا يعني أن هذه الغزوة غير الغزوة المشهورة سنة 52 التي توفي فيها أبو أيوب وكان على رأسها يزيد بن معاوية، أفاده العلامة أحمد شاكر ذكر ذلك محقق جامع الأصول -2/ 32. 2519 - * روى الطبراني في الكبير والأوسط عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما في

_ (1) أبو داود (3/ 12، 13) كتاب الجهاد، باب في قوله تعالى (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة). (مدينة الروم): القسطنطينية. (فلو أقمنا على أموالنا): يعني بساتين النخيل. (شخاً) شخص الرجل من بلدٍ إلى بلدٍ: إذا انتقل إليه، والمراد به: لم يزل مُسافراً. 2519 - مجمع الزوائد (6/ 317) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجالهما رجال الصحيح.

قوله تعالى قال {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} قال كان الرجل يذنب الذنب فيقول لا يغفر الله لي فأنزل الله تعالى {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}. 2520 - * روى أحمد عن أبي إسحاق قال: قلت للبراء: الرجل يحملُ على المشركين أهو ممن ألقى بيده إلى التهلكة؟ قال: لا، لأن الله عز وجل بعث محمداً صلى الله عليه وسلم فقال: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا} إنما هو في النفقة. أقول: لعل ما جاء في تفسير قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} أوضح مثال على أن النص القرآني تأخذ منه معنى، وتأخذ من محله في سياقه القريب السابق معنى، ومن سياقه القريب اللاحق معنى، ومن سياقه العام معنى، فهذا النص جاء في سياق الأمر بالإنفاق، فأخذ بعضهم من ذلك معنى: أن ترك الإنفاق إلقاء بالنفس إلى التهلكة. وجاء بعده قوله تعالى: (وأحسنوا) فاخذ بعضهم من ذلك: أن القنوط من رحمة الله إلقاء بالنفس إلى التهلكة، وجاء قبل هذه الآية آيات القتال فأخذ بعضهم منها، أن إلقاء النفس إلى التهلكة هو: ترك القتال في سبيل الله تعالى. واستشهد عمرو بن العاص بقوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} عندما صلى بأصحاب دون اغتسال من الجنابة خوف الهلاك فأخذ بظاهر النص، وهكذا تجد من خلال ظاهر النص وسياقه القريب سواء كان سابقاً أو لاحقاً، ومن السياق العام تتولد معانٍ كثيرة، ولقد أبرزنا هذا الموضوع في تفسيرنا وأبرزنا أن لكل سورة سياقها الخاص بها على ضوء محورها، وأن للقرآن كله سياقه، وبذلك أوضحنا أنه بسبب ذلك تتولد معانٍ لا حصر لها من هذا القرآن العظيم وذلك من معجزات هذا القرآن. قال ابن جرير الطبري 2/ 119 بعد ذكر عدة معانٍ للإلقاء بالتهلكة (1): فإذا كانت هذه المعاني كلها يحتملها قوله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ولم يكن الله عز

_ 2520 - أحمد (4/ 281). مجمع الزوائد (5/ 328) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير سليمان بن داود الهاشمي وهو ثقة.

رجل خص منها شيئا دون شيء فالصواب من القول في ذلك أن يقال إن الله نهى عن الإلقاء بأيدينا لما فيه هلاكنا والاستسلام للهلكة وهي العذاب بترك ما لزمنا من فرائضه فغير جائز لأحد منا الدخول في شيء يكرهه الله منا مما نستوجب بدخولنا فيه عذابه غير أن الأمر وإن كان كذلك فإن الأغلب من تأويل الآية وأنفقوا أيها المؤمنون في سبيل الله ولا تتركوا النفقة فيها فتهلكوا باستحقاقكم بترككم ذلك عذابي. 2521 - * روى الشيخان عن عبد الله بن معقل رضي الله عنهما قال: "قعدْتُ إلى كعب بن عُجرة في هذا المسجد- يعني مسجد الكوفة - فسألته عن فدية من صيامٍ؟ فقال: حُملتُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم والقمْلُ يتناثرُ على وجهي، فقال: فقال: "ما كنتُ أُرى أنَّ الجهد بلغ بك هذا؟ أما تجدُ شاةً؟ " قلت: لا، قال: "صُمْ ثلاثة أيامٍ، واحلق رأسك"، فنزلت في خاصةً، وهي لكم عامة". أقول: هذا النص يشير إلى قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}، {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}. فكعب بن عجرة يذكر أن به نزل هذا النص ولكنه عام، فخصوص السبب لا ينفي عموم اللفظ، وأقل النسك ذبح شاة، والصيام ثلاثة أيام، والصدقة: ثلاثة أصوُع من طعام على ستة مساكين. 2522 - * روى البخاري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كان أهلُ اليمن يحجُّون، فلا يتزَوَّدُون، ويقولون: نحن المتوكِّلون، فإذا قَدِمُا مكة سألوا الناس، فأنزل الله عز وجل: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} (1).

_ 2521 - البخاري (8/ 186) 65 - كتاب التفسير، 32 - باب (فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه). مسلم (2/ 859، 860، 861، 862) 15 - كتاب الحج، 10 - باب جواز حلق الرأس للمحرم ... الترمذي (5/ 213) 48 - كتاب تفسير القرآن، 3 - باب "ومن سورة البقرة". وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (الجهْدُ) بالفتح: المشقة، وبالضم: الطاقة. 2522 - البخاري (3/ 383، 384) 25 - كتاب الحج، 6 - باب قول الله تعالى (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى). أبو داود (2/ 141) كتاب المناسك، باب التزود في الحج. (1) البقرة: 197.

2523 - * روى الشيخان عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: أُنزلتْ {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} ولم ينزل (من الفجر) فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهُم في رجليه الخيط الأبيض، والخيط الأسود، ولا يزال يأكل حتى يتبين له رئيهُما، فأنزل الله تعالى بعد (من الفجر) فعلموا أنه إنما يعني الليل والنهار. 2524 - * روى الشيخان عن عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه قال: لما نزلت: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ}، عمدت إلى عِقالٍ أسود، وإلى عقال أبيض، فجعلتُهما تحت وسادتي، وجعلتُ أنظرُ من الليْل، فلا يستبينُ لي، فغدوتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرتُ ذلك له فقال: "إنما ذلك سوادُ الليْل وبياضُ النهار". واختصر النسائي: أن عدي بن حاتمٍ سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} قال: "هو سوادُ الليل وبياض النهار". وفي رواية للبخاري (1)، قال: أخذ عديٌّ عقالاً أبيض وعقالاً أسود، حتى كان بعض الليل، نظر، فلم يستبينان فلما أصبح قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: جعلتُ تحت وسادتي خيطاً

_ 2523 - البخاري (4/ 132) 30 - كتاب الصوم، 16 - باب قول الله تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ...). مسلم (2/ 767) 13 - كتاب الصيام، 8 - باب بيان آن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر، وأن له الأكل ويغره حتى يطلع الفجر ... إلخ. (رئيهما) براء مكسورة ثم همزة ساكنة ثم ياء - ومعناه: منظرهما، ومنه قوله تعالى (هم أحسن أثاثا ورئياً) [مريم: 74]. 2524 - البخاري (4/ 132) 30 - كتاب الصوم، 16 - باب قول الله تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ...). مسلم (2/ 766، 767) 13 - كتاب الصيام، 8 - باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر ... إلخ. أبو داود (2/ 304) كتاب الصوم، 17 - باب وقت السحور. النسائي (4/ 148) 22 - كتاب الصيام، 29 - تأويل قول الله تعالى وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر. (1) البخاري (8/ 183) 65 - كتاب التفسير، 28 - باب (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ..).

أبيض، وخيطاً أسود، قال: "إنَّ وسادك لعريضٌ، أن كان الخيط الأبيض والخيط الأسود تحت وسادك". وفي أخرى له (1) قال: قلتُ: يا رسول الله، ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود: أهما الخيطان؟ قال: "إنك لعريض القفا، أن أبْصرت الخيطين" ثم قال: "لا، بل هما سواد الليل وبياضُ النهار". 2525 - * روى الشيخان عن البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أول ما قدِمَ المدينة نزل على أجداده أو قال أخواله من الأنصار، وأنه صلى قِبلَ بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شراً، وكان يعجبه أن تكون قبلتُه قبل البيت، وأنه صلى أول صلاةٍ صلاها صلاة العصر، وصلى معه قومٌ فخرج رجلٌ ممن صلى معه فمر على أهل مسجدٍ وهم راكعون، فقال أشهد بالله لقد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم قِبلَ الكعبة، فداروا كما هم قِبلَ البيت، وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قبل بيت المقدس وأهل الكتاب، فلما ولَّى وجهه قِبلَ البيت أنكروا ذلك. أقول: قوله: وأهل الكتاب أي أنهم كان يعجبهم ما يعجب اليهود من الصلاة إلى بيت المقدس. وفي رواية (2): أنه مات على القبلة قبل أن تحول رجال وقتلوا فلم ندر ما نقول فيهم فأنزل الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}. وفي أخرى (3): وكان صلى الله عليه وسلم يحب أن يُوجَّه إلى الكعبة فأنزل الله تعالى:

_ (1) البخاري: نفس الموضع السابق. (عِقالٌ) العقال: الحُبيلُ الذي تُشدُّ به ركبة البعير لئلا يهرب. (وسادي) الوسادُ والوسادة: المخدةُ. قوله: إن واسدك لعريض: إما أن يكون قد قصد أن نومه كثير أو أراد أن ليله طويل إن كان لا يمسك عن الأكل حتى يتبين له العقال، أما قوله عريض القفا فهذه تقولها العرب لمن فيه غفلة. 2525 - البخاري (1/ 95) 2 - كتاب الإيمان، 30 - باب الصلاة من الإيمان ... إلخ. مسلم (1/ 374) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 2 - باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة. الترمذي (5/ 207، 208) 48 - كتاب تفسير القرآن، 3 - باب "ومن سورة البقرة". وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وقد رواه سفيان الثوري عن أبي إسحاق. النسائي (1/ 242، 243) 5 - كتاب الصلاة، 22 - باب فرض القبلة. (2) البخاري (1/ 95) 2 - كتاب الإيمان، 30 - باب الصلاة من الإيمان ... إلخ. (3) البخاري (1/ 502) 8 - كتاب الصلاة، 31 - باب التوجه نحو القبلة حيث كان.

{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} فتوجه نحو الكعبة، فقال السفهاء وهم اليهود {مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}. أقول: عُبِّرَ بلفظ الإيمان في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} عن الصلاة وذلك دليل على أن الصلاة هي المظهر الأول للإيمان ولأنها تذكر بأركان الإيمان، ولأنها تجديد للإيمان وبها حياة الإيمان وحيويته. 2526 - *روى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما وُجِّه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة، قالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف بإخواننا الين ماتوا وهم يصلُّون إلى بيت المقدسِ؟ فأنزل الله تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} الآية. 2527 - * روى البخاري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كانت عُكاظُ ومجنَّةُ، وذو المجاز أسواقاً في الجاهلية؛ فلمَّا كان الإسلام، فكأنهم تأثَّموا أنْ يتجِرُوا في المواسم، فنزلت: (ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربِّكُمْ في مواسم الحجِّ) قرأها ابن عباس هكذا (1) وفي رواية (2): (أنْ تبتغوا في مواسم الحج فضلاً من ربكم). وفي رواية (3) أبي داود، أنه قرأ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} قال: كانوا لا يتَّجِرُون بمنىً، فأُمِروا بالتجارة إذا أفاضوا من عرفات. وفي أخرى (4) له قال: إنَّ الناس في أوَّل الحج كانوا يتبايعونَ بمنىً وعرفة وسُوقِ ذي

_ 2526 - أبو داود (4/ 320) كتاب السنة، 16 - باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه. الترمذي (5/ 208) 48 - كتاب تفسير القرآن، 3 - باب"ومن سورة البقرة". وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. ابن حبان (3/ 109) ذكر تسمية الله جل وعلا صلاة من صلى إلى بيت المقدس في تلك المدة إيماناً. 2527 - البخاري (8/ 186) 65 - كتاب التفسير، 34 - باب (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم). (1) البقرة: 198. (2) البخاري (4/ 321) 34 - كتاب البيوع، 35 - باب الأسواق التي كانت في الجاهلية. (3) أبو داود (2/ 141) كتاب المناسك (الحج)، [باب التجارة في الحج]. (4) أبو داود (2/ 142) كتاب المناسك (الحج)، باب الكريِّ.

المجاز وهي مواسمُ الحجِّ، فخافوا البيع وهم حُرمٌ، فأنزل الله عز وجل: (لا جُناح عليكم أن تبتغوا فضلاً من ربكم في مواسم الحج) قال عطاء بن أبي رباحٍ: فحدثني عُبيد بن عميرٍ أنه كان يقرؤها في المصحف. 2528 - * روى أبو داود عن أبي أمامة التيميِّ رحمه الله قال: كنتُ رجلاً أكْري في هذا الوجه، وكان الناس يقولون لي: إنه ليس لك حجٌّ، فلقيتُ ابن عمر، فقلت: يا أبا عبد الرحمن، إني رجل أكري في هذا الوجه، وإن ناساً يقولون: إنه ليس لك حجٌّ، فقال ابن عمر: أليس تُحرمُ وتُلبي، وتطوف بالبيت، وتفيض من عرفات، وترمي الجمار؟ قلت: بلى، قال: فإن لك حجًّا، جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن مثل ما سألتني، فسكت رسول الله فلم يُجِبْه حتى نزلت الآية: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرأها عليه، وقال: "لك حجٌّ". 2529 - * روى البخار يعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كان يطوفُ الرجل بالبيت ما كان حلالاً، حتى يُهِلَّ بالحج، فإذا ركب إلى عرفة، فمن تيسر له هديه من الإبل، أو البقر، أو الغنم، ما تيسر له من ذلك، أيُّ ذلك شاء، غير أنْ لم يتيسرْ له، فعليه ثلاثةُ أيامٍ في الحجِّ، وذلك قبل يوم عرفة، فإن كان آخر يومٍ من الأيام الثلاثة يوم عرفة، فلا جُناح عليه، ثم لينطلقْ حتى يقف بعرفاتٍ من صلاة العصر، إلى أن يكون الظلام، ثم ليدفعُوا من عرفاتٍ، فإذا أفاضوا منها، حتى يبلغوا جمعاً (1)، الذي يتَبَرَّزُ

_ = (فتأثموا) فعلوا ما يخرجهم من الإثم، أو لأنهم اعتدوا فعل ذلك إثما. (أفاضوا) الإفاضة: الزحف والدفع بكثرة ولا تكون إلا عن تفرق وكثرة. (المواسم) جمع موسم، وهو الزمان الذي يتكرر في كل سنة، لاجتماع أو بيع أو عيد أو نحو ذلك، ومنه: موسم الحج. (عكاظ) بضم المهملة وخفة الكاف وبالمعجمة "ومجنة" بفتح الميم والجيم وشدة النون، و"ذو المجاز": أسواق كانت للعرب، وسمي موسم الحج موسماً، لأنه معلم تجتمع الناس إليه. قال الحافظ: وقراءة ابن عباس "في مواسم الحج" معدودة من الشاذ الذي صح إسناده وهو حجة وليس بقرآن [فهي من باب التفسير]. 2528 - أبو داود (2/ 142) كتاب المناسك (الحج)، باب الكريِّ، وهو حسن. 2529 - البخاري (8/ 187) 65 - كتاب التفسير، 35 - باب (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس). (هديُهُ) الهدي: السمْتُ والطريقة والسيرة. والمراد به هنا ما يُهدي إلى الحرم ليُنحر فيه.

فيه، ثم ليذْكُروا الله كثيراً، ويُكثِرُوا من التكبير والتهليل، قبل أن يصبحوا (ثم أفيضوا) فإن الناس كانوا يفيضون، وقال الله عز وجل: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (1) حتى يرموا الجمْرَة. أقول: بد النص بالإشارة إلى ما يفعله المتمتع بالحج من ذبح، فإن لم يتسر له الذبح صام ثلاثة أيام لا يتجاوز بآخرهن يوم عرفة، ويصوم إذا رجع إلى أهله تتمة العشرة ثم تحدث النص عما ذكره الله عز وجل بعد ذلك من آيات في سورة البقرة عن إفاضة من عرفات إلى المزدلفة ثم يفيضون من مزدلفة إلى منى وهناك يرمون جمرة العقبة فيذبحون ويحلقون ثم يطوفون بالبيت. 2530 - * روى أبو يعلي عن ابن عباس في قوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} قال على الإسلام كلهم. أقول: في هذه الآية مذهبان: أن الناس بعد آدم عليه السلام كانوا على الإسلام فاختلفوا فبعث الله الرسل عليهم السلام، وهذا الذي ذكره ابن عباس، والمذهب الثاني أن الناس جميعاً كفروا بعد إذ كانوا مسلمين على دين آدم عليه السلام فبعث الله إليهم الرسل. 2531 - * روى الترمذي عن أم سلمة رضي الله عنها "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} "في صِمامٍ واحدٍ" ويروى: "في سمام واحد" بالسين".

_ (1) البقرة: 199. 2530 - أبو يعلي (4/ 473) وإسناده صحيح. الطبراني (المعجم الكبير) (11/ 309). مجمع الزوائد (6/ 318) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلي والطبراني باختصار ورجال أبي يعلي رجال اصحيح. 2531 - الترمذي (5/ 215) 48 - كتاب تفسير القرآن، 3 - باب ومن سورة البقرة". وقال: حسن صحيح. وأخرجه أحمد في المسند ولفظه: عن أم سلمة قالت: لما قدم المهاجرون المدينة على الأنصار تزوجوا من نسائهم، وكان المهاجرون يجبون، وكانت الأنصار لا تجبي، فأراد رجل من المهاجرين امرأته على ذلكن فأبت عليه حتى تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فأتته، فاستحيت أن تسأله، فسألته أم سلمة، فنزلت (نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم) وقال: لا إلا في صمام واحد" وإسناده صحيح، وصححه البيهقي في السنن، وفي الباب عن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه مرفوعاً "إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن" أخرجه الشافعي والطحاوي وصححه ابن حبان وغير واحد من الأئمة وعن أبي هريرة مرفوعاً=

2532 - * روى الشيخان عن جابر رضي الله عنه قال: كانت اليهود تقول: إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحوَلَ، فنزلت: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}. وأخرجه الترمذي قال: كانت اليهود تقول: من أتى امرأةً في قُبُلِها من دُبُرها ... وذكر الحديث وهو في الجماع من الخلف في الفرج. 2533 - * روى أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هلكت، قال: "وما أهلكك؟ " قال: حوَّلْتُ رحْلي الليلة، قال: فلم يرُدَّ عليه شيئاً، قال: فأوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} أقبلْ وأدْبرْ، واتَّقِ الدُّبُرَ والحيضة. 2534 - * روى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن ابن عمر - والله يغفرُ (1)

_ = "من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد" أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه وإسناده صحيح، وعن علي عند أحمد لا تأتوا النساء في أعجازهن، وعن عبد الله بن عمرو عنده أيضاً أن النبي صلى الله لعيه وسلم قال في الذي يأتي امرأته في دبرها: "هي اللوطية الصغرى" وإسناده حسن (م). (الصَّمام): مسلك واحد والصمام ما تسد به الفرجة فسمي الفرج به. 2532 - البخاري (8/ 189) 65 - كتاب التفسير، 39 - باب (نساؤكم حرث لكم ..) الآية. مسلم (2/ 1058) 16 - كتاب النكاح، 19 - باب جواز جماعه امرأته في قبلها ... إلخ. أبو داود (2/ 249) كتاب النكاح، باب في جامع النساء. الترمذي (5/ 215) 48 - كتاب تفسير القرآن، 3 - باب "ومن سورة البقرة". كما ورد مصرحاً به في رواية الإسماعيلي من طريق يحيى بن أبي زائدة عن سفيان الثوري بلفظ "باركة مدبرة في فرجا من ورائها" ولمسلم من طريق ابن المنكدر "إذا أتيت المرأة من دبرها في قبلها، ثم حملت .. " وقد أكذب الله اليهود في زعمهم، وأباح للرجال أن يتمتعوا بنسائهم كيفما شاؤوا، كما جاء عند أبي حاتم والبيهقي والواحدي: فقال رسول الله صلى الله لعيه وسلم "مقبلة ومدبرة إذا كان ذلك في الفرج" (م). 2533 - أحمد (1/ 297). مجمع الزوائد (6/ 319) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات. الترمذي (5/ 216) 48 - كتاب تفسير القرآن، 3 - باب "ومن سورة البقرة". وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، ويعقوب بن عبد الله الأشعري هو يعقوب القُميُّ. (الحيضة) بكسر الحاء: اسم من الحيض. وهي الحال التي تلزمها الحائض من التجنب والتحيض، كالجلسة والقعدة: من الجلوس والقعود. أما الحيضة بفتح الحاء فهي المرة الواحدة من دفع الحيض ونوبه. (م) 2534 - أبو داود (2/ 249، 250) كتاب النكاح، باب في جامع النكاح، وسنده حسن. الحاكم (2/ 195) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه بهذه السياقة إنما اتفقا على ... =

له- أوْهَمَ: إنما كان هذا الحي من الأنصار - وهم أهلُ وثنٍ- مع هذا الحيّ من يهود - وهم أهل كتابٍ - فكانوا يروْن أنَّ لهم فضلاً عليهم في العلم، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم، وكان من أمر أهل الكتاب: أن لا يأتوا النساء إلا على حرفٍ، وذلك أسترُ ما تكون المرأةُ، فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم، وكان هذا الحيّ من قريش يشرحون النساء شرحاً مُنكراً، ويتلذذون منهن مُقبلاتٍ، ومدبراتٍ، ومستلقيات. فلما قدِم المهاجرون المدينة: تزوَّج رجلٌ منهن امرأةً من الأنصار، فذهب يصنعُ بها ذلك، فأنكرتْهُ عليه، وقالت: إنا كُنَّا نُؤتَى على حرفٍ، فاصنع ذلك، وإلا فاجتنبني، حتى شري أمرهُما، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}، أي: مُقبلاتٍ، ومُدبراتٍ، ومستلقياتٍ، يعني بذلك موضع الولد. 2535 - * روى مالك عن عائشة رضي الله عنها قالت: "نزل قوله تعالى {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} (1) في قول الرجل: لا والله، وبلى والله". وفي رواية (2) أبي داود قال عطاء في اللغو في اليمين، قالت عائشة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هو قولُ الرجل في بيته: كلا والله، وبلى والله" ورواه أيضاً عنها موقوفاً. 2536 - * روى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: في قوله تعالى:

_ = حديث محمد بن المنكدر عن جابر في هذا الباب وصححه ووافقه الذهبي وله شاهد. (أوهم) إذا أسقط من قراءته أو كلامه شيئاً والمراد هنا الغلط. (الوثن): الصنم، وقيل: الصورة لا جُثة لها. (الحرف): الجانب، وحرفُ كل شيء: جانبه. (يشرحون) قال الهروي، يقال: شرح فلان جاريته: إذا وطئها على قفاها (أي نائمة على قفاها)، وأصل الشرح: البسطُ، ومنه: انشراح الصدر بالأمر، وهو انفتاحه وانبساطه. (شري) أمرهما: أي ارتفع وعظُم وتفاقم، وأصله: من شري البرق: إذا لج في اللمعان، واستشرى الرجل إذا ألح في الأمر. 2535 - الموطأ (2/ 477) 22 - كتاب النذور والأيمان، 50 باب اللغو في اليمين. البخاري (11/ 547) 83 - كتاب الأيمان والنذور، 14 - باب (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ...). (1) البقرة: 225. (2) أبو داود (3/ 223، 224) كتاب الأيمان والنذور، 7 - باب لغو اليمين. 2536 - أبو داود (2/ 259) كتاب الطلاق، 10 - باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث. النسائي (6/ 212) 27 - كتاب الطلاق، 75 - باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث وإسناده لا بأس به. ... =

{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (1) الآية، وذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته، فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثاً، فنُسخ ذلك، فقال: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} (2). 2537 - * روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان الناسُ والرجلُ يُطلِّقُ امرأته ما شاء أن يُطلقها، وهي امرأته إذا ارتجعها وهي في العدة، وإن طلقها مائة مرةٍ أو أكثر، حتى قال رجلٌ لامرأته: والله لا أطلقك، فتبينين مني، ولا آويك أبداً، قالت: وكيف ذاك؟ قال: أطلِّقُكِ، فكلما همتْ عدتُك أن تنقضي راجعتك، فذهبت المرأة حتى دخلت على عائشة فأخبرتها، فسكتت عائشة، حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرته، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل القرآن {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (3) قالت عائشة: فاستأنف النساُ الطلاق مستقبلاً: من كان طلق، ومن لم يكن طلق". 2538 - * روى البخاري عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: كانت لي أختٌ تُخطبُ إليَّ، فأتاني ابن عم لي، فأنكحتُها إياه، ثم طلقها طلاقاً له رجعةٌ، ثم تركها حتى انقضت عدتُها، فلم خُطبت إليَّ أتاني يخطبها فقلت له: والله لا أنكحتُكها أبداً، قال: ففي نزلت هذه الآية: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} (4) الآية فكفرتُ عن يميني، وأنكحتُها إياه. وفي أخرى (5) للبخاري فيها: فحَمِيَ معقلٌ من ذلك أنفاً وقال: خلا عنها، وهو

_ = (يتربص) التربُّص: المكث والانتظار. (قروء) جمع قُرء: وهو الطهر عند الشافعي، والحيض عند أبي حنيفة، فيكون من الأضداد. (1) البقرة: 228. (2) البقرة: 229. 2537 - الترمذي (3/ 497) 11 - كتاب الطلاق، 16 - باب، وهو حديث صحيح. (لا آويك): أي لا أعاملك معاملة الأزواج. قوله: (كلما همتْ عدتُك أن تنقضي راجعتك): يريد الزوج بذلك مضارتها. 2538 - البخاري (8/ 192) 65 - كتاب التفسير، 40 - باب (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن ...) وهذا الحديث أطرافه في: 5130، 5330، 5331. أبو داود (2/ 230) كتاب النكاح، باب في العضل. الترمذي (5/ 216) 48 - كتاب تفسير القرآن، 3 - باب "ومن سورة البقرة" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (3) البقرة: 232. (4) البخاري (9/ 482) 68 - كتاب الطلاق، 44 - باب (وبعولتهن أحق بردهن).

يقدرُ عليها، ثم يخطبها، فحال بينه وبينها، فأنزل الله هذه الآية، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم، فقرأ عليه فترك الحَمِيَّة، واستقاد لأمر الله عز وجلَّ. أقول: الطلقة غير البائنة تعتبر طلقة رجعية أي يجوز للزوج أن يُراجع مطلقته ما دامت في العدة، فإذا انقضت العدة ولم يراجعها أصبح الطلاق بائناً بينونة صغرى، فلا تحل له إلا بعقد جديد ومهر جديد عن تراضٍ، وكان معقل متألماً من زوج أخته لأنه كان باستطاعته أن يراجعها خلال العدة فلم يفعل وجاء بعد ذلك يطلبها، والظاهر أنها كانت راضية، فأراد أخوها منعها من الزواج بزوجها الأول، فأنزل الله ما أنزل. 2539 - * روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: في قوله تعالى: {فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} (1) هو أن يقول: إني أُريدُ التزوج ولوددت أن تُيسر لي امرأةٌ صالحةٌ. أقول: ما دامت المرأة في العدة لا يجوز لأحدٍ أن يخطبها أو يواعدها سراً على الزواج بعد لعدة ولكن يجوز له التعريض بالنكاح كما ذكر ذلك ابن عباس. 2540 - * روى الستة إلا مالكاً عن عليٍّ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب: "ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس".

_ = (تعضلوهن) أي: تمنعونهن أن ينكحن من يجوز لهن نكاحه. (فكفرت) تكفير اليمين: إخراج الكفارة التي تلزم الحالف إذا حنث، كأنها تغطي الذنب الذي يوجبه الحنثُ، والتكفير: التغطية. (فحمي) أي: أخذته الحمية، وهي الأنفة والغيرة. 2539 - البخاري (9/ 178) 67 - كتاب النكاح، 34 - باب قول الله عز وجل (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء). (1) البقرة: 235. 2540 - البخاري (6/ 105) 56 - كتاب الجهاد، 98 - باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة. مسلم (1/ 436، 437) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 36 - باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر. أبو داود (1/ 112) كتاب الصلاة، 4 - باب في وقت العصر. الترمذي (5/ 217، 218) 48 - كتاب تفسير القرآن، 3 - باب "من سورة البقرة" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. =

وفي رواية (1): "شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر". وفي أخرى (2): ثم صلاها بين المغرب والعشاء. 2541 - * روى مسلم عن ابن مسعودٍ: حبس المشركون النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة العصر حتى احمرت الشمس أو اصفرتْ، فقال: "شغلونا عن الصلاة الوسطى، صلاة العصر، ملأ الله أجوافهم وقبورهم ناراً أو حشا الله أجوافهم وقبورهم ناراً". 2542 - * روى مالك في قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} عن عمرو بن رافعٍ مولى عمر بن الخطاب حدث أنه كان يكتب المصاحف في عهد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قال فاستكتبتني حفصةُ مصحفاً وقالت: إذا بلغت هذه الآية من سورة البقرة فلا تكتبها حتى تأتيني بها فأمليها عليك كما حفظتُها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال فلما بلغتها جئتها بالورقة التي أكتُبها فيها فقالت اكتب (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر وقوموا لله قانتين). 2543 - * روى الستة إلا البخاري عن أبي يُونس مولى عائشة أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفاً، وقالت إذا بلغت هذه الآية فآذني: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} فلما بلغتها آذنتها، فأملت عليَّ: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين) قالت: سمعتها من رسول الله صلى الله علي وسلم.

_ = النسائي (1/ 236) 5 - كتاب الصلاة، 14 - باب المحافظة على صلاة العصر. ابن ماجه (1/ 224) 2 - كتاب الصلاة، 6 - باب المحافظة على صلاة العصر. (1) مسلم (1/ 437) الموضع السابق. (2) مسلم: نفس الموضع السابق. 2541 - مسلم (1/ 437) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 36 - باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر. 2542 - الموطأ (1/ 139) 8 - كتاب صلاة الجماعة، 8 - باب الصلاة الوسطى، هذا الحديث رواه مالك موقوفاً. ورواه أبو يعلي في مسنده. 2543 - الموطأ (1/ 138، 139) 8 - كتاب صلاة الجماعة، 8 - باب الصلاة الوسطى. مسلم (1/ 437، 438) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 36 - باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر. أبو داود (1/ 112) كتاب الصلاة، 4 - باب في وقت صلاة العصر. الترمذي (5/ 217) 48 - كتاب تفسير القرآن، 3 - باب "ومن سورة البقرة" وقال الترمذي: هذا حديث ... =

أقول: يحتمل أن يكون ذكر صلاة العصر بعد الصلاة الوسطى من المنسوخ التلاوة كما يحتمل أن يكون تفسيراً توهم من سمعه أنه قرآن، ويدل على النسخ النص اللاحق. 2544 - * روى مسلم عن البراء: نزلت هذه الآية {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وصلاة العصر} فقرأناها ما شاء الله، ثم نسخها الله فنزلت: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} وقال رجل: فهي إذاً صلاة العصر، فقال البراء: قد أخبرتُك كيف نزلتُْ، وكيف نسخها الله، والله أعلم. 2545 - * روى أبو داود عن زيد بن ثابتٍ كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة ولم يكن يُصلي صلاةً أشدَّ على أصحابه منها فنزلتْ {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} وقال: إن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين. أقول: هذا وجه آخر لتفسير الصلاة الوسطى وهو وجه ضعيف بالنسبة للوجه الأول، ومن النص نفسه نستشعر احتمال الخطأ، فالعصر هي التي تسبقُها صلاتان ويأتي بعدها صلاتان. 2546 - * روى الطبراني عن ابن عباس في قول الله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} قال: "كانوا يتكلمون في الصلاة يجيءُ خادمُ الرجل إليه وهو في الصلاة فيكلمه بحاجته فنهوا عن الكلام" (1).

_ = حسن صحيح. النسائي (1/ 236) 5 - كتاب الصلاة، 14 - باب المحافظة على صلاة العصر. 2544 - مسلم (1/ 438) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 36 - باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر. 2545 - أبو داود (1/ 112) كتاب الصلاة، 4 - باب في وقت صلاة العصر. الترمذي: رواه عن زيد وعن عائشة تعليقاً. النسائي: رواه بإسناد رجاله ثقات وسكت عنه أبو داود والمنذري كذا في النيل 1/ 342. 2546 - الطبراني (المعجم الكبير) (11/ 292). مجمع الزوائد (6/ 320) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.

2547 - * روى البخاري عن ابن الزبير رضي الله عنهما قال: قلت لعثمان: هذه الآية التي في البقرة: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا -إلى قوله- غَيْرَ إِخْرَاجٍ} قد نسختها الآية الأخرى، فلِمَ نكتُبها أو تدعُها؟ قال: يا ابن أخي لا أغيرُ شيئاً منه من مكانه. أقول: قوله تدعها: أي تكتبها متروكة فهو شك من الراوي هل قال تكتبها أو تدعها وفي رواية فلم تكتبها قال أبو عثمان: تدعها يا ابن أخي أي اتركها مكتوبة. وتتمة الآية {وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} والآية هذه نموذج على ما نسخ حُكْمُه ولم تنسخ تلاوته. 2548 - * روى البخاري عن مجاهد بن جبرٍ: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} (1) قال: كانتْ هذه العدةُ، تعتدُّ عند أهل زوجها واجبٌ، فأنزل الله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ} (2). قال: "فجعل الله لها تمام السنة سبعة أشهرٍ وعشرين ليلةً وصيةً، إن شاءتْ سكنت في وصيتها، إنْ شاءتْ خرجتْ، وهو قول الله عز وجل: {غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}، فالعدةُ كما هي واجبٌ عليها" زعم ذلك ابن أبي نُجيحٍ عنْ مجاهدٍ، قال ابن أبي نجيحٍ: وقال عطاء: قال ابن عباس: "نسخت هذه الآية عدتها عند أهلها، فتعتد حيث شاءت، وهو قول الله عز وجل: (غير إخراج) " قال عطاء: "إن شاءت اعتدتْ عند أهلها، وسكنت في وصيتها، وإن شاءت خرجت، لقول الله عز وجل: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ} قال عطاءٌ: ثم جاء الميراث، فنسخ السُّكنى، فتعتدُّ حيث شاءت، ولا سكنى لها".

_ 2547 - البخاري (8/ 201) 65 - كتاب التفسير، 45 - باب (والذين يُتوفون منكم ويذرون أزواجاً). 2548 - البخاري (8/ 193) 65 - كتاب التفسير، 41 - باب (والذين يتوفون منكم ويرون أزواجاً ..) وطرف هذا الحديث في: 5344. (1) البقرة: 234. (2) البقرة: 240.

وفي رواية (1) أبي داود مختصراً، قال ابن عباس: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} "فنسخ ذلك بآية الميراث ما فرض الله لهن من الرُّبُع والثُّمُن، ونسخ أجل الحول بأن جعل أجلها أربعة أشهرٍ وعشراً. وفي أخرى (2) له قال ابن عباسٍ: "نسختْ هذه الآيةُ عِدَّتَها عند أهلها، فتعتدُّ حيث شاءت، وهو قول الله عز وجل: (غير إخراج)، قال عطاء: إن شاءت اعتدتْ عند أهله، وسكنت في وصيتها، وإن شاءتْ خرجتْ، لقول الله عز وجل {فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ} قال عطاء: ثم جاء الميراثُ فنسخ السكنى، تعتدُ حيث شاءتْ". وأخرج النسائي روايتي أبي داود. 2549 - * روى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزل قوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} في الأنصار، كانت تكونُ المرأةُ مِقلاةً فتجْعَلُ على نفسها: إن عاش لها ولدٌ أن تُهوِّدَهُ، فلما أجْلِيَتْ بنو النضير، كان فيهم كثير من أبناء الأنصار، فقالوا: لا ندعُ أبناءنا، فأنزل الله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}. 2550 - * روى أبو يعلي عن ابن عباس في قوله تعالى: {فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ} قال: لم يتغيرْ.

_ (1) أبو داود (2/ 289) كتاب الطلاق، باب نسخ متاع المتوفى عنها بما فرض لها من الميراث. (2) أبو داود (1/ 291) كتاب الطلاق، باب من رأى التحول. وأخرج النسائي الرواية الثانية لأبي داود في (6/ 200) 27 - كتاب الطلاق، 61 - باب الرخصة للمتوفى عنها زوجها أن تعتد حيث شاءت. وكذلك أخرج النسائي الرواية الأولى لأبي داود أيضاً في (6/ 206، 207) 27 - كتاب الطلاق، 69 - باب نسخ متاع المتوفى عنها بما فرض لها من الميراث. (عدة المرأة) أيام أقرائها وأيام إحدادها على الزوج. (جُناح): إثم. (الحوْل): السنة. 2549 - أبو داود (3/ 58، 59) كتاب الجهاد، باب في الأسير يُكره على الإسلام وقال أبو داود: المقلاة: التي لا يعيش لها ولدٌ. وإسناده صحيح. ابن حبان (1 م 177) ذكر الإخبار عن الحالة التي من أجلها أنزل الله جل وعلا (لا إكراه في الدين). 2550 - أبو يعلي (5/ 65). مجمع الزوائد (6/ 323) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلي ورجاله رجال الصحيح.

2551 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نحنُ أحقُّ بالشك من إبراهيم إذ قال: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} ويرحمُ الله لوطاً، لقد كان يأوي إلى ركنٍ شديد، ولو لبثتُ في السجن طول ما لبث يوسفُ، لأجبتُ الداعي". وفي رواية (1) الترمذي، قال: قال رسول اله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الكريم بْنَ الكريم بن الكريم بن الكريم: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، ولو لبثت في السجن ما لبث، ثم جاءني الرسول: أجبتُ"، ثم قرأ {فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} (2) قال: "ورحمةُ الله على لوطٍ، إن كان ليأوي إلى ركنٍ شديد فما بعث الله من بعده نبياً إلا في ثروةٍ من قومه". أقول: قوله عليه الصلاة والسلام: "ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف، لأجبت الداعي" من باب الترخيص والرحمة بأمته عليه الصلاة والسلام ليبين لهم أن ما فعله يوسف عليه السلام في المراجعة لإثبات براءته قبل الخروج من السجن ليس مطلوباً من آحاد هذه الأمة، وهذا يدل على أن السجن نوع من العذاب الشديد.

_ 2551 - البخاري (6/ 411) 60 - كتاب أحاديث الأنبياء، 11 - باب قول الله عز وجل [51 - الحجر] (ونبئهم عن ضيف إبراهيم إذ دخلوا عليه) الآية، (وإذ قال إبراهيم: رب أرني كيف تحيي الموتى) الآية [260 البقرة]. مسلم (4/ 1839) 43 - كتاب الفضائل، 41 - باب من فضائل إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم. (1) الترمذي (5/ 293) 48 - كتاب تفسير القرآن، 13 - باب "ومن سورة يوسف". قال الحافظ في الفتح 6/ 412: "اختلفوا في معنى قوله صلى الله عليه وسلم "نحن أحق بالشك" فقال بعضهم: معناه: نحن أشد اشتياقاً إلى رؤية ذلك من إبراهيم، وقيل: معناه: إذا لم نشك نحن، فإبراهيم أولى أن لا يشك، أي: لو كان الشك متطرقاً إلى الأنبياء لكنت أنا أحق به منهم، وقد علمتم أني لم أشك، فاعلموا أنه لم يشك، وإنما قال ذلك تواضعاً منه، أو من قبل أن يعلمه الله بأنه أفضل من إبراهيم، وهو كقوله في حديث أنس عد مسلم "أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا خير البرية، قال: ذاك إبراهيم" وقيل: إن سبب هذا الحديث: أن الآية لم نزلت قال بعض الناس "شك إبراهيم ولم يشك نبينا" فبلغه ذلك، فقال: "نحن أحق بالشك من إبراهيم" أراد: ما جرت به العادة في الخاطبة لمن أراد أن يدفع عن آخر شيئاً قال: مهما أردت أن تقوله لفلان فقله لي: ومقصوده: لا تقل ذلك". (ثروة من قومه) الثروة العدد الكثير يعني من أسرة قوية كبيرة تحميه. (2) يوسف: 50.

2552 - * روى البخاري عن عُبيد بن عُمير رحمه الله قال: قال عمر بن الخطاب يوماً لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيم تروْنَ هذه الآية نزلت {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} قالوا: الله أعلمُ، فغضب عمر فقال: قولوا: نعلمُ، أو لا نعلمُ، فقال ابن عباس: في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين، قال عمر: يا ابن أخي، قل ولا تحقر نفسك، قال ابن عباس: ضُربتْ مثلاً لعمل، قال عمر: أيُّ عملٍ؟ قال ابن عباس، لعملٍ، قال عمر: لرجل غنيٍّ يعملُ بطاعة الله، ثم بعث عز وجل له الشيطان، فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله". وتمام الآية {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} (1). 2553 - * روى الترمذي عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: في قوله تعالى: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} (2) "نزلت فينا معشر الأنصار، كنا أصحاب نخلٍ، فكان الرجل يأتي من نخله على قدر كثرته وقلته، وكان الرجل يأتي بالقنو والقنوين، فيعلقه في المسجد، وكان أهل الصُّفة ليس لهم طعامٌ، فكان أحدهم إذا

_ 2552 - البخاري (8/ 201، 202) 65 - كتاب التفسير، 47 - باب قوله (أيود أحدكم أن تكون له جنة) - إلى قوله- (تتفكرون). (أغرق أعماله) الصالحة: أضاعها بما ارتكب من المعاصي. (1) البقرة: 266. 2553 - الترمذي (5/ 219) 48 - كتاب تفسير القرآن، 3 - باب "ومن سورة البقرة" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب. ابن ماجه (1/ 583) 8 - كتاب الزكاة، 19 - باب النهي أن يخرج في الصدقة شر ماله. الحاكم (2/ 285) كتاب التفسير، وقال الحاكم: هذا حديث غريب صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (2) البقرة: 267. (تيمموا الخبيث) التيمم: القصد، والخبيث: الرديء والحرام. (بالقنو) العِذق من الرُّطب وهو من التمر بمنزلة العنقود من العنب. (أهل الصُّفة): هم الفقراء من الصحابة الذين كانوا يسكنون صُفة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا مسكن لهم، ولا مكسب ولا مال وال ولد، وكانوا متفرغين للعلم والجهاد، وكانوا يزيدون وينقصون. ... =

جاع، أتى القِنْوَ، فضربه بعصاه، فسقط البُسْرُ والتمر، فيأكل، وكان ناسٌ ممن لا يرغب في الخير، يأتي الرجل بالقنو فيه الشيصُ والحشفُ، وبالقنو قد انكسر، فيعلقه، فأنزل الله تبارك وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} قال: لو أن أحدكم أُهدي إليه مثل ما أعطى، لم يأخذه إلا على إغماض أو حياءٍ، قال: فكنا بعد ذلك يأتي أحدُنا بصالح ما عنده". 2554 - * روى الترمذي عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن للشيطان لمةً بابن آدم، وللملكِ لمَّة، فأما لمةُ الشيطان، فإيعادٌ بالشرِّ، وتكذيبٌ بالحق، وأما لمةُ الملكِ، فإيعادٌ بالخير، وتصديقٌ بالحق، فمن وجد ذلك، فليعلم أنه من الله، فيحمد الله، ومن وجد الأخرى، فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم قرأ: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا} (1). أقول: هذا النص أصل فيما يذكره أهل القلوب مما يرد على القلب، فيقسمون ذلك أربعة أقسام، وسوسة الشيطان، ووارد الملك، وهاجس النفس، والإلهام الرباني، ولكل علاماته عند أهل القلوب ومن كان قلبه سليماً وطعامه حلالاً سهُلَ عليه أن يميز ما يلقى في قلبه.

_ = (الإغماض): المسامحة والمساهلة، يقول في البيع: أغمض لي: إذا استزدته في البيع واستحططته في الثمن. (الشيص): الرديء من البسر. 2554 - الترمذي (5/ 219، 220) 5 - كتاب تفسير القرآن، 3 - باب "ومن سورة البقرة" وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. ابن حبان (2/ 171) ذكر الأمر للمسلم أن يسأل ربه جل وعلا التآلف بين المسلمين وإصلاح ذات بينهم. وفي سنده عطاء بن السائب، وقد رمى بالاختلاط في آخر عمره فمن سمع منه قديماً فحديثه صحيح، وقد استظهر الشيخ أحمد شاكر رحمه الله من مجموع كلام أئمة الجرح والتعديل أن اختلاطه كان حين قدم البصرة، وعطاء كوفي، والراوي عنه في ذا الحديث أبو الأحوص كوفي أيضاً، فالظاهر أنه سمع منه قبل الاختلاط. (م) هذا وقد ضعف الحديث بعض العلماء. (اللمة): المرة الواحدة من الإلمام، وهو القرب من الشيء، والمراد بها: الهمةُ اليت تقع في القلب من فعل الخير والشر والعزم عليه. (1) البقرة: 268.

2555 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} الآية (1) اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بركوا على الرُّكَبِ، فقالوا: أيْ رسول الله، كُلِّفنا من الأعمال ما نطيقُ، الصلاة والصيام والجهاد والصدقة، وقد أنزلت عليك هذه الآية، ولا نُطيقُها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بلْ قولوا: سمعنا وأطعنا، غُفرانك ربنا وإليك المصير" قالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير فلما اقترأها القومُ، وذَلَّتْ بها ألسنتُهم، أنزل الله في إثرها: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} فلما فعلوا ذلك: نسخها الله تعالى، فأنزل الله عز وجل: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} قال: نعم {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} قال: نعم {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} قال: نعم. 2556 - * روى مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلتْ هذه الآية {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} دخل قلوبهم منها شيءٌ، لم يدخل قلوبهم من شيء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "قولوا: سمعنا وأطعنا وسلَّمْنَا"، قال: فألقى الله الإيمان في قلوبهم، فأنزل الله عز وجل: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} قال: قد فعلتُ {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} قال: قد فعلتُ {وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا} قال: فعلتُ.

_ 2555 - مسلم (1/ 115، 116) 1 - كتاب الإيمان، 57 - باب بيان أنه سبحانه وتعالى لم يكلف إلا ما يُطاق. (اقترأها): بمعنى قرأها، وهو افتعل من القراءة. (قال: نعم) القائل هو الله تعالى. (1) البقرة: 284. 2556 مسلم (1/ 116) نفس الموضع السابق.

وفي رواية (1) الترمذي مثله، وقال: فأنزل الله: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ} الآية، وزاد فيه: {وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا} ... الحديث. قال النووي: في الحديث إشفاق الصحابة من عدم قدرتهم القيام بما كلفتهم به ظاهر الآية. وقولهم (لا نطيقها) لكونهم اعتقدوا أنهم يؤاخذون بما لا قدرة لهم على دفعه من الخواطر التي لا تكتسب. وقد اتجه العلماء في هذه الآية اتجاهين. الأولى: أن الآية {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} ناسخة للأولى (وإن تبدوا). الثاني: أن الآيتين محكمتان ولا نسخ وأن الآية (وإن تبدوا) عموم يصح أن يشتمل على ما يُمْلَكُ من الخواطر دون ما لا يُملكُ فتكون الآية الأخرى مخصصةً، قال النووي فيما نقله عن الواحدي: والمحققون يختارون أن الآية محكمة غير منسوخة. وقال القاضي عياض لا وجه لإبعاد النسخ فإن راويها قد روى فيها النسخ. لكن اختلف في قول الصحابي نسخ كذا بكذا هل يكون حجة يثبت بها النسخ؟ والمحققون على أنه قد يكون قوله عن اجتهاد وتأويل فلا يكون نسخاً حتى ينقل عن رسول الله (باختصار وتصرف انظر شرح النووي على مسلم 2/ 149 - 151). 2557 - * روى الستة إلا مالكاً عن أبي هريرة رفعه: "إن الله تجاوز لأمتي مالم تكَلَّمْ به أو تعمل به وما حدَّثَتْ به أنفُسها".

_ (1) الترمذي (5/ 221، 222) 48 - كتاب تفسير القرآن، 3 - باب "ومن سورة البقرة" وقال الترمذي: هذا حديث حسن. (الإصر): العهد والميثاق، وقيل: الحمل والثقل. 2557 - البخاري (9/ 388) 68 - كتاب الطلاق، 11 - باب الطلاق في الإغلاق ... إلخ. مسلم (1/ 116، 117) 1 - كتاب الإيمان، 58 - باب تجاوز الله عن حديث النفس ... إلخ. أبو داود (2/ 264) كتاب الطلاق، باب في الوسوسة بالطلاق. الترمذي (3/ 489) 11 - كتاب الطلاق، 8 - باب ما جاء فيمن يحدث نفسه بطلاق امرأته وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. النسائي (6/ 156، 157) 27 - كتاب الطلاق، 22 - باب من طلق في نفسه. ابن ماجه (1/ 659) 10 - كتاب الطلاق، 16 - باب طلاق المكره والناسي.

سورة آل عمران

سورة آل عمران 2558 - * روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} (1) فقال: "فإذا رأيْتُم الذين يتبعون ما تشابه منه، فأُولئك الذين سمَّى الله فاحذَرُوهُم". وفي رواية (2) الترمذي، قالت: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم- وفيها: "فإذا رأيتمُوهم فاعرفوهم" قالها مرتين، أو ثلاثاً. قال الشيخ حسنين محمد مخلوف عند قوله تعالى وابتغاء تأويله: "وطلب تأويل الكتاب وتحريفه، التأويل الباطل الذي يشتهونه والتحريف السقيم الذي يقصدونه زاعمين أنه الغاية المرادة منه، وذلك شأن أهل البدع والأهواء والملاحدة في كل عصر. وتبعهم في ذلك الذين سموا أنفسهم مبشرين في هذا العصر". اهـ صفوة البيان لمعاني القرآن. أقول: الفرق الضالة عن الإسلام وهي اثنتان وسبعون فرقة لم ترفض القرآن وإنما لجأت إلى هذا الأسلوب من التأويل الفاسد وتحكيم الهوى حتى خرج بعضها من الإسلام خروجاً تاماً وبعضها ضلت ولم تكفر، ومن دراسة لتاريخ الفرق التي أجمع أهل السنة والجماعة على ضلالها نتعرف على أنواع من المتشابه ضلت به هذه الفرق فما من فرقة إلا وقد ضلت بمتشابه بالنسبة لها أخذت به وأولته وتركت المحكم، ولا شك أن مما يدخل في الآيات المتشابهات آيات لها صلة بقضايا عقدية، فالنص يدل على ذلك قال تعالى {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} فمن ذهب إلى أن كل ما ورد في باب الاعتقاد لا يدخل في باب المتشابه،

_ 2558 - البخاري (8/ 209) 65 - كتاب التفسير، 3 - سورة آل عمران، 1 - باب (منه آيات محكمات). مسلم (4/ 2053) 47 - كتاب العلم، 1 - باب النهي عن اتباع متشابه القرآن. أبو داود (4/ 198) كتاب السنة، 2 - باب مجانبة أهل الأهواء. (1) آل عمران: 7. (2) الترمذي (5/ 222) 48 - كتاب تفسير القرآن، 4 - باب "ومن سورة آل عمران".

فقد خالف النص مخالفة صريحة، وللعلماء اتجاهات في الوقف، فبعضهم يقف عند قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} وبعضهم يقف على قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}. فعلى الوقف الثاني: فإن الراسخين في العلم يعلمون تأويله، وقد وصفت الآيات نفسها الراسخين في العلم فقالت: {يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ} وفي أواخر سورة آل عمران وصف أولو الألباب بقوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (1) فالراسخون في العلم هم من اجتمع لهم ذكر وفكر وتسليم وهداية ورسوخ في العلم، فهؤلاء إذا أوَّلوا فإنه يسلم لهم تأويله، وعندك علامة تفرق بها بين أئمة الهدى وأئمة الضلال. أما أئمة الهدى لا يخالفون إجماعاً، وقد ظهر بعض الناس قديماً وحديثاً يتابعون من خالف الإجماع ويحكمون على أئمة الهدى بالضلال، فهؤلاء يدخلون في الحديث القدسي: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب). 2559 - * روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه قال: تفسير قول المرأةِ الصالحةِ {إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} (2) أي: خالصاً للمسجد يخدمُهُ. 2560 - * روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: {إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ} (3)، اقترعوا فجرتْ أقلامُهُمْ مع الجرية، فعال قلَمُ زكريا الجرْيَة.

_ (1) آل عمران: (190، 191). 2599 - البخاري (1/ 554) 8 - كتاب الصلاة، 74 - باب الخدم للمسجد، وقد أخرجه البخاري تعليقاً، قال الحافظ: وهذا التعليق وصله ابن أبي حاتم بمعناه. (المرأة الصالحة): هي حنَّة أم مريم. (2) آل عمران: 35. 2560 - البخاري (5/ 292) 52 - كتاب الشهادات، 30 - باب القرعة في المشكلات وقد أخرجه البخاري من غير إسناد وأشار إلى الاحتجاج بهذه القصة في صحة الحكم بالقرعة بناء على أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا لم يرد في شرعنا ما يخالفه، ولا سيما إذا ورد في شرعنا تقرير، وساقه مساق الاستحسان والثناء على فاعله، وهذا منه. ... = (3) آل عمران: 44.

2561 - * روى الترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لكلِّ نبيٌّ وُلاةً من النبيين وإن وليِّي أبي وخليلُ ربي إبراهيم، ثم قرأ {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} (1). 2562 - * روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: {كُونُوا رَبَّانِيِّينَ} (2). قال: حُلماءُ فقهاء عُلماءُ. 2563 - * روى النسائي عن ابن عباس رضي الله عنه قال: كان رجلٌ من الأنصار أسلم، ثم ارتدَّ، ولحق بالشرك، ثم ندم، فأرسل إلى قومه: سلوا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلْ لي من توبةٍ؟ فجاء قومه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: هل له من توبةٍ؟ فنزلت: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (3) فأُرسل إليه فأسلم. 2564 - * روى أحمد عن أنس رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية: {لَنْ تَنَالُوا

_ = (الجِرية): بكسر الجيم والمعنى أنهم اقترعوا على كفالة مريم أيهم يكفلها، فأخرج كل واحدٍ منهم قلماً وألقوها كلها في الماء، فجرت أقلام الجميع مع الجرية إلى أسفل، وارتفع قلم زكريا فأخذها. (فعال): فارتفع على الماء. 2561 - الترمذي (5/ 223) 48 - كتاب تفسير القرآن، 4 - باب "ومن سورة آل عمران". (الولاة): جمع ولي، وهو الذي يوالي الإنسان، وينضم إليه، ويكون من جملته وأتباعه والناصرين له. (1) آل عمران: 68. 2562 - البخاري (1/ 160) 3 - كتاب العلم، 10 - باب العلم قبل القول والعمل ... إلخ. وقد أخرجه البخاري تعليقاً، قال الحافظ: وهذا التعليق وصله ابن أبي عاصم أيضاً بإسنادٍ حسن والخطيب بإسناد آخر حسن. (2) آل عمران: 79. 2563 - النسائي (7/ 107) 37 - كتاب تحريم الدم، 15 - باب توبة المرتد، وسنده حسن. ابن حبان (6/ 323، 324) باب الردة، ذكر السبب الذي من أجله أنزل الله جل وعلا (كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم ...). الحاكم (4/ 366) كتاب الحدود، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. (3) آل عمران: 86، 89. 2564 - أحمد (3/ 115، 174)، وأصله في الصحيحين. ابن خزيمة (4/ 105) 424 - باب الأمر بإتيان القرابة بما يتقرب به ... إلخ، وإسناده صحيح.

الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} (1) قال: أي رسول الله صلى الله عليه وسلم {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} (2). قال أبو طلحة: يا رسول الله حائطي الذي في كذا وكذا هو لله ولو استطعت أسرَّهُ لم أعلنه، فقال: "اجعله في فقراء أهلك أدنى أهل بيتك". 2565 - * روى ابن خزيمة عن أنس بن مالك: قال: لما نزلت: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}. أتى أبو طلحة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر، فقال: يا رسول الله، ليس لي أرض أحبَّ إلي من أرضي بيرحي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "بيرحي خير رايح أو خير رابح" يشك الشيخ - فقال أبو طلحة: وإني أتقربُ بها إلى الله. فقال: "اجعلْها في قرابتك". فقسَّمها بينهم حدائق. أقول: في رواية البخاري: وفيه: بخ ذلك مال رايح ذلك مال رايح (بالياء في المرتين) وفي رواية (رابح) (بالباء). وفي رواية أحمد عن أنس: بخ بخ، ذاك مال رابح، ذاك مال رابح. وسمى البستان بيرحاء. 2566 - * روى ابن خزيمة عن أنس، قال: لما نزلتْ هذه الآية: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} قال أبو طلحة: أرى ربنا يسألنا أموالنا فأشهدك يا رسول الله أني قد جعلت أرضي بيرحي لله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجعلها في قرابتك" قال: فجعلها في حسان بن ثابت وأُبي بن كعبٍ. 2567 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} قال أن يُطاع فلا يُعصى وأن يُشكر فلا يكفر وأن يُذْكر فلا يُنْسى.

_ (1) آل عمران: 92. (2) البقرة: 245. 2565 - ابن خزيمة (4/ 103، 104) 423 - باب فضل صدقة المرء بأحب ماله لله، وهو صحيح. 2566 - ابن خزيمة (4/ 106) 425 - باب ذكر الدليل على احتمال الشهادة بصدقة ... إلخ ورجاله ثقات. 2567 - الطبراني (المعجم الكبير) (9/ 93). مجمع الزوائد (6/ 326) وقال الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح والآخر ضعيف.

2568 - * روى الطبري عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} قال: القرآن. 2569 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} قال: خير الناس للناس، تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخُلوا في الإسلام". 2570 - *روى أحمد عن بَهْز بن حكيم عن أبيه عن جده رفعهُ في قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} "أنتم تتمون سبعين أمة أنتم خيرُها وأكرمُها على الله". 2571 - * روى أحمد عن ابن عباسٍ في قوله عز وجل {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} قال: هم الذين هاجروا مع محمدٍ صلى الله عليه وسلم. 2572 - * روى الطبراني عن ابن عباس لما أسلم عبدُ الله بن سلامٍ وثعلبةُ بن سعية وأسدُ بن عبيد ومن أسلم من يهود، قالت أحبارُهم. ما آمن بمحمدٍ إلا شرارُنا ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين آبائهم، فأنزل الله (1) {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ

_ 2568 - الطبري (4/ 21) ورجاله رجال الصحيح. 2569 - البخاري (8/ 224) 65 - كتاب التفسير، 7 - باب (كنتم خير أمة أخرجت للناس). قال الحافظ: قد تقدم الحديث في أواخر الجهاد من وجه آخر مرفوعاً. 2570 - أحمد (5/ 3، 5). مجمع الزوائد (10/ 297) وقال الهيثمي: رواه أحمد، ورجاله ثقات. الترمذي (5/ 226) 48 - كتاب تفسير القرآن، 4 - باب "ومن سورة آل عمران". ابن ماجه (2/ 1433) 37 - كتاب الزهد، 34 - باب صفة أمة محمد صلى الله عليه وسلم. الحاكم (4/ 84) كتاب معرفة اصحابة، ذكر فضائل هذه الأمة على سائر الأمم وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. 2571 - أحمد (1/ 273، 354). الطبراني (المعجم الكبير) (12/ 6). مجمع الزوائد (6/ 327) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد رجال الصحيح، وجوَّد إسناده الحافظ ابن حجر في الفتح 8/ 225. 2572 - مجمع الزوائد (6/ 327) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات. وأخرجه الطبري 4/ 35 بنحوه، قال الطبري 4/ 34: (ليسوا سواء) ليس فريقاً أهل الكتاب: أهل الإيمان منهم والكفر سواء، يعني بذلك أنهم غير متساوين ... ولكنهم متفاوتون في الصلاح والفساد والخير والشر.

آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ}. 2573 - * روى الشيخان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: فينا نزلت {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} (1) قال: نحن الطائفتان: بنو حارثة، وبنو سلمة، وما يسرُّني أنها لم تنزل، لقول الله {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا}. 2574 - * روى البخاري عن (ابن عمر) كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو على صفوان بن أمية وسهيل بن عمروٍ والحارث بن هشامٍ، فنزلت {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} وأخرجها بسنده أن ابن عمر سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الآخرة من الفجر يقول: "اللهم العن فلاناً وفلاناً وفلاناً" بعدما يقول "سمع الله لمن حَمِده ربنا ولك الحمد"، فأنزل الله {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ}. وفي رواية (2) عن ابن عمر: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم العنْ أبا سفيان، اللهم العنْ صفوان بن أمية"، فنزلت {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ}، فتاب عليهم، فأسلموا فحسُن إسلامهُم. 2575 - * روى البزار عن (أبي هريرة) جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: أرأيت قوله

_ 2573 - البخاري (8/ 225) 65 - كتاب التفسير، 7 - باب (إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا). مسلم (4/ 1948) 44 - كتاب فضائل الصحابة، 43 - باب من فضائل الأنصار .. (تفشلا) الفشلُ: الفزع والجبن والضعفُ. (1) آل عمران: 122. 2574 - البخاري (7/ 365) 64 - كتاب المغازي، 21 - باب (ليس لك من الأمر شيء) وهذا الحديث أخرجه البخاري مرسلاً عن سالم، وأخرجه مسنداً في موضع آخر وذلك في (8/ 225، 226) 65 - كتاب التفسير، 9 - باب (ليس لك من الأمر شيء) ولم تفصح هذه الرواية المسندة عند البخاري عن الأسماء، وقال الحافظ (7/ 366): والثلاثة الذي سماهم في الرواية الأولى قد أسلموا يوم الفتح ولعل هذا هو السر في نزول (ليس لك من الأمر شيء). (2) الترمذي (5/ 227) 48 - كتاب تفسير القرآن، 4 - باب "ومن سورة آل عمران" وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وقد أخرج النسائي نحو رواية البخاري المسندة وذلك في (2/ 203) 12 - كتاب التطبيق، 31 - باب لعن المنافقين في القنوت. 2575 - كشف الأستار (3/ 43) سورة آل عمران.

{وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} فأين النارُ؟ قال أرأيت الليل فالتبس كلُّ شيء فأين النهار؟ قال: "حيثُ شاء الله"، قال "فكذلك النارُ حيثُ شاء الله". أقول: الجنة فوق السماء السابعة، وسطح كل محيط أعظم من قطره، فلا غرابة أن يكون عرض الجنة عرض السماوات والأرض، وإذا كانت الجنة فوق السماء السابعة فكيف يستبعد أن يكون هناك فراغ للنار في قلب هذا المحيط الهائل. 2576 - * روى الطبراني عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: إن في كتاب الله لآيتين ما أذنب عبد ذنباً فقرأهما واستغفر الله إلا غفر له {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا}. 2577 - * روى الطبراني عن ابن عباس قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً فرُدَّتْ رايتُه ثم بعث فرُدَّتْ ثم بعث فردت بغلول رأس غزالٍ من ذهبٍ فنزلت {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ}. أقول: رد الرايات إشارة إلى عدم النصر وذلك بسبب ذنب الغلول الذي هو السرقة من الغنيمة. 2578 - * روى البزار عن ابن عباس قال في قوله تعالى {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} قال ما كان لنبي أن يتَّهِمه قوْمُهُ. أقول: في هذا النص دليل على عصمة الرسل عليهم الصلاة والسلام فلا يجوز لمسلم أن يتهم نبياً بأي ذنب، والنص يشير إلى استحالة الغلول من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فهم أعظم من أن تتطلع أعينهم إلى شيء من الدنيا فضلاً عن أن يأخذوا شيئاً من الغنائم خفية مما لا يحل لهم (1).

_ 2576 - الطبراني (المعجم الكبير) (9/ 241). مجمع الزوائد (7/ 11) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. 2577 - الطبراني (المعجم الكبير) (12/ 134). مجمع الزوائد (6/ 328) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات. 2578 - كشف الأستار (3/ 43، 44) سورة آل عمران. مجمع الزوائد (6/ 328) وقال الهيثمي: رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح.

2579 - *روى مسلم عن مسروقٍ. قال: سألنا عبد الله (هو ابن مسعودٍ) عن هذه الآية {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (1) قال: "أما إنا قد سألنا عن ذلك فقال "أرواحُهُمْ في جوفِ طيرٍ خُضرٍ. لها قناديل معلقةٌ بالعرش. تسرَحُ من الجنة حيثُ شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل. فاطلع إليهم ربهم اطلاعةً. فقال: هل تشتهون شيئاً؟ قالوا: أي شيء نشتهي؟ ونحن نسرحُ من الجنة حيث شئنا. ففعل ذلك بهم ثلاث مراتٍ. فلما رأوا أنهم لن يُتْرَكُوا من أن يسألوا، قالوا: يا ربِّ نُريد أن تَرُدَّ أرواحنا في أجسادنا حتى نُقتل في سبيلك مرة أخرى فلما رأى أن ليس لم حاجةٌ تُركوا". 2580 - * روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه قال: في قوله تعالى: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (2) قالها إبراهيم حين أُلْقِي في النَّار، وقالها محمدٌ حين قال لهم الناس: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ}. أقول: وذلك كان بعد غزوة أحد إذ عبأ الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين وخرج لحمراء الأسد. 2581 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود في قوله {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} قال يطوق شجاعاً أقرع له زبيبتان ينْقُرُ رأسه فيقول: مالي ولك فيقول أنا مالك الذي بخِلْتَ به، وفي رواية (3) عن عبد الله أيضاً قال: من كان له مال لم يؤدِّ زكاته طوِّقه يوم القيامة شجاعاً أقرع ينقُرُ رأسه فيقول: أنا مالك الذي كنت تبْخَلُ به {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}.

_ 2579 - مسلم (3/ 1502، 1503) 33 - كتاب الإمارة، 33 - باب بيان أن أرواح الشهداء في الجنة .. إلخ. الطبراني (المعجم الكبير) (9/ 237، 238). مجمع الزوائد (6/ 328) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح، وله أسانيد أخر ضعيفة. (1) آل عمران: 169. 2580 - البخاري (8/ 229) 65 - كتاب التفسير، 13 - باب (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم). (2) آل عمران: 173. 2581 - الطبراني (المعجم الكبير) (9/ 262). مجمع الزوائد (6/ 329) وقال الهيثمي: رواه كله الطبراني بأسانيد، ورجال أحدها ثقات. (3) الطبراني (المعجم الكبير) نفس الموضع السابق. (شجاع أقرع) نوع من الحيات العظيمة يعذب بها يوم القيامة من لم يؤد زكاة ماله.

2582 - * روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجالاً من المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه، وفرحُوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا قَدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتذروا إليه، وحلفُوا له وأحبُّوا أن يُحمدُوا بما لم يفعلُوا، فنزلتْ {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} (1) الآية. 2583 - * روى الشيخان عن حُميد بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما أن مروان قال لبوابه: اذهَبْ يا رافعُ إلى ابن عباس، فقُلْ: لئن كان كلُّ امريءٍ منا فرح بما أتى، وأحبَّ أن يُحمد بما لم يفعل مُعذباً لنُعذبن أجمعون، فقال ابن عباس: ما لكم ولهذه الآية؟ إنما نزلت هذه الآية في أهل الكتاب، ثم تلا ابن عباس {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} وقال ابن عباس: سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيءٍ، فكتمُوه إيَّاهُ، وأخبرُوه بغيره، فأروْهُ أن قد استحمِدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم، وفرحُوا بما أتوا من كتمانهم إياهُ ما سألهم عنه. 2584 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعودٍ قال: والذي لا إله إلا هو ما من نفس حيةٍ إلا الموتُ خيرٌ لها إن كان براً فإن الله عز وجل يقول {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ} وإن كان فاجراً فإن الله عز وجل يقول: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا}.

_ 2582 - البخاري (8/ 233) 65 - كتاب التفسير، 16 - باب (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا). مسلم (4/ 2142) 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم. (خلاف رسول الله) قعدت خلاف فُلان: إذا قعدت خلفَهُ، أو تأخرت بعده. (1) آل عمران: 188. 2583 - البخاري (8/ 233) 65 - كتاب التفسير، 16 - باب (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا). مسلم (4/ 2143) 50 - كتاب صفات المنافقين أحكامهم. الترمذي (5/ 233) 48 - كتاب تفسير القرآن، 4 - باب "ومن سورة آل عمران". 2584 - الطبراني (المعجم الكبير) (9/ 165). مجمع الزوائد (10/ 309) وقال الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين ورجاله أحدهما رجال الصحيح غير يزيد بن أبي زياد وهو حسن الحديث. وأخرجه الطبري (4/ 145 - 146).

سورة النساء

سورة النساء 2585 - * روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن رجلاً كانت له يتيمة فنكحها، وكان له عذْقُ نخلٍ، فكانت شريكته فيه وفي ماله، فكان يمسكُها عليه، ولم يكن له من نفسه شيءٌ، فنزلت: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} (1). وفي رواية (2): أن عُروة سأل عائشة عن قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا - إلى قوله- أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} قالت: يا ابن أختي، هذه اليتيمةُ تكون في حِجْر وليِّها، فيرغبُ في جمالها ومالها، ويريد أن ينْتَقِصَ صداقها، فنُهُوا عن نكاحهن، إلا أن يُقْسِطوا لهن في إكمال الصداق، وأُمِرُوا بنكاح من سواهن، قالت عائشة: فاستفتى الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، فأنزل الله تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} (3) فبين الله لهم أن اليتيمة إذا كانت ذات جمال ومال رغبُوا في نكاحها، ولم يلحقوها بسنتها في إكمال الصداق، وإذا كانت مرغوباً عنها في قلة المال والجمال، تركوها، والتمسوا غيرها من النساء، قالت: فكما يتركونها حين يرغبُون عنها، فليس لهم أنْ ينكحوها إذا رغِبُوا فيها، إلا أن يُقسِطُوا لها، ويُعْطُها حقها الأوفى من الصداق. وفي رواية (4) نحوه، وفيه قالتْ: يا ابن أختي، هي اليتيمةُ تكون في حِجْر وليها، تشاركُه في ماله، فيعجِبُه مالُها وجمالثها، ويريد أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهُوا عن نكاحهن، إلا أن يقسطوا لهن، ويبلُغوا بهن

_ 2585 - البخاري (8/ 238، 239) 65 - كتاب التفسير، 1 - باب (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى) ,. مسلم (4/ 2315) 54 - كتاب التفسير. (1) النساء: 3. (2) البخاري (9/ 136، 137) 67 - كتاب النكاح، 16 - باب الأكفاء في المال، وتزويج المقل المثرية. (3) النساء: 127. (4) مسلم (4/ 2313، 2314) 54 - كتاب التفسير.

أعلى سُنَّتِهِنَّ من الصداق. وفيه: قالت عائشة، والذي ذكر الله: أنهُ {يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} الآية الأولى، التي قال فيها: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ} قالت: وقول الله عز وجل في الآية الآخرة {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ}: رغبة أحدهم عن يتيمته التي في حِجْره حين تكون قليلة المال، فنُهُوا أنْ ينْكِحُوا ما رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء، إلا بالقسط، من أجل رغبتهم عنهن. زاد في رواية (1) آخرة: من أجل رغبتهم عنهن، إذا كُنَّ قليلات المال والجمال. وفي أخرى (2) عنها في قوله: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} إلى آخر الآية، قال: هي اليتيمة تكون في حِجْر الرجل، قد شرِكَتْهُ في ماله، فيرغبُ عنها أنْ يتزوجها، ويكره أن يُزوِّجها غيره، فيُدْخِلُ عليه في ماله، فيحْبِسُها، فنهاهم الله عن ذلك. وزاد أبو داود (3): قال يونسُ، وقال ربيعة في قول الله: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} قال: يقول: اتركُوهُنَّ إن خفتم، فقد أحلَلْتُ لكم أربعاً. 2586 - * روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها في قوله: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} (4)، إنما نزلتْ في والي اليتيم إذا

_ (1) مسلم (4/ 2314) 54 - كتاب التفسير. (2) البخاري (9/ 188) 67 - كتاب النكاح، 37 - باب إذا كان الوليُّ هو الخاطب. (3) أبو داود (2/ 225) كتاب النكاح، باب ما يكره أن يجمع بينهن من النساء. (عذق) بفتح العين: النخلة مع حملها؛ وهو المراد هاهنا وبكسرها، القِنْوُ بما فيه من الرطب. (تقسطوا) أقسط: إا عدل، والمراد هاهنا: العدل. (حِجْرُ وليها) الحجر: حجرُ الإنسان، وهو طرف الثوب المقدم، والحجرُ: المنع من التصرف، والولي هاهنا: هو القائم بأمر اليتيم. 2586 - البخاري (4/ 406) 34 - كتاب البيوع، 95 - باب من أجرى أمر الأمصار على ما يتعارفون بينهم في البيوع. مسلم (4/ 2315) 54 - كتاب التفسير، حديث رقم (3019). (فليستعفف) العفة: وهي النزاهة عن الشيء. والمعروف هاهنا: هو القصد في النفقة، وترك الإسراف، أي: فليقتصدْ. (4) النساء: 6.

كان فقيراً: أنه يأكل منه مكان قيامه عليه بمعروفٍ. وفي رواية (1): أن يُصيب من ماله إذا كان محتاجاً بقدر ماله بالمعروف. 2587 - * روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} (2) قال: هي مُحْكَمَةٌ، وليست بمنسوخة. وفي رواية (3) قال: إنَّ ناساً يزعُمونَ أن هذه الآية نُسختْ، ولا والله ما نُسخت، ولكنها مما تهاون الناسُ بها، هما واليان: والٍ يرثُ، وذلك الذي يُرْزَقُ، ووالٍ لا يرثُ، وذلك الذي يقول بالمعروف، ويقول: لا أملك لك أن أعْطيكَ. أقول: من المسْتَحسَنِ على هذا القول للورثة إذا كانوا بالغين أن يهدوا لمن لا يرث من الأقارب إذا رضي الورثة بذلك، أما الوارث غير البالغ فليس لأحد أن يتصدق بشيء من ميراثه. 2588 - * روى البزار عن ابن عباس {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} قال: كن يُحْبَسْن في البيوت حتى يمُتْنَ فلما نزلَتْ سورةُ النور ونزلت الحدود نسختْها. 2589 - * روى أحمد عن عُبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: كان نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم إذا أنْزِلَ عليه كُرب لذلك وتَرَبَّدَ وجْهُه، قال: فأُنزِلَ عليه ذات يومٍ، فلُقيَ كذلك، فلما

_ (1) البخاري (5/ 392) 55 - كتاب الوصايا، 23 - باب وما للوصي أن يعمل ف يمال اليتيم، وما يأكل من بقدر عمالته. 2587 - البخاري (8/ 242) 65 - كتاب التفسير، 3 - باب (وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين). (2) النساء: 8. (3) البخاري: نفس الموضع السابق، ذكرها ابن حجر في شرحه للحديث. 2588 - كشف الستار (3/ 44) سورة السناء. مجمع الزوائد (7/ 2) وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير موسى بن إسحاق بن موسى الأنصاري، وهو ثقة. 2589 - أحمد (5/ 313، 318، 320، 321، 327). مسلم (3/ 1316، 1317) 29 - كتاب الحدود، 3 - باب حد الزنى. الترمذي (4/ 41) 15 - كتاب الحدود، 8 - باب ما جاء في الرجم على الثيب. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (تربَّد وجهه): أي: تغيَّر.

سُرِّيَ عنه، قال: خُذوا عنِّي، خُذوا عني، فقد جعل الله لهنَّ سبيلا البِكْر بالبِكْر، جلدُ مائةٍ، ونفيُ سنةٍ، والثَّيِّبُ بالثَّيِّبِ، جلدُ مائةٍ والرجمُ. 2590 - * روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} (1) كانوا إذا مات الرجلُ، كان أولياؤه أحقَّ بامرأته، إن شاء بعضهُم تزوجها، وإن شاؤوا زَوَّجوها، وإن شاؤوا لم يزوِّجوها، فهم أحقُّ بها من أهلها، فنزلتْ هذه الآية في ذلك. وفي أخرى (2) لأبي داود، قال: {لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} وذلك أنَّ الرجل كان يرث امرأة ذي قرابته، فيعضِلُها حتى تموت، أو تَرُدَّ إليه صداقها، فأحكم الله عن ذلك أي نهي عن ذلك.

_ = (سُري عنه) أي: كُشف ما نزل به من شدة الوحي. قال النووي في شرح مسلم- وهو شافعي-: أما قوله صلى الله عليه وسلم "فقد جعل الله لهن سبيلاً" فأشار إلى قوله تعالى: (فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت، أو يجعل الله لهن سبيلاً) فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا هو ذلك السبيل. واختلف العلماء في هذه الآية، فقيل: هي محكمة، وهذا الحديث مفسر لها، وقيل: منسوخة بالآية التي في أول سورة النور، وقيل: إن آية النور في البكرين، وهذه الآية في الثيبين، وأجمع العلماء على وجوب جلد الزاني البكر مائة، ورجم المحصن وهو الثيب، ولم يخالف في هذا أحد من أهل القبلة إلا ما حكى القاضي عياض وغيره عن الخوارج، وبعض المعتزلة، كالنظام وأصحابه فإنهم لم يقولوا بالرجم. وأما قوله عليه الصلاة والسلام "البكر بالبكر، والثيب بالثيب" فليس هو على سبيل الاشتراط بل حد البكر: الجلد والتغريب، سواء زنا ببكر أم بثيب، وحد الثيب: الرجم، سواء زنا بثيب أم ببكر، فهو شبيه بالتقييد الذي يخرج على الغالب. واعلم أن المراد بالبكر من الرجال والنساء: من لم يجامع في نكاح صحيح، وهو بالغ عاقل سواء جامع بوطء شبهة أو نكاح فاسد أو غيرهما أم لا، والمراد بالثيب: من جامع في دهره مرة في نكاح صحيح، وهو بالغ عاقل حر، والرجل والمرأة في هذا سواء، وسواء في هذا كله: المسلم والكافر، والرشيد والمحجور عليه لسفه. 2590 - البخاري (8/ 245) 65 - كتاب التفسير، 6 - باب (لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً ...) الآية. أبو داود (2/ 230، 231) كتاب النكاح، باب قوله تعالى (لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن). (1) النساء: 19. (2) أبو داود (2/ 231) نفس الموضع السابق.

2591 - * روى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (1). فكان الرجل يحْرَجُ أنْ يأكل عند أحدٍ من الناس بعد ما نزلت هذه الآية، فنُسِخَ ذلك بالآية الأخرى التي في النور، فقال: {وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا} (2) فكان الرجلُ الغنيُّ يدعو الرجل من أهله إلى طعام، فيقول: إني لأجنحُ أن آكل منه - والتجنُّحُ: الحرجُ- ويقول: المسكين أحق به مني: فأُحِلَّ في ذلك أن يأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وأحل طعام أهل الكتاب. 2592 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} قال إنها محكمة ما نسخت. 2593 - * روى البزار عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه سُئِلَ عن الكبائر قال: ما بين أول سورة النساء إلى رأس ثلاثين. 2594 - * روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} ورثة {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} (3) كان المهاجرون لما قدِمُوا المدينة يرثُ المهاجريُّ

_ 2591 - أبو داود (3/ 343) كتاب الأطعمة، 6 - باب نسخ الضيف يأكل من مال غيره. إسناده حسن. (1) النساء: 29. (2) النور: 61. (أجنحُ) أي: أرى جُناحاً وإثماً أن آكله. (أشتاتاً): جمع شت، وهم المتفرقون. 2592 - الطبراني (المعجم الكبير) (10/ 115). مجمع الزوائد (7/ 2) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات. 2593 - كشف الأستار (3/ 44) كتاب التفسير، سورة النساء. مجمع الزوائد (7/ 3) وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. 2594 - البخاري (8/ 247) 65 - كتاب التفسير، باب (ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم، إن الله كان على كل شيء شهيداً). أبو داود (3/ 128) كتاب الفرائض، باب نسخ ميراث العقد بميراث الرحم. (3) النساء: 33.

الأنصاريَّ، دون ذوي رحمه، للأخوَّةِ التي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم، فلما نزلتْ: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ}، نسختها ثم قال: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} من النصْر والرفادةِ والنصيحة، وقد ذهب الميراثُ، ويُوصي له. وفي أخرى (1) لأبي داود قال: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} كان الرجلُ يحالف الرجل، ليس بينهما نسبٌ فيرثُ أحدهما الآخر، فنسخ ذلك الأنفال، فقال: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ}. 2595 - * روى مالك رضي الله عنه بلغه، أنَّ عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال في الحَكَمَيْنِ اللذين قال الله فيهما: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} إنَّ إليهما الفُرقة بينهما والاجتماع. 2596 - * روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} (2) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله لا يظلمُ

_ (1) أبو داود: نفس الموضع السابق. (عاقدت أيمانكم) المعاقدةُ: المعاهدةُ والميثاق، و"الأيمانُ" جمع يمين: القسَمُ أو اليد. و (عاقدت) قراءة لبعض القراء غير عاصم وحمزة والكسائي وخلف فقرؤوا (عقدت) بغير ألف بعد العين. (ذوي رحمِه) ذوو الرحم: الأقارب في النسب. (الرفادة): الإعانة، رفدت الرجل: إذا أعنته، وإذا أعطيته. 2595 - الموطأ (2/ 584) 29 - كتاب الطلاق، 26 - باب ما جاء في الحكمين. (شقاق) الشقاق: الخلاف. 2596 - مسلم (4/ 2162) 50 - كتاب صفات المنافقين، 13 - باب جزاء المؤمن بحسناته في الدنيا والآخرة. (2) النساء: 40. (الذرة) هي الوحدة الدقيقة، أدق من الهباءة، تتكون منها الأشياء. وقال القرطبي: الذرة: النملة الحمراء وهي أصغر النمل. قال النووي في شرح مسلم: أجمع العلماء على أن الكافر الذي مات على كفره لا ثواب له في الآخرة، ولا يجازي فيها بشيء من عمله في الدنيا متقرباً به إلى الله تعالى، وصرح في هذا الحديث: بنه يطعم في الدنيا بما عمله من الحسنات، أي: بما فعله متقرباً به إلى الله تعالى، مما لا تفتقر صحته إلى النية، كصلة الرحم والصدقة والعتق والضيافة وتسهيل الخيرات ونحوها، وأما المؤمن فيدخر له حسناته وثواب أعماله في الآخرة، ويجزي بها مع ذلك أيضاً في الدنيا، ولا مانع من جزائه في الدنيا والآخرة، وقد ورد الشرع به، فيجب اعتقاده. وقوله: إن الله لا يظلم مؤمناً حسنة، معناه: لا يترك مجازاته بشيء على حسناته، والظلم: يطلق بمعنى =

مؤمناً حسنةً، يُعطى بها في الدنيا، ويُجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيُطْعَمُ بحسناتِ ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة، لم تكُن له حسنةٌ يُجزى بها. 2597 - * روى البخاري عن سعيد بن جُبير رحمه الله قال: قال رجل لابن عباس إني أجدُ في القرآن أشياء تختلفُ عليَّ، قال: ما هو؟ قال: {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} (1)، وقال: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} (2)، وقال: {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} (3)، وقال: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} (4)، وقد كتموا في هذه الآية، وفي {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} (5) فذكر خلْقَ السماء قبل خلق الأرض، ثم قال: {أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ -إلى قوله- طَائِعِينَ} (6) فذكر في خلْقَ الأرض قبل خلقِ السَّماء، وقال: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (7) وقال: {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (8) وقال: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (9) فكأنه كان، ثُمَّ مضى، قال ابن عباسٍ {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ} في النفخة في الصور، فيُصْعَقُ مَنْ في السموات ومنْ في الأرض إلا من شاء الله، فلا أنساب بينهم عند ذلك، ولا يتساءلون، ثم في النَّفْخةِ الآخرة: أقْبلَ بعضهم على بعض يتساءلون، وما قوله: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} فإن الله يغفرُ لأهل الإخلاص ذنُوبَهُمْ، فيقول المُشْرِكُ: تعالوا نقولُ: ما كُنَّا مشركين، فيخْتِمُ الله على أفواههمْ، فتنطقُ جوارحهم بأعمالهم، فعند ذلك عُرِفَ أن الله لا يكتمُ حديثاً، وعنده: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} وخلق الأرض في

_ = النقص، وحقيقة الظلم مستحيلة من الله تعالى. ومعنى: أفضى إلى الآخرة، صار إليها، وأما إذا فعل الكافر مثل هذه الحسنات ثم أسلم، فإنه يثاب عليها في الآخرة على المذهب الصحيح. 2597 - البخاري (8/ 555، 556) 65 - كتاب التفسير، 41 - باب سورة "حم" السجدة. (دحاها) دحا الأرض: بسطها. (فصعق) صعق الإنسان: إذا غشي عليه. وإذا مات. (الآكام) جمع أكمة، وهي الروابي الصغار. (جوارحهم) الجوارح: جمع جارحة، وهي الأعضاء، كاليد والرجل، ونحو ذلك. (1) المؤمنون: 101. (2) الصافات: 27. (3) النساء: 24. (4) الأنعام: 23. (5) النازعات: 27. (6) فصلت: 9 - 11. (7) الأحزاب: 50. (8) الفتح: 19. (9) النساء: 134.

يومين، ثم استوى إلى السماء فسواهُن سبع سموات في يومين آخرين، ثم دحى الأرض، أي: بسطها، وأخرج منها الماء والمرعى، وخلق فيها الجبال والأشجار، والآكام وما بينهما في يومين آخرين، فذلك قوله: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} (1) فخُلقت الأرضُ وما فيها من شيءٍ في أربعة أيامٍ، وخُلِقَتِ السموات في يومين، وقوله: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} سمى نفسه ذلك، أي: لم يزلْ، ولا يزالُ كذلك. وإن الله لم يُرد شيئاً إلا أصاب به الذي أراد، ويحكَ، فلا يختلفُ عليك القرآن، فإن كلاًّ من عند الله. أقول: اعتمدنا في تفسيرنا قولاً غير القول الذي قاله ابن عباس هاهنا في أن الأرض خلقت بعد السماء، ومجمل ما اعتمدناه أن السماء بمجراتها خلقت قبل الأرض والسموات السبع خلقت بعد الأرض، وقد اعتمدنا هذا التفسير بانين على بعض أقوال العلماء القدماء، لأن خلق الأرض متأخر في الزمن على خلق مجرات هذا الكون وهو شيء تؤكده كثير من الأبحاث العلمية ويشهد له ظاهر النصوص. 2598 - * روى الترمذي عن عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه قال: صنع لنا ابن عوفٍ طعاماً، فدعانا، فأكلنا، وسقانا خمراً قبل أن تُحرَّمَ، فأخذتْ منا، وحضرت الصلاةُ، فقدَّموني، فقرأت: قلْ: يا أيُّها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون ونحن نعبدُ ما تعبدون، قال: فخلَّطْتُ، فنزلت: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} (2). وأخرجه أبو داود (3) أنَّ رجلاً من الأنصار دعاهْ وعبد الرحمن بن عوفٍ، فسقاهما قبل أن تحرَّم الخمرُ، فحضرت الصلاة، فأمَّهُمْ عليٌّ في المغرب، فقرأ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} فخلَّط فيها، فنزلتْ {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}.

_ 2598 - الترمذي (5/ 238) 48 - كتاب تفسير القرآن، 5 - باب ومن سورة النساء. (1) النازعات: 30. (2) النساء: 43. (3) أبو داود (3/ 325) كتاب الأشربة، 1 - باب في تحريم الخمر، وإسناده صحيح. الحاكم (2/ 307) كتاب التفسير، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي.

2599 - *روى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنه قال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} (1) و {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} (2) نسختها التي في المائدة {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (3). 2600 - * روى أبو يعلي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا نُمسكُ عن الاستغفار لأهل الكبائر حتى سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} قال إني ادخرت دعوتي شفاعةً لأهل الكبائر من أمتي فأمسكنا عن كثير مما كان في أنفسنا، ثم نطقنا بعدُ ورجونا. 2601 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه قال: إن في سورة النساء لخمس آياتٍ ما يسُرُّني بها الدنيا وما فيها وقد علِمْتُ أن العلماء إذا مروا بها يعرفونها {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} الآية {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا}. 2602 - * روى الجماعة إلا الموطأ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نزل قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} الآية [النساء: 59] في عبد الله

_ 2599 - أبو داود (3/ 325) كتاب الأشربة، 1 - باب في تحريم الخمر، وإسناده صحيح. (الميسرُ) القمار. (الأنصابُ) الأحجار التي كانوا ينصبونها، ويذبحون عليها لأصنامهم وقيل هي الأصنام. (1) النساء: 43. (2) البقرة: 219. (3) المائدة: 90. 2600 - أبو يعلي (10/ 186). مجمع الزوائد (7/ 5) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلي ورجاله رجال الصحيح، غير حرب بن سريج وهو ثقة. 2601 - الطبراني (المعجم الكبير) (9/ 250). مجمع الزوائد (7/ 12) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. 2602 - البخاري (8/ 253) 65 - كتاب التفسير، 11 - باب (أطيعوا الله، وأطيعوا الرسول، وأولي الأمر منكم). مسلم (3/ 1465) 33 - كتاب الإمارة، 8 - باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية وتحريمها في المعصية. ... =

ابن حُذافة بن قيس بن عدي السهمي، إذ بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سريَّة. قال ابن حجر في الفتح 8/ 254. قوله (نزلت في عبد الله بن حذافة) كذا ذكره مختصراً، والمعنى نزلت في قصة عبد الله ابن حذافة أي المقصود منها في قصته قوله {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ} الآية، وقد غفل الداودي عن هذا المراد فقال: هذا وهم على ابن عباس، فإن عبد الله بن حذافة خرج على جيش فغضب فأوقدوا ناراً وقال اقتحموها فامتنع بعض، وهم بعض أن يفعل. قال: فإن كانت الآية نزلت قبل فكيف يخص عبد الله بن حذافة بالطاعة دون غيره، وإن كانت نزلت بعد فإنما قيل لهم إنما الطاعة في المعروف، وما قي للهم لِمَ لم تطيعوه؟ انتهى. والحمل الذي قدمته يظهر المراد، وينتفي الإشكال الذي أبداه، لأنهم تنازعوا في امتثال ما أمرهم به، وسببه أن الذين هموا أن يطيعوه وقفوا عند امتثال الأمر بالطاعة، والذين امتنعوا عارضه عدهم الفرارُ من النار، فناسب أن ينزل في ذلك ما يرشدهم إلى ما يفعلونه عند التنازع وهو الرد إلى الله وإلى رسوله، أي إن تنازعتم في جواز الشيء وعدم جوازه فارجعوا إلى الكتاب والسنة، والله أعلم. وقد روى الطبري أن هذه الآية نزلت في قصة جرت لعمار بن ياسر مع خالد بن الوليد وكان خالدٌ أميراً فأجار عمار رجلاً بغير أمره فتخاصما فنزلت، فالله أعلم. واختلف في المراد بأولي الأمر في الآية، فعن أبي هريرة قال: هم الأمراء أخرجه الطبري بإسناد صحيح، وأخرج عن ميمون بن مهران وغيره نحوه، وعن جابر بن عبد الله قال: هم أهل العلم والخير، وعن مجاهد وعطاء والحسن وأبي العالية: هم العلماء، ومن وجه آخر أصح منه عن مجاهد قال: هم الصحابة، وهذا أخص. وعن عكرمة قال: أبو بكر وعمر، وهذا أخص من الذي قبله، ورجح الشافعي الأول واحتج له بأن قريشاً كانوا لا يعرفون الإمارة ولا ينقادون إلى أمير، فأمروا بالطاعة لمن ولي الأمر (1)، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم

_ = أبو داود (3/ 40) كتاب الجهاد، باب في الطاعة. الترمذي (4/ 192) 24 - كتاب الجهاد، 3 - باب ما جاء في الرجل يُبعث وحده سرية. النسائي (7/ 154) 39 - كتاب البيعة، 28 - باب قوله تعالى (وأولي الأمر منكم). ابن ماجه (2/ 955، 956) 24 - كتاب الجهاد، 40 - باب لا طاعة في معصية الله. السريةُ): الطائفة من الجيش، تخرج للغزو.

"من أطاع أميري فقد أطاعني" متفق عليه. واختار الطبري حملها على العموم وإن نزلت في سبب خاص، والله أعلم. اهـ. 2603 - * روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا} (1) قال كنت أنا وأُمِّي من المستضعفين. وفي رواية أخرجها (2) الإسماعيلي: قال: تلا ابن عباس {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} فقال: كنت أنا وأمي ممن عَذَر الله، أنا من الولدان، وأمي من النساء. 2604 - * روى النسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن عبد الرحمن بن عوفٍ وأصحاباً له أتوُا النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، فقالوا: يا رسول الله، إنا كنَّا في عِزٍّ، ونحن مُشركون، فلما آمنَّا صِرْنا أذِلَّةً، فقال: إني أُمرتُ بالعفو، فلا تُقاتلوا، فلما حوَّله الله إلى المدينة أُمر بالقتال فكفُّوا، فأنزل الله عز وجل {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا} (3). 2605 - * روى الطبراني في الصغير عن عائشة رضي الله عنها قالت جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنك لأحبُّ إليَّ من نفسي، وإنك لأحبُّ إليَّ من ولدي وإني

_ 2603 - البخاري (8/ 255) 65 - كتاب التفسير، 14 - باب (وما لكم لا تقاتلون في سبي الله) - إلى (الظالم أهلها). (1) النساء: 75. (2) البخاري: نفس الموضع السابق، وقد أوردها ابن حجر في تعليقه على الحديث. 2604 - النسائي (6/ 3) 25 - كتاب الجهاد، 1 - باب وجوب الجهاد. الحاكم (2/ 307) كتاب التفسير، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح، على شرط البخاري، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. (فتيلاً) الفتيل: ما يكون في شق النواة، وقيل: هو ما يُقتل بين الأصبعين من الوسخ. (3) النساء: 77. 2605 - الروض الداني (1/ 53، 54). مجمع الزوائد (7/ 7) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الصغير والأوسط، ورجاله رجال الصحيح، غير عبد الله ... =

لأكونُ في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتى فأنظر إليك وإذا ذكرتُ موتي وموتُكَ عرفْتُ أنك إذا دخلت الجنة رُفعت مع النبيين، وأني إذا دخلت الجنة خشيتُ أن لا أراك، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ}. 2606 - * روى الشيخان عن سعيد بن جبير رحمه الله قال: قلت لابن عباس: ألِمَنْ قتل مُؤمناً متعمداً من توبةٍ؟ قال: لا، فتلوْتُ عليه هذه الآية التي في الفرقان {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} (1) قال: هذه آية مكيَّة، نسختْها آية مدنية {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (2). وفي رواية (3) قال: اختلف أهل الكوفة في قتل المؤمن فرحلتُ فيه إلى ابن عباس فقال: نزلت في آخر ما نزل، ولم ينسخها شيء. وفي أخرى (4) قال ابن عباس: نزلت هذه الآية بمكة: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} إلى قوله {مُهَانًا} فقال المشركون: وما يُغني عنا الإسلام وقد عدلنا بالله، وقد قتلنا النفس التي حرَّم الله، وأتينا الفواحش، فأنزل الله عز وجل {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (5). زاد في رواية (6): فأما من دخل في الإسلام وعقله ثم قتل فلا توبة له.

_ = ابن عمران العابدي، وهوثقة. 2606 - البخاري (9/ 492، 493) 65 - كتاب التفسير، 2 - باب (والذين لايدعون مع الله إلهاً آخر). مسلم (4/ 2318) 54 - كتاب التفسير، حديث رقم (3024). أبو داود (4/ 104، 105) كتاب الفتن والملاحم، باب في تعظيم قتل المؤمن. النسائي (7/ 85، 86) 37 - كتاب تحريم الدم، 2 - تعظيم الدم. (1) الفرقان: 68. (2) النساء: 93. (3) مسلم (4/ 2317) 54 - كتاب التفسير. (4) مسلم: نفس الموضع السابق (4/ 2318). (5) الفرقان: 70. (6) مسلم: نفس الموضع السابق (4/ 2318).

وفي رواية للبخاري (1) ومسلم والنسائي قال سعيد: أمرني عبد الرحمن بن أبْزَى أن أسأل ابن عباس عن هاتين الآيتين؟ {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} فسألته، فقال، لم ينسخها شيء، وعن هذه الآية {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} قال: نزلت في أهل الشرك. وفي رواية (2) لأبي داود عن سعيد بن جبير، قال: سألت ابن عباس فقال: لم نزلت التي في الفرقان {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} قال مشركو أهل مكة: قد قتلنا النفس التي حرم الله ودعونا مع الله إلهاً آخر وأتينا الفواحش فأنزل الله {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} فهذه لأولئك، قال: وأما التي في النساء {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} الآية، قال: الرجل إذا عرف شرائع الإسلام ثم قتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم لا توبة له، فذكرت هذا لمجاهد، فقال: إلا من نَدِمَ. ابن عباس يرى أن القاتل العمد لا توبة له مستدلاً بآية النساء معتبراً آية الفرقان نزلت في أهل الشرك أي قبل أن يسلموا يفعلون ما يفعلون فإن أسلموا فإن التوبة حاصلة لهم وقد أنزل الله الآية رداً عليهم إذا قالوا قد قتلنا النفس إلخ ... والجمهور على أن للقاتل توبة إذ أن في القتل ثلاثة حقوق حق الله وحق القتيل وحق أهل القتيل فحق أهل القتيل يسقط بالقصاص أو الدية، وحق الله تسقطه التوبة إن شاء الله أن يعفو، وحق القتيل يبقى في عنق القاتل فإن شاء الله أرضاه وأدخل القاتل الجنة وإلا فإن القاتل يعذب ما شاء الله أن يعذب ثم يخرج من النار في المآل إذا كان مؤمناً. قال النووي تعليقاً على جواب ابن عباس أن لا توبة: واحتج [ابن عباس] بقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} هذا هو المشهور عن ابن عباس، وروي عنه: أن له توبة، وجواز المغفرة له،

_ (1) البخاري (8/ 495) 65 - كتاب التفسير، 4 - باب (إلا من تاب وآمن ..). مسلم (4/ 2317) 54 - كتاب التفسير. النسائي (7/ 86) 37 - كتاب تحريم الدم، 20 باب تعظيم الدم. (2) أبو داود (4/ 104، 105) كتاب الفتن والملاحم، باب في تعظيم قتل المؤمن.

لقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} (1) فهذه الرواية الثانية: هي مذهب جميع أهل السنة والصحابة والتابعين ومن بعدهم، وما روي عن بعض السلف، مما يخالف هذا، فمحمول على التغليظ والتحذير من القتل، والتأكيد في المنع منه، وليس في هذه الآية التي احتج بها ابن عباس - تصريح بأنه يُخلد في النار، وإنما فيها جزاؤه، ولا يلزم منه أن يجازى. اهـ. وقال ابن كثير 1/ 537: قال أبو هريرة وجماعة من السلف هذا جزاؤه إن جازاه ... ومعنى هذه الصيغة أن هذا جزاؤه إن جوزي عليه وكذا كل وعيد على ذنب ... لكن قد يكون لذلك معارض من أعمال صالحة تمنع وصول ذلك الجزاء إليه وعلى قول ابن عباس أنه لا توبة له وعلى قول الجمهور حيث لا عمل صالحاً ينجو به فليس بمخلد فيها بداً بل الخلود هو المكث الطويل وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه يخرج من النار من كان في قلبه أدنى مثقال ذرة من إيمان) ... اهـ. 2607 - * روى النسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما سُئل عمنْ قتل مؤمناً متعمداً، ثم تاب وآمن، وعمل صالحاً، ثم اهتدى؟ فقال ابن عباس: فأنَّى له بالتوبة؟ سمعتُ نبيكمْ صلى الله عليه وسلم يقول: "يجيءُ المقتول متعلقاً بالقاتل، تشخَبُ أوداجُهُ دماً، فيقول: أي رَبِّ، سل هذا فيم قتلني؟ " ثم قال: "والله لقد أنزلها الله، ثم ما نسخها". وفي رواية (2) له أيضاً وللترمذي: أن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يجيء المقتولُ بالقاتل يوم القيامة، ناصيته ورأسه بيده، وأوداجُهُ تشخَبُ دماً، يقول: يا ربِّ، قتلني هذا، حتى يدنيَهُ من العرش"، قال: فذكروا لابن عباس التوبة، فتلا هذه الآية: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} قال: ما نُسختْ هذه الآيةُ، ولا بُدِّلَتْ، وأنَّى له التوبة؟!.

_ (1) النساء: 110. 2607 - النسائي (7/ 85) 37 - كتاب تحريم الدم، 2 - تعظيم الدم. (2) النسائي (7/ 87) نفس الموضع السابق. الترمذي (5/ 240) 48 - كتاب تفسير القرآن، 5 - باب "ومن سورة النساء" وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وإسناده قوي، وأخرجه أحمد. (تشخبْ) أي تسيل.

بيّنا في التعليق السابق الفهم الذي يجمع بين الآيات دون القول بالنسخ في أي منهما ... وقد علق محقق الجامع فقال: 2/ 95. إن باب التوبة لم يغلق دون كل عاص، بل هو مفتوح لكل من قصده ورام الدخول فيه، وإذا كان الشرك - وهو أعظم الذنوب وأشدها - تمحوه التوبة إلى الله تعالى، ويقبل من صاحبه الخروج منه، والدخول في باب التوبة، فكيف بما دونه من المعاصي التي من جملتا القتل عمداً؟. 2608 - * روى أبو داود عن أبي مِجْلزٍ رحمه الله في قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} قال: هي جزاؤه، فإنْ شاء الله أن يتجاوز عن جزائه فعلَ. بهذا الأثر استدل الجمهور على تفسير الآية وبغيره من عمومات الشريعة ومقاصدها ومنها قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} راجع تفسير ابن كثير (1/ 537) وابن جرير ج 5/ 136 - 139 قال ابن جرير 5/ 139: وأولى القول في ذلك بالصواب قول من قال معناه ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه - إن جزاه - جهنم خالداً فيها ولكنه يعفو أو يتفضل على أهل الإيمان به وبرسوله فلا يجازيهم بالخلود فيها ولكنه عز ذكره إما أن يعفو بفضله فلا يدخله النار وإما أن يدخله إياها ثم يخرجه منها بفضل رحمته لما سلف من وعده عباده المؤمنين بقوله {يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} فإن ظن ظان أن القاتل إن وجب أن يكون داخلاً في هذه الآية فقد يجب أن يكون المشرك داخلاً فيه لأن الشرك من الذنوب فإن الله عز ذكره قد أخبر أنه غير غافر الشرك لأحد بقوله {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} والقتل دون الشرك. 2609 - * روى الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لَقِيَ ناسٌ من المسلمين رجلاً في غُنيمنةٍ له، فقال: السلام عليكم، فأخذوه فقتلوه، وأخذوا تلك الغُنَيْمَ' (1)،

_ 2608 - أبو داود (4/ 105) كتاب الفتن والملاحم، باب في تعظيم قتل المؤمن ورجاله ثقات. 2609 - البخاري (8/ 258) 65 - كتاب التفسير، 17 - باب (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً). مسلم (4/ 2319) 54 - كتاب التفسير. ... =

فنزلت: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} وقرأها ابن عباس: السلام. ولفظ الترمذي قال "مرَّ رجلٌ من بني سُليْم على نفرٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه غنمٌ له، فسلَّم عليهم، فقالوا: ما سَلَّمَ عليكم إلا ليتعوذ منكم، فقاموا فقتلوه، وأخذوا غنمه، فأتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله الآية. أقول: وقراءة ابن عباس من القراءات المعتمدة وهذه قراءة حفص ومن وافقه أما قراءة نافع وابن عامر وحمزة فبفتح اللام وبحذف الألف (السَّلَمَ). فالقراءتان سبعيتان متواترتان. 2610 - * روى أحمد عن عبد الله بن أبي حدْرَدٍ قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إِضَمٍ فخرجت في نفر من المسلمين فيهم أبو قتادة الحارث بنُ ربعي ومُحَلِّمُ بن جثامة بن قيسٍ فخرجنا حتى إذا كنا ببطن إضم مَرَّ بنا عامرُ بن الأضبط الأشجعيُّ على قعودٍ له معه متيع ووطْب من لبن فلم مر بنا سلم علينا فأمسكنا عنه وحمل عليه مُحَلِّمُ بن جَثّامة فقتله بشيء كان بينه وبينه وأخذ بعيره ومتيعه فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرناه الخبر نزل فينا القرآن {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ [السَّلَامَ] لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}. وقع عند ابن جرير الطبري 5/ 140 (1).

_ = الترمذي (5/ 240) 48 - كتاب تفسير القرآن، 5 - باب "ومن سورة النساء" وقال الترمذي: هذا حديث حسن. (ليتعوذ) التعوذ: الالتجاء والاحتماء. 2610 - أحمد (6/ 11). مجمع الزوائد (7/ 8) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني ورجاله ثقات وأخرجه الطبري (5/ 140). (إضم): اسم جبل. (قعُود): من الإبل ما أمكن ركوبه، وأدناه ابن سنتين. (متيع): تصغير متاع وهو ما يُتَبَلَّغُ به من الزاد. (الوطبُ): الزق الذي يكون فيه السمن واللبن.

أن مُحَلِّماً هذا جاء فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر له فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا غفر لك الله فقام وهو يتلقى دموعه ببرديه فما مضت له سابعة حتى مات فدفنوه فلفظته الأرض ... إلخ فهذه رواية منكرة متناً وضعيفة سنداً وأحببنا ذكرها للإشارة إلى أنها منكرة. 2611 - * روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} (1) عن بدر والخارجون إليها. 2612 - * روى الطبراني عن زيد بن أرْقم رضي الله عنه قال لما نزلت {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} جاء ابنُ أمِّ مكتومٍ فقال يا رسول الله أمالي من رُخصةٍ؟ قال: "لا" قال: ابنُ أم مكتوم اللهم إني ضريرٌ فرَخّص لي. فأنزل الله عز وجل: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابتها. وعند الترمذي: لما نزلتْ غزوةُ بدرٍ، قال عبد بن جحش وابن أم مكتومٍ: إنا أعميان يا رسول الله، فهل لنا رخصةٌ؟ فنزلت {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} فضل الله المجاهدين على القاعدين درجة فهؤلاء القاعدة غير أُولي الضرر {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا دَرَجَاتٍ مِنْهُ} على القاعدين من المؤمنين غير أولي الضرر. أقول: عبد بن جحش هو أخو عبد الله بن جحش وكان أعمى ووقع في المطبوع من نسخة الترمذي بتحقيق إبراهيم عطوة: عبد الله بدل عبد وهو وهم. انظر الإصابة (4/ 3) منْ كنيته أبو أحمد.

_ 2611 - البخاري (7/ 290) 64 - كتاب المغازي، 5 - باب: 3954، وهذا الحديث طرفه في البخاري في: 4595. (1) النساء: 95. 2612 - الطبراني (المعجم الكبير) (5/ 190). مجمع الزوائد (7/ 9) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات. الترمذي (5/ 241) 48 - كتاب تفسير القرآن، / 5 - باب "ومن سورة النساء" وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.

2613 - * روى الشيخان عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: لما نزلت {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زيداً، فجاء بكتفٍ، وكتبها، وشكا ابن أمِّ مكتوم ضرارته، فنزلت {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}. وفي أخرى (1) قال: لما نزلت {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ادعُوا فلاناً"، فجاءه، ومعه الدواةُ واللوحُ أو الكتفُ، فقال: "اكتُبْ (لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله) وخَلْفَ النبي صلى الله عليه وسلم ابنُ أُمِّ مكتوم، فقال: يا رسول الله، أنا ضريرٌ، فنزلت مكانها {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}. وفي رواية الترمذي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ائتوني بالكتف أو اللوح فكتب {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} وعمرو بنُ أمِّ مكتومٍ خَلْفَ ظهره، فقال: هل لي رُخصة؟ فنزلت {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}. وفي أخرى (2) له وللنسائي بنحوها، قال: لما نزلت {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} جاء عمرو بن أم مكتوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم - وكان ضرير البصر - فقال: يا رسول الله، ما تأمرني؟ إني ضريرُ البصر، فأنزل الله {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ائتوني بالكتف والدواة، أو اللوح والدواة". 2614 - * روى الطبراني عن ابن عباس في قوله تعالى {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ

_ 2613 - البخاري (8/ 259) 65 - كتاب التفسير، 18 - باب (لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله). مسلم (3/ 1508) 33 - كتاب الإمارة، 40 - باب سقوط فرض الجهاد على المعذورين. الترمذي (4/ 191) 24 - كتاب الجهاد، 1 - باب ما جاء في الرخصة لأهل العذر في القعود. (1) البخاري (8/ 259، 260) 65 - كتاب التفسير، 18 - باب (لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله). (2) الترمذي (5/ 240، 241) 48 - كتاب تفسير القرآن، 5 - باب "ومن سورة النساء: وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. النسائي (6/ 10) 25 - كتاب الجهاد، 4 - باب فضل المجاهدين على القاعدين. 2614 - الطبراني (المعجم الكبير) (12/ 165). ... =

الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} قال هم قوم كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغزون معه لأسقامٍ وأمراضٍ وأوجاعٍ وآخرون أصحاءُ لا يغزون معه فكان المرضى في عُذْرٍ من الأصحاء. أقول: عندما يكون الجهاد فرض عين فإن من يتخلف من غير أولي الضرر عنه يكون آثما يستحق العذاب، وعندما يكون القتال فرض كفاية فيقاتل ناس ويقعد ناس من غير أولي الضرر فإن الله يفضل المقاتلين على القاعدين درجات منه، أما أولو الضرر الذين حبسهم العذر فهؤلاء إن كانت لهم نية صالحة صادقة في الجهاد، فهم شركاء في الأجر مع المقاتلين. 2615 - * روى البزار عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان ناسٌ من أهل مكةَ قد أسلموا وكانوا مُستخفين بالإسلام. فلما خرج المشركون إلى بدرٍ أخرجوهم مُكْرَهين، فأصيب بعضهم يوم بدرٍ مع المشركين، فقال المسلمون أصحابُنا هؤلاء مسلمون أخرجوهم مُكْرَهين فاستغفروا لهم، فنزلت هذه الآية {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} فكتب المسلمون إلى من بقي منهم بمكة بهذه الآية فخرجوا حتى إذا كانوا ببعض الطريق ظهر عليهم المشركون وعلى خروجهم فلحقوهم فرَدُّوهم فرجعوا معم فنزلت هذه الآية {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} فكتب المسلمون إليهم بذلك فحزنوا فنزلتْ هذه الآية {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} فكتبوا إليهم بذلك. 2616 - * روى الجماعة إلا البخاري والموطأ عن يعلي بن أمية (رضي الله عنه) قال: قُلت لعمر بن الخطاب (1) {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ

_ = مجمع الزوائد (7/ 9) وقال الهيثمي: رواه الطبراني من طريقين، ورجال أحدهما ثقات. 2615 - كشف الأستار (3/ 46) سورة النساء. مجمع الزوائد (7/ 9) وقال الهيثمي: روى البخاري بعضه، ورواه البزار، ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن شريك، وهو ثقة. 2616 - مسلم (1/ 478) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 1 - باب صلاة المسافرين وقصرها. ... =

الَّذِينَ كَفَرُوا} (1). فقد أمنَ الناسُ؟ فقال: عجبتُ مما عجبتَ منه، فسألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال: "صدقةٌ تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته". 2617 - *روى مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: لما نزلت {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} (2) بلغتْ من المسلمين مبلغاً شديداً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قاربُوا وسدِّدُوا، ففي كلِّ ما يُصابُ به المسلم كفارةٌ، حتى النَّكْبةُ يُنْكَبُها، والشوْكَةُ يُشَاكُهَا". وفي رواية الترمذي مثله، وفيه، شَقَّ ذلك على المسلمين، فشكوْا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث. 2618 - * روى أحمد عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً تلا هذه الآية: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} قال إنا لنُجزي بما عمِلْنا؟ هلكْنَا إذاً، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "نعم يُجزَى به المؤمنُ في الدنيا في مصيبة، في جسده، فيما يؤذيه". 2619 - * روى الشيخان عن جابرٍ (رضي الله عنه) قال: مَرِضْتُ، فأتاني رسول الله

_ = أبو داود (2/ 3) تفريع أبواب صلاة السفر، باب صلاة المسافر. الترمذي (5/ 243) 48 - كتاب تفسير القرآن، 5 - باب "ومن سورة النساء" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. النسائي (3/ 116، 117) 15 - كتاب تقصير الصلاة في السفر. ابن ماجه (1/ 339) 5 - كتاب إقامة الصلاة، 73 - باب تقصير الصلاة في السفر. (1) النساء: 101. 2617 - مسلم (4/ 1993) 45 - كتاب البر والصلة والآداب، 14 - باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن أو نحو ذلك. الترمذي (5/ 247، 248) 48 - كتاب تفسير القرآن، 5 - باب "ومن سورة النساء" وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. (2) النساء: 123. (قاربوا) المقاربة: الاقتصاد في العمل. (سددوا) السدادُ: الصواب. 2618 - أحمد (6/ 65، 66). أبو يعلي (8/ 135). مجمع الزوائد (7/ 12) وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلي ورجالهما رجال الصحيح. 2619 - البخاري (10/ 114) 75 - كتاب المرضى، 5 - باب عيادة المغمى عليه. ... =

صلى الله عليه وسلم يعُودُني وأبو بكرٍ، وهما ماشيان فوجداني أُغمِيَ عليَّ، فتوضأ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ثم صبَّ وضوءهُ عليَّ، فأفقْتُ، فإذا النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقلتُ، يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت، يا رسول الله كيف أصنع في مالي؟ كيف أقضي في مالي؟ فلم يُجبني بشيء، حتى نزلت آية الميراث. وفي رواية (1): فعقلْتُ، فقلت: لا يرثُني إلا كلالةٌ، فكيف الميراث؟ فنزلت آية الفرائض. وفي أخرى (2): فلم يرُدَّ عليَّ شيئاً، حتى نزلتْ آيةُ الميراُث: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (3). وفي رواية (4) للترمذي مثل رواية البخاري ومسلم، وزاد فيها: وكان لي تسع أخواتٍ، حتى نزلت آية الميراث: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ}. وفي رواية (5) لأبي داود قال: اشتكيتُ وعندي سبْعُ أخواتٍ، فدخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنفخ في وجهي فأفقْتُ، فقلتُ: يا رسول الله، ألا أُوصي لأخواتي بالثلثين؟ قال: أحْسِنْ، قلتُ، بالشطرِ؟ قال: أحْسِنْ، ثم خرج وتركني، فقال: يا جابرُ، لا أُرَاك ميِّتاً مِنْ وجعك هذا، وإنَّ الله قد أنزل فبَيَّن الذي لأخواتك، فجعل لهن الثُّلُثَيْنِ، قال: فكان جابرٌ يقول: أُنزِلَت فيَّ هذه الآية {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ}.

_ = مسلم (3/ 1234) 23 - كتاب الفرائض، 2 - باب ميراث الكلالة. ابن خزيمة (1/ 56) 81 - كتاب إباحة الوضوء بالماء المستعمل. (1) البخاري (10/ 132) 75 - كتاب المرضى، 21 - باب وضوء العائد للمريض. (2) مسلم (3/ 1235) 23 - كتاب الفرائض، 2 - باب ميراث الكلالة. (3) النساء: 176. (4) الترمذي (417، 418) 30 - كتاب الفرائض، 7 - باب ميراث الأخوات، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (5) أبو داود (3/ 119، 120) كتاب الفرائض، باب من كان ليس له ولد وله أخوات. (كلالةٌ) الكلالة: هو أن يرث الميت غير الوالد والولد، وتطلق على من ليس بوالدٍ ولا ولدٍ من الوارثين.

سورة المائدة

سورة المائدة 2620 - * روى الجماعة إلى الموطأ وأبا داود عن طارق بن شهاب (رحمه الله) قال: قالت اليهودُ لعمر رضي الله عنه: إنكُمْ تقرؤون آيةً لوْ نزلتْ فينا لاتخذناها عيداً، فقال عمر: إني لأعلَمُ حيثُ أُنزِلَتْ، وأين أُنزلت، وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أُنزلتْ: يوم عرفة وإنا والله بعرفة: قال سفيان: وأشُكُّ: كان يوم الجمعة أم لا {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (1). وفي رواية (2) قال: جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب، فقال: يا أمير المؤمنين، آيةٌ في كتابكم تقرؤونها، لو علينا نزلتْ معشرَ اليهودِ، لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال: فأيُّ آية؟ قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} فقال عمر: إني لأعلم اليوم الذي نزلتْ فيه، والمكان الذي نزلت فيه: نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات، في يوم جُمعةٍ. 2621 - *روى الترمذي عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قرأ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} وعنده يهوديٌّ فقال: لو نزلتْ هذه الآية علينا لاتخذناها عيداً، فقال ابن عباس: فإنها نزلت يوم عيدين: في يوم جمعةٍ، ويوم عرفة. 2622 - * روى أبو داود عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ

_ 2620 - البخاري (8/ 270) 65 - كتاب التفسير، 2 - باب (اليوم أكملت لكم دينكم). مسلم (4/ 2312) 54 - كتاب التفسير. الترمذي (5/ 250) 48 - كتاب تفسير القرآن، 6 - ومن سورة المائدة، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. النسائي (8/ 114) 47 - كتاب الإيمان وشرائعه، 18 - باب زيادة الإيمان. (1) المائدة: 3. (2) مسلم (4/ 2313) 43 - كتاب التفسير. 2621 - الترمذي (5/ 250) 48 - كتاب تفسير القرآن، 6 - باب "ومن سورة المائدة" وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. 2622 - أبو داود (4/ 132) كتاب الحدود، 3 - باب ما جاء في المحاربة. ... =

يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (1) نزلت هذه الآيةُ في المشركين، فمن تاب منهُم قبْلَ أنْ يُقْدَرَ عليه لم يمنعهُ أنْ يُقام فيه الحدُّ الذي أصابَهُ. 2623 - * روى مسلم عن البراء بن عازبٍ (رضي الله عنهما) قال: مُرَّ على النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي، مُحَمَّماً مجْلُوداً، فدعاهم صلى الله عليه وسلم، فقال: "هكذا تجدون حَدَّ الزاني في كتابكم؟ قالوا: نعم. فدعا رجلاً من علمائهم، فقال: أنشُدُك بالله الذي أنزل التوراة على موسى، أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قال: لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك، نجده الرجم، ولكنه كثُرَ في أشرافنا، فكُنَّا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، فقلنا، تعالوا فلنجتمع على شيءٍ نقيمه على الشريف والوضيع، فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجْم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إنِّي أولُ من أحيا أمرك إذْ أماتُوه، فأمر به فرُجم، فأنزل الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ

_ = النسائي (7/ 101) 37 - كتاب تحريم الدم، 9 - ذكر اختلاف طلحة بن مصرف ومعاوية بن صالح على يحيى ابن سعيد في هذا الحديث، وهذا الحديث إسناده لا بأس به، وهذا التأويل للآية مذهب ابن عباس. وقد ضعَّف القرطبي هذا القول، ورده بقوله تعالى: (قل للذين كفروا إن ينتهوا يُغفر لهم ما قد سلف) وبقوله صلى الله عليه وسلم: "الإسلام يهدم ما كان قبله" رواه مسلم، وقال أبو ثور وفي الآية دليل على أنها نزلت في غير أهل الشرك، وهو قوله جل ثناؤه: (إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم) وقد أجمعوا على أن أهل الشرك إذا وقعوا في أيدينا فأسلموا أن دماءهم تحرم، فدل ذلك على أن الآية نزلت في أهل الإسلام، وقال ابن كثير 2/ 48 وتبعه الشوكاني في فتح القدير 2/ 32: والصحيح أن هذه الآية عامة في المشركين وغيرهم ممن ارتكب هذه الصفات. (م). (1) المائدة: 22، 23. 2623 - مسلم (3/ 1327) 29 - كتاب الحدود، 6 - باب رجم اليهود، أهل الذمة، في الزنا. أبو داود (4/ 154) كتاب الحدود، باب في رجم اليهوديين، وإسناده حسن. (تحمم) التحميم: تسويد الوجه، من الحميم، جمع حممةٍ، وهي: الفحمةُ. (أنشدك بالله) أحلفُ عليك وأقسم.

بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ} (1). يقول: ائتوا محمداً، فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه، وإن أفْتاكم بالرَّجْم فاحذروا، فأنزل الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ - وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ - وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} في الكفَّار كُلها. وفي رواية أبي داود مِثلُهُ، وقال في آخرها: فأنزل الله: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} - إلى قوله- {يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا} إلى قوله جل ثناؤه- {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} - في اليهود إلى قوله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} - في اليهود، إلى قوله- {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} قال: هي في الكفار كلُّها، يعني: هذه الآي. أقول: وكل من لم يحكم بما أنزل الله من هذه الأمة فإنه ظالم لأنه لا عدل إلا بما شرعه الله، وهو إن استحل الحكم بغير ما أنزل الله كافر وإن فضل على حكم الله غيره، فهو كافر وإن حكم بغير ما أنزل الله غير مستحل ولا مفضل عليه غيره. فأدنى درجاته أنه فاسق، وللفتوى الاستثنائية في هذا المقام محل. 2624 - * روى أبو داود عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} إلى قوله: {الْفَاسِقُونَ}، هذه الآيات الثلاثُ نزلت في اليهود خاصة: قُرَيْظةَ والنَّضير. أقول: خصوص السبب لا ينفي عموم اللفظ، فهي فيهم وفي أمثالهم. 2625 - * روى أبو داود عن ابن عباس (رضي الله عنهما) كان قريظةُ والنضيرُ، وكان النضير أشرف من قريظة، فكان إذا قَتل رجل من قُريظة رجلاً من النضير قُتِلَ به، وإذا

_ (1) المائدة: 41. 2624 - أبو داود (3/ 299) كتاب الأقضية، باب في القاضي يخطيء وإسناده سن. 2625 - أبو داود (4/ 168) كتاب الديات، باب النفس بالنفس. النسائي (8/ 18، 19) 45 - كتاب القسامة، 8 - باب ذكر الاختلاف على عكرمة في ذلك. ... =

قتل رجل من النضير رجلاً من قُريظة فوديَ بمائة وسْقٍ من تمر فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم، قَتل رجل من النضير رجلاً من قريظة، فقالوا: ادفعوه إلينا نقتُلْه، فقالوا: بيننا وبينكم النبي صلى الله عليه وسلم، فأتوه فنزلتْ: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} والقسط: النفس بالنفس، ثم نزلت: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} (1). ولأبي داود (2): قال: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} (3). فنسخت، قال: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} (4). أقول: على القول بنسخ التخيير في قوله تعالى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} منسوخ بقوله تعالى: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} فهذا يفيد أن أحكام الشريعة الإسلامية تسري على كل مواطن في دولة الإسلام إلا ما كان من شؤونهم الخاصة التي أبيحت في شرائعهم ولم يأت في شريعتنا ما يدل على أنها كانت محرمة عليهم. ولذلك لم يجز فقهاء الحنفية أن يقتل المسلم خنزير النصراني أو يريق خمره ولو فعل فإن قاضي المسلمين يضمنه. 2626 - * روى الطبراني عن عياضٍ الأشعري قال لما نزلتْ هذه الآية: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} (5) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هم قوم هذا" يعني أبا موسى. وفي رواية (6): "هم أهل اليمن". أقول: لقد كان لأهل اليمن في الردة الأولى دور كبير في إخمادها، وإنهائها، ونرجو أن يكون لهم دور دائم في هذا المضمار، وكل من تحقق بصفات جند الله فالمرجو أن يكون له دور في إنهاء الردة المعاصرة.

_ = ابن حبان (7/ 258) كتاب القضاء، ذكر الأخبار عن السبب الذي من أجله أنزل الله (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط). (1) المائدة: 50. (2) أبو داود (3/ 303) كتاب القضية، باب الحكم بين أهل الذمة. (3) المائدة: 43. (4) المائدة: 48. 2626 - الطبراني (المعجم الكبير) (17/ 371). مجمع الزوائد (7/ 16) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح. (5) المائدة: 54. (6) الطبري (6/ 115، 116).

2627 - * روى الطبراني عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: "قال رجلٌ من اليهود يقال له شاسُ بن قيسٍ إنَّ ربك بخيلٌ لا ينفقُ فأنزل الله عز وجل: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} (1). أقول: في نسخة الأصل تروي هذه الحادثة عن رجل اسمه النَّبَّاش بن قيس وفي تفسير ابن كثير أنه شاس بن قيس وهو الذي اعتمدناه وتروي الحادثة عن رجل اسمه فنحاص كذلك. كما في الطبري (6/ 194) وابن كثير (2/ 75) وفيهما عن ابن عباس: لا يعنون بذلك أني د الله موثقة ولكن يقولون بخيل يعني أمسك ما عنده بخلاً تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً. 2628 - * روى الترمذي عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحرسُ ليلاً، حتى نزل: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (2) فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسهُ من القُبَّةِ، فقال لهم: "يا أيها الناسُ، انصرفوا، فقد عصمني الله". 2629 - * روى الترمذي عن ابن عباس (رضي الله عنهما) أنَّ رجلاً أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني إذا أصبْتُ اللحم انتشرتُ للنساء، وأخذتني شهوتي، فحرَّمتُ عليَّ اللحْمَ، فأنزل الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا} (3). 2630 - * روى البخاري من حديث عبد الله بن مسعود قال: كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم وليس معنا نساء، فقلنا: ألا نختصي؟ فنهانا عن ذلك، فرخص لنا بعد ذلك أن نتزوج

_ 2627 - الطبراني (المعجم الكبير) (12/ 67، 68). مجمع الزوائد (7/ 17) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله ثقات. (1) المائدة: 64. 2628 - الترمذي (5/ 251) 48 - كتاب تفسير القرآن، 6 - باب "ومن سورة المائدة". الحاكم (المستدرك) (2/ 313) وصححه، ووافقه الذهبي. (القبة): من الخيام بيت صغير مستدير وهو من بيوت العرب. 2629 - الترمذي (5/ 255، 256) 48 - كتاب تفسير القرآن، 6 - باب "ومن سورة المائدة" وقال: هذا حديث حسن غريب. (2) المائدة: 67. (3) المائدة: 86، 87. 2630 - البخاري (8/ 276) 65 - كتاب التفسير، 9 - باب (لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم).

المرأة بالثوب، ثم قرأ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ}. أقول: وذلك قبل تحريم نكاح المتعة، فقد كان مباحاً ثم حرم وكان فيشأنه اختلاف وكان في تحريمه اختلاف بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استقر الإجماع على التحريم بعد أن تبين لجميع المسلمين قطعية النصوص التي تحرمه، والنص لا يمنع الإنسان أن يمتنع عن تناول بعض الأطعمة المباحة لمصلحة يراها ولكنه يمنعه أن يحرم ذلك على نفسه. 2631 - * روى الطبراني عن همام بن الحارث أن ابن مُقَرِّنٍ سأل عبد الله بن مسعود فقال: يا أبا عبد الرحمن إني حلفت أن لا أنام على فراشٍ سنةً فتلا عبد الله هذه الآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (1) كفر عن يمينك ونم على فراشك. قال إني موسِرٌ قال أعتقْ رقبة. قال عبدي سرق شيئاً من عندي. قال مالُك سُرِقَ بعضه من بعض. أي لا قطع عليه. قال أمتي زنت قال اجْلِدْها. قال إنها لم تحصن. قال إسلامُها إحصانُها. أقول: قوله: (أي لا قطع عليه): أي لا تقطع يد العبد إذا سرق من مال سيده، وإذا زنت الأمة فحدها خمسون جلدة سواء كانت متزوجة أو غير متزوجة، فالعبد والأمة لا يرجمان سواء كانا محصنين أو غير محصنين وحدُّهُما واحد وهو خمسون جلدة. 2632 - * روى أحمد عن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أنه قال: اللهم بيِّن لنا في الخمر بيان شفاءٍ، فنزلت التي في البقرة: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} (2) الآية، فدُعِيَ عمر، فقُرِئَتْ عليه، فقال: "اللهم

_ = (تتزوج المرأة بالثوب): هو الزواج إلى أجل وهو زواج المتعة. 2631 - الطبراني (المعجم الكبير) (9/ 397، 398). مجمع الزوائد (6/ 274) وقال الهيثمي: رواه الطبراني بأسانيد ورجال هذا وغيره رجال الصحيح وأخرجه الطبري (7/ 19). (1) المائدة: 87. 2632 - أحمد (1/ 53). أبو داود (3/ 325) كتاب الأشربة، باب في تحريم الخمر. الترمذي (5/ 253، 254) 48 - كتاب تفسير القرآن، 6 - باب "ومن سورة المائدة". النسائي (8/ 286، 287) 51 - كتاب الأشربة، 1 - باب تحريم الخمر. المستدرك للحاكم (4/ 143) كتاب الأشربة، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. (2) البقرة: 219.

بيِّنْ لنا في الخمر بيان شفاءٍ" فنزلت التي في النساء: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} (1) فدُعِيَ عمر، فقُرِئَت عليه، فقال: اللهم بَيِّنْ لنا في الخمر بيان شفاءٍ، فنزلت التي في المائدة: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (2) فدُعي عمرُ فقُرئتْ عليه، فقال: انتهينا، انتهينا. إلا أن أبا داود زاد بعد قوله (وأنتم سكارى): فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة ينادي: ألا لا يقْرَبَنَّ الصلاة سكرانٌ. وعنده: انتهينا، مرة واحدة. 2633 - * روى مسلم عن (ابن مسعودٍ) لما نزلت: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (3) قال النبي صلى الله عليه وسلم: "قِيلَ لي أنت منهم". وللترمذي (4): قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أنت منهم". أقول: إن كثرة الطعام المباح والشراب المباح يؤثر على سير السائرين إلى الله عز وجل، فالأصل أن ينتقل الإنسان من تقوى وإيمان وعمل صالح إلى مزيد من التقوى والإيمان، ثم إلى تقوى وإحسان فما دام الإنسان ينتقل في مراتب الكمال فلا جناح عليه فيما طعم من المباحات، أما إذا صرفه الاستغراق في المباح عن السير في مراتب الكمال فإنه يدخل في هذه الحالة في دائرة المخالفة للأدب وفي دائرة خلاف الأولى، وقد يدخل في دائرة الأمراض القلبية من بطر وأشر وغفلة، وقد يدخل في دائرة الإسراف، فعل المسلم أن ينتبه إلى ذلك، فلا يصرفه الطعام والشراب عن الارتقاء في مراتب الكمال وقوله عليه الصلاة والسلام لابن مسعود (أنت منهم) إشارة إلى أن ابن مسعود من الناس الذين لا يصرفهم طعام مباح عن التوجه الحق لله تعالى، والقيام بحقوقه، وأكثر الخلق عن هذا

_ (1) النساء: 43. (2) المائدة: 91. 2633 - مسلم (4/ 1910) 44 - كتاب فضائل الصحابة، 22 - باب من فضائل عبد الله بن مسعود وأمه (رضي الله عنها).م (3) المائدة: 93. (4) الترمذي (5/ 255) 48 - كتاب التفسير، 6 - باب ومن سورة المائدة.

غافلون قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} (1) وقال تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ} (2) انظر شرح النووي على مسلم ج 16/ص 14. 2634 - * روى الترمذي عن ابن عباسٍ (رضي الله عنهما) قال: قالوا: يا رسول الله، أرأيت الذين ماتوا وهم يشربون الخمر لما نزل تحريمُ الخمر؟ فنزلت: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}. أقول: لما كانت الخمر مباحة فلم يكن على منْ آمن وعمل صالحاً جناح فيما طعم من المباحات، ومنها الخمر قبل أن تحرم، فلما حرمت وجد الجناح على من شربها ودخل في الحرام فلم يعد بذلك من أهل التقوى والإحسان بل أصبح من يشربها من الفاسقين إذا لم يستحل ذلك فإذا استحلها فقد كفر. قال الطبري: ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات منكم حرج فيما شربوا من ذلك - أي من الخمر - في الحال التي لم يكن الله تعالى حرمها عليهم إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات. 2635 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعودٍ قال: لما نزل تحريمُ الخمرِ قالتِ اليهودُ أليس إخوانُكم الذين ماتوا كانوا يشربونها؟ فأنزل الله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل لي: "أنت منهم". 2636 - * روى الطبراني عن ابن عباسٍ قال: نزل تحريمُ الخمر في قبيلتين من قبائل شَربوا حتى إذا ثَمِلُوا عبثَ بعضُهم ببعضٍ، فلما صحوا جعل الرجل يرى الأثر بوجهه وبرأسه وبلحيته يقول فعل هذا أخي فلان والله لو كان بي رؤوفاً رحيماً ما فعل هذا بي

_ (1) محمد: من 12. (2) الأحقاف: من 20. 2634 - الترمذي (5/ 255) الموضع السابق، وقال: هذا حديث حسن صحيح. 2635 - الطبراني (10/ 95). مجمع الزوائد (7/ 18) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وفي الصحيح بعضه ورجاله ثقات. 2636 - الطبراني (12/ 56، 57). مجمع الزوائد (7/ 18) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح.

وقال وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائنُ فوقعتْ في قلوبهم الضغائنُ فأنزل الله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} فقال ناس من المتكلِّفين هي رجْسٌ وهي في بطن فلان قُتِلَ يوم بدرٍ وفلانٍ قتل يوم أُحدٍ، فأنزل الله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} الآية. 2637 - * روى أبو داود عن ابن عباس (رضي الله عنه) قال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} (1) و {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} (2) نسختْها التي في المائدة {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (3). 2638 - * روى البخار يعن أنسٍ رضي الله عنه: "إنَّ الخمرَ التي أهريقت الفضيخ" قال البخاري: وزادني محمدٌ البيكنديُّ عن أبي النعمان قال [أي أنس] "كنتُ ساقي القوم في منزل أبي طلحة، فنزل تحريم الخمر، فأمر مُنادياً فنادى، فقال أبو طلحة: اخرُج فانظرْ ما هذا الصوتُ، قال فخرجتُ فقلت: هذا منادٍ ينادي: ألا إن الخمر قد حُرِّمَت. فقال لي: اذهَبْ فأهرِقْها. قال فجرتْ في سككِ المدينة. قال وكانت خمرُهم يومئذٍ الفضيخُ، فقال بعض القوم: قُتل قومٌ وهي في بُطونهم، قال فأنزل الله: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا}. 2639 - * روى الشيخان عن أنس بن مالكٍ (رضي الله عنه) قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خُطبةً ما سمعت مثلها قطُّ، فقال: "لو تعلمون ما أعلمُ لضحِكتم قليلاً،

_ 2637 - أبو داود (3/ 325) كتاب الأشربة، باب في تحريم الخمر، وهو حخديث حسن. (الميسر) القمار. (الأنصاب) الأحجار التي كانوا ينصبونها، ويذبحون عليها لأصنامهم، وقيل: هي الأصنام. (1) النساء: 43. (2) البقرة: 219. (3) المائدة: 90. 2638 - البخاري (8/ 278) 65 - كتاب التفسير، 11 - باب (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات). (الفضيخ) شراب يتخذ من البُسر المفضوخ أي المشدوخ وسمي كذلك لأنه يسكر صاحبه فيفضخه. 2639 - البخاري (8/ 280) 65 - كتاب التفسير، 12 - باب (لا تسألوا عن أشياء إن تُبد لكم تسؤكم). ... =

ولبكيْتُمْ كثيراً". قال: فغطَّى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم، ولهم خَنينٌ، فقال رجلٌ: من أبي؟ قال: فلانٌ، فنزلتْ هذه الآية: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} (1). وفي رواية أخرى (2): أخرى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حين زاغتِ الشمسُ، فصلَّى الظُّهرَ، فقام على المنبر فذكر الساعة، وذكر أن فيها أمُوراً عظاماً، ثم قال: "من أحبَّ أن يسأل عن شيءٍ فليسألْ، فلا تسألوني عن شيءٍ إلا أخبرتُكم، ما دمتُ في مقامي"، فأكثر الناسُ البكاء، وأكثر أن يقول: "سَلُوا" فقام عبد الله بن حُذافة السَّهْميُّ، فقال: من أبي؟ فقال: أبوكَ حُذافةُ، ثم أكثر أنْ يقول: "سلُوني"، فبرك عمر على رُكبتيه، فقال: رضينا بالله ربا، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبيًّا، فسكت، ثم قال: "عُرِضَتْ عليَّ الجنةُ والنارُ آنفاً في عُرْضِ هذا الحائط، فلم أرَ كاليوم في الخير والشرِّ"- قال: ابن شهابٍ: فأخبرني عبيدُ الله بن عبد الله بن عتبة قال: قالتْ أُمُّ عبد الله بن حُذافة لعبد الله بن حُذافة: ما سمعتُ قطُّ أعَقَّ منك، أمِنْتَ أن تكون أُمُّكَ قارفَتْ بعض ما يُقارفُ أهل الجاهلية فتفْضحَها على أعين الناس؟ فقال عبد الله بن حُذافة: لو ألحقني بعبد أسود للحِقْتُهُ. وفي أخرى (3) قال: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحابه شيءٌ، فخطب، فقال: "عُرِضَتْ عليَّ الجنةُ والنارُ، فلم أرَ كاليومِ في الخير والشرِّ، ولو تعلمون ما أعلمُ لضحكْتُم قليلاً، ولبكيتُم كثيراً"، قال: فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومٌ أشدُّ منه، قال: غطَّوْا رؤوسهم، ولهم خنينٌ- ثم ذكر قيام عُمَرَ وقوله، وقول الرجل: مَنْ

_ = مسلم (4/ 1832، 1833) 43 - كتاب الفضائل، 37 - باب توقيره صلى الله عليه وسلم، وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه ... إلخ. (1) المائدة: 101. (2) مسلم نفس الموضع السابق. (3) مسلم نفس الموضع السابق. (آنفاً) فعلتُ الشيء آنفاً، أي: الآن. (الخنين) بالخاء المعجمة، شبيه بالبكاء مع مشاركة في الصوت من الأنف. (عُرْض) عُرضُ الشيء: جانبه. (المقارفة): ههنا الزنا، وفي الأصل الكسب والعمل.

أبي ونزول الآية. وفي أخرى (1) قال: سألوا النبي صلى الله عليه وسلم، حتى أحْفَوْهُ في المسألة، فصعِد ذات يوم المنبر، فقال: "لا تسألوني عن شيء إلا بينتُهُ لكم"، فلما سمعُوا ذلك أرمُّوا ورهبُوا أن يكون بين يدي أمر قد حضر، قال أنسٌ: فجعلتُ أنظرُ يميناً وشمالاً، فإذا كلُّ رجلٍ لافٌّ رأسه في ثوبه يبْكي، فأنشأ رجلٌ - كان إذا لاحى يُدْعَى إلى غير أبيه - فقال: يا نبي الله، من أبي؟ قال: "أبو حُذافةُ"، ثم أنشأ عمر، فقال: رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ رسولاً، نعوذُ بالله من الفتن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما رأيت في الخير والشر كاليوم قطُّ، إني صُوِّرتْ لي الجنةُ والنارُ، حتى رأيتُهما دون الحائطِ". قال قتادة: يُذكرُ هذا الحديث عند هذه الآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}. وأخرج الترمذي منه (2) طرفاً يسيراً، قال: قال رجلٌ: يا رسول الله، منْ أبي؟ قال: أبوك فلانٌ، فنزلتْ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}. قال النووي في تفسير كلمة أم حذافة: معناه: لو كنت من زنا فنفاك عن أبيك حذافة فضحتني. وأما قوله: "لو ألحقني بعبد أسود للحقته" فقد يقال: هذا لا يتصور، لأن الزنا لا يثبت ب النسب. ويجاب عنه: بأنه يحتمل وجهين: أحدهما: أن ابن حذافة ما كان بلغه هذا الحكم، وكان يظن أن ولد الزنا يلحق

_ (1) مسلم نفس الموضع السابق (4/ 1834). (2) الترمذي (5/ 256) 48 - كتاب التفسير، 6 - باب "ومن سورة المائدة". (أحفوهُ) الإحفاء في السؤال: الاستقصاء والإكثارُ. (أرَمُّوا) أرم الإنسان: إذا أطرق ساكتاً من الخوف. (رهبةً) الرهبةُ: الخوف والفزعُ.

بالزاني، وقد خفي هذا على أكبر منه، وهو سعد بن أبي وقاص، حين خاصم في ابن وليدة زمعة، فظن أنه يلحق أخاه بالزنا. الثاني: أنه يتصور الإلحاق بعبد وطئها بشبهة، فيثبت النسب منه، والله أعلم. 2640 - * روى البخاري عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: كان قومٌ يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاءً، فيقول الرجل: من أبي؟ ويقولُ الرجلُ، تضِلُّ ناقَتُهُ: أين ناقتي؟ فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} الآية كلها. ويفهم من مجموع ما تقدم من الأحاديث وغيرها أن هذه الآية أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب مسائل كان يسألها إياه أقوام امتحاناً له أحياناً واستهزاءً أحياناً، فيقول له بعضهم "من أبي؟ " ويقول له بعضهم إذا ضلت ناقته "أين ناقتي؟ " فقال لهم تعالى كره: لا تسألوا عن أشياء من ذلك إن أبدينا لكم حقيقة ما تسألون عنه ساءكم إبداؤها وإظهارها. (م) 2/ 126. 2641 - * روى الشيخان عن سعيد بن المسيب (رحم الله) قال: البحيرةُ: التي يُمنع دَرُّها للطواغيت، فلا يحلبُها أحدٌ من الناس، والسائبة: كانوا يُسيِّبونها لآلهتهم، لا يُحمل عليها شيءٌ- وقال: قال أبو هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيتُ عمرو بن عامرٍ الخُزاعيَّ يجُرُّ قُصْبَهُ في النَّارِ، وكان أول من سَيَّبَ السوائبَ" (1).

_ 2640 - البخاري (8/ 280) 65 - كتاب التفسير، 12 - باب (لا تسألوا عن أِياء إن تُبد لكم تسؤكم). 2641 - البخاري (8/ 283) 65 - كتاب التفسير، 13 - باب (ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام). مسلم (4/ 2192) 51 - كتاب الجنة وصفة نعيمها، 13 - باب النار يدخلها الجبارون، والجنة يدخلها الضعفاء. (البحيرة والسائبة) كانت العرب إذا تابعت الناقة بين عشر إناثٍ لم يُركب ظهرها، ولم يُجزَّ وبرها، ولم يشرب لبنها إلا ضيفٌ، وهي السائبة، أي أنهم يسيبُونها ويخلُّونها لسبيلها، فما نُتجتْ بعد ذلك من أنثى: شَقُّو أذنها، وخلوا سبيلها مع أمها في الإبل، وحرم منها ما حرم من أمها، وهي البحيرة بنت السائبة. والبحيرة: هي المشقوقة الأذن، وقيل: البحيرة كانوا إذا وُلد لهم سقْبٌ. بحروا أذنه، وقالوا: اللهم إن عاش ففتيٌّ، وإن مات فذكي، فإذا مات أكلوه. وأما السائبة: فكان الرجل يسيبُ من ماله، فيجيءُ به إلى السدنة، فيدفعه إليهم، فيطعمون منها أبناء السبيل. إلا النساء، فلا يطعمونهن منها شيئاً حتى يموت، فيأكله الرجال والنساء جميعاً، ابن الأثير.

والوصيلةُ: الناقةُ البكر تُبَكِّرُ في أول نتاج الإبل بأنثى، ثم تُثَنِّي بعدُ بأنثى، وكانوا يسيبونها لطواغيتهم، إنْ وصلتْ إحداهما بالأخرى، ليس بينهما ذكر، والحام: فحلُ الإبل يضربُ الضراب المعدود، فإذا قضى ضرابهُ، ودعُوه للطواغيت، وأعْفَوْه من الحمل، فلم يُحْمَل عليه شيء، وسموْهُ الحامي. وفي رواية (1) قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيتُ عمرو بن لُحَيِّ بن قمعةَ بن خندِفٍ، أخا بني كعبٍ، وهو يجُرُّ قُصْبَهُ في النار". استشكل بعضهم أن يكون عمرو بن لحي في النار وهو جاهلي ولا إشكال، لأن الظاهر أن عمرو بن لحي قد بلغته دعوة إبراهيم وإسماعيل ومع ذلك فقد أدخل الأصنام على جزيرة العرب، فهو إذاً ليس من أهل الفترة الذين لم تبلغهم دعوة نبي، بل كان ممن بلغته دعوة نبي ومع ذلك عبد الأوثان وسَنَّ لغيره أن يعبدها فضلَّ وأضلَّ. 2642 - * روى البخاري في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (2) الأوليان واحدُها أولى، ومنه: أولى به. والمعنى وآخران أي شاهدان آخران يقومان مقام الشاهدين الأولين من الذين استحق

_ (1) مسلم (4/ 2191) نفس الموضع السابق. (درها) الدر: اللبن. (للطواغيت) والطواغيتُ: الأصنام التي كانوا يعبدونها، واحدها: طاغوت. (قصبه) القصْبُ: المِعَي. وجمعها: الأقصابُ. (2) المائدة: 106 - 108. 2642 - البخاري (5/ 409) 55 - كتاب الوصايا، 35 - باب قول الله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم ...) وقد أخرج البخاري هذا الحديث تعليقاً.

عليه أي من الذين حق عليهم وهم أهل الميت وعشيرته والأوليان أي الأحقان بالشهادة لقرابتهما ومعرفتهما [الفتح: 5/ 410]. 2643 - * روى البخاري عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: خرج رجلٌ من بني سهم مع تميم الداريِّ، وعديِّ بن بداءٍ، فمات السهميُّ بأرضٍ ليس بها مسلمٌ، فلما قدما بتركته فقدوا جاماً من فضةٍ مُخَوَّصاً بذهبٍ، فأحلفَهُما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وُجِد الجامُ بمكة، فقالوا: ابتعْناه من تميمٍ وعدي بن بداءٍ، فقام رجلان من أوليائه فحلفا: لشهادتُنا أحقُّ من شهادتهما، وأنَّ الجام لصاحبهم، قال: وفيهم نزلت هذه الآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ}. وقد جاء في شرح المفردات ص 333: إذا كان مسلم مع رفقة كفار مسافرين ولم يوجد غيرهم من المسلمين، فوصى وشهد بوصيته اثنان منهم، قبل شهادتهما، ويُستحلفان بعد العصر: لا نشتري به ثمناً ولو كان ذا قربى، ولا نكتم شهادة الله، وأنها وصية الرجل بعينه، فإن عثر على أنهما استحقا إثماً قام آخران من أولياء الموصي فحلفا بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما ولقد خانا وكتما، ويقضي لهم. قال ابن المنذر: وبهذا قال أكابر العلماء. وممن قاله، شريح، والنخعي والأوزاعي، ويحيى بن حمزة، وقضى بذلك عبد الله بن مسعود في زمن عثمان، رواه أبو عبيد، وقضى به أبو موسى الأشعري، رواه أبو داود والخلال، وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: لا تقبل، لأن من لا تقبل شهادته على غير الوصية لا تقبل في الوصية كالفاسق وأولى. ولنا (أي الحنابلة) قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} (1) الآية، وهذا نص الكتاب، وقد قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في حديث ابن عباس، وحمْلُ الآية على أنه أراد: من غير عشيرتكم لا يصح، لأن الآية نزلت في قصة عدي وتميم بلا خلاف

_ 2643 - البخاري (5/ 409، 410) 55 - كتاب الوصايا، 35 - باب قول الله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم ...). أبو داود (3/ 307، 308) كتاب الأقضية، باب شهادة أهل الذمة وفي الوصية في السفر. الترمذي (5/ 259) 48 - كتاب تفسير القرآن، 6 - باب "ومن سورة المائدة" وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. (1) المائدة: 106.

بين المفسرين، ودلت عليه الأحاديث، ولأنه لو صح ما ذكروه لم تجب اليمان لأن الشاهدين من المسلمين لا قسامة عليهما (م) 2/ 129. والذين قالوا لا تقبل إنما قالوا إن الآية منسوخة الحكم انظر الفتح (5/ 412) وتفسير ابن كثير 2/ 111. أقول: الظاهر أن ذلك كان من تميم الداري رضي الله عنه قبل إسلامه، فلا يجرح ذلك لتميم بعد أن أسلم وحسن إسلامه، فالإسلام يجُبُّ ما قبله وقد نص على ذلك ابن حجر في الفتح (5/ 411).

سورة الأنعام

سورة الأنعام 2644 - * روى الترمذي عن عليٍّ أن أبا جهلٍ قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا لا نُكَذِّبُك ولكن نُكذب بما جئت به، فأنزل الله: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} (1). 2645 - * روى مسلم عن سعدٍ كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة أنفارٍ، فقال المشركون له: اطرُدْ هؤلاء لا يجترئون علينا، قال وكنت أنا وابن مسعودٍ ورجلٌ من هُذيلٍ وبلالٌ ورجلان لست أسميهما، فوقع في نفس النبي صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع، فحدث نفسه، فأنزل الله: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} (2). 2646 - * روى أحمد عن أبيِّ بن كعب في قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} (3) قال هن أربعٌ وكلُّهن واقعٌ لا محالة، فمضت اثنتان بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسٍ وعشرين سنةً فألْبِسوا شيعاً وذاق بعضهم بأس بعضٍ، وبقيت اثنتان واقعتان لا محالة: الخسفُ والرجمُ. أقول: قد حدثت حالات كثيرة في تاريخ الأمة الإسلامية وفي تاريخ الشعوب فيها خوف وفيها عذاب نازل، فكثيراً ما نزل بردٌ بحجم كبير أدى إلى أضرار كثيرة وقد وقع من ذلك في ألمانيا الغربية سنة 1982، إلا أن الحروب الحديثة سواء كانت بين شعوب الأمة

_ 2644 - الترمذي (5/ 261) 48 - كتاب تفسير القرآن، 7 - باب ومن سورة الأنعام. الحاكم (2/ 315) كتاب التفسير، وقال حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وصححه أحمد شاكر في عمدة التفسير (5/ 25). (1) الأنعام: 33. 2645 - مسلم (4/ 1878) 44 - كتاب فضائل الصحابة، 50 باب في فضل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. (الاجتراء) من الجرأة، وهي الإقدام في الشيء والسرعة إليه. (2) الأنعام: 52. 2646 - أحمد (5/ 135). مجمع الزوائد (7/ 21) وقال الهيثمي: رواه أحمد، ورجاله ثقات، قلت: والظاهر أن من قوله: فمضت اثنتان إلى آخره منقول رفيع، فإن أبي بن كعب لم يتأخر إلى زمن الفتنة، والله أعلم ورفيع هو: أبو العالية الراوي عن أبي بن كعب. (3) الأنعام: 65.

الإسلامية نفسها كالحرب العراقية الإيرانية أو بين أمة إسلامية وغيرها، أو بين الأمم عامة، يجتمع فيها القذف بأنواع القذائف الساقطة بواسطة الطائرات والمدفعية وغيرها، والانفجارات من باطن الأرض بواسطة الألغام، فإذاقة الناس بعضهم بأس بعض فيه جميع أنواع العذاب المذكورة في هذه الآية في حروب عصرنا، إلا أن ظاهر الآية يدل على الخسف والرجم السماويين. 2647 - * روى البخاري عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما نزلت: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} قال: أعوذُ بوجهك {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} قال: أعوذُ بوجهك، قال: فلما نزلت: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هاتان أهونُ، أو أيسرُ". وفي رواية الترمذي: "هاتان أهون، أو هاتان أيسرُ". 2648 - * روى الشيخان عن ابن مسعودٍ لما نزلتْ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (1) فشق ذلك على المسلمين، وقالوا أيُّنا لا يظلم نفسه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ذاك إنما هو الشِرْك ألم تسمعوا قول لقمان لابنه: {يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} ".

_ 2647 - البخاري (13/ 295، 296) 96 - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، 11 - باب قول الله تعالى (أو يلبسكم شيعاً). الترمذي (5/ 261، 262) 48 - كتاب تفسير القرآن، 7 - باب "ومن سورة ألأنعام" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (يلبسكم شيعاً) الشيعُ: جمع شيعة، وهي الفرقة من الناس، واللبسُ: الخلط، والمراد: أنه يجعلكم فرقاً مختلفين. 2648 - البخاري (6/ 465) 60 - كتاب أحاديث الأنبياء، 41 - باب قول الله تعالى (ولقد آتينا لقمان الحكمة ..). مسلم (1/ 114، 115) 1 - كتاب الإيمان، 56 - باب صدق الإيمان وإخلاصه. الترمذي (5/ 262) 48 - كتاب تفسير القرآن، 7 - باب "ومن سورة الأنعام" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (1) الأنعام: 82.

2649 - * روى الترمذي عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: أتى ناسٌ النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، أنأكلُ ما نقْتُلُ ولا نأكل ما يقتُلُ الله؟ فأنزل الله: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ، وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ، وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ، إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ، وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ، إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ، وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ، وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} (1). وفي رواية (2) أبي داود قال: جاءت اليهودُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: نأكلُ مما قتَلْنَا، ولا نأكلُ مما قتل الله؟ فنزلتْ: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} إلى آخر الآية. وفي أخرى (3) له: في قوله: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} قال: يقولون: ما ذبح الله - يعنون الميتةَ - لم لا تأكلونه؟ فأنزل الله: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} ثم نزل: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}. وفي رواية أخرى (4) قال: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} فنُسخَ، واستثنى من ذلك، فقال: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} (5). وفي رواية (6) النسائي: في قوله: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} قال: خاصمهمُ المشركون، فقالوا: ما ذبح الله لا تأكلونه وما ذبحتم أنتم أكلتمُوه؟

_ 2649 - الترمذي (5/ 263) 48 - كتاب تفسير القرآن 7 - باب "ومن سورة الأنعام" وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. (1) الأنعام: 118 - 121. (2) أبو داود (3/ 101) كتاب الأضاحي، باب في ذبائح أهل الكتاب. (3) أبو داود: نفس الموضع السابق. (4) أبو داود: نفس الموضع السابق. (5) المائدة: 5. (6) النسائي: (7/ 237) 43 - كتاب الضحايا، 40 - تأويل قول الله عز وجل (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ...) والحديث حسن بطرقه.

2650 - * روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: إذا سَرَّكَ أن تعلمَ جهلَ العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين والمائة من سورة الأنعام: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} (1). 2651 - * روى الترمذي عن ابن مسعود (رضي الله عنه) قال: من سرَّه أنْ ينظر إلى الصحيفة التي عليها خاتم محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فليقرأْ هؤلاء الآيات: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ} (2). 2652 - * روى مسلم عن (أبي هريرة) رفعه: "ثلاثٌ إذا خرجن {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ} (3) طلوعُ الشمس من مغربها، والدجالُ، ودابة الأرض". 2653 - * روى الشيخان عن (أبي هريرة) رفعه: "يقولُ الله: إذا أراد عبدي أن يعمل سيئةً فلا تكتبوها عليه حتى يعملها، فإن عملها فاكتبوها بمثلها، وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنةً، وإذا أراد أني عمل حسنةً فلم يعملهَا،

_ 2650 - البخاري (6/ 551) 61 - كتاب المناقب، 12 - باب قصة زمزم وجهل العرب. (1) الأنعام: 140. 2651 - الترمذي (5/ 264) 48 - كتاب تفسير القرآن، 7 - باب "ومن سورة الأنعام" وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. (2) الأنعام: 151 - 156. 2652 - مسلم (1/ 138) 1 - كتاب الإيمان، 72 - باب بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان. الترمذي (5/ 264) الموضع السابق، وقال: حسن صحيح. (3) الأنعام: 158. 2653 - البخاري (13/ 465) 97 - كتاب التوحيد، 35 - باب قول الله تعالى (يريدون أني بدلوا كلام الله). مسلم (1/ 117) 1 - كتاب الإيمان، 59 - باب إذا هم العبد بحسنة كتبت وإذا هم بسيئة لم تكتب.

اكتبوها له حسنةً، فإن عملها فاكتبوها له بعشرِ أمثالها إلى سبعمائةٍ". وللترمذي (1)، وزاد: ثم قرأ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} (2). وللشيخين عن ابن عباس (3) نحوه وفيه: "إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة".

_ (1) الترمذي (5/ 265) الموضع السابق. (2) الأنعام: 160. (3) البخاري (11/ 323) 81 - كتاب الرقاق، 31 - باب من هم بحسنة أو سيئة. مسلم (1/ 118) 1 - كتاب الإيمان، 59 - باب إذا هم العبد بحسنة ... إلخ.

سورة الأعراف

سورة الأعْرَافِ 2654 - * روى مسلم عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: كانت المرأة تطوفُ بالبيت وهي عريانةً فتقول: من يعيرُني تطوافاً؟ تجعلُه على فرجها، وتقول: اليوم يبدو بعضه أو كُلُّهُ ... وما بدا منه فلا أُحِلُّهُ فزلت هذه الآية {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (1). (تِطوافاً) قال النووي في شرح مسلم 18/ 162 - 163 هو بكسر التاء المثناة: ثوب تلبسه المرأة تطوف به، وكان أهل الجاهلية يطوفون عراة، ويرمون ثيابهم ويتركونها ملقاة على الأرض، ولا يأخذونها أبداً، ويتركونها تداس بالأرجل حتى تبلى، وتسمى: اللقى، حتى جاء الإسلام، فأمر بستر العورة. فقال تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يطوف بالبيت عريانٌ". 2655 - * روى أحمد عن (أبي واقدٍ الليثيِّ) أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى غزوة حُنينٍ، مرَّ بشجرةٍ للمشركين كانوا يُعلِّقون عليها أسلحتهم، يُقال لها ذاتُ أنواطٍ، فقالوا يا رسول الله: اجعلْ لنا ذات أنواطٍ، كما لهم ذاتُ أنواطٍ، فقال: ٍ"بحان الله: هذا كما قال قومُ موسى {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} (2) والذي نفسي بيده لتركبُنَّ سنن من كان قبلكم". 2656 - * روى الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} (3) قال حمَّادٌ: هكذا - وأمسك

_ 2654 - مسلم (4/ 2320) 54 - كتاب التفسير، 2 - باب في قوله تعالى (خذوا زينتكم عند كل مسجد). النسائي (5/ 233، 234) 24 - كتاب مناسك الحج، 161 - قوله عز وجل (خذوا زينتكم ...). (1) الأعراف: 31. 2655 - أحمد (5/ 218) وفيه: وكان للكفار سدرة يعكفون عندها ويعلقون بها أسلحتهم. الترمذي (4/ 475) 34 - كتاب الفتن، 18، باب ما جاء "لتركبن سنن من كان قبلكم" قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (2) الأعراف: 138. 2656 - الترمذي (5/ 265) 48 - كتاب التفسير، 8 - باب ومن سورة الأعراف، وقال الترمذي: هذا حديث حسن. (3) الأعراف: 143. ... =

سليمانُ بطرف إبهامه على أنمُلةِ إصبُعِه اليمنى- قال: فساخ الجبلُ {وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا}. سليمان هو ابن حرب الراوي عن حماد: أي أن سليمان يشرح معنى قول حماد: هكذا .. وفي رواية (1) أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع أصبعه الإبهام على المفصل الأعلى من الخنصر. 2657 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما خلق اللهُ آدم مسح ظهره، فسقط من ظهره كُلُّ نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصاً من نورٍ، ثم عرضهم على آدم، فقال: أيْ ربِّ، منْ هؤلاءِ؟ قال: ذريتُك، فرأى رجلاً منهم فأعجبَُ وبيصُ ما بين عينيه، قال: أيْ ربِّ، من هذا قال: داودُ، فقال: يا رب، كم جعلت عمره؟ قال: ستين سنةً، قال: ربِّ، زِدْهُ من عمري أربعين سنةً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلما انقضى عمر آدم إلا أربعين، جاءهُ ملك الموت، فقال آدمُ: أوَلم يبق من عمري أربعون سنة؟ قال: أولم تُعْطها ابنك داود؟ فجحد آدمُ، فجحدت ذريته، ونسي آدمُ، فأكل من الشجرة فنسيتْ ذريته، وخطيء فخطئت ذريتُه"ٍ.

_ = الحاكم (2/ 319، 320) كتاب التفسير، وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. (1) الطبري (9/ 37). ابن كثير (2/ 244). الحاكم (2/ 320). (فساخ) ذاب وغاص. (فخر) خرَّ إلى الأرض: إذا سقط لوجهه. (صعقا) الصعقة: الغشي. 2657 - الترمذي (5/ 267) 48 - كتاب تفسير القرآن، 8 - باب ومن "ومن سورة الأعراف" وقال الترمذي هذا: حديث حسن صحيح. الحاكم (2/ 325) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. (نسمة) النسمة: النفس، وكل دابة فيها روح فهي نسمة. (وبيصا) الوبيصُ: البريقُ والبصيص.

أقول: جحود آدم عليه السلام كان عن نسيان، والناسي لا حساب عليه، وخطيئته إما أنها كانت عن نسيان أو كانت قبل النبوة، فالنص لا يجرح أصل العصمة للأنبياء عليهم الصلاة والسلام. 2658 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود في قوله: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا} (1) قال هو بلعَمُ وقال بلْعامُ. أقول: وقد نقلنا في كتابنا الأساس في التفسير ما ورد عن بلعام في كتب العهد القديم وما ذكره المفسرون حوله فليراجع. 2659 - * روى الطبراني عن عبد الله بن عمرو قال: نزلتْ هذه الآية في أمية بن أبي الصلت {الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا}. قال ابن جرير في تفسيره (9/ 84): "والصواب من القول في ذلك: أن يقال إن الله تعالى ذكر أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتلو على قومه خبر رجل كان الله آتاه حججه وأدلته وهي الآيات. وقد دللنا على أن معنى الآيات الأدلة والإعلام فيما مضى بما أغنى عن إعادته وجائز أن يكون الذي كان الله قد آتاه ذلك بلعم وجائز أن يكون أمية وكذلك الآيات إن كانت بمعنى الحجة التي هي بعض كتب الله التي أنزلها على بعض أنبيائه .. فجائز أن يكون الذي أوتيها بلعم وجائز أن يكون أمية ... وإن كانت بمعنى كتاب أنزله الله أو بمعنى اسم الله الأعظم أو بمعنى النبوة فغير جائز أن يكون معنياً به أمية ... ثم قال ابن جرير أنه لا خبر يوجب الحجة في من الرجل فالصواب أن يقال فيه ما قال الله ويقر بظاهر التنزيل على ما جاء به الوحي من الله" اهـ بتصرف واختصار. 2660 - * روى الطبراني في الأوسط عن ابن عمر في هذه الآية: {خُذِ الْعَفْوَ} قال

_ 2658 - الطبراني (المعجم الكبير) (9/ 249). مجمع الزوائد (7/ 25) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. (1) الأعراف: 175. 2659 - مجمع الزوائد (7/ 25) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. 2660 - مجمع الزوائد (7/ 25) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات.

مر الله عز وجل نبيه أن يأخذ العفو من أخلاق الناس. 2661 - * روى البخاري عن ابن الزبير (رضي الله عنهما) قال: ما نزلت: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (1) إلا في أخلاق الناس. وفي رواية (2) قال: أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأخذ العفو من أخلاق الناس. قال الحافظ في الفتح: "وإلى ما ذهب إليه ابن الزبير من تفسير الآية، ذهب مجاهد، وخالف في ذلك ابن عباس، فروى ابن جرير من طريق علي بن أبي طلحة عنه قال: خذ العفو، يعني ما عفا لك من أموالهم، أي: ما فضُلَ، وكان ذلك قبل فرض الزكاة، وبذلك قال السدي، وزاد: نسختْها آيةُ الزكاة، وبنحو قال الضحاك وعطاء وأبو عبيدة، ورجح ابن جرير الأول واحتج له. وروى عن جعفر الصادق قال: ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها، ووجهوه بأن الأخلاق ثلاثة، بحسب القوى الإنسانية: عقلية، وشهوية، وغضبية. فالعقلية الحكمة، ومنها الأمر بالمعروف، والشهوية: العفة، ومنها أخذ العفو، والغضبية الشجاعة، ومنها الإعراض عن الجاهلين. وروى الطبري مرسلاً وابن مردويه موصولاً من حديث جابر وغيره: لما نزلت: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} سأل جبريل - فقال: لا أعلم حتى أسأله، ثم رجع فقال: "إن ربَّك يأمُرُك أن تصل من قطعك، وتُعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك".

_ 2661 - البخاري (8/ 305) 65 - كتاب التفسير، 5 - باب (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين). (1) الأعراف: 199. (2) البخاري: نفس الموضع السابق. أبو داود (4/ 250) كتاب الأدب، باب في التجاوز في الأمر. (العفو) هاهنا: السهل الميسر، وقد أمر الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ من أخلاق الناس ويقبل منها ما سهل وتيسر، ولا يستقصي عليهم.

سورة الأنفال

سورة الأنفال 2662 - * روى الشيخان عن ابن جُبيرٍ قلت لابن عباس سورة الأنفال؟ قال نزلت في بدر. 2663 - * روى أبو داود عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال: نزلت: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} (1) في يوم بدر. 2664 - * روى مسلم عن سعدٍ لما كان يومُ بدرٍ جئتُ بسيفٍ، فقلتُ يا رسول الله: إن الله قد شفى قلبي من المشركين أو حو هذا، هَبْ لي هذا السيف، فقال: "هذا ليس لي ولا لك"، فقلتُ: عسى أن يُعطى هذا السيفُ من لا يُبلى بلائي. فجاءني الرسول وقال: "إنك سألتني وليس لي، وإنه قد صار لي، وهو لك"، فنزلت: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} الآية. 2665 - * روى البخاري عن ابن عباس (رضي الله عنهما) {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} الآية (2)، قال: هم نفرٌ من بني عبد الدار. 2666 - * روى أحمد عن مُطَرِّفٍ قال: قلنا للزبير يا أبا عبد الله هما جاء بكم ضيَّعْتُم

_ 2662 - البخاري (8/ 306) 65 - كتاب التفسير، 1 - باب قوله (يسألونك عن الأنفال). مسلم (4/ 2322) 54 - كتاب التفسير، 5 - باب في سورة براءة والأنفال والحشر وهو جزء من حديث يسأل فيه ابن جبير ابن عباس عن أكثر من سورة، وسيرد في تفسير سورة التوبة أكمل من هذا. 2663 - أبو داود (3/ 46) كتاب الجهاد، باب في التولي يوم الزحف. الحاكم (2/ 227) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. (1) الأنفال: 16. 2664 - مسلم (3/ 1367، 1368) 32 - كتاب الجهاد والسير، 12 - باب الأنفال. أبو داود (3/ 77، 78) كتاب الجهاد، باب في النفل. الترمذي (5/ 268) 48 - كتاب تفسير القرآن، 9 - باب "ومن سورة الأنفال" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. 2665 - البخاري (8/ 307) 65 - كتاب التفسير، 1 - باب (إن شر الدواب عند الله ..) ورواه الطبري، وزاد لا يتبعون الحق. (2) الأنفال: 22. (الصُّمُّ): جمع الأصم، وهو الذي لا يسمع، والبكم: جمع الأبكم، وهو الذي لا ينطق خرساً. 2666 - أحمد (1/ 165).

الخليفة حتى قُتِلَ ثم جئتم تطلبون بدمه فقال الزبير: إنا قرأنا على عهد رسول الله وأبي بكر وعمر وعثمان: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} لم نكنْ نحسبُ أنّا أهلُها حتى وقعتْ منَّا حيثُ وقعت. 2667 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: قال أبو جهلٍ: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ} الآية فنزلت: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} (1) الآية، وعند الطبري: فلما أخرجوه، نزلت: {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} الآية (2). قال الحافظ في "الفتح": قوله: قال أبو جهل: اللهم إن كان هذا .. إلخ: ظاهر في أنه القائل ذلك، وإن كان هذا القول نسب إلى جماعة، فلعله بدأ به ورضي الباقون فنسب إليهم. وقد روى الطبراني من طريق ابن عباس أن القائل لك هو النضر بن الحارث، قال: فأنزل الله تعالى: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} وكذا قال مجاهد وعطاء والسدي، ولا ينافي ذلك ما في الصحيح لاحتمال أن يكونا قالاه، ولكن نسبته إلى أبي جهل أولى. وعن قتادة قال: قال ذلك سفهة هذه الأمة وجهلتها. وروى ابن جرير من طريق يزيد ابن رومان أنهم قالوا ذلك، ثم لما أمسوا ندموا فقالوا: غفرانك اللهم، فأنزل الله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}. 2668 - * روى مسلم عن عُقبة بن عامرٍ (رضي الله عنه) قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ = كشف الأستار (4/ 91). مجمع الزوائد (7/ 27) وقال الهيثمي: رواه أحمد بسنادين، رجال أحدهما رجال الصحيح. 2667 - البخاري (8/ 309) 65 - كتاب التفسير، 4 - باب (وما اكن الله ليعذبهم وأنت فيهم). مسلم (4/ 2154) 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، 5 - باب في قوله تعالى (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم). (1) الأنفال: 32. (2) الأنفال: 33. 2668 - مسلم (3/ 1522) 33 - كتاب الإمارة، 52 - باب فضل الرمي والحث عليه.

وهو على المنبر يقول: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} (1)، ألا إن القوةَ الرَّمْيُ- ثلاثاً. وزاد الترمذي ومسلم (2): "ألا إن الله سيفتحُ لكم الأرض، وستكفَوْنَ المؤونة، فلا يعجِزَنَّ أحدُكم أن يلْهُو بأسهمِهِ. 2669 - * روى البزار عن عبد الله بن مسعود في قول الله عز وجل: {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} قال نزلت في المتحابين في الله. 2670 - * روى البخاري عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: لما نزلتْ: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} (3) كُتِبَ عليهم أن لا يفِرَّ واحدٌ من عشرةٍ، ولا عشرون من مائتين، ثم نزلت: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (4) فكُتِبَ أن لا يفرَّ مائة من مائتين. وفي أخرى (5) له، ولأبي داود (6) قال: لما نزلت: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} شَقَّ ذلك على المسلمين، فنزل: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ} الآية، قال: فلمَّا خفَّفَ الله عنهم من العِدَّة نقص عنهم من الصَّبْرِ بقدر ما خفَّفَ عنهم.

_ = أبو داود (3/ 13) كتاب الجهاد، 24 - باب في الرمي. الترمذي (5/ 270) 48 - كتاب تفسير القرآن، 9 - باب "ومن سورة الأنفال". (1) الأنفال: 60. (2) مسلم، الموضع السابق. (الرمي): يدخل فيه كل رمي يُنكي في العدو. 2669 - كشف الأستار (3/ 50) سورة ألأنفال. مجمع الزوائد (7/ 27) وقال الهيثمي: رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح غير جنادة بن سلم. وفي كشف الأستار "سلم بن جنادة" وليس جنادة بن سلم صوب الأعظميُّ أن سلم بن جنادة هو كذلك لأن سلم من شيوخ البزار ومن الطبقة العاشرة عند ابن حجر وهوثقة أما جنادة فمن الطبقة التاسعة وقد ضعفه أبو زرعة وأبو حاتم والأزدي لكن وثقه ابن خزيمة، وابن حبان" انظر التهذيب، 2/ 116. 2670 - البخاري (8/ 311) 65 - كتاب التفسير، 7 - باب (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً). (3) الأنفال: 65. (4) الأنفال: 66. (5) البخاري (8/ 312). (6) أبو داود (3/ 46) كتاب الجهاد، باب في التولي يوم الزحف.

2671 - * روى الطبراني عن ابن عباس قال: افترض عليهم أن يقاتل كل رجل منهم عشرة فثقل ذلك عليهم وشق عليهم فوضع عنهم إلى أن يقاتل الرجل الرجلين فأنزل الله في ذلك: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} إلى آخر الآيات ثم قال: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} يقول لولا أني لا أعذب من عصاني حتى أتقدم إليه ثم قال: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (1) فقال العباس فيِّ والله نزلت حين أخبرْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامي وسألته أن يحاسبني بالعشرين الأوقية التي وجدت معي فأعطاني بها عشرين عبداً كلُّهم تاجرٌ بمالٍ في يده مع ما أرجو من مغفرة الله جل ذكره. 2672 - * روى أبو داود عن عمر لما كان يومُ بدرٍ وأخذ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الفداء فأنزل الله تعالى: {يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (2) ثم أحل لهم الغنائم. 2673 - * روى أبو داود عن ابن عباس: وقوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا} كان الأعرابي لا يرث المهاجر ولا يرثه المهاجرُ، فنسخت، فقال: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ}. 2674 - * روى الترمذي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لم تحِلَّ الغنائمُ لأحدٍ سُودِ الرُّؤوسِ من قَبْلِكم، إنما كانت تنزلُ نارٌ من السماء

_ 2671 - الطبراني (11/ 171). مجمع الزوائد (7/ 28) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط والكبير باختصار ورجال الأوسط رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع. (1) الأنفال: 70. 2672 - أبو داود (3/ 61) كتاب الجهاد، باب في فداء الأسير بالمال، ولمسلم نحوه. (2) الأنفال: 67 - 68. 2673 - أبو داود (3/ 129) كتاب الفرائض، باب نسخ ميراث العقد بميراث الرحم، وإسناده حسن. 2674 - الترمذي (5/ 271، 272) 48 - كتاب تفسير القرآن، 9 - باب "ومن سورة الأنفال" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.

فتأكلُها"- قال سليمان الأعمش: فمن يقول هذا إلا أبو هريرة الآن؟ - فلما كان يوم بدرٍ، وقعوا في الغنائم قبل أن تَحِلَّ لهم، فأنزل الله {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (1). 2675 - * روى الشيخان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "غزا نبيُّ من الأنبياء، فقال لقومه: لا يتبعني منكم رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أني بني بها ولما يبن بها .. " الحديث، وفيه: "حتى فتح الله عليهم، فجمع الغنائم، فجاءت - يعني النار - لتأكلها" فيه: "فأكلتها، ثم أحل الله لنا الغنائم، ثم رأى ضعفنا وعجزنا، فأحلها لنا". قال الحافظ في "الفتح" وفيه اختصاص هذه الأمة بحل الغنائم، وكان ابتداء ذلك من غزوة بدر. وفيها نزل قول الله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا} فأحل الله لهم الغنائم. 2676 - * روى الطبراني عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين أصحابه فجعلوا يتوارثون بذلك حتى نزلتْ {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} فتوارثوا بالنسب.

_ (1) الأنفال: 68. 2675 - البخاري (6/ 220) 57 - كتاب فرض الخمس، 8 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "أُحلت لكم الغنائم". مسلم (3/ 1366، 1367) 32 - كتاب الجهاد، 11 - باب تحليل الغنائم لهذه الأمة خاصة. 2676 - الطبراني (المعجم الكبير) (11/ 284). مجمع الزوائد (7/ 28) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.

سورة براءة

سورة براءة 2677 - * روى أحمد عن (ابن عباسٍ) قلتُ لعثمان: ما حملكم على أن عمدْتُم إلى الأنفال وهي من المثاني، وإلى براءة وهي من المئين، فقرنْتُم بينهما ولم تكتبوا سطر بسم الله الرحمن الرحيم، ووضعْتُموها في السبع الطوال، ما حملكم على ذلك؟ قال عثمان: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يأتي عليه الزمان وهو تنزلُ عليه السور ذواتُ العددِ، وكان إذا نزل عليه شيء دعا بعض من كان يكتب فيقول ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، فإذا نزلتْ عليه الآيات فيقول ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة وكانت براءة من آخر القرآن نزولاً وكانت قصتُها شبيهة بقصتها، فقُبِضَ صلى الله عليه وسلم ولم يبينْ لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنْتُ بينهما، ولم اكتب سطر بسم الله الرحمن الرحيم، ووضعتها في السبع الطوال. أقول: ذكرنا هذا الحديث لنشير إلى قضية مهمةٍ وهي أنَّ ترتيب السور توقيفيٌ وهذا الحديث لا يكون بحالٍ حجة لمن يقول غير ذلك فإن في سنده يزيد الفارسي فيه جهالة. إن انعقاد الإجماع على شيء لم يُعْرف دليلُه، دليلٌ على أنَّ هناك أدلةً ما قد أوصلت إلى الإجماع، وقد أجمع الصحابةُ على وضع سورة براءة بعد الأنفال ولذلك أسبابه وحكمه، فما أجمعوا إلا لأمر توقيفي كان سبباً في هذا الإجماع، وقد أثبتنا في كتابنا الأساس في التفسير دليلاً جديداً على أن ترتيب القرآن توقيفيٌ فلك دليلٌ يضافُ إلى مجموع الأدلة التي ذهب إليها القائلون بأنَّ ترتيب القرآن توقيفيٌ، ويشهدُ لذلك أدلةٌ كثيرةٌ. 2678 - * روى الشيخان عن سعيد بن جبيرٍ (رحمه الله) قال: قلتُ لابن عباسٍ (1):

_ 2677 - أحمد (1/ 69). أبو داود (1/ 208، 209) كتاب الصلاة، باب من جهر بها. الترمذي (5/ 272، 273) 48 - كتاب التفسير، 10 - باب ومن سورة التوبة. الحم (2/ 330) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. 2678 - البخاري (8/ 628، 629) 65 - كتاب التفسير، 59 - باب سورة الحشر. مسلم (4/ 2322) 54 - كتاب التفسير، 5 - باب في سورة براءة والأنفال والحشر.

سورة التوبة؟ فقال: بل هي الفاضحة، ما زالت تنزل (ومنهم)، (ومنهم) حتى ظنوا أن لا يبقى أحدٌ إلا ذُكِرَ فيها، قال: قلت: سورة الأنفال؟ قال: نزلتْ في بدر، قال: قلت: سورة الحشر؟ قال: نزلت في بني النضير. وفي رواية (1): قلتُ لابن عباس: سورةُ الحشر؟ قال: قل: سورة النضير. قال الحافظ: قوله: ما زالت تنزل، ومنهم، ومنهم، أي: كقوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ}، {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ}، {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ} وقوله: قل: سورة النضير، كأنه كره تسميتها بالحشر لئلا يظن أن المراد: يوم القيامة، وإنما المراد به هنا: إخراج بني النضير. 2679 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أنَّ أبا بكرٍ بعثه في الحجة التي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل حجَّةِ الوداع، في رهْطٍ يُؤذِّنُون في الناس يوم النحر: أن لا يحجَّ بعد العام مشركٌ، ولا يطوف بالبيت عُرْيانٌ. وفي رواية (2): ثم أرْدَفَ النبيُّ بعليٍّ بن أبي طالب، فأمره أن يُؤذِّنَ بـ (براءةَ)، فقال أبو هريرة: فأذن مع في أهل مني ببراءة: أن لا يحجَّ بعد العام مُشركٌ، ولا يطوف بالبيت عُريانٌ. وفي رواية (3): ويومُ الحجِّ الأكبر: يومُ النحر، والحج الأكبر: الحجُّ، وإنما قيل: الحج الأكبر، من أجل قول الناس: لعمرة: الحج الأصغر، قال: فنبذ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام، فلم يحُجَّ في العام القابل الذي حج فيه النبي صلى الله عليه وسلم حجَّةَ الوداع مُشْرِكٌ.

_ (1) البخاري (8/ 629) نفس الموضع السابق. 2679 - البخاري (3/ 483) 25 - كتاب الحج، 67 - باب لا يطوف بالبيت عُريان ولا يحج مشرك. مسلم (2/ 982) 15 - كتاب الحج، 78 - باب لا يحج البيت مشرك ولا يطوف بالبيت عريان. (2) البخاري (8/ 317، 318) 65 - كتاب التفسير، 3 - باب وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر. (3) البخاري (6/ 279) 58 - كتاب الجزية والموادعة، 16 - باب كيف ينبذ إلى أهل العهد. (رهطٌ) الرهط: الجماعة من الرجال: ما بين الثلاثة إلى التسع، ولا تكون فيهم امرأة. (يؤذن) الإيذان: الإعلام. (نبذ) الشيء: إذا ألقاه، ونبذتُ إليه العهد، أي: تحللتُ من عهده.

وأنزل الله تعالى في العام الذي نبذ فيه أبو بكر إلى المشركين: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} الآية (1)، وكان المشركون يوافُون بالتجارة، فينتفع بها المسلمون، فلما حرَّم الله على المشركين أنْ يقربوا المسجد الحرام، وجد المسلمون في أنفسهم مما قُطع عليهم من التجارة التي كان المشركون يُوافون بها، فقال الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ} ثم أحل في الآية التي تتبعُها الجزية، لم [تكن] تؤخذْ قبل ذلك، فجعلها عوضاً مما منعهم من موافاة المشركين بتجاراتهم، فقال عز وجل: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (2): فلما أحل الله عز وجل ذلك للمسلمين: عرفوا أنه قد عاضَهُم أفضل مما خافوا ووجدوا عليه، مما كان المشركون يوافون به من التجارة. وفي رواية (3) أبي داود، قال: بعثني أبو بكر فيمن يؤذنُ يوم النحر بمنى: أن لا يحُجُّ بعد العام مشركٌ، ولا يطوف بالبيت عُريانٌ، ويوم الحجِّ الأكبر: يوم النحر، والحج الأكبر: الحجُّ. وللنسائي في رواية (4) صحيحة: قال أبو هريرة: جئت مع علي بن أبي طالب حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة ببراءة، قيل: ما كنتم تنادون؟ قال: كُنَّا ننادي: إنه لا يدخل الجنة إلا نفسٌ مؤمنة، ولا يطوفَنَّ بالبيت عُريانٌ، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدٌ، فأجلُه - أو أمده - إلى أربعة أشهر، فإذا مضت الأربعة الأشهر، فإن الله بريء من المشركين ورسوله، ولا يحُجُّ بعد العام مشركٌ، فكنت أنادي حتى صَحِلَ صوتي.

_ (1) التوبة: 28. (2) التوبة: 29. (3) أبو داود (2/ 195) كتاب المناسك (الحج)، باب يوم الحج الأكبر. (4) النسائي (5/ 234) 24 - مناسك الحج، 161 - باب قوله عز وجل (خذوا زينتكم عند كل مسجد). (عيلةً) العيلةُ: الفقر والفاقة. (الجزية): هي المقدار من المال الذي تعقد للكتابي - ومن وفي حكمه كالمجوسي - عليه الذمة. (وجد المسلمون) وجد الرجل يجد: إذا حزن. (عاضهم) عضتُ فلانا كذا: إذا أعطيته بدل ما ذهب منه. (صحل) الصحل في الصوت: البحةُ.

2680 - * روى الترمذي عن عليٍّ وقد سُئل بأي شيء بعثت في الحجةِ؟ قال بُعثتُ بأربعٍ: لا يطوفن بالبيت عريانٌ، ومن كان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهدٌ فهو إلى مدَّتِه، ومن لم يكن له عهد فأجله أربعة أشهرٍ، ولا يدخل الجنة إلا نفسٌ مؤمنةٌ، ولا يجتمع المشركون والمؤمنون بعد عامهم هذا. أقول: لقد كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين بعض المشركين عهودٌ مطلقة، وكان بينه وبين بعضهم عهود إلى أمدٍ، ولم يكن بينه وبين بعض المشركين أي عهد، فمن كان عهده إلى أمد فقد حوفظ على هذا المد، ومن كان له عهد مطلق أو لم يكن له عهد أعطى فرصة أربعة أشهر، ثم بعد ذلك فإنه لا عهد له. 2681 - * روى البخاري عن زيد بن وهبٍ (رحمه الله) قال: كنا عند حُذيفة، فقال: ما بقي من أصحاب هذه الآية إلا ثلاثةٌ، ولا بقي من المنافقين إلا أربعةٌ، فقال أعرابي: إنكم أصحاب محمدٍ، تخبرونا أخباراً، لا ندري ما هي؟ تزعمون أن لا منافق إلا أربعةٌ، فما بال هؤلاء الذين يبقرون بيوتنا، ويسرقون أعلاقنا؟ قال: أولئك الفُساق، أجل لم يبق منهم إلا أربعةٌ: أحدهم: شيخٌ كبيرٌ - لو شرب الماء البارد لما وجد بردَهُ. هكذا ورد الحديث في صحيح البخاري دون ذكر آية وإنما أشار لها وقد ترجم البخاري للحديث بقوله باب: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ} (1) وقد أوردها صاحب جامع الأصول في صلب الحديث. قال المحقق: ولعل المصنف ذكرها في الحديث اعتماداً على الباب، فقد أورده البخاري تحت قوله تعالى: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ} الذي أورده فيه الحديث وقال الحافظ: تعليقاً على ذلك: هكذا وقع مبهماً، وقع عند الإسماعيلي من رواية ابن عيينة

_ 2680 - الترمذي (5/ 276) 48 - كتاب تفسير القرآن، 10 - باب ومن سورة التوبة قال الترمي: هذا حديث حسن صحيح. 2681 - البخاري (8/ 322) 65 - كتاب التفسير، 5 - باب (فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم). (يبقرون) أي: يفتحون ويوسعون، يقال: بقرت الشيء: إذا فتحته. (أعلاقنا) الأعلاق جمع علقٍ، وهو الشيء النفيس مما يُقتنى. (1) التوبة: 12.

عن إسماعيل بن أبي خالد بلفظ: "ما بقي من المنافقين من أهل هذه الآية: {لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} الآية، إلا أربعة نفر، إن أحدهم لشيخ كبير. قال الإسماعيلي: إن كانت الآية ما ذكر في خبر ابن عيينة فحق هذا الحديث أن يخرج في سورة الممتحنة. وقد وافق البخاري على إخراجها عند آية براءة النسائي وابن مردويه، فأخرجا من طرق عن إسماعيل، وليس عند أحد منهم تعيين الآية، وانفرد عيينة بتعيينها، إلا أن عند الإسماعيلي من رواية خالد الطحان عن إسماعيل في آخر الحديث. قال إسماعيل: يعني الذين كاتبوا المشركين، وهذا يقوي رواية ابن عيينة، وكأن مستند من أخرجها في آية براءة، ما روه الطبري من طريق حبيب بن حسان عن زيد بن وهب قال: كنا عند حذيفة فقرأ هذه الآية: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} قال: ما قوتل أهل هذه الآية بعد. ومن طريق الأعمش عن زيد بن وهب نحوه، والمراد بكونهم لم يُقاتلوا، أن قتالهم لم يقع لعدم وقوع الشرط، لأن لفظ الآية: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا} فلما لم يقع منهم نكث ولا طعن لم يقاتلوا. وروى الطبري من طريق السدي قال: المراد بأئمة الكفر كفار قريش، ومن طريق الضحاك قال: أئمة الكفر: رؤوس المشركين من أهل مكة. أقول: كلام حذيفة في أنه لم يبق من أئمة الكفر إلا ثلاثة فذلك محمول على من أمرت الآية: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} بقتالهم في عصر النبوة، ولا يعني هذا أنه لم يبق أئمة كفر يجب قتالهم فيما بعد بل ذكر الحافظ في الفتح ما رواه الطبراني عن زيد بن وهب قال: كنا عند حذيفة فقرأ هذه الآية: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} قال: ما قوتل أهل هذه الآية بعد ومن طريق الأعمش عن زيد بن وهب نحوه. فهذا يفيد أن أئمة الكفر قادمون وأن على هذه الأمة أن تقاتلهم. 2682 - * روى مسلم عن النُّعمان بن بشير (رضي الله عنه) قال: كنتُ عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجلٌ: ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام، إلا أن أسقي الحاج، وقال آخر: ما أبالي أنْ لا أعمل عملاً بعد الإسلام، إلا أن أعمر المسجد الحرام (1)، وقال

_ 2682 - مسلم (3/ 1499) 33 - كتاب الإمارة، 29 - باب فضل الشهادة في سبيل الله. ... =

آخرُ، والجهاد في سبيل الله أفضلُ مما قُلتم، فزجرهم عمر، وقال: لاترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو يوم الجمعة - ولكن إذا صليت الجمعة دخلت فاستفيته فيما اختلفتم فيه، فأنزل الله عز وجل: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (1). روى الترمذي عن عدي بن حاتمٍ [الطائيِّ] (رضي الله عنه) قال: أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليبٌ من ذهب، فقال: "يا عديُّ، اطرحْ عنك هذا الوثن، وسمعته يقرأ: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} (2) قال: إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلّوا لهم شيئاً استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموه. هذا الحديث على غير شرطنا وإنما أوردناه لاشتهاره على ألسنة كثير من الناس ويظنونه مقبولاً ويحتج به بعض الناس على ذم تقليد أئمة المذاهب الأربعة وهذا في غاية البعد عن الحق فإن أولئك الأحبار إنما كانوا يحلون ويحرمون من عند أنفسهم لا من عند الله ولا يجوز بحال أن يقاس حد من المسلمين فضلاً عن الأئمة الأربعة عليهم. هذا مع ضعف الحديث قال الترمذي، (5/ 278): هذا الحديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث عبد السلام بن حرب، وغُطيْف بن أعْين ليس بمعروف في الحديث، اهـ. أقول: عبد السلام ثقة لكن غُطَيْف ضعيف ... والترمذي إنما حكم على غطيف. 2683 - * روى البخاري عن زيد بن وهبٍ (رحمه الله) قال: مررتُ بالرَّبَذَةِ، فإذا

_ = الترمذي (5/ 278) 48 - كتاب تفسير القرآن، 10 - باب ومن سورة براءة، وقال الترمذي: حديث غريب. (الوثن) ما يعبد من دون الله تعالى، وأراد به هاهنا: الصليب. (الأحبار) الأحبار: جمع حبر، وهو العالم. (1) التوبة: 19. (2) التوبة: 31. 2683 - البخاري (3/ 271) 24 - كتاب الزكاة، 4 - باب ما أُدِّي زكاته فليس بكنز. (الربذة): موضع قريب من المدينة.

بأبي ذَرٍّ، فقلتُ له: ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: كنتُ بالشام، فاختلفتُ أنا ومعاوية في هذه الآية: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (1) فقال معاوية: نزلت في أهل الكتاب، فقلت: نزلت فينا وفيهم، فكان بيني وبينه في ذلك كلامٌ، فكتب إلى عُثمان يشكوني، فكتب إليَّ عثمان: أن أقدم المدينة، فقدمتها فكثر عليَّ الناس، حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك، فذكرتُ ذلك لعثمان، فقال لي: إن شئت تنحَّيتَ، فكنت قريباً، فذاك الذي أنزلني هذا المنزل ولو أمروا عليَّ حبشياً لسمعتُ وأطعْتُ. قال الحافظ في "الفتح" 3/ 275 وفي هذا الحديث من الفوائد: أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة لاتفاق أبي ر ومعاوية على أن الآية نزلت في أهل الكتاب، وفي ملاطفة الأئمة للعلماء، فإن معاوية لم يجسر على الإنكار عليه، حتى كاتب من هو أعلى منه في أمره، وعثمان لم يحنق على أبي ذر، مع كونه كان مخالفاً له في تأويله، وفيه التحذير من الشقاق والخروج على الأئمة، والترغيب في الطاعة لأولي الأمر، وأمر الأفضل بطاعة المفضول خشية المفسدة، وجواز الاختلاف في الاجتهاد، والأخذ بالشدة في الأمر بالمعروف وإن أدى إلى فراق الوطن، وتقديم دفع المفسدة على جلب المصلحة، لأن في بقاء أبي ر بالمدينة، مصلحة كبيرة من بث علمه في طالب العلم، ومع ذلك فرجح عند عثمان دفع ما يتوقع عن المفسدة من الأخذ بمذهبه الشديد في هذه المسألة، ولم يأمره بعد ذلك بالرجوع عنه، لأن كلا منهما كان مجتهداً. وقال ابن كثير رحمه الله 4/ 157، 158: وكان من مذهب أبي ذر رضي الله عنه، تحريم ادخرا ما زاد على نفقة العيال، وكان يفتي بذلك ويحثهم عليه، ويأمرهم به، ويغلظ في خلافه، فنهاه معاوية، فلم ينته، فخشي أن يضر بالناس في هذا، فكتب يشكوه إلى أمير المؤمنين عثمان وأن يأخذه إليه، فاستقدمه عثمان إلى المدينة، وأنزله بالربذة وحده، وبها مات رضي الله عنه في خلافة عثمان. أقول: جمهور العلماء أنَّ من أدى زكاة ماله والحقوق المترتبة عليه من نفقة العيال وإطعام الجائع الذي عرف خبره صاحب المال وغير ذلك من الحقوق الواجبة لا يدخل في الوعيد الذي ورد في الآية.

_ = (يكنزون) الكنز: الادخار والجمع. مصدر كنز المال يكنزه كنزاً. (1) التوبة: 34.

روى أبو داود (1) عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: لما نزلتْ هذه الآية: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} كبُرَ ذلك على المسلمين، فقال عمر: أنا أُفَرِّجُ عنكم، فانطلق، فقال: يا نبي الله، إنه كبُر على أصحابك هذه الآية، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب ما بقي من أموالكم، وإنما فرض المواريث لكون لمن بعدكم، فكبر عمر، ثم قال له: ألا أخبرك بخير ما يكنزُ المرء؟ المرأة الصالحة: إذا نظر إليه سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته". أقول: هذا الحديث ضعيف لأن في سنده جعفر بن إياس هو ثقة لكن روايته عن مجاهد كما هي هنا ضعيفة لأنه لم يسمع منه كذا أعله شعبة انظر التهذيب (2/ 83). والذهبي لم يوافق الحاكم على تصحيحه بل قال: عثمان لا أعرفه والخبر عجيب اهـ وعثمان هو ابن القطان الخزاعي الراوي عن جعفر بن إياس عند الحاكم وإنما أوردناه للتنبيه عليه ولأن معناه صحيح بالجملة فمضمون هذا النص أصل من أصول نظام المال في الإسلام فالملكية إذا كانت عن طريق حلال وأُدِّيَ حقُّ الله فيها فهي محترمة ومباحة وليس لأحد الاعتداء عليها وليس لسلطة حق الأخذ منها بغير إذن صاحبها إلا بفتوى مبصرة من أهلها في حالات الضرورة أو الأوضاع الاستثنائية. 2684 - * روى الطبراني في الأوسط عن (ابن عمرو بن العاص) كانت العربُ يحلون عاماً شهراً وعاماً شهرين، ولا يُصيبون الحجَّ إلا في كل ستٍ وعشرين سنةً مرةً، وهو النسيء الذي ذكره الله في كتابه، فلما كان عام حجَّ أبو بكرٍ بالناس، وافق ذلك العام الحجَّ فسماه الله الحج الأكبر، ثم حج النبي صلى الله عليه وسلم من العام المقبل، فاستقبل الناس الأهلَّةَ، فقال صلى الله عليه وسلم: "إن الزمان قد استدرا كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض"، قال محمد بن محمد بن سليمان عن قوله: (إلا في ست وعشرين) لعله (إلا في كل ستة وثلاثين سنة) لأن الباعث لهم على الإنساء وهو أن يأتي الحجُّ كل عام في زمن الثمار ليجلبها عليهم

_ (1) أبو داود (2/ 126) كتاب الزكاة، باب في حقوق المال. الحاكم (2/ 333) كتاب التفسير، وصححه، ووافقه الذهبي، كذا قال محقق الأصول. 2684 - مجمع الزوائد (7/ 29) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات.

الحجاج، إنما يقتضي أن يستدبر الحج في تسع ذي الحجة في كل ست وثلاثين تقريباً، فلو أحلوا محرماً في عام ومُحرماً وصفر في الثاني، ومحرماً فقط في الثالث وحجوا في تاس ذي الحجة في الأعوام الثلاثة، ثم أحلوا صفر وربيع في الرابع وصفر فقط في الخامس، وصفر وربيع في السادس، وحجوا في تاسع المحرم في هذه الثلاثة، وهكذا في بقيتها، فإن عود الحج إلى تاسع ذي القعدة إنما يكون في تلك المدة، وبهذا يكون للحديث معنى صحيح والله أعلم. أقول: الآية المشار إليها في النص هي قوله تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ}. وقد ربط الله عز وجل أوقات الصلاة بظهور بدايات الشمس فجراً وبغياب الشفق ليلاً، وبظل الشمس وغروبها كما ربط الحج والصيام بالأشهر القمرية ليكون ذلك أدنى إلى معرفة العامة والخاصة بأوقات عباداتهم، وليكون ذلك أبعد عن التحريف والتبديل كما أن لارتباط صيام رمضان بالأشهر القمرية حكمه الأخرى منها: أن يتعادل صيام أهل الكرة الأرضية كل ستة وثلاثين عاماً تقريباً، ومن حكم ربط الحج بالأشهر القمرية مراعاة كل أصناف الناس، وليمر في أمكنتهم وأزمنتهم وأحوالهم، وبذلك يدور الحج بالنسبة للسنة الشمسية بحيث يمر في كل الفصول وفي ذلك رفق بأصناف من الناس قد لا يستطيعون الحج إلا في زمن يناسبهم أكثر من غيره، وهذا التأخير على القول بأن فرضية الحج على التراخي. 2685 - * روى أبو داود عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: {لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ} (1). نسختْها التي في النُّورِ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (2).

_ 2685 - أبو داود (3/ 88) كتاب الجهاد، باب في الإذن في القفول بعد النهي وإسناده حسن. (1) التوبة: 44. (2) النور: 62.

ونقل ابن الجوزي في زاد المسير 4/ 446، عن أبي سليمان الدمشقي: أنه ليس للنسخ هاهنا مدخل، لإمكان العمل بالآيتين، وذلك أنه إنما عاب على المنافقين أن يستأذنوه في القعود عن الجهاد من غير عذر، وأجاز للمؤمنين الاستئذان لما يعرض لهم من حاجة، وكان المنافقون إذا كانوا معه، فعرضت لهم حاجة ذهبوا من غير استئذان. أقول: هناك اتجاه عند المفسرين أن الجهاد لا يحتاج إلى استئذان بل يسارع المسلم إليه بلا استئذان فضلاً عن أن يستأذن في تركه، فعلى هذا الاتجاه يُفهم قول ابن عباس أن آية سورة النور قد نسخت آية التوبة من حيث إن المسلم عليه أن يستأذن وحتى على الاتجاه الآخر في أن آية التوبة تتحدث عن منع الاستئذان في ترك الجهاد، فآية التوبة تجيز الاستئذان، لكن الاستئذان لترك الجهاد حين يكون فريضة عين إنما يكون لمعذور، فحتى المعذور يحتاج إلى إذن في ترك الجهاد لأنه قد يؤدي دوراً ما يناسب عذره. 2686 - * روى البخاري عن أبي مسعود البدري [عُقبة بن عمرو] (رضي الله عنه) قال: لما نزلت آيةُ الصدقة، كُنَّا نُحامِلُ على ظهورنا، فجاء رجلٌ فتصدق بشيءٍ كثيرٍ، فقالوا [أي المنافقون]: مُراءٍ، وجاء رجل فتصدق بصاعٍ، فقالوا: إن الله لغنيٌّ عن صاع هذا، فنزلت {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (1). وفي رواية (2): كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمرنا بالصدقة انطلق أحدنا إلى السُّوق، فيُحامل، فيصيب المُدَّ، وإن لبعضهم اليوم لمائة ألفٍ. زاد في رواية (3): كأنه يُعَرِّضُ بنفسه.

_ 2686 - البخاري (3/ 282) 24 - كتاب الزكاة، 10 - باب اتقوا النار ولو بشق تمرة. (1) التوبة: 79. (2) البخاري (3/ 283) نفس الموضع السابق. (3) البخاري (8/ 330) 65 - كتاب التفسير، 11 - باب (الذين يلمزون المطوعين ..) إلخ. (نُحامل) بمعنى الحمل، أي: نتكلف الحمل، وكذلك التحامل تكلُّف الشيء على مشقةٍ. (اللمز): العيب. (المطوعين) المطوع: المتطوع: وهو الذي يفعل الشيء تبرعاً من نفسه، من غير أن يجبر عليه، فأدغمت التاء في الطاء. (جهدهم) الجُهد-بضم الجيم-: الطاقة والوُسع.

وفي أخرى (1): لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدقة كُنَّا نتحاملُ، فجاء أبو عقيل بنصف صاع، وجاء إنسان بأكثر منه، فقال المنافقون: إن الله لغني عن صدقة هذا، وما فعل هذا الآخر إلا رياء، فنزلتْ. وزاد النسائي (2) بعد قوله: لمائة ألفٍ: وما كان له [يومئذ] درهمٌ. 2687 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) قال: لما تُوفي عبد الله - بن أُبي بن سلولٍ - جاء ابنه عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله أنْ يعطيه قميصه يُكَفِّنُ فيه أباه؟ فأعطاه، ثم سأله أن يصلي عليه؟ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه، فقام عمر، فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، تُصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما خيَّرَني الله عز وجل فقال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (3) وسأزيد على السبعين، قال: إنه منافق، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فأنزل الله عز وجل: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} (4). زاد في رواية (5): فترك الصلاة عليهم. قال في "الفتح" 8/ 253: أما جزم عمر بأنه منافق، فجرى على ما كان يطلعُ عليه من أحواله، وإنما لم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بقوله، وصلى عليه، إجراءً له على ظاهر حكم الإسلام، كما تقدم تقريره، واستصحاباً لظاهر الحكم، ولما فيه من إكرام ولده، الذي تحققت صلاحيته ومصلحة الاستئلاف لقومه، ودفع المفسدة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر يصبر على أذى المشركين، ويعفو ويصفح، ثم أمر بقتال المشركين، فاستمر صفحه وعفوه

_ (1) مسلم (2/ 706) 12 - كتاب الزكاة، 21 - باب الحمل أجرة يتصدق بها ... إلخ. (2) النسائي (5/ 59، 60) 23 - كتاب الزكاة، 49 - جهد المقل. 2687 - البخاري (8/ 333) 65 - كتاب التفسير، 12 - باب (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ...). مسلم (4/ 2141) 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم. (3) التوبة: 80. (4) التوبة: 84. (5) مسلم: نفس الموضع السابق.

عمن يظهر الإسلام ولو كنا باطنه على خلاف ذلك، لمصلحة الاستئلاف وعدم التنفير، ولذلك قال: "لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه" فلما حصل الفتح، ودخل المشركون في الإسلام، وقل أهل الكفر وذلوا، أمر بمجاهدة المنافقين، وغير ذلك مما أُمر فيه بمجاهدتهم، وبهذا التقدير يندفع الإشكال عما وقع في هذه القصة بحمد الله تعالى. 2688 - * روى البخاري عن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) قال: لما مات عبد الله ابن أبي بن سلول، دُعي له رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت إليه، فقلت: يا رسول الله، أتصلي على ابن أبي وقد قال يوم كذا وكذا: كذا وكذا؟! أعدَّدُ عليه قوله، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: "أخرْ عني يا عمر، فلما أكثرت عليه، قال: أما إني خيرتُ، فاخترت، لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له، لزدتُ عليها"، قال: فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف، فلم يمكث إلا يسيراً حتى نزلت الآيتان من براءة: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} قال: فعجبتُ بعد من جُرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يومئذ، والله ورسوله أعلم. وزاد الترمذي: فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على منافق، ولا قام على قبره، حتى قبضه الله. 2689 - *روى الترمذي عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال: سمعت رجلاً يستغفر لأبويه وهما مشركان، فقلت له: أتستغفر لأبويك وهما مشركان؟ فقال: استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} (1).

_ 2688 - البخاري (8/ 333، 334) نفس الموضع السابق. الترمذي (5/ 279) 48 - كتاب تفسير القرآن، 10 - باب ومن سورة التوبة. النسائي (4/ 67، 68) 21 - كتاب الجنائز، 29 - باب الصلاة على المنافقين. 2689 - الترمذي (5/ 281) 48 - كتاب تفسير القرآن، 10 - باب ومن سورة التوبة وقال الترمذي: هذا حديث حسن. النسائي (4/ 91) 21 - كتاب الجنائز، 102 - باب النهي عن الاستغفار للمشركين. (1) التوبة: 113.

وفي الباب عن سعيد بن المسيب عن أبيه أخرجه أحمد والبخاري ومسلم في الإيمان "أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طالب: أي عم، قل: "لا إله إلا الله" أحاجُّ لك بها عند الله، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية، يا أبا طالب، أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أستغفرن لك ما لم أنه عنك، فنزلت {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} اهـ. 2690 - *روى أحمد في قوله تعالى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى} عن سهل بن سعد قال اختلف رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الذي أسس على التقوى فقال أحدهما: هو مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وقال الآخر: هو مسجد قُباء فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فسألاه فقال: "هو مسجدي هذا"، وفي رواية (1) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى قال: "هو مسجدي".

_ 2690 - أحمد (5/ 331). الطبراني (الكبير) (6/ 207). (1) أحمد (5/ 335). مجمع الزوائد (7/ 34) وقال الهيثمي: رواه أحمد كله والطبراني باختصار ورجالهما رجال الصحيح.

سورة يونس

سورة يونس 2691 - * روى الترمذي عن أبي الدرداء (رضي الله عنه) سأله رجلٌ من أهل مصر عن هذه الآية: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (1)؟ قال: ما سألني عنها أحد منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "ما سألني عنها أحد غيرك منذ أُنزلت: هي الرؤيا الصالحة، يراها المسلم أو تُرى له". 2692 - * روى الترمذي عن عُبادة بن الصامت (رضي الله عنه) قال: سألت رسول الله صلى الله لعيه وسلم عن قوله تعالى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} قال: "هي الرؤيا الصالحة، يراها المؤمن، أو تُرى له". 2693 - * روى مالك عن عروة بن الزبير بن العوام (رضي الله عنه) في قوله تعالى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} قال: "هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل المسلم أو تُرى له".

_ 2691 - الترمذي (5/ 286، 287) 48 - كتاب تفسير القرآن، 11 - باب [ومن سورة يونس] وهذا الحديث حسن لغيره. (1) يونس: 64. 2692 - الترمذي (4/ 534، 535) 35 - كتاب الرؤيا، 3 - باب قوله (لهم البشرى في الحياة الدنيا) وقال الترمذي: هذا حديث حسن. 2693 - الموطأ (2/ 958) 52 - كتاب الرؤيا، 1 - باب ما جاء في الرؤيا، وإسناده صحيح لكنه مرسل.

سورة هود

سورة هود 2694 - * روى البخاري عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال محمد بن عباد بن جعفر المخزومي إنه سمع ابن عباس يقرأ: {أَلَا إِنَّهُمْ تَثْنَوْني صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} (1) قال: فسألته عنها؟ فقال: كان أناس يستحيون أن يتخلوا فيُفضوا إلى السماء، وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء، فنزل ذلك فيهم. وفي رواية (2) عمرو بن دينار قال: قرأ ابن عباس: {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ} وقال غيره عن ابن عباس يستغشون: يغطون رؤوسهم. نقل ابن الجوزي في زاد المسير 4/ 77 عن ابن الأنباري: تثنوني: تفعوعل، وهو فعل للصدور، معناه: المبالغة في تثني الصدور، كما تقول العرب: احلولي الشيء يحلولي: إذا بالغوا في وصفه بالحلاوة. أقول: ما ورد في هاتين الروايتين لا يوافق الرسم العثماني للمصحف فهما قراءتان شاذتان لا تعتبران قرآنا، إلا أن لهما حكم التفسير. 2695 - * روى أحمد عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل الحِجْرَ في غزوة خطب الناس: "يا أيها الناس لا تسألوا نبيكم عن الآيات، هؤلاء سألوا نبيهم أن يبعث لهم ناقة

_ 2694 - البخاري (8/ 349) 65 - كتاب التفسير، 1 - باب (ألا إنهم يثنون صدورهم ...). (1) هود: 5. (2) البخاري (8/ 350) نفس الموضع السابق. (يتخلوا) أي يخلون بأنفسهم، من الخلاء عند قضاء الحاجة. (فيفضوا) الإفضاء: الوصول إلى الشيء، وأراد به: الانكشاف. 2695 - أحمد (3/ 296). كشف الأستار (2/ 356) كتاب الهجرة والمغازي، باب غزوة تبوك. مجمع الزوائد (6/ 194) وقال الهيثمي: رواه البزار والطبراني في الأوسط ويأتي لفظه في سورة هود ورواه أحمد بنحوه ورجال أحمد رجال الصحيح. (غزوة): هي غزوة تبوك. ... =

ففعل، فكانت تردُ من هذا الفج، فتشربُ ماءهم يوم ورْدها، ويحلبون من لبنها مثل الذي كانوا يصيبون من غِبِّها، ثم تصدر من هذا الفجِّ، فعقروها، فأجلهم الله ثلاثة أيام، وكان وعد الله غير مكذوبٍ، ثم جاءتهم الصيحةُ فأهلك الله من كان منهم بين السماء والأرض، إلا رجلاً كان في حرم الله فمنعه حرمُ الله من عذاب الله، قيل يا رسول الله من هو؟ قال: أبو رِغَال". القصة في الآيات (61 - 68) من سورة هود. 2696 - * روى الشيخان عن أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليُمْلِي للظالم، حتى إذا أخذه لم يُفْلِتْهُ"، ثم قرأ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} (1). وقال الترمذي: وربما قال: "ليُمْهِلُ". 2697 - * روى الشيخان عن ابن مسعودٍ (رضي الله عنه) أن رجلاً أصاب من امرأةٍ قُبْلةً، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فنزلت: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} (2) فقال الرجل: يا رسول الله، ألي هذه؟ قال: "لمن عمل بها من أمَّتي". ولمسلم (3) أيضاً قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا رسول الله، إني عالجتُ امرأةً

_ = (غبها): البُّ: الورد. والغب من أوراد الإبل: أن ترد الماء يوماً وتدعه يوماً ثم تعود. (الفج): الطريق. 2696 - البخاري (8/ 354) 65 - كتاب التفسير، 5 - باب (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة ..). مسلم (4/ 1997، 1998) 45 - كتاب البر والصلة والآداب، 15 - باب تحريم الظلم. الترمذي (5/ 288) 48 - كتاب تفسير القرآن، 11 - باب [من سورة يونس]. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب. (ليملي): ليُمهل، والإملاء: الإمهال. (1) هود: 102. 2697 - البخاري (8/ 355) 65 - كتاب التفسير، 6 - باب (وأقم الصلاة طرفي النهار ..). مسلم (4/ 2115، 2116) 49 - كتاب التوبة، 7 - باب قوله تعالى (إن الحسنات يذهبن السيئات). الترمذي (5/ 291) 48 - كتاب تفسير القرآن، 12 - باب [ومن سورة هود] وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (2) هود: 116. (3) مسلم (4/ 2116، 2117) نفس الموضع السابق. ... =

في أقصى المدينة، وإني أصبت منها ما دون أن أمسها، فأنا هذا، فاقْضِ فيَّ ما شئت، فقال له عمر: لقد سترك الله، لو سترت على نفسك؟ قال: ولم يرُد النبي صلى الله عليه وسلم، فقام الرجل فانطلق، فأتبعه النبي رجلاً، فدعاه وتلا عليه هذه الآية: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} فقال رجل من القوم: يا نبي الله، هذا له خاصة؟ قال: "بل للناس كافةً". 2698 - * روى ابن خزيمة عن عبد الله بن مسعود قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إني لقيت امرأة في البستان، فضممتُها إليَّ وباشرتُها وقبلتُها وفعلتُ بها كل شيء إلا إني لم أجامعها. فسكت النبي صلى الله عليه وسلم. فنزلت هذه الآية: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقرأها عليه. فقال عمر: يا رسول الله أله خاصةً أو للناس كافةً؟ فقال: "لا بل للناس كافة". 2699 - * روى البزار عن ابن عباس أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان تحبه امرأةً فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة فأذن له فانطلق في يوم مطيرٍ فإذا بالمرأة على غدير ماء تغتسل فلما جلس منها مجلس الرجل من المرأة ذهب يحرك ذكره فإذا هو به هدبةٌ فقام فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "صل أربع ركعات" فأنزل الله تبارك وتعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} (1) الآية.

_ = (زُلفاً) الزلف: جمع زلفة: وهي الطائفة من الليل. (أمسها) المس هاهنا: كناية عن الجماع. 2698 - ابن خزيمة (1/ 162) 8 - باب ذكر الدليل على أن الحد الذي أصابه هذا السائل فأعلمه النبي أن الله قد عفا عنه، وإسناده صحيح. 2699 - كشف الأستار (3/ 52، 53) سورة هود. مجمع الزوائد (7/ 37) وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. (فإذا هو به هُدبة): أي أنه رخوٌ مثل طرف الثوب، لا يغني عنها شيئاً.

سورة يوسف

سورة يوسف 2700 - * روى البخاري عن عروة بن الزبير (رضي الله عنه) أنه سأل عائشة عن قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} (1) أو كُذبوا؟ قالت: بل كذبهم قومهم، فقلت: والله، لقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم، وما هو بالظن، فقالت: يا عُرَيَّةُ أجلْ، لقد استيقنوا بذلك، فقلت: لعلها (قد كُذبوا) فقالت: معاذ الله، لم تكن الرسل تظنُّ ذلك بربها، قلت: فما هذه الآية؟ قالت: هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم، وطال عليهم البلاء، واستأخر عنهم النصر، حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم، وظنوا أن أتباعم كذبُوهم، جاءهم نصر الله عند ذلك. وفي رواية (2) عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة قال: قال ابن عباس: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} خفيفةً، قال: ذهب بها هنالك، وتلا: {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} (3)، قال: فلقيتُ عروة بن الزبير، فذكرتُ ذلك له، فقال: قالت عائشة": معاذ الله، والله ما وعد الله رسوله من شيء قط إلا علم أنه كائن قبل أن يموت، ولكن لم تزل البلايا بالرسل، حتى خافوا أن يكون من معهم من قومهم يُكذبُونهم، وكانت تقرؤها {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} مُثقلةً. جاء في "زاد المسير" 4/ 296 وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر "كُذِّبوا" مشددة الذال مضمومة الكاف، والمعنى: وتيقن الرسل أن قومهم قد كذبوهم، فيكون الظن هاهنا بمعنى اليقين، وهذا قول الحسن وعطاء وقتادة وقرأ عاصمٌ وحمزة والكسائي "كُذبوا" خفيفة، والمعنى: ظن قومهم أن الرسل قد كُذبوا فيما وعدوا به من النصر، لأن الرسل لا يظنون ذلك. قال الحافظ في "الفتح" 8/ 267: أنكرت [أي عائشة] القراءة بالتخفيف، بناء على

_ 2700 - البخاري (8/ 367) 65 - كتاب التفسير، 6 - باب (حتى إذا استيأس الرسل). (1) يوسف: 110. (2) البخاري (8/ 188، 189) 65 - كتاب التفسير، 38 - باب (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم ... إلخ). (3) البقرة: 214.

سورة الرعد

أن الضمير للرسل، وليس الضمير للرسل على ما بينته، ولا لإنكار القراءة بذلك معنى بعد ثبوتها، ولعلها لم تبلغها ممن يرجع إليه في ذلك، وقد قرأها بالتخفيف أئمة الكوفة من القراء: عاصم ويحيى بن وثاب، والأعمش، وحمزة، والكسائي، ووافقهم من الحجازيين: أبو جعفر بن القعقاع، وهي قراءة ابن مسعود وابن عباس، وأبي عبد الرحمن السلمي، والحسن البصري، ومحمد بن كعب القرظي في آخرين. سورة الرعد 2701 - * روى البزار عن (أنسٍ) بعث النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من أصحابه إلى رجل من عظماء الجاهلية يدعوه إلى الله، فقال إيش ربك الذي تدعوني إليه، من حديد هو من نحاس هو من فضة هو من ذهب هو؟ فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأعاده فقال مثل ذلك، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأرسله إليه الثالثة، فقال مثل ذلك، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأرسل الله عليهم صاعقةً فأحرقتْهُ فقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى قد أرسل على صاحبك صاعقةً فأحرقته"، فنزل: {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} (1).

_ 2701 - كشف الأستار (3/ 54) سورة الرعد. مجمع الزوائد (7/ 42) وقال الهيثمي: رواه البزار والطبراني في الأوسط ورجال البزار رجال الصحيح غير ديلم بن غزوان وهو ثقة. (1) الرعد: 13.

سورة إبراهيم

سورة إبراهيم 2702 - * روى أحمد عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ} (1) قال هي التي لا تنفض ورقها. وتمام الآية: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ}. 2703 - * روى الشيخان عن البراء بن عازبٍ (رضي الله عنه) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} (2) قال: "نزلت في عذاب القبر". وفي رواية (3): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المسلمُ إذا سُئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فذلك قوله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ}. وفي أخرى (4) قال: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} نزلت في عذاب القبر، يقال له: من ربُّك؟ فيقول: ربي الله، ونبيي محمدٌ صلى الله عليه وسلم". 2704 - * روى البخاري عن ابن عباس (رضي الله عنهما) في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا} (5) قال: هم كفارُ أهل مكةَ.

_ 1702 - أحمد (2/ 91). مجمع الزوائد (7/ 44) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات. (1) إبراهيم: 24. 2703 - البخاري (3/ 232) 23 - كتاب الجنائز، 86 - باب ما جاء في عذاب القبر. مسلم (4/ 2202) 51 - كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، 17 - باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه .. إلخ. (2) إبراهيم: 27. (3) البخاري (8/ 378) 65 - كتاب التفسير، 2 - باب (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ...). أبو داود (4/ 238) كتاب السنة، باب في المسئلة في القبر وعذاب القبر. (4) مسلم (4/ 2201) نفس الموضع السابق. 2704 - البخاري (8/ 378) 65 - كتاب التفسير، 3 - باب (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً). (5) إبراهيم: 28.

وفي رواية (1) قال: هم والله كفارُ قريشٍ، قال عمرو هم قريشٌ، ومحمد: نعمةُ الله، {وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} قال: النار يوم بدرٍ. 2705 - * روى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) قال: "تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (2) وقول عيسى عليه السلام: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (3) فرفع يديه، وقال: "اللهم أمتي أمتي، وبكى، فقال الله عز وجل: يا جبريل، اذهب إلى محمدٍ - وربُك أعلم - فسله: ما يبكيه؟ فأتاه جبريل فسأله؟ فأخبره بما قال- وهو أعلم - فقال الله: يا جبريل، اذهب إلى محمدٍ، فقل له: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك". 2706 - * روى مسلم عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} (4) قلت: أينَ يكونُ الناسُ يومئذ يا رسول الله؟ قال: "على الصراط".

_ (1) البخاري (7/ 301) 64 - كتاب المغازي، 8 - باب قتل أبي جهل. البوار): الهلاك. 2705 - مسلم (1/ 191) 1 - كتاب الإيمان، 87 - باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأمته وبكائه شفقة عليهم. (2) إبراهيم: 36. (3) المائدة: 18. 2706 - مسلم (4/ 2150) 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، 2 - باب في البعث والنشور ... الترمذي (5/ 296) 48 - كتاب تفسير القرآن، 15 - باب [ومن سورة إبراهيم]. (4) إبراهيم: 48.

سورة الحجر

سورة الحِجْر 2707 - * روى أبو يعلي عن ابن عباس في قوله عز وجل: {لَعَمْرُكَ} (1) قال لحياتُك. 2708 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا قوله تعالى: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} (2) وقال: باب منها لمن سلَّ السيف على أمتي، أو قال" على أمة محمدٍ". 2709 - * روى النسائي عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: أُوتي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سبعاً من المثاني الطوَلِ. وفي رواية: في قوله: {سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} (3)، قال: السبع الطِّوَلُ. 2710 - * روى الطبراني عن ابن عباس في قوله: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي} قال هي السبع الطول. 2711 - * روى البخاري عن ابن عباس (رضي الله عنهما): {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} (4) قال: هم أهل الكتاب: اليهودُ والنصارى، جزؤوهُ أجزاءً، فآمنوا ببعضٍ، وكفروا ببعضٍ.

_ 2707 - أبو يعلي (5/ 139). مجمع الزوائد (7/ 46) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلي وإسناده جيده. (1) الحجر: 72. 2708 - الترمذي (5/ 297) 48 - كتاب تفسير القرآن، 16 - باب "ومن سورة الحجر". وقال الترمذي: هذا حديث غريب، وقد صحح إسناده العلامة أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على مسند أحمد. (2) الحجر: 43 - 44. 2709 - النسائي (2/ 140) 11 - كتاب الافتتاح، 26 - تأويل قول الله عز وجل (ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم) وإسناده حسن، النسائي: نفس الموضع السابق. (3) الحجر: 87. 2710 - الطبراني (الكبير) (11/ 59). مجمع الزوائد (7/ 46) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. 2711 - البخاري (8/ 382) 65 - كتاب التفسير، 4 - باب قوله (الذين جعلوا القرآن عضين). (عضين) جمع عِضة، من عضيت الشيء: إذا فرَّقته. (4) الحجر: 91.

سورة النحل

سورة النحل 2712 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) في قوله تعالى: {زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ} (1) قال زيدوا عقاربَ أنيابها كالنخل الطوال. 2713 - * روى أحمد عن عثمان بن أبي العاص الثقفيِّ (رضي الله عنه) قال كنتُ عند رسول الله! جالساً إذ شخصَ ببصرِه ثم صوَّبَه حتى كاد أن يلزِقَ بالأرض قال وشخص ببصره قال أتاني جبريل فأمرني أن أضع هذه الآية بهذا الموضع من هذه السورة {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}. 2714 - * روى الطبراني عن مسروقٍ في قوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} (2) قال: قال عبد الله بن مسعود إن معاذاً كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يكن من المشركين. فقال فروةُ رجلٌ من أشجع نسي، أن إبراهيم. فقال: ومن نسي، إنّا كنا نشبّه معاذاً بإبراهيم. وسئل عن الأمة فقال: معلمُ الخير، وسُئِلَ عن القانت فقال: مطيعُ الله ورسوله. 2715 - * روى الترمذي عن أُبيٍّ: لما كان يومُ أُحدٍ أُصيب من الأنصار أربعةٌ وستون، ومن المهاجرين ستة فمثلوا بهم، فقالت الأنصارُ: لئن أصبْنا منهم يوماً مثل هذا لنُرْبيَنَّ عليهم في التمثيل. فلما كان يوم الفتح أنزل الله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} (3) فقال رجل لا قريش بعد اليوم، فقال صلى الله عليه وسلم: "كفوا عن القوم إلا أربعةً".

_ 2712 - الطبراني (المعجم الكبير) (9/ 258). مجمع الزوائد (7/ 48) وقال الهيثمي: رواه الطبراني بأسانيد ورجال بعضها رجال الصحيح. (1) النحل: 88. 2713 - أحمد (4/ 218). مجمع الزوائد 07/ 48، 49) وقال الهيثمي: رواه أحمد وإسناده حسن. 2714 - الطبراني (في الكبير) (10/ 71، 72، 73). مجمع الزوائد (7/ 49) وقال الهيثمي: رواه الطبراني بأسانيد ورجال بعضها رجال الصحيح. 2715 - الترمذي (5/ 299، 300) 48 - كتاب تفسير القرآن، 17 - باب ومن سورة النحل وقال الترمي: هذا حديث حسن غريب من حديث أُبي بن كعب. (2) النحل: 120. (3) النحل: 127.

سورة الإسراء

سورة الإسراء 2716 - * روى البخاري عن ابن مسعود (رضي الله عنه) قال: في بني إسرائيل والكهف، ومريم، وطه، والأنبياء: إنهُن من العِتاقِ الأول، وهُن من تلادي. 2717 - * روى الشيخان عن ابن مسعود في قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} كان نفرٌ من الإنس يعبُدون نفراً من الجنِّ فأسلم النفرُ من الجنُ فاستمسك الآخرون بعبادتهم فنزلت {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} (1). 2718 - * روى البخاري عن ابن عباس: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ} (2) هي رؤيا عينٍ أريها النبيُّ صلى الله عليه وسلم ليلة أُسري به، والشجرة المعلونة في القرآن هي شجرة الزقوم. 2719 - * روى مالك عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) كان يقول: دُلوك الشمس: ميْلُها.

_ 2716 - البخاري (8/ 435) 65 - كتاب التفسير، 21 - سورة الأنبياء. (بنو سرائيل): هي سورة الإسراء. (العتاق الأول) أراد بالتاق الأول: السور التي نزلت أولاً بمكة: ولذلك قال: "تلادي" يعني: من أول ما تعلمته، والتلاد والتالد: المال الموروث القديم، والطريف بخلافه وهو المكتسب. 2717 - البخاري (8/ 397) 65 - كتاب التفسير، 7 - (قل ادعوا الين زعمتم من دونه ...). مسلم (4/ 2321) 54 - كتاب التفسير، 4 - باب في قوله تعالى (أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة). (1) الإسراء: 57. 2718 - البخاري (8/ 398) 65 - كتاب التفسير، 9 - باب (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك ...). الترمذي (5/ 302) 48 - كتاب تفسير القرآن، 18 - باب ومن سورة بني إسرائيل، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (2) الإسراء: 60. 2719 - الموطأ (1/ 11) 1 - كتاب وقوت الصلاة، 4 - باب ما جاء في دلوك الشمس وغسق الليل. وإسناده صحيح، وهو قول أبي برزة وأبي هريرة والحسن والشعبي وسعيد بن جبير وأبي العالية ومجاهد وعطاء وعبيد بن عمير وقتادة والضحاك ومقاتل، وهو اختيار الأزهري. وروى الحاكم عن ابن مسعود أنه غروبها، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وقد قال بهذا القول النخعي وابن زيد، وعن ابن عباس كالقولين. (م). (ميلها): زوالها، أي وقت الظهر.

2720 - * روى الترمذي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) في قوله تعالى: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} (1) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تشهدهُ ملائكةُ الليل وملائكةُ النهار". وأخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة مرفوعاً "فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة، ويجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الصبح، يقول أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} قال ابن كثير: فعلى هذا تكون هذه الآية: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} قد دخل فيها كل أوقات الصلوات الخمس. فمن قوله: {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} وهو ظلامه: أخذ الظهر والعصر والمغرب والعشاء. ومن قوله: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} يعني صلاة الفجر، وقد ثبتت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تواتراً من أقواله وأفعاله بتفاصيل هذه الأوقات على ما هي عليه اليوم عند أهل الإسلام مما تلقوه خلفاً عن سلف وقرناً بعد قرن. 2721 - * روى الشيخان عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه: قال: بينا أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو يتوكَّأ على عسيبٍ - مرَّ بنفرٍ من اليهود، فقال بعضهم: سلوهُ عن الروح؟ وقال بعضهم: لا تسألوه لا يُسمِعْكم ما تكرهون، فقاموا إليه فقالوا: يا أبا القاسم، حدثنا عن الروح، فقام ساعةً ينظرُ، فعرفْتُ أنه يوحي إليه، فتأخَّرْتُ حتى صعد الوحيُ، ثم قال: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} (2) فقال بعضهم لبعض: قد قلنا لكم: لا تسألوه. قال ابن القيم: ليس المراد هنا بالأمر الطلب اتفاقاً، وإنما المراد به المأمور، والأمر

_ 2720 - الترمذي (5/ 302) 48 - كتاب تفسير القرآن، 18 - باب ومن سورة بني إسرائيل وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (1) الإسراء: 78. 2721 - البخاري (8/ 401) 65 - كتاب التفسير، 13 - باب (ويسألونك عن الروح). مسلم (4/ 2152) 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، 4 - باب سؤال اليهود النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح ... الترمذي (5/ 304، 305) 48 - كتاب تفسير القرآن، 18 - باب ومن سورة بني إسرائيل وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (عسيبُ) العسيبُ: سعف النخل، وأهل العراق يُسمونه: الجريد. (2) الإسراء: 80.

يطلق على المأمور كالخلق على المخلوق، ومنه {لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ} وقال ابن بطال: معرفة حقيقة الروح مما استأثر الله بعلمه بدليل هذا الخبر، والحكمة في إبهامه اختبار الخلق ليعرفهم عجزهم عن علم مالا يدركونه حتى يضطرهم إلى رد العلم إليه. قال ابن كثير في تفسيره 5/ 227: وهذا السياق يقتضي فيما يظهر بادي الرأي أن هذه الآية مدنية، وأنها نزلت حين سأله اليهود عن ذلك بالمدينة، مع أن السورة كلها مكية، وقد يجاب عن هذا بأن تكون نزلت عليه بالمدينة مرة ثانية، كما نزلت عليه بمكة قبل ذلك، أو أنه نزل عليه الوحي بأنه يجيبهم عما سألوه بالآية المتقدم إنزالها عليه، وهي هذه الآية: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ}. أقول: وقد يكون سئل هذا وهو في مكة من قبل اليهود، بأن جاؤوه فسألوه أو أرسلوا له مع قريش، وهذا أولى من القول بتكرار النزول، ويؤكد هذا الرواية التالية: 2722 - * روى أحمد عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: قالت قريشٌ لليهود: أعطونا شيئاً نسألُ عنه هذا الرجل، فقالوا: سلوهُ عن الروح، فسألوه عن الروح؟ فأنزل الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} قالوا: أوتينا علماً كثيراً، أوتينا التوراة، ومن أوتي التوراةَ فقد أوتي خيراً كثيراً، فأنزل الله {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} (1). 2723 - * روى الدارمي عن شداد بن معقل أن ابن مسعود قال: ليُنْتَزعَنَّ هذا القرآنُ من بين أظهركم، قلت يا أبا عبد الرحمن: كيف يُنتزعُ وقد أثبتناه في قلوبنا وأثبتناه في مصاحفنا؟ قال: يُسْرَى عليه في ليلة فلا يبقى في قلب عبد ولا مصحف منه شيء، ويصبح الناس فقراء كالبهائم، ثم قرأ عبد الله: {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ

_ 2722 - أحمد (1/ 255). الترمذي (5/ 304) 48 - كتاب تفسير القرآن، 18 - باب ومن سورة بني إسرائيل وقال الترمذي: هذا حخديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. (1) الكهف: 109. 2723 - الدارمي (2/ 438) 4 - باب في تعاهد القرآن. الطبراني (المعجم الكبير) (9/ 153). مجمع الزوائد (7/ 52) وقال الهيثمي: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح غير شداد بن معقل، وهو ثقة.

لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا}. 2724 - * روى الجماعة إلا الموطأ وأبا داود عن ابن عباس (رضي الله عنه) في قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} (1) قال: أنزلتْ ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوارٍ بمكة، وكان إذا رفع صوتهُ، سمعهُ المشركون فسبُّوا القرآن ومنْ أنزله ومن جاء به، فقال الله عز وجل: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ}، أي: بقراءتك، حتى يسمعها المشركون: {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}: عن أصحابكَ، فلا تُسْمِعُهُمْ {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا}: أسمعهم، ولا تجهر حتى يأخذوا عنك القرآن. وفي رواية (2): {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} يقول: بين الجهر والمخافتة. 2725 - * روى الشيخان عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: أُنزل هذا في الدعاء: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}. قال الحافظ في الفتح، قوله: أنزل ذلك في الدعاء، هكذا أطلقت عائشة، وهو أعم من أن يكون ذلك داخل الصلاة أو خارجها. 2726 - * روى ابن خزيمة عن عائشة، قالت: نزلت هذه الآية في التشهد: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}.

_ 2724 - البخاري (13/ 463) 97 - كتاب التوحيد، 34 - باب قول الله تعالى: (أنزله بعلمه والملائكة يشهدون). مسلم (1/ 329) 4 - كتاب الصلاة، 31 - باب التوسط في القراءة في الصلاة الجهرية .. الترمذي (5/ 306، 307) 48 - كتاب تفسير القرآن، 18 - باب ومن سورة بني إسرائيل وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. النسائي (2/ 178) 11 - كتاب الافتتاح، 80 - باب قوله عز وجل (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها). (1) الإسراء: 110. (2) مسلم (1/ 329) نفس الموضع السابق. (المخافتة): المساررة، والتخافت: السرار. 2725 - البخاري (11/ 131) 80 - كتاب الدعوات، 17 - باب الدعاء في الصلاة. مسلم (1/ 329) نفس الموضع السابق. 2726 - ابن خزيمة (1/ 350) 217) باب إخفاء التشهد وترك الجهر به وإسناده صحيح.

سورة الكهف

سورة الكهف 2727 - * روى الطبراني عن عبد الرحمن بن سهل بن حُنيفٍ قال: نزلتْ هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بعض أبياته: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} (1) خرج يلتمس فوجد قوماً يذكرون الله منهم ثائر الرأس وجاف الجلد وذو الثوب الواحد فلما رآهم جلس معهم فقال: "الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أصبر نفسي معهم". 2728 - * روى مالك عن سعيد بن المسيب (رحمه الله) قال: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ} (2) هي قول العبد، الله أكبرُ، وسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. 2729 - * روى الشيخان عن سعيد بن جُبير (رحمه الله) قال: قلت لابن عباس رضي الله تعالى عنهما: إن نوفاً البكالي يزعُم أن موسى - صاحب بني إسرائيل- ليس هو صاحب الخضرِ. فقال: كذَبَ عدوُّ الله، سمعتُ أُبي بن كعبٍ يقول: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قام موسى عليه السلام خطيباً في بني إسرائيل، فسئل: أي الناس أعلمُ؟ قال: أنا أعلم، قال: فعتب الله عليه إذْ لم يرُدَّ العلم إليه، فأوْحى الله إليه: إنَّ عبداً من عبادي بمجمع البحرين، هو أعلم منك، قال موسى، أيْ ربِّ، كيْفَ لي به؟ فقيل له: احمِلْ حُوتاً في مكتَلٍ، فحيثُ تفقدُ الحوت، فهو ثمَّ، فانطلق وانطلق معه فتاهُ، وهو يُوشعُ بن نونٍ، فحمل مُوسى حوتاً في مكتلٍ، فانطلق هو وفتاه يمشيان، حتى أتيا الصخرة، فرقد موسى وفتاه، فاضطرب الحوتُ في

_ 2727 - مجمع الزوائد (7/ 21) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح وقد ذكر الطبراني عبد الرحمن في الصحابة. (1) الكهف: 28. 2728 - الموطأ (1/ 210) 15 - كتاب القرآن، 7 - باب ما جاء في ذكر الله تبارك وتعالى وهو صحيح. 2729 - البخاري (6/ 431، 432، 433) 60 - كتاب أحاديث الأنبياء، 27 - باب حديث الخضر مع موسى عليهما السلام. (2) الكهف: 46. مسلم (4/ 1847، 1848، 1849، 1850) 43 - كتاب الفضائل، 46 - باب من فضائل الخضر عليه السلام. =

المكتل، حتى خرج من المكتل، فسقط في البحر، قال: وأمسك الله عنه جريةَ الماء حتى كان مثل الطاق فكان للحوت سرباً وكان لموسى وفتاه عجباً، فانطلقا بقية ليلتهما ويومهما، ونسي صاحب موسى أن يخبرهُ، فلما أصبح موسى عليه السلام قال لفتاه: {آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} (1). قال: ولم ينصبْ حتى جاوز المكان الذي أُمِرَ به: {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا} قال موسى: {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} (2). قال: يقُصَّان آثارهما، حتى أتيا الصخرة، فرأى رجلاً مُسجَّى ثوباً، فسلم عليه موسى، فقال له الخضر: أنى بأرضك السلام؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: إنك على علمٍ من علم الله علمكهُ الله لا أعلمْهُ، وأنا على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه، قال له موسى: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} قال له الخضر: {قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} (3) قال نعم، فانطلق موسى والخضر يمشيان على ساحل البحر، فمرت بهما سفينةٌ، فكلموهم أن يحملوهُما، فعرفُوا الخضر، فحملوهما بغير نولٍ، فعمد الخضرُ إلى لوحٍ من ألواح السفينة، فنزعه، فقال له موسى: قومٌ حملونا بغير نوْلٍ، عمدت إلى سفينتهم، فخرقتها: {لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا،

_ = (مكتلٌ) المكتلُ: شبه الزنبيل وهو القُفة، يسعُ خمسة عشر صاعاً. (سرباً) السربُ: المسلك. (نصباً) النصب: التعب. (1) الكهف: 62. (أوينا) أوى يأوي إلى المنزل: إذا انضم إليه ورجع. (فارتدا) افتعلا من الارتداد: وهو الرجوع. (قصصاً) القصص: تتبع الأثر شيئاً بعد شيء، والمعنى: رجعا من حيث جاءا، يقصان الأثر. (مسجى) المسجى: المغطى. (2) الكهف: 63 - 64. (رشدا) الرشد والرُّشد: الهدى. (نول) النول: العطية والجُعل: تقول: نلت الرجل أنوله نولاً: إذا أعطيته، ونلت الشيء أناله نيلاً: وصلت إليه. (3) الكهف: 66 - 70. (إمراً) الإمر: الأمرُ العظيم المنكر.

قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا؟ قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ، وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا} (1)، ثم خرجا من السفينة، فبينما هما يمشيان على الساحل، إذ غلامٌ يلعبُ مع الغلمان، فأخذ الخضر برأسه، فاقتلعهُ بيده، فقتله، فقال موسى: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} (2) قال: وهذه أشدُ من الأولى: {قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} يقول: مائل، قال الخضر بيده هكذا فأقامه، قال له موسى: قومٌ أتيناهمْ، فلم يضيفونا، ولم يُطعمونا: {لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} (3) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يرحمُ الله موسى، لوددتُ أنه كان صبر، حتى كان يقصُّ علينا من أخبارهما" قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كانت الأولى من موسى نسياناً" قال: وجاء عُصفورٌ حتى وقع على حرف السفينة، ثم نقر في البحر، فقال له الخضر: ما نقص علمي وعلمُك من علم الله، إلا مثل ما نقص هذا العصفُور من البحر". زاد في رواية (4): "وعلم الخلائق" ثم ذكر نحوه. قال سعيد بن جبير: كان يقرأ: "كان أمامهم ملك يأخذ كل سفينةٍ غصباً" وكان يقرأ: وأما الغلام: فكان كافراً". وفي رواية (5) قال: "بينما موسى عليه السلام في قومه يُذكِّرهُم بأيام الله، وأيامُ الله: نعماؤه وبلاؤه، إذْ قال: ما أعلم في الأرض رجلاً خيراً أو أعلم مني" قال ... وذكر الحديث. وفيه: "حوتاً مالحاً".

_ (1) الكهف: 71 - 73. (2) الكهف: 74 - 75. (3) الكهف: 75 - 77. (4) البخاري (8/ 423) 65 - كتاب التفسير، 5 - باب (أرأيت إذ أوينا إلى (الصخرة). (5) مسلم (4/ 1850) 43 - كتاب الفضائل، 46 - باب من فضائل الخضر عليه السلام.

وفيه: "مُسجّى ثوباً، مستلقياً على القفا، أو على حُلاوةِ القفا". وفيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رحمة الله علينا وعلى موسى، لولا أنه عجَّل لرأي العجب، ولكنه أخذته من صاحبه ذمامةٌ"، قال: {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا} ولو صبر لرأى العجب، قال: وكان إذا ذكر أحداً من الأنبياء بدأ بنفسه، ثم قال: {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ} لئامٍ، فطافا في المجلس، فاستطعما أهلها: {فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا} إلى قوله: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} قال: وأخذ بثوبه، ثم تلا إلى قوله: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} إلى آخر الآية (1): فإذا جاء الذي يُسخرُها وجدها منخرقة، فتجاوزها، فأصلحوها بخشبةٍ وأما الغلام فطُبع يوم طُبع كافراً، وكان أبواه قد غطفا عليه، فلو أنه أدرك: {يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا}. وفي رواية (2) قال: "وفي أصل الصخرة عينٌ يقال لها: الحياة لا يُصيبُ من مائها شيءٌ إلا حييَ، فأصاب الحوت من ماء تلك العين فتحرَّكَ، وانْسلَّ من المكتل" وذكر نحوه. وفي رواية (3): "أنه قيل له: خُذْ حوتاً، حتى تُنفخ فيه الروح، فأخذ حوتاً، فجعله في مكتل، فقال لفتاه: لا أكلِّفُك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت، فقال: ما كلَّفت كبيراً" .. وذكر الحديث. وفيه: "فوجدا خضراً على طنفُسَةٍ خضراء على كبد البحر، وأن الخضر قال

_ (1) الكهف: 79. (2) البخاري (8/ 423) الموضع السابق. (3) البخاري (8/ 411) الموضع السابق، 3 - باب (فلما بلغا مجمع بينهما ...). (حلاوة القفا) قال الجوهري: حلاوة القفا بالضم: وسطه، وكذلك حلاوى القفا، فإن مددت، فقلت: حلاواء القفا: فتحت. (ذمامة) الذمامة بالذال المعجمة: الحياء والإشفاق من الذم. (ارهقهما طغياناً) يقال: رهقه - بالكسر - يرهقه رهقاً، أي: غشيه، وأرهقه طغياناً وكفراً، أي: أغشاه إياه، ويقال: أرهقني فلانٌ إثماً حتى رهقته، أي: حملني إثماً حتى حملته له، والطغيان: الزيادة في المعاصي. (طنفسة) الطنفسة: واحدة الطنافس: وهي البُسط التي لها خملٌ رقيق.

لموسى: أما يكفيك أن التوراة بيديك، وأن الوحي يأتيك، ياموسى، إن لي علماً لا ينبغي لك أن تعلمه، وإن لك علماً لا ينبغي لي أن أعلمه". وفيه في صفة قتل الغلام: "فأضجعهُ فذبحه بالسكين". وفيه: "كان أبواه مؤمنين، وكان كافراً: {فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا} يحملهما حبه على أن يُتابعاهُ على دينه: {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً}، لقوله: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً}، {وَأَقْرَبَ رُحْمًا} أرحمُ بهما من الأول الذي قتلَ الخضرُ". وفي رواية (1): "أنهما أُبْدِلا جاريةً". وفي رواية (2) عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعودٍ: "أن ابن عباس تمارى هو والحرُّ بن قيس بن حصنٍ الفزاريُّ في صاحب موسى عليه السلام، فقال ابن عباس: هو الخضر، فمر بهما أُبيُّ بن كعبٍ، فدعاهُ ابن عباس فقال: يا أبا الطُّفيل، هلُمَّ إلينا فإنِّي قد تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل موسى السبيل إلى لُقِيِّهِ، فهل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه؟ فقال أُبي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بينا موسى في ملأ من بني إسرائيل، إذ جاءه رجل، فقال له: هل تعلَمُ أحداً أعلم منك؟ قال موسى: لا، فأوحى الله تعالى إلى موسى: بلى، عبدُنا الخضر، فسأل موسى السبيل إلى لُقِيِّهِ، فجعل الله له الحوت آيةً ... وذكر الحديث إلى قوله: {فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} فوجدا خضراً، فكان من شأنهما ما قص الله في كتابه". ولمسلم رواية (3) أخرى بطولها، وفيها: "فانطلقا، حتى إذا لقيا غِلماناً يلعبون،

_ = (كبد البحر) كبدُ كل شيء: وسطه، وكأنه أراد به هاهنا: جانبه. (تمارى) المماراة: المجادلة والمخاصمة. قال في الفتح عن نوف البكالي: تابعي صدوق ويقال: إنه ابن امرأة كعب الأحبار وقيل: ابن أخيه وهو منسوب إلى بني بكال وهم بطن من حمير. (1) البخاري (8/ 412) نفس الموضع السابق. (2) مسلم (4/ 1852، 1853) 43 - كتاب الفضائل، 46 - باب فضائل الخضر عليه السلام. (3) مسلم (4/ 1850، 1851، 1852) نفس الموضع السابق. ... =

قال: فانطلق إلى أحدهم بادي الرأي، فقتله، قال: فذُعِر عندها موسى ذُعرةً مُنكرةً، قال: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، عند هذا المكان: "رحمةُ الله علينا وعلى موسى، لولا أنه عجَّلَ لرأي العجب، ولكنه أخذتْهُ من صاحبه ذمامةٌ". وفي رواية (1) في قوله تعالى: {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} قال: "كانت الأولى نسياناً، والوسطى: شرطاً، والثالثة عمداً". وفي رواية (2) لمسلم: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: {لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا}. وعنده (3) قال: "إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الغلامُ الذي قتله الخضر طُبع كافراً، ولو عاش لأرْهق أبويه طُغياناً وكفراً". وفي رواية (4) الترمذي أيضاً: قال: "الغُلام الذي قتله الخضر: طُبع يوم طُبع كافراً .... " لم يزِدْ. وأخرج أبو داود (5) من الحديث طرفيْنِ مختصريْنِ عن أُبيِّ بن كعبٍ: الأول، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الغلام الذي قتله الخضر: طُبع يوم طبع كافراً ولو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً". والثاني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أبصر الخضر غُلاماً يلعبُ مع الصبيان، فتناول رأسه فقلعه، فقال موسى: {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً} الآية". قال الحافظ ابن حجر في الإصابة: ثبت في "الصحيحين". أن سبب تسميته الخضر "أنه جلس على فروة بيضاء، فإذا هي تهتز تحته خضراء" هذا لفظ الإمام أحمد من رواية

_ (1) البخاري (5/ 326) 54 - كتاب الشروط، 12 - باب الشروط مع الناس بالقول. (2) مسلم (4/ 1852) الموضع السابق. (3) مسلم (4/ 2050) 46 - كتاب القدر، 6 - باب معنى كل مولود يولد على الفطرة. (4) الترمذي (5/ 312) 48 - كتاب تفسير القرآن، 19 - باب ومن سورة الكهف، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب. (5) أبو داود (4/ 227، 228) كتاب السنة، باب في القدر.

المبارك عن معمر عن همام عن أبي هريرة. و"الفروة" الأرض اليابسة. في قول ابن عباس: (كذب عدو الله). قال العلماء: هو على وجه الإغلاظ والزجر عن مثل قوله، لا أنه يعتقد أنه عدو الله حقيقة، إنما قاله مبالغة في إنكار قوله لمخالفته قول رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان ذلك في حال غضب ابن عباس لشدة إنكاره، وفي حال الغضب تطلق الألفاظ، ولا يراد بها حقائقها. قال في "الفتح" 1/ 219 قوله "هو أعلم منك" ظاهر في أن الخضر نبي، بل مرسل، إذ لو لم يكن كذلك للزم تفضيل العالي على الأعلى، وهو باطل من القول، ومن أوضح ما يُستدل به على نبوة الخضر قوله: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} وينبغي اعتقاد كونه نبياً، لئلا يتذرع بذلك أهل الباطل في دعواهم: إن الولي أفضل من النبي، حاشا وكلا. قال النووي: "فتاه" صاحبه. و"نون" معروف، كنوح. وهذا الحديث يرد قول من قال من المفسرين: إن فتاه: عبد له، وغير ذلك من الأقوال الباطلة. قالوا: هو يوشع بن نون بن إفراييم بن يوسف. قال النووي: قوله: "وأمسك الله عنه جِرْية الماء، حتى كان مثل الطاق" الجرية: بكسر الجيم، والطاق: عقد البناء، وجمعه: طوق وأطواق، وهو الأزج وما عقد أعلاه من البناء، وبقي ما تحته خالياً. والأزج: بناء مستطيل مقوس السقف. قال الحافظ في "الفتح" 1/ 154 قوله: "ذلك ما كنا نبغي" أي: نطلب، لأن فقد الحوت جُعِلَ آية، أي: علامة على الموضع الذي فيه الخضر. وفي الحديث جواز التجادل في العلم إذا كان بغير تعنت، والرجوع إلى أهل العلم عند التنازع، والعمل بخبر الواحد الصدوق، وركوب البحر في طلب العلم، بل في طلب الاستكثار منه، ومشروعية وحمل الزاد في السفر، ولزوم التواضع في كل حال. ولهذا حرص موسى على الالتقاء بالخضر وطلب العلم منه، تعليماً لقومه ان يتأدبوا بأدبه. وتنبيهاً لمن زكى نفسه أن يسلك مسلك التواضع. قال الحافظ في "الفتح" 1/ 220 قوله: "أنيَّ" أي: كيف بأرضك السلام. ويؤيده

ما في التفسير "هل بأرضي من سلام؟ " أو من أين، كما في قوله تعالى: {أَنَّى لَكِ هَذَا}. والمعنى: من أين السلام في هذه الأرض التي لا يُعرف فيها، وكأنها كانت بلاد كفر، أو كانت تحيتهم بغير السلام، وفيه دليل على أن الأنبياء ومن دونهم، لا يعلمون من الغيب إلا ما علمهم الله، إذ لو كان الخضر يعلم كل غيب لعرف موسى قبل أن يسأله. قوله تعالى: {عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا}. قراءة ابن كثير بإثبات الياء، وعاصم بحذفها. قال النووي: في الحديث: الحكم بالظاهر حتى يتبين خلافه لإنكار موسى عليه السلام عليه، قال القاضي؛ اختلف العلماء في قول موسى: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} و {شَيْئًا نُكْرًا} أيهما أشد؟ فقيل "إمراً" لأنه العظيم. ولأنه في مقابلة خرق السفينة، الذي يترتب عليه في العادة هلاك الذين فيها وأموالهم، وهلاكهم أعظم من قتل الغلام، فإنها نفس واحدة. وقيل: "نكراً" أشد. لأنه قاله عند مباشرة القتل حقيقة. وأما القتل في خرق السفينة فمظنون. وقد يسلمون في العادة. وقد سلموا في هذه القضية فعلاً. وليس فيها ما هو محقق إلا مجرد الخرق. والله أعلم. قال الحافظ في "الفتح" 8/ 316: قوله: "يا موسى، إن لي علماً لا ينبغي لك أن تعلمه" أي: جميعه "وإن لك علماً لا ينبغي لي أن أعلمه" أي: جميعه. وتقدير ذلك متعين، لأن الخضر كان يعرف من الحكم الظاهر مالا غنى بالمكلف عنه، وموسى كان يعرف من الحكم الباطن ما يأتيه بطريق الوحي. ووقع في رواية سفيان "يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه، لا تعلمه أنت" وهو بمعنى الذي قبله. (زكيَّة): بتشديد الياء وزاكية: " قراءتان سبعيتان متواترتان فقد قرأ عاصم وحمزة والكسائي وابن عامر (زكية) وقرأ نافع وأبو عمرو وابن كثير (زاكية)، وهما بمعنى واحد. (لتخذت): قرأ هذه القراءة (لتخذْتَ) بفتح التاء من دون تشديد وكسر الخاء من

القراء السبعة ابن كثير وأبو عمرو، قرأ الباقون بتشديد التاء وفتح الخاء وكلا القراءتين متواتران. (وكان وراءهم ملك): القراءة التي وردت في الحديث: (وكان أمامهم ملك). قال عنها الزركشي هي كالتفسير اهـ إذ أنها تخالف الرسم العثماني للمصحف فلا يجوز أن تقرأ على أنها قرآن. 2730 - * روى الشيخان عن (زينب بنت جحشٍ): أن النبي صلى الله عله وسلم دخل عليها فزعاً يقول: "لا إله إلا الله ويلٌ للعرب من شرٍ قد اقترب، فُتح اليوم من ردْم يأجوج ومأجوج مثلُ هذه، وحَلَّق بأصبعيه الإبهام، والتي تليها، فقلت: يا رسول الله أنهلكُ وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث". أقول: ذكر هذا الحديث ها هنا بمناسبة قوله تعالى في سورة الكهف: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} (1) بمناسبة الكلام عن يأجوج ومأجوج في سورة الكهف، وقد حققنا الكلام عن السد في قسم العقائد ولعل في هذا الحديث إشارة إلى الغزو التتري والمغولي للأرض الإسلامية التي سقطت بسببه الخلافة العباسية، وهذا القدر من انفتاح يأجوج ومأجوج هو صغيرٌ بالنسبة لما سيكون من انفتاحهم على العالم زمن نزول المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام. 2731 - * روى البخاري عن مصعب بن سعد بن أبي وقاصٍ قال: يعني أبي - سألتُ عن قوله تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا} (2).

_ 2730 - البخاري (6/ 381) 60 - كتاب الأنبياء، 7 - باب قصة يأجوج ومأجوج. مسلم (4/ 2207) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 1 - باب اقتراب وفتح باب يأجوج ومأجوج. الترمذي (4/ 480) 34 - كتاب الفتن، 23 - باب ما جاء في خروج يأجوج ومأجوج، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (1) الكهف: 98. (2) الكهف: 103 - 106.

أهم الحرْورية؟ قال: لا، هم اليهود والنصارى، أما اليهود: فكذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم، وأما النصارى: فكذبوا بالجنة، قالوا: لا طعام فيها ولا شراب، والحرورية: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} (1) وكان سعدٌ يسميهم: الفاسقين. قال في الفتح 8/ 323: "الحرورية" بفتح الحاء المهملة وضم الراء نسبة إلى حروراء، وهي القرية التي كان ابتداء خروج الخوارج على علي منها. ولابن مردويه من طريق حصين عن مصعب "لما خرجت الحرورية، قلت لأبي: أهؤلاء الذين أنزل الله فيهم؟ " وله من طريق أبي القاسم بن أبي بزة عن أبي الطفيل عن علي في هذه الآية، قال: "أظن أن بعضهم الحرورية". وللحاكم من وجه آخر عن أبي الطفيل قال: قال علي "منهم أصحاب النهروان" وذلك قبل أن يخرجوا، ولعل هذا هو السبب في سؤال مصعب إياه عن ذلك وليس الذي قاله عليُّ بن أبي طالب ببعيدٍ لأنَّ اللفظ يتناوله وإن كان السببُ مخصوصاً. في ابن كثير: عن مصعب قال: سألت أبي، يعني سعد بن أبي وقاص عن قول الله ... وهذا أصح. وفي البخاري هم الحرورية؟ بدون همزة. وفي البخاري وأما النصارى كفروا بالجنة بدل فكذبوا. 2732 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنهُ ليأتي الرجُلُ العظيم السمينُ يوم القيامة لا يزنُ عند الله جناح بعوضةٍ، وقال: اقرؤوا: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} (2) ".

_ (1) البقرة: 27. 2732 - البخاري (8/ 426) 65 - كتاب التفسير، 6 - باب (أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه). مسلم (4/ 2147) 50 - كتاب صفات المنافقين، باب صفة القيامة والجنة والنار. (بعوضة) البعوضة، وجمعها البعوض: صغار البقِّ. (2) الكهف: 105.

2733 - * روى الترمذي عن أبي سعيد بن أبي فضالة (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا جمع الله الناس ليومٍ لا ريب فيه، نادى منادٍ: منْ كان يشرك في عمل عمله لله أحداً فليطلبْ ثوابه منه، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك". أقول: ذكر هذا الحديث بمناسبة قوله تعالى في سورة الكهف: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} آخر الكهف (1).

_ 2733 - الترمذي (5/ 314) 48 - كتاب تفسير القرآن، 19 - باب ومن سورة الكهف وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن بكر.

سورة مريم

سورة مريم 2734 - * روى مسلم عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: لما قدمت نجران سألوني، فقالوا: إنكم تقرؤون {يَاأُخْتَ هَارُونَ} (1) وموسى قبل عيسى بكذا وكذا؟ فلما قدِمْتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألته عن ذلك؟ فقال: "إنهم كانوا يسمون بأنبيائهم، والصالحين قبلهم". وأخرجه الترمذي: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجران، فقالوا: ألستُم تقرؤون ... وذكر الحديث. قال النووي: "إنهم كانوا يسمون بأنبيائهم إلخ ... " استدل به جماعة على جواز التسمية بأسماء الأنبياء، وأجمع عليه العلماء، إلا ما قدمناه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد سمي النبي صلى الله عليه وسلم ابنه إبراهيم، وكان في أصحابه خلائق يسمون بأسماء الأنبياء قال القاضي: وقد ذكر بعض العلماء: التسمي بأسماء الملائكة، وهو قول الحارث بن مسكين، قال: وكره مالك التسمي بجبريل وياسين. أقول: كان أهل نجران نصارى، فالتبس عليهم قوله تعالى: {يَاأُخْتَ هَارُونَ} مع أن النص واضح في أنهم سموها بأخت هارون إشارة إلى كمالها وتعجبهم انها مع كمالها قد جاءت بولد بلا أب اتهاماً منهم إياها بالزنا وحاشاها، وهناك اتجاه آخر ذكره السهيلي: قال: هارون رجل من عباد بني إسرائيل المجتهدين كانت مريم تشبه به في اجتهادها وليس بهارون أخي موسى بن عمران. 2735 - * روى الترمذي عن قتادة رحمه الله في قوله تعالى عن إدريس عليه السلام: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} (2) قال: " قال أنسٌ: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "لما عُرِجَ بي رأيتُ إدريس في السماء الرابعة".

_ 2734 - مسلم (3/ 1685) 38 - كتاب الآداب، 1 - باب النهي عن التكني بأبي القاسم ... إلخ. الترمذي (5/ 315) 48 - كتاب تفسير القرآن، 20 - باب ومن سورة مريم، قوال الترمذي: هذا حديث صحيح غريب. (1) مريم: 28. 2735 - الترمذي (5/ 316) الموضع السابق. (2) مريم: 57.

2736 - * روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام: "ما يمنعُك أنْ تزورنا أكثر مما تزورنا؟ فنزلت: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} (1). قال الحافظ في "الفتح": قوله: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ} قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: ما بين أيدينا: الآخرة، وما خلفنا: الدنيا، وما بين ذلك: ما بين النفختين. 2737 - * روى البزار عن أبي الرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئاً ثم تلا هذه الآية {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}. 2738 - * روى مسلم عن (أم مُبشِّرٍ الأنصارية) أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند حفصة: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} (2) فقال صلى الله عليه وسلم قد قال تعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} (3). أقول: ذكر ابن كثير المناسبة التي وردت في شأنها هذه الرواية فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت حفصة فقال "لا يدخل النار أحد شهد بدراً والحديبية. فقالت حفصة أليس الله يقول: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: ثم ننجي. 2739 - * روى الترمذي عن السُدِّي رحمه الله قال: سألت مُرَّة الهمداني عن قول الله تعالى:

_ 2736 - البخاري (8/ 428، 429) 65 - كتاب التفسير، 2 - باب (وما نتنزل إلا بأمر ربك). (1) مريم: 64. الترمذي (5/ 316، 317) نفس الموضع السابق. 2737 - كشف الأستار (3/ 58) سورة مريم. مجمع الزوائد (7/ 55) وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله ثقات. 2738 - مسلم (4/ 1942) 44 - كتاب فضائل الصحابة، 37 - من فضائل أصحاب الشجرة. (2) مريم: 71. (3) مريم: 72. 2739 - الترمذي (5/ 317) 48 - كتاب تفسير القرآن، 20 - باب ومن سورة مريم وقال الترمذي: هذا حديث حسن، ورواه شعبة عن السدي ولم يرفعه. ... =

{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} فحدثني: أن عبد الله بن مسعود حدثهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يردُ الناس، ثم يصدرون عنها بأعمالهم، فأولهم كلمح البرق، ثم كالريح، ثم كحُضْر الفرس ثم كالراكب في رحله، ثم كشد الرجُل، ثم كمشيه". 2740 - * روى الشيخان عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: كنتُ قينْا في الجاهلية، وكان لي على العاص بن وائل السهمي دينٌ، فأتيته أتقاضاه وفي رواية قال: "فعملت للعاص بن وائل سيفاً، فجئته أتقاضاه فقال: لا أعطيك، حتى تكفر بمحمد، فقلت: والله لا أكفر حتى يميتك الله ثم تُبعث قال: وإني لميت ثم مبعوثٌ؟ قلت: بلى، قال: دعني حتى أموت وأبعث، فسأوتي مالاً وولداً فأقضيك، فنزلت: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا} (1). وأخرجه الترمذي قال: جئتُ العاص بن وائل السهمي أتقاضاه حقاً لي عنده، فقال: لا أعطيك حتى تكفر بمحمد ... الحديث. قال الحافظ في "الفتح": هو والد عمرو بن العاص: الصحابي المشهور، وكان له قدر في الجاهلية، ولم يوفق للإسلام. قال ابن الكلبي: كان من حكام قريش، وكان موته بمكة قبل الهجرة، وهو أحد المستهزئين بالنبي صلى الله عليه وسلم. قال عبد الله بن عمرو: سمعت أبي يقول: عاش أبي خمساً وثمانين سنة، وإنه ليركب حماراً إلى الطائف، يمشي عنه أكثر مما يركب، ويقال: إن حماره رماه على شوكة، فأصابت رجله، فانتفخت، فمات منها. قال الحافظ في الفتح: قوله "حتى تموت، ثم تبعث" مفهومه: أنه يكفر حينئذ لكنه لم يُرد ذلك لأن الكفر حينئذٍ لا يتصور، فكأنه قال: لا أكفر أبداً، والنكتة في تعبيره

_ = (كحُضر الفرس) الحضر: العدو، والشدُّ أيضاً: العدو. 2740 - البخاري (8/ 429) 65 - كتاب التفسير، 3 - باب (أفرأيت الذي كفر بآياتنا). (1) مريم: 76 - 80. مسلم (4/ 2153) 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، 4 - باب سؤال اليهود النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح. الترمذي (5/ 318) 48 - كتاب التفسير، 20 - باب ومن سورة مريم. (قيناً) القين عند العرب الحداد.

بالبعث: تعبير العاص بأنه لا يؤمن به، وبهذا التقرير يندفع إيراد من استشكل قوله هذا، فقال: علق الكفر، من علق الكفر كفر، أصاب بأنه خاطب العاص بما يعتقده، فعلق على ما يستحيل بزعمه، والتقرير الأول يغني عن هذا الجواب.

تفسير سورة طه

تفسير سورة طه 2741 - *روى أبو يعلي حدثنا سعيد بن جبير عن ابن عباس في قول الله تعالى: {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} (1) سألته عن الفتون ما هو؟ قال: استأنف النهار يا ابن جبير فإن لها حديثاً طويلاً. فلما أصبحتُ غدوتُ إلى ابن عباس لأنتجزَ منه ما وعدني من حديث الفتون فقال: تذاكر فرْعونُ وجلساؤه ما كان الله وعد إبراهيم من أن يجعل في ذريته أنبياء وملوكاً، فقال بعضهم: إن بني إسرائيل لينتظرون ذلك ما يشكون فيه. وقد كانوا يظنون أنه يوسف بن يعقوب. فلما هلك، قالوا: ليس كذلك، إن الله عز وجل وعد إبراهيم. قال فرعون: فكيف ترونه؟ فأتمروا وأجمعوا أمرهم على أن يبعث رجالاً معهم الشِّفَار يطوفون في بني إسرائيل فلا يجدون مولوداً ذكراً إلا ذبحوه، ففعلوا ذلك، فلما رأوا أن الكبار من بني إسرائيل يموتون بآجالهم، والصغار يُذْبحون، قالوا: يُوشك أن تُفْنُوا بني إسرائيل فتصيرون إلى أن تُباشروا من الأعمال التي كانوا يكفونكم. فاقتلوا عاماً كل مولودٍ ذكرٍ فيقل نباتهم، ودعوا عاماً فلا يُقتل منهم أحدٌ فينشأ الصغار مكان من يموت من الكبار، فإنهم لن يكثروا بمن تستحيون منهم فتخافوا مكاثرتهم إياكم، ولن يُفنَوْا بمن تقتلون فتحتاجون إلى ذلك، فأجمعوا أمرهم على ذلك. فحملت أم موسى بهارون في العام الذي لا يُذبح فيه الغلمان فولدته علانيةً آمنةً. فلما كان من قابلٍ حملت بموسى، فوقع في قلبها الهمُّ والحُزْنُ- وذلك من الفتون يا ابن جبيرٍ - ما دخل منه في قلب أمِّه مما يُراد به. فأوحى الله تبارك وتعالى إليها: {وَلَا

_ 2741 - مسند أبي يعلي (5/ من ص 10، ص 29). (1) طه: 40. مجمع الزوائد (7/ 56) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلي ورجاله رجال الصحيح. وأخرجه الطبراني 16/ 164 إلى قوله: إذ جاء رجل من شيعة موسى من أقصى المدين فاختصر طريقاً قريباً حتى يسبقهم إلى موسى فأخبره الخبر. وذلك من الفتون يا ابن جبير. وقال ابن كثير في التفسير 3/ 153 "هكذا رواه النسائي في السنن الكبرى وأخرجه أبو جعفر بن جرير وابن أبي حاتم في تفسيريهما، كلهم من حديث يزيد بن هارون به وهو موقوف من كلام ابن عباس، وليس منه مرفوع إلا قليل منه وكأنه تلقاه ابن عباس رضي الله عنهما مما أبيح نقله من الإسرائيليات عن كعب الأحبار أو غيره والله أعلم، وسمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي يقول ذلك أيضاً" اهـ قول ابن كثير ويشهد لبعض فقرات الرواية أحاديث مرفوعة، انظر مسند أبي يعلي (5/ 29 - 30).

تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} (1) وأمرها إذا ولدت أن تجعله في تابوت ثم تُلقيه في اليمِّ. فلما ولدتْ فعلت ذلك به. فلما توارى عنها ابنها، أتاها الشيطان فقالت في نفسها ما صنعت بابن لو ذُبحَ عندي فواريته وكفنتُه كان أحبَّ إلي من أن ألقيه بيدي إلى زفرات البحر وحيتانه؟ فانتهى الماء به حتى انتهى به فرضة مُستقَى جواري امرأة فرعون. فلما رأينه أخذنه فهممْن أن يفتحن التابوت فقال بعضهن: إن في هذا مالاً، وإنا إن فتحناه لم تُصدقنا امرأةُ الملك بما وجدنا فيه. فحملنه بهيئته لم يُحرِّكْن منها شيئاً حتى دفعنه إليها، فلما فتحته رأت فيه غُلاماً، فُلقي عليه منها محبةً لم تجدْ مثلها على أحدٍ من البشر قطُّ. فأصبح فؤادُ أم موسى فارغاً من ذكر كل شيءٍ إلا من ذكر موسى. فلما سمع الذباحون بأمره، أقبلوا بشفارهم إلى امرأةِ فرعون ليذبحوه - وذلك من الفتون يا ابن جبير - فقالت لهم: اتركوه، فإن هذا الواحد لا يزيد في بني إسرائيل، حتى آتى فرعون فأستوهبه منهُ، فإن وهبه لي كنتم قد أحسنتم وأجملتُمْ، وإن أمر بذبحه لم ألُمْكُمْ، فأتت به فرعون فقالت: قُرة عينٍ لي ولك. قال فرعون: يكون لك فأما لي فلا حاجة لي في ذلك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي أحلِفُ به لو أقر فرعون بأن يكون له قرة عين كما أقرت امرأته، لهداه الله به كما هدى امرأته ولكن حرمهُ ذلك". فأرسلت إلى من حولها من كل امرأةٍ لها لبنٌ لتختار له ظئراً. فجعل كُلَّما أخذته امرأة منهن لترضعه، لم يقبل ثديها حتى أشفقت عليه امرأةُ فرعون أن يمتنع من اللبن فيموت، فأحزنها ذلك. فأُخْرِج إلى السُّوق ومجمع الناس ترجو أن تجد له ظئراً يأخذ منها، فلم يقبل. فأصبحت أم موسى والهةً، فقالت لأخته قُصِّيه: قُصِّي أثره واطلبيه، هل تسميعن له

_ (1) القصص: 7. قوله: (فرضة النهر): الثلمة التي ينحدر منها الماء يستسقي منها، وفرضة البحر محط السفن. (الظئر): المرضعة وأصلها من الناقة التي تعطف على ولد غيرها.

ذكراً؟ أحيٌّ ابني أم قد أكلته الدواب. ونسيتْ ما كان الله وعدها فيه، فبصُرت به أخته عن جُنب وهم لا يشعرون - والجُنُب: أن يسمو بصر الإنسان إلى الشيء البعيد وهو إلى جنبه لا يشعر به- فقالت من الفرح حين أعياهم الظؤارُ: أنا أدُلُّكم على أهل بيتٍ يكفلونه لكم وهم له ناصحون. فأخذوها فقالوا: ما يدريك ما نُصحهم له؟ هل تعرفونه؟ حتى شكوا في ذلك- وذلك من الفتون يا ابن جبير - فقالت: نصيحتهم له، وشفقتهم عليه رغبةً في صهر الملك ورجاء منفعته. فأرسلوها فانطلقت إلى أمها فأخبرتها الخبر، فجاءت أمه، فلما وضعته في حجرها نزا إلى ثديها فمصه حتى امتلأ جنباهُ ريًّا. وانطلق البشير إلى امرأة فرعون يُبشرها أن قد وجدنا لابنك ظئراً. فأرسلت إليها، فأتيت بها وبه. فلما رأت ما يصنع بها قالت لها: امكثي عندي تُرضعين ابني هذا، فإني لم أحب حبَّه شيئاً قطُّ. فقالت أم موسى: لا أستطيع أن أدع بيتي وولدي فنضيع، فإنْ طابت نفسك أن تعطينيه فأذهب به إلى بيتي فيكون معي لا آلوهُ خيراً، وإلا فإني غير تاركةٍ بيتي وولدي. وذكرت أمُّ موسى ما كان الله عز وجل وعدها، فتعاسرت على امرأة فرعون، وأيقنت أن الله منجزٌ وعده. فرجعت إلى بيتها بابنها فأصبح أهل القرية مجتمعين يمتنعون من السخرة والظلم ما كان فيهم. قال: فلما ترعرع قالت امرأة فرعون لأمِّ موسى أريد أن تريني ابني، فوعدتها يوماً تريها إياهُ، فقالت امرأة فرعون لخُزانها وقهارمتها وظؤورتها: لا يبقينَّ أحدٌ منكم إلا استقبل ابني اليوم بهديةٍ وكرامةٍ لأرى ذلك فيه. وأنا باعثةٌ أميناً يُحصي كل ما يصنعُ كل إنسان منكم. فلم تزل الهدايا والكرامة والنحل تستقبله من حين خرج من بيت أمه إلى أن أدخل على امرأة فرعون. فلما دخل عليها بجلته وأكرمته وفرحت به وأعجبها، وبجلت أمه بحُسنِ أثرها عليه ثم قالت: لآتين به فرعون فليبجلنه وليكرمنه. فلما دخلت به عليه جعلته في حجره فتناول موسى لحية فرعون، فمدها إلى الأرض فقال الغُواة أعداء الله لفرعون: ألا ترى إلى ما وعد الله إبراهيم نبيه أنه يربُّك ويعلُوك ويصرعك؟! فأرسل إلى الذباحين ليذبحوه، وذلك من الفتون - يا ابن جُبيرٍ - بعد كل بلا ابتُلي وأربِكْ به فتوناً (1)!

_ (نزا): وثب، (جُرزاً): الحزمة من الفصفصة (نوع من النبات)، (الفتون): الامتحان.

فجاءت امرأة فرعون تسعى إلى فرعون فقالت: ما بدالك في هذا الغلام الذي وهبته لي؟ قال: ترينه يزعم أنه يصرعني ويعلوني. قالت: اجعل بيني وبينك أمراً تعرفُ الحق فيه: ائت بجمرتين ولؤلؤتين فقربهُن إليه، فإن بطش باللؤلؤتين واجتنب الجمرتين عرفت أنه يعقلُ، وإن تناول الجمرتين ولم يُردِ اللؤلؤتين، علمت أن أحداً لا يؤثرُ الجمرتين على اللؤلؤتين وهو يعقلُ. فقُرِّبِ ذلك، فتناول الجمرتين فانتزعوهما من يده مخافة أن تحرقاه. فقالت المرأة: ألا ترى؟ فصرفه الله عنه بعدما كان قد هم به، وكان الله، عز وجل، بالغاً فيه أمرهُ. فلما بلغ أشده وكان من الرجال، لم يكن أحدٌ من آل فرعون يخلُص إلى أحدٍ من بني إسرائيل معه بظلمٍ ولا سُخرة حتى امتنعوا كل الامتناع. فبينما موسى في ناحية المدينة إذا هو برجلين يقتتلان أحدهما فرعونيٌّ والآخر إسرائيليٌّ. فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني فغضب موسى غضباً شديداً لأنه تناوله وهو يعلم منزلة موسى من بني إسرائيل وحفظه لهم لا يعلم الناس أنما ذلك من الرضاع. إلا أم موسى، إلا أن يكون الله أطلع موسى من ذلك على ما لم يطلع عليه غيره. فوكز موسى الفرعوني فقتله، وليس يراهما أحد إلا الله والإسرائيلي. فقال موسى حين قتل الرجل {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ} (1) ثم قال: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (2) وأصبح في المدينة خائفاً يترقب الأخبار فأُتي فرعون فقيل له: إن بني إسرائيل قتلُوا رجلاً من آل فرعون فخُذ لنا حقنا ولا تُرَخِّص لهم، فقال: ابغُوني قاتله ومن يشهد عليه فإن الملك وإن كان صفوه مع قومٍ لا يستقيم له أن يقيد بغير بينةٍ ولا ثبتٍ فاطلبوا لي علم ذلك آخُذْ لكم بحقكم. فبينما هم يطوفن لا يجدون ثبتاً، إذا موسى قد رأى من الغد ذلك الإسرائيلي يقاتل رجلاً من آل فرعون آخر، فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني، فصادف موسى قد ندم على ما كان منه فكره الذي رأى لغضب الإسرائيلي، وهو يريد أن يبطش بالفرعوني، فقال للإسرائيلي - لما فعل أمس واليوم-: {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ} (3)، فنظر الإسرائيليُّ إلى موسى حين قال له ما قال، فإذا هو غضبان كغضبه بالأمس، فخاف أن

_ (1) قصص: 15. (2) قصص: 16. (3) قصص: 18.

يكون إياه أراد وما أراد الفرعونيَّ، ولم يكن أراده إنما أراد الفرعوني، فخاف الإسرائيلي، فحاجز الفرعوني، وقال {يَامُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ} (1) وإنما قال ذلك مخافة أن يكون إياه أراد موسى ليقتله، وتنازعا وتطاوعا وانطلق الفرعوني إلى قومه فأخبرهم بما سمع من الإسرائيلي من الخبر حين يقول: {أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ} فأرسل فرعون الذباحين ليقتلوا موسى، فأخذ رسل فرعون الطريق الأعظم يمشون على هيئتهم يطلبون لموسى، وهم لا يخافون أن يفوتهم إذ جاء رجل من شيعة موسى من أقصى المدينة فاختصر طريقاً قريباً حتى يسبقهم إلى موسى فأخبره الخبر، وذلك من الفتون يا ابن جُبيرٍ. فخرج موسى متوجهاً نحو مدين لم يلق بلاءً قبل ذلك، وليس له بالطريق علمٌ إلا حُسن ظنه بربه عز وجل، فإنه قال: {عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ} (2) يعني بذلك: حابستيْنِ غنمهُما -فاقل لهما ما خطبكما معتزلتين لا تسقيان مع الناس؟ قالتا: ليس لنا قوةٌ تُزاحمُ القوم، وإنما ننتظر فضول حياضهم: فسقي لهما، فجعل يغرفُ في الدلو ماء كثيراً حتى كان ألو الرعاء فراغاً. فانصرفتا بغنمهما إلى أبيهما وانصرف موسى فاستظل بشجرةٍ {فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} (3)، فاستنكر أبوهما سرعة صدورهما بغنمهما حُفلاً بطاناً، فقال: إن لكما اليوم لشأنا، فأخبرتاه بما صنع موسى، فأمر إحداهما تدعوه له، فأتت موسى فدعته، فلما كلمه قال: {لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (4)، ليس لفرعون ولا لقومه علينا سلطانٌ، ولسنا في مملكته. قال: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} (5) فاحتملته الغيرة على أن قال: وما يدريك ما قوته، وما أمانته قالت: أما قوته فما رأيت منه في الدلو حين سقي لنا لم أر رجلاً أقوى في ذلك السقي منه. وأما أمانته فإنه نظر إليَّ حين أقبلت إليه وشخصت له، فلما علم أني امرأةٌ صوب رأسه ولم يرفعه، ولم ينظرْ إليَّ حتى بلغته رسالتك، ثم قال: امشي خلفي وانعتي لي

_ (1) قصص: 19. (2) القصص: 22 - 23. (3) قصص: 24. (4) قصص: 25. (5) قصص: 26.

الطريق، فلم يفعل هذا الأمر إلا وهو أمينٌ. فسُرِّيَ عن أبيها فصدقها وظن به الذي قالت. فقال له: هل لك {أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} (1)، ففعل فكانت على نبيِّ الله موسى صلى الله عليه وسلم ثمانُ سنين واجبةً، وكانت سنتان عدة منه، فقضى الله عنه عدته فأتمها عشراً. قال سعيد: فلقيني رجلٌ من أهل النصرانية من علمائهم، فقال: هل تدري أي الأجلين قضى موسى؟ قلت: لا، وأنا يومئذٍ لا أدري، فلقيت ابن عباس فذكرت ذلك له فقال: أما علمت أن ثمانياً كان على موسى واجبةٌ ولم يكن نبي الله لينقص منها شيئاً، ويعلم أن الله قاض عن موسى عدته التي وعد، فإنه قضى عشر سنين، فلقيت النصراني فأخبرته ذلك، فقال: الذي سألته فأخبرك أعلم منك بذلك؟ قال: قلت: أجل، وأولى. فلما سار موسى بأهله كان من أمر النار، والعصا، ويده ما قص الله عليك في القرآن. فشكا إلى ربه تبارك وتعالى ما يتخوفُ من آل فرعون في القتل وعقد لسانه، فإنه كان في لسانه عقدة تمنعه من كثير من الكلام ... وسأل ربه أن يعينه بأخيه هارون يكون له ردءاً، ويتكلم عنه بكثير مما لا يُفصح به لسانه، فآتاه الله سؤله وحل عقدة من لسانه، فأوحى الله إلى هارون وأمره أن يلقاه فاندفع موسى بعصاه حتى لقي هارون، فانطلقا جميعاً إلى فرعون، فأقاما على بابه حيناً لا يؤذن لهما، ثم أُذن لهما بعد حجاب شديد فقالا: {إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ} (2) {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَى} (3)، فأخبره بالذي قص الله عليك في القرآن. قال فما تُريد؟ وذكره القتيل فاعتذر بما قد سمعت، وقال: إني أريد أن تؤمن بالله وترسل معي بني إسرائيل. فأبى عليه ذلك وقال: ائت بآيةٍ إن كنت من الصادقين. فألقى عصاه فإذا هي حيةٌ عظيمةٌ فاغرةٌ فاها، مسرعةٌ إلى فرعون، فلما رآها فرعون قاصدةً إليه خافها فاقتحم عن سريره، واستغاث بموسى أن يكُفها عنه ففعل، ثم أخرج يده من جيبه فرآها بيضاء من غير سوء - يعني من غير برص - ثم ردها فعادت إلى لونها الأول. فاستشار الملأ حوله فيما رأى، فقالوا له: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ

_ (1) قصص: 27. (2) طه: 47. (3) طه: 49.

أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى} (1) يعني مُلْكَهُم الذي هم فيه والعيش- فأبوا أن يُعطوه شيئاً مما طلب وقالوا له: اجمع لنا السحرة فإنهم بأرضك كثير حتى يغلب سحرهم سحرهما. فأرسل في المدينة فحشر له كل ساحرٍ متعالمٍ، فلما أتوا فرعون قالوا: بم يعمل هذا الساحر؟ قالوا: يعمل بالحيات، قالوا: فلا والله ما أحدٌ في الأرض يعمل السحر بالحيات والعصيِّ الذي نعملُ. فما أجرنا إن نحن غلبنا؟ فقال لهم: إنكم أقاربي وخاصتي، فأنا صانعٌ إليكم كل ما أحببتم. فتواعدوا يوم الزينة {وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى} (2). قال سعيد: حدثني ابن عباس أن يوم الزينة اليوم الذي أظهر الله فيه موسى على فرعون والسحرة، وهو يوم عاشوراء، فلما اجتمعوا في صعيد قال الناس بعضهم لبعض: انطلقوا فلنحضر هذا الأمر {لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ} (3) يعنون موسى وهارون استهزاء بهما - فقالوا: ياموسى - لقدرتهم بسحرهم- {إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ} (4)، قال بل ألقوا {فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ} (5)، فرأى موسى من سحرهم ما أوجس في نفسه خيفةً، فأوحى الله تبارك وتعالى إليه {أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ} (6) فلما ألقاها صارت ثعباناً عظيماً فاغرةً فاها، فجعلت العصيُّ بدعوة موسى تلبس بالحبال حتى صارت جُرزاً إلى الثعبان تدخل فيه، حتى ما أبقت عصاً ولا حبلاً إلا ابتلعته. فلما عرف السحرة ذلك قالوا: لو كان هذا سحراً لم يبلغ من سحرنا هذا، ولكنه أمر من أمر الله تبارك وتعالى. آمنا بالله وبما جاء به موسى، ونتوب إلى الله عز وجل مما كنا عليه. وكسر الله ظهر فرعون في ذلك الموطن وأشياعه، وأظهر الحق {وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ} (7) وامرأةُ فرعون بارزة متبذلة تدعو الله بالنصر لموسى على فرعون. فمن رآها من آل فرعون ظن أنها ابتذلت للشفقة على فرعون وأشياعه، وإنما كان حُزنها وهمُّها لموسى. فلما طال مُكثُ موسى لمواعيد فرعون الكاذبة، كلما جاءه بآيةٍ وعده عندها أنْ

_ (1) طه: 63. (2) طه: 59. (3) الشعراء: 40. (4) الأعراف: 115. (5) الشعراء: 44. (6) الأعراف: 117. (7) الأعراف: 118 - 119.

يرسل بني إسرائيل، فإذا مضت أخلفَ مواعيدهُ وقال: هل يستطيع ربك [أنْ] يصنع غير هذا؟ فأرسل الله عليه وعلى قومه الطوفان والجراد والقُمل والضفادع والدم آياتٍ مفصلاتٍ. كل ذلك يشكو إلى موسى ويطلب إليه أن يكُفها عنه، ويوافقه أن يرسل معه بني إسرائيل. فإذا كُفَّ ذلك عنه أخلف موعده ونكث عهده حتى أمر بالخروج بقومه، فخرج بهم ليلاً، فلما أصبح فرعون ورأى أنهم قد مضوا، أرسل في المدائن حاشرين يتبعهم بجنودٍ عظيمةٍ كثيرةٍ. فأوحى الله إلى البحر: أن إذا ضربك عبدي موسى بعصاه فانفرق اثنى عشر فرقاً حتى يجوز موسى ومن معه، ثم التق على من بقي بعده من فرعون وأشياعه. فنسي موسى أن يضرب البحر بالعصا، فانهى إلى البحر وله قصيفٌ مخافة أن يضربه موسى بعصاه وهو غافلٌ فيصير عاصياً. فلما تراءى الجمعان وتقاربا، قال قوم موسى {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} (1)، افعلْ ما أمرك ربك فإنك لن تُكْذَب ولن تَكْذِبَ. فقال: وعدني إذا أتيتُ البحر أن يُفْرَق لي اثني عشر فرقاً حتى أجاوزه ثم ذكر بعد ذلك العصا، فضرب البحر بعصاه فانفرق له حين دنا أوائل جند فرعون من أواخر جند موسى فانفرق البحر كما أمره ربه وكما وعد موسى. فلما أن جاوز موسى وأصحابه كلهم، ودخل فرعون وأصحابه، التقى عليهم كما أمر الله. فلما أن جاوز موسى البحر قالوا: إنا نخافُ أن لا يكون فرعون غرق فلا نؤمن بهلاكه، فدعا ربه فأخرجه له ببدنه حتى استيقنوا بهلاكه. ثم مرُّوا على قومٍ يعكفون على أصنام لهم {قَالُوا يَامُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (2). قد رأيتم من العبر وسمعتم ما يكفيكم. ومضى فأنزلهم موسى منزلاً ثم قال لهم: أطيعوا هارون فإني قد استخلفته عليكم، وإني ذاهبٌ إلى ربي، وأجلهم ثلاثين يوماً أن يرجع إليهم.

_ = (القصيف): صوت هائل يشبه صوت الرعد. في القرطبي: يخافون: قرأ مجاهد وابن جبير يخافون. أقول: وهي ليست من القراءات السبع ولا من العشر. أما عن الرجلين في قوله (قال رجلان من الذين يخافون) الذي عليه جمهور المفسرين أنهما من قوم موسى. (1) الشعراء: 61. (2) الأعراف: 138 - 139.

فلما أتى ربه أراد أن يكلمه في ثلاثين وقد صامهن: ليلهن ونهارهن، كره أن يكلم ربه ويُخرج من فمه ريح فم الصائم فتناول موسى شيئاً من نبات الأرض فمضغه، فقال له ربه حين أتاه: أفطرتَ؟ - وهو أعلم بالذي كان - قال: ربِّ كرهت أن أكلمك إلا وفيم طيب الريح. قال: أو ما علمت يا موسى أن ريح فم الصائم أطيبُ عندي من ريح المسك؟ ارجعْ حتى تصوم عشراً. ثم ائتني. ففعل موسى ما أُمر به. فلما رأى قوم موسى أنه لم يرجع إليهم للأجل قال ساءهم ذلك. وكان هارون قد خطبهم فقال: إنكم خرجتم من مصر ولقوم فرعون عوارٍ وودائعُ، ولكم فيها مثل ذلك. وأنا أرى أتحتسبوا مالكم عندهم، ولا أُحل لكم وديعةً ولا عاريةً. ولسنا برادين إليهم شيئاً من ذلك ولا ممسكيه لأنفسنا. فحفر حفيراً وأمر كل قومٍ عندهم شيءٌ من ذلك من متاع أو حليةٍ أن يقذفوه في ذلك الحفير. ثم أوقد عليه النار فأحرقه، فقال: لا يكون لنا ولا لهم. وكان السامريُّ رجلاً من قومٍ يعبدون البقر، جيرانٍ لهم - ول يكن من بني إسرائيل - فاحتمل مع موسى وبني إسرائيل حين احتملوا فقُضي له أن رأى أثراً، فأخذ منه قبضةً فمر بهارون فقال له هارون: يا سامريُّ ألا تلقي ما في يدك؟ وهو قابضٌ عليه لا يراه أحدٌ طوال ذلك، قال: هذه قبضةٌ من أثر الرسول الذي جاوز بكم البحر فلا ألقيها بشيءٍ إلا أن تدعو الله إذا ألقيتها أن يكون ما أريد فألقاها ودعا له هارون وقال: أريد أن أكون عجلاً فاجتمع ما كان في الحفرة من متاعٍ أو حليةٍ أو نحاسٍ أو حديدٍ فصار عجلاً أجوف ليس فيه روح له خوارٌ. قال ابن عباس: ولا والله ما كان له صوتٌ قطُّ إنما كانت الريحُ تدخل من دُبره وتخرج من فيه. وكان ذلك الصوت من ذلك فتفرق بنو إسرائيل فرقاً: فقالت فرقةٌ يا سامري ما هذا فأنت أعلم به؟ قال: هذا ربُّكم، ولكن موسى أضل الطريق. وقالت فرقةٌ: لا نُكذب بهذا حتى يرجع إلينا موسى، فإن كان ربنا لم نكن ضيعناه وعجزنا فيه حين رأيناه، وإن لم يكن ربنا فإنا نتبع قول موسى. وقالت فرقةٌ: هذا عمل الشيطان، وليس بربنا، ولا نؤمن به، ولا نُصدق.

وأُشِّرب فرقة في قلوبهم التصديق بما قال السامري في العجل وأعلنوا التكذيب به. فقال لهم هارون: {يَاقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ} (1) ليس هكذا. قالوا: فما بال موسى وعدنا ثلاثين يوماً، ثم أخلفنا؟ هذه أربعون قد مضت، فقال سفاؤهم: أخطأ ربه فهو يطلبه ويتبعه. فلما كلم الله موسى وقال له ما قال، أخبره بما لقي قومه من بعده {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا} (2) فقال لهم ما سمعتم في القرآن: {وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ} وألقى الألواح، ثم أنه عذر أخاه واستغفر له وانصرف إلى السامري فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ قال: قبضت قبضةً من أثر الرسول وفطنتُ لها، وعميتُ عليكم فقذفتها {وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا} (3). ولو كان إلهاً لم تخلُصْ إلى ذلك منه، فاستيقن بنو إسرائيل، واغتبط الذين كان رأيهم فيه مثل رأي هارون: وقالوا - جماعتهم - لموسى: سل لنا ربك أن يفتح لنا باب توبةٍ نصنعها فتُكَفِّر لنا ما عملنا. فاختار قومه سبعين رجلاً لذلك - لإتيان الجبل - ممن لم يشرك في العجل. فانطلق بهم ليسأل لهم التوبة، فرجفت بهم الأرض، فاستحيا نبي الله من قومه ووفده حين فُعِل بهم ما فُعِلَ فقال: {رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا} (4). وفيهم من كان الله اطلع على ما أُشْرِبَ من حب العجل إيماناً به، فلذلك رجفت بهم الأرض فقال: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ} (5) فقال: رب سألتك التوبة لقومي فقلت: إن رحمتك كتبتها لقوم غير قومي، فليتك أخرتني حتى تُخرجني حياً في أمةِ ذلك الرجل المرحومة. فقال الله عز وجل له: إن توبتهم أن يقتُل كل رجلٍ منهم كل من لقي من والدٍ وولدٍ فيقتله بالسيف لا يبالي من قتل في ذلك

_ (1) طه: 90. (2) الأعراف: 150. (3) طه: 96 - 97. (4) الأعراف: 155. (5) الأعراف: 156 - 157.

الموطن. ويأتي أولئك الذين خفي على موسى وهارون ما اطلع الله عليه من ذنوبهم واعترفوا بها وفعلوا ما أُمروا به، فغفر الله للقاتل والمقتُول. ثم سار بهم موسى متوجهاً نحو الأرض المقدسة، وأخذ الألواح بعدما سكت عنه الغضب، فأمرهم بالذي أُمر به أن يبلغهم من الوظائف، فثَقُلَ ذلك عليهم وأبوا أن يُقروا بها. فنتق الله عليهم الجبل كأنه ظُلةٌ، ودنا منهم حتى خافوا أن يقع عليهم، فأخذوا الكتاب بأيمانهم وهم مصغون إلى الجبل والأرض، والكتاب بأيديهم وهم ينظرون إلى الجبل مخافة أن يقع عليهم، ثم مضوا حتى أتوا الأرض المقدسة، فوجدوا فيها مدينةً فيها قوم جبارون، خلقهم خلقٌ منكرٌ، وذكروا من ثمارهم أمراً عجيباً من عظمها فقالوا: {يَامُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ} (1)، لا طاقة لنا بهم، ولا ندخلها ما داموا فيها {فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ} (2)، {قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ} (3) من الجبارين: آمنا بموسى، فخرجا إليه، فقالا: نحن أعلم بقومنا، إن كنتم إنما تخافون مما ترون من أسامهم وعدتهم فنهم لا قلوب لهم، ولا منعة عندهم فادخلوا عليهم الباب {فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ}. ويقول ناس: إنهما من قوم موسى، وزُعم عن سعيد بن جبير أنهما من الجبابرة آمنا بموسى. يقول: (من الذين يخافون) إنما عني بذلك الذين يخافهم بنو إسرائيل {قَالُوا يَامُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (4). فأغضبوا موسى، فدعا عليهم وسماهم فاسقين ولم يدعُ عليهم قبل ذلك لما رأى منهم من المعصية وإساءتهم حتى كان يومئذٍ فاستجاب الله له فمساهم كما سماهم موسى: فاسقين. وحرمها عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض، يصبحون كل يوم فيسيرون ليس لهم قرارٌ. ثم ظلل عليهم الغمام في التيه. وأنزل عليهم المن والسلوى، وجعل لهم ثياباً لا تبلى ولا تتسخُ، وجعل بين ظهورهم حجراً مربعاً، وأمر موسى فضربه بعصاه {فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا} (5) في كل ناحية ثلاثةُ أعينٍ وأعلم كل سبطٍ عينهُمْ

_ (1) المائدة: 22. (2) المائدة: 22. (3) المائدة: 23. (4) المائدة: 24. (5) البقرة: 60.

التي يشربون منها لا يرتحلون من منقلةٍ إلا وُجِد ذلك الحجرُ فيهم بالمكان الذي كان فيه بالأمس. رفع ابن عباس هذا الحديث إلى النبي صلى الله ليه وسلم. وصدق ذلك عندي أن مُعاوية سمع ابن عباس حدث هذا الحديث فأنكره عليه: أنْ يكون الفرعوني هذا الذي أفشى على موسى أمر القتيل الذي قُتل، قال: فكيف يُفشي عليه ولم يكن علم به، ولا ظهر عليه إلا الإسرائيلي الذي حضر ذلك، وشهدهُ؟ فغضب ابن عباس، وأخذ بيد معاوية فذهب به إلى سعد بن مالك الزهري فقال: يا أبا إسحاق، هل تذكر يوم حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتيل موسى الذي قتله من آل فرعون: الإسرائيلي أفشى عليه أم الفرعوني؟ فقال: إنما أفشى عليه الفرعوني بما سمع من الإسرائيلي الذي شهد ذلك وحضرهُ. 2742 - * روى الطبراني في الوسط عن عبد الله بن سلام قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل بأهله الضيق أمرهم بالصلاة ثم قرأ {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} (1). أقول: من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفزعه أمر أن يفزع إلى الصلاة وهذا النص يدل على أنه إذا نزل به وبأهله الضيق كان يأمرهم بالفزع إلى الصلاة والنص القرآني أعم من أن يكون في ذلك.

_ 1742 - مجمع الزوائد (7/ 67) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات. (الضيق): أي الفقر. (1) طه: 132.

سورة الأنبياء

سورة الأنبياء 2743 - * روى أحمد عن سعد بن أبي وقاص قال مررتُ بعثمان بن عفان في المسجد فسلمت عليه فملأ عينيه مني ثم لم يرُد عليَّ السلام فأتيتُ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فقلت يا أمير المؤمنين هل حدث في الإسلام شيءٌ؟ مرتين قال وما ذاك؟ قلت: لا إلا أني مررت بعثمان آنفاً في المسجد فسلمتُ عليه فملأ عينيه مني ثم لم يرد علي السلام قال فأرسل عمر إلى عثمان فدعاه فقال ما منعك ألا تكون رددت على أخيك السلام قال عثمان ما فعلت قلت بلى قال حتى حلف وحلفت قال ثم إن عثمان ذكر فقال: بلى وأستغفر الله وأتوب إليه إنك مررت بي آنفاً وأنا أحدث نفسي بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما كرتها قط إلا يغشى بصري وقلبي غشاوةٌ قال سعد فأنا أنبئك بها، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر لنا أول دعوة ثم جاءه أعرابيٌّ فشغله حتى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتبعته حتى أشفقت أن يسبقني إلى منزله ضربت بقدمي الأرض فالتفت إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من هذا أبو إسحق قلت نعم يا رسول الله قال فمهْ قلت لا والله إلا أنك ذكرت لنا أول دعوة ثم جاءك هذا الأعرابي فشغلك قال: نعم دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} (1) فإنه لن يدعو بها مسلم ربه في شيءٍ قطُّ إلا استجاب. يمينُ عثمان التي حلفها يمين لغوٍ لأنه حلف وهو ناسٍ ثم ذكر.

_ 2743 - أحمد (1/ 170). مجمع الزوائد (7/ 68) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. (1) الأنبياء: 87.

سورة الحج

سورة الحج 2744 - * روى البزار عن ابن عباس قال تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية وأصحابه عنده {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} فقال هل تدرون أي يوم ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلمُ قال ذلك يومٌ يقول الله عز وجل يا آدم قم فابعث بعثاً إلى النار فيقول وما بعثُ النار؟ فيقول من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحدٌ إلى الجنة فشقَّ ذلك على القوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأرجو أن تكونوا شطر الجنة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اعملوا وأبشروا فإنكم بين خليقتين لم يكونا مع أحد إلا كثرتاه يأجوج ومأجوجُ، وإنما أنتم في الأمم كالشامة في جنب البعير أو كالرقمة في ذراع الدابة أمتي جُزءٌ من ألف جزءٍ. أقول: وفي الباب أحاديث في البخاري ومسلم والنسائي عن أبي سعيدٍ الخدري والترمذي وأحمد عن عمران بن حصين وصححه الترمذي، وفي الصحيحين وأحمد عن عائشة وحديث رابع عن أحمد عن عائشة. 2745 - * روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} (1) كان الرجل يقدمُ المدينة فيُسلم فإن ولدت امرأته غلاماً، ونُتجت خيلُهُ قال: هذا دينٌ صالحٌ، وإن لم تلد امرأته، ولم تنتجْ خيله، قال: هذا دينُ سوءٍ.

_ 2744 - كشف الأستار (3/ 59، 60) كتاب التفسير، باب سورة الحج. مجمع الزوائد (7/ 69) وقال الهيثمي: قلت في الصحيح بعضه، رواه البزار ورجاله رجال الصحيح، يغر هلال ابن خباب وهو ثقة. (الرقمة) الهنة الناتئة في ذراع الدابة من داخل، وهما رقمتان في ذراعيها. 2745 - البخاري (8/ 442) 65 - كتاب التفسير، 2 - باب (ومن الناس من يعبد الله على حرف ...). (على حرف) حرف كل شيء جانبه. (نُتجت) بضم النون، فهي منتوجة، مثل: نفست فهي منفوسة. (1) الحج: 11.

2746 - *روى البخاري عن عليّ: أنا أول من يجثو للخصومة بين يدي الرحمن يوم القيامة، قال قيس بن عُباد: فيهم نزلت {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ}، قال: هم الذين تبارزوا يوم بدرٍ: عليٌّ وحمزة وعبيدة بن الحارث، وشيبة بن ربيعة، وعُتبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة. 2747 - * روى أحمد عن عبد الله بن مسعود (قال شعبةُ رفعه ولا أرفعه لك) يقول في قوله عز وجل {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} قال لو أن رجلاً همَّ فيه بإلحاد وهو بعدنٍ لأذاقه الله عز وجل عذاباً أليماً. 2748 - * روى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، قال أبو بكر: آذوْا نبيهم حتى خرج، ليهلكُنَّ فأنزل الله تعالى {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} (1) فقال أبو بكرٍ: لقد علمتُ أنه سيكون قتالٌ. وفي رواية النسائي قال: لما أُخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، قال أبو بكر: أخرجوا نبيهم، إنا لله وإنا إليه راجعون، فنزلت {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ} الآية. فعرفتُ أنه سيكون قتال. قال ابن عباس: هي أوَّلُ آيةٍ نزلتْ في القتال.

_ 2746 - البخاري (8/ 443) 65 - كتاب التفسي {، 3 - باب (هذان خصمان اختصموا في ربهم). 2747 - أحمد (1/ 428). كشف الأستار (3/ 60) كتبا التفسير. أبو يعلي (9/ 263). مجمع الزوائد (7/ 70) وقال الهيثمي: رواه أحمدوأبو يعلي والبزار ورجال أحمد رجال الصحيح. 2748 - الترمذي (5/ 325) 48 - كتاب تفسير القرآن، 23 - باب ومن سورة الحج، وقال حديث حسن وقد رواه عبد الرحمن بن مهدي وغيره عن سفيان عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير مرسلاً ليس فيه عن ابن عباس. النسائي (6/ 2) 25 - كتاب الجهاد، 1 - باب وجوب الجهاد. وأخرجه أحمد وصحح إسناده أحمد شارك في المسند 1865. (1) الحج: 39.

سورة المؤمنون

سورة المؤمنون 2749 - * روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} (1) أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: "لا، يا بنت الصديق، ولكن هم الذين يصومون [ويصلون] ويتصدقون، ويخافون أن لا يُتقبل منهم {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} (2). سورة النور 2750 - * روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "البينةُ أو حدٌّ في ظهرك" قال: يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلاً ينطلق يلتمس البينة؟ فجعل النبي صلى الله عليه وسلم: "البينة، وإلا حدٌّ في ظهرك"، فقال هلال: والذي بعثك بالحق. إني لصادق، وليُنزلن الله ما يبرئ ظهري من الحدِّ، فنزل جبريل عليه السلام، وأنزل عليه {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} (3) فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليهما، فجاء هلال فشهد، والنبي يقول:

_ 2749 - الترمذي (5/ 327، 328) 48 - كتاب تفسير القرآن، 24 - باب ومن سورة المؤمنون وقال: وقد رُوي هذا الحديث عن عبد الرحمن بن سعيد عن أبي حازم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث له شاهد عند ابن جرير 18/ 26. المستدرك (2/ 393، 394) وصححه الحاكم، وافقه الذهبي. قال ابن كثير: في معنى الآية يعطون العطاء وهم خائفون وجلون أن لا يتقبل منهم لخوفهم أني كونوا قد قصروا في القيام بشروط العطاء، وهذا من باب الإشفاق والاحتياط. (1) المؤمنون: 60. (2) المؤمنون: 61. 2750 - البخاري (8/ 449) 65 - كتاب التفسير، 3 - باب (ويدرأ عنها العذاب .. إلخ). أبو داود 02/ 276) كتاب الطلاق، باب في اللعان. الترمذي (5/ 331، 332) 48 - كتاب تفسير القرآن، 25 - باب ومن سورة النور. (قذف) القذف: رمي الإنسان بالزنا، أو ما كان في معناه. (3) النور: 6 - 9.

"إن الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائبٌ؟ " ثم قامت فشهدت، فلما كانت عند الخامسة وقفوها، وقالوا: إنها موجبةٌ، قال ابن عباس: فتلكأت ونكصت، حتى ظننا أنها ترجعُ، ثم قالت: لا أفضحُ قومي سائر اليوم فمضتْ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أبصروها، فإن جاءت به أكحل العينين، سابغ الأليتين، خدلج الساقين، فهو لشريك بن سحماء، فجاءتْ به كذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لولا ما مضى من كتاب الله عز وجل: لكان لي ولها شأنٌ". 2751 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "جاء هلال بن أمية- وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم - أرضه عشاءً، فوجد عند أهله رجلاً، فرأى بعينيه، وسمع بأذنيه، فلم يهجه حتى أصبح ثم غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني جئت أهلي عشاء، فوجدت عندهم رجلاً، فرأيت بعيني، وسمعت بأذني، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به، واشتد عليه، فنزلت {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} -إلى قوله- {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} (1) فسُرِّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبشرْ يا هلالُ، قد جعل الله لك فرجاً ومخرجاً، قال هلالٌ: قد كنت أرجو ذلك من ربي تعالى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسلوا إليها، فجاءت، فتلاها عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكرهما، وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشدُّ من عذاب الدنيا، وقال هلالٌ: والله لقد صدقتُ عليها، فقالت كذب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لاعنوا بينهما، فقيل لهلالٍ: اشهد فشهد هلالٌ أربع شهادات بالله إنه لمن

_ = (موجبة) الموجبة: هي التي توجب لصاحبها الجنة أو النار. (فتلكأت) التلكؤ: التوقفُ والتباطؤ في الأمر. (نكصت) النكوص: الرجوع إلى وراء. (سابغ) الأليتين: ضخمهما، تامهما. (أكحل العينين) الكحل في العين: هو سوادٌ في الأجفان خلقة. (خدلج الساقين) أي: ممتلئهما. (لكان لي ولها شأن) أراد بقوله "لكان لي ولها شأن" يعني: لولا ما حكم الله تعالى من آيات الملاعنة وانه أسقط عنها الحد، لأقمت عليها لحد حيث جاءت بالولد شبيهاً بالي رُميت به. 2751 - أبو داود (2/ 277، 278) كتاب الطلاق، باب في اللعان. (1) النور: 6 - 9. (فلم يهجه) لم يهجه، أ]: لم يزعجه.

الصادقين، فلما كانت الخامسةُ، قيل له: يا هلال اتق الله، فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وإن هذه الموجبةُ التي توجب عليك العذاب، فقال: والله لا يعذبني الله عليها، كما لم يُجلدني عليها، فشهد الخامسة: أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم قيل لها: اشهدي فشهدت أربع شهاداتٍ بالله إنه لمن الكاذبين، فلما كانت الخامسة قيل لها: اتقي الله، فإن عذاب الدنيا أهونُ من عذاب الآخرة، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب، فتلكأت ساعة، ثم قالت، والله لا أفضح قومي، فشهدت الخامسة: أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، ففرق رسول الله بينهما، وقضى أن لا يُدعى ولدها لأب، ولا تُرمى، ولايرمى ولدها، ومن رماها ورمى ولدها، فعليه الحدُّ، وقضى أن لا بيتَ عليه لها، ولا قوت، من أجل أنهما يتفرقان من يغر طلاقٍ، ولا متوفى عنها، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن جاءت به أصيهب، أريصح، أثيبج، حمش الساقين، فهو لهلال، وإن جاءت به أروق جعداً جمالياً، حدلج الساقين، سابغ الأليتين، فهو للذي رُميت به، فجاءت به أورق جعداً جُمالياً خدلج الساقين، سابغ الأليتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا الأيمانُ لكان لي ولها شأن، وقال عكرمةُ: فكان ولدها بعد ذلك أميراً على مصر، وما يدعى لأب". 2752 - * روى الشيخان عن محمد بن شهاب الزهريِّ رحمه الله أن سهل بن سعد الساعدي أخبره "أن عُويمراً العجلاني جاء إلى عاصم بن عديٍّ الأنصاري، فقال له: أرأيت يا عاصمُ، لو أن رجلاً وجد مع امرأته رجلاً، أيقتله فتقتلونه، أم كيف يفعلُ (1)؟ فسلْ لي عن

_ = (أصيهب) تصغير الأصهب، وهو الأشقر، والأصهب من الإبل: هو الذي يخالط بياضه حمرةٌ. (أريصح) الأريصح، بالصاد والحاء المهملتين - تصغير الأرصح، وهو الخفيف لحم الأليتين والفخذين. (أثيبج) الأثيبج: تصغير الأثبج، وهو الناتيء الثبج، وهو ما بين الكتفين، وإنما جاء بهذه الألفاظ مصغرة، لكونها صفة لمولود. (أورق) الورقة في الألوان: السمرة. (جمالياً) الجُمالي العظيم الخِلقة، كأنه الجمل في القدِّ. (خدلج) الخدلج: الضخم. (نكصت) النكوص: الرجوع إلى خلف. 2752 - البخاري (8/ 448) 65 - كتاب التفسير، 1 - باب (والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء). مسلم (2/ 1129/1130) 19 - كتاب اللعان.

ذلك يا عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عاصمٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها حتى كبُرَ على عاصمٍ ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رجع عاصم إلى أهله جاءه عويمر، فقال: يا عاصم، ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عاصم لعويمر: لم تأتني بخير، قد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل التي سألته عنها، فقال عويمر: والله لا أنتهي حتى أسأله عنها، فأقبل عويمر حتى أتى رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم وسط الناس، فقال: يا رسول الله، أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلاً أيقتله، أم كيف يفعل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد نزل فيك وفي صاحبتك، فأذهب فائت بها، قال سهل: فتلاعنا، وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما فرغا قال عويمر: كذبت والله عليها يا رسول الله إن أمسكتها، فطلقها ثلاثاً قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن شهاب: فكانت سنة المتلاعنين". وفي رواية (1) نحوه، وأدرج فيه قوله: "فكان فراقُه إياها بعد سُنَّة في المتلاعنين" ولم يقل: إنه من قول الزهري، وزاد فيها: قال سهل: "وكانت حاملاً، فكان ابنها يُنسب إلى أمه ثم جرت السنة أنه يرثها وترث منه ما فرض الله لها". وفي أخرى (2) نحوه قال: "فتلاعنا في المسجد وأنا شاهدٌ، وقال بعد قوله: "فطلقها ثلاثاً قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم" فقال النبي صلى الله عليه وسلم" ذاكم التفريق بين كل متلاعنين". وفي أخرى (3): فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن جاءت به أحمر قصراً، كأنه وحرةٌ، فلا أراها إلا قد صدقت وكذب عليها، وإن جاءت به أسود أعين، ذا أليتين، فلا أراه إلا صدق عليها، فجاءت به على المكروه من ذلك".

_ (1) مسلم، الموضع السابق ص 1130. (2) مسلم، الموضع السابق. (3) البخاري (9/ 452، 453) 68 - كتاب الطلاق، 30 - باب التلاعن في المسجد. (الوحرة) بفتح الحاء: دُويبَّةٌ كالعضاه تلصق بالأرض، وأراد بها في هذا الحديث: المبالغة في قصره. (رجل أعين) إذا كان واسع العين. (أدعج) الأدعج العين: الشديد سواد العين مع سعتها، ورجل أدعجُ: أسود.

وفي أخرى (1): أن سهل بن سعد قال: "شهدتُ المتلاعنين وأنا ابن خمس عشرة، فُرق بينهما". وفي رواية لأبي داود (2): عن سهل بن سعد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعاصم بن عدي "أمسك المرأة عندك حتى تلد". وله في أخرى (3) قال: "حضرت لعانهُما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن خمس عشرة سنة. وساق الحديث، قال فيه: ثم خرجت حاملاً، فكان الولد يُدعى إلى أمه". وأخرج (4) أيضاً الزيادة التي أخرجها البخاري ومسلم في آخر الحديث. وهذا لفظه، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انظروها، فإن جاءت به أدعج العينين، عظيم الأليتين، فلا أراه إلا قد صدق، وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة، فلا أراه إلا كاذباً، قال: فجاءت به على النعت المكروه" وزاد في رواية "فكان يُدعى لأمه". وزاد في أخرى (5) قال: "فطلقها ثلاث تطليقات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان ما صنع عند النبي صلى الله عليه وسلم سُنة، قال سهلٌ: حضرتُ هذا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمضت السنة بعد في المتلاعنين: أن يفرق بينهما، ثم لا يجتمعان أبداً". وزاد في أخرى (6) "ثم جرت السنة في الميراث: أن يرثها وترث منه ما فرض الله لها". قال الحافظ في ["الفتح" 1/ 341]: كذا في هذه الرواية أن آيات اللعان نزلت في قصة هلال بن أمية، وفي حديث سهلٍ، أنها نزلت في عويمر - يعني العجلاني - ولفظه، فجاء عُويمر

_ (1) البخاري (12/ 180) 86 - كتاب الحدود، 43 - باب من أظهر الفاحشة واللطخ والتهمة بغير بينة. (2) أبو داود (2/ 274) كتاب الطلاق، باب في اللعان. (3) أبو داود، الموضع السابق. (4) أبو داود، الموضع السابق. (5) أبو داود (2/ 274، 275) الموضع السابق. (6) أبو داود، الموضع السابق ص 275.

فقال: يا رسول الله، رجل وجد مع امرأته رجلاً يقتله فتقتلونه، أم كيف يصنع؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك، فأمرهما بالملاعنة. وقد اختلف الأئمة في هذا الموضع، فمنهم من رجح أنها نزلت في شأن عويمر، ومنهم من رجح أنها نزلت في شأن هلال، ومنهم من جمع بينهما بأن أول من وقع له ذلك هلال، وصادف مجيء عويمر أيضاً، فنزلت في شأنهما معاً في وقت واحد، وقد جنح النووي إلى هذا، وسبق الخطيب فقال: لعلهما اتفق كونهما جاءا في وقت واحد، ثم قال الحافظ: ولا مانع أن تتعدد القص ويتحد النزول، ويحتمل ان النزول سبق بسبب هلال، فلما جاء عويمر ولم يكن علم بما وقع لهلال، أعلمه النبي صلى الله عليه وسلم بالحكم ولهذا قال في قصة هلال: فنزل جبريل، وفي قصة عويمر: قد أنزل الله فيك، فيؤول قوله: قد أنزل الله فيك، أي: وفيمن كان مثلك، وبهذا أجاب في "الشامل" قال: نزلت الآية في هلال، وأما قوله لعويمر، قد نزل فيك وفي صاحبتك. فمعناه ما نزل في قصة هلال. ويؤيده أن في حديث أنس عن أبي يعلي قال: أول لعان كان في الإسلام أن شريك بن سحماء قذفه هلال بن أميه بامرأته ... الحديث. 2753 - * روى مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "إنا ليلة جمعةٍ في المسجد، إذ جاء رجلٌ من الأنصار، فقال: لو أن رجلاً وجد مع امرأته رجلاً فتكلم: جلدتموه، أو قتل: فقتلتموه، وإن سكت، سكت على غيظٍ، والله لأسألن عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان من الغد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله، فقال: لو أن رجلاً وجد مع امرأته رجلاً، فتكلم: جلدتموه، أو قتل: قتلتموه، أو سكت: سكت على غيظٍ، فقال: اللهم افتح، وجعل يدعو، فنزلت آية اللعان {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} هذه الآيات (1) فابتُلي به ذلك الرجل من بين الناس، فجاء هو وامرأته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلاعنا، فشهد الرجل أربع شهادات بالله: إنه لمن الصادقين، ثم لعن الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، فذهبت لتلعن، فقال النبي صلى الله لعيه وسلم: مهْ، فأبت فلعنتْ، فلما أدبرا قال: لعلها أن تجيء به أسود

_ 2753 - مسلم (2/ 1133) 19 - كتاب اللعان. أبو داود (2/ 275، 276) كتاب الطلاق، باب في اللعان. (اللهم افتح) أي: احكم، والفتاح: الحاكم. (مه): اسكت (اسم فعل أمر) أي اكفُف. (أبتْ): رفضتْ. (1) النور: 6 - 9.

جعداً، فجاءت به أسود جعداً". 2754 - * روى الشيخان عن سعيد بن جُبير: "سُئلت عن المتلاعنين في إمرة مصعب ابن الزبير: أيفرق بينهما؟ قال: فما دريتُ ما أقول، فمضيتُ إلى منزل ابن عمر بمكة، فقلت للغلام: استأذن لي، قال: إنه قائلٌ فسمع صوتي، فقال: ابن جبير؟ قلت: نعم، قال: ادخل، فوالله ما جاء بك هذه الساعة إلا حاجةٌ، فخلت، فإذا هو مفترشٌ برذعة له، متوسدٌ وسادة حشوها ليف، قلت: أبا عبد الرحمن، المتلاعنان أيُفرق بينهما؟ قال: سبحان الله! نعم، إن أول من سأل عن لك: فلان ابن فلانٍ، قال: يا رسول الله، أرأيت أن لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة، كيف يصنع؟ إن تكلم تكلم بأمر عظيم، وإن سكت سكت على مثل ذلك، قال: فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجبه، فلما كان بعد ذلك أتاه، فقال: إن الذي سألت عنه قد ابتليت به، فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات في سورة النور {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} فتلاهن عليه، ووعظه وذكره، وأخبره: أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فقال: لا، والذي بعثك بالحق ما كذبت عليها، ثم دعاها فوعظها، وذكرها وأخبرها: أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، قالت: لا والذي بعثك بالحق إنه لكاذبٌ، فبدأ بالرجل، فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، والخامسة: أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم ثنى بالمرأة، فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، والخامسة: أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، ثم فرق بينهما". وفي رواية (1) عن سعيد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين: "حسابُكما على الله، أحدكما كاذبٌ، لا سبيل لك عليها، قال: يا رسول الله مالي؟ قال: لا مال كل، إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فذلك أبعدُ لك منها".

_ 2754 - البخاري (9/ 456) 68 - كتاب الطلاق، 32 - باب صداق الملاعنة. مسلم (2/ 1130، 1131) 19 - كتاب اللعان. (1) مسلم، الموضع السابق، 1131، 1132. (البرذعة): ما يوضع على الدابة كالسرج ليركب عليها.

وفي أخرى (1) عنه عن ابن عمر قال: "فرَّق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أخوي بني العجلان، وقال: "الله يعلم أن أحدكما كاذبٌ، فهل منكما تائبٌ؟ ". وفي أخرى (2): قال سعيد بن جبير "لم يُفرقْ المصعب بين المتلاعنين قال سعيد: فذُكِرَ ذلك لعبد الله بن عمر، فقال: فرَّق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أخوي بني العجلان". وفي أخرى (3) عنه قال: قلت لابن عمر: رجلٌ قذف امرأته؟ فقال: "فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين أخوي بني العجلان، وقال: الله يعلم أن أحدكما كاذبٌ فهل منكما تائب؟ - ثلاثاً - فأبيا، ففرق بينهما". وفي رواية (4) نافع عن ابن عمر "أن رجلاً رمى امرأته، وانتفى من ولدها في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاعنا كما قال الله عز وجل، ثم قضى بالولد للمرأة، وفرق بين المتلاعنين". وفي رواية (5) قال "لاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين رجلٍ من الأنصار وامرأته، وفرق بينهما". وفي أخرى (6) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعن بين رجل وامرأته، وانتفى من ولدها، ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، وألحق الولد بأمه". وفي رواية (7) للنسائي قال: "قال الرجل: مالي؟ قال: لا مال لك، إن كنت صادقاً فقد خلت بها، وإن كنت كاذباً، فهو أبعدُ لك".

_ (1) مسلم: الموضع السابق. (2) مسلم: الموضع السابق. (3) البخاري، الموضع السابق. (4) البخاري (8/ 451) 65 - كتاب التفسير، 4 - باب (والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين). (5) مسلم، الموضع السابق ص 1133. (6) مسلم، الموضع السابق ص 1132، 1133. (7) النسائي (6/ 177) 27 - كتاب الطلاق، 43 - باب استتابة المتلاعنين بعد اللعان. (أخوي بني العجلان): أي بين عويمر العجلاني وامرأته العجلانية.

2755 - * روى الشيخان عن محمد بن شهاب الزهري عن عُروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن وقاص الليثي، وعبيد الله بن عتبة بن مسعود عن حديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها - حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فبرأها الله مما قالوا، قال الزهري: وكلهم حدثني طائفة من حديثها، وبعضهم كان أوعى له من بعض، وأثبتهم له اقتصاصاً، وقد وعيت عن واحد منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة، وبعض حديثهم يُصدق بعضاً، قالوا: قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفراً، أقرع بين أزواجه، فأيتهن خرج سهمها، خرج بها معه، قالت: فأقرع بيننا في غزاةٍ غزاها، فخرج فيها سهمي، فخرجت معه - بعد ما أنزل الحجاب - وأنا أُحمل في هودجي وأنزل فيه، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك، وقفل، ودنونا من المدينة، آذن ليلة بالرحيل فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيتُ من شأني، أقبلت إلى الرحْلِ فلمست صدري، فإذا عقد لي من جزع أظفارٍ. وفي رواية: جزع ظفارٍ قد انقطع، فرجعتُ، فالتمستُ عقدي، فحبسني ابتغاؤه، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي، فاحتملوا هودجي فرحَّلوه على بعيري الذي كنت أركب، وهم يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافاً لم يثقلن - ومنهم من قال: لم يُهَبَّلْن- ويم يغشهن اللحمُ وإنما يأكلن العُلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم حين رفعوه ثقل الهودج، ومنهم من قال: خفة الهودج - فحملوهُ، وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش، فجئت منزلهم وليس فيه أحدٌ- (1)

_ 2755 - البخاري (8/ 452، 453، 454، 455) 65 - كتاب التفسير، 6 - باب (لولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا). مسلم (4/ 2129، 2137) 49 - كتاب التوبة، 10 - باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف. قال ابن الأثير: (الإفك) الكذب، وأراد به: قذف عائشة رضي الله عنها. (أوعى): أحفظ. (آذن) أي أعلم، يعني: نادى بالرحيل. (جزعُ أظفارٍ) الجزع هنا: الحجر اليماني المعروف، وإضافته إلى أظفار: تخصيص له، وفي اليمن موضع يقال له: ظفار، والرواية في الحديث "أظفار-وظفار". (لم يهبلن) أي: لم يكثر لحمهن من السمن فيثقلن، والمهبل: الكثير اللحم، الثقيل الحركة من السمن، وقد روى "لم يهبلن". (العلقة) بضم العين: البُلغة من الطعام قدر ما يُمسك الرمق، تريد: القليل. ... =

ومنهم من قال: فجئت منازلهم وليس بها منهم داعٍ ولا مجيبٌ- فتيممتُ منزلي الذي كنت فيه، وظننت أنهم سيفقدونني فيرجعون إليَّ، فبينا أنا جالسة غلبتني عيناي فنمتُ، وكان صفوان بن المعطل السُّلمي، ثم الذكوانيُّ: عَرَّس من وراء الجيش، فأدلج فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائمٍ، فأتاني فعرفني حين رآني - وكان يراني قبل الحجاب - فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهي بجلبابي، والله ما كلمني بكلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، وهوى حتى أناخ راحلتهُ، فوطئ على يديها فركبتُها، فانطل قيقود بي الراحلة، حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا معرسين- وفي رواية موغرين في نحر الظهيرة - قال أحد رواته والوغرةُ: شدة الحر - قالت: فهلك من هلك في شأني، وكان الذي تولى كبر الإفك: عبد الله بن أُبيِّ بن سلولٍ، فقدمنا المدين، فاشتكيت بها شهراً، والناس يفضيون في قول أصحاب الإفك ولا أشعر، وهو يريبني في وجعي أني لا أرى من النبي صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخُل فيسلمُ، يم يقول، كيف تيكُم؟ ثم ينصرفُ، فلك الذي يُريبني منه ولا أشعر بالشرِّ حتى نقِهْتُ فخرجتُ أنا وأم مسطحٍ قبل المناصع، وهي متبرَّزُنا، وكنا لا نخرج إلا ليلاً إلى ليلٍ، وذلك قبل أن نتخذ الكُنُف قريباً من بيوتنا، وأمرُنا أمرُ العرب الأول في التبرُّز قِبَلَ الغائط (1)، وكنا

_ = (داع ولا مجيب) أي ليس بها أحدٌ، لا من يدعو، ولا من يرد جواباً. (عرس فادلج) التعريس: نزول آخر الليل نزلة الاستراحة، والادلاج- بالتشديد-: سير آخر الليل. (الاسترجاع) وهو قول القائل: (إنا لله وإنا إليه راجعون). (بجلبابي) الجلباب: ما يتغطى به الإنسان من ثوب أو إزار. (وهوى) هوى الإنسان: إذا سقط من علوٍ، والمراد: أنه نزل من بعيره عجلاً. (موغرين) الوغرة: شدة الحر، ومنه يقال: وغر صدره يوغر: إذا اغتاظ وحمي، وأوغره غيره، فيكون قوله: موغرين، أي: داخلين في شدة الحر. (نحر الظهيرة) الظهيرة: شدة الحر، ونحرها: أولها، ونحرُ كل شيء: أوله. (فهلك من هلك في شأني): أي طعن في من طعن. (كبرُ الإفك) الكبر - بكسر الكاف وضمها هاهنا - معظم الإفك. (اشتيكتُ): مرضتُ. (يفيضون) الإفاضة في الحديث: التحدث به والخوض فيه بين الناس. (يريبني) رابني الشيء يريبني: شككت فيه، ولا يكون ريباً إلا في شك مع تهمة. (المناصع): المواضع الخالية تقضي فيها الحاجة من الغائط والبول، وأصله: مكان فسيحٌ خارج البيوت واحدها: منصعٌ. ... =

نتأذى بالكُنُفِ أن نتخذها عند بيوتنا، فأقبلتُ أنا وأم مسطح -وهي ابنةُ أبي رُهُمِ بن عبد مناف، وأمُّها بنت صخر بن عامرٍ، خالةُ أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، وابنها: مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب - حين فرغنا من شأننا نمشي، فعثرتْ أم مسطح في مرطها، فقالت: تعسَ مسطحٌ فقلت لها: بئسما قلت، أتسُبين رجلاً شهد بدراً؟ فقالت: يا هنتاه ألم تسمعي ما قال؟ قلت: وما قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضاً إلى مرضي فلما رجعت إلى بيتي، دخل رسول الله صلى الله لعيه وسلم، فسلم، وقال: كيف تيكم؟ فقلت: ائذنْ لي إلى أبويَّ، قالت: وأنا حينئذٍ أريدُ أن أستيقنَ الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله لعيه وسلم، فأتيتُ أبويَّ، فقلت لأمي: يا أمتاه، ماذا يتحدث الناس به؟ فقالت: يا بُنية، هوني على نفسك الشأن، فوالله لقلمَّا كانت امرأةٌ قطُّ وضيئةٌ عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها، فقلت: سبحان الله! ولقد تحدث الناس بهذا؟ قالت: فبكيتُ تلك الليلة، حتى أصبحت لا يرقأ لي دمعٌ ولا أكتحلُ بنومٍ، ثم أصبحت أبكي، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد، حين استلبث الوحي، يستشيرهما في فراق أهله، قالت: فأما أسامة فأشار عليه بما يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم في نفسه من الوُدِّ لهم، فقال أسامة: " هم أهلك يا رسول الله، ولا نعلم والله إلا خيراً. وأما علي بن أبي طالب فقال: يارسول الله، لم يُضيِّق الله عليك، والنساء سواها كثير وسل الجارية تصدقك، قالت: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال: أي بريرة. هل رأيت فيها شيئاً يريبُك؟ قالت له بريرة: لا والي بعثك بالحقِّ، إن رأيت منها أمراً أغمصُهُ عليها أكثر من أنها جاريةٌ حديثةُ السنِّ، تنامُ عن عجين أهلها، فيأتي الداجن فتأكله، قالت (1): فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه فاستعذر من عبد الله بن أُبي بن سلول فقال

_ = (مِرْطِها) المرطُ: كساء من صوف أو خز يؤتزر به، وجمعه: مروطٌ. (تعس) الإنسان: إذا عسر، ويقال في الدعاء على الإنسان: تعس فلانٌ، أي: سقط لوجهه. (هنتاه) يقال: امرأة هنتاه، أي: غرةٌ لأنها قليلة المعرفة بمكائد الناس وفسادهم. (وضيئة) الوضاءة: الحُسن، ووضيئةٌ: فعيلةٌ بمعنى: فاعلة. (أغمصهُ) الغمصُ: العيبُ. (الداجن): الشاة التي تألف البيت وتقيم به، يقال: دجن بالمكان إذا أقام به. (فاستعذر) يقال: من يعذرني من فلانٍ، أي: من يقوم بعذري إن كافأته على سوء صنيعه، فلا يلومُني، ... =

رسول الله صلى الله لعيه وسلم - وهو على المنبر- من يعذرني من رجلٍ بلغني أذاه في أهلي؟ - ومن الرُّواة من قال: في أهل بيتي - فوالله ما علمتُ على أهلي إلا خيراً ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً وما كان يدخل على أهلي إلا معي، قالت: فقام سعد بن معاذ أد بني عبد الأشهل، فقال: يا رسول الله، أنا والله أعذرُك منه، إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك، فقام سعد بن عُبادة - وهو سيد الخزرج، وكانت أم حسانٍ بنت عمهِ من فخذه وكان قبل لك رجلاً صالحاً ولكن احتملته الحميةُ - ومن الرواة من قال: اجتهلته الحميةُ، فقال لسعد بن معاذ: كذبت، لعمر الله لا تقتله، ولا تقدر على ذلك، فقام أسيد بن حُضيرٍ - وهو ابن عم سعد، يعني ابن معاذٍ - فقال لسعد بن عبادة: كذبت، لعمر الله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين فتثاور الحيان: الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا - ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر - فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يُخفِّضُهمْ، حتى سكتوا وسكت وبكيتُ يومي ذلك لا يرقأ لي دمعٌ ولا أكتحل بنومٍ، ثم بكيت ليلتي المقبلة، لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنومٍ، فأصبح عندي أبواي، وقد بكيت ليلتين ويوماً، حتى أظن أن البكاء فالقُ كبدي- ومن الرواة من قال: وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، قالت: فبينما هما جالسان عندي، وأنا أبكي، إذ استأذنت امرأةٌ من الأنصار، فأذنت لها، فجلست تبكي معي فبينا نحن كذلك، إذ دخل علينا رسول الله صلى الله لعيه وسلم، فسلم، ثم جلس، قالت: ولم يجلس عندي من يوم قيل لي ما قيل قبلها، وقد مكث شهراً لا يُوحى إليه في شأني بشيء، قالت: فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس، ثم قال: أما بعد، يا عائشة فنه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئةً فسيبرئُك الله، وإن كنت ألممتِ بذنبٍ فاستغفري الله (1)،

_ = واستعذر: استفعل من ذلك، أي قال: من يعذرني؟ فقال له سعد بن معاذٍ: أنا أعذرُك، أي أقومُ بعذرك. (من فخذه) الفخذُ في العشائر: أقلُّ من البطن، أولها: الشعبُ، ثم القبيلة، ثم الفصيلة، ثم العمارة، ثم البطن، ثم الفخذ، كذا قال الجوهري. (اجتهلته الحمية) الاجتهال: افتعال من الجهل، أي: حملته الحمية، وهي الأنفة والغضب على الجهل، واحتملته: افتعلته من الحملِ. (فتثاور) تثاور الناس، أي: ثاوروا ونهضوا من أماكنهم، طلباً للفتنة. (يخفضهم) يُهون عليهم ويسكنهم. (فالقٌ) فاعل، من فلق الشيء: إذا شقه. (ألممت) الإلمام: المقاربة، وهو من اللمم: صغار الذنوب، وقيل: اللمم: مقاربة المعصية من غير إيقاع فعلٍ. ... =

وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه، ثم تاب تاب الله عليه. فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي، حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال، قالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله، قالت: وأنا جاريةٌ حديثة السن لا أقرأ كثيراً من القرآن، فقلت: إني والله، لقد علمت أنكم سمعتم ما تحدث به الناس، حتى استقر في أنفسكم، وصدقتم به، ولئن قلت لكم: إني بريئةٌ - والله يعلم أني لبريئةٌ- لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفتُ لكم بأمر - والله يعلم أني بريئةٌ - لتصدقني، فوالله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا أبا يوسف إذ قال: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} (1) ثم تحولتُ، فاضطجعت على فراشي، وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة، وأن الله مُبرئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظنُّ أن الله يُنزلُ في شأني وحياً يُتلى، ولشأني في نفسي كأن أحقر من أن يتكلم الله فيَّ بأمرٍ يُتلى، ومن الرواة من قال: ولأنا أحقرُ في نفسي من أن يتكلم الله بالقرآن في أمري ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عيه وسلم في النوم رؤيا يُبرئني الله بها، فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسهُ، ولا خرج أحدٌ من أهل البيت، حتى أنزل الله على نبيه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء، حتى إنه ليتحدرُ منه مثلُ الجمان من العرق في يومٍ شاتٍ من ثقل القول الذي أُنزل علي قالت: فسُريَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحكُ، وكان أوَّل كلمةٍ تكلم بها، أن قال لي: يا عائشة، احمدي الله - ومن الرواة من قال: أبشري يا عائشة، أما الله فقد برأك - فقالت لي أمي: قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: لا والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله، هو الذي أنزل براءتي، فأنزل الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} العشر الآيات (2)، فلما أنزل الله هذا في براءتي قال أبو بكر الصديق وكان يُنفق على مسطح بن أثاثة - لقرابته منه وفقره - والله لا أنفقُ على

_ = (قلص) قلص الدمع: انقطع جريانه. (1) يوسف: 18. (ما رام) أي ما برح من مكانه، يُقال: رام يريمُ: إذا برح وزال، وقلما يُستعملُ إلا في النفي. (البرحاء): الشدة. (الجُمان) جمع جُمانة: وهي الدُّرة، وقيل: هي خرزةٌ تعمل من الفضة مثل الدرة. (سُري عنه) أي كشف عنه. (ولا يأتل) يأتل: يفعتلُ من الأليَّة: وهي القسم، يقال: آلى وائتلى وتألَّى. (2) النور: 11 - 19. ... =

مسطح شيئاً أبداً، بعد ما قال لعائشة، فأنزل الله: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (1) فقال أبو بكر: بلى، والله إني لأحبُّ أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطحٍ الذي كان يجري عليه، وقال: والله لا أنزعها منه أبداً. قالت عائشة: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحشٍ عن أمري، فقال: يا زينبُ، ما علمت؟ ما رأيت؟ فقالت: يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت عليها إلا خيراً، قالت عائشة: وهي التي كانت تُساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فعصمها الله بالورع، قالت عائشة: وطفقت أختها حمنةُ تحاربُ لها، فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك. قال ابن شهاب: فهذا الذي بلغني من حديث هؤلاء الرهْطِ. ومن الرواة من زاد: قال عروة: قالت عائشة: والله إن الرجل الذي قيل له ما قيل، ليقول: سبحان الله! فوالذي نفسي بيده، ما كشفت من كنف أنثى، قالت: ثم قتل بعد ذلك في سبيل الله. وفي رواية (2) أخرى عن عُروة عن عائشة قالت: لما ذُكر من شأني الذي ذُكر، وما علمت به، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً، فتشهَّد، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فأشيرُوا عليَّ في أناس أبنوا أهلي، وأيمُ الله، ما علمت على أهلي من سوء قطُّ، وأبنوهم بمن والله ما علمت عليه من سوءٍ قطُّ، ولا دخل بيتي قطُّ إلا وأنا حاضرٌ، ولا غبتُ في سفرٍ إلا غاب معي، فقام سعد بن معاذ، فقال: إئذن لي يا رسول الله: أن نضرب أعناقهم، وقام رجلٌ من بني الخزرج - وكانت أم حسان من رهطِ ذلك الرجل- فقال: كذبت والله: أن لو كانوا من الأوس ما أحببت أن تُضربَ

_ = (أحمي سمعي) حميتُ سمعي وبصري: إذا منعتُهما من أن أنسب إليهما ما لم يُدركاه. (تُساميني) المساماةُ: مفاعلةٌ من السموِّ والعلو: أي أنها تطلب من السمو والعلو مثل الذي أطلب. (فعصمها الله بالورع) أي منعها بالمعدلة، ومجانبة ما لا يحل. (كنف) الكنف: الجانب، والمراد: ما كشفت على امرأةٍ ما سترته من نفسها، إشارة إلى التعفف. (أبنوا أهلي) ذكروهم بسوء. (1) التوبة: 22. (2) مسلم (4/ 2137، 2138).

أعناقهم حتى كاد يكون بين الأوس والخزرج شر في المسجد، وما علمتُ، فلما كان مساء ذلك اليوم خرجت لبعض حاجتي ومعي أم مسطحٍ، فعثرتْ، فقالت: تعس مسطحٌ، فقلت لها: أي أمِّ، أتسبين ابنك؟ فسكتتْ، ثم عثرت الثانية، فقالت: تعس مسطحٌ، فقلت لها: أي أم، أتسبين ابنك؟ فسكتت، ثم عثرت الثالثة، فقالت: تعس مسطحٌ، فانتهرتها، فقالت: والله ما أسبه إلا فيك، فقلت: في أيِّ شأني؟ فذكرتْ -وفي رواية: فبقرتْ - لي الحديث، فقلت: وقد كان هذا؟ قالت: نعم والله، فرجعتُ إلى بيتي كأن الذي خرجت له لا أجد منه قليلاً ولا كثيراً، ووُعِكْتُ، وقلت لرسول الله صلى الله لعيه وسلم: أرسلني إلى بيت أمي، فأرسل معي الغلام، فدخلت الدار، فوجدت أم رومانٍ في أسفل البيت، وأبا بكر فوق البيت يقرأ، فقالت أمي: ما جاء بك يا بنيةُ؟ فأخبرتها، وذكرت لها الحديث، وإذا هو لم يبلغْ منها مثل ما بلغ مني، فقالت: أي بنيةُ، خفضي عليك الشأن، فإنه والله لقلما كانت امرأة حسناء عند رجلٍ يحبها لها ضرائر، إلا حسدنها، وقيل فيها، قلت: وقد علم به أبي؟ قالت: نعم، قلت: ورسول الله؟ قالت: نعم، ورسول الله، فاستعبرت وبكيت، فسمع أبو بكرٍ صوتي وو فوق البيت يقرأ فنزل. فقال لأمي: ما شأنها؟ فقالت: بلغها الذي ذُكر في شأنها، ففاضت عيناهُ. وقال: أقسمت عليك يا بُنية إلا رجعت إلى بيتك فرجعتُ، ولقد جاء رسول الله صلى الله لعيه وسلم بيتي، فسأل عني خادمي؟ فقالت: لا والله، ما علمت عليها عيباً، إلا أنها كانت ترقُد، حتى تدخل الشاة فتأكل خبزها أو عجينها - وفي رواية عجينها أو خميرها - شك هشام. فانتهرها بعض أصحابه، فقال: اصدقي رسول الله، حتى أسقطوا لها به، فقالت: سبحان الله! والله ما علمت عليها إلا ما يعلم الصائغ على تبر الذهب الحمر. وبلغ الأمر ذلك الرجل الذي قيل له، فقال: سبحان الله! والله ما كشفتُ كنف أنثى قط، قالت عائشة: فقتل شهيداً في سبيل الله، قالت: وأصبح أبواي عندي، فلم يزالا، حتى دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم (1)، وقد صلى العصر

_ (فبقرت) البقْر: الفتح والتوسعة والشقُّ، والمعنى: ففتحتْ لي الحديث وكشفته وأوضحتهُ. (وايم الله) من ألفاظ القسم، وفيها لغات كثيرة. (وأسقطوا لها به) اسقطوا به: أي قالوا لها السقط من القول، وهو الرديء، يريد: أنهم سبُّوها، وقوله "به" أي بسبب هذا المعنى: وهو الذي سُئلت عنه من أمر عائشة رضي الله عنها. فيكون المعنى: سبوها بهذا السبب. وقد رُوي هذا اللفظ على غير ما قلناه، والصحيح المحفوظ: إنما هو ما ذكرناه. والله أعلم. (فقتل شهيداً في سبيل الله): في غزوة أرمينية سنة تسع عشرة. ... =

ثم دخل، وقد اكتنفني أبواي عن يميني وعن شمالي، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، يا عائشةُ إن كنتِ قارفتِ سوءاً أو ظلمتِ، فتوبي إلى الله فإن الله يقبلُ التوبة عن عباده، قالت: وقد جاءت امرأةٌ من الأنصار، فهي جالسةٌ بالباب، فقلت: ألا تستحيي من هذه المرأة: أن تذكر شيئاً؟ قالت: فوعظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فالتفت! ُ إلى أبي: فقلت: أجِبه، قال: فماذا أقول؟ فالتفت إلى أمي فقلت: أجيبيه، فقالت: أقول ماذا؟ فلما لم يجيباه تشهدتُ فحمدتُ الله وأثنيتُ عليه بما هو أهله، ثم قلت: أما بعد فوالله، لئن قلت لكم: إني لم أفعل - والله يعلم إني لصادقةٌ - ما ذاك بنافعي عندكم، لقد تكلمتم به، وأُشربتهُ قلوبكم، وإن قلت: إني قد فعلت - والله يعلم أني لم أفعل - لتقولن: قد باءت به على نفسها، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلاً - والتمستُ اسم يعقوب، فلم أقدر عليه - إلا أبا يوسف، حين قال {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} وأُنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من ساعته، فسكتنا، فرُفع عنه، وإني لأتبين السُّرور في وجهه، وهو يمسحُ جبينه ويقول: أبشري يا عائشة، فقد أنزل الله براءتك، قالت: وكنت أشد ما كنت غضباً، فقال لي أبواي: قومي إليه، فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمده، ولا أحمدكما، ولكن أحمد الله الذي أنزل براءتي ولقد سمعتموه فما أنكرتموه ولا غيرتموه، وكانت عائشة تقول: أما زينبُ بنت جحشٍ: فعصمها الله بدينها، فلم تقل إلا خيراً، وأما أختها حمنة: فهلكت فيمن هلك، وكان الذي يتكلم فيه: مسطحٌ، وحسانُ بن ثابتٍ، والمنافق: عبد الله بن أبي بن سلول، وهو الذي كان يستوشيه ويجمعه، وهو الذي تولى كبره منهم هو وحمنةُ، قالت: فحلف أبو بكر ألا ينفع مسطحاً بنافعةٍ أبداً، فأنزل الله عز وجل {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ}، يعني أبا بكرٍ {يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا} يعني مسطحاً، {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (1) فقال أبو بكر: بلى والله

_ = (قارفتِ) المقارفة: الكسبُ والعمل في الأصل، ويقال لمن باشر معصية أو ألمَّ بها. (وأشربته قلوبكم) أي: تداخل هذا الحديث قلوبكم، كما يتداخل الصبغُ الثوب فيشربه. (باءت به) أي: رجعت به وتحملته. (يستوشيه) أي: يستخرجه بالبحث عنه، والاستقصاء، كما يستوشي الرجل فرسهُ: إذا ضرب جنبيه بعقبيه ليجرين يقال: أوشى فرسهُ، واستوشاهُ. (1) النور: 22.

يا ربنا، إنا لنُحبُّ أن تغفر لنا: وعاد له بما كان يصنعُ. وفي رواية (1): أن عائشة لما أخبرتْ بالأمر قالت: يا رسول الله، أتأذنُ لي أن أنطلق إلى أهلي؟ فأذن لها، وأريل معها الغلام، وقال رجلٌ من الأنصار: سبحانك! ما يكون لنا أن نتكلم بهذا، سبحانك! هذا بُهتانٌ عظيم. لم يزد على هذا. وعند البخاري قال: قال الزهريُّ: كان حديث الإفك في غزوة المُريسيع، ذكره البخاري في غزوة بني المصطلق من خُزاعة، قال: وهي غزوةُ المريسيع، قال ابن إسحاق: وذلك سنة ستٍ، وقال موسى بن عقبة: سنة أربعٍ، إلى هنا ما حكاه البخاري. وأخرجه البخاري (2) من حديث الزهري قال: قال لي الوليد بن عبد الملك: أبلغك أن علياً كان فيمن قذف عائشة؟ قلتُ: لا، ولكن قد أخبرني رجلان من قومك: أبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام - أن عائشة قالت لهما: كان عليٌّ مسلماً في شأنها. وأخرج البخاري (3) أيضاً من حديث الزهري عن عروة عن عائشة {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ}: عبد الله بن أبي. زاد في رواية (4): قال عروة: أخبرْتُ أنه كان يُشاع، ويُتحدث به عنده، فيُقره ويشيعه ويستوشيه، قال عروة: لم يُسم من أهل الإفك أيضاً إلا حسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة، وحمنةُ بنت جحش، في ناس آخرين، لا علم لي بهم، غير أنهم عصبةٌ، كما قال الله تعالى، قال عروةُ: وكانت عائشة تكره أن يسبَّ عندها حسانٌ، وتقول: إنه الذي قال: فإن أبي ووالده وعرضي ... لعرض محمدٍ منكم وقاءُ وفي رواية (5) لهما: قال مسروقُ بن الأجدع: دخلتُ على عائشة وعندها حسانٌ

_ (1) البخاري (7/ 433) 64 - كتاب المغازي، 34 - باب حديث الإفك. (2) البخاري (7/ 435) 64 - كتاب المغازي، 34 - باب حديث الإفك. (3) البخاري (8/ 451) 65 - كتاب التفسير، 5 - باب (إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم). (4) البخاري (7/ 432) 64 - كتاب المغازي، 34 - باب حديث الإفك. (5) البخاري (7/ 436) 64 - كتاب المغازي، 34 - باب حديث الإفك.

يُنشدها شعراً، يُشببُ من أبياتٍ، فقال: حصانٌ رزانٌ، ما تُزنُّ بريبةٍ ... وتُصبح غرثى من لحوم الغوافل فقالت له عائشة: لكنك لست كذلك، قال مسروق: فقلت لها: أتأذنين له أن يدخل عليك؟ وقد قال الله تعالى: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}؟ قالت وأيُّ عذابٍ أشدُّ من العمى؟ وقالت: إنه كان ينافح - أو يهاجي- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. في شرح النووي على مسلم (17/ 116 - 118) وفتح الباري (8/ 479 - 481): في هذا الحديث من الفوائد، جواز الحديث عن جماعة ملفقاً مجملاً، وفيه مشروعية القرعة حتى بين النساء، وفي المسافرة بهن، والسفر بالنساء حتى في الغزو، وجواز حكاية ما وقع للمرء من الفضل ولو كان فيه مدح ناس وذم ناس إذا تضمن ذلك إزالة توهُّم النقص عن الحاكي إذا كان بريئاً عند قصد نصح من يبلغه ذلك لئلا يقع فيما وقع فيه من سبق، وأن الاعتناء بالسلامة من وقوع الغير في الإثم أولى من تركه يقع في الإثم، وتحصيل الأجر للموقوع فيه، وفيه استعمال التوطئة فيما يحتاج إليه من الكلام، وأن الهودج يقوم مقام البيت في حجب المرأة، وجواز ركوب المرأة الهودج على ظهر البعير، ولو كان ذلك مما يشق عليه حيث يكون مطيقاً لذلك، وفيه خدمة الأجانب للمرأة من وراء الحجاب، وجواز تستر المرأة بالشيء المنفصل عن البدن، وتوجه المرأة لقضاء حاجتها وحدها وبغير إذن خاص من زوجها، بل اعتماداً على ألإذن العام المستند إلى العرف العام، وجواز تحلي المرأة في السفر بالقلادة ونحوها، وصيانة المال ولو قل للنهي عن إضاعة المال، فإن عقد عائشة لم يكن من ذهب ولا جوهر، وفيه شؤم الحرص على المال لأنها لو لم تظل في التفتيش لرجعت بسرعة فلما زاد على قدر الحاجة أثر ما جرى. وتوقف رحيل الجند على

إذن الأمير، والاسترجاع عند المصيبة، وتغطية المرأة وجهها عن نظر الأجنبي، وإغاثة الملهوف، وعون المنقطع، وإنقاذ الضائع، وإكرام ذوي القدر وإيثارهم بالركوب، وتجشم المشقة لأجل ذلك، وحسن الأدب مع الأجانب خصوصاً النساء، لا سما في الخلوة، والمشي أمام المرأة ليستقر خطرها وتأمن مما يتوهم من نظره لما عساه ينكشف منها في حركة المشي، وفيه ملاطفة الزوجة وحسن معاشرتها، والتقصير من ذلك عند إشاعة ما يقتضي النقص وإن لم يتحقق، وفائدة ذلك أن تتفطن لتغير الحال فتعتذر أو تعترف، وأنه لا ينبغي لأهل المريض أن يعلموه بما يؤذي باطنه لئلا يزيد ذلك في مرضه، وفي السؤال عن المريض والإشارة إلى مراتب الهجران بالكلام والملاطفة، وفيه أن المرأة إذا خرجت لحاجة تستصحب من يؤنسها أو يخدمها ممن يؤمن عليها، وفيه ذب المسلم عن المسلم خصوصاً من كان من أهل الفضل، وردع من يؤذيهم ولو كان منهم بسبيل، وبيان مزيد فضيلة أهل بدر، وفيه البحث عن الأمر القبيح إذا أشيع، وتعرف صحته وفساده بالتنقيب على من قيل فيه، واستصحاب حال من اتهم بسوء إذا كان قبل ذلك معروفاً بالخير إذا لم يظهر عنه بالبحث ما يخالف ذلك، وفيه فضيلة قوية لأم مسطح لأنها لم تحاب ولدها في وقوعه في حق عائشة، بل تعمدت سبه على ذلك، وفيه مشروعية التسبيح عند سماع ما يعتقد السامع أنه كذب، وفيه توقف خروج المرأة من بيتها على إذن زوجها ولو كانت إلى أبويها، وفيه البحث عن الأمر المقول ممن يدل عليه المقول فيه، والتوقف في خبر الواحد ولو كان صادقاً، وطلب الارتقاء من مرتبة الظن إلى مرتبة اليقين وأن خبر الواحد إذا جاء شيئاً بعد شيء أفاد القطع، لقول عائشة: لأستيقن الخبر من قبلهما، وأن ذلك لا يتوقف على عدد معين، وفيه استشارة المرء أهل بطانته ممن يلوذ به بقرابة وغيرها، وتخصيص من جربت صحة رأيه منهم بذلك ولو كان غيره أقرب، والبحث عن حال من اتهم بشيء، وحاكية ذلك للكشف عن أمره، ولا يعد ذلك غيبة، وفيه استعمال "لا نعلم إلا خيراً" في التزكية، وأن ذلك كاف في حق من سبقت عدالته ممن يطلع على خفي أمره، وفيه التثبت في الشهادة وفطنة الإمام عند الحادث المهم، والاستنصار بالأخطاء على الأجانب، وتوطئة العذر لمن يراد إيقاع العقاب به أو العتاب له، واستشارة الأعلى لمن هو دونه، وأن من استسفر عن حال شخص فأراد بيان ما فيه من عيب فليقدِّم

ذكر عذره في ذلك إن كان يعلم، كما قالت بريرة في عائشة حيث عابتها بالنوم عن العجين فقدمت قبل ذلك أنها جارية حديثة السن، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يحكم لنفسه إلا بعد نزول الوحي، لأنه صلى الله عليه وسلم كان لا يحكم لنفسه إلا بعد نزول الوحي، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يجزم في القصة بشيء قبل نزول الوحي، وأن الحمية لله ورسوله لا تذم، وفيه فضائل جمة لعائشة ولأبويها ولصفوان ولعلي بن أبي طالب وأسامة وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير، وفيه أن التعصب لأهل الباطل يخرج عن اسم الصلاح، وجواز سب من يتعرض للباطل، ونسبته إلى ما يسوؤه وإن لم يكن ذلك في الحقيقة فيه، وإطلاق الكذب على الخطأ والقسم بلفظ "لعمر الله" وفيه الندب إلى قطع الخصومة وتسكين ثائرة الفتنة، وسد ذريعة ذلك، واحتمال أخف الضررين بزوال أغلظهما، وفضل احتمال الأذى، وفيه مباعدة من خالف الرسول ولو كان قريباً حميماً، وفيه أن من آذى النبي صلى الله عليه وسلم بقول أو فعل يقتل، لأن سعد بن معاذ أطلق ذلك ولم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه مساعدة من نزلت فيه بلية بالتوجع والبكاء والحرن، وفيه تثبت أبي بكر الصديق في الأمور لأنه لم ينقل عنه في هذه القصة مع تمادي الحال فيها شهراً كلمة فما فوقها، وفيه ابتداء الكلام في الأمر المهم بالتشهد والحمد والثناء، وقول: "أما بعد"، وتوقيف من نقل عنه ذنب على ما قيل فيه بعد البحث عنه وأن قول: "كذا وكذا" يكنى بها عن الأحوال كما يكنى بها عن الأعداد ولا تختص بالأعداد وفيه مشروعية التوبة، وأنها تقبل من المعترف المقلع المخلص، وأن مجرد الاعتراف لا يجزيء فيها، وأن الاعتراف بما لم يقع لا يجوز ولو عرف أنه يصدق في ذلك، ولا يؤاخذ على ما يترتب على اعترافه، بل عليه أن يقول الحق أو يسكت، وأن الصبر تحمد عاقبته ويغبط صاحبه، وفيه تقديم الكبير في الكلام، وتوقف من اشتبه عليه الأمر في الكلام، وفيه تبشير من تجددت له نعمة، أو اندفعت عنه نقمة، وفيه الضحك والفرح والاستبشار عند ذلك، ومعذرة من انزعج عند وقوع الشدة لصغر سن ونحوه، وإدلال المرأة على زوجها وأبويها، وتدريج من وقع في مصيبة فزالت عنه لئلا يهجم على قلبه الفرح من أول وهلة فيهلكه، وفيه أن الشدة إذا اشتدت أعقبها الفرج، وفضل من يفوض الأمر لربه، وأن من قوي على ذلك خف عنه الهم والغم، وفيه الحث على الإنفاق في سبيل الخير خصوصاً في صلة الرحم، ووقوع المغفرة لمن أحسن إلى من أساء إليه أو صفح عنه، وأن من حلف أن لا يفعل شيئاً من الخير استحب له الحنث، وجواز الاستشهاد بآي القرآن في النوازل، والتأسي بما وقع للأكابر من الأنبياء وغيرهم، وفيه

التسبيح عند التعجب، واستعظام الأمر، وذم الغيبة، وذم سماعها، وزجر من يتعاطاها لا سيما إن تضمنت تهمة المؤمن بما لم يقع منه، وذم إشاعة الفاحشة وتحريم الشك في براءة عائشة رضي الله عنها. 2756 - * روى البخاري عن أم رومان رضي الله عنها- وهي أم عائشة رضي الله عنها- قالت: بينا أنا قاعدة أنا وعائشة، إذ ولجت امرأةٌ من الأنصار، فقالت: فعل الله بفلان وفعل، فقالت أم رومان: وما ذاك؟ قالت: ابني فيمن حدث الحديث، قالت: وما ذاك؟ قالت: كذا وكذا، قالت عائشة: وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: نعم، قالت: وأبو بكر؟ قالت: نعم، فخرتْ مغشياً عليها، فما أفاقت إلا وعليها حُمى بنافضٍ، فطرحتُ عليها ثيابها، فغطيتُها؛ فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "ما شأن هذه؟ " قلت: يا رسول الله، أخذتها الحمى بنافضٍ، قال "فلعل في حديث تُحُدِّثَ به؟ قالت: نعم، فقعدت عائشةُ فقالت: والله لئن حلفت لا تصدقوني، ولئن قلت لا تعذروني، مثلي ومثلكم كيعقوب وبنيه {وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} قالت: فانصرفن ولم يقل لي شيئاً، فأنزل الله عُذرها، قالت: بحمد الله، لا بحمد أحد، ولا بحمدك. 2757 - * روى الطبراني عن هشام بن عروة قال الذي تولى كبره عبد الله بن أُبيِّ بن سلول ومسطح بن أثاثة وحسان وحمنةُ بنت جحشٍ وكان كبرُ ذلك من قبل عبد الله بن أبي بن سلول. وعن قتادة في قوله {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} كذبتم وقلتم هذا كذبٌ بينٌ ولعمري أن تكذب على أخيك بالشر إذ سمعته خيرٌ لك وأسلم من أن تُذيعه وتفشيه وتُصدق به. 2758 - * (1) روى الطبراني عن ابن جريج في قوله {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ

_ 2756 - البخاري (7/ 435) 64 - كتاب المغازي، 34 - باب حديث لإفك. (بنافض) برعدة شديدة كأنها نفضتها أي حركتها. 2757 - مجمع الزوائد (7/ 77) وقال الهيثمي: رواه الطبراني عنه وعن مجاهد وإسنادهما جيد، وكذا الآخر. 2758 - مجمع الزوائد (7/ 78) وقال الهيثمي: رواه الطبراني وإسناده جيد.

وَالْمُؤْمِنَاتُ} يقول بعضهم ألا تسمع إلى قوله. 2759 - * روى الطبراني عن قتادة في قوله تعالى {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} قال هذا في شأن عائشة رضي الله عنها وفيما قِيلَ كاد أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهلكوا فيه. أقول: الظاهر أن التهديد لمن أفاض فيه أو قَبِلَهُ قلبه. 2760 - * روى الطبراني عن مجاهدٍ في قوله {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا} قال ينهاكم. 2761 - * روى الطبراني عن قتادة في قوله {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ} أهل الحق حقهم وأهل الباطل باطلهم {وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ}. 2762 - * روى الطبراني عن قتادة في قوله {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ} من القول والعمل {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} من القول والعمل. 2763 - * روى الطبراني عن قتادة في قوله {أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} قال من القول والعمل {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} مغفرة لذنوبهم وهي الجنة. 2764 - * روى الطبراني عن مجاهد في قوله {أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} فمن كان طيباً فهو مبرأ من كل قول خبيث يقوله بمغفرة الله له ومن كان خبيثاً فهو مبرأ من كل قول صالح قاله يرده الله عليه لا يقبل منه. 2765 - * (1) روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما أُنزل عُذري، قام رسول

_ 2759 - مجمع الزوائد، الموضع السابق، وقال: إسناده جيد. 2760 - مجمع الزوائد (7/ 79) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات. 2761 - مجمع الزوائد (7/ 80) وقال الهيثمي: رواه الطبراني وإسناد جيد. 2762 - مجمع الوائد (7/ 81) وقال الهيثمي: رواه الطبراني وإسناده جيد. 2763 - مجمع الزوائد (7/ 82) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات. 2764 - مجمع الزوائد (7/ 82) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات 2765 - الترمذي (5/ 336) 48 - كتاب تفسير القرآن، 25 - باب ومن سورة النور وقال الترمذي: حديث حسن.

الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، وذكر ذلك، وتلا القرآن، قالت: وأمر برجلين وامرأةٍ، فجُلدوا الحدَّ. 2766 - * روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: يرحمُ الله نساء المهاجرات الأول لما أُنزل {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} (1) شققن مروطهنَّ، فاختمرن بها". وفي أخرى (2) قالت: "أخذن أزرهُن، فشققنها من قِبل الحواشي، واختمرن بها. وفي رواية (3) أبي داود قال: "شققن أكنُف مروطهن، فاختمرن بها". 2767 - * روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها "ذكرت نساء الأنصار، فأثنتْ عليهن، وقالت لهن معروفاً، وقالت: لما نزلتْ (سورة النور) عمدن إلى جحورٍ أو جحورٍ - شك أبو كامل الجحدريُّ - فشققنهُن، فاتخذنهُن خُمراً". 2768 - * روى الطبراني عن عبد الله في قوله {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (4) قال الزينة: السوار والدُّمْلُج والخلخال والقُرط والأذن والقلادة وما

_ 2766 - البخاري (489) 65 - كتاب التفسير، 12 - باب (ويضربن بخمرهن على جيوبهن). (1) النور: 31. (2) البخاري، الموضع السابق. (3) أبو داود (4/ 61) كتاب اللباس، 31 - باب في قوله (وليضربن بخمرهن على جيوبهن). (مروطهن) المروط: جمع مرط، وهو كساء من خز أو صوف يتغطى به. (اختمرن بها): غطين وجوهن. وصفة ذلك: أن تضع الخمار على رأسها وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر، وهو التقنع. قال الفراء: كانوا في الجاهلية تسدل المرأة خمارها من ورائها وتكشف ما قدامها، فأمرن بالاستتار. قال أبو داود: قال ابن صالح: أكثف مروطهن. ومعنى أكثف مروطهن: أي أشدها ستراً لصفاقته والأكتف: الأغلظ والأثخن. 2767 - أبو داود (4/ 61) كتاب اللباس، باب في قوله تعالى (يدنين عليهن من جلابيبهن). (الحجزْ) جمع حجزة، وأصل الحجزة: موضع مشد الإزار، والحجوز، جمع الحجز والحجور- بالراء المهملة- فهو جمع حجر الإنسان. 2768 - الطبراني (المعجم الكبير) (9/ 260). مجمع الزوائد (7/ 82) وقال الهيثمي: رواه الطبراني بأسانيد مطولاً ومختصراً، ورجال أحدهما رجال الحصيح. (الدملج): المعضد من الحلي (ما يزين به العضد). (الخلخال): حلية كالسوار يلبس في الرجل. (4) النور: 31.

ظهر هي الثياب والجلباب. أقول: فسر ابن مسعود رضي الله عنه الزينة التي يجب سترها وذكر الزينة التي يسوغ إظهارها وهي التي تظهر فوق الثياب والجلباب، مما يدل على أن ما سوى ذلك مما ذكر يجب ستره، والدملج هو الذي تزين به المرأة عضدها، والخلخال ما تزين به الرجل فوق الكعبين وهو كالسوار، والقرط في الأذن والقلادة ومكانها في الرقبة أو النحر كل ذلك مما يجب ستره. 2769 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كان عبد الله بن أُبيِّ بن سلول يقول لجارية له: اذهبي فباغينا شيئاً، قال: فأنزل الله عز وجل: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (1). وفي أخرى (2): أن جاريةً لعبد الله بن أُبيٍّ يقال لها مُسيْكةُ، وأخرى يقال لها أميمةُ، كان يريدهما على الزنا، فشكتا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ -إلى قوله- غَفُورٌ رَحِيمٌ}. وفي رواية أبي (3) داود قال: جاءت مُسيكةُ لبعض الأنصار، فقالت إن سيدي يكرهني على البغاء، فنزل في ذلك {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ}. قال أبو داود: وروى مُعتمرٌ عن أبيه: {وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} قال: قال سعيد بن أبي الحسن: غفورٌ لهن: المكرهات. قال النووي: قوله تعالى: {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} خرج على الغالب لأن الإكراه إنما هو لمريدة التحصن، أما غيرها: فهي تسارع إلى البغاء من غير حاجة إلى إكراه. والمقصود: أن الإكراه على الزنا حرام، سواء أرادت تحصناً أم لا، وصورة الإكراه - مع أنها لا تريد

_ 2769 - مسلم (4/ 2320) 54 - كتاب التفسير، 3 - باب في قوله تعالى (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء). (1) النور: 33. (2) مسلم، الموضع السابق. (3) أبو داود (2/ 294) كتاب الطلاق، باب في تعظيم الزنا. (البغاء): الزنا، وهو في الأصل: الطلب. (التحصن): العفة.

التحصن-: أن تكون هي مريدة للزنا بإنسان، فيكرهها على الزنا بغيره، فكله حرام. أقول: أراد النووي بكلامه أن يزيل التباساً يمكن أن يقع فيه بعض الناس، وهو جواز الزنا للأمة التي لا تريد التحصن، وليس المراد ذلك وإنما نزلت الآية لتجيب على واقعة بعينها فهي كقوله تعالى: {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} فالربا كبيره وصغيره محرم، والزنا في كل الحالات محرم، ولكن الآيتين نزلتا لتعالجا واقعتين قائمتين فذكرتهما على الوجه الواقع، وتحريم الربا والزنا جاء بشكل مطلق في آيات أخرى. 2770 - * روى الطبراني في الأوسط عن أبيِّ بن كعبٍ قال لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة وآوتهم الأنصار رمتهم العرب عن قوس واحدة فنزلت: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} (1). 2771 - * روى أبو داود عن عكرمة بن أبي جهلٍ (رضي الله نه) أن نفراً من أهل العراق قالوا: يا ابن عباس، كيف ترى في هذه الآية التي أُمرنا بها ولا يعملُ بها أحدٌ؟ قول الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} الآية (2) فقال ابن عباس: إن الله حليمٌ رحيمٌ بالمؤمنين، يُحبُّ الستر. وكان الناس ليس لبيوتهم ستور ولا حجالٌ، فربما دخل الخادم، أو الولد، أو يتيمة الرجل، والرجل على أهله، فأمرهم الله تعالى بالاستئذان في تلك العورات، فجاءهم الله بالسُّتُور والخير، فلم أر أحداً يعمل بذلك بعدُ. وفي رواية (3) عن ابن عباس: أنه سُمع يقول: لم يؤمر بها أكثر الناس: آية الإذن، وإني لآمرُ جاريتي هذه تستأذنُ عليَّ".

_ 2770 - مجمع الزوائد (7/ 83) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات. (1) النور: 55. 2771 - أبو داود (4/ 349) كتاب الأدب، باب الاستئذان في العورات الثلاث. (2) النور: 58. (3) نفس الموضع السابق، وسنده حسن. (حجال) ج حجلة: بيت كالقبة يستر بالثياب.

قال محقق الجامع: وهذه الآية من العلماء من قال بنسخها، ومنهم قال: إنها محكمة، والأكثرون على أنها محكمة. قال ابن الجوزي في نواسخ القرآن: الورقتان (110، 111) بعد أن أسند القول بالنسخ إلى سعيد بن المسيب وهذا ليس بشيء، لأن معنى الآية: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ} أي من الأحرار {الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} أي في جميع الأوقات في الدخول عليكم {كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} يعني كما استأذن الأحرار الكبار الذين بلغوا قبلهم، فالبالغ يستأذن في كل وقت، والطفل والمملوك يستأذن في العورات الثلاث. وقال في (زاد المسير: 6/ 62): وأكثر علماء المفسرين على أن هذه الآية محكمة، وممن روى عنه ذلك: ابن عباس، والقاسم ابن محمد، وجابر بن زيد، والشعبي، وحكى عن سعيد بن المسيب أنها منسوخة، والأول أصح. وقال ابن كثير: ولما كانت هذه الآية محكمة ولم تنسخ بشيء وكان عمل الناس بها قليلاً جداً أنكر عبد الله بن عباس على الناس، وذكر بعض الروايات الدالة على أنها محكمة، منها رواية ابن أبي حاتم بسند صحيح إلى ابن عباس، ثم قال: ومما يدل على أنها محكمة لم تنسخ قوله تعالى: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} ثم قال تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} يعني إذا بلغ الأطفال الذين إنما كانوا يستأذنون في العورات الثلاث، إذا بلغوا الحلم، وجب عليهم أن يستأذنوا على كل حال، يعني بالنسبة إلى أجانبهم، وإلى الأحوال التي يكون الرجل على امرأته، وإن لم يكن في الأحوال الثلاث. أقول: إن الرواية عن ابن عباس تؤكد عدم النسخ وتبين سبب إهمال تنفيذ المر، وذلك لأن الأبواب إذا وجدت فلا يستطيع أن يدخل أحد الدار إلا بإذن ما دامت الأبواب مغلقة، وأدب المسلم أن يستأذن ما دام يرى الحجاب قائماً. 2772 - * (1) روى البزار عن عائشة قالت: كان المسلمون يرغبون في النفير مع رسول الله

_ 2772 - كشف الأستار (3/ 61، 62) سورة النور. مجمع الزوائد (7/ 84) وقال الهيثمي: رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح.

صلى الله عليه وسلم فيدفعون مفاتيحهم إلى ضُمنائهم ويقولون لم قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما أحببتُم، فكانوا يقولون إنه لا يحلُّ لنا إنهم أذنوا عن غير طيبِ نفسٍ فأنزل الله عز وجل: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ} (1).

_ (1) النور: 61.

سورة الفرقان

سورة الفرقان 2773 - * روى الشيخان عن ابن مسعودٍ (رضي الله عنه) قال: سألتُ - أو سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم - أيُّ الذَّنبِ عند الله أعظمُ؟ قال: "أن تجعل لله نداً وهو خلقك، قال: قلتُ: إن ذلك لعظيم؛ قلت: ثم أيُّ؟ قال: أنْ تقتُلَ ولدك مخافةَ أنْ يطعم معك، قلت: ثم أيُّ؟ قال: أن تُزاني حليلةَ جارك، قال: ونزلت هذه الآية، تصديقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} (1). 2774 - * روى مسلم عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: إن قوماً قتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا وانتهكوا، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا محمد، إنَّ الذي تقول وتدعو إليه لحسنٌ، لو تُخبرنا أنَّ لما عملنا كفارةً؟ فنزلت: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} (2) قال: يُبدلُ الله شركهم إيماناً، وزناهم إحصاناً، ونزلت: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} (3).

_ 2773 - البخاري (13/ 491) 97 - كتاب التوحيد، 40 - باب قول الله تعالى (فلا تجعلوا لله أنداداً) و (8/ 492) 65 - كتاب التفسير، 2 - باب (والذين لا يدعون مع إلهاً آخر). مسلم (1/ 90) 1 - كتاب الإيمان، 37 - باب كون الشرك أقبح الذنوب. أبو داود (2/ 294) كتاب الطلاق، باب في تعظيم الزنا. (نداً) الندُّ: المثل. (حليلة) الحليلة: المرأة. (1) الفرقان: 68. 2774 - مسلم (1/ 113) 1 - كتاب الإيمان، 54 - باب كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج. (انتهكوا) يقال: انتهكت محارم الشرع: إذا فعلت ما حمره عليك ولم تلزم أوامره. (كفارة) الكفارة: التي تجب على الحالف إذا حنث، ونحو ذلك من الأحكام الشرعية التي أوجب فيها الشرع كفارة، كالصوم والظهار، وسميت كفارة، لأنا تغطي الذنب وتمحوه. (تقنطوا) القنوط: اليأس من الشيء. (2) الفرقان: 68 - 70. (3) الزمر: 53.

2775 - * روى الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال: قرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنين، {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} ثم نزلت {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ} فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرح فرحاً قط أشد فرحاً منه بها وبـ، {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} (1).

_ 2775 - مجمع الزوائد (7/ 84) وقا لالهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن.

سورة طسم الشعراء

سورة طسم الشعراء 2776 - * روى أحمد عن معدي كربَ قال أتينا عبد الله فسألناه أن يقرأ علينا طسم المائين فقال ما هي معي ولكن عليكم من أخذها من رسول الله صلى الله عليه وسلم خبابُ بنُ الأرتَّ، فأتينا خباب بن الأرت فقرأها علينا. 2777 - * روى الطبراني عن ابن مسعودٍ أنه كان يقرأ: {إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ} يقول شيء اختلقوه. أقول: قراءة ابن مسعود قرأ بها من القراء السبعة ابن كثير وأبو عمرو والكسائي فهي قراءة متواترة وبقية الراء قرؤوا بضم الخاء واللام، ومعنى قراءة ابن مسعود أن ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم (وكذبوا) افتراءات الأولين، ومعنى القراءة الثانية بأنهم يعتبرون ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم إنما هو جري على العادة التي جرى عليها الآباء والأسلاف، وقراءة ابن مسعود تفيد معنى هو أنه عليه الصلاة والسلام جاء ليجدد ما خلقه الأولون من عند أنفسهم وهذا الزعم هو نفسه الذي يزعمه الماديون والملحدون، ومن مثل هذا النص ندرك أن بعض القراءات تعطينا معاني جديدة لا تتناقض مع بعضها بل يكمل بعضها الآخر وهذا من معجزات القرآن. 2778 - * روى الشيخان عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: لما نزلتْ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} (1) صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا، فجعل ينادي: "يا بني فهرٍ، يا بني عديٍّ- لبطون قريش - حتى اجتمعوا. فجعل الرجل إذا لم يستطعْ أن يخرج أرسل رسولاً، لينظُر ما هو؟ فجاء أبو لهب وريشٌ، فقال: أرأيتكم لو أخبرتُكم أن خيلاً بالوادي، تريد أن تغير عليكم، أكنتُمْ مُصدِّقيَّ؟ " قالوا:

_ 2776 - أحمد (1/ 489). مجمع الزوائد (7/ 84) وقال الهيثمي: رواه أحمد، ورجاله ثقات ورواه الطبراني. 2777 - الطبراني (المعجم الكبير) (9/ 148). مجمع الزوائد (7/ 85) وقال الهيثمي: رواه الطبراين ورجاله رجال الصحيح. 2778 - البخاري (8/ 501) 65 - كتاب التسير، 2 - باب (وأنذر عشيرتك الأقربين). مسلم (1/ 193، 194) 1 - كتاب الإيمان، 89 - باب في قوله تعالى (وأنذر عشيرتك الأقربين). (1) الشعراء: 214.

نعم، ما جربنا عليك إلا صدقاً، قال: فإني نذيرٌ لكم بين يديْ عذاب شديد"، فقال أبو لهبٍ: تباً لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟ فنزلت: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ}. وفي بعض الروايات (1): "وقد تَبَّ" كذا قرأ الأعمش. وفي رواية (2): "أن الني صلى الله عليه وسلم خرج إلى البطحاء، فصعد الجبل، فنادى: يا صباحاهْ، يا صباحاهُ فاجتمعت إليه قريشٌ فقال: أرأيتم إن حدثتكمْ: أن العدو مصبحكم، أو ممسيكمْ، أكنتم تصدقوني؟ قالوا: نعم، قال: فإني نذيرٌ لكم بين يديْ عذابٍ شديدٍ"- وذكر نحوه. وللبخاري (3) أيضاً قال: لما نزل: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} جعل النبي صلى الله عليه وسلم يدعوهم قبائل، قبائل. وفي رواية (4) للبخاري: لما نزلت: (وأنذر عشيرتك الأقربين، ورهطك منهم المخلصين) خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا، فهتف: "يا صباحاه، فقالوا: منْ هذا؟ فاجتمعوا إليه، فقال: أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلاً تخرج من سفح هذا الجبل، أكنتم مُصدقيَّ؟ قالوا: ما جربنا عليك كذباً ...

_ (1) مسلم، الموضع السابق. (2) البخاري (8/ 737) 65 - كتاب التفسير، 2 - باب (وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب). (3) البخاري (6/ 551) 61 - كتاب المناقب، 13 - باب من انتسب إلى آبائه في الإسلام والجاهلية. (4) البخاري (8/ 737) 65 - كتاب التفسير، 1 - باب 4971. (البطحاء): الأرض المستوية. (تباً لك) التبُّ: الهلاكُ: أي هلاكاً لك، وهو منصوب بفعلٍ مضمرٍ. (صباحاه) كلمة يقولها المنهوبُ والمستغيثُ، وأصله: من يوم الصباح، وهو يومُ الغارة.

وقال الحافظ عن قراءة (وقد تب): ليست هذه القراءة فيما نقل القراء عن الأعمش، فالذي يظهر أنه قرأها حاكياً لا قارئاً ويؤيد قوله في هذا السياق: يومئذ، فإنه يشعر بأنه كان لا يستمر على قراءتها كذلك، والمحفوظ أنها قراءة ابن مسعود وحده. اهـ. ويمكن أن يكون ابن مسعود ذكر ذلك على سبيل التفسير فلا تكون من باب منسوخ التلاوة في شيء وهذا أولى والله أعلم. 2779 - * روى مسلم عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: لما نزلت {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا، فقال: "يا فاطمة بنت محمدٍ، يا صفية بنت عبد المطلب، يا بني عبد المطلب، لا أملكُ لكم من الله شيئاً، سلوني من مالي ما شئتمْ". 2780 - * روى مسلم عن قبيصة بن مُخارقٍ وزهير بن عمرو (رضي الله عنهما) قالا: لما نزلت: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} انطلق نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم إلى رضمةِ جبلٍ، فعلا أعلاها حجراً، ثم نادى: "يا بني عبد منافٍ إني نذيرٌ لكم، إنما مثلي ومثلكم كمثل رجلٍ رأى العدُوَّ، فانطلق يربأُ أهله، فخشي أن يسبقوه، فجعل يهتفُ: يا صباحاهُ. 2781 - * روى الطبراني عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} قال من صُلب نبي إلى صُلْبِ نبي حتى صرت نبياً (1).

_ 2779 - مسلم (1/ 192) 1 - كتاب الإيمان، 89 - باب فيقوله تعالى (وأنذر عشيرتك الأقربين). الترمذي (5/ 338) 48 - كتاب تفسير القرىن، 27 - باب "ومن سورة الشعراء"، وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح. النسائي (6/ 250) 30 - كتاب الوصايا، 6 - باب إذا أوصى لعشيرته الأقربين. 2780 - ملم (1/ 193) 1 - كتاب الإيمان، 89 - باب في قوله تعالى (وأنذر عشيرتك الأقربين). (رضمة) الرضمةُ: واحدةُ الرضم: وهي الحجارة والصخور بعضهاعلى بعض. (يربأ) الربيئةُ: الذي يحرس القوم، ويتطلع لهم، خوفا [من] أن يكبسهم العدو. 2781 - الطبراني (المعجم الكبير) (11/ 362). كشف الأستار (3/ 62) كتاب التفسير، سورة الشعراء. مجمع الزوائد (7/ 86) وقال الهيثمي: رواه البزار والطبراني، ورجالهما رجال الصحيح، غير شبيب بن بشر، وهو ثقة.

سورة القصص

سورة القصص 2782 - * روى البخاري عن سعيد بن جبير سألني يهودي من أهل الحيرة أيَّ الأجلين قضى موسى؟ قلت لا أدري، حتى أقدم على حبرِ العرب فأسأله، فقدمتُ فسألتُ ابن عباس فقال: قضى أكثرهما وأطيبهما، إن رسول الله إذا قال فعل. 2783 - * روى أبو يعلي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سألتُ جبريل أيَّ الأجلين قضى موسى قال أكملهما وأتمهما". 2784 - * روى الطبراني في الصغير والأوسط عن أبي ذرٍّ رفعه: إذا سُئلت أي المرأتين تزوج - أي موسى عليه السلام-؟ فقل: الصغرى منهما، وهي التي جاءت فقالت: {يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ} قال: ما الذي رأيت من قوته؟ قالت: أخذ حجراً ثقيلاً فألقاه على البئر، قال: وما الذي رأيت من أمانته، قالت: قال: امشِ خلفي ولا تمش أمامي. 2785 - * روى الطبراني عن رفاعة القُرظي، نزلت هذه الآية في عشرة رهطٍ أنا أحدهم {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (1). أقول: صاحب الرواية قُرظي يهودي الأصل وقد أسلم، والآيات تتحدث عن موقف أهل الكتاب المنصفين من القرآن، وكيف أنهم يؤمنون به حتى عرفوه والآيات التي تأتي بعد هذه الآية هي: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ} (2).

_ 2782 - البخاري (5/ 289، 290) 52 - كتاب الشهادات، 28 - باب من أمر بإنجاز الوعد، وفعلهُ الحسن. 2783 - أبو يعلي (4/ 297). مجمع الزوائد (7/ 87) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلي ورجاله رجال الصحيح، غير الحاكم بن أبان، وهو ثقة. 2784 - الروض الداني (2/ 79). مجمع الزوائد (7/ 88) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الصغير والأوسط، وإسناده حسن. 2785 - الطبراني (المعجم الكبير) (5/ 53). مجمع الزوائد (7/ 88) وقال الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين، أحدهما متصل، ورجاله ثقات، وهو هذا، والآخر منقطع الإسناد، وهو الحديث بعده. (1) القصص: 51. (2) القصص: 52 - 54.

2786 - * روى مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه): {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} (1). نزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم: حيث يُراودُ عمهُ أبا طالب على الإسلام. 2787 - * روى البخاري عن ابن عباس (رضي الله عنهما) في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} (2) قال: إلى مكة. أقول: هذه الآية من معجزات القرآن لأنها تبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعودة إلى مكة بعد خروجه منها، وقد كانت الهجرة ثم كانت العودة المظفرة بالفتح ومن قبل ذلك عمرة الحديبية.

_ 2786 - مسلم (1/ 54، 55) 1 - كتاب الإيمان، 9 - باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت ... إلخ. الترمذي (5/ 341) 48 - كتاب تفسير القرآن، 29 - باب "ومن سورة القصص". (يُراودُ) المراودةُ: المراجعة في طلب الحاجة والغرض. (1) القصص: 56. 2787 - البخاري (8/ 509) 65 - كتاب التفسير، 2 - باب (إن الذي فرض عليك القرآن ...). (2) القصص: 85.

سورة العنكبوت

سورة العنكبوت 2788 - * روى الترمذي عن أم هانئ رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} (1) قال: "كانوا يحذفون أهل الأرض، ويسخرون منهم". قال ابن كثير: قوله: {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} أي: يفعلون - يعني قوم لوط - مالا يليق من الأقوال والأفعال في مجالسهم التي يجتمعون فيها، لا ينكر بعضهم على بعض شيئاً من ذلك، فمن قائل: كانوا يأتون بعضهم بعضاً في الملأ، قاله مجاهد، ومن قائل: كانوا يتضارطون ويتضاحكون، قالته عائشة رضي الله عنها والقاسم، ومن قائل: كانوا يناطحون بين الكباش ويناقرون بين الديوك، وكل ذلك كان يصدر عنهم، وكانوا شراً من ذلك، وقال ابن جرير الطبري: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: وتحذفون في مجالسكم المارة بكم، وتسخرون منهم، لما ذكر من الرواية بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. 2789 - * روى أحمد عن أبي هريرة في قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (2) قال جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن فلاناً يصلي بالليل فإذا أصبح سرق. فقال: "سينهاهُ ما تقول" .. كثيرٌ من المسلمين ينكرون أن يصلي الإنسان وهو يفعلُ الفواحش من شربٍ للخمر وزنا وتعامل بالربا إلخ .. فلو كان إنكارهم للمعاصي لكان حسناً وأما إنكارهم للصلاة وهم على معصية فهذا يخالف الإسلام وهو جهلٌ بالدين فهذا رجلٌ يقوم من الليل نفلاً ويسرقُ فلا يشتمه النبي صلى الله عليه وسلم وإنما يقول: سينهاه (ما تقول) أي صلاته، هذا العاصي لو لم يقلع عن المعصية وترك الصلاة وسمع نصيحة هؤلاء لكان أخطأ خطأ جسيماً*. المراجع.

_ 2788 - الترمذي (5/ 342) 48 - كتاب تفسير القرآن، 30 - باب "ومن سورة العنكبوت". المستدرك (2/ 409) وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. (الخذف): رمي الحصاة من طرف الأصبعين. (1) العنكبوت: 29. 2789 - أحمد (2/ 447). مجمع الزوائد (7/ 89) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. (2) العنكبوت: 45. ... (*) المراجع.

سورة الروم

سورة الروم 2790 - * روى الترمذي عن نيارِ بن مُكرمٍ الأسلمي (رضي الله عنه). قال: لما نزلت: {الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ} فكانت فارسُ يوم نزلت هذه الآية قاهرين للروم، وكان المسلمون يُحبُّون ظهور الروم عليهم، لأنهم وإياهم أهل كتاب، وفي ذلك قول الله: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} (1) وكانت قريش تُحبُّ ظهور فارس، لأنهم وإياهم ليسوا بأهل كتابٍ ولا إيمانٍ ببعثٍ، فلما أنزل الله هذه الآية، خرج أبو بكر الصديق يصبح في نواحي مكة: {الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ} قال ناسٌ من قريشٍ لأبي بكرٍ: فذلك بيننا وبينك، زعم صاحبُك أن الروم ستغلبُ فارس في بضع سنين، أفلا نُراهنُك على ذلك؟ قال: بلى، - وذلك قبل تحريم الرهان - فارتهن أبو بكرٍ والمشركون، وتواضعوا الرهان، وقالوا لأبي بكرٍ: كم تجعل البضع: ثلاث سنين إلى تسع سنين، فسم بيننا وبينك وسطاً ننتهي إليه، قال: فسموا بينهم ست سنين، قال: فمضت الستُّ سنين قبل أن يظهروا، فأخذ المشركون رهن أبي بكرٍ، فلما دخلت السنةُ السابعةُ، ظهرت الرومُ على فارس، فعاب المسلمون على أبي بكرٍ تسميةَ ست سنين، قال: لأن الله قال: {فِي بِضْعِ سِنِينَ} قال: وأسلم عند ذلك ناسٌ كثير. 2791 - * روى الترمذي عن ابن عباس (رضي الله عنهما) في قوله تعالى: {غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ} قال: غُلبتْ وغلبت، قال: كان المشركون يُحبُّون أن يظهر أهل فارس على الروم لأنهم وإياهم أهل الأوثان، وكان المسلمون يحبون أن يظهر الروم على فارس لأنهم أهل كتابٍ، فذكروه لأبي بكرٍ، فذكره أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "أما إنهم سيغلبون" فذكره أبو بكرٍ لهم، فقالوا: اجعل بيننا وبينك أجلاً،

_ 2790 - الترمذي (5/ 344، 345) 48 - كتاب تفسير القرآن، 31 - باب "ومن سورة الروم" وقال الترمذي: حديث حسن. (1) الروم: 4، 5. 2791 - الترمذي (5/ 343، 344) 48 - كتاب تفسير القرآن، 31 - باب "ومن سورة الروم" وقال الترمذي: حديث حسن.

فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا، وإن ظهرتُم كان لكم كذا وكذا، فجعل أجل خمس سنين، فلم يظهروا، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "ألا جعلتهُ إلى دون العشر؟ "- قال سعيد بن جبيرٍ: والبِضْعُ، ما دون العشرِ - قال: ثم ظهرت الرومُ بعد، فذلك قوله: {الم غُلِبَتِ الرُّومُ - إلى قوله- وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ} قال سفيان: سمعتُ أنهم ظهروا عليهم يوم بدرٍ.

سورة لقمان

سورة لقمان 2792 - * روى البخاري عن ابن عمر (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مفاتيحُ الغيب خمس، ثم قرأ: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (1). وفي أخرى (2) له: "مفاتيح الغيب خمسٌ لا يعلمها إلا الله: لا يعلم أحدٌ ما يكون في غدٍ إلا الله، ولا يعلم أحدٌ ما يكون في الأرحام، ولا تعلم نفسٌ ماذا تكسب غداً؟ ولا تدري نفس بأي أرضٍ تموتُ؟ وما يدري أحدٌ متى يجيء المطرُ؟ ". وفي رواية (3) أخرى: "مفاتيح الغيب خمسٌ لا يعلمها إلا الله: لا يعلمُ ما تغيضُ الأرحامُ إلا الله، ولا يعلمُ ما في غدٍ إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحدٌ إلا الله، ولا تدري نفسٌ بأي أرضٍ تموت إلا الله، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله". أقول: إن التعرف على ما في الأرحام ليس هو المنفي بإطلاق بدليل أن الملك الموكل بالرحم يعرفُ ذلك في مرحلةٍ ما، ولكن العلم المحيط الشامل خاصٌ بالله عز وجل، وقد علق أخونا الشيخ عبد الحميد الأحدب على نقطتين في النص بما يلي: قد يُعترض على هذا بأن الأطباء اليوم يعرفون عن طريق التصوير ما في بطن المرأة قُبيل ولادتها على وجه اليقين أذكراً كان أم أنثى، أواحدٌ أم توأمان، فالجواب أنه لا يعلم أحدٌ ما في بطن المرأة مؤمن أم كافر شقي أم سعيد، غني أم فقير. أما الله تعالى فيعلم رزقه وأجله وعمله وشي أم سعيد كما ورد في الحديث الصحيح. وقد تصور فريق من العلماء المسلمين منذ حينٍ أن

_ 2792 - البخاري (8/ 513) 65 - كتاب التفسير، 2 - باب (إن الله عنده علم الساعة). (1) لقمان: 34. (2) البخاري (2/ 524) 15 - كتاب الاستسقاء، 29 - باب لا يدري متى يجيء المطر ... إلخ. (3) البخاري (8/ 375) 65 - كتاب التفسير، 1 - باب (الله يعلم ما تحمل كل أنثى ...) إلخ. (تغيض): تنقص.

الأطباء لا يمكنهم معرفة جنس المولود أذكراً أم أنثى قبل الولادة، ولكن ثبت الآن أن تصورهم كان خطأ. والله أعلم. وقد يُعترض على هذا أن علماء الأرصاد يعلمون متى يجيء المطرُ، فالجواب: أنهم لا يعلمون على وجه القطع بل على غلبة الظن وهم يقولون كلامنا يصدق نحو 90% فاسمحوا لنا بخطأ 10% ثم إنهم لا يعلمون إلا قبل مدة يسيرة وأي إنسان حتى في القديم يتوقع المطر إن رأى عارضاً أو غيماً أسود مقبلاً، وكل ما في الأمر أنه بسبب التقدم العلمي والآلات ارتفعت نسبة صدق التوقع عن ذي قبل، أما علم الله تعالى فعلى جهة القطع- اهـ. أقول: وهناك أوجه أخرى تحمل عليها هاتان النقطتان من مثل: أن أحداً ما لا يستطيع معرفة ما تنقص الأرحام في العالم كله أو ما ينقص كل رحم على حدة بالنسبة للكمال في حق الطفل ومن مثل أن أحداً ما لا يعرف بالدقة كمية المطر النازل في العالم كله وكمية ما ينزل في كل أرض وتحديد مكان النزول بالدقة المتناهية أما الله عز وجل فإنه يعلم الكلي والجزئي والإجمالي والتفصيلي، فهناك إذن قضايا غيبية لا يمكن للبشر أن يتعرفوا عليها فيما ذكرته النصوص. 2793 - * روى أحمد عن بُريدة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خمس لا يعلمهن إلا الله: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (1).

_ 2793 - أحمد (5/ 353). كشف الأستار (3/ 65) سروة لقمان. مجمع الزوائد (7/ 89) وقال الهيثمي: رواه أحمد والبزار ورجال أحمد رجال الصحيح.

سورة السجدة

سورة السجدة 2794 - * روى الترمذي عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) في قوله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} (1) نزلت في انتظار الصلاة التي تُدعى العتمة. وفي رواية (2) أبي داود بإسناد قوي قال: كانوا يتنفلُون ما بين المغرب والعشاء ويُصلون وكان الحسن يقول: "قيامُ الليل". 2795 - * روى عن أبي بن كعبٍ (رضي الله عنه) في قوله تعالى: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ} (3) قال: مصائبُ الدنيا، والرُّوم والبطشةُ أو الدخان. شك شعبةُ في البطشة أو الدُّخان. أقول: هذه نماذج على العذاب الأدنى الذي يكون قبل عذاب الآخرة في حق الكافرين والظالمين فالمصائب والقتال وبعض علامات الساعة كل ذلك من أنواع العذاب الذي يعذب به الكافرون في الدنيا قبل الآخرة بسبب كفرهم، والوعيد ينجر على عصاة هذه الأمة لأن من عصى وإن كان مؤمناً فقد شارك الكافرين بجزءٍ من كفرهم الذي يناقض الشكر على أننا لا نكفر مؤمناً بمعصيةٍ لا تنقض الشهادتين.

_ 2794 - الترمذي (5/ 346) 48 - كتاب تفسير القرآن، 33 - باب "ومن سورة السجدة". وقال: هذا حديث حسن صحيح، وقال محقق الجامع: إسناده جيد. (1) السجدة: 16. (2) أبو داود (2/ 35) كتاب الصلاة، 23= باب وقت قيام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل. (العتمة): صلاة العشاء. 2795 - مسلم (4/ 2158) 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، 7 - باب الدخان. (3) السجدة: 21.

سورة الأحزاب

سورة الأحزاب 2796 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) قال: إن زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمدٍ، حتى نزل القرآن: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} (1). قال النووي: قال العلماء: كان النبي صلى الله عليه وسلم قد تبنى زيداً ودعاه ابنه، وكانت العرب تفعل ذلك: يتبنى الرجل مولاه أو غيره فيكون ابناً له يورثه وينتسب إليه، حتى نزلت الآية، فرجع كل إنسان إلى نسبه، إلا من لم يكن له نسب معروف فيضاف إلى مواليه، كما قال تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ}. 2797 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مؤمنٍ، إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة، اقرؤوا إن شئتم: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} (2) فأيُّما مؤمنٍ ترك مالاً فليرثه عصبته من كانوا، فإن ترك ديناً أو ضياعاً، فليأتني فأنا مولاه". 2798 - * روى الطبراني عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ} (3) قال أخذ الله ميثاق النبيين على قومهم.

_ 2796 - البخاري (8/ 517) 65 - كتاب التفسير، 3 - باب (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله). مسلم (4/ 1884) 44 - كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد رضي الله عنهما. الترمذي (5/ 353) 48 - كتاب تفسير القرآن، 34 - باب "ومن سورة الأحزاب" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (أقسط) الرجل: إذا عدل، وقسط: إذا جار، وأقسط: أي أعدلُ. (1) الأحزاب: 5. 2797 - البخاري (8/ 517) 65 - كتاب التفسير، 1 - باب 4781. مسلم (3/ 1237، 1238) 23 - كتاب الفرائض، 4 - باب من ترك مالاً فلورثته. (عصبة) الميت: من يرثه، سوى من له فرضٌ مقدرٌ. (ضياعاً) الضياع: العيالُ، وقيل: هو مصدر ضاع يضيع. 2798 - الطبراني (المعجم الكبير) (12/ 22). مجمع الزوائد (7/ 91) وقال الهيثمي: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح. (2) الأحزاب: 6. (3) الأحزاب: 7.

2799 - * روى البخاري عن عائشة (رضي الله عنها) في قوله تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} (1) قالت: كان ذلك يوم الخندق. 2800 - * روى البخاري عن أنس بن مالكٍ (رضي الله عنه) قال: نرى هذه الآية نزلت في عمي أنس بن النضر: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} (2). تتمة الآية: {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}. قتل أنس بن النضر يوم أحد شهيداً، ووجد في جسده بضع وثمانون ما بين ضربة بسيف ورمية بسهم وطعنة برمح، حتى قالت أخته الرُّبيعُ بنت النضر: ما عرفت أخي إلا ببنانه. (م). 2801 - * روى الترمذي عن أم عمارة الأنصارية (رضي الله عنها) قالت: أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت، ما أرى كل شيءٍ إلا للرجال، وما أرى النساء يذكرن بشيء فنزلت: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (3). 2802 - * روى الطبراني عن قتادة قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم زينب وهي بنتُ عمته وهو يريدها لزيد فظنت أنه يريدها لنفسه فلما علمت أنه يريدها لزيد أبت فأنزل الله تعالى:

_ 2799 - البخاري (7/ 399) 64 - كتاب المغازي، 29 - باب غزوة الخندق، وهي الأحزاب. (زاغت الأبصار): مالت عن مكانها، وذلك كما يعرضُ للإنسان عند الخوف. (الحناجر): جمع الحنجرة، وهي الحلقوم. (1) الأحزاب: 10. 2800 - البخاري (8/ 518) 65 - كتاب التفسير، 3 - باب (فمنهم من قضى نحبه ...). (2) الأحزاب: 23. 2801 - الترمذي (5/ 354) 48 - كتاب تفسير القرآن، 34 - باب "ومن سورة الأحزاب" وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. (3) الأحزاب: 35. 2802 - مجمع الزوائد (7/ 91، 92) وقال الهيثمي: رواه الطبراني بأسانيد، ورجال بعضها رجال الصحيح.

{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (1) فرضيت وسلمت. 2803 - * روى الترمذي عن عائشة قالت: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً من الوحي، لكتم هذه الآية: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ}. تتمة الآية: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} (2). أقول: من الظواهر البارزة في القرآن أن هناك كثيراً من الآيات تخاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاب المؤدب أو المعاتب أو المحاسب، فتجد أن هناك ذاتاً علياً تخاطب ذاتاً مكلفة بالعبودية وهذه إحدى الظواهر التي تدل على أن القرآن من عند الله تعالى. 2804 - * روى البخاري عن أنس بن مالكٍ (رضي الله عنه) قال: جاء زيدُ بن حارثة يشكُو، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اتق الله، وأمسِكْ عليك زوجك"، قال أنسٌ: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً من الوحي لكتم هذه الآية، قال: وكانت تفخرُ على أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، تقول: زوَّجكن أهاليكن، وزوجني الله من فوق سبع سمواتٍ. وفي رواية (3) قال: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} نزلت في شأن زينب بنت جحشٍ وزيدِ بن حارثةَ. وفي رواية الترمذي (4) قال: لما نزلت هذه الآية: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} في شأن زينب بنت جحش، جاء زيدٌ يشكو، فهمَّ بطلاقها، فاستأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أمسِكْ عليك زوجك، واتق الله".

_ (1) الأحزاب: 36. 2803 - الترمذي (5/ 35) 48 - كتاب تفسير القرآن، 34 - باب "ومن سورة الأحزاب" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (2) الأحزاب: 37. 2804 - البخاري (13/ 403، 404) 97 - كتاب التوحيد، 22 - باب (وكان عرشه على الماء ...). (3) البخاري (8/ 523) 65 - كتاب التفسير، 6 - باب (وتخفي في نفسك ما الله مبديه). (4) الترمذي (5/ 354) 48 - كتاب تفسير القرآن، باب "ومن سورة الأحزاب" وقال الترمذي هذا حديث صحيح.

وفي أخرى (1) له قال: لما نزلت هذه الآية في زينب بنت جحش: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} قال: فكانت تفخرُ على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: زوجَكُنَّ أهلوكن، وزوجني الله من فوق سبع سمواتٍ. وفي رواية النسائي (2) قال: كانت زينبُ تفخر على نساء النبي صلى الله عليه وسلم، تقول: أنكحني من السماء، وفيها نزلت آية الحجاب. قال الحافظ في الفتح: وقد أخرج ابن أبي حاتم هذه القصة من طريق السدي فساقها سياقاً واضحاً حسناً، ولفظه: بلغنا أن هذه الآية نزلت في زينب بنت جحش، وكانت أمها أمية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يزوجها زيد بن حارثة، فكرهت ذلك، ثم إنها رضيت بما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها إياه، ثم أعلم الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بعدُ أنها من أزواجه فكان يستحي أن يأمر بطلاقها، وكان لا يزال يكون بين زيد وزينب ما يكون من الناس، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمسك عليه زوجه وأن يتقي الله، وكان يخشى الناس أن يعيبوا عليه ويقولوا: تزوج امرأة ابنه، وكان قد تبنى زيداً، وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: جاء زيد بن حارثة فقال: يا رسول الله إن زينب اشتد علي لسانها، وأنا أريد أن أطلقها، فقال له: اتق الله وأمسك عليك زوجك، قال: والنبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يطلقها ويخشى قالة الناس. قال الحافظ: ووردت آثار أخرى أخرجها ابن أبي حاتم والطبري ونقلها كثير من المفسرين لا ينبغي التشاغل بها، والذي أوردته هو المعتمد. والحاصل أن الذي كان يخفيه النبي صلى الله عليه وسلم هو إخبار الله إياه أنها ستصير زوجته، والذي كان يحمله على إخفاء ذلك خشية قول الناس: تزوج امرأة ابنه، وأراد الله إبطال ما كان أهل الجاهلية عليه من أحكام التبني بأمر لا أبلغ في الإبطال منه، وهو تزوج امرأة الذي يدعي ابناً ووقوع ذلك من إمام المسلمين ليكون أدعى لقبولهم.

_ (1) الترمذي (5/ 354) نفس الموضع السابق. (2) النسائي (6/ 79، 80) 26 - كتاب النكاح، 26 - باب صلاة المرأة إذا خُطبت واستخارتها ربها.

2805 - * روى الطبراني عن عليِّ بن الحسين في قوله تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} أن أمَّ شَرِيكٍ الأزدية التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم. أقول: إن أم شريك وهبت نفسها للرسول صلى الله عليه وسلم، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد نكاحها، فلم يحصل النكاح لأن الله عز وجل ترك الخيار لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يقبل زواج من تهب نفسها إليه أو يرفض، قال تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} لأن الزواج بلا مهر كان خصوصية للرسول صلى الله عليه وسلم. 2806 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) أنهُ كان ابن عشرِ سنين مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم [أي إلى المدينة مهاجراً]، قال: وكُنَّ أمَّهاتي يُواظبنني على خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخدمتُهُ عشر سنين، وتُوفي النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشرين سنةً، وكنت أعلم الناس بشأن الحجاب حين أُنزل، وكان أول ما نزل في مُبتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش: أصبح النبي صلى الله عليه وسلم عروساً بها. فدعا القوم فأصابوا الطعام، ثم خرجوا وبقي رهطٌ منهم عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأطالوا المكث، فقام النبي، فخرج وخرجتُ معه لكي يخرجوا، فمشى النبي صلى الله عليه وسلم ومشيتُ، حتى جاء عتبة حُجرةِ عائشة، ثم ظن أنهم خرجوا، فرجع ورجعتُ معه، حتى إذا دخل على زينب فإذا هم جلوس لم يقوموا، فرجع النبي صلى الله عليه وسلم ورجعتُ معه، حتى إذا بلغ عتبة حجرة عائشة ظنَّ أنهم خرجوا، فرجع ورجعتُ معه، فإذا هم قد خرجوا، فضرب النبيُّ صلى الله عليه وسلم بيني وبينه بالستْرِ، وأنزِلَ الحجابُ. زاد في رواية (1): أنا أعلمُ الناس بالحجاب، وكان أُبيُّ بن كعب يسألني عنه.

_ 2805 - مجمع الزوائد (7/ 92) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. 2806 - البخاري (9/ 230) 67 - كتاب النكاح، 67 - باب الوليمة حق. مسلم (2/ 1050) 16 - كتاب النكاح، 15 - باب زواج زينب بنت جحش ونزول الحجاب .... إلخ. (1) البخاري (9/ 585) 70 - كتاب الأطعمة، 59 - باب قول الله تعالى (فإذا طعمتم فانتشروا ...). (مبتنى) الابتناء بالمرأة: الدخول بها، وكذلك البناء، والأصل فيه: أن الرجل كان إذا تزوج امرأة، بنى عليها قُبة ليدخل بها فيها. قال الجوهري: ولا يقال: بنى بأهله، إنما يقال: بنى على أهله. (عروساً) العروسُ: يُطلق على الرجل وعلى المرأة أيام دخول أحدهما بالآخر. (رهط) الرهط: ما بين الثلاث إلى التسع من الرجال.

وللبخاري (1) من رواية الجعْد عن أنسٍ، قال: مر بنا أنسٌ في مسجد بني رفاعة، فسمعته يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مرَّ بجنباتِ أم سُليم دخل [عليها] فسلَّم عليها، ثم قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم عروساً بزينب، فقالت لي أمُّ سُليم: لو أهدينا رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية؟ فقلت لها: افعلي، فعمدتْ إلى تمرٍ وسمنٍ وأقطٍ، فاتخذتْ حيسةً في بُرمةٍ، فأرسلت بها معي إليه، فانطلقتُ بها إليه، فقال [لي]: ضعها، ثم أمرني، فقال: "ادعُ لي رجالاً سماهم، وادعُ لي من لقيت"، قال: ففعلتُ الذي مرني، فرجعتُ، فإذا البيت غاصٌّ بأهله، ورأيت النبي صلى الله عليه وسلم وضع يدهُ على تلك الحيسةِ، وتكلم بما شاء الله، ثم جعل يدعو عشرة عشرةً، يأكلون منه، ويقول لهم: "اذكروا اسم الله، وليأكل كل رجل مما يليه"، حتى تصدعُوا كلهم، فخرج من خرج، وبقي نفرٌ يتحدثون، ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم نحو الحُجراتِ، وخرجتُ في إثره، فقلت: إنهم قد ذهبوا، فرجع فدخل البيت وأرخى الستر، وإني لفي الحجرة، وهو يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} (2). وقال الجعد: قال أنسٌ: إنه خدم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين. ولمسلم (3) من رواية الجعدِ أيضاً قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل بأهله، قال: فصنعت أمي أمُّ سُليم حيساً، فجعلته في تورٍ، فقالت: يا أنس، اذهبْ بهذا إلى رسول الله صلى الله لعيه وسلم، فقل: بعثتْ بهذا إليك أمي، وهي تُقرئك السلام وتقول: إن هذا لك منا قليلٌ، فقال: "ضعْهُ"، ثم قال: "اذهب فادعُ لي فلاناً وفلاناً وفلاناً ومن لقيت"،

_ (1) البخاري (9/ 226، 227) 67 - كتاب النكاح، 64 - باب الهدية للعروس. (2) الأحزاب: 53. (3) مسلم: نفس الموضع السابق ص 1051، 1052. (بجنبات) جنباتُ البيت: نواحيه. (أقط) الأقط: لبن مجففٌ يابس صلبٌ. (حيسة) الحيسة: خليط من تمرٍ وسمنٍ وأقطٍ. (بُرمة) القدر. (تور): إناء من نحاس.

قال: فدعوتُ من سمى ومن لقيتُ، قال: قلتُ لأنسٍ: عدد كمْ كانوا؟ قال: زُهاء ثلاثمائة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أنسُ، هات التوْرَ"، قال: فدخلوا حتى امتلأت الصُّفة والحُجرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليتحلقْ عشرةٌ عشرة، وليأكلْ كلُّ إنسان مما يليه"، قال: فأكلوا حتى شبعوا، قال: فخرجت طائفة، ودخلت طائفة، حتى أكلوا كلهم، فقال لي: "يا أنس، ارفع"، فرفعتُ، فما أدري حين وضعتُ كان أكثر، أم حين رفعتُ؟ قال: وجلس طوائفُ منهم يتحدثون في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ، وزوجته موليةٌ وجهها إلى الحائط، فثقُلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم على نسائه ثم رجع، فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجع، ظنوا أنهم قد ثقلوا [عليه]، قال: فابتدروا الباب، فخرجوا كلهم، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أرخى الستر، ودخل وأنا جالسٌ في الحجرة، فلم يلبثْ إلا يسيراً، حتى خرج عليَّ، وأنزلت هذه الآية، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأهن على الناس: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} إلى آخر الآية، قال الجعد: قال أنسٌ: أنا أحدثُ الناس عهداً بهذه الآيات، وحُجبن نساء النبي صلى الله عليه وسلم. وفي أخرى (1) للبخاري قال: بنى النبي صلى الله عليه وسلم بزينب، فأوْلَم بخبزٍ ولحمٍ، فأُرسلْتُ على الطعام داعياً، فيجيء قومٌ فيأكلون ويخرجون، ثم يجيء قومٌ فيأكلون ويخرجون، فدعوت حتى ما أجد أحداً أدعو، فقلت: يا نبي الله، ما أجد أحداً أدعو، قال: "ارفعوا طعامكم" وبقي ثلاثة رهطٍ يتحدثون في البيت، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فانطلق إلى حجرة عائشة، فقال: "السلام عليكم أهل البيت ورحمةُ الله وقالت: وعليك السلام ورحمة الله، كيف وجدت أهلك؟ بارك الله لك، فتقرَّى حُجر نسائه كلهنَّ، يقول لهن كما يقول

_ (1) البخاري (8/ 527، 528) 65 - كتاب التفسير، 8 - باب (لا تدخلوا بيوت النبي ..). (زُهاء) يقال: القوم زهاء مائةٍ، أي: قدر مائة. (تصدعوا) أي: تفرقوا. (ليتحلق) التحلق: أن يصير القوم حلقة مجتمعة. (أولم) الوليمة: طعام العرس. (فتقرى) تقرى: مثل استقرى، أي: تتبع شيئاً فشيئاً. (إناهُ) الإنا مقصور: النُّضج.

لعائشة، ويقلن له كما قالت عائشة، ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا رهطٌ ثلاثةٌ في البيت يتحدثون، وكان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الحياء؛ فخرج منطلقاً نحو حجرة عائشة، فما أدري أخبرته أو أخبر أن القوم قد خرجوا، فرجع حتى وضع رجله في أسكُفَّة الباب داخلةً، وأخرى خارجة، أرخى الستر بيني وبينه، وأُنزل الحجاب". وفي أخرى (1) له قال: أوْلم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بنى بزينب بنت جحشٍ، فأشبع الناس خبزاً ولحماً. وخرج إلى حجرِ أمهات المؤمنين، كما كان يصنعُ صبيحة بنائه، فيُسلم عليهن ويدعو لهن، ويُسلمن عليه ويدعون له، فلما رجع إلى بيته، رأى رجلين، جرى بهما الحديث، فلما رآهما رجع عن بيته، فلما رأى الرجلان أن النبي صلى الله عليه وسلم رجع عن بيته وثبا مسرعين، فما أدري أنا أخبرته بخروجهما أو أُخبر؟ فرجع حتى دخل البيت، وأرخى الستر بيني وبينه، وأُنزلت آيةُ الحجاب. 2807 - * روى الشيخان عن عائشة (رضي الله عنها) قال عروةُ: كانت خولة بنت حكيم من اللاتي وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم، فقالت عائشة: أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل، فلما نزلت: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} قلت: يا رسول الله ما أرى ربك إلا يُسارع في هواك. وفي أخرى (2)، قالت: كنت أغارُ على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر نحوه. وفي أخرى (3)، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذننا إذا كان في يوم المرأة منا، بعد أن نزلت هذه الآية: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ} فقلت لها: ما كنتِ تقولين؟ قالت: كنت أقول له: إن

_ (1) البخاري (8/ 528) نفس الموضع السابق. 2807 - البخاري (9/ 164) 67 - كتاب النكاح، 29 - باب هل للمرأة أن تهب نفسها لأحد. مسلم (2/ 1085، 1086) 17 - كتاب الرضاع، 14 - باب جواز هبتها نوبتها لضرتها. النسائي (6/ 54) 26 - كتاب النكاح، 1 - ذكر أمر الرسول صلى الله عليه وسلم في النكاح ... إلخ. (2) البخاري (8/ 524، 525) 65 - كتاب التفسير، 7 - باب (ترجي من تشاء منهن ...). (3) البخاري: نفس الموضع السابق (8/ 525).

كان ذلك إليَّ، فإني لا أريد يا رسول الله أن أوثِرَ عليك أحداً. وفي رواية (1): لم أوثِرْ على نفسي أحداً. قال النووي: هذا من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو زواج من وهبت نفسها له بلا مهر، قال الله تعالى: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} واختلف العلماء في هذه الآية، وهي قوله: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} فقيل: ناسخة لقوله تعالى {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ} ومبيحة له أن يتزوج ما شاء. وقيل: بل نسخت تلك الآية بالسنة، قال زيد بن أرقم: "تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية ميمونة، ومليكة، وصفية، وجويرية" وقالت عائشة رضي الله عنها: "ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء" وقيل: عكس هذا، وأن قوله تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ} ناسخة لقوله: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ} والأول: أصح. قال أصحابنا: الأصح: أنه صلى الله عليه وسلم ما توفي حتى أبيح له النساء مع أزواجه. (م). 2808 - * روى الترمذي عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أُحل له النساء. وللنسائي (2) أيضاً: حتى أُحِلَّ له أن يتزوج من النساء ما شاء. قال محقق الجامع: وإسناده صحيح. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وصححه ابن خزيمة وابن حبان/ والحاكم من طريق ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن عائشة، وله شاهد عند ابن أبي حاتم كما نقله عنه (ابن كثير: 6/ 512) حديث أم سلمة أنها قالت: لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء ما شاء إلا ذات محرم ...

_ (1) مسلم (2/ 1103) 18 - كتاب الطلاق، 4 - باب بيان ان تخيير امرأته لا يكون طلاقاً إلا بالنية. (ترجي): الإرجاء: التأخير. 2808 - الترمذي (5/ 356) 48 - كتاب تفسير القرآن، 34 - باب "ومن سورة الأحزاب" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. النسائي (6/ 56) 26 - كتاب النكاح، 2 - ما افترض الله عز وجل على رسوله عليه السلام وحرمه على خلقه ... إلخ. (2) النسائي (6/ 56) نفس الموضع السابق.

2809 - * روى الطبراني في الأوسط عن عائشة في قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} قالت: كنت آكل مع النبي صلى الله عليه وسلم في قعْبٍ فمرَّ عمر فدعاه فأكل فأصابت أصْبُعُه أصبعي فقال حَسِّ أو أوْهِ، لو أطاع فيكن ما رأتكن عين. فنزلت آية الحجاب. 2810 - * روى الشيخان عن عائشة (رضي الله عنها) أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كُنَّ يخْرُجن بالليل قِبَلَ المناصع - وهو صعيدٌ أفْيَحُ- وكان عمر يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: احجُبْ نساءك، فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، فخرجتْ سودةُ بنت زمعة: زوج النبي صلى الله عليه وسلم، ليلة من الليالي عشاء- وكانت امرأةً طويلةً - فناداها عمر: ألا قد عرفناك يا سودةُ، حرصاً على أن ينزل الحجاب. وفي رواية (1): كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يخرجن ليلاً إلى ليلٍ قِبَل المناصع وذكر نحوه. وفي أخرى (2) قالت: خرجت سودة بعد ما ضُرب الحجابُ لحاجتها - وكانت امرأة جسيمة تفرعُ النساء جسماً، لا تخفى على من يعرفها - فرآها عمر بن الخطاب، فقال: يا سودةُ، أما والله ما تخفين علينا، فانظري كيف تخرجين؟ قالت: فانكفأت راجعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، وإنه ليتعشى وفي يده عرقٌ، فدخلت، فقالت: يا رسول الله، إني خرجت، فقال لي عمر كذا وكذا، قالت: فأُوحي إليه، ثم رُفع عنه وإنَّ العَرْق

_ 2809 - مجمع الزوائد (7/ 93) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح غير موسى بن أبي كثير، وهو ثقة. (القعب): القدح. (حس) كلمة تقال عند الألم المفاجيء. 2810 - البخاري (1/ 248) 4 - كتاب الوضوء، 13 - باب خروج النساء إلى البراز، وأيضاً في 4795، 5237، 6240، في البخاري. مسلم (4/ 1709) 39 - كتاب السلام، 7 - باب إباحة الخروج للنساء لقضاء حاجة الإنسان. (المناصع) المواضع الخالية لقضاء الحاجة. (الصعيد) التراب أو وجه الأرض. (أفيح) أوسع. (1) مسلم: الموضع السابق. (2) مسلم ص 1710: الموضع السابق.

في يده ما وضعه، فقال: "إنه قد أُذن لكن أن تخرجن لحاجتكُنَّ"، قال هشام، يعني: البراز. قال الحافظ 8/ 531 قوله: "بعد ما ضرب الحجاب" وقد تقدم في كتاب الطهارة من طريق هشام بن عروة عن أبيه ما يخالف ظاهره رواية الزهري هذه عن عروة. قال الكرماني: فإن قلت: وقع هنا "أنه كان بعد ما ضرب الحجاب" وتقدم في الوضوء "أنه كان قبل الحجاب" فالجواب: لعله وقع مرتين. قلت: (القائل ابن حجر) بل المراد بالحجاب الأول غير الحجاب الثاني. والحاصل: أن عمر رضي الله عنه وقع في قلبه نفرة من اطلاع أجانب على الحريم النبوي، حتى صرح بقوله للنبي عليه الصلاة والسلام "احجب نساءك" وأكد ذلك، إلى أن نزلت آية الحجاب، ثم قصد بعد ذلك أن لا يبدين أشخاصهن أصلاً، ولو كن مستترات، فبالغ في ذلك، فمنع منه، وأذن لهن في الخروج لحاجتهن، دفعاً للمشقة، ورفعاً للحرج. 2811 - * روى أبو داود عن أم سلمة (رضي الله عنها) قالت: "لما نزل: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} (1) خرج نساء الأنصار كان على رؤوسهن الغربان من الأكسية". 2812 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كانت بنو إسرائيل يغتسلون عُراةً ينظر بعضهم إلى سوأة بعضٍ، وكان موسى عليه السلام يغتسل وحده، فقالوا: والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدَرُ، قال: فذهب مرةً يغتسل، فوضع ثوبه على حجرٍ، ففرَّ الحجرُ بثوبه،

_ 2811 - أبوداود (4/ 61) كتاب اللباس، باب لباس النساء، وإسناده حسن. (1) الأحزاب: 59. 2812 - البخاري (1/ 385) 5 - كتاب الغسل، 20 - باب من اغتسل عرياناً وحده في الخلوة .. إلخ. مسلم (1/ 267) 3 - كتاب الحيض، 18 - باب جواز الاغتسال عرياناً في الخلة. (سوأة) السوأة: كل ما يستحي الإنسان منه إذا انكشف. (آدر) الأدرة: نفخة في الخصية، والرجل آدر. (فجمح) جمح: إذا أسرع.

قال: فجمح موسى عليه السلام بإثره، يقول: ثوبي حَجَرُ، ثوبي حجرُ، حتى نظرت بنو إسرائيل إلى سوأة موسى. فقالوا: والله ما بموسى من بأسٍ، فقام الحجرُ حتى نُظِرَ إليه، قال: فأخذ ثوبهُ، فطفِقَ بالحجر ضرباً، قال أبو هريرة: والله إن بالحجر ندباً - ستةً أو سبعةً - من ضرب موسى بالحجرِ". وللبخاري (1) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن موسى كان رجلاً حيياً ستيراً، لا يُرى شيءٌ من جلده، استحياءً منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل، فقالوا: ما يستتر هذا الستر إلا من عيب بجلده: إما برصٍ، وإما أدْرَةٍ، وإما آفةٍ، وإن الله أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى، فخلا يوماً وحده، فوضع ثيابه على الحجر ثم اغتسل، فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإن الحجر عدا بثوه، فأخذ موسى عصاه، وطلب الحجر. وجعل يقول: ثوبي حجرُ، ثوبي حجرُ، حتى انتهى إلى ملأ بني إسرائيل، فرأوه عُرياناً أحسن ما خلق الله، وأبرأهُ مما يقولون، وقام الحجرُ؛ فأخذ بثوبه فلبسه، وطفق بالحجر ضرباً بعصاه، فوالله إن بالحجر لندباً من أثر ضربه - ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً"- فذلك قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا}. ولمسلم (2) قال: "وكان موسى رجلاً حيياً، قال: فكان لا يُرى متجرداً، قال: فقالت بنو إسرائيل: إنه آدَرُ، قال: فاغتسل عند مُوَيْهٍ، فوضع ثوبه على حجر، فانطلق الحجر يسعى، واتبعه بعصاه يضربهك ثوبي حجر، ثوبي حجر، حتى وقف على ملأٍ من بني إسرائيل"، فنزلت: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا

_ (1) البخاري (6/ 436) 60 - كتاب أحاديث الأنبياء، 28 - باب 3403. (2) مسلم (4/ 1842) 43 - كتاب الفضائل، 42 - باب من فضائل موسى صلى الله عليه وسلم. (ثوبي حجرُ): ثوبي منصوب بفعل مضمر تقديره أعطني، حجر: يعني يا حجر. (فقام الحجر): أي وقف. (فطفق بالحجر ضربا): أٌول: ضرب الحجر لأنه صدر منه فعل، من يعقل فضربه تأديباً له من شدة غضب على أنه اضطره لأن يراه الناس عرياناً. (ندباً) الندب: أثر الجُرح إذا لم يرتفع عن الجلد، فشبه به أثر الضرب في الحجر. (ملأ) الملأ: أشراف الناس إذا كانوا مجتمعين. (مُويهٍ): تصغير ماء.

تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا}. قال الحافظ: وقد روى أحمد بن منيع في مسنده، والطبري وابن أبي حاتم بإسناد قوي عن ابن عباس عن علي قال: "صعد موسى وهارون الجبل، فمات هارون، فقال بنو إسرائيل لموسى: أنت قتلته، كان ألين لنا منك، وأشد حياء، فآذوه بذلك، فأمر الله الملائكة فحملته، فمروا به على بني إسرائيل، فعلموا بموته"، قال الطبري: يحتمل أن يكون هذا هو المراد بالأذى في قوله: {لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى}، قال الحافظ: وما في الصحيح أصح من هذا، لكن لا مانع أن يكون للشيء سببان فأكثر، كما تقدم تقريره غير مرة.

سورة سبأ

سورة سبأ 2813 - * روى الترمذي عن فروة بن مُسيكٍ المرادي (رضي الله عنه) قال: أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، ألا أقاتل من أدبرَ من قومي بمن أقبل منهم؟ فأذن لي في قتالهم وأمرني، فلما خرجت من عنده، سأل عني، ما فعل الغُطيفيُّ؟ فأُخبر أني سرتُ، فأرسل في إثري فردني، فأتيته - وهو في نفرٍ من أصحابه -فقال: "ادعُ القوم، فمن أسلم منهم فاقبل منه، ومن لم يُسلم فلا تعجلْ حتى أحدث إليك"، قال: وأنزل في سبأ ما أنزل، فقال رجل: يا رسول الله، وما سبأ؟ أرضٌ، أو امرأة؟ قال: "ليس بأرضٍ ولا امرأةٍ، ولكنه رجلٌ ولد عشرة من العرب، فتيامن منهم ستةٌ، وتشاءم منهم أربعةٌ. فأما الذين تشاءموا: فلَخْمٌ، وجُذامٌ، وغسانٌ. وعاملةُ. وأما الذين تيامنوا: فالأزْدُ، والأشعريون، وحميرُ، وكندةُ، ومذحِجُ، وأنمارُ". فقال رجل: وما أنمار؟ قال: "الذين منهم خَثْعَمُ وبجيلةُ". 2814 - * روى البخاري عن أبي هريرة رفعه - في تفسير قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} (1): "إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خُضعاناً لقوله، كأنه سلسلةٌ على صفوانٍ، فإذا فُزِّع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الذي قال الحق وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترقُ السمع، ومسترقوا السمع هكذا بعضه فوق بعضٍ- ووصف سفيان بكفه فحرَّفها، وبدد بين أصابعه - فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدركه الشِهابُ قبل أن

_ 2813 - الترمذي (5/ 361) 48 - كتاب تفسير القرآن، 35 - باب "ومن سورة سبأ" وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. (فتيامن وتشاءم) تيامن، أي: قصد جهة اليمن، وتشاءم، أي: قصد جهة الشام. 2814 - البخاري (8/ 537، 538) 65 - كتاب التفسير، 1 - باب (حتى إذا فُرغ عن قلوبهم ...). الترمذي (5/ 362) 48 - كتاب تفسير القرآن، 35 - باب "ومن سورة سبأ" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (فُزع عن قلوبهم): قال ابن مسعودك زال الفزع عنها. (1) سبأ: 23.

يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه فيكذبُ معها مائة كذبةٍ، فيقال أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا كذا وكذا فيُصدقُ بتلك الكلمة التي سُمعتْ من السماء. 2815 - * روى أبو داود عن (ابن مسعودٍ) إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء صلصلةً كجر السلسلة على الصفا فيُصعقون فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل، فإذا جاءهم فُزع عن قلوبهم فيقولون يا جبريل ماذا قال ربكم؟ فيقول: الحقَّ الحقَّ (1).

_ 2815 - أبو داود (4/ 235) كتاب السنة، باب في الرد على الجهمية وهو حديث حسن.

سورة فاطر

سورة فاطر 2816 - * روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في هذه الآية: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} (1) قال: "هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة، وكلهم في الجنة". رجح الطبري في تفسيره (22/ 90) أن المقصود بقوله تعالى {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} أنهم أهل الذنوب والمعاصي التي هي دون النفاق والشرك لأن الله أتبع ذلك بقوله: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} فعمَّ بدخول الجنة جميع الأصناف الثلاثة. قال ابن كثير: ومعنى قوله بمنزلة واحدة: أي في أنهم من هذه الأمة وأنهم من أهل الجنة وإن كان بينهم فرق في المنازل في الجنة. اهـ- وكذا بيَّن الطبري أن الظالم لنفسه على التفسير السابق جائز أني دخل الجنة بعد عقوبة الله إياه على ذنوبه بالنار أو بما شاء من عقابه ثم يدخله الجنة.

_ 2816 - الترمذي (5/ 363) 48 - كتاب تفسير القرآن، 26 - باب "ومن سورة الملائكة" وقال الترمذي: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وقوَّاه ابن كثير وغيره. (1) فاطر: 32.

سورة يس

سورة يس 2817 - * روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال: كانت بنو سلمة في ناحية المدينة، فأرادوا النقْلة إلى قرب المسجد، فنزلت هذه الآية: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} (1). فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن آثاركم تُكتبُ، فلم ينتقلوا". 2818 - * روى الشيخان عن أبي ذر الغفاري (رضي الله عنه) قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، عند غروب الشمس، فقال: "يا أبا ذر، أتدري أين تذهب هذه الشمس؟ " قلت: الله ورسوله أعلم، قال: تذهب تسجد تحت العرش؛ فتستأذنُ، فيُؤذنُ لها، ويوشِكُ أن تسجد فلا يُقْبَلُ منها، وتستأذِنَ فلا يؤذن لها، فيقال لها: ارجعي من حيث جئت، فتطلعُ من مغربها، فذلك قوله عز وجل: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (2). وفي رواية (3): ثم قرأ: (ذلك مستقرٌّ لها) في قراءة عبد الله بن مسعود. وقرأها كذلك عكرمةُ، وعليُّ بن الحسين، والشيزري عن الكسائي كما في (زاد الميسر: 7/ 19) لابن الجوزي. وفي أخرى (4): فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تدرُون متى ذاكُم؟ ذاك حين لا ينفع نفساً إيمانُها، لم تكن آمنتْ منْ قبلُ، أو كسبتُ في إيمانها خيراً".

_ 2817 - الترمذي (5/ 363، 364) 48 - كتاب تفسير القرآن، 37 - باب "ومن سورة يس" وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من حديث الثوري وأبو سفيان هو طريف السعدي، وللحديث شواهد عند الطبري 22/ 100، وللحاكم 1/ 428، وللحديث أصل عند مسلم رقم 665 بغير هذا السياق. (آثاركم) الآثار: آثار أقدامهم في الأرض، أراد به: مشيهم إلى العبادة. (1) يس: 12. 2818 - البخاري (8/ 541) 65 - كتاب التفسير، 1 - باب (والشمس تجري لمستقر لها ...). مسلم (1/! 39) 1 - كتاب الإيمان، 72 - باب بيان الزمن الي لا ينفع فيه الإيمان. (2) يس: 38. (3) البخاري (13/ 404) 97 - كتاب التوحيد، 22 - باب (وكان عرشه على الماء ...). (4) مسلم (1/ 138) نفس الموضع السابق. (يوشك): الإيشاك: الإسراع.

وفي رواية (1) مختصراً، قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا}؟ قال: "مستقرُّها: تحت العرش". وفي رواية (2) الترمذي نحو ذلك. قال الحافظ في (الفتح: 6/ 299) قال ابن العربي: أنكر قوم سجودها، وهو صحيح ممكن، وتأوله قوم على ما هي عليه من التسخير الدائم، قال الحافظ: ويحتمل أن يكون المراد بالسجود، سجود من هو موكل بها من الملائكة، أو تسجد بصورة الحال، فيكون عبارة عن الزيادة في الانقياد والخضوع في ذلك. وقال ابن كثير: في معنى قوله تعالى {} قولان. أحدهما: أن المراد: مستقرها المكاني، وهو تحت العرش مما يلي الأرض من ذلك الجانب، وهي أينما كانت فهي تحت العرش هي وجميع المخلوقات، لأنه سقفها، والقول الثاني: أن المراد بمستقرها هو منتهى سيرها، وهو يوم القيامة يبطل سيرها وتسكن حركتها، وتكور، فينتهي هذا العالم إلى غايته، وهذا هو مستقرها الزماني. وقال الحافظ (8/ 542): قال الخطابي: يحتمل أن يكون المراد باستقرارها تحت العرش، أنها تستقر تحته استقراراً لا نحيط به نحن، ويحتمل أن يكون المعنى: أو علم ما سألت عنه - يعني أبا ذر - من مستقرها تحت العرش في كتاب فيه ابتداء أمور العالم ونهايتها، فينقطع دوران الشمس وتستقر عند ذلك ويبطل فعلها، وليس في سجودها كل ليلة تحت العرش ما يعيق دورانها في سيرها. أقول: إن قراءة: (وذلك مستقرَ لها) هي من باب التفسير، لأنه مخالف للرسم العثماني، والرسم العثماني: {لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا}. وقد فصّلنا في هذا الموضوع في كتابنا: الأساس في التفسير، وقد فصلنا فيه في موضوع الآية وخاصة في سورة الأنعام عند قوله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا}. (الأساس في التفسير 3/ 1796 - 1799).

_ (1) مسلم (1/ 139) نفس الموضع السابق. (2) الترمذي (5/ 364) 48 - كتاب تفسير القرآن، 37 - باب "ومن سورة يس" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

سورة ص

سورة ص 2819 - * روى الترمذي عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: مرض أبو طالب فجاءته قريش، وجاءه النبي صلى الله عليه وسلم - وعند أبي طالب مجلسُ رجلٍ - فقام أبو جهلٍ كي يمنعه من الجلوس فيه، قال: وشكوه إلى أبي طالب. فقال: يا ابن أخي، ما تريد من قومك؟ قال: "أريدُ منهم كلمةً تدينُ لهم بها العرب، وتؤدَّي إليهم العجم الجزية". قال: كلمة واحدة؟ قال: "كلمةً واحدة"، فقال: "يا عمِّ. قولوا: لا إله إلا الله". فقالوا: إلها واحداً؟ ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة. غنْ هذا إلا اختلاقٌ. قال: فنزل فيهم القرآن: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ} (1). 2820 - * روى ابن خزيمة عن ابن عباس (رضي الله عنهما) أنه كان يسجد في ص، فقيل له، فقال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}. قال: سجدها داودُ، وسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم. 2821 - * روى ابن خزيمة عن مجاهدٍ قال: قلت لابن عباس: سجدةُ ص من أين أخذتها؟ قال فتلا عليَّ: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ} حتى بلغ إلى قوله:

_ 2819 - الترمذي (5/ 365، 366) 48 - كتاب تفسير القرآن، 39 - باب "ومن سورة ص" وقال الترمذي: هذا حديث حسن. الحاكم (2/ 432) كتاب التفسير، وصححه، ووافقه الذهبي. (تدين) دان له يدين: إذا أطاعه، ودخل تحت حكه. (اختلاق) الاختلاق: الكذب. (الملة الآخرة): النصرانية. (1) ص: 1 - 7. 2820 - ابن خزيمة (1/ 277) 127 - باب ذكر العلة التي لها سجد النبي صلى الله عليه وسلم. 2821 - ابن خزيمة (1/ 277، 278) نفس الموضع السابق، وإسناده حسن.

{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}. قال: كان داود سجد فيها فلذلك سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. 2822 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود: {قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ} (1) قال: أفاعي وحياتٍ.

_ 2822 - الطبراني (المعجم الكبير) (9/ 258). مجمع الزوائد (7/ 100) وقال الهيثمي: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح. (1) ص: 61.

سورة الزمر

سورة الزُّمَر 2823 - * روى الترمذي عن عبد الله بن الزبير بن العوام (رضي الله عنهما) قال: "لما نزلت: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} (1) قال الزبير: يا رسول الله، أتكررُ علينا الخصومة بعد الذي كان بيننا في الدنيا؟ قال: نعم، فقال: إن الأمر إذاً لشديدُ". 2824 - * روى الطبراني عن ابن عمر قال: لقد عشنا بُرهةً من دهرنا ونحن نرى أن هذه الآية نزلت فينا وفي أهل الكتاب من قبلنا: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} الآية قلنا كيف نختصم ونبينا واحد وكتابنا واحد، حتى رأيت بعضنا يضرب وجوه بعضٍ بالسيف فعرفتُ أنها فينا نزلتْ. 2825 - * روى الطبراني في الوسط عن ابن عباس في قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} (2) قال تلتقي أرواح الأحياء والأموات فيتساءلون بينهم فيمسك الله أرواح الموتى ويرسلُ أرواح الأحياء إلى أجسادها. 2826 - * روى الشيخان عن ابن مسعود (رضي الله عنه) قال: جاء حبرٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، إن الله يضع السماء على إصبعٍ، والأرضين على إصبعٍ، والجبال على إصبعٍ، والشجر والأنهار على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، ثم يقول: أنا الملك، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} (3). وفي رواية (4) نحوه، وقال: والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع، ثم

_ 2823 - الترمذي (5/ 370) 48 - كتاب تفسير القرآن، 41 - باب "ومن سورة الزمر" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (1) الزمر: 31. 2824 - مجمع الزوائد (7/ 100) وقال الهيثمني: رواه الطبراني، ورجاله ثقات. 2825 - مجمع الزوائد (7/ 100) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح. (2) الزمر: 42. 2826 - البخاري (13/ 438) 97 - كتاب التوحيد، 26 - باب (إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ...). مسلم (4/ 2147) 50 - كتاب صفات المنافين وأحكامهم، كتاب صفة القيامة والجنة والنار. (3) الزمر: 67. (4) مسلم (4/ 2147) نفس الموضع السابق.

يهزهُنَّ- وفيه-: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذُهُ، تعجباً وتصديقاً له، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}. وفي رواية (1) الترمذي، فقال: يا محمدُ، إن الله يُمسكُ السموات على إصبعٍ والجبال على إصبع، والأرضين على إصبع، والخلائق على إصبع، ثم يقول: أنا الملكُ. قال: فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، حتى بدت نواجذُه، قال: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}. قال القرطبي في "المفهم": وأما من زاد "تصديقاً له" فليست بشيء، فإنها من قول الراوي، وهي باطلة. وقال الحافظ في (الفتح: 13/ 336): عن الخطابي: إن قول الراوي "تصديقاً له" ظن منه وحسبان وقد جاء الحديث من عدة طرق ليس فيها هذه الزيادة، وعلى تقدير صحتها، فقد يستدل بحمرة الوجه على الخجل، وبصفرته على الوجل، ويكون الأمر بخلاف ذلك، فقد تكون الحمرة لأمر حدث في البدن كثوران الدم، والصفرة كثوران خلط من مرار وغيره، وعلى تقدير أن يكون ذلك محفوظاً، فهو محمول على تأويل قوله تعالى: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}. 2827 - * روى الترمذي عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: مر يهوديٌّ بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "يا يهوديُّ، حدثنا"، قال: كيف تقول يا أبا القاسم إذا وضع الله السموات على ذِهْ، والأرضين على ذِهْ، والماء على ذِهْ والجبال على ذِهْ، وسائر الخلائق على ذِهْ - وأشار محمد بن الصلت بخنصره أولاً، ثم تابع حتى بلغ الإبهام - فأنزل الله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}.

_ = (نواجذ) النواجذ: الأضراس التي تلي الأنياب، وهي الضواحك، وقيل هي أواخر الأسنان. (1) الترمذي (5/ 371) 48 - كتاب تفسير القرآن، 41 - باب "ومن سورة الزمر" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. 2827 - الترمذي (5/ 371) 48 - كتاب تفسير القرآن، 41 - باب "ومن سورة الزمر" وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب صحيح.

2828 - * روى مسلم عن ابن عمر (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يطوي الله عز وجل السموات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرض بشماله، ثم يقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ". وفي رواية (1) البخاري قال: "إن الله عز وجل يقبضُ يوم القيامة الأرضين، وتكون السموات بيمينه، ثم يقول: أنا الملكُ". وفي أخرى لمسلم (2) من حديث عُبيد الله بن مقسمٍ، أنه نظر إلى عبد الله بن عمر كيف يحكي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: "يأخذ الله عز وجل سماواته وأرضيه بيديه، ويقول: أنا الله - ويقبض أصابعه ويبسطها، ويقول: أنا الملك، حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيءٍ منه، حتى إني أقول: أساقطٌ هو برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ". وفي أخرى (3) نحوه- وفي آخره: "يأخذ الجبارُ عز وجل سماواته وأرضيه بيديه". وأخرج أبو داود (4) الرواية الأولى، وقال في حديثه: بيده الأخرى، ولم يقل: بشماله قال الحافظ في (الفتح: 13/ 396). قال البهيقي: تفرد بذكر الشمال فيه عمر بن حمزة، وقد رواه عن ابن عمر أيضاً نافع وعبيد الله بن مقسم بدونها، ورواه أبو هريرة وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم كذلك، وثبت عند مسلم من حديث عبد الله بن عمرو رفعه "المقسطون يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين" وكذا في حديث أبي هريرة قال: "اخترت يمين ربي وكلتا يدي ربي يمين"، ثم قال: وقال القرطبي في "المفهم": كذا جاءت هذه الرواية بإطلاق

_ 2828 - مسلم (4/ 2148) 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، كتاب صفة القيامة والجنة والنار. (1) البخاري (13/ 393) 97 - كتاب التوحيد، 19 - باب "لما خلقت بيدي ... ". (2) مسلم (4/ 2148، 2149) نفس الموضع السابق. (3) مسلم (4/ 2149) نفس الموضع السابق. (4) أبو داود (4/ 234) كتاب السنة، باب في الرد على الجهمية. (الجبارُون): جمع جبار، وهو القهار المتسلط، وقيل: العظيم الذي يفوت الأيدي فلا تناله.

لفظ الشمال على يد الله تعالى على المقابلة المتعارفة في حقنا، وفي أكثر الروايات وقع التحرز عن إطلاقها على الله، حتى قال: "وكلتا يديه يمين" لئلا يتوهم نقص في صفته سبحانه وتعالى، لأن الشمال في حقنا أضعف من اليمين. قال النووي (17/ 132): وقال القاضي عياض: وفي هذا الحديث ثلاثة ألفاظ "يقبض، ويطوي، ويأخذ" وكله بمعنى الجمع، لأن السموات مبسوطة، والأرضين مدحوة ممدودة، ثم يرجع ذلك إلى معنى الرفع والإزالة، وتبديل الأرض غير الأرض والسماوات، فعاد كله إلى معنى ضم بعضها إلى بعض، ورفعها وتبديلها بغيرها، قال: وقبض النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه وبسطها: تمثيل لقبض هذه المخلوقات، وجمعها بعد بسطها، وحكاية للمقبوض المبسوط، وهو السماوات والأرضون، لا إشارة إلى القبض والبسط الذي هو صفة للقابض والباسط سبحانه وتعالى، ولا تمثيل لصفة الله تعالى السمعية المسماة باليد التي ليست بجارحة. ثم قال: والله أعلم بمراد نبيه صلى الله عليه وسلم فيما ورد في هذه الأحاديث من مشكل، ونحن نؤمن بالله تعالى وصفاته، ولا نشبه شيئاً به، ولا نشبهه بشيء: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} وما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثبت عنه، فهو حق وصدق، فما أدركنا علمه، فبفضل الله تعالى، وما خفي علينا، آمنا به، ووكلنا علمه إليه سبحانه وتعالى، وحملنا لفظه على ما احتمل في لسان العرب الذي خوطبنا به، ولم نقطع على أحد معنييه، بعد تنزيهه سبحانه عن ظاهره الذي لا يليق به سبحانه وتعالى، وبالله التوفيق. وقوله: (يتحرك من أسفل شيء منه) أي: من أسفله إلى أعلاه، لأن بحركة الأسفل يتحرك الأعلى، ويحتمل أن تحركه بحركة النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الإشارة، ويحتمل أن يكون تحرك بنفسه هيبة لسمعه، كما حن الجذع، اهـ (شرح النووي على مسلم: 17/ 132 - 133). 2829 - * روى البخاري عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يقبِضُ الله الأرض، ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملكُ، أين مُلوكُ الأرضِ" (1).

_ 2829 - البخاري (11/ 372) 81 - كتاب الرقاق، 44 - باب يقبض الله الأرض يوم القيامة.

سورة المؤمن (غافر)

سورة المؤمن (غافر) 2830 - * روى أبو داود عن النُّعمان بن بشير (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدعاء هو العبادة". وقرأ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (1).

_ 2830 - أبو داود (2/ 76، 77) كتاب الصلاة، باب الدعاء. الترمذي (5/ 374، 375) 48 - كتاب تفسير القرآن، 42 - باب "ومن سورة المؤمن". (داخرين الداخرُ: الذليل. (1) غافر: 60.

سورة فصلت

سورة فصلت 2831 - * روى الشيخان عن ابن مسعود (رضي الله عنه) قال: اجتمع عند البيت ثلاثة نفرٍ: ثقفيان وقُرشيُّ، أو قرشيان، وثقفيُّ، كثير شحمُ بطونهم، قليل فقهُ قلوبهم، فقال أحدهم: أترون أن الله يسمع ما نقول؟ فقال الآخر: يسمع إن جهرنا، ولا يسمع إن أخفينا، وقال الآخر: إن كان يسمع إذا جهرنا، فهو يسمع إذا أخفينا، فأنزل الله عز وجل: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ} (1). وللترمذي (2) أيضاً عن عبد الله بن مسعود، قال: كنتُ مستتراً بأستارِ الكعبةِ، فجاء ثلاثةُ نفرٍ، كثيرٌ شحمُ بطونهم، قليلٌ فقه قلوبهم: قرشيٌّ وختناهُ ثقفيان، أو ثقفيٌّ وختناه قرشيان، فتكلموا بكلام لم أفهمه، فقال أحدهم: أترون أن الله يسمع كلامنا هذا، فقال الآخر: إنا إذا رفعنا أصواتنا سمع، وإذا لم نرفع أصواتنا لم يسمعه، فقال الآخر "إن سمع منه شيئاً سمعه كله، قال عبد الله: فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (3).

_ 2831 - البخاري (8/ 562) 65 - كتاب التسير، 2 - باب (وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم ...). مسلم (4/ 2141) 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم حديث رقم 5. الترمذي (5/ 375) 48 - كتاب تفسير القرآن، 43 - باب "ومن سورة حم السجدة" وقال الترمذي: هذا حخديث حسن صحيح. (1) فصلت: 22. (2) الترمذي (5/ 375، 376) نفس الموضع السابق. (الختن): قريب زوجة الرجل. ولعلهما أخوا امرأته. (3) فصلت: 22، 23.

سورة حم عسق (الشورى)

سورة حم عسق (الشورى) 2832 - * روى البخاري عن ابن عباس (رضي الله عنهما) سُئل عن قوله تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} (1) فقال سعيد بن جبير: قُربى آل محمدٍ، فقال ابن عباس: عجلت، إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطنٌ من قريش إلا كان له فيهم قرابة، فقال: إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة. وفي تفسير هذه الآية أقوال أخرى، قال ابن جبير بعد أن سردها: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، وأشبهها بظاهر التنزيل قول من قال: معناه: قل لا أسألكم عليه أجراً يا معشر قريش إلا أن تودُّوا لي في قرابتي منكم وتصلوا الرحم التي بيني وبينكم. وقال ابن كثير في تفسيرها: قل يا محمد لهؤلاء المشركين من كفار قريش: لا أسألكم على هذا البلاغ والنصح لكم مالاً تعطونيه، وإنما أطلب منكم أن تكفوا شركم عني، وتذروني أبلغ رسالات ربي، إن لم تنصروني، فلا تؤذوني بما بيني وبينكم من القرابة. (م).

_ 2832 - البخاري (8/ 564) 65 - كتاب التفسير، 1 - باب (إلا المودة في القربى 9. الترمذي (5/ 377) 48 - كتاب تفسير القرآن، 44 - باب "ومن سورة حمعسق" إلا أن الترمذي قال عوض (عجلتَ) (أعلمْتَ؟). (1) الشورى: 23.

سورة حم: الدخان

سورة حم: الدُّخان 2833 - * روى الشيخان عن مسروق بن الأجدع (رحمه الله) قال: كُنَّا جلوساً عند عبد الله بن مسعود- وهو مُضطجعٌ بيننا - فأتاه رجلٌ فقال: يا أبا عبد الرحمن، إن قاصا عند أبواب كندة يقُص، ويزعم: أن آية الدخان تجيء فتأخذ بأنفاس الكفار، ويأخذ المؤمنين منها كهيئة الزكام، فقال عبدالله وجس وهو غضبان: يا أيها الناس، اتقوا الله، من علم منكم شيئاً فليقل بما يعلمُ، ومن لا يعلم، فليقل: الله أعلم، فإنه أعلم لأحدكم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم، فإن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} (1) إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى من الناس إدباراً قال: "اللهم سبعٌ كسبعِ يوسفَ". وفي رواية (2): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا قريشاً كذبوه، واستعصوا عليه، فقال: "اللهم أعني عليهم بسبعٍ كسبعِ يوسف، فأخذتهم سنةٌ حصتْ كل شيءٍ، حتى أكلوا الجلود والميتة من الجوع، وينظرُ إلى السماء أحدهم، فيرى كهيئة الدخان، فأتاه أبو سفيان، فقال: يا محمد، إنك جئت تأمر بطاعة الله، وبصلة الرحم وإن قومك قد هلكوا، فادع الله عز وجل لهم، قال الله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} (3) قال عبد الله: أفيُكْشَفُ عذاب الآخرة؟ {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} فالبطشة: يوم بدرٍ. وفي رواية (4) قال: قال عبد الله: إنما كان هذا، لأن قريشاً لما استعصوا على النبي

_ 2833 - البخاري (8/ 511) 65 - كتاب التفسير، 30 - سورة الروم. مسلم (4/ 2155) 50 - كتاب صفات لامنافقين وأحكامهم، 7 - باب الدخان. (1) ص: 86. (2) البخاري (2/ 493) 15 - كتاب الاستسقاء، 1 - باب الاستسقاء وخروج النبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء. (3) الدخان: 10 - 16. (4) البخاري (8/ 571) 65 - كتاب التفسير، 2 - باب (يغشى الناس عذاب أليم).

صلى الله عليه وسلم، دعا عليهم بسنين كسني يوسف فأصابهم قحطٌ وجهدٌ، حتى أكلوا العظام، فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد، فأنزل الله عز وجل: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} قال: فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل: يا رسول الله، استسق الله لمُضر، فإنها قد هلكت. قال: لمُضر؟ إنك لجريء، فاستسقى لهم، فسُقوا، فنزلت: {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} فلما أصابهم الرفاهية، عادوا إلى حالهم، حين أصابتهم الرفاهية، فأنزل الله عز وجل: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} قال: يعني يوم بدر. وفي رواية (1) نحوه، وفيها: فقيل له: إن كشفنا عنهم، عادوا، فدعا ربه فكشف عنهم، فعادوا، فانتقم الله منهم يوم بدر، فذلك قوله: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ -إلى قوله- إِنَّا مُنْتَقِمُونَ}. وفي رواية (2) الترمذي مثل الرواية الأولى إلى قوله: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} قال أحد رواته: هذا كقوله: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ} فهل يكشفُ عذاب الآخرة؟ قد مضى البطشة واللزامُ والدخانُ، وقال أحدهم: القمر، وقال الآخر: الروم واللزام يوم بدرٍ. وفي أخرى (3) للبخاري ومسلم قال: قال عبد الله: خمس قد مضين: الدخانُ، واللزامُ، والرومُ، والبطشةُ، والقمرُ.

_ (بسبع كسبع) أراد بالسبع: سبع سنين اليت اكنت في زمن النبي يوسف عليه السلام المجدبة التي ذكرها الله تعالى في القرآن. (حصت) حلقت واستأصلت. (قحط) القحط: احتباس المطر. (جهده) الجهد- بفتح الجيم - المشقة. (الرفاهية) الدعة وسعة العيش. (الروم): يعني انتصار الروم على لافرس. (1) البخاري (8/ 572) باب (ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون). (2) الترمذي (5/ 379، 380) 48 - كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة الدخان. (3) البخاري (8/ 496) 65 - كتاب التفسير، 5 - باب (فسوف يكون لزاماً). مسلم (4/ 2157) 50 - كتاب صفات لامنافقين وأحكامهم، 7 - باب الدخان.

قال في الفتح: إنما قال: لمضر، لأن غالبهم كانوا بالقرب من مياه الحجاز، وكان الدعاء بالقحط على قريش وهم سكان مكة فسرى القحط إلى منْ حولهم، فحسن أن يطلب الدعاء لهم، ولعل السائل عدل عن التعبير بقريش لئلا يذكرهم، فيذكر بجرمهم، فقال "لمضر": ليندرجوا فيهم، ويشير أيضاً إلى أن المدعو عليهم قد هلكوا بجريرتهم، وقد وقع في الرواية الأخيرة "وإن قومك هلكوا" ولا منافاة بينهما، لأن مضر أيضاً قومه. اهـ. (قال: لمضر؟) أي: أتأمرني أن أستسقي الله لمضر، مع ما هم عليه من المعصية والإشراك بالله. أقول: مذهب ابن مسعود أن آية الدخان قد مرت إلا أن النصوص الصحيحة كثيرة في: أنه سيكون من أشراط الساعة الدخان، فإن كان ما ذهب إليه في تأويل الآيات من سورة الدخان صحيحاً فهذا لا ينفي أن نثبت الدخان الذي يكون بين يدي الساعة لأنه قد وردت فيه نصوص صحيحة كما رأينا في قسم العقائد، هذا وقد خالف بعض العلماء ابن مسعود في هذا التفسير وحملوا الآيات على الدخان الذي يكون بين يدي الساعة.

سورة الأحقاف

سورة الأحقاف 2834 - * روى أحمد عن عبد الله بن مسعود قال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة من آل حم يعني الأحقاف قال: وكانت السورة إذا كانت أكثر من ثلاثين آيةً سُميتْ ثلاثين. 2835 - * روى أحمد عن ابن عباس عن النبي (ص) في قوله تعالى: {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} قال: الخط. ولفظه عن رسول الهل صىل الله عليه وسلم أنه سئل عن الخط فقال هو أثارةٌ من علم، وفي رواية في الأوسط عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل: {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} قال: جودةُ الخطِ. أقول: يحتمل أن المراد بالخط هاهنا الخط الذي تظهره الحفريات، فهل في هذا الخط ما يدل على أن هناك خالقاً غير الله، أو أنه شارك الله في الخلق؟ فسياق الآية هو: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}. 2836 - * روى البخاري عن يوسف بن ماهكٍ (رحمه الله) قال: كان مروان على الحجاز استعمله معاوية، فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية، لكي يبايع له بعد أبيه، فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر: شيئاً، فقال: خذوه، فدخل بيت عائشة فلم يقدروا عليه، فقال مروان: إن هذا الذي أنزل الله فيه: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا} (1) فقالت عائشة من وراء الحجاب: ما أنزل فينا شيئاً من القرآن، إلا ما أنزل في سورة النور، من براءتي.

_ 2834 - أحمد (1/ 421). مجمع الزوائد (7/ 105) وقال الهيثمي: رواه أحمد بإسنادين ورجال أحدهما ثقات. 2835 - أحمد (1/ 226). مجمع الزوائد (7/ 105) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط، ورجال أحمد للحديث المرفوع رجال الصحيح. 2836 - البخاري (8/ 576) 65 - كتاب التفسير، 1 - باب (والذي قال لوالديه أف لكما ...). (أفٍ لكما) أفٍ: صوت إذا صوت به الإنسان عُلم أنه متضجرٌ، واللام في (لكما) لبيان، ومعناه: هذا التأفيف لكما خاصة دون غيركما، والمعنى: الكراهية، وقيل: الكلام الغليظ، وقيل: أصل الألإ، من وسخ الإصبع إذا فُتِلَ. (1) الأحقاف: 17.

تمام الآية والآية التي بعدها: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ}. قال الحافظ في الفتح: والذي في رواية الإسماعيلي: فقال عبد الرحمن: ما هي إلا هِرقلية، ولابن المنذر: أجئتم بها هرقلية تبايعون لأبنائكم، ولأبي يعلي وابن أبي حاتم من طريق إسماعيل بن أبي خالد: حدثني عبد الله المدني، قال: كنت في المسجد حين خطب مروان، فقال: إن الله قد أرى أمير المؤمنين رأياً حسناً في يزيد وأن يستخلفه، فقد استخلف أبو بكر وعمر، فقال عبد الرحمن: هرقلية، إن أبا بكر والله ما جعلها في أحد من ولد ولا في أهل بيته، وما جعلها معاوية إلا كرامة لولده. قوله: فلم يقدروا عليه: أي: امتنعوا من الدخول خلفه إعظاماً لعائشة. وفي رواية أبي يعلي "فنزل مروان عن المنبر، حتى أتى باب المسجد، حتى أتى عائشة، فجعل يكلمها وتكلمه، ثم انصرف" قاله الحافظ. قول عائشة: (إلا ما أنزل في سورة النور من براءتي): أي: الآية التي في سورة النور، في قصة أهل الإفك وبراءتها، مما رموها به رضي الله عنها. قال الحافظ: وي رواية الإسماعيلي: فقالت عائشة: كذب والله ما نزلت فيه. قال ابن كثير: ومن زعم أنها نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما، فقوله ضعيف، لأن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما أسلم بعد ذلك، وحسن إسلامه، وكان من خيار أهل زمانه اهـ. قال الزجاج في تفسير القرطبي: كيف يقال نزلت في عبد الرحمن قبل إسلامه والله عز وجل يقول: {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ} أي العذاب ومن ضرورة عدم الإيمان، وعبد الرحمن من أفاضل المؤمنين.

2837 - * روى مسلم عن علقمة: قلت لابن مسعود هل صحب النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجنِّ منكم أحدٌ؟ قالك ما صحبه منا أحدٌ، ولكنا كنا معه ذات ليلة ففقدناه فالتمسناه في الأودية والشعاب، فقلنا استطير أو اغتيل، فبتنا بشرٍّ ليلةٍ بات بها قومٌ، فلما أًبحنا إذا هو جاء من قبل حراء، فقلنا يا رسول الله: فقدناك فطلبناك فلم نجدك، فبتنا بشر ليلةٍ بات بها قومٌ، قال: "أتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن"، فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم، وسألوه الزاد، فقال: لكم كلُّ عظم ذُكِرَ اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما، وكل بعْرةٍ علفٌ لدوابكم، فقال صلى الله عليه وسلم: فلا تستنجوا بهما فإنهما طعامُ إخوانكم. وفي رواية (1): وكانوا من جن الجزيرة. 2838 - * روى البزار عن زِرِّ بن حُبيش في قوله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا} (2) قال: صهْ قال فكانوا سبعةٌ أحدهم زوبعةُ. أقول: تعدد تبليغ الرسول صلى الله عليه وسلم للجن، وفي بعض الحالات ذهب معه بعض الأصحاب، وأجلسه رسول الله صلى الله عليه سلم في مكان بحيث رآهم، وهذان النصان جاءا هنا بمناسبة ما ورد في سورة الأحقاف عن الجن، فهما يصوران إحدى حالات التبليغ للجن.

_ 2837 - مسلم (1/ 332) 4 - كتاب الصلاة، 33 - باب الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن. أبو داود (1/ 20، 21) كتاب الطهارة، باب الوضوء بالنبيذ. الترمذي (5/ 382، 383) 48 - كتاب تفسير القرآن، 47 - باب "ومن سورة الأحقاف" وقال الترمذي: هذا حخديث صحيح. (1) مسلم (1/ 332) نفس الموضع اسابق. 2838 - كشف الأستار (3/ 68) كتاب التفسير، سورة الأحقاف. مجمع الزوائد (7/ 106) وقال الهيثمي: رواه البزار، ورجاله ثقات. (صه) كلمة زجر تقال عند الإسكات، وتكون للواحد والاثنين والجمع المذكر والمؤنث بمعنى اسكت ويجوز فيها التنوين وعدمه، وهي بمعنى أنصتوا التي وردت في الآية. (2) الأحقاف: 29.

سورة الفتح

سورة الفتح 2839 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} (1) قال: الحديبية، فقال أًحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: هنيئاً مريئاً، فما لنا، فأنزل الله عز وجل، {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} (2) قال شعبة، فقدمتُ الكوفة، فحدثت بهذا كله عن قتادة، ثم رجعت فذكرت له، فقال: أما: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} فعن أنس، وأما "هنيئاً مريئاً" فعن عكرمة. مريئاً" فعن عكرمة. وأخرجه مسلم عن قتادة عن أن سقال: لما نزلت: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا} (3) مرجعهُ من الحديبية - وهم يخالطهم الحزن والكآبة وقد نحر الهدي بالحديبية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد أُنزلتْ على آيةٌ هي أحبُّ إليَّ من الدنيا جميعاً". وأخرجه الترمذي عن قتادة عن أنسٍ قال: أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا

_ 2839 - البخاري (7/ 450، 451) 64 - كتاب المغازي، 35 - باب غزوة الحديبية. مسلم (3/ 1413) 32 - كتاب الجهاد والسير، 34 - باب صلح الحديبية في الحديبية. الترمذي (5/ 386) 48 - كتاب تفسير القرآن، 49 - باب "ومن سورة الفتح". (الهدي): ما يهديه الحاج أو المعتمر إلى البيت الحرام من النعم لينحره بالحرم. (الحديبية) بالتخفيف، وكثير من المحدثين يشددونها، والصواب تخفيفها، وهي قرية متوسطة ليست بالكبيرة، سميت ببئر عند الشجرة التي بايع الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم تحتها، أو بشجرة حدباء كانت في ذلك الموضع، بينها وبين مكة مرحلة، وبينها وبين المدينة تسع مراحل، وسمي ما وقع في الحديبية [من هدنة] فتحاً، لأنه كان مقدمة الفتح وأول أسبابه. (1) الفتح: 1. (2) الفتح: 5. (3) الفتح: 1 - 5.

تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}. مرجعه من الحديبية، فقال النبي: "لقد أُنزلت على آية أحبُّ إليَّ مما على الأرض"، ثم قرأها النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: هنيئاً مريئاً، يا رسول الله، لقد بين الله لك ما يُفعل بك، فماذا يُفعل بنا؟ فنزلت عليه: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} حتى بلغ {فَوْزًا عَظِيمًا}. قوله (فعن عكرمة): قال الحافظ: أفاد هذا أن بعض الحديث عن قتادة عن أنس، وبعضه عن عكرمة، وقد أورده الإسماعيلي من طريق حجاج بن محمد عن شعبة، وجمع في الحديث بين أنس وعكرمة وساقه مساقاً واحداً. 2840 - * روى مالك عن أسلم (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في بعض أسفاره وعمر بن الخطاب يسير معه ليلاً - فسأله عمر عن شيءٍ؟ فلم يُجبه، ثم سأله؟ فلم يجبه، ثم سأله؟ فلم يجبه، فقال عمر: ثكلتك أمك عمر، نزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، كل ذلك لا يجيبك، قال عمر: فحركتُ بعيري، حتى تقدمتُ أما مالناس، وخشيت أن ينزل في قُرآنٌ، فما نشبتُ أن سمعت صارخاً يصرخ بي، فقلت: لقد خشيت أن يكون قد نزل في قرآن، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلمت عليه، فقال: "لقد أنزلت عليَّ الليلة سورة، لهي أحبُّ إليَّ مما طلعتْ عليه الشمسُ"، ثم قرأ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}. وأخرجه الترمذي (1) عن أسلم، قال: سمعتُ عمر بن الخطاب يقول: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ... الحديث. 2841 - * روى مسلم عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) أن ثمانين رجلاً من أهلِ

_ 2840 - الموطأ (1/ 203، 204) 15 - كتاب القرآن، 4 - باب ما جاء في القرآن. البخاري (7/ 452) 64 - كتاب المغازي، 35 - باب غزوة الحديبية ... إلخ. (1) الترمذي (5/ 385) 48 - كتاب تفسير القرآن، 49 - باب "ومن سورة الفتح" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، ورواه بعضهم عن مالك مرسلاً. (نزرت) فلاناً: إذا ألححت عليه في السؤال. (فما نشبتُ) أي ما لبتتُ. 2841 - مسلم (3/ 1442) 32 - كتاب الجهاد والسير، 46 - باب قوله تعالى (وهو الذي كف أيديهم عنكم). (غِرَّة) الغرة: الغفلة.

مكة، هبطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من جبل التنعيم مُسلحين - يريدون غِرَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذهم سِلماً، فاستحياهم، وأنزل الله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} (1). وفي رواية الترمذي (2)، أن ثمانين نزلُوا على رسول الله صلى الله عليه سولم وأصحابه من جبل التنعيم، عند صلاة الصبح، يُريدون أن يقتلوه، فأُخِذوا، فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ} الآية. وأخرجه أبو داود (3) بنحوه من مجموع الروايتين. 2842 - * روى الطبراين عن أبي جمعة الأنصاري جُنبُذ بن سبعٍ قال: قاتلت النبي صلى الله عليه وسلم أول النهار كافراً وقاتلت معه آخر النهار مسلماً، وكنا ثلاثة رجال وتسع نسوةٍ، وفينا نزلت: {وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ} (4). وأبو جمعة قيل في اسمه أيضاً: حبيب بن سباع.

_ (استحياهم): استبقاهم ولم يقتلهم. (1) الفتح: 24. (2) الترمذي (5/ 386) 48 - كتاب تفسير القرآن، 49 - باب "ومن سورة الفتح" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (3) أبو داود (3/ 61) كتاب الجهاد، باب في المن على الأسير بغير فداء. 2842 - الطبراني (المعجم الكبير) (2/ 290). مجمع الزوائد (9/ 398) وقال الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما ثقات. (4) الفتح: 25.

سورة الحجرات

سورة الحجرات 2843 - * روى البخاري عن عبد الله بن الزبير بن العوام (رضي الله عنهما) قال: قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: أمر القعقاع بن معبد بن زُرارة، وقال عمر: أمر الأقرع بن حابس، فقال أبو بكر: ما أردت إلا خلافي، وقال عمر: ما أردت خلافك، فتماريا، حتى ارتفعت أصواتهما، فنزل في ذلك: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (1). وفي رواية (2): قال ابن أبي مُليكة: كاد الخيران أن يهلكا أبو بكر وعمر، لما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وفدُ بني تميم، أشار أحدهما بالأقرع بن حابس الحنظلي، وأشار الآخر: بغيره، ثم ذكره نحوه، ونزول الآية، ثم قال: قال ابن الزبير: فكان عمر بعد إذا حدث بحديث حدث كأخي السرار: لم يسمعه حتى يستفهمه. وفي أخرى (3) نحوه، وفيه: قال ابن الزبير: فما كان عمر يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يستفهمه، ولم يذكر ذلك عن أبيه، يعني: أبا بكر الصديق. وأخرجه (4) الترمذي قال: إنَّ الأقرع بن حابسٍ قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: يا رسول الله، استعمله على قومه، فقال عمر، لا تستعمله يا رسول الله، فتكلما عند النبي صلى الله عليه وسلم، حتى علت أصواتهما، فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي، فقال: ما أردتُ خلافك، قال: فنزلت هذه الآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} (5) قال: فكان عمر بعد ذلك إذا تكلم عند النبي صلى الله عليه وسلم:

_ 2843 - البخاري (8/ 592) 65 - كتاب التفسير، 2 - باب (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون). (1) الحجرات: 1. (2) البخاري، الموضع السابق ص 590. (3) البخاري، نفس الموضع السابق. (4) الترمذي (5/ 387) 48 - كتاب تفسير القرآن، 50 - باب "ومن سورة الحجرات" وقال الترمذي: وقد رواه بعضهم عن ابن أبي مليكة مرسلاً، ولم يذكر ابن الزبير. (فتماريا) التماري: المجادلة والمنازعة في الكلام. (كأخي السرار) أي كلاماً كمثل المساررة بخفض صوته. (5) الحجرات: 2.

لم يسمع كلامه، حتى يستفهمه. وما ذكر ابن الزبير جده: يعني أبا بكر. قال الحافظ في الفتح 8/ 453: زاد وكيع كما يأتي في "الاعتصام" إلى قوله {عَظِيمٌ} وفي رواية ابن جريج: فنزلت {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} إلى قوله {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا} وقد استشكل ذلك، قال ابن عطية: الصحيح أن سبب نزول هذه الآية كلامُ جفاة الأعراب. قال ابن حجر: لا يعارض ذلك هذا الحديث، فإن الذي يتعلق بقصة الشيخين في تخالفهما في التأمير في أول السورة {لَا تُقَدِّمُوا} لكن لما اتصل بها قوله {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}. تمسك عمر منها بخفض صوته. وجفاة الأعراب الذين نزلت فيهم هم من بني تميم، والذي يختص بهم قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} (1). 2844 - * روى الترمذي عن البراء بن عازب (رضي الله عنه) في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ} قال: قام رجلٌ، فقال: يا رسول الله، إن حمدي زين، وذمي شين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ذاك الله عز وجل". قال محقق الجامع: 2/ 363: وهو كما قال، فإن له شاهداً يتقوى به عند أحمد. من حديث الأقرع بن حابس أنه نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: من وراء الحجرات، فقال: يا رسول الله فلم يُجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ألا إن حمدي زين، وإن ذمي شين، فقال رسول الله صلى الله عليه سولم: "ذاك الله عز وجل" وسنده حسن. أقول: ذكر هذا النص هنا بمناسبة قوله تعالى في سورة الحجرات: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}.

_ (1) الحجرات: 4. 2844 - الترمذي (5/ 387، 388) 48 - كتاب تفسير القرآن، 50 - باب "ومن سورة الحجرات". أحمد (3/ 488). (شين) الشين: الذم والعيب.

2845 - * روى أحمد عن الحارث بن أبي ضرار الخزاعي في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} (1) قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني إلى الإسلام فأقررت به ودخلت فيه ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها وقلت: يا رسول الله أرجع إلى قومي وأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة فمن استجاب لي جمعتُ زكاته، فيرسل إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولاً لإبَّانِ كذا وكذا ليتيك بما جمعتُ من الزكاة. فلما جمع الحارث الكاة ممن استجاب له وبلغ الإبَّان الذي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه احتبس الرسول فلم يأته، فظن الحارث أنه قد حدث فيه سُخطة من الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، فدعا سروات قومه فقال لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وقت وقتاً يرسلُ إليّ رسوله يقضُ ما كان عندي من الزكاة وليس من رسول الله صلى الله عليه وسلم الخُلْفُ ولا أرى حُبِسَ رسوله إلا من سُخْطَةٍ كانت، فانطلقوا فنأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عُقبة ليقبِضَ ما كان عنده مما جمع من الزكاة فلما أن سار الوليدُ حتى بلغ بعض الطريق فرِقَ فرجع فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الحارث منعني الزكاة وأراد قتلي فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم البعث إلى الحارث، فأقبل الحارث بأصحابه حتى إذا استقبل البعث وفصل من المدينة لقيهم الحارث فقالوا: هذا الحارث. فلما غشيهم قال لهم: إلى أين بُعثتم؟ قالوا: إليك. قال: ولم؟ قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعث إليك الوليد بن عقبة فزعم أنك منعته الزكا وأردت قتله. قال: لا والي بعث محمداص بالحق ما رأيته البتة ولا أتاني. فلما دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: منعت الزكاة وأردت قتل رسولي قال: لا والذي بعثك بالحق ما رأيته بتة ولا أتاني وما أقبلتُ إلا حين احتبس عليَّ رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم حسبتُ أني كون كانت سُخطة من الله عز وجل ورسوله. قال: فنزلت الحجرات {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} إلى هذا

_ 2845 - أحمد (4/ 279). الطبراني (المعجم الكبير) (3/ 274، 275). مجمع الزوائد (7/ 109) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني إلا ا، هـ قال الحارث بن سرار بدل ضرار، ورجال أحمد ثقات. (إبان) موعد. (فرق) خاف. (1) الحجرات: 6.

المكان، {فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}. 2846 - * روى الترمذي عن أبي نضرة (رحمه الله) قال: قرأ أبو سعيد الخدري: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} (1) قال: هذا نبيكم يُوحى إليه، وخيارُ أئمتكم لو أطاعهم في كثير من الأمر لعنتُوا، فكيف بكم اليوم. أي: اعلموا أن بين أظهركم رسول الله فعظموه ووقروه وتأدبوا معه، وانقادوا لأمره، فإنه أعلم بمصالحكم، وأشفق عليكم منكم، ورأيه فيكم أتم من رأيكم لأنفسكم، ثم بيَّن أن رأيهم سخيف بالنسبة إلى مراعاة مصالحهم فقال: {لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} أي لو أطاعكم في جميع ما تختارونه لأدى ذلك إلى عنتكم وحرجكم. يريد أبو سعيد بخيار الأئمة هنا: الصحابة رضي الله عنهم لو أطاعهم النبي صلى الله عليه وسلم لعنتوا، وقوله: "فكيف بكم اليوم" الخطاب فيه للتابعين، أي كيف يكون حلكم لو يُقتدى بكم ويؤخذ بآرائكم ويترك كتاب الله وسنةُ رسوله. (م). قال (2): قال الله تعالى للصحابة: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} فقال أبو سعيد الخدري: هذا القول ينطبق على التابعين من باب أولى ونقول نحن: فكيف بأهل عصرنا حيث ساد الجهلُ بالدين وأصبح الدينُ غريباً بين أهله. نعم لا يجوز لنا أبداً أن نترك الكتاب والسنة ونتَّبع أهواء الناس سواء كانوا أغلبية أم أقلية، فاحلكم في الإسلام لله عز وجل. هذا مبدأ مقرر وإننا لنجد بالاستقرار أن أكثر المسلمين اليوم بحمد الله يحبون الشريعة الإسلامية ويؤيدونها. 2847 - * روى أبو داود عن (أبي جُبيرة بن الضحاكِ) قال فينا نزلتْ هذه الآية - بني

_ 2846 - الترمذي (5/ 388، 389) 48 - كتاب تفسير القرآن، 50 - باب "ومن سورة الحجرات". (لعنتم) العتُ: الإثم والمشقة. (1) الحجرات: 7. (2) أي المراجع. 2847 - أبو داود (4/ 290، 291) كتاب الأدب، 72 - باب في الألقاب. الترمذي (5/ 388) 48 - كتاب تفسير القرآن، 50 - باب "ومن سورة الحجرات" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. ابن ماجه (2/ 1231) 33 - كتاب الأدب، 35 - باب الألقاب.

سلمة - قدم علينا النبي صلى الله عليه وسلم، وليس منا رجلٌ إلا وله اسمان أو ثلاثة، فجعل صلى الله عليه وسلم يقول: "يا فلان"، فيقولون مه يا رسول الله، إنه يغضب من هذا الاسم، فنزل: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ} (1). 2848 - * روى البخاري عن ابن عباس (رضي الله عنهما) {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ} (2) قال: الشعوبُ: القبائل الكبار العظام، والقبائل: البُطُون. قال الخطابي في "معالم السنن": الشعوب: "جمع شعب - بفتح الشين - وهي رؤوس القبائل، مثل ربيعة ومضر والأوس والخزرج، سموا شعوباً لتشعبهم واجتماعهم، كتشعب أغصان الشجر، والشعب: من الأضداد، يقال: شعب: أي جمع، وشعب: أي فرَّق، و"قبائل" وهي دون الشعوب، واحدتها قبيلة، وهي كبَكْر من ربيعة، وتميم من مضر، ودون القبائل: العمائر، واحدتها: عمارة - بفتح العين - وهم كشيبان من بكر، ودارم من تميم، ودون العمائر: البطون، واحدها: بطن، وهم كبني غالب ولؤي من قريش، ودون البطون: الأفخاذ، واحدها: فخذ، وهم كبني هاشم، وأمية من بني لؤي، ثم الفصائل والعشائر، واحدتها: فصيلة وعشيرة، وليس بعد العشيرة حي يوصف. وقيل: الشعوب: من العجم، والقبائل من العرب، والأسباط من بني إسرائيل. وقال أبو روق: الشعوب: الذين لا يعتزون إلى أحد، بل ينتسبون إلى المدائن والقرى، والقبائل: العرب الذين ينتسبون إلى آبائهم.

_ (1) الحجرات: 11. 2848 - البخاري (6/ 525) 61 - كتاب المناقب، 1 - باب قوله تعالى (يا أيها النسا إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ...). (2) الحجرات: 22.

سورة ق

سورة ق 2849 - * روى أحمد عن أبي سعيد الخدري بمناسبة قوله تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} (1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "افتخرتِ الجنة والنار، فقالت النارُ: يا رب يدخُلني الجبابرةُ والمتكبرون والملوك والأشراف. وقالت الجنة يدخلني الضعفاء والفقراء والمساكين. فيقول الله تبارك وتعالى للنار: أنت عذابي أُصيبُ بك من أشاء، وقال للجنة: أنت رحمتي وسعت كل شيء ولكل واحدةٍ منكما ملؤها، فيلقي في النار أهلها فتقول هل من مزيد قال ويلقى فيها وتقول هل من مزيد ويلقي فيها وتقول هل من مزيد حتى يأتيها الله تبارك وتعالى فيضع قدمه عليها فتقول قدني قدني. وأما الجنة فيبقى فيها ما شاء الله أن يبقى فينشئ الله لها خلقاً ما يشاءُ". 2850 - * روى البخاري عن مجاهد بن جبر (رحمه الله) قال ابن عباس: أرمهُ أن يُسبح في أدبار الصلوات كلها، يعني قوله: {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} (2). تمام الآية: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ}. سورة الذاريات 2851 - * روى أبو داود عن أنس (رضي الله عنه) في قوله تعالى {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} (3) قال: كانوا يصلون بين المغرب والعشاء.

_ 2849 - أحمد (3/ 13). مجمع الزوائد (7/ 112) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات، لأن حماد بن سلمة روى عن عطاء بن السائب قبل الاختلاط، وقريب منه في البخاري ومسلم. (قدني): يكفيني. (1) ق: 30. 2850 - البخاري (8/ 597) 65 - كتاب التفسير، 2 - باب (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس ...). (2) ق: 40. 2851 - أبو داود (2/ 35، 36) كتاب الصلاة، باب وقت قيام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل، وسكت عند المنذري. (3) الذاريات: 17.

سورة الطور

سورة الطور 2852 - * روى الشيخان عن أبي هريرة في قوله تعالى: {وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ} (1) رفعه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك. سورة النجم 2853 - * روى الشيخان عن ابن مسعود في قوله تعالى: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} وقوله {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} وقوله: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} قال فيها كُلها: رأى جبريل عليه السلام له ستمائة جناحٍ. وفي رواية (2): رأى جبريل في حُلَّةٍ من رَفْرَفٍ قد ملأ ما بين السماء والأرض. 2854 - * روى مسلم عن ابن عباس (رضي الله عنهما): {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} (3) قال: رآه بفؤاده، مرتين، وفي رواية (4) قال: رآه بقلبه، ولقد رآه نزلة أخرى. وفي رواية (5) للترمذي بإسناد حسن قال: رأى محمدٌ ربَّه، قال عكرمةُ: أليس الله

_ 2852 - البخاري (6/ 302، 303) 59 - كتاب بدء الخلق، 6 - باب ذكر الملائكة. مسلم (1/ 149، 150، 151) 1 - كتاب الإيمان، 74 - باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم ... إلخ وهو جزء من حديث طويل ورد في حديث الإسراء والمعراج. (1) الطور: 4. 2853 - البخاري (8/ 610) 65 - كتاب التفسير، باب (فكان قاب قوسين أو أدنى). مسلم (1/ 158) 1 - كتاب الإيمان، 76 - باب في ذكر سدرة المنتهى. الترمذي (5/ 394) 48 - كتاب تفسير القرآن، 54 - باب "ومن سورة النجم" وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب صحيح. (2) الترمذي (5/ 396) نفس الموضع السابق، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (رفرف) هو ما كان من الديباج وغيره، رقيقاً حسن الصنعة، ثم صار يقال للبساط والستر. 2854 - مسلم (1/ 158) 1 - كتاب الإيمان، 77 - باب معنى قول الله عز وجل (ولقد رآه نزلة أخرى ...) إلخ. (3) النجم: 11 - 14. (4) مسلم: نفس الموضع السابق. (5) الترمذي (5/ 395) 48 - كتاب تفسير القرآن، 54 - باب "ومن سورة النجم" وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.

يقول: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} (1) قال: ويحَك، ذاك إذا تجلى بنوره الذي هو نوره، وقد رأى ربه مرتين. وفي أخرى (2) له: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} قال ابن عباس: قد رآه صلى الله عليه وسلم. وله في أخرى (3): {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} قال: رآه بقلبه. هذا الخبر وما ماثله يقيد الأخبار المطلقة التي جاءت عن ابن عباس في الرؤية، فيجب حمل مطلقها على مقيدها، قال الحافظ: وأصرح من ذلك ما أخرجه ابن مردويه من طريق عطاء عن ابن عباس قال: لم يره رسول الله صلى الله عليه وسلم بعينيه إنما رآه بقلبه. (م). أقول: رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج بقلبه أو بعينيه، أو أنه لم يره أصلاً وإنما رأى جبريل، قضية خلافية منذ عصر الصحابة، وقد اختلف الترجيح فيها بين العلماء فكثير من أعلام العلماء رجحوا الرؤية البصرية كالنووي رحمه الله، وكثير منهم رجح الرؤية القلبية كالحافظ ابن حجر، وقد رأينا مذهب ابن مسعود في ذلك، وما اختلف فيه أهل السنة والجماعة فالمر فيه واسع. 2855 - * روى الترمذي عن الشعبي (رحمه الله) قال: لقيَ ابنُ عباس كعباً بعرفةَ، فسأله عن شيءٍ، فكبر، حتى جاوبتهُ الجبالُ، فقال ابن عباس: إنا بنو هاشم، فقال كعب: إن الله قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى، فكلم موسى مرتين، ورآه محمد مرتين، قال مسروق: فدخلت على عائشة رضي الله عنها، فقلت: هل رأى محمدٌ ربَّهُ؟ فقالت: لقد تكلمت بشيءٍ قفَّ له شعري، قلت: رويداً، ثم قرأت: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ

_ (1) الأنعام: 103. (2) الترمذي: نفس الموضع السابق، وقال الترمذي: هذا حديث حسن. (3) الترمذي: نفس الموضع السابق، وقال الترمذي: هذا حديث حسن. (سدرة المنتهى) السدر: شجر النبق، والمنتهى: الغاية التي ينتهي إليها. 2855 - الترمذي (5/ 394، 395) 48 - كتاب تفسير القرآن، 54 - باب "ومن سورة النجم" وقال الترمذي: وقد روى ابن أبي هند عن الشعبي عن مسروق عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا الحديث، وحديث داود أقصر من حديث مجالد ومعناه في الصحيحين.

رَبِّهِ الْكُبْرَى} (1). فقالت: أين يُذهب بك؟ إنما هو جبريلُ، من أخبرك أن محمداً رأى ربه، أو كتم شيئاً مما أُمر به، أو يعلم الخمس التي قال الله {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} (2) فقد أعظم الفِرْية، ولكنه رأى جبريل، لم يره في صورته إلا مرتين: مرة عند سدرة المنهى، ومرة في جيادٍ له ستمائة جناحٍ، قد سدَّ الأفق. تمام آية لقمان: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}. 2856 - * روى البخاري عن ابن عباس (رضي الله عنهما): {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} (3) قال: كان اللاتُ رجلاً يلتُّ سويق الحاجِّ. 2857 - * روى الشيخان عن ابن عباس في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} (4) قال: ما رأيت شيئاً أشبه باللمم مما قال أبو هريرة: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العينين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يُصدِّقُ ذلك أو يكذبه". زاد في رواية (5): "والأذنان زناهما الاستماعُ، واليدُ زناها البطشُ، والرجل زناها الخطا.

_ = (قف له شعري) إذا مسع الإنسان أمراً عظيماً هائلاً قام شعر رأسه وبدنه، فيقول: قد قف شعري للك. (الفِرية) الكذب. (جياد): ويقال أجياد: موضع معروف بأسفل مكة، من شعابها. (1) النجم: 18. (2) لقمان: 24. 2856 - البخاري (8/ 611) 65 - كتاب التفسير، 2 - باب (أفرأيتم اللات والعزى). (3) النجم: 19. 2857 - البخاري (11/ 502، 503) 82 - كتاب القدر، 9 - باب (وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون). مسلم (4/ 2046) 46 - كتاب القدر، 5 - باب قدر على ابن آدم حظه من الزنى وغيره. أبو داود (2/ 246، 247) كتاب النكاح، باب ما يؤمر به من غض البصر. (4) النجم: 32. (5) أبو داود (2/ 247) نفس الموضع السابق.

2858 - * روى الترمذي عن ابن عباس: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن تغفر اللهم تغفر جَمّا، وأيُّ عبدٍ لك لا ألَّما". 2859 - * روى البزار عن ابن عباس: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} قال اللمة من الزنا وقال ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن تغفر اللم تغفر جما ... وأيُّ عبدٍ لك لا ألمَّا" أقول: هذا البيت منسوب لبعض العرب وقد استشهد به رسول الله صلى الله عليه وسلم. 2860 - * روى الطبراني عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} قال معرضون لاهون. 2861 - * روى البزار عن ابن عباس: {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} قال الغناءُ (1).

_ 2858 - الترمذي (5/ 396، 397) 48 - كتاب تفسير القرآن، 54 - باب "ومن سورة النجم" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث زكريا بن إسحاق. 2859 - كشف الأستار (3/ 71) كتاب التفسير، سورة النجم. مجمع الزوائد (7/ 114) وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. 2860 - الطبراني (المعجم الكبير) (11/ 276). مجمع الزوائد (7/ 116) وقال الهيثمي: رواه الطبراني، ورجاله ثقات. 2861 - كشف الأستار (3/ 72) كتاب التفسير، سورة النجم. مجمع الزوائد (7/ 116) وقال الهيثمي: رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح.

سورة القمر

سورة القمر 2862 - * روى الترمذي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: جاء مشركوا قريش يخاصمون رسول الله صلى الله عليه وسلم في القدر، فنزلت: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (1). سورة الرحمن 2863 - * روى أحمد عن أبي الدرداء أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول على المنبر: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} فقلت: وإن زنى وإن سرق يا رسول الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم الثانية: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} فقلت: وإن زنى وإن سرق يا رسول الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الثالثة {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} فقلت: وإنْ زنى وإن سرق يا رسول الله؟ فقال: "نعم وإن رغِمَ أنفُ أبي الدراداء". ولفظه عن عمرو بن الأسود أنه خرج من منزله وخرج أبو الدرداء هما يريدان المسجد وعمرو خلفه وهو يقول: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} فقال عمرو وإن زنى وإن سرق؟ فكررها مرتين أو ثلاثاً قال: نعم وإن رغمَ أنفُك يا عُويْمِرُ. أقول: قال الله تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} ذكر ما أعد لأهل ذلك، ثم قال: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ}، ثم ذكر ما أعد لأهل ذلك والمشهور عند العلماء أن الجنتين الأوليين للمقربين السابقين وأن اللتين من دونهما لأهل اليمين فالحديث محمول على من ارتكب بعض المنكرات ثم تاب إلى الله توبة نصوحاً وعمل بمقتضى التوبة حتى كان من السابقين، قال تعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (2).

_ 2862 - مسلم (4/ 2046) 46 - كتاب القدر، 4 - باب كل شيء بقدر. الترمذي (5/ 298، 299) 48 - كتاب تفسير القرآن، 55 - باب "ومن سورة المقر" وقال الترمذي: هذا حخديث حسن صحيح. 2863 - أحمد (2/ 357)، مجمع الزوائد (7/ 118) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد رجال الصحيح. (1) القمر: 48 - 49. (2) الفرقان: 70.

سورة الواقعة

سورة الواقعة 2864 - * روى مسلم عن ابن عباس (رضي الله نهما) قال: مُطِرَ الناسُ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أصبح من الناس شاكرٌ، ومنهم كافرٌ"، قالوا: هذه رحمة الله، وقال لبعضهم: لقد صدق نوءُ كذا وكذا، فنزلت هذه الآية: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} (1). كفر من قال: مطر بالنوء وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: ليس مراده أن جميع هذا نزل في قولهم في الأنواء، فإن الأمر في ذلك وتفسيره يأبى ذلك، وإنما النازل في ذلك قوله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} والباقي نزل في غير ذلك، ولكن اجتمعا في وقت النزول، فذكر الجميع من أجل ذلك. ومنهم كافر: المراد كفر نعمة الله تعالى لاقتصاره على إضافة اليغث للكوكب، وهذا فيمن لا يعتقد تدبير الكوكب. انظر (شرح مسلم: 2/ 60، 61) للنووي.

_ 2864 - مسلم (1/ 84) 1 - كتاب الإيمان، 32 - باب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء. (بمواقع) مواقع النجوم: مساقطها ومغاربها، وقيل: منازلها ومسايرها. (1) الواقعة: 75 - 82.

سورة الحديد

سورة الحديد 2865 - * روى مسلم عن ابن مسعودٍ (رضي الله عنه) قال: ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله تعالى بقوله: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} (1) إلا أربع سنين. 2866 - * روى النسائي عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: كانت ملوكٌ بعد عيسى عليه السلام بدلوا التوارة والإنجيل، وكان فيهم مؤمنون يقرؤون التوراة والإنجيل، قيل لملوكهم: ما نجد شتماً أشدَّ من شتمٍ يشتمونا، هؤلاء، إنهم يقرؤون: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} مع ما يعيبوننا به من أعمالنا في قراءتهم، فادعُهمْ فليقرؤوا كما تقرأ، وليؤمنوا كما آمناً، فدعاهم فجمعهم، وعرض عليهم القتل أو يتركوا قراءة التوراة والإنجيل، إلا ما بدلوا منها، فقالوا: ما تريدون إلى ذلك؟ دعُونا، فقالتْ طائفةٌ منهم: ابنُوا لنا أسطانة، ثم ارفعونا إليها، ثم أعطونا شيئاً نرفعْ به طعامنا وشرابن، فلا نردُ عليكم، وقالت طائفةٌ: دعونا نسيحُ في الأرض، ونهيمُ ونشربُ كما يشربُ الوحشُ، فإن قدرتْم علينا في أرضكُم فاقتلُونا، وقالت طائفةٌ منهم: ابنُوا لنا دوراً في الفيافي، ونحتفرُ الآبار، ونحتَرِثُ القبول، ولا نردُ عليكم ولا نمُرُّ بكم، وليس أحدٌ من القبائل إلا ولهُ حميمٌ فيهم، قال: ففعلوا ذلك، فأنزل الله عز وجل: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} (2) والآخرون قالوا: نتعبدُ كما تعبد فلانٌ، ونسيحُ كما ساح فلانٌ، وهم على شركهمْ، لا علم لهم بإيمان الذين اقتدوا بهم، فلما بُعِث النبيُّ صلى الله عليه وسلم لم يبقَ منهم إلا قليلٌ، انحطَّ رجلٌ من

_ 2865 - مسلم (4/ 2319) 54 - كتاب التفسير، 1 - باب في قوله تعالى (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذصكر الله). (ألم يأن): ألم يقرب. (الخاشع): الراجع إلى الله تعالى بالتوبة. (1) الحديد: 16. 2866 - النسائي (8/ 231، 232) 49 - كتاب آداب القضاة، 12 - تأويل قول الله عز وجل (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) وإسناده قوي. (نهيم) هام في البراري: إذا ذهب لوجهه على غير جادة، ولا طالب مقصد. (الفيافي) البراري. (2) الحديد: 27.

صومعتهِ، وجاء سائحٌ من سياحته، وصاحبُ الديرِ من ديرِه، فآمنوا به وصدقوه، فقال الله تبارك وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} (1) أجرين، بإيمانهم بعيسى عليه السلام، وبالتوارة والإنجيل، وبإيمانهم بمحمدٍ صلى الله وعليه وسلم وتصديقهم، وقال: {وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} (2) القرآن: واتباعهم النبي صلى الله عليه وسلم، قال: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} (3) الذين يتشبهون بكم: {أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} ... الآية. قوله وله حميم فيهم: أي صديق حبيب وهذا تعليل لقبولهم الإبعاد بدل القتل. قال ابن كثير: "هذا السياق فيه غرابة". أقول: إنما استغرب ابن كثير هذا السياق لأن إطلاق الآية في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} يدل على أن الآية في كل مؤمن، لأن قوله تعالى: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} معناه: ليعلم أهلُ الكتاب من خلال إيمانكم وتقواكم يا أهل الإيمان أن فضل الله واسع وأنه يخصُّ من شاء وأنهم لا يقدرون أن يمنعوا فضل الله عمن يريد الله عز وجل أن يؤتيه فضله، فتخصيص ابن عباس لها بأنها في أهل الكتاب لا يسعفه ظاهر اللفظ إلا إذا قلنا بأن خصوص السبب لا ينفي عموم اللفظ. قال محقق الجامع بمناسبة قوله تعالى: {إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ}. فيه قولان: أحدهما: أنهم قصدوا بذلك رضوان الله، قاله سعيد بن جبير وقتادة. والآخر: ما كتبنا عليهم ذلك، إنما كتبنا عليهم ابتغاء رضوان الله، وقوله: {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} أي: فما قاموا بما التزموه حق القيام، وهذا ذم لهم من وجهين. أحدهما: الابتداع في دين الله بما لم يأمر به الله. والثاني: في عدم قيامهم بما التزموه مما زعموا أنه قربة بقربهم إلى الله عز وجل، قاله ابن كثير.

_ (1) الحديد: 28. (2) الحديد: 28. (3) الحديد: 29.

سورة المجادلة

سورة المجادلة 2867 - * روى البخاري عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: الحمدُ لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة خولةُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلمته في جانب البيت، وما أسمع ما تقول، فأنزل الله عز وجل: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ} إلى آخر الآية (1). 2868 - * روى ابن ماجه عن عروة عن عائشة قالت: تبارك الذي وسع سمعهُ كلِّ شيء، وإني لأسمعُ كلام خلوة بنتِ ثعلبة، ويخفى عليّ بعضه وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تقول: يا رسول الله، أكل شبابي ونثرتُ له بطني حتى إذا كبرتْ سني، وانطقع ولدي، ظهر مني، اللهم إني أشكو إليك، فما برحتْ حتى نزل جبريلُ بهؤلاء الآيات: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ}. 2869 - * روى أبو داود عن خويلة بنت مالك بن ثعلبة (رضي الله عنها) قالت: "ظاهر مني زوجي أوسُ بنت الصامت، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشكو إليه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يجادلني فيه، ويقول: "اتقي الله، فإنه بان عمك"، فما برحت حتى نزل القرآن: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} إلى الفرض، فقال: "يعتقُ رقبةً"، قالتْ: لا يجدُ، قال: "فيصومُ شهرين متتابعينِ"، قالت: يا رسول الله، إنه شيخٌ كبيرٌ، ما به من صيامٍ، قال: "فليُطْعِمْ ستين مسكيناً"، قالت: ما عندهُ شيءٌ يتصدقُ به، قال: "فإني سأعينهُ بعرقٍ من تمرٍ"، قلت: يا رسول الله، وإني أعينهُ بعرقٍ آخر، قال: "قد أحسنتِ، اذهبي فأطعمي بها عنه ستين مسكيناً، وارجعي إلى ابن عمك، قال: والعرق ستُّون صاعاً".

_ 2867 - البخاري (13/ 372) 97 - كتاب التوحيد، 9 - باب (وكان الله سميعاً بصيراً). النسائي (6/ 168) 27 - كتاب الطلاق، 33 - باب الظهار. (1) المجادلة: 1. 2868 - ابن ماجه (1/ 666) 10 - كتاب الطلاق، 25 - باب الظهار. الحاكم (2/ 481) كتاب التفسير، وصححه، ووافقه الذهبي. 2869 - أبو داود (2/ 266) كتاب الطلاق- باب في الظهار، وإسناده حسن.

وفي رواية (1) بهذا الإسناد نحوه، إلا أنه قال: "والعرقُ: مكتلٌ يسع ثلاثين صاعاً" قال أبو داود: هذا أصحُّ الحديثين. وفي رواية (2): عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: "العرقُ: زنبيلٌ يأخذ خمسة عشر صاعاً". وفي أخرى (3) بهذا الخبر قال: "فأُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمرٍ، فأعطاه إياه، وهو قربٌ من خمسة عشر صاعاً، فقال: "تصدقْ بهذا"، فقال: يا رسول الله على أفقر مني ومن أهلي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كُلْهُ أنتَ وأهلُكَ". قوله (إلى الفرض): أي إلى نهاية الآيات التي فرض الله فيهن الكفارة على المظاهرين من أزواجهم وهي الآيات التالية: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. أقول: الظهار: أن يقول الرجل لزوجته أنت عليَّ كظهر أمي أويذكر ظهر إحدى محارمه أو شيئاً يعبر به عن الذات وكفارته عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطيع فإطعام ستين مسكيناً، وهل يطعم كل مسكين صاعاً أو نصف صاع؟ هناك خلاف في ذلك بين الفقهاء كما أن هناك خلافاً في قدر الصاع، وقد مر معنا ذلك وسيمر في أكثر من مكان.

_ (1) أبو داود (2/ 266، 267) نفس الموضع السابق. (2) أبو داود نفس الموضع السابق (2/ 267). (3) أبو داود (2/ 267) نفس الموضع السابق.

2870 - * روى أبو داود عن هشام بن عُروة (رضي الله عنه): "أن جميلة كانت تحت أوس بن الصامت، قال: وكان رجلاً به لمم، فكان إذا اشتد لممهُ ظاهر من امرأته، ففعل ذلك، فأنزل الله فيه كفارة الظهار". 2871 - * روى أحمد عن عبد الله بن عمرو أن اليهود كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم سامُ عليكم ثم يقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول فنزلت هذه الآية: {وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (1). 2872 - * روى أحمد عن (ابن عباس) كان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً فقال لأصحابه: "يجيئكُمْ رجلٌ ينظرُ إليكم بعيني شيطانٍ، فإذا رأيتموه فلا تكلموه"، فجاء رجلٌ أزرق، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم دعاه، فقال: "علام تشتمُني أنت وأصحابُك؟ " قال: كما أنت حتى آتيك بهم فذهب فجاء بهم، فجعلوا يحلفون بالله ما قالوا وما فعلوا، فنزل: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ} (2).

_ 2870 - أبو داود (2/ 267) كتاب الطلاق، باب في الظهار، وهو حديث حسن. (لمم) اللمم: طرف من الجنون. (كفارة) الكفارة، فعالة من التكفير: التغطية والستر، وهي المرة الواحدة المبالغة في الستر ومحو الذنب. 2871 - أحمد (2/ 170) كشف الأستار (3/ 75) كتاب التفسير، سورة المجادلة. مجمع الزوائد (7/ 121، 122) وقال الهيثمي: رواه أحمد والبزار وإسناده جيد لأن حماداً سمع من عطاء بن السائب في حالة الصحة. (1) المجادلة: 8. كشف الأستار (3/ 74) سورة المجادلة. الطبراني (المعجم الكبير) (12/ 7، 8). مجمع الزوائد (7/ 122) وقال الهيثمي: رواه الطبراني وذكر له رواية تختلف عن الباقين، وقال رواه أحمد والبزار ورجال الجميع رجال الصحيح. (2) المجادلة: 18.

سورة الحشر

سورة الحشر 2873 - * روى الشيخان عن (ابن عمر): حرَّق النبي صلى الله عليه وسلم نخل بني النضير، وقطع وهي البويرة، فأنزل الله: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ}. 2874 - * روى الترمذي عن ابن عباس (رضي الله عنهما) في قول الله عز وجل: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا} قال: اللينةُ: النخْلةُ، {وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} قال: استنزلُوهم من حُصونهم، قال: وأُمِرُوا بقطع النخلِ قال: فحَكَّ ذلك في صدورهم، فقال المسلمون: قد قطعنا بعضاً، وتركنا بعضاً، فلنسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل لنا فيما قطعناه من أجرٍ، وهل علينا فيما تركناه من وزرٍ؟ فأنزل الله: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا} الآية. أقول: قطع الشجر هاهنا وتحريقه كان لمصلحة حربية، وذلك من أجل إزالة تعلق قلب اليهود بأموالهم فيستسلمون، وقد كان ذلك، فأجلاهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أذرعات من بلاد الشام وهي (درعا) اليوم، والأصل ألا يقطع المسلمون الشجر في حروبهم إلا إذا اضطرتهم لذلك مصلحةٌ حربيةٌ (1).

_ 2873 - البخاري (7/ 329) 64 - كتاب المغازي، 14 - حديث بني النضير، (8/ 629) 65 - كتاب التفسير، 2 - باب (ما قطعتم من لينة). مسلم (3/ 1365، 1366) 32 - كتاب الجهاد والسير، 10 - باب جواز قطع أشجار الكفار وتحريقها. أبو داود (3/ 38) كتاب الجهاد، باب في الحرق في بلاد العدو. الترمذي (5/ 408) 48 - كتاب تفسير القرآن، 60 - باب ومن سورة الحشر. 2874 - الترمذي (5/ 408) الموضع السابق. (لينةٍ) اللينةُ: مادون العجوة من النخل، والعجو: نوع من التمر معروف باملدينة. (وزرٌ) الوزر: الحمل والثقل والإثم. (فحك ذلك في صدورهم): أي حك في صدور المؤمنين، يقال: حك الشيء في نفسي: إذا لم يكن منشرح الصدر به، وكان في قلبه شيء منه من الشك والريب، لتوهمه أنه ذنب أو خطيئة.

سورة الممتحنة

سورة الممتحنّة 2875 - * روى الشيخان عن (عائشة) كان النبي صلى الله عليه وسلم يبايعُ النساء بالكلام بهذه الآية {لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا}، وما مست يدُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة لا يملكها. تمام الآية: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (1). 2876 - * روى أحمد عن مُصعب بن نوحٍ الأنصاري قال: أدركتُ عجوزاً لنا كانت فيمن بايع النبي صلى الله عليه وسلم، [قالت]: فأتيناه يوماً فأخذ علينا أن لا ننوح قالت العجوز يا رسول الله إن ناساً كانوا قد أسعدوني على مُصيبةٍ أصابتني وإنهم أصابتهم مصيبةٌ وأنا أريد أن أسعدهم، ثم إنها أتته فبايعته وقالت هو المعروف الذي قال الله عز وجل: {وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ}. سورة الصف 2877 - * روى الترمذي عن عبد الله بن سلام (رضي الله عنه) قال: كنتُ جالساً في نفرٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نتذاكر، نقول: لو نعلم: أيُّ الأعمال أحبُّ إلى الله لعملناه؟ فأنزل الله تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ} أي: عظم: {أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} (2) فخرج علينا رسول الله صلى الله عيه وسلم، فقرأها علينا.

_ 2875 - البخاري (13/ 203) 93 - كتاب الأحكام، 49 - باب بيعة النساء. مسلم (3/ 1489) 33 - كتاب الإمارة، 21 - باب كيفية بيعة النساء. الترمذي (5/ 411) 48 - كتاب تفسير القرآن، 61 - باب "ومن سورة الممتحنة". 2876 - أحمد (4/ 55) وأصل المعنى في الصحيح ورد في غير هذا. مجمع الزوائد (7/ 124) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات. (الإسعاد) مشاركة الآخرين في أحزانهم والمنهي عنه الشماركة بالنوح على طريقة الجاهلية. 2877 - الترمذي (5/ 412، 413) 48 - كتاب تفسير القرآن، 62 - باب "ومن سورة الصف". (مقتاً) المقتُ: أشد البغض. (1) الممتحنة: 12. (2) الصف: 1 - 3.

سورة الجمعة

سورة الجمعة 2878 - *روى الشيخان عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: بينما نحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، إذ أقبلتْ عيرٌ تحملُ طعاماً، فالتفتوا إليها، حتى ما بقي مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلاً، فنزلت هذه الآية: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} (1). وفي رواية (2): أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطبُ قائماً، فجاءت عيرٌ من الشام وذكر نحوه. وفيه: إلا اثنا عشر رجلاً، فيهم: أبو بكرٍ وعمر. وفي أخرى (3): إلا اثنا عشر رجلاً، أنا فيهم. وفي رواية (4) لمسلم قال: كُنَّا مع النبي يوم الجمعة، فقدمتْ سويقةٌ، فخرج الناس إليها، فلم يبق إلا اثنا عشر رجلاً أنا فيهم، قال: فأنزل الله: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} إلى آخر الآية. قال الحافظ في "الفتح" 2/ 338: في رواية خالد المذكورة عند أبي نعيم في "المستخرج" "بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة" وهذا ظاهر في أن انفضاضهم وقع بعد دخولهم في الصلاة، لكن وقع عند مسلم من رواية عبد الله بن إدريس، عن حصين "ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب". وله في رواية هشيم "بينا النبي صلى الله عليه وسلم قائم" زاد أبو عوانة في

_ 2878 - البخاري (2/ 422) 11 - كتاب الجمعة، 38 - باب إذا نفر الناس عن الإمام في صلاة الجمعة فصلاة الإمام ومن بقي جائزة. مسلم (2/ 590) 7 - كتاب الجمعة، 11 - باب في قوله تعالى: (وإذا رأوا تجارة أو لهواً افنضوا إليها وتركوك قائماً). الترمذي (5/ 414) 48 - كتاب تفسير القرآن، 63 - باب "ومن سورة الجمعة" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (1) الجمعة: 11. (2) مسلم: نفس الموضع السابق. (3) مسلم: نفس الموضع السابق. (4) مسلم: نفس الموضع السابق. (العيرُ) الإبل والحمير تحمل الميرة والأحمال. (انفضوا) تفرقوا.

صحيحة والترمذي والدارقطني من طريقه "يخطب" ومثله لأبي عوانة من طريق عباد بن العوام، ولعبد بن حميد من طريق سليمان بن كثير، كلاهما عن حصين، وكذا وقع في رواية قيس بن الربيع وإسرائيل، ومثله في حديث ابن عباس، وفي حديث أبي هريرة عند الطبراني في "الأوسط" وفي مرسل قتادة عند الطبراني وغير، فعلى هذا، فقوله "نصلي" أي: ننتظر الصلاة، وقوله "في الصلاة" أي: في الخطبة مثلاً، وهو من تسمية الشيء بما قاربه، فبهذا يجمع بين الروايتين، ويؤيده: استدلال ابن مسعود على القيام في الخطبة بالآية المذكورة، كما أخرجه ابن ماجه بإسناد صحيح، وكذا استدل به كعب بن عجرة في "صحيح مسلم". اهـ. قال ابن كثير في تفسيره: ولكن ههنا شيء ينبغي أن يعلم وهو أن هذه القصة قد قيل إنها كانت لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الصلاة يوم الجمعة على الخطبة كما رواه أبو داود في كتاب المراسيل عن مقاتل بن حيان يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي يوم الجمعة قبل الخطبة مثل العيدين حتى إذا كان يوم والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب وقد صلى الجمعة فدخل رجل فقال: إن دِحْيَةَ بن خليفة قد قدم بتجارة ... فانفضوا ولم يبق معه إلا نفر يسير. أخرجه أبو داود اهـ. انظر مراسيل أبي داود رقم (62) تحقيق الشيخ شعيب الأرناؤوط.

سورة المنافقين

سورة المنافقين 2879 - * روى الشيخان عن جابر رضي الله عنه قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ثاب معه ناسٌ من المهاجرين حتى كثُروا، وكان من المهاجرين رجلٌ لعابٌ، فكسعَ أنصارياً، فغضب الأنصاري غضباً شديداً، حتى تداعوا، وقال الأنصاري: يال الأنصار، وقال المهاجري: يال المهاجرين، فخرج النبي صىل الهل عليه وسلم، فقال: "ما بالُ عدوى الجاهلية؟ ثم قال: ما شأنهم؟ فأُخبر بكسعةِ المهاجري الأنصاري، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعوها، فإنها خبيثةٌ، وقال عبد الله بن أُبي بن سلول: أقد تداعوا علينا؟ لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، قال عمر: ألا نقتُل يا نبي الله هذا الخبيث؟ - لعبد الله- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يتحدث الناس أنه كان يقتل أصحابه". وفي رواية (1) نحوه، إلا أن قال: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله القود؟ فقال: دعوها، فإنها منتنةً ... الحديث. وفي رواية (2) لمسلم قال: اقتتلَ غُلامان: غلامٌ من المهاجرين، وغلام من لأنصار، فنادى المهاجريُّ- أو المهاجرون-: يال الهماجرين، ونادى الأنصاري: يال الأنصار. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فقال ما هذا؟ دعوى أهل الجاهلية؟ قالوا: لا يا رسول الله. إلا أن غلامين اقتتلا، فكسع أحدهما الآخر. فقال: لا بأس. ولينصُرِ الرجلُ أخاه ظالماً أو مظلوماً، إن كان ظالماً فلينههُ. فإنه له نصرٌ. وإن كان مظلوماً، فلينصرهُ.

_ 2879 - البخاري (8/ 648) 65 - كتاب التفسير، 5 - باب قوله (سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم ...). مسلم (4/ 1998) 45 - كتاب البر والصلة والآداب، 16 - باب نصر الأخ ظالماً أو مظلوماً. (1) مسلم ص 1899. (2) مسلم، الموضع السابق. الترمذي (5/ 417، 418) 48 - كتاب تفسير القرآن، 64 - باب "ومن سورة المنافقينط. (ثاب): إذا رجع. (الكسع) أن تضرب دبُر الإنسان بيدك، أو بصدر قدمك. (الخبيث) الرديء الكريه، أراد: أن دعوى الجاهلية "يال فلان" كريهة رديئة في الشرع. (القودُ) القصاص.

وأخرجه الترمذي بنحوه. وفي أوله، قال سفيان: يرون أنها غزوة بني المصطلق. وفي آخرها: لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه. وقال غير عمرو بن دينار: فقال له ابنه عبد الله بن عبد الله لا تنقلب حتى تُقر أنك الذليل، ورسول الله: العزيز، ففعل. (الكسع): قال الحافظ في "الفتح" 8/ 497، 498: المشهور فيه أنه ضرب الدبر باليد أو بالرجل. ووقع عند الطبري من وجه آخر عن عمرو بن دينار عن جابر "أن رجلاً من المهاجرين كسع رجلاً من الأنصار برجله، وذلك عند أهل اليمن شديد" والرجل المهاجري هو: جهجاه بن قيس ويقال: ابن سعيد الغفاري، وكان مع عمر بن الخطاب يقود له فرسه، والرجل الأنصاري: هو سنان بن وبرة الجهني حليف الأنصار - وفي رواية عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مرسلاً، أن الأنصاري كان حليفاً لهم من جهينة، وأن المهاجري كان من غِفار، وسماهما ابن إسحاق في المغازي عن شيوخه - وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عقيل عن الزهري عن عروة بن الزبير وعمرو بن ثابت أنهما أخبراه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا غزوة المريسيع - وهي التي هدم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم مناة الطاغية، التي كانت بين قفا المشلَّل وبين البحر - فاقتتل رجلان فاستعلى المهاجري على الأنصاري، فقال حليف الأنصار: يا معشر الأنصار. فتداعوا إلى أن حجز بينهم، فانكفأ كل منافق إلى عبد الله بن أبي، فقالوا: كنت ترجى وتدفع، فصرت لا تضر ولا تنفع، فقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل" فذكر القصة بطولها، وهو مرسل جيد. 2880 - * روى الشيخان عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ - أصاب الناس فيه شدةٌ - فقال عبدُ الله بن أُبي: لا تنفقوا على من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى ينفضوا من حوله، وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرتُه بذلك، فأرسل إلى عبد الله بن أُبي، فسأله؟ فاجتهد يمينه ما فعل، فقالوا: كذب زيدٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (1) فوقع في نفسي مما قالوا

_ 2880 - البخاري (8/ 647) 65 - كتاب التفسير، 4 - باب (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم ...) الآية. مسلم (4/ 2140) 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم.

شدة، حتى أنزل الله تصديقي {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} (1) قال: ثم دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم ليستغفر لهم، قال: فلووْا رؤوسهم، وقوله: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} قال: كانوا رجالاً أجمل شيء. وفي رواية (2) أن زيداً قال: كُنتُ في غزاةٍ فسمعتُ عبد الله بن أُبي يقول- فذكر نحوه- قال: فذكرتُ ذلك لعمِّي فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاني فحدثته فأرسل إلى عبد الله بن أُبي وأصحابه فحلفوا ما قالوا، فصدقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذبني، فأصابني غمٌّ لم يُصبني مثله قط، فجلست في بيتي، وقال عمي: ما أردت إلى أنْ كذبك النبي صلى الله عليه وسلم ومقتك؟ فأنزل الله عز وجل {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ} إلى قوله {لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} (3) فأرسل إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأها عليَّ ثم قال: "إن الله قد صدقك". وللبخاري (4) أيضاً قال: لما قال عبد الله بن أُبي: لا تنفقوا على من عند رسول الله، وقال أيضاً: لئن رجعنا إلى المدينة ... أخبرتُ النبي صلى الله عليه وسلم، فلامني الأنصار، وحلف عبد الله بن أُبي ما قال ذلك، فرجعتُ إلى المنزل، فنمتُ، فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته، فقال: إن الله قد صدقك، فنزلت {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} (5). وأخرجه الترمذي (6) مثل الرواية الثانية، ونحو الرواية الثالثة التي أخرجها البخاري، وقال: "في غزوة تبوك". وفي رواية (7) أخرى له قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان معنا أُناسٌ من الأعراب، فكُنا نبتدرُ الماء، وكان الأعرابُ يسبقوننا إليه، فسبق أعرابيٌّ أصحابه، فيسبقُ الأعرابي، فيملأ الحوض، فيجعل حوله حجارة، ويجعل النطع عليه، حتى يجيء

_ (1) المنافقون: 1. (2) البخاري (8/ 644) 65 - كتاب التسير، 1 - باب قوله (إذا جاءك المنافقون ..). (3) المنافقون: 1 - 8. (4) البخاري (8/ 646، 647) 65 - كتاب التفسير، 3 - باب قوله (ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا ..). (5) المنافقون: 7. (6) الترمذي (5/ 415، ص 417) 48 - كتاب تفسير القرآن، 64 - باب "ومن سورة المنافقين" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (7) الترمذي (5/ 415، 416، 417) نفس الموضع السابق.

أصحابه، قال: فأتى رجلٌ من الأنصار أعرابياً، فأرخى زمام ناقته لتشرب، فأبى أن يدعه، فانتزع قباض الماء، فرفع الأعرابي خشبةً، فضرب بها رأس الأنصاري فشجه فأتى عبد الله بن أُبي رأس المنافقين فأخبره- وكان من أصحابه - فغضب بعد الله بن أُبي، ثم قال: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضو من حوله - يعني الأعراب - وكانوا يحضرون رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الطعام قال عبد الله: إذا انفضوا من عند محمد، فائتوا محمداً بالطعام فليأكل هو ومن عنده، ثم قال لأصحابه: لئن رجعتم إلى المدينة ليخرج الأعز منها الأذل - قال زيد: وأنا رِدْفُ عمي - فسمعت عبد الله، فأخبرت عمي، فانطلق فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحلف وجحد، قال: فصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبني، قال: فجاء عمي إليَّ فقال: ما أردت إلى أن مقتك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبك والمسلمون، قال: فوقع عليَّ من الهم ما لم يقع على أحدٍ قال: فبينما أنا أسيرُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، قد خففتُ برأسي من الهم، إذ أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرك أذُني وضحك في وجهي فما كان يسرني أن لي بها الخُلد في الدنيا، ثم إن أبا بكر لحقني، فقال: ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلتُ: ما قال شيئاً، إلا أنه عرك أُذُني، وضحك في وجهي، فقال: أبشر، ثم لحقني عمر، فقلت له مثل قولي لأبي بكر، فلما أصبحنا قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة المنافقين. قال الحافظ في "الفتح" 8/ 495 و 496 وفي الحديث من الفوائد: ترك مؤاخذة كبراء القوم بالهفوات لئلا تنفر أتباعهم والاقتصار على معاتبتهم وقبول أعذارهم وتصديق أيمانهم، وإن كانت القرائن ترشد إلى خلاف ذلك، لما في ذلك من التأنيس والتأليف، وفيه جواز تبليغ مالا يجوز للمقول فيه، ولا يعد نميمة مذمومة إلا إن قُصِدَ بذلك الإساد المطلق وأما إذا كانت مصلحة ترجح على المفسدة فلا.

سورة التغابن

سورة التغابن 2881 - * روى البخاري عن علقمة بن قيس رحمه الله قال: شهدنا عند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وعرض المصاحف، فأتى على هذه الآية {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} (1) قال: هي المصيباتُ تصيب الرجل، فيعلم أنها من عند الله فيُسَلِّمُ ويرضى. سورة الطلاق 2882 - * روى مالك عن (ابن عمر) قرأ {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ} لقُبُلِ عدتهن، وقال مالك: يعني بذلك أن يُطلق بكل طُهرٍ مرة. 2883 - * روى النسائي عن ابن عباس (رضي الله عنهما) في قول الله عز وجل {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ} قال ابن عباس: قُبُلِ عدتهن. أقول: كلمة قبل: ليست من القرآن إجماعاً لعدم وجودها في الرسم العثماني وهي من قبيل التفسير لكيفية الطلاق، لأن الطلاق ينبغي أن يكون في طهر لم يجامعها فيه ففي هذه الحالة يكون الطلاق في بدء العدة، أما إذ طلقها في الحيض فإنه يطيلُ عليها أمد العدة، وفي الطلاق في الطهر الذي لم يجامعها فيه مصالح كثيرة، فالرجل يشتاق للزوجة بعد الحيض فإذا طلقها في الطهر دون جماع فذلك يدلُ على مدى التصميم، وهناك احتمال ألا يطلقها في الطهر لرغبته في الجماع فتنتهي المشكلة. ومن الحكم في النهي عن تطليقها في طهر جامعها فيه أنه ربما تحمل المرأة فيطول عليها العدة كما قد يكون الحملُ سبباً في تراجعه فإذا لم يعد يملكُ الرجعة كان ذلك سبباً في ندمه.

_ (1) التغابن: 11. 2881 - البخاري (8/ 652) تعليقاً بمعناه 65 - كتاب التفسير، 64 - سورة التغابن، ووصله غيره. 2882 - الموطأ (2/ 587) 29 - كتاب الطلاق، 29 - باب جامع الطلاق. 2883 - النسائي (6/ 140) 27 - كتاب الطلاق، 1 - باب وقت الطلاق للعدة .... وإسناده صحيح.

سورة التحريم

سورة التحريم 2884 - * روى الشيخان عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحب العسل والحلواء، وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه فيدنُو من إحداهنَّ، فدخل على حفصة بنت عمر، فاحتبس أكثر ما كان يحتبسُ، فغرتُ فسألت عن ذلك؟ فقيل لي: أهدتْ لها امرأة من قومها عُكَّةً من عسلٍ، فسقت النبي صلى الله عليه وسلم منه شربةً، فقلت: أما والله لنحتالنَّ له، فقلت لسودة بنت زمعة: إنه سيدنو منك، فإذا دنا منك فقولي له: يا رسول الله أكلت مغافير؟ فإنه سيقول لك: لا فقولي له: ما هذه الريح التي أجدُ؟ - زاد في رواية (1): وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتدُّ عليه أن يوجد منه اليرحُ - فإنه سيقول لك: سقتني حفصة شربة عسلٍ، فقولي له: جرستْ نحلُهُ العُرْفُطَ، وسأقول ذلك، وقولي أنتِ يا صفيةُ مثل ذلك، قالت: قول سودة: فوالله الذي لا إله إلا هو، ما هو إلا أن قام على الباب، فأردتُ أن أبادئَهُ بما أمرتني فرقاً منك، فلمَّا دنا منها قالت له سودة: يا رسول الله، أكلت مغافير؟ قال: "لا" قالت: فما هذه الريح التي أجدُ منك؟ قال: "سقتني حفصة شربة عسلٍ" فقالت: جرستْ نحلُهُ العُرْفُط، فلما دار إليَّ، قلت له نحو ذلك، فلما دار إلىص فية، قالت له مثل ذلك، فلما دار إلى حفصة، قالت: يا رسول الله، ألا أسقيك منه؟ قال: "لا حاجة لي فيه" قالت: تقول سودة: والله لقد حرمناه، قلت لها: اسكُتي. وفي رواية (2) قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمكث عند زينب بنت جحشٍ، فيشربُ

_ 2884 - البخاري (9/ 374، 375) 68 - كتب الطلاٌ، 8 - باب لم تُحرم ما أحل الله لك؟. مسلم (2/ 1101، 1102) 18 - كتاب الطلاق، 3 - باب وجوب الكفارة على من حرَّم امرأته ولم ينو الطلاق. أبو داود (3/ 335) كتاب الأشربة، باب في شراب العسل. (1) البخاري (12/ 343) 90 - كتاب الحيل، 12 - باب من ما يُكره من احتيال المرأة مع الزوج والضرائر ... إلخ. (2) النسائي (7/ 71) 36 - كتاب عشرة النساء، 4 - باب الغيرة. (عُكة) العكة. الظرفُ الي يكونُ فيه العسلُ. (مغافير) المغافير بالفاء والياء: شيء ينضحه العُرْفُط، حُلو كالناطف وله ريحٌ كريهة. (جرست العرفط) جرست النحل العرفط، إذا أكلته، ومنه قيل للنحل: جوارس، والعُرفط: جمع عُرفطة، وهو شجر من العضاه زهرته مدحرجة، والعضاةُ: كل شجرٍ يعظمُ وله شواك كالطلح والسمر والسلم، ونحو ذلك. (فرقا) الفرقُ: الفزع والخوفز

عندها عسلاً، قالت: فتواطأتُ أنا وحفصة، أن أيتنا ما دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلتقل له: إني أجدُ منك ريح مغافير، أكلت مغافير؟ فدخل على إحداهُما، فقالت ذلك له، فقال: بل شربتُ عسلاً عند زينب بنت جحشٍ، ولن أعود له، فنزل {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} (1) {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} (2) لعائشة وحفصة {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} (3) لقوله: بل شربتُ عسلاً ولن أعود له، وقد حلفتُ، فلا تخبري بذلك أحداً. الرواية الأولى من طريق عبيد بن عمير عن عائشة، في "الصحيحين" أيضاً من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، وفيه أن شرب العسل كان عند حفصة بنت عمر، قال الحافظ: وأخرج ابن مردويه من طريق ابن أبي مليكة عن ابن عباس أن شرب العسل كان عند سودة، وأن عائشة وحفصة هما اللتان تواطأتا على وفق ما في رواية عبيد بن عمير، وإن اختلفا في صاحبة العسل، وطريق الجمع بين هذا الاختلاف الحمل على التعدد، فلا يمنع تعدد السبب للأمر الواحد، فإن جنح إلى الترجيح، فرواية عبيد بن عمير أثبت لموافقة ابن عباس لها، على أن المتظاهرتين حفصة وعائشة، وفي الطلاق من جزم عمر بذلك، فلو كانت حفصة صاحبة العسل لم تقرن في التظاهر بعائشة، لكن يمكن تعدد القصة في شرب العسل وتحريمه، واختصاص النزول بالقصة التي فيها أن عائشة وحفصة هما المتظاهرتان، ويمكن أن تكون القصة التي وقع فيها شرب العسل عند حفصة كانت سابقة، ويؤيد هذا الحمل أنه لم يقع في طريق هشام بن عروة التي فيها: أن شرب العسل كان عند حفصة تعرض للآية، ولا يذكر سبب النزول. والراجح أيضاً أن صاحبة العسل زينب لا سودة، لأن طريق عبيد بن عمير أثبت من طريق ابن أبي مليكة بكثير، ولا جائز أن تتحد بطريق هشام بن عروة، لأن فيها أن سودة كانت ممن وافق عائشة على قولها: أجد ريح مغافير ويرجحه أيضاً ما ثبت عن عائشة أن نساء النبي كن حزبين، أنا وسودة وحفصة وصفية في حزب، وزينب بنت جحش وأم سلمة والباقيات في حزب، فهذا يرجح أن زينب هي صاحبة العسل، ولهذا غارت منها لكونها من غير حزبها والله أعلم [م].

_ (1) التحريم: 1. (2) التحريم: 4. (3) التحريم: 4.

2885 - * روى الطبراني في الكبير عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرب عند سودة العسل فدخل على عائشة فقالت: إني أجدُ منك ريحاً، ثم دخل على حفصة فقالت إني أجد منك ريحاً فقال أراه من شرابِ شربته عند سودة والله لا أشربه. فنزلت هذه الآية {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}. 2886 - * روى النسائي عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له أمة يطؤها، فلم تزل به عائشة وحفصة، حتى حرمها على نفسه، فأنزل الله {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} الآية. وذكر ابن كثير في تفسيره 8/ 404 عن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لحفصة: لا تخبري أحداً وإن أم إبراهيم عليَّ حرام، فقالت: أتحرم ما أحل الله لك؟ قال: "فوالله لا أقربها" قال: فلم يقربها حتى أخبرت عائشة قال: فأنزل الله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} وهذا إسناد صحيح، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة، وقد اختاره الحافظ الضياء المقدسي في كتابه "المستخرج". [م]. 2887 - * روى البزار عن ابن عباس {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} قال نزلت هذه الآية في سُرّيته. 2888 - * روى الشيخان عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: لم أزلْ حريصاً على أن أسأل عمر بن الخطاب عن المرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتينِ قال الله عز وجل (1): {إِنْ

_ 2885 - الطبراني (المعجم الكبير) (11/ 117). مجمع الزوائد (7/ 127) وقال الهيثمي: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح. 2886 - النسائي (7/ 71) 36 - كتاب عشرة النساء، 4 - باب الغيرة، وإسناده قوي. 2887 - كشف الأستار (3/ 76) كتاب التفسير، سورة التحريم. مجمع الزوائد (7/ 126) وقال الهيثمي: رواه البزار بإسنادين والطبراني، ورجال البزار رجال الصحيح، غير بشر بن آدم الأصغر، وهو ثقة. 2888 - البخاري (9/ 278، 279) 67 - كتاب النكاح، 83 - باب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها. مسلم (2/ 1111، 1112، 1113) 18 - كتاب الطلاق، 5 - باب في الإيلاء واعتزال النساء وتخييرهن ... إلخ. الترمذي (5/ 420، 421، 422، 423) 48 - كتاب تفسير القرآن، 66 - باب "ومن سورة التحريم" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. ... =

تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} حتى حجَّ عمرُ، وحججتُ معه، فلما كان ببعض الطريق عدل عمر، وعدلتُ معه بالإداوة، فتبرز ثم أتاني، فسكبتُ على يديه، فتوضأ، فقلت: يا أمير المؤمنين، من المرأتان من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتان قال الله عز وجل {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}؟ فقال عمر: واعجبا لك يا ابن العباس! قال الزهري: كره والله ما سأله عنه ولم يكتمه، فقال: هما عائشة وحفصة، ثم أخذ يسوق الحديث- قال: كنا معشر قريش قوماً نغلبُ النساء، فلما قدمنا المدينة، وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم، قال: كان منزلي في بني أُمية بن زيد بالعوالي، فتغضبتُ يوماً على امرأتي، فإذا هي تُراجعني، فأنكرت أن تراجعني، فقالت: ما تنكرُ أن أراجعك، فوالله، إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليُراجعنه، وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل، فانطلقتُ، فدخلتُ على حفصة، فقلت: أتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: نعم، فقلت: أتهجره إحداكن اليوم إلى الليل؟ قالت: نعم، قلت: قد خاب من فعل ذلك منكن وخسرت، أفتأمن إحداكن أن يغضب الهل عليها لغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فإذا هي هلكتْ، لا تراجعي رسول الله، ولا تسأليه شيئاً، وسليني ما بدا لك، ولا يغُرنك أن كانت اجرتُك هي أوسم وأحبُّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك - يريد عائشة - وكان لي جارٌ من الأنصار، فكنا نتناوب النزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فينزل يوماً، وأنزل يوماً، فيأتيني بخبر الوحي وغيره، وآتيه بمثل ذلك، وكنا نتحدث: أن غسان تُنْعِلُ الخيل لتغزونا، فنزل صاحبي، ثم أتاني عشاء، فضرب بابي، ثم ناداني، فخرج إليه، فقال: حدث أمر عظيم، فقلت: ماذا؟ جاءت غسان؟ قال: لا، بل أعظم من ذلك وأهول، طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، قلت: وقد خابت حفصة وخسرت، وقد كنت أظن هذا يوشك أن يكون، حتى إذا صليت الصبح شددت عليَّ ثيابي، ثم نزلت، فدخلت على حفصة وهي تبكي، فقلت: أطلقكُنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ (1) قالت

_ = (العوالي) جمع عالية، وهي أماكن بأعلى أراضي المدينة. (صغت) قلوبكما: مالت. (جارتك) الجارة هاهنا: الضرةُ، أراد بها عائشة رضي الله عنها. (أوسم منك): أكثر منك حسناً وجمالاً، والوسامة: الحسن والجمال. (أوضأ منك) أكثر منك وضاءة، والوضاءة: الحسن والنظافة، ومنه الوضوء (نتناوب) التناوب: هو أن تفعل الشيء دفعة، ويفعله الآخر دفعة أخرى، مرة بعد مرة. ... =

لا أدري، هو هذا معتزلٌ في هذه المشربة، فأتيت غلاماً له أسود، فقلت، استأذن لعمر، فدخل ثم خرج إليَّ، قال: قد ذكرتك له فصمت، فانطلقت حتى إذا أتيتُ المنبر فإذا عنده رهط جلوس، يبكي بعضهم، فجلستُ قليلاً، ثم غلبني ما أجد فأتيتُ الغلام، فقلت: استأذن لعمر، فدخل، ثم خرج إليَّ، فقال: قد ذكرتك له فصمت، فخرجتُ فجلست إلى المنبر، ثم غلبني ما أجدُ، فأتيتُ الغلام، فقلت: استأذن لعمر، فدخل ثم خرج فقال: قد ذكرتك له، فصمتَ، فوليت مدبراً، فإذا الغلام يدعوني، فقال: ادخُلْ فقد أُذن لك، فدخلت، فسلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو متكيء على رمال حصيرٍ، قد أثر في جنبه، فقلت: أطلقت يا رسول الله نساءك؟ فرفع رأسه إلأيَّ، فقال: لا، فقلت: الله أكبر، لو رأيتنا يا رسول الله، وكنا معشر قريش نغلبُ النساء، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم، فتغضبْتُ على امرأتي يوماً، فإذا هي تراجعني، فأنكرتُ ان تراجعني، فقالت: ما تُنكرُ أن أراجعك؟ فوالله إن أزواج رسول الله ليراجعنه، وتهجره إحداهن اليوم إلأى الليل، فقلت: قد خاب من فعل ذلك منهن وخسر، أفتأمن إحداهن أن يغضب الله عليها لغضب رسول الله، فإذا هي قد هلكت؟ فتبسم رسول الله صلى الله ليه وسلم. فقلت: يا رسول الله، قد دخلتُ على حفصة فقلت: لا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسمُ وأحبُّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، فتبسم أخرى، فقلت: أستأنسُ يا رسول الله؟ قال: نعم، فجلستُ، فرفعتُ رأسي في البيت، فوالله ما رأيت فيه شيئاً يرُدُّ البصر، إلا أُهْبَةً ثلاثةً، فقلت: يا رسول الله ادع الله أن يوسع على أمتك، فقد وسع على فارس والروم، وهم لا يعبدون الله فاستوى جالساً، ثم قال: أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ أولئك قومٌ عُجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا، فقلت: استغفر لي يا رسول الله. وكان أقمس أن لا يدخل عليهن شهراً من أجل ذلك الحديث، حين أفشته حفصة إلى عائشة، من شدة موجِدته عليهن حتى عاتبه الله تعالى (1).

_ = (المشربةُ) بضم الراء وفتحها: الغرفة. (رمال حصير) يقال: رملتُ الحصير: إذا ضفرته ونسجته، والمراد: أنه لمي كن عل السرير وطاء سوى الحصير. (العجلة): هو أن ينقر الجذع ويجعل فيه مثل الدرج ليصعد فيه إلى الغرف وغيرها. (أهبة، وأهُب) الأهبُ: جمع إهاب، وكذلك الأهبة، والإهاب: الجلد، ويُجمع أيضاً على أهبٍ بالضم. (الموجدةُ) الغضب.

قال الزهري: فأخبرني عروةُ عن عائشة قالت: لما مضت تسع وعشرون ليلة، دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بي، فقلت: يا رسول الله إنك أقسمت أنك لا تدخل علينا شهراً، وإنك دخلت من تسعٍ وعشرين أعُدُّهن؟ فقال: إن الشهر تسع وعشرون - زاد في رواية: وكان ذلك الشهر تسعاً وعشرين ليلة، ثم قال: يا عائشة إني ذاكرٌ لك أمراً، فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك، ثم قرأ {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} قالت عائشة: قد علم والله أن أبويَّ لم يكونا ليأمراني بفراقه، فقلت: أفي هذا أستأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة. وفي رواية (1): أن عائشة قالت: لا تُخبر نساءك أني اخترتُك، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم "إن الله أرسلني مُبلغاً ولم يُرسلني متعنتاً". ولمسلم (2) أيضاً نحو ذلك، وفيه: "وذلك قبل أن يؤمرْن بالحجاب". وفيه: دخول عمر على عائشة وحفصة ولومهُ لهما، وقوله لحفصة: "والله لقد علمتُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُحبُّكِ، ولولا أنا لطلقك". وفيه: قول عمر عند الاستئذان- في إحدى المرات - يا رباحُ استأذنْ لي، فإني أظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظن أني جئتُ من أجل حفصة، والله لئن أمرني أن أضرب عنقها، لأضربن عُنقها، قال: ورفعتُ صوتي، وأنه أذن له عند ذلك، وأنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يخبر الناس أنه لم يطلقْ نساءه فأذِنَ له، وأنه قام على باب المسجد، فنادى بأعلى صوته: لم يطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نسائه، وأنه قال له - وهو يرى الغضب في وجهه- يا رسول الله، ما يشُقُّ عليك من شأن النساء، فإن كنت طلقتهُنَّ، فإن الله معك، وملائكته وجبريل وميكائيل، وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك، قال: وقلما تكلمتُ - وأحمد الله - بكلامٍ، إلا

_ (1) مسلم (2/ 1113) نفس الموضع السابق. (2) مسلم (2/ 1105، 1106، 1107، 1108) نفس الموضع السابق.

رجوت أن يكون الله يصدق قولي الذي أقول، فنزلت هذه الآية آية التخيير: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا}. وفيه أنه قال: فلم أزل أحدثه، حتى تحسر الغضب عن وجهه وحتى كشر فضحك- وكان من أحسن الناس ثغراً - قال: ونزلتُ أتشبثُ بالجِذْع، وهو جِذْعٌ يرقى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وينحدرُ، ونزل رسول الله كأنما يمشي على الأرض، ما يمسه بيده. فقلت: يا رسول الله، إنما كنت في الغرفة تسعاً وعشرين؟ فقال: إن الشهر يكون تسعاً وعشرين، قال: ونزلت هذه الآية: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} (1) قال: فكنت أنا الذي استنبطتُ ذلك الأمر، فأنزل الله عز وجل آية التخيير. وفي رواية (2) للبخاري ومسلم قال ابن عباس: مكثتُ سنةً أريدُ أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية، فما أستطيعُ أن أسأله، هيبةً له، حتى خرج حاجاً، فخرجت معه، فلما رجعنا - وكنا ببعض الطريق - عدل إلى الأراك لحاجةٍ له فوقفتُ له حتى فرغ، ثم سرتُ معه، فقلت: يا أمير المؤمنين، من اللتان تظاهرتا على النبي صلى الله عليه وسلم من أزواجه؟ فقال: تلك حفصة وعائشة، فقلت: والله إن كنت لأريد أن أسألك عن هذا منذ سنةٍ، فما أستطيع، هيبةً لك، قال: فلا تفعل، ما ظننت أن عندي من علم فسلني، فإن كان لي به علم خبرتك به، ثم قال عمر: والله، إن كنا في الجاهلية ما نعُدُّ للنساء أمراً، حتى أنزل الله فيهن ما أنزل، وقسم لهن ما قسم، قال: فبينا أنا في أمرٍ أتأمره، إذ قالت امرأتي: لو صنعت كذا وكذا؟ فقلت لها: مالك ولما هاهنا! فيما تكلُّفُك ي أمر أريده! فقالت لي: عجباً لك يابن الخطاب!! ما تريد أن تُراجع أنت، وإن ابنتك لتراجع رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ (1) النساء: 83. (2) البخاري (8/ 657، 658) 65 - كتاب التفسير، 2 - باب (تبتغي مرضاة أزواجك). مسلم (2/ 1108، 1109، 1110) نفس الموضع السابق. (تحسر) الغضب، أي: انكشف وزال. (كشر) عن أسنانه، أي: كشف. (أتأمره) التأمرُ: تدبرُ الشيء والتفكر فيه، ومشاورة النفس في شأنه.

حتى يظل يومه غضبان؟ فقام عمر، فأخذ رداءه مكانه، حتى دخل على حفصة، فقال لها: يا بُنية، إنك لتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان؟ فقالت حفصة: والله إنا لنراجعه، فقلت: تعلمين أني أُحذرك عقوبة الله وغضب رسوله؟ يا بنية، لا يغرنك هذه التي أعجبها حُسنها، وحُبُّ رسول الله إياها - يريدعائشة - قال: ثم خرجت، حتى دخلت على أم سلمة لقرابتي منها، فكلمتُها، فقالت أم سلمة: عجباً لك يا ابن الخطاب!! دخلت في كل شيء، حتى تبتغي أن تدخل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أزواجه؟ قال: فأخذتني والله أخذاً كسرتني به عن بعض ما كنت أجدُ، فخرجتُ من عندها. وكان لي صاحبٌ من الأنصار، إذ غِبتُ أتاني بالخبر، وإذا غاب كنت أنا آتيه بالخبر، ونحن نتخوفُ ملكاً من ملوك غسان، ذُكر لنا: أنه يريد أن يسير إلينا، فقد امتلأت صدورنا منه، فإذا صاحبي الأنصاري يدقُّ الباب. فقال: افتح، افتح، فقلت: جاء الغسانيُّ؟ فقال: بل أشدُّ من ذلك، اعتزل رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجه، فقلت: رغِمَ أنف حفصة وعائشة، فأخذت ثوبي فأخرج حتى جئت، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشرُبةٍ له، يَرْقى عليها بعجلةٍ، وغلامٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس الدرجة، فقلت: قل: هذا عمر بن الخطاب، فأذن لي، قال عمر: فقصصتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث، فلما بلغت حديث أم سلمة، تبسم رسول الله صلى الله علي هوسلم، وإنه لعلى حصير، ما بينه وبينه شيءٌ، وتحت رأسه وسادةٌ من أدم، حشوُها ليفٌ، وإن عن رجليه قرظاً مصبُوراً، وعند رأسه أهبٌ معلقةٌ، فرأيت أثر الحصير في جنبه، فبكيتُ. فقال ما يبكيك؟ فقلت: يا رسول الله، إن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسول الله؟! فقال: "أما ترضى أن تكون لهم الدنيا، ولنا الآخرة"؟. وفي الحديث من الفوائد: سؤال العالم عن بعض أمور أهله وإن كان عليه فيه غضاضة إذا كان في ذلك سنة تنقل ومسألة تحفظ، وفيه توقير العالم ومهابته عن استفسار ما يخشى من تغيره عند ذكره، وترقب خلوات العالم ليسأل عما لعله لو سئل عنه بحضرة الناس أنكره على السائل، وفيه أن شدة الوطأة على النساء مذموم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بسيرة (1)

_ = (قرظا) القرظ: ورق السلم، يدبغ به الجلود. (مصبوراً) المصبور: لامجموع، أي: جُعل صبرة كصبرة الطعام.

الأنصار في نسائهم وترك سيرة قومه، وفيه تأديب الرجل ابنته وقرابته بالقول لأجل إصلاحها لزوجها، وفيه سياق القصة على وجهها وإن لم يسأل السائل عن ذلك، إذا كان في ذلك مصلحة من زيادة شرح وبيان، لا سيما إذا كان العالم يعلم أن الطالب يؤثر ذلك، وفيه البحث في العلم في الطرق والخلوات وفي حال القعود والمشي، وفيه ذكر العال ما يقع من نفسه وأهله بما يترتب عليه فائدة دينية وإن كان في ذلك حكاية ما يستهجن، وجواز ذكر العمل الصالح لسياق الحديث على وجهه، وبيان ذكر وقت التحمل، وفيه الصبر على الزوجات والإغضاء عن خطابهن والصفح عما يقع منهن من ذلك في حق المرء دون ما يكون من حق الله تعالى، وفيه جواز اتخاذ الحاكم عند الخلوة بواباً يمنع من يدخل إليه بغير إذنه، وفيه أن للإمام أن يحتجب عن بطانته وخاصة عند الأمر يطرقه من جهة أهله حتى يذهب غيظه ويخهرج إلى الناس وهو منبسط إليهم، فإن الكبير إذا احتجب لم يحسن الدخول إليه بغير إذن ولو كان الذي يريد أن يدخل جليل القدر، عظيم المنزلة عنده، وفيه أن المرء إذا رأى صاحبه مهموماً استحب له أن يحدثه بما يزيل همه ويطيب نفسه، لقول عمر: لأقولن شيئاً يضحك النبي صلى الله عليه وسلم ويستحب أن يكون ذلك بعد استئذان الكبير في ذلك، كما فعل عمر، وفيه التجمل بالثوب والعمامة عند لقاء الأكابر، وفيه التناوب في مجلس العالم إذا لم تتيسر المواظبة على حضوره لشاغل شرعي من أمر ديني أو دنيوي، وفيه أن الأخبار التي تشاع ولو كثر ناقلوها إن لم يكن مرجعها إلى أمر حسي من مشاهدة أو سماع لا تستلزم الصدق، فإن جزم الأنصاري في روايته بوقوع التطليق، وكذا جزم الناس الين رآهم عمر عند المنبر بذلك، محمول على أنهم شاع بينهم ذلك من شخص بناء على التوهم الذي توهمه من اعتزال النبي صلى الله عليه وسلم نساءه فظن لكونه لم تجر عادته بذلك أنه طلقهن فأشاع أنه طلقهن، فشاع ذلك فتحدث الناس به، وفيه أن الغضب والحزن يحمل الرجل الوقور على ترك التأني المألوف منه، لقول عمر: ثم غلبني ما أجد ثلاث مرات، وفيه كراهة سخط النعمة واحتقار ما أنعم الله به ولو كان قليلاً، والاستغفار من وقوع ذلك، وطلب الاستغفار من أهل الفضل، وإيثار القناعة، وعدم الالتفات إلى ما خص به الغير من أمور الدنيا الفانية.

انظر الفتح 9/ 291 - 293 وشرح النووي 10 - 93 - 94، وجامع الأصول 2/ 408. نقل القرطبي في تفسيره 6/ 173 و 174 قال الخليل بن أحمد والفراء: كل شيء يوجد من خلق الإنسان إذا أضيف إلى اثنين جمع. تقول هشمت رؤوسهما وأشبعت بطونهما، و"إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما" ولهذا قال: "فاقطعوا أيديهما" ولم يقل: يديهما.

سورة ن (القلم)

سورة ن (القلم) 2889 - * روى البخاري عن ابن عباس (رضي الله عنهما) في قوله تعالى: {عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} (1) قال رجلٌ من قريش: كانت له زنمةٌ مثل زنمةِ الشاة. وقال الحافظ: زاد أبو نعيم في مستخرجه في آخره "يعرف بها" وفي رواية سعيد بن جبير عند الحاكم 2/ 499: يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها، وللطبري من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: نعت فلم يعرف حتى قيل: زنيم فُعرف، وكانت له زنمة في عنقه يُعرف بها. قال الحافظ في الفتح 8/ 467: "العتل" قال الفراء: الشديد الخصومة وقيل: الجافي عن الموعظة وقال أبو عبيدة: الفظ الشديد، وقا الحسن: الفاحش الآثم، وقال الخطابي: الغليظ العنيف، وقال الداودي: السمين العظيم العنق والبطن وقال الهروي: الجموع: المنوع. و"الزنيم": الملصق في القوم ليس منهم. قال حسان: وأنت زنيم نيط في آل هاشم ... كما نيط خلف الراكب القدح الفرد قال الحافظ في الفتح 8/ 508: اختلف في الذي نزلت فيه، فقيل: هو الوليد بن المغيرة، ذكره يحيى بن سلام في تفسيره، وقيل: الأسود بن عبد يغوث، ذكره سنيد بن داود في تفسيره، وقيل: الأخنس بن شريق، ذكره السهيلي عن القعنبي، وزعم قوم: أنه أبو الأسود، وليس به، وأبعد من قال: إنه عبد الرحمن بن الأسود، فإنه هو يصغر عن ذلك، وقد أسلم، وذكر في الصحابة. 2890 - * روى البخاري عن أبي سعيد الخُدريِّ (ضري الله عنه) في قوله عالى:

_ 2889 - البخاري (8/ 662) 65 - كتاب التفسير، 1 - باب (عُتل بعد ذلك زنيم). (عتل) العتل: الفظ الغليظ، وقيل: الجافي الشديد الخصومة. (زنيم) الزنمة: الهنة المعلقة عند حلق المعزى، وهما زنمتان، والمراد بالزنيم: الدعي في النسب الملحق في القوم وليس منهم، تشبيهاً له بالزنمة. (1) ن: 13. 2890 - البخاري (8/ 663، 664) 65 - كتاب التفسير، 2 - باب (يوم يُكشفُ عن ساق) وهو طرف من حديث طويل قد أخرجه هو ومسلم بطوله. قال ابن الأثير: ... =

{يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ} (1) قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يكشف ربنا عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنةٍ، ويبقى من كان يسجدُ في الدنيا رياء وسمعةً، فيذهب ليسجد، فيعود ظهرهُ طبقاً واحداً". قال الحافظ في الفتح 8/ 508: "قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله: يوم يكشف عن ساق، قال: من شدة أمر، وعند الحاكم 2/ 499، 500 وصححه ووافقه الذهبي من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: هو يوم كرب وشدة، قال الخطابي: فيكون المعنى: يكشف عن قدرته التي تنكشف عن الشد والكرب. ووقع في هذا الموضع "يكشف ربنا عن ساقه" وهو من رواية سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم. فأخرجها الإسماعيلي كذلك، ثم قال في قوله: "عن ساق" نكرة، ثم أخرجه من طريق حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم بلفظ: يكشف عن ساق، قال الإسماعيلي: هذه أصح لموافقتها لفظ القرآن في الجملة لا يظن أن الله ذو أعضاء وجوارح لما في ذلك من مشابهة المخلوقين، تعالى الله عن ذلك، ليس كمثله شيء". وقال النووي في شرح مسلم: وفسر ابن عباس وجمهور أهل اللغة وغريب الحديث الساق هنا: بالشدة: أي يكشف عن شدة وأمر مهول". وقال العيني في شرح البخاري 9/ 234 في باب يوم يكشف عن ساق، أي هذا باب في قوله تعالى {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} قيل: تكشف القيامة عن ساقها، وقيل: عن أمر شديد فظيع، وهو إقبال الآخرة وذهاب الدنيا، وهذا من باب الاستعارة، تقول العرب للرجل إذا وقع في أمر عظيم يحتاج فيه إلى اجتهاد ومعاناة ومقاساة للشدة: شمر عن ساقه، فاستعير الساق في موضع الشدة وإن لم يكن كشف الساق حقيقة، كما يقال: أسفر وجه الصبح، واستقام له صدر الرأي والعرب تقول لسنة الحرب: كشفت عن ساقها. وانظر جامع الأصول 2/ 412.

_ = (يكشف عن ساقه) الساق في اللغة: الأمر الشديد، و"كشف الساق" مثل في شدة الأمر. وأصله في الروع، كما يقال للأقطع الشحيح: يده مغلولة، ولا يد ثم ولا غُل، وإنما هو مثل في البخل، وكذلك هذا: لا ساق هناك ولا كشف. (طبقاً) الطبق: خرزُ الظهر، واحدتها: طبقة، يقال: صار فقارهم فقارة واحدة، فلا يقدرون على السجود، وقيل: الطبق: عظمٌ رقيق، يفصل بين الفقراين، أي: صار الظهر عظماً واحداً. (رياء وسمعة) فعلت الشيء ياء وسمعة: إذا فعلته ليراك الناس ويسمعوك. (1) ن: 43.

سورة نوح

سورة نوح 2891 - * روى البخاري عن (ابن عباس) صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب، أما وُد فكانت لكلبٍ بدُومة الجندل، وسُواعٌ لهُذيل، ويغوثُ لمرادٍ، ثم صارت لبني غُطيفٍ بالجوف عند سبأ، وأما يعوقُ فكانت لهمدان، وأما نسرٌ فلحميرٍ لآل ذي الكلاع، وكلها أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً، وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تُعبد حتى إذا هلك أولئك، ونُسخ العلم عُبدت (1).

_ 2891 - البخاري (8/ 667) 65 - كتاب التفسير، 1 - باب (ودا ولا سواعاً ...).

سورة الجن

سورة الجن 2892 - * روى الشيخان عن ابن عباس: ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن ولا رآهم، انطلق في طائفة من أصحابه إلى سوق عُكاظٍ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسل عليهم الشهب فرجع الشياطين إلى قومهم فقالوا: مالكم؟ قيل: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهبُ، قالوا وما ذاك إلا من شيء حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، فمر النفر الذين أخذوا نحو تهامة بالنبي صلى الله عليه وسلم بنخلة عامدين إلى سوق عُكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له، وقالوا هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء، فرجعوا إلى قومهم، فقالوا: "يا قومنا إنا سمعنا قرآنا عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحداً" فنزل: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ}. وفي رواية (1): وإنا أوحي إليه قول الجن. وزاد الترمذي: لما رأوه يصلي، وأصحابه يصلون بصلاته، ويسجدون بسجوده فعجبوا من طواعية أصحابه له، قالوا لقومهم: لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبداً. أقول: هناك حالات شاهد فيها الرسول صلى الله عليه وسلم الجن واجتمع بهم وبلغهم، وقد رأينا من قبل في سورة الأحقاف نفي ابن مسعود لأن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهد الجن الذين نزلت بسببهم آيات الأحقاف، وهاهنا ينفي ابن عباس أن تكون سورة الجن نزلت على أثر مشاهدة، والظاهر أن ما نزل في سورة الأحقاف وما نزل في سورة الجن من حديث عن الجن كان سببه واحداً.

_ 2892 - البخاري (2/ 253) 10 - كتاب الأذان، 105 - باب الجهر بقراءة صلاة الفجر. مسلم (1/ 331، 332) 4 - كتاب الصلاة، 33 - باب الجهر بالقراءة في الصبح ... إلخ. الترمذي (5/ 426، 427) 48 - كتاب تفسير القرآن، 70 - باب "ومن سورة الجن" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (1) البخاري (8/ 669، 670) 65 - كتاب التفسير، 1 - باب 4921.

2893 - * روى أحمد عن عكرمة وغيره {نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} قال بنخلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العشاء الآخرة {كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا}. قال سفيان اللبد بعضهم على بعض (1).

_ 2893 - أحمد (1/ 167). مجمع الزوائد (7/ 129) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

سورة المزمل

سورة المزمل 2894 - * روى أبو داود عن ابن عباس (رضي الله عنهما) في قوله تعالى: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ} الآية (1) قال: نسختها الآية التي فيها قوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} (2) قال: وناشئةُ الليل: أوله، يقول: هو أجدر أن تُحصوا ما فرض لله عليكم من قيام الليل، وذلك: أن الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ، وقوله: {وَأَقْوَمُ قِيلًا} (3) يقول: هو أجدرُ أن تفقهِ في القرآن، قوله: {إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا} (4) يقول: فراغاً طويلاً. وفي رواية (5) قال: لما نزل أول (المزمل) كانوا يقومون نحواً من قيامهم في شهر رمضان، حتى نزل آخرها، وكان بين أولها وآخرها سنةٌ. 2895 - *روى أبو يعلي عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه وجد ما قال الله عز وجل {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا}. سورة المدثر 2896 - * روى البزار عن أبي هريرة في قول الله تبارك وتعالى {فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} قال: الأسد.

_ 2894 - أبو داود (2/ 32) كتاب الصلاة، باب نسخ قيام الليل [والتيسير فيه]. (1) المزمل: 3. (2) المزمل: 20. (3) المزمل: 6. (4) المزمل: 7. (5) أبو داود: نفس الموضع السابق، وسند الروايتين حسن ويؤيده حديث مسلم في صحيحه أن حكيم بن أفلح قال لعائشة: أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ألست تقرأ (ياأيها المزمل) قلت: بلى، قالت: فإن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهراً في السماء حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوعاً بعد فريضة. 2895 - أبو يعلي (8/ 213). مجمع الزوائد (7/ 130) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلي وإسناده جيد. 2896 - كشف الأستار (3/ 77) كتاب التفسير، سورة المدثر. مجمع الزوائد (7/ 131) وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله ثقات.

سورة القيامة

سورة القيامة 2897 - * روى الشيخان عن ابن عباس (رضي الله عنهما) في قوله عز وجل: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعالج من التنزيل شدة وكان مما يحرك به شفتيه - فقال ابن عباس: أنا أُحركهما كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركهما، وقال سعيد بن جبير: وأنا أحركهما كما كان ابن عباس يحركهما. فحرك شفتيه فأنزل الله تعالى {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} (1) قال: جمعه لك في صدرك ثم تقرأه {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} (2) قال: فاستمعْ وأنصتْ، ثم علينا أنت تقرأه، قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه جبريل عليه السلام بعد ذلك استمع، فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما أقرأه. وفي رواية (3): كما وعده الله عز وجل. وفي رواية (4) الترمذي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أُنزلَ عليه القرآنُ يحرِّكُ به لسانه، يُريد أني حفظه، فأنزل الله تبارك وتعالى {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} قال: فكان يُحرك به شفتيه، وحرك سفيان شفتيه. 2898 - * روى الطبراني عن سعيد بن جبير قال: سألت ابن عباس عن قول الله تعالى: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} أشيء قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم أم شيءٌ أنزله الله قال: قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزله اللهُ.

_ 2897 - البخاري (1/ 29) 1 - كتاب بدء الوحي، 4 - باب 5. وأيضاً (13/ 499) 97 - كتاب التوحيد، 43 - باب قول الله تعالى (لا تُحرك به لسانك). مسلم (1/ 330، 331) 4 - كتاب الصلاة، 32 - باب الاستماع للقراءة. (1) القيامة: 16 - 17. (2) القيامة: 18. (3) البخاري (8/ 682) 65 - كتاب التفسير، 2 - باب (فإذا قرأناه فاتبع قرآنه). (4) الترمذي (5/ 430) 48 - كتاب تفسير القرآن، 72 - باب "ومن سورة القيامة" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. 2898 - الطبراني (المعجم الكبير) (11/ 458). مجمع الزوائد (7/ 132) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات. (أولى لك فأولى) تهديد بعد تهديد.

سورة عم يتساءلون

سورة عم يتساءلون 2899 - * روى البخاري عن عِكرمة (رحمه الله) في قوله تعالى: {وَكَأْسًا دِهَاقًا} (1) قال: ملأى متتابعة قال: وقال ابن عباس: سمعتُ أبي في الجاهلية يقول: اسقنا كأساً دهاقاً. سورة النازعات 2900 - * روى البزار عن عائشة قالتْ ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألُ عن الساعة حتى نزلت {فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا}. قال في القرطبي: فكأنه عليه السلام لما أكثروا عليه سأل الله أن يُعرفه ذلك فقيل له لا تسألْ فلست في شيء من ذلك. سورة عبس 2901 - * روى البخاري عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) أن عمر قرأ {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} (2) قال: فما الأبُّ؟ ثم قال: ما كُلفنا بهذا، أو قال: ما أُمرنا بهذا. وأخرج الحاكم في مستدركه 2/ 514 عن ابن شهاب عن أنس رضي الله عنه أخبره: أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا وَحَدَائِقَ غُلْبًا وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} قال: فكل هذا قد عرفناه، فما الأب؟ ثم نفض عصا كانت في يده، فقال: هذا لعمر الله التكلف، اتبعوا ماتبين لكم من هذا الكتاب، وقال الحاكم: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

_ 2899 - البخاري (7/ 148، 149) 63 - كتاب مناقب الأنصار، 26 - باب أيام الجاهلية. (1) النبأ: 43. 2900 - كشف الأستار (3/ 78) سورة النازعات. منجمع الزوائد (7/ 134) وقال الهيثمي: رواه البزار والطبراني ورجال البزار رجال الصحيح. 2901 - رواه البخاري في صحيحه. (أباً) الأبُّ: المرعى، وقيل: هو للدواب كالفاكهة للإنسان. (2) عبس: 31.

سورة التكوير

سورة التكوير 2902 - * روى أحمد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأيُ عينٍ فليقرأ {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}. 2903 - * روى البزار عن عمر بن الخطاب، وسئل عن قوله تعالى {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ} قال: جاء قيسُ بن عاصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني قد وأدتُ بناتٍ لي في الجاهلية فقال: أعتق عن كل واحدةٍ منهن رقبةً. فقلت: يا رسول الله إني صاحب إبلٍ قال فانحر عن كل واحدة منهن بدنةَ. سورة ويل للمطففين 2904 - * روى البزار عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل سباع بن عُرفطة على المدينة فقرأ {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} فقلت هلك فلانٌ، له صاعان صاع يُعطي به وصاع يأخذُ به. كان هذا عندما هاجر أبو هريرة إلى المدينة أول ما وصلها وكان النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر. 2905 - * روى الطبراني عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} (1) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف بكم إذا جمعكم اللهُ عز

_ 2902 - أحم د (2/ 27، 36، 100). مجمع الزوائد (7/ 134) وقال الهيثمي: رواه أحمد بإسنادين ورجالهما ثقات، ورواه الطبراني بإسناد أحمد. المستدرك للحاكم (2/ 514) وصححه ووافقه الذهبي. مجمع الزوائد (7/ 134) وقال الهيثمي: رواه أحمد بإسنادين ورجالهما ثقات. 2903 - كشف الأستار (3/ 78) سورة إذا الشمس كورت. مجمع الزوائد (7/ 134) وقال الهيثمي: رواه البزار والطبراني، ورجال البزار رجال الصحيح، غير حسين بن مهدي الأيلي، وهو ثقة. 2904 - كشف الأستار (3/ 79) سورة ويل للمطففين. مجمع الزوائد (7/ 135) وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير إسماعيل بن مسعود الجحدري وهو ثقة. 2905 - مجمع الزوائد (7/ 135) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات.

سورة إذا السماء انشقت

وجل كما يُجمعُ النبلُ في الكنانة خمسين ألف سنة لا ينظر إليكم". 2906 - * روى الترمذيُّ عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن العبد إذا أخطأ خطيئةً، نُكتتْ في قلبه نكتةٌ، فإذا هو نزع واستغفر وتاب، صُقِل قلبُه، وإنْ عاد، زيدَ فيها، حتى تعلُو قلبه، وهو الرانُ الذي ذكره الله" {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (1). سورة إذا السماء انشقت 2907 - * روى البخاري عن ابن عباس (رضي الله عنهما) في قوله تعالى: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} (2) قال: حالاً بعد حالٍ، قال هذا نبيُّكم صلى الله عليه وسلم. هذا التفسير من ابن عباس على قراءة فتح الباء من قوله {لَتَرْكَبُنَّ} وبها قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي. وقد أخرج الطبري 30/ 78 الحديث المذكروعن يعقوب بن إبراهيم، عن هشيم بلفظ: أن ابن عباس كان يقرأ: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} يعني نبيكم "حالاً بعد حال" قال الحافظ وأخرجه أبو عبيد في كتاب "القراءات" عن هشيم وزاد - يعني بفتح الباء-. قال الطبري: قرأها ابن مسعود وابن عباس وعامة قراء مكة الكوفة بالفتح، والباقون بالضم، على أنه خطاب للأمة، ورجحها أبو عبيد لسياق ما قبلها وما بعدها، ثم أخرج عن الحسن وعكرمة وسعيد بن جبير وغيرهم قالوا: {طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} يعني: حالاً بعد حال. ومن طريق الحسن أيضاً وأبي العالية ومسروق قالوا: السموات.

_ 2906 - الترمذي (5/ 434) 48 - كتاب تفسير القرآن، 75 - باب "ومن سورة ويل للمطففين" وقال: حديث حسن صحيح. المستدرك (2/ 517) وصححه الحاكم، وأقره الذهبي. (نكت) النكتُ: الأثر في الشيء. (الران) ران على قلبه، أي غطى، وقيل: غلب. (1) المطففين: 14. 2907 - البخاري (8/ 698) 65 - كتاب التفسير، 2 - باب (لتركبن طبقاً عن طبق). (2) الانشقاق: 19.

سورة البروج

وأخرج الطبري أيضاً، والحاكم من حديث ابن مسعود إلى قوله: {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} قال: السماء. وفي لفظ الطبري عن ابن مسعود قال: "السماء تصير مرة كالدهان، ومرة تنشق". وفي لفظ: "تنشق ثم تحمر ثم تنفجر" ورجح الطبري الأول. وأصل الطبق: الشدة، والمراد بها هاهنا: ما يقعُ من الشدائد يوم القيامة، والطبق: ما طابق غيرهُ، يقال: ما هذا بطبقِ كذا. أي: لا يطابقه، ومعنى قوله: "حالاً بعد حال" أي: حال مطابقة للتي قلبها في الشدة، وهو جمع طبقة، وهي المرتبة، أي: هي طبقاتٌ بعضها أشد من بعض. [م]. أقول: قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي {لَتَرْكَبُنَّ} يفتح الباء وقرأ الباقون من القراء السبعة بضم الباء فالقراءتان متواترتان. قال القرطبي: وقيل: لتركبنَّ أيها الإنسان حالاً بعد حال من كونك نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم حياً وميتاً وغنياً وفقيراً. سورة البروج 2908 - * روى البزار عن ابن عباس في قوله تعالى {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} قال الشاهدُ محمد صلى الله عليه وسلم والمشهودُ يومُ القيامة. أقول: هذا أحد أقوال كثيرة في تفسير هذه الآية. سورة الأعلى 2909 - * روى أبو داود عن ابن عباسٍ (رضي الله عنهما) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} قال: "سبحان ربي الأعلى" (1).

_ 2908 - كشف الأستار (3/ 79) سورة البروج. مجمع الزوائد (7/ 136) وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله ثقات. 2909 - أبو داود (1/ 233) كتاب الصلاة، 152 - باب الدعاء في الصلاة. وأخرجه أحمد بسند حسن أيضاً، وقد قال أبو داود: خولف وكيع في هذا الحديث، رواه أبو وكيع وشعبة عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفاً، كأنه يريد تعليل المرفوع بذلك، قال أحمد شاكر: وما هذه بعلة.

سورة والشمس وضحاها

سورة والشمس وضحاها 2910 - * روى الطبراني عن ابن عباس قال كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا تلا هذه الآية {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} وقف ثم قال: "اللهم آت نفسي تقواها أنت وليها وخيرُ من زكاها". 2911 - * روى الشيخان عن عبد الله بن زمعةَ (رضي الله عنه) أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب - وذكر الناقة والذي عقرها - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم {إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا} (1) انبعثَ لها رجلٌ عزيزٌ عارمٌ منيعٌ في رهطه، مثل أبي زمعةَ. وذكر النساء - وفي رواية: ثم ذكر النساء - فوعظ فيهن. فقال: يعمِدُ أحدُكم فيجْلِدُ امرأتهُ جلد العبدِ، فلعله يُضاجِعُها من آخر يومه. ثم وعظهم في ضحكهم من الضَّرطَةِ، قال: لِمَ يضْحَكُ أحدكم مما سيفعلُ؟.

_ 2910 - الطبراني (المعجم الكبير) (11/ 106). مجمع الزوائد (7/ 138) وقال الهيثمي: رواه الطبراني وإسناده حسن. 2911 - البخاري (8/ 705) 65 - كتاب التفسير، 91 - باب سورة (والشمس وضُحاها). مسلم (4/ 2191) 51 - كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، 13 - باب النار يدخلها الجبارون، والجنة يدخلها الضعفاء. الترمذي (5/ 440، 441) 48 - كتاب تفسير القرآن، 80 - باب "ومن سورة والشمس وضحاها" وقال الترمذي: هذا حيدث حسن صحيح. (عقرها) العقْر: الجرح، وعقر ناقته: ضرب قوائمها بالسيف فقطعها والمراد به هنا قتل الناقة. (انبعث): نهض. (عارمٌ) العارم: الشديد الممتَنِعُ. (أبو زمعة) هو عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى، صحابي مشهور. وأمه قريبة: أخت أم سلمة أم المؤمنين. (1) الشمس: 12.

سورة الضحى

سورة الضحى 2912 - * روى الشيخان عن جُند بن سفيان البجلي: اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقمْ ليلة أو ليلتين. فجاءته امرأة قالت يا محمد إني لأرجو أن يكون شيطانُك قد تركك، لم أره قربك منذ ليلتين، فنزل {وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}. وللترمذي قال كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار فدميت إصبعه، فقال صلى الله عليه وسلم: هل أنت إلا إصبعٌ دميتِ، وفي سبيل الله ما لقيت، فأبطأ عليه جبريلُ، فقال المشركون: قد وُدِّعَ محمدٌ، فنزل {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}. وفي القرطبي: عن جندب قال: رمي النبي صلى الله عليه وسلم في أصبعه بحجر فدميت فقال: هل أنت إلا إصبعٌ دميتِ وفي سبيل الله ما لقيت. فمكث ليلتين أو ثلاثاً لا يقوم الليل فقالت له أم جميل ... إلخ. سورة العلق 2913 - * روى الترمذي عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: كان رسول الله صلىلله عليه وسلم يُصلي، فجاء أبو جهلٍ، فقال: ألم أنهك عن هذا؟ ألم أنهك عن هذا؟ فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم، فزبرهُ، فقال أبو جهلٍ: إنك لتعلمُ ما بها نادٍ أكثر مني، فأنزل الله تبارك وتعالى: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} (1) قال ابن عباس: والله لو دعا ناديه لأخذته زبانية الله.

_ 2912 - البخاري (8/ 710) 65 - كتاب التفسير، 1 - باب (ما ودعك ربك وما قلى). مسلم (3/ 1422) 32 - كتاب الجهاد والسير، 39 - باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين والمنافقين. (اشتكى): مرض. (المرأة): هي العوراء بنت حرب أخت أبي سفيان وهي أم جميل وزوج عمه أبي لهب حمالة الحطب (حاشية القرطبي). الترمذي (5/ 442) 48 - كتاب تفسير القرآن، 82 - باب "ومن سورة والضحى" وقال الترمي: هذا حديث حسن صحيح. 2913 - الترمذي (5/ 444) 48 - كتاب تفسير القرآن، 85 - باب "ومن سورة اقرأ بسم ربك الذي خلق" وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح. (نادٍ) النادي: مجتمع القوم. (1) العلق: 17، 18.

2914 - * روى أحمد عن أبي هريرة قال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قال: فقيل: نعم، فقال: واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته أو لأعفرنَّ وجهه في التراب، قال: فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي زعم ليطأ على رقبته قال: فما فجئهم منه إلا وهو ينْكصُ على عقبيه، ويتقي بيديه، قال: فقيل له: مالك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقاً من نار وهولاً وأجنحة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً" قال: فأنزل الله عز وجل- لا ندري في حديث أبي هريرة أو شيء بلغ- {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى} إلى آخر السورة. 2915 - * روى الترمي عن أُبي بن كعبٍ (رضي الله عنه): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن، فقرأ عليه {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} (1) وقرأ فيها: إن الدينَ عند الله الحنيفيةُ المسلمةُ، لا اليهوديةُ، ولا النصرانيةُ، ولا المجوسيةُ، ومن يعمل خيراً فلن يكفره، وقرأ عليه: لو أن لابن آدم وادياً من مالٍ، لابتغى إليه ثانياً، ولو أن له ثانياً، لابتغى إليه ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التُّراب، ويتوب الله على من تاب". أقول: قوله: (إن الدين عند الله الحنيفية المسلمة ...)، وقوله: (لو أن لابن آدم وادياً من مال ...)، ليس من القرآن بالإجماع ويمكن أن يكون حديثاً قدسياً أو من باب تفسير القرآن بالمأثور، وحمله بعضهم على أنه من منسوخ التلاوة وليس فيها ما يدل على أنه كان من القرآن ثم نسخ.

_ 2914 - أحمد (2/ 370). مسلم (4/ 2154) 50 - كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، 6 - باب قوله (إن الإنسان ليطغى ...). وأخرجه النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم. 2915 - الترمذي (5/ 665، 666) 50 - كتاب المناقب، 33 - باب مناقب معاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأُبي ... إلخ، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وبعض هذا احلديث عند البخاري ومسلم سورة نوح. (1) البينة: 1 - 8.

سورة إذا زلزلت

سورة إذا زلزلت 2916 - * روى الطبراني عن عبد الله بن عمرو قال نزلت {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} وأبو بكر الصديق رضي الله عنه قاعدٌ فبكى أبو بكر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ماي ُبكيك يا أبا بكرٍ فقال: أبكتني هذه السورة فقال رسول الله صلىلله عليه وسلم: "لو أنكم لا تخطئون ولا تُذنبون لخلق الله تعالة أمةً من بعدكم يخطئون ويذنبون فيغفرُ لهم". أقول: خلق الله عز وجل هذا الكون بما فيه مظهراً لآثاره، فمن عرف آثاره عرف أسماءه ومن عرف أسماءه عرف صفاته، ومن عرف صفته عرف وجوده جل جلاله، ومن أسمائه التواب والعفو والغفور، فلو لم يكن هناك ذنب ومذنبون واستغفار ومستغفرون، وعفو من الله ومغفرة وتوبة، لكان ذلك نقصاً في معرفة الله عز وجل، ولذلك ورد في النص "لو أنكم لا تخطئون ولا تذنبون لخلق الله تعالى أمة من بعدكم يخطئون ويذنبون فيغفر لهم". 2917 - * روى الترمذي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} (1) قال: أتدرون ما أخبارُها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: فإن أخبارها: أن تشهد على كل عبدٍ أو أمةٍ بما عمل على ظهرها، تقول: عمل يوم كذا، كذا وكذا، فهذا أخبارها. 2918 - * روى أحمد عن صعصعة بن معاوية عم الفرزدق أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} قال: حسبي لا أبالي أن لا أسمع غيرها.

_ 2916 - مجمع الزوائد (7/ 141) وقال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه حيي بن عبد الله المعافري وثقه ابن معين وغيره، وبقية رجاله رجال الصحيح وأصل الحديث عند مسلم من رواية أبي أيوب. 2917 - الترمذي (5/ 446، 447) 48 - كتاب تفسير القرآن، 88 - باب "ومن سورة إذا زلزل الأرض" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، وأخرجه أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه وقال: حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. (1) إذا زلزلت: 4. 2918 - أحمد (5/ 59). مجمع الزوائد (7/ 141) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني مرسلاً ومتصلاً ورجال الجميع رجال الصحيح.

سورة التكاثر

سورة التكاثر 2919 - * روى الترمذي عن الزبير بن العوام (رضي الله عنه) قال: لما نزلت {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} (1) قال الزبير: يا رسول الله، وأيُّ نعيم نُسأل عنه، وإنما هما الأسودان، التمر والماء؟ قال: أما إنه سيكونُ. 2920 - * روى الترمذي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: لما نزلت هذه الآية {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} قال الناسُ: يا رسول الله، عن أي النعيم نُسأل، وإنما هما الأسودان، والعدوُّ حاضرٌ، وسيوفنا على عواتقنا؟ قال: إن ذلك سيكون. (والعدو حاضر وسيوفنا على عواتقنا): قال* "يعنون نأكل أدنى الطعام ولا نأمن على أنفسنا أي نحن مستعدون دائماً للقتال". 2921 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألو ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم، أن يقال له: ألم نُصحَّ لك جِسمكَ؟ ونروك من الماء البارد؟ ". سورة الماعون 2922 - * روى أبو داود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا نعدُّ الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عاريةَ الدلْوِ والقدْرِ. 2923 - * روى البزار عن عبد الله بن مسعودٍ قال كنا نعُدُّ الماعون على عهد رسول الله

_ 2919 - الترمذي (5/ 448) 48 - كتاب تفسير القرآن، 89 - باب "ومن سورة التكاثر" وقال الترمذي: هذا حديث حسن. (1) التكاثر: 8. 2920 - الترمذي (5/ 448) 48 - كتاب تفسير القرآن، 89 - باب "ومن سورة التكاثر" وقال الترمذي: حديث حسن. * أي المراجع. 2921 - الترمذي (5/ 448) الموضع السابق. ابن حبان (9/ 228) باب إخباره صلى الله عليه وسلم عن البعث، ذكر الأخبار عن سؤال الرب جل وعلا عبده في القيامة عن صحة جسمه في الدنيا، وصححه ابن حبان. 2922 - أبو داود (2/ 124) كتاب الزكاة، 32 - باب في حقوق المال، وإسناده سن. 2923 - كشف الأستار (3/ 82، 83) "سورة أرأيت". مجمع الزوائد (7/ 143) وقال الهيثمي: رواه البزار والطبراني في الأوسط ورجال الطبراني رجال الصحيح.

سورة الكوثر

صلى الله عليه وسلم الدلو والفأس والقِدْر. 2924 - * روى الطبراني عن ابن عباس {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} قال: العارية. سورة الكوثر 2925 - * روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا في المسجد، إذ أغْفى إغفاءةً، ثم رفع رأسه متبسماً، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: "نزلت عليَّ آنفاً سورة فقرأ، بسم الله الرحمن الرحيم، {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} (1) ثم قال: أتدرون ما الكوثر؟ فقلنا: الله ورسوله أعلم، قال: "فإنه نهرٌ وعدنيه ربي عز وجل، عليه خيرٌ كثيرٌ، هو حوضٌ تردُ عليه أُمتي يوم القيامة، آنيتُه عدد نجوم السماء فيُختلجُ العبد منهم، فأقول: ربِّ، إنه من أُمَّتي، فيقول: ما تدري ما أحدث بعدك؟ ". وفي رواية (2) نحوه، وفيه: إنه نهرٌ وعدنيه ربي في الجنة، عليه حوضي، ولم يذكر: "آنيته عدد النجوم". وقد أخرجه هو أيضاً، والبخاري مختصراً، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليردَنَّ عليَّ الحوض رجالٌ ممنْ صاحبني، حتى إذا رأيتُهم ورُفِعُوا إليَّ: اختُلجُوا دُوني،

_ 2924 - الطبراني (المعجم الكبير) (12/ 22). مجمع الزوائد (7/ 143) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. 2925 - مسلم (1/ 300) 4 - كتاب الصلاة، 14 - باب حجة من قال: البسملة آية من كل سورة سوى سورة براءة. (1) الكوثر: 1 - 3. (2) مسلم: الموضع السابق ص 301. وقد أخرج مسلم والبخاري هذا الحديث مختصراً وذلك كالآتي. البخاري (11/ 464) 81 - كتاب الرقاق، 53 - باب في الحوض. مسلم (4/ 1800) 43 - كتاب الفضائل، 9 - باب إبات حوض نبينا صلى الله عليه وسلم وصفاته. (الأبتَرُ) المقطوع النسل الي لا ولد له، وقيل: المنقطع من كل خير و"الشانيء" المُبْغِضُ والعدوُّ. (فيُختلجُ) الاختلاج: الاستلاب والاجتذاب. (آنفاً) يعني الآن والساعة.

فلأقولن، أي: ربِّ، أُصيحابي، أُصيحابي، فليقالنَّ لي، إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك". وفي رواية (1) للبخاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما عُرج بي إلى السماء، أتيت على نهرٍ حافتاهُ قبابُ اللؤلؤ المُجَوَّفِ، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: الكوثر". وفي أخرى (2) له، قال: "بينا أنا أسيرُ في الجنةِ، إذا أنا بنهرٍ حافتاهُ قبابُ اللؤلؤ المُجوَّفِ، قلت: ما هذا يا جبريلُ؟ قال: الكوثر الذي أعطاك ربُّك، فإذا طيبُهُ- أو طِينُهُ - مِسْكٌ أذْفَرُ" شكَّ الراوي. وأخرجه الترمذي قال: "بينا أنا أسيرُ في الجنةِ إذ عرض لي نهرٌ حافتاهُ قِبابُ اللؤلؤ، قلت للملكِ: ما هذا؟ قال: هذا الكوثرُ الذي أعطاكه الله، قال: ثم ضرب بيده إلى طينه، فاستخرج لي مسكاً، ثم رُفِعَتْ لي سِدْرة المنتهى، فرأيتُ عندها نوراً عظيماً. وله في أخرى (3): في قوله {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هو نهرٌ في الجنة، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "رأيتُ نهراً في الجنة، حافتاهُ قِبابُ للؤلؤِ، قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثرُ الذي أعطاكهُ الله". وفي أخرى (4) لأبي داود "لما عُرجَ بنبي الله في الجنةِ- أو كما قال: - عُرِضَ له نهرٌ في الجنةِ، حافتاهُ الياقوتُ المجيبُ - أو قال: المجَوَّفُ - فضرب الملكُ الذي معهُ يدهُ، فاستخرج مسكاً، فقال محمد صلى الله عليه وسلم للملكِ الذي معهُ: ما هذا؟ قال: الكوثر الذي أعطاكه الله".

_ (1) البخاري (8/ 731) 65 - كتاب التفسير، 1 - باب 4964. (2) البخاري (11/ 464) 81 - كتاب الرقاق، 53 - باب في الحوض. الترمذي (5/ 449) 48 - كتاب تفسير القرآن، 90 - باب "ومن سورة الكوثر" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (3) الترمذي: نفس الموضع السابق. (4) أبو داود (4/ 237، 238) كتاب السنة، باب ف يالحوض. (المجَيَّبُ) المجوف.

أقول: الراجح عند العلماء أن حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون قبل الصراط، وهذا الحديث نص في أن ماء الحوض من نهر الكوثر نسألُ الله عز وجل أن يسقينا من حوضه عليه الصلاة والسلام، وأن يسقينا من الكوثر. 2926 - * روى أحمد عن عدب الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الكوثر: نهر في الجنة، حافتاه من ذهبٍ، ومجراه على الدُّرِّ والياقوت، تربتُه أطيبُ من المسك، وماؤه أحلى من العسل، وأبيضُ من الثلج". 2927 - *روى الطبراني في الأوسط عن حُذيفة {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} قال نهرٌ في الجنة أجوفُ فيه آنيةٌ من الذهب والفضة لا يعلمه إلا الله. 2928 - * روى البخاري عن عامر بن عبد الله بن مسعودٍ سألت عائشة عن قوله تعالى {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} فقالت: الكوثر نهرٌ أُعطيه نبيكم، شاطئاه عليه دُرٌّ مُجوفٌ، أنيته كعدد النجوم. 2929 - * روى البخاري عن أبي بشرٍ جعفر بن إياس اليشكري (رحمه الله) عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال في الكوثر: هو الخير الذي أعطاه الله إياه، قلت لسعيد: فإن ناساً يزعمون أنه نهرٌ في الجنة؟ فقال سعيد: النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه. قال الحافظ في "الفتح": هذا تأويل من سعيد بن جبير، جمع به بين حديثي عائشة وابن عباس رضي الله عنهما، وكأن الناس الذين عناهم أبو بشر: ابو إسحاق وقتادة، ونحوهما، ممن روى ذلك صريحاً: أن الكوثر، هو النهر. ثم قال: (1) وحاصل ما قاله سعيد

_ 2926 - أحمد (2/ 67، 158). الترمذي (5/ 450) 48 - كتاب تفسير القرآن، 90 - باب "ومن سورة الكوثر". ابن ماجه (2/ 1450) 37 - كتاب الزهد، 39 - باب صفة الجنة، وهو حديث صحيح. 2927 - مجمع الزوائد (7/ 143) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، وإسناده حسن. 2928 - البخاري (8/ 731) 65 - كتاب التفسير، 108 - باب "سورة إنا أعطيناك الكوثر". 2929 - البخاري: نفس الموضع السابق.

سورة النصر

بن جبير: أن قول ابن عباس: إنه الخير الكثير، لا يخالف قول غيره: إن المراد به نهر في الجنة، لأن النهر فرد من أفراد الخير الكثير، ولعل سعيداً أومأ إلى أن تأويل ابن عباس أولى، لعمومه، لكن ثبت تخصيصه بالنهر، من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، فلا معدل عنه. سورة النصر 2930 - * روى البخاري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كان عمر يُدخلني مع أشياخ بدرٍ، فكأن بعضهم وجد في نفسه، فقال: لم تُدخل هذا معنا، ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر إنه من علمتم، فدعاه ذات يومٍ، فأدخله معهم، قال، فما رُئيتُ أنه دعاني يوماً، إلا ليريهم، قال: ما تقولون في قول الله عز وجل: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} إلى آخر السورة فقال بعضهم: أُمرنا بأن نحمد الله ونستغفره، إذا نُصرنا وفُتح علينا، وسكت بعضهم، فلم يقل شيئاً، فقال لي: أكذاك تقول يا ابن عباس؟ قلت لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له، فقال: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} فذلك علامة أجلِكَ {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} فقال عمر: ما أعلمُ منها إلا ما تقولُ. وفي رواية (1): أن عمر كان يُدني ابن عباس، فقال له عبد الرحمن بن عوفٍ: إن لنا أبناء مثله، فقال عمر: إنه من حيث تعلم، فسأل عمر ابن عباس عن هذه الآية؟ قال: أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعلمَهُ إياه، قال: ما أعلم منها إلا ما تعلمُ. وفي أخرى (2): أن عمر سألهم عن قوله: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} قالوا: فتح المدائن والقصور، قال: يا ابن عباس، ما قتول؟ قال: أجلٌ أو مثلٌ ضُربَ لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم، نُعيتْ إليه نفسيه. قوله "فما رئيت" على صيغة المجهول، بضم الراء وكسر الهمزة. وفي غزوة الفتح في رواية المستملي "أُريته" بتقديم الهمزة والمعنى واحد. وقوله "إلا ليُريهم" بضم الياء من الإراءة.

_ 2930 - البخاري (8/ 734، 735) 65 - كتاب التفسير، 4 - باب قوله (فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً). (1) البخاري (6/ 628) 61 - كتاب المناقب، 25 - باب علامات النبوة في الإسلام. (2) البخاري: (8/ 734) 65 - كتاب التفسير، 3 - باب قوله (ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً).

سورة الإخلاص

سورة الإخلاص 2931 - * روى البخاري عن أبي وائل (رحمه الله) قال: الصَّمدُ: السيدُ الذي انتهى سؤدده. 2932 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله عز وجل: يشتمني ابن آدم، وما ينبغي له أن يشتمني، ويكذبُني وما ينبغي له، أما شتمه إياي، فقوله: إن لي ولداً، وأما تكذيبه، فقوله: ليس يُعيدني كما بدأني". وفي رواية (1) قال: قال الله عز وجل: "كذبني ابن آدم، ولم يكنْ له ذلك، وشتمني، ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي، فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليَّ من إعادته، وأما شتمه إياي، فقوله: اتخذ الله ولداً، وأنا الأحد الصمد الي لم يلدْ ولم يُولدْ، ولم يكن له كفواً أحدٌ". سورة المعوذتيْن 2933 - * روى البخاري عن زرِّ بن حبيش (رحمه الله) قال: سألت أُبي بن كعب عن المعوذتين، قلت: يا أبا المنذر، إن أخاك ابن مسعودٍ يقول: كذا وكذا فقال: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قيل لي، فقلت: فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي أخرى (2): مِثْلُها، ولم يذكرْ فيه ابن مسعود.

_ 2931 - البخاري (8/ 739) 65 - كتاب التفسير، 2 - باب قوله (الله الصمد). وقد أخرج البخاري هذا الحديث تعليقاً، قال الحافظ: وقد وصله الفريابي من طريق الأعمش عنه. وجاء أيضاً من طريق عاصم عن أبي وائل فوصله بذكر ابن مسعود فيه. 2932 - البخاري (6/ 287) 59 - كتاب بدء الخلق، 1 - باب ما جاء في قوله تعالى: (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيديه). النسائي (4/ 112) 21 - كتاب الجنائز، 117 - أرواح المؤمنين. (1) البخاري (8/ 739) 65 - كتاب التفسير، 2 - باب قوله (الله الصمد). 2933 - البخاري (8/ 741) 65 - كتاب التفسير، 114 - سورة (قل أعوذ برب الناس). (2) البخاري: الموضع السابق: 113 سورة (قل أعوذ برب الفلق).

قال الحافظ في "الفتح" 8/ 742 "هكذا وقع اللفظ مبهماً (1)، وكأن بعض الرواة أبهمه استعظاماً له، وأظن ذلك من سفيان، فإن الإسماعيلي أخرجه من طريق عبد الجبار بن العلاء عن سفيان كذلك على الإبهام. وكنت أظن أولا أن الي أبهمه البخاري، لأني رأيت التصريح به في رواية أحمد عن سفيان، ولفظه: "قلت لأبي بن كعب: إن أخاك يحكمها من المصحف" وكذا أخرجه الحُميديُّ عن سفيان. ومن طريقه أبو نعيم في"المستخرج" وكأن سفيان كان تارة يصرح بذلك، وتارة يبهمه، وقد أخرجه أحمد أيضاً وابن حبان من رواية حماد بن سلمة عن عاصم بلفظ: "إن عبد الله بن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه" وأخرج محمد عن أبي بكر بن عياش عن عاصم بلفظ: "إن عبد الله يقول في المعوذتين" وهذا أيضاً فيه إبهام، وقد أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات "المسند" والطبراني، وابن مردويه من طريق الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي قال: "كان عبد الله بن مسعود يحك المعوذتين من مصاحفه، ويقول: إنهما ليستا من كتاب الله" قال الأعمش: وقد حدثنا عاصم عن زر عن أبي بن كعب فذكر نحو حديث قتيبة، وقد أخرجه البزار، وفي آخره يقول: "إنما أُمِرَ النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعوذ بهما" قال البزار: ولم يتابع ابن مسعود على ذلك أحد من الصحابة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم "انه قرأهما في الصلاة". قال ابن حجر: هو في صحيح مسلم عن عقبة بن عامر، وزاد فيه ابن حبان من وجه آخر عن عقبة "فإن استطعت أن لا تفوتك قراءتهما في صلاة فافعل" وأخرج أحمد من طريق أبي العلاء بن الشخير عن رجل من الصحابة " أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه المعوذتين، وقال له: إذا أنت صليت فاقرأ بهما" وإسناده صحيح، ولسعيد بن منصور من حديث معاذ بن جبل "أن النبي صىل الهل عليه وسلم صلى الصبح فقرأ فيهما بالمعوذتين". وقد تأول القاضي أبو بكر الباقلاني في كتاب "الانتصار" وتبعه عياض وغيره ما حُكي عن ابن مسعود فقال: لم ينكر ابن مسعود كونهما من القرآن، وإنما أنكر إثباتهما في المصحف، فإنه كان يرى أن لا يكتب في المصحف شيئاً إلا إن كان النبي صلى الله عليه وسلم أذن في

_ (1) (مبهما): يعني قوله: يقول كذا وكذا.

كتابته فيه، وكأنه لم يبلغه الإذن في ذلك. قال: فهذا تأويل منه، وليس جحداً لكونهما قرآنا، وهو تأويل حسن، إلا أن الرواية الصحيحة الصريحة التي ذكرتها تدفع ذلك، حيث جاء فيها "ويقول: إنهما ليستا من كتاب الله" نعم يمكن حمل لفظ: "كتاب الله" على المصحف، فيتمشى التأويل المذكور. وأما قول النووي في شرح "المهذب": أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة من القرآن، وأن من جحد منهما شيئاً كفر، وما نقل عن ابن مسعود باطل ليس بصحيح، ففيه نظر وقد سبه بنحو ذلك أبو محمد بن حزم، فقال في أوائل "المحلي" ما نقل عن ابن مسعود من إنكار قرآنية المعوذتين: فهو كذب باطل، وكذا قال الفخر الرازي في أوائل تفسيره: الأغلب على الظن أن هذا النقل عن ابن مسعود كذب باطل. والطعن في الروايات الصحيحة بغير مستند لا يقبل، بل الرواية صحيحة والتأويل محتمل، والإجماع الذي نقله إن أراد شموله لكل عصر فهو مخدوش، وإن أراد استقراره فهو مقبول. أقول: كانت هناك اتجاهات عند بعض الصحابة تخالف ما استقر عليه الإجماع في شأن القرآن الكريم، سببها اجتهاد أو ظن ما هو منسوخ التلاوة غير منسوخ أو عدم معرفة بآخر ما قرأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم، لما جمع أبو بكر المصحف بما يتفق مع آخر عرضة للقرآن على جبريل عليه السلام، ثم جمع عثمان النسا على رسم واحد للقرآن واستقرار الإجماع على هذا الرسم، فإن اعتقاد ما خالف الرسم العثماني للمصحف أنه من القرآن أو إنكاره شيء منه أنه قرآن - كفر - وأما الصحابة الذين تلقوا عن رسول الله صلى الله علي وسلم شيئاً وحافظوا عليه اجتهاداً منهم أنه لم يطرأ عليه ما يوجب عليهم تركه إلى ما عند غيرهم فهم معذورون، لأنه بالنسبة لهم قطعي الورود وروايات غيرهم عندهم تحتمل. أما بعد استقرار الإجماع فلا يجوز لأحدٍ أن يعتبر ما خالف الرسم العثماني قرآنا، وما وافق الرسم العثماني يشترط فيه التواتر ليعتبر قرآناً. وأما قضية ابن مسعود في أنه كان لا يكتب المعوذتين والفاتحة في قرآنه فهو محمولٌ لا على نفي أن المعوذتين والفاتحة من القرآن بل على أنه كان لا يرى سُنيَّةَ الكتابة لذلك، أو لا يرى احتياجاً لكتابة بعض ذلك، فالفاتحةُ من الشهرة بحيث لا تحتاجُ إلى كتابة، وأما

المعوذتان فعمله محمولٌ على أنه لا يرى سُنِّيَّةَ كتابتهما أو أن ذلك كان قبل علمه بقرأنيتهما بدليل أن كثيراً من القراءات العشر تصل في سندها إلى ابن مسعود وفيها المعوذتان والفاتحة، والنقل لها عن ابن مسعود صحيح، فقراءة عاصم عن زُرعة عن ابن مسعود فيها المعوذتان والفاتحة وهي صحيحة، ونقلُها عن ابن مسعود صحيح، وقد نقل صاحب مناهل العرفان أنه قد صح عن ابن مسعود أن رجع إلى ما في مصحف عثمان وحرق مصحفه في آخر الأمر، ورواية عاصم المتواترة والتي تصل بالسند الصحيح إلى ابن مسعود دليل على ذلك وكما أن سنداً صحيحاً عن عاصم يصل إلى ابن مسعود وفيه المعوذتان وهو أحد أئمة القراء السبعة فإن حمزة وهو من القراء السبعة أحد من قرأ القرآن كله بأسانيد صحيحة وفيه المعوذتان عن ابن مسعود نفسه. ولحمزة سند صحيح آخر إلى ابن مسعود بهذه القراءة، والكسائي وهو أحد أئمة القراء السبعة، أحد أسانيده، يصل إلى ابن مسعود أيضاً وفيه المعوذتان، وأن قراءة خلف وهو أحد الأئمة العشرة في القراءات يصل بأحد أسانيده إلى ابن مسعود وفيه المعوذتان. فعلى فرض صحة ما نقل عن ابن مسعود فالقول ببقائه عليه محض افتراء، كل ما في الأمر أنه لم يكتب الفاتحة في مصحفه لشهرتها وعدم الخوف عليها من النسيان وكذلك القول في المعوذتين، وقيل إنه لم يكن يعلم في أول الأمر أن المعوذتين من القرآن بل كان يفهم أنهما رقية ثم علم بعد ذلك قرآنيتهما، ومن هنا جاءت الروايات الصحيحة عنه بقرآنيتهما. قال صاحب مناهل العرفان: كما سقناه بين يديك عن أربعة من القراء السبعة بأسانيد هي من أصح الأسانيد المؤدية بما تواتر وبما استفاض وبما أجمعت الأمة عليه. 2934 - * روى أحمد عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى القمر فقال: "يا عائشة، استعيذي بالله من شر هذا، فإن هذا هو الغاسِقُ إذا وقب" (1).

_ 2934 - أحمد (6/ 252). الترمذي (5/ 452) 48 - كتاب تفسير القرآن، 94 - باب "ومن سورة المعوذتين" وقال: حسن صحيح. المستدرك (2/ 540، 541) وصححه ووافقه الذهبي. (الغاسق) الليل، ووقب: إذا طلع، وإنما سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم القمر غاسقاً، لأنه إذا أخذ في الطلوع والمغيب يظلم لونه، الغسوق: الظلام.

أقول: للقمر حالات، وأحياناً ينير الليل وأحياناً لا يؤثر في إنارته، فالاستعاذة في الأصل من الليل إذا ظهر لما يمكن أن يحويه من خطر، فكثيراً ما يستغل الليل للمفاجآت العسكرية وغيرها، وفي الليل لا يبصر الإنسان كثيراً من الأشياء التي يمكن أن تسبب له ضرراً، والقمر عند إظلامه لا يكون له تأثير في رفع الضرر أو تلافي الخطر ولذلك أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن هذه الحالة مما تدخل في الاستعاذة لتنبيه الأمة الإسلامية على أن غسوق القمر أي إظلامه مما ينبغي أن يكون محل استعاذة لتحذر هذه الأمة، ويحذر أبناؤها من الأيام التي يطلع فيها القمر غاسقاً أي مظلماً غير مؤثرٍ في الإنارة. 2935 - * روى ابن خزيمة عن عُقبة بن عامر، قال: كنتُ أقودُ برسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته في السفر، فقال: "يا عقبةُ ألا أُعلمُك خير سورتين قُرئتا؟ " قلت: بلى. قال: "قُلْ أعوذُ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس". فلما نزل صلى بهما صلاة الغداة، قال: "كيف رأيت يا عقبةُ" (1).

_ 2935 - ابن خزيمة (1/ 268) 115 - باب قراءة المعوذتين في الصلاة.

فوائد

(فوائد) - من أشهر كتب التفسير عند أهل السنة والجماعة التفاسير التالية: أولاً: تفسير ابن جرير الطبري وهو من أجل التفاسير وأصحها وأجمعها، كما أنه جمع من أصناف التحقيق ما ندر أن يوجد في غيره، قال النووي في تهذيب: (كتاب ابن جرير في التفسير لم يصنف أحد مثله، وهذا التفسير موجود إلى اليوم ومنتشر مطبوع وهو عمدة لأكثر المفسرين) واشتهر هذا التفسير أنه من نوع التفسير بالمأثور، والحق أنه جمع إلى جانب ذلك من المعقول ما لا يوجد في غيره. ثانياً: الدر المنثور في التفسير المأثور: وهو للإمام جلال الدين السيوطي. ثالثاً: تفسير ابن كثير: وهو من أصح التفاسير بالمأثور وهو مطبوع طبعات متعددة، وقد اختصره بعض أهل العصر، وقد حاولت في كتابي الأساس في التفسير أن استقصي أخذ فوائده وميزاته. رابعاً: تفسير البغوي: ومؤلفه كان جامعاً بين الإمامة في التفسير والحديث والفقه. خامساً: تفسير الجلالين: لجلال الدين المحلي وجلال الدين السيوطي. سادساً: تفسير البيضاوي: وهو تفسير رفع وصاية الزمخشري المعتزلي في كتابه الكشاف عن أهل السنة والجماعة، وقد اهتم به العلماء اهتماماً كثيراً حتى إنه أحصى للمعلقين عليه حوالي خمس وسبعين حاشية، وهو على اختصاره لا يكاد يترك شيئاً إلا ذكره، إلا أنه أخذ عليه ذكر بعض الأحاديث الموضوعة في فضائل سور القرآن، وهو كتابٌ يصلح أن يكون مرجعاً للعلماء، بل إن كثيراً من العلماء لا يستطيعون فهمه وتفهيمه، وبعضهم يعتبر القدرة على فهمه ميزاناً يعرف به علم العالم، فقد أعتاد العلماء أن يدرسوه لطلاب العلم. سابعاً: تفسير الإمام فخر الدين الرازي المسمى: مفاتيح الغيب، وفيه بحار من العلوم وكنوز من التحقيق لا يوجد في غيره، ولا يسلم من خطأ. ثامناً: تفسير أبي السعود العمادي الحنفي المسمى: إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن

الكريم، وهو من أرقى التفاسير وشأنه كشأن تفسير البيضاوي. تاسعاً: تفسير النسفي الحنفي المسمى مدارك التنزيل وحقائق التأويل. عاشراً: تفسير الألوسي: المسمى روح المعاني وفيه من عجائب التحقيق المدهش، وقد أدخل فيه معاني أراد بها جمع أقوال من سبقه بما في ذلك ما سُمي بالتفسير الإرشادي الذي أشرنا إلى خطورة الدخول فيه. الحادي عشر: تفسير الخازن وهو لعلاء الدين علي بن محمد البغدادي، ويرى بعضهم أن فيه من الفوائد الكثيرة، وكان شيخنا محمد الحامد يعتمده كأصل للتدريس في حلقته، ومن ميزاته أنه إذا ذكر قصة أو رواية فيها أباطيل كر عليها وفندها. الثاني عشر: تفسير الخطيب الشربيني المسمى السراج المنير في الإعانة على معرفة كلام ربنا الخبير، وصفه صاحب كتاب مناهل العرفان: بأنه كتاب عظيم يعني بثلاثة أشياء، تقرير الأدلة وتوجيهها، والكلام على المناسبات بين السور والآيات، وسرد كثير من القصص والروايات. ومن التفاسير التي كان لها تأثير واسع في عصرنا ردت أناسي كثيراً إلى الإسلام بعد ردة عنه: كتاب: في ظلال القرآن لسيد قطب وقد حلق في إبراز عظمة هذا القرآن بنوع من البيان انفرد به في تاريخ الإسلام، وقد حاولنا كذلك أن نأخذ الكثير من غرر كلامه في تفسيرنا الأساس في التفسير. من عجائب هذا القرآن أنك تجد النص في محله يعطيك معاني كثيرة، والنص في سياقه الأقرب يعطيك معاني، والنص في سياقه القريب يعطيك معاني، والنص في سياقه الخاص يعطيك معاني، ولكل سورة محورها وسياقها اللذان يعطيان من عثر عليهما معاني كثيرة وكل ذلك حاولنا إبرازه في تفسيرنا، ثم إن لكل سورة مجموعتها، ولكل مجموعة سُوَرٍ سياقُها، وللقرآن كله وحدته وسياقه العجيب المذهل الذي يعطيك معاني كثيرة، كل ذلك أبرزناه في تفسيرنا، فإذا ما أضفت إلى ذلك أن القراءات المتعددة للقرآن وتعدد مجال الوقف في آيات القرآن، تعطيك معاني كثيرة

كذلك عرفت كيف أن هذا القرآن تتوالد منه معاني لا حصر لها، وهذه المعاني يكم لبعضها بعضاً فلا تتناقض، وهذا وحده شيء لا يدخل بعضه في قدرة البشر فكيف به مجتمعاً، فكيف إذا كان هذا بعض معجزات القرآن فكيف إذا أضيف هذا كله إلى كون القرآن معجزاً بأقصر سورة من سوره، فعليك يا أخي بهذا القرآن تعلماً وتعليماً، فهذه ميزة الربانيين الذين يركزون في تعليمهم على القرآن أكثر مما يركزون على أي شيء آخر. قال تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} (1). - ذكرنا أن هناك كتباً تسمى بالتفسير الإشارية وهي ليست من التفسير في شيء، وإن هناك كتباً في التفسير أدخلت التفسير الإشاري في مضمونها، وقد جرت العادة أن الصوفية هم الذين يهتمون بهذا النوع من الكلام وهو نوع من أنواع تداعى الأفكار بمناسبة قراءة القرآن، وهي في الأصل محاولة لتذكير السالك إلى الله بمعانٍ ترتبط باصطلاحات الصوفية في السلوك، وهذا الموضوع خطير جداً، فكثير من هذا التفسير الإشاري يكفر صاحبه إذا اعتقد أنه مراد الله من الآية، ثم ن بعض الصوفية ركزوا على هذا النوع من التفسير وأهملوا التفسير الحقيقي، وبعض من هؤلاء وصل إلى أن يشارك الفرق الباطنية الكافرة في اعتقادها أن للقرآن باطناً يخالف الظاهر، وأن االباطن هو المراد وقد وصل بعض الجاهلين إلى أن يستبيحوا لأنفسهم بحجة التفسير الإشاري، أن يقولوا بهذا القرآن بلا علم ولا حجة فدخلوا بذلك في دائرة يخشى على من تجاوز الحد فيها أن يكون من الكافرين وقد نبه صاحب مناهل العرفان على الشروط التي يكون التفسير الإشاري فيها مقبولاً، فإذا اختل شرط دخل الإنسان في دائرة الخطر إذا اعتقد أن ذلك تفسير للقرآن الكريم قال رحمه الله: إن التفسير الإشاري لا يكون مقبولاً إلا بشروط خمسة وهي: (1) ألا يتنافى وما يظهر من معنى النظم الكريم. (2) ألا يُدعى أنه المراد وحده دون الظاهر. (3) ألا يكون تأويلاً بعيداً سخيفاً، كتفسير بعضم قوله تعالى: {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} يجعل كلمة "لمعَ" فعلاً ماضياً. وكلمة "المحسنين" مفعوله.

_ (1) آل عمران: 79.

(4) ألا يكون له معارض شرعي أو عقلي. (5) أن يكون له شاهد شرعي يؤيده. كذلك اشترطوا. بيد أن هذه الشروط متداخلة، فيمكن الاستغناء بالأول عن الثالث، وبالخامس عن الرابع. ويحسن ملاحظة شرطين بدلهما أحدهما بيان المعنى الموضوع له اللفظ الكريم أولاً. ثانيهما ألا يكون من وراء هذا التفسير الإشاري تشويش على المفسر له. ثم إن هذه شروط لقبوله بمعنى عدم رفضه فحسب، وليست شروطاً لوجوب اتباعه والأخذ به. ذلك لأنه لا يتنافى وظاهر القرآن، ثم إن له شاهداً يعضده من الشرع، وكل ما كان كذلك لا يرفض. وإنما لم يجب الأخذ به لأن النظم الكريم لم يوضع للدلالة عليه، بل هو من بيل الإلهامات التي تلوح لأصحابها غير منضبطة بلغة، ولا مقيدة بقوانين. اهـ من مناهل العرفان. أقول: هناك دقائق يفهمها من فتح الله عليه في فهم القرآن تدخل في الفم الصحيح للقرآن فهذه من التفسير المقبول ولا تعتبر من التفسير الإشاري، فالتفسير الإشاري هو ما تجاوز ذلك فلابد من الاعتقاد أن هذا النوع الذي يسمونه التفسير الإشاري ليس تفسيراً للقرآن ولا يحتمله النص القرآني لا من قريب ولا من بعيد ومن لم يعتقد ذلك فإنه يدخل إما في دائرة ضلال أو كفر على حسب نوع الكلام الذي يقوله من حيث قربه أو بعده عن التفسير الصحيح للقرآن الكريم. - قال السيوطي في تبيان شرف علم التفسير: قد أجمع العلماء أن التفسير من فروض الكفايات وأجلّ العلوم الثلاثة الشرعية. وقال الأصبهاني: أشرف صناعة يتعاطاها الإنسان تفسير القرآن. بيان ذلك أن شرف الصناعة: إما بشرف موضوعها مثل الصياغة فإنها أشرف من الدباغة، لأن موضوع الصياغة الذهب والفضة وهما أشرف من موضوع الدباغة الذي هو جلد الميتة. وإما بشرف غرضها مثل صناعة الطب، فإنها أشرف من صناعة الكناسة لأن غرض الطب إفادة الصحة وغرض الكناسة تنظيف المستراح. وإما بشدة الحاجة إليها كالفقه، فإن الحاجة إليه أشد من الحاجة

إلى الطب، إذ ما من واقعة في الكون في أحد من الخلق إلا وهي مفتقرة إلى الفقه، لأن به انتظام صلاح أحوال الدنيا والدين، بخلاف الطب فإنه يحتاج إليه بعض الناس في بعض الأوقات. إذا عرف ذلك فصناعة التفسير قد حازت الشرف من الجهات الثلاث. أما من جهة الموضوع فلأن موضوعه كلام الله تعالى الذي هو ينبوع كل حكمة ومعدن كل فضيلة، فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم، لا يخلق على كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه. وأما من جهة الغرض فلأن الغرض منه هو الاعتصام بالعروة الوثقى والوصول إلى السعادة الحقيقية التي لا تفنى. وأما من جهة شدة الحاجة فلأن كل كمال ديني أو دنيوي عاجلي أو آجلي مفتقر إلى العلوم الشرعية والمعارف الدينية، وهي متوقفة على العلم بكتاب الله تعالى. اهـ. - زعم قوم أن القرآن من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى تفسير ثم بدؤوا يفسرون القرآن من عند أنفسهم فضلوا وأضلوا، ويكفي لبطلان هذا القول أن نقرأ قوله تعالى: {} (1). وقوله تعالى بمناسبة الكلام عن المتشابه: {} (2). وقوله تعالى في معرض المنة على هذه الأمة: {} (3) فهاهنا ذُكِرَتْ تلاوة وذُكِرَ تعليم، وقال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: {} (4) فالحاجة إلأى علم التفسير قائمة، ولذلك فقد أكدنا في كثير من كتبنا على ضرورة الحلقات القرآنية تلاوة وحفظاً وتفسيراً، وقد عق دالسيوطي فصلاً لتبيان وجه الحاجة إلى علم التفسير فقال: وأما وجه الحاجة إليه فقال بعضهم: اعلم أن من المعلوم أن الله إنما خاطب خلقه بما يفهمونه، ولذلك أرسل كل رسول بلسان قومه أنزل كتابه على لغتهم. وإنما احتيج إلى التفسير [لأن] القرآن إنما نزل بلسان عربي في زمن أفصح العرب، وكانوا يعلمون ظواهره

_ (1) العنكبوت: 43. (2) آل عمران: من 7. (3) البقرة: 151. (4) النحل: 44.

وأحكامه. أما دقائق باطنه فإنما كان يظهر لهم بعد البحث والنظر مع سؤالهم النبي صلى الله عليه وسلم في الأكثر كسؤالهم لما نزل قوله - ولم يلبسوا إيمانهم بظلم - فقالوا وأينا لم يظلم نفسه، ففسره النبي صلى الله عليه وسلمبالشرك، واستدل عليه بقوله - إن الشرك لظلم عظيم - وكسؤال عائشة عن الحساب اليسير فقال: ذلك العرض. وكقصة عديّ بن حاتم في الخيط الأبيض والأسود وغير ذلك مما سألوا عن آحاد منه، ونحن محتاجون إلى ما كانوا يحتاجون إليه وزيادة على لك مما لم يحتاجوا إليه من أحكام الظواهر لقصورنا عن مدارك أحكام اللغة بغير علم، فنحن أشد الناس احتياجاً إلى التفسير. ومعلوم أن تفسير بعضه يكون من قبل الألفاظ الوجيزة وكشف معانيها، وبعضه من قبل ترجيح بعض الاحتمالات على بعض اهـ. وقال الجويني: علم التفسير عسر يسير، أما عسره فظاهر من وجوه أظهرها أنه كلام متكلم لم تصل النسا إلى مراده بالسماع منه ولا إمكان الوصول إليه، بخلاف الأمثال والأشعار ونحوها فإن الإنسان يمكن علمه منه إذا تكلم بأن يسمع منه أو ممن سمع منه. وأما القرآن فتفسيره على وجه القطع لا يعلم إلا بأن يسمع من الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك متعذر إلا في آيات قلائل، فالعلم بالمراد يستنبط بأمارات ودلائل، والحكمة فيه أن الله تعالى أراد أن يتفكر عباده في كتابه فلم يأمر نبيه بالتنصيص على المراد في جميع آياته. - مما وقع فيه أهل الكتاب من ضلال أنهم حرفوا الكلم عن مواضعه، وأنهم يلوون ألسنتهم بالكتاب، وقد وجد في عصرنا ناس تجاوزوا كل حد فقالوا بأن المراد من الصفا: الصفاء، ومن المروة: المروءة، ووجد في عصرنا من ألغى السنة بحجة الاكتفاء بالقرآن، بينما السنة هي الشارحة للقرآن، وكثير من الأوامر والنواهي لا تعرف تفصيلاتها من دون السنة، وهذا غيض من فيض من ضلالات العصر، فإذا ما اجتمع إلى مثل هذه الضلالات أن المؤسسات العلمية الإسلامية نفسها اختلط الحابل بالنابل في مجموع الأفكار التي تقدمها لروادها، وقل مثل ذلك في كثير من مناهج الحركات الإسلامية عرفت ضرورة ما دعونا إليه من إيجاد حلقات لطلاب الربانية، وسير للربانية على ضوء منهج مستقيم يجمع بين ثقافة أهل السنة والجماعة المتوارثة وبين الثقافة الإسلامية الصحيحة التي يقضتيها العصر.

الجزء الرابع في الأذكار والدعوات

الجزء الرابع من قسم العبادات الرئيسية في الأذكار والدعوات وفيه مقدمة وأبواب المقدمة.

مقدمة

مقدمة إذا كانت الحكمة من العبادات إقامة ذكر الله فلا عجب أن يكون للذكر المحل الكبير في دين الله عز وجل، ولا عجب أن تستغرق الأذكار حيزاً كبيراً من السنة النبوية، بل إنك لتجد للذكر ذكراً حيثما تلوث كتاب الله عز وجل أو قرأت في السنة النبوية، إنه لمن النادر أن نجد موضوعاً من موضوعات السنة النبوية الرئيسية إلا وللذكر فيه وجود، ومن ههنا فإننا سنقتصر في هذا الجزء على ما يعتبر ذكراً خالصاً مما لا يمر معنا بمناسبات هي ألصق به. وإنك لتجد في هذا الجزء الذي هو في الأذكار والدعوات ما هو من معجزات الإسلام، إذ تعرفك الأذكار والدعوات على الله عز وجل، وهذا هو المقصود الأكبر من الذكر، كما تعرفك الدعوات والاستعاذات على كل ما يعتبر خيراً في حق الإنسان وعلى كل ما يعتبر شراً، ومن ههنا كان للأذكار والدعوات صلة كبيرة بموضوع تزكية النفس بالإسلام، بل إنه من المستحيل عادة أن تتم تزكية النفس إلا بذكر ودعاء، فإذا عرفت أن معرفة الله وتزكية النفس من أعظيم فرائض الإسلام عرفت محل الذكر والدعاء في الإسلام. إنه لا طمأنينة قلب إلا بذكر {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (1)، ولا اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بذكر {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (2) ويكفيك هذا لتعرف أهمية الذكر في دين الله عز وجل. وإذا كانت الصلاة هي أرقى العبادات العملية في الإسلام وإذا كان المطلب الأعلى من الصلاة هو الذكر {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (3) فإن الذكر خارج الصلاة استمرار للصلاة فهو يحقق مقاصدها، وتلاوة القرآن ذكر، والدعاء ذكر وزيادة، لذلك جعلنا كتاب تلاوة القرآن وكتاب الأذكار والدعوات بعد كتاب الصلاة مباشرة، وهناك أذكار أخرى غير الذي تضمن هذا الكتاب تذكر حيث المكان الألصق بها، لأن أعمال الإسلام كلها ذكر ويرافقها في الغالب ذكر، ولذلك فإن استقصاء الأذكار والدعوات في محل واحد قد لا يكون هو

_ (1) الرعد: من 28. (2) الأحزاب: 21. (3) طه: من 14.

الأحكم، لذلك أدخلنا أذكار الصلاة ودعواتها في الصلاة، وأدخلنا الكلام عن أسماء الله الحسنى واسمه الأعظم والدعاء بذلك في قسم العقائد كما أدخلنا موضوع الرقي وهي من الدعوات هناك، وسنجد أذكاراً ودعوات في مناسباتها في الصوم والزكاة والحج والجهاد والنكاح ... وذلك أن هناك أمكنة ألصق بأذكار ودعوات، وجعلنا في هذا الكتاب ما سوى ذلك، وهذه معالك حول الذكر نتقدم بها بين يدي هذا الجزء: 1 - قال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} (1) وقال تعالى {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (2) دلت هذه الآية على أن التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم منوط بالذكر الكثير، وقال تعالى {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} (3) أي انقطع إليه انقطاعاً، واسم الرب عز وجل الأول هو لفظ الجلالة (الله) فمن قال الله فقد ذكر الله عز وجل وذلك من ذكر الله في أي معرض فقد ذكر اسم الله سواء في ذلك بالاستغفار أو بالتسبيح أو بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فيما سوى ذلك من الأذكار المأثورة وما وافقها. 2 - هناك نصوص تحدثت عن ذكر محض ونصوص تحدثت عن دعاء محض ونصوص تحدثت عن ذكر ودعاء، والذكر في الحقيقة دعاء ولذلك ورد (أفضل الدعاء الحمد لله) أخرجه الترمذي (3280) وحسنه وقد رأينا قوله تعالى {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} فالدعاء ذكر ولذلك دمجنا الكلام عن الأذكار والأدعية في جزء واحد وجعلنا هذا الجزء بعد جزء القرآن وجلنا الكتابين بعد الصلاة لأن قراءة القرآن والذكر والدعاء ألصق شيء في الصلاة بل الصلاة هي المظهر الأعلى لذكر الله حالاً ومقالاً وهي بما فيها من أذكار وما تستتبعه وما يلزم لها من أذكار وأدعية تكاد تستقطب أكثر الأذكار الواردة في السنة بل هي تحقيق لكثير من الأوامر القرآنية بالذكر وما يدخل فيه، فالصلة واضحة بينها وبين ما ذكرناه بعدها أي هذا الكتاب والذي قبله.

_ (1) البقرة: من 152. (2) الأحزاب: 21. (3) المزمل: 8.

3 - ويأتي الذكر في النصوص ويراد به أحياناً التطبيق الشامل لكتاب الله وسنة رسوله ويراد به أحياناً العلم، فالعلم بالكتاب والسنة ذكر والتعليم ذكر والالتزام بالأمر وترك النهي ذكر وهذا أوسع ما ترد فيه كلمة الذكر، ثم يأتي الذكر بمعنى أقل عموماً فيدخل فيه القرآن والعبادات التي فيها ذكر مباشر لله عز وجل، ويأتي الذكر بمعنى أخص من هذا وهو الذكر اللساني المباشر لله عز وجل وهذا هو مضمون هذا الكتاب، ويأتي الذكر ويراد به التذكر، وإذن فليس كل ذكر ورد في الكتاب والسنة ذكر في هذا الجزء. 4 - ونلاحظ في هذا الكتاب أن بعض النصوص وضعت الذكر في مقام أرقى من بعض الأعمال كالجهاد مثلاً وعلينا أن ننبه في هذا الموضوع وغيره إلى ما يلي: أ- أن الذكر في حق بعض الناس قد يكون أرقى من عمل آخر في حقهم، بينما يكون العمل الآخر في حق آخرين أرقى وذلك كأن يكون إنسان يفترض عليه عيناً أن يجاهد بينما الذكر في حقه مندوب فمثل هذا لا شك أن الجهاد في حقه أرقى. ب- قد يكون الذكر في حق بعض الناس هو حق الوقت بينما هو في حق غيرهم ليس كذلك، فمن كان الذكر عندهم هو حق الوقت فهؤلاء الذكر في حقهم هو الأرقى. ج- قد يكون الذكر في حق بعض الناس شرطاً للوصول إلى الإخلاص أو للتحرر من أمراض وبالتالي فلم يعد الذكر في حق هؤلاء من باب النوافل بل هو من باب الفرائض الكبرى لأنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وبالتالي عندما يكون جهاد الإنسان غير مقبول بسبب أمراضه القلبية. فالذكر في حقه هو الأفضل لأنه وسيلة العمل المقبول. فإذا كان الجهاد في حقه فريضة فعليه في هذه الحالة فريضتان: فريضة الذكر الموصل إلى سلامة القلب وفريضة الجهاد. وهذا نموذج على ما ينبغي أن تفهم فيه بعض النصوص، وعلى كل الأحوال فإن علينا أن نعرف أن الأحاديث التي تحض على الذكر مفضلة إياه على غيره هدفها تربية المسلم على العمل وأن يرافق الذكر العمل فلا يعرض عن الذكر في العمل ولا يعطل العمل المطلوب. 5 - وعلينا أن ننتبه كثيراً في موضوع الأذكار والدعاء إلى قضيتين: القضية الأولى ما في

الأدعية والأذكار من تعريف لنا على الله عز وجل، وما في الأدعية المأثورة والأذكار من دلالة على أهم ما يطلبه الإنسان من الله، فإذا ما قرأنا الاستعاذات مثلاً عرفنا أهم الأشياء التي ينبغي أن يحرص المسلم على الفرار منها، وإذا قرأنا الأدعية المطلقة فهمنا أهم الأشياء التي ينبغي أن يحرص المسلم عليها، وأنه من خلال الأذكار والدعوات يكاد الإنسان أن يتعرف على أهم الأمور في الإسلام. ملاحظة: مر معك في قسم العقائد بعض الأذكار والدعوات في أكثر من مناسبة كالكلام عن فضل لا إله إلا الله وكالكلام عن الرقي والتمائم، ومر معك في جزء الصلوات أدعية الصلاة وأذكارها وستمر معك في أجزاء الزكاة والصوم والحج والجهاد من هذا القسم الأذكار المتعلقة بها، وسيمر معك في قسم الحياتيات الأذكار المتعلقة بالسفر وبالطعام والشراب واللباس والمرض والموت وإنما أشرنا إلى هذا ههنا لأن العادة جرت أن تذكر هذه الدعوات والأذكار في كتب الأذكار، لكن رأينا أن نلحقها بمواضعها لأن ذكرها مع مواضيعها أليق بها. وهذه أبواب هذا الجزء: الباب الأول: في فضل الذكر وفضل مجالسه. الباب الثاني: في فضل الدعاء وبعض أحكامه وآدابه. الباب الثالث: في بعض أذكار الصباح والمساء ودعواتهما. الباب الرابع: في أدعية عامة وفيه مقدمة وفصلان: الفصل الأول: في أدعية مطلقة. الفصل الثاني: في الاستعاذات. الباب الخامس: في أذكار مطلقة وفيه مقدمة وفصول: الفصل الأول: في التسبيح والتهليل والتكبير والتحميد والحوقلة.

الفصل الثاني: في الاستغفار. الفصل الثالث: في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. الباب السادس: في أذكار ودعوات مقيدة بمناسبة أو حال، وفيه الفصول التالية: الفصل الأول: في بعض أدعية النوم والاستيقاظ وأذكارهما. الفصل الثاني: في بعض أدعية الدخول إلى البيت والمسجد والخروج منهما. الفصل الثالث: في بعض آداب المجالس ودعواتها. الفصل الرابع: في أدعية الكرب والهم والفزع. الفصل الخامس: في ما يقال عند مناسبة أو حال أو عمل سوى ما مر أو سيمر معنا في مناسبته.

الباب الأول فضل الذكر وفضل مجالسه

الباب الأول فضل الذكر وفضل مجالسه

2936 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى حاجتكم، فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا. قال: فيسألهم ربهم- وهو أعلم بهم-: ما يقول عبادي؟ قال: يقولون: يسبحونك ويكبرونك، ويحمدونك ويمجدونك. قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك، قال: فيقول: كيف لو رأوني؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة، وأشد لك تمجيداً، وأكثر لك تسبيحاً. قال: فيقول: فما يسألون؟ قال: يقولون: يسألونك الجنة. قال: فيقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله يارب ما رأوها، قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً، وأشد لها طلباً، وأعظم فيها رغبة قال: فمم يتعوذون؟ قال: يتعوذون من النار. قال فيقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا والله ما رأوها، قال: فيقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فراراً، وأشد منها مخافة. قال: فيقول: أشهدكم أني قد غفرت لهم. قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان، ليس منهم، إنما جاء لحاجة. قال: هم الجلساء لا يشقى جليسهم". ورواية مسلم قال: "إن الله تبارك وتعالى ملائكة سيارة فضلاً يبتغون مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلساً فيه ذكر قعدوا معهم، وحف بعضهم بعضاً بأجنحتهم، حتى يملؤوا ما بينهم وبين السماء الدنيا، فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء، قال: فيسألهم الله عز وجل- وهو أعلم-: من أين جئتم؟ فيقولون:

_ 2936 - البخاري (11/ 208، 209) 80 - كتاب الدعوات، 66 - باب فضل ذكر الله عز وجل. مسلم (4/ 2069، 2070) 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 8 - باب فضل مجالس الذكر. (هلموا) هلم: تعال، وهلموا: تعالوا، ومنهم من يقولها للواحد والاثنين والجمع: هلم، فلا يثني ولا يجمع. (فيخفونهم) أي: يطوفون بهم، ويدورون حولهم من جوانبهم. (يمجدونك) التمجيد: التعظيم، والمجيد: الشريف العظيم. (فضلاً): أي: زيادة، فاضلاً عن الملائكة المرتبين مع الخلائق.

جئنا من عند عباد لك في الأرض، يسبحونك، ويكبرونك، ويهللونك، ويحمدونك، ويسألونك. قال: فماذا يسألوني؟ قال: يسألونك جنتك. قال: وهل رأوا جنتي؟ قالوا: لا، يارب قال: وكيف لو رأوا جنتي؟ قالوا: ويستجيرونك. قال: ومم يستجيروني؟ قالوا: من نارك يارب. قال: وهل رأوا ناري؟ قالوا: لا، قال: فكيف لو رأوا ناري؟ قالوا: ويستغفرونك قال: فيقول: قد غفرت لهم، وأعطيتهم ما سألوا، وأجرتهم مما استجاروا. قال: يقولون: ربنا، فيهم فلان، عبد خطاء. إنما مر فجلس معهم، قال: فيقول: وله غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم". قال النووي في (شرحه علي مسلم 17/ 15): وفي هذا الحديث فضيلة الذكر وفضيلة مجالسه والجلوس مع أهله وإن لم يشاركهم وفضل مجالسة الصالحين وبركتهم. وقال ابن حجر في (الفتح 11/ 209) بعد الحديث: والمراد بالذكر هنا الإتيان بالألفاظ التي ورد الترغيب في قولها والإكثار منها مثل الباقيات الصالحات وهي "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" وما يلتحق بها من الحوقلة والبسملة والحسبلة والاستغفار ونحو ذلك والدعاء بخيري الدنيا والآخرة، ويطلق ذكر الله أيضاً ويراد به المواظبة على العمل بما أوجبه أو ندب إليه كتلاوة القرآن وقراءة الحديث ومدارسة العلم والتنفل بالصلاة. وقال في (الفتح 11/ 212): وقوله (يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك) زاد إسحاق وعثمان عن جرير "ويمجدونك" وكذا لابن أبي الدنيا، وفي رواية أبي معاوية "فيقولون تركناهم يحمدونك ويمجدونك ويذكرونك" وفي رواية الإسماعيلي "قالوا ربنا مررنا بهم وهم يذكرونك إلخ" وفي رواية سهيل "جئنا من عند عباد لك في الأرض يسبحونك ويكبرونك ويهللونك

_ (عرجوا) عرج يعرج: إذا صعد إلى فوق. (يستجيرونك) الاستجارة: طلب الجوار، والإجازة: الحماية والدفاع والمنعة عن الإنسان.

ويحمدونك ويسألونك" وفي حديث أنس عند البزار "ويعظمون آلاءك ويتلون كتابك ويصلون على نبيك ويسألونك لآخرتهم ودنياهم" ويؤخذ من مجموع هذه الطرق المراد بمجالس الذكر وأنها التي تشتمل على ذكر الله بأنواع الذكر الواردة من تسبيح وتكبير وغيرهما وعلى تلاوة كتاب الله سبحانه وتعالى وعلى الدعاء بخيري الدنيا والآخرة، وفي دخول قراءة الحديث النبوي ومدارسة العلم الشرعي ومذاكرته والاجتماع على صلاة النافلة في هذه المجالس نظر، والأشبه اختصاص ذلك بمجالس التسبيح والتكبير ونحوهما والتلاوة حسب، وإن كانت قراءة الحديث ومدارسة العلم والمناظرة فيه من جملة ما يدخل تحت مسمى ذكر الله تعالى. 2937 - * روى الطبراني عن معاذ بن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله جل ذكره: لا يذكرني عبد في نفسه إلا ذكرته في ملأ من ملائكتي ولا يذكرني في ملأ إلا ذكرته في الرفيق الأعلى". 2938 - * روى مسلم عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال: "خرج معاوية على حلقة في المسجد، فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله، قال: الله ما أجلسكم إلا ذلك؟ قالوا: الله ما أجلسنا غيره، قال: أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أقل عنه حديثاً مني، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من

_ 2937 - الطبراني (الكبير) (20/ 182). مجمع الزوائد (10/ 78) وقال الهيثمي: رواه الطبراني وإسناده حسن. (الرفيق الأعلى): قال ابن الأثير: الرفيق جماعة الأنبياء الذين يسكنون أعلى عليين وهو اسم جاء على فعيل ومعناه الجماعة كالصديق والخليط يقع على الواحد والجمع. وقيل معنى ألحقني بالرفيق الأعلى: أي بالله تعالى يقال الله رفيق بعباده من الرفق والرأفة. قال محقق النهاية: قال الهروي: غلط الأزهري قائل هذا واختار المعنى الأول (2/ 246). 2938 - مسلم (4/ 2075) 48 - كتاب الذكر والدعاء والاستغفار والتوبة، 11 - باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر. الترمذي (5/ 460) 49 - كتاب الدعاء، 7 - باب ما جاء في القوم يجلسون فيذكرون الله عز وجل ما لهم من الفضل. النسائي (8/ 249) 49 - كتاب آداب القضاة، 37 - كيف يستحلف الحاكم. (حلقة) الحلقة بسكون اللام: الشيء المستدير، كحلقة الخاتم ونحوها، والمراد به الجماعة من الناس يكونون كذلك.

أصحابه فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام، ومن به علينا، قال: الله ما أجلسكم إلا ذلك؟ قالوا: الله ما أجلسنا إلا ذلك، قال: أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه أتاني جبريل، فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة". 2939 - * روى مسلم عن الأغر أبي مسلم (رحمه الله) قال: أشهد على أبي هريرة وأبي سعيد: أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده". هذه النصوص أصول في الحض على الاجتماع على الذكر وعلى حضور مجالسه وقد تكلف ناس فحملوا هذه النصوص على أنها في مجالس العلم وذلك خلاف الظاهر، كما قال ابن حجر (11/ 212) وفي دخول قراءة الحديث النبوي ومدارسة العلم الشرعي ومذاكرته والاجتماع على صلاة النافلة في هذه المجالس نظر. ا. هـ وما يروى عن ابن مسعود رضي الله عنه مذهب صحابي فإذا عارض النصوص قدمت النصوص، ومن ههنا كثرت اجتهادات العلماء والمربين في ما يدخل في مجالس الذكر، وأخذ أهل السلوك هذا المعنى واعتبروه أصلاً في السير إلى الله. 2940 - * روى أبو داود عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن أقعد مع قوم يذكرون الله عز وجل من صلاة الغداة حتى تطلع الشمس، أحب إلي من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل، ولأن أقعد مع قوم يذكرون الله عز وجل من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة".

_ 2939 - مسلم (4/ 2074) 48 - كتاب الذكر والدعاء والاستغفار والتوبة، 11 - باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر. الترمذي (5/ 459، 460) 49 - كتاب الدعاء، 7 - باب ما جاء في القوم يجلسون فيذكرون الله عز وجل ما لهم من الفضل. (السكينة) من السكون والطمأنينة. 2940 - أبو داود (3/ 324) كتاب العلم، 13 - باب في القصص.

2941 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، وإن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إلي ذراعاً اقتربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة". قال النووي في (شرح مسلم (17/ 2): قال المازري: النفس تطلق في اللغة على معان .. ومنها الذات والله تعالى له ذات حقيقة وهو المراد بقوله تعالى (في نفسي). وقال ابن حجر في (الفتح 13/ 384): في (لا أعلم ما في نفسك) أي لا أعلم ما عندك. وقال (3/ 513): قال ابن بطال: وصف العبد بالتقرب إليه شبراً وذراعاً وإتيانه ومشيه معناه التقرب إليه بطاعته وأداء مفترضاته ونوافله ويكون تقربه سبحانه من عبده وإتيانه والمشي عبارة عن إثابته على طاعته وتقربه من رحمته، ويكون قوله أتيته هرولة أي أتاه ثوابي مسرعاً. ا. هـ. وانظر شرح النووي على (مسلم 17/ 3) 2942 - * روى عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "قال الله تبارك وتعالى يا ابن آدم إذا ذكرتني خالياً ذكرتك خالياً وإذا ذكرتني في ملأ ذكرتك في ملأ خير من الذين ذكرتني فيهم".

_ 2941 - البخاري (13/ 384) 97 - كتاب التوحيد، 15 - باب قول الله تعالى (ويحذركم الله نفسه). مسلم (4/ 2061) 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 1 - باب الحث على ذكر الله تعالى، وجاء هذا الحديث أيضاً في مسلم وذلك في (4/ 2067، 2068) 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 6 - باب فضل الذكر والدعاء، والتقرب إلى الله تعالى. الترمذي (5/ 581) 49 - كتاب الدعوات، 132 - باب في حسن الظن بالله عز وجل وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (الملأ) أشراف الناس، ورؤساؤهم الذين يرجعون إلى أقوالهم. 2942 - كشف الأستار (4/ 6) كتاب الأذكار، باب. مجمع الزوائد (10/ 78) وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح، غير بشر بن معاذ العقدي وهو ثقة.

2943 - * روى أحمد عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله: "يا ابن آدم إن ذكرتني في نفسك ذكرتك في نفسي وإن ذكرتني في ملأ ذكرتك في ملأ خير منه وإن دنوت مني شبراً دنوت منك ذراعاً وإن دنوت مني ذراعاً دنوت منك باعاً وإن أتيتني تمشي أتيتك أهرول" قال قتادة والله تعالى أسرع بالمغفرة. 2944 - * روى الترمذي عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: "إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر". 2945 - * روى الترمذي عن عبد الله بن بسر (رضي الله عنه) "أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن أبواب الخير كثيرة، ولا أستطيع القيام بكلها، فأخبرني بشيء أتشبث به، ولا تكثر علي فأنسى- وفي رواية: إن شرائع الإسلام قد كثرت، وأنا قد كبرت، فأخبرني بشيء أتشبث به، ولا تكثر علي فأنسى- قال: لا يزال لسانك رطباً بذكر الله تعالى". 2946 - * روى الشيخان عن أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل البيت الذي يذكر الله فيه، والبيت الذي لا يذكر الله فيه: مثل الحي والميت" كذا عند مسلم، وعند البخاري "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه: مثل الحي والميت".

_ 2943 - أحمد (3/ 138). مجمع الزوائد (10/ 78) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. 2944 - الترمذي (5/ 532) 49 - كتاب الدعوات، 83 - باب. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث ثابت عن أنس، وهو حديث حسن بطرقه وشواهده، انظر الجامع 4/ 378 و 4/ 478 هذا وقد ضعفه بعضهم. (الحلق) بكسر الحاء وفتح اللام: جمع الحلقة وهي الجماعة من الناس مستديرون وقال الجوهري: جمع الحلقة حلق بفتح الحاء على غير قياس. النهاية 1/ 426. 2945 - الترمذي (5/ 458) 49 - كتاب الدعاء، 4 - باب ما جاء في فضل الذكر، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وإسناده صحيح. 2946 - البخاري (11/ 208) 80 - كتاب الدعوات، 66 - باب فضل ذكر الله عز وجل. مسلم (1/ 539) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 29 - باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد.

2947 - * روى مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في طريق مكة، فمر على جبل يقال له: جمدان، فقال: "سيروا، هذا جمدان، سبق المفردون. قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذكرات". 2948 - * روى مالك عن أبي الدرداء (رضي الله عنه) قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم "ألا أخبركم بخير أعمالكم، وأرفعها في درجاتكم، وأزكاها عند مليككم، وخير لكم من الورق والذهب، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم، فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى، قال: ذكر الله". أقول: وإنما كان ذكر الله بهذه المثابة لأنه شرط الوصول إلى طمأنينة القلب باليقين وذلك المطلوب الأعظم في الشريعة {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (1) ثم هو طريق الوصول إلى الإخلاص الذي لا تقبل الأعمال بدونه وقد غلط ناس أقبلوا على الذكر وتركوا الفرائض أو تساهلوا في المحرمات وإنما كان للذكر هذا المقام لأنه يساعد على إقامة الفرائض وترك المحرمات: (إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر) (2). قال الباجي في (المنتقى 1/ 355): قوله: ذكر الله تعالى يحتمل معاني لأن ذكر الله على ضربين: أحدهما ذكر باللسان والثاني ذكر عند الأوامر بامتثالها وعند المعاصي باجتنابها وهو ذكر، والذكر باللسان على ضربين: واجب ومندوب إليه فالواجب قراءة أم القرآن في الصلاة والتكبير والتسليم فيها وما جرى مجرى ذلك،

_ 2947 - مسلم (4/ 2062) 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 1 - باب الحث على ذكر الله تعالى. (المفردون) فرد الرجل في رأيه وأفرد وفرد واستفرد: كله بمعنى، أي: استقل به، وتخلى بتدبيره، والمراد به: الذين تفردوا بذكر الله تعالى، وقيل: هم الذين هلك أترابهم من الناس، وذهب القرن الذي كانوا فيه، وبقوا بعدهم، فهم يذكرون الله تعالى. 2948 - الموطأ (1/ 211) 15 - كتاب القرآن، 7 - باب ما جاء في ذكر الله تبارك وتعالى. الترمذي (5/ 459) 49 - كتاب الدعاء، 6 - باب (منه). وهذا الحديث أخرجه الموطأ والترمذي، إلا أن الموطأ وقفه على أبي الدرداء وهو حديث صحيح. (أزكاها): خيرها وأطهرها. (1) الرعد: من 28. (2) العنكبوت: من 45.

والمندوب إليه سائر الأذكار من قراءة القرآن والتسبيح والتهليل وغير ذلك فأما الواجب من الذكر فيحتمل أن يفضل على سائر أعمال البر من الجهاد والزكاة وغيرها فيقال إن ثواب المصلي أكثر من ثواب غيره إما على الإطلاق وإما في وقت من الأوقات أو على حال من الأحوال وأما المندوب إليه فيحتمل أن يفضل على سائر أعمال البر المندوب إليها لمعنيين أحدهما: أن الثواب عليه أعظم وهذا طريقه الخبر والثاني: كثرة تكرره وهذا يعرف بالمشاهدة والنظر. وقال في "الفتح" بعد أن ذكر أنه قد يستشكل حديث أبي الدرداء هذا مع حديث .. المجاهد كالصائم لا يفطر وكالقائم لا يفتر، وغير ذلك مما يدل على أفضلية الجهاد على غيره من الأعمال الصالحة، (11/ 210): وطريق الجمع- والله أعلم- أن المراد بذكر الله في حديث أبي الدرداء الذكر الكامل وهو ما يجتمع فيه ذكر اللسان والقلب بالتفكر في المعنى واستحضار عظمة الله تعالى، وأن الذي يحصل له ذلك يكون أفضل ممن يقاتل الكفار مثلاً من غير استحضار لذلك، وأن أفضلية الجهاد إنما هي بالنسبة إلى ذكر اللسان المجرد، فمن اتفق له أنه جمع ذلك كمن يذكر الله بلسانه وقلبه واستحضاره، وكل ذلك حال صلاته أو في صيامه أو تصدقه أو قتاله الكفار مثلاً فهو الذي بلغ الغاية القصوى، والعلم عند الله تعالى، وأجاب القاضي أبو بكر بن العربي بأنه ما من عمل صالح إلا والذكر مشترط في تصحيحه، فمن لم يذكر الله بقلبه عند صدقته أو صيامه مثلاً فليس عمله كاملاً، فصار الذكر أفضل الأعمال من هذه الحيثية. 2949 - * روى أحمد عن معاذ بن جبل (رضي الله عنه) قال: "ما عمل ابن آدم من عمل أنجى له من عذاب الله من ذكر الله".

_ 2949 - أحمد (5/ 239). الموطأ (1/ 211) 15 - كتاب القرآن، 7 - باب ما جاء في ذكر الله تبارك وتعالى. الترمذي (5/ 459) 49 - كتاب الدعاء، 6 - باب (منه). الطبراني (المعجم الصغير) (1/ 139). مجمع الزوائد (10/ 74) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الصغير والأوسط ورجالهما رجال الصحيح. زاد الطبراني: "قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله، قال: ولا الجهاد إلا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع ثلاث مرات" وهذا لفظه عن معاذ وعن جابر بنحوه.

2950 - * روى البزار عن أنس قال: قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا إذا كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم رأينا في أنفسنا ما نحب فإذا رجعنا إلى أهلنا وخالطناهم أنكرنا أنفسنا فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لو تدومون على ما تكونون عندي في الخلاء لصافحتكم الملائكة بأجنحتها ولكن ساعة وساعة". 2951 - * روى مسلم عن حنظلة بن الربيع (رضي الله عنه) قال: "كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر النار، ثم جئت إلى البيت، فضاحكت الصبيان، ولاعبت المرأة، فخرجت فلقيت أبا بكر، فذكرت ذلك له، فقال: وأنا قد فعلت مثل ما تذكر، فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، نافق حنظلة، فقال: مه؟ فحدثته بالحديث، فقال أبو بكر: وأنا قد فعلت مثل ما فعل، فقال: يا حنظلة، ساعة وساعة، لو كانت قلوبكم كما تكون عند الذكر لصافحتكم الملائكة، حتى تسلم عليكم في الطرق". (نافق حنظلة): معناه أنه خاف أنه منافق حيث كان يحصل له الخوف في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم ويظهر عليه ذلك مع المراقبة والفكر والإقبال على الآخرة، فإذا خرج اشتغل بالزوجة والأولاد ومعاش الدنيا، وأصل النفاق إظهار ما يكتم خلافه من الشر، فخاف أن يكون ذلك نفاقاً فأعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس بنفاق وأنهم لا يكلفون الدوام على ذلك. (ساعة وساعة) أي ساعة كذا وساعة كذا .. ذكره النووي في (شرح مسلم 17/ 66 - 67). 2952 - * روى الترمذي عن أنس (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله: أخرجوا من النار من ذكرني يوماً، أو خافني في مقام".

_ 2950 - كشف الأستار (4/ 75) كتاب المواعظ، باب ساعة وساعة. مجمع الزوائد (10/ 308) وقال الهيثمي: رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح غير زهير بن محمد الرازي، وهو ثقة، ورواه أبو يعلى، وقال: "لصافحتكم الملائكة حتى تظلكم بأجنحتها عياناً" (عيانا): عاين الشيء عياناً: رآه بعينه. 2951 - مسلم (4/ 2106، 2107) 49 - كتاب التوبة، 3 - باب فضل دوام الذكر والفكر في أمور الآخرة. الترمذي (4/ 666، 667) 38 - كتاب صفة القيامة، 59 - باب. 2952 - الترمذي (4/ 712) 40 - كتاب صفة جهنم، 9 - باب ما جاء أن للنار نفسين ... إلخ. وقال: هذا حديث حسن غريب، وهو كما قال، ورواه أيضاً البيهقي في كتاب (البعث والنشور).

2953 - *روى أبو داود عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله". هذه رواية أبي داود، وفي رواية (1) الترمذي: "إنما جعل رمي الجمار والسعي بين الصفا والمروة لإقامة ذكر الله" وزاد (2) الحاكم "لا لغيره"، وفي رواية (3) ابن خزيمة "ليس لغيره". 2954 - *روى مسلم عن عائشة (رضي الله عنها): "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله عز وجل على كل أحيانه". 2955 - *روى أحمد عن أبي سعيد رفعه: "أكثروا ذكر الله حتى يقولوا: مجنون".

_ 2953 - أبو داود (2/ 179) كتاب المناسك، باب في الرمل. (1) الترمذي (3/ 246) 7 - كتاب الحج، 64 - باب ما جاء كيف ترمي الجمار، وقال: حسن صحيح. (2) الحاكم (1/ 459) وصححه ووافقه الذهبي. والحديث مروي من طريق عبيد الله بن أبي زياد القداح، قال عنه ابن حجر: ليس بالقوي وفي الميزان 3/ 8 قال يحيى القطان: كان وسطا لم يكن بذاك وقال ابن معين: ضعيف، وقال أحمد: صالح الحديث، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال مرة: ليس به بأس وقال مرة لي بثقة. وقال أبو داود: أحاديثه مناكير، وقال ابن عدي: لم أر له شيئاً منكراً. ا. هـ. أقول: ومع هذا الاختلاف في الراوي فإن تصحيح الأئمة لهذا الحديث يجعل الراوي في الحديث حسناً. (3) ابن خزيمة (4/ 222) 642 - باب استحباب ذكر الله في الطواف ... إلخ. 2954 - مسلم (1/ 282) 3 - كتاب الحيض، 30 - باب ذكر الله تعالى في حال الجنابة وغيرها. أبو داود (1/ 5) كتاب الطهارة، 9 - باب في الرجل يذكر الله تعالى على غير طهر. الترمذي (5/ 463) 49 - كتاب الدعاء، 9 - باب ما جاء أن دعوة المسلم مستجابة. 2955 - أحمد (3/ 68، 71). ابن حبان (2/ 93) ذكر استحباب الاستهتار للمرء بذكر ربه جل وعلا. الحاكم (1/ 499) وقال: صحيح الإسناد، وقال هذه صحيفة المصريين صحيحة الإسناد وفي سنده دراج أبو السمح، قال الحافظ: صدوق، في حديثه عن أبي الهيثم ضعف. ا. هـ. أقول: وهذا منها. وقد وثقه يحيى بن معين، وقال مرة: ليس به بأس وقال أحمد: أحاديثه مناكير ولينة، وقال أبو حاتم: ضعيف، وضعفه غيره أيضاً. انظر الميزان 2/ 24 - 25. ومع هذا فقد حسن الحديث الحافظ ابن حجر العسقلاني فيما نقله عنه المنذري في الفيض 2/ 85 فالحديث لا ينزل عن درجة الحسن وإن ضعفه بعضهم. والله أعلم.

فوائد

فوائد ذكر ابن القيم في كتابه (الوابل الصيب من الكلم الطيب) تسعاً وسبعين فائدة من الذكر فذكر: أن الذكر يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره، وأنه يرضي الرحمن عز وجل، وأنه يزيل الهم والغم عن القلب، وأنه يجلب للقلب الفرح والسرور والبسط، وأنه يقوي القلب والبدن، وأنه ينور الوجه والقلب، وأنه يجلب الرزق، وأنه يكسو صاحبه المهابة والحلاوة والنضرة، وأنه يورث محبة الله للعبد ومحبة العبد لله، ومحبة المسلم لإخوانه المسلمين، وأنه يورث المراقبة ومقام الإحسان، وأنه يورث الإنابة، ويورث القرب من الله عز وجل، وأنه يوصل إلى المعرفة بالله، وأنه يورث الخوف من الله والهيبة منه، والإجلال له، وأن الذاكر بالذكر يكون من المذكورين من قبل الله، وأن الذكر يورث حياة القلب وطمأنينته، وأنه غذاء القلب والروح، وأنه يزيل الصدأ عن القلب، ويحط الخطايا ويذهبها، ويورث الأنس بالله، ويزيل الوحشة بين العبد وربه، وأنه سبب لإزالة الشدة، وأنه ينجي من عذاب الله في الدنيا وفي الآخرة، وأنه سبب تنزيل السكينة وغشيان الرحمة وحفوف الملائكة بالذاكر، وأنه سبب ينشغل به اللسان عن الغيبة والنميمة وآفات اللسان كلها، وأن مجالس الذكر مجالس الملائكة، وأنه يسعد صاحبه ويسعد من جالسه، وبه يخرج العبد من الحسرة يوم القيامة، وأنه إذا اجتمع معه بكاء يكون سبباً في إظلال الله له يوم القيامة، وأن الاشتغال به سبب للمنح الإلهية الظاهرة والباطنة ولو لم يطلبها العبد، وأنه مع فضله العظيم أيسر العبادات، وأنه غراس الجنة، وأنه قد رتب عليه من الأجر والثواب ما لم يرتب على كثير من غيره من الأعمال، وأن الذاكر بذكره تكفل الله له ألا ينساه من فضله، وأن الذكر مستطاع للإنسان في كل الأحوال فهو العبادة التي يمكن أن يلازمها الإنسان في كل الأحوال، وأن الذكر يورث الذاكر التمييز بين الحق والباطل، فصاحبه على نور في الدنيا وعلى نور في الآخرة، وأن الذكر منشور الولاية والأصل الأصيل في السير إلى الله، وأن للقلب حاجات لا يسدها إلا الذكر، وأن الذكر يجمع القلب على الله ويزيل عن القلب تأثره بالأغيار وتشتته بسبب هذه الأغيار، وهو في الوقت نفسه يزيل عن القلب غفلته وسهاده، والذكر شجرة تثمر المعارف والأحوال التي شمر

إليها السالكون، والذاكر قريب من ربه وربه معه، والذكر يعدل عتق الرقاب ونفقة الأموال، والحمل على الخيل في سبيل الله، ويعدل الضرب بالسيف في سبيل الله، والذكر رأس الشكر، فأكرم الخلق على الله من المتقين من لا يزال لسانه رطباً بذكره، والذكر يزيل قسوة القلب، ولم تستجلب نعم الله ولم تدفع نقمه بمثل الذكر، والذكر يصلي الله وملائكته على صاحبه، ومجالس الذكر في الدنيا هي رياض الجنة، فمن حضرها فهو في جنات الدنيا يشم منها طيب الآخرة، وبحضوره مجالس الذكر يجالس الملائكة، بل يباهي به الله ملائكته، والمداوم على الذكر يدخل الجنة وهو يضحك، وهذه خصوصية لأهل الذكر، ومن تأمل شريعة الله عرف أن جميع الأعمال شرعت لذكر الله، وأفضل أهل كل عمل أكثرهم فيه ذكراً، وإن إدامة الذكر تنوب عن التطوعات وتقوم مقامها سواء كانت مالية أو بدنية أو مالية بدنية، وذكر الله يساعد على الطاعة في الشأن كله ويسهل الصعب، وييسر العسير، ويخفف المشاق، والذكر يعطي الذاكرة قوة حسية ومعنوية، والذاكرون هم أسبق الخلق إلى الله وإلى جناته، والذكر يعطي الذاكرة قوة حسية ومعنوية، والذاكرون هم أسبق الخلق إلى الله وإلى جناته، والذكر سبب في أن يصدق الرب عبده، وأن دوراً في الجنة تبنى بالذكر، وبالذكر تتقى النار، وأن الملائكة تستغفر للذاكر، وكل شيء في الأرض يستبشر بمن يذكر الله عز وجل، والذكر أمان للعبد من النفاق، وللذكر لذة قلبية لا يشبهها شيء، وأنه يكسو الوجه نضرة في الدنيا ونوراً في الآخرة، ومن أكثر من الذكر كثرت شهوده يوم القيامة، والذكر جنة حصينة من الدنيا والشياطين والأهوال، وبذكر اسم الله وصفاته يتذكر الإنسان الله عند الأمر والنهي، والذكر دعاء ضمني لله عز وجل.

الباب الثاني فضل الدعاء وبعض أحكامه وآدابه

الباب الثاني فضل الدعاء وبعض أحكامه وآدابه

2956 - * روى الترمذي عن النعمان بن بشير (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الدعاء هو العبادة" ثم قرأ {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ، إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (1). وفي رواية (2) أبي داود قال: "الدعاء هو العبادة" قال ربكم: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}. أقول: معرفة الله عز وجل ومعرفة صفاته هي أرقى ما كلف به المكلف، ومعرفة أن مقام العبودية للإنسان هو أرقى مقاماته، هذه المعرفة هي لباب التكليف، والدعاء إقرار عملي بوجود الله وصفاته واتصافه بالصفات العليا والأسماء الحسنى، كما أنه المظهر الأسمى لافتقار الإنسان ولإقراره بمقام العبودية لله عز وجل، ولهذا وغيره كان الدعاء هو العبادة وهذا لا ينفي أن يدخل في العبادة غير الدعاء، ولكنه تبيان لأهمية الدعاء في باب العبادة. قال في (عون المعبود 1/ 551): الدعاء هو العبادة أي هو العبادة الحقيقية التي تستأهل أن تسمى عبادة لدلالته على الإقبال على الله والإعراض عما سواه بحيث لا يرجو ولا يخاف إلا إياه قائماً بوجوب العبودية معترفاً بحق الربوبية عالماً بنعمة الإيجاد طالباً لمدد الإمداد على وفق المراد وتوفيق الإسعاد وكذا في المرقاة. 2957 - *روى أحمد عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس شيء أكرم على الله من الدعاء".

_ 2956 - الترمذي (5/ 374، 375) 48 - كتاب تفسير القرآن، 42 - باب "ومن سورة المؤمن" وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وهو كما قال. (1) غافر: 60. (2) أبو داود (2/ 76، 77) كتاب الصلاة، باب الدعاء. 2957 - أحمد (2/ 362). الترمذي (5/ 455) 49 - كتاب الدعاء، 1 - باب ما جاء في فضل الدعاء، وقال: حديث حسن. ابن ماجه (2/ 1258) 34 - كتاب الدعاء، 1 - باب فضل الدعاء. ابن حبان (2/ 115) باب الأدعية، ذكر البيان أن دعاء المرء لله جل وعلا من أكرم الأشياء عليه. الحاكم (1/ 490) وصححه، وأقره الذهبي، وقد ذكره البخاري في كتابه (الأدب المفرد).

2958 - *روى أبو يعلى عن أنس أنه حدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى "أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني". 2959 - * روى البزار عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم مبتلين فقال "أما كان هؤلاء يسألون الله العافية". 2960 - *روى أبو يعلى عن أبي هريرة قال "إن أبخل الناس من بخل بالسلام وأعجز الناس من عجز عن الدعاء". 2961 - *روى أحمد عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد (شك الأعمش) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن لله تعالى عتقاء في كل يوم وليلة، لكل عبد منهم دعوة مستجابة". وفي رواية (1) عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن لله في كل يوم وليلة عتقاء من النار في شهر رمضان وإن لكل مسلم دعوة يدعو بها فيستجاب له". 2962 - * روى الترمذي عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر". أقول: ما كان في علم الله عز وجل فإنه لا يطرأ عليه تغيير، وما كان في اللوح المحفوظ فإنه لا يتغير ولا يتبدل، وإنما التغيير والتبدل ممكنان بالنسبة لعلم العباد فزيادة العمر أو

_ 2958 - أبو يعلى (6/ 12، 13). مجمع الزوائد (10/ 148)، وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح. 2959 - كشف الأستار (4/ 36) كتاب الأدعية، باب طلب الدعاء. مجمع الزوائد (10/ 147) وقال الهيثمي: رواه البزار، ورجاله ثقات. 2960 - مجمع الزوائد (10/ 146) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلي موقوفاً في آخر حديث ورجاله رجال الصحيح. أبو يعلى (12/ 5) موقوف على أبي هريرة. 2961 - أحمد (2/ 254) وهو حديث صحيح. (1) كشف الأستار (4/ 40) باب دعاء المسلم. مجمع الزوائد (10/ 149) وقال الهيثمي: قلت: رواه ابن ماجه باختصار الدعوة، ورواه البزار، ورجاله ثقات. 2962 - الترمذي (4/ 448) 33 - كتاب القدر، 6 - باب ما جاء لا يرد القدر إلا الدعاء. قال محقق الجامع: وهو حديث حسن، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

رد القضاء متصوران بالنسبة لصحف الملائكة وعلى هذا يحمل رد القضاء أو زيادة العمر الواردان في الحديث، ومن العلماء من حمل زيادة العمر على أن المراد بها البركة فيه. قال في فيض القدير (6/ 449 - 450): أراد بالقضاء هنا الأمر المقدر لولا دعاؤه .. (ولا يزيد في العمر إلا البر) يعني العمر الذي كان يقصر لولا بره أو أراد بزيادته البركة فيه فعلى الأول يكون الدعاء والبر سببين من أسباب السعادة والشقاوة ولا ريب أنهما مقدران أيضاً قال القاضي: مر أن القضاء قسمان جازم لا يقبل الرد والتعويق ومعلق وهو أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً ما لم يرده عائق وذلك العائق لو وجد كان ذلك أيضاً قدراً مقضياً، وقيل المراد بالقضاء ما يخاف نزوله وتبدو طلائعه وأماراته من الكاره والفتن ويكون القضاء الإلهي خارجاً بأن يصان عنه العبد الموفق للخير فإذا أتى به حرس من حلول ذلك البلاء فيكون دعاؤه كالراد لما كان يظن حلوله ويتوقع نزوله. قال النووي في (الأذكار 354): قال الغزالي: فإن قيل فما فائدة الدعاء مع أن القضاء لا مرد له، فاعلم أن من جملة القضاء رد البلاء بالدعاء. 2963 - * روى الجماعة إلا النسائي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت ربي، فلم يستجب لي". وفي أخرى لمسلم (1) قال: "لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل، قيل: يا رسول الله، ما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجيب لي، فيستحسر عند ذلك، ويدع الدعاء". وفي رواية (2) الترمذي قال: "ما من رجل يدعو الله بدعاء إلا استجيب له،

_ 2963 - البخاري (11/ 140) 80 - كتاب الدعوات، 22 - باب يستجاب للعبد ما لم يعجل. مسلم (4/ 2095) 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 25 - باب بيان أنه يستجاب للداعي ما لم يعجل .. إلخ. أبو داود (2/ 78) كتاب الصلاة، باب الدعاء. الترمذي (5/ 464) 49 - كتاب الدعاء، 12 - باب ما جاء فين يستعجل في دعائه. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. ابن ماجه (2/ 1266) 34 - كتاب الدعاء، 7 - باب يستجاب لأحدكم ما لم يعجل. (1) مسلم (4/ 2096) الموضع السابق. (2) الترمذي (5/ 566) 49 - كتاب الدعوات، 116 - باب في انتظار الفرج وغير ذلك.

فإما أن يعجل له في الدنيا، وإما أن يدخر له في الآخرة، وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، أو يستعجل، قالوا: يا رسول الله، وكيف يستعجل؟ قال: يقول: دعوت ربي فما استجاب لي". وفي أخرى (1) له قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد يرفع يديه حتى يبدو إبطه يسأل الله مسألة، إلا آتاه الله إياها ما لم يعجل، قالوا: يا رسول الله، وكيف عجلته؟ قال: يقول: قد سألت وسألت فلم أعط شيئاً". 2964 - *روى أحمد عن عبادة بن الصامت (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه الله إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، فقال رجل من القوم: إذاً نكثر، قال: الله أكثر". قال الجراحي في تفسير قوله عليه الصلاة والسلام: الله أكثر: أي أكثر إجابة. 2965 - *روى رزين عن جابر (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من عبد مسلم يدعو بدعاء، إلا آتاه الله ما سأل، أو ادخر له في الآخرة خيراً منه، أو كف عنه من السوء مثله، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم". وفي رواية (2) "ما من أحد يدعو بدعاء إلا آتاه الله ما سأل، أو كف عنه من السوء مثله، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم".

_ (1) الترمذي (5/ 462) 49 - كتاب الدعاء، 9 - باب ما جاء أن دعوة المسلم مستجابة. (قطيعة رحم) القطيعة: الهجر والصد، والرحم: الأقارب والأهون، والمراد: أن لا يصل أهله ويبرهم ويحسن إليهم. (فيستحسر) الاستحسار: الاستنكاف عن السؤال، وأصله من حسر الطرف: إذا كل وضعف نظره، يعني: أن الداعي إذا تأخرت إجابته تضجر ومل، فترك الدعاء واستنكف. 2964 - أحمد (5/ 329). الترمذي (5/ 566) 49 - كتاب الدعوات، 116 - باب في انتظار الفرج وغير ذلك، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب صحيح وهو كذلك. 2965 - رواه رزين في مسنده، وهو حديث صحيح. (2) الترمذي (5/ 462) 49 - كتاب الدعاء، 9 - باب ما جاء أن دعوة المسلم مستجابة.

2966 - *روى أحمد عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخرها في الآخرة. وأما أن يصرف عنه من السوء مثلها قالوا: إذاً نكثر قال الله أكثر". أقول: وعلى ما ورد في هذين النصين نفهم قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} فالاستجابة محققة، ولكن نوع الاستجابة منوط بالمشيئة الإلهية. فإما تعجيل أو تأجيل أو صرف سوء. 2967 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ينزل ربنا كل ليلة إلى سماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ ". وفي رواية (1) لمسلم: "إن الله عز وجل يمهل حتى إذا ذهب ثلث الليل الأول، نزل إلى السماء الدنيا، فيقول: هل من مستغفر؟ هل من تائب؟ هل من داع؟ حتى ينفجر الفجر". وفي أخرى (2): "إذا مضى شطر الليل، أو ثلثاه، ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا، فيقول: هل من سائل فيعطى؟ هل من داع فيستجاب له؟ هل من مستغفر فيغفر له؟ حتى ينفجر الصبح".

_ 2966 - أحمد (3/ 18). كشف الأستار (4/ 40) كتاب الأدعية، باب دعاء المسلم. أبو يعلى (2/ 296). مجمع الزوائد (10/ 148، 149) وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلي بنحوه والبزار والطبراني في الأوسط، ورجال أحمد، وأبي يعلي، وأحد إسنادي البزار رجاله رجال الصحيح، غير علي بن علي الرفاعي، وهو ثقة، وقال عنه في التقريب لا بأس به. 2967 - البخاري (3/ 29) 19 - كتاب التهجد، 14 - باب الدعاء والصلاة من آخر الليل. مسلم (1/ 521) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 24 - باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه. (1) مسلم (1/ 523) الموضع السابق. (2) مسلم (1/ 522) الموضع السابق.

وفي أخرى (1) له قال: "ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول، فيقول: "أنا الملك أنا الملك، من ذا الذي يدعوني" .. الحديث، إلى آخره-: وقال: "حتى يضيء الفجر". وفي أخرى (2) له نحوه، وفي آخره: "ثم يقول: من يقرض غير عديم ولا ظلوم". وفي أخرى (3) نحوه، وفيه: "ثم يبسط يديه تبارك وتعالى، ويقول: من يقرض .. وذكر الحديث". قال الحافظ في الفتح (3/ 30): وقد اختلف في معنى النزول على أقوال: - فمنهم من حمله على ظاهره وحقيقته، وهم المشبهة، تعالى الله عن قولهم. - ومنهم من أنكر صحة الأحاديث الواردة في ذلك جملة، وهم الخوارج والمعتزلة وهو مكابرة، والعجب أنهم أولوا ما في القرآن من نحو ذلك. وأنكروا ما في الحديث. إما جهلاً وإما عناداً. - ومنهم من أجراه على ما ورد، مؤمناً به على طريق الإجمال منزهاً الله تعالى عن الكيفية والتشبيه، وهم جمهور السلف. ونقله البيهقي وغيره عن الأئمة الأربعة والسفيانين والحمادين والأوزاعي والليث وغيرهم. - ومنهم من أوله على وجه يليق، مستعمل في كلام العرب. - ومنهم من أفرط في التأويل حتى كاد أن يخرج إلى نوع من التحريف. - ومنهم من فصل بين ما يكون تأويله قريباً مستعملاً في كلام العرب، وبين ما يكون بعيداً مهجوراً، فأول في بعض وفوض في بعض. وهو منقول عن مالك، وجزم به من المتأخرين ابن دقيق العيد.

_ (1) مسلم (1/ 522) الموضع السابق. (2) مسلم (1/ 522) الموضع السابق. (3) مسلم (1/ 522) الموضع السابق. (عديم) العديم: الذي لا شيء عنده، فعيل بمعنى فاعل. (ظلوم) الظلوم: الظالم.

قال البيهقي: وأسلمها الإيمان بلا كيف، والسكوت عن المراد، إلا أن يرد ذلك عن الصادق، فيصار إليه. من الدليل على ذلك، اتفاقهم على أن التأويل المعين غير واجب، فحينئذ التفويض أسلم. وقال النووي: هذا الحديث من أحاديث الصفات وفيه مذهبان مشهوران للعلماء: أحدهما، وهو مذهب جمهور السلف وبعض المتكلمين أنه يؤمن بأنها حق على ما يليق بالله تعالى. وأن ظاهرها المتعارف في حقنا غير مراد. ولا يتكلم في تأويلها. مع اعتقاد تنزيه الله تعالى عن صفات المخلوق وعن الانتقال والحركات وسائر سمات الخلق. والثاني مذهب أكثر المتكلمين وجماعات من السلف، أنها تتأول على ما يليق بها بحسب مواطنها، فعلى هذا تأولوا هذا الحديث تأويلين: أحدهما تأويل مالك بن أنس رضي الله عنه، وغيره، معناه تنزل رحمته وأمره أو ملائكته. كما يقال: فعل السلطان كذا، إذا فعله أتباعه بأمره. والثاني أنه على الاستعارة، ومعناه الإقبال على الداعين بالإجابة واللطف. انظر صحيح مسلم رقم 758 والفتح (13/ 464). أقول: المراد من النص حث الإنسان على الدعاء في ذلك الوقت ونرجح من الأقوال الإثبات مع التنزيه أي نرجح مذهب البيهقي. قال الحافظ: وفي حديث الباب من الفوائد: تفضيل صلاة آخر الليل على أوله، وتفضيل تأخير الوتر، لكن ذلك في حق من طمع أن ينتبه، وأن آخر الليل أفضل للدعاء والاستغفار، ويشهد له قوله تعالى: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} وأن الدعاء في ذلك الوقت مجاب، ولا يعترض على ذلك بتخلفه عن بعض الداعين، لأن سبب التخلف وقوع الخلل في شرط من شروط الدعاء، كالاحتراز في المطعم والمشرب والملبس، أو لاستعجال الداعي، أو بأن يكون الدعاء بإثم أو قطيعة رحم أو تحصل الإجابة ويتأخر وجود المطلوب لمصلحة العبد أو لأمر يريده الله. 2968 - *روى أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا بقي ثلث الليل

_ 2968 - أحمد (2/ 521). مجمع الزوائد (10/ 154) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

ينزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا فيقول: من ذا الذي يدعوني فأستجيب له من ذا الذي يستغفرني فأغفر له من الذي يسترزقني فأرزقه، من ذا الذي يستكشف الضر أكشفه عنه حتى ينفجر الفجر". 2969 - * روى الطبراني عن عثمان بن أبي العاص الثقفي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تفتح أبواب السماء نصف الليل فينادي مناد هل من داع فيستجاب له هل من سائل فيعطي هل من مكروب فيفرج عنه فلا يبقى مسلم يدعو بدعوة إلا استجاب الله له إلا زانية تسعى بفرجها أو عشاراً". 2970 - * روى الترمذي عن أبي أمامة الباهلي (رضي الله عنه) قال: قيل: يا رسول الله أي الدعاء أسمع؟ قال: "جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات". 2971 - * روى الطبراني عن ابن عمر قال: نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الليل أجوب دعوة؟ قال "جوف الليل الآخر". 2972 - *روى أبو داود عن سهل بن سعد (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم": "ثنتان لا تردان - أو قلما تردان- عند النداء، وعند البأس، حين يلحم بعضهم بعضاً". وفي رواية (1) الموطأ قال: "ساعتان تفتح لهما أبواب السماء، وقل داع ترد عليه

_ 2969 - الطبراني (المعجم الكبير) (96/ 51). مجمع الزوائد (10/ 209) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. (العشار): هو آخذ العشر ظلماً أو جامع الضرائب ظلماً، أو جامع ضرائب الجمارك خاصة ظلماً. 2970 - الترمذي (5/ 527) 49 - كتاب الدعوات، 79 - باب. (جوف الليل) جوف كل شيء: داخله ووسطه. (دبر الصلوات) دبر كل شيء: وراءه وعقبه، والمراد به: الفراغ من الصلوات. 2971 - مجمع الزوائد (10/ 155) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الثلاثة والبزار ورجال البزار والكبير رجال الصحيح. 2972 - أبو داود (3/ 21) كتاب الجهاد، باب الدعاء عند اللقاء، وهو حسن صحيح كذا قال الحافظ. (1) الموطأ (1/ 70) 3 - كتاب الصلاة، 1 - باب ما جاء في النداء للصلاة. ورواية الموطأ موقوفة على سهل بن سعد رضي الله عنه، قال ابن عبد البر: ومثله لا يقال بالرأي ثم ذكر أنه روي مرفوعاً أيضاً. (النداء): الآذان بالصلاة. (البأس) الخوف والمراد به: القتال.

دعوته: حضرة النداء للصلاة، والصف في سبيل الله". 2973 - *روى مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أقرب ما يكون العبد من ربه عز وجل وهو ساجد، فأكثروا الدعاء". قال (النووي 4/ 200): قوله صلى الله عليه وسلم "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء" معناه أقرب ما يكون من رحمة ربه وفضله، وفيه الحث على الدعاء في السجود وفيه دليل لمن يقول إن السجود أفضل من القيام وسائر أركان الصلاة، وفي هذه المسألة ثلاثة مذاهب. . الثاني: أن تطويل القيام أفضل ... الثالث: أنهما سواء ... أ. هـ. 2974 - * روى الترمذي عن عمرو بن عبسة (رضي الله عنه) أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أقرب ما يكون العبد من ربه في سجوده، وإذا قام يصلي في ثلث الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن". وفي رواية الترمذي: "أقرب ما يكون العبد من الرب في جوف الليل الآخر فإن استطعت ... الحديث. 2975 - * روى الترمذي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من ره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء".

_ 2973 - مسلم (1/ 350) 4 - كتاب الصلاة، 42 - باب ما يقال في الركوع والسجود. أبو داود (1/ 231) كتاب الصلاة، 151 - باب في الدعاء في الركوع والسجود. النسائي (2/ 226) 12 - كتاب التطبيق، 78 - أقرب ما يكون العبد من الله عز وجل. 2974 - الترمذي (5/ 570) 49 - كتاب الدعوات، 119 - باب وصححه. النسائي (1/ 283) 6 - كتاب المواقيت، 40 - إباحة الصلاة إلى أن يصلي الصبح. ابن خزيمة (2/ 182) 485 - باب استحباب الدعاء في النصف الآخر رجاء الإجابة. الحاكم (1/ 263). 2975 - الترمذي (5/ 462) 49 - كتاب الدعاء، 9 - باب ما جاء أن دعوة المسلم مستجابة. الحاكم (1/ 544) وصححه وأقره الذهبي. (الشدائد) جمع شديدة: وهي كل ما يمر بالإنسان من مصائب الدنيا. (الرخاء) السعة في العيش وطيبه، وهو ضد الشدة.

2976 - *روى أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجراً ففجوره على نفسه". 2977 - * روى الترمذي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حين يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم، يرفعها الله فوق الغمام، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين". وفي رواية (1): "ثلاث دعوات مستجابات، لا شك في إجابتهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على الولد". وأخرج أبو داود (2) الثانية، وقال: "دعوة الوالد، ودعوة المسافر، ودعوة المظلوم". 2978 - * روى الجماعة إلا الموطأ عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً إلى اليمن، فقال: "اتق دعوة المظلوم، فإنها ليس بينها وبين

_ 2976 - أحمد (2/ 367). مجمع الزوائد (10/ 151) وقال الهيثمي: رواه أحمد والبزار بنحوه وإسناده حسن. 2977 - الترمذي (5/ 578) 49 - كتاب الدعوات، 129 - باب في العفو والعافية. وقال الترمذي: هذا حديث حسن، وحسنه الحافظ ابن حجر وقد ضعفه بعضهم. (1) الترمذي (5/ 502) 49 - كتاب الدعوات، 48 - باب، وقال الترمذي: هذا حديث حسن. وهذه الرواية وردت في الترمذي في (4/ 314) 28 - كتاب البر والصلة، 7 - باب ما جاء في دعوة الوالدين، وهذه الرواية حسنة. (2) أبو داود (2/ 89) كتاب الصلاة، باب الدعاء بظهر الغيب. (الغمام): السحاب، واحده: غمامة. 2978 - البخاري (5/ 100، 101) 46 - كتاب المظالم، 9 - باب الاتقاء والحذر من دعوة المظلوم. مسلم (1/ 50) 1 - كتاب الإيمان، 7 - باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام. أبو داود (2/ 105) كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة. الترمذي (3/ 21) 5 - كتاب الزكاة، 6 - باب ما جاء في كراهية أخذ خيار المال في الصدقة وهذا الحديث جاء أيضاً في الترمذي في (4/ 368) 28 - كتاب البر والصلة، 68 - باب ما جاء في دعوة المظلوم، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. النسائي (5/ 55) 23 - كتاب الزكاة، 46 - إخراج الزكاة من بلد إلى بلد.

الله حجاب". 2979 - *روى مسلم عن أبي الدرداء (رضي الله عنه) أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك: ولك بمثل". وفي رواية (1) أبي داود قال: "إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة: آمين، ولك بمثل". وفي أخرى (2) لمسلم: قال صفوان بن عبد الله بن صفوان: "قدمت الشام، فأتيت أبا الدرداء في منزله، فلم أجده، ووجدت أم الدرداء، فقالت: أتريد الحج العام؟ فقلت: نعم، قالت: فادع لنا بخير، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل، كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل". قال: فخرجت إلى السوق فلقيت أبا الدرداء، فقال لي مثل ذلك، يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم. 2980 - * روى البزار عن أنس (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا المرء لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة آمين ولك بمثله". 2981 - * روى أبو داود عن مالك بن يسار السكوتي (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سألتم الله عز وجل فسلوه ببطون أكفكم، ولا تسألوه بظهورها".

_ = ابن ماجه (1/ 568) 8 - كتاب الزكاة، 1 - باب فرض الزكاة. 2979 - مسلم (4/ 2094) 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 23 - باب فضل الدعاء للمسلمين بظهر الغيب. (1) أبو داود (2/ 89) كتاب الصلاة، باب الدعاء بظهر الغيب. (2) مسلم (4/ 2094) نفس الموضع السابق. (بظهر الغيب): معناه في غيبة المدعو له وفي سره لأنه أبلغ في الإخلاص، قاله النووي. 2980 - كشف الأستار (4/ 50) باب دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب. مجمع الزوائد (10/ 152) وقال الهيثمي: رواه البزار، ورجاله ثقات. 2981 - أبو داود (2/ 78) كتاب الصلاة، باب الدعاء، وهو حديث حسن.

2982 - * روى الطبراني عن أبي بكرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سلوا الله ببطون أكفكم ولا تسلوه بظهورها. 2983 - * روى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن المسألة: أن ترفع يديك حذو منكبيك أو نحوهما، والاستغفار: أن تشير بإصبع واحدة، والابتهال: أن تمد يديك جميعاً". 2984 - * روى البخاري عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: رفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه". 2985 - *روى أحمد عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه يدعو حتى إني لأسأم له مما يرفعهما. 2986 - *روى أبو داود عن سلمان الفارسي (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن ربكم حيي كريم، يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين". 2987 - *روى أبو داود عن فضالة بن عبيد (رضي الله عنه) قال: "سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته، فلم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عجل هذا، ثم دعاه فقال له- أو لغيره: إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه، ثم ليصل

_ 2982 - مجمع الزوائد (10/ 169) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير عمار بن خالد الواسطي وهو ثقة. 2983 - أبو داود (2/ 79) كتاب الصلاة، باب الدعاء، وهو حديث صحيح. 2984 - البخاري (2/ 516) 15 - كتاب الاستسقاء، 21 - باب رفع الناس أيديهم مع الإمام 2985 - أحمد (6/ 225). مجمع الزوائد (10/ 168) وقال الهيثمي: روه أحمد بثثة أسانيد ورجالها كلها رجال الصحيح. 2986 - أبو داود (2/ 78) كتاب الصلاة، باب الدعاء، إلا أن أبا داود لم يذكر "خائبتين". الترمذي (5/ 556، 557) 49 - كتاب الدعوات، 105 - باب، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وصححه الحاكم، قال الحافظ ابن حجر في الفتح وسنده جيد. 2987 - أبو داود (2/ 77) كتاب الصلاة، باب الدعاء. الترمذي (5/ 517) 49 - كتاب الدعوات، 65 - باب، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. النسائي (3/ 44) 13 - كتاب السهو، 48 - باب التمجيد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليدع بعد ما شاء". 2988 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة، ولا يقل: اللهم إن شئت فأعطني، فإن الله لا مستكره له". 2989 - * روى الجماعة إلا النسائي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دعا أحدكم فلا يقل: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ولكن ليعزم المسألة، فإن الله لا مكره له". وفي رواية (1) للبخاري قال: "لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، ارحمني إن شئت، ارزقني إن شئت، وليعزم مسألته، إنه يفعل ما يشاء، لا مكره له". وفي رواية (2) لمسلم: "لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، ارحمني إن شئت، ليعزم في الدعاء، فإن الله صانع ما شاء، لا مكره له". وفي أخرى (3) له: "إذا دعا أحدكم فلا يقل: اللهم اغفر لي إن شئت، ولكن ليعزم وليعظم الرغبة، فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه".

_ = الحاكم (1/ 230) كتاب الصلاة، وصححه ووافقه الذهبي. 2988 - البخاري (11/ 139) 80 - كتاب الدعوات، 21 - باب ليعزم المسألة، فإنه لا مكره له. مسلم (4/ 2063) 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 3 - باب العزم بالدعاء، ولا يقل إن شئت. (فليعزم) عزمت على الأمر: إذا عقدت قلبك عليه، وجددت في فعله، والعزم: الجد والقطع على فعل الشيء ونفي التردد عنه، المعنى: لا تكن في دعائك متردداً، بل اجزم المسألة. 2989 - البخاري، الموضع السابق. مسلم، الموضع السابق. (1) البخاري، المواضع السابقة. (2) مسلم، المواضع السابقة. (3) مسلم، المواضع السابقة. أبو داود (2/ 77) كتاب الصلاة، باب الدعاء. الترمذي (5/ 526) 49 - كتاب الدعوات، 78 - باب. ابن ماجه (2/ 1267) 34 - كتاب الدعاء، 8 - باب لا يقول الرجل: اللهم اغفر لي إن شئت.

2990 - * روى الطبراني عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا تمنى أحدكم فليكثر فإنما يسأل ربه عز وجل". 2991 - * روى أبو داود عن ابن سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) قال: "سمعني أبي وأنا أقول: اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وبهجتها، وكذا وكذا، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها، وكذا وكذا، فقال لي: يا بني، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سيكون قوم يعتدون في الدعاء" فإياك أن تكون منهم، إنك إن أعطيت الجنة أعطيتها وما فيها من الخير، وإن أعذت من النار أعذت منها وما فيها من الشر. 2992 - * وى أحمد أحمد عن عبد الله بن مغفل (رضي الله عنه) "سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها، فقال: أي بني سل الله الجنة، وتعوذ به من النار، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء". 2993 - * روى أبو داود عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء، ويدع ما سوى ذلك".

_ 2990 - مجمع الزوائد (10/ 150) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. 2991 - أبو داود (2/ 77) كتاب الصلاة، باب الدعاء. (وبهجتها) البهجة: الحسن والنضارة. (يعتدون) الاعتداء: مجاوزة الحد في الأمر، والمراد: الخروج في الدعاء عن الوضع الشرعي والسنة المأثورة. 2992 - أحمد (4/ 87) أبو داود (1/ 24) كتاب الطهارة، 45 - باب الإسراف في الماء، وإسناده صحيح. ابن ماجه (2/ 1271) 34 - كتاب الدعاء، 12 - باب كراهية الاعتداء في الدعاء. 2993 - أبو داود (2/ 77) كتاب الصلاة، باب الدعاء، وجود إسناده النووي في الأذكار وقال الحافظ السخاوي: هذا حديث حسن أخرجه أحمد وأبو داود. (الجوامع): الأشياء التي تجمع الأشياء، جمع جامعة، أي: خصلة جامعة وألفاظ جامعة لمقاصد الحاجة، أو جامعة للثناء على الله تعالى والسؤال.

2994 - *روى أبو داود عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله عز وجل ساعة نيل، فيها عطاء، فيستجيب لكم". 2995 - * روى الترمذي عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها، حتى يسأل شسع نعله إذا انقطع". 2996 - * روى البزار عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليسألن أحدكم ربه حاجته أو حوائجه كلها حتى يسأله شسع نعله إذا انقطع وحتى يسأله الملح". 2997 - * روى أبو يعلي عن عائشة قالت: سلوى الله كل شيء حتى الشسع فإن الله إن لم ييسره لم يتيسر. 2998 - * روى الترمذي عن ابن مسعود البدري (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سلوا الله من فضله، فإن الله يحب أن يسأل، وأفضل العبادة انتظار الفرج".

_ 2994 - أبو داود (2/ 88) كتاب الصلاة، باب النهي عن أن يدعو الإنسان على أهله وماله وهذا الحديث قد أخرجه مسلم بنحوه من حديث أبي اليسر رقم 3009 وفيه (لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء، فيستجيب لكم). (نيل) النيل والنوال: العطاء. 2995 - رواه الترمذي في سننه وحسنه. ابن حبان (2/ 126) ذكر استحباب تفويض المرء للأمور كلها إلى بارئه .. إلخ وقد صححه ابن حبان وضعفه بعضهم. (شسع نعله) شسع النعل: سير من سيورها التي تكون على وجهها يدخل بين الأصابع. 2996 - كشف الأستار (4/ 37) باب سؤال العبد جميع حاجته. مجمع الزوائد (10/ 150) وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير سيار بن حاتم وهو ثقة، وقال ابن حجر: سيار بن حاتم صدوق له أوهام. 2997 - مجمع الزوائد (10/ 150) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلي ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن عبيد الله بن المنادى وهو ثقة، في التقريب محمد بن عبيد الله صدوق. 2998 - الترمذي (5/ 565) 49 - كتاب الدعوات، 116 - باب في انتظار الفرج وغير ذلك وهو حديث حسن.

2999 - *روى أبو داود عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) أن امرأة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: صل علي وعلى زوجي، فقال: "صلى الله عليك وعلى زوجك". 3000 - * روى الترمذي عن أبي بن كعب (رضي الله عنه) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر أحداً فدعاً له، بدأ بنفسه". 3001 - * روى الطبراني والبزار عن أبي أيوب: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا بدأ بنفسه. وعن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله أي الدعاء أفضل قال: "دعاء المر لنفسه". 3002 - * روى البزار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تبارك وتعالى ليرفع للرجل الدرجة فيقول أني لي هذه؟ فيقول بدعاء ولدك لك". 3003 - *روى أبو داود عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعجبه أن يدعو ثلاثاً ويستغفر ثلاثاً". 3004 - * روى الترمذي عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال: كنت أصلي والنبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر معه، فلما جلست بدأت بالثناء على الله، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم دعوت لنفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سل تعطه، سل تعطه".

_ 2999 - أبو داود (2/ 88/ 89) كتاب الصلاة، باب الدعاء. 3000 - الترمذي (5/ 463) 49 - كتاب الدعاء، 10 - باب ما جاء أن الداعي يبدأ بنفسه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب صحيح. 3001 - كشف الأستار (4/ 51) باب دعاء المرء لنفسه. مجمع الزوائد (10/ 152) وقال الهيثمي: رواه البزار بإسنادين وأحدهما جيد. حديث الطبراني عن أبي أيوب، وحديث البزار عن عائشة، وحديث الطبراني قال فيه الهيثمي: رواه الطبراني وإسناده حسن. 3002 - كشف الأستار (4/ 39، 40) باب دعاء الولد لوالده. مجمع الزوائد (10/ 153) وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح، غير عاصم بن بهدلة وهو حسن الحديث، وله طرق في التوبة في استغفار الولد لوالده. 3003 - أبو داود (2/ 86، 87) كتاب الصلاة، باب الدعاء. 3004 - الترمذي (2/ 488) أبواب الصلاة، 416 باب ما ذكر في الثناء على الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الدعاء، وقال الترمذي: حديث عبد الله بن مسعود حديث حسن صحيح.

3005 - * روى الشيخان عن أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه) قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فجعل الناس يجهرون بالتكبير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس، اربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إنكم تدعون سميعاً بصيراً، وهو معكم، والذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته، قال أبو موسى: وأنا خلفه أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله في نفسي، فقال: يا عبد الله بن قيس، ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله". وفي رواية (1) الترمذي قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة، فلما قفلنا أشرفنا على المدينة، فكبر الناس تكبيرة ورفعوا بها أصواتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ربكم ليس بأصم ولا غائباً، وهو بينكم وبين رؤوس رحالكم، ثم قال: يا عبد الله بن قيس، ألا أعلمك كنزاً من كنوز الجنة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله" وفي هذا المعنى بسند قوي عن أبي هريرة. وفي رواية (2) أبي داود نحو من رواية الترمذي، ومن راية البخاري ومسلم. قال (النووي 17/ 26): معناه ارفقوا بأنفسكم واخفضوا أصواتكم فإن رفع الصوت إنما يفعله الإنسان لبعد من يخاطبه ليسمعه وأنتم تدعون الله تعالى وليس هو بأصم ولا غائب بل هو سميع قريب وهو معكم بالعلم والإحاطة. ففيه الندب إلى خفض الصوت بالذكر إذا لم تدع حاجة إلى رفعه فإنه إذا خفضه كان أبلغ في توقيره وتعظيمه فإن دعت حاجة إلى الرفع رفع كما جاءت به.

_ 3005 - البخاري (7/ 470) 64 - كتاب المغازي، 38 - باب غزوة خيبر. (1) مسلم (4/ 2076) 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 13 - باب استحباب خفض الصوت بالذكر. الترمذي (5/ 509، 510) 49 - كتاب الدعوات، 58 - باب ما جاء في فضل التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (2) أبو داود (2/ 87) كتاب الصلاة، باب في الاستغفار. (اربعوا) يقال: اربع على نفسك، أي: تثبت وانتظر. (راحلته) الراحلة: البعير القوي على الأسفار والأحمال، سواء فيه الذكر والأنثى.

أحاديث وقوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى: "والذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلة أحدكم" هو بمعنى ما سبق. وترجم البخاري للحديث في كتاب الجهاد بقوله: باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير قال ابن حجر (6/ 135): قال الطبري: فيه كراهية رفع الصوت بالدعاء والذكر، وبه قال عامة السلف من الصحابة والتابعين انتهى. وتصرف البخاري يقتضي أن ذلك خاص بالتكبير ند القتال، وأما رفع الصوت في غيره فقد تقدم في كتاب الصلاة حديث ابن عباس أن رفع الصوت بالذكر كان على العهد النبوي إذا انصرفوا من المكتوبة، وتقدم البحث فيه هناك. وقد قال ابن حجر هناك (2/ 325) فيه دليل على جواز الجهر بالذكر عقب الصلاة، قال الطبري: فيه الإبانة عن صحة ما كان يفعله بعض الأمراء من التكبير عقب الصلاة ... 3006 - * روى البزار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لينتهين ناس عن رفع أبصارهم إلى السماء عند الدعاء حتى تخطف يعني تخطف أبصارهم". وفي رواية (2) لمسلم "لينتهين أقوام عن رفعهم أبصارهم عند الدعاء في الصلاة إلى السماء أو لتخطفن أبصارهم". 3007 - *روى أحمد عن أبي هريرة قال "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة وقمنا معه، فقال أعرابي وهو في الصلاة: اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً، فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي: لقد حجرت واسعاً. يريد رحمة الله".

_ 3006 - كشف الأستار (4/ 41) كتاب الأدعية، باب النهي عن رفع البصر عند الدعاء. مجمع الزوائد (10/ 167) وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله رجال صحيح غير أحمد بن منصور، وهو ثقة. (1) مسلم (1/ 321) 4 - كتاب الصلاة، 26 - باب النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة. 3007 - أحمد (2/ 171). البخاري (10/ 438) 78 - كتاب الأدب، 27 - باب رحمة الناس والبهائم. مجمع الزوائد (10/ 150) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني بنحوه وإسنادهما حسن. وفي رواية أحمد والطبراني: "لقد حجبتهن عن ناس كثير".

3008 - * روى الطبراني عن محمد بن أبي يحيى قال: رأيت عبد الله بن الزبير ورأى رجلاً رافعاً يديه يدعو قبل أن يفرغ من صلاته فلما فرغ منها قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يرفع يديه حتى يفرغ من صلاته. 3009 - *روى مسلم عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد رجلاً من المسلمين، قد خفت، فصار مثل الفرخ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل كنت تدعو الله بشيء، أو تسأله إياه؟ قال: نعم، كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله! لا تطيقه ولا تستطيعه، أفلا قلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار؟ قال: فدعا الله به، فشفاه الله تعالى". وفي أخرى (1): "فقالها، فشفاه الله" هذه رواية مسلم، وانتهت رواية الترمذي عند قوله: "عذاب النار". 3010 - * روى البزار عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما سأل العباد شيئاً أفضل من أن يغفر لهم ويعافيهم". 3011 - * روى الطبراني عن أبي موسى الأشعري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ملعون من سأل بوجه الله، وملعون من سئل بوجه الله، ثم منع سائله ما لم يسأل هجراً".

_ 3008 - مجمع الزوائد (10/ 169) وقال الهيثمي: رواه الطبراني وترجم له فقال: محمد بن أبي يحيى الأسلمي عن عبد الله ابن الزبير ورجاله ثقات. 3009 - مسلم (4/ 2068، 2069) 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 7 - باب كراهة الدعاء بتعجيل العقوبة في الدنيا. مسلم الرواية في نفس الحديث السابق. (1) الترمذي (5/ 521، 522) 49 - كتاب الدعوات، 72 - باب ما جاء في عقد التسبيح باليد. (خفت) الخفوت: الذبول والضعف. 3010 - كشف الأستار (4/ 51، 52) كتاب الأدعية، باب طلب المغفرة والعافية. مجمع الزوائد (10/ 174) وقال الهيثمي: رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح، غير موسى بن السائب، وهو ثقة. 3011 - مجمع الزوائد (3/ 103) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن على ضعف في بعضه مع توثيق. (الهجر): الخنا والقبيح من القول.

3012 - * روى الطبراني عن العرباض بن سارية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سألتم الله فسلوه الفردوس فإنه سر الجنة، عليك بسر الوادي فإنه أمرعه وأعشبه". 3013 - * روى الترمذي عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه أن أعمى أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ادع الله أن يكشف لي عن بصري. قال: أو أدعك قال يا رسول الله: إنه قد شق علي ذهاب بصري. قال: فانطلق فتوضأ، ثم صل ركعتين، ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة. يا محمد: إني أتوجه إلى ربي بك أن يكشف لي عن بصري اللهم شفعه في، وشفعني في نفسي" فرجع وقد كشف الله عن بصره (1).

_ 3012 - مجمع الزوائد (10/ 171) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله وثقوا. (سر الوادي): سر كل شيء جوفه. 3013 - الترمذي (5/ 569) 49 - كتاب الدعوات، 119 - باب، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب. وكذلك رواه النسائي في عمل اليوم والليلة واللفظ له. ابن ماجه (1/ 441) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 189 - باب ما جاء في صلاة الحاجة. ابن خزيمة (2/ 225، 226) 527 - باب صلاة الترغيب والترهيب. الحاكم (1/ 519) كتاب الدعاء، وقال: صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه. (1) حديث عثمان بن حنيف صحيح، أخرجه أحمد (3/ 138) والترمذي (3595) وابن ماجه (1385) والحاكم (1/ 313) والطبراني في الكبير (9/ 8311) وابن خزيمة كما في الترغيب والبيهقي أي في الدلائل، وكذا في الدعوات كما في القاعدة (107) والنسائي وكذا ابن أبي خيثمة كما في القاعدة (113) كلهم من حديث عثمان بن عمر عن شعبة عن أبي جعفر عن عمارة بن خزيمة عن عثمان بن حنيف، قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله أئمة ثقات لا مطعن فيه، وأبو جعفر هو الخطمي المدني خلافاً لمن ظنه الرازي كصاحب صيانة الإنسان، وكذا ابن حجر البوطامي وغيرهم لأمرين: أولهما: كونه ورد منسوباً عند أحمد والطبراني وغيرهم، ثانيهما: كون أبي جعفر هذا مدنياً والآخر رازياً، وثمة أمر آخر وهو كون الخطمي يروي عنه شعبة ويروي هو عن عمارة بن خزيمة، وليست هذه للأول، فثبت كون الحديث صحيحاً، وقد تابع شعبة حمخاداً ثنا أبو جعفر أخرجه أحمد (3/ 138) وحماد هو ابن سلمة أحد الأئمة إلا أن له أوهاماً: ثنا المؤمل ثنا حماد ثنا أبو جعفر به وهذا سند صحيح، وخالف المؤمل مسلم بن إبراهيم، أخرجه ابن أبي خيثمة في التاريخ ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا حماد بن سلمة به وزاد "وإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك" قلت: وقد أعل ابن تيمية هذه الزيادة بتفرد حماد بها ومخالفته لمن هو أجل وأحفظ. فهي زيادة شاذة قطعاً، ورجح كونها من قول عثمان بن حنيف وليست من المرفوع. قال الطبراني بعد سياقه: روى هذا الحديث شعبة عن أبي جعفر تفرد به عثمان بن عمر عن شعبة، قلت: بل تابع عثمان بن عمر روح بن عبادة، أخرجه أحمد (4/ 138) ثنا روح ثنا شعبة به وهو عند البيهقي في الدعوات من رواية روح، وقد ذكر الطبراني مبلغ علمه والله أعلم. قلت: وتابع شعبة كذلك روح بن القاسم، وهشام الدستوائي لكنهما روياه عن أبي جعفر عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أخرجه البيهقي وغيره كما =

وليس عند الترمذي: ثم صل ركعتين، إنما قال: فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يدعو بهذا الدعاء فذكره بنحوه. ورواه في الدعوات. قال المنذري رحمه الله: ورواه الطبراني [9/ 17/ 8311/] وذكر في أوله قصة (1) وهو أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه في حاجة له، وكان عثمان لا يلتفت إليه، ولا ينظر في حاجته، فلقي عثمان بن حنيف فشكا ذلك إليه، فقال له عثمان بن حنيف: أئت الميضأة فتوضأ، ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين، ثم قل: اللهم إني أسألك، وأتوجه إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة يا محمد! إني أتوجه بك إلى ربي فيقضي حاجتي، وتذكر حاجتك ورح إلى حتى أروح معك، فانطلق الرجل فصنع ما قال له، ثم أتى باب عثمان فجاء البواب حتى أخذ بيده، فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة، وقال: ما حاجتك؟ فذكر حاجته فقضاها له، ثم قال:

_ = في القاعدة (108/ 1096) وإسنادهما صحيح، فلعل لأبي جعفر هذا شيخين فلا منافاة، لاسيما وتابعهما على هذه الطريق عون بن عمارة أخرجه الحاكم (1/ 526) وهو وإن كان ضعيفاً إلا أنه ينجبر ضعفه بمتابعة هذين الجبلين، ورواه شبيب عن روح واختلف عليه فيه، وسترى هذا الاختلاف. (1) أما حديث القصة الزائدة فهي لا تصح، فقد أخرجها الطبراني في الكبير (9/ 16/ ق 8311) والطبراني في الصغير (103 - 104) والبيهقي في الدلائل كما في القاعدة (109) فالأولان أي حديثا الطبراني من حديث ابن وهب عن أبي سعيد شبيب بن سعيد المكي عن روح بن القاسم عن أبي جعفر الخطمي، وتابعه إسماعيل بن شبيب هذا، وإسماعيل لا يعرف، والسند الأول صحيح لكن له علة، فإن ابن وهب وإن كان ثقة حافظاً إلا أن له عن أبي سعيد شبيب هذا مناكير، وستعرف هذا من ترجمة شبيب، قال ابن عدي: حدث ابن وهب عنه بالمناكير وقال: ولعل ابن وهب كتب عنه في تجارته إلى مصر من حفظه فغلط ووهم ثم قال: ولشبيب أحاديث عن الزهري رواها عن يونس عنه وهي مستقيمة، وقال ابن المديني: كتابه صحيح وقد كتبته عن ابنه أحمد، قلت: فالحاصل أن شبيباً حديثه لا بأس به بشروط: أولاً: ألا يكون من رواية ابن وهب، ثانياً: أن يكون من رواية يونس وعن شبيب ابنه أحمد، ثالثاً: من يحدث من كتابه، لكن تابع ابن وهب إسماعيل وهو لا يعرف، فسقطت متابعته وهي عند البيهقي كما قدمناه، وكذا تابعه أحمد بن شبيب أخرجه البيهقي في الدلائل كما في القاعدة (109) رواه من طريق يعقوب بن سفيان عن أحمد بن شبيب عن شبيب بذكر القصة، فثبت شرط وبقي شرطان وهي كون الراوي عنه شبيب هو يونس وليس كذلك، ففقد هذا الشرط وفقد بالتبعية شرط آخر وهو كون شبيب حدث من حفظه، ويعكر على هذا أيضاً كون أحمد اختلف عليه فيه. فرواه ابن السني (202) والحاكم (1/ 526) من طرق ثلاثة عن أحمد بدون ذكر القصة، وكذا رواه عون بن عمارة عن روح به عن الحاكم (1/ 526) بدون ذكر القصة، وهو وإن كان ضعيفاً إلا أنه تابع حماداً وشعبة وشبيباً في عدم ذكر القصة فدل على ضعفها، والخلاصة أن هذه القصة منكرة لأمور: أولاً: ضعف حفظ شبيب. ثانياً: الاختلاف عليه. ثالثاً: مخالفته للثقات لا سيما وفيهم شعبة وحماد بن سلمة فسقطت القصة التي توهموها تجيز التوسل.

ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة، وقال: ما كانت لك من حاجة فائتنا، ثم إن الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيراً، ما كان ينظر في حاجتي، ولا يلتفت إلي حتى كلمته في، فقال عثمان بن حنيف: ولله ما كلمته، ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأتاه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أو تصبر، فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد، وقد شق علي؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ائت الميضأة فتوضأ، ثم صل ركعتين، ثم ادع بهذه الدعوات، فقال عثمان بن حنيف: فوالله ما تفرقنا، وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر قط. قال الطبراني بعد ذكر طرقه: والحديث صحيح (1). أقول: هناك معركة كبيرة بين الذين يستحبون التوسل إلى الله برسوله صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد موته عليه الصلاة والسلام، وبين الذين لا يجيزون التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم وبغيره بعد الوفاة، بل غلا بعض هؤلاء واعتبر القول بعدم الجواز من العقائد، فضلل من يقول بالجواز أو الاستحباب، وهؤلاء منهم من حاول تضعيف الحديث الذي مر معنا أو تأويله مع أن الرواية الثانية ظاهرة في الجواز وقد صححها أكثر من إمام، وقد جع الأستاذ البنا هذه المسألة داخلة في باب الفروع الفقهية التي لا ينكر على من فعلها ولا على من لم يفعلها، ما دام معتقداً أن النفع والضر بيد الله وحده، قال الشوكاني في تحفة الذاكرين: وفي الحديث دليل على جواز التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله عز وجل مع

_ (1) قوله: قال الطبراني بعد ذكر طرقه: والحديث صحيح فقول فيه ما فيه لوجوه: أولها: أن الطبراني لم يصحح الحديث في الكبير، وإنما صححه في الصغير، ولم ينقل منه الشيخ ولا أشار إليه لا سيما والعزو إلى الطبراني مطلقاً إنما يراد به الكبير وهو هنا كذلك ولم يقيد. ثانيها: أن الطبراني إنما صحح أصل الحديث وهو حديث شعبة. بدليل كونه ذكر طريق شعبة وتكلم عليها وقال: والحديث صحيح، فلم يصحح القصة الطبراني، وإنما صحح أصل الحديث بدون ذكر القصة. ثالثها: كونه قال: رواه الطبراني وذكر في أوله قصة توهم أنه رواه من نفس طريق شعبة وليس كذلك لما عرفت فظهر ما في كلامه من الخلل. (الطنفسة): مثلثة الطاء والفاء أيضاً، وقد تفتح الطاء وتكسر الفاء: اسم للبساط، وتطلق على حصير من سعف يكون عرضه ذراعاً.

اعتقاد أن الفاعل هو الله سبحانه وتعالى وأنه المعطي والمانع ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. اهـ، إلا أن بعضهم منعوا مثل هذا وما كان لهم أن ينكروا على الأستاذ البنا رحمه الله ما اتجه إليه، كيف وللمسألة أدلتها عند المجيزين، ومن ذلك: ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري 2/ 495) في الاستسقاء حديثاً في التوسل فقال روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الداري- وكان خازن عمر- قال: أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا فأتي الرجل في المنام فقيل ائت عمر "الحديث" وذكر الحافظ أن في إحدى روايات الحديث أن الرائي هو بلال بن الحارث الصحابي المشهور وفي ذلك تقرير من الحافظ على التوسل به صلى الله عليه وسلم بعد وفاته وليس المراد الاستدلال بالرؤيا إنما المراد الاستدلال بالفعل فكيف فعل هذا الرجل أو هذا الصحابي هذا الفعل أمام الصحابة وأخبر سيدنا عمر ولم ينكروا عليه ويصفوه بالشرك. فحاشى الصحابة من الإقرار على الشرك حاشاهم وهم أعلم الناس بما يؤدي للشرك. وقد روى أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما دفن فاطمة بنت أسد أم سيدنا علي رضي الله عنهما: "اللهم (1) بحقي وحق الأنبياء من قبلي اغفر لأمي بعد أمي" رواه ابن حبان في صحيحه والحاكم والطبراني في الكبير والأوسط وصححوه. ورجال الحديث رجال الصحيح إلا روح بن صلاح فيه ضعف لكن ذكره ابن حبان في الثقات وقال الحاكم: ثقة مأمون لذلك كان الحديث حسناً فقد قال الإمام ابن حجر أبو العباس في الجوهر المنظم هو سند جيد.

_ (1) أما حديث فاطمة بنت أسد: فأخرجه الطبراني في الكبير (24/ 351/ ق/ 871) وكذا في الأوسط كما في مجمع البحرين (356 - 357) قاله محققه، وابن حبان والحاكم وأبو نعيم من طريق الطبراني (3/ 121) كلهم من حديث روح بن صلاح ثنا سفيان الثوري عن عاصم الأحول عن أنس بن مالك وذكر الحديث، قال الطبراني بعد سياقه: لم يروه عن عاصم إلا سفيان تفرد عنه روح بن صلاح، قلت: وروح بن صلاح هذا ضعفه ابن عدي والدارقطني، وقال ابن ماكولا: ضعفوه، وقال ابن يونس: رويت عنه مناكير، وقال ابن عدي: له أحاديث كثيرة في بعضها، نكرة إذن فقول ابن حبان والحاكم فيه لا يعتد به لوجوه منها: أ- لكثرة من جرحه. ب- أنه جرح مفسر فلا يقبل تفرده. ج- كون ابن حبان والحاكم متساهلين كما هو معلوم فثبت ضعف القصة والله أعلم.

ففي الحديث توسله صلى الله عليه وسلم بالأنبياء من قبله وقد توفاهم الله تعالى. وفي صحيح البخاري أن عمر رضي الله عنه استسقى عام الرمادة بالعباس رضي الله عنه عم النبي صلى الله عليه وسلم، ومن قوله توسلاً به: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم وإنا نتوسل إليك بعم نبينا، قال فيسقون. وذكر العلماء أن اكتفاءه بالاستسقاء بالعباس إذا لم يستسق بالنبي صلى الله عليه وسلم كان لدفع توهم عدم جواز الاستسقاء بغيره عليه وآله الصلاة والسلام لا لحق الاستسقاء بالحي حياة ظاهرة إذ أن الصحابة توسلوا به صلى الله عليه وسلم بعد موته دون نكير وقد أتينا بمثالين في ذلك فسيدنا عمر استسقى وتوسل بالعباس لدفع توهم عدم جواز التوسل إلا بالنبي صلى الله عليه وسلم ولإظهار شرف آل البيت النبوي، وقد توسل سيدنا عمر رضي الله عنه بالعباس لنكتة أخرى وهي جواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل فإن علياً رضي الله عنه وكرم وجهه أفضل من عمه العباس فتوسل سيدا عمر بالعباس لهذا الملحظ. ولهذا قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري عند شرح هذا الحديث: ويستفاد من قصة العباس استحباب الاستشفاع بأهل الخير والصلاح وأهل بيت النبوة، وفيه فضل العباس وفضل عمر لتواضعه للعباس (فتح 2/ 497) ولم يقل الحافظ أنه يستفاد من هذا الحديث أنه لا يجوز التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته. وفي الحقيقة أن توسل الصحابة رضوان الله عليهم كان بذات العباس، وبدعاء العباس، إذ ذكر الحافظ أن في بعض الروايات مما قاله العباس في دعائه (اللهم إن القوم توجهوا بي إليك لمكاني من نبيك) فتح (2/ 497) فلولا قربه ومكانته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لذهب سيدنا عمر لغيره من آل بيت النبوة فجعلوه وسيلتهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: آل النبي وسيلتي ... وهم إليه ذريعتي أرجو بهم أعطى غداً ... بيدي اليمين صحيفتي هذا وجميع ما أوردناه من الأحاديث والآثار الصحيحة الصريحة في التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته هي في الحقيقة شارحة لقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ

فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} فالآية عامة في حياته قبل وفاته وبعد وفاته وما زال عمل العلماء على ذلك وقد ذكر العلماء المفسرون لهذه الآية كالحافظ ابن كثير حكاية العتبي المشهورة قال العتبي (1): كنت جالساً عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله سمعت الله يقول: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا}. وقد جئتك مستغفراً من ذنبي مستشفعاً بك إلى ربي ثم أنشأ يقول: يا خير من دفنت بالقاع أعظمه ... فطاب من طيبهن القاع والأكم نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه ... فيه العفاف وفيه الجود والكرم قال العتبي: ثم انصرف الأعرابي فغلبتني عيناي فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم فقال: يا عتبي الحق الأعرابي وبشره بأن الله قد غفر له. أهـ. وقال الحافظ ابن كثير إنها حكاية مشهورة (2). وإن الذين أنكروا على الأستاذ البنا رحمه الله اعتباره أن مسألة التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم من باب الفروع الفقهية فاتهم أن هناك كثيراً من أئمة الهدى توسلوا بالنبي صلى الله عليه أو أجازوا التوسل به، وإن من الغلو أن نحكم على أمثال هؤلاء بالضلال. وقد تتبع بعض أهل العلم ما أثر عن بعض العلماء في هذا الشأن: قال الإمام مالك (3) رضي الله عنه للخليفة المنصور لما حج وزار قبر النبي عليه وآله

_ (1) أما قوله: وذكر الحكاية التي رواها العتبي: نقول: هذه الحكاية أوردها ابن عبد الهادي في "الصارم المنكي في الرد على السبكي" وعزاها لابن عساكر في التاريخ وابن الجوزي في "مثير العزم الساكن" قال ابن عبد الهادي: وسندها مظلم وفيها من لا يعرف، ولو صحت فمتى كانت المنامات حجة، فليس في المنام ما يثبت حكماً شرعياً، وهذا قول العلماء اللهم إلا قول بعض المتصوفة الذين شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله. (2) وقول ابن كثير: إنها مشهورة: لا يعني صحتها، فليس كل مشهور صحيحاً، وهذا كثرة في الحكايات والأحاديث فمنها الكثير الموضوع، ومن أراد المعرفة فليراجع كتب المصطلح وكتب الأحاديث المشهورة كالمقاصد الحسنة، وتمييز الطيب من الخبيث وغيره، ففيها من هذا النوع الكثير. (3) أما قصة مالك التي ذكرها الشيخ: فقد أخرجها القاضي عياض في الشفاء كما في التوسل والوسيلة لابن تيمية ص 72 رواها عن غير واحد بالإجازة: ثنا أبو العباس بن دلهاث ثنا أبو الحسن بن فهر ثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن =

الصلاة والسلام وسأل مالكاً قائلاً: يا أبا عبد الله، استقبل القبلة وأدعو أم استقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدعو؟ فقال الإمام مالك: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم إلى الله تعالى بل استقبل واستشفع به فيشفعه الله فيك. قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا}. ذكر هذه القصة الإمام القاضي عياض في الشفا بإسناد صحيح والسيد السمهودي في خلاصة الوفا والعلامة القسطلاني في المواهب اللدنية والعلامة ابن حجر في الجوهر المنظم انظر كتاب الشفا للقاضي عياض (2/ 92) أو (596) من طبعة محمد علي البجاوي، وشرح "الشفا" للمحدث ملا علي قاري (3/ 636). وثبت عن الإمام أحمد أنه قال: يستحب التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم عند القحط، مذكور في كتب الحنابلة في باب الاستسقاء ككتاب الإنصاف فيما ترجح من الخلاف. انظر الإنصاف (2/ 456). وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني يمدح النبي صلى الله عليه وسلم في قصيدة ويتوسل به: (1) بباب جودك عبد مذنب كلف ... يا أحسن الناس وجهاً مشرقاً وقفا بكم توسل يرجو العفو عن زلل ... من خوفه جفنه الهامي لقد ذرفا وإن يكن نسبة يعزى إلى حجر ... فطالما فاض عذباً طيباً وصفا والمدح فيك قصور عنكم وعسى ... في الخلد يبدل من أبياته غرفا لا زال فيك مديحي ما حييت له ... فما أرى لمديحي عنك منصرفا

_ = الفرج ثنا أبو الحسن بن المنتاب ثنا يعقوب بن إسحاق ثنا محمد بن حميد قال وذكر الحكاية. قال ابن تيمية: وهذه الحكاية منقطعة بين محمد بن حميد وبين مالك فإنه لم يدركه في زمن المنصور، فإن أبا جعفر المنصور توفي بمكة سنة ثمان وخمسين ومائة وتوفي مالك سنة تسع وتسعين ومائة وولد ابن حميد سنة ثمان وأربعين ومائة ولم يرحل من بلده في طلب العلم إلا وهو كبير مع أبيه، وهو مع هذا ضعيف جداً فقد كذبه أبو زرعة وابن دارة وصالح جزرة، وقال ابن حبان: ينفرد عن الثقات بالمقلوبات، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال ابن شيبة (أي يعقوب): كثير المناكير، ثم قال ابن تيمية: فضلاً عن وجود من لا يعرف في الإسناد، ثم قال أيضاً: ومن وجوه الطعن فيها كون أحد من أصحاب مالك لم يذكرها، وقال: وأصحاب مالك متفقون على أنه ليس بمثل هذا النقل يثبت عن مالك مسألة في الفقه، وأطال في رد القصة إسناداً ومتناً فليراجع كلامه فإنه مفيد.

وقال ابن حجر الهيتمي في قصيدته المشهورة التي ذكرها الإمام المحدث محمد حبيب الله الشنقيطي وغيره: عبيد هيتمي مستجير ... بمن حطت بساحته الحمول وقال الحافظ ابن دقيق العيد في قصيدة له يمدح فيها النبي صلى الله عليه وسلم ويتوسل به: يا خاتم الرسل الكرام نداء من ... وافى إليك بمدحه مستعذراً أنا ضيفك المدعو يوم معادنا ... المرتجى فاجعل قراي الكوثرا وقال ابن حجر العسقلاني أيضاً كما هو في ديوانه بخط القلم: اصدح بمدح المصطفى واصدع به ... قلب الحسود ولا تخف تفنيداً واقصد له واسأل به تعط المنى ... وتعيش مهما عشت فيه سعيداً خير الأنام فمن أوى لجنابه ... لا بدع أن أضحي به مسعودا انظر مجموعة القصائد النبهانية (2/ 57). قال الإمام الحافظ السبكي: ويحسن التوسل والاستعانة والتشفع بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه ولم يكر ذلك أحد من السلف ولا من الخلف أهـ.

_ * ولقد رأينا من الفائدة أن نذكر بإيجاز ما هو التوسل الصحيح ملخصاً مجموعاً من كلام العلماء ومعناه لغة كما قال ابن الأثير: الواسل: الراغب، والوسيلة: القربة والواسطة وما يتوصل به إلى الشيء ويتقرب، وقال الفيروزآبادي: وسل الله تعالى توسيلا: عمل عملاً تقرب به إليه كتوسل. وقال ابن فارس: هو الرغبة والطلب، يقال: وسل: إذا رغب. والوسيلة قسمان: كونية: وهي كل سبب طبيعي يوصل إلى المقصود ويؤدي إلى المطلوب، فالماء وسيلة للري، والطعام للشبع. شرعية: وهي كل سبب يوصل إلى المقصود عن طريق ما شرعه الله وبينه في كتابه وسنة نبيه، وهي خاصة بالمؤمن، ومن أمثلتها النطق بالشهادتين وسيلة لدخول الجنة والنجاة من النار وهكذا والتوصل منه ما هو محرم وما هو مباح. أما التوسل المشروع فهو أنواع: أولاً: التوسل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، ودليله من الكتاب قوله تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) والايات في هذا الباب كثيرة، ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق .. إلى آخر الحديث" وقوله: "اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك المنان بديع السماوات والأرض يا حي يا قيوم أسألك الجنة وأعوذ بك من النار". =

انظر فيض القدير (2/ 135). راجع في هذه المسألة: محق التقول في مسألة التوسل للشيخ محمد زاهد الكوثري، والبدعة للدكتور عزت عطية (373 - 391) ورسالة بهجة الناظر.

_ = ثانياً: التوسل إلى الله بعمل صالح قام به الداعي، والدليل من الكتاب: (ربنا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار) (ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين) ومن السنة قصة الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار. ثالثاً: التوسل بدعاء رجل صالح، كحديث الأعرابي الذي أتى يستسقى النبي، وحديث العباس وعمر، وحديث الأعمى. والله أعلم. تمت الإضافات بعلم الناشر.

مسائل وفوائد حول الذكر والدعاء

مسائل وفوائد حول الذكر والدعاء 1 - إذا عرفنا أن العبادة الدائمة للملائكة هي الذكر، قال تعالى: (يسبحون الليل والنهار لا يفترون) وإذا عرفنا أن الكون بما فيه في ذكر دائم، قال تعالى (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم)، إذا عرفنا هذا وهذا أدركنا محل الذكر في عبادة الله تعالى، ومن ههنا كانت دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كلها ذكراً وتذكيراً، وبقدر ما يأخذ الإنسان حظه من الذكر والتذكر يأخذ حظه العظيم من دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولذلك فإنك تجد الأذكار والدعوات التي هي نوع ذكر تملأ ساحة حياة المسلم، فيوم المسلم مليء بالذكر، وعبادات المسلم ذكر وهي تساعد على إقامة الذكر وما من شيء في حياة المسلم إلا وهو مرتبط بذكر، وهكذا تجد الأذكار والدعوات ملابسة لكل حياة المسلم، بل إن كتاب الإسلام الذي هو القرآن ذكر، وما من موضوع من موضوعات الحياة إلا ولرسول الله صلى الله عليه وسلم توجيه فيه يربطه بذكر، فهذه الصلاة ذكر، وربطت بها أذكار، وفي كل ما يحيط بالصلاة ما يعتبر ذكراً أو تذكيراً، فللطهارة أذكارها ولدخول المسجد أذكاره، والآذان ذكر وهو يرتبط بالذكر، وللقيام والركوع والسجود وغير ذلك من أفعال الصلاة أذكاره، وللنوم والاستيقاظ أذكارهما، ولدخول البيت والخروج منه أذكارهما، ولكل حالة تلابس الإنسان من مرض إلى كرب إلى غير ذلك أذكارها، ولكل مشهد أذكاره فللرعد ولسماع صوت الديك وللكسوف وهبوب الريح وانقضاض الكوكب ونزول الأمطار، لكل ذلك أذكاره، وللزكاة أذكارها وللصيام أذكاره وللحج أذكاره وللجهاد أذكاره وللسفر أذكاره وللطعام والشراب أذكارهما، وإذا تقابل المسلمون أو اجتمعوا فلذلك أذكار، وللنكاح أذكاره، وللطريق أذكاره، وللسوق أذكاره، وهناك الأذكار المطلقة وهناك الأذكار المقيدة، فالذكر يملأ ساحة الحياة بالنسبة للمسلم وكل ذكر له أثره الخاص على نفس المسلم، ومجموع الأذكار تهذب وتزكي ساحة النفس البشرية كلها، فلا عجب بعد ذلك إذا رأينا أنه ما من جزء من أجزاء هذا الكتاب إلا وللذكر فيه محل، ولا عجب إذا كان جزء الأذكار واسعاً، وإن مسلماً لا يتتبع ما ورد في الأذكار والدعوات لمقصر، وإن مسلماً لا يعتبر العلم بالأذكار والدعوات من أعظم العلوم لجاهل، وإن مسلماً لا يملأ حياته بالذكر بقدر المستطاع لمفرط.

ولقد كتبت الكتب الكثيرة في أذكار المسلم ومن أجلها: كتاب الأذكار للنووي رحمه الله وإذا كان هذا الكتاب جامعاً فقد جعلنا الأذكار والدعوات التي هي ألصق في موضوع مع موضوعها وجعلنا في هذا الجزء ما هو ألصق في موضوعه. 2 - قارن بعضهم بين الذكر والدعاء وحاول أن يضع قواعد في المفاضلة بينهما ولا شك أن الذكر دعاء ضمني وأن الدعاء ذكر ضمني، وحيثما ورد نص يحض على ذكر في مقام فالذكر هو الأفضل، وحيثما ورد ندب إلى دعاء في مقام فالدعاء هو الأفضل، فإذا عرفنا حق كل مقام شرع فيه ذكر أو دعاء أو تلاوة قرآن وأعطينا لما شرع حقه، فما بقي من وقت يريد المسلم أن يملأه بذكر فالأفضل في حقه تلاوة القرآن ثم الذكر ثم الدعاء. 3 - من كلام النووي رحمه الله في كتابه الأذكار حول الذكر والدعاء ما يلي: (12 - فما بعدها). (من آداب الذكر): ينبغي أن يكون الذاكر على أكمل الصفات، فإن كان جالساً في موضع استقبل القبلة وجلس متذللاً متخشعاً بسكينة ووقار مطرقاً رأسه، ولو ذكر على غير هذه الأحوال جاز ولا كراهة في حقه، لكن إن كان بغير عذر كان تاركاً للأفضل. وينبغي أن يكون الموضع الذي يذكر فيه خالياً نظيفاً، فإنه أعظم في احترام الذكر والمذكور، ولهذا مدح الذكر في المساجد والمواضع الشريفة. وجاء عن الإمام الجليل أبي ميسرة رضي الله عنه قال: لا يذكر الله تعالى إلا في مكان طيب. وينبغي أيضاً أن يكون فمه نظيفاً، فإن كان فيه تغير أزاله بالسواك، وإن كان فيه نجاسة أزالها بالغسل بالماء، فلو ذكر ولم يغسلها فهو مكروه ولا يحرم، ولو قرأ القرآن وفمه نجس كره، وفي تحريمه وجهان لأصحابنا أصحهما لا يحرم. وكما يستحب الذكر يستحب الجلوس في حلق أهله وقد تظاهرت الأدلة على ذلك.

(أحوال يكره فيها الذكر): اعلم أن الذكر محبوب في جميع الأحوال إلا في أحوال ورد الشرع باستثنائها تذكر منها هنا طرفا إشارة إلى ما سواه مما سيأتي في أبوابه إن شاء الله تعالى. فمن ذلك أنه يكره الذكر حالة الجلوس على قضاء الحاجة، وفي حالة الجماع، وفي حالة الخطبة لمن يسمع صوت الخطيب، وفي القيام في الصلاة، بل يشتغل بالقراءة، وفي حالة النعاس، ولا يكره في الطريق ولا في الحمام، والله أعلم. (التدبر في الذكر): المراد من الذكر حضور القلب، فينبغي أن يكون هو مقصود الذاكر فيحرص على تحصيله، ويتدبر ما يذكر، ويتعقل معناه. فالتدبر في الذكر مطلوب كما هو مطلوب في القراءة لاشتراكهما في المعنى المقصود، ولهذا كان المذهب الصحيح المختار استحباب مد الذاكر قول: لا إله إلا الله لما فيه من التدبر، وأقوال السلف وأئمة الخلف في هذا مشهورة، والله أعلم. (متى يستحب قطع الذكر): في أحوال تعرض للذاكر يستحب له قطع الذكر بسببها ثم يعود إليه بعد زوالها: منها إذا سلم عليه رد اللام ثم عاد إلى الذكر، وكذا إذا عطس عنده عاطس شمته ثم عاد إلى الذكر، وكذا إذا سمع الخطيب، وكذا إذا سمع المؤذن أجابه في كلمات الأذان والإقامة ثم عاد إلى الذكر، وكذا إذا رأى منكراً أزاله، أو معروفاً أرشد إليه، أو مسترشداً أجابه ثم عاد إلى الذكر، وكذا إذا غلبه النعاس أو نحوه، وما أشبه هذا كله. (التلفظ بالذكر في الصلاة): اعلم أن الأذكار المشروعة في الصلاة وغيرها، واجبة كانت أو مستحبة لا يحسب شيء منها ولا يعتد به حتى يتلفظ به بحيث يسمع نفسه إذا كان صحيح السمع لا عارض له. (أحكام الذكر بالنسبة للمحدث والجنب والحائض): أجمع العلماء على جواز الذكر بالقلب واللسان للمحدث والجنب والحائض والنفساء،

وذلك في التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والدعاء وغير ذلك. ولكن قراءة القرآن حرام على الجنب والحائض والنفساء، سواء قرأ قليلاً أو كثيراً حتى بعض آية، ويجوز لهم إجراء القرآن على القلب من غير لفظ، وكذلك النظر في المصحف، وإمراره على القلب. قال أصحابنا: ويجوز للجنب والحائض أن يقولا عند المصيبة: إنا لله وإنا إليه راجعون، وعند ركوب الدابة: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وعند الدعاء: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، إذا لم يقصدا به القرآن، ولهما أن يقولا: بسم الله والحمد لله، إذا لم يقصدا القرآن، سواء قصدا الذكر أو لم يكن لهما قصد، ولا يأثمان إلا إذا قصدا القرآن، .. وأما إذا قالا لإنسان: خذ الكتاب بقوة، أو قالا: ادخلوها بسلام آمنين، ونحو ذلك، فإن قصدا غير القرآن لم يحرم، وإذا لم يجدا الماء تيمما وجاز لهما القراءة، فإن أحدث بعد ذلك لم تحرم عليه القراءة كما لو اغتسل ثم أحدث. ثم لا فرق بين أن يكون تيممه لعدم الماء في الحضر أو في السفر، فله أن يقرأ القرآن بعده وإن أحدث. ولو تيمم الجنب ثم رأى ماءً يلزمه استعماله فإنه يحرم عليه القراءة وجميع ما يحرم على الجنب حتى يغتسل. ولو تيمم وصلى وقرأ ثم أراد التيمم لحدث أو لفريضة أخرى أو لغير ذلك لم تحرم عليه القراءة. هذا هو المذهب الصحيح المختار ... أما إذا لم يجد الجنب ماءً ولا تراباً فإنه يصلي لحرمة الوقت على حسب حاله، وتحرم عليه القراءة خارج الصلاة، ويحرم عليه أن يقرأ في الصلاة ما زاد على الفاتحة. وهل تحرم الفاتحة؟ فيه وجهان: أصحهما لا تحرم بل تجب، فإن الصلاة لا تصح إلا بها، وكما جازت الصلاة للضرورة تجوز القراءة. والثاني تحرم بل يأتي بها من لا يحسن شيئاً من القرآن. وهذه فروع رأيت إثباتها هنا لتعلقها بما ذكرته فذكرها مختصرة وإلا فلها تتمات وأدلة مستوفاة في كتب الفقه، والله أعلم.

(الذكر بالقلب واللسان): الذكر يكون بالقلب، ويكون باللسان، والأفضل منه ما كان بالقلب واللسان جميعاً، فإن اقتصر على أحدهما فالقلب أفضل. ثم لا ينبغي أن يترك الذكر باللسان مع القلب خوفاً من أن يظن به الرياء، بل يذكر بهما جميعاً ويقصد به وجه الله تعالى وقد قدمنا عن "الفضيل" رحمه الله أن ترك العمل لأجل الناس رياء، ولو فتح الإنسان عليه باب ملاحظة الناس، والاحتراز من تطرق ظنونهم لانسد عليه أكثر أبواب الخير، وضيع على نفسه شيئاً عظيماً من مهمات الدين، وليس هذا طريقة العارفين. (عموم الذكر): اعلم أن فضيلة الذكر غير منحصرة في التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير ونحوها، بل كل عامل لله تعالى بطاعة فهو ذاكر لله تعالى، كذا قاله سعيد بن جبير رضي الله عنه وغيره من العلماء. وقال عطاء (رحمه الله): مجالس الذكر هي مجالس الحلال والحرام، كيف تشتري وتبيع وتصلي وتصوم وتنكح تطلق وتحج وأشباه هذا. ا. هـ النووي. 4 - يستحب استفتاح الدعاء بحمد الله تعالى والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم كما يستحب أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في أوسطه وآخره، ويستحب تكرير الدعاء، وأن يدعو الإنسان لأخيه بظهر الغيب، ولا ينبغي للداعي أن يستعجل الإجابة، قال الغزالي في "الإحياء": آداب الدعاء عشرة: الأول أن يترصد الأزمان الشريفة كيوم عرفة وشهر رمضان ويوم الجمعة والثلث الأخير من الليل ووقت الأسحار. الثاني أن يغتنم الأحوال الشريفة كحالة السجود والتقاء الجيوش ونزول الغيث وإقامة الصلاة وبعدها. قال النووي: وحالة رقة القلب. الثالث استقبال القبلة ورفع اليدين ويمسح بهما وجهه في آخره. الرابع خفض الصوت بين المخافتة والجهر. الخامس أن لا يتكلف السجع وقد فسر به الاعتداء في الدعاء، والأولى أن يقتصر على الدعوات المأثورة، فما كل أحد يحسن الدعاء فيخاف عليه الاعتداء. وقال بعضهم: ادع بلسان الذلة والافتقار، لا بلسان الفصاحة والانطلاق، ويقال: إن العلماء والأبدال لا يزيدون في الدعاء على سبع كلمات ويشهد له ما ذكره الله سبحانه وتعالى في آخر سورة البقرة: (ربنا لا تؤاخذنا) إلى آخرها، لم يخبر سبحانه في موضع عن أدعية

عباده بأكثر من ذلك. قلت: ومثله قول الله سبحانه وتعالى في سورة إبراهيم صلى الله عليه وسلم: (وإذ قال إبراهيم: رب اجعل هذا البلد آمنا) إلى آخره. قلت: والمختار الذي عليه جماهير العلماء أنه لا حجر في ذلك، ولا تكره الزيادة على السبع، بل يستحب الإكثار من الدعاء مطلقاً. السادس التضرع والخضوع والرهبة، قال الله تعالى {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) وقال تعالى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً). السابع أن يجزم بالطلب ويوقن بالإجابة ويصدق رجاءه فيها، ودلائله كثيرة مشهورة. قال سفيان بن عيينة رحمه الله: لا يمنعن أحدكم من الدعاء ما يعلمه من نفسه، فإن الله تعالى أجاب شر المخلوقين إبليس إذ قال (رب أنظرني إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين) الثامن أن يلح في الدعاء ويكرره ثلاثاً ولا يستبطئ الإجابة. التاسع أن يفتتح الدعاء بذكر الله تعالى. قلت: وبالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الحمد لله تعالى والثناء عليه، ويختمه بذلك كله أيضاً. العاشر وهو أهمها والأصل في الإجابة، وهو التوبة ورد المظالم والإقبال على الله تعالى. 5 - ويستحب للإنسان إذا وقع في شدة أن يتوسل إلى الله بصالح عمله، ويستحب للداعي أن يرفع يديه في الدعاء ثم يمسح بهما وجهه، قال النووي رحمه الله في كتابه الأذكار (355): وروينا في كتاب الترمذي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه". وروينا في سنن أبي داود عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، وفي إسناد كل واحد ضعف. وأما قول الحافظ عبد الحق رحمه الله تعالى: إن الترمذي قال في الحديث الأول: إنه حديث صحيح، فليس في النسخ المعتمدة من الترمذي أنه صحيح، بل قال: حديث غريب. هذا وقد اشتد بعض العلماء على من يمسح بيديه وجهه بعد الدعاء وجعل الأحاديث الواردة في ذلك على تعدد طرقها ضعيفة جداً وأن طرقها لا تقوي بعضها مع أن البيهقي والنووي لم يذكرا إلا أن فيها ضعفاً ونقلوا عن العز بن عبد السلام قوله: لا يمسح وجهه

بيديه عقب الدعاء إلا جاهل قال في الفتوحات الربانية (7/ 258) هذا محمول على أنه لم يطلع على هذه الأحاديث. ا. هـ. والحديث مروي عند الترمذي من طريق حماد بن عيسى الجهني قال ابن معين شيخ صالح وضعفه الآخرون فلم يكتف من جعل الأحاديث ضعيفة جداً بهذا بل جعل حماد بن عيسى ضعيفاً جداً، وأعتقد أن في هذا تشدداً في غير محله، هذا خارج الصلاة أما فيها: قال البيهقي (2/ 212): "فأما مسح اليدين بالوجه عند الفراغ من الدعاء فلست أحفظه عن أحد من السلف في دعاء القنوت، وإن كان يروي عن بعضهم في الدعاء خارج الصلاة، وقد روي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث فيه ضعف، وهو مستعمل عند بعضهم خارج الصلاة؛ وأما في الصلاة فهو عمل لم يثبت بخبر صحيح، ولا أثر ثابت، ولا قياس، فالأولى أن لا يفعله، ويقتصر على ما فعله السلف رضي الله عنهم من رفع اليدين دون مسحهما بالوجه في الصلاة". وقال المناوي (5/ 138): ففعل ذلك سنة كما جرى عليه جمع شافعية منهم النووي في "التحقيق" تمكساً بعدة أخبار هذا منها- أي إذا رفع يديه ... - وهي وإن ضعفت أسانيدها تقوت بالاجتماع فقوله في المجموع لا يندب تبعاً لابن عبد السلام وقال لا يفعله إلا جاهل في حيز المنع ... ا. هـ. أقول: من هنا يتبين أن هذا الفعل يخرج عن حد البدعة في حده الأدنى والله أعلم. 6 - استحباب الدعاء، وأيهما أفضل الدعاء أم السكوت والرضا؟، قال النووي رحمه الله: اعلم أن المذهب المختار الذي عليه الفقهاء والمحدثون وجماهير العلماء من الطوائف كلها من السلف والخلف: أن الدعاء مستحب، قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} وقال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} والآيات في ذلك كثيرة مشهورة. وأما الأحاديث الصحيحة فهي أشهر من أن تشهر، وأظهر من أن تذكر، وقد ذكرنا

قريباً في الدعوات ما فيه أبلغ كفاية، وبالله التوفيق. وروينا في رسالة الإمام أبي القاسم القشيري رضي الله عنه قال: اختلف الناس في أن الأفضل الدعاء أم السكوت والرضا؟ فمنهم من قال: الدعاء عبادة للحديث السابق "الدعاء هو العبادة" ولأن الدعاء إظهار الافتقار إلى الله تعالى. وقالت طائفة: السكوت والخمود تحت جريان الحكم أتم، والرضا بما سبق به القدر أولى. وقال قوم: يكون صاحب دعاء بلسانه ورضا بقلبه ليأتي بالأمرين جميعاً. قال القشيري: والأولى أن يقال الأوقات مختلفة، ففي بعض الأحوال الدعاء أفضل من السكوت وهو الأدب، وفي بعض الأحوال السكوت أفضل من الدعاء وهو الأدب، وإنما يعرف ذلك بالوقت، فإذا وجد في قلبه إشارة إلى الدعاء فالدعاء أولى به، وإذا وجد إشارة إلى السكوت فالسكوت أتم. قال: ويصح أن يقال ما كان للمسلمين فيه نصيب، أو لله سبحانه وتعالى فيه حق، فالدعاء أولى لكونه عبادة، وإن كان لنفسك فيه حظ فالسكوت أتم. قال: ومن شرائط الدعاء أن يكون مطمعه حلالاً. وكان يحيى بن معاذ الرازي رضي الله عنه يقول: "كيف أدعوك وأنا عاصٍ؟ وكيف لا أدعوك وأنت كريم"؟ ومن آدابه حضور القلب، وسيأتي دليله إن شاء الله تعالى. وقال بعضهم: المراد بالدعاء إظهار الفاقة، وإلا فالله سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء. وقال الغزالي: "فإن قيل فما فائدة الدعاء مع أن القضاء لا مرد له؟، فاعلم أن من جملة القضاء رد البلاء بالدعاء، فالدعاء سبب لرد البلاء ووجود الرحمة، كما أن الترس سبب لدفع السلاح، والماء سبب لخروج النبات من الأرض فكما أن الترس يدفع السهم فيتدافعان، فكذلك الدعاء والبلاء، وليس من شرط الاعتراف بالقضاء أن لا يحمل السلاح، وقد قال الله تعالى (وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم) فقدر الله تعالى الأمر وقدر سببه. 7 - يستحب دعاء الإنسان لمن أحسن إليه، قال النووي رحمه الله: روينا في الترمذي عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيراً، فقد أبلغ في الثناء" قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

وقد قدمنا قريباً في كتاب حفظ اللسان في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه". 8 - يستحب طلب الدعاء من أهل الفضل وإن كان الطالب أفضل من المطلوب منه، ويستحب الدعاء في المواضع الشريفة، قال النووي رحمه الله: اعلم أن الأحاديث في هذا الباب أكثر من أن تحصر، وهو مجمع عليه، ومن أدل ما يستدل به ما روينا في كتابي أبي داود والترمذي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال "استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة، فأذن وقال: "لا تنسنا يا أخي من دعائك، فقال كلمة ما يسرني أن لي بها الدنيا" وفي رواية قال: "أشركنا يا أخي في دعائك" قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقد ذكرناه في أذكار المسافر. 9 - لقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدعاء على النفس والولد والخادم والمال ونحوها، قال النووي رحمه الله: روينا في سنن أبي داود بإسناد صحيح عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على خدمكم ولا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من الله ساعة نيل فيها عطاء فيستجاب منكم" قلت: نيل بكسر النون وإسكان الياء، ومعناه: ساعة إجابة ينال الطالب فيها ويعطى مطلوبه. وروى مسلم هذا الحديث في آخر صحيحه وقال فيه: "لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على أموالكم لا توافقوا من الله تعالى ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم". 10 - حكم التسليم والصلاة على غير الأنبياء والترضي والترحم على الصحابة وأتباعهم، قال النووي رحمه الله: أجمعوا على الصلاة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وكذلك أجمع من يعتد به على جوازها

واستحبابها على سائر الأنبياء والملائكة استقلالاً. وأما غير الأنبياء فالجمهور على أنه لا يصلي عليهم ابتداء، فلا يقال: أبو بكر صلى الله عليه وسلم. واختلف في هذا المنع، فقال بعض أصحابنا: هو حرام، وقال أكثرهم: مكروه كراهة تنزيه، وذهب كثير منهم إلى أنه خلاف الأولى وليس مكروهاً، والصحيح الذي عليه الأكثرون أنه مكروه كراهة تنزيه لأنه شعار أهل البدع، وقد نهينا عن شعارهم. والمكروه هو ما ورد فيه نهي مقصود. قال أصحابنا: والمعتمد في ذلك أن الصلاة صارت مخصوصة في لسان السلف بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، كما أن قولنا: عز وجل، مخصوص بالله سبحانه وتعالى، فكما لا يقال: محمد عز وجل- وإن كان عزيزاً جليلاً- لا يقال: أبو بكر أو علي صلى الله عليه وسلم وإن كان معناه صحيحاً. واتفقوا على جواز جعل غير الأنبياء تبعاً لهم في الصلاة، فيقال: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، وأصحابه، وأزواجه وذريته، وأتباعه، للأحاديث الصحيحة في ذلك؛ وقد أمرنا به في التشهد، ولم يزل السلف عليه خارج الصلاة أيضاً. وأما السلام فقال الشيخ أبو محمد الجويني من أصحابنا: هو في معنى الصلاة فلا يستعمل في الغائب، فلا يفرد به غير الأنبياء، فلا يقال: علي عليه السلام؛ وسواء في هذا الأحياء والأموات. وأما الحاضر فيخاطب به فيقال: سلام عليك، أو: سلام عليكم، أو: السلام عليك، أو: عليكم؛ وهذا مجمع عليه، وسيأتي إيضاحه في أبوابه إن شاء الله تعالى. يستحب الترضي والترحم على الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء والعباد وسائر الأخيار، فيقال: رضي الله عنه، أو رحمه الله ونحو ذلك. وأما ما قاله بعض العلماء إن قوله رضي الله عنه مخصوص بالصحابة، ويقال في غيرهم: رحمه الله فقط، فليس كما قال، ولا يوافق عليه، بل الصحيح الذي عليه الجمهور استحبابه، ودلائله أكثر من أن تحصر، فإن كان المذكور صحابياً ابن صحابي قال: قال ابن عمر رضي الله عنهما، وكذا ابن عباس، وابن الزبير، وابن جعفر، وأسامة بن زيد ونحوهم، لتشمله وأباه جميعاً. فإن قيل: إذا ذكر لقمان ومريم هل يصلي عليهما كالأنبياء، أم يترضى كالصحابة والأولياء، أم يقول عليهما السلام؟ فالجواب أن الجماهير من العلماء على أنهما ليسا نبيين، وقد شذ من قال: نبيان، ولا التفات إليه، ولا تعريج عليه، وقد أوضحت ذلك في

كتاب "تهذيب الأسماء واللغات" فإذا عرف ذلك، فقد قال بعض العلماء كلاماً يفهم منه أنه يقول: قال لقمان أو مريم صلى الله على الأنبياء وعليه أو وعليهما وسلم، قال: لأنهما يرتفعان عن حال من يقال: رضي الله عنه، لما في القرآن مما يرفعهما، والذي أراه أن هذا لا بأس به، وأن الأرجح أن يقال: رضي الله عنه أو عنها، لأن هذا مرتبة غير الأنبياء ولم يثبت كونهما نبيين. وقد نقل إمام الحرمين إجماع العلماء على أن مريم ليست نبية- ذكره في الإرشاد- ولو قال: عليه السلام، أو عليها، فالظاهر أنه لا بأس به، والله أعلم. اهـ.

الباب الثالث بعض أذكار الصباح والمساء ودعواتهما

الباب الثالث بعض أذكار الصباح والمساء ودعواتهما

3014 - * روى الترمذي عن أبي راشد الحبراني (رحمه الله) قال أتيت عبد الله بن عمرو بن العاص، فقلت له: حدثنا حديثاً مما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فألقى إلي صحيفة، فقال: "هذا ما كتب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فنظرت فيها، فإذا فيها: أن أبا بكر الصديق قال: يا رسول الله، علمني ما أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت، قال: يا أبا بكر، قل: اللهم فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي، وشر الشيطان وشركه، وأن أقترف على نفسي سوءاً، أو أجره إلى مسلم". 3015 - *روى أبو داود عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن أبا بكر الصديق قال: "يا رسول الله، مرني بكلمات أقولهن إذا أمسيت وإذا أصبحت. قال: قال: اللهم فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، رب كل شيء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي، وشر الشيطان وشركه، قال: قلها إذا أصبحت، وإذا أمسيت، وإذا أخذت مضجعك". 3016 - *روى أبو داود عن أبي عياش الزرقي (رضي الله عنه) وفي رواية: ابن أبي عائش وفي أخرى: ابن عائش: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قال إذا أصبح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، كان له عدل عتق رقبة من ولد إسماعيل عليه السلام، وكتب له عشر حسنات، وحط عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وكان في حرز من الشيطان حتى يمسي، فإن قالها إذا أمسى كان له مثل ذلك حتى يصبح". قال حماد:

_ 3014 - الترمذي (5/ 542) 49 - كتاب الدعوات، 95 - باب، وقال الترمذثي: هذا حديث حسن غريب. 3015 - أبو داود (4/ 316، 317) كتاب الأدب، باب ما يقول إذا أصبح. الترمذي (5/ 467) 49 - كتاب الدعوات، 14 - باب منه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، قال ابن حجر: وهو حديث صحيح أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد من طريقين. 3016 - أبو داود (4/ 319، 320) كتاب الأدب، باب ما يقول إذا أصبح. وإسناده جيد، قال الحافظ ابن حجر في تخريج الأذكار: حديث صحيح، رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي في الكبرى، وابن ماجه، والفريابي، فائدة: أبو عياش هو زيد بن عياش.

فرأى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم، فقال: يا رسول الله، إن أبا عياش يحدثنا عنك بكذا وكذا؟ قال: "صدق أبو عياش". 3017 - *روى أحمد عن أبي أيوب الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قال حين يصبح لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشرات مرات كتب الله له بكل واحدة قالها عشر حسنات ومحي عنه بها عشر سيئات ورفعه الله بها عشر درجات، وكن له كعشر رقاب، وكن له مسلحة من أول النهار إلى آخره ولم يعمل يومئذ عملاً يقهرهن فإن قالها حين يمسي فمثل ذلك". 3018 - * روى أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، من قالها عشر مرات حين يصبح كتب له بها مائة حسنة ومحي عنه بها مائة سيئة وكانت له عدل رقبة وحفظ بها يومئذ حتى يمسي ومن قالها مثل ذلك حين يمسي كان له مثل ذلك". وقد ضعف بعضهم بعض ألفاظ هذا الحديث والذي قبله ومن الألفاظ المتفق على صحتها ما يلي: 3019 - *روى أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة،

_ 3017 - أحمد (5/ 420). مجمع الزوائد (10/ 112) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني بأسانيد ورجال أحمد ثقات وكذلك بعض أسانيد الطبراني. 3018 - أحمد (2/ 360). مجمع الزوائد (10/ 112، 113) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. 3019 - أحمد (2/ 302). البخاري (6/ 338، 339) 59 - كتاب بدء الخلق، 11 - باب صفة إبليس وجنوده.

ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به، إلا أحد عمل عملاً أكثر من ذلك". أقول: مر معنا في أذكار ما بعد صلاة الفجر: الندب إلى قول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير) عشر مرات، ومر معنا الندب إلى قول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) مائة مرة، وههنا مر معنا الندب بشكل مطلق إلا عن قيد الصباحية والمسائية إلى مثل ذلك مرة أو عشراً، وهذا يفيد أن من المستحب أن يذكر الإنسان الله عز وجل بهذا الذكر صباحاً ومساءً بما تيسر له، المهم أن يأخذ حظاً من هذا الذكر فلا يمر عليه يوم إلا وقد أقامه. 3020 - *روى أبو داود عن أبان بن عثمان (رحمه الله) عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قال حين يصبح: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم- ثلاث مرات- لم تصبه في يومه فجاءة بلاء، ومن قالها حين يمسي لم تصبه فجاءة بلاء في ليلته" ثم ابتلي أبان بالفالج، فرأى رجلاً حدثه بهذا الحديث ينظر إليه، فقال له: مالك تنظر إلي؟ فوالله ما كذبت على عثمان، ولا كذب عثمان على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن نسيت اليوم الذي أصابني هذا، فلم أقله ليمضي الله قدره. إلا أن في آخر حديث أبي داود "ولكن اليوم الذي أصابني فيه ما أصابني غضبت، فنسيت أن أقولها" وقدم فيه ذكر المساء على الصباح. وأخرجه في رواية أخرى ولم يذكر "الفالج".

_ = مسلم (4/ 2071) 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 10 - باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء. 3020 - أبو داود (4/ 323، 324) كتاب الأدب، باب ما يقول إذا أصبح. الترمذي (5/ 465) 49 - كتاب الدعوات، 13 - باب ما جاء في الدعاء إذا أصبح وإذا أمسى، وإسناده حسن، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب صحيح ورواه ابن حبان في صحيحه مختصراً.

3021 - * روى الترمذي عن عبد الله بن خبيب (رضي الله عنه) قال: "خرجنا في ليلة مطر وظلمة شديدة نطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي بنا، فأدركناه، فقال لي: قل، قلت: ما أقول يا رسول الله؟ قال: "اقرأ (قل هو الله أحد) والمعوذتين، حين تمسي وحين تصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء". وفي رواية (1) أبي دود: قال: قل، فلم أقل شيئاً، ثم قال: قل، فلم أقل شيئاً، ثم قال: قل، فلم أقل شيئاً، ثم قال: قل، فقلت: يا رسول الله، فما أقول؟ .. وذكر الحديث". 3022 - *روى أحمد عن عبد الرحمن بن أبزى (رحمه الله) عن أبيه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا أصبح: أصبحنا على فطرة الإسلام، وكلمة الإخلاص، وعلى دين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى ملة أبينا إبراهيم، حنيفاً مسلماً، وما كان من المشركين". 3023 - *روى أحمد عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه وأمره أن يتعاهد به أهله كل صباح: "لبيك اللهم لبيك وسعديك والخير في يديك ومنك وبك وإليك. اللهم ما قلت من قول ونذرت من نذر أو حلفت من حلف فمشيئتك من بين

_ 3021 - الترمذي (5/ 567، 568) 49 - كتاب الدعوات، 117 - باب، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. (1) أبو داود (4/ 322) كتاب الأدب، باب ما يقول إذا أصبح. 3022 - أحمد (3/ 406، 407). سنن الدارمي (2/ 292) باب ما يقول إذا أصبح. مجمع الزوائد (10/ 116) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني ورجالهما رجال الصحيح. قال ابن الأثير: (فطرة الإسلام) الفطرة: ابتداء الخلقة، وهي إشارة إلى كلمة التوحيد حين أخذ الله العهد بها على ذرية آدم، فقال: (ألست بربكم؟ قالوا: بلى) [الأعراف: 172] وقيل: الفطرة ها هنا: السنة. (كلمة الإخلاص): قول: لا إله إلا الله. 3023 - أحمد (5/ 191). الطبراني (الكبير) (5/ 119، 120). مجمع الزوائد (10/ 113) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني وأحد إسنادي الطبراني رجاله وثقوا وفي بقية الأسانيد أبو بكر بن أبي مريم وهو ضعيف.

يديه ما شئت كان وما لم تشأ لم يكن ولا حول ولا قوة إلا بالله والله على كل شيء قدير. اللهم ما صليت من صلاة فعلى من صليت وما لعنت من لعنة فعلى من لعنت أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلماً وألحقني بالصالحين، اللهم إني أسألك الرضا بالقدر وبرد العيش بعد الموت ولذة النظر إلى وجهك وشوقاً إلى لقائك من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، أعوذ بك أن أظلم أو أظلم أو أعتدي أو يعتدى علي أو أكتسب خطيئة مخطئة أو أذنب ذنباً. اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة ذا الجلال والإكرام، فإني أعهد إليك في هذه الحياة الدنيا وأشهدك وكفى بك شهيداً، أني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك ل كلك الملك ولك الحمد وأنت على شيء قدير وأشهد أن محمداً عبدك ورسولك وأشهد أن وعدك حق ولقاءك حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأنك تبعث من في القبور، وأشهد أنك إن تكلني إلى نفسي تكلني إلى ضعف وعورة وذنب وخطيئة فإني لا أثق إلا برحمتك فاغفر لي ذنبي فإنه لا يغفر الذنب إلا أنت وتب علي إنك أنت التواب الرحيم". 3024 - *روى أبو داود عن أبي ذر الغفاري (رضي الله عنه) كان يقول: "من قال حين يصبح: اللهم ما حلفت من حلف، أو نذرت من نذر، أو قلت من قول، فمشيئتك بين يدي ذلك كله، ما شئت كان، وما لم تشأ لم يكن، اللهم اغفر لي، وتجاوز لي عنه، اللهم من صليت عليه فعليه صلاتي، ومن لعنته فعليه لعنتي- كان في استثناء يومه ذلك". 3025 - * روى البزار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أصبح قال: "أصبحنا

_ 3024 - أبو داود (4/ 323) كتاب الأدب، باب ما يقول إذا أصبح. (فمشيئتك) من روى "فمشيئتك" بالنصب، نصبها بإضمار فعل، كأنه قال: فإني أقدم مشيئتك في ذلك، وأنوي الاستثناء فيه طرحاً للحنث. ومن رفعها، فمعناه: الاعتذار بسابق الأقدار العائقة عن الوفاء بما ألزم نفسه منها، والأول أحسن. [ابن الأثير]. 3025 - كشف الأستار (4/ 24، 25) باب ما يقول إذا أصبح وإذا أمسى. مجمع الزوائد (10/ 114) وقال الهيثمي: رواه البزار وإسناده جيد.

وأصبح الملك له والحمد لله لا شريك له لا إله إلا هو وإليه النشور" وإذا أمسى قال: أمسينا وأمسى الملك لله والحمد لله لا شريك له لا إله إلا هو وإليه المصير". 3026 - * روى أحمد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: إذا أصبح "اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيا ونموت وإليك المصير". 3027 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يدع هؤلاء الكلمات حين يمسي وحين يصبح: "اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي، وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي" قال وكيع: يعني: الخسف. 3028 - *روى أبو داود عن بريدة (رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قال حين يصبح، أو حين يمسي: اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني، وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك، وأبوء لك بذنبي، فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت،

_ 3026 - أحمد (2/ 354، 522). مجمع الزوائد (10/ 114) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. 3027 - أبو داود (4/ 318، 319) كتاب الأدب، باب ما يقول إذا أصبح. الحاكم (1/ 517، 518) كتاب الدعاء، باب دعاء الصبح والمساء، وصححه الحاكم، وأقره الذهبي وهو كذلك. (روعاتي) الروعات، جمع روعة: وهي الفزعة. (أغتال) الاغتيال: الاحتيال، وحقيقته: أن يدهى الإنسان من حيث لا يشعر، ولهذا قال في الحديث: احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي ومن تحتي" يعني: من جميع جهاتي حتى لا أغتال. 3028 - أبو داود (4/ 317) كتاب الأدب، باب ما يقول إذا أصبح، وإسناده صحيح، ورواه البخاري عن شداد بن أوس رضي الله عنه بلفظ: سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي ... (أبوء بنعمتك) أي: اعترف بها وأقر بها، وكذلك أبوء بذنوبي والمعنى: التزام المنة بحق النعمة، والاعتراف بالتقصير في الشكر.

فمات من يومه، أو من ليلته، دخل الجنة". 3029 - *روى أبو داود عن أبي مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أصبح أحدكم فليقل: أصبحنا وأصبح الملك لله رب العالمين، اللهم إني أسألك خير هذا اليوم: فتحه، ونصره، ونوره وبركته، وهداه، وأعوذ بك من شر ما فيه وشر ما بعده، ثم إذا أمسى فليقل مثل ذلك". 3030 - * روي مسلم عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا أمسى: "أمسينا وأمسى الملك لله، والحمد لله، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، رب أسألك خير ما فيه هذه الليلة، وخير ما بعدها، وأعوذ بك من شر ما في هذه الليلة، وشر ما بعدها، رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر رب أعوذ بك من عذاب في النار، وعذاب في القبر، وإذا أصبح قال ذلك أيضاً: أصبحنا وأصبح الملك لله، والحمد لله- وفي رواية (1): من الكسل والهرم وسوء الكبر وفتنة الدنيا وعذاب القبر". وفي رواية (2) أبي داود: "سوء الكبر والكفر". وفي أخرى (3) له: "سوء الكبر والكبر" ولم يذكر "الكفر".

_ = وفي قوله: "أبوء بذنوبي" معنى ليس في "أبوء بنعمتك" وهو كان فيه معنى احتماله ذنوبه احتمالاً كرهاً لا يستطيع دفعه. 3029 - أبو داود (4/ 322) كتاب الأدب، باب ما يقول إذا أصبح. (فتحه) الفتح: النصر والظفر. 3030 - مسلم (4/ 2089) 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 18 - التعوذ من شر ما عمل، ومن شر ما لم يعمل. الترمذي (5/ 465، 466) 49 - كتاب الدعوات، 13 - باب ما جاء في الدعاء إذا أصبح وإذا أمسى، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (1) مسلم (4/ 2089) نفس الموضع السابق. (2) أبو داود (4/ 318) كتاب الأدب، باب ما يقول إذا أصبح. (3) أبو داود: نفس الموضع السابق.

3031 - *روى أبو داود عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم أصحابه، يقول: "إذا أصبح أحدكم فليقل: اللهم بك أصبحنا، وبك أمسينا وبك نحيا، وبك نموت، وإليك المصير، وإذا أمسى فليقل: بك أمسينا وبك نموت، وبك نحيا، وإليك المصير". إلا أن أبا داود قال: "وإليك النشور" بدل "المصير" في الموضعين. 3032 - * روى الطبراني في الأوسط عن الحسن قال: قال سمرة بن جندب ألا أحدثك حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم مراراً ومن أبي بكر مراراً ومن عمر مراراً. قلت: بلى قال: من قال إذا أصبح وإذا أمسى اللهم أنت خلقتني وأنت تهديني وأنت تطعميني وأنت تسقيني وأنت تميتني وأنت تحييني لم يسل الله شيئاً إلا أعطاه إياه قال: فلقيت عبد الله بن سلام فقلت ألا أحدثك حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم مراراً ومن أبي بكر مراراً ومن عمر مراراً قال: بل فحدثته بهذا الحديث فقال: بأبي وأمي رسول الله صلى الله عليه وسلم، هؤلاء الكلمات كان الله عز وجل قد أعطاهن موسى عليه السلام فكان يدعو بهن في كل يوم سبع مرار فلا يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه. 3033 - * روى البزار عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة: "ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به، أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين".

_ 3031 - أبو داود (4/ 317) كتاب الأدب، باب ما يقول إذا أصبح. الترمذي (5/ 466) 49 - كتاب الدعوات، 13 - باب ما جاء في الدعاء إذا أصبح وإذا أمسى، وقال الترمذي: هذا حديث حسن. ابن ماجه (2/ 1272) 34 - كتاب الدعاء، 14 - باب ما يدعو به الرجل إذا أصبح وإذا أمسى. ابن حبان (2/ 156) ذكر ما يدعو المرء به ربه جل وعلا إذا أصبح. قال الحافظ ابن حجر في تخريج الأذكار: هذا حديث صحيح غريب. (المصير) المرجع والمكان الذي يصار إليه. (النشور) إحياء الله الله الموتى يوم القيامة. 3032 - مجمع الزوائد (10/ 118) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن. 3033 - كشف الأستار (4/ 25) باب ما يقول إذا أصبح وإذا أمسى. مجمع الزوائد (10/ 117) وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير عثمان بن موهب وهو ثقة، وأخرجه النسائي والحاكم وهو صحيح.

3034 - *روى أبو داود عن سهيل بن أبي صالح (رحمه الله) عن أبيه قال: سمعت رجلاً من أسلم قال: كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل من أصحابه فقال: "يا رسول الله، لدغت الليلة، فلم أنم حتى أصبحت؟ قال: ماذا؟ قال: عقرب، قال: "أما إنك لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضرك شيء إن شاء الله". 3035 - * روى الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال إذا أمسى أعوذ بكلمات الله التامات كلها من شر ما خلق لم يضره شيء، وفي رواية عنده أيضاً: من قال حين تغيب الشمس أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء في ليلته". 3036 - * روى الطبراني عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى علي حين يصبح عشراً وحين يمسي عشراً أدركته شفاعتي يوم القيامة". 3037 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال حين يصبح: سبحان الله العظيم وبحمده، مائة مرة، وإذا أمسى كذلك، لم يواف أحد من الخلائق مثل ما وافى". وفي رواية (1): "لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به، إلا أحد قال مثل ما قال، أو زاد عليه". 3038 - * روى الترمذي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

_ 3034 - أبو داود (4/ 13) كتاب الطب، 19 - باب كيف الرقي؟ وهو حديث حسن، ورواه مسلم بنحوه. 3035 - مجمع الزوائد (10/ 120) وقال الهيثمي: رواها كلها الطبراني في الأوسط وفي الرواية الأولى. محمد بن إبراهيم أخو أبي معمر ولم أعرفه ورجال الروايتين الأخيرتين ثقات وفي بعضهم خلاف. 3036 - مجمع الزوائد (10/ 120) وقال الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين وإسناد أحدهما جيد ورجاله وثقوا. 3037 - البخاري (11/ 206) 80 - كتاب الدعوات، 65 - باب فضل التسبيح. مسلم (4/ 2071) 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 10 - باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء. أبو داود (4/ 324) كتاب الأدب، باب ما يقول إذا أصبح. (1) مسلم (4/ 2071) نفس الموضع السابق. 3038 - الترمذي (5/ 512) 49 - كتاب الدعوات، 60 - باب، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

"من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر". وفي أخرى (1) قال: "من قال حين يصبح وحين يمسي مائة مرة: سبحان الله وبحمده، لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به، إلا أحد قال مثل ما قال، أو زاد عليه. 3039 - * روى الطبراني عن أبي بن كعب أنه كان له جرن من تمر فكان ينقص فحرسه ذات ليلة فإذا هو بدابة شبه الغلام المحتلم، فسلم عليه فرد عليه السلام، فقال: ما أنت؟ جني أم إنسي؟ قال: جني، قال: فناولني يدك فناوله يده فإذا يده يد كلب وشعره شعر كلب. قال: هذا خلق الجن. قال: قد علمت الجن أنه ما فيهم رجل أشد مني قال: فما جاء بك؟ قال: بلغنا إنك تحب الصدقة فجئنا نصيب من طعامك. قال: فما ينجينا منكم؟ قال: هذه الآية التي في سورة البقرة {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} من قالها حين يمسي أجير منا حتى يصبح ومن قالها حين يصبح أجير منا حين يمسي، فلما أصبح أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال "صدق الخبيث".

_ (1) أحمد (2/ 371). مسلم (2/ 4/ 2071) 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة، 10 - باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء. أبو داود (4/ 324) كتاب الأدب، باب ما يقول إذا أصبح. الترمذي (5/ 513) 49 - كتاب الدعوات، 61 - باب، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب. 3039 - مجمع الزوائد (10/ 117، 118) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات. موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان حديث رقم 1724 ص 426. وقد صححه ابن حبان. (الجرن): وهو موضع تجفيف التمر، وهو له كالبيدر للحنطة.

3040 - * روى أبو داود عنعبد الرحمن بن أبي بكرة (رحمه الله) قال: "قلت لأبي: يا أبت، أسمعك تقول كل غداة: اللهم عافني في سمعي، اللهم عافني في بصري، لا إله إلا أنت، تكررها ثلاثاً حين تصبح، وثلاثاً حين تمسي فقال: يا بني، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بهن، فأنا أحب أن أستن بسنته". وفي رواية (1): أنه يقول: اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، لا إله أنت- يعيدها ثلاثاً حين يصبح، وثلاثاً حين يمسي- فيدعو بهن، فأحب أن أستن بسنته، قال: وقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوات المكروب: "اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت".

_ 3040 - أبو داود (4/ 324) كتاب الأدب، باب ما يقول إذا أصبح، وإسناده حسن. (1) الموضع السابق.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد من التركيز الكبير في الكتاب والسنة على أذكار الصباح والمساء ودعواتهما أخذ أهل السلوك إلى الله عز وجل أن يكون للمسلم وردان، ورد صباحي وورد مسائي من الأذكار والدعوات وتلاوة القرآن، والأصل عندهم أن يكون ورد الصباح بعد الفجر، ومن جعله قبل الفجر وحتى الظهر فقد أداه- والأصل في ورد المساء أن يكون بين المغرب والعشاء أخذاً من قوله تعالى: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا) (1) فقد فسرها بعضهم بأن المراد بالناشئة هي ما بين المغرب والعشاء، ومن أقام ورده المسائي قبل المغرب ولو من بعد الظهر، أو أقامه بعد العشاء إلى طلوع الفجر فقد أداه، ومن فاته ورد صباحه أو ورد مسائه أداه متى استطاع لقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} (2) ومن أفضل ما جمع من أوراد للصباح والمساء: الوظيفة الكبرى أو الصغرى للأستاذ البنا رحمه الله تعالى ومن فاته أن يكون له ورد من المأثور فليتخير ما سهل عليه من الأذكار التي ندبنا إليها بإطلاق كالاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والتسبيح والتهليل ومن اجتمع له هذا وهذا فقد أجاد وأطاب. قال النووي رحمه الله في كتابه "الأذكار": اعلم أنه ينبغي لمن بلغه شيء في فضائل الأعمال أن يعمل به ولو مرة واحدة ليكون من أهله، ولا ينبغي أن يتركه مطلقاً بل يأتي بما تيسر منه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته "إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم". وقال النووي رحمه الله: ينبغي لمن كان له وظيفة من الذكر في وقت من ليل أو نهار، أو عقيب صلاة أو حالة من الأحوال ففاتته أن يتداركها ويأتي بها إذا تمكن منها ولا يهملها، فإنه إذا اعتاد الملازمة عليها لم يعرضها للتفويت، وإذا تساهل في قضائها سهل عليه تضييعها في وقتها.

_ (1) المزمل: 6. (2) الفرقان: 62.

وسئل الشيخ الإمام أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله عن القدر الذي يصير به من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات، فقال: إذا واظب على الأذكار المأثورة المثبتة صباحاً ومساءاً في الأوقات والأحوال المختلفة ليلاً ونهاراً- وهي مبينة في كتاب عمل اليوم والليلة- كان من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات، والله أعلم.

الباب الرابع في أدعية عامة

الباب الرابع في أدعية عامة وفيه مقدمة وفصلان المقدمة.

مقدمة لم يزل مفكرو العالم يحاولون الوصول إلى نظرية مثلى في الخير والشر، في الفضيلة والرذيلة وتجد في ثنايا أبحاثهم خلطاً كثيراً وسقوطاً كثيراً وتحليقاً قليلاً، وفي هذه الحالات القليلة تجد شيئاً من تضخم أو ضمور، وإذا ما حاولت أن ترى لهذه النظريات محلاً في السلوك الإنساني فإنك لا تجده إلا نادراً، ومن مظاهر رحمة الله للعالم أنه بعث لهم رسلاً يدلونهم بأخصر طريق على الخير والشر وعلى الفضيلة والرذيلة، ويدلونهم على الطريق للتحقق بالفضيلة، ويدلونهم على ما يجنبهم الشر والرذيلة، وكما يدلونهم على طريق الخير وعلى الأسباب التي يصلون بواسطتها إلى الخير، فإنهم يدلونهم أن يستلهموا الله عز وجل الهداية لزكاة أنفسهم، لأنه لا زكاة لهذه النفس المعقدة التركيب إلا بالله، وقال تعالى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} (1) وهكذا تجد الإسلام بين طريق الخير وطريقا لشر، وبين الطريق إلى التحقق بالخير والنأي عن الشر، وعلم الإنسان أن يستلهم الله عز وجل التوفيق، وبسبب من هذا كله تجد المسلم الحق أعرف الخلق بما هو خير وبما هو شر وتجد الخير سلوكاً عملياً عنده، وإن من معجزات الإسلام أنه يأخذ بيد المسلم نحو المعرفة والسلوك بوسائل شتى، وإنك إذا تأملت فصلي هذا الباب فإنك تجد المعجزة واضحة فمن خلال الدعوات والاستعاذات تتعرف على الخير والشر، ومن خلال الدعاء والاستعاذة تتعرف على الله عز وجل، وتستلهمه البعد عن الشر والتحقق بالخير، لأنه هو وحده الذي يملك الهداية إلى الطريق الأقوم بالتعريف والتوفيق. فانظر إلى فصلي هذا الباب محاولاً التعرف على ما هو خير وشر، وأقبل على الله بالدعاء والاستعاذة لتعرض نفسك لنفحات الله عز وجل. وبهذه المناسبة نقول: إن أعظم الدعوات المطلقة، وأعظم الاستعاذات هو ما ورد في القرآن الكريم، فمن اجتمع له من الدعوات والاستعاذات ما ورد في الكتاب والسنة وأقبل على الله بذلك فقد اجتمع له خير كثير.

_ (1) النور: من 21.

الفصل الأول في أدعية مطلقة

الفصل الأول في أدعية مطلقة

3041 - *روى أحمد عن سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "دعوة ذي النون، إذ دعا في بطن الحوت، قال: لا إله إلا أنت، سبحانك إني كنت من الظالمين: ما دعا بها أحد قط إلا استجيب له". 3042 - * روى الترمذي عن عبد الله بن يزيد الخطمي الأنصاري (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: "اللهم ارزقني حبك وحب من ينفعني حبه عندك، اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب، وما زويت عني مما أحب فاجعله فراغاً لي فيما تحب". 3043 - * بن أنس (رحمه الله) بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو: "اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضني إليك غير مفتون". وفي أخرى: "إذا أردت فتنة في الناس فتوفني". 3044 - * ار عن ثوبان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم إني أسألك الطيبات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تتوب علي وإن أردت بعبادك فتنة أن تقبضني غير مفتون". 3045 - *روى مسلم عن علي (رضي الله عنه) قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "قل: اللهم اهدني وسددني، واذكر بالهدى: هدايتك الطريق، والسداد: سداد السهم".

_ 3041 - أحمد (1/ 170). الترمذي (5/ 529) 49 - كتاب الدعوات، 82 - باب. الحاكم (1/ 505) وصححه، ووافقه الذهبي، وحسنه الحافظ وصححه آخرون. 3042 - الترمذي (5/ 523) 49 - كتاب الدعوات، 74 - باب، وهو حديث حسن. (زويت عني) زويت المال عن الورثة زيا: إذا صرفته عنهم إلى غيرهم. 3043 - الموطأ (1/ 218) 15 - كتاب القرآن، 9 - باب العمل في الدعاء، وهو حديث حسن بشواهده. 3044 - كشف الأستار (4/ 60، 61) وقال الهيثمي: رواه البزار، وإسناده حسن. 3045 - مسلم (4/ 2090) 48 - كتاب الذكر والدعاء، 18 - باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل.

3046 - * روى الترمذي عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من سأل الله الجنة ثلاثاً، قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، ومن استجار من النار ثلاث مرات، قالت النار: اللهم أجره من النار". 3047 - *روى أحمد عن أبي هريرة (رضي الله عنه) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أتحبون أن تجتهدوا في الدعاء قولوا: اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك". 3048 - * روى الطبراني في الأوسط عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو: "اللهم ضع في أرضنا بركتها وزينتها وسكنها". 3049 - * روى أبو داود عنعبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: "رب أعني، ولا تعن علي، وانصرني ولا تنصر علي، وامكر لي ولا تمكر علي، واهدني ويسر الهدى لي، وانصرني على من بغى علي، رب اجعلني لك شاكراً، لك ذاكراً، لك راهباً، لك مطواعاً، لك مخبتاً، إليك أواهاً منيباً، رب تقبل توبتي، واغسل حوبتي، وأجب دعواتي، وثبت حجتي، وسدد لساني، واهد قلبي، واسلل سخيمة صدري".

_ 3046 - الترمذي (4/ 700) 39 - كتاب صفة الجنة، 27 - ما جاء في صفة أنهار الجنة. النسائي (8/ 279) 50 - كتاب الاستعاذة، 56 - الاستعاذة من حر النار. ابن ماجه (2/ 1453) 37 - كتاب الزهد، 39 - باب صفة الجنة. ابن حبان (2/ 185) ذكر سؤال النار ربها أن يجير من استجار به من النار. 3047 - أحمد (2/ 299). مجمع الزوائد (10/ 172) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير موسى بن طارق وهو ثقة. 3048 - مجمع الزوائد (10/ 182) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، وإسناده جيد. 3049 - أبو داود (2/ 83، 84) كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل إذا أسلم، وهو حديث صحيح. الترمذي (5/ 554) 49 - كتاب الدعوات، 103 - باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (راهباً) الرهبة: الخوف والفزع. (مخبتاً) المخبت: الخاشع المخلص في خشوعه. (منيباً) الإنابة: الرجوع إلى الله تعالى بالتوبة والإخلاص. (أواها) الأواه: المتأوه المتضرع. وقيل: البكاء. وقيل: هو الكثير الدعاء. (حوبتي) الحوبة والحوب: الإثم والذنب. (ثبت حجتي) يريد بالحجة: الدليل والبينة، إما في الدنيا، وإما في الآخرة، وعند جواب الملكين في القبر. =

هذه رواية الترمذي. ورواية أبي داود مثلها- وفيها بعد قوله- "إليك مخبتاً": "أو منيباً"، ولم يذكر "أواها". 3050 - * روى الطبراني في الأوسط عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم اجعل أوسع رزقك علي عند كبر سني وانقطاع عمري". 3051 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود قال: ضاف النبي صلى الله عليه وسلم ضيف فأرسل إلى أزواجه يبتغي عندهن طعاماً فلم يجد عند واحدة منهن فقال: "اللهم إني أسألك من فضلك ورحمتك فإنه لا يملكها إلا أنت؛ فأهديت إليه شاة مصلية فقال: هذه من فضل الله ونحن ننتظر الرحمة". 3052 - *روى أحمد عن عمران بن حصين أو غيره أن حصيناً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد: لعبد المطلب كان خيراً لقومه منك، كان يطعمهم الكبد والسنام وأنت تنحرهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما شاء الله أن يقول فقال له ما تأمرني أن أقول: قال: قل اللهم قني شر نفسي واعزم لي على أرشد أمري قال: فانطلق فأسلم الرجل ثم جاء فقال: إني أتيتك فقلت لي: قل اللهم قني شر نفسي واعزم لي على أرشد أمري، فما أقول الآن؟ قال: قل اللهم اغفر لي ما أسررت وما أعلنت وما أخطأت وما عمدت وما علمت وما جهلت". وسيرد في أواخر الفصل التالي: الاستعاذات بسياق آخر.

_ = ومنه قوله تعالى: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة) [إبراهيم: 27] جاء في التفسير: أنه مسألة المالكين في القبر. (سخيمة صدري) السخيمة: الغضب والغل. 3050 - مجمع الزوائد (10/ 182) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن. 3051 - الطبراني (الكبير) (10/ 220). مجمع الزوائد (10/ 159) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن زياد البرجمي وهو ثقة. (مصلية): مشوية. 3052 - أحمد (4/ 444). مجمع الزوائد (10/ 181) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. (تنحرهم): النحر من الذبح والقتل.

3053 - * روى الطبراني عن فضالة بن عبيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم من آمن بك وشهد أني رسولك فحبب إليه لقاءك، وسهل عليه قضاءك، وأقلل له من الدنيا، ومن لم يؤمن بك ويشهد أني رسولك فلا تحبب إليه لقاءك ولا تسهل عليه قضاءك وكثر له من الدنيا". 3054 - * روى الطبراني في الكبير والأوسط عن أم الدرداء قالت: كان فضالة بن عبيد يقول: اللهم إني أسألك الرضا بالقضاء والقدر، وبرد العيش بعد الموت ولذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، وزعم أنها دعوات كان يدعو بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. 3055 - * روى الترمذي عن شهر بن حوشب قال: "قلت لأم سلمة رضي الله عنها: يا أم المؤمنين، ما كان أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان عندك؟ قالت: كان أكثر دعائه: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، قالت: فقلت له: يا رسول الله، ما أكثر دعائك بهذا؟ قال: "يا أم سلمة، إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله، فمن شاء أقام، ومن شاء أزاغ" 3056 - *روى أحمد عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان، يكثر في دعائه أن يقول: اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، قالت: قلت يا رسول الله وإن القلوب لتتقلب قال: نعم ما من خلق الله من بشر من بني آدم إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله عز وجل فإن شاء الله أقامه وإن شاء أزاغه، فنسأل الله أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، ونسأل أن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب قلت: يا

_ 3053 - الطبراني (الكبير) (18/ 313). مجمع الزوائد (10/ 286) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات. وقد صحح ابن حبان هذا الحديث انظره في موارد الظمآن ص 613 وهو حديث رقم 2475. 3054 - الطبراني (الكبير) (18/ 319). مجمع الزوائد (10/ 177) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط والكبير ورجالهما ثقات. 3055 - الترمذي (5/ 538) 49 - كتاب الدعوات، 90 - باب، وقال الترمذي: هذا حديث حسن. (أزاغ) الزيغ: الميل عن الاعتدال. 3056 - أحمد (6/ 302). مجمع الزوائد (10/ 176) وقال الهيثمي: قلت عند الترمذي بعضه- رواه أحمد وإسناده حسن.

رسول الله: ألا تعلمني دعوة أدعو بها لنفسي، قال: "بلى قولي اللهم رب النبي محمد اغفر لي ذنبي وأذهب غيظ قلبي وآجرني من مضلات الفتن ما أحييتنا". 3057 - *روى أحمد عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو: "اللهم اغفر لنا ذنوبنا وظلمنا وهزلنا وجدنا وعمدنا، وكل ذلك عندنا". 3058 - * روى الشيخان عن أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهذا الدعاء: "اللهم رب اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدي وهزلي، وخطئ وعمدي، وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم، وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء قدير". ورواه الطبراني في الأوسط عن أبي بن كعب بنحوه وأنقص منه، إلا أن فيه: (ولا تحرمني بركة ما أعطيتني ولا تفتني فيما حرمتني) قال عنه الهيثمي ورجاله رجال الصحيح غير عصمة أبي حكيمة وهو ثقة. قال ابن حجر في (الفتح 11/ 198): قال المحاسبي: الملائكة والأنبياء أشد لله خوفاً ممن دونهم، وخوفهم خوف إجلال وإعظام، واستغفارهم من التقصير لا من الذنب المحقق. وقال عياض: يحتمل أن يكون قوله "اغفر لي خطيئتي" وقول، "اغف لي ما قدمت وما أخرت" على سبيل التواضع والاستكانة والخضوع والشكر لربه، لما علم أنه قد غفر له.

_ 3057 - أحمد (2/ 173) مجمع الزوائد (10/ 172) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني وإسنادهما حسن. 3058 - البخاري (11/ 196) 80 - كتاب الدعوات، 60 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت. مسلم (4/ 2087) 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 18 - باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل.

3059 - *روى أحمد عن عمران بن حصين قال كان عامة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم اغفر لي ما أخطأت وما تعمدت، وما أسررت، وما أعلنت، وما جهلت وما تعمدت". 3060 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار". وفي رواية (1) لمسلم وأبي داود قال قتادة: سألت أنساً "أي دعوة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بها أكثر؟ قال: كان أكثر دعوة يدعو بها: "اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار" وقال قتادة: وكان أنس إذا أراد أن يدعو بدعوة دعا بها، وإذا دعا بدعاء دعا بها فيه. 3061 - *روى مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: "اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر".

_ 3059 - أحمد (4/ 437). كشف الأستار (4/ 61) باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم. الطبراني (الكبير) (18/ 121). مجمع الزوائد (10/ 172) وقال الهيثمي: رواه أحمد والبزار والطبراني ورجالهم رجال الصحيح غير عون العقيلي وهو ثقة. 3060 - البخاري (11/ 191) 80 - كتاب الدعوات، 55 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ربنا آتنا في الدنيا حسنة. مسلم (4/ 2071) 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 96 - باب فضل الدعاء باللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. (1) مسلم (4/ 2070) الموضع السابق. أبو داود (2/ 85) كتاب الصلاة، باب في الاستغفار. 3061 - مسلم (4/ 2087) 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 18 - باب التعوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل. وقد روى البزار هذا الحديث في (4/ 57) بنحوه عن الزبير. (عصمة أمري) العصمة: ما يعتصم به. أي: يستمسك ويتقوى به في أموره كلها، لئلا يدخل عليها الخلل. (معادي) المعاد: إما موضع العودة، أو مصدر، والمراد به: ما يعود إليه يوم القيامة.

3062 - * روى أحمد عن أنس قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم جالساً في الحلقة إذ جاء رجل فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم والقوم فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه، "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فلما جلس الرجل قال: الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا أن يحمد وينبغي له، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف قلت، فرد عليه كما قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لقد ابتدرها عشرة أملاك كلهم حريص على أن يكتبها فما دروا كيف يكتبونها حتى رفعوها إلى ذي العزة فقال اكتبوها كما قال عبدي". 3063 - *روى أحمد عن أم سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "رب اغفر وارحم واهدني السبيل الأقوم". 3064 - *روى أحمد عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى". 3065 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال يا رسول الله سمعت دعاءك الليلة، وكل الذي وصل إلي منه أنك تقول: "اللهم اغفر لي ذنبي ووسع لي في داري وبارك لي فيما رزقتني قال: فهل تراهن تركن شيئاً". 3066 - * روى الترمذي عن أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) "قام على المنبر ثم بكى، فقال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أول على المنبر، ثم بكى، فقال: سلوا الله العفو

_ 3062 - أحمد (3/ 191، 269). مجمع الزوائد (10/ 96، 97) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات. 3063 - أحمد (6/ 315، 316). مجمع الزوائد (10/ 174) وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلي بإسنادين حسنين. 3064 - مسلم (4/ 2087) 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 18 - باب التعوذ من شر ما عمل، ومن شر ما لم يعمل. الترمذي (5/ 522) 49 - كتاب الدعوات، 73 - باب، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (العفاف) الصبر، والمراد به: الصبر على الأشياء المفضية إلى الآثام. 3065 - الترمذي (5/ 527) 49 - كتاب الدعوات، 79 - باب، وهو صحيح، انظر الفيض 2/ 110. 3066 - الترمذي (5/ 557) 49 - كتاب الدعوات، 106 - باب، وإسناده صحيح، وحسنه الترمذي، ورواه أيضاً ابن =

والعافية، فإن أحداً لم يعط بعد اليقين خيراً من العافية". 3067 - * روى الترمذي عن أنس رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله أي الدعاء أفضل؟ قال: "سل ربك العافية والمعافاة في الدنيا والآخرة، ثم أتاه في اليوم الثاني، فقال: أي الدعاء أفضل؟ فقال له مثل ذلك ثم أتاه اليوم الثالث، فقال له مثل ذلك، قال: فإذا أعطيت العافية في الدنيا وأعطيتها في الآخرة فقد أفلحت". 3068 - * روى الطبراني عن العباس بن عبد المطلب قال: قلت يا رسول الله علمني شيئاً أسأله الله فقال: "سل ربك العافية فمكثت أياماً ثم جئت فقلت: يا رسول الله علمني شيئاً أسأل ربي عز وجل فقال: يا عباس يا عم رسول الله صلى الله عليه وسلم: سل الله العافية في الدنيا والآخرة". وفي رواية قلت يا رسول الله إني أدعو بشيء من غدوة إلى الليل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فسل الله العافية". 3069 - *روى مسلم عن (طارق بن أشيم) كان الرجل إذا أسلم علمه النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة ثم أمره أن يدعو بهؤلاء الكلمات: "اللهم اغفر لي وارحمني، واهدني وعافني وارزقني". 3070 - * روى الحاكم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو، فيقول: "اللهم متعني بسمعي وبصري، واجعلهما الوارث مني، وانصرني على من يظلمني، وخذ منه بثأري".

_ = حبان في صحيحه. 3067 - الترمذي (5/ 533، 534) 49 - كتاب الدعوات، 85 - باب، ورواه أيضاً ابن أبي الدنيا وقال الترمذي: حديث حسن. كذا في الترغيب 4/ 271. 3068 - مجمع الزوائد (10/ 175) وقال الهيثمي: رواه كله الطبراني بأسانيد ورجال بعضها رجال الصحيح غير يزيد بن أبي زياد وهو حسن الحديث. 3069 - مسلم (4/ 2073) 48 - كتاب الذكر والدعاء ... إلخ، 10 - باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء. 3070 - رواه الحاكم في المستدرك (1/ 523).

3071 - * روى الترمذي عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم عافني في جسدي، وعافني في سمعي وبصري، واجعلهما الوارث مني، لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين"، إلا أنه قال: "وعافني في بصري، واجعله الوارث مني". 3072 - * روى الحاكم عن علي رضي الله عنه قال كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم أمتعني بسمعي وبصري حتى تجعلهما الوارث مني، وعافني في ديني وفي جسدي، وانصرني ممن ظلمني حتى تريني فيه ثأري، اللهم إني أسلمت نفسي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، وخليت وجهي إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت برسولك الذي أرسلت وبكتابك الذي أنزلت". 3073 - * روى الترمذي عن ابن أبي أوفى (رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو: "اللهم طهرني من الذنوب، اللهم نقني منها كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد". وفي أخرى (1): "اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد، اللهم طهرني من الذنوب كما يطهر الثوب الأبيض من الدنس".

_ 3071 - الترمذي (5/ 518) 49 - كتاب الدعوات، 67 - باب وهو حسن لغيره وقد ضعفه بعضهم. (واجعله الوارث مني) الوارث ها هنا: الباقي، وحقيقته: أنه الذي يرث ملك الماضي، فيكون هاهنا قد سأل الله تعالى أن يبقي له قوة السمع والبصر إذا أدركه الكبر، وضعف منه القوى، ليكونا وارثي سائر الأعضاء والباقين بعدها. 3072 - الحاكم (1/ 527) وصححه ووافقه الذهبي. 3073 - الترمذي (5/ 551) 49 - كتاب الدعوات، 102 - باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. النسائي (1/ 98) 4 - كتاب الغسل والتيمم، 3 - باب الاغتسال بالثلج والبرد. (1) النسائي (1/ 199) باب الاغتسال بالماء البارد، وإسناده صحيح.

3074 - * روى النسائي عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم اغسل خطاياي بماء الثلج والبرد، ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس". 3075 - * روى الطبراني في الكبير عن سمرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم باعد بيني وبين ذنبي كما باعدت بين المشرق والمغرب، ونقني من خطيئتي كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس". 3076 - *روى مالك عن يحيى بن سعيد (رحمه الله) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: "اللهم فالق الإصباح، وجاعل الليل سكناً، والشمس والقمر حسباناً: اقض عني الدين وأغنني من الفقر، وأمتعني بسمعي وبصري وقوتي في سبيلك". 3077 - * روى الحاكم عن ابن عمر أنه لم يكن يجلس مجلساً كان عنده أحد أو لم يكن إلا قال: "اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما يهون علينا مصيبات الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا".

_ 3074 - النسائي (1/ 51) كتاب الطهارة، 48 - باب الوضوء بالثلج، وهو حسن بشواهده. (بماء الثلج والبرد) تخصيص الثلج والبرد تأكيد للتطهير ومبالغة فيه، لأن الثلج والبرد ماءان مفطوران على خلقتهما، لم يستعملا ولم تنلهما الأيدي، ولم تخضهما الأرجل، كسائر المياه التي قد خالطت تربة الأرض، وجرت في الأنهار، واستقرت في الحياض ونحوها، فكانا أحق بكمال الطهارة، وكذلك هذا المعنى في قوله: "كما تنقي الثوب الأبيض من الدنس" إشباع في بيان التطهير وتأكيد له. 3075 - الطبراني (المعجم الكبير) (7/ 228). مجمع الزوائد (2/ 106) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن. 3076 - الموطأ (1/ 213) 15 - كتاب القرآن، 8 - باب ما جاء في الدعاء. وهو حسن بشواهد فقراته. (فالق الإصباح) الإصباح: الصباح، وفالقه: مضيئه ومطلعه. (سكنا) السكن: ما يسكن إليه. (حسبانا) الحسبان: مصدر حسب يحسب حسباناً وحساباً. 3077 - الحاكم (1/ 528) وصححه ووافقه الذهبي.

فسئل عنهن فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يختم بهن مجلسه. ويرد الحديث في ختام المجلس وأوردناه هنا ليكون دعاءً للمسلم في أحواله المختلفة. 3078 - *روى ابن ماجه عن أبي هريرة، قال: أتت فاطمة النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادماً. فقال لها: "ما عندي ما أعطيك" فرجعت. فأتاها بعد ذلك فقال: "الذي سألت أحب إليك، أو ما هو خير منه؟ " فقال لها علي: قولي: لا. بل ما هو خير منه. فقالت. فقال: "قولي: اللهم! رب السماوات السبع ورب العرش العظيم. ربنا ورب كل شيء. منزل التوراة والإنجيل والقرآن العظيم أنت الأول فليس قبلك شيء. وأنت الآخر فليس بعدك شيء. وأنت الظاهر فليس فوقك شيء. وأنت الباطن فليس دونك شيء. اقض نا الدين وأغننا من الفقر". 3079 - * روى البخاري عن (حفصة وأسلم) أن عمر قال: اللهم ارزقني شهادة في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك، قالت حفصة: فقلت أنى يكون هذا؟ قال يأتيني به الله إذا شاء. 3080 - * روى أحمد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى سلمان الخير فقال: "إن نبي الله يريد أن يمنحك كلمات تسألهن الرحمن ترغب إليه فيهن وتدعو بهن بالليل والنهار، قل: اللهم إني أسألك صحة إيمان وإيماناً في حسن خلق ونجاحاً يتبعه فلاح ورحمة منك وعافية ومغفرة منك ورضواناً". 3081 - *روى أحمد عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "اللهم أحسنت خلقي فأحسن خلقي".

_ 3078 - ابن ماجه (2/ 1259، 1260) 34 - كتاب الدعاء، 1 - باب فضل الدعاء، وهو حديث صحيح. 3079 - البخاري (4/ 100) 29 - كتاب فضائل المدينة، 12 - باب. 3080 - أحمد (2/ 321). مجمع الزوائد (10/ 174) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات، ورواه الطبراني في الأوسط. 3081 - أحمد (6/ 68، 155). مجمع الزوائد (8/ 20) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

3082 - * روى البزار عن سعيد بن جبير قال كان ابن عباس يقول: اللهم إني أسألك بنور وجهك الذي أشرقت له السموات والأرض أن تجعلني في حرزك وحفظك وجوارك وتحت كنفك. 3083 - *روى أحمد عن أوسط بن عمرو البجلي قال: قدمت المدينة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنة، فألفيت أبا بكر يخطب الناس فقال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام أول فخنقته العبرة ثلاث مرات، ثم قال: "يا أيها الناس: سلوا الله المعافاة فإنه لم يؤت أحد مثل يقين بعد معافاة ولا أشد من ريبة بعد كفر". 3084 - * روى الطبراني عن عبد الله بن عكيم أن ابن مسعود كان يدعو: اللهم زدني إيماناً ويقيناً وفهماً أو قال علماً. 3085 - * روى الطبراني عن أبي الأحوص قال: سمعت عبد الله بن مسعود يدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك بنعمتك السابغة بها وبلائك الذي ابتليتني وبفضلك الذي أفضلت علي أن تدخلني الجنة بفضلك ومنك ورحمتك.

_ 3082 - مجمع الزوائد (10/ 184) وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. 3083 - أحمد (1/ 8) مجمع الزوائد (10/ 173) وقال الهيثمي: قلت روى ابن ماجه بعضه رقم 38490 - رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير أوسط وهو ثقة. 3084 - الطبراني (المعجم الكبير) (9/ 109). مجمع الزوائد (10/ 185) وقال الهيثمي: رواه الطبراني وإسناده جيد. 3085 - الطبراني (المعجم الكبير) (9/ 209). مجمع الزوائد (10/ 185) وقال الهيثمي: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح.

الفصل الثاني في الاستعاذات

الفصل الثاني في الاستعاذات

3086 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والهرم والبخل، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات". وفي رواية (1): كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بهؤلاء الدعوات "اللهم إني أعوذ بك من البخل والكسل وأرذل العمر، وعذاب القبر، وفتنة المحيا ولممات. وللبخاري (2) " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ، يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الكسل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك من الهرم، وأعوذ بك من البخل". وفي رواية (3) الترمذي قال: كثيراً ما كنت أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بهؤلاء الكلمات: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال". وفي أخرى (4) له: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو، يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم، والجبن والبخل، وفتنة المسيح الدجال وعذاب القبر. وفي رواية (5) للنسائي، قال: (كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم دعوات لا يدعهن، كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وغلبة الرجال" زاد في أخرى بعد (الجبن): (والدين) وفي أخرى: (وضلع الدين).

_ 3086 - البخاري (11/ 176) 80 - كتاب الدعوات، 38 - باب التعوذ من فتنة المحيا والممات. مسلم (4/ 2079) 48 - كتاب الذكر والدعاء .. إلخ، 15 - باب التعوذ من العجز والكسل. (1) مسلم، ص 2080 الموضع السابق. (2) البخاري، (11/ 179) الموضع السابق. (3) الترمذي (5/ 520) 49 - كتاب الدعوات، 71 - باب. (4) الترمذي، 520، 521، الموضع السابق. (5) النسائي (8/ 265) 50 - كتاب الاستعاذة، 25 - باب الاستعاذة من ضلع الدين، مع زيادة هذه الروايات. (أرذل العمر) الأرذل من كل شيء: الأدنى الرديء، وأرذل العمر: آخره في حال الكبر والعجز والخرف. (ضلع الدين) الضلع: الاعوجاج، والمعني به: ثقل الدين حتى يميل صاحبه عن الاستواء.

3087 - *روى أبو داود عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الجذام والبرص والجنون، ومن سيئ الأسقام". 3088 - * روى الشيخان عن عائشة (رضي الله عنها) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم والمغرم، ومن فتنة القبر وعذاب القبر، ومن فتنة النار وعذاب النار، ومن شر فتنة الغنى، ومن شر فتنة الفقر، وأعوذ بك من شر فتنة المسيح الدجال، اللهم اغسل عني خطاياي بماء الثلج والبرد، ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب". وفي رواية (1) مختصراً: أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم "يستعيذ في صلاته من الدجال" لم يزد. وأخرجه الترمذي بتقديم وتأخير، وزاد فيه: "المأثم" قبل قوله: "المغرم" وبعد "الثوب الأبيض من الدنس" وأخرجه النسائي نحو الترمذي. وفي أخرى (2) للنسائي: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ من عذاب القبر، ومن فتنة الدجال، وقال: إنكم تفتنون في قبوركم". وفي أخرى (3) له قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم رب جبريل وميكائيل، ورب إسرافيل، أعوذ بك من حر النار، وعذاب القبر".

_ 3087 - أبو داود (2/ 93) كتاب الصلاة، باب في الاستعاذة. النسائي (8/ 270) 50 - كتاب الاستعاذة 36 - الاستعاذة من الجنون، وهو حديث صحيح. 3088 - البخاري (11/ 176) 80 - كتاب الدعوات، 39 - باب التعوذ من المأثم والمغرم. مسلم (4/ 2078، 2079) 48 - كتاب الذكر والدعاء ... إلخ، 14 - باب التعوذ من شر الفتن وغيرها. (1) البخاري (2/ 317) 10 - كتاب الأذان، 149 - باب الدعاء قبل السلام. الترمذي (5/ 525) 49 - كتاب الدعوات، 77 - باب، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. النسائي (8/ 266) 50 - كتاب الاستعاذة، 26 - الاستعاذة من شر فتنة الغنى. (2) النسائي (8/ 274، 275) 50 - كتاب الاستعاذة، 46 - باب الاستعاذة من فتنة الدجال. (3) النسائي (8/ 278) 50 - كتاب الاستعاذة، 56 - الاستعاذة من حر النار.

3089 - *روى مسلم عن زيد بن أرقم (رضي الله عنه) قال: وقد سئل عما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل والهرم، وعذاب القبر، اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا تستجاب". وفي رواية (1) النسائي مثل رواية مسلم، إلا أن أولها قال: "لا أعلمكم إلا ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا ... وذكر الحديث". 3090 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع، ودعاء لا يسمع، ومن نفس لا تشبع، ومن علم لا ينفع، أعوذ بك من هؤلاء الأربع". 3091 - *روى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك". 3092 - *روى أبو داود عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

_ 3089 - مسلم (4/ 2088) 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 18 - باب التعوذ من شر ما عمل، ومن شر ما لم يعمل. (1) النسائي (8/ 260) 50 - كتاب الاستعاذة، 13 - باب الاستعاذة من العجز. (زكها) التزكية: التطهير. 3090 - الترمذي (5/ 519) 49 - كتاب الدعوات، 69 - باب، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه من حديث عبد الله بن عمرو. النسائي (8/ 255) 50 - كتاب الاستعاذة، 2 - باب الاستعاذة من قلب لا يخشع. وورد أيضاً في (8/ 263، 264) 50 - كتاب الاستعاذة، 21 - باب الاستعاذة من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق. 3091 - مسلم (4/ 2097) 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 26 - باب أكثر أهل الجنة الفقراء، وأكثر أهل النار النساء، وبيان الفتنة بالنساء. أبو داود (2/ 91) كتاب الصلاة، باب في الاستعاذة. 3092 - أبو داود (2/ 91) كتاب الصلاة، باب في الاستعاذة، وإسناده حسن. النسائي (8/ 261) 50 - كتاب الاستعاذة، 14 - باب الاستعاذة من الذلة. ابن حبان (2/ 183) ذكر ما يستحب للمرء أن يتعوذ بالله جل وعلا .. إلخ.

"اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلة والذلة، وأعوذ بك من أن أظلم أو أظلم". 3093 - *روى أبو داود عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول، "اللهم إني أعوذ بك من الجوع، فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة، فإنها بئست البطانة". 3094 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تعوذوا بالله من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء". وفي رواية (1) "أنه كان يتعوذ". 3095 - * روى النسائي عن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهؤلاء الكلمات: "اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين وغلبة العدو، وشماتة الأعداء". 3096 - * روى النسائي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تعوذوا بالله من جار السوء في دار المقام، فإن جار البادي يتحول عنك". 3097 - * روى الطبراني عن عقبة بن عامر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم إني أعوذ بك من يوم السوء ومن ليلة السوء ومن ساعة السوء، ومن صاحب السوء، ومن جار السوء في دار المقامة".

_ 3093 - أبو داود (2/ 91) كتاب الصلاة، باب في الاستعاذة، وهو حديث حسن. النسائي (8/ 263) 50 - كتاب الاستعاذة، 19 - باب الاستعاذة من الجوع. 3094 - البخاري (11/ 513) 82 - كتاب القدر، 13 - باب من تعوذ بالله من درك الشقاء ... إلخ. مسلم (4/ 2080) 48 - كتاب الذكر والدعاء ... إلخ، 16 - باب في التعوذ من سوء القضاء ... إلخ. (1) البخاري (11/ 148) 80 - كتاب الدعوات، 28 - باب التعوذ من جهد البلاء. 3095 - النسائي (8/ 265) 50 - كتاب الاستعاذة، 24 - باب الاستعاذة من غلبة الدين، وإسناده حسن. 3096 - النسائي (8/ 274) 50 - كتاب الاستعاذة، 44 - باب الاستعاذة من جار السوء، وهو حديث حسن. (جار البادي): هو الذي يكون في البادية، ومسكنه: المضرب من الشعر والخيام، فإنه غير مقيم ولا ثابت في موضعه، بخلاف جار المقام في المدر. 3097 - الطبراني (الكبير) (17/ 294). مجمع الزوائد (7/ 220) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات. وقال الهيثمي في (10/ 144) ورجاله رجال الصحيح غير بشر بن ثابت البزار وهو ثقة.

3098 - * روى أبو داود عنأبي اليسر (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الهدم، وأعوذ بك من التردي، ومن الغرق والحرق والهرم، وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت، وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبراً، وأعوذ بك أن أموت لديغاً". 3099 - * روى أبو داود عنعمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من خمس: من الجبن، والبخل، وسوء العمر، وفتنة الصدر، وعذاب القبر". 3100 - * روى الجماعة إلا البخاري عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) أن النبي صلى الله عليه وسلم: "كان يعلمهم هذا الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن، قولوا: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات". 3101 - * روى مسلم عن عائشة (رضي الله عنها) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في

_ 3098 - أبو داود (2/ 92) كتاب الصلاة، باب في الاستعاذة، وإسناده حسن. النسائي (8/ 283) 50 - كتاب الاستعاذة، 61 - باب الاستعاذة من التردي والهدم. وهذا الحديث زاد فيه أبو داود في رواية أخرى "والغم" وهذه الرواية موجودة عند أبي داود في الموضع السابق ص 93. (يتخبطني) تخبطه الشيطان: إذا صرعه ولعب به، والخبط باليدين كالرمح بالرجلين. (مدبراً) المدبر: المنهزم في الجهاد، المولي دبره. (لديغاً) اللديغ: الملدوغ، فعيل بمعنى: مفعول. 3099 - أبو داود (2/ 90) كتاب الصلاة، باب في الاستعاذة، وهو حديث حسن، وقد ضعفه بعضهم لكن كما ترى فإن لكل واحدة من هذه شواهد. (سوء العمر): مثل أرذل العمر. (فتنة الصدر): ما يعرض فيه من الشكوك والوساوس والشبه ومثل ذلك. 3100 - مسلم (1/ 413) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 25 - باب ما يستعاذ منه في الصلاة. أبو داود (2/ 90، 91) كتاب الصلاة، باب في الاستعاذة. الترمذي (5/ 524، 525) 49 - كتاب الدعوات، 77 - باب، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. النسائي (4/ 104) 21 - كتاب الجنائز، 115 - التعوذ من عذاب القبر. ابن ماجه (2/ 1262) 34 - كتاب الدعاء، 3 - باب ما تعوذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم. 3101 - مسلم (4/ 2085) 48 - كتاب الذكر والدعاء ... إلخ، 18 - باب التعوذ من شر ما عمل، ومن شر ما لم يعمل. أبو داود (2/ 92) كتاب الصلاة، باب في الاستعاذة.

دعائه: "اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت ومن شر ما لم أعمل". وفي رواية النسائي قال: سألت عائشة: حدثيني بشيء كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته؟ قالت: "نعم، كان يقول ... وذكرت الحديث". 3102 - * روى الترمذي عن قطبة بن مالك- صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء". 3103 - * روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه): "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من عين الجان، وعين الإنس، فلما نزلت المعوذتان، أخذ بهما، وترك ما سوى ذلك". 3104 - * روى أبو داود عن (أبي بردة) أن أباه رضي الله عنه أخبره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان إذا خاف من قوم، قال: "اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم". 3105 - * روى مالك عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ما لقيت البارحة من عقرب لدغتني، قال: "أما لو قلت حين أمسيت: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم تضرك؟ ".

_ = النسائي (8/ 281) 50 - كتاب الاستعاذة، 59 - باب الاستعاذة من شر ما لم يعمل. 3102 - الترمذي (5/ 575) 49 - كتاب الدعوات، 127 - باب دعاء أم سلمة، ورواه أيضاً الطبراني والحاكم، وابن حبان في صحيحه وحسنه الترمذي وهو كما قال، وحسنه أيضاً الحافظ السخاوي. 3103 - الترمذي (4/ 395) 29 - كتاب الطب، 16 - باب ما جاء في الرقية بالمعودتين وقال: حديث حسن. النسائي (8/ 271) 50 - كتاب الاستعاذة، 37 - باب الاستعاذة من عين الجان. 3104 - أبو داود (2/ 89) كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا خاف قوماً. ابن حبان (7/ 130) باب الخروج وكيفية الجهاد، ذكر ما يستعين المرء به ربه جل وعلا على قتال أعداء الله الكفرة عند التقاء الصفين. وأخرجه الحاكم، وحسنه الحافظ ابن حجر في تخريج الأذكار وصححه غيره. 3105 - الموطأ (2/ 951) 51 - كتاب الشعر، 4 - باب ما يؤمر به من التعوذ. مسلم (4/ 2081) 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 16 - باب في التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء وغيره.

وفي رواية (1) أبي داود قال: "أتي النبي صلى الله عليه وسلم بلديغ لدغته عقرب، فقال: لو قال: أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق، لم يلدغ، ولم تضره". وفي رواية (2) أحمد: قال: "من قال حين يمسي، ثلاث مرات: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم تضره حمة تلك الليلة "قال سهيل: فكان أهلنا يعلمونها، فكانوا يقولونها كل ليلة، فلدغت جارية منهم فلم تجد لها وجعاً. أقول: فسرت الكلمات التامات بأكثر من تفسير، من ذلك أنها فسرت بالكلمات النافعات الشافية. 3106 - * روى الترمذي عن شكل بن حميد (رضي الله عنه) قال: "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، علمني تعوذا أتعوذ به، فأخذ بكفي، وقال قل: اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي، ومن شر بصري، ومن شر لساني، ومن شر قلبي، ومن شر هني"- يعني: الفرج. وفي رواية (3) أبي داود قال: "يا رسول الله، علمني دعاء، فقال ... وذكرالحديث". وأخرج النسائي (4) الروايتين، إلا أنه قال: "منيي" في جميع رواياته، وقال مرة: "يعني ماءه" ومرة: "يعني ذكره". 3107 - * روى البخاري عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ (1) أبو داود (4/ 14) كتاب الطب، 19 - باب كيف الرقي؟ (2) أحمد (2/ 290). 3106 - الترمذي (5/ 523، 524) 49 - كتاب الدعوات، 75 - باب، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. (3) أبو داود (2/ 92) كتاب الصلاة، باب في الاستعاذة. (4) النسائي (8/ 255، 256) 50 - كتاب الاستعاذة، 4 - باب الاستعاذة من شر السمع والبصر، وأيضاً جاء الحديث في (8/ 260) 50 - كتاب الاستعاذة، 11 - الاستعاذة من شر البصر، وهو حديث حسن. (هني- منيي) الهن: من ألفاظ الكنايات، وكثيراً ما يطلق على ما يستحي من التلفظ به، والمراد به: الفرج. ولهذا جاء في إحدى الروايات "منيي" يريد: المني: النطفة. 3107 - البخاري (6/ 408) 60 - كتاب الأنبياء، 10 - باب ... أبو داود (4/ 235) كتاب السنة، باب في الرد على الجهمية. الترمذي (4/ 396) 29 - كتاب الطب، 18 - باب.

كان يعوذ الحسن والحسين، ويقول: "إن أباكما كان يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق: أعوذ بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة". 3108 - * روى مالك عن القعقاع بن حكيم الكناني أن كعب الأحبار قال: "لولا كلمات أقولهن لجعلتني يهود حماراً، فقيل له: وما هن؟ قال: أعوذ بوجه الله العظيم الذي ليس شيء أعظم منه، وبكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، وبأسماء الله الحسنى ما علمت منها وما لم أعلم: من شر ما خلق، وذرأ، وبرأ". 3109 - * روى الطبراني عن ابن عباس قال: إذا أتيت سلطاناً مهيباً تخاف أن يسطو بك فقل: الله أكبر الله أكبر من خلقه جميعاً، الله أعز مما أخاف وأحذر، أعوذ بالله الممسك السموات السبع أن يقعن على الأرض إلا بإذنه من شر عبدك فلان وجنوده وأتباعه وأشياعه من الجن والإنس، إلهي كن لي جاراً من شرهم جل ثناؤك وعز جارك وتبارك اسمك ولا إله غيرك. 3110 - *روى أحمد عن أبي عبد الرحمن الحبلي قال: أخرج إلينا عبد الله بن عمرو قرطاساً وقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا يقول: "اللهم فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت رب كل شيء وإله كل شيء، أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأشهد أن محمداً عبدك ورسولك، والملائكة يشهدون، أعوذ بك من الشيطان وشركه وأعوذ بك أن أقترف على نفسي سوءاً أو أجره على مسلم" قال أبو عبد الرحمن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه عبد الله بن عمرو ويقول

_ (هامة) الهامة: واحدة الهوام، وهي الحيات، وكل ذي سم يقتل فأما ما لا يقتل ويسم فهو السوام، وواحدها: سامة، كالعقرب والزنبور، وقد تقع الهوام على كل ما يدب من الحيوان. (لامة) اللامة: ذات اللمم، ولم يقل: ملمة، وإن كانت من: ألمت تلم طلباً للازدواج بهامة، والعين اللامة: هي التي تصيب بسوء. 3108 - الموطأ (2/ 951، 952) 51 - كتاب الشعر، 4 - باب ما يؤمر به من التعوذ، وهو من كلام كعب الأحبار وله شاهد. 3109 - الطبراني (الكبير) (10/ 314). مجمع الزوائد (10/ 137) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. 3110 - أحمد (1/ 14) وإسناده حسن. الترمذي (5/ 542) 49 - كتاب الدعوات 95 - باب.

ذلك حين يريد أن ينام. 3111 - * روى الطبراني في الأوسط عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو بهؤلاء الكلمات: "اللهم أنت الأول فلا شيء قبلك، وأنت الآخر فلا شيء بعدك، أعوذ بك من شر كل دابة ناصيتها بيدك، وأعوذ بك من الإثم والكسل وعذاب القبر وفتنة الغنى وفتنة القبر، وأعوذ بك من المأثم والمغرم، اللهم نقني من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب هذا ما سأل محمد ربه، اللهم إني أسألك خير الدعاء وخير المسألة وخير النجاح وخير العمل وخير الثواب وخير الحياة وخير الممات وثبتني وثقل موازيني وارفع درجتي وتقبل صلاتي واغفر خطيئتي وأسألك الدرجات العلي من الجنة آمين. اللهم إني أسألك الجنة آمين. اللهم إني أسألك خير ما فعل وخير ما عمل وخير ما بطن وخير ما ظهر والدرجات العلي من الجنة آمين. اللهم إني أسألك أن ترفع ذكري، وتضع وزري، وتصلح أمري، وتطهر قلبي، وتغفر ذنبي، وتحفظ فرجي وتنور قلبي، وتغفر ذنبي وأسألك الدرجات العلي من الجنة آمين اللهم نجني من النار". 3112 - * روى النسائي عن عثمان بن أبي العاص بن أبي طلحة (رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهذه الدعوات: "اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم، والجبن والعجز، ومن فتنة المحيا والممات". 3113 - * روى البخاري عن مصعب بن سعد (رحمه الله) أن سعداً قال لبنيه: "تعوذوا بكلمات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ بهن: "اللهم إني أعوذ بك من الجبن،

_ 3111 - مجمع الزوائد (10/ 175، 176) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن زنبور وعاصم بن عبيد وهما ثقتان. 3112 - النسائي (8/ 269) 50 - كتاب الاستعاذة، 33 - الاستعاذة من الهرم، وإسناده حسن، وله شواهد كثيرة صحيحة. 3113 - البخاري (11/ 174) 80 - كتاب الدعوات، 37 - باب التعوذ من عذاب القبر. البخاري (11/ 178) 80 - كتاب الدعوات، 41 - باب التعوذ من البخل. البخاري (11/ 181) 80 - كتاب الدعوات، 44 - باب الاستعاذة من أرذل العمر.

وأعوذ بك من البخل، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدجال، وأعوذ بك من عذاب القبر". وفي رواية (1): "أنه كان يعلم بنيه هؤلاء الكلمات، كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة، ويقول: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بهن دبر الصلاة- وذكر الخمس- إلا أنه قال: أعوذ بك من فتنة الدنيا" بدل "الدجال". 3114 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "أعوذ بزتك أن تضلني، لا إله إلا أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون". 3115 - * روى النسائي عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم إني أعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي" قال جبير بن أبي سليمان: "هو الخسف" قال عبادة بن مسلم: فلا أدري: قول النبي صلى الله عليه وسلم أو قول جبير؟ 3116 - * روى الطبراني في الصغير عن أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من القسوة والغفلة والعيلة والذلة والمسكنة واعوذ بك من الفسوق والشقاق والنفاق والسمعة والرياء وأعوذ بك من الصمم والبكم والجنون والجذام وسيء الأسقام".

_ = الترمذي (5/ 524، 525) 49 - كتاب الدعوات، 77 - باب. النسائي (8/ 256) 50 - كتاب الاستعاذة، 5 - باب الاستعاذة من الجبن، 6 - الاستعاذة من البخل. (1) النسائي، الموضع السابق. 3114 - البخاري (13/ 368) 97 - كتاب التوحيد، 7 - باب قول الله تعالى (وهو العزيز الحكيم). مسلم (4/ 2086) 48 - كتاب الذكر والدعاء، 18 - باب التعوذ من شر ما عمل. 3115 - النسائي (8/ 282) 50 - كتاب الاستعاذة، 60 - الاستعاذة من الخسف. قال الحافظ في تخريج الأذكار: يعني: هل فسره من قبل نفسه أو رواه، قال الحافظ: وكأن وكيعاً لم يحفظ هذا التفسير فقاله من نفسه. 3116 - الروض الداني (1/ 198، 199). مجمع الزوائد (10/ 143) وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، وقال ابن حجر هو في المستدرك (1/ 530) وقال الهيثمي: في الصحيح بعضه.

3117 - * روى النسائي عن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم والمغرم والمأثم، وأعوذ بك من شر المسيح الدجال، وأعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من عذاب النار". 3118 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، اللهم أعوذ بعزتك، لا إله إلا أنت، أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون". 3119 - * روى مسلم عن أم حبيبة (رضي الله عنها) قالت: "سمعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقول: اللهم أمتعني بزوجي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاوية، فقال: سألت الله لآجال مضروبة، وأيام معدودة، وأرزاق مقسومة، لن يعجل شيئاً منها قبل حله، ولا يؤخر، ولو كنت سألت الله أن يعيذك من عذاب في النار، وعذاب في القبر كان خيراً وأفضل". قال النووي في (شرح مسلم 16/ 213) هذا الحديث صريح في أن الآجال والأرزاق مقدرة لا تتغير عما قدره الله تعالى وعلمه في الأزل فيستحيل زيادتها ونقصها حقيقة عن ذلك ا. هـ. وقال في جواب حديث صلة الرحم تزيد العمر ونحوه (16/ 114): أجاب العلماء بأجوبة: الصحيح منها أن هذه الزيادة بالبركة في عمره والتوفيق للطاعات وعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة وصيانتها عن الضياع في غير ذلك والثاني أنه بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة وفي اللوح المحفوظ ونحو ذلك فيظهر لهم في اللوح أن عمره ستون سنة إلا أن يصل رحمه فإن وصلها زيد له أربعون وقد علم الله سبحانه وتعالى

_ 3117 - النسائي (8/ 269) 50 - كتاب الاستعاذة، 33 - الاستعاذة من الهرم، وإسناده حسن. 3118 - البخاري ومسلم، سبق تخريجه. 3119 - مسلم (4/ 2051) 46 - كتاب القدر، 7 - باب بيان أن الآجال والأرزاق وغيرها لا تزيد ولا تنقص عما سبق به القدر.

ما سيقع له من ذلك وهو من معنى قوله تعالى: (يمحو الله ما يشاء ويثبت) (فبالنسبة) إلى علم الله تعالى وما سبق به قدره (لا نقص) ولا زيادة بل هي مستحيلة وبالنسبة إلى ما ظهر للمخلوقين تتصور الزيادة وهو مراد الحديث، والثالث أن المراد بقاء ذكره الجميل بعده فكأنه لم يمت، حكاه القاضي وهو ضعيف. ا. هـ. النووي. وأجاب عن سؤال: ما الحكمة في نهيها عن الدعاء بالزيادة في الأجل لأنه مفروع منه وندبها إلى الدعاء بالاستعاذة من العذاب مع أنه مفروغ منه؟ قال (16/ 213 - 214): "الجميع مفروغ منه لكن الدعاء بالنجاة من عذاب النار ومن عذاب القبر ونحوهما عبادة وقد أمر الشرع بالعبادات (وقد) قيل أفلا نتكل على كتابنا وما سبق لنا من القدر، فقال صلى الله عليه وسلم "اعملوا فكل ميسر لما خلق له" وأما الدعاء بطول الأجل فليس عبادة وكما لا يحسن ترك الصلاة ونحوها اتكالا على القدر فكذا الدعاء بالنجاة من النار ونحوه ا. هـ. 3120 - * روى الترمذي عن عمران بن حصين (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي: يا حصين: "كم تعبد اليوم إلهاً؟ قال: سبعة: ستة في الأرض، وواحداً في السماء، قال: فأيهم تعد لرهبتك ورغبتك؟ قال: الذي في السماء، قال: يا حصين، أما إنك لو أسلمت علمتك كلمتين تنفعانك، قال: فلما أسلم حصين، جاء فقال: يا رسول الله علمني الكلمتين اللتين وعدتني، قال: قل: اللهم ألهمني رشدي، وأعذني من شر نفسي". 3121 - * روى الترمذي عن (أبي أمامة) دعا النبي صلى الله عليه وسلم بدعاء كثير لم نحفظ منه شيئاً فقلنا يا رسول الله دعوت بدعاء كثير لم نحفظ منه شيئاً، قال: "ألا أدلكم على ما يجمع ذلك كله تقول: اللهم إنا نسألك من خير ما سألك منه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وأنت المستعان وعليك البلاغ ولا حول ولا قوة إلا بالله.

_ 3120 - الترمذي (5/ 519، 520) 49 - كتاب الدعوات، 70 - باب، وهو حديث حسن، حسنه الترمذي وغيره. 3121 - الترمذي (5/ 537، 538) 49 - كتاب الدعوات، 89 - باب، وقال: حسن غريب.

3122 - * روى أحمد عن عائشة (رضي الله عنها) أن النبي صلى الله عليه وسلم علمها هذا الدعاء: "اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم، اللهم إني أسألك من خير ما سألك به عبدك ونبيك وأعوذ بك من شر ما عاذ به عبدك ونبيك، اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، وأسألك أن تجعل كل قضاء قضيته لي خيراً".

_ 3122 - أحمد (6/ 134، 147). ابن ماجه (2/ 1264) 34 - كتاب الدعاء، 4 - باب الجوامع من الدعاء. الحاكم (1/ 522) وصححه، ورواه البخاري في الأدب المفرد، وانظر الفيض 2/ 128.

الباب الخامس في أذكار مطلقة

الباب الخامس في أذكار مطلقة وفيه مقدمة وفصول المقدمة.

مقدمة

مقدمة لكل ذكر من هذه الأذكار المطلقة تأثيره على القلب البشري إن في المعرفة الذوقية لله تعالى، أو في القيام بالعبودية له جل جلاله. فالتسبيح يعمق في القلب تنزيه الله عز وجل، والتنزيه من أرقى ما دعا إليه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقد ندبنا إلى كثرة التسبيح لكثرة ما يطغى على القلب من معاني التشبيه كأثر عن غلبة الحواس على قلب الإنسان. والحمد يعمق في القلب شعور الإنسان بأن كل شيء هو من نعم الله، وقد ندبنا إلى الإكثار من الحمد لكثرة ما يطغى على القلب من شعور بأن هناك منعماً سوى الله عز وجل. والتكبير يعمق في القلب تعظيم الله عز وجل، وقد ندبنا إلى الإكثار منه لكثرة ما يطغى على القلب من شعور بعظمة غير الله عز وجل. والتوحيد أرقى ما بعث به الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقد ندبنا إلى الإكثار منه لكثرة ما يطغى على القلب من أنواع الشرك الظاهر والخفي. وإذا كان من طبيعة النفس البشرية أن تعتد بحولها وقوتها محاولة النزوع إلى منازعة الله ربوبيته، فقد ندبنا إلى الإكثار من الحوقلة لنفر من حولنا وقوتنا إلى حول الله وقوته لنعيد أنفسنا إلى حظيرة المعرفة بالله، وأن كل شيء بعلمه وإرادته وقدرته، ولأن الإنسان كثيراً ما يتطلع إلى غير الله في الشدائد والأزمات فقد ندبنا إلى الإكثار من قول حسبنا الله ونعم الوكيل. ولأن الذنوب الظاهرة والباطنة تخالط الإنسان إلا من عصم ربي فقد ندبنا إلى الإكثار من الاستغفار، ولأن كل رحمة خاصة ونعمة خاصة إنما تصل إلى الإنسان بواسطة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ندبنا إلى الإكثار من الصلاة عليه- عليه الصلاة والسلام- اعترافاً بالجميل وإقراراً بالفضل، وتأكيداً للإيمان به عليه الصلاة والسلام، وبالله الذي أرسله رحمة للعالمين.

وهكذا تجد كل ذكر ندبنا إليه له أثره في القلب تزكية وتنويرا. ولقد دأب بعض الشيوخ أن يطلب من أهل السير إلى الله عز وجل أن يذكروا الله عز وجل بأحد الأذكار المطلقة عشرات المرات ثم ينقلونه إلى غيره حتى يتعمق في قلبه المعنى الذي من أجله شرع هذا الذكر، وهو اجتهاد طيب نسأل الله القبول. وقد دأب العارفون بالله أن يوصوا الراغبين في الوصول إلى النور التام في الدنيا والآخرة أن يكثروا من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأي صيغة تحقق الصلاة والتسليم عليه. وهذا الأمر واسع لا كما يظنه بعض الناس، وإن العارفين بالله يعتبرون كثرة الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تنوب مناب الولي المرشد حال فقده، وذلك لأن عز وجل يصلي على من يصلي على رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن صلى عليه أخرجه من الظلمات إلى النور قال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} (1).

_ (1) الأحزاب: من 43.

الفصل الأول التسبيح والتهليل والتكبير والتحميد والحوقلة

الفصل الأول التسبيح والتهليل والتكبير والتحميد والحوقلة

3123 - * روى أحمد عن (ابن عمرو بن العاص) رفعه: "خصلتان أو خلتان لا يحصيهما رجل إلا دخل الجنة، وهما يسير، ومن يعمل بهما قليل، يسبح الله في دبر كل صلاة عشراً ويحمده عشراً، ويكبره عشراً، فلقد رأيته صلى الله عليه وسلم يعقدها بيده، قال فتلك خمسون ومائة باللسان، وألف وخمسمائة في الميزان، وإذا أخذت مضجعك تسبحه وتحمده وتكبره مائة، فتلك مائة باللسان وألف في الميزان، فأيكم يعمل في اليوم والليلة ألفين وخمسمائة سيئة، قالوا فكيف لا نحصيها؟ قال يأتي أحدكم الشيطان وهو في صلاته فيقول: اذكر كذا اذكر كذا حتى ينفتل، فلعله أن لا يفعل، ويأتيه وهو في مضجعه فلا يزال ينومه حتى ينام". 3124 - * روى أبو داود عن ابن عمرو بن العاص: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح بيمينه. 3125 - * روى أبو داود عن سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) "أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة، وبيدها نوىً- أو حصىً تسبح به وتعد، فقال: أخبرك بما هو أيسر من هذا وأفضل وأبلغ؟ قالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، قال: قولي: سبحان الله عدد ما خلق الله في السماء والأرض وما بينهما، وسبحان الله عدد ما هو خالق، والله أكبر مثل ذلك، والحمد لله مثل ذلك، ولا إله إلا الله مثل ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك".

_ 3123 - أحمد (2/ 205) الترمذي (5/ 478) 49 - كتاب الدعوات، 25 - باب، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. النسائي (3/ 74) 13 - كتاب السهو، 91 - عدد التسبيح بعد التسليم. 3124 - أبو داود (2/ 81) كتاب الصلاة، باب التسبيح بالحصى. الترمذي (5/ 478، 479) 49 - كتاب الدعوات، 25 - باب منه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وقد صحح هذا الحديث الحاكم وغيره. النسائي (3/ 79) 13 - كتاب السهو، 97 - باب عقد التسبيح. 3125 - أبو داود (2/ 80، 81) كتاب الصلاة، باب التسبيح بالحصى. الحاكم (1/ 547، 548).

وفي رواية (1) الترمذي: "سبحان الله عدد ما خلق في السماء، وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض، وسبحان الله عدد ما بين ذلك، وسبحان الله عدد ما هو خالق .. " الحديث، وهو حديث حسن وضعفه بعضهم بغير حجة. وذلك أنه قال: رواه أبو داود والترمذي والحاكم من طريق عمرو بن الحارث أن سعيد بن أبي هلال حدثه عن خزيمة عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص وذكر الحديث ... ثم قال من ضعفه: إن فيه علتين: الأولى أن خزيمة مجهول، الثانية: أن الساجي حكى عن أحمد أن سعيد بن أبي هلال اختلط ثم قال: فأنى للحديث الصحة أو الحسن؟ ونقول: أما خزيمة هنا المجهول فلا ذكر له في السند عند الحاكم راجع الحاكم (1/ 547 - 548) وللحديث بهذه الطريق متابعة عند ابن حبان (موارد الظمآ، 579/ 2330) وصرح البزار برواية سعيد بن أبي هلال عن عائشة وروى لها حديثين كذلك منها هذا الحديث. أما سعيد بن أبي هلال فإنه ثقة أخرج له الجماعة، وثقه جماعة من العلماء انظر التهذيب (4/ 94). ثم للحديث شواهد أخرى منها ما هو عند ابن أبي شيبة في المصنف (2/ 391) وانظر رسالة وصول التهاني بإثبات سنية السبحة. هذا وقد صحح الحديث الحاكم ووافقه الذهبي، وقال صاحب (عون المعبود 1/ 555) عن الحديث: وهذا أصل صحيح لتجويز السبحة بتقريره صلى الله عليه وسلم فإنه في معناها إذ لا فرق بين المنظومة والمنثورة فيما يعد به، ولا يعتد بقول من عدها بدعة ا. هـ. وقال في (نيل الأوطار 2/ 358 - 359) (والحديث يدل على جواز عد التسبيح بالنوى والحصى وكذا بالسبحة لعدم الفارق، لتقريره صلى الله عليه وسلم، وعدم إنكاره، والإرشاد إلى ما هو أفضل لا ينافي الجواز، وقد وردت بذلك آثار- وذكرها- ثم قال: قال السيوطي: ولم ينقل عن أحد من السلف ولا من الخف المنع من جواز عد الذكر بالسبحة بل كان أكثرهم يعدونه بها ولا يرون ذلك مكروهاً انتهى كلام السيوطي. وفي الحديث فائدة: أن الذكر

_ (1) الترمذي (5/ 562، 563) 49 - كتاب الدعوات، 114 - باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وتعوذه دبر كل صلاة.

يتضاعف ويتعدد بعدد ما أحال الذاكر على عدده وإن لم يتكرر الذكر في نفسه ...) ا. هـ. من النيل باختصار. 3126 - * روى الترمذي عن يسيرة وكانت من المهاجرات الأول (رضي الله عنها) قالت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس والتكبير، واعقدن بالأنامل، فإنهن مسؤولات مستنطقات، ولا تغفلن، فتنسين الرحمة". وفي رواية (1) أبي داود: أن النبي صلى الله عليه وسلم "أمرهن أن يراعين بالتكبير والتقديس والتهليل، وأن يعقدن بالأنامل، فإنهن مسؤولات مستنطقات". قال في (عون المعبود 1/ 556): وقد علل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك (أي العقد بالأنامل) بأن الأنامل مسؤولات مستنطقات يعني: أنهن يشهدن بذلك فكان عقدهن بالتسبيح من هذه الحيثية أولى من السبحة والحصى ا. هـ. وقد بين العلماء أن كون هذا أولى لا يعني بدعية ذاك أو منعه بل هناك ما يدل على الجواز كما نقلنا قبل قليل. 3127 - * روى أبو داود عن ابن أبي أوفى (رضي الله عنه) قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئاً، فعلمني ما يجزئني؟ قال: قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال: يا رسول الله، هذا لله، فماذا لي؟ قال: قل: اللهم ارحمني وعافني، واهدني وارزقني، فقال: هكذا بيديه- وقبضهما- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما هذا فقد ملأ يديه من الخير".

_ 3126 - الترمذي (5/ 571) 49 - كتاب الدعوات، 121 - باب في فضل التسبيح والتهليل والتقديس وقال الترمذي: هذا حديث غريب. (1) أبو داود (2/ 81) كتاب الصلاة، باب التسبيح بالحصى، وهو حديث حسن، وقد حسنه النووي، والحافظ ابن حجر، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. 3127 - أبو داود (1/ 220) كتاب الصلاة، باب ما يجزئ الأمي والأعجمي من القراءة وهو حديث حسن. النسائي (2/ 143) 11 - كتاب الافتتاح، 32 - ما يجزئ من القراءة لمن لا يحسن القرآن.

وانتهت رواية النسائي عند قوله: " ... إلا بالله". 3128 - * روى أحمد عن زيد أبي سلام عن مولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بخ بخ لخمس. ما أثقلهن في الميزان: لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله والولد الصالح يتوفى فيحتسبه والده، وقال بخ بخ لخمس من لقي الله مستقياً بهن دخل الجنة. يؤمن بالله واليوم الآخر والجنة والنار والبعث بعد الموت والحساب". 3129 - * روى أحمد عن معاذ بن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قال سبحان الله العظيم نبت له غرس في الجنة". 3130 - * روى مسلم عن أبي ذر الغفاري (رضي الله عنه) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي الكلام أفضل؟ قال: "ما اصطفى الله لملائكته: سبحان الله وبحمده". وفي أخرى (1) قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم "ألا أخبرك بأحب الكلام إلى الله؟ سبحان الله وبحمده". وفي رواية (2) الترمذي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد أبا ذر، وأن أبا ذر عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: بأبي أنت وأمي، أي الكلام أحب إلى الله؟ فقال ... وذكر الحديث. قال النووي (17/ 49 من شرح مسلم): قوله ألا أخبرك بأحب الكلام إلى الله .. هذا محمول على كلام الآدمي وإلا فالقرآن أفضل وكذا قراءة القرآن أفضل من التسبيح والتهليل

_ 3128 - أحمد (3/ 443). مجمع الزوائد (1/ 49) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات. 3129 - أحمد (3/ 440). مجمع الزوائد (10/ 95) وقال الهيثمي: رواه أحمد وإسناده حسن، وصححه الحاكم. 3130 - مسلم (4/ 2093) 48 - كتاب الذكر والدعاء، 22 - باب فضل سبحان الله وبحمده. (1) مسلم (4/ 2093، 2094) الموضع السابق. (2) الترمذي (5/ 576) 49 - كتاب الدعوات، 128 - باب أي الكلام أحب إلى الله وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (اصطفى) الاصطفاء: الاختيار والانتقاء.

المطلق، فأما المأثور في وقت أو حال أو نحو ذلك فالاشتغال به أفضل والله أعلم. 3131 - * روى أحمد عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الكلام سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر". 3132 - * روى الترمذي عن أبي هريرة وأبي سعيد أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قال العبد: لا إله إلا الله والله أكبر، قال يقول الله عز وجل: صدق عبدي. لا إله إلا أنا وأنا أكبر. وإذا قال العبد: لا إله إلا الله وحده. قال: صدق عبدي. لا إله إلا أنا وحدي. وإذا قال: لا إله إلا الله لا شريك له. قال صدق عبدي. لا إله إلا أنا. ولا شريك لي. وإذا قال: لا إله إلا الله، له الملك وله الحمد. قال: صدق عبدي. لا إله إلا أنا. لي الملك ولي الحمد. وإذا قال: لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله. قال صدق عبدي. لا إله إلا أنا، ولا حول ولا قوة إلا بي. قال أبو إسحاق: ثم قال الأغر شيئاً لم أفهمه. قال: فقلت لأبي جعفر: ما قال؟ فقال: من رزقهن عند موته لم تمسه النار. 3133 - * روى الترمذي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على شجرة يابسة الورق فضربها بعصاه فتناثر الورق، فقال: "إن: الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر تساقط ذنوب العبد كما يتساقط ورق هذه الشجرة.

_ 3131 - أحمد (4/ 36). مجمع الزوائد (10/ 88) وقال الهيثمي: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. 3132 - الترمذي (5/ 492) 49 - كتاب الدعوات، 37 - باب ما يقول العبد إذا مرض. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. ابن ماجه (2/ 1246، 1247) 33 - كتاب الأدب، 54 - باب فضل لا إله إلا الله، ولفظ الحديث لابن ماجه. وهذا الحديث صححه ابن حبان والحاكم وغيرهما، ورواه النسائي في سننه أيضاً. 3133 - الترمذي (5/ 544) 49 - كتاب الدعوات، 98 - باب، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، حسنه المنذري وغيره.

3134 - * روى الترمذي عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أفضل الذكر: لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء: الحمد لله". أقول: إنما كانت الحمدلة دعاء لأنها شكر، وبالشكر تدوم النعم وتزيد، فهي بذلك دعاء، قال تعالى (لئن شكرتم لأزيدنكم) وإنما كانت أفضل الدعاء لأنه اجتمع فيها الدعاء ومعرفة حق الله، والثناء عليه. 3135 - * روى الشيخان عن أبي أيوب الأنصاري (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، عشر مرات، كان كمن أعتق أربع أنفس من ولد إسماعيل". 3136 - * روى الترمذي عن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة. وفي رواية (1) عوض الثالثة: "وبنى له بيتاً في الجنة". 3137 - * روى الطبراني عن أم سلمة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له كتب له كذا وكذا حسنة".

_ 3134 - الترمذي (5/ 462) 49 - كتاب الدعاء، 9 - باب ما جاء أن دعوة المسلم مستجابة، وهو حديث حسن. ابن ماجه (2/ 1249) 33 - كتاب الأدب، 55 - باب فضل الحامدين. 3135 - البخاري (11/ 201) 80 - كتاب الدعوات، 64 - باب فضل التهليل. مسلم (4/ 2071) 48 - كتاب الذكر والدعاء، 10 - باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء. الترمذي (5/ 555) 49 - كتاب الدعاء، 104 - باب. 3136 - الترمذي (5/ 491) 49 - كتاب الدعوات، 36 - باب ما يقول إذا دخل السوق، وهو حديث حسن. (1) الترمذي، الموضع السابق ص 492. 3137 - مجمع الزوائد (10/ 85) وقال الهيثمي: رواه الطبراني، وإسناده حسن.

3138 - * روى أحمد عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من منح منيحة ورق أو منيحة لبن أو هدى رقاقاً فهو كعتق نسمة ومن قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير فهو كعتق نسمة"، وفي رواية "ومن قال لا إله إلا الله وحده لاش ريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات، كان له كعتق رقبة أو نسمة". 3139 - * روى أحمد عن أبي موسى قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ومعي نفر من قومي فقال: "أبشروا وبشروا من وراءكم أنه من شهد أنه لا إله إلا الله صادقاً بها دخل الجنة" فخرجنا من عند النبي صلى الله عليه وسلم نبشر الناس فاستقبلنا عمر بن الخطاب فرجع بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إذاً يتكل الناس فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم. 3140 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "لا إله إلا الله وحده، أعز جنده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، فلا شيء بعده". 3141 - * روى الترمذي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما قال عبد: لا إله إلا الله، مخلصاً من قلبه، إلا فتحت له أبواب السماء، حتى يفضي إلى العرش ما اجتنب الكبائر".

_ 3138 - أحمد (4/ 304). مجمع الزوائد (10/ 85) وقال الهيثمي: رواه الترمذي باختصار التهليل وثوابه، رواهما أحمد ورجالهما رجال الصحيح. 3139 - أحمد (4/ 402) مجمع الزوائد (10/ 83، 84) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني ورجاله ثقات. وللحديث ألفاظ متقاربة عند مسلم وابن حبان والبزار. 3140 - البخاري (7/ 406) 64 - كتاب المغازي، 29 - باب غزوة الخندق وهي الأحزاب. مسلم (4/ 2089) 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 18 - باب التعوذ من شر ما عمل، ومن شر ما لم يعمل. 3141 - الترمذي (5/ 575) 49 - كتاب الدعوات، 127 - باب دعاء أم سلمة، وقال الترمذي: حديث حسن غريب، وحسنه غيره أيضاً. (الكبائر): جمع كبيرة، وهي الفعلة القبيحة من الذنوب المنهي عنها شرعاً، لعظيم أمرها، كالزنا والقتل والفرار من الزحف والعقوق، وغير ذلك من الذنوب.

3142 - * روى مالك عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك، حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه، قال: ومن قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة، حطت خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر". 3143 - * روى الطبراني عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كانت له كعدل محرر أو محررين". 3144 - * روى الطبراني في الصغير والأوسط عن أنس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: ما تركت حاجة ولا داجة إلا أتيت، قال: "أليس تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ثلاث مرات قال نعم قال: ذاك يأتي على ذاك". 3145 - * روى أحمد عن سالم بن أبي الجعد أن أبا أمامة حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه

_ 3142 - الموطأ (1/ 209) 15 - كتاب القرآن، 7 - باب ما جاء في ذكر الله تبارك وتعالى. البخاري (11/ 201) 80 - كتاب الدعوات، 64 - باب فضل التهليل، وانظر الحديث رقم 3293، 6405. مسلم (4/ 2071) 48 - كتاب الذكر والدعاء ... إلخ، 10 - باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء. الترمذي (5/ 512) 49 - كتاب الدعوات، 60 - باب، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. 3143 - مجمع الزوائد (10/ 84) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. 3144 - الروض الداني (2/ 201). كشف الأستار (4/ 7) باب فضل لا إله إلا الله. مجمع الزوائد (10/ 83) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلي، والبزار بنحوه، والطبراني في الصغير والأوسط، ورجالهم ثقات. (داجة): الحاجة الكبيرة، والمعنى: ما تركت شيئاً دعتني نفسي من المعاصي إلا ركبته. 3145 - أحمد (5/ 249). مجمع الزوائد (10/ 93) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، وهذا الحديث صححه ابن حبان والحاكم.

قال: "الحمد لله عدد ما خلق والحمد لله ملء ما خلق والحمد لله عدد ما في السموات والأرض والحمد لله ملء ما في السموات والأرض والحمد لله عدد ما أحصى كتابه والحمد لله عدد كل شيء والحمد لله ملء كل شيء وسبحان الله مثلها (فأعظم ذلك) ". قوله: (مثلها) أي مثل ما قال في قوله الحمد لله عدد ما خلق والحمد لله ملء ما خلق أي سبحان الله عدد ما خلق وسبحان الله ملء ما خلق إلى آخر الحديث. 3146 - * روى ابن خزيمة عن أبي أمامة الباهلي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به وهو يحرك شفتيه، فقال: "ماذا تقول يا أبا أمامة؟ ". قال: أذكر ربي. قال: "أفلا أخبرك بأكثر- أو أفضل- من ذكرك الليل مع النهار والنهار مع الليل؟ أن تقول: سبحان الله عدد ما خلق وسبحان الله ملء ما خلق، وسبحان الله عدد ما في الأرض والسماء، وسبحان الله ملء ما في الأرض والسماء، وسبحان الله عدد ما أحصى كتابه، وسبحان الله عدد كل شيء وسبحان الله ملء كل شيء وتقول الحمد مثل ذلك". 3147 - * روى الطبراني عن أبي أمامة الباهلي قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جالس أحرك شفتي فقال بم تحرك شفتك قلت: أذكر الله يا رسول الله. قال: أفلا أخبرك بشيء إذا قلته، ثم دأبت الليل والنهار لم تبلغه قلت: بلى قال: تقول الحمد لله عدد ما أحصى كتابه والحمد لله عدد ما في كتابه والحمد لله عدد ما أحصي خلقه والحمد لله ملء ما في خلقه الحمد لله ملء سمواته وأرضه والحمد لله عدد كل شيء والحمد لله على كل شيء وتسبح مثل ذلك وتكبر مثل ذلك. 3148 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

_ 3146 - ابن خزيمة (1/ 371) 240 - باب فضل التحميد والتسبيح والتكبير، وإسناده حسن. 3147 - مجمع الزوائد (10/ 93) وقال الهيثمي: رواه الطبراني من طريقين وإسناد أحدهما حسن. 3148 - البخاري (11/ 206) 80 - كتاب الدعوات، 65 - باب فضل التسبيح. مسلم (4/ 2072) 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 10 - باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء. الترمذي (5/ 512) 49 - كتاب الدعوات، 60 - باب.

"كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم". 3149 - * روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: علمني كلاماً أقوله. قال: "قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله رب العالمين، لا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم، قال: فهؤلاء لربي فما لي؟ قال: قل: اللهم اغفر لي وارحمني، واهدني وارزقني، فإن هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك". وفي رواية (1) زيادة في آخره "وعافني" وشك الراوي فيها. 3150 - * روى البزار عن سعد بن أبي وقاص أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "علمني كلاماً أقوله فقال: "قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له والله أكبر كبيراً وسبحان الله رب العالمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم". 3151 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما على الأرض أحد يقول لا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، إلا كفرت عنه خطاياه، ولو كانت مثل زبد البحر".

_ 3149 - مسلم (4/ 2072) 48 - كتاب الذكر والدعاء، 10 - باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء. (1) مسلم ص 2073 الموضع السابق. (الحولقة): لفظة مبنية من قول: "لا حول ولا قوة إلا بالله"، كالبسملة من "بسم الله" والحمدله، من "الحمد لله". هكذا رأيت الجوهري قد ذكرها في كتاب "الصحاح" بتقديم اللام على القاف، وجاء بها في فصل الحاء من باب القاف، وغيره يقول: الحوقلة بتقديم القاف على اللام، فعلى الأول يكون التركيب من "لا حول ولا قوة". وعلى الثاني من "لا حول ولا قوة إلا بالله" والمعني بهذا اللفظ: إظهار الفقر إلى الله تعالى بطلب المعونة على ما يزاوله من الأمور، وهو حقيقة العبودية، والحول: الحيلة، وقيل: القوة، وقيل: المعنى: لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله، ولا قوة على طاعة الله إلا بمعونة الله، وهذا التفسير الآخر يروى عن ابن مسعود، كذا قاله الخطابي. 3150 - كشف الأستار (4/ 12) باب في التسبيح والتحميد. مجمع الزوائد (10/ 91) وقال الهيثمي: قلت: هو في الصحيح خلا قوله: "العلي العظيم" رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. 3151 - الترمذي (5/ 509) 49 - كتاب الدعوات، 58 - باب ما جاء في فضل التسبيح والتكبير، وقال: حديث حسن غريب، وهو كما قال، ورواه أيضاً أحمد وابن أبي الدنيا والحاكم وغيرهم.

3152 - * روى الترمذي عن قيس بن سعد بن عبادة (رضي الله عنهما) أن أباه دفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخدمه، قال: فمر بي النبي صلى الله عليه وسلم وقد صليت، فضربني برجله، وقال: "ألا أدلك على باب من أبواب الجنة؟ قلت: بلى، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله". 3153 - * روى الترمذي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكثروا من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها من كنز الجنة". قال مكحول: "فمن قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ولا منجا من الله إلا إليه، كشف الله عنه سبعين باباً من الضر، أدناها الفقر". 3154 - * روى أحمد عن الحارث مولى عثمان قال جلس عثمان يوماً وجلسنا معه فجاء المؤذن (قال الهيثمي): فذكر الحديث في تكفير الصلاة المفروضة للذنوب وقال: وهن الحسنات يذهبن السيئات، قالوا هذه الحسنات فما الباقيات يا عثمان؟ قال لا إله إلا الله وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله. 3155 - * روى الطبراني في الصغير عن أبي هريرة قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال خذوا جنتكم قلنا يا رسول الله من عدو حضر؟ فقال: "خذوا جنتكم من النار قولوا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله فإنهن يأتين يوم القيامة مقدمات ومنجيات ومجنبات وهن الباقيات الصالحات".

_ 3152 - الترمذي (5/ 571) 49 - كتاب الدعوات، 120 - باب في فضل لا حول ولا قوة إلا بالله، وهو حديث حسن، ورواه أيضاً أحمد والحاكم وغيرهما. 3153 - الترمذي (5/ 580) 49 - كتاب الدعوات، 131 - باب فضل لا حول ولا قوة إلا بالله، وقال الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب: ورواه النسائي والبزار مطولاً ورفعا "ولا ملجأ من الله إلا إليه" ورواتهما ثقات محتج بهم، ورواه الحاكم وقال: صحيح، ولا علة له، وللحديث شواهد بمعناه يرتقي بها إلى درجة الحسن. 3154 - مجمع الزوائد (10/ 89) وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار ورجاله رجال الصحيح غير الحارث بن عبد مولى عثمان وهو ثقة. 3155 - الروض الداني (1/ 249). مجمع الزوائد (10/ 89) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الصغير والأوسط ورجاله في الصغير رجال الصحيح غير داود بن بلال وهو ثقة. الحاكم (1/ 541) على شرط مسلم وصححه ووافقه الذهبي.

3156 - * روى الطبراني في الأوسط عن سفينة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بخ بخ لخمس ما أثقلهن في الميزان سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وفرط صالح يفرط للرجل. 3157 - * روى الطبراني عن أبي سلمى راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بخ بخ لخمس ما أثقلهن في الميزان لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله وبحمده والولد الصالح يتوفى للمرء المسلم فيحتسبه". 3158 - * روى أحمد عن سمرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الكلام بعد القرآن أربع لا يضرك بأيتهن بدأت: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر". 3159 - * روى الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر غرس له بكل واحدة منهن شجرة في الجنة". 3160 - * روى الطبراني في الكبير والأوسط عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا اله والله أكبر كتبت له بكل حرف عشر حسنات، ومن أعان على خصومة باطل لم يزل في سخط الله حتى ينزع ومن حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في أمره، ومن

_ 3156 - مجمع الزوائد (10/ 88، 89) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. (فرط يفرط) أي يتقدم على أبيه في الوفاة ومنه الحديث: اللهم اجعله لنا فرطاً أي أجراً يتقدمنا. 3157 - مجمع الزوائد (10/ 88) وقال الهيثمي: رواه الطبراني من طريقين ورجال أحدهما ثقات. 3158 - أحمد (5/ 20). مجمع الزوائد (10/ 88) وقال الهيثمي: هو في الصحيح غير قوله (بعد القرآن) (وهن من القرآن) رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. 3159 - مجمع الزوائد (10/ 91) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله موثقون. 3160 - الطبراني (الكبير) (12/ 388). مجمع الزوائد (10/ 91) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجالهما رجال الصحيح غير محمد بن منصور الطوسي وهو ثقة.

بهت مؤمناً أو مؤمنة حبسه الله في ردغة الخبال يوم القيامة حتى يخرج مما قال وليس بخارج". 3161 - * روى الطبراني عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فسلوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم". 3162 - * روى أحمد عن عبد الله بن سلام قال بينا نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سمع القوم وهم يقولون أي الأعمال أفضل يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إيمان بالله ورسوله وجهاد في سبيل الله وحج مبرور" ثم سمع نداء في الوادي يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم: "وأنا أشهد وأشهد، لا يشهد بها أحد إلا برئ من الشرك". 3163 - * روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) قال: "كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة؟ فسأله سائل من جلسائه: كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟ قال: "يسبح مائة تسبيحة، فيكتب له ألف حسنة، أو يحط عنه ألف خطيئة". 3164 - * روى الشيخان عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول قبل موته: سبحان الله وبحمده، أستغفره وأتوب إليه، قالت: فقلت: يا رسول الله، أراك تكثر من قول: سبحان الله وبحمده؟ فقال: "أخبرني ربي أني سأرى علامة في أمتي، فإذا رأيتها أكثرت من قول: سبحان الله وبحمده،

_ = (ردغة) ورد تفسيرها في الحديث: أنها عصارة أهل النار، والردغة بسكون الدال وفتحها: طين ووحل كثير. 3161 - مجمع الزوائد (1/ 52) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن وهذا الحديث صححه الحاكم وآخرون. 3162 - أحمد (5/ 451). مجمع الزوائد (5/ 278) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الأوسط ورجالهما ثقات. 3163 - مسلم (4/ 2073) 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 10 - باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء. 3164 - البخاري (8/ 733) 65 - كتاب التفسير، 110 - سورة (إذا جاء نصر الله) 1 - باب. مسلم (1/ 351) 4 - كتاب الصلاة، 42 - باب ما يقال في الركوع والسجود.

أستغفر الله وأتوب إليه، فقد رأيتها: (إذا جاء نصر الله والفتح). السورة إلى آخرها". 3165 - * روى مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر: أحب إلي مما طلعت عليه الشمس". 3166 - * روى أحمد عن أبي سعيد وأبي هريرة (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى اصطفى من الكلام أربعاً: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. فمن قال: سبحان الله كتبت له عشرون حسنة، وحطت عنه عشرون سيئة، ومن قال: الله أكبر، مثل ذلك، ومن قال: لا إله إلا الله مثل ذلك ومن قال: الحمد لله رب العالمين من قبل نفسه كتبت له ثلاثون حسنة وحط عنه ثلاثون خطيئة". 3167 - * روى مسلم عن أبي مالك الأشعري (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السموات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء". 3168 - * روى النسائي عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) قال: "رأى رجل من الأنصار- فيما يرى النائم- قائلاً يقول له: بأي شيء أمركم نبيكم؟ قال: أمرنا أن نسبح ثلاثاً وثلاثين، ونحمد ثلاثاً وثلاثين، ونكبر أربعاً وثلاثين، فذلك مائة، قال: فسبحوا

_ 3165 - مسلم (4/ 2072) 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 10 - باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء. الترمذي (5/ 578) 49 - كتاب الدعوات، 129 - باب في العفو والعافية. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. 3166 - أحمد (2/ 302، 310) وكذلك (3/ 35، 37). كشف الأستار (4/ 10) باب في التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير. مجمع الزوائد (10/ 87) وقال الهيثمي: رواه أحمد والبزار بألفاظ متقاربة ورجالهما رجال الصحيح. 3167 - مسلم (1/ 203) كتاب الطهارة، 1 - باب فضل الوضوء. الترمذي (5/ 535، 536) 49 - كتاب الدعوات، 86 - باب، وقال: حديث حسن. النسائي (5/ 5، 6) 23 - كتاب الزكاة، 1 - باب وجوب الزكاة. 3168 - النسائي (3/ 76) 13 - كتاب السهو، 93 - نوع آخر من التسبيح. وإسناده حسن.

خمساً وعشرين، واحمدوا خمساً وعشرين، وكبروا خمساً وعشرين، وقولوا: لا إله إلا الله خمساً وعشرين، فتلك مائة، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: افعلوا ما قال أخوكم الأنصاري". 3169 - *روى مسلم عن جويرية- زوج النبي صلى الله عليه وسلم (رضي الله عنها) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة، حين صلى الصبح وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة، فقال: "ما زلت على الحالة التي فارقتك عليها؟ قالت: نعم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد قلت بعدك أربع كلمات، ثلاث مرات، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضى نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته". وفي رواية (1) قالت: "مر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى الغداة- أو بعد ما صلى- فذكر نحوه" غير أنه قال: "سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله رضى نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله مداد كلماته". وفي رواية الترمذي (2) والنسائي (3): "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بها وهي في مسجدها، ثم مر النبي صلى لله عليه وسلم بها قريباً من نصف النهار، فقال لها: ما زلت على حالك؟ فقالت: نعم، فقال: ألا أعلمك كلمات تقولينها؟ سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله رضى نفسه، سبحان الله رضى نفسه، سبحان الله رضى نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله مداد كلماته، سبحان الله مداد كلماته، سبحان الله مداد كلماته".

_ 3169 - مسلم (4/ 2090) 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة، 19 - باب التسبيح أول النهار وعند النوم. (1) مسلم، الموضع السابق ص 2091. (2) الترمذي (5/ 556) 49 - كتاب الدعوات، 104 - باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم. (3) النسائي (3/ 77) 13 - كتب السهو، 94 - نوع آخر من عدد التسبيح. (زنة عرشه): أي: بوزن عرشه في عظم قدره. (مداد كلماته): أي: مثلها وعددها، وقيل: المداد: مصدر كالمدد، وكلمات الله تعالى لا انتهاء لها، وإنما ضرب بها المثل ليدل على الكثرة.

وفي رواية (1) أبي داود قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند جويرية- وكان اسمها برة، فحول اسمها- فخرج وهي في مصلاها، ورجع وهي في مصلاها، فقال: لم تزالي في مصلاك هذا؟ قالت: نعم، فقال ... " وذكر الحديث مثل مسلم. 3170 - *روى أحمد عن أبي هريرة قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله في نخل لبعض أهل المدينة، فقال: "يا أبا هريرة هلك المكثرون إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا- ثلاث مرات حثا بكفيه عن يمينه وعن يساره ثلاث مرات وبين يديه- وقليل ما هم ثم مشى ساعة. فقال: يا أبا هريرة: هل أدلك على كنز من كنوز الجنة قلت بلى يا رسول الله، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله ولا ملجأ من الله إلا إليه ثم مشى ساعة ثم قال: هل تدري ما حق الله عز وجل على الناس؟ وما حق الناس على الله؟ قلت الله ورسوله أعلم قال: فإن حق الله على الناس أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، فإذا فعلوا ذلك فحقاً على الله أن لا يعذبهم". 3171 - * روى الطبراني في الكبير والأوسط عن عبد الله بن سعد بن أبي وقاص قال: قال لي أبو أيوب الأنصاري ألا أعلمك كلمة علمنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: بلى يا عم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزل علي قال: "ألا أعلمك يا أبا أيوب كلمة من كنز الجنة" قلت بلى يا رسول الله بأبي أنت وأمي قال: "أكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله". 3172 - * روى أحمد عن أبي أيوب الأنصاري: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به مر

_ (1) أبو داود (2/ 81) كتاب الصلاة، باب التسبيح بالحصى. 3170 - أحمد (2/ 525). الترمذي (5/ 580) 49 - كتاب الدعوات، 131 - باب فضل لا حول ولا قوة إلا بالله. مجمع الزوائد (1/ 50) وقال الهيثمي: رواه أحمد، وروى الترمذي منه حديث لا حول ولا قوة إلا بالله وله عند ابن ماجه الأكثرون هم الأقلون، ورجاله ثقات أثبات. 3171 - مجمع الزوائد (10/ 97، 98) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط بإسنادين ورجال أحدهما ثقات. 3172 - أحمد (5/ 418). مجمع الزوائد (10/ 97) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني إلا أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليلة أسري بي مررت بإبراهيم صلى الله عليه وسلم فقال يا جبريل من هذا معك فقال: محمد فسلم علي ورحب بي وقال مر أمتك، والباقي =

على إبراهيم عليه السلام، فقال: من معك يا جبريل، قال: هذا محمد صلى الله عليه وسلم: قال له إبراهيم عليه السلام: مر أمتك فليكثروا من غراس الجنة فإن ترتبها طيبة وأرضها واسعة، قال: وما غراس الجنة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله". 3173 - * روى الطبراني في الكبير والأوسط عن سعد بن أبي وقاص قال: مررت بعثمان بن عفان في المسجد فسلمت عليه فملأ عينيه مني ثم لم يرد علي السلام، فأتيت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فقلت له يا أمير المؤمنين: هل حدث في الإسلام شيء مرتين؟ قال: وما ذاك؟ قلت: لا إلا مررت بعثمان آنفاً في المسجد فسلمت عليه فملأ عينيه مني ثم لم يرد علي السلام. قال: فأرسل عمر إلى عثمان فدعاه فقال: ما منعك ألا تكون رددت على أخيك السلام قال عثمان ما فعلت: قال: قلت بلى حتى حلف وحلفت، قال: ثم إن عثمان ذكر فقال: بلى وأستغفر الله وأتوب إليه إنك مررت بي آنفاً وإني أحدث نفسي بكلمة لم يسأل الله شيئاً إلا أعطاه: لا إله إلا الله والله أكبر لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله. أقول: هذا الاستغراق عند عثمان رضي الله عنه أصل لما يحدث عند بعض أهل الذكر من استغراق في معنى من المعاني فلا يحسون بما يجري حولهم، وقد يتجاوز ببعضهم الحال إلى حد الاصطلام!!!

_ = بنحوه، ورجال أحمد رجال الصحيح غير عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وهو ثقة لم يتكلم فيه أحد ووثقه ابن حبان. 3173 - مجمع الزوائد (10/ 158، 159) وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وإسناده حسن.

الفصل الثاني في الاستغفار

الفصل الثاني في الاستغفار

3174 - * روى مسلم عن الأغر المزني (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله صلى الله يقول: "إنه ليغان على قلبي، حتى أستغفر الله في اليوم مائة مرة". وفي رواية (1) قال: سمعته يقول: "توبوا إلى ربكم، فوالله إني لأتوب إلى ربي تبارك وتعالى مائة مرة في اليوم". وفي رواية (2) أبي داود: "إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في كل يوم مائة مرة". أقول: فالغين في حقه عليه الصلاة والسلام غير الغين في حقنا، فغينه غين أنوار، والغين في حقنا غين أكدار وأغيار. وهناك اتجاهات متعددة لخصها النووي رحمه الله في شرح المراد بهذا الغين وها نحن ننقل لك كلامه (شرحه على مسلم 17/ 23 - 24): قال القاضي قيل المراد الفترات والغفلات عن الذكر الذي كان شأنه الدوام عليه فإذا فتر عنه أو غفل عد ذلك ذنباً واستغفر منه قال وقيل هو همه بسبب أمته وما أطلع عليه من أحوالها بعده فيستغفر لهم وقيل سببه اشتغاله بالنظر في مصالح أمته وأمورهم ومحاربة العدو ومداراته وتأليف المؤلفة ونحو ذلك فيشتغل بذلك من عظيم مقامه فيراه ذنباً بالنسبة إلى عظيم منزلته وإن كانت هذه الأمور من أعظم الطاعات وأفضل الأعمال فهي نزول عن عالي درجته ورفيع مقامه من حضوره مع الله تعالى ومشاهدته ومراقبته وفراغه مما سواه فيستغفر لذلك وقيل يحتمل أن هذا الغين هو السكينة التي تغشى قلبه لقوله تعالى (فأنزل السكينة عليهم) ويكون استغفاره إظهاراً للعبودية والافتقار وملازمة الخشوع وشكراً لما أولاه وقد قال المحاشي: خوف الأنبياء والملائكة خوف

_ 3174 - مسلم (4/ 2075) 48 - كتاب الذكر والدعاء، 12 - باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه. (1) مسلم ص 2076. (2) أبو داود (2/ 85) كتاب الصلاة، باب في الاستغفار. (ليغان على قلبي) أي: ليغطى ويغشى، والمراد به: السهو، لأنه كان صلى الله عليه وسلم لا يزال في مزيد من الذكرب والقربة ودوام المراقبة، فإذا سها عن شيء منها في بعض الأوقات، أو نسي، عده ذنباً على نفسه ففزع إلى الاستغفار. ابن الأثير.

إعظام وإن كانوا آمنين عذاب الله تعالى، وقيل يحتمل أن هذا الغين حال خشية وإعظام يغشى القلب ويكون استغفاره شكراً كما سبق وقيل هو شيء يعتري القلوب الصافية مما تحدث به النفس [فشوشها] والله أعلم. 3175 - * روى الطبراني في الأوسط عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة" وفي رواية "إني لأتوب" مكان "إني لأستغفر". 3176 - * روى البخاري عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم سبعين مرة" وفي رواية: "أكثر من سبعين مرة". 3177 - * روى الترمذي عن أبي هريرة (واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات) (1) فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة" وقال الترمذي: وروي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إني أستغفر الله في اليوم مائة مرة". 3178 - * روى الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إني لأستغفر الله وأتوب إليه سبعين مرة" وفي رواية، "أكثر من سبعين مرة"، وفي رواية "مائة مرة". 3179 - * روى الطبراني عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة".

_ 3175 - مجمع الزوائد (10/ 208) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط كله وروى معه "إني لأتوب" أبو يعلى والبزار وإسناد "إني لأستغفر" حسن، وأحد إسنادي أبي يعلى في حديث "إني لأتوب إلى الله" رجاله رجال الصحيح. 3176 - البخاري (11/ 101) 80 - كتاب الدعوات، 3 - باب استغفار النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم والليلة. 3177 - الترمذي (5/ 383) 48 - كتاب تفسير القرآن 48 - باب ومن سورة محمد صلى الله عليه وسلم. (1) محمد: 19. 3178 - مجمع الزوائد (10/ 208) وقال الهيثمي: رواها كلها الطبراني في الأوسط وأسانيدها حسنة. 3179 - مجمع الزوائد (10/ 209) وقال الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين ورجال أحدهما رجال الصحيح.

3180 - * روى البخاري عن شداد بن أوس (رضي الله عنه): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سيد الاستغفار: أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء لك بذنبي، فاغفر لي ذنوبي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. من قالها من النهار موقناً بها، فمات من يومه قبل أن يمسي، فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها، فمات قبل أن يصبح، فهو من أهل الجنة". وأخرجه الترمذي، وأول حديثه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له "ألا أدلك على سيد الاستغفار؟ ... وذكر الحديث، وفي آخره: لا يقولها أحدكم حين يمسي، فيأتي عليه قدر قبل أن يصبح إلا وجبت له الجنة، ولا يقولها حين يصبح، فيأتي عليه قدر قبل أن يمسي إلا وجبت له الجنة". 3181 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجاً، ومن كل هم فرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب". قال محقق الجامع وقد صحح إسناده العلامة أحمد شاكر في تعليقه على المسند ا. هـ

_ 3180 - البخاري (11/ 98، 99) 80 - كتاب الدعوات، 2 - باب أفضل الاستغفار. الترمذي (5/ 467، 468) 49 - كتاب الدعوات، 15 - باب منه. النسائي (8/ 279) 50 - كتاب الاستعاذة، 57 - الاستعاذة من شر ما صنع وذكر الاختلاف على عبد الله بن بريدة فيه. (وأنا على عهدك وودك ما استطعت) معنى قوله: وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت: أنا مقيم على ما عاهدتك عليه من الإيمان بك، والإقرار بوحدانيتك، لا أزول عنه ما استطعت، وإنما استثنى بقوله: "ما استطعت" موضع القدر السابق في أمره يقول: إن كان قد جرى القضاء السابق في أمري أن أنقض العهد يوماً ما، فإني أخلد عند ذلك إلى التنصل والاعتذار، لعدم الاستطاعة في دفع ما قضيته علي، وقيل: معناه: إني متمسك بما عهدته إلي من أمرك ونهيك، ومبلى العذر في الوفاء قدر الوسع والاستطاعة، وإن كنت لا أقدر أن أبلغ كنه الواجب من حقك. 3181 - أبو داود (2/ 85) كتاب الصلاة، باب في الاستغفار.

لكن ضعفه بعضهم: ففيه الحاكم بن مصعب جهله الذهبي في المغني وابن حجر في التقريب، لكن قال عنه الذهبي في الكاشف صويلح ووثقه ابن حبان ثم ضعفه في الضعفاء له، فلعل للشيخ أحمد شاكر في تصحيحه له ملحظاً. 3182 - * روى أبو داود عن بلال بن يسار بن زيد (رضي الله عنه) مولى النبي صلى الله عليه وسلم- كذا عند الترمذي - وعند أبي داود: هلال بن يسار قال: حدثني أبي عن جدي: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفر له وإن كان فر من الزحف". 3183 - * روى الترمذي عن علي قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا أعلمك كلمات الله إذا قلتهن غفر الله لك، وإن كنت مغفوراً لك، قل: لا إله إلا الله العلي العظيم، لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله رب العرش العظيم". 3184 - * روى الترمذي عن أسماء بن الحكم الفزاري (رحمه الله) قال: سمت علياً يقول: كنت إذا سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعني الله بما شاء أن ينفعني منه، وإذا حدثني رجل استحلفته، فإذا حلف لي صدقته، وإنه حدثني أبو بكر- وصدق أبو بكر- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من رجل يذنب ذنباً، ثم يقوم فيتطهر ويصلي، ثم يستغفر الله إلا غفر له ثم قرأ: (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم، ومن يغفر الذنوب إلا الله) (1). وفي رواية (2) أبي داود: "فيتطهر فيحسن الطهور، ثم يقوم فيصلي ركعتين فيستغفر الله .. الحديث".

_ 3182 - أبو داود (2/ 85) كتاب الصلاة، باب في الاستغفار. وقال الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب: وإسناده جيد متصل. الترمذي (5/ 569) 49 - كتاب الدعوات، 118 - باب في دعاء الضيف. (الزحف): لقاء العدو في الحرب. 3183 - الترمذي (5/ 529) 49 - كتاب الدعوات، 81 - باب، وصححه الحاكم والحافظ ابن حجر وآخرون. 3184 - الترمذي (2/ 257، 258) أبواب الصلاة، 298 - باب ما جاء في الصلاة عند التوبة. (1) آل عمران. (2) أبو داود (2/ 86) كتاب الصلاة، باب في الاستغفار، وإسناده حسن، وقد حسنه غير واحد.

3185 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) قال: "كان يعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد- قبل أن يقوم- مائة مرة رب اغفر لي وتب علي، إنك أنت التواب الغفور". وعند أبي داود "التواب الرحيم". 3186 - * روى الطبراني عن عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة". 3187 - * روى أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول: يارب أنى لي هذه؟ فيقول: باستغفار ولدك لك". 3188 - * روى أحمد عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن إبليس قال لربه عز وجل وعزتك وجلالك لا أبرح أغوي بني آدم ما دامت الأرواح فيهم، فقال ربه فبعزتي وجلالي لا أبرح أغفر لهم ما استغفروني". 3189 - * روى الطبراني عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن صاحب الشمال ليرفع القلم ست ساعات عن العبد المسلم المخطئ أو المسيء فإن ندم واستغفر منها ألقاها وإلا كتبت واحدة". 3190 - * روى الطبراني في الأوسط عن الزبير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أحب أن تسره صحيفته فليكثر فيها من الاستغفار".

_ 3185 - الترمذي (5/ 495) 49 - كتاب الدعوات، 39 - باب ما يقول إذا قام من المجلس. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. أبو داود (2/ 85) كتاب الصلاة، باب في الاستغفار، وإسناده صحيح. 3186 - مجمع الزوائد (10/ 210) وقال الهيثمي: رواه الطبراني وإسناده جيد. 3187 - أحمد (2/ 509). مجمع الزوائد (10/ 210) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الأوسط ورجالهما رجال الصحيح غير عاصم بن بهدلة وقد وثق. 3188 - أحمد (3/ 29، 41). مجمع الزوائد (10/ 207) وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى بنحوه وقال "لا أبرح أغوي عبادك" والطبراني في الأوسط وأحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح وكذلك أحد إسنادي أبي يعلي. 3189 - مجمع الزوائد (10/ 207) وقال الهيثمي: رواه الطبراني بأسانيد ورجال أحدها وثقوا، وحسنه آخرون. 3190 - مجمع الزوائد (10/ 208) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات. وحسنه آخرون.

الفصل الثالث في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

الفصل الثالث في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

3191 - *روى مسلم عن أبي مسعود البدري (رضي الله عنه) قال: "أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن في مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير بن سعد: أمرنا الله أن نصلي عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حمد مجيد، والسلام كما قد علمتم". وفي رواية الموطأ (1) والترمذي (2) وأبي داود (3) والنسائي (4): "قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم". ولأبي داود أخرى (5) قال: "قولوا: اللهم صلى على محمد النبي الأمي، وعلى آل محمد". أقول: إن الأمر بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحقق القيام به بأي صيغة فيها دعاء لله عز وجل أن يصلي على رسوله صلى الله عليه وسلم، والسنة أن تختم الصلاة بصيغة الصلوات الإبراهيمية، ولا شك أن لهذه الصيغة فضلها في الصلاة وفي خارجها، ولكن لا تتعين كطريق وحيد للصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بدليل أنه وردت في السنة صيغ أخرى، وأن النص القرآني

_ 3191 - مسلم (1/ 305) 4 - كتاب الصلاة، 17 - باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد. (1) الموطأ (1/ 166) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 22 - باب ما جاء في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. (2) الترمذي (5/ 359) 48 - كتاب تفسير القرآن، 34 - باب ومن سورة الأحزاب. (3) أبو داود (1/ 257، 258) كتاب الصلاة، 182 - باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد، وليس عند أبي داود "والسلام كما قد علمتم". (4) النسائي (3/ 45) 13 - كتاب السهو، 49 - باب الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. (باركت) البركة: الثبات والزيادة في الشيء. (5) أبو داود (1/ 258) نفس الموضع السابق.

أطلق، فلو قال قائل: اللهم صل على محمد وسلم يكون قد حقق الأمر القرآني: (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً) 3192 - * روى البخاري عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال: "قلنا: يا رسول الله، هذا السلام عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: "قولوا اللهم صل على محمد عبدك ورسولك، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد، وآل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم". 3193 - * روى النسائي عن طلحة بن عبيد الله (رضي الله عنه) أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "كيف نصلي عليك يا نبي الله؟ قال: "قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، إنك حمد مجيد، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، إنك حميد مجيد". 3194 - * روى الشيخان عن ابن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة رضي الله عنه، فقال: "ألا أهدي لك هدية؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج علينا، فقلنا: يا رسول الله، قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد". وأخرجه الترمذي وأبو داود والنسائي، ولم يذكروا الهدية، وأول حديثهم "أن كعب ابن عجرة قال، قلنا: يا رسول الله ... وذكر الحديث، وفي آخره: كما باركت على

_ (1) الأحزاب: 56. 3192 - البخاري (8/ 532) 65 - كتاب التفسير، 10 - باب (إن الله وملائكته يصلون على النبي). النسائي (3/ 49) 13 - كتاب السهو، 53 - نوع آخر. 3193 - النسائي (3/ 48) 13 - كتاب السهو، 52 - نوع آخر، وهو حديث حسن. 3194 - البخاري (11/ 152) 80 - كتاب الدعوات، 32 - باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. مسلم (1/ 305) 4 - كتاب الصلاة، 17 - باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد. أبو داود (1/ 257) كتاب الصلاة، 182 - باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. الترمذي (2/ 352، 353) أبواب الصلاة، 351 - باب ما جاء في صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه السلام. النسائي (3/ 48) 13 - كتاب السهو، 51 - نوع آخر.

إبراهيم، إنك حميد مجيد". وأخرجه النسائي بذكر الهدية. 3195 - * روى الجماعة إلا الترمذي عن أبي حميد الساعدي (رضي الله عنه) قال: قالوا: يا رسول الله، كيف نصلي عليك؟ قال: "اللهم صل على محمد، وعلى أزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد، وعلى أزواجه وذريته، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حمد مجيد". وعند أبي داود "وعلى آل إبراهيم" في الموضعين. 3196 - * روى أحمد عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول اللهم صل على محمد وعلى آل بيته وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى أهل بيته وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حمديد مجيد قال ابن طاوس وكان أبي يقول مثل ذلك. 3197 - * روى النسائي عن زيد بن خارجة (رضي الله عنه) قال: "أنا سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: صلوا علي، فاجتهدوا في الدعاء، وقولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد". 3198 - * روى أبو يعلى عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ربما كسب رجل مالاً من حلال فأطعم نفسه ورجل يكون له مال يكون فيه الصدقة

_ 3195 - البخاري (6/ 407) 60 - كتاب الأنبياء، 10 - باب. مسلم (1/ 306) 4 - كتاب الصلاة، 17 - باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد. أبو داود (1/ 257، 258) كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد. النسائي (3/ 49) 13 - كتاب السهو، 54 - نوع آخر. ابن ماجه (1/ 293) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 25 - باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. 3196 - أحمد (5/ 374). مجمع الزوائد (2/ 144) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. 3197 - النسائي (3/ 49) المواضع السابقة، وإسناده حسن. 3198 - مجمع الزوائد (10/ 167) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلي وإسناده حسن.

فقال اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وعلى المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات فإنه له زكاة". 3199 - * روى مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشراً". 3200 - * روى أحمد عن عبد الله بن عمرو قال: من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم واحدة صلى الله عليه وملائكته سبعين صلاة. 3201 - * روى النسائي عن أنس رفعه: "من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات، وحطت عنه عشر خطيئات، ورفعت له عشر درجات". أقول: لهذا الحديث وأمثاله رأى أهل السلوك إلى الله أن أعظم وسيلة للوصول إلى الكمالات القلبية والروحية بعد إقامة الفرائض والسنن العينية هي كثرة الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن صلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه، ومن صلى الله عليه أخرجه من الظلمات إلى النور. قال تعالى: (هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور) ولذلك قالوا: إذا فقد الإنسان الأستاذ المرشد فإنه يقبل على العلم ويكثر من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. 3202 - * روى البزار عن أبي بردة بن نيار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى علي صلاة من تلقاء نفسه صلى الله عليه بها عشراً وحط عنه عشر سيئات ورفع له

_ 3199 - مسلم (1/ 306) 4 - كتاب الصلاة، 17 - باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. أبو داود (2/ 88) كتاب الصلاة، باب في الاستغفار. الترمذي (2/ 355) أبواب الصلاة، 352 - باب ما جاء في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. النسائي (3/ 50) 13 - كتاب السهو، 55 - باب الفضل في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. 3200 - مجمع الزوائد (10/ 160) وقال الهيثمي: رواه أحمد، وإسناده حسن. 3201 - النسائي (3/ 50) الموضع السابق. ابن حبان (2/ 130) ذكر حط الخطايا عن المصلي على المصطفى صلى الله عليه وسلم بها، وصححه هو والحاكم وآخرون. 3202 - كشف الأستار (4/ 46) باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. مجمع الزوائد (10/ 162) وقال الهيثمي: رواه البزار، ورجاله ثقات، ورواه الطبراني، إلا أنه قال: ما صلى علي عبد من أمتي صادقاً بها في قلب نفسه، وزاد: وكتب له عشر حسنات.

عشر درجات". 3203 - * روى النسائي عن أبي طلحة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: جاء ذات يوم والبشر في وجهه، فقلنا: إنا لنرى البشر في وجهك؟ قال: "إنه أتاني الملك، فقال: يا محمد، إن ربك يقول: أما يرضيك أنه لا يصلي عليك أحد إلا صليت عليه عشراً، ولا يسلم عليك أحد إلا سلمت عليه عشراً؟ ". 3204 - * روى أبو يعلى عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أكثروا الصلاة علي فإنها زكاة لكم". 3205 - * روى الترمذي عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البخيل الذي من ذكرت عنده فلم يصل علي". أقول: أوجب بعض العلماء الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما ذكر إلا في خطبة الجمعة والعيدين فإن الصلاة عليه مندبة في القلب إذا ذكر، وبعضهم قال: الواجب في المجلس الواحد أن يصلي عليه مرة واحدة إذا ذكر وما سوى ذلك فمندوب، وذكر بعضهم أن الصلاة عليه مندوبة إذا ذكر وليست واجبة. 3206 - * روى الطبراني عن كعب بن عجرة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوماً إلى المنبر فقال حين ارتقي درجة: آمين ثم رقي أخرى فقال: آمين، ثم رقي الثالثة فقال: آمين، فلما نزل عن المنبر وفرغ، قلنا يا رسول الله: لقد سمعنا منك كلاماً اليوم، قال: وسمعتموه؟ قلنا: نعم، قال: إن جبريل عرض لي حين ارتقيت درجة فقال: بعد من أدرك أبويه عند الكبر أو أحدهما فلم يدخل الجنة، قلت: آمين، وقال: بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك، فقلت: آمين، ثم قال: بعد من أدرك رمضان فلم

_ 3203 - النسائي (3/ 44) 13 - كتاب السهو، 47 - فضل التسليم على النبي صلى الله عليه وسلم وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي وهو صحيح بشواهده. 3204 - مجمع الزوائد (2/ 144) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلي وفيه ليث بن أبي سليم وهو ثقة مدلس. 3205 - الترمذي (5/ 551) 49 - كتاب الدعوات، 101 - باب قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "رغم أنف رجل". ابن حبان (2/ 132) ذكر نفي البخل عن المصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث حسن لطرقه وشواهده، وصححه الحاكم وآخرون. 3206 - مجمع الزوائد (10/ 166) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات.

يغفر له، فقلت: آمين". 3207 - * روى الترمذي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ ولم يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك أبويه أو أحدهما وهما حي ولم يدخلاه الجنة، ورغم أنف رجل ذكرت عنده ولم يصل علي". أخرجه الترمذي، وهذا لفظه: قدم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم الصوم وبعده الوالدين، وقال في حديثه "ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة" قال الراوي: وأظنه قال: "أو أحدهما". 3208 - * روى الطبراني في الأوسط عن علي يعني ابن أبي طالب قال: "كل دعاء محجوب حتى يصلي على محمد صلى الله عليه وسلم وآل محمد". 3209 - * روى الطبراني في الأوسط عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى علي صلاة صليت عليه عشراً". 3210 - * روى النسائي عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله تعالى ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام". 3211 - * روى مالك عن عبد الله بن دينار (رحمه الله) قال: "رأيت عبد الله بن عمر يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر". 3212 - * روى الطبراني عن محمد بن يحيى بن حبان عن أبيه عن جده أن رجلاً قال:

_ 3207 - الترمذي (5/ 550) 49 - كتاب الدعوات، 101 - باب قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "رغم أنف رجل" وهو حديث صحيح. (رغم أنف رجل) أرغم الله أنفه: إذا ألصقه بالرغم وهو التراب، أي: أذله الله. 3208 - مجمع الزوائد (10/ 160) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات. 3209 - مجمع الزوائد (10/ 163) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات. 3210 - النسائي (3/ 43) 13 - كتاب السهو، 46 - باب السلام على النبي صلى الله عليه وسلم. ابن حبان (2/ 134) وصححه هو والحاكم ووافقه الذهبي وهو كما قالا. 3211 - الموطأ (1/ 166) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 22 - باب ما جاء في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. 3212 - مجمع الزوائد (10/ 160) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، وإسناده حسن.

يا رسول الله أجعل ثلث صلاتي عليك؟ قال: نعم إن شئت، قال: الثلثين: قال: "نعم" قال: فصلاتي كلها، قال: إذا يكفيك الله ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك". 3213 - * روى الترمذي عن أبي بن كعب قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل قام، فقال: أيها الناس، اذكروا الله، اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه جاء الموت بما فيه قال: قلت: يا رسول الله، إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: ما شئت، قلت: الربع؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك، قلت: النصف؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك، قلت: الثلثين؟ قال: ما شئت وإن زدت فهو خير لك، قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذن تكفي همك، ويغفر لك ذنبك". أقول: من ههنا استحب أهل السلوك إلى الله أن يشغل الإنسان وقته كله بعد إقامة الفرائض العينية والسنن العينية بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما استطاع إلى ذلك سبيلاً إذا لم يكن هناك مانع، فإن ذلك لا يشغله عن أعماله الدنيوية ويحقق في الوقت نفسه أجراً. 3214 - * روى النسائي عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم". 3215 - * روى البزار عن رويفع بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى على محمد وقال اللهم أنزله المقعد المقرب عندك يوم القيامة وجبت له شفاعتي".

_ 3213 - الترمذي (4/ 637) 38 - كتاب صفة القيامة، 23 - باب، وقال: حسن صحيح وصححه الحاكم وأقره الذهبي. (الراجفة): النفخة الأولى التي تموت لها الخلائق. (والرادفة): النفخة الثانية التي يحيون بها يوم القيامة. 3214 - النسائي في سننه وحسنه الحافظ في تخريج الأذكار وصححه آخرون. 3215 - كشف الأستار (4/ 45). الطبراني (الكبير) (5/ 26). مجمع الزوائد (10/ 163) وقال الهيثمي: رواه البزار والطبراني في الكبير والأوسط، وأسانيدهم حسنة.

الباب السادس في أذكار ودعوات مقيدة بمناسبة أو حال

الباب السادس في أذكار ودعوات مقيدة بمناسبة أو حال وفيه فصول

الفصل الأول في بعض أدعية النوم والاستيقاظ وأذكارهما

الفصل الأول في بعض أدعية النوم والاستيقاظ وأذكارهما

3216 - * روى أبو داود عنعبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا أخذ مضجعه: "الحمد لله الذي كفاني وآواني، وأطعمني وسقاني، والحمد لله الذي من علي فأفضل، والذي أعطاني فأجزل، والحمد لله على كل حال، اللهم رب كل شيء ومليكه، أعوذ بالله من النار". 3217 - * روى مسلم عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) "أنه أمر رجلاً، قال: إذا أخذت مضجعك، قل: اللهم أنت خلقت نفسي، وأنت تتوفاها، لك مماتها ومحياها، إن أحييتها فاحفظها، وإن أمتها فاغفر لها، اللهم إني أسألك العفو والعافية، فقيل له: سمعت هذا من عمر؟ قال: سمعته من خير من عمر، من رسول الله صلى الله عليه وسلم". 3218 - *روى مسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه قال: "الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا، وكفانا وآوانا، فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي". 3219 - * روى الشيخان عن عائشة (رضي الله عنها) أن رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أخذ مضجعه نفث في يديه، وقرأ المعوذات و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ومسح بهما وجهه وجسده، فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به".

_ 3216 - أبو داود (4/ 313، 314) كتاب الأدب، 107 - باب ما يقال عند النوم، وإسناده صحيح. 3217 - مسلم (4/ 2083) 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة، 17 - باب ما يول عند النوم وأخذ المضجع. 3218 - مسلم (4/ 2085) 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة، 17 - باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع. أبو داود (4/ 312) كتاب الأدب، 107 - باب ما يقال عند النوم. الترمذي (5/ 470) 49 - كتاب الدعوات، 16 - باب ما جاء في الدعاء إذا أوى إلى فراشه. (وآوانا) أي: جمعنا وضمنا إليه، وأويت إلى المنزل: إذا رجعت إليه ودخلته. 3219 - البخاري (11/ 125) 80 - كتاب الدعوات، 12 - باب التعوذ والقراءة عند المنام و (10/ 209) 76 - كتاب الطب، 39 - باب النفث في الرقية.

وفي رواية (1): "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيهما، فقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات". وفي رواية (2) الموطأ: "كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح عنه بيده، رجاء بركتها. 3220 - * روى البخاري عن حذيفة بن اليمان (رضي الله عنهما) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه، قال: باسمك اللهم أحيا وأموت، وإذا أصبح وفي رواية (3): وإذا استيقظ- قال: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور". 3221 - * روى الشيخان عن البراء بن عازب (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا فلان، إذا أويت إلى فراشك، فقل: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فإنك إن مت في ليلتك مت على الفطرة، وإن أصبحت أصبت خيراً".

_ = مسلم (4/ 1723، 1724) 39 - كتاب السلام، 20 - باب رقية المريض بالمعوذات والنفث. أبو داود (4/ 313) الموضع السابق. الترمذي (5/ 473) 49 - كتاب الدعوات، 21 - باب ما جاء فيمن يقرأ القرآن عند المنام. (1) البخاري (9/ 62) 66 - كتاب فضائل القرآن، 14 - باب فضل المعوذات. (2) الموطأ (2/ 942، 943) 50 - كتاب العين، 4 - باب التعوذ والرقية من المرض. 3220 - البخاري (11/ 113) 80 - كتاب الدعوات، 7 - باب ما يقول إذا نام. (3) أبو داود (4/ 311) كتاب الأدب، باب ما يقال عند النوم. الترمذي (5/ 481) 48 - كتاب الدعوات، 28 - باب منه. 3221 - البخاري (11/ 109) 80 - كتاب الدعوات، 6 - باب إذا بات طاهراً و (11/ 115) 80 - كتاب الدعوات، 9 - باب النوم على الشق الأيمن. (فوضت) فوض فلان أمره إلى فلان: إذا رده إليه. (رغبة) الرغبة: طلب الشيء وإرادته. (ورهبة) الرهبة: الفزع. وقد عطف الرهبة على الرغبة، ثم أعم لفظ الرغبة وحدها، ولو أعمل الكلمتين =

وفي رواية (1) قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن وقل- وذكره نحوه- وفيه: واجعلهن آخر ما تقول، فقلت: أستذكرهن: وبرسولك الذي أرسلت فقال: لا، وبنبيك الذي أرسلت". وللبخاري نحوه، وفيه: وقال في آخره: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قالهن، ثم مات، مات على الفطرة". وأخرجه الترمذي (2) بنحو من ذلك. وفيه تقديم وتأخير. وفيه: "فطعن بيده في صدري، ثم قال: ونبيك الذي أرسلت". 3222 - * روى الترمذي عن رافع بن خديج (رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا اضطجع أحدكم على جنبه الأيمن، ثم قال: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وألجأت ظهري إليك، وفوضت أمري إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، أومن بكتابك وبرسولك، فإن مات من ليلته دخل الجنة".

_ = لقال: رغبة إليك ورهبة منك. ولكن هذا سائغ في العربية: أن يجمع بين الكلمتين، ويحمل إحداهما على الأخرى. مسلم (4/ 2081، 2082) 48 - كتاب الذكر والدعاء، 17 - باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع. (1) مسلم، الموضع السابق ص 2083. (2) الترمذي (5/ 468، 469) 49 - كتاب الدعوات، 16 - باب ما جاء في الدعاء إذا أوى إلى فراشه. (ونبيك الذي أرسلت) قال: في رد النبي صلى الله عليه وسلم على البراء في هذا الحديث قوله: "ورسولك الذي أرسلت" حجة لمن ذهب إلى أنه لا يجوز رواية الحديث بالمعنى. قال الخطابي: والفرق بين النبي والرسول أن الرسول هو المأمور بتبليغ ما أنبئ وأخبر به والنبي هو المخبر ولم يؤمر بالتبليغ فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولاً، قال الخطابي ومعنى رده على البراء من "رسولك" إلى "نبيك": أن الرسول من باب المضاف، فهو ينبئ عن المرسل والمرسل إليه، فلو قال: ورسولك ثم قال: "الذي أرسلت" لصار البيان مكرراً معاداً، فقال: "ونبيك الذي أرسلت" إذ قد كان نبياً قبل أن يكون رسولاً، ليجمع له الثناء بالاسمين معاً، ويكون تعديداً للنعمة في الحالين، وتعظيماً للمنة على الوجهين. (ابن الأثير). 3222 - الترمذي (5/ 469) 49 - كتاب الدعوات، 16 - باب ما جاء في الدعاء إذا أوى إلى فراشه وحسنه وهو كما قال.

3223 - * روى الترمذي عن حذيفة بن اليمان، والبراء بن عازب (رضي الله عنهما) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وضع يده تحت رأسه، ثم قال: "اللهم قني عذابك يوم تجمع أو تبعث عبادك". وفي حديث البراء "كان يتوسد يمينه". 3224 - * روى أبو داود عن فروة بن نوفل عن أبيه قال: يا رسول الله علمني شيئاً أقوله إذا أويت إلى فراشي، فقال له: "اقرأ قل يا أيها الكافرون ثم نم، فإنها براءة من الشرك". 3225 - * روى الطبراني عن جبلة بن حارثة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أويت إلى فراشك فاقرأ قل يا أيها الكافرون حتى تمر بآخرها فإنها براءة من الشرك". 3226 - * روى أبو داود عن (العرباض بن سارية) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ المسبحات قبل أن ينام إذا اضطجع، وقال: "إن فيهن آية خير من ألف آية". 3227 - * روى الترمذي عن عائشة (رضي الله عنها) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا ينام

_ 3223 - الترمذي (5/ 471) 49 - كتاب الدعوات، 18 - باب منه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن وحديث البراء نفس الموضع. (يتوسد يمينه) التوسد: أن يتخذ النائم تحت رأسه وسادة، وهي المخدة، والمراد: أنه كان يجعل يده تحت رأسه. 3224 - أبو داود (4/ 313) كتاب الأدب، 107 - باب ما يقال عند النوم. الترمذي (5/ 474) 49 - كتاب الدعوات، 22 - باب منه. وصححه ابن حبان (موارد 363) وحسنه ابن حجر في تخريج الأذكار، والحديث روي مرسلاً ومتصلاً، وقال الترمذي عن المتصل: وهذا أصح. 3225 - الطبراني (الكبير) (2/ 287). مجمع الزوائد (10/ 121) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله وثقوا. 3226 - أبو داود (4/ 313) كتاب الأدب، 107 - باب ما يقال عند النوم. الترمذي (5/ 475) 49 - كتاب الدعوات، 22 - باب منه. وحسن الحديث ابن حجر في تخريج الأذكار وسكت عليه في الفتح وفي سنده عبد الله بن أبي بلال لم يوثقه غير ابن حبان، وبقية بن الوليد وهو صدوق مدلس وقد عنعنه وذكر ابن حجر أنه أخرجه النسائي من وجه آخر عن خالد بن معدان فلم يذكر العرباض ورواته أثبت. ومن ههنا حسن الحديث. (المسبحات): هي السور التي في أولها (سبح لله) أو (يسبح لله) أو (سبح اسم ربك الأعلى). 3227 - الترمذي (5/ 475) 49 - كتاب الدعوات، 22 - باب منه، وإسناده حسن.

حتى يقرأ الزمر، وبني إسرائيل". أقول: من هذا النص ومن النص السابق عليه نعرف أن ما قبيل النوم فرصة للمسلم للتعبد بتلاوة القرآن، والأصل في تلاوة القرآن أن يصحبها تدبر وتأمل وتفكر، ومن ههنا أخذ بعضهم أن يكون للمسلم قبل نومه محاسبة لنفسه وتذكر، وإن مجموع ما ورد في أذكار النوم والاستيقاظ يفيد أن المسلم ينام على ذكر وتذكر، ويستيقظ على ذكر وتذكر. 3228 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره، فإنه لا يدري ما خلفه عليه، ثم يقول: باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين". وفي رواية (1) نحوه، وفيه "فإذا أراد أن يضطجع فليضطجع على شقه الأيمن، وليقل: سبحانك ربي، لك وضعت جنبي، وبك أرفعه .. " وذكر نحوه. وأخرجه أبو داود، وزاد بعد قوله: "خلفه عليه" ثم "ليضطجع على شقه الأيمن". وفي رواية (2) للترمذي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قام أحدكم عن فراشه، ثم رجع إليه فلينفضه بصنفة ثوبة، ثلاث مرات، وليقل: باسمك ربي وضعت جنبي، وباسمك أرفعه ... " الحديث- وزاد في آخره: "فإذا استيقظ فليقل: الحمد لله الذي عافاني في جسدي ورد علي روحي، وأذن لي بذكره". أقول: إن الندب إلى نفض الفراش محمول على حال الظلمة أو خفوت الضوء أما إذا كان

_ 3228 - البخاري (11/ 126) 80 - كتاب الدعوات، 13 - باب. مسلم (4/ 2084) 48 - كتاب الذكر والدعاء، 17 - باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع. (1) هذه رواية مسلم السابقة. أبو داود (4/ 312) كتاب الأدب، 107 - باب ما يقال عند النوم. (2) الترمذي (5/ 472، 473) 49 - كتاب الدعوات، 20 - باب منه. (داخلة) الإزار: طرفه، وصنفته: طرفه أيضاً من جانب هدبه وقيل: من جانب حاشيته. (خلفه عليه) خلف فلان فلاناً: إذا قام مقامه. والمراد: ما يكون قد دب على فراشه بعد مفارقته له.

مكان النوم مرئياً فلا ندب في هذه الحالة. 3229 - *روى مسلم عن سهيل بن أبي صالح (رحمه الله) قال: كان أبو صالح يأمرنا إذا أراد أحدنا أن ينام: أن يضطجع على شقه الأيمن ثم يقول: "اللهم رب السماوات ورب الأرض، ورب العرش العظيم، ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن، أعوذ بك من شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، اللهم أنت الأول فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين وأغننا من الفقر". قال سهيل: وكان أبو صالح يروي ذلك عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي رواية (1) قال: "أتت فاطمة النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادماً، فقال لها: قولي "اللهم رب السموات السبع ... " وذكر الحديث. أقول: في هذا الحديث نموذج على أن في الذكر والدعاء تعميقاً لمعرفة الله عز وجل وتعميقاً للعبودية له، وأن هذا الكمال في التعريف على الله عز وجل في مثل هذا الحديث لمعجزة من معجزات الإسلام، وفي الحديث تأكيد للتنزيه، وأن الله عز وجل لا تحيط به العقول، ولقد قالوا: العجز عن درك الإدراك إدراك. 3230 - * روى البخاري عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من تعار من الليل، فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو

_ 3229 - مسلم (4/ 2084) 48 - كتاب الذكر والدعاء، 17 - باب ما يقول عند النوم. أبو داود (4/ 312) كتاب الأدب، باب ما يقال عند النوم. الترمذي (5/ 472) 49 - كتاب الدعوات، 20 - باب منه. (1) مسلم: الموضع السابق. (فالق الحب والنوى) فالق الحب: هو الله الذي يشق الحبة من الطعام في الأرض للنبات، والنوى: عجم التمر ونحوه. 3230 - البخاري (3/ 39) 19 - كتاب التهجد، 21 - باب فضل من تعار من الليل فصلي. أبو داود (4/ 314) كتاب الأدب، باب ما يقال عند النوم. الترمذي (5/ 480) 48 - كتاب الدعوات، 26 - باب ما جاء في الدعاء إذا انتبه من الليل.

على كل شيء قدير، والحمد لله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لي- أو قال: ثم دعا- استجيب له، فإن عزم فتوضأ وصلى، قبلت صلاته". 3231 - * روى أبو داود عن معاذ بن جبل (رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مسلم يبيت على طهر ذاكراً، فيتعار من الليل يسأل الله خيراً من الدنيا والآخرة، إلا أعطاه إياه". 3232 - * روى الترمذي عن أبي أمامة الباهلي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أوى إلى فراشه طاهراً يذكر الله حتى يدركه النعاس لم ينقلب ساعة من الليل يسأل الله من خير الدنيا والآخرة إلا أعطاه الله إياه". 3233 - * روى الطبراني في الأوسط عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "طهروا هذه الأجساد طهركم الله فإنه ليس من عبد يبيت طاهراً إلا بات معه في شعاره ملك لا ينقلب ساعة من الليل إلا قال اللهم اغفر لعبدك فإنه بات طاهراً". 3234 - * روى ابن خزيمة عن عائشة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب، توضأ وضوءه للصلاة". 3235 - * روى أبو داود عن أبي الأزهر الأنماري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان

_ 3231 - أبو داود (4/ 310) كتاب الأدب، 105 - باب النوم على طهارة، وهو حديث صحيح. (تعار) الرجل من نومه: إذا انتبه وله صوت. 3232 - الترمذي (5/ 540) 49 - كتاب الدعوات، 93 - باب، وللحديث شواهد بمعناه يقوى بها، وقد حسنه الترمذي، وذكره الحافظ في تخريج الأذكار من حديث معاذ بن جبل أيضاً وحسنه. (م). 3233 - مجمع الزوائد (10/ 128) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، وإسناده حسن. 3234 - ابن خزيمة (1/ 128) 195 - باب استحباب اغتسال الجنب للنوم. وعند مسلم (1/ 248) 3 - كتاب الحيض، 6 - باب جواز نوم الجنب ... إلخ. 3235 - أبو داود (4/ 313) كتاب الأدب، باب ما يقال عند النوم، وإسناده حسن، حسنه النووي وغيره. (أخسى) خسأت الكلب: إذا طردته. (فك رهاني) الفك: التخليص. والرهان: جمع رهن. وأراد به: تخليصه مما نفسه مرتهنة به من حقوق الله تعالى.

يقول إذا أخذ مضجعه من الليل: "بسم الله وضعت جنبي لله، اللهم اغفر لي ذنبي، وأخسئ شيطاني، وفك رهاني، واجعلني في الندى الأعلى". 3236 - * روى أبو داود عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند مضجعه: "اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم، وبكلماتك التامات من شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، اللهم أنت تكشف المغرم والمأثم، اللهم لا يهزم جندك، ولا يخلف وعدك، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، سبحانك اللهم وبحمدك". 3237 - *روى أبو يعلى عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أوى الرجل إلى فراشه ابتدره ملك وشيطان فيقول الملك: اختم بخير ويقول الشيطان: اختم بشر، فإن ذكر الله ثم نام بات الملك يكلؤه، وإذا استيقظ قال الملك: افتح بخير وقال الشيطان افتح بشر، فإن قال الحمد لله الذي رد علي نفسي ولم يمتها في منامها، الحمد لله الذي يمسك السموات والأرض أن تزولا إلى آخر الآية، الحمد لله الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، فإن وقع عن سريره فمات دخل الجنة". 3238 - * روى ابن خزيمة عن عقبة بن عامر قال: قدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نقب من تلك النقاب، فقال: "ألا تركب يا عقيب". فأجللت أن أركب مركب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: "ألا تركب يا عقيب". فأشفقت أن تكون معصية، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وركبت هنيهة، ثم نزلت، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "يا عقيب ألا أعلمك سورتين من خير سورتي نقرا بهما الناس". قلت: بلى يا رسول الله. فاقرأني: {قُلْ

_ = (الندى الأعلى) الندي: النادي، المجلس يجتمع فيه القوم، فإذا تفرقوا عنه فليس بناد ولا ندي. والمراد بالندي الأعلى: مجتمع الملائكة المقربين ولهذا وصفه بالعلو. 3236 - أبو داود (4/ 312) كتاب الأدب، ما يقال عند النوم، وهو حسن حسنه ابن حجر. 3237 - مجمع الزوائد (10/ 120) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير إبراهيم بن الحجاج الشامي وهو ثقة. 3238 - ابن خزيمة (1/ 267) 115 - باب قراءة المعوذتين في الصلاة. وإسناده صحيح. (النقب): من النقاب: الطريق في الجبل.

أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}، ثم أقيمت الصلاة. فصلي وقرأ بهما. ثم مر بي، فقال: "كيف رأيت يا عقيب، اقرأ بهما كلما نمت وقمت". قال ابن خزيمة هذه اللفظة "كلما نمت وقمت" من الجنس الذي أعلمت أن العرب يوقع اسم النائم على المضطجع ويوقعه على النائم الزائل العقل، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد بقوله في هذا الخبر: "اقرأ بهما إذا نمت- وزال عقله- فاقرأ بالمعوذتين، وكذلك خبر ابن بريدة عن عمران بن حصين "صلاة النائم على نصف صلاة القاعد، وإنما أراد بالنائم في هذا الموضع، المضطجع لا النائم الزائل العقل، إذ النائم الزائل العقل غير مخاطب بالصلاة ولا يمكنه الصلاة لزوال العقل". 3239 - * روى أحمد عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اضطجع للنوم يقول: "باسمك ربي فاغفر لي ذنبي". 3240 - * روى الطبراني عن زيد بن ثابت أنه كان يقول حين يضطجع اللهم إني أسألك غنى الأهل والمولى وأعوذ بك أن تدعو علي رحم قطعتها. 3241 - *روى أحمد عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من رجل يأوي إلى فراشه فيقرأ سورة من كتاب الله عز وجل إلا بعث الله عز وجل إليه ملكاً يحفظه من كل شيء يؤذيه حتى يهب متأهباً. أقول: الأصل أن يكون المسلم ذاكراً على كل أحواله، ويتحقق الذكر بأي نوع من أنواعه، وبالنسبة للنوم والاستيقاظ، فإن الأصل أن يصحبهما ذكر، فإن كان الذكر بمأثور فذلك أفضل والمأثورات تتفاضل فيما بينهما، وقد تعددت صيغ المأثورات لتسع حال الناس

_ 3239 - أحمد (2/ 174). مجمع الزوائد (10/ 123) وقال الهيثمي: رواه أحمد وإسناده حسن. 3240 - الطبراني (الكبير) (5/ 131). مجمع الزوائد (10/ 125) وقال الهيثمي: رواه الطبراني وإسناده جيد. 3241 - أحمد (4/ 125). مجمع الزوائد (10/ 120) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

ومن جمع بين ما ورد فقد أجاد وأطاب، على خلاف من منع ذلك، ومن تخير فقد أصاب شيئاً من السنة، ومن نوع مراعياً المأثور كله فقد أصاب السنة، ولعلك لاحظت فيما ورد في هذا الفصل أن ما سنه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل أمر من الأمور يسع الناس جميعاً وهو في الوقت نفسه يلحظ أحوال الإنسان من نشاط أو فتور إلى آخر ذلك. 3242 - *روى ابن خزيمة عن أبي برزة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبل العشاء ولا يحب الحديث بعدها. أقول: هذا يدل على أن الأصل أن يخصص ما بعد العشاء للذكر والعبادة ويدخل في ذلك العلم والسهر في شؤون المسلمين، ولم نر من يقدر على هذا الخلق إلا القليل، والكراهة في مخالفة هذا الأدب تنزيهية إذا لم يقع الإنسان في محظور. 3243 - *روى أحمد عن عبد الله بن عمرو قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين يريد أن ينام: اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة رب كل شيء وإله كل شيء أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمداً عبدك ورسولك، والملائكة يشهدون اللهم إني أعوذ بك من الشيطان وشركه أو أن أقترف على نفسي سوءاً أو أجره على مسلم قال أبو عبد الرحمن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه عبد الله بن عمرو ويقول ذلك حين يريد أن ينام. 3244 - * روى ابن خزيمة عن جابر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من ذكر ولا أنثى إلا على رأسه جرير معقود حين يرقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإذا قام فتوضأ وصلى انحلت العقد".

_ 3242 - ابن خزيمة (1/ 178) 25 - باب كراهية النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها، وهو في البخاري. 3243 - أحمد (2/ 171). مجمع الزوائد (10/ 122) وقال الهيثمي: رواه أحمد وإسناده حسن. 3244 - ابن خزيمة (2/ 175، 176) 474 - باب الدليل على أن الشيطان يعقد على قافية النساء كعقده على قافية الرجال بالليل .. إلخ. (جرير): حبل من أدم نحو الزمام ويطلق على غيره من الحبال المضفورة.

3245 - *روى ابن خزيمة عن جابر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من ذكر ولا أنثى إلا عليه جرير معقود حين يرقد بالليل، بمثله وزاد "وأصبح خفيفاً طيب النفس قد أصاب خيراً". 3246 - * روى ابن خزيمة عن أبي هريرة رضي الله عنه يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ثلاث عقد إذا هو نام، كل عقدة يضرب عليه، يقول: عليك ليل طويل، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، وإن توضأ انحلت عقدتان، فإذا صلى انحلت العقد، فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان". 3247 - * روى ابن خزيمة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن فلاناً نام البارحة عن الصلاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذاك شيطان بال في أذنه- أو في أذنيه-". 3248 - * روى أبو داود عنأبي الورد بن ثمامة: "قال علي لابن أغيد: ألا أحدثك عني وعن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم- وكانت من أحب أهله إليه، وكانت عندي-؟ قلت: بلى. قال: إنها جرت بالرحى حتى أثرت في يدها، واستقت بالقربة حتى أثرت في نحرها، وكنست البيت حتى اغبرت ثيابها، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم خدم، فقلت: لو أتيت أباك فسألتيه خادماً؟ فأتته فوجدت عنده حداثاً، فرجعت، فأتاها من الغد، فقال: "ما كان حاجتك؟ " فسكتت، فقلت: أنا أحدثك يا رسول الله: جرت بالرحى حتى أثرت في يدها، وحملت بالقربة حتى أثرت في نحرها، فلما أن جاء الخدم، أمرتها أن تأتيك، فتستخدمك خادماً، يقيها حر ما هي فيه، قال: "اتقي الله يافاطمة،

_ 3245 - ابن خزيمة (2/ 176) الموضع السابق، وإسناده صحيح. 3246 - ابن خزيمة (2/ 174) 472 - باب استحباب قيام الليل يحل عقد الشيطان التي يعقدها على النائم فيصبح نشيطاً طيب النفس ... إلخ، وهو في البخاري بنحوه. 3247 - ابن خزيمة (2/ 174) 471 - باب كراهة ترك قيام الليل وإن كان تطوعاً لا فرضاً، وهو في البخاري بنحوه. 3248 - أبو داود (4/ 315) كتاب الأدب، باب في التسبيح عند النوم وهو حسن بشواهده. (حداثاً): القوم يتحدثون، وهو جمع لا واحد له من لفظه.

وأدي فريضة ربك، واعملي عمل أهلك، وإذا أخذت مضجعك فسبحي ثلاثاً وثلاثين، واحمدي ثلاثاً وثلاثين، وكبري أربعاً وثلاثين، فتلك مائة، فهي خير لك من خادم"، قلت: رضيت عن الله وعن رسوله. وزاد في رواية: "ولم يخدمها". وله في أخرى (1) نحوه، وفيها "وقمت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت القدر حتى دكنت ثيابها، وأصابها من ذلك ضر، فسمعنا أن رقيقاً أتي بهم النبي صلى الله عليه وسلم" وفيها: "فغدا علينا ونحن في لفاعنا، فجلس عند رأسها، فأدخلت رأسها في اللفاع حياءً من أبيها"، قال: "ما كانت حاجتك أمس إلى آل محمد؟ " فسكتت، مرتين، فقلت: أنا والله أحدثك ... وذكر نحوه". وله في أخرى (2) عن ابن أبي ليلى عن علي رضي الله عنه قال: شكت فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما تلقى في يدها من الرحى، فأتي بسببي، فأتته تسأله؟ فلم تره، فأخبرت بذلك عائشة، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته، فأتانا وقد أخذنا مضاجعنا، فجاء فقعد بيننا، حتى وجدت برد قدميه على صدري، فقال: "ألا أدلكما على خير مما سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما فسبحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبرا أربعاً وثلاثين، فهو خير لكما من خادم". وفي أخرى (3) له نحوه، وفيه: "قال علي: فما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ليلة صفين، فإني ذكرتها من آخر الليل، فقلتها".

_ = (لم يخدمها) أي: لم يعطها خادماً، والخادم: يقع على الغلام والجارية. (قمت) القمامة: الكناسة، يقال: قمت المرأة البيت: إذا كنست ما فيه من الكناسة. (دكنت) دكن الثوب: إذا اتسخ واغبر لونه. (رقيقاً) الرقيق: اسم للعبيد والإماء. (لفاعنا) اللفاع: ثوب يتغطى به، ويتلفف فيه. (مجل يديها) مجلت اليد تمجل مجلاً: ومجلت تمجل مجلاً: إذا خرج فيها شبه البثر من العمل بالفأس ونحوه من الآلات التي تؤثر في اليد. (1) أبو داود: الموضع السابق. (2) أبو داود: الموضع السابق. (3) أبو داود: الموضع السابق ص 316.

وأخرج البخاري (1) ومسلم (2) رواية ابن أبي ليلى، وفيها: قال سفيان: إحداهن، "أربع وثلاثون". وفي رواية ابن سيري (3): "التسبيح أربع وثلاثون" وقال علي: فما تركته منذ سمعته من رسول الله صلى اله عليه وسلم، قيل له: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين". وفي أخرى (4) لهما عن ابن أبي ليلى عن علي "أن فاطمة أتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادماً؟ وأنه قال: "ألا أخبرك بما هو خير لك منه؟ تسبحين الله ثلاثاً وثلاثين، وتحمدين الله ثلاثاً وثلاثين، وتكبرين الله أربعاً وثلاثين". وفي رواية (5) الترمذي عن علي، قال: "شكت إلي فاطمة مجل يديها من الطحن، فقلت لها: لو أتيت أباك، فسألتيه خادماً؟ فقال: "ألا أدلكما على ما هو خير لكما؟: إذا أخذتما مضجعكما، تقولان ثلاثاً وثلاثين، وثلاثاً وثلاثين، وأربعاً وثلاثين، من تحميد وتسبيح وتكبير". قال الحافظ في الفتح: وفي الحديث منقبة ظاهرة لعلي وفاطمة عليهما السلام، وفيه بيان إظهار غاية التعطف والشفقة على البنت والصهر، ونهاية الاتحاد برفع الحشمة والحجاب، حيث لم يزعجهما عن مكانهما، فتركهما على حالة اضطجاعهما، وبالغ حتى أدخل رجله بينهما، ومكث بينهما حتى علمهما ما هو الأولى بحالهما من الذكر عوضاً عما طلبا من الخادم، فهو من باب تلقي المخاطب بغير ما يطلب إيذاناً بأن الأهم من المطلوب هو التزود للمعاد، والصبر على مشاق الدنيا، والتجافي عن دار الغرور، قال: وفيه أن من واظب على هذا الذكر عند النوم لم يصبه إعياء، لأن فاطمة شكت التعب من العمل، فأحالها صلى

_ (1) البخاري (9/ 506) 69 - كتاب النفقات، 7 - باب خادم المرأة. (2) مسلم (4/ 2091، 2092) 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة 19 - باب التسبيح أول النهار ... إلخ. (3) البخاري (11/ 119) 80 - كتاب الدعوات، 11 - باب التكبير والتسبيح عند المنام. (4) البخاري (9/ 506) 69 - كتاب النفقات، 7 - باب خادم المرأة. مسلم (4/ 2092) الموضع السابق. (5) الترمذي (5/ 477) 49 - كتاب الدعوات، 24 - باب ما جاء في التسبيح والتكبير والتحميد عند المنام، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

الله عليه وسلم على ذلك، كذا أفاده ابن تيمية، وفيه نظر، ولا يتعين رفع التعب، بل يحتمل أن يكون من واظب عليه لا يتضرر بكثرة العمل ولا يشق عليه ولو حصل له التعب، والله أعلم. 3249 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خصلتان- أو خلتان- لا يحصيهما رجل مسلم إلا دخل الجنة، وهما يسير، ومن يعمل بها قليل: يسبح الله في دبر كل صلاة عشراً، ويحمده عشراً، ويكبره عشراً"، فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقدها بيده، قال: "فتلك خمسون ومائة باللسان، وألف وخمسمائة في الميزان، وإذا أخذت مضجعك تسبحه وتكبره وتحمده مائة، فتلك مائة باللسان، وألف في الميزان، فأيكم يعمل في اليوم والليلة ألفين وخمسمائة سيئة؟ " قالوا: فكيف لا نحصيها؟ قال: "يأتي أحدكم الشيطان وهو في صلاته، فيقول: اذكر كذا، اذكر كذا، حتى ينفتل، فلعله أن لا يفعل، ويأتيه وهو في مضجعه، فلا يزال ينومه حتى ينام". وفي رواية (2) أبي داود بعد قوله: "في الميزان" الأولى، قال: "ويكبر أربعاً وثلاثين إذا أخذ مضجعه، ويحمد ثلاثاً وثلاثين، ويسبح ثلاثاً وثلاثين، فذلك مائة باللسان، وألف في الميزان، فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقدها بيده، قالوا: يا رسول الله، كيف هما يسير، ومن يعمل بهما قليل؟ قال: "يأتي أحدكم الشيطان في منامه فينومه قبل أن يقوله، ويأتيه في صلاته فيذكره حاجته قبل أن يقول". 3250 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) أن رسول

_ 3249 - الترمذي (5/ 478) 49 - كتاب الدعوات، 25 - باب منه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. النسائي (3/ 74) 13 - كتاب السهو، 91 - عدد التسبيح بعد التسليم. (2) أبو داود (4/ 316) كتاب الأدب، باب في التسبيح عند النوم، وهو حديث صحيح. (خلتان): الخلة- بفتح الخاء- الخصلة. 3250 - الترمذي (5/ 541، 542) 49 - كتاب الدعوات، 94 - باب. أبو داود (4/ 12) كتاب الطب، 19 - باب كيف الرقي؟ (صك) الصك: الكتاب يكتب به وثيقة بشيء.

الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا فزع أحدكم في النوم فليقل: أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعذابه وشر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون، فإنها لن تضره" وكان عبد الله يلقنها من بلغ من أولاده. ومن لم يبلغ منهم، كتبها في صك وعلقها في عنقه". وأخرجه أبو داود، ولم يذكر "النوم" إنما قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم من الفزع كلمات .. " وذكر الحديث. قال محقق الجامع: هذا عمل صحابي، وقد اختلف العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم في تعليق التمائم التي من القرآن وأسماء الله وصفاته، فقالت طائفة: يجوز ذلك: وهو عمل عبد الله بن عمرو بن العاص وغيره من الصحابة والتابعين، وحملوا حديث "إن الرقي والتمائم والتولة شرك" على التمائم التي فيها شرك وقالت طائفة: لا يجوز ذلك: وهو قول عبد الله بن مسعود وابن عباس وغيرهما من الصحابة والتابعين، والأفضل ترك تعليق التمائم من القرآن وغيره، واستعمال الترقية بالمعوزات وغيرها كما ورد ذلك عن الصادق المصدوق في أحاديث كثيرة.

الفصل الثاني في بعض أدعية الدخول إلى البيت والمسجد والخروج منها

الفصل الثاني في بعض أدعية الدخول إلى البيت والمسجد والخروج منها

3251 - * روى الترمذي عن أم سلمة (رضي الله عنها) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إذا خرج من بيته قال: "بسم الله، توكلت على الله: اللهم إنا نعوذ بك من أن نزل أو نضل، أو نظلم أو نظلم، أو نجهل أو يجهل علينا". وفي رواية (1) أبي داود قالت: "ما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، من بيته قط إلا رفع طرفة إلى السماء، فقال: "اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أزل أو أزل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي". وفي رواية (2) النسائي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من بيته، قال: "بسم الله، رب أعوذ بك من أن أزل أو أضل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي". 3252 - * روى الترمذي عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا خرج الرجل من بيته، فقال: بسم الله، توكلت على الله. لا حول ولا قوة إلا بالله: يقال له: حسبك، هديت وكفيت، ووقيت: وتنحى عنه الشيطان". وفي رواية (3) أبي داود قال: "إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له حينئذ: هديت، وكفيت، ووقيت، فيتنحى له الشيطان، فيقول شيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي، وكفي، ووقي؟ ".

_ 3251 - الترمذي (5/ 490) 49 - كتاب الدعوات، 35 - باب منه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (1) أبو داود (4/ 325) كتاب الأدب، 112 - باب ما جاء فيمن دخل بيته ما يقول وفي نسخة "باب ما يقول إذا خرج من بيته". (2) النسائي (8/ 269) 50 - كتاب الاستعاذة، 30 - الاستعاذة من الضلال. وإسناده صحيح، وأخرجه أيضاً الحاكم، وأحمد، وابن السني وغيرهم. 3252 - الترمذي (5/ 490) وحسنه الترمذي، وهو حديث صحيح. (3) أبو داود (4/ 325) الموضع السابق. ابن حبان (2/ 95) ذكر الشيء الذي يهدى القائل به ويكفى ويوقي إذا قاله عند الخروج من المنزل.

3253 - * روى أبو داود عنأبي مالك الأشجعي- ويقال له: الأشعري (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ولج الرجل بيته فليقل: اللهم إني أسألك خير المولج، وخير المخرج، بسم الله ولجنا، وباسم الله خرجنا، وعلى الله ربنا توكلنا، ثم ليسلم على أهله". 3254 - * روى مسلم عن أبي حميد أو أبي أسيد رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ليقل: "اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك". زاد ابن السني في روايته "وإذا خرج فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل: اللهم أعذني من الشيطان الرجيم" وروى هذه الزيادة ابن ماجه وابن خزيمة وأبو حاتم بن حبان بكسر الحاء في صحيحيهما. 3255 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دخل المسجد يقول "أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، قال: فإذا قال ذلك قال الشيطان: حفظ مني سائر اليوم".

_ 3253 - أبو داود (4/ 325) وإسناده صحيح. 3254 - مسلم (1/ 494) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 10 - باب ما يقول إذا دخل المسجد وليس في رواية مسلم "فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم" وهو في رواية الباقين. أبو داود (1/ 126، 127) كتاب الصلاة، 17 - باب فيما يقوله الرجل عند دخوله المسجد. النسائي (4/ 53) 8 - كتاب المساجد، 36 - القول عند دخول المسجد وعند الخروج منه. ابن ماجه (1/ 254) 4 - كتاب المساجد والجماعات، 13 - باب الدعاء عند دخول المسجد. ابن خزيمة (1/ 231) 71 - باب فضل المشي إلى المساجد للصلاة. ابن حبان (3/ 248) الاستجارة من الشيطان الرجيم لمن خرج من المسجد. 3255 - أبو داود (1/ 127) كتاب الصلاة، باب فيما يقوله الرجل عند دخوله المسجد وقال النووي: حديث حسن رواه أبو داود بإسناد جيد.

الفصل الثالث في بعض آداب المجالس ودعواتها

الفصل الثالث في بعض آداب المجالس ودعواتها

3256 - * روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والجلوس في الطرقات"، فقالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بد، نتحدث فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه"، قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: "غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر". 3257 - * روى أبو داود عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قعد مقعداً لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة، ومن اضطجع مضجعاً لا يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة، وما مشى أحد ممشى لا يذكر الله فيه إلا كانت عليه من الله ترة". ورواية (1) الترمذي قال: "ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله فيه، ولم يصلوا على نبيهم، إلا كان عليهم ترة، فإن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم". 3258 - * روى أبو داود عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار، وكان عليهم حسرة". 3259 - * روى أحمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما قعد قوم مقعداً لم يذكروا فيه الله عز وجل ويصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة وإن دخلوا الجنة للثواب".

_ 3256 - البخاري (11/ 8) 79 - كتاب الاستئذان، 2 - باب قول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم ..) إلخ. مسلم (3/ 1675) 37 - كتاب اللباس والزينة، 32 - باب النهي عن الجلوس في الطرقات. أبو داود (4/ 256) كتاب الأدب، باب الجلوس في الطرقات. 3257 - أبو داود (4/ 264) باب كراهية أن يقوم الرجل من مجلسه ولا يذكر الله، وهو حديث حسن. (1) الترمذي (5/ 461) 49 - كتاب الدعاء، 8 - باب في القوم يجلسون ولا يذكرون الله وهو حديث صحيح. (ترة) أصل الترة: النقص، ومعناها ها هنا: التبعة، يقال: وترت الرجل ترة على وزن: وعدته عدة. 3258 - أبو داود (4/ 264) وهو حديث صحيح. 3259 - أحمد (2/ 463).

3260 - * روى الطبراني عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من قوم جلسوا مجلساً ثم قاموا منه لم يذكروا الله ولم يصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم إلا كان ذلك المجلس عليهم ترة". أقول: مر معنا في الفصل الثاني أنه قد نص على أن يقال في مجالس الذكر: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر كما ندب إلى الدعاء ونص على الاستعاذة من النار وعلى طلب الجنة، وهاهنا مر معنا أكثر من نص يندب للصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الذكر في أي مجلس، وبإطلاق، مما يدل على أن أي صيغة يتحقق فيها معنى الذكر مندوب إليها، وأن ملء المجالس بأي نوع من الذكر لا حرج فيه. 3261 - * روى أحمد عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من قوم جلسوا مجلساً لم يذكروا الله فيه إلا رأوه حسرة يوم القيامة". 3262 - * روى الترمذي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من جلس مجلساً كثر فيه لغطه، فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك-: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك". 3263 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) قال: "كلمات لا يتكلم بهن أحد في مجلسه، عند قيامه ثلاث مرات إلا كفر بهن عنه، ولا

_ = مجمع الزوائد (10/ 79) وقال الهيثمي: رواه الترمذي باختصار، ورواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. 3260 - مجمع الزوائد (10/ 79، 80) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله وثقوا. 3261 - أحمد (2/ 224). مجمع الزوائد (10/ 80) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. 3262 - الترمذي (5/ 494) 49 - كتاب الدعوات، 39 - باب ما يقول إذا قام من المجلس، وإسناده حسن، حسنه الترمذي، ورواه أيضاً ابن حبان في صحيحه. (لغطه) اللغط: الرديء من الكلام والقبيح. 3263 - أبو داود (4/ 264، 265) كتاب الأدب، باب في كفارة المجلس، وهو حديث حسن، ورواه أيضاً ابن حبان في صحيحه.

يقولهن في مجلس خير ومجلس ذكر إلا ختم له بهن عليه، كما يختم بالخاتم على الصحيفة: سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك". 3264 - * روى النسائي عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس مجلساً، أو صلى، تكلم بكلمات، فسألته عائشة عن الكلمات؟ فقال: "إن تكلم بخير كان طابعاً عليهن إلى يوم القيامة، وإن تكلم بشر كان كفارة له: سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. 3265 - * روى الطبراني في الثلاثة عن رافع بن خديج قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقوم من مجلس حتى يقول: سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك ثم يقول إنها كفارة لما يكون في المجلس. 3266 - * روى الطبراني عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال سبحان الله وبحمده سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك فقالها في مجلس ذكر كان كالطابع يطبع عليه ومن قالها في مجلس لغو كانت كفارة له". وفي رواية "كفارة المجلس ألا يقوم حتى يقول سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت تب علي واغفر لي يقولها ثلاث مرات فإن كان في مجلس لغط كان كفارة له وإن كان مجلس ذكر كان طابعاً عليه". 3267 - * روى أبو داود عن ابن عمر كان يعد للنبي صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد قبل أن

_ 3264 - النسائي (3/ 71، 72) 13 - كتاب السهو، 87 - نوع آخر من الذكر بعد التسليم، وإسناده حسن. (طابعاً) الطابع: الخاتم. 3265 - الطبراني (الكبير) (4/ 287). الروض الداني (1/ 370، 371). مجمع الزوائد (10/ 141) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الثلاثة، ورجاله ثقات. 3266 - الطبراني (الكبير) (2/ 139). مجمع الزوائد (10/ 142) وقال الهيثمي: رواه كله الطبراني ورجال الرواية الأولى رجال الصحيح. 3267 - أبو داود (2/ 85) كتاب الصلاة، باب في الاستغفار. الترمذي (5/ 494، 495) 49 - كتاب الدعوات، 39 - باب ما يقول إذا قام من المجلس، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، ورواه أيضاً النسائي وابن ماجه. كذا في تخريج السنن 2/ 151.

يقوم مائة مرة، رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم. 3268 - * روى الترمذي عن نافع مولى ابن عمر قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا جلس مجلساً لم يقم حتى يدعو بهن لجلسائه، وزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهن لجلسائه: "اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم أمتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا". 3269 - * روى الحاكم عن سعيد بن أبي الحسن قال كنا في بيت في شهادة فدخل علينا أبو بكرة فقام إليه رجل عن مجلسه فقال أبو بكرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه ثم يقعد فيه ولا تمسح يدك بثوب من لا تملك".

_ 3268 - الترمذي (5/ 528) 49 - كتاب الدعوات، 80 - باب. وحسنه، وأخرجه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي. 3269 - الحاكم (4/ 272) وقال: قد اتفق الشيخان على حديث القيام ولم يخرجا حديث الثوب، وهو صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.

الفصل الرابع في بعض أدعية الكرب والهم والفزع

الفصل الرابع في بعض أدعية الكرب والهم والفزع

3270 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض، لا إله إلا الله رب العرش الكريم". وأخرجه الترمذي، وليس عنده بعد "الأرض" "لا إله إلا الله". 3271 - * روى أبو داود عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار- يقال له: أبو أمامة- جالساً فيه، فقال: "يا أبا أمامة، مالي أراك جالساً في المسجد في غير وقت صلاة؟ " قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: "ألا أعلمك كلاماً إذا قلته أذهب الله عز وجل همك، وقضى عنك دينك؟ " فقال: بلى يا رسول الله، قال: "قل- إذا أصبحت وإذا أمسيت- اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من البخل والجبن، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال"، فقلت ذلك، فأذهب الله همي، وقضى عني ديني". 3272 - * روى الترمذي عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كربه أمر، يقول: "يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث". وبإسناده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألظوا بياذا الجلال والإكرام".

_ 3270 - البخاري (11/ 144) 80 - كتاب الدعوات، 27 - باب الدعاء عند الكرب. مسلم (4/ 2092، 2093) 48 - كتاب الذكر والدعاء، 21 - باب دعاء الكرب. الترمذي (5/ 495) 49 - كتاب الدعوات، 40 - باب ما جاء ما يقول عند الكرب. 3271 - أبو داود (2/ 93) كتاب الصلاة، باب في الاستعاذة. 3272 - الترمذي (5/ 539) 49 - كتاب الدعوات، 92 - باب، وهو حسن بشواهده. (ألظوا) ألظوا بالشيء: إذا لازمه، يقول: لازموه، وثابروا عليه، وأكثروا عليه، وأكثروا من التلفظ بـ"ياذا الجلال والإكرام".

3273 - * روى أبو داود عنأسماء بنت عميس (رضي الله عنهما) قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب- أو في الكرب-؟: الله، الله ربي لا أشرك به شيئاً". أقول: استدل بعضهم بهذا الحديث على مشروعية الذكر باسم الله المفرد (الله) كما استدلوا على ذلك بحديث مسلم: "لا تقوم الساعة وفي الأرض من يقول الله، الله" وقد ناقش بعضهم في ذلك، والحجة قائمة على من جادل بقوله تعالى: (واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا) فلا شك أن من قال: (الله) فقد ذكر الله بأعظم أسمائه، وهؤلاء لم يفطنوا لمعنى الذكر وحكمته إذ منعوا الذكر باسم الله لأن من مقاصد الأذكار أن يبقى القلب متذكراً ربه وهذا يتحقق بمجرد ذكر الاسم ولو لم يكن مضافاً إليه شيء، وقياسه ذكر المخلوق على ذكر الخالق قياس فاسد. 3274 - * روى أحمد عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كثر همه فليقل: اللهم إني عبدك وابن عبدك، وابن أمتك، وفي قبضتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في مكنون الغيب عندك: أن تجعل القرآن ربيع قلبي، وجلاء همي وغمي، ما قالها عبد قط إلا أذهب الله غمه، وأبدله به فرحاً". 3275 - * روى أحمد عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلمات المكروب:

_ 3273 - أبو داود (2/ 87) كتاب الصلاة، باب في الاستغفار. وهو حسن بشاهده. 3274 - أحمد (1/ 391، 452). وصححه ابن حبان. مجمع الزوائد (10/ 136) وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلي والبزار إلا أنه قال وذهاب غمي مكان هي، والطبراني ورجال أحمد وأبي يعلي رجال الصحيح غير أبي سلمة وثقه ابن حبان. (استأثرت) الاستئثار بالشيء: التخصيص به والانفراد. (ربيع قلبي) جعل القرآن ربيع قلبه، لأن الإنسان يرتاح قلبه في الربيع من الأزمان، ويميل إليه. 3275 - أحمد (5/ 42). أبو داود (4/ 324) كتاب الأدب، 110 - باب ما يقول إذا أصبح. ابن حبان (2/ 158) ذكر وصف دعوات المكروب. مجمع الزوائد (10/ 137) وقال الهيثمي: رواه الطبراني، وإسناده حسن.

اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله أنت". 3276 - * روى الترمذي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أهمه أمر رفع رأسه إلى السماء، وقال: "سبحان الله العظيم"، وإذا اجتهد في الدعاء، قال: "يا حي يا قيوم". وفي رواية (1) ذكرها رزين: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دهمه أمر رفع رأسه، وقال: "سبحان الله العظيم، اللهم إليك المشتكى، وبك المستعان، وعليك التكلان، يا حي يا قيوم".

_ 3276 - الترمذي (5/ 495، 496) 49 - كتاب الدعوات، 40 - باب ما جاء ما يقول عند الكرب، وفي سنده إبراهيم بن الفضل المخزومي، وهو متروك. (1) رواها رزين في مسنده.

الفصل الخامس في ما يقال عند مناسبة أو حال أو عمل سوى ما مر أو سيمر معنا في مناسبته

الفصل الخامس في ما يقال عند مناسبة أو حال أو عمل سوى ما مر أو سيمر معنا في مناسبته

ما يقوله من سئل عن حاله

ما يقوله من سئل عن حاله: 3277 - * روى الطبراني عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل: "كيف أصبحت يا فلان؟ " قال: أحمد الله إليك يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذلك الذي أردت منك". 3278 - * روى الطبراني عن يونس بن ميسرة بن حلبس قال: لقيت واثلة بن الأسقع فسلمت عليه فقلت: كيف أنت يا أبا شداد أصلحك الله؟ قال: بخير يا ابن أخي. ما يقول إذا خلع ثوبه لغسل أو نوم أو نحوهما: 3279 - * روى الطبراني في الأوسط عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم أن يقول الرجل المسلم إذا أراد أن يطرح ثيابه: بسم الله الذي لا إله إلا هو". ما يقول إذا أراد دخول الخلاء: 3280 - * روى الشيخان عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند دخول الخلاء: "اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث".

_ 3277 - مجمع الزوائد (8/ 46) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وفيه رشدين بن سعد وهو ضعيف وقال: لا يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد. 3278 - مجمع الزوائد (10/ 140) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات. 3279 - مجمع الزوائد (1/ 205) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط بإسنادين أحدهما فيه سعيد بن مسلمة الأموي ضعفه البخاري وغيره ووثقه ابن حبان وابن عدي وبقية رجاله موثقون، وهذا الحديث رواه الترمذي وابن ماجه من حديث علي نحوه وقد صححه العلماء. 3280 - البخاري (1/ 242) 4 - كتاب الوضوء، 9 - باب ما يقول عند الخلاء. مسلم (1/ 283) 3 - كتاب الحيض، 32 - باب ما يقول إذا أراد دخول الخلاء. (الخبث) بضم الباء وبسكونها، ولا يصح قول من أنكر الإسكان، قاله النووي.

ما يقول إذا خرج من الخلاء

ما يقول إذا خرج من الخلاء: 3281 - * روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء، قال: "غفرانك". ما يقول بعد الوضوء: 3282 - * روى النسائي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء، فتوضأ، فسمعته يدعو ويقول: "اللهم اغفر لي ذنبي، ووسع لي في داري، وبارك لي في رزقي". فقلت: يا نبي الله سبمعتك تدعو بكذا وكذا، قال: "وهل تركن من شيء". قال النووي: وأما الدعاء على أعضاء الوضوء فلم يجيء فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال الفقهاء يستحب فيه دعوات جاءت عن السلف، وزادوا ونقصوا فيها، فالمتحصل مما قالوه أنه يقول بعد التسمية: الحمد لله الذي جعل الماء طهوراً، ويقول عند المضمضة: اللهم اسقني من حوض نبيك صلى الله عليه وسلم كأساً لا أظمأ بعده أبداً، ويقول عند الاستنشاق: اللهم لا تحرمني رائحة نعيمك وجناتك، ويقول عند غسل الوجه: اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، ويقول عند غسل اليدين: اللهم أعطني كتابي بيميني، اللهم لا تعطني كتابي بشمالي، ويقول عند مسح الرأس: اللهم حرم شعري وبشري على النار، وأظلني تحت عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، ويقول عند مسح الأذنين: اللهم اجعلني من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ويقول عند غسل الرجلين: اللهم ثبت قدمي على الصراط. والله أعلم.

_ 3281 - أبو داود (1/ 8) كتاب الطهارة، 17 - باب ما يقول إذا خرج من الخلاء. الترمذي (1/ 12) أبواب الطهارة، 5 - باب ما يقول إذا خرج من الخلاء، وحسنه. ابن ماجه (1/ 110) 1 - كتاب الطهارة وسننها، 10 - باب ما يقول إذا خرج من الخلاء. (غفرانك) الغفران: مصدر، وإنما نصبه بإضمار: أطلب، وقيل: في اختصاص هذا الدعاء قولان، أحدهما: التوبة من تقصيره في شكر النعمة التي أنعم بها عليه: من إطعامه، وهضمه، وتسهيل مخرجه، فرأى أن شكره قاصر عن بلوغ حق هذه النعمة، ففزع إلى الاستغفار منه، والثاني: أنه استغفر من تركه ذكر الله سبحانه مدة لبثه على الخلاء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم إلا عند قضاء الحاجة فكأنه رأى ذلك تقصيراً فتداركه بالاستغفار. قاله ابن الأثير. 3282 - النسائي وابن السني في عمل اليوم والليلة والحديث صحيح.

ما يقول إذا استيقظ من الليل وخرج من بيته

ما يقول إذا استيقظ من الليل وخرج من بيته: قال النووي: يستحب له إذا استيقظ من الليل وخرج من بيته أن ينظر إلى السماء ويقرأ الآيات الخواتم من سورة آل عمران {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} إلى آخر السورة. ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله، إلا النظر إلى السماء فهو في صحيح البخاري دون مسلم. 3283 - * روى الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بثلاث فأذن المؤذن: يعني الصبح، فخرج إلى الصلاة وهو يقول: "اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي لساني نوراً، واجعل في سمعي نوراً، واجعل في بصري نوراً، واجعل من خلفي نوراً ومن أمامي نوراً، واجعل من فوقي نوراً ومن تحتي نوراً، اللهم أعطني نوراً". وزاد في رواية (1): "وعن يميني نوراً وعن شمالي نوراً". وفي رواية (2): "واجعلني نوراً". وفي رواية (3): "واجعل في نفسي نورا وأعظم لي نوراً". وفي رواية (4) قال كريب: وسبع في التابوت، فلقيت رجلاً من ولد العباس فحدثني بهن فذكر "عصبي ولحمي ودمي وشعري وبشري" وذكر خصلتين. أقول: للسائرين إلى الله عز وجل فهم لهذا الحديث يتذوقونه، فهناك أنوار يكرم الله عز وجل بها عباده، وقد طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الغاية من هذه الأنوار ولقد قال شراح السنة كلاماً في هذا الحديث نجتزئ منه ما يلي:

_ 3283 - البخاري (11/ 116) 80 - كتاب الدعوات، 10 - باب الدعاء إذا انتبه من الليل. مسلم (1/ 526) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 26 - باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه. (1) مسلم، (1/ 529). (2) مسلم، (1/ 529). (3) مسلم، (1/ 530). (4) رواية "سب في التابوت" هي رواية البخاري السابقة.

قال البغوي (6/ 45): قال العلماء: سأل النور في أعضائه وجهاته، والمراد بيان الحق وضياؤه والهداية إليه فسأل النور في جميع أعضاءه وجسمه وتصرفاته وتقلباته وحالاته وجملته في جهاته الست حتى لا يزيغ شيء منها عنه. وقال ابن حجر في (الفتح 11/ 118): قال القرطبي: هذه الأنوار التي دعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يمكن حملها على ظاهرها فيكون سأل الله تعالى أن يجعل له في كل عضو من أعضائه نوراً يستضيء به يوم القيامة في تلك الظلم هو ومن تبعه أو من شاء الله منهم، قال: والأولى أن يقال: هي مستعارة للعلم والهداية كما قال تعالى: {فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} (1) وقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} (2) ثم قال: والتحقيق في معناه أن النور مظهر ما نسب إليه، وهو يختلف بحسبه: فنور السمع مظهر المسموعات، ونور البصر كاشف المبصرات، ونور القلب كاشف عن المعلومات، ونور الجوارح ما يبدو عليها من أعمال الطاعات قال الطيبي: معنى طلب النور للأعضاء عضواً عضواً أن يتحلى بأنوار المعرفة والطاعات ويتعرى عما عداهما. أما قوله وسبع في التابوت: قال ابن حجر (11/ 117): وقد اختلف في مراده بقوله التابوت، فجزم الدمياطي في حاشيته بأن المراد به الصدر الذي هو وعاء القلب، وسبق ابن بطال والداودي إلى أن المراد بالتابوت الصدر، وزاد ابن بطال: كما يقال لمن يحفظ العلم، علمه في التابوت مستودع، وقال النووي تبعاً لغيره: المراد بالتابوت الأضلاع وما تحويه من القلب وغيره تشبيهاً بالتابوت الذي يحرز فيه المتاع، يعني سبع كلمات في قلبي ولكن نسيتها، قال: وقيل المراد سبعة أنوار كانت مكتوبة في التابوت الذي كان لبني إسرائيل فيه السكينة، وقال ابن الجوزي يريد بالتابوت الصندوق أي سبع مكتوبة في صندوق عنده لم يحفظها في ذلك الوقت. قال ابن حجر: ويؤيده ما وقع عند أبي عوانة من طريق أبي حذيفة عن الثوري بسند حديث الباب "قال كريب: وستة عندي مكتوبات في التابوت" اهـ.

_ (1) الزمر: 22. (2) الأنعام: 122.

ما يقوله إذا راعه شيء أو فزع

ما يقوله إذا راعه شيء أو فزع: 3284 - * روى النسائي عن ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا راعه شيء قال: "هو الله، الله ربي لا شريك له". 3285 - * روى أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم من الفزع كلمات: "أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وشر عباده، ومن همزات الشياطين، وأن يحضرون" وكان عبد الله بن عمرو يعلمهن من عقل من بنيه، ومن لم يعقل كتبه فعلقه عليه. ما يقول إذا خاف قوماً: 3286 - * روى أحمد عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خاف قوماً قال: "اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم". ما يقول إذا عرض له شيطان أو خافه: قال الله تعالى {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (1) وقال تعالى: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا} (2) فينبغي أن يتعوذ ثم يقرأ من القرآن ما تيسر. 3287 - *روى مسلم عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فسمعناه يقول: "أعوذ بالله منك"، ثم قال: "ألعنك بلعنة الله ثلاثاً"، وبسط يده

_ 3284 - أخرجه النسائي وابن السني في عمل اليوم والليلة، وحسنه الحافظ. 3285 - أبو داود (4/ 12) كتاب الطب، 19 - باب كيف الرقي؟ الترمذي (5/ 541، 542) 49 - كتاب الدعوات، 94 - باب، وقال: حديث حسن، وهذا الحديث رواه أبو داود أيضاً. 3286 - أحمد (4/ 415). أبو داود (2/ 89) كتاب الصلاة، باب ما يقول إذا خاف قوماً، وصححه الحاكم وابن حبان والنووي. (1) فصلت: 36. (2) الإسراء: 45. 3287 - مسلم (1/ 385) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 8 - باب جواز لعن الشيطان في أثناء الصلاة.

ما يقول إذا غلبه أمر

كأنه يتناول شيئاً، فلما فرغ من الصلاة قلنا: يا رسول الله سمعناك تقول في الصلاة شيئاً لم نسمعك تقوله قبل ذلك، ورأيناك بسطت يدك، قال: "إن عدو الله إبليس جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهي، فقلت: أعوذ بالله منك ثلاث مرات، ثم قلت: ألعنك بلعنة الله التامة، فاستأخر ثلاث مرات، ثم أردت أن آخذه، والله لولا دعوة أخي سليمان لأصبح موثقاً تلعب به ولدان أهل المدينة". ما يقول إذا غلبه أمر: 3288 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف، وفي كل خير احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجزن، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل، فإن "لو" تفتح عمل الشيطان". 3289 - * روى أبو داود عن عوف بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بين رجلين فقال المقضي عليه لما أدبر: حسبي الله ونعم الوكيل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى يلوم على العجز، ولكن عليك بالكيس فإذا غلبك أمر فقل حسبي الله ونعم الوكيل". ما يقال عند البأس والشدة: 3290 - * روى أحمد عن أبي سعيد الخدري قال: قلنا يوم الخندق: يا رسول الله هل من شيء نقول قد بلغت القلوب الحناجر قال: "نعم اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا"

_ 3288 - مسلم (4/ 2052) 46 - كتاب القدر، 8 - باب في الأمر بالقوة وترك العجز. 3289 - أبو داود (3/ 313) كتاب الأقضية، باب الرجل يحلف على حقه، وحسنه الحافظ، قال النووي: الكيس بفتح الكاف وإسكان الياء، ويطلق على معان: منها الرفق، فمعناه والله أعلم: عليك بالعمل في رفق بحيث تطيق الدوام عليه. 3290 - أحمد (3/ 3). مجمع الزوائد (10/ 136) وقال الهيثمي: رواه أ؛ مد والبزار وإسناد البزار متصل ورجاله ثقات وكذلك رجال أحمد إلا أن في نسختين من المسند عن ربيح بن أبي سعيد عن أبيه وهو في البزار عن أبيه عن جده.

ما يقول إذا استصعب عليه أمر

قال: فضرب الله عز وجل وجوه أعدائنا بالريح هزمهم الله عز وجل بالريح. ما يقول إذا استصعب عليه أمر 3291 - * روى ابن حبان عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً". ما يقوله من ابتلي بالدين: 3292 - * روى الترمذي عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) "أن مكاتباً جاءه، فقال: إني عجزت عن مكاتبتي فأعني، قال: ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لو كان عليك مثل جبل صبير ديناً أداه عنك؟ قال: قل "اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك". 3293 - * روى الطبراني في الصغير عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ "ألا أعلمك دعاءً تدعو به لو كان عليك مثل جبل أحد دينا لأدى الله عنك قل يا معاذ: اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير رحمن الدنيا والآخرة تعطيهما من تشاء وتمنع منهما من تشاء ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك". ما يقوله إذا أصابته نكبة قليلة أو كثيرة: قال الله تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ

_ 3291 - ابن حبان وابن السني وصححه الحافظ. (الحزن) بفتح الحاء المهملة وإسكان الزاي. وهو غليظ الأرض وخشنها. 3292 - الترمذي (5/ 560) 49 - كتاب الدعوات، 111 - باب، وهو حديث حسن. (مكاتباً) المكاتب: البد يشتري نفسه من مولاه بمال معين في ذمته ليؤديه إليه من كسبه. (صبير) جبل باليمن، وقال بعضهم: الذي جاء في حديث علي "مثل جبل صير، بإسقاط الباء الموحدة، قال: وهو جبل لطيء، وجبل على الساحل أيضاً، بين عمان وسيراف، قال: فأما صبير: فإنما جاء في حديث معاذ. 3293 - الروض الداني إلى المعجم الصغير (1/ 336، 337). ... =

في الدعاء عند رؤية الهلال

رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (1). 3294 - * روى ابن السني عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليسترجع أحدكم في كل شيء حتى في شسع نعله، فإنها من المصائب". في الدعاء عند رؤية الهلال 3295 - * روى الترمذي عن طلحة بن عبيد الله (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال، قال: "اللهم أهله علينا باليمن والسلامة والإسلام، ربي وربك الله". في دعاء الرعد والسحاب والريح وبعض الآداب فيها: 3296 - * روى مسلم عن عائشة (رضي الله عنها) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا عصفت الريح، قال: "اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها، وشر ما أرسلت به". إلا أن الترمذي قال: "كان إذا رأى الريح". 3297 - * روى أبو داود عن عائشة (رضي الله عنها) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى ناشئاً في أفق السماء ترك العمل، وإن كان في صلاة خفف، ثم يقول: "اللهم إني أعوذ

_ = مجمع الزوائد (10/ 186) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الصغير، ورجاله ثقات. (1) البقرة: 155، 156، 157. 3294 - رواه ابن السني في كتابه، وحسنه الحافظ وغيره بطرقه وشواهده. (الشسع) بكسر الشين المعجمة ثم بإسكان السين المهملة، وهو أحد سيور النعل التي تشد إلى زمامها. 3295 - الترمذي (5/ 504) 49 - كتاب الدعوات، 51 - باب ما يقول عند رؤية الهلال وحسنه لشواهده، وقال الحافظ في تخريج الأذكار: حديث حسن، أخرجه أحمد وإسحاق في مسنديهما. 3296 - مسلم (2/ 616) 9 - كتاب صلاة الاستسقاء، 3 - باب التعوذ عند رؤية الريح والغيم. الترمذي (5/ 503) 49 - كتاب الدعوات، 49 - باب ما يقول إذا هاجت الريح. (عصفت) الريح: إذا اشتد هبوبها. 3297 - أبو داود (4/ 326) كتاب الأدب، 113 - باب ما يقول إذا هاجت الريح، وإسناده صحيح. (ناشئاً) الناشئ: السحاب المرتفع. (صيباً) الصيب: المطر المدرار.

بك من شرها، فإن مطر، قال: اللهم صيبا هنيئاً". 3298 - * روى أبو داود عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الريح من روح الله، وروح الله تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب، فإذا رأيتموها فلا تسبوها، وسلوا الله من خيرها، واستعيذوا بالله من شرها". 3299 - * روى الترمذي عن أبي بن كعب (رضي الله عنه) قال: كان رسول الله صلى اله عليه وسلم "لا تسبوا الريح، فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح، وخير ما فيها، وخير ما أمرت به، ونعوذ بك من شر هذه الريح، وشر ما فيها، وشر ما أمرت به". 3300 - * روى الطبراني عن سلمة بن الأكوع قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتدت الريح قال "اللهم لقحاً لا عقيماً". في تشميت العاطس: 3301 - * روى البخاري عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله على كل حال، وليقل له أخوه، أو صاحبه: يرحمك الله، فإذا قال له: يرحمك الله، فليقل: يهديكم الله ويصلح بالكم".

_ 3298 - أبو داود (4/ 326) كتاب الأدب، باب ما يقول إذا هاجت الريح، وإسناده حسن، قال الحافظ: هذا حديث حسن صحيح. 3299 - الترمذي (5/ 503) وللحديث شواهد ولذلك قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. 3300 - الطبراني (الكبير) (7/ 33). مجمع الزوائد (10/ 135) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله رجال الصحيح غير المغيرة بن عبد الرحمن وهو ثقة. 3301 - البخاري (10/ 608) 78 - كتاب الأدب، 126 - باب إذا عطس كيف يشمت. أبو داود (4/ 307، 308) كتاب الأدب، باب ما جاء في تشميت العاطس. (بالكم) البال: الحال، والبال: القلب.

3302 - *روى مالك عن نافع- مولى ابن عمر (رضي الله عنهما) "أن ابن عمر كان إذا عطس، فقيل له: يرحمك الله، قال: يرحمنا الله وإياكم، ويغفر لنا ولكم". 3303 - * روى الترمذي عن هلال بن يساف (رحمه الله) عن سالم بن عبيد الأشجعبي "أنه كان مع القوم في سفر، فعطس رجل من القوم فقال: السلام عليكم، فقال له سالم، وعليك وعلى أمك، فكأن الرجل وجد في نفسه، فقال: أما إني لم أقل إلا ما قال النبي صلى الله عليه وسلم" هكذا عند الترمذي وعند أبي داود (1): "فقال له سالم: وعليك وعلى أمك، ثم قال له بعد: لعلك وجدت مما قلت لك، فقال: وددت أنك لم تذكر أمي بخير ولا شر، قال سالم: إنما قلت لك كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنا بينا نحن عنده- ثم اتفقا- إذ عطس رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: السلام عليكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعليك وعلى أمك، ثم قال: إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله رب العالمين، وليقل له من يرد عليه: يرحمك الله، وليرد عليه: يغفر الله لنا ولكم". 3304 - * روى الترمذي عن نافع- مولى ابن عمر- (رضي الله عنهما) قال: "عطس رجل إلى جنب ابن عمر، فقال: الحمد لله، والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ابن عمر: وأنا أقول: الحمد لله، والسلام على رسول الله، ما هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول إذا عطسنا، إنما علمنا أن نقول: الحمد لله على كل حال". في دعاء ليلة القدر 3305 - * روى أحمد عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: "قلت: يا رسول الله إن وافقت ليلة القدر، ما أدعو به؟ قال: قولي: "اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني".

_ 3302 - الموطأ (2/ 965) 54 - كتاب الاستئذان، 2 - باب التشميت في العطاس، وإسناده صحيح. 3303 - الترمذي (5/ 82) 44 - كتاب الأدب، 3 - باب ما جاء كيف تشميت العاطس. (1) أبو داود (4/ 307) كتاب الأدب، باب ما جاء في تشميت العاطس، وهو حديث حسن. (وجد في نفسه) وجد فلان في نفسه من كذا، إذا غضب، من الموجدة: الغضب. 3304 - الترمذي (5/ 81) 44 - كتاب الأدب، 2 - باب ما يقول العاطس إذا عطس. وهو حسن بشواهده. 3305 - أحمد (6/ 171، 182، 183، 205، 208، 258). الترمذي (5/ 534) 49 - كتاب الدعوات، 85 - باب، وقال: هذا حديث حسن صحيح. ابن ماجه (2/ 1265) 34 - كتاب الدعاء، 4 - باب الجوامع من الدعاء، وصححه النووي في الأذكار.

في دعاء الحفظ

في دعاء الحفظ 3306 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنمها) قال: "بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه علي بن أبي طالب، فقال: بأبي أنت وأمي، يا رسول الله يتفلت هذا القرآن من صدري، فما أجدني أقدر عليه؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا الحسن، أفلا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن، ويثبت بهن ما تعلمت في صدرك؟ قلت: أجل يا رسول الله، فعلمني، قال: إذا كان ليلة الجمعة، فإن استطعت أن تقوم في ثلث الليل الآخر، فإنها ساعة مشهودة والدعاء فيها مستجاب، وقد قال أخي يعقوب لبنيه: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ، لَكُمْ رَبِّي} (1) يقول: حتى تأتي ليلة الجمعة، فإن لم تستطع فقم في وسطها، فإن لم تستطع فقم في أولها، فصل أربع ركعات، تقرأ في الأولى بفاتحة الكتاب، ويس، وفي الثانية بفاتحة الكتاب، وحم الدخان، وفي الثالثة بفاتحة الكتاب، والم تنزيل السجدة، وفي الركعة الرابعة بفاتحة التكاب، وتبارك المفصل، فإذا فرغت من التشهد فاحمد الله، وأحسن الثناء عليه، وصل علي وأحسن، وصل على سائر النبيين، واستغفر للمؤمنين والمؤمنات، ولإخوانك الذين سبقوك بالإيمان، ثم قل في آخر ذلك: اللهم ارحمني بترك المعاصي أبداً ما أبقيتني، وارحمني أن أتكلف مالا يعنيني، وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني، اللهم بديع السموات والأرض، ذا الجلال والإكرام، والعزة التي لا ترام، أسألك يا الله، يا رحمن، بجلالك ونور وجهك: أن تلزم قلبي حفظ كتابك كما

_ 3306 - الترمذي (5/ 563، 564، 565) 49 - كتاب الدعوات، 115 - باب في دعاء الحفظ. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم، ورواه الحاكم وقال المنذري: طريق أسانيد الحديث جيدة، ومتنع غريب جداً. قال الذهبي (1/ 317): هذا حديث منكر شاذ أخاف أن يكون موضوعاً وقد حيرني والله جودة سنده، قاله الذهبي في تلخيص المستدرك، وقال الذهبي في ترجمة سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي بعد ذكره الحديث في الميزان: وهو مع نظافة سنده حديث منكر جداً في نفسي منه شيء فالله أعلم، فلعل سليمان شبه له وأدخل عليه كما قال فيه أبو حاتم: لو أن رجلاً وضع له حديثاً لم يفهم. وقد حكم لذلك بعض المتأخرين على الحديث بالضعف فقط وإنما أوردنا هذا الحديث لجودة سنده. (لم أخرم) أي: لم أترك ولم أدع. (1) يوسف: 97.

ما يقال للزوج بعد عقد النكاح

علمتني، وارزقني أن أتلوه على النحو الذي يرضيك عني، اللهم بديع السموات والأرض، ذا الجلال والإكرام، والعزة التي لا ترام، أسألك يا الله يا رحمن، بجلالك، ونور وجهك: أن تنور بكتابك بصري، وأن تطلق به لساني، وأن تفرج به عن قلبي، وأن تشرح به صدري، وأن تغسل به بدني، فإنه لا يعينني على الحق غيرك، ولا يؤتنيه إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، يا أبا الحسن، تفعل ذلك ثلاث جمع، أو خمساً، أو سبعاً، تجاب بإذن الله، والذي بعثني، ما أخطأ مؤمناً قط. قال ابن عباس: والله ما لبث علي إلا خمساً، أو سبعاً، حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك المجلس، فقال يا رسول الله، كنت فيما خلا، لا آخذ إلا أربع آيات، أو نحوها، فإذا قرأتهن على نفسي تفلتن مني، وإني أتعلم اليوم أربعين آية أو نحوها، فإذا قرأتها على نفسي، فكأنما كتاب الله بين عيني، ولقد كنت أسمع الحديث، فإذا رددته على نفسي تفلت، وأنا أسمع اليوم الأحاديث، فإذا تحدثت بها لم أخرم منها حرفاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: مؤمن ورب الكعبة أبا الحسن". ما يقال للزوج بعد عقد النكاح: 3307 - * روى النسائي عن الحسن البصري (رحمه الله) قال: تزوج عقيل بن أبي طالب امرأة من بني جشم، فقالوا: بالرفاء والبنين، فقال: قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بارك الله فيكم، وبارك لكم". 3308 - * روى الشيخان عن أنس رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه حين أخبره أنه تزوج: بارك الله لك".

_ 3307 - النسائي (6/ 128) 26 - كتاب النكاح، 73 - كيف يدعي للرجل إذا تزوج. (بالرفاء) الرفاء: الموافقة وحسن المعاشرة، وهو من رفو الثوب. وقيل: هو من رفوت الرجل: إذا سكنت ما به من روع، وقوله: "بالرفاء والبنين" يعنون أن هذا النكاح يكون متلبساً بالرفاء والبنين، وإنما نهي عنه لأنه كان من شعار الجاهلية، فكره لذلك. 3308 - البخاري (9/ 221) 67 - كتاب النكاح، 56 - باب كيف يدعي للمتزوج. مسلم (2/ 1042) 16 - كتاب النكاح، 13 - باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد ... إلخ. وفي الصحيح أيضاً أن صلى الله عليه وسلم قال لجابر رضي الله عنه حين أخبره أنه تزوج: "بارك الله عليك".

ما يقول من أراد أن يأتي أهله

3309 - * روى أبو داود عنأبي هريرة رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفأ الإنسان أي إذا تزوج قال: بارك الله لك. وبارك عليك، وجمع بينكما في خير". ما يقول من أراد أن يأتي أهله: 3310 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما لو أن أحدكم قال: إذا أراد أن يأتي أهله، أو قال: حين يأتي أهله- بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، ثم قدر بينهما في ذلك ولد، لم يضره شيطان أبداً". ما يقوله إذا سمع أصوات بعض الحيوان: 3311 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سمعتم صياح الديكة فسلوا الله من فضله، فإنها رأت ملكاً، وإذا سمعتم نهيق الحمار فتعوذوا بالله من الشيطان، فإنها رأت شيطاناً". 3312 - * روى أبو داود عن جابر عن عبد الله (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سمعتم نباح الكلاب، ونهيق الحمر بالليل، فتعوذوا بالله، فإنهم يرون ما لا ترون".

_ 3309 - أبو داود (2/ 241) كتاب النكاح، 36 - باب ما يقال للمتزوج. الترمذي (3/ 400) 9 - كتاب النكاح، 7 - باب ما جاء فيما يقال للمتزوج، وقال: حديث حسن صحيح. 3310 - البخاري (9/ 228) 67 - كتاب النكاح، 66 - باب ما يقول الرجل إذا أتى أهله. مسلم (2/ 1058) 16 - كتاب النكاح، 18 - باب ما يستحب أن يقوله عند الجماع. أبو داود (2/ 249) كتاب النكاح، باب في جامع النكاح. الترمذي (3/ 401) 9 - كتاب النكاح، 8 - باب ما يقول إذا دخل على أهله. 3311 - البخاري (6/ 350) 59 - كتاب بدء الخلق، 15 - باب خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال. مسلم (4/ 2092) 48 - كتاب الذكر والدعاء، 20 - باب استحباب الدعاء عند صياح الديك. أبو داود (4/ 327) كتاب الأدب، 115 - باب ما جاء في الديك والبهائم. الترمذي (5/ 508) 49 - كتاب الدعوات، 57 - باب ما يقول إذا سميع نهيق الحمار. 3312 - أبو داود (4/ 327) كتاب الأدب، 115 - باب ما جاء في الديك والبهائم، وهو حديث صحيح بطرقه.

ما يقول إذا اشترى خادما أو دابة

ما يقول إذا اشترى خادماً أو دابة: 3313 - * روى أبو يعلى عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا اشترى أحدكم خادماً فليأخذ بناصيتها وليقل اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه، وإذا اشترى بعيراً فليأخذ بذروة سنامه وليقل مثل ذلك". وفي رواية (1) عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا اشترى أحدكم الجارية فليقل: اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه. وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه. وليدع بالبركة. وإذا اشترى أحدكم بعيراً فليأخذ بذروة سنامه وليدع بالبركة وليقل مثل ذلك". ما يقوله من بلي بالوسوسة قال النووي: قال الله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} فأحسن ما يقال ما أدبنا الله تعالى به وأمرنا بقوله. 3314 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا من خلق كذا، حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته" وفي رواية (2) في الصحيح: "لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا خلق الله الخلق، فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئاً فليقل: آمنت بالله ورسله".

_ 3313 - أبو يعلى (11/ 490). مجمع الزوائد (10/ 141) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلي وفيه حبان بن علي، وقد وثق على ضعفه، وبقية رجاله رجال الصحيح. (1) ابن ماجه (2/ 757) 12 - كتاب التجارات، 47 - باب شراء الرقيق، والحديث حسن. 3314 - البخاري (6/ 336) 59 - كتاب بدء الخلق، 11 - باب صفة إبليس وجنوده. مسلم (1/ 120) 1 - كتاب الإيمان، 60 - باب بيان الوسوسة في الإيمان. (2) مسلم (1/ 119) وما بعدها.

3315 - *روى مسلم عن عثمان بن أبي العاصي (رضي الله عنه) قال: قلت يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذلك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثاً" ففعلت ذلك فأذهبه الله عني. قال النووي: خنزب بخاء معجمة ثم نون ساكنة ثم زاي مفتوحة ثم باء موحدة، واختلف العلماء في ضبط الخاء منه، فمنهم من فتحها، ومنهم من كسرها، وهذان مشهوران، ومنهم من ضمها حكاه ابن الأثير في نهاية الغريب، والمعروف الفتح والكسر. قال النووي: بإسنادنا الصحيح في رسالة الأستاذ أبي القاسم القشيري رحمه الله عن أحمد بن عطاء الروذباري السيد الجليل رضي الله عنه قال: كان لي استقصاء في أمر الطهارة وضاق صدري ليلة لكثرة ما صببت من الماء ولم يسكن قلبي، فقلت: يارب عفوك عفوك، فسمعت هاتفاً يقول: العفو في العلم، فزال عني ذلك. وقال بعض العلماء: يستحب قول "لا إله إلا الله" لمن ابتلي بالوسوسة في الوضوء أو في الصلاة أو شبههما، فإن الشيطان إذا سمع الذكر خنس: أي تأخر وبعد، و"لا إله إلا اله" رأس الذكر، ولذلك اختار السادة الأجلة من صفوة هذه الأمة أهل تربية السالكين وتأديب المريدين قول "لا إله إلا الله" لأهل الخلوة وأمروهم بالمداومة عليها، وقالوا: أنفع علاج في دفع الوسوسة الإقبال على ذكر الله تعالى والإكثار منه. وقال السيد الجليل أحمد بن أبي الحواري- بفتح الراء وكسرها- شكوت إلى أبي سليمان الداراني الوسواس، فقال: إذا أردت أن ينقطع عنك، فأي وقت أحسست به فافرح، فإنك إذا فرحت به انقطع عنك، لأنه ليس شيء أبغض إلى الشيطان من سرور المؤمن، وإن اغتتمت به زادك. قلت: وهذا مما يؤيد ما قاله بعض الأئمة: إن الوسواس إنما يبتلى به من كمل إيمانه، فإن اللص لا يقصد بيتاً خرباً. اهـ.

_ 3315 - مسلم (4/ 1728، 1729) 39 - كتاب السلام، 25 - باب التعوذ من الشيطان في الصلاة.

بعض ما يقوله المريض وما يدعى له به

بعض ما يقوله المريض وما يدعى له به: 3316 - * روى الترمذي عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري (رضي الله عنهما) قال الأغر أبو مسلم: أشهد على أبي سعيد وأبي هريرة أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من قال: لا إله إلا الله والله أكبر، صدقه ربه وقال: لا إله إلا أنا، وأنا أكبر، وإذا قال: لا إله إلا الله وحده، قال: يقول الله: لا إله إلا أنا وحدي، وإذا قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قال الله: لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي، وإذا قال: لا إله إلا الله، له الملك وله الحمد، قال الله تعالى: لا إله إلا أنا، لي الملك ولي الحمد، وإذا قال: لا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال الله تعالى: لا إله إلا أنا، ولا حول ولا قوة إلا بي، وكان يقول: من قالها في مرض ومات منه لم تطعمه النار". 3317 - * روى الترمذي عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى مريضاً، أو أتي به إليه قال: أذهب الباس رب الناس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً". دعاء خطبة الحاجة: 3318 - * روى أبو داود عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال: "علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة الحاجة: إن الحمد لله، نستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا، وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً، وَاتَّقُوا

_ 3316 - الترمذي (5/ 492) 49 - كتاب الدعوات، 37 - باب ما يقول العبد إذا مرض. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. ابن حبان (2/ 106، 107) ذكر الكلمات التي إذا قالها المرء المسلم صدق ربه جل وعلا عليها. 3317 - الترمذي (5/ 561) 49 - كتاب الدعوات، 112 - باب في دعاء المريض، وهو حسن بشواهده. (الباس): الشدة والألم. (يغادر): المغادرة: الترك، والعامة تستعمله بمعنى المخالطة. 3318 - أبو داود (2/ 239) كتاب النكاح، 32 - باب في خطبة النكاح.

ما يقول من مات له ميت

اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (1)، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (2)، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (3). وفي رواية (4): "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تشهد ذكر نحوه قال- بعد قوله: ورسوله- أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما، فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً". وفي رواية الترمذي (5) قال: علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في الصلاة والتشهد في الحاجة. قال: "التشهد في الصلاة: التحيات لله والصلوات والطيبات. السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. والتشهد في الحاجة، إن الحمد لله نستعينه ونستغفره. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، فمن يهده الله فلا مضل له. ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله" ويقرأ ثلاث آيات. وفي رواية النسائي (6) قال: "علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في الصلاة". ما يقول من مات له ميت: 3319 - * روى مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها إلا آجره الله تعالى في مصيبته وأخلف له خيراً منها، قالت: فلما توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخلف الله تعالى لي خيراً منه: رسول الله صلى الله عليه وسلم.

_ (1) النساء: 1. (2) آل عمران: 102. (3) الأحزاب: 70، 71. (4) أبو داود (2/ 239) الموضع السابق. (5) الترمذي (3/ 413) 9 - كتاب النكاح، 17 - باب ما جاء في خطبة النكاح، وهو حديث صحيح بطرقه. (6) النسائي (6/ 89) 26 - كتاب النكاح، 39 - ما يستحب من الكلام عند النكاح. 3319 - مسلم (2/ 633) 11 - كتاب الجنائز، 2 - باب ما يقال عند المصيبة.

ما يقول عند الإفطار

3320 - * روى أبو داود عنأم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أصاب أحدكم مصيبة فليقل: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم عندك أحتسب مصيبتي فأجرني فيها وأبدلني بها خيراً منها". 3321 - * روى الترمذي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون نعم، فيقول: فماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد". 3322 - * روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفية من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة". ما يقول عند الإفطار: 3323 - * روى أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال: ذهب الظمأ وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله تعالى". ما يقول إذا أفطر عند قوم: 3324 - * روى أبو داود عن أنس رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى سعد بن عبادة فجاء بخبز وزيت فأكل، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة".

_ 3320 - أبو داود (3/ 191) كتاب الجنائز، باب في الاسترجاع. 3321 - الترمي (3/ 341) 8 - كتاب الجنائز، 36 - باب فضل المصيبة إذا احتسب، وقال الترمذي: حديث حسن، وصححه ابن حبان وحسنه الحافظ. 3322 - البخاري (11/ 241، 242) 81 - كتاب الرقاق، 6 - باب العمل الذي يبتغي به وجه الله. 3323 - أبو داود (2/ 306) كتاب الصوم، 22 - باب القول عند الإفطار، ورواه النسائي في عمل اليوم والليلة، وهو حديث حسن حسنه الحافظ وغيره. 3324 - أبو داود (3/ 367) كتاب الأطعمة، باب ما جاء في الدعاء لرب الطعام إذا أكل عنده والحديث حسن بطرقه وشواهده، قال الحافظ كما نقله ابن علان: ما أظن الزيت إلا تصحيفاً عن الزبيب.

ما يقول إذا رأى هزيمة في المسلمين والعياذ بالله الكريم

ما يقول إذا رأى هزيمة في المسلمين والعياذ بالله الكريم: قال النووي: يستحب إذا رأى ذلك أن يفزع إلى ذكر الله تعالى واستغفاره ودعائه، واستنجاز ما وعد المؤمنين من نصرهم وإظهار دينه، وأن يدعو بدعاء الكرب المتقدم: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض رب العرش الكريم. ما يقول إذا أشرف على واد: 3325 - * روى الشيخان عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا وارتفعت أصواتنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إنه معكم، إنه سميع قريب". ما يقول إذا نزل منزلاً: 3326 - * روى مالك عن خولة بنت حكيم رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من نزل منزلاً ثم قال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك". ما يقول إذا رجع من سفره: 3327 - * روى مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: "أقبلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم أنا وأبو طلحة، وصفية رديفته على ناقته، حتى إذا كنا بظهر المدينة قال: آيبون تائبون عابدون

_ 3325 - البخاري (6/ 135) 56 - كتاب الجهاد، 131 - باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير. مسلم (4/ 2076، 2077) 48 - كتاب الذكر والدعاء، 13 - باب استحباب خفض الصوت بالذكر. (اربعوا): ارفقوا بأنفسكم. 3326 - الموطأ (2/ 978) 54 - كتاب الاستئذان، 13 - باب ما يؤمر به من الكلام في السفر. مسلم (4/ 2081) 48 - كتاب الذكر والدعاء، 16 - باب في التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء وغيره. الترمذي (5/ 496) 49 - كتاب الدعوات، 41 - باب ما جاء ما يقول إذا نزل منزلاً. 3327 - مسلم (2/ 980) 15 - كتاب الحج، 76 - باب ما يقول إذا قفل من سفر الحج وغيره.

التسمية عند الأكل والشرب.

لربنا حامدون، فلم يزل يقول ذلك حتى قدمنا المدينة". التسمية عند الأكل والشرب. 3328 - * روى الشيخان عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سم الله وكل بيمينك". 3329 - * روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله تعالى في أوله، فإن نسي أن يذكر اسم الله تعالى في أوله فليقل: بسم الله أوله وآخره". الأذان في أذن المولود 3330 - * روى أبو داود عن أبي رافع رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسين بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة رضي الله عنهم". وقال النووي: قال جماعة من أصحابنا: يستحب أن يؤذن في أذنه اليمنى ويقيم الصلاة في أذنه اليسرى. 3331 - * روى الشيخان عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: "حملت بعبد الله بن الزبير بمكة، فأتيت المدينة فنزلت قباء فولدت بقباء، ثم أتيت به النبي صلى الله عليه وسلم، فوضعه في حجره ثم دعا بتمرة فمضغا ثم تفل في فيه، فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حنكه بالتمرة، ثم دعا له وبارك عليه".

_ 3328 - البخاري (9/ 521) 70 - كتاب الأطعمة، 2 - باب التسمية على الطعام. مسلم (3/ 1599) 36 - كتاب الأشربة، 13 - باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما. 3329 - أبو داود (3/ 347) كتاب الأطعمة، باب التسمية على الطعام. الترمذي (4/ 288) 26 - كتاب الأطعمة، 47 - باب ما جاء في التسمية، وقال: حديث حسن صحيح. 3330 - أبو داود (4/ 328) كتاب الأدب، باب في الصبي يولد فيؤذن في أذنه. الترمذي (4/ 97) 20 - كتاب الأضاحي، 17 - باب الأذان في أذن المولود، وقال: حسن صحيح. 3331 - البخاري (9/ 587) 70 - كتاب الأطعمة، 1 - باب تسمية المولود غداة يولد لمن لم يعق عنه. مسلم (3/ 1691) 38 - كتاب الآداب، 5 - باب استحباب تحنيك المولود.

ما يقوله عند القيام من المجلس

ما يقوله عند القيام من المجلس 3332 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك". ما يقول إذا غضب: 3333 - * روى أبو داود عن معاذ بن أنس الجهني الصحابي رضي الله عنه أن النبي صلى الله علي وسلم قال: "من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله سبحانه وتعالى على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور ما شاء". 3334 - * روى الشيخان عن سليمان بن صرد الصحابي رضي الله عنه قال "كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم ورجلان يستبان، وأحدهما قد احمر وجهه وانتفخت أوداجه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ذهب منه ما يجد، فقالوا له: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فقال: وهل بي من جنون؟ ". 3335 - * روى أحمد عن عطية بن عروة السعدي الصحابي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ".

_ 3332 - الترمذي (5/ 494) 49 - كتاب الدعوات، 39 - باب ما يقول إذا قام من المجلس، وقال: حديث حسن صحيح. 3333 - أبو داود (4/ 248) كتاب الأدب، باب من كظم غيظاً. الترمذي (4/ 656) 38 - كتاب صفة القيامة، 48 - باب، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وحسنه غيره. 3334 - البخاري (10/ 518) 78 - كتاب الأدب، 76 - باب الحذر من الغضب. مسلم (4/ 2015) 45 - كتاب البر والصلة والآداب، 30 - باب فضل من يملك نفسه عند الغضب. 3335 - أحمد (4/ 226).

ما يقول إذا رأى مبتلى بمرض أو غيره

ما يقول إذا رأى مبتلى بمرض أو غيره 3336 - * روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من رأى مبتلى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا، لم يصبه ذلك البلاء". ما يقوله إذا شرع في إزالة منكر 3337 - * روى الشيخان عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح، وحول الكعبة ثلثمائة وستون نصباً، فجعل يطعنها بعود كان في يده ويقول: "جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا- جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد". ما يقوله إذا عثرت دابته 3338 - * روى أحمد عن أبي المليح التابعي المشهور عن رجل قال "كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم، فعثرت دابته فقلت: تعس الشيطان، فقال: لا تقل تعس الشيطان، فإنك إذا قلت ذلك تعاظم حتى يكون مثل البيت ويقول بقوتي، ولكن قل بسم الله، فإنك إذا قلت ذلك تصاغر حتى يكون مثل الذباب". ما يقول إذا رأى الباكورة من الثمر 3339 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان الناس إذا رأوا أول الثمر

_ = أبو داود (4/ 249) كتاب الأدب، باب ما يقال عند الغضب. 3336 - الترمذي (5/ 493) 49 - كتاب الدعوات، 38 - باب ما يقول إذا رأى مبتلى، وقال حديث حسن، وحسنه غيره. 3337 - البخاري (8/ 15، 16) 64 - كتاب المغازي، 48 - باب أين ركز النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح. مسلم (3/ 1408) 32 - كتاب الجهاد والسير، 32 - باب إزالة الأصنام من حول الكعبة. 3338 - أحمد (5/ 59). أبو داود (4/ 296) كتاب الأدب، باب، وصححه الحاكم (4/ 292). 3339 - مسلم (2/ 1000) 15 - كتاب الحج، 85 - باب فضل المدينة.

استحباب دعاء الإنسان لمن عرض عليه ماله أو غيره

جاءوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم بارك لنا في ثمرنا، وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في مدنا، ثم يدعو أصغر وليد له فيعطيه ذلك الثمر". وفي رواية (1) "بركة مع بركة ثم يعطيه أصغر من يحضره من الولدان" وفي رواية (2) الترمذي: "أصغر وليد يراه". استحباب دعاء الإنسان لمن عرض عليه ماله أو غيره 3340 - * روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: لما قدموا المدينة نزل عبد الرحمن بن عوف علي سعد بن الربيع فقال: أقاسمك مالي وأنزل لك عن إحدى امرأتي، قال: "بارك الله لك في أهلك ومالك". ما يقول من رأى شيئاً فأعجبه: 3341 - * روى الطبراني عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة فإن العين حق". ما يقول إذا رأى ما يحب وما يكره 3342 - * روى ابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يحب قال: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وإذا رأى ما يكره قال: الحمد لله على كل حال".

_ = مسلم، الموضع السابق. (1) الترمذي (5/ 506) 49 - كتاب الدعوات، 54 - باب ما يقول إذا رأى الباكورة من الثمر. 3340 - البخاري (9/ 231) 67 - كتاب النكاح، 68 - باب الوليمة ولو بشاة. 3341 - مجمع الزوائد (5/ 108) وقال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه أمية بن هند وهو مستور ولم يضعفه أحد، وبقية رجاله رجال صحيح. 3342 - ابن ماجه (2/ 1250) 33 - كتاب الأدب، 55 - باب فضل الحامدين، وابن السني وهو صحيح، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، وصححه غيره.

ما يقول إذا نظر إلى السماء

ما يقول إذا نظر إلى السماء يستحب أن يقول: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}. ما يقول من لا يثبت على الخيل ويدعى له به 3343 - * روى الشيخان عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: شكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أني لا أثبت على الخيل، فضرب بيده في صدري وقال: "اللهم ثبته واجعله هادياً مهدياً". جواز التعجب بلفظ التسبيح والتهليل ونحوهما 3344 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه وهو جنب، فانسل فذهب فاغتسل، فتفقده النبي صلى الله عليه وسلم، فلما جاء قال: أين كنت يا أبا هريرة؟ قال: يا رسول الله لقيتني وأنا جنب فكرهت أن أجالسك حتى أغتسل، فقال: "سبحان الله إن المؤمن لا ينجس". 3345 - * روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها: "أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من الحيض، فأمرها كيف تغتسل قال: خذي فرصة من مسك فتطهري بها، قالت: كيف أتطهر بها؟ قال: تطهري بها، قالت: كيف؟ قال: سبحان الله تطهري، فاجتذبتها إلي فقلت: تتبعي أثر الدم".

_ 3343 - البخاري (6/ 161) 56 - كتاب الجهاد، 162 - باب من لا يثبت على الخيل. مسلم (4/ 1925) 44 - كتاب فضائل الصحابة، 29 - باب من فضائل جرير بن عبد الله. 3344 - البخاري (1/ 390) 5 - كتاب الغسل، 23 - باب عرق الجنب، وأن المسلم لا ينجس وهذا الحديث طرفه (285). مسلم (1/ 282) 3 - كتاب الحيض، 29 - باب الدليل على أن المسلم لا ينجس. 3345 - البخاري (1/ 414) 6 - كتب الحيض، 13 - باب دلك المرأة نفسها إذا تطهرت من المحيض ... إلخ. مسلم (1/ 260، 261) 3 - كتاب الحيض، 13 - باب استحباب استعمال المغتسلة من الحيض فرصة من مسك في موضع الدم.

ما يقول من تكلم بحرام

ما يقول من تكلم بحرام: 3346 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف فقال في حلفه باللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك فليتصدق". استحباب الدعاء لمن أحسن إليه، وصفة دعائه: 3347 - * روى الترمذي عن أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صنع إليه معروف فقال لفاعله: جزك الله خيراً، فقد أبلغ في الثناء". 3348 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه". الدليل على أن دعاء المسلم يجاب بمطلوبه أو غيره وأنه لا يستعجل بالإجابة قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} (1)، وقال تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (2). 3349 - * روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول: قد دعوت فلم يستجب لي".

_ 3346 - البخاري (11/ 536) 83 - كتاب الأيمان والنذور، 5 - باب لا يحلف باللات والعزى ولا بالطواغيت. مسلم (3/ 1267، 1268) 27 - كتاب الأيمان، 2 - باب من حلف باللات والعزى، فليقل: لا إله إلا الله. 3347 - الترمذي (4/ 380) 28 - كتاب البر والصلة، 87 - باب ما جاء في المتشبع بما لم يعطه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وصححه ابن حبان وغيره. 3348 - أبو داود (2/ 128) كتاب الزكاة، 38 - باب عطية من سأل بالله، وهو صحيح، صححه النووي وغيره. (1) النسائي (5/ 82) 23 - كتاب الزكاة، 72 - من سأل بالله عز وجل. (2) البقرة: من 186. غافر: من 60. 3349 - البخاري (11/ 140) 80 - كتاب الدعوات، 22 - باب يستجاب للعبد ما لم يعجل. مسلم (4/ 2095) 48 - كتاب الذكر والدعاء، 25 - باب بيان أنه يستجاب للداعي ما لم يعجل ... إلخ.

الجزء الخامس في القناعة والعفة والصدقات والزكاوات والأوقاف وما يتعلق بذلك

الجزء الخامس من قسم العبادات الرئيسية في القناعة والعفة والصدقات والزكاوات والأوقاف وما يتعلق بذلك وفيه مقدمة وأبواب المقدمة.

مقدمة

مقدمة الإنفاق في سبيل الله من العبادات الرئيسية في الإسلام بل هو الركن الثالث في الأهمية بالنسبة لأركان الإسلام، وإنما يكون الإنفاق عبادة إذا كان بقيد كونه في سبيل الله، إذ يخرج بذلك ما كان إنفاقاً غير جائز إما على محرم أو بسبب الإسراف، أو كان داخلاً في دائرة المباحات التي لا ترافقها نية. والإنفاق في سبيل الله يدخل فيه ما هو فريضة: كالزكاة وصدقة الفطر، وما هو مندوب كالصدقات المطلقة والأوقاف، ويدخل فيه ما كان فريضة لإقامة فريضة أخرى كالحج والجهاد أو ما كان واجباً لأمر طارئ كإطعام جائع، ويدخل في الفرائض الإنفاق على العيال. وإنما كان الإنفاق في سبيل الله عبادة لأن فيه معنى الطاعة لله، وفيه معنى الشكر لله على نعمة المال، كما أن فيه مجاهدة للنفس وتطهيراً لها من الشح وتعويداً لها عل الكرم، وهو من الأخلاق المفروضة على المسلم. والزكاة بالنسبة لنظام المال في الإسلام تعتبر ركنه الركين فلا يقوم نظام المال في الإسلام بلا زكاة، فنظام الزكاة هو الذي يعدل طغيان رأس المال وهو الذي يبقي لرأس المال حركيته في أوسع دائرة وهو الذي يوجد سيولة مالية بيد جميع الناس، وهو الذي يحل مشكلات الكثيرين من الناس، ثم هو الذي يوجد نوعاً من العلاقات الاقتصادية الإنسانية، والذي يشد النفس إلى الخير ويبعدها عن الشر، فهي بدلاً من أن تأخذ رباً تعطي في الله ولله. ومما يكمل دور الزكاة الصدقات والتي منها الأوقاف، فالأوقاف تتنامى على الزمن حتى لتشمل قسماً كبيراً من الأراضي والمرافق والأملاك فتحل بها مشكلات لا حصر لها وتتحقق بها فوائد كثيرة ومصالح ومقاصد خيرة ومن ههنا جعلنا في هذا الجزء مباحث الزكوات والصدقات والأوقاف، ولكون صدقة الفطر ألصق بشهر رمضان فقد جعلناها في جزء الصوم. ولكون النفوس طلعة إلى المال ولكون المال محبوباً للنفس فقد ربى الإسلام الناس على

أن يدفعوا ورباهم على أن يعفوا، ومن ههنا أدخلنا في هذا الجزء الكلام عن القناعة والعفة عن السؤال. وقد جعلنا موضوعات هذا الجزء في أبواب: الباب الأول: في القناعة والعفة والترهيب من السؤال إلا إذا كان له مسوغاته ومتى يصلح أخذ العطاء. الباب الثاني: في الصدقات: فضلها وأحكامها وآدابها. الباب الثالث: في الزكوات وما يتعلق بها. الباب الرابع: في الأوقاف وما يتعلق بها.

الباب الأول في القناعة والعفة والترهيب من السؤال إلا إذا كان له مسوغاته ومتى يصلح أخذ العطاء

الباب الأول في القناعة والعفة والترهيب من السؤال إلا إذا كان له مسوغاته ومتى يصلح أخذ العطاء وفيه مقدمة وفصول المقدمة.

المقدمة

المقدمة ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين على العفة وترك السؤال والترفع عن أخذ مال الصدقات والزكوات إلا لضرورة، كما ربى على الإنفاق وإيتاء الزكاة ليحل المشكلات من جهة وليدفع إلى العمل والكسب من جهة أخرى، وكما ربى على ترك السؤال ربى على أخذ العطاء الجائز إذا جاء من غير مسألة ومن غير استشراف نفس ليوجد بذلك نوعاً من النفوس لا يحملها الكبر على رفض العطاء وليراعي واقعات حياتية لا تحل إلا بمثل هذا. وقد فضلنا أن نقدم في هذا الجزء مثل هذه المعاني لقيمتها التربوية العظيمة وليعلم أن التوازن في الحياة الإسلامية وفي التربية الإسلامية وفي العمل الإسلامي وفي الفقه الإسلامي ملحوظ في نصوص الإسلام.

الفصل الأول في القناعة والعفة

الفصل الأول في القناعة والعفة

3350 - * روى الترمذي عن عبيد الله بن محصن (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها". 3351 - * روى أحمد عن عثمان بن عفان (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس لابن آدم حق في سوى هذه الخصال: بيت يسكنه، وثوب يواري عورته، وجلف الخبز والماء". وقال النضر "جلف الخبز" يعني ليس معه إدام. وفي رواية رزين "وجلف خبز يرد به جوعته، والماء القراح". أقول: الظاهر من النص أن المسلمين عامة والدولة الإسلامية خاصة لا يسعهم إلا أن يؤمنوا هذه الخصال لكل فرد، ويتعين على من عرف احتياج إنسان لشيء من هذه الخصال أن يبذل جهداً من أجل كفاية المحتاج. 3352 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس".

_ 3350 - الترمذي (4/ 574) 37 - كتاب الزهد، 33 - باب في التوكل على الله، وقال: هذا حديث حسن غريب. (آمنا في سربه) أي: في نفسه، يقال: فلان واسع السرب، أي: رخي البال وروي بفتح السين، وهو الملك والمذهب. (الحذافير) عالي الشيء ونواحيه يقال: أعطاه الدنيا بحذافيرها، أي: بأسرها، الواحد حذفار. 3351 - أحمد (1/ 62) الترمذي (5/ 571، 572) 37 - كتاب الزهد، 30 - باب منه، وهو حديث حسن. (جلف الخبز) الجلف: الخبز وحده لا أدم معه، وقيل: هو الخبز الغليظ اليابس. (القراح): الذي لا يشوبه شيء ولا يخالطه، مما يجعل فيه كالعسل والتمر والزبيب وغير ذلك مما يتخذ شراباً. 3352 - البخاري (11/ 271) 81 - كتاب الرقاق، 15 - باب الغنى غنى النفس. مسلم (2/ 726) 12 - كتاب الزكاة، 40 - باب ليس الغنى عن كثرة العرض. الترمذي (4/ 586) 37 - كتاب الزهد، 40 - باب ما جاء أن الغنى غنى النفس. (العرض) ما يتموله الإنسان ويقتنيه من المال وغيره.

3353 - * روى البخاري عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن به فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس". وفي أخرى (1): "ليس المسكين الذي ترده الأكلة والأكلتان، ولكن المسكين الذي ليس له غنى ويستحيي، أو لا يسأل الناس إلحافاً". وفي أخرى (2): "إنما المسكين الذي يتعفف، اقرؤوا إن شئتم {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} (3). 3354 - * روى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قد أفلح من أسلم، ورزق كفافاً، وقنعه الله بما آتاه". 3355 - * روى البخاري عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق، فلينظر إلى من هو أسفل منه". وفي رواية (4) مسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم".

_ 3353 - البخاري (3/ 341) 24 - كتاب الزكاة، 53 - باب قول الله تعالى (لا يسألون الناس إلحافاً). (1) البخاري (3/ 340) الموضع السابق. (2) البخاري (8/ 202) 65 - كتاب التفسير، 48 - باب (لا يسألون الناس إلحافاً). (أكلة) الأكلة بضم الهمزة: اللقمة- وبالفتح- المرة الواحدة من الأكل. (إلحافاً) الإلحاف في المسألة: الإلحاح، والإكثار منها. (3) البقرة: 273. 3354 - مسلم (2/ 730) 12 - كتاب الزكاة، 43 - باب في الكفاف والقناعة. الترمذي (4/ 575، 576) 37 - كتاب الزهد، 35 - باب ما جاء في الكفاف والصبر عليه، قال: هذا حديث حسن صحيح. 3355 - البخاري (11/ 322) 81 - كتاب الرقاق، 30 - باب لينظر إلى من هو أسفل منه ... إلخ. (4) مسلم (4/ 2275) 53 - كتاب الزهد والرقائق.

وله في أخرى (1): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق، فلينظر إلى من هو أسفل منه ممن فضل عليه". وفي رواية (2) ذكرها رزين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انظر إلى من هو أسفل منكم في الدنيا، وفوقكم في الدين، فذلك أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم". زاد في رواية (3): قال عون بن عبد الله بن عتبة: كنت أصحب الأغنياء فما كان أحد أكثر هما ً مني، كنت أرى دابة خيراً من دابتي، وثوباً خيراً من ثوبي، فلما سمعت هذا الحديث صحبت الفقراء فاسترحت. أقول: المراد من النص المعالجة القلبية والنفسية وليست إبعاداً عن عمل مباح يزداد به الإنسان من الدنيا. 3356 - *روى أحمد عن عطية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اليد المعطية خير من اليد السفلى". ورواه الطبراني عن عطية أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد قومه فلما دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هل قدم معكم أحد غيركم قالوا: نعم فتى خلفناه على رحالنا قال: أرسلوا إليه، فلما أدخلت عليه وهم عنده استقبلني، فقال: إن اليد المنطية هي العليا وإن اليد السائلة هي السفلى وما استغنيت فلا تسل فإن مال الله مسؤل ومنطى" فكلمني رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغتي. أقول: من لغات العرب في (أعطيناك): (أنطيناك) فتقلب العين نوناً. وقد

_ (1) مسلم: نفس الموضع السابق. (2) رواها رزين في مسنده. (3) رواها رزين في مسنده. (تزدروا) الازدراء: الاحتقار والعيب والانتقاص. 3356 - أحمد (4/ 226). كشف الأستار (1/ 43) باب في اليد العليا. الطبراني (الكبير) (17/ 166، 167). مجمع الزوائد (3/ 97، 98) وقال الهيثمي: رواه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط والكبر، ورجال أحمد ثقات.

جاءت الرواية الأخيرة على هذه اللغة. 3357 - * روى أحمد عن مالك بن نضلة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأيدي ثلاثة، فيد الله العليا، ويد المعطي التي تليها، ويد السائل السفلى، فأعط الفضل ولا تعجز عن نفسك". أقول: هذا دليل على فساد رأي من ادعى أن يد الآخذ هي العليا لأنها تقرب المعطي من الله، فالحديث نص على أن اليد السفلى يد الآخذ. 3358 - * روى مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه (رحمه الله) قال: قال لي عبد الله ابن الأرقم: "أدللني على بعير من المطايا استحمل عليه أمير المؤمنين، فقلت: نعم: جمل من إبل الصدقة، فقال عبد الله بن الأرقم: أتحب لو أن رجلاً بادناً في يوم حار غسل لك ما تحت إزاره ورفغيه، ثم أعطاكه فشربته؟ قال: فغضبت، وقلت: يغفر الله لك، لم تقول مثل هذا لي؟ قال: فإنما الصدقة أوساخ الناس يغسلونها عنهم". 3359 - * روى الجماعة عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال: "إن ناساً من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى إذا نفدما عنده،

_ 3357 - أحمد (4/ 137)، (1/ 446)، (3/ 473). ابن خزيمة (4/ 96) باب فضل المتصدق على المتصدق عليه. أبو داود (2/ 123) كتاب الزكاة، باب في الاستعفاف. 3358 - الموطأ (2/ 1001) 58 - كتاب الصدقة، 3 - باب ما يكره من الصدقة. (المطايا) جمع مطية، وهي البعير، لأنه يركب مطاه، أي ظهره. (استحمل) استحملت فلاناً: إذا طلبت منه أن يعطيك ما تركب عليه وتحمل عليه متاعك. (بادنا) البادن: السمين، بدن الرجل: إذا سمن. (رفغيه) ارفغ بضم الراء وفتحها: الإبط، وقيل: أصل الفخذ، وقيل: وسخ الظفر، والأرفاغ: المغابن، والمغابن كل موضع يجتمع للإنسان من بدنه وسخ وعرق وهي معاطف الجلد. 3359 - الموطأ (2/ 997) 58 - كتاب الصدقة، 2 - باب ما جاء في التعفف عن المسألة. البخاري (3/ 335) 24 - كتاب الزكاة، 50 - باب الاستعفاف عن المسألة. مسلم (2/ 729) 12 - كتاب الزكاة، 42 - باب فضل التعفف والصبر. أبو داود (2/ 121، 122) كتاب الزكاة، 28 - باب في الاستعفاف. الترمذي (4/ 373، 374) 28 - كتاب البر والصلة، 77 - باب ما جاء في الصبر، وقال: هذا حديث حسن صحيح. النسائي (5/ 95، 96) 23 - كتاب الزكاة، 85 - باب الاستعفاف عن المسألة.

قال: ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء هو خير وأوسع من الصبر". 3360 - * روى البزار عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استغنوا عن الناس ولو بشوص السواك". أقول: إن أدب المسلم أن يستغني في أمر دنياه عن الآخرين ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، والضرورة تقدر بقدرها. 3361 - *روى أحمد عن معاوية بن حيدة قال: قلت يا رسول الله: إنا قوم نتساءل أموالنا. قال: يسأل الرجل في حاجة أو الضيق ليصلح به فإذا بلغ أو كرب استعف". 3362 - * روى البخاري عن خولة الأنصارية (رضي الله عنها) قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة". وفي رواية الترمذي (1): "إن هذا المال خضر حلو، من أصابه بحقه بورك له فيه، ورب متخوض فيما شاءت نفسه من مال الله ورسوله ليس له يوم القيامة إلا النار". أقول: الأصل في المسلم ألا يأخذ مالاً إلا من طريق حلال، فإذا كان هناك شبهة أو حرام ترك، وما دام الإنسان على فتوى مبصرة فهو إلى خير.

_ 3360 - كشف الأستار (1/ 432) كتاب الزكاة، باب الاستغناء عن الناس. الطبراني (الكبير) (11/ 444). مجمع الزوائد (3/ 93) وقال الهيثمي: رواه البزار والطبراني في الكبير ورجاله ثقات، وهو صحيح. (شوص السواك) أي بغسالته،: وقيل بما يتفتت منه عند التسوك. 3361 - أحمد (5/ 5). مجمع الزوائد (3/ 99) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات، وسنده حسن. (الحاجة): هكذا في المجمع وفي مسند أحمد الجائحة. (كرب): أي: كاد. 3362 - البخاري (6/ 217) 57 - كتاب فرض الخمس، 7 - باب قول الله تعالى (فإن لله خمسه وللرسول). (1) الترمذي (4/ 587) 37 - كتاب الزهد، 41 - باب ما جاء في أخذ المال، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (يتخوضون في مال الله بغير حق) أي: يأخذونه ويتملكونه، كما يخوض الإنسان الماء يميناً وشمالاً.

الفصل الثاني في الترهيب من السؤال لغير حاجة أو مسوغ والترغيب في إعطاء السائل

الفصل الثاني في الترهيب من السؤال لغير حاجة أو مسوغ والترغيب في إعطاء السائل

3363 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزال المسألة بأحدكم، حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم" وفي رواية (1): "حتى يأتي يوم القيامة". أقول: هذا محمول على من سأل لنفسه من غير ضرورة أو حاجة. 3364 - * روى أبو داود عن سمرة بن جندب (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه، فمن شاء أبقى على وجهه، ومن شاء تركه، إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان، أو في أمر لا يجد منه بداً". وفي رواية (2) الترمذي: "المسألة كد يكد الرجل بها وجهه، إلا أن يسأل الرجل سلطاناً، أو في أمر لابد منه". 3365 - * روى النسائي عن عائذ بن عمرو (رضي الله عنه) أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله فأعطاه، فلما وضع رجله على أسكفة الباب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو تعلمون ما في المسألة، ما مشى أحد إلى أحد يسأله شيئاً".

_ 3363 - البخاري (3/ 338) 24 - كتاب الزكاة، 52 - باب من سأل الناس تكثرا. مسلم (2/ 720) 12 - كتاب الزكاة، باب كراهة المسألة للناس. (1) مسلم: نفس الموضع السابق. (مزعة) المزعة: قطعة من اللحم يسيرة، كالنتفة من الشيء. 3364 - أبو داود (2/ 119) كتاب الزكاة، 25 - باب كم يعطي الرجل الواحد من الزكاة؟؟ النسائي (5/ 100) 23 - كتاب الزكاة، 92 - باب مسألة الرجل ذا سلطان. (2) الترمذي (3/ 65) 5 - كتاب الزكاة، 38 - باب ما جاء في النهي عن المسألة، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (كدوح) الكدوح: الخموش. (ذي سلطان) سؤال السلطان: قيل: أراد به أن يطلب حقه من بيت المال. (كد): أجهد. 3365 - النسائي (5/ 94، 95) 23 - كتاب الزكاة، 83 - المسألة، وهو حسن لغيره. (الأسكفة): خشبة الباب التي يوطأ عليها.

3366 - * روى البخاري عن الزبير بن العوام (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن يأخذ أحدكم أحبله، ثم يأتي الجبل فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أم منعوه". 3367 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه". وفي أخرى (1) قال: "والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم أحبله، فيحتطب على ظهره .. وذكر الحديث". وفي أخرى (2) قال: "لأن يأخذ أحدكم أحبله، ثم يغدو- أحسبه قال: "إلى الجبل- فيحتطب ويتصدق خير له من أن يسأل الناس". وفي أخرى (3): "لأن يغدو أحدكم فيحتطب على ظهره فيتصدق به ويستغني به عن الناس خير من أن يسأل الناس رجلاً أعطاه أو منعه، ذلك بأن اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول".

_ 3366 - البخاري (3/ 335) 24 - كتاب الزكاة، 50 - باب الاستعفاف عن المسألة. (أحبله) الأحبل: جمع حبل. 3367 - البخاري (4/ 303، 304) 34 - كتاب البيوع، 15 - باب كسب الرجل وعمله بيده. مسلم (2/ 421) 12 - كتاب الزكاة، 35 - باب كراهة المسألة للناس. النسائي (5/ 93) 23 - كتاب الزكاة، 83 - المسألة. (1) البخاري، الموضع السابق. الموطأ (2/ 998، 999) 58 - كتاب الصدقة، 2 - باب ما جاء في التعفف عن المسألة. النسائي (5/ 96) 23 - كتاب الزكاة 85 - الاستعفاف عن المسألة. (2) البخاري (3/ 341) 24 - كتاب الزكاة، 53 - باب قول الله تعالى (لا يسألون الناس إلحافاً). (3) مسلم ص (2/ 721) 12 - كتاب الزكاة، 35 - باب كراهية المسألة للناس.

3368 - * روى أبو داود عن ثوبان (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من يكفل لي أن لا يسأل الناس شيئاً وأتكفل له بالجنة؟ فقال ثوبان: أنا، فكان لا يسأل أحداً". وفي رواية (1) النسائي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يضمن لي واحدة وله الجنة؟ قال: وقال كلمة: أن لا يسأل الناس شيئاً". 3369 - * روى ابن ماجه عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ومن يتقبل لي بواحدة أتقبل له بالجنة؟ قلت: أنا، قال: لا تسأل الناس شيئاً، قال: فكان ثبان يقع سوطه وهو راكب فلا يقول لأحد ناولنيه حت ينزل فيأخذه. أقول: يظن بعض الناس أن التربية الاستقلالية مقولة حديثة بدأ الكلام فيها (جان جاك روسو) ومن تأمل هذا النص فإنه لا يرى أبلغ في التربية الاستقلالية مما ندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا النص. 3370 - * روى الشيخان عن عروة بن الزبير (رضي الله عنه) أن حكيم بن حزام قال: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني، ثم سألته فأعطاني- زاد في رواية: ثم سألته فأعطاني- ثم قال لي: "يا حكيم، إن هذا المال خضر حلو، فمن أخذه بسخاوة نفسه بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفسه لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى، قال حكيم: فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحداً بعدك شيئاً حتى أفارق الدنيا، فكان أبو بكر يدعو حكيماً ليعطيه عطاءه، فيأبى أن يقبل منه شيئاً، ثم إن عمر دعاه ليعطيه عطاءه، فأبى أن يقبل منه شيئاً، فقال عمر: يا معشر المسلمين إني أعرض على حكيم حقه

_ 3368 - أبو داود (2/ 121) كتاب الزكاة، 27 - باب كراهية المسألة. (1) النسائي (5/ 96) 23 - كتاب الزكاة، 86 - فضل من لا يسأل الناس شيئاً، وهو حديث صحيح. 3369 - ابن ماجه (1/ 588) 8 - كتاب الزكاة، 25 - باب كراهية المسألة، وهو حديث صحيح. 3370 - البخاري (3/ 335) 24 - كتاب الزكاة، 50 - باب الاستعفاف عن المسألة. مسلم (2/ 717) 12 - كتاب الزكاة، 32 باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى. الترمذي (4/ 641، 642) 38 - كتاب صفة القيامة، 29 - باب، وقال الترمذي: هذا حديث صحيح.

الذي له من هذا الفيء، فيأبى أن يأخذه، فلم يرزأ حكيم شيئاً أحداً من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي". أقول: من قوله عليه الصلاة والسلام: "ومن أخذه بإشراف نفسه لم يبارك له فيه". ألزم بعض أهل الأدب نفسه أنه إذا استشرفت نفسه لشيء يملكه الآخرون فأعطي له ألا يأخذه، وقد عرف هذا الأدب عند كثيرين حتى إن بعضهم كان يدفع للواحد من هؤلاء الشيء فيرفضه فيعرف السبب في ذلك، فإذا ما ذهب كان يرسله إليه فيأخذه الشخص نفسه، فيتعجب من لا علم عنده بهذا الأدب، أما حقيقة الحال فإن الممتنع أولاً يمتنع لأن نفسه استشرفت حتى إذا رفض وانقطع استشرافها فإذا أتاه الشيء نفسه أخذه لانتفاء العلة. 3371 - * روى أبو داود عنسهل بن الحنظلية (رضي الله عنه) قال: "قدم عيينة بن حصن والأقرع بن حابس على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألاه، فأمر لهما بما سألاه، فأمر معاوية، فكتب لهما ما سألا، فأما الأقرع، فأخذ كتابه فلفه في عمامته وانطلق، وأما عيينة: فأخذ كتابه وأتى به رسول الله صلى الله عليه سلم مكانه، فقال: يا محمد أتراني حاملاً إلى قومي كتاباً لا أدري ما فيه، كصحيفة الملتمس؟ فأخبر معاوية بقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سأل وعنده ما يغنيه، فإنما يستكثر من النار، قال النفيلي- هو أحد رواته- في موضع آخر-: [من جمر جهنم] فقالوا: يا رسول الله: وما يغنيه؟ قال النفيلي في موضع آخر: وما الغنى الذي لا تنبغي معه المسألة؟ قال: قدر ما يغديه ويعشيه" وفي موضع آخر "أن يكون له شبع يوم وليلة، أو ليلة ويوم". 3372 - * روى مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سأل الناس تكثراً، فإنما يسأل جمراً، فليستقل أو ليستكثر".

_ 3371 - أبو داود (2/ 117) كتاب الزكاة، 23 - باب من يعطي من الصدقة، وهو صحيح. (كصحيفة المتلمس) الصحيفة: الكتاب، والملتمس، عبد المسيح بن جرير الشاعر، كان قدم هو وطرفة بن العبد الشاعر، على الملك عمرو بن المنذر، فأقاما عنده، فنقم عليهما أمراً، فكتب لهما كتابين إلى عامله بهجر، أو بعمان، أو بالبحرين، يأمره بقتلهما، قال لهما: إني قد كتبت لكما بصلة، فاجتازوا بالحيرة، فأعطى المتلمس صحيفته صبياً فقرأها فإذا فيها يأمر عامله بقتله، فألقاها في الماء، وذهب وقال لطرفة: افعل مثل فعلي، فإن صحيفتك مثل صحيفتي، فأبى عليه، ومضى بها إلى عامل الملك، فأمضى فيه حكمه وقتله. (ابن الأثير). 3372 - مسلم (2/ 720) 12 - كتاب الزكاة، 35 - باب كراهة المسألة للناس. ابن ماجه (1/ 589) 8 - كتاب الزكاة، 26 - باب من سأل عن ظهر غنى.

3373 - * روى أبو داود عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف، قال: قلت: ناقتي الياقوتة هي خير من أوقية، قال هشام: خير من أربعين درهماً فرجعت ولم أسأله". قال أبو داود: زاد هشام في حديثه "وكانت الأوقية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين درهما". وفي رواية (1) النسائي قال: "سرحتني أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيت وقعدت فاستقبلني، وقال: من استغنى أغناه الله، ومن استعف أعفه الله، ومن استكفى كفاه الله، ومن يسأل وله قيمة أوقية، فقد ألحف، فقلت: ناقتي الياقوتة هي خير من أوقية، فرجعت ولم أسأله". 3374 - * روى مالك عن عطاء بن يسار أن رجلاً من بني أسد قال له: نزلت أنا وأهلي ببقيع الغرقد، فقال لي أهلي: لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألته لنا شيئاً؟ وجعلوا يذكرون من حاجتهم، فأتيت رسول الله، فوجدت عنده رجلاً يسأله، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا أجد ما أعطيك، فولى الرجل وهو مغضب يقول: لعمري، إنك لتعطي من شئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه ليغضب علي أن لا أجد ما أعطيه، من سأل منكم وله أوقية أو عدلها، فقد سأل إلحافاً، قال الأسدي، فقلت: للقحتنا خير من أوقية، وكانت الأوقية أربعين درهماً فرجعت ولم أسأله شيئاً، فقدم بعد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعير وزبيب، فقسم لنا منه، حتى أغنانا". ذهب أبو عبيد القاسم بن سلام في تحديد الغنى إلى هذا الحديث وقال: إن من وجد أربعين درهماً حرمت عليه الصدقة، وذهب قوم من أهل العلم إلى تحديد الغنى الذي تحرم

_ 3373 - أبو داود (2/ 116، 117) - كتاب الزكاة، 23 - باب من يعطى من الصدقة. (1) النسائي (5/ 98) 23 - كتاب الزكاة، 89 - باب من الملحف: وإسناده حسن. (ألحف السائل): ألح. 3374 - الموطأ (2/ 999) 58 - كتاب الصدقة، 2 - باب ما جاء في التعفف عن المسألة. أبو داود (2/ 116) كتاب الزكاة، 23 - باب من يعطى من الصدقة؟ وحد الغنى. النسائي (5/ 98، 99) 23 - كتاب الزكاة، 90 - إذا لم يكن له دراهم وكان له عدلها، وهو حديث صحيح. (لقحة) اللقحة: الناقة ذات اللبن.

معه الصدقة بخمسين درهماً منهم: سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق للحديث: قيل: يا رسول الله ما الغنى؟ قال: "خمسون درهماً". وأعل آخرون هذا الحديث، وقالوا: ليس في الحديث أن من ملك خمسين درهماً لم تحل له الصدقة إنما فيه كره له المسألة فقط وذلك أن المسألة إنما تكون مع الضرورة ولا ضرورة لمن يجد ما يكفيه، وقال مالك والشافعي: لا حد للغنى معلوم، وإنما يعتبر حال الإنسان، قال الشافعي: قد يكون بالدرهم غنياً مع الكسب، ولا يغنيه الألف مع ضعف في نفسه وكثرة عياله، وقالوا: إذا اكتفى بما عنده حرمت عليه الصدقة وإنما احتاج حلت له، وقال أبو حنيفة وأصحابه: الحد فيه مئتا درهم- وتعادل خمس أواق- وهو النصاب الذي تجب فيه الزكاة ومما يؤيد قولهم الحديث التالي الذي أخرجه أحمد وهو صحيح. انظر (عون المعبود 2/ 33 - 34). 3375 - * روى أحمد عن جعفر بن عبد الله بن الحكم عن أبيه عن رجل من مزينة أنه قالت له أمه ألا ننطلق فنسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يسأله الناس؟ فانطلقت أسأله فوجدته قائماً يخطب وهو يقول: من استعف أعفه الله ومن استغنى أغناه الله ومن سأل الناس وله عدل خمس أواق فقد سأل إلحافاً، قال: فقلت بيني وبين نفسي لناقة لها خير من خمس أواق، ولفلانة ناقة أخرى خير من خمس أواق فرجعت ولم أسأله". 3376 - * روى النسائي عن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سأل وله أربعون درهماً فهو ملحف". 3377 - * روى مسلم عن قبيضة بن مخارق الهلالي (رضي الله عنه) قال: "تحملت حمالة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها، فقال: أقم حتى تأتينا الصدقة، فنأمر لك بها، ثم قال: يا قبيضة، إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة،

_ 3375 - أحمد (4/ 138). مجمع الزوائد (3/ 95) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. قوله: (لناقة لها): أي لناقة لأم الرجل من مزينة. 3376 - النسائي (5/ 98) 23 - كتاب الزكاة، 89 - من الملحف؟ وإسناده حسن. 3377 - مسلم (2/ 722) 12 - كتاب الزكاة، 36 - باب من تحل له المسألة. أبو داود (2/ 120) كتاب الزكاة، 26 - باب ما تجوز فيه المسألة. النسائي (5/ 89، 90) 23 - كتاب الزكاة، 80 - الصدقة لمن تحمل بحمالة. (حمالة) الحمالة بفتح الحاء: أن يقع حرب بين فريقين، فيقتل بينهم قتلى، فيلتزم رجل أن يؤدي ديات القتلى =

فحلت له المسألة حتى يصيبها، ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله، فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش- أو قال: سداداً من عيش- ورجل أصابته فاقه، حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقة، فحلت له المسألة، حتى يصيب قواماً من عيش- أو قال: سداداً من عيش- فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحت، يأكلها صاحبها سحتاً". أقول: هذا النص أصل تستهدي به الجمعيات الخيرية، فمتى شهد ثلاثة عدول أن أحداً من المسلمين فقير جاز للجمعية وغيرها أن تأخذ بكلامهم فتدفع له. 3378 - * روى أبو داود عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) أن رجلاً من الأنصار "أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله، فقال: أما في بيتك شيء؟ قال: بلى، حلس نلبس بعضه، ونبسط بعضه، وقعب نشرب فيه من الماء، قال: ائتني بها، فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وقال: من يشتري هذين؟ قال رجل: أنا آخذهما بدرهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يزيد على درهم؟ مرتين أو ثلاثاً- قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، فأخذ الدرهمين فأعطاهما الأنصاري، وقال: اشتر بأحدهما طعاماً، فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدوماً فائتني به، فأتاه به، فشد فيه

_ = من عنده، طالباً للصلح وإطفاء للفتنة. (جائحة) الجائحة: الآفة التي تعرض للإنسان فتستأصل ماله، وتدعه محتاجاً إلى الناس. (قواماً) القوام: ما يقوم به أمر الإنسان من مال ونحوه. (سداد) السداد، بكسر السين: ما يكفي المعوز والمقل، يقال: في هذا سداد من عوز. (فاقة) الفاقة: الفقر. (الحجا): العقل. (السحت): الحرام، سمي به، لأنه يسحت البركة ويذهبها، أو لأنه يهلك آكله. 3378 - أبو داود (2/ 120، 121) كتاب الزكاة، 26 - باب ما تجوز فيه المسألة. الترمذي (3/ 522) 12 - كتاب البيوع، 10 - باب ما جاء في بيع من يزيد. قال الترمذي: هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من حديث الأخضر بن عجلان، وقال: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، لم يروا بأساً ببيع من يزيد في الغنائم والمواريث وقد روى هذا الحديث المعتمر بن سليمان، وغير واحد من أهل الحديث، "عن الأخضر بن عجلان". قال ابن معين عنه: صالح. وقال الرازي: يكتب حديثه. النسائي (7/ 259) 44 - كتاب البيوع، 22 - البيع فيمن يزيد. (حلس) الحلس: الكساء يكون على ظهر البعير، وسمي به غيره من الأكسية التي تمتهن وتداس.

رسول الله صلى الله عليه وسلم عوداً بيده، ثم قال: اذهب فاحتطب وبع، ولا أرينك خمسة عشر يوماً، ففعل فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوباً، وببعضها طعاماً، فقال له رسول الله صلى اله عليه وسلم: هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاث: لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع". واختصره [الترمذي] وقال: "باع النبي صلى الله عليه وسلم قدحاً وحلساً، وقال: من يشتري هذا الحلس والقدح؟ فقال رجل: أخذتهم بدرهم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من يزيد على درهم؟ فأعطاه رجل درهمين، فباعهما منه". وأخرج النسائي منه أخصر من هذا، قال: "باع النبي صلى الله عليه وسلم قدحاً وحلساً فيمن يزيد". أخذ الفقهاء من هذا الحديث جواز البيع على طريقة "من يزيد؟ " وهو نوع من البيع مشهور وعليه مدار الكثير من أنواع البيوع في العالم واستأنس بعضهم من كون رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع القدوم في العود وشده عليه ومن القصة: أن من مهمات الدولة المسلمة تأمين وسائل العمل وأدواته. 3379 - * روى الترمذي عن حبشي بن جنادة (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يقول- وهو واقف بعرفة، وأتاه أعرابي، فأخذ بطرف ردائه، فسأله فيه، فأعطاه إياه، وذهب به، فعند ذلك حرمت المسألة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الصدقة لا تحل لغني، ولا لذي مرة سوي، لا تحل إلا لذي فقر

_ = (فقر مدقع) الفقر المدقع هو الذي يلصق صاحبه بالدقعاء، وهي التراب، وذلك من شدته، وقيل: هو سوء احتمال الفقر. (غرم مفظع) الغرم إذا ما تكلفت به، والمفظع: الشديد الشنيع. (دم موجع) الدم الموجع: وهو أن يتحمل دية، فيسعى فيها حتى يؤديها إلى أولياء المقتول، وإن لم يؤدها قتل المتحمل، وهو نسيبه أو حميمه، فيوجعه قتله. 3379 - الترمذي (3/ 43) 5 - كتاب الزكاة، 23 - باب ما جاء من لا تحل له الصدقة، ولأجزائه شواهد. (مرة) المرة: الشدة والقوة، والسوي: التام الخلق السليم من الآفات.

مدقع، أو غرم مفظع، أو دم موجع، ومن سأل الناس ليثري به ماله، كان خموشاً في وجهه يوم القيامة، ورضفاً يأكله من جهنم، فمن شاء فليقل، ومن شاء فليكثر". أقول: من سياسات النبوة أن يعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سئل، حتى ولو كان السائل غير مستحق، فإن لم يجد فقد كان صلى الله عليه وسلم يعد أنه إذا جاءه شيء أعطى السائل، ونادراً ما اعتذر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العطاء. 3380 - * روى أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال عمر: يا رسول الله لقد سمعت فلاناً وفلاناً يحسنان الثناء يذكران أنك أعطيتهما دينارين قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والله لكن فلاناً ما هو كذلك، لقد أعطيته ما بين عشرة إلى مائة فما يقول ذلك، أما والله إن أحدكم ليخرج بمسألته من عندي يتأبطها، يعني يكون تحت إبطه يعني ناراً، قال عمر: يا رسول الله لم تعطيها إياهم؟ قال: فما أصنع يأبون إلا ذاك ويأبى الله لي البخل". وفي رواية: "لقد أعطيته ما بين العشرة إلى المائة أو قال المائتين". أقول: يظن بعضهم أن الحياة المثالية الكاملة هي الحياة التي لا تدخلها المنفعة أو المصلحة أو المال، وهذا وهم، فالداعية الكامل يتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم في كل أحواله ومن ذلك أنه واسطة للخير كله. 3381 - * عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سأل مسألة وهو عنها غني كانت شيناً في وجهه يوم القيامة.

_ = (ليثري) الإثراء: زيادة المال، أثرى ماله: إذا كثر. (رضفا): جمع رضفة وهي حجارة محماة. (الخموش): الخدوش. 3380 - أحمد (3/ 4). مجمع الزوائد (3/ 94) وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار بنحوه ورجال أحمد رجال الصحيح. 3381 - أحمد (5/ 281). كشف الأستار (1/ 436) باب مسألة الغني. الطبراني (الكبير) (2/ 91). مجمع الزوائد (3/ 96) وقال الهيثمي: رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير ورجال أحمد رجال الصحيح.

3382 - * روى أبو داود عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سأل الناس، وله ما يغنيه، جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش- أو خدوش أو كدوح- قيل: يا رسول الله، وما يغنيه؟ قال: خمسون درهماً، أو قيمتها من الذهب". 3383 - * روى الترمذي عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله فيوشك الله له برزق عاجل أو آجل". وفي رواية (1) أبي داود "أوشك الله له بالغني: إما بموت عاجل، أو غنى عاجل". 3384 - * روى النسائي عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "شر الناس الذي يسأل بوجه الله ولا يعطي به وقال: لا تسألوا بوجه الله إلا منه". 3385 - * روى أحمد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على رجل ترك دينارين أو ثلاثة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كيتين أو ثلاثة".

_ 3382 - أبو داود (2/ 116) كتاب الزكاة، 23 - باب من يعطى من الصدقة وحد الغنى. الترمذي (3/ 41) 5 - كتاب الزكاة، 22 - باب ما جاء من تحل له الزكاة، وإسناده صحيح. النسائي (5/ 97) 23 - كتاب الزكاة، 87 - حد الغنى، وأعل النسائي وغيره هذا الحديث (انظر عون المعبود 2/ 33 - 34). ابن ماجه (1/ 589) 8 - كتاب الزكاة، 26 - باب من سأل عن ظهر غنى. 3383 - الترمذي (4/ 563) 37 - كتاب الزهد، 18 - باب ما جاء في الهم في الدنيا وحبها، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب. (1) أبو داود (2/ 122) كتاب الزكاة، 28 - باب في الاستعفاف، وهو حسن بشواهده. 3384 - النسائي (5/ 83، 84) 23 - كتاب الزكاة، 74 - من يسأل بالله عز وجل ولا يعطي به، وهو حديث صحيح. 3385 - أحمد (2/ 429). مجمع الزوائد (10/ 241) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ورواه البزار بإسناد حسن.

3386 - * روى أحمد عن سلمة بن الأكوع قال كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتي بجنازة ثم أتي بأخرى قال: هل ترك من دين؟ قالوا: لا. قال: فهل ترك شيئاً؟ قالوا: نعم ثلاثة الدنانير قال: فقال بأصبعه: ثلاث كيات. هذان النصان محمولان على من كان يسأل الناس تكثراً ومات وقد ترك شيئاً يدل على أنه كان يسأل لغير ما حاجة ملحة. 3387 - * عن معاوية (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تلحفوا في المسألة، فو الله لا يسألني أحد منكم شيئاً فتخر له مسألته مني شيئاً وأنا له كارة، فيبارك له فيما أعطيته". قال علاء الدين في (الهدية: 377): لا يحل للسائل أن يأخذ من أحد مالا، إلا عن طيب نفس. فلو طلب من إنسان مالا. على ملأ من الناس، ودفع له حياء، لا يحل له. 3388 - * روى أبو يعلى عن ابن عمر يرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تلحوا في المسألة فإنه من يستخرج منا بها شيئاً لم يبارك له فيه. 3389 - * روى أبو داود عن حسين بن علي بن أبي طالب (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "للسائل حق، وإن جاء على فرس". 3390 - * روى مالك عن زيد بن أسلم (رحمه الله) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أعطوا

_ 3386 - أحمد (4/ 47، 50). مجمع الزوائد (10/ 240) وقال الهيثمي: رواه أحمد في حديث طويل ورجاله رجال الصحيح. 3387 - مسلم (2/ 718) 12 - كتاب الزكاة، 33 - باب النهي عن المسألة. النسائي (5/ 98) 23 - كتاب الزكاة، 88 - باب الإلحاف في المسألة. 3388 - أبو يعلى (9/ 478). مجمع الزوائد (3/ 95) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح. 3389 - أبو داود (2/ 126) كتاب الزكاة، باب حق السائل، وهو حسن لغيره. 3390 - الموطأ (2/ 996) 58 - كتاب الصدقة، 1 - باب الترغيب في الصدقة، وهو حسن لغيره. قال ابن عبد البر: لا أعلم في إرسال هذا الحدث خلافاً عن مالك، وليس فيه مسند يحتج به، فيما أعلم.

السائل، ولو جاء على فرس". قال علاء الدين عابدين رحمه الله في (الهدية العلائية: 377): من أخذ من الناس مالا، على صفة أنه: محتاج، أو صالح، أو عالم، أو شريف، وهو ليس كذلك، فما أخذه حرام. وقال (378): ولا بأس بالتصدق على المكدين، الذين يسألون الناس إلحافاً، ويأكلون إسرافاً، وفي نيته سد خلتهم، فهو مأجور، ما لم يظهر للمتصدق أنه غني، أو ينفقها في المعصية. 3391 - * روى أبو داود عن أم بجيد الأنصارية (رضي الله عنها) وكانت ممن بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: "قلت: يا رسول الله، إن المسكين ليقوم على بابي، فما أجد شيئاً أعطيه إياه؟ قال: إن لم تجدي إلا ظلفاً محرقاً فادفعيه إليه في يده". وفي رواية (1): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ردوا المسكين ولو بظلف محرف". قال علاء الدين في (الهدية 377 - 378): لا ينهر سائلاً على بابه وليقل- إذا لم يجد شيئاً- رزقنا الله تعالى وإياك. ولا يحصي على السؤال ما يعطيهم ولا يتوقع ممن تصدق عليه جزاءً ولا دعاءً، ولا شكراً وثناءً. ويعطي السائل بيده، بلا واسطة.

_ = (ولو جاء على فرس) قال الخطابي: معناه: الأمر بحسن الظن بالسائل إذا تعرض لك، وأن لا تجبهه بالتكذيب والرد، مع إمكان الصدق، يقول: لا تخيب السائل إذا سألك، وإذا رابك منظره وجاءك راكباً على فرس فإنه قد يكون له فرس، ووراء ذلك عائلة ودين يجوز معه أخذ الصدقة، وقد يكون من أصحاب سهم السبيل، أو عليه حمالة أي كفالة فيجوز له ذلك. 3391 - أبو داود (2/ 126) كتاب الزكاة، باب حق السائل. الترمذي (3/ 52، 53) 5 - كتاب الزكاة، 29 - باب ما جاء في حق السائل، وقال الترمذي: حديث أم بجيد حديث حسن صحيح. (ظلفاً محرقاً) الظلف: خف الشاة، وفي كونه محرقاً مبالغة في غاية ما يعطى من القلة. النسائي (5/ 86) 23 - كتاب الزكاة، 76 - تفسير المسكين. (1) الموطأ (2/ 923) 49 - كتاب صفة النبي، 5 - باب ما جاء في المساكين. النسائي (5/ 81) 23 - كتاب الزكاة، 70 - باب رد السائل، وقد أخرج النسائي هذه الرواية عن ابن بجيد عن جدته، ولم يسمها.

قال تعالى: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} (1) يعني إما أن تعطيه، وإما أن ترده رداً ليناً. قال إبراهيم بن أدهم: نعم القوم السؤال، يحملون زادنا إلى الآخرة. وقال إبراهيم النخعي: السائل بريدنا إلى الآخرة يجيء إلى باب أحدكم فيقول: هل توجهون إلى أهليكم بشيء؟ كما في تفسير الخازن. 3392 - * روى أبو داود عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يأتي رجل مولاه يسأله من فضل عنده، فيمنعه إياه، إلا دعي له يوم القيامة شجاع يتلمظ فضله الذي منعه". أقول: هذا النص محمول على حاجة السائل وغنى المسؤول وقدرته على أن يسد حاجة السائل، وفي مثل هذا الحديث نأخذ ما يسمى بفروض الوقت التي يواجه فيها الإنسان حالة يفترض عليه فيها أن يفعل شيئاً".

_ (1) الضحى: 10. 3392 - أبو داود (4/ 336) كتاب الأدب، باب في بر الوالدين، وإسناده حسن. النسائي (5/ 82) 23 - كتاب الزكاة، 71 - باب من يسأل ولا يعطي. (شجاع) الشجاع ها هنا: الحية. الشجاع- بضم الشين وكسرها- الحية الذكر، والجمع: أشجعة وشجعان، وهو أجرأ الحيات، والتلمظ: الأخذ باللسان ما يبقى في الفم من أثر الطعام وتتبعه، واللماظة: أثر الطعام، والتمطق بالشفتين.

الفصل الثالث في أخذ العطاء إذا جاء من غير سؤال أو استشراف

الفصل الثالث في أخذ العطاء إذا جاء من غير سؤال أو استشراف

3393 - *روى مالك عن عطاء بن يسار (رحمه الله) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرسل إلى عمر بن الخطاب بعطاء، فرده عمر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم رددته؟ فقال يا رسول الله، أليس أخبرتنا أن خيراً لأحدنا أن لا يأخذ من أحد شيئاً؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما ذلك عن المسألة، فأما ما كان من غير مسألة، فإنما هو رزق يرزقكه الله، فقال عمر: أما والذي نفسي بيده لا أسأل أحداً شيئاً، ولا يأتيني شيء من غير مسألة إلا أخذته". 3394 - * روى أبو يعلى عن عمر بن الخطاب قال: قلت يا رسول الله قد قلت لي إن خيراً لك أن لا تسأل أحداً من الناس شيئاً، قال: "إنما ذاك أن تسأل وما آتاك الله من غير مسألة فإنما هو رزق رزقكه الله". 3395 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) أن عمر قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء، فأقول: أعطه من هو أفقر إليه مني قال: فقال: خذه، وإذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مشرف ولا سائل، فخذه، فتموله، فإن شئت كله، وإن شئت تصدق به، ومالا، فلا تتبعه نفسك، قال سالم بن عبد الله، فلأجل ذلك كان عبد الله لا يسأل أحداً شيئاً، ولا يرد شيئاً أعطيه". وفي رواية (1) "خذه فتموله وتصدق به، وفي أخرى (2): "أو تصدق به" ومن المراة من قال فيه عن ابن عمر: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعطي عمر العطاء" فجعله من

_ 3393 - الموطأ (2/ 998) 58 - كتاب الصدقة، 2 - باب ما جاء في التعفف عن المسئلة أخرجه مرسلاً وهو موصول من أكثر من وجه. 3394 - أبو يعلى (1/ 156). مجمع الزوائد (3/ 100) وقال الهيثمي: هو في الصحيح باختصار ورواه أبو يعلى ورجاله موثقون. 3395 - البخاري (3/ 337) 24 - كتاب الزكاة، 51 - باب من أعطاه الله شيئاً من غير مسألة. مسلم (2/ 723) 12 - كتاب الزكاة، 37 - باب إباحة الأخذ لمن أعطي من غير مسألة. النسائي (5/ 104) 23 - كتاب الزكاة، 94 - من آتاه الله عز وجل مالاً من غير مسألة. (1) مسلم: الموضع السابق. (2) مسلم، والنسائي: المواضع السابقة. قال ابن الأثير: (مشرف) الإشراف على الشيء: الاطلاع عليه، والتعرض له، والمراد: وأنت غير طامع فيه. ولا طالب له.

مسند ابن عمر. 3396 - * روى أحمد عن خالد بن عدي الجهني قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من بلغه من أخيه معروف من غير مسألة ولا إشراف نفس فليقبله ولا يرده فإنما هو رزق ساقه الله عز وجل إليه". 3397 - * روى الشيخان عن عبد الله بن السعدي (رضي الله عنه) أنه قدم على عمر في خلافته، فقال له عمر: ألم أحدث أنك تلي من أعمال الناس أعمالاً، فإذا أعطيت العمالة كرهتها؟ فقلت: بلى، قال عمر: ما تريد إلى ذلك؟ فقلت: إن لي أفراساً وأعبداً وأنا بخير، وأريد أن تكون عمالتي صدقة على المسلمين، قال عمر: لا تفعل، فإني كنت أردت الذي أردت، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء، فأقول: أعطه أفقر إليه مني، حتى أعطاني مرة مالاً، فقلت: أعطه أفقر إليه مني، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذه فتموله وتصدق به، فما جاءك من هذا المال من غير مسألة ولا إشراف فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك".

_ = (ومالا) قوله ومالا: أي: ما لا يكون على هذه الصفة، بل تكون نفسك تؤثره، وقيل إليه، فلا تتبعه نفسك، واتركه، فحذف هذه الجملة بدلالة الحال عليها. 3396 - أحمد (4/ 220، 221). أبو يعلى (2/ 226). الطبراني (الكبير) (4/ 196). مجمع الزوائد (3/ 100) وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير إلا أنهما قالا: من بلغه معروف من أخيه، وقال أحمد عن أخيه، ورجال أحمد رجال الصحيح. 3397 - البخاري (13/ 150) 93 - كتاب الأحكام، 17 - باب رزق الحاكم والعاملين عليها. مسلم (2/ 733، 724) 12 - كتاب الزكاة 37 - باب إباحة الأخذ لمن أعطي من غير مسألة ولا إشراف. أبو داود (2/ 122) كتاب الزكاة، 28 - باب في الاستعفاف. النسائي (5/ 102، 103، 104، 105) 23 - كتاب الزكاة، 94 - من آتاه الله عز وجل مالاً من غير مسألة.

الباب الثاني في الصدقات: فضلها وأحكامها وآدابها

الباب الثاني في الصدقات: فضلها وأحكامها وآدابها وفيه مقدمة وفصول المقدمة.

مقدمة

مقدمة تستحب صدقة التطوع في أي وقت، وهي سنة، وصدقة السر أفضل من صدقة العلانية أو الجهر، ودفعها في رمضان أفضل من دفعها في غيره، لأن الفقراء فيه يضعفون ويعجزون عن الكسب بسبب الصوم، ولأن الحسنات تضاعف فيه، وتتأكد في الأيام الفاضلة كعشر ذي الحجة وأيام العيد، وكذا في الأماكن الشريفة كمكة والمدينة، وفي الجهاد والحج، وعند الأمور المهمة كالكسوف والمرض والسفر، ويستحب الإكثار من الصدقة في أوقات الحاجات، ويسن التصدق عقب كل معصية، وتسن التسمية عند التصدق. والأولى أن يتصدق المرء من الفاضل عن كفايته وكفاية من يمونه على الدوام، ويستحب أن يتصدق بما تيسر، ولا يستقله، ولا يمتنع من الصدقة به لقلته وحقارته، فإن قليل الخير كثير عند الله تعالى، وما قبله الله تعالى وبارك فيه فليس هو بقليل. ويستحب أن يخص بصدقته الصلحاء، وأهل الخير والمروءات والحاجات. والأفضل أن يخص بالصدقة الأقارب ثم الجيران فهم أولى من الأجانب، ويستحب الصدقة على من اشتدت حاجته، وتحل الصدقة لغني ولو من ذوي القربى، لكن يستحب للغني التنزه عنها، ويكره له التعرض لأخذها، وتحل الصدقة أيضاً على فاسق، وكافر ويهودي أو نصراني أو مجوسي، ذمي أو حربي. يستحب أن لا يتصدق من عليه دين، أو من تلزمه نفقة لنفسه أو عياله، حتى يؤدي ما عليه. يحرم السؤال على الغني بمال أو كسب، ويحرم عليه إظهار الفاقة وإن لم يسأل، كما يكره تعمد الصدقة بالرديء، والمن بالصدقة يحبطها أي يمنع ثوابها، وتكره الصدقة بما فيه شبهة ويستحب أن يختار أجل ماله وأبعده عن الحرام والشبهة، ويستحب أن تكون الصدقة مقرونة بطيب نفس وبشر لما فيه من تكثير الأجر وجبر القلب، ويكره لمن تصدق بصدقة أن يأخذ صدقته أو يتملك ممن أعطاه ببيع أو معارضة أو هبة، ولا يكره تملكه منه بالإرث، ولا يكره أن يتملكه من غيره إذا انتقل إليه. انظر فيما سبق: [(المجموع 6/ 234 - 240) و (المغني 3/ 82 - 84) و (مغن المحتاج 3/ 120 - 122)].

الفصل الأول في الحث على الصدقات وفضلها

الفصل الأول في الحث على الصدقات وفضلها

عظم أجر من يتصدق من طيب كسبه

عظم أجر من يتصدق من طيب كسبه: 3398 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تصدق أحد بصدقة من طيب- ولا يقبل الله إلا الطيب- إلا أخذها الرحمن بيمينه، وإن كانت تمرة، فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل، كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله" هذا لفظ حديث مسلم. وأخرجه البخاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب- ولا يصعد إلى الله - وفي رواية: ولا يقبل الله- إلا الطيب- فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه، حتى تكون مثل الجبل". ولمسلم (1) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يتصدق أحد بتمرة من كسب طيب إلا أخذها الله بيمينه، يربيها كما يربي أحد فلوه، أو قلوصه، حتى تكون مثل الجبل، أو أعظم". وفي أخرى (2) له: "من الكسب الطيب، فيضعها في حقها". وأخرج (3) الترمذي عن القاسم بن محمد، قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه، فيربيها كما يربي أحدكم مهره، حتى إن اللقمة تصير مثل أحد، وتصديق ذلك في كتاب الله، {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ} (4) و {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} (5).

_ 3398 - البخاري (3/ 278) 24 - كتاب الزكاة، 8 - باب الصدقة من كسب طيب. مسلم (2/ 702) 12 - كتاب الزكاة، 19 - باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها. (1) مسلم، الموضع السابقة. (2) مسلم، الموضع السابقة. (3) الترمذي (3/ 50) 5 - كتاب الزكاة، 28 - باب ما جاء في فضل الصدقة. (ربا الشيء) يربو: إذا زاد وكثر. (الفلو): المهر أول ما يولد. (الفصيل): ولد الناقة إلى أن يفصل عن أمه. (القلوص): الناقة، فهو للأنثى كالجمل للذكر. (4) التوبة: 104. (5) البقرة: 276.

3399 - * روى البزار عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الرجل ليتصدق بالصدقة من الكسب الطيب ولا يقبل الله إلا الطيب فيتلقاها الرحمن تبارك وتعالى بيده فيربيها كما يربي أحدكم فلوه أو وصيفه أو فصيله". أقول: أخذ الحنفية وغيرهم من النصين السابقين أن المال الحرام ينبغي أن يتخلص منه صاحبه بنية الخلاص منه وتحرم نية التصدق به حتى نقل صاحب الهدية العلائية ما يفيد أن من استحل التصدق بالمال الحرام آخذاً أو معطياً راجياً الثواب فقد كفر. قال علاء الدين ما نصه: لا يتصدق إلا من حلال، فلو تصدق على فقير شيئاً من الحرام، يرجو الثواب يكفر، ولو علم الفقير بذلك، ودعا له، وأمن المعطي، يكفران. (الهدية العلائية 378). أما عن معنى (إلا كأنما يضعها في يد الرحمن) قال أبو حاتم بن حبان البستي: قوله صلى الله عليه وسلم (إلا كأنما يضعها في يد الرحمن) يبين لك أن هذه الأخبار أطلقت بألفاظ التمثيل دون وجود حقائقها أو الوقوف على كيفيتها إذا لم يتهيأ معرفة المخاطب بهذه الأشياء إلا بالألفاظ التي أطلقت بها. ا. هـ. (صحيح ابن حبان 1/ 431، تحقيق شعيب الأرناؤوط). 3400 - * روى مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينا رجل في فلاة من الأرض، فسمع صوتاً في سحابة: اسق حديقة فلان، فتنحى ذلك السحاب، فأفرغ ماءه في حرة، فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبع الماء، فإذا رجل قائم في حديقة يحول الماء بمسحاته، فقال: يا عبد الله ما اسمك؟ قال: فلان- للاسم الذي سمع في

_ 3399 - كشف الأستار (1/ 441) باب لا يقبل الله إلا الطيب، وأخرجه أحمد بنحوه (2/ 268). مجمع الزوائد (3/ 105) وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله ثقات. 3400 - مسلم (4/ 2288) 53 - كتاب الزهد والرقائق، 4 - باب الصدقة في المساكين. (حديقة) الحديقة: البستان الذي عليه حائط. (الحرة): الأرض ذات الحجارة السود. (الشرجة): واحدة الشراج، وهي مسايل الماء إلى السهل من الأرض. (المسحاة): المجرفة من الحديد.

المتصدق سرا ممن يحبهم الله

السحابة- فقال له- يا عبد الله لم سألتني عن اسمي؟ قال إني سمعت صوتاً في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسق حديقة فلان- لاسمك- فما تصنع فيها؟ قال: أما إذا قلت هذا فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثاً، وأرد فيها ثلثه". وفي رواية (1): "واجعل ثلثه في المساكين والسائلين وابن السبيل". المتصدق سراً ممن يحبهم الله: 3401 - * روى الترمذي عن أبي ذر الغفاري (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة يحبهم الله، وثلاثة يبغضهم الله، فأما الذين يحبهم الله: فرجل أتى قوماً فسألهم بالله، ولم يسألهم لقرابة بينه وبينهم، فمنعوه، فتخلف رجل بأعقابهم، فأعطاه سراً، لا يعلم بعطيته إلا الله والذي أعطاه، وقوم ساروا ليلتهم، حتى إذا كان النوم أحب إليهم مما يعدل به فوضعوا رؤوسهم، فقام أحدهم يتملقني ويتلو آياتي، ورجل كان في سرية، فلقي العدو فهزموا، فأقبل بصدره حتى يقتل، أو يفتح له، والثلاثة الذين يبغضهم الله: فالشيخ الزاني، والفقير المختال، والغني الظلوم" وللنسائي مثله، ولم يذكر "وثلاثة يبغضهم الله" ولا ذكرهم في آخر الحديث.

_ (1) مسلم: الموضع السابق. 3401 - الترمذي (4/ 698) 39 - كتاب صفة الجنة، 25 - باب، وقال الترمذي: هذا حديث صحيح. النسائي (3/ 207، 208) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 7 - فضل صلاة الليل في السفر، و (5/ 84) 23 - كتاب الزكاة، 75 - ثواب من يعطي. (المختال): المعجب بنفسه المتكبر. (يتملقني): تودد إلي وتلطف لي.

الصدقة بسبعمائة ضعف

الصدقة بسبعمائة ضعف: 3402 - * روى الترمذي عن خريم بن فاتك (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أنفق نفقة في سبيل الله، كتبت له بسبعمائة ضعف". 3403 - * روى مسلم عن أبي مسعود البدري (رضي الله عنه) قال: "جاء رجل بناقة مخطومة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: هذه في سبيل الله، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة". وفي رواية (1) النسائي "أن رجلاً تصدق بناقة مخطومة في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليأتين يوم القيامة بسبعمائة ناقة مخطومة". 3404 - * روى الطبراني في الكبير عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد بلالا فأخرج له صبرة من تمر فقال: "ما هذا يا بلال قال ادخرت لك يا رسول الله قال: "أما تخشى أن يجعل لك بخاراً في جهنم، أنفق بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا". 3405 - * روى الطبراني عن أبي اليسر قال: أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم لسمعته يقول: "إن أول الناس يستظل في ظل الله يوم القيامة لرجل أنظر معسراً حتى يجد شيئاً أو تصدق عليه بما يطلبه يقول: مالي عليك صدقة ابتغاء وجه الله ويخرق صحيفته".

_ 3402 - الترمذي (4/ 167) 23 - كتاب فضائل الجهاد، 4 - باب ما جاء في فضل النفقة في سبيل الله، وإسناده صحيح. النسائي (6/ 49) 25 - كتاب الجهاد، 45 - فضل النفقة في سبيل الله تعالى. 3403 - مسلم (3/ 1505) 33 - كتاب الإمارة، 37 - باب فضل الصدقة في سبيل الله، وتضعيفها. (1) النسائي (6/ 49) 25 - كتاب الجهاد، 46 - فضل الصدقة في سبيل الله عز وجل. (ناقة مخطومة): لها خطام تقاد به كالرسن للدابة، فيتمكن صاحبها منها ولا تفر منه. 3404 - مجمع الزوائد (3/ 126) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وفيه مبارك بن فضالة وهو ثقة وفيه كلام، وبقية رجاله رجال الصحيح، ورواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن. مبارك بن فضالة: صدوق يدلس، والحديث روي من طرق هو بها صحيح. (الصبرة): الكومة. 3405 - مجمع الزوائد (4/ 134) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن. (يخرق): يمزق أي يمزق صحيفة الدين.

أجر الصدقة بحسب القدرة

أجر الصدقة بحسب القدرة: 3406 - * روى النسائي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبق درهم مائة ألف درهم، قال: وكيف، قال: كان لرجل درهمان، فتصدق بأجودهما، وانطلق رجل إلى عرض ماله، فأخذ منه مائة ألف درهم فتصدق بها". وفي أخرى (1) مثله، وفيها: "وكان رجل له مال كثير، فأخذ من عرض ماله ... الحديث". 3407 - * روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) أن أعرابياً قال: "يا رسول الله، أخبرني عن الهجرة، قال: ويحك، إن شأن الهجرة شديد، فهل لك من إبل، قال: نعم، قال: فهل تؤدي صدقتها؟ قال: نعم، قال: فاعمل من وراء البحار، فإن الله لن يترك من عملك شيئاً". وفي رواية: "فهل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: فتعطي صدقتها؟ قال: نعم، قال: فهل تمنح منها؟ قال: نعم، قال: فتحلبها يوم وردها؟ قال: نعم، قال: فاعمل من وراء البحار، فإن الله لن يترك من عملك شيئاً". قال في (الفتح 7/ 259): الهجرة المسؤول عنها: مفارقة دار الكفر، إذ ذاك، والتزام أحكام المهاجرين مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكأن ذلك وقع بعد فتح مكة لأنها كانت إذ ذاك فرض عين، ثم نسخ ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم (لا هجرة بعد الفتح)، وقوله: (اعمل من وراء البحار) مبالغة في إعلامه بأن عمله لا يضيع في أي موضع كان، والبحار: القرى ا. هـ.

_ 3406 - النسائي (5/ 59) 23 - كتاب الزكاة، 49 - جهد المقل، وهو حديث حسن. ابن حبان (5/ 144) ذكر البيان بأن صدقة القليل من المال اليسير أفضل من صدقة الكثير من المال الوافر. ابن خزيمة (4/ 99) باب صدقة المقل إذا أبقى لنفسه قدر حاجته. الحاكم (1/ 416) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي. (1) النسائي: الموضع السابق. (عرض الشيء): جانبه وناحيته. 3407 - البخاري (3/ 316) 24 - كتاب الزكاة، 35 - باب ما كان من خليطين ... إلخ، 2633، 3923، 6165، في البخاري. مسلم (3/ 1488) 33 - كتاب الإمارة، 20 - باب المبايعة بعد فتح مكة على الإسلام والجهاد والخير. أبو داود (3/ 3) كتاب الجهاد، 1 - باب ما جاء في الهجرة.

الصدقة تطفئ الغضب وتقي مصارع السوء

الصدقة تطفئ الغضب وتقي مصارع السوء: 3408 - * روى الطبراني عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى اله عليه وسلم: "صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب وصلة الرحم تزيد في العمر". اللهم أعط منفقاً خلفاً: 3409 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من يوم يصبح فيه العباد إلا ملكان ينزلان، يقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً". 3410 - *روى أحمد عن أبي الدرداء قال: قال صلى الله عليه وسلم: "ما طلعت شمس قط إلا بعث بجنبتيها ملكان يناديان يسمعان أهل الأرض إلا الثقلين يا أيها الناس هلموا إلى ربكم فإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى ولا آبت شمس قط إلا بعث بجنبتيها ملكان يناديان يسمعان أهل الأرض إلا الثقلين اللهم أعط منفقاً خلفاً وأعط ممسكاً تلفاً". الصدقة وقاية من الهلاك: 3411 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

_ = النسائي (7/ 143) 38 - كتاب قسم الفيء، 11 - شأن الهجرة. (لن يترك): لن ينقصك شيئاً. 3408 - مجمع الزوائد (3/ 115) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن. 3409 - البخاري (3/ 304) 24 - كتاب الزكاة، 27 - باب قوله تعالى (فأما من أعطى واتقى، وصدق بالحسنى ... الآية). مسلم (2/ 700) 12 - كتاب الزكاة، 17 - باب في المنفق والممسك. 3410 - أحمد (5/ 197). مجمع الزوائد (3/ 122) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. 3411 - البخاري (6/ 304، 305) 59 - كتاب بدء الخلق، 6 - باب ذكر الملائكة. مسلم (2/ 712، 713) 12 - كتاب الزكاة، 27 - باب من جمع الصدقة وأعمال البر.

البركة في التصدق

"من أنفق زوجين في سبيل الله، دعاه خزنة الجنة، كل خزنة باب: أي فل، هلم، فقال أبو بكر: يا رسول الله، ذاك الذي لا توى عليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأرجو أن تكون منهم". وفي رواية (1): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أنفق زوجين في سبيل الله، نودي من أبواب الجنة". البركة في التصدق: 3412 - * روى البخاري عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله تعالى: أنفق ينفق عليك". وفي أخرى (2): "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة .. وذكره، وفيه: يد الله ملأى لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، وقال: أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض؟ فإنه لم يغض ما في يده، وكان عرشه على الماء، وبيده الميزان يخفض ويرفع". وفي أخرى (3): "وبيده الأخرى: الفيض- أو القبض- يرفع ويخفض". وأخرج مسلم (4) عن أبي هريرة- يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم- قال: "قال الله تبارك

_ (1) مسلم (2/ 712) الموضع السابق. (زوجين) أي: صنفين، والزوج: الصنف من الأشياء والنوع منها والزوج الذي معه آخر من جنسه مثله. (أي فل): منقوص الحرف من "فلان" كأنه قال: يا فلان، قال الأزهري: ليس ترخيم "فلان" ولكنها كلمة على حدة، فبنو أسد يوقعونها على الواحد والاثنين، والجمع والمؤنث بلفظ واحد، وغيرهم يثني ويجمع ويؤنث، وقال الجوهري: حذفت الألف والنون لغير ترخيم، ولو كان ترخيماً لقال: يا فلا. (التوي): الهلاك. 3412 - البخاري (9/ 497) 69 - كتاب النفقات، 1 - باب فضل النفقة على الأهل. (2) البخاري (8/ 352) 65 - كتاب التفسير، 2 - باب (وكان عرشه على الماء) وأطراف هذه الرواية في 7411، 7495، 7496. (3) البخاري (13/ 403) 97 - كتاب التوحيد، 22 - باب (وكان عرشه على الماء ... إلخ). (الفيض): جري الماء: إذا امتلأ الإناء وجرى. (4) مسلم (2/ 690، 691) 12 - كتاب الزكاة، 11 - باب الحث على النفقة وتبشير المنفق بالخلف.

الصدقة قبل أن لا يجد من يأخذها

وتعالى: يا ابن آدم، أنفق أنفق عليك، وقال: يمين الله ملأى سحاء، لا يغيضها شيء الليل والنهار". وفي رواية (1) له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قال لي: أنفق أنفق عليك". الصدقة قبل أن لا يجد من يأخذها: 3413 - * روى الشيخان عن حارثة بن وهب (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تصدقوا، فيوشك الرجل يمشي بصدقته، فيقول الذي أعطيها: لو جئتنا بها بالأمس قبلتها، فأما الآن، فلا حاجة لي فيها، فلا يجد من يقبلها منه". 3414 - * روى الشيخان عن أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب، ثم لا يجد أحداً يأخذها منه، ويرى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة، يلذن به من قلة الرجال وكثرة النساء". مثل المتصدق والبخيل: 3415 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: "ضرب رسول الله

_ = (سحاء) سح السحاب يسح: إذا هطل، والسحابة سحاء. (يغيضها) غاض الماء يغيض: إذا نقص، أي لا ينقصها شيء من كثرة العطاء. (1) مسلم (2/ 691) الموضع السابق. 3413 - البخاري (3/ 281) 24 - كتاب الزكاة، 9 - باب الصدقة قبل الرد، وأطرافه في 1424، 7120. مسلم (2/ 700) 12 - كتاب الزكاة، 18 - باب الترغيب في الصدقة قبل أن لا يوجد من يقبلها. النسائي (5/ 77) 23 - كتاب الزكاة، 64 - باب التحريض على الصدقة. 3414 - البخاري (3/ 281) 24 - كتاب الزكاة، 9 - باب الصدقة قبل الرد. مسلم (2/ 700) 12 - كتاب الزكاة، 18 - باب الترغيب في الصدقة قبل أن لا يوجد من يقبلها. (لذت) به ألوذ: إذا لجأت إليه وطفت به [واللوذ: حصن الجبل وجانبه، وما يطيف به]. 3415 - البخاري (10/ 267) 77 - كتاب اللباس، 9 - باب جيب القميص من عند الصدر وغيره. مسلم (2/ 708) 12 - كتاب الزكاة، 23 - مثل المنفق والبخيل.

صلى الله عليه وسلم مثل البخيل والمتصدق، كمثل رجلين عليهما جنتان من حديد قد اضطرت أيديهما إلى ثدييهما وتراقيهما، فجعل المتصدق كلما تصدق بصدقة انبسطت عنه حتى تغشي أنامله وتعفو أثره، وجعل البخيل كلما هم بصدقة قلصت، وأخذت كل حلقة بمكانها، قال أبو هريرة: فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بإصبعه هكذا في جيبه، فلو رأيته: يوسعها ولا توسع". قال القاضي عياض: وقع في هذا الحديث (أي في بعض رواياته) أوهام كثيرة من الرواة وتصحيف وتحريف .. فمنه: مثل المنفق والمتصدق، وصوابه مثل المتصدق البخيل بالشك وصوابه جنتان بالنون بلا شك، والجنة: الدرع ويدل عليه الحديث نفسه [أي قوله]: (فأخذت كل حلقة موضعها)، [وقوله] في الحديث الآخر جنتان من حديد اهـ (شرح النووي 7/ 108). (1) قوله (تغشي أنامله) أي تغطيها وتسترها. (تعفو أثره) أي تمحو أثر مشيته وتطمسه، يعني أن الصدقة تستر خطايا المتصدق كما يستر الثوب الذي يجر على الأرض أثر مشي لابسه، بمرور الذيل عليه، انظر شرح النووي، وهذه رواية مسلم حديث رقم (77) كتاب الزكاة توضح المعنى أكثر: عن أبي هريرة؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل البخيل والمتصدق مثل رجلين عليهما جنتان من حديد. إذا هم المتصدق بصدقة اتسعت عليه، حتى تعفي أثره، وإذا هم البخيل بصدقة تقلصت عليه، وانضمت يداه إلى تراقيه، وانقبضت كل حلقة إلى صاحبتها" قال: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "فيجهد أن يوسعها فلا يستطيع".

_ = قال ابن الأثير (جبتان من حديد) قد جاء في الحديث "جبتان- أو جنتان" بالباء والنون، فالجبة بالباء: معروفة، وبالنون: الوقاية. (تراقيهما) التراقي جمع ترقوة، وهي العظم الذي بين ثغرة النخر والعاتق. (قلصت) قلص العضو: إذا قصر واجتمع، وكذلك الثوب.

الصدقة وقاية من النار، والتصدق ولو بشق تمرة

الصدقة وقاية من النار، والتصدق ولو بشق تمرة: 3416 - * روى الشيخان عن عدي بن حاتم (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه، فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه، فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه، فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة". زاد في رواية (1): "فمن لم يجد فبكلمة طيبة". وفي رواية (2): "أنه ذكر النار فتعوذ منها، وأشاح بوجهه ثلاث مرات، ثم قال: "اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة". 3417 - * روى الشيخان عن عدي بن حاتم (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اتقوا النار ولو بشق تمرة". وفي رواية (3): "من استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق تمرة فليفعل". وفي أخرى (4): "أنه ذكر النار، فتعوذ منها، وأشاح بوجهه ثلاث مرات ثم قال: اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة".

_ 3416 - البخاري (13/ 474) 97 - كتاب التوحيد، 36 - باب كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم. (11/ 400) 81 - كتاب الرقاق، 49 - باب من نوقش الحساب عذب. مسلم (2/ 703) 12 - كتاب الزكاة، 20 - باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة. (1) مسلم، الموضع السابق. (2) مسلم، الموضع السابق. الترمذي (4/ 611) 38 - كتاب صفة القيامة، 1 - باب في القيامة، وقال: حسن صحيح. قال ابن الأثير: (ترجمان) الترجمان: ناقل الكلام من لغة إلى لغة. (أيمن منه وأشأم منه) يعني عن يمينه وشماله، واليد اليسرى تسمى: الشؤمي. (فتعوذ منها) تعوذت من الشيء: إذا قلت: أعوذ بالله منك، والمعنى: لجأت منك إليه، وانتصرت به. (أشاح) أي: عرض. 3417 - البخاري (3/ 283) 24 - كتاب الزكاة، 10 - باب اتقوا النار ولو بشق تمرة. مسلم (2/ 704) الموضع السابق. (3) مسلم ص: 703. (4) البخاري (10/ 448) 78 - كتاب الأدب، 34 - باب طيب الكلام.

3418 - *روى مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما نقص مال من صدقة- أو ما نقصت صدقة من مال- وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع عبد لله إلا رفعه الله". 3419 - * روى مسلم عن جرير بن عبد الله البجلي (رضي الله عنه) قال: "كنا في صدر النهار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءه قوم عراة مجتابي النمار، أو العباء، متقلدي السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر- فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما رأى بهم من افاقة، فدخل، ثم خرج، فأمر بلالاً، فأذن وأقام فصلى، ثم خطب فقال: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا، وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً، وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (1) والآية التي في الحشر {اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} (2) تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بره، من صاع تمره، حتى قال: ولو بشق تمرة، قال: فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت، قال: ثم تتابع الناس، حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى

_ = مسلم ص 704. النسائي (5/ 74، 75) 23 - كتاب الزكاة، 63 - باب القليل في الصدقة. (أشاح بوجهه) أعرض، وقيل: حذر، وقيل: أقبل بوجهه. 3418 - مسلم (4/ 2001) 45 - كتاب البر والصلة والآداب، 19 - باب استحباب العفو والتواضع. الترمذي (4/ 376) 28 - كتاب البر والصلة، 82 - باب ما جاء في التواضع، وقال: حديث حسن صحيح. 3419 - مسلم (2/ 705) 12 - كتاب الزكاة، 20 - باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة. قال ابن الأثير: (مجتابي النمار) النمار: جمع نمرة: وهي شملة مخططة من مآزر الأعراب، واجتاب فلان ثوباً، إذا لبسه. (فتمعر) تمعر وجهه: إذا تغير وتلون من الغضب. (كومين) الكوم من الطعام: الصبرة، وأصل الكوم: ما ارتفع وأشرف. (مدهنة) المدهن: نقرة في الجبل يستنقع فيها الماء من المطر، والمدهن أيضاً: ما جعل فيه الدهن، والمدهنة كذلك، شبه صفاء وجهه صلى الله عليه وسلم لإشراقه بالسرور: بصفاء هذا الماء المجتمع في الحجر، أو بصفاء الدهن، هذا ما شرحه الحميدي في غريبه، وقد جاء في كتاب النسائي وبعض نسخ مسلم "مذهبة" بالذال المعجمة والباء المعجمة بواحدة، فإن صحت الرواية: فهي من الشيء المذهب، أي: المموه بالذهب، أو من قولهم: فرس مذهب: إذا علت حمرته صفرة، والأنثى مذهبة، وإنما خص الأنثى بالذكر: لأنها تكون أصفى لوناً من الذكر، = (1) النساء: 1. (2) الحشر: 18.

الصدقة على غير الفقير لمن لا يعلم حاله

رأيت وجه رسول الله تهلل كأنه مدهنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء". وفي أخرى (1) قال: "جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عليهم الصوف، فرأى سوء حالهم .. فذكر بمعناه". وأخرج النسائي (2) الرواية الأولى، وليس عنده "مجتابي النمار، أو العباء" وزاد "حفاة" وقال: "مذهبة". الصدقة على غير الفقير لمن لا يعلم حاله: 3420 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال رجل: لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته، فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على سارق، فقال: اللهم لك الحمد، على سارق! لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته، فوضعها في يد زانية، فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على زانية، فقال: اللهم لك الحمد، على زانية! لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته، فوضعها في يد غني، فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على غني، فقال: اللهم لك الحمد، على سارق وزانية وغني! فأتي فقيل له: أما صدقتك على سارق: فلعله أن يستعف عن سرقته، وأما الزانية: فلعلها أن تستعف عن زناها، وأما الغني: فلعله يعتبر فينفق مما أعطاه الله".

_ = وأرق بشره. والله أعلم. (وزره) الوزر: الحمل والثقل. (1) مسلم، الموضع السابق. (2) النسائي (5/ 75) 23 - كتاب الزكاة، 64 - باب التحريض على الصدقة. 3420 - البخاري (3/ 290) 24 - كتاب الزكاة، 14 - باب إذا تصدق على غني وهو لا يعلم. مسلم (2/ 709) 12 - كتاب الزكاة، 24 - باب ثبوت أجر المتصدق وإن وقعت الصدقة في يد غير أهلها. النسائي (5/ 55، 56) 23 - كتاب الزكاة، 47 - باب إذا أعطاه غنياً وهو لا يشعر. (أن يستعف) استعف الرجل: إذا ألزم نفسه العفة، وهي التنزه عن الطلب والمسألة.

حث النساء على الصدقة

وأخرج النسائي مثلها وقال فيها: "فقيل له: أما صدقتك فقد تقبلت ... وذكره". حث النساء على الصدقة: 3421 - * روى مسلم عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا معشر النساء تصدقن، وأكثرن الاستغفار، فإني رأيتكن أكثر أهل النار، قالت امرأة منهن جزلة: ما لنا أكثر أهل النار؟ قال: تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن، قالت: ما نقصان العقل والدين؟ قال: شهادة امرأتين بشهادة رجل، وتمكث الأيام لا تصلي". 3422 - * روى الطبراني في الأوسط عن حكيم بن حزام قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء بالصدقة وحثهن عليها وقال: تصدقن فإنكن أكثر أهل النار، فقالت امرأة منهن: لم ذاك يا رسول الله؟ قال: "لأنكن تكثرن اللعن وتسوفن الخير وتكفرن العشير". 3423 - * روى أحمد عن عبد الله بن عمرو أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني أنزع في حوضي حتى إذا ملأته لإبلي ورد علي البعير لغيره فسقيته فهل في ذلك من أجر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في كل ذات كبد حرى أجر".

_ 3421 - مسلم (1/ 86، 87) 1 - كتاب الإيمان، 34 - باب بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات. (الجزلة): التامة، ويجوز أن تكون ذات كلام جزل، أي: قوي شديد. (العشير): المعاشر، والمراد به: الزوج، وكفرهن إياه: جحدهن إحسانه إليهن. 3422 - مجمع الزوائد (10/ 394) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات. (التسويف): أن تقول المرة بعد المرة سوف أفعل ولا تفعل. 3423 - أحمد (2/ 222). مجمع الزوائد (3/ 131) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات. (أنزع) في حوضي: ألقي بالماء في الحوض. (كبد حرى): من الحر، يريد أنها عطشت لشدة حرها، والمعنى أن في سقي كل ذات كبد حرى أجراً.

المتصدق في ظل صدقته

3424 - * روى أبو داود عنالهياج بن عمران بن حصين (رضي الله عنهما) "أن عمران ابق له غلام، فجعل لله عليه لئن قدر عليه ليقطعن يده، قال: فأرسلني لأسأل له، فأتيت سمرة بن جندب فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحثنا على الصدقة، وينهانا عن المثلة، فأتيت ابن حصين فسألته، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحثنا على الصدقة، وينهانا عن المثلة". المتصدق في ظل صدقته: 3425 - * روى ابن خزيمة عن عقبة بن عامر، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس، أو قال، حتى يحكم بين الناس". قال يزيد- أحد الرواة-: فكان أبو الخير لا يخطئه يوم لا يتصدق منه بشيء ولو كعكة ولو بصلة. يبقى ما يتصدق به من مال: 3426 - * روى البزار عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يذبح شاة فيقسمها بين الجيران قال فذبحها فقسمها بين الجيران، ورفعت الذراع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان أحب الشاة إليه الذراع، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قالت عائشة: ما بقي عندنا منها إلا الذراع قال: "كلها بقي إلا الذراع". من أخلص في صدقته يظله الله بظله: 3427 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ 3424 - أبو داود (3/ 53) كتاب الجهاد، باب في النهي عن المثلة، وللحديث شواهد. (المثلة): التنكيل والقتل بقطع بعض الأعضاء. 3425 - ابن خزيمة (4/ 94) 404 - باب إظلال الصقة صاحبها يوم القيامة، وإسناده صحيح على شرط مسلم. 3426 - كشف الأستار (1/ 446) باب ما تصدقت فأبقيت. مجمع الزوائد (3/ 109) وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله ثقات وآخره عند الترمذي بسند حسن. 3427 - البخاري (2/ 143) 10 - كتاب الأذان، 36 - باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة.

حرمة الكنز من غير إخراج حقه

يقول: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل، ورجل قلبه معلق بالمسجد، إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه". حرمة الكنز من غير إخراج حقه: 3428 - * روى الشيخان عن الأحنف بن قيس (رضي الله عنه) قال: قدمت المدينة، فبينا أنا في حلقة فيها ملأ من قريش، إذ جاء رجل أخشن الثياب، أخشن الجسد، أخشن الوجه، فقام عليهم، فقال: بشر الكانزين برضف يحمي عليه في نار جهنم، فيوضع على حلمه ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض كتفه، ويوضع على نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثديه، يتزلزل، قال: فوضع القوم رؤوسهم، فما رأيت أحداً منهم رجع إليه شيئاً، قال: فأدبر، فاتبعته، حتى جلس إلى سارية، فقلت: ما رأيت هؤلاء إلا كرهوا ما قلت لهم، فقال: إن هؤلاء لا يعقلون شيئاً، إن خليلي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم دعاني فأجبته، فقال: "أترى أحداً؟ " فنظرت ما علي من الشمس، وأنا أظن أنه يبعثني في حاجة له، فقلت: أراه، فقال: "ما يسرني أن لي مثله ذهباً أنفقه كله، إلا ثلاثة دنانير، ثم هؤلاء يجمعون الدنيا، لا يعقلون شيئاً"، قال: قلت: مالك ولإخوانك من قريش لا تعتريهم وتصيب منهم؟ قال: "لا، وربك، لا

_ = مسلم (2/ 715) 12 - كتاب الزكاة، 30 - باب فضل إخفاء الصدقة. 3428 - البخاري (3/ 271، 272) 24 - كتاب الزكاة، 4 - باب ما أدي زكاته فليس بكنز. مسلم (2/ 689) 12 - كتاب الزكاة، 10 - باب في الكنازين للأموال والتغليظ عليهم. (الكنازين) الكنازون: جمع كناز: وهو الذي يكنز الذهب والفضة: أي يجعلهما كنزاً، والكنز: المال المدفون. (برضف) الرضف: جمع رضفة. وهي الحجر يحمى ويترك في اللبن ليحمى. (حلمة ثديه) حلمة الثدي: هي الحبة على رأسه. (نغض كتفه): غضروفه. (تعتريهم): عراه واعتراه: إذا قصده يطلب رفده وصلته.

اسألهم عن دنيا، ولا أستفتيهم عن دين، حتى ألحق بالله ورسوله. وفي رواية (1): أن الأحنف قال: كنت في نفر من قريش، فمر أبو ذر وهو يقول: بشر الكانزين بكي في ظهورهم، يخرج من جنوبهم، وبكي من قبل أقفائهم يخرج من جباههم، ثم تنحى، فقعد، فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا أبو ذر، قال: فقمت إليه، فقلت: ما شيء سمعتك تقول قبيل؟ قال: ما قلت إلا شيئاً سمعته من نبيهم صلى الله عليه وسلم، قال: قلت: ما تقول في هذا العطاء؟ قال: خذه، فإن فيه اليوم معونة، فإذا كان ثمناً لدينك فدعه. وفي أخرى (2) بعض هذا المعنى قال: كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو ينظر إلى أحد، فقال: "ما أحب أن يكون لي ذهباً تمسي علي ثالثة وعندي منه شيء". وفي رواية (3): وعندي منه ديناراً، إلا ديناراً أرصده لدين، إلا أن أقول به في عباد الله، هكذا، حثا بين يديه، وهكذا عن يمينه، وهكذا عن شماله". قوله: (فنظرت ما علي من الشمس). يقصد أنه توقع أن يرسله الرسول صلى الله عليه وسلم في حاجة فهو يبحث عما إذا كان بقي من النهار ما يكفي. أقول: المسلمون مجمعون بعد أبي ذر على أن المسلم متى أدى الحقوق في ماله يندب له ندباً أن يتصدق، ويظهر أن مذهب أبي ذر يرى أن التصدق بالعفو واجب، وهو مذهب انفرد به وقد استغفل مذهب أبي ذر حتى أراد بعضهم أن ينقض الإسلام من خلاله وذلك تعسف في الفهم. 3429 - * روى أحمد عن عبد الله بن الصامت قال: كنت مع أبي ذر فخرج عطاؤه

_ (أرصده) رصدت فلاناً: ترقبته، وأرصدت له: أعددت له. (1) مسلم، الموضع السابق ص 690. (2) البخاري (13/ 217، 218) 94 - كتاب التمني، 2 - باب تمني الخير ... إلخ. (3) البخاري (11/ 61) 79 - كتاب الاستئذان، 30 - باب من أجاب بلبيك وسعديك. 3429 - أحمد (5/ 156، 176).

الإعطاء من غير إحصاء

ومعه جارية له، قال: فجعلت تقضي حوائجه ففضل معها سبعة فأمرها أن تشتري بها فلوساً قال قلت لو أخرته للحاجة تنوبك أو للضيف ينزل بك قال: إن خليلي عهد إلي أن أيما ذهب أو فضة أوكي عليه فهو جمر على صاحبه حتى يفرغه في سبيل الله عز وجل. أقول: هذا النص وأمثاله محمول على حالة يكون الناس فيها محتاجين، أما إذا لم تكن بالناس حاجة فلكل ما ملكه على أن يؤدي الحقوق منه. الإعطاء من غير إحصاء: 3430 - * روى أحمد عن عائشة (رضي الله عنها) "أنها ذكرت عدة من مساكين- قال أيوب: أو قال: عدة من صدقة- فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعطي، ولا تحصي، فيحصي الله عليك". وفي رواية النسائي (1) عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: "كنا يوماً في المسجد جلوساً، ونفر من المهاجرين والأنصار، فأرسلنا رجلاً إلى عائشة ليستأذن، فدخلنا عليها، قالت: دخل علي سائل مرة وعندي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرت له بشيء، ثم دعوت به، فنظرت إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما تريدين أن لا يدخل بيتك شيء، ولا يخرج إلا بعلمك؟ " قلت: نعم، قال: "مهلاً يا عائشة، لا تحصي، فيحصي الله عز وجل عليك". 3431 - * روى الشيخان عن أسماء بنت أبي بكر (رضي الله عنهما) قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنفقي- أو انضحي، أو انفحي- ولا تحصي، فيحصي الله

_ = مجمع الزوائد (10/ 240) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. (أوكي عليه): الوكاء: ما يشد به رأس القربة والمعنى: المال يوضع في الكيس ويشد برباط فلا ينفق منه شيء. 3430 - أحمد (6/ 71، 108، 345، 352). أبو داود (2/ 134) كتاب الزكاة، 46 - باب في الشح. (1) النسائي (5/ 73) 23 - كتاب الزكاة، 62 - باب الإحصاء في الصدقة، وإسناده صحيح. (لا تحصي فيحصي الله عليك) أي: لا تعدي ما تتصدقين به وتجمعينه، فيحصي الله ما يعطيك، ويعده عليك، وقيل هو المبالغة في التقصي والاستئثار. 3431 - البخاري (3/ 300) 24 - كتاب الزكاة، 21 - باب التحريض على الصدقة. مسلم (2/ 713) 12 - كتاب الزكاة، 28 - باب الحث في الإنفاق.

عليك" وفي رواية (1): "أنفقي، ولا تحصي فيحصي الله عليك، ولا توعي فيوعي الله عليك". وفي أخرى (2): "انفحي- أو انضحي، أو أنفقي- ولا تحصي، فيحصي الله عليك، ولا توعي فيوعي الله عليك". وفي أخرى (3) قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا توكي فيوكي الله عليك". وفي أخرى (4) "لا تحصي فيحصي الله عليك".

_ (1) مسلم، الموضع السابق. (2) مسلم، الموضع السابق. (3) البخاري، الموضع السابق. (4) البخاري ومسلم، الموضع السابقة. (انضحي- انفحي) النضح والنفح: كناية عن السماحة والعطاء.

الفصل الثاني في النفقة على حاجات النفس والعيال صدقة

الفصل الثاني في النفقة على حاجات النفس والعيال صدقة

النصوص

النصوص 3432 - *روى مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي تنفقه على أهلك". 3433 - * روى مسلم عن ثوبان (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل دينار ينفقه الرجل: دينار ينفقه على عياله، ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله". قال أبو قلابة: بدأ بالعيال، ثم قال أبو قلابة: وأي رجل أعظم أجراً من رجل ينفق على عيال صغار يعفهم الله- أو ينفعهم الله- به، ويغنيهم؟ قال النووي (7/ 81 - 82): مقصود الباب الحث على النفقة على العيال وبيان عظم الثواب فيه لأن منهم من تجب نفقته بالقرابة ومنهم من تكون مندوبة وتكون صدقة وصلة ومنهم من تكون واجبة بملك النكاح أملك اليمين وهذا كله فاضل محثوث عليه وهو أفضل من صدقة التطوع ... وزاده تأكيداً بقوله صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته". اهـ. أقول: وكم رأينا من مفاسد بين الشباب والأولاد نتيجة إقتار آبائهم عليهم مع القدرة، مما يجعلهم يلجأون إلى السرقة ونحوها ... ومن ههنا يظهر عظم هذا التوجيه النبوي.

_ (1) ملاحظة: النصوص الواردة في هذا الفصل وما بعده هي في الصدقة المندوبة على الأهل والأقارب، أما النفقة الواجبة للأقارب فمحلها في جزء النكاح من القسم الرابع. 3432 - مسلم (2/ 692) 2 - كتاب الزكاة، 12 - باب فضل النفقة على العيال والمملوك. (في رقبة) أراد بقوله: "ودينار أنفقته في رقبة" أي: في فك رقبة مأسورة. 3433 - مسلم (2/ 691) 12 - كتاب الزكاة، 12 - باب فضل النفقة على العيال والمملوك. الترمذي (4/ 344) 28 - كتاب البر والصلة، 42 - باب ما جاء في النفقة في الأهل. (يعفهم الله) العفة: كف النفس عما لا يحل، أي: يجعلهم ذوي عفاف وتقى لا يتبذلون.

3434 - * روى الشيخان عن أبي مسعود البدري (رضي الله عنه) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن المسلم إذا أنفق على أهله وهو يحتسبها، كانت له صدقة". ولفظ الترمذي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نفقة الرجل على أهله صدقة". 3435 - * روى أحمد عن المقدام بن معد يكرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة وما أطعمت زوجتك فهو لك صدقة وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة". 3436 - * روى أبو داود عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدقة يوماً، فقال رجل: يا رسول الله، عندي دينار؟ فقال: "تصدق به على نفسك، قال: عندي آخر؟ قال: تصدق به على ولدك، قال: عندي آخر، قال: تصدق به على خادمك، قال: عندي آخر، قال: أنت أبصر". قال البغوي (شرح السنة 6/ 194): (في هذا الحديث بيان الأولى فالأولى من أهل النفقة فأمره أن يبدأ بنفسه ثم بولده لأنه بعض منه فإذا ضيعه هلك ولم يجد من ينفق عليه ثم ثلث بالزوجة وأخرها عن الولد، لأنه إن لم يجد ما ينفق عليها فرق بينهما فوصلت إلى النفقة من غيره، ثم ذكر الخادم لأنه يباع عليه إن عجز عن نفقته فتصير نفقته على من يبتاعه).

_ 3434 - البخاري (9/ 497) 69 - كتاب النفقات، 1 - باب فضل النفقة على الأهل. مسلم (2/ 695) 12 - كتاب الزكاة، 14 - باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين ... إلخ. النسائي (5/ 69) 23 - كتاب الزكاة، 60 - باب أي الصدقة أفضل. الترمذي (4/ 344) 28 - كتاب البر والصلة، 42 - باب ما جاء في النفقة على الأهل. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. 3435 - أحمد (4/ 131). مجمع الزوائد (3/ 119) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات. 3436 - أبو داود (2/ 132) كتاب الزكاة، باب في صلة الرحم، وللحديث شواهد بمعناه يقوى بها. النسائي (5/ 62) 23 - كتاب الزكاة، 54 - تفسير ذلك.

3437 - * روى أبو داود عنأبي هريرة (رضي الله عنه) قال: "يا رسول الله، أي الصدقة أفضل؟ قال: "جهد المقل، وابدأ بمن تعول". 3438 - * روى البخاري عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، وابدأ بمن تعول". وفي رواية (1): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، ومن يستعف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله". وعند أبي داود: "خير الصدقة ما ترك غنى، أو تصدق عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول". وعند النسائي: "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول". وفي أخرى (2) للبخاري قال: "أفضل الصدقة: ما ترك غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول" تقول المرأة: إما أن تطعمني، وإما أن تطلقني، ويقول العبد: أطعمني واستعملني، ويقول الابن: أطعمني، إلى من تدعني؟ فقالوا:

_ 3437 - أبو داود (2/ 129) كتاب الزكاة، باب في الرخصة في ذلك. ابن حبان (5/ 144) ذكر البيان بأن من أفضل الصدقة إخراج المقل بعض ما عنده. ابن خزيمة (4/ 102) 418 - باب ذكر الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما فضل صدقة إخراج المقل إذا كان فضلاً عمن يعول .. إلخ. مستدرك الحاكم (1/ 414) كتاب الزكاة، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وهو حديث حسن وصححه بعضهم. (جهد المقل) الجهد- بالضم- الوسع والطاقة، والمقل: الذي ماله قليل، فهو يعطي بقدر ماله. 3438 - البخاري (9/ 500) 69 - كتاب النفقات، 2 - باب وجوب النفقة على الأهل والعيال. (1) البخاري (3/ 294) 24 - كتاب الزكاة، 18 - باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى ... إلخ. أبو داود (2/ 129) كتاب الزكاة، باب الرجل يخرج من ماله. النسائي (5/ 62) 23 - كتاب الزكاة، 53 - الصدقة عن ظهر غنى. (2) البخاري (9/ 500) 69 - كتاب النفقات، 2 - باب وجوب النفقة على الأهل والعيال. (ظهر غنى) يقال: أعطى فلان عن ظهر غنى، أي: أعطى عطاء من له ثروة ومال، فكأنه أسند ظهره إلى غناه وماله.

يا أبا هريرة: سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: "لا، هذا من كيس أبي هريرة". قوله هذا من كيس أبي هريرة أي أنه ليس من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وكلام أبي هريرة يبدأ من قوله: تقول المرأة .. 3439 - * روى البخاري عن حكيم بن حزام (رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة: عن ظهر غنى، ومن يستعف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله". وعند مسلم والنسائي قال: "أفضل الصدقة- أو خير الصدقة- عن ظهر غنى، واليد العليا خير من السفلى، وابدأ بمن تعول". 3440 - * روى النسائي عن طارق بن عبد الله المحاربي (رضي الله عنه) قال: "قدمنا المدينة، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر يخطب الناس، وهو يقول: يد المعطي: العليا، وابدأ بمن تعول: أمك وأباك، وأختك وأخاك، ثم أدناك فأدناك". 3441 - * روى مسلم عن أبي أمامة الباهلي (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا ابن آدم، إنك أن تبذل الفضل خير لك، وأن تمسكه شر لك، ولا تلام على كفاف، وابدأ بمن تعول، واليد العليا خير من اليد السفلى".

_ 3439 - البخاري (3/ 294) 24 - كتاب الزكاة، 18 - باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى. مسلم (2/ 717) 12 - كتاب الزكاة، 32 - باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى. النسائي (5/ 69) 23 - كتاب الزكاة، 60 - باب أي الصدقة أفضل. (اليد العليا): يد المتصدق وهي العليا في الحقيقة صورة ومعنى. (ابدأ بمن تعول) يعني: ابتدئ في الإنفاق والإعطاء بمن يلزمك نفقته من عيالك، فإن فضل شيء فليكن للأجانب. 3440 - النسائي (5/ 61) 23 - كتاب الزكاة، 51 - باب أيتهما اليد العليا؟ وإسناده صحيح. 3441 - مسلم (2/ 718) 12 - كتاب الزكاة، 32 - باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى. الترمذي (4/ 573) 37 - كتاب الزهد، 32 - باب منه. (الكفاف): الذي لا يفضل منه شيء ولا يعوزه معه شيء.

3442 - * روى الطبراني عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أنفق على نفسه نفقة يستعف بها فهي صدقة ومن أنفق على امرأته وولده وأهل بيته فهي صدقة". 3443 - * روى ابن خزيمة عن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه؛ أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين تيب عليه: يا رسول الله إني انخلع من مالي، صدقة إلى الله ورسوله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمسك بعض مالك، فهو خير لك". هذه النصوص تحث كلها على الصدقة والإنفاق على العيال والأقارب وأنها إن كانت بنية صالحة فهي من أفضل القربات إلى الله، وتشير إلى الحكمة في الإنفاق: فما أسوأ تدبير من ينفق على القريب البعيد ويذر أهله عالة يتكففون الناس؟ وما أسوأ تدبير من ينفق كل ماله ليصبح عالة على غيره إن كان أنفقه بهذا القصد؟ ولذا قال: اليد العليا خير من اليد السفلى، وقال: أمسك بعض مالك، وقال: خير الصدقة ما ترك غنى. ثم إن هذه النصوص تتحدث عن النفقة التي هي حاجة للإنسان وتبين أنها مع ذلك تعد صدقة يثاب عليها الإنسان. أما ما كان صدقة زائداً عن الحاجة فالحديث عنه في الفصل التالي وهي كذلك مما حث عليه الإسلام.

_ 3442 - مجمع الزوائد (3/ 120) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط والكبير بإسنادين أحدهما حسن. 3443 - ابن خزيمة (4/ 98، 99) 409 - باب الزجر عن صدقة المرء بماله كله. وهو صحيح.

الفصل الثالث في النفقة على الأرحام والأقارب والأزواج

الفصل الثالث في النفقة على الأرحام والأقارب والأزواج

النصوص

النصوص 3444 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: "كان أبو طلحة أكثر الأنصار مالاً بالمدينة من نخل، وكان أحب أماله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها، ويشرب من ماء فيها طيب، قال أنس: فلما نزلت هذه الآية: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} (1) قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن الله تبارك وتعالى يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وإن أحب مالي إلي: بيرحاء، وإنها صدقة لله، أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بخ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين، فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه". قال القعنبي عن مالك، قال: "رابح، أو رايح" وقال غيره: "رايح"، وقال غيره: "رابح". قال البخاري: قال ثابت عن أنس: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة: "اجعله لفقراء أقاربك، فجعلها لحسان وأبي بن كعب".

_ 3444 - البخاري (5/ 396) 55 - كتاب الوصايا، 66 - إذا وقف أرضاً ولم يبين الحدود فهو جائز. البخاري (4/ 493) 40 - كتاب الوكالة، 15 - باب إذا قال الرجل لوكيله: ضعه حيث أراك الله ... إلخ. وجاء في مواضع أخر في البخاري. مسلم (2/ 693) 12 - كتاب الزكاة، 14 - باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد .. إلخ. قال ابن الأثير: (بيرحاء) هذه اللفظة ما رأيت أحداً ضبطها ضبطاً يزول معه الشك، إلا أن الدائر في ألسنة قراء الحديث، يقولونها: "بيرحاء" بضم الراء والمد، والذي رأيته في كتاب "الفائق" للزمخشري، قال: "بيرحى" بفتح الراء والقصر، وقال: إنه اسم أرض كانت لأبي طلحة، وهي فيعلى من البراح، وهو المكان المتسع الظاهر. (1) آل عمران: 92.

قال البخاري: وقال إسماعيل: أخبرني عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة عن إسحاق ابن عبد الله بن أبي طلحة- لا أعلمه إلا عن أنس- قال: لما نزلت (لن تنالوا البر) جاء أبو طلحة. ثم ذكر نحو ما تقدم .. إلى أن قال-: فهي إلى الله عز وجل، وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، أرجو بره وذخره، فضعها- أي رسول الله صلى الله عليه وسلم- حيث أراك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بخ أبا طلحة، ذلك مال رابح، قبلناه منك، ورددناه عليك، فاجعله في الأقربين، فتصدق أبو طلحة على ذوي رحمه، قال: وكان منهم: أبي، وحسان، قال: فباع حسان حصته من معاوية، فقيل له: تبيع صدقة أبي طلحة؟ فقال: ألا أبيع صاعاً من تمر بصاع من دراهم؟ قال: وكانت تلك الحديقة في موضع قصر بني جديلة الذي بناه معاوية". ولمسلم (1) قال: "لما نزلت هذه الآية {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ} قال أبو طلحة: أرى ربنا يسألنا من أموالنا، فأشهدك أني قد جعلت أرضي بيرحاء لله، فقال: اجعلها في قرابتك، قال فجعلها في حسان بن ثابت وأبي بن كعب". 3445 - * روى الشيخان عن زينب- امرأة ابن مسعود- (رضي الله عنهما) قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تصدقن يا معشر النساء، ولو من حليكن، قالت: فرجعت إلى عبد الله، فقلت: إنك رجل خفيف ذات اليد، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالصدقة، فائته فاسأله، فإن كان ذلك يجزي عني، وإلا صرفتها إلى غيركم؟ فقال لي عبد الله: بل ائتيه أنت، قالت: فانطلقت، فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حاجتي حاجتها، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ألقيت عليه المهابة، قالت: فخرج علينا بلال، فقلنا له: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره: أن امرأتين بالباب،

_ (1) مسلم (2/ 694) الموضع السابق. (بخ بخ) كلمة يقولها المتجب من الشيء، وعند المدح والرضى بالشيء، ويكرر للمبالغة، فيقال: بخ بخ، فإن وصلت جررت ونونت فقلت: بخ بخ، وربما شددت. (مال رابح، ورايح) رابح بنقطة واحدة، معناه: ذو ربح، وأما بنقطتين، فمعناه: أنه قريب المسافة يروح خيره ولا يغرب. 3445 - البخاري (3/ 328) 24 - كتاب الزكاة، 48 - الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر. مسلم (2/ 694) 12 - كتاب الزكاة، 14 - باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين.

يسألانك: أتجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتام في حجورهما؟ ولا تخبره من نحن. قالت: فدخل بلال على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هما؟ قال: امرأة من الأنصار وزينب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي الزيانب؟ قال: امرأة عبد الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لهما أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة". 3446 - * روى البخاري عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى، أو فطر، إلى المصلى، ثم انصرف فوعظ الناس فأمرهم بالصدقة، فقال: "أيها الناس، تصدقوا، فمر على النساء، فقال: يا معشر النساء تصدقن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فقلن: وبم ذلك يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن يا معشر النساء، ثم انصرف، فلما صار إلى منزله جاءت زينب امرأة ابن مسعود تستأذن عليه، فقيل: يا رسول الله، هذه زينب، فقال: أي الزيانب؟ فقيل: امرأة ابن مسعود، قال: نعم، ائذنوا لها، فأذن لها، قالت: يا نبي الله، إنك أمرت اليوم بالصدقة، وكان عندي حلي لي، فأردت أن أتصدق به، فزعم ابن مسعود: أنه وولده أحق من تصدق به عليهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "صدق ابن مسعود، زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم". 3447 - * روى الترمذي عن سلمان بن عامر (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم ثنتان: صدقة، وصلة". 3448 - * روى ابن خزيمة عن ميمونة أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم خادماً فأعطاها، فأعتقتها، فقال: "أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك". فائدة: الصدقة الواجبة كالزكاة لا تصح على من كانت نفقته واجبة، فلا يزكي الإنسان

_ 3446 - البخاري (3/ 325) 24 - كتاب الزكاة، 44 - باب الزكاة على الأقارب. (يكفرن العشير) العشير: الزوج، وكفرانهن: جحدهن خيره وإحسانه. 3447 - الترمذي (3/ 47) 5 - كتاب الزكاة، 36 - باب ما جاء في الصدقة على ذي القرابة. النسائي (5/ 92) 23 - كتاب الزكاة، 82 - الصدقة على الأقارب. 3448 - ابن خزيمة (4/ 95) 406 - باب الدليل على أن الصدقة بالمملوك أفضل من عتق المتصدق إياه، وهو صحيح.

ماله بإعطائه لابنه أو زوجته أو أبيه أو أمه أو خادمه. وسيمر معنا تفصيل ذلك. أما إعطاء الزكاة للزوج من قبل الزوجة فجائز عند بعض العلماء.

الفصل الرابع في الصدقة عن الأموات

الفصل الرابع في الصدقة عن الأموات

النصوص

النصوص 3449 - *روى مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "إن أبي مات ولم يوص، أفينفعه أن أتصدق عنه؟ قال: نعم"، وزاد النسائي فيه "وترك مالاً". 3450 - * روى البخاري عن عبد الله بن عباس (رض الله عنهما) أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "إن أمي توفيت، أينفعها إن تصدقت عنها؟ قال: نعم، قال: فإن لي مخرقاً، فأنا أشهدك أني قد تصدقت به عنها". وفي أخرى (1) نحوه، وفي أوله "أن سعد بن عبادة- أخا بني سعد- توفيت أمه وهو غائب عنها، فقال: يا رسول الله، إن أمي توفيت وأنا غائب، أفينفعها؟ ... وذكر الحديث". وفي أخرى (2) للنسائي: أن سعداً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: إن أمي ماتت ولم توص، أفأتصدق عنها؟ قال: "نعم". 3451 - * روى الجماعة إلا الترمذي عن عائشة (رضي الله عنها) أن رجلاً قال

_ 3449 - مسلم (3/ 1254) 25 - كتاب الوصية، 2 - باب وصول ثواب الصدقات إلى البيت. النسائي (6/ 252) 30 - كتاب الوصايا، 8 - فضل الصدقة عن الميت. 3450 - البخاري (5/ 396) 55 - كتاب الوصايا، 26 - باب إذا وقف أرضاً ولم يبين الحدود فهو جائز وكذلك الصدقة. أبو داود (3/ 118) كتاب الوصايا، باب ما جاء فيمن مات عن غير وصية يتصدق عنه. الترمذي (3/ 56، 57) 5 - كتاب الزكاة، 33 - باب ما جاء في الصدقة عن الميت، وقال الترمذي: هذا حديث حسن. النسائي (6/ 252، 253) 30 - كتاب الوصايا، 8 - فضل الصدقة عن الميت. (1) البخاري (5/ 385) 55 - كتاب الوصايا، 15 - باب إذا قال أرضي أو بستاني صدقة لله عن أمي فهو جائز ... إلخ، وطرف هذا الحديث في (2762). (2) النسائي (6/ 252) الموضع السابق. (مخرفا) المخرف: النخل، لأنها تخترف ثمارها، أي تجتني. 3451 - البخاري (3/ 254) 23 - كتاب الجنائز، 95 - باب موت الفجاءة، والبغتة. مسلم (3/ 1254) 25 - كتاب الوصية، 2 - باب وصول ثواب الصدقات إلى البيت.

لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أمي افتلتت نفسها، وأظنها لو تكلمت تصدقت، فهل لها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: "نعم". وفي رواية (1): "افتلتت نفسها ولم توص .. وذكر نحوه". 3452 - * روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود رفعه قال: "إن الرجل المسلم ليصنع في ثلثه عند موته خيراً فيوفي الله بذلك زكاته".

_ = أبو داود (3/ 118) كتاب الوصايا، باب ما جاء فيمن مات عن غير وصية يتصدق عنه. النسائي (6/ 250) 30 - كتاب الوصايا، 7 - باب إذا مات الفجأة هل يستحب لأهله أن يتصدقوا عنه. ابن ماجه (2/ 906، 907) 22 - كتاب الوصايا، 8 - باب من مات ولم يوص هل يتصدق عنه؟ (1) مسلم: نفس الموضع السابق. (افتلتت نفسها) افتلتت نفس فلان، أي: مات فجأة، كأن نفسه أخذت فلتة. 3452 - الطبراني (الكبير) (10/ 247). مجمع الزوائد (4/ 212) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.

الفصل الخامس في إنفاق المرأة من مال زوجها والخادم من مال سيده

الفصل الخامس في إنفاق المرأة من مال زوجها والخادم من مال سيده

النصوص

النصوص 3453 - * روى الشيخان عن عائشة (رضي الله عنها) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها، غير مفسدة، فلها أجرها بما أنفقت، وللزوج بما اكتسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئاً". وفي رواية (1) الترمذي والنسائي بدل "أنفقت: تصدقت". وفي أخرى (2) "أعطت". 3454 - * روى أبو داود عن سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) قال: "لما بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم قامت امرأة جليلة، كأنها من نساء مضر، فقالت: يا رسول الله إنا كل على آبائنا وأبنائنا وأزواجنا، فما يحل لنا من أموالهم؟ قال: "الرطب تأكلنه وتهدينه". قال البغوي في شرح السنة: "وخص الطعام الرطب بالأكل لما جرت العادة بين الجيرة والأقارب أن يتهادوا بالرطب من الفواكه والبقول لسرعة الفساد إليها دون اليابس الذي يبقى على الادخار (6/ 206). 3455 - * روى الشيخان عن أسماء بنت أبي بكر (رضي الله عنهما) قالت: "قلت: يا رسول الله، مالي مال إلا ما أدخل علي الزبير، أفأتصدق؟ قال: "تصدقي، ولا توعي فيوعي الله عليك".

_ 3453 - البخاري (3/ 293) 24 - كتاب الزكاة، 17 - باب من أمر خادمه بالصدقة ولم يناول نفسه. مسلم (2/ 710) 12 - كتاب الزكاة، 25 - باب أجر الخازن الأمين. أبو داود (2/ 131) كتاب الزكاة، 44 - باب المرأة تتصدق من بيت زوجها. (1) الترمذي (3/ 58) 5 - كتاب الزكاة، 34 - باب في نفقة المرأة من بيت زوجها. النسائي (5/ 65) 23 - كتاب الزكاة، 57 - صدقة المرأة من بيت زوجها. (2) الترمذي، الموضع السابق. 3454 - أبو داود (2/ 131) كتاب الزكاة، 44 - باب المرأة تتصدق من بيت زوجها وإسناده لا بأس به. وقال أبو داود: الرطب يعني به: ما يفسد إذا بقي. (امرأة جليلة) أي: كبيرة القدر عظيمة. 3455 - البخاري (3/ 301) 24 - كتاب الزكاة، 22 - باب الصدقة فيما استطاع.

وفي رواية (1): "أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله ليس لي شيء إلا ما أدخل علي الزبير، فهل علي جناح أن أرضخ مما يدخل علي؟ قال: "ارضخي ما استطعت، ولا توعي فيوعي الله عليك". وفي رواية (2) أبي داود والترمذي قالت: "قلت: يا رسول الله .... وذكر مثل الأولى". وقال عوض: "توعي": "توكي". وأخرج (3) النسائي الرواية الآخرة، وقال: "توكي". 3456 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها من غير أمره، فله نصف الأجر". وعند مسلم زيادة في أوله، قال: "لا تصم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته وهو شاهد إلا بإذنه ... وذكر الحديث". وأخرج البخاري (4) مثل هذه الزيادة، وفيه: "ما أنفقته من نفقة من غير إذنه، فإنه يؤدى إليه شطره". وأخرج الترمذي (5) ذكر الصوم وحده. وأخرج أبو داود (6) الصوم والإذن وحدهما.

_ (1) مسلم (2/ 714) 12 - كتاب الزكاة، 28 - باب الحث في الإنفاق وكراهة الإحصاء. (2) أبو داود (2/ 134) كتاب الزكاة، 46 - باب في الشح. الترمذي (4/ 342) 28 - كتاب البر والصلة، 40 - باب ما جاء في السخاء. (3) النسائي (5/ 74) 23 - كتاب الزكاة، 62 - الإحصاء في الصدقة. (لا توعي فيوعي الله عليك) كناية عن الشح والإمساك، لأنه من الجمع والادخار، وكذلك "لا توكي فيوكي الله عليك" كناية أيضاً عن البخل والمنع، من الإيكاء، وهو الشد، كأنه يشد كيسه فلا ينفق منه شيئاً، (الرضخ) العطاء القليل. 3456 - البخاري (9/ 504) 69 - كتاب النفقات، 5 - باب نفقة المرأة إذا غاب عنها زوجها. مسلم (2/ 711) 12 - كتاب الزكاة، 26 - باب ما أنفق العبد من مال مولاه. (5) البخاري (9/ 295) 67 - كتاب النكاح، 86 - باب لا تأذن المرأة في بيت زوجها لأحد إلا بإذنه. (6) الترمذي (3/ 151) 6 - كتاب الصوم، 65 - باب ما جاء في كراهية صوم المرأة إلا بإذن زوجها. (7) أبو داود (2/ 330) كتاب الصوم، باب المرأة تصوم بغير إذن زوجها.

وفي أخرى لأبي داود (1): "أن أبا هريرة سئل عن المرأة: هل تتصدق من بيت زوجها؟ قال: لا، إلا من قوتها، والأجر بينهما، ولا يحل لها أن تتصدق من مال زوجها إلا بإذنه". قال ابن حجر في (الفتح 4/ 303) قال ابن العربي: اختلف السلف فيما إذا تصدقت المرأة من بيت زوجها، فمنهم من أجازه لكن في الشيء اليسير الذي لا يؤبه له ولا يظهر به النقصان. ومنهم من حمله على ما إذا أذن الزوج ولو بطريق الإجمال، وهو اختيار البخاري، ولذلك قيد الترجمة بالأمر به. ويحتمل أن يكون ذلك محمولاً على العادة، وأما التقييد بغير الإفساد فمتفق عليه. ومنهم من قال: المراد بنفقة المرأة والعبد والخازن النفقة على عيال صاحب المال في مصالحه، وليس ذلك بأن يفتئتوا على رب البيت بالإنفاق على الفقراء بغير إذن. ومنهم من فرق بين المرأة والخادم فقال: المرأة لها حق في مال الزوج والنظر في بيتها فجاز لها أن تتصدق، بخلاف الخادم فليس له تصرف في متاع مولاه فيشترط الإذن فيه. وهو متعقب بأن المرأة إذا استوفت حقها فتصدقت منه فقد تخصصت به، وإن تصدقت من غير حقها رجعت المسألة كما كانت والله أعلم. 3457 - * روى الترمذي عن أبي أمامة الباهلي (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته عام حجة الوداع: "لا تنفق امرأة شيئاً من بيت زوجها إلا بإذن زوجها، قيل: يا رسول الله، ولا الطعام؟ قال: ذلك أفضل أموالنا". قال البغوي في شرح السنة: (العمل على هذا عند عامة أهل العلم أن المرأة ليس لها أن تتصدق بشيء من مال الزوج دون إذنه وكذلك الخادم ويأثمان إن فعلا ذلك، وحديث عائشة خارج على عادة أهل الحجاز أنهم يطلقون الأمر للأهل والخادم في الإنفاق والتصدق مما يكون في البيت إذا حضرهم السائل أو أنزل بهم الضيف فحضهم على لزوم تلك العادة ... وعلى هذا يخرج ما روي عن عمير ... (شرح السنة: 6/ 205).

_ (1) أبو داود (2/ 131) كتاب الزكاة، باب المرأة تتصدق من بيت زوجها. 3457 - الترمذي (3/ 57، 58) 5 - كتاب الزكاة، 34 - باب في نفقة المرأة من بيت زوجها، وقال الترمذي: حديث أبي أمامة حديث حسن.

3458 - * روى أبو داود عنعبد الله بن عمرو (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها". وفي رواية (1) قال: "لا يجوز لامرأة أمر في مالها إذا ملك زوجها عصمتها". وعند النسائي (2) قال: "لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قام خطيباً .. وذكر الأولى". قوله: لا يجوز لامرأة أمر في مالها إذا ملك زوجها عصمتها: هذا محمول على الندب فكلمة الجواز تأتي على الحقيقة وتأتي على المجاز، والقواعد الشرعية واضحة في أن المرأة حرة في مالها، إلا أن بعض الفقهاء ذهب إلى أن الزوجة لا تتصرف في مالها إلا بإذن زوجها. 3459 - * روى مسلم عن عمير مولى آبي اللحم قال: "أمرني مولاي أن أقدر لحماً، فجاءني مسكين، فأطعمته منه، فعلم بذلك مولاي، فضربني، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فدعاه، فقال: لم ضربته؟ فقال: يعطي طعامي بغير أن آمره؟ فقال: الأجر بينكما". وفي رواية (3) قال: "كنت مملوكاً، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتصدق من مال مولاي بشيء؟ قال: "نعم، والأجر بينكما نصفان". من مجموع النصوص وكلام العلماء يتبين لنا أنه: 1 - يجوز للمرأة أن تتصدق باليسير الرطب ومالا مفسدة فيه، كما إذا طرق طارق الباب فناولته شيئاً يسيراً لا يؤبه له وما يسمى بالضيافة ونحوها.

_ 3458 - أبو داود (3/ 293) كتاب البيوع، باب في عطية المرأة بغير إذن زوجها. (1) أبو داود: الموضع السابق، وإسناده حسن. (2) النسائي (5/ 65) 23 - كتاب الزكاة، 58 - عطية المرأة بغير إذن زوجها. 3459 - مسلم (2/ 711) 12 - كتاب الزكاة، 26 - باب ما أنفق العبد من مال مولاه. (3) مسلم: الموضع السابق. النسائي (5/ 63، 64) 23 - كتاب الزكاة، 56 - صدقة العبد. (أقدر لحماً) أي: أطبخ قدراً من لحم.

2 - العرف والعادة لهما أثر في تحديد ما يجوز وما لا يجوز. 3 - يجوز أن تتصدق في حدود ما أذن لها به زوجها إذناً إجمالياً، وفي كل ما سبق يؤجر الزوج والمرأة. 4 - فيما عدا ما سبق لا يجوز للمرأة ولا الخادم أن يتصدقا من مال صاحب البيت إلا بإذنه، لأن ذلك افتئات عليه وربما أدى إلى مفسدة.

الفصل السادس في الإسراع في إخراج الصدقات وعدم كنز المال

الفصل السادس في الإسراع في إخراج الصدقات وعدم كنز المال

3460 - * روى البخاري عن عقبة بن الحارث (رضي الله عنه) قال: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر، فأسرع، وأقبل يشق الناس حتى دخل بيته، فتعجب الناس من سرعته، ثم لم يكن بأوشك من أن خرج، فقال: ذكرت شيئاً من تبر كان عندنا، فخشيت أن يحبسني، فقسمته". وفي رواية (1)، قال: "صليت وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة العصر، فسلم، ثم قام مسرعاً يتخطى رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه، ففزع الناس من سرعته، فخرج عليهم، فرأى أنهم قد عجبوا من سرعته، فقال: ذكرت شيئاً من تبر عندنا، فكرهت أن يبيت عندنا، فأمرت بقسمته. 3461 - * روى الطبراني في الكبير عن سعيد بن عامر بن حذيم قال بلغ عمر أنه لا يدخر في بيته من الحاجة فبعث إليه بعشرة آلاف فأخذها فجعل يفرقها صرراً فقالت له امرأته أين تذهب بهذه؟ قال: أذهب بها إلى من يرجح لنا فيها فما أبقى لنا إلا شيئاً يسيراً، فلما نفذ الذي كان عندهم قالت له امرأته اذهب إلى بعض أصحابك الذين أعطيتهم يرجحون لك فخذ من أرباحهم وجعل يدافعها ويماطلها حتى طال ذلك، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لو أن حوراء أطلعت أصبعاً من أصابعها لوجد ريحها كل ذي روح فأنا أدعهن لكن؟ لا والله لأنتن أحق أن أدعكن لهن منهن لكن".

_ 3460 - البخاري (3/ 299) 24 - كتاب الزكاة، 20 - باب من أحب تعجيل الصدقة من يومها. النسائي (3/ 84) 13 - كتاب السهو، 104 - باب الرخصة للإمام في تخطي رقاب الناس. البخاري (2/ 337) 10 - كتاب الأذان، 158 - باب من صلى بالناس فذكر حاجة فتخطاهم. (أوشك) هذا الأمر يوشك إيشاكاً: إذا أسرع. (التبر) ما لم يضرب دنانير من الذهب، ولا يقال له وهو مضروب: تبر، ومنهم من يطلقه على الفضة أيضاً قبل أن تضرب دراهم. (1) (يحبسني) حبسني هذا الأمر يحبسني: إذا عاقني 3461 - الطبراني (الكبير) (6/ 59). مجمع الزوائد (3/ 124) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات.

أقول: كلام الصحابي يفيد أن الحور العين أحب إليه من نسائه، وهو إنما يتصدق من أجل الجنة لينال حورها على أنه من المعروف شرعاً أن زوجة الإنسان في الجنة أحلى من حور العين وأحب. 3462 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو كان عندي أحد ذهباً، لأحببت أن لا تأتي ثلاث وعندي منه دينار، ليس شيئاً أرصده في دين علي، أجد من يقبله". وفي رواية (1): لو كان عندي مثل أحد ذهباً، لسرني أن لا يمر علي ثلاث ليال وعندي منه شيء، إلا شيئاً أرصده لدين". 3463 - * روى الطبراني عن ابن عباس قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه ذات يوم وفي يده قطعة من ذهب فقال لعبد الله بن عمر: "ما كان محمد قائلاً لربه لو مات وهذه عنده؟ " فقسمها قبل أن يقوم، وقال: "ما يسرني أن لأصحاب محمد مثل هذا الجبل- وأشار إلى أحد- ذهباً وفضة فينفقها في سبيل الله ويترك منها ديناراً" فقال ابن عباس: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قبض ولم يدع ديناراً ولا درهماً ولا عبداً ولا أمة، ولقد ترك درعه مرهونة عند رجل من اليهود بثلاثين صاعاً من شعر كان يأكل منها ويطعم عياله. 3464 - * روى مسلم عن أبي ذر (رضي الله عنه) قال: انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في ظل الكعبة، فلما رآني قال: "هم الأخسرون ورب الكعبة"، قال: فجئت حتى جلست، فلم أتقار أن قمت، فقلت: يا رسول الله فداك أبي وأمي من هم؟ قال: "هم الأكثرون أموالاً، إلا من قال هكذا، وهكذا، وهكذا، - من بين

_ 3462 - البخاري (13/ 217، 218) 94 - كتاب التمني، 2 - باب تمني الخير ... إلخ. مسلم (2/ 687) 12 - كتاب الزكاة، 8 - باب تغليظ عقوبة من لا يؤدي الزكاة. (1) البخاري (11/ 264) 81 - كتاب الرقاق، 14 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهباً". 3463 - الطبراني (الكبير) (11/ 268، 269). مجمع الزوائد (3/ 123) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله موثقون. 3464 - مسلم (2/ 686) 12 - كتاب الزكاة، 8 - باب تغليظ عقوبة من لا يؤدي الزكاة.

يديه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله- وقليل ما هم، ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم، لا يؤدي زكاتها، إلا جاءت يوم القيامة أعظم ما كانت وأسمنه، تنطحه بقرونها، وتطؤه بأظلافها، كلما نفدت أخراها عادت عليه أولاها حتى يقضى بين الناس". وأخرجه الترمذي والنسائي بطوله: وفيه- بعد قوله: وقليل ما هم-، ثم قال: والذي نفسي بيده، لا يموت رجل فيدع إبلاً ولا بقراً لم يؤد زكاتها ... وذكر الحديث. قال النووي (7/ 73 - 74): "فيه الحث على الصدقة في وجوه الخير وأنه لا يقتصر على نوع من وجوه البر بل ينفق في كل وجه من وجوه الخير يحضر، وفيه جواز الحلف بغير تحليف بل هو مستحب إذا كان فيه مصلحة كتوكيد أمر وتحقيقه ونفي المجاز عنه" وقد عنون النووي لهذا الحديث بقوله: (تغليظ عقوبة من لا يؤدي الزكاة). 3465 - * روى أحمد عن أبي البختري عن علي رضي الله عنه قال: قال عمر للناس: ما ترون في فضل فضل عندنا من هذا المال؟ فقال الناس يا أمير المؤمنين قد شغلناك عن أهلك وضيعتك وتجارتك فهو لك. فقال لي: ما تقول أنت؟ فقلت: قد أشاروا عليك فقال لي: قل: فقلت لم تجعل يقينك ظناً؟ فقال لتخرجن مما قلت. فقلت أجل لأخرجن مما قلت: أتذكر حين بعثك نبي الله صلى الله عليه وسلم ساعياً فأتيت العباس بن عبد المطلب فمنعك صدقته فكان بينكما شيء فقلت لي: انطلق معي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوجدناه خاثراً فرجعنا ثم غدونا عليه فوجدناه طيب النفس فأخبرته بالذي صنع فقال

_ = الترمذي (3/ 12) 5 - كتاب الزكاة، 1 - باب ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في منع الزكاة من التشديد. النسائي (5/ 10) 23 - كتاب الزكاة، 2 - باب التغليظ في حبس الزكاة. (أتقار) بمعنى أقر وأثبت: أي لم ألبث أن سألته. (بأظلافها) الظلف للبقر والغنم: بمنزلة الحافر للفرس والبغل، وبمنزلة الخف للبعير. 3465 - أحمد (1/ 94). أبو يعلي (1/ 414). كشف الأستار: رواه البزار إلا أنه قال إنكما أتيتماني وعندي دنانير قد قسمتها وبقيت منها سبعة. مجمع الزوائد (10/ 238) وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، وأبو يعلى والبزار إلا أن أبا البختري لم يسمع من علي، ولا من عمر. (خاثراً): أي غير نشط.

"أما علمت أن عم الرجل صنو أبيه"، وذكرنا له الذي رأينا من خثوره في اليوم الأول والذي رأيناه من طيب نفسه في اليوم الثاني، فقال: "إنكما أتيتما في اليوم الأول وقد بقي عندي من الصدقة ديناران فكان ذلك الذي رأيتما من خثوري له وأتيتماني اليوم وقد وجهتهما فذلك الذي رأيتما من طيب نفسي" فقال عمر: صدقت. والله لأشكر نلك الدنيا والآخرة. وزاد أبو يعلى فيه: فقلت، لم تجعل يقينك ظناً وعلمك جهلاً؟ فقال: لتخرجن مما قلت أو لأعاقبنك. وقال لأشكرن لك الدنيا والآخرة. فقلت يا أمير المؤمنين لم تعجل العقوبة وتؤخر الشكر. قوله: لم تجعل يقينك ظناً؟: مفاده أن اليقين: أن يخرج ما في يده من المال في سبيل الله وأن ما سوى ذلك محل نظر فلم يستبدل الشك باليقين. أقول: قوله لم تعجل العقوبة وتؤخر الشكر: إشارة منه إلى أن عمر هدده ناجزاً، ووعده الشكر، فإنجاز الوعيد والوعد بالشكر: إسراع بالعقوبة ومماطلة بالشكر فكأنه يطلب من عمر أن يعجل له بالشكر بأن يكافئه سريعاً على كلامه. والحوار بين علي وعمر رضي الله عنهما .. 3466 - * روى الطبراني في الكبير عن قيس بن أبي حازم قال: دخلنا على ابن مسعود نعوده فقال: ما أدري ما يقولون ولكن ليت ما في تابوتي هذا حجر فلما مات نظروا فإذا فيه ألف أو ألفان. أقول: هذا النص دليل على أنه يجوز للإنسان أن يتملك وأن يخلف مالاً على أن يؤدي الحقوق التي فيه.

_ 3466 - مجمع الزوائد (3/ 125) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح.

3467 - * روى الشيخان عن أبي هريرة، قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: يا رسول الله أي الصدقة أعظم أجراً؟ قال: "أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر، وتأمل البقاء، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا ألا وقد كان لفلان". قال البغوي في شرح السنة: (قوله: لفلان كذا كناية عن الموصى له). وقوله: قد كان لفلان كذا كناية عن الوارث. وفي الحديث دليل على أن الموصي ممنوع من الإضرار في الوصية لتعلق حق الورثة بماله لقوله: "وقد كان لفلان" وأنه إذا أصر كان للورثة رد الضرر وهو ما زاد على الثلث" (6/ 173).

_ 3467 - البخاري (3/ 284، 285) 24 - كتاب الزكاة، 11 - باب فضل صدقة الشحيح الصحيح. مسلم (2/ 716) 12 - كتاب الزكاة، 31 - باب بيان أن أفضل الصدقة صدقة الصحيح الشحيح ... إلخ.

الفصل السابع في النهي عن العودة في الصدقة وفي شرائها

الفصل السابع في النهي عن العودة في الصدقة وفي شرائها

النصوص

النصوص 3468 - * روى مالك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "حملت على فرس في سبيل الله، فأضاعه الذي كان عنده، فأردت أن أشتريه، وظننت أنه يبيعه برخص، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: "لا تشتر، ولا تعد في صدقتك وإن أعطاكه بدرهم، فإن العائد في صدقته كالعائد في قيئه". وفي رواية (1): "فإن الذي يعود في صدقته كالكلب يعود في قيئه". وفي رواية (2) أبي داود "أن عمر حمل على فرس في سبيل الله، فوجده يباع، فأراد أن يبتاعه، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال: "لا تبتعه ولا تعد في صدقتك". وأخرج الترمذي نحو هذه، وأخرج النسائي مثلها، وقال: "ولا تعرض في صدقتك. وله في أخرى (3): "أنه تصدق بفرس في سبيل الله، فوجده يباع بعد ذلك، فأراد أن يشتريه، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستأمره في ذلك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تعد في صدقتك". 3469 - * روى النسائي عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل الذي يتصدق بالصدقة، ثم يرجع فيها، كمثل الكلب قاء، ثم عاد في قيئه فأكله".

_ 3468 - الموطأ (1/ 282) 17 - كتاب الزكاة، 26 - باب اشتراء الصدقة والعود فيها. البخاري (3/ 352، 353) 24 - كتاب الزكاة، 59 - باب هل يشتري صدقته. مسلم (3/ 1239) 24 - كتاب الهبات، 1 - باب كراهة شراء الإنسان ما تصدق به ممن تصدق عليه. (1) مسلم، الموضع السابق. (2) أبو داود (2/ 108) كتاب الزكاة، 9 - باب الرجل يبتاع صدقته. الترمذي (3/ 56) 5 - كتاب الزكاة، 32 - باب ما جاء في كراهية العود في الصدقة. النسائي (5/ 108) 23 - كتاب الزكاة، 10 - شراء الصدقة. (3) النسائي، الموضع السابق ص 109. 3469 - النسائي (6/ 266) 32 - كتاب الهبة، 3 - ذكر الاختلاف لخبر عبد الله بن عباس فيه ... صحيح.

أقول: شراء الصدقة جائز لكنه مظنة: أن يكون الإنسان نادماً على صدقته، وهو مظنة أن يشتريها بأقل من ثمنها من حياء أو غيره، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شراء الصدقة لما يرافق هذا في العادة، والنهي محمول على التنزيه عند الجمهور، وحمله بعضهم على التحريم.

الفصل الثامن في الإخلاص في الصدقة وغيرها

الفصل الثامن في الإخلاص في الصدقة وغيرها

النصوص

النصوص 3470 - * روى ابن خزيمة عن عقبة بن مسلم أن شفياً حدثه، أنه دخل المدينة فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس، فقال: من هذا؟ فقالوا: أبو هريرة. فدنوت منه حتى قعدت بين يديه وهو يحدث الناس، فلما سكت وخلا، قلت: أنشدك بحق وحق لما حدثني حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمته فقال أبو هريرة: "أفعل. لأحدثنك حديثاً حدثينه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا البيت ما معنا أحد غيري وغيره، ثم نشغ أبو هريرة نشغة أخرى فمكث بذلك ثم أفاق ومسح وجهه، قال: أفعل. لأحدثنك بحديث حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا وهو في هذا البيت ما معنا أحد غيري وغيره. ثم نشغ أبو هريرة نشغة شديدة، ثم مال خاراً على وجهه، أسندته طويلاً، ثم أفاق، فقال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة نزل إلى العباد ليقضي بينهم وكل أمة جاثية، فأول من يدعو به رجل جمع القرآن، ورجل يقتل في سبيل الله، ورجل كثير المال، فيقول للقارئ: ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي؟ قال: بلى يارب. قال: فماذا عملت فيما علمت؟ قال: كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار فيقول الله له. وتقل الملائكة: كذبت. ويقول الله بل أردت أن يقال فلان قارئ، فقد قيل. ويؤتى بصاحب المال فيقول الله: ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد؟ قال: بلى. قال: فماذا عملت فما آتيتك؟ قال: كنت أصل الرحم، وأتصدق. فيقول الله: كذبت. وتقول الملائكة: كذبت. فيقول الله: بل أردت أن يقال فلان جواد. فقد قيل ذاك. ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله، فيقال له فيم قتلت؟ فيقول: أمرت بالجهاد في سبيلك، فقاتلت حتى قتلت.

_ 3470 - ابن خزيمة (4/ 115) 441 - باب التغليظ في الصدقة. الترمذي (4/ 591) 37 - كتاب الزهد، 48 - باب ما جاء في الرياء والسمعة. وقال: حسن غريب. (نشغ) أي شهق شهقة حتى كاد يغمى عليه. (بحق وحق) فيه محذوف في الكلمتين وحذف المحذوف أريد به الإشعار بعظمة المحذوف ليستجيب أبو هريرة لطلبه.

فيقول الله: كذبت. وتقول: الملائكة: كذبت. ويقول الله عز وجل له: بل أردت أن يقال فلا نجرئ فقد قيل ذلك. ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي، فقال: يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة".

الفصل التاسع في أمور متفرقات

الفصل التاسع في أمور متفرقات

النصوص

النصوص 3471 - * روى مسلم عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له". 3472 - * روى أحمد عن أبي هريرة أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله أي الأعمال أفضل؟ قال: "إيمان بالله والجهاد في سبيل الله قال: فأي الرقاب أعظم أجراً قال: اغلاها ثمناً وأنفسها عند أهلها. قال فإن لم أستطع قال: قوم صانعاً أو اصنع لأخرق. قال: فإن لم أستطع قال: فاحبس نفسك عن الشر فإنه صدقة حسنة تصدق بها عن نفسك". 3473 - * روى الترمذي عن عدي بن حاتم رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم "أي الصدقة أفضل؟ قال: "إخدام عبد في سبيل الله، أو إظلال فسطاط، أو طروقة فحل في سبيل الله". 3474 - * روى أحمد عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أتدرون أي الصدقة أفضل؟ قالوا الله ورسوله أعلم- قال: المنيحة: أن يمنح أخاه الدرهم أو ظهر الدابة أو لبن الشاة أو لبن البقر".

_ 3471 - مسلم (3/ 1255) 25 - كتاب الوصية، 3 - باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته. ابن خزيمة (4/ 122) 450 - باب ذكر الدليل على أن أجر الصدقة المحبسة يكتب للمحبس بعد موته ... إلخ. 3472 - أحمد (2/ 388). مجمع الزوائد (4/ 241) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات. 3473 - الترمذي (4/ 168) 23 - كتاب فضائل الجهاد، 5 - باب ما جاء في فضل الخدمة في سبيل الله. (طروقة فحل) أي: أنها كبرت وصلحت أن يعلوها الفحل وهي الحقة من الإبل التي تم لها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة إلى آخرها. 3474 - أحمد (1/ 463). أبو يعلى (9/ 56) وضعفه محقق مسند أبي يعلى. كشف الأستار (1/ 449) باب المنحة.

3475 - * روى مسلم عن (أبي ذر) أن ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم قال: "أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به، إن بكل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال أرأيتم لو وضعها في حرام كان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر". 3476 - * روى البزار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "على كل مسلم في كل يوم صدقة، فقال رجل: من يطيق هذا يا رسول الله قال: "إماطتك الأذى عن الطريق صدقة، وإرشادك الرجل الطريق صدقة، ونهيك عن المنكر صدقة، وعيادتك المريض صدقة، واتباعك الجنازة صدقة، ورد المسلم على المسلم السلام صدقة. وفي رواية (1) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإنسان ثلاثمائة وستون عظماً- أو ستة وثلاثون سلامى- عليه في كل يوم صدقة" قالوا يا رسول الله فمن لم يجد؟ قال: "يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، قالوا فمن لم يستطع قال: "يرفع عظماً من الطريق قالوا: فمن لم يستطع قال: فليهد سبيلاً، قالوا: فمن لم يستطع قال: فليعن ضيفاً، قالوا: فمن لم يستطع ذلك، قال: فليدع الناس من شره". 3477 - * روى أحمد عن عبد الله بن يزيد الخطمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل معروف صدقة".

_ = مجمع الزوائد (3/ 133) وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى وزاد الدينار أو البقرة والبزار والطبراني في الأوسط ورجال أحمد رجال الصحيح. 3475 - مسلم (2/ 697) 12 - كتاب الزكاة، 16 - باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف. 3476 - كشف الأستار (1/ 438) أبواب صدقة التطوع، باب ما على الإنسان كل يوم من الصدقة. (1) كشف الأستار (1/ 439) الموضع السابق. مجمع الزوائد (3/ 104) وقال الهيثمي: قلت هو في الصحيح باختصار رواه كله البزار ورجاله راجل الصحيح. 3477 - أحمد (4/ 307). مجمع الزوائد (3/ 136) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجال أحمد ثقات.

3478 - *روى ابن خزيمة عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "كل نفس كتب عليها الصدقة كل يوم طلعت فيه الشمس، فمن ذلك أن تعدل بين الاثنين صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة، ومن ذلك أن تعين الرجل على دابته وتحمله عليها وترفع متاعه عليها صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة تمشي بها إلى الصلاة صدقة". 3479 - * روى أحمد عن أنس أن رجلاً قال: يا رسول الله إن لفلان نخلة وأنا أقيم حائطي بها فأمره أن يعطيني حتى أقيم حائطي بها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أعطها إياه بنخلة في الجنة" فأبى فأتاه أبو الدحداح فقال بعني نخلتك بحائطي ففعل فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني قد ابتعت النخلة بحائطي قال: فاجعلها له فقد أعطيتكما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كم من عذق راح لأبي الدحداح في الجنة" قالها مراراً قال فأتى امرأته فقال يا أم الدحداح اخرجي من الحائط فإني قد بعته بنخلة في الجنة فقالت ربح البيع أو كلمة تشبهها. 3480 - *روى ابن خزيمة عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر من كل حائط بقنو للمسجد. أقول: هذا من التنظيم الإداري لرسول الله صلى الله عليه وسلم مراعاة للفقراء، والداعية إلى الله تعالى لا يغفل عن حق الفقراء في أي شيء. 3481 - * روى ابن خزيمة عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في العرايا الوسق والوسقين والثلاثة والأربعة. وقال: "في جاد كل عشرة أوسق فيوضع للمساكين في المسجد قنو"، فسمعت الدارمي يقول: قنع وقنو واحداً.

_ 3478 - ابن خزيمة (2/ 374) 19 - باب ذكر كتابة الصدقة بالمشي إلى الصلاة، وإسناده صحيح. 3479 - أحمد (3/ 146). ومجمع الزوائد (9/ 323، 324) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني ورجالهما رجال صحيح. 3480 - ابن خزيمة (4/ 109) 429 - باب الأمر بالصدقة من الثمار قبل الجذاذ ... إلخ، وإسناده صحيح. 3481 - ابن خزيمة (4/ 110) 432 - باب ذكر مبلغ الثمار الذي يستحب وضع قنو منه للمساكين في المسجد .. إلخ، وإسناده حسن. (قنو) هو عذق التمر وهو كالعنقود من العنب.

أقول: يجب في العشرة أوسق زكاتها والندب إلى قنو فيما يبدو شيء زائد على الزكاة لإكرام المسلمين. والحديث ورد لبيان أن بيع التمر بما على النخيل ما دام الموجود على النخيل أربعة أوسق فأقل يغتفر التفاوت فيه ولا يعتبر رباً مع أن الزيادة والنقصان في الأصل ببيع التمر بالتمر تعتبر رباً.

الباب الثالث في الزكوات وما يتعلق بها

الباب الثالث في الزكوات وما يتعلق بها وفيه مقدمة وعرض إجمالي وفصول المقدمة.

المقدمة

المقدمة إذا أردنا أن نصف النظام الرأسمالي بكلمة واحدة قلنا إنه نظام ربوي، وإذا أردنا أن نصف النظام الشيوعي بكلمة واحدة قلنا إنه نظام غير فطري، وإذا أردنا أن نصف النظام الاقتصادي الإسلامي بكلمتين قلنا: إنه نظام زكوي فطري، فبينما النظام الرأسمالي يعتبر أن من حق رأس المال أن يربح دائماً نجد النظام الاقتصادي الإسلامي يعتبر أن من واجب رأس المال أن ننفق منه الحقوق التي حددها الشارع فيه، وبينما يعالج النظام الشيوعي المشكلات الاقتصادية بما يزيدها تعقيداً فإن النظام الإسلامي يحلها من أقرب طريق. ومن درس نظام الزكاة في الإسلام عرف من خلال ذلك خواص النظام الاقتصادي الإسلامي فهي الركن فيه والنموذج على طريقته. ومبنى الإسلام كله على القرآن الكريم وقد جاءت السنة النبوية شارحة له ومبينة له، ولذلك كان بعض العلماء يرجع كل معنى في السنة إلى القرآن وهذا لا ينفي أن تكون السنة أصلاً في التشريع ولكن حتى وهي كذلك فإنها تكون شارحة لأصل أعظم أو لإجمال أو لإطلاق، وأهم شيء في بحث الزكاة: مواردها ومصارفها وقد جاء في الموارد آيات كثيرة منها: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (1) {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (2) {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (3) {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} (4) (وآتو حقه يوم حصاده) (5). وإما المصارف فقد وردت فيها هذه الآية الجامعة: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (6). وقد وردت نصوص كثيرة في السنة حول الزكاة، وفيما

_ (1) البقرة: من 3. (2) التوبة: من 103. (3) الذاريات: 19. (4) لقمان: من 4. (5) الأنعام: من 141. (6) التوبة: 60.

ليس قطعي الثبوت قطعي الدلالة من النصوص تعددت أنظار المجتهدين، والأحوط أن يدفع الإنسان زكاته على أشد ما ذهب إليه الأئمة وأن يأخذ الحد الأدنى مما ذهب إليه الأئمة وما دام على مذهب إمام مجتهد فإنه في سعة في الدفع والعطاء. وها نحن نقدم لك عرضاً فقهياً إجمالي بين يدي نصوص السنة: تعريف الزكاة: الزكاة لغة: النمو والزيادة، وقد تطلق بمعنى الطهارة فهي تطهر مؤديها من الإثم وتنمي أجره. وسمي المخرج في الشرع زكاة لأنه يزيد في المخرج منه ويقيه الآفات. والزكاة شرعاً: حق يجب في المال، وعرفها الحنفية بأنها: تمليك جزء مال مخصوص من مال مخصوص لشخص مخصوص عينه الشارع لوجه الله تعالى. وتسمى الزكاة صدقة، لدلالتها على صدق العبد في العبودية وطاعة الله تعالى. فرضية الزكاة: هي واجبة بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأجمع المسلمون في جميع العصور على وجوب الزكاة، واتفق الصحابة رضي الله عنهم على قتال مانعيها فمن أنكر فرضيتها كفر وارتد إن كان مسلماً ناشئاً ببلاد الإسلام بين أهل العلم، وتجري عليه أحكام المرتدين ويستتاب ثلاثاً، فإن تاب وإلا قتل، ومن أنكر وجوبها جهلاً به إما لحداثة عهده بالإسلام، أو لأنه نشأ ببادية نائية عن الأمصار، عرف بوجوبها ولا يحكم بكفره عند الشافعية قبل البيان. لأنه معذور وأما الحنفية فيحكمون بكفره لأن الجهل في دار الإسلام لا يعتبر عذراً عندهم. عقاب مانع الزكاة: لمانع الزكاة عقاب في الآخرة وعقاب في الدنيا، أما عقاب الآخرة فهو العذاب الأليم كما جاءت بذلك النصوص. وأما العقاب الدنيوي للفرد بسبب التقصير والإهمال فهو أخذها منه والتعزير والتغريم المالي وأخذ الحاكم شطر المال قهراً عنه وعند بعضهم قال العلماء بالاتفاق: إذا منع واحد أو جمع الزكاة وامتنعوا بالقتال وجب على الإمام قتالهم. سبب الزكاة: ملك مقدار النصاب النامي ولو تقديراً بالقدرة على الاستنماء بشرط حولان الحول القمري لا الشمسي في غير زكاة الزروع، وبشرط عدم الدين، وكونه زائداً

عن حاجته الأصلية فيما عدا زكاة الزروع، ولا زكاة عند الحنفية في مال مفقود لعدم النمو. ولا زكاة بالاتفاق على سائر الجواهر واللآلئ ونحوها إذا لم تكن للتجارة، ولا زكاة عند الجمهور على المواشي المعلوفة والعوامل، وأوجب المالكية الزكاة على المعلوفة والعوامل إذا بلغت نصاباً وحال عليها الحول. ركن الزكاة: هو إخراج جزء من النصاب بإنهاء يد المالك عنه وتمليكه إلى من تجوز إليه الزكاة وتسليمه إليه أو إلى من هو نائب عنه. وقت وجوب الزكاة اتفق الفقهاء في المفتى به عند الحنفية على وجوب الزكاة فوراً بعد استيفاء شروطها من ملك النصاب وحولان الحول ونحوهما، فمن وجبت عليه الزكاة وقدر على إخراجها لم يجز له تأخيرها ويأثم بالتأخير بلا عذر. وقت أداء الزكاة: تؤدي الزكاة بحسب نوع المال الذي تجب فيه، أما زكاة الأموال من النقدين وعروض التجارة والسوائم تدفع بعد تمام الحول مرة واحدة في كل عام وأما زكاة الزروع والثمار تدفع من غلاتها عند تكرر الإنتاج فلا يشترط حولان الحل ولا بلوغ النصاب عند أبي حنيفة، ويشترط النصاب عند الجمهور. وقال الشافعية: تجب الزكاة ببدو صلاح الثمر واشتداد الحب. والحنابلة كالشافعية، والحنفية يجيزون تعجيل الزكاة قبل الحول. وقد اتفق الفقهاء على أنه لا يجوز تعجيل الزكاة قبل ملك النصاب، لأنه لم يوجد سبب وجوبها، فلم يجز تقديمها كأداء الثمن قبل البيع، والدية قبل القتل. أقوال الفقهاء في هلاك المال بعد وجوب الزكاة: للفقهاء رأيان في سقوط الزكاة بعد وجوبها وهلاك المال. قال الحنفية: إن هلك المال بعد وجوب الزكاة سقطت الزكاة، أما زكاة الفطر ومثلها مال الحج: فلا تسقط بهلاك المال بعد الوجوب كما لا يبطل الزواج بموت الشهود. وقال الجمهور: إن هلك المال بعد وجوب الزكاة لم تسقط الزكاة، وإنما يضمنها لأن من تقرر عليه الواجب لا يبرأ عنه بالعجز عن الأداء. واستثنى المالكية زكاة الماشية فإن تلفت فلا تضمن زكاتها. انظر فيما مضى: (مراقي الفلاح 121)، (الدر المختار 2/ 2)، (البدائع 2/ 39)، (المغني 2/ 572 و 2/ 684)، (الفقه الإسلامي 2/ 730 فما بعدها).

الفصل الأول في وجوب الزكاة وإثم تاركها وعقوبته

الفصل الأول في وجوب الزكاة وإثم تاركها وعقوبته

النصوص

النصوص 3482 - * روى ابن خزيمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، ثم حرمت علي دماؤهم وأموالهم، وحسابهم على الله". 3483 - * روى الطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: أمرنا بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ومن لم يزك فلا صلاة له. 3484 - *روى ابن خزيمة عن جرير بن عبد الله، قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم. 3485 - * روى مسلم عن ابن عباس: قدم وفد عبد القيس على الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن هذا الحي من ربيعة، وقد حالت بيننا وبينكم كفار مضر ولسنا نخلص إلا في شهر الحرام فمرنا بشيء نأخذه وندعو إليه من وراءنا، قال: "آمركم بأربع، وأنهاكم عن أربع، آمركم بالإيمان بالله وشهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة وأن تؤدوا خمس ما غنمتم وأنهاكم عن الدباء، والحنتم، والنقير، والمزفت".

_ 3482 - ابن خزيمة (4/ 8) 275 - باب الدليل على أن دم المرء وماله إنما يحرمان بعد الشهادة ... إلخ، وإسناده صحيح. 3483 - الطبراني (المعجم الكبير) (10/ 127). مجمع الزوائد (3/ 62) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، وله إسناد صحيح. 3484 - ابن خزيمة (4/ 13) 284 - باب بيعة الإمام الناس على إيتاء الزكاة، وهو عند البخاري. 3485 - مسلم (1/ 46) 1 - كتاب الإيمان، 6 - باب الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله ... إلخ. ابن خزيمة (4/ 6) 273 - باب البيان أن إيتاء الزكاة من الإيمان. (الدباء): القرع، واحدها دباءة، كانوا ينتبذون فيها، أي يلقون فيها شيئاً من الزبيب أو التمر فتسرع الشدة في الشراب. وتحريم الانتباذ في هذه الظروف كان في صدر الإسلام ثم نسخ وهو المذهب، وذهب مالك وأحمد إلى بقاء التحريم. النهاية. (الحنتم): جرار مدهونة خضر كانت تحمل الخمر فيها إلى المدينة ثم قيل للخزف كله حنتم، وإنما نهي عن الانتباذ فيها لأنها تسرع الشدة فيها لأجل دهنها. (النهاية). (النقير): قصد أن يقول (نبيذ النقير). والنقير: أصل النخلة ينقر وسطه ثم ينبذ فيه التمر ويلقى عليه الماء ليصير نبيذاً مسكراً. النهاية. (المزفت): هو الإناء الذي طلي بالزفت (وهو نوع من القار) ثم انتبذ فيه ... النهاية.

3486 - * روى الجماعة عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن، قال: "إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل، فإذا عرفوا الله فأخبرهم: أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا فعلوا فأخبرهم: أن الله فرض عليهم زكاة، تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم، فإذا أطاعوا، فخذ منهم وتوق كرائم أموالهم". زاد في رواية (1): "واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب". وفي رواية (2) للبخاري: "افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم". وفي رواية (3) لمسلم عن ابن عباس عن معاذ بن جبل، قال: "بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله" ... وذكر الحديث بنحوه، فيكون حينئذ من مسند معاذ. 3487 - * روى الجماعة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب لأبي بكر:

_ 3486 - البخاري (3/ 322) 24 - كتاب الزكاة، 41 - باب لا تؤخذ كرائم أموال الناس في الصدقة. (1) البخاري (3/ 357) 24 - كتاب الزكاة، 63 - باب أخذ الصدقة من الأغنياء ... إلخ. (2) البخاري: المواضع السابقة. مسلم (1/ 51) 1 - كتاب الإيمان، 7 - باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام. (3) مسلم، ص 50، الموضع السابق. أبو داود (3/ 104، 105) كتاب الزكاة، 4 - باب في زكاة السائمة. الترمذي (3/ 21) 5 - كتاب الزكاة، 6 - باب ما جاء في كراهية أخذ خيار المال في الصدقة. النسائي (5/ 55) 23 - كتاب الزكاة، 46 - إخراج الزكاة من بلد إلى بلد. ابن ماجه (1/ 568) 8 - كتاب الزكاة، 1 - باب فرض الزكاة. (توق كرائم أموالهم) توقى واتقى بمعنى والمراد به في الحديث: اجتنب كرائم الأموال، وهي خيارها ونفائسها، وما يكرم على أصحابها ويعز عليهم، جمع كريمة فلا تأخذه في الصدقة، وخذ الوسط، لا العالي ولا النازل الرديء. 3487 - البخاري (13/ 248) 96 - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، 2 - باب الاقتداء بسنن الرسول صلى الله عليه وسلم. مسلم (1/ 51، 52) 1 - كتاب الإيمان، 8 - باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله .. إلخ. =

كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله، عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله"؟ فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها. قال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت أن الله شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق". وفي رواية: "عقالاً كانوا يؤدونه". إلا أن الموطأ لم يخرج منه إلا طرفاً من قول أبي بكر، قال مالك: "بلغه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: لو منعوني عقالاً لجاهدتهم عليه" لم يزد على هذا. 3488 - * روى مالك عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت. أعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف

_ = أبو داود (2/ 93) كتاب الزكاة. الترمذي (5/ 3، 4) 41 - كتاب الإيمان، 1 - باب ما جاء أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله. النسائي (5/ 14) 23 - كتاب الزكاة، 3 - باب مانع الزكاة. الموطأ (1/ 269) 17 - كتاب الزكاة، 18 - باب ما جاء في أخذ الصدقات، والتشديد فيها. (عصم) العصمة: المنع، يقال: عصم مني نفسه، أي منعها وحفظها، واعتصم بكذا، أي التجأ إليه، واحتمى به. قال ابن الأثير (عناقاً وعقالاً) العناق: الأنثى من ولد المعز، قال الخطابي: عناقاً وعقالاً، وفيه دليل على وجوب الصدقة في السخال والفصلان والعجاجيل، وأن واحدة منها تجزئ عن الواجب في الأربعين منها، إذا كانت كلها صغاراً، ولا يكلف صاحبها مسنة، وفيه دليل على أن حول النتاج حول الأمهات، ولو كان يستأنف لها الحول لم يوجد السبيل إلى أخذ العناق، وقال أبو حنيفة لا شيء في السخال، وقال الشافعي: يؤخذ من أربعين سخلة: واحدة منها قال: وأما العقال، فاختلف فيه. فقيل: العقال: صدقة عام وقيل: هو الحبل الذي يعقل به البعير، وقيل: إذا أخذ المصدق أعيان الإبل قيل: أخذ عقالاً، وإذا أخذ أثمانها، قيل: أخذ نقداً. قال: وتأول بعضهم قوله: "عقالاً" على معنى: وجوب الزكاة فيه إذا كان من عروض التجارة فبلغ مع غيره منها قيمة نصاب. والله أعلم. 3488 - الموطأ (2/ 444) 21 - كتاب الجهاد، 1 - باب الترغيب في الجهاد. مسلم (2/ 680) 12 - كتاب الزكاة، 6 - باب إثم مانع الزكاة. (جبينه وجنبه وظهره) إنما خص هذه الأعضاء بالذكر من بين سائر الأعضاء، لأن السائل متى تعرض للطلب.

سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله، إما إلى الجنة، وإما إلى النار، قيل: يا رسول الله، فالإبل؟ قال: "ولا صاحب إبل يؤدي منها حقها- ومن حقها حلبها يوم وردها- إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر، أوفر ما كانت، لا يفقد منها فصيلاً واحداً، تطؤه بأخفافها، وتعضه بأفواهها، كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله: إما إلى الجنة، وإما إلى النار، قيل: يا رسول الله، فالبقر والغنم؟ قال: "ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي حقها، إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر، لا يفقد منها شيئاً، ليس فيها عقصاء ولا جلحاء ولا غضباء، تنطحه بقرونها، وتطؤه بأظلافها، كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله: إما إلى الجنة، وإما إلى النار، قيل: يا رسول الله، فالخيل؟ قال: "الخيل ثلاثة: هي لرجل وزر، ولرجل ستر، ولرجل أجر- وفي رواية (1): "هي لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر، فأما الذي له أجر: فرجل ربطها في سبيل الله فأطال لها في مرج أو روضة، فما أصابت في طيلها ذلك من

_ = من البخيل، أول ما يبدو منه من آثار الكراهية والمنع: أنه يقطب في وجهه، ويكلح ويجمع أساريره فيتجعد جبينه، ثم إن كرر الطلب ناء بجانبه عنه، ومال عن جهته، وتركه جانباً، فإن استمر الطلب ولاه ظهره، واستقبل جهة أخرى، وهي النهاية في الرد، والغاية في المنع الدال على كراهيته للعطاء والبذل، وهذا دأب مانعي البر والإحسان، وعادة البخلاء بالرفد والعطاء، فلذلك خص هذه الأعضاء بالكي. (1) البخاري (6/ 63) 56 - كتاب الجهاد والسير، 48 - باب الخيل لثلاثة. (يوم وردها) أي: يوم ترد الماء، فيسقي من لبنها من حضره من المحتاجين إليه، وهذا على سبيل الندب والفضل، لا الوجوب. (بقاع قرقر) القاع: [المكان] المستوي من الأرض، الواسع، والقرقر: الأملس. (عقصاء) العقصاء: الشاة الملتوية القرنين، وإنما ذكرها، لأن العقصاء لا تؤلم بنطحها، كما يؤلم غير العقصاء. (جلحاء) الجلحاء: الشاة التي لا قرن لها. (عضباء) العضباء: الشاة المكسورة القرن. (بأظلافها) الظلف للشاة كالحافر للفرس. (وزر) الوزر: الثقل والإثم. (طيلها) الطيل والطول: الحبل.

المرج والروضة كانت له حسنات، ولو أنه انقطع طيلها فاستنت شرفاً أو شرفين: كانت له آثارها وأرواثها حسنات له، ولو أنها مرت بنهر، فشربت منه ولم يرد أن يسقيها كان ذلك حسنات له، فهي لذلك الرجل أجر، ورجل ربطها تغنياً وتعففاً، ثم لم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها، فهي لذلك الرجل ستر، ورجل ربطها فخراً ورياءً ونواءً لأهل الإسلام- وفي رواية (1): على أهل الإسلام- فهي على ذلك وزر، وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر؟ فقال: ما أنزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (2). وفي رواية (3): "فما أكلت من ذلك المرج أو الروضة من شيء إلا كتب له عدد ما أكلت حسنات، وكتب له عدد أرواثها وأبوالها حسنات، ولا تقطع طولها، واستنت شرفاً أو شرفين إلا كتب الله له عدد آثارها حسنات، ولا مر بها صاحبها على نهر فشربت منه، ولا يريد أن يسقيها إلا كتب الله له عدد ما شربت حسنات .. وذكر نحوه". وأخرج البخاري (4) أيضاً: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تأتي الإبل على صاحبها على خير ما كانت- إذا لم يعط فيها حقها- تطؤه بأخفافها، وتأتي الغنم على صاحبها على

_ (1) البخاري (5/ 45) 42 - كتاب المساقاة، 12 - باب شرب الناس وسقي الدواب من الأنهار. (2) الزلزلة: 7، 8. (3) مسلم، الموضع السابق ص 681. (4) البخاري (3/ 267) 24 - كتاب الزكاة، 3 - باب إثم مانع الزكاة. (فاستنت) الاستنان: الجري. (شرفا) الشرف: الشوط والمدى. (تغنيا): استغناء بها عن الطلب لما في أيدي الناس. (في ظهورها) أما حق ظهورها: فهو أن يحمل عليها منقطعاً، ويشهد له قوله في موضع آخر: "وأن يفقر ظهرها" وأما حق "رقابها". فقيل: أراد به: الإحسان إليها، وقيل: أراد به الحمل عليها، فعبر بالرقبة عن الذات. (نواء) النواء: المغاداة، يقال: ناوأت الرجل مناوأة، أي: عاديته. (الفاذة) النادرة الواحدة، والفذ: الواحد.

خير ما كانت إذا لم يعط فيها حقها، تطؤه بأظلافها، وتنطحه بقرونها، قال: ومن حقها أن تحلب على الماء، قال: ولا يأتي أحدكم يوم القيامة بشاة يحملها على رقبته لها يعار، فيقول: يا محمد، فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد بلغت، ولا يأتي أحدكم ببعير يحمله على رقبت له رغاء، فيقول: يا محمد، فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد بلغت. وفي أخرى للبخاري (1) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من آتاه الله مالاً، فلم يؤد زكاته: مثل له ماله شجاعاً أقرع، له زبيبتان، يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه- يعني: شدقيه- ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك، ثم تلا: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ، بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ، سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (2). وفي أخرى لمسلم (3) - في ذكر الفصلين جميعاً- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا أحمي عليه في نار جهنم .. ثم ذكر نحوه وقال في ذكر الغنم: "ليس فيها عقصاء ولا جلحاء" قال: سهيل بن أبي صالح: فلا أدري أذكر البقر، أم لا؟ قالوا: فالخيل يا رسول الله؟ قال: الخيل في نواصيها الخير- أو قال: معقود في نواصيها- قال سهيل: أنا أشك- الخير إلى يوم القيامة، الخيل ثلاثة: فهي لرجل أجر، ولرجل ستر، ولرجل وزر- وذكر هذا الفصل إلى آخره بنحو ما تقدم، وفيه: - وأما الذي هي له ستر: فالرجل يتخذها تكرماً وتجملاً،

_ (1) البخاري (3/ 268) الموضع السابق. (2) آل عمران: 180. (3) مسلم، الموضع السابق ص 682. (يعار) اليعار: صوت الشاة، وقد يعرت الشاة تيعر يعاراً بالضم. (رغاء) الرغاء للإبل، كايعار للشاء. (شجاعاً أقرع) الشجاع: الحية، والأقرع: صفته بطول العمر، وذلك أنه لطول عمره قد امرق شعر رأسه، فهو أخبث له، وأشد شراً. (زبيبتان) الزبيبتان: هما الزبدتان في الشدقين. يقال: تكلم فلان حتى زبب شدقاه، أي: خرج الزبد عليهما، ومنها الحية ذو الزبيبتين، وقيل هما النكتتان السوداون فوق عينيه. (بلهزمتيه) اللهزمتان: عظمان نائتان في اللحياين تحت الأذنين ويقال: هما مصيغتان عليتان تحتهما.

ولا ينسى حق ظهورها وبطونها، في عسرها ويسرها، وأما الذي هي عليه وزر: فالذي يتخذها أشراً وبطراً، وبذخاً ورئاء الناس فذلك الذي عليه وزر .. ثم ذكره". وله في أخرى (1): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا لم يؤد المرء حق الله أو الصدقة في الثلة: بطح لها ... وذكر الحديث بنحو ما قبله". وفي رواية لأبي داود (2) زاد في قصة الإبل: قال لأبي هريرة: فما حق الإبل؟ قال: تعطي الكريمة، وتمنح الغزيرة، وتفقر الظهر وتطرق الفحل، وتسقي اللبن". وزاد في رواية أخرى (3): "وإعارة دلوها". وأخرجه النسائي (4)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما رجل كانت له إبل لا يعطي حقها في نجدتها ورسلها- قالوا يا رسول الله ما نجدتها ورسلها؟ قال: في عسرها ويسرها- فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت وأسمنه وأبشره، يبطح لها بقاع قرقر، فتطؤه بأخفافها، فإذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين الناس فيرى سبيله، وأيما رجل كانت له بقر لا يعطي حقها في نجدتها ورسلها، فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ

_ (1) مسلم، الموضع السابق، ص 684. (2) أبو داود (2/ 125) كتاب الزكاة، 32 - باب في حقوق المال. (3) أبو داود، الموضع السابق. (4) النسائي (5/ 12) 23 - كتاب الزكاة، 2 - باب التغليظ في حبس الزكاة. (أشراً) الأشر: البطر. (بذخاً) البذخ- بفتح الذال- التطاول والفخر. (الثلة) [بفتح الثاء]: الجماعة الكثيرة من الضأن، قال الجوهري: ولا يقال للمعزى الكثيرة: ثلة، ولكن: حيلة- بفتح الحاء- فإذا اجتمعت الضأن والمعزى وكثرتا، قيل لهما ثلة، والجمع: ثلل، مثل: بدرة وبدر. (تمنح الغزيرة) المنحة: العطية، والغزيرة: الكثيرة اللبن والدر، والمنيحة: الناقة أو الشاة تعار لينتفع بلبنها وتعاد. (وتفقر الظهر) إفقار: الظهر: إعارته ليركب، والفقار، خرزات الظهر. (تطرق الفحل) إطراق الفحل: إعارته للضراب، طرق الفحل الناقة: إذا ضربها. (نجدتها) النجدة: الشدة. (ورسلها) والرسل- بالكسر- الهينة والتأني. قال الجوهري: يقال: افعل كذا وكذا على رسلك- بالكسر-: =

ما كانت وأسمنه وأبشره يبطح لها بقاع قرقر، فتنطحه بقرونها، وتطؤه كل ذات ظلف بظلفها حتى إذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين الناس فيرى سبيله، وأيما رجل كانت له غنم لا يعطي حقها في نجدتها ورسلها، فإنها تأتي يوم القيامة كأغذ ما كانت وأسمنه وأبشره، ثم يبطح لها بقاع قرقر، فتطؤه كل ذات ظلف بظلفها، وتنطحه كل ذات قرن بقرنها، ليس فيها عقصاء ولا عضباء، إذا جاوزته أخراها أعيدت عليه أولاها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين الناس فيرى سبيله". وفي رواية (1) للنسائي: "ويكون كنز أحدهم يوم القيامة شجاعاً أقرع يفر منه صاحبه، ويطلبه: أنا كنزك، فلا يزال به حتى يلقمه إصبعه". 3489 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من صاحب إبل لا يفعل فيها حقها، إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت، وقعد لها بقاع قرقر، تستن عليه بقوائمها وأخفافها، ولا صاحب بقر لا يفعل فيها حقها، إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت، وقعد لها بقاع قرقر، تنطحه بقرونها، وتطؤه بقوائمها، ولا صاحب غنم لا يفعل فيها حقها، إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت، وقعد لها بقاع قرقر، تنطحه بقرونها، وتطؤه بأظلافها، ليس فيها جماء، ولا منكسر قرنها. ولا صاحب كنز

_ = أي ائتذ فيه، كما يقال: على هينتك. (كأغذ ما كانت) أغذ: أسرع، والإغذاذ: الإسراع في السير. (وأبشره) البشارة الحسن والجمال، ورجل بشير، أي: جميل، وامرأة بشيرة، [أي: جميلة]، وفلان أبشر من فلان. (1) النسائي (5/ 23، 24) 23 - كتاب الزكاة، 6 - باب مانع زكاة الإبل. 3489 - مسلم (2/ 684) 12 - كتاب الزكاة، 6 - باب إثم مانع الزكاة. النسائي (5/ 27) 23 - كتاب الزكاة، 9 - باب مانع زكاة البقر. (جماء) الجماء: الشاة التي لا قرن لها.

لا يفعل فيه حقه إلا جاء كنزه يوم القيامة شجاعاً أقرع يتبعه فاتحاً فاه، فإذا أتاه فر منه، فيناديه: خذ كنزك الذي خبأته، فأنا عنه غني. فإذا رأى أن لا بد له منه سلك يده في فيه فيقضمها قضم الفحل". قال أبو الزبير: سمعت عبيد بن عمير يقول هذا القول، ثم سألنا جابر بن عبد الله عن ذلك فقال مثل قول عبيد بن عمير، وقال أبو الزبير سمعت عبيد بن عمير يقول: قال رجل: يا رسول الله، ما حق الإبل؟ قال: "حلبها على الماء، وإعارة دلوها، وإعارة فحلها، ومنيحتها، وحمل عليها في سبيل الله". وفي أخرى (1) قال: ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي حقها، إلا أقعد لها يوم القيامة بقاع قرقر، تطؤه ذات الظلف بظلفها، وتنطحه ذات القرن بقرنها، ليس فيها يومئذ جماء ولا مكسورة القرن، قلنا: يا رسول الله: وما حقها؟ قال: إطراق فحلها، وإعارة دلوها، ومنيحتها، وحلبها على الماء، وحمل عليها في سبيل الله، ولا من صاحب مال لا يؤدي زكاته، إلا تحول يوم القيامة شجاعاً أقرع يتبع صاحبه حيثما ذهب، وهو يفر منه، ويقال: هذا مالك الذي كنت تبخل به، فإذا رأى أنه لابد منه أدخل يده في فيه، فجعل يقضمها كما يقضم الفحل". قال النووي في شرح مسلم: قال أهل اللغة: "المنيحة" ضربان، أحدهما: أن يعطي الإنسان آخر شيئاً هبة، وهذا النوع يكون في الحيوان والأرض والأثاث، وغير ذلك، الثاني: أن المنيحة ناقة أو بقرة أو شاة ينتفع بلبنها ووبرها وصوفها وشعرها زماناً ثم يردها. 3490 - * روى الترمذي عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) - يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله، إلا جعل الله يوم القيامة في عنقه شجاعاً ثم قرأ علينا مصداقه من كتاب الله (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله

_ = (فيقضمها) القضم: الأكل بأطراف الأسنان. (1) مسلم (2/ 685) نفس الموضع السابق. 3490 - الترمذي (5/ 232) 48 - كتاب تفسير القرآن، 4 - باب ومن سورة آل عمران.

من فضله هو خيراً لهم، بل هو شر لهم، سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة، ولله ميراث السموات والأرض، والله بما تعملون خبير) (1) - وقال مرة: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم مصداقه: (سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة) - "ومن اقتطع مال أخيه المسلم بيمين لقي الله وهو عليه غضبان، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم مصداقه من كتاب الله (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم) (2). وفي رواية النسائي (3): "ما من رجل له مال لا يؤدي حق ماله إلا جعل طوقاً، في عنقه شجاع أقرع، وهو يفر منه، وهو يتبعه، ثم قرأ مصداقه من كتاب الله عز وجل {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ، بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ، سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} ... الآية". 3491 - * روى النسائي عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الذي لا يؤدي زكاة ماله، يخيل إليه ماله يوم القيامة شجاعاً أقرع، له زبيبتان، فيلزمه، أي: يطوقه، يقول: أنا كنزك، أنا كنزك". 3492 - * روى أحمد عن أبي ذر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أوكأ على ذهب أو فضة ولم ينفقه في سبيل الله كان جمراً يوم القيامة يكوى به". 3493 - * روى الطبراني في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ، يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ} قال عبد الله بن مسعود: لا يكوى رجل بكنز فيمس درهم درهماً ولا دينار ديناراً، يوسع جلده حتى يوضع كل دينار ودرهم على حدته.

_ (1) آل عمران: 180. (2) آل عمران: 77. (3) النسائي (5/ 11) 23 - كتاب الزكاة، 2 - باب التغليظ في حبس الزكاة، وإسناده صحيح. 3491 - النسائي (5/ 38، 39) 23 - كتاب الزكاة، 20 - باب مانع زكاة ماله. 3492 - أحمد (5/ 165)، 156، 175، 176). الطبراني (الكبير) (2/ 153). مجمع الزوائد (3/ 125) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطباني ورجاله ثقات وله طريق رجالها رجال الصحيح. 3493 - مجمع الزوائد (7/ 29) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.

معنى الحديث أن الرجل يكوى بجميع كنزه حيث يوسع جلده بحيث لا يمس دينار ديناراً ولا درهم درهماً، والظاهر من النصوص أن مانع صدقة الذهب والفضة له عذابان، عذاب الشجاع الأقرع، وعذاب بإحماء الذهب والفضة وكيه بهما، والظاهر أنه يعذب على الذهب والفضة بالشجاع الأقرع في عرصات يوم القيامة ويعذب بإحماء الذهب والفضة على جلده في النار. 3494 - * روى ابن خزيمة عن عبد الله: آكل الربا ومؤكله وشاهداه، إذا علماه، والواشمة والموتشمة ولاوي الصدقة والمرتد أعرابياً بعد الهجرة ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة. 3495 - * روى البخاري عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة، فقيل، منع ابن جميل وخالد بن الوليد، وعباس بن عبد المطلب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيراً فأغناه الله ورسوله، وأما خالد: فإنكم تظلمون خالداً، قد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله، والعباس بن عبد المطلب، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهي عليه صدقة ومثلها معها"وفي رواية (1): "هي علي، ومثلها معها". وفي رواية (2) قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة فقيل: منع ابن

_ 3494 - ابن خزيمة (4/ 9) - كتاب الزكاة، 277 - باب ذكر لعن لاوي الصدقة الممتنع من أدائها، وإسناده حسن. (لاوي الصدقة): المماطل بها، والمراد بالصدقة هنا: الزكاة. (المرتد أعرابياً بعد الهجرة): هو الذي ترك دار هجرته وعاد إلى البادية بعد أن كان مهاجراً، ومنه الحديث "ثلاث من الكبائر: التعرب بعد الهجرة .. " وكان من رجع بعد الهجرة إلى موضع من غير عذر يعدونه كالمرتد. النهاية 3/ 202 وهذا قبل الفتح لذا جاء الحديث لا هجرة بعد الفتح .. 3495 - البخاري (3/ 331) 24 - كتاب الزكاة، 49 - باب قول الله تعالى [التوبة 60]: (وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله) (1) البخاري، نفس الموضع السابق. (2) مسلم (2/ 676) 12 - كتاب الزكاة، 3 - باب في تقديم الزكاة ومنعها. قال ابن الأثير (ما ينقم) نقمت منه كذا أنقم: إذا عتبت وأنكرت عليه، وكذلك نقمت- بالكسر- أنقم. (احتبس) الحبس: الوقف، يقال: أحبست فرسي في سبيل واحتبسته، أي: جعلته وقفاً على الجهاد والغزاة، يركبه المجاهدون، ويقاتلون عليه، وكذلك غيره. (أدراعه) الأدرا: جمع درع وهي الزرد. (وأغتده) الأعتد والأعتاد: جمع عتاد، وهو ما أعده الرجل من السلاح والدواب والآلة للحرب، ويجمع =

جميل، وخالد بن الوليد، والعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيراً فأغناه الله وأما خالد: فإنكم تظلمون خالداً، وقد احتسب أدراعه وأعتاده في سبيل الله، وأما العباس: فهي علي ومثلها معها، ثم قال: يا عمر، أما شعرت: أن عم الرجل صنو أبيه؟ وأخرج أبو داود (1) رواية مسلم، وقال في آخرها: "أما شعرت أن عم الرجل صنو الأب، أو صنو أبيه؟ " وأخرج النسائي (2) رواية البخاري. أقول: بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ابن جميل وحده هو الملوم وقد اعتذر عن خالد رضي الله عنه، وذكر في الحديث بحق العباس رضي الله عنه، وهناك روايات تبين عذر العباس، فالعباس رضي الله عنه معذور لعدم دفع الزكاة لأنه قد دفعها من قبل وقد اقتصر في النص السابق على تبيان حق العباس لتبيان عظيم الكلام فيه وقطع الألسنة عنه. 3496 - * روى الطبراني في الصغير عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "مانع الزكاة يوم القيامة في النار".

_ = على أعتدة أيضاً ومعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم في حق خالد ذلك، له وجهان. أحدهما: أنه إنما كان قد طولب بالزكاة عن أثمان الدروع والأعتد، على معنى أنها كانت عنده للتجارة، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا زكاة عليه فيها، إذ جعلها حبساً في سبيل الله، والوجه الآخر: أن يكون اعتذر لخالد ودفع عنه، يقول: إذا كان خالد قد جعل أدراعه وأعتده حبساً في سبيل الله، والوجه الآخر: أن يكون اعتذر لخالد ودفع عنه، يقول: إذا كان خالد قد جعل أدراعه وأعتده حبساً في سبيل الله تبرعاً وتقرباً إلى الله عز وجل، وذلك غير واجب عليه فكيف يستجيز منع الصدقة الواجبة عليه؟ (فهي علي ومثلها معها) قيل: معنى قوله صلى الله عليه وسلم في حق العباس: "فهي علي ومثلها معها" أنه أخرها عنه عامين. إذ قد ورد في حديث آخر "إنا تسلفنا من العباس صدقة عامين، أي: تعجلنا، ومعناه: أنه أوجبها عليه وضمنه إياها ولم يقبضها، وكانت ديناً على العباس، ولهذا قال: "إنها عليه ومثلها معها". لأنه رأى به حاجة إلى ذلك. وقيل: بل أخذ منه صدقة عامين قبل الوجوب استسلافاً لأنه قد ورد في إحدى الروايات: "فإنها علي ومثلها معها". (صنو أبيه) الصنو: المثل، وأصله: الشجرة يكون أصلها واحداً، ولها فرعان يفترقان عن الأصل الواحد، فكل منهما صنو، والمراد بهذا القول: أن حق العباس في الوجوب كحق أبيه صلى الله عليه وسلم، فأنا أنزهه عن منع الصدقة والمطل بها. (1) أبو داود (2/ 115) - كتاب الزكاة، باب في تعجيل الزكاة. (2) النسائي (5/ 33) 23 - كتاب الزكاة، 15 - باب إعطاء السيد المال بغير اختيار المصدق. 3496 - الروض الداني (2/ 145). مجمع الزوائد (3/ 64) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الصغير وفيه سنان بن سعد وفيه كلام كثير وقد وثق.

3497 - * روى الطبراني في الأوسط عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين". 3498 - * روى أحمد عن معاذ بن جبل (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أعطى زكاة ماله مؤتجراً فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله، عزمة من عزمات ربنا، ليس لآل محمد منها شيء". أقول: هناك اتجاه قوي عند الفقهاء أن التعزيز بأخذ المال لا يزال جائزاً وأنه غير منسوخ، وعلى هذا الاتجاه فلا زال تعزير مانع الزكاة بأخذ جزء من ماله جائزاً. قال الدكتور القرضاوي في كتابه فقه الزكاة: "وقد قيل إن هذا كان في ابتداء الإسلام ثم نسخ، ولكن لا دليل على النسخ ولا يثبت بالاحتمال. والذي أراه: أن هذه عقوبة مفوضة إلى تقدير الإمام. ينفذها حيث يرى تمادي الناس في منع الزكاة، ولم يجد سبيلاً لزجرهم غير هذا" (1/ 78). وقال أيضاً: "والذي نراه أن حديث بهز بن حكيم ليس فيه مطعن معتبر، وهو يتضمن عقوبة تعزيرية مفوضة إلى رأي الإمام وتقديره، وهو يدخل فيما ذكرناه غير مرة من الأحاديث التي ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم بوصف الإمامة والرياسة، كما ذكر القرافي والدهلوي وغيرهما (2/ 781).

_ 3497 - مجمع الزوائد (3/ 65) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات. 3498 - أحمد (5/ 2، 4). أبو داود (2/ 101) كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، وإسناده حسن. قال ابن الأثير: (من أعطاها مؤتجراً) يريد: طالب الأجر. (فإنا آخذوها وشطر ماله) قال الحربي: غلط الراوي في لفظ الرواية، وإنما هو (وشطر ماله) يعني: أنه يجعل ماله شطرين، فيتخير عليه المصدق، ويأخذ الصدقة من خير الشطرين، عقوبة لمنعه الزكاة، فأما ما لا يلزمه، فلا. (عزمة من عزمات ربنا) وقوله: عزمة من عزمات ربنا مرفوع لأنه خبر مبتدأ محذوف، تقديره: ذلك عزمة، والعزمة ضد الرخصة، وهو ما يجب فعله وذكر الفقهاء أن الشافعي رحمه الله قال في القديم: من منع زكاة ماله أخذت منه وأخذ شطر ماله عقوبة على منعه، لهذا الحديث. وقال في الجديد: لا تؤخذ منه إلا الزكاة لا غير، وجعل هذا الحديث منسوخاً، فإن ذلك كان حيث كان العقوبات في المال، ثم نسخ.

3499 - * روى أبو داود عنبهز بن حكيم (رحمه الله) عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "في كل سائمة إبل: في كل أربعين: بنت لبون، ولا تفرق إبل عن حسابها، من أعطى الزكاة مؤتجراً- وفي رواية: مؤتجراً بها- فله أجرها، ومن منعها، فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا، ليس لآل محمد منها شيء". 3500 - * روى البزار عن عطاء بن أبي رباح قال: كنا مع ابن عمر فجاء فتى من أهل البصرة فسأله عن شيء فقال: سأخبرك عن ذلك قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عاشر عشرة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وحذيفة وأبو سعيد الخدري ورجل آخر سماه وأنا فجاء فتى من الأنصار فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جلس فقال: يا رسول الله أي المؤمنين أفضل؟ قال: أحسنهم خلقاً قال: أي المؤمنين أكيس؟ قال: "أكثرهم للموت ذكراً وأكثرهم له استعداداً قبل أن ينزل بهم- أو قال: ينزل به- أولئك الأكياس" ثم سكت، وأقبل علينا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لم تظهر الفاحشة في قوم قط إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم ولا نقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، لم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم فأخذ بعض ما كان في أيديهم ولم يحكم أئمتهم بغير كتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم قال: ثم أمر عبد الرحمن بن عوف يجهز لسرية أمره عليها، فأصبح قد اعتم بعمامة كرابيس سوداء فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فنقضها وعممه وأرسل من خلفه أربع أصابع ثم قال: "هكذا يا ابن عوف فاعتم فإنه أعرب وأحسن، ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً أن يدفع إليه اللواء فحمد الله ثم قال: اغزوا جميعاً في سبيل الله فقاتلوا من كفر بالله لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً، فهذا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته فيكم".

_ 3499 - أبو داود (2/ 101) كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، وهو حديث حسن. النسائي (5/ 15) 23 - كتاب الزكاة، 4 - باب عقوبة مانع الزكاة. 3500 - كشف الأستار (2/ 268، 269) باب الوصية عند السفر. مجمع الزوائد (5/ 317) وقال الهيثمي: روى ابن ماجه بعضه- رواه البزار ورجاله ثقات. (الكرباس): القطن.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد فرضت الزكاة في المدينة في السنة الثانية من الهجرة قبل فرض رمضان. لا تجب على الأنبياء عليهم السلام إجماعاً، لأن الزكاة طهرة لمن عساه أن يتدنس، والأنبياء مبرؤون منه. يحرم التحايل لإسقاط الزكاة، كأن يهب المال المزكى لفقير ثم يشتريه منه أو يهبه لقريب قبل حولان الحول ثم يسترده منه فيما بعد.

الفصل الثاني شروط وجوب الزكاة وشروط صحة أدائها

الفصل الثاني شروط وجوب الزكاة وشروط صحة أدائها

شروط وجوب الزكاة

شروط وجوب الزكاة: 1 - الإسلام: فلا زكاة على كافر بالإجماع، وأوجب الشافعية خلافاً لغيرهم على المرتد زكاة ماله قبل ردته، وأما زكاة ماله حال الردة فالأصح عند الشافعية أن حكمها حكم ماله، وماله موقوف، فإن عاد إلى الإسلام وتبين بقاء ماله فتجب عليه، وإلا فلا. 2 - الحرية: فلا تجب الزكاة اتفاقاً على العبد وإنما تجب الزكاة في رأي الجمهور على سيده لأنه مالك لمال عبده، وقال المالكية: لا زكاة في مال العبد لا على العبد ولا على سيده. 3 - البلوغ والعقل: شرط عند الحنفية، وقال الجمهور لا يشترطان وتجب الزكاة في مال الصبي والمجنون ويخرجهما الولي من مالهما. 4 - كون المال مما تجب فيه الزكاة: ويشترط كون المال نامياً ولو بالقوة كالذهب والفضة وعروض التجارة وأوجب أبو حنيفة الزكاة في الخيل السائمة للتناسل ولم يوجبها فيه المالكية والشافعية. 5 - كون المال نصاباً أو مقداراً بقيمة نصاب: ونصاب الذهب عشرون مثقالاً، ونصاب الفضة مائتا درهم. 6 - الملك التام للمال: واختلف الفقهاء في المراد بالملك، أهو ملك اليد أم ملك التصرف أم أصل الملك؟ فقال الحنفية: المقصود أصل الملك وملك اليد. وقال المالكية المقصود أصل الملك والقدرة على التصرف فيما ملك وقال الشافعية: المطلوب توافر أصل الملك التام والقدرة على التصرف، والأصح عندهم أن الدين لا يمنع وجوب الزكاة. 7 - مضي عام أو حولان حول قمري على ملك النصاب، في غير زكاة الزروع لإجماع التابعين والفقهاء. وحول الزكاة قمري لا شمسي بالاتفاق. فقال الحنفية: يشترط كون النصاب كاملاً في طرفي الحول، سواء بقي في أثنائه كاملاً أم لا على ألا ينعدم، وحولان الحول شرط في غير زكاة الزرع والثمار، أما فيهما فيجب الزكاة عند ظهور الثمرة والأمن عليها من الفساد إذا بلغت حداً ينتفع بها، وإن لم يستحق الحصاد.

شروط صحة أداء الزكاة

وقال المالكية: حولان الحول شرط في العين (الذهب والفضة وعروض التجارة والأنعام) وليس بشرط في المعدن والركاز والحرث. وقال المالكية: إن حول ربح المال حول أصله، وكذلك حول نسل الأنعام حول الأمهات وقال الشافعية: لو نقص النصاب في أثناء الحول ولو لحظة لم تجب الزكاة. وقال الحنابلة: يشترط حولان الحول في زكاة الأثمان والمواشي وعروض التجارة ولا يشترط في غيرها من الثمار والزروع والمعادن والركاز والمعتبر عندهم وجود النصاب في جميع الحول. 8 - عدم الدين: شرط عند الحنفية في زكاة ما عدا الحرث، وعند الحنابلة في كل الأموال، وعند المالكية في زكاة العين دون زكاة الحرث والماشية والمعادن وليس بشرط عند الشافعية وقال الشافعي في الجديد: الدين الذي يستغرق أموال الزكاة أو ينقص المال عن النصاب لا يمنع وجوب الزكاة. 9 - الزيادة عن الحاجات الأصلية. وفسر ابن ملك الحاجة الأصلية: بأنها ما يدفع الهلاك عن الإنسان تحقيقاً كالنفقة ودار السكنى والثياب المحتاج إليها. شروط صحة أداء الزكاة: 1 - النية: اتفق الفقهاء على أن النية شرط في أداء الزكاة، وقال الحنفية: لا يجوز أداء الزكاة إلا بنية مقارنة للأداء إلى الفقير أو نائبه أو مقارنة لعزل الواجب وقال المالكية وغيرهم تشترط النية لأداء الزكاة عند الدفع ويكفي عند عزلها، وقال الحنابلة: النية أن يعتقد أنها زكاته أو زكاة من يخرج عنه كالصبي والمجنون ومحلها القلب. 2 - التمليك: يشترط التمليك لصحة أداء الزكاة بأن تعطي للمستحقين، ولا تصرف عند الحنفية إلى مجنون وصبي غير مراهق إلا إذا قبض لهما من يحوز له قبضه، واشترط المالكية لصحة أداء الزكاة شروطاً ثلاثة: أ- إخراجها بعد وجوبها بالحول أو بعد أن تطيب الثمار، فإن أخرجها قبل وقتها، لم تجزئه خلافاً لجمهور الفقهاء.

ب- دفعها لمن يستحقها. ج- كونها من عين ما وجبت فيه، وليس هذا شرطاً عند الحنفية وآخرين. انظر: (فتح القدير 1/ 481 فما بعدها و 1/ 493)، (البدائع 2/ 40)، (المهذب 1/ 140 فما بعدها)، (الشرح الصغير 1/ 589)، (المغني 2/ 621 فما بعدها و 638)، (الفقه الإسلامي 2/ 738 فما بعدها).

النصوص

النصوص 3501 - * روى الشيخان عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً إلى اليمن، فقال: "إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله تعالى افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة أموالهم تؤخذ من أغنيائهم، وترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك، فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب". أقول: استدل العلماء بهذا الحديث أن الزكاة لا تجب على غير مسلم. 3502 - * روى الطبراني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة". 3503 - * روى البيهقي عن يوسف بن ماهك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ابتغوا في مال اليتيم أو في أموال اليتامى لا تذهبها أو لا تستهلكها الصدقة". 3504 - * روى البيهقي عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال: "ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الصدقة". أقول: النصوص هذه دليل لمن ذهب من الفقهاء إلى أن الزكاة تجب في مال الصبي والمجنون لأن البلوغ والعقل ليسا شرطين في وجوب الزكاة، وقد ضعف الحنفية هذه الروايات ولم يأخذوا بها لمخالفتها قواعد الشريعة.

_ 3501 - البخاري (3/ 357) 24 - كتاب الزكاة، 63 - باب أخذ الصدقة من الأغنياء. مسلم (1/ 50) 1 - كتاب الإيمان، 7 - باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام. الترمذي (3/ 21) 5 - كتاب الزكاة، 6 - باب ما جاء في كراهية أخذ خيار المال في الصدقة. 3502 - مجمع الزوائد (3/ 67) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، وأخبرني سيدي وشيخي أن إسناده صحيح. 3503 - رواه البيهقي في سننه، وهذا حديث مرسل ولكن الشافعي عضده بعموم النصوص الأخرى وبما صح عن الصحابة من إيجاب الزكاة في مال اليتيم، فقه الزكاة (1/ 109). 3504 - رواه البيهقي في سننه، وقال البيهقي: هذا إسناد صحيح وله شواهد عن عمر.

3505 - *روى مالك عن نافع- مولى ابن عمر- (رضي الله عنهما) أن ابن عمر كان يقول: "لا تجب في مال زكاة حتى يحول عليه الحول". وأخرجه الترمذي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من استفاد مالاً فلا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول" زاد في (1) رواية "عند ربه". أقول: اتفق الفقهاء على أن حولان الحول شرط في وجوب الزكاة واستثنى الفقهاء من ذلك الزروع والثمار والمعادن والركاز، وما استفيد من شيء أثناء الحول يضم إلى رأس المال، والجمهور على أن الذهب والفضة والأوراق المالية وعروض التجارة تضم إلى بعضها، والمعتبر في نصاب الأنعام أن يبلغ كل منها نصاباً على حدة، وفي ضم الحبوب بعضها إلى بعض تفصيل، والمعتبر في الثمار أن تبلغ كل ثمرة نصاباً عند من يقول به. ملاحظة: إن من شروط وجوب الزكاة ما هو مستقرأ من نصوص الشريعة ولذلك فإن ما قدمناه في العرض الإجمالي لشروط وجوب الزكاة هو الذي يمثل الشروط المستقرأة إضافة إلى الشروط التي تذكرها نصوص السنة النبوية.

_ 3505 - الموطأ (1/ 246) 17 - كتاب الزكاة، 2 - باب الزكاة في العين من الذهب والورق. الترمذي (3/ 25، 26) 5 - كتاب الزكاة، 10 - باب ما جاء لا زكاة على المال المستفاد حتى يحول عليه الحول. (1) الترمذي (3/ 26) نفس الموضع السابق، وقال الترمذي: وقد روي موقوفاً على ابن عمر، والمرفوع عند الترمذي ضعيف، والصحيح وقفه على ابن عمر، كما قال الدارقطني والترمذي والبيهقي وابن الجوزي وغيرهم، قال الحافظ في التلخيص: وروى البيهقي عن أبي بكر وعلي وعائشة موقوفاً عليهم مثل ما روي عن ابن عمر، والاعتماد في هذا على الآثار عن أبي بكر وغيره، والآثار تعضده فيصلح للحجة.

فوائد

فوائد إن أخذ الإمام الزكاة قهراً أجزأت من غير نية، لأن تعذر النية في حق المزكي أسقط وجوبها عنه كالصغير والمجنون. هذا عند الحنابلة، ولو تصدق الإنسان بجميع ماله تطوعاً، ولم ينو به الزكاة لم يجزئه عند الجمهور غير الحنفية، لأنه لم ينو به الفرض، كما لو تصدق ببعضه، وكما لو صلى مائة ركعة ولم ينو الفرض بها. ولا زكاة باتفاق المذاهب على الحوائج الأصلية من ثياب البدن والأمتعة ودور السكن وأثاث المنزل، ودواب الركوب، وسلاح الاستعمال والكتب العلمية وإن لم تكن لأهلها إذا لم ينو بها التجارة وآلات المحترفين، لأنها مشغولة بالحاجة الأصلية، وليست بنامية أصلاً وقد ألحق بعض علماء العصر السيارة إذا لم تكن للتجارة بالحاجات الأصلية قياساً على الدواب. ولا تجزئ الضريبة عن الزكاة، لأن الزكاة عبادة مفروضة على المسلم شكراً لله تعالى وتقرباً إليه، والضريبة التزام مالي محض خال عن كل معنى للعبادة والقربة، ولذا شرطت النية في الزكاة ولم تشرط في الضريبة، ولأن الزكاة حق مقدر شرعاً، بخلاف الضريبة فإنها تخضع لتقدير السلطة، ولأن الزكاة حق ثابت دائم، والضريبة مؤقتة حسب الحاجة، ولأن مصارف الزكاة هي الأصناف الثمانية والضريبة تصرف لتغطية النفقات العامة للدولة، وللزكاة أهداف روحية وخلقية واجتماعية وإنسانية، أما الضريبة فلا يقصد بها تحقيق شيء من تلك الأهداف. قال المالكية والشافعية والحنابلة: من وجبت عليه زكاة وتمكن من أدائها، فمات قبل أدائها عصى ووجب إخراجها من تركته، وإن لم يوص بها، ولا تسقط بموته، لأنها حق واجب تصح الوصية به، وقال أبو حنيفة: تسقط عنه الزكاة بالموت، وإن لم يسقط إثمها عنه إلا أن يوصي بها وصية فتخرج من الثلث. قال الحنفية: إذا مات من عليه زكاة أو فطرة أو كفارة أو نذر، لم يؤخذ من تركته إلا أن يتبرع ورثته بذلك، فإن امتنعوا لم يجبروا عليه، وإن أوصى بذلك يجوز، وينفذ من ثلث ماله، وقال الجمهور: إن مات من وجبت عليه الفطرة قبل أدائها، أخرجت من تركته كالزكاة.

الفصل الثالث في الأموال التي تجب فيها الزكاة وفي أنصبتها ومقادير الزكاة الواجبة

الفصل الثالث في الأموال التي تجب فيها الزكاة وفي أنصبتها ومقادير الزكاة الواجبة

أنواع الأموال التي تجب فيها الزكاة

أنواع الأموال التي تجب فيها الزكاة: تجب الزكاة في أنواع خمسة من المال هي: النقود والمعادن والركاز، وعروض التجارة، والزروع والثمار، والأنعام. 1 - النقود: اتفق الفقهاء على وجوب الزكاة في النقود سواء أكانت سبائك أو مضروبة أو آنية. فنصاب الذهب عشرون مثقالاً وتعادل عند الجمهور 23/ 25 91 غراماً، ونصاب الفضة مائتا درهم وتعادل عند الجمهور (642) غراماً تقريباً، ويضم عند الجمهور- غير الشافعية- أحد النقدين إلى الآخر في تكميل النصاب. والمقدار الواجب في النقدين ربع العشر أي (2.50%) ويدفع عن الذهب ذهباً وعن الفضة فضة، ويجوز الدفع بالقيمة في المشهور، ولم يجز ذلك عند الشافعي. وأجمع العلماء على أن المال إذا كان أقل من عشرين مثقالاً، ولا يبلغ مائتي درهم فلا زكاة فيه لعدم بلوغ النصاب. وقال الحنفية: غالب الفضة فضة وغالب الذهب ذهب وإذا كان الغالب عليهما الغش فهي في حكم العروض التجارية ولابد من أن تبلغ قيمتها نصاباً واختلف في الغش المساوي، والمختار: لزوم الزكاة احتياطاً، وقال المالكية: المعتبر هو الرواج فتجب الزكاة في الكاملة الوزن والمغشوشة وقال الشافعية والحنابلة: لا شيء في المغشوش حتى يبلغ خالصه نصاباً كاملاً. والحلي الذي تجب فيه الزكاة عند المالكية هو المتخذ للتجارة ويعتبر بحسب وزنه دون قيمة صياغته والحلي الذي تجب فيه الزكاة عند الشافعية هو الذي يقصد كنزه وادخاره والأواني، وأما الحلي الذي تجب فيه الزكاة عند الحنابلة: فهو المتخذ للتجارة والحلي المحرم للمرأة الذي ليس لها اتخاذه. وتجب الزكاة في حلي المرأة من الذهب أو الفضة عند الحنفية. والخلاصة: أن الجمهور لا يرون الزكاة في حلي المرأة المعتاد. وقال الحنفية: الزكاة واجبة في الحلي للرجال والنساء تبراً كان أو سبيكة آنية أو غيرها، لأن الذهب والفضة مال

2 - زكاة المعادن والركاز

نام وقد بحث فقهاء العصر حكم زكاة النقود الورقية فقرروا وجوب الزكاة فيها لأن هذه النقود إما بمثابة دين قوي على خزانة لدولة، أو سندات دين، أو حوالة مصرفية بقيمتها ديناً على المصرف. 2 - (زكاة المعادن والركاز) اختلف الفقهاء في معنى المعدن، والركاز أو الكنز وفي أنواع المعادن التي تجب فيها الزكاة وفي مقادير الزكاة في كل من المعدن والركاز، فالمعدن هو الركاز عند الحنفية وهما مختلفان عند الجمهور، والمعدن هو الذهب والفضة عند المالكية والشافعية، وهو كل ما ينطبع بالنار عند الحنفية، ويشمل كل أنواع المعادن الجامدة والسائلة عند الحنابلة، وفي المعادن الخمس لدى الحنفية والمالكية، وربع العشر عند الشافعية والحنابلة، وفي الركاز الخمس بالاتفاق، ويظهر ذلك في التفصيل علماً بأن الواجب في المعادن زكاة عند الجمهور، غنيمة عند الحنفية وأن الواجب في الركاز عند المجهور غنيمة للمصالح العامة، ويصرف مصارف الزكاة عند الشافعية، ويشترط في المعدن بلوغ النصاب بالاتفاق ولا يشترط في الركاز بلوغ النصاب عند الجمهور، خلافاً للشافعية، وصفة المعدن الذي تجب فيه الزكاة: هو كل ما خرج من الأرض مما يخلق فيها ومن المهم بمكان في عصرنا أن يتعرف الإنسان على فقه الركاز والمعدن لأهمية ذلك، والذي يبدو أن مذهب الحنابلة في هذا الموضوع أرفق بالفقراء. فإذا أخرجته شركة كافرة أو أجنبية فالأرفق بالفقراء أن يعتبر المخرج غنيمة فيه الخمس الذي يصرف على أهل الخمس وما زاد على ذلك فعلى حسب الاتفاق بين الدولة والشركة. ووقت وجوب الزكاة في المعدن حين الإخراج وبلوغ النصاب، ولا يعتبر له حول باتفاق المذاهب الأربعة، لأنه مال مستفاد من الأرض فلا يعتبر في وجوب حقه حول كالزرع والثمار والركاز، ويشترط لإخراج الزكاة في المعادن شرطاً: أ- أن يبلغ بعد سبكه وتصفيته نصاباً أو قيمته. ب- أن يكون مخرجه ممن تجب عليه الزكاة. 3 - (زكاة العروض التجارية): اشترط الفقهاء لوجوب زكاة عروض التجارة شروطاً منها ثلاثة شروط متفق عليها هي: بلوغ النصاب، وحولان الحول، ونية التجارة. وقال

الحنفية: إذا اشترى شيئاً للقنية ثم نواه للتجارة فلا زكاة فيه لأنه باق على أصل النية. وأما الشروط الزوائد في بعض المذاهب فهي: أ- ملك العروض بمعاوضة هذا عند الجهور غير الحنفية. ب- أن لا يقصد بالمال القنية. (عند الشافعية والحنابلة والمالكية). ج- ألا يصير جميع مال التجارة في أثناء الحول نقداً وهو أقل من النصاب عند الشافعية. د- ألا تتعلق الزكاة بعين العرض عند المالكية. وطريقة تقويم العروض ومقدار الواجب فيها: أنه تجب الزكاة في قيمة العروض لا في عينها لأن النصاب معتبر بالقيمة فكانت الزكاة منها، والواجب في عروض التجارة هو ربع عشر القيمة كالنقد باتفاق العلماء، وقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن في العروض التي يراد بها التجارة الزكاة إذا حال عليها الحول. وطريقة تقويم العروض عند الجمهور غير الشافعية أن تقوم السلع إذا حال الحول بالأحسن للمساكين من ذهب أو فضة احتياطاً لحق الفقراء، ولا تقوم بما اشتريت به. واختلف الفقهاء في جواز إخراج الزكاة من عروض التجارة على رأيين: فقال الحنفية: يخير التاجر بين العين أو القيمة. وقال الجمهور: يجب إخراج القيمة، ولا يجوز الإخراج من عين العروض التجارية لأن النصاب معتبر بالقيمة. وقد اتفق فقهاء المذاهب على أنه تضم أرباح التجارة إلى أصل رأس المال في الحول، كما يضم أيضاً عند الحنفية خلافاً لغيرهم: المال المستفاد من غير التجارة كعطية وإرث إلى أصل المال. وقال الجمهور: يزكي المحتكر وهو الذي يشتري السلع وينتظر بها الغلاء كل عام وإن لم يبع، خلافاً للمالكية فهم يقولون لا زكاة عليه فيها حتى يبيعها وقال أبو حنيفة: في زكاة شركة المضاربة يزكي كل واحد من المالك والعامل بحسب حقه كل سنة ولا يؤخر إلى المفاصلة.

4 - زكاة الزروع والثمار

4 - زكاة الزروع والثمار. شروط زكاة الزروع والثمار عند أبي حنيفة: أ- أن تكون الأرض عشرية. ب- وجود الخارج. ج- أن يكون الخارج مما يقصد بزراعته نماء الأرض واستثمارها أو استغلالها. واشترط الشافعية ثلاثة شروط: - أن يكون الناتج الذي تخرجه الأرض مما يقتات ويدخر وينبته الآدميون. - أن يكون الناتج نصاباً كاملاً وهو خمسة أو سق (653) كغ. - أن يكون مملوكاً لمالك معين. وإذن فللفقهاء رأيان فيما تجب فيه الزكاة من الزروع والثمار: الأول لأبي حنيفة: تجب الزكاة في قليل ما أخرجته الأرض وكثيره. والرأي الثاني للصاحبين وجمهور الفقهاء: لا تجب زكاة الزروع والثمار إلا فيما يقبل الاقتيات والادخار بعد أن يبلغ نصاباً فأكثر. والشافعية قرروا أن الزكاة تختص بالقوت. والنصاب الذي يبدأ به زكاة الزرع والثمر عند من يقول به: خمسة أو سق وهي (653) كغ أو (50) كيلة مصرية، واتفق الجمهور مع الحنفية على أنه لا ينقص النصاب بمؤنة الحصاد والدياس وغيرهما من نفقات الزرع، واتفق الفقهاء على أن العشر يجب فيما سقي بغير مؤنة كالذي يشرب من السماء وما يشرب بعروقه وهو الذي يشرب من ماء قريب منه. ويجب نصف العشر فيما سقي بالمؤن كالدوالي النواضح، وانعقد الإجماع على ذلك، وأما صفة الواجب فهو جزء من الخارج أو قيمته عند الحنفية وأما عند الجمهور: الواجب عين الجزء ولا يجوز غيره. ووقت الوجوب عند أبي حنيفة: وقت خروج الزرع وظهور الثمر، وعند المالكية: في الثمار الطيب، وأما عند الشافعية والحنابلة: فتجب الزكاة يبدأ صلاح الثمر، لأنه حينئذ ثمرة كاملة. وليس المراد بوجوب الزكاة بما ذكر: إخراجها في الحال، بل انعقاد سبب وجوبها ولا خلاف بين أهل العلم في غير الحبوب والثمار: أنه لا يضم

جنس إلى جنس آخر في تكميل النصاب، والثمار لا يضم جنس إلى غيره، ولا تضم الثمار إلى شيء من السائمة، ولا خلاف بينهم أن الأجناس المتشابهة يضم بعضها إلى بعض في إكمال النصاب، ولا خلاف بينهم أيضاً في أن العروض التجارية تضم إلى الأثمان وتضم الأثمان إليها، إلا أن الشافعي لا يضمها إلا إلى جنس ما اشتريت به لأن نصابها معتبر به. ولا خلاف عند الجمهور غير المالكية في ضم الحنطة إلى العلس، لأنه نوع منها. واختلف العلماء في ضم الحبوب بعضها إلى بعض، وفي ضم أحد النقدين إلى الآخر. والخلاصة: أن الحنطة تضم مع الشعير لدى المالكية، ولا يضمان عند الشافعية وفي المعتمد عند الحنابلة: وللفقهاء رأيان في زكاة الثمار الموقوفة: رأي يوجب الزكاة، ورأي يعفي منها. وأما زكاة الأرض المستأجرة فقد قال أبو حنيفة: زكاة الأرض على المؤجر لأنه من مؤنتها فهي كالخراج الموظف وقال الجمهور: إذا استأجر إنسان أرضاً، فزرعها أو استعار أرضاً فزرعها أو غرسها ثمراً تجب فيه الزكاة، فالعشر على المستأجر والمستفيد دون مالك الأرض لأنه واجب في الزرع، والأراضي نوعان: 1 - عشرية. 2 - وخراجية. العشرية: هي التي يجب فيها العشر الذي فيه معنى العبادة. والخراجية على قول الجمهور ثلاثة أنواع: أ- ما فتحت عنوة ولم تقسم بين الغانمن. ب- ماجلا عنها أهلها خوفاً منا. ج- ما صولح أهلها عليها على أنها لنا ونقرها معهم بالخراج الذي يفرض الإمام عليهم، والأرض العشرية هي التي لا خراج عليها. والخراج نوعان: 1 - خراج وظيفة. 2 - خراج مقاسمة. أما خراج الوظيفة: فهو الضريبة المفروضة على الأرض سواء استغلها صاحبها أم تركها. وأما خراج المقاسمة: فهو الضريبة المقطوعة من الناتج الزراعي. -واتفق العلماء على أن الأرض الخراجية إذا كانت ملكاً لغير مسلم وجب فيها الخراج ولا عشر فيها وعلى أن العشرية إذا كانت ملكاً لمسلم وجب فيها العشر.

5 - زكاة الحيوان أو الأنعام

وأما زكاة الأرض الخراجية فقد قال أبو حنيفة: إن كانت الأرض خراجية يجب فيها الخراج ولا يجب في الخارج منها العشر، فالعشر والخراج لا يجتمعان في أرض واحدة. وقال الأئمة الثلاثة: يجتمع في الخارج من أرض الخراج العشر والخراج إذا تملك الأرض الخراجية مسلم. 5 - زكاة الحيوان أو الأنعام: تقررت فرضية زكاة الحيوان في السنة النبوية في أحاديث صحاح أو حسنة، وأجمع العلماء على فرضية الزكاة في الأنعام، لوجوب زكاة الحيوان خمسة شروط، على خلاف في بعضها وهي: 1 - أن تكون الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم إنسية لا وحشية. 2 - أن تكون الأنعام بالغة نصاباً شرعياً. 3، 4 - أن يحول عليها حول كامل في ملك نصابها. 5 - كونها سائمة في معظم الحول، لا معلوفة، ولا عاملة في حرث ونحوه وهذا شرط عند الجمهور غير المالكية. وقد أجمع العلماء على أن في خمس من الإبل شاة، وفي العشر شاتين، وفي الخمس عشرة ثلاث شياه، وفي العشرين أربع شياه. وأجمعوا على أنه إذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض (وهي التي لها سنة من الإبل ودخلت في الثانية)، وفي ست وثلاثين إلى خمس وأربعين، بنت لبون (وهي ما أتمت سنتين ودخلت في الثالثة) وفي ست وأربعين على ستين حقة (وهي ما أتمت ثلاثاً ودخلت في الرابعة)، وفي إحدى وستين إلى خمس وسبعين جذعة (وهي ما أتمت أربعاً ودخلت في الخامسة) وفي ست وسبعين إلى تسعين بنتاً لبون، وفي إحدى وتسعين إلى مائة وعشرين حقتان، وفي مائة وإحدى وعشرين إلى مائة وتسع وعشرين ثلاث بنات لبون عند الجمهور، وعند الحنفية: حقتان وشاة لأنه إذا زادت عن مائة وعشرين تستأنف عندهم الفريضة، واتفق الفقهاء على أنه يجوز أن يخرج المالك عن الواجب سناً أعلى من جنسه لأنه زاد على الواجب من جنسه. واتفق الفقهاء على أن أول نصاب البقر ومثله الجاموس ثلاثون، ففي ثلاثين إلى تسع وثلاثين بقرة: تبيع أو تبيعة وهو عند الجمهور ما أتم السنة ودخل في الثانية، وفي أربعين إلى تسع وخمسين مسنة، وهي عند الجمهور ما أتمت السنتين ودخلت في الثالثة ثم في كل ثلاثين بدءاً من الستين تبيع: وفي كل أربعين مسنة، هكذا يتغير الفرض في كل عشرة من

تبيع إلى مسنة. وأما زكاة الغنم فقد اتفق الفقهاء على أنه ليس فيما دون أربعين من الغنم السائمة أكثر السنة صدقة، لعدم بلوغ النصاب، ولا زكاة عند الجمهور في المعلوفة والعوامل لأنها من الحوائج الأصلية، وسوى المالكية بين المعلوفة والسائمة في وجوب الزكاة ولا خلاف في أن الضأن والمعز سواء في النصاب والوجوب وأداء الواجب ولا يؤخذ إلا الثني وهو ما تمت له سنة عند الجمهور، وشرط الشافعية في المعز أن يكون له سنتان. واتفق الفقهاء على أن ما بين الفريضتين في كل الأحوال عفو، لا زكاة فيه، ولا يتأثر وجوب الزكاة عند الحنفية بالخلطة أي الشركة وقال الجمهور: للخلطة في الماشية تأثير في الزكاة، فيزكي الخليطان زكاة المالك الواحد. وعند الحنابلة لا تؤثر الخلطة في غير المواشي فهي لا تؤثر في النقود والحبوب والثمار وعروض التجارة. وتؤثر الخلطة على الجديد في مذهب الشافعية في غير المواشي. وتجب الزكاة في مال الشركة عند من يقول بذلك كما تجب في مال الرجل الواحد بشروط: أ- أن يكون الشريكان من أهل وجوب الزكاة. ب- أن يكون المال المختلط نصاباً. ج- أن يمضي عليهما حول كامل. د- أن لا يتميز مال أحدهما عن الآخر. واتفق أئمة المذاهب الأربعة على أن النتاج أو الفرع من أولاد الأنعام يتبع الأمهات في الحول، فكل ما نتج أو تولد من الأمهات وتم انفصاله قبل تمام حول النصاب الأصلي ولو بلحظة، يزكى بحول الأصل، ويرى أبو حنيفة ومحمد أنه ليس في الفصلان والحملان والعجاجيل زكاة إلا أن يكون معها كبار ولو واحداً وخالفهما بقية الأئمة فأوجبوا فيها الزكاة، لأن السخال تعد مع غيرها. (فتح القدير 1/ 519 فما بعدها)، (البدائع 2/ 21 فما بعدها)، (مغني المحتاج 1/ 368 فما بعدها)، (المهذب 1/ 142 فما بعدها)، (المغني 3/ 1 فما بعدها)، (الفقه الإسلامي 2/ 758 فما بعدها).

النصوص في النصاب

النصوص في النصاب: 3506 - * روى مسلم عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس فيما دون خمس أواق صدقة، ولا فيما دون خمس ذود صدقة، وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة". وفي رواية (1) أنه قال: "ليس فيما دون خمسة أوساق من تمر ولا حب صدقة"، لم يزد. وفي أخرى (2)، أنه قال: "ليس في حب ولا تمر صدقة، حتى تبلغ خمسة أو سق، ولا فيما دون خمس ذود، ولا فيما دون خمس أواق صدقة". وفي أخرى (3) مثله، إلا أنه قال بدل "التمر": "ثمر". وأخرجه (4) البخاري من رواية عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة، وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة، وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة". قال الحميدي: ذكره البخاري (5) في كتابه، بعد حديث ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

_ 3506 - مسلم (2/ 674) 12 - كتاب الزكاة. (1) مسلم: الموضع السابق. (2) مسلم: الموضع السابق. (3) مسلم: الموضع السابق. ص: 675. (4) البخاري (3/ 323) 24 - كتاب الزكاة، 42 - باب ليس فيما دون خمس ذود صدقة. (5) البخاري (3/ 347) 24 - كتاب الزكاة، 55 - باب العشر فيما يسقى من ماء السماء. (أوسق) جمع وسق، والوسق: ستون صاعاً، والصاع: أربعة أمداد، والمد: رطل وثلث، أو رطلان على اختلاف المذهبين الشافعية والحنفية. (ذود): الذود من الإبل ما بين الثلاث إلى العشر وهي مؤنثة لا واحد لها من لفظها. (العشري): هو العدي من المزروعات وهو الذي يسقى بماء السماء ولا يسقى بآلة واستعملته العرب في الأصل في النخيل المزروع الذي يشرب بعروقه من ماء المطر يجتمع في حفيرة، كأنه عثر على الماء عثراً بلا عمل من صاحبه.

"فيما سقت السماء والعيون، أو كان عثرياً: العشر، وما سقي بالنضح: نصف العشر". وفي رواية لأبي داود (1): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس فيما دون خمسة أوساق زكاة" والوسق: ستون مختوماً. وفي أخرى (2) قال: "ستون صاعاً مختوماً بالحجاجي". وفي رواية (3) للنسائي، قال: "ليس فيما دون خمسة أوساق من حب صدقة". وفي أخرى (4) له قال: "لا يحل في البر والتمر زكاة، حتى يبلغ خمسة أوساق، ولا يحل في الورق زكاة، حتى تبلغ خمس أواق، ولا يحل في الإبل زكاة، حتى تبلغ خمس ذود". أقول: حدد هذا لنص نصاب الفضة والإبل والزروع والثمار، وقد اتفق الفقهاء على اعتماد ما ورد في الحديث من نصاب الفضة والإبل لتضافر النصوص على ذلك. ولم يأخذ أبو حنيفة بهذا النص في تحديد نصاب الزروع والثمار لأنه حديث آحاد قد خالف إطلاق لنص القرآني في وجوب الزكاة من كل ما أخرجته الأرض، وذلك مقتضى قوله تعالى: (وآتوا حقه يوم حصاده) (5). فقد جاء هذا النص بعد قوله تعالى: (وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات) (6). فالآية تفيد عنده أن كل ما أخرجته الأرض مما يقصد الإنسان زراعته فيه الزكاة. وحمل بقية الأئمة إطلاق هذا النص على الندب وأوجبوا الزكاة بعد توافر النصاب الذي هو خمسة أوسق بشروط. ذلك على اختلاف بينهم في تحديد ما تجب فيه الزكاة من الزروع والثمار.

_ (1) أبو داود (2/ 94) كتاب الزكاة، باب ما تجب فيه الزكاة. (2) أبو داود: الموضع السابق. (3) النسائي (5/ 39) 23 - كتاب الزكاة، 21 - باب زكاة التمر. (4) النسائي (5/ 40) 23 - كتاب الزكاة، 22 - باب زكاة الحنطة. قال ابن الأثير (أواق) الأوقية التي جاء ذكرها في الأحاديث: مبلغها أربعون درهماً، وكذلك جاء فيما مضى من الزمان، وأما الآن، فللناس فيها أوضاع واصطلاح فيما بينهم، وتجمع على أواقي، مثل: أثفية وأثافي، وإن شئت خففت الجمع. (بالنضح) النضح هاهنا، أراد به: الاستقاء. (5) الأنعام: 141. (6) الأنعام: 141.

أحاديث جامعة في مقادير الزكاة

3507 - *روى مسلم عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة، وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة، وليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة". أحاديث جامعة في مقادير الزكاة: 3508 - * روى أبو داود عن سالم بن عبد الله بن عمر (رحمه الله) عن أبيه قال: "كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب الصدقة، فلم يخرجه إلى عماله حتى قبض، فقرنه بسيفه، فعمل به أبو بكر حتى قبض، ثم عمل به عمر حتى قبض فكان فيه: في خمس من الإبل: شاة، وفي عشرة: شاتان، وفي خمسة عشر: ثلاث شياه، وفي عشرين: أربع شياه، وفي خمس وعشرين: بنت مخاض، إلى خمس وثلاثين، فإذا زادت واحدة: ففيها ابنة لبون، إلى خمس وأربعين، فإذا زادت واحدة: ففيها حقة، إلى ستين، فإذا زادت واحدة: ففيها جذعة، إلى خمس وسبعين، فإذا زادت واحدة: ففيها ابنتا لبون، إلى تسعين، فإذا زادت واحدة، ففيها حقتان، إلى عشرين ومائة، فإذا كانت الإبل أكثر من ذلك، ففي كل خمسين: حقة، وفي كل أربعين: ابنة لبون، وفي الغنم: في كل أربعين شاة: شاة، إلى عشرين ومائة، فإذا زادت واحدة: فشاتان إلى المائتين، فإذا زادت على المائتين: ففيها ثلاث شياه، إلى ثلاثمائة، فإذا كانت الغنم أكثر من ذلك، ففي كل مائة شاة: شاة، ثم ليس فيها شيء حتى تبلغ المائة، ولا يفرق بين مجتمع، ولا يجتمع بين متفرق، مخافة الصدقة، وما كان من خليطين: فإنهما يتراجعان بالسوية، ولا يؤخذ في الصدقة هرمة، ولا ذات عيب". قال أبو داود: قال الزهري: "إذا جاء المصدق قسمت الشاء أثلاثاً: ثلثاً شراراً، وثلثاً خياراً، وثلثاً وسطاً، فأخذ المصدق من الوسط" ولم يذكر الزهري البقر. وفي رواية (1) بإسناده ومعناه، قال: فإن لم تكن بنت مخاض: فابن لبون ذكر". هكذا قال أبو داود، ولم يذكر كلام الزهري، أخرجه أبو داود والترمذي، ولم يذكر

_ 3507 - مسلم (2/ 675) 12 - كتاب الزكاة. 3508 - أبو داود (2/ 98) كتاب الزكاة، 4 - باب في زكاة السائمة. (1) أبو داود، الموضع السابق.

الترمذي الرواية الثانية، وقال الترمذي: وقد روى هذا الحديث غير واحد عن الزهري عن سالم، ولم يرفعوه، وإنما رفعه سفيان بن حسين. وفي رواية (1) أخرى لأبي داود عن الزهري، أنه قال: "هذه نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتبه في الصدقة. أقرأنيها سالم بن عبد الله بن عمر، فوعيتها على وجهها، وهي التي انتسخ عمر بن عبد العزيز من عبد الله بن عبد الله بن عمر، وسالم بن عبد الله ابن عمر ... فذكر الحديث، قال: "فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة- أي الإبل-: ففيها ثلاث بنات لبون، حتى تبلغ تسعاً وعشرين ومائة، فإذا كانت ثلاثين ومائة: ففيها ابنتا لبون وحقة، حتى تبلغ تسعاً وثلاثين ومائة، فإذا كانت أربعين ومائة: ففيها حقتان وابنة لبون، حتى تبلغ تسعاً وأربعين ومائة، فإذا كانت خمسين ومائة: ففيها ثلاث حقاق، حتى تبلغ تسعاً وخمسين ومائة، فإذا كانت ستين ومائة: ففيها أربع بنات لبون، حتى تبلغ تسعاً وستين ومائة، فإذا كانت سبعين ومائة: ففيها ثلاث بنات لبون وحقة، حتى تبلغ تسعاً وسبعين ومائة، فإذا كانت ثمانين ومائة: ففيها حقتان وابنتا لبون، حتى تبلغ تسعاً وثمانين ومائة، فإذا كانت تسعين ومائة، ففيها ثلاث حقاق وابنة لبون، حتى تبلغ تسعاً وتسعين ومائة، فإذا كانت مائتين: ففيها أربع حقاق، أو خمس بنات لبون، أي السنين وجدت أخدت، وفي سائمة الغنم ... فذكر نحو حديث سفيان بن حسين، يعني الرواية الأولى، وفيه- ولا تؤخذ في الصدقة هرمة، ولا ذات عوار، ولا تيس الغنم، إلا أن يشاء المصدق". 3509 - * روى أبو داود عنالحارث الأعور (رحمه الله) روى عن علي: قال زهير - وهو ابن معاوية- أحسبه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "هاتوا ربع العشر، من كل أربعين درهماً: درهم، وليس عليكم شيء، حتى تتم مائتي درهم، ففيها خمسة دراهم، فما زاد، فعلى حساب ذلك، وفي الغنم، في كل أربعين شاة: شاة، فإن لم يكن إلا تسعة وثلاثين: فليس عليك فيها شيء .. وساق صدقة الغنم مثل الزهري".

_ (1) أبو داود، الموضع السابق، وص: 99. الترمذي (3/ 17، 18) 5 - كتاب الزكاة، 4 - باب ما جاء في زكاة الإبل والغنم، وهو حديث حسن. 3509 - أبو داود (2/ 100) كتاب الزكاة، 4 - باب في زكاة السائمة.

هكذا قال أبو داود، وحديث الزهري هو الذي رواه سالم عن أبيه عبد الله بن عمر. ثم قال أبو داود: "وفي البقر: في كل ثلاثين: تبيع، وفي الأربعين: مسنة، وليس على العوامل شيء، وفي الإبل ... فذكر صدقتها، كما ذكر الزهري، يعني: حديث سالم- وقال: في خمس وعشرين خمس من الغنم، فإذا زادت واحدة: ففيها بنت مخاض، فإن لم تكن بنت مخاض، فابن لبون ذكر، إلى خمس وثلاثين، فإذا زادت واحدة، ففيها ابنة لبون، إلى خمس وأربعين، فإذا زادت واحدة: ففيها حقة طروقة الفحل، إلى ستين- ثم ساق مثل حديث الزهري- قال: فإذا زادت واحدة- يعني: واحدة وتسعين- ففيها حقتان: طروقتا الفحل، إلى عشرين ومائة، فإن كانت الإبل أكثر من ذلك، ففي كل خمسين: حقة، ولا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين متفرق، خشية الصدقة، ولا يؤخذ في الصدقة هرمة، ولا ذات عوار، ولا تيس، إلا أن يشاء المصدق. وفي النبات: ما سقته الأنهار، أو سقت السماء: العشر، وما سقي بالغرب: ففيه نصف العشر". قال أبو داود: وفي حديث عاصم والحارث: "الصدقة في كل عام" قال زهير: حسبته قال: مرة. وقال أبو داود: وفي حديث عاصم: "إذا لم تكن في الإبل بنت مخاض، ولا ابن لبون: فعشرة دراهم، أو شاتان". وفي أخرى (1) عن الحارث عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم ببعض أول الحديث قال: "فإذا كانت لك مائتا درهم، وحال عليها الحول: ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شيء- يعني في الذهب- حتى يكون لك عشرون ديناراً، فإذا كانت لك عشرون ديناراً، وحال عليها الحول، ففيها نصف دينار. فما زاد، فبحساب ذلك- قال: فلا أدري: أعلي يقول: فبحساب ذلك، أم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول".

_ (1) أبو داود، الموضع السابق، وهو حديث حسن حسنه ابن حجر. (تبيع) التبيع والتبيعة: ولد البقر في أول سنة. (المسنة) من البقر: التي استكملت سنتين، ودخلت في الثالثة. (العوامل) من البقر: التي يستقى عليها ويحرث، وتستعمل في الأشغال. (بالغرب) الغرب: الدلو العظيمة.

أقول: يلحظ أن هناك شيئاً من الاختلاف البسيط في الروايات قد يكون بعضه سبباً عن وهم الراوي أو روايته بالمعنى، وقد لا يصيب المعنى، ومن ههنا كان لتحقيق الفقهاء بعد تحقيق المحدثين أهمية. ففي هذا النص مثلاً ذكر أن الخمسة والعشرين من الإبل فيها خمسة شياه مع أن الروايات المتضافرة على أن الخمسة والعشرين من الإبل فيها بنت مخاض وهو الذي أخذ به الفقهاء. 3510 - * روى الطبراني عن عمرو بن حزم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات وبعث به عمرو بن حزم فقرئت على أهل اليمن وهذه نسختها: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد النبي صلى الله عليه وسلم إلى شرحبيل بن عبد كلال والحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال- قيل ذي رعين ومغافر وهمدان- أما بعد: فقد رجع رسولكم وأعطيتم من المغانم خمس الله وما كتب الله على المؤمنين من العشر في العقار وما سقت السماء أو كان سبخاً أو كان بعلاً، فيه العشر إذا بلغ خمسة أوق وفي كل خمس من الإبل سائمة شاة إلى أن تبلغ أربعاً وعشرين ففهيا بنت مخاض فإن لم توجد بنت مخاض فابن لبون ذكر إلى أن تبلغ خمساً وثلاثين فإن زادت واحدة ففيها بنت لبون إلى أن تبلغ خمساً وأربعين فإن زادت واحدة على خمسة وأربعين ففيها حقة طروقة المجل إلى أن تبلغ ستين فإن زادت على ستين واحدة ففيها جذعة إلى أن تبلغ خمساً وسبعين فإن زادت واحدة على خمس وسبعين ففيها بنتا لبون إلى أ، تبلغ تسعين فإن زادت واحدة ففيها حقتان طروقتا الجمل إلى أن تبلغ عشرين ومائة فإن زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة طروقة الجمل وفي كل ثلاثين يافورة بقرة جذع أو جذعة وفي كل أربعين يافورة بقرة وفي كل أربعين شاة سائمة شاة إلى أن تبلغ عشرين ومائة فإن زادت على العشرين ومائة شاة ففيها شاتان إلى أن تبلغ مائتين فإن زاندت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى أن تبلغ ثلاثمائة فإن زادت ففي كل مائة شاة شاة ولا يؤخذ في الصدقة محمفاً جحفاه هرمة ولا عجفاء، ولا ذات عوار ولا تيس الغنم ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق

_ 3510 - مجمع الزوائد (3/ 71) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وفيه سليمان بن داود الحرسي وثقة أحمد وتكلم فيه ابن معين، وقال أحمد: إن الحديث صحيح، وقال الهيثمي: وبقية رجاله ثقات.

بين مجتمع خشية الصدقة وما أخذ من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية وفي كل خمس أواق من الورق خمسة دراهم وما زاد ففي كل أربعين درهماً درهم وليس فيما دون خمس أواق شيء وفي كل أربعين ديناراً دينار والصدقة لا تحل لمحمد ولا لأهل بيته إنما هي الزكاة تزكى بها أنفسهم وللفقراء المؤمنين وفي سبيل الله ولا في رقيق ولا في مزرعة ولا عمالها شيء إذا كانت تؤدي صدقتها من العشر وأنه ليس في عبد مسلم ولا في فرسه شيء وكان في الكتاب أن أكبر الكبار عند الله يوم القيامة: إشراك بالله وقتل النفس المؤمنة بغير حق والفرار في سبيل الله يوم الزحف وعقوق الوالدين ورمي المحصنة وتعلم السحر وأكل الربا وأكل مال اليتيم وأن العمرة الحج الأصغر، ولا يمس القرآن إلا طاهر ولا طلاق قبل إملاك ولا عتاق حتى تبتاع ولا يصلين أحدكم في ثوب واحد وشقة باد ولا يصلين أحدكم عاقصاً شعره. 3511 - *روى أحمد عن قزعة قال: أتيت أبا سعيد وهو مكثور عليه فلما تفرق الناس قلت إني لا أسألك عما يسألك عنه هؤلاء قال وسأله عن الزكاة. فقال: لا أدري أرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أم لا. في مائة درهم خمسة الدراهم وفي أربعين شاة شاة إلى عشرين ومائة فإذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى مائتين فإذا زادت ففي كل مائة شاة إلى ثلاثمائة فإذا زادت ففي كل مائة شاة وفي الإبل في خمس شاة وفي عشر شاتان وفي خمس عشرة ثلاث شياه وفي عشرين أربع شياه وفي خمس وعشرين بنت مخاض إلى خمس وثلاثين فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس وسبعين فإذا زادت واحدة ففيها ابنتا لبون إلى تسعين فإذا زادت واحدة ففيها حقتان إلى عشرين ومائة فإذا زادت واحدة ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون. أقول: يلاحظ في النص أنه ذكر أن زكاة المئة درهم خمسة دراهم مع أن المعروف أن زكاة المئة درهم اثنان ونصف، هذا دليل آخر على ضرورة التحقيق الحديثي والفقهي بآن واحد، ولعل الراوي غلط، فزكاة المئتين خمسة دراهم.

_ 3511 - أحمد (3/ 35). مجمع الزوائد (3/ 72، 73) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. (مكثور عليه): أراد أنه كان عنده جمع من الناس يسألونه عن أشياء.

3512 - * روى البخاري عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) "أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما استخلف: كتب له- حين وجهه إلى البحرين- هذا الكتاب، وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر: "محمد": سطر. و"رسول" سطر، و"الله". سطر-: بسم الله الرحمن الرحيم، هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، والتي أمر الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها، فلا يعط في أربع وعشرين من الإبل فما دونها، من الغنم، في كل خمس: شاة، فإذا بلغت خمساً وعشرين، إلى خمس وثلاثين: ففيها بنت مخاض أنثى. فإن لم يكن فيها ابنة مخاض، فابن لبون ذكر. فإذا بلغت ستاً وثلاثين، إلى خمس وأربعين: ففيها بنت لبون أنثى، فإذا بلغت ستاً وأربعين، إلى ستين: ففيها حقة، طروقة الجمل، فإذا بلغت واحدة وستين، إلى خمس وسبعين: ففيها جذعة، فإذا بلغت ستاً وسبعين إلى تسعين: ففيها ابنتا لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين، إلى عشرين ومائة: ففيها حقتان، طروقتا الجمل، فإذا زادت على عشرين ومائة: ففي كل أربعين: ابنة لبون، وفي كل خمسين: حقة. ومن لم يكن معه إلا

_ 3512 - البخاري (6/ 212) 57 - كتاب فرض الخمس، 5 - باب ما ذكر من درع النبي صلى الله عليه وسلم وسيفه وقدحه وخاتمه. (3/ 312) 24 - كتاب الزكاة، 33 - باب العرض في الزكاة. (3/ 314) 24 - كتاب الزكاة، 34 - باب لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع. (3/ 315) 24 - كتاب الزكاة، 35 - باب ما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية ... إلخ. (3/ 316) 24 - كتاب الزكاة، 37 - باب من بلغت عنده صدقة بنت مخاض وليست عنده. (3/ 317) 24 - كتاب الزكاة، 38 - باب زكاة الغنم. (3/ 321) 24 - كتاب الزكاة، 39 - باب لا تؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلا أن يشاء المصدق. (5/ 130) 47 - كتاب الشركة، 2 - باب ما كان من خليطين ... إلخ. (12/ 330) 90 - كتاب الحيل، 3 - باب في الزكاة، وأن لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق خشية الصدقة. أبو داود (2/ 96، 97) كتاب الزكاة، 4 - باب في زكاة السائمة. النسائي (5/ 27) 23 - كتاب الزكاة، 10 - باب زكاة الغنم. قال ابن الأثير (بنت مخاض) بنت المخاض من الإبل وابن المخاض: ما استكمل السنة الأولى ودخل في الثانية، ثم هو ابن مخاض وبنت مخاض إلى آخر الثانية، سمي بذلك، لأن أمه من المخاض، أي: الحوامل، والمخاض: اسم للحوامل، لا واحد له من لفظه. (بنت لبون) ابن اللبون من الإبل: ما استكمل السنة الثانية ودخل في الثالثة، وهو كذلك إلى تمامها، سمي بذلك، لأن أمه ذات لبن.

أربع من الإبل: فليس فيها صدقة، إلا أن يشاء ربها، فإذا بلغت خمساً من الإبل، ففيها: شاة. وصدقة الغنم: في سائمتها، إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة: شاة. فإذا زادت على مائتين إلى ثلاثمائة: ففيها ثلاث شياه، فإذا زادت على ثلاثمائة، ففي كل مائة شاة، فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة عن أربعين شاة شاة واحدة: فليس فيها صدقة، إلا أن يشاء ربها، ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع، خشية الصدقة، وما كان من خليطين: فإنهم يتراجعان بينهما بالسوية، ولا يخرج في الصدقة هرمة، ولا ذات عوار، ولا تيس، إلا أن يشاء المصدق، وفي الرقة: ربع العشر، فإن لم تكن إلا تسعين ومائة: فليس فيها صدقة، إلا أن يشاء ربها، ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة، وليس عنده جذعة، وعنده حقة: فإنها تقبل منه الحقة، ويجعل معها شاتين، إن استيسرتا له، أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة الحقة، وليست عنده الحقة، وعنده الجذعة: فإنها تقبل منه الجذعة، ويعطيه المصدق عشرين درهماً أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة الحقة، وليست عنده إلا ابنة لبون: فإنها تقبل منه بنت لبون، ويعطي شاتين أو عشرين درهماً، ومن بلغت صدقته بنت لبون، وعنده حقة: فإنها تقبل منه الحقة، ويعطيه المصدق عشرين درهماً، أو شاتين، ومن بلغت صدقته بنت لبون، وليست عنده، وعنده بنت مخاض: فإنها تقبل منه بنت مخاض ويعطي معها عشرين درهماً أو شاتين، ومن بلغت صدقته بنت مخاض، وليست عنده، وعنده بنت لبون، فإنها تقبل منه، ويعطيه المصدق عشرين درهماً، أو شاتين، فإن لم تكن عنده بنت مخاض على وجهها، وعنده ابن لبون، فإنه يقبل منه، وليس معه شيء". قال البخاري (1): وزادنا أحمد يعني: ابن حنبل- عن الأنصاري، وذكر الإسناد عن أنس- قال: "كان خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده وفي يد أبي بكر، وفي يد عمر بعد أبي

_ = (الحقة) والحق من الإبل: ما استكمل السنة الثالثة ودخل في الرابعة وهو كذلك إلى تمامها، سمي بذلك لاستحقاقه أن يحمل أو يركبه الفحل، ولذلك قال فيه: "طروقة الفحل" أي: يطرقها ويركبها. (جذعة) الجذعة والجذع من الإبل: ما استكمل الرابعة، ودخل في الخامسة إلى آخرها. (إلا أن يشاء المصدق) المصدق- بتخفيف الصاد، وتشديد الدال-: عامل الصدقة، وهو الساعي أيضاً، قال (الرقة) الدراهم المضروبة، الهاء فيها عوض من الواو المحذوفة من الورق. (1) البخاري (10/ 328) 55 - باب هل يجعل نقش الخاتم ثلاثة أسطر =

بكر. قال: فلما كان عثمان جلس على بئر أريس، وأخرج الخاتم، فجعل يعبث به فسقط، قال: فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان ننزح البئر فلم نجده". وأخرجه أبو داود. قال أحمد: "أخذت من ثمامة بن عبد الله بن أنس كتاباً، زعم أن أبا بكر كتبه لأنس، وعليه خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين بعثه مصدقاً، وكتبه له، فإذا فيه: هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، التي أمر الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم فمن سئلها من المسلمين على وجهها، فليعطلها ومن سئل فوقها، فلا يعطه: فيما دون خمس وعشرين من الإبل: الغنم في كل خمس ذود شاة، فإذا بلغت خمساً وعشرين: ففيها بنت مخاض، إلى أن تبلغ خمساً وثلاثين، فإن لم يكن فيها بنت مخاض، فابن لبون ذكر. فإذا بلغت ستاً وثلاثين: ففيها بنت لبون، إلى خمس وأربعين. فإذا بلغت ستاً وأربعين: ففيها حقة، طروقة الفحل، إلى ستين. فإذا بلغت إحدى وستين: ففيها جذعة، إلى خمس وسبعين. فإذا بلغت ستاً وسبعين ففيها ابنتا لبون، إلى تسعين، فإذا بلغت إحدى وتسعين، ففيها حقتان، طروقتا الفحل، إلى عشرين ومائة. فإذا زادت على عشرين ومائة: ففي كل أربعين ابنة لبون، وفي كل خمسين حقة، فإذ تباين أسنان الإبل في فرائض الصدقات: فمن بلغت عنده صدقة الجذعة وليست عنده جذعة، وعنده حقة، فإنها تقبل منه، وأن يجعل معها شاتين إن استيسرتا له، أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة الحقة، وليست عنده حقة، وعنده جذعة: فإنها تقبل منه، ويعطيه المصدق عشرين درهماً، أو شاتين. ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده حقة، وعنده بنت لبون: فإنها تقبل منه"- قال أبو داود: من هاهنا لم أضبطه عن موسى بن إسماعيل كما أحب- "ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له، أو عشرين درهماً. ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون، وليست عنده إلا حقة، فإنها تقبل منه"- إلى هاهنا قال أبو داود: ثم أتقنته- "ويعطيه المصدق عشرين درهماً، أو شاتين. ومن بلغت عنده صدقة ابن لبون، وليس عنده إلا ابنة مخاض، فإنها تقبل منه وشاتين، أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة ابنة مخاض، وليس عنده إلا ابن لبون ذكر: فإنه يقبل منه، وليس معه شيء. ومن لم

_ = (بئر أريس): بئر معروفة مجاورة لمسجد قباء عند مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم. (ذود): الذود: ما بين الثلاث إلى العشر من الإبل، وقيل: ما بين الثنتين إلى التسع، وهي مؤنثة لا واحد لها من لفظها. =

يكن عنده إلا أربع، فليس فيها شيء، إلا أن يشاء ربها. وفي سائمة الغنم: إذا كانت أربعين: ففيها شاة، إلى عشرين ومائة. فإذا زادت على عشرين ومائة: ففيها شاتان، إلى أن تبلغ مائتين. فإذا زادت على المائتين: ففيها ثلاث شياه، إلى أن تبلغ ثلاثمائة، فإذا زادت على ثلاثمائة: ففي كل مائة شاة شاة. ولا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار من الغنم، ولا تيس الغنم، إلا أن يشاء المصدق، ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع، خشية الصدقة وما كان من خليطين، فإنهما يتراجعان فيه بالسوية، فإن لم تبلغ سائمة الرجل أربعين: فليس فيها شيء، إلا أن يشاء ربها، وفي الرقة: ربع العشر، فإن لم يكن المال إلا تسعين ومائة: فليس فيها شيء، إلا أن يشاء ربها". وأخرجه النسائي مثل رواية أبي داود. ولم يذكر فيها ما قال أبو داود: "أنه لم يضبطه" إنما سرد الجميع، ولم يقل: إني لم أضبطه من موسى بن إسماعيل، ولا سواه.

_ = (تباين) التباين: الاختلاف. (استيسرتا له) استيسر: الشيء، وتيسر إذا أمكن، وتأتي سهلاً وهو استفعل من اليسر، ضد العسر. (سائمتها) السائمة من الغنم: [الراعية] غير المعلوفة. (ذات عوار) - بفتح العين-: العيب، وقد يضم. (إلا أن يشاء المصدق) المصدق- بتخفيف الصاد، وتشديد الدال-: عامل الصدقة، وهو الساعي أيضاً، قال الخطابي: كان أبو عبيد يرويه "إلا أن يشاء المصدق" بفتح الدال- يريد صاحب الماشية، وقد خالفه عامة الرواة، فقالوا بكسر الدال، يعنون به العامل. وقوله: "إلا أن يشاء المصدق" يدل على أن له الاجتهاد، لأن يده كيد المساكين، وهو بمنزلة الوكيل لهم. (لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة) الجمع بين المتفرق في الصدقة: أن يكون ثلاثة نفر مثلاً، ويكون لكل واحد أربعون شاة، وقد وجبت على كل واحد منهم في غنمه الصدقة، فإذا أظلهم المصدق جمعوها، لئلا يكون عليهم فيها إلا شاة واحدة، فنهوا عن ذلك، قال: وتفسير قوله: "ولا يفرق بين مجتمع": أن الخليطين يكون لكل واحد منهما مائة شاة وشاة، فيكون ثلاث شياه، فإذا أظلهم المصدق، فرقا غنمهما، لم يكن على كل واحد منهما إلا شاة واحدة فنهي عن ذلك. قال: فهذا الذي سمعت في ذلك، وقال الخطابي: قال الشافعي: الخطاب في هذا للمصدق ولرب المال، قال: والخشية خشيتان: خشية الساعي أن تقل الصدقة، وخشية رب المال أن يقل ماله، فأمر كل واحد منهما ألا يحدث في المال شيئاً من الجمع والتفريق خشية الصدقة. (فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية) التراجع بين الخليطين أن يكون لأحدهما مثلاً أربعون بقرة، وللآخر ثلاثون بقرة، ومالهما مشترك، فيأخذ الساعي عن الأربعين مسنة، وعن الثلاثين تبيعاً، فيرجع باذل المسنة بثلاثة أسباعه على خليطه، وباذل التبيع بأربعة أسباعه على خليطه، لأن كل واحد من السنين واجب على الشيوع، كأن المال ملك واحد، وفي قوله: "بالسوية" دليل على أن الساعي إذا ظلم أحدهما، فأخذ منه زيادة على فرضه: فإنه لا يرجع بها على شريكه، وإنما يغرم له قيمة ما يخصه من الواجب دون الزيادة، وذلك معنى قوله: "بالسوية" ومن أنواع التراجع: أن يكون بين رجلين أربعون شاة، لكل واحد منهما عشرون، ثم عرف كل واحد منهما عين ماله، فيأخذ المصدق من نصيب أحدهما شاة فيرجع المأخوذ من ماله على شريكه بقيمة نصف =

في زكاة البقر

في زكاة البقر: 3513 - * روى الترمذي عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "في كل ثلاثين من البقر: تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين مسنة". 3514 - * روى مالك عن طاوس (رحمه الله) "أن معاذاً أخذ من ثلاثين بقرة تبيعاً، ومن أربعين بقرة: مسنة، وأتي بما دون ذلك، فأبى أن يأخذ منه شيئاً، وقال: لم أسمع فيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً، حتى ألقاه فأسأله، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يقدم معاذ". 3515 - * روى الترمذي عن معاذ بن جبل (رضي الله عنه) قال: "بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فأمرني أن آخذ من كل ثلاثين بقرة: تبيعاً، أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة، ومن كل حالم: ديناراً، أو عدله معافر". وفي رواية أبي داود (1) مثله وقال: "من كل حالم- يعني: محتلماً- ديناراً أو عدله من المعافري: ثياب تكون باليمن". وفي رواية (2) مثله، ولم يذكر "ثياب تكون باليمن" ولا ذكر "يعني: محتلماً". وفي رواية (3) النسائي، قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثني إلى اليمن: أن لا آخذ من البقر شيئاً، حتى تبلغ ثلاثين، فإذا بلغت ثلاثين: ففيها عجل تابع، جذع، أو

_ = شاة، وفي ذلك دليل على أن الخلطة [تصح] مع تمييز أعيان الأموال عند من يقول به. (هرمة) الهرمة: الكبيرة الطاعنة في السن. 3513 - الترمذي (3/ 19، 20) 5 - كتاب الزكاة، 5 - باب ما جاء في زكاة البقر، وهو حسن بشواهده. 3514 - الموطأ (1/ 359) 17 - كتاب الزكاة، 12 - باب ما جاء في صدقة البقر، وهو حسن بشواهده. 3515 - الترمذي (3/ 20) 5 - كتاب الزكاة، 5 - باب ما جاء في زكاة البقر. (1) أبو داود (2/ 101) كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة. (2) أبو داود: الموضع السابق ص 102. (3) النسائي (5/ 26) 23 - كتاب الزكاة، باب زكاة البقر، وهو حسن بشواهده، وحسنه الترمذي وغيره. (حالم) الحالم: المحتلم، وهو الذي بلغ مبلغ الرجال برؤية الماء أو السن الشرعي المعين عليه. (عدله) عدل الشيء- بفتح العين-: مثله في القيمة، وبكسرها: مثله في الصورة، والأول هو المراد في الحديث. (معافري): المعافري ثياب تكون باليمن منسوبة إلى معافر، وهو حي من همدان، لا ينصرف في معرفة ولا نكرة، لأنه جاء على مثال ما لا ينصرف من الجمع.

في زكاة الخيل

جذعة، حتى تبلغ أربعين، فإذا بلغت أربعين بقرة: ففيها مسنة". أقول: الأخذ من الحالم ديناراً محمول على أن البالغ وهو الحالم ليس مسلماً فهذا يدفع جزية والحديث نص في تقدير الجزية والظاهر أنها مبلغ قليل فتقدير الجزية متروك إلى رأي الإمام والظاهر من الحديث أن السنة بالنسبة للإمام أن يخفف على الناس. ولذلك وأخذاً من الحديث فقد قدر الفقهاء جزية الفقير باثني عشر درهماً وذلك يقارب ديناراً، وجزية المتوسط بأربعة وعشرين درهماً وجزية الغني بثمانية وأربعين درهماً في السنة. 3516 - *روى أحمد عن معاذ بن جبل قال لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوقاص البقر شيئاً. في زكاة الخيل: 3517 - * روى أبو داود عنعلي بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد عفوت عن الخيل والرقيق، فهاتوا صدقة الرقة: من كل أربعين درهماً: درهم، وليس في تسعين ومائة شيء، فإذا بلغت مائتين، ففيها خمسة دراهم"، وقال أبو داود: وقد جعله بعضهم موقوفاً على علي. وأخرجه النسائي (1)، قال: "قد عفوت عن الخيل والرقيق، فأدوا زكاة أموالكم: من كل مائتين خمسة". وفي أخرى (2) له قال: "قد عفوت عن الخيل والرقيق، وليس فيما دون مائتين زكاة".

_ 3516 - أحمد (5/ 230). (الأوقاص) جمع وقص: وهو العدد ما بين الفريضيين كالزيادة على الخمس في الإبل إلى التسع. فلم يشأ أن يأخذ عليها شيئاً زائداً عن الفريضة. 3517 - أبو داود (2/ 101) كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة. الترمذي (3/ 16) 5 - كتاب الزكاة، 3 - باب ما جاء في زكاة الذهب والورق. (1) النسائي (5/ 37) 23 - كتاب الزكاة، 18 - باب زكاة الورق. (2) النسائي: نفس الموضع السابق، وإسناده حسن، حسنه ابن حجر.

أقول: قال الفقهاء إذا كان الرقيق للتجارة ففيه زكاة عروض التجارة، وكذلك كل مال ليس فيه زكاة، إذا كان للتجارة ففيه الزكاة. 3518 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس على المسلم صدقة في عبده ولا فرسه". وفي رواية (1) قال: "ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر". ولأبي داود (2) أيضاً، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس في الخيل والرقيق زكاة إلا أن زكاة الفطر في الرقيق". وللنسائي (3) أيضاً: "لا زكاة على الرجل المسلم في عبده ولا في فرسه". 3519 - * روى مالك عن سليمان بن يسار أن أهل الشام قالوا لأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه: خذ من خيلنا ورقيقنا صدقة، فأبى، ثم كتب إلى عمر بن الخطاب، فأبى عمر بن الخطاب، ثم كلموه أيضاً، فكتب إلى عمر، فكتب إليه عمر: إن أحبوا فخذها منهم، وارددها عليهم، وارزق رقيقهم. قال مالك: معنى قوله: "وارددها عليهم" يقول: على فقرائهم.

_ = (عفوت) العفو: المحو، ومنه العفو عن الذنب. (الرقيق) اسم يقع على العبيد والإماء. 3518 - البخاري (3/ 327) 24 - كتاب الزكاة، 46 - باب ليس على المسلم في عبده صدقة. مسلم (2/ 676) 12 - كتاب الزكاة، 2 - باب لا زكاة على المسلم في عبده وفرسه. (1) مسلم: نفس الموضع السابق. (2) أبو داود (2/ 108) كتاب الزكاة، باب صدقة الرقيق وهو حسن بشواهد. (3) النسائي (5/ 36) 23 - كتاب الزكاة، باب زكاة الرقيق. 3519 - الموطأ (1/ 277) 17 - كتاب الزكاة، 23 - باب ما جاء في صدقة الرقيق والخيل والعسل. قال الزرقاني في شرح الموطأ: وعورض هذا الحديث بما روى عمر في قصة عبد الرحمن بن أمية إذا ابتاع فرساً بمائة قلوص فقال عمر: إن الخيل لتبلغ هذا عندكم فتأخذ من أربعين شاة شاة، ولا تأخذ من الخيل شيئاً، خذ من كل فرس ديناراً، وإذا تعارض الحديثان سقطا، والحجة في الحديث الثابت "ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة". اهـ.

في صفة ما يؤخذ زكاة

في صفة ما يؤخذ زكاة: 3520 - *روى مالك عن سفيان بن عبد الله (رحمه الله) "أن عمر بن الخطاب بعثه مصدقاً، فكان يعد على الناس بالسخل، فقالوا: أتعد علينا بالسخل ولا تأخذ منه شيئاً؟ فلما قدم على عمر بن الخطاب، ذكر ذلك له، فقال عمر: نعم، تعد عليهم السخلة يحملها الراعي، ولا تأخذها، ولا تأخذ الأكولة، ولا الربى، ولا الماخض، ولا فحل الغنم، وتأخذ الجذعة والثنية، وذلك عدل بين غذاء المال وخياره". 3521 - *روى أحمد عن أبي بن كعب (رضي الله عنه) قال: بعنني رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقاً، فمررت برجل، فلما جمع لي اله لم أجد فيه إلا ابنة مخاض، فقلت له: أد ابنة مخاض، فإنها صدقتك، فقال: ذاك مالا لبن فيها ولا ظهر، ولكن هذه ناقة فتية عظيمة سمينة، فخذها، فقلت له: ما أنا بآخذ ما لم أومر به، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم منك قريب، فإن أحببت أن تأتيه، فتعرض عليه ما عرضت علي فافعل، فإن قبلة منك قبلته، وإن رده عليك رددته، قال: فإني فاعل، فخرج معي، وخرج بالناقة التي عرض علي، حتى قدمنا علي، حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: يا نبي الله أتاني رسولك ليأخذ مني صدقة مالي، وأيم الله، ما قام في مالي رسول الله ولا رسوله قط قبله، فجمعت له مالي، فزعم أن ما علي فيه ابنة مخاض، وذلك مالا لبن فيه ولا ظهر، وقد عرضت عليه ناقة فتية عظيمة ليأخذها، فأبى، وردها علي، وها هي ذه، قد جئتك بها يا رسول الله، خذها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذاك الذي عليك، فإن تطوعت بخير آجرك الله فيه، وقبلناه منك، قال: فها هي ذه، يا رسول الله، قد جئتك بها، فخذها قال: فأمر

_ 3520 - الموطأ (1/ 265) 17 - كتاب الزكاة، 14 - باب ما جاء فيما يعتد به من السخل في الصدقة، وهو حسن بشواهده. (الأكول) والأكولة: الشاة التي هي للأكل. (الربى): هي التي تكون في البيت لأجل اللبن، وقيل: هي الحديثة النتاج. (الماخض): الحامل إذا ضربها الطلق. (غذاء المال) الغذاء: جمع غذي: وهو الحمل، أو الجدي، والمراد: أن لا يأخذ الساعي خيار المال ولا رديئة، وإنما يأخذ الوسط، فيكون ذلك عدلاً بين الكبير والصغير. 3521 - أحمد (5/ 142). أبو داود (2/ 104) كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، وإسناده حسن. (فتية) ناقة فتية: شابة قوية.

رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبضها، ودعا له في ماله بالبركة". 3522 - * روى أبو داود عن عمرو بن شعيب (رحمه الله) عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا جلب ولا جنب في زكاة، ولا تؤخذ زكاتهم إلا في دورهم". قال محمد بن إسحاق: معنى "لا جلب": لا تجلب الصدقات إلى المصدق، و"لا جنب" لا ينزل المصدق بأقصى مواضع أصحاب الصدقة، فتجنب إليه، ولكن تؤخذ من الرجل في موضعه. 3523 - * روى النسائي عن عمران بن حصين (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا جلب ولا جنب، ولا شغار في الإسلام، ومن انتهب نهبة فليس منا". 3524 - * روى الطبراني في الأوسط عن أنس بن مالك قال فرض محمد صلى الله عليه وسلم في أموال المسلمين: في كل أربعين درهماً درهم، وفي أموال أهل الذمة في كل عشرين درهماً درهم، وفي أموال من لا ذمة له في كل عشرة دراهم درهم. 3525 - * روى أبو داود عن معاذ بن جبل (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له- حين بعثه إلى اليمن-: "خذ الحب من الحب، والشاة من الغنم، والبعير من الإبل، والبقر من البقر".

_ 3522 - أبو داود (2/ 107) كتاب الزكاة، باب أين تصدق الأموال، وحسن بشواهده. (لا جلب ولا جنب) الجلب في الصدقة: أن يقدم المصدق فينزل موضعاً، ثم يرسل إلي المياه من يجلب إليه أموال الناس، فيأخذ زكاتها، فنهي عن ذلك، وأمر أن يأخذ زكاتها على مياهها و"الجنب" في السباق، وهو أن يجنب فرساً إلى فرسه الذي يسابق عليه، فإذا فتر المركوب تحول إلى المجنوب- وإن كان في الصدقة: فهو أن يساق إلى مكان بعيد عن أماكنها، كما ذكر في متن الحديث. والجلب يكون أيضاً في السباق، وهو أن يضع من يجلب على الفرس عند السباق ويصيح به ليحتد في الجري، فنهوا عن ذلك. 3523 - النسائي (6/ 111) 26 - كتاب النكاح، 60 - باب الشغار. (شغار) الشغار في النكاح: هو أن يقول الإنسان مثلاً زوجني ابنتك على أن أزوجك بنيتي وذلك دون مهر لكل من المرأتين. 3524 - مجمع الزوائد (3/ 70) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات إلا أنه قال تفرد به ربيح، ورواه جماعة ثقات فوقفوه على عمر بن الخطاب. 3525 - أبو داود (2/ 109) كتاب الزكاة، 11 - باب صدقة الزرع، وهو حديث حسن.

في زكاة الزروع والثمار

أقول: حمل هذا النص عند من يقولون بجواز أخذ القيمة على أن المراد به التسهيل وليس المراد به الأخذ من العين حتماً. 3526 - *روى ابن خزيمة عن وائل بن حجر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بعث إلى رجل، فبعث إليه بفصيل مخلول، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جاء مصدق الله ومصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث بفصيل مخلول، اللهم لا تبارك له فيه ولا في إبله"، فبلغ ذلك الرجل ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث إليه بناقة من حسنها وجمالها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم بارك فيه وفي إبله". وقال أبو موسى: ذهب مصدق الله ومصدق رسوله إلى فلان فجاء بفصيل مخلول. في زكاة الزروع والثمار: 3527 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فيما سقت الأنهار والغيم: العشور، وفيما سقي بالسانية: نصف العشور". وعند أبي داود: بدل "الغيم": "العيون" وقال: "بالسواني". وعند النسائي: "فيما سقت السماء والأنهار والعيون". 3528 - * روى البخاري عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فيما سقت السماء والعيون، أو كان عثرياً: العشر، وما سقي بالنضح نصف العشر".

_ 3526 - ابن خزيمة (4/ 22) 295 - باب إباحة دعاء الإمام على مخرج مسن ماشيته في الصدقة .. إلخ، وإسناده صحيح. (فصيل مخلول) أي فصيل مهزول. 3527 - مسلم (2/ 675) 12 - كتاب الزكاة، 1 - باب ما فيه العشر أو نصف العشر. أبو داود (2/ 108) كتاب الزكاة، 11 - باب صدقة الزرع. النسائي (5/ 42) 23 - كتاب الزكاة، 25 - باب ما يوجب العشر وما يوجب نصف العشر. (بالسانية) السانية: الناضح يستقى عليه، سواء كان من الإبل أو البقر، وسنا يسنو: إذا استقى. 3528 - البخاري (3/ 247) 24 - كتاب الزكاة، 55 - باب العشر فيما يسقى من ماء السماء وبالماء الجاري. الترمذي (3/ 31) 5 - كتاب الزكاة، 14 - باب ما جاء في الصدقة فيما يسقى بالأنهار وغيره.

وقد روى موقوفاً على ابن عمر. وروي عن ابن عمر [عن عمر] موقوفاً عليه. وفي رواية (1) أبي داود والنسائي، قال: "فيما سقت السماء والأنهار والعيون، أو كان بعلاً: العشر، وما سقي بالسواني، أو النضح: نصف العشر". قال أبو داود: البعل: ما شرب بعروقه، ولم يتعن في سقيه. قال: وقال وكيع: هو الذي ينبت من ماء السماء. والحديثان يدلان على أنه يجب العشر فيما سقي بماء السماء والأنهار ونحوهما مما ليس فيه مؤونة كثيرة، ونصف العشر فيما سقي بالنواضح ونحوها، مما فيه مؤونة كثيرة. قال النووي: وهذا متفق عليه. 3529 - * روى مالك عن سليمان بن يسار، وبسر بن سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فيما سقت السماء والعيون والبعل: العشر، وفيما سقي بالنضح: نصف العشر". وأخرجه (2) الترمذي عنهما عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأسقط ذكر البعل، وقال أيضاً: وقد روي مرسلاً عنهما. 3530 - * روى النسائي عن معاذ بن جبل (رضي الله عنه) قال: "بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فأمرني أن آخذ مما سقت السماء: العشر، ومما سقي بالدوالي نصف العشر".

_ (1) أبو داود (2/ 108) كتاب الزكاة، 11 - باب ما يوجب العشر وما يوجب نصف العشر. النسائي (5/ 41) 23 - كتاب الزكاة، 25 - باب ما يوجب العشر وما يوجب نصف العشر. 3529 - الموطأ (1/ 270) 17 - كتاب الزكاة، 19 - باب زكاة ما يخرص من ثمار النخيل والأعناب، وهو حديث حسن بشواهده. (2) الترمذي (3/ 31) 5 - كتاب الزكاة، 14 - باب ما جاء في الصدقة فيما يسقى بالأنهار وغيره قال الترمذي وقد روي مرسلاً عنهما وهو حديث حسن. 3530 - النسائي (5/ 42) 23 - كتاب الزكاة، 25 - باب ما يوجب العشر وما يوجب نصف العشر، وهو حديث حسن. (الدوالي): جمع دلو وهي التي يستقى بها الماء من البئر.

3531 - * روى أبو داود عنعتاب بن أسيد (رضي الله عنه) قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرص العنب كما نخرص النخل، ونأخذ زكاته زبيباً، كما نأخذ صدقة النخل تمراً". وأخرجه (1) النسائي أيضاً، عن ابن المسيب مرسلاً "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عتاب بن أسيد". وللترمذي (2) أيضاً، قال: "إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث على الناس من يخرص عليهم كرومهم وثمارهم". 3532 - * روى الترمذي عن سهل بن أبي حثمة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "إذا خرصتم فخذوا، ودعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث، فدعوا الربع". وعند أبي داود (3) والنسائي قال: جاء سهل بن أبي حثمة إلى مجلسنا، فقال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "إذا خرصتم فخذوا، ودعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع". وقال النسائي: "فإن لم تأخذوا، أو تدعوا - شك شعبة- فدعوا الربع". قال الترمذي: "والخرص: إذا أدركت الثمار من الرطب والعنب مما فيه الزكاة بعث السلطان خارصاً فخرص عليهم، والخرص: أن ينظر من يبصر ذلك فيقول: يخرج من

_ 3531 - أبو داود (2/ 110) كتاب الزكاة، باب في خرص العنب. الترمذي (3/ 36) 5 - كتاب الزكاة، 17 - باب ما جاء في الخرص. (1) النسائي (5/ 109) 23 - كتاب الزكاة، 100 - باب شراء الصدقة. (2) الترمذي نفس الموضع السابق، وقال الترمذي: حسن غريب وقال أبو حاتم: الصحيح أنه مرسل. (تخرص) الخرص: ال حزر. 3532 - الترمذي (3/ 35) 5 - كتاب الزكاة، 17 - باب ما جاء في الخرص. ابن خزيمة (4/ 42) 322 - باب السنة في قدر ما يؤمر الخارص بتركه من الثمار فلا يخرصه على صاحب المال .. إلخ. (3) أبو داود (2/ 110) كتاب الزكاة، 14 - باب في الخرص. النسائي (5/ 42) 23 - كتاب الزكاة، 26 - كم يترك الخارص.

هذا، من الزبيب كذا، ومن الثمر كذا، فيحصي عليهم، وينظر مبلغ العشر من ذلك، فيثبت عليهم، ثم يخلى بينهم وبين الثمار، فيصنعون ما أحبوا وإذا أدركت الثمار أخذ منهم العشر. وقال أبو داود: الخارص يدع الثلث للحرفة. وكذا قال يحيى القطان. قال الحاكم: وله شاهد بإسناد متفق على صحته أن عمر بن الخطاب أمر به. ا. هـ. قال الحافظ: ومن شواهده ما رواه ابن عبد البر من طريق ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر مرفوعاً: خفضوا في الخرص، فإن في المال العرية والواطئة والآكلة .. الحديث، وقال الترمذي: والعمل على حديث سهل بن أبي حثمة عند أكثر أهل العلم في الخرص، وبحديث سهل بن أبي حثمة يقول إسحاق وأحمد. (دعوا الثلث والربع) قال الخطابي: قد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يترك لهم من عرض المال توسعة عليهم، لأنه إن أخذ الحق منهم مستوف أضر بهم، لأنه قد يكون منها الساقطة والهالكة، وما يأكله الطير والناس، فيترك لهم الربع أو الثلث توسعة عليهم، وكان عمر يأمر الخراص بذلك، وقال بعض الناس: لا نترك لهم شيئاً شائعاً في جملة النخل، بل نفرد لهم نخلات معدودة، قد علم مقدار ثمرها بالخرص. 3533 - *روى ابن خزيمة عن عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يبعث ابن رواحة فيخرص النخل حين يطيب أول الثمر قبل أن تؤكل، ثم يخير اليهود بأن يأخذوها بذلك الخرص أم يدفعه اليهود بذلك، وإنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالخرص لكي تحصى الزكاة قبل أن تؤكل الثمرة وتفرق. أقول: لم يكن ما يؤخذ من اليهود زكاة وإنما هو الخراج، وقد ذكر الحديث هنا لبيان أن الخرص في الزرع والثمار أصل معتمد في الشريعة. 3534 - * روى أبو داود عن جابر عن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: "أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم خيبر، فأقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كانوا، وجعلها بينه وبينهم، فبعث عبد الله ابن رواحة، فخرصها عليهم".

_ 3533 - ابن خزيمة (4/ 41) وإسناده صحيح. 3534 - أبو داود (3/ 264) كتاب البيوع، 34 - باب في الخرص.

وفي رواية (1)، قال: "خرص ابن رواحة نخل خيبر أربعين ألف وسق، وزعم أن اليهود لما خيرهم ابن رواحة أخذوا الثمر، وعليهم عشرون ألف وسق". 3535 - *روى مالك عن سليمان بن يسار: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث عبد الله ابن رواحة رضي الله عنه إلى خيبر، فيخرص بينه وبين يهود خيبر قال: فجمعوا له حلياً من حلي نسائهم، فقالوا: هذا لك، وخفف عنا وتجاوز في القسم، فقال عبد الله: يا معشر يهود والله إنكم لمن أبغض خلق الله إلي، وما ذلك بحاملي على أن أحيف عليكم، فأما ما عرضتم من الرشوة فإنها سحت، وإنا لا نأكلها، فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض". 3536 - * روى الطبراني عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: إنما خرص ابن رواحة على أهل خيبر عاماً واحداً فأصيب يوم مؤتة، ثم إن جبار بن صخر بعثه صلى الله عليه وسلم فخرص عليهم. 3537 - * روى مالك عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) أن عمر بن الخطاب كان يأخذ من النبط من الحنطة والزبيب نصف العشر، يريد بذلك: أن يكثر الحمل إلى المدينة، ويأخذ من القطنية العشر. أقول: هذا النص يدل على أن منا يؤخذ من ضرائب على ما يستورد منوط باجتهاد الدولة.

_ (1) أبو داود، الموضع السابق، وهو حديث حسن. 3535 - الموطأ (2/ 703) 33 - كتاب المساقاة، 1 - باب ما جاء في المسافاة، وهو حديث حسن. (حيف) الحيف: الظلم. (الرشوة): البرطيل. (سحت) السحت: الحرام. 3536 - مجمع الزوائد (3/ 76) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وهو مرسل وإسناده صحيح. 3537 - الموطأ (1/ 281) 17 - كتاب الزكاة، 25 - باب عشور أهل الذمة، وإسناده صحيح. (القطنية) بالكسر: واحدة القطاني كالعدس وشبهه.

3538 - * روى مالك عن السائب عن يزيد (رحمه الله) قال: كنت غلاماً عاملاً مع عبد الله بن عتبة بن مسعود في زمن عمر بن الخطاب، فكنا نأخذ من النبط العشر، وقال مالك: سألت ابن شهاب: على أي وجه كان يأخذ عمر من النبط العشر؟ فقال: كان ذلك يؤخذ منهم في الجاهلية، فألزمهم ذلك عمر. 3539 - * روى أبو داود عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف (رحمه الله) عن أبيه، قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجعرور، ولون الحبيق: أن يؤخذا في الصدقة" وقال أبو داود: قال الزهري: هما لونان من تمر المدينة. وفي رواية (1) النسائي، عن سهل بن حنيف في الآية التي قال الله عز وجل: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] قال: "هو الجعرور ولون حبيق، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تؤخذ في الصدقة الرذالة". - زكاة العسل: 3540 - * روى أبو داود عنعمرو بن شعيب (رحمه الله) عن أبيه عن جده قال: "جاء هلال- أحد بني متعان- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشور نحل له، فسأله أن يحمي له وادي سلبة، فحمى له رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الوادي، فلما ولي عمر بن الخطاب كتب سفيان بن وهب إلى عمر بن الخطاب يسأله عن ذلك؟ فكتب إليه عمر: إن أدى إليك ما كان يؤديه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عشور نحله، فاحم له سلبة، وإلا فإنما هو ذباب غيث، يأكله من شاء".

_ 3538 - الموطأ (1/ 281) 17 - كتاب الزكاة، 25 - باب عشور أهل الذمة وإسناده صحيح. (النبط) محركة: جيل ينزلون بالبطائح بين العراقين، كالنبيط والأنباط م وهو نبطي: محركة أو نباطي مثلثة، ونباط: كثمان، وتنبط: تشبه بهم، أو انتسب إليهم. 3539 - أبو داود (2/ 110، 111) كتاب الزكاة، باب ما لا يجوز من الثمرة في الصدقة. (1) النسائي (5/ 43) 23 - كتاب الزكاة، 27 - باب في قوله عز وجل (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) وإسناده حسن. (تيمموا الخبيث) التيمم: القصد إلى الشيء، والخبيث: الحرام، والرديء من المال. 3540 - أبو داود (2/ 109) كتاب الزكاة، باب زكاة العسل. النسائي (5/ 46) 23 - كتاب الزكاة، 29 - باب زكاة النحل. ابن خزيمة (4/ 45) كتاب الزكاة، 326 - باب ذكر صدقة العسل.

في زكاة الحلي

وفي رواية (1): "أن شبابة بطن من فهم ... فذكر نحوه". وفيه: قال "من كل عشر قرب قربة". وقال سفيان بن عبد الله الثقفي: قال: "وكان يحمي لهم واديين". زاد: "فأدوا إليه ما كانوا يؤدون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحمى لهم وادييهم". ذهب مالك والشافعي إلى أنه لا زكاة في العسل وذهب أبو حنيفة وأحمد إلى وجب الزكاة في العسل واشترط أبو حنيفة ألا يكون العسل في أرض خراجية لئلا يجتمع فيه حقان، واستدلوا بهذا النص وبآثار أخرى، وأما مقدار الواجب فيه فهو العشر، وقد رجح القرضاوي وجوب الزكاة في العسل. انظر (فقه الزكاة 1/ 426). في زكاة الحلي: 3541 - *روى مالك عن السائب بن يزيد (رحمه الله) أن عثمان بن عفان كان يقول: "هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دين فليؤد دينه، حتى تحصل أموالكم، فتؤدون منها الزكاة". أقول: إنما تجب الزكاة إذا حال الحول على أصل النصاب أياً كان الوقت، واستحب الناس أن تدفع الزكاة في رمضان لما فيه من مضاعفة الأجر، وذلك جائز لكن لا بد من أن يلاحظ كل إنسان حوله فتكون التصفية النهائية كلما حال الحول.

_ = (1) أبو داود، الموضع السابق، وإسناده صحيح. (سلبة) واد، كما قد ذكر في الحديث، قال الخطابي معنى "حماية الوادي له": أن النخل إنما ترعى أنوار النبات وما أخضر منها ونعم، فإذا حميت مراعيها أقامت فيها ورعت وعسلت في الخلايا، فكثرت منافع أصحابها، وإذا شوركت في تلك المراعي بترك الحماية، احتاجت أن تبعد في طلب المرعى، وتمعن فيه، فيون زيعها أقل، وقيل: هو أن يحمي لهم الوادي الذي تعسل فيه، فلا يترك أحداً يعرض للعسل، فيشتاره، لأن سبيل العسل سبيل المياه والمعادن والصيود، ليس لأحد عليها ملك، وإنما يملك باليد لمن سبق إليه، فإذا حمي له الوادي ومنع الناس منه حتى يأخذه قوم مخصوصون، وجب عليهم إخراج العشر منه، عند من أوجب فيه العشر. قال: ويدل عل صحة القول، قوله: "فإنما هو ذباب غيث يأكله من شاء"، ومعناه: أن النخل إنما يتتبع الغيث، وحيث يكثر المراعي، وذلك شأن الذباب، لأنها تألف الغياض والمكان المعشب. 3541 - الموطأ (1/ 253) 17 - كتاب الزكاة، 8 - باب الزكاة في الدين، وإسناده صحيح.

3542 - * روى أبو داود عن عمرو بن شعيب (رحمه الله) عن أبيه عن جده: "أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعها ابنة لها، وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب، فقال لها: أتعطين زكاة هذا؟ قالت: لا. قال: "أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ قال: فخلعتهما فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقالت: هما لله ولرسوله". وأخرجه النسائي (1)، وقال فيه: "إن امرأة من أهل اليمن أتت النبي صلى الله عليه وسلم ... وذكر الحديث". وله في أخرى (2) عن عمرو بن شعيب مرسلاً، ولم يذكر فيه "من اليمن". وأخرج الترمذي (3) هذا المعنى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: "إن امرأتين أتتا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي أيديهما سواران من ذهب. فقال لهما: أتؤديان زكاته؟ قالتا: لا، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتحبان أن يسوركما الله بسوارين من نار؟ قالتا: لا، قال: فأديا زكاته". أقول: في هذا النص دليل للحنفية في أن زينة المرأة من الذهب والفضة فيها الزكاة، ومن لم يذهب إلى ذلك من الفقهاء فإن الحديث لم يصح عنده. 3543 - *روى أحمد عن أسماء بنت يزيد قالت: دخلت أنا وخالتي على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها أسورة من ذهب فقال لنا: أتعطيان زكاته فقلنا لا: قال: أما تخافان أن يسوركما الله أسورة من نار، أديا زكاته".

_ 3542 - أبو داود (2/ 95) كتاب الزكاة، باب الكنز ما هو؟ وزكاة الحلي. (1) النسائي (5/ 38) 23 - كتاب الزكاة، باب زكاة الحلي. (2) النسائي: الموضع السابق. (3) الترمذي (3/ 29) 5 - كتاب الزكاة، 12 - باب ما جاء في زكاة الحلي. قال محقق الجامع: وإسناده عند أبي داود والنسائي حسن، وهو حديث صحيح، وقول الترمذي رحمه الله: "ولا يصح في هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء" غير صحيح، لأنه صح عند غيره، كأبي داود والنسائي وغيرهما. (مسكتان) المسكة بتحريك السين-: واحدة المسك، وهي أسورة من ذبل أو عاج، فإذا كانت من غير ذلك، أضيفت إلى ما هي منه، فيقال: من ذهب، أو فضة، أو غيرهما. 3543 - أحمد (6/ 461) وإسناده حسن.

3544 - * روى أبو داود عنعبد الله بن شداد بن الهاد (رضي الله عنه) قال: "دخلنا على عائشة- زوج النبي صلى الله عليه وسلم- فقالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى في يدي فتخات من ورق فقال: ما هذا يا عائشة؟ فقلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله؟ قال أتؤدين زكاتهن؟ قلت: لا، أو ما شاء الله، قال: هو حسبك من النار". 3545 - *روى مالك عن القاسم بن محمد (رحمه الله) "أن عائشة كانت تلي بنات أخيها محمد، يتامى في حجرها، ولهن الحلي، فلا تزكيه". أقول: هذا النص يحتمل أنها كانت لا تزكيه لأنهن صغيرات وبذلك أخذ الحنفية، ويحتمل أنه لا تزكيه لأنه زينة للمرأة فهو كالثياب وبذلك أخذ الشافعية. 3546 - * روى مالك عن نافع- مولى عبد الله بن عمر أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يحلي بناته وجواريه الذهب، ثم لا يخرج من حليهن الزكاة". 3547 - * روى الطبراني في الصغير عن ابن عمر قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بقطعة من ذهب كانت أول صدقة جاءته من معدن لنا فقال: إنها ستكون معادن وسيكون فيها شر الخلق.

_ 3544 - أبو داود (2/ 95، 96) كتاب الزكاة، باب الكنز ما هو؟ وزكاة الحلي، ورواه أيضاً الدارقطني والحاكم والبيهقي، وإسناده على شرط الصحيح، كما في تلخيص الحبير للحافظ ابن حجر. (فتخات) الفتخات: جمع فتخة، وهي حلقة لا فص لها، تجعلها المرأة في أصابع رجلها، وربما وضعتها في يديها. 3545 - الموطأ (1/ 250) 17 - كتاب الزكاة، 5 - باب ما لا زكاة فيه من الحلي والتبر والعنبر. قال محقق الجامع: وإسناده صحيح، وبه قال مالك ومن تبعه، وهو قول بعض الصحابة والتابعين لهذه الآثار. 3546 - الموطأ: الموضع السابق. 3547 - الطبراني (المعجم الصغير) (1/ 261). مجمع الزوائد (3/ 78) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الصغير والأوسط ورجاله رجال الصحيح.

في الركاز

في الركاز: 3548 - *روى مالك عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "في الركاز الخمس". وفي رواية (1)، قال: "العجماء جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس". قال مالك: الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا، والذي سمعت أهل العلم يقولون: إن الركاز إنما هو دفن يوجد من دفن الجاهلية، ما لم يطلب بمال ولم يتكلف فيه نفقة، ولا كبير عمل ولا مؤونة، فأما ما طلب بمال، وتكلف فيه كبير عمل فأصيب مرة، وأخطئ مرة: فليس بركاز. 3549 - * روى أحمد عن الحسن قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المعدن جبار والبئر جبار وفي الركاز الخمس".

_ 3548 - الموطأ (1/ 249) 17 - كتاب الزكاة، 4 - باب زكاة الركاز. أبو داود (3/ 181) كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب ما جاء في الركاز. (1) البخاري (3/ 364) 24 - كتاب الزكاة، 66 - باب في الركاز الخمس. مسلم (3/ 1334) 29 - كتاب الحدود، 11 - باب جرح العجماء والمعدن والبئر جبار. الترمذي (3/ 661) 13 - كتاب الأحكام، 37 - باب ما جاء في العجماء جرحها جبار. ابن ماجه (2/ 891) 21 - كتاب الديات، 27 - باب الجبار. الموطأ (2/ 869) 43 - كتاب العقول، 18 - باب جامع العقل. أبو داود (4/ 196) كتاب الديات، 30 - باب العجماء والمعدن والبئر حيار. (الركاز) عند أهل الحجاز: كنز الجاهلية ودفنها، لأن صاحبه ركزه في الأرض أي أثبته وهو عند أهل العراق المعدن لأن الله تعالى ركزه في الأرض ركزاً، والحديث إنما جاء في التفسير الأول منهما، وهو الكنز الجاهلي، [على] ما فسره الحسن، وإنما كان فيه الخمس لكثرة نفعه وسهولة أخذه، والأصل فيه: أن ما خفت كلفته كثر الواجب فيه، وما ثقلت كلفته قل الواجب فيه. (العجماء جبار) العجماء: البهيمة والجبار: الهدر، وكذلك المعدن والبئر إذا هلك الأجير فيهما، فدمه هدر لا يطالب به. 3549 - أحمد (2/ 239، 382، 386، 354).

إخراج القيمة في الزكاة

3550 - *روى أحمد عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "السائبة جبار والجب جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس" قال الشعبي: الركاز الكنز العادي. أقول: قد يراد بالركاز دفن الجاهلية فهذا فيه الخمس، وهذا ينطبق على ما يستخرج بالحفريات من ذهب أو فضة وقد يراد بالركاز ما ركز في باطن الأرض من المعادن، وقد ذهب الحنابلة إلى أن ما ركز في الأرض من سائل أو منطبع فيه الزكاة، إن استخرجه مسلم، وذلك أرفق بالفقراء. 3551 - * روى البخاري عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: "ليس العنبر بركاز، إنما هو شيء دسره البحر". إخراج القيمة في الزكاة: 3552 - * روى البخاري عن طاوس قال: قال معاذ لأهل اليمن: "ائتوني بعرض: ثياب خميص، أو لبيس في الصدقة، مكان الشعير والذرة، أهون عليكم، وخير لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة". قال محقق الجامع: قال الحافظ في (الفتح 3/ 247) هذا التعليق صحيح الإسناد إلى طاوس، لكن طاوس لم يسمع من معاذ، فهو منقطع، فلا يغتر بقول من قال: ذكره البخاري بالتعليق الجازم، فهو صحيح عنده، لأن ذلك لا يفيد إلا الصحة إلى من علق عنه، وأما باقي الإسناد: فلا، إلا أن إيراده له في معرض الاحتجاج به يقتضي قوته عنده، وكأنه عضده عنده الأحاديث التي ذكرها في الباب، وقد روينا أثر طاوس المذكور في كتاب الخراج ليحيى بن آدم من رواية ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة، وعمرو بن

_ 3550 - أحمد (3/ 354، 335). كشف الأستار (1/ 423) باب ما جاء في الركاز. مجمع الزوائد (3/ 77) وقال الهيثمي: رواه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط، ورجاله موثقون. 3551 - البخاري (2/ 362) 24 - كتاب الزكاة، 65 - باب ما يستخرج من البحر، وقد أخرجه البخاري تعليقاً وهو موصول صحيح إلى ابن عباس عند ابن أبي شيبة. (دسره) الدسر: الدفع، يعني: أن البحر ألقاه إلى الساحل. 3552 - البخاري (3/ 311) 24 - كتاب الزكاة، 33 - باب العرض في الزكاة.

زكاة عروض التجارة

دينار، فرفعهما كلاهما عن طاوس به، ثم قال: وقوله: "في الصدقة" يرد قول من قال: إن ذلك كان في الخراج، وحكى البيهقي أن بعضهم قال فيه: "من الجزية" بدل "الصدقة" فإن ثبت ذلك سقط الاستدلال، لكن المشهور الأول، وقد رواه ابن أبي شيبة عن وكيع عن الثوري عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس: "أن معاذاً كان يأخذ العروض في الصدقة" وانظر الفتح. 3553 - * روى الطبراني عن أبي موسى ومعاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثهما إلى اليمن فأمرهما أن يعلما الناس أمر دينهم وقال: لا تأخذا الصدقة إلا من هذه الأربعة: الشعير والحنطة والزبيب والتمر". 3554 - * روى أبو داود عن سعيد بن أبيض (رحمه الله) عن أبيه أبيض بن حمال: "أنه كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصدقة- حين وفد عليه- أن لا يأخذها من أهل سبأ؟ فقال: يا أخا سبأ، لابد من صدقة، فقال: يا رسول الله، إنما زرعنا القطن، وقد تبددت سبأ، ولم يبق منهم إلا قليل بمأرب، فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبعين حلة من قيمة وفاء بز المعافر كل سنة، عمن بقي من سبأ بمأرب، فلم يزالوا يؤدونها حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إن العمال انتقضوا عليهم بعد ما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما صالح أبيض ابن حمال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلل السبعين، فرد ذلك أبو بكر على ما وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى مات أبو بكر، فلما مات أبو بكر رضي الله عنه انتقض ذلك، وصارت على الصدقة". زكاة عروض التجارة: 3555 - * روى أبو داود عن سمرة بن جندب (رضي الله عنه) قال: "أما بعد، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا: أن نخرج الصدقة من الذي نعد للبيع". قال محقق الجامع: في الباب أحاديث مرفوعة وموقوفة استدل بمجموعها جمهور العلماء

_ 3553 - مجمع الزوائد (3/ 75) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. 3554 - أبو داود (3/ 164) كتاب الخراج، باب ما جاء في حكم أرض اليمن، وهو حديث حسن على مذهب ابن حبان. 3555 - أبو داود (2/ 95) كتاب الزكاة، باب العروض إذا كانت للتجارة، وهو حسن بشواهده.

على وجوب الزكاة في عروض التجارة، فمن المرفوعة، ما رواه الدارقطني في سننه صفحة (203) والحاكم في مستدركه (1/ 388)، والبيهقي في سننه (4/ 147) من حديث أبي ذر رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "في الإبل صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي البز صدقته" والبز، قال النووي في "تهذيب الأسماء واللغات" هو بالباء والزاي، وهي الثياب التي هي أمتعة البزاز، قال: ومن الناس من صحفه بضم الباء وبالراء المهملة، وهو غلط. اهـ. ولهذا الحديث طرق لا تخلو من ضعف. وأما الآثار، فمنها ما رواه مالك في الموطأ (1/ 255) باب زكاة العروض، عن يحيى بن سعيد عن زريق بن حيان، وكان على جواز مصر في زمان الوليد، وسليمان، وعمر بن عبد العزيز، فذكر أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كتب إليه: أن انظر من مر بك من المسلمين فخذ مما ظهر من أموالهم مما يديرون من التجارة، من كل أربعين، ديناراً فما نقص فبحساب ذلك حتى يبلغ عشرين ديناراً، فإن نقصت ثلث دينار فدعها ولا تأخذ منها شيئاً، ومن مر بك من أهل الذمة، فخذ مما يديرون من التجارة من كل عشرين ديناراً ديناراً، فما نقص فبحساب ذلك حتى يبلغ عشرة دنانير، فإن نقصت ثلث دينار فدعها، ولا تأخذ منها شيئاً، واكتب لهم بما تأخذ منهم كتاباً إلى مثله من الحول، وإسناده حسن. وروى أحمد وعبد الرزاق، والدارقطني والشافعي عن أبي عمرو حماس عن أبيه أنه قال: كنت أبيع الأدم والجعاب (1)، فمر بي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: أد صدقة مالك، فقلت: يا أمير المؤمنين، إنما هو في الأدم، قال: قومه ثم أخرج صدقته، وفيه ضعف، وروى عبد الرزاق في مصنفه قال: أخبرنا ابن جريج، أخبرني موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول: في كل مال يدار في عبيد أو دواب، أو بز للتجارة، تدار الزكاة فيه كل عام، وأخرج عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، والقاسم، قالوا في العروض: تدار الزكاة كل عام، لا تؤخذ منها الزكاة حتى يأتي ذلك الشهر عام قابل. وقد أخرج الشافعي في (الأم 2/ 29) بسند صحيح عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي

_ * (الجعاب): جمع جعبة: وهي الكنانة التي تجعل فيها السهام.

الله عنهما أنه قال: ليس في العروض زكاة إلا أن يراد به التجارة، ورواه البيهقي في السنن (4/ 147) وقال: وهذا قول عامة أهل العلم. قال محقق الجامع: وقد استدل بعض العلماء بقوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ ..} الآية [البقرة: 268] على زكاة عروض التجارة، فقال البخاري في صحيحه (3/ 243) في الزكاة، باب صدقة الكسب والتجارة، لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ ..} الآية. وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: هكذا أورد هذه الترجمة مقتصراً على الآية بغير حديث، وكأنه أشار إلى ما رواه شعبة عن الحكم عن مجاهد في هذه الآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} قال: من التجارة الحلال، أخرجه الطري وابن أبي حاتم من طريق آدم عنه، وأخرجه الطبري من طريق هشيم عن شعبة، ولفظه {مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} قال: من التجارة: {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} قال: من الثمار. وقال الصنعاني في "سبل السلام" واستدل لوجوب الزكاة في مال التجارة بقوله تعالى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} قال: التجارة، وقال الطبري في تفسير الآية: يعني جل ثناؤه: زكوا من طيب ما كسبتم بتصرفكم، إما بتجارة، وإما بصناعته من الذهب والفضة. وقال النووي في (المجموع 6/ 47)، باب زكاة التجارة: والصواب الجزم بالوجوب به قال جماهير العلماء من الصحابة والتابعين والفقهاء بعدهم أجمعين، وذكر عن ابن المنذر أنه قال: رويناه عن عمر بن الخطاب، وابن عباس، والفقهاء السبعة، والحسن البصري، وطاوس، وجابر بن زيد، وميمون بن مهران، والنخعي، ومالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، والنعمان وأصحابه، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وأبي عبيد. وقال السيوطي الرحيباني في (مطالب أولي النهي 2/ 96، 97) طبع المكتب الإسلامي بدمشق: ووجوب الزكاة في عروض التجارة قول عامة أهل العلم، روي عن عمر، وابنه، وابن عباس، ودليله قوله تعالى: (وفي أموالهم حق معلوم) وقوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} ومال التجارة أعظم الأموال، فكان أولى بالدخول، ولحديث أبي

ذر مرفوعاً "وفي البز صدقته" .. قال: واحتج أحمد بقول عمر لحماس: أد زكاة مالك، فقال: مالي إلا جعاب وأدم، فقال: قومها وأد زكاتها، قال: ولأنه مال نام، فوجبت فيه الزكاة كالسائمة. وقال صاحب "المنار" العلامة الشيخ محمد رشيد رضا: جمهور علماء الملة يقولون بوجوب زكاة عروض التجارة وليس فيها نص قطعي من الكتاب والسنة، وإنما ورد فيها روايات يقوي بعضها بعضاً، مع الاعتبار المستند إلى النصوص، وهو أن عروض التجارة المتداولة للاستغلال نقود لا فرق بينها وبين الدراهم والدنانير التي هي أثمانها، إلا في كون النصاب يتقلب ويتردد بين الثمن وهو النقد، والمثمن وهو العروض، فلو لم تجب الزكاة في التجارة، لأمكن لجميع الأغنياء أو أكثرهم أن يتجروا بنقودهم ويتحروا أن لا يحول الحول على نصاب من النقدين أبداً، وبذلك تبطل الزكاة فيهما عندهم، ورأس الاعتبار في المسألة أن الله تعالى فرض في أموال الأغنياء صدقة لمواساة الفقراء ومن في معناهم، وإقامة المصالح العامة، وأن الفائدة في ذلك للأغنياء تطهير أنفسهم من رذيلة البخل، وتزكيتها بفضائل الرحمة بالفقراء وسائر أصناف المستحقين، ومساعدة الدولة والأمة في إقامة المصالح العامة، والفائدة للفقراء وغيرهم إعانتهم على نوائب الدهر، مع ما في ذلك من سد ذريعة المفاسد في تضخم الأموال، وحصرها في أناس معدودين، وهو المشار إليه بقوله تعالى في حكمة قسمة الفيء: (كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم) فهل يعقل أن يخرج من هذه المقاصد الشرعية كلها التجار الذين ربما تكون معظم ثروة الأمة في أيديهم؟ وقال الشيخ محمود شلتوت في كتابه "الفتاوى" صفحة (121): وأما عروض التجارة، فالرأي الذي يجب التعويل عليه- وهو رأي جماهير العلماء من سلف الأمة وخلفها- أنه تجب فيها الزكاة متى بلغت قيمتها في آخر الحول نصاباً نقدياً، ومعنى هذا أن التاجر المؤمن يجب عليه في آخر كل عام أن يجرد بضائعه جميعاً، ويقدر قيمتها، ويخرج زكاتها متى بلغت نصاباً، مع ملاحظة أنه لا يدخل في التقدير المحل الذي تدار فيه التجارة، ولا أثاثه الثابت، قال: وعروض التجارة في واقعها أموال متداولة بقصد الاستغلال، فلو لم تجب الزكاة في الأعيان التجارية- والأموال عند كثير من الأمم الإسلامية مصدرها الزراعة

والتجارة- لترك نصف مال الأغنياء دون زكاة، ولاحتال أرباب النصف الآخر على أن يتجروا بأموالهم، وبذلك تضيع الزكاة جملة، وتفوت حكمة الشارع الحكيم من تشريعها وجعلها ركناً من أركان الدين. أقول: إن ما سنه الخلفاء الراشدون والسلاطين العدول الراشدون سوابق يستأنس بها ومن هؤلاء عمر بن عبد العزيز، وما سنه عمر بأن يتساهل فيما قل ثمنه مما يحمله المسافرون فلا يؤخذ منه شيء: أصل يمكن أن يقاس عليه.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد المال المدفون في الصحراء إذا خفي على المالك مكانه لا تجب فيه الزكاة عند الحنفية، فإن كان مدفوناً في البيت تجب فيه الزكاة بالإجماع. يجب تقدير نصاب الزكاة في كل زمان بحسب القوة الشرائية للنقد المعاصر وبحسب سعر الصرف لكل من الذهب والفضة في كل سنة وفي بلد المزكي وقت إخراج الزكاة، فقد أصبح متقلباً غير ثابت دائماً، والشرع حدد مبلغين متعادلين: إما عشرون ديناراً (مثقالاً) أو مائتا درهم، وكانا شيئاً واحداً ولهما سعر واحد. ما زاد على النصاب فلا شيء فيها عند أبي حنيفة حتى تبلغ أربعين درهماً فيكون فيها درهم، وقال الصاحبان وجمهور الفقهاء: ما زاد على المائتين فزكاته بحسابه وإن قلت الزيادة. لا تجب الزكاة على الأوراق النقدية إلا ببلوغها النصاب الشرعي بأن تكون تعدل عشرين مثقالاً ذهباً أو مائتي درهم فضة. وبحولان الحول، وبالفراغ من الدين وزاد الحنفية وبأن يكون النصاب فاضلاً عن الحاجات الأصلية لمالكه من نفقة وكسوة وأجرة سكن وآلة حرب. اختلف الفقهاء في حكم زكاة العسل على رأيين: فقال الحنفية والحنابلة: فيه العشر، وقال الحنابلة: نصاب العسل عشرة أفراق، وقال المالكية والشافعية لا زكاة في العسل. لا زكاة في الزيتون عند الشافعية في الجديد، وفيه الزكاة عند أبي حنيفة والمالكية والحنابلة، ونصابه عند المالكية والحنابلة خمسة أوسق. قال الحنفية: إذا باع الزرع قبل إدراكه وجبت الزكاة على المشتري، وقال الشافعية: تجب الزكاة على مالك الزرع عند الوجوب. قال الحنفية وغيرهم: تسقط زكاة النبات بعد الوجوب بهلاك الخارج من غير صنع المالك، وتسقط الزكاة عند الحنفية خلافاً لغيرهم بالردة.

لا شيء من الزكاة في البغال والحمير إجماعاً إلا أن تكون للتجارة، لأنها تصير من العروض التجارية وتجب الزكاة أيضاً في الخيل إن كانت للتجارة بلا خلاف. قال الحنفية: يجوز دفع القيمة في الزكاة، وقال الجمهور لا يجزئ إخراج القيمة في شيء من الزكاة لأن الحق لله تعالى، وقد علقه على ما نص عليه. من فقد واجبه كأن لزمه بنت مخاض فلم يجدها عنده صعد إلى أعلى منه وأخذ من المدفوع له شاتين أو عشرين درهماً وهذا رأي الشافعية والحنابلة، وقال الحنفية: يدفع المالك في هذه الحالة قيمة ما وجب عليه. وقال المالكية: الديون ثلاثة أنواع: 1 - ما يحتاج لحولان الحول بعد القبض مثل ديون المواريث والهبات والأوقاف والصدقات والصداق والخلع وأرش الجناية والدية. 2 - ما يزكى لعام واحد فقط وهو دين القرض وديون التجارة. 3 - الدين الذي تدفع زكاته كل عام وهو دين التاجر الذي يبيع ويشتري بالسعر الحاضر. قال الجمهور: من كان له نصاب، فاستفاد في أثناء الحول شيئاً من جنسه بشراء أو هبة أو صدقة ضمه إليه وزكاه معه، ويعتبر حوله حول أصله وإن لم يكن من جنسه لا يضم اتفاقاً. أما عند الشافعية فإنه يكون للمستفاد أو المتجدد من الدخل حول مستقل على حدة، كل متجدد أو مدخر جديد له حوله. (الأوقاص) وهو ما بين الفريضتين من كل الأنعام، ولا زكاة في الأوقاص فهي عفو أي معفو عنها باتفاق المذاهب، فلا تتعلق بها الزكاة بل تتعلق بالنصاب المقرر شرعاً فقط. لا زكاة فيما لفظه البحر مما لم يكن مملوكاً لأحد، كعنبر ولؤلؤ ومرجان وسمك، ويكون لواجده الذي وضع يده عليه أولاً، بلا تخميس لأن أصله الإباحة. قال الشافعية: الركاز هو دفين الجاهلية، ويجب فيه الخمس، كما قرر الحنفية فإن لم

يكن دفين الجاهلية بأن كان إسلامياً بوجود علامة عليه أو لم يعلم أهو جاهلي أو إسلامي فهو لمالكه أو وارثه إن علم، وإن لم يعلم مالكه فلقطة يعرفه الواجد. ذهب بعض الأئمة أن الخلطة في الحيوانات السائمة توجب الزكاة على مجموع السائمة بغض النظر عما يملكه الأفراد ولو كان أقل من النصاب وذلك رأي الجمهور عدا الحنفية ومن وافقهم، وقاس بعضهم أموال الشركات على ذلك فعلى هذا فإن أموال الشركات على رأي هؤلاء تدفع زكاتها من جملة رأس مالها بصرف النظر عما إذا كان كل شريك يملك نصاباً أو لا، وبعض الفقهاء يرى أن ما يملكه كل شريك على حدة يستقل بدفع زكاته إن كان عليه زكاة، ومثل هذا الاختلاف يعتبر بمثابة الآراء المتعددة التي تجعل أمام الدولة خيارات واسعة في القانون الذي تفرضه على الأمة. قال الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه فقه الزكاة: ومذهب الشافعي هو أوسع المذاهب القائلة بتأثير الخلطة في حكم الزكاة فلم يقصر تأثيرها على الخلطة في الماشية بل يذهب إلى تأثيرها في الزروع والثمار والدراهم والدنانير. ويمكن أن يكون هذا القول أساساً لمعاملة الشركات المساهمة ونحوها في حكم الزكاة معاملة شخصية واحدة إذا احتاجت إلى ذلك إدارة الزكاة لما فيه من تبسيط الإجراءات وتيسير التعامل وتقليل الجهود والنفقات (1/ 321). أقول: في حال أخذ الدولة الزكاة من الشركات فإن الشريك لا يدفع عما يملكه في الشركة بل يدفع زكاة ما يملكه خارج الشركة.

الفصل الرابع في بعض آداب العاملين على الزكاة وفي مصارفها

الفصل الرابع في بعض آداب العاملين على الزكاة وفي مصارفها

مصارف الزكاة

مصارف الزكاة: قال الشافعية: يجب صرف جميع الصدقات الواجبة سواء الفطرة وزكاة الأموال إلى ثمانية أصناف عملاً بالآية الكريمة: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} ومذهب الجمهور: جواز صرف الزكاة إلى صنف واحد. والفقير في رأي الشافعية والحنابلة: هو من ليس له مال ولا كسب يقع موقعاً من كفايته وهو أسوأ حالاً من المسكين. والمسكين هو من يكتسب نصف ما يحتاجه فأكثر ولم يصل إلى قدر كفايته، وقال الحنفية والمالكية: والمسكين أسوأ حالاً من الفقير لأنه لا مسكن له ويسكن حيث يحل. العاملون عليها: هم السعادة لجباية الصدقة ويشترط فيهم العدالة والمعرفة بفقه الزكاة. المؤلفة قلوبهم وهم نوعان: مسلمون وكفار، واختلف العلماء في إعطاء المؤلفة قلوبهم من الزكاة حال كونهم كفاراً، فقال الحنابلة والمالكية وبعض الحنفية: يعطون ترغيباً في الإسلام، وقال الشافعية وبعض الحنفية: لا يعطي الكافر من الزكاة لا لتأليف ولا لغيره. في الرقاب: وهم عند الجمهور: المكاتبون المسلمون الذين لا يجدون وفاء ما يؤدون ولو مع القوة والكسب. الغارمون: هم المدينون، سواء استدان الدين لنفسه أم لغيره عند الشافعية والحنابلة وقال الحنفية: الغارم: من لزمه دين، ولا يملك نصاباً فاضلاً عن دينه. في سبيل الله: هم الغزاة المجاهدون الذين لا حق لهم في ديوان الجند فيدفع إليهم لإنجاز مهمتهم وعودهم ولو كانوا- عند الجمهور- أغنياء، لأنه مصلحة عامة. ابن السبيل: هو المسافر أو من يريد السفر في طاعة غير معصية، فيعجز عن بلوغ مقصده إلا بمعونة. وقد اتفق الجمهور على أنه لا يجوز صرف الزكاة على بناء المساجد والجسور والقناطر والسقايات وكري الأنهار وإصلاح الطرقات، وتكفين الموتى، وقضاء الدين، والتوسعة

على الأضياف وبناء الأسوار، وإعداد وسائل الجهاد، كصناعة السفن الحربية وشراء السلاح، ونحو ذلك من القرب التي لم يذكرها الله تعالى مما لا تمليك فيه. قال الشافعية والحنابلة: يجوز أن يدفع إلى كل من مستحقي الزكاة ما تزول به حاجته أو تحقق كفايته وأن يعطي أداة أو ثمنها ليعمل بها وإن كان فيه قوة يعطى بضاعة أو ثمنها ليتجر فيها، حتى ولو احتاج إلى مال كثير للبضاعة التي تصلح له ويحسن التجارة فيها. وكره أبو حنفية إعطاء إنسان نصاب الزكاة وهو قدر مائتي درهم فأكثر إلا إذا كان هناك من يعوله، وأجاز مالك إعطاء نصاب فأكثر، ويرد الأمر إلى الاجتهاد، فإن الغرض إغناء الفقير حتى يصير غنياً. لكن لا يعطى عند المالكية أكثر من كفاية سنة.

النصوص

النصوص آداب العاملين على الزكاة: 3556 - * روى الطبراني عن عائشة قالت: قال رسول الله: "تؤخذ صدقة أهل البادية على مياههم وبأفنيتهم". 3557 - * روى ابن خزيمة عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح وهو يقول: "أيها الناس ما كان من حلف في الجاهلية فإن الإسلام لم يزده إلا شدة، ولا حلف في الإسلام، المسلمون يد على من سواهم، يجير عليهم أدناهم ويرد عليهم أقصاهم. ويرد سراياهم على قعدهم لا يقتل مؤمن بكافر، دية الكافر نصف دية المؤمن، لا جلب ولا جنب، ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في ديارهم". فبهذا الإسناد سواء: قلت يا رسول الله أكتب عنك ما سمعت؟ قال: "نعم". قلت: في الغضب والرضى؟ قال: "نعم". قلت: في الغضب والرضى؟ قال: "نعم. فإنه لا ينبغي لي أن أقول في ذلك إلا حقاً". المراد بالحديث أن السرايا تقاتل فتغنم فإذا غنمت كان للفقراء وإن كانوا قاعدين نصيب. 3558 - *روى مالك عن محمد بن يحيى بن حبان (رحمه الله) قال: أخبرني رجلان من أشجع: "أن محمد بن مسلمة الأنصاري كان يأتيهم مصدقاً، فيقول لرب المال: أخرج إلي صدقة مالك، فلا يقود إليه شاة فيها وفاء م حقه إلا قبلها".

_ 3556 - مجمع الزوائد (3/ 79) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن. 3557 - ابن خزيمة (4/ 26) كتاب الزكاة، 299 - باب النهي عن الجلب عند أخذ الصدقة من المواشي، وإسناده حسن. (قعدهم): جمع قاعد، وقد مر شرح الجلب والجنب في الفصل السابق. 3558 - الموطأ (1/ 267) 17 - كتاب الزكاة، 16 - باب النهي عن التضييق على الناس في الصدقة، وهو حسن.

3559 - *روى ابن خزيمة عن أبي بن كعب، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقاً على بلى وعذرة وجميع بني سعد بن هديم من قضاعة. قال: فصدقتهم. 3560 - * روى أبو داود عن سويد بن غفلة (رضي الله عنه) قال: سرت- أو قال: أخبرني من سار- مع مصدق النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فإذا في عهد رسول الله أن: لا تأخذ من راضع لبن، ولا تجمع بين متفرق، ولا تفرق بين مجتمع، وكان إنما يأتي المياه حين ترد الغنم، فيقول: أدوا صدقات أموالكم، قال: فعمد رجل منهم إلى ناقة كوماء- قال: قلت: يا أبا صالح، ما الكوماء؟ قال: عظيمة السنام- قال: فأبى أن يقبلها، قال: إني أحب أن تأخذ خير إبلي. قال: فأبى أن يقبلها. قال: فخطم له أخرى دونها، فأبى أن يقبلها، ثم خطم له أخرى دونها، فقبلها، وقال: إني آخذها، ولكن أخاف أن يجد علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول لي: "عمدت إلى رجل، فتخيرت عليه إبله؟ ". وفي رواية (1): قال سويد بن غفلة: "أتانا مصدق النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذت بيده، وقرأت في عهده، قال: "لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع، خشية الصدقة". وفي رواية (2) النسائي مختصراً، قال: "أتانا مصدق النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته، فجلست إليه، فسمعته يقول: إن في عهدي: أن لا نأخذ راضع لبن، ولا نجمع بين متفرق، ولا نفرق بين مجتمع، فأتاه رجل بناقة كوماء، فقال خذها، فأباها". 3561 - * روى أبو داود عنمسلم بن ثفنة- أو ابن شعبة- اليشكري (رحمه الله)

_ 3559 - ابن خزيمة (4/ 24) كتاب الزكاة، 297 - باب الزجر عن أخذ المصدق خيار المال، وإسناده حسن. 3560 - أبو داود (2/ 102) كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة. (1) أبو داود، نفس الموضع السابق. (2) النسائي (5/ 29، 30) 23 - كتاب الزكاة، 12 - باب الجمع بين المتفرق والتفريق بين المجتمع، وهو حديث حسن. (من راضع لبن) الراضع: ذات الدر، ونهيه عن أخذها لأنها خيار المال، و "من" زائدة، كما تقول: لا تأكل من الحرام، أي: لا تأكل الحرام. وقيل: هو أن يكون عند الرجل الشاة الواحدة، أو اللقحة قد اتخذها للدر، فلا يؤخذ منها شيء. (فخطم له) أي: وضع الخطام فيها، وألقاه إليه ليقودها. (يجد علي) وجدت على فلان أجد موجدة: إذا غضبت عليه، وتأثرت بفعله أو قوله. 3561 - أبو داود (2/ 103) كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة.

قال: "استعمل نافع بن علقمة أبي علي عرافة قومه، فأمره: أن يصدقهم، قال: فبعثني أبي في طائفة منهم، فأتيت شيخاً كبيراً، يقال له: سعر بن ديسم، فقلت: إن أبي بعثني إليك- يعني لأصدقك- قال: ابن أخي، وأي نحو تأخذون؟ فقلت: نختار، حتى إنا نشبر ضروع الغنم، قال ابن أخي: فإني محدثك أني كنت في شعب من هذه الشعاب، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غنم لي، قال: فجاءني رجلان على بعير فقالا لي: إنا رسولا رسول الله صلى الله عليه وسلم إليك لتؤدي صدقة غنمك، فقلت: ما علي فيها؟ فقالا: شاة، فعمدت إلى شاة قد عرفت مكانها، ممتلئة محضاً وشحماً، فأخرجتها إليهما، فقالا: هذه شاة الشافع، وقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نأخذ شافعاً، قلت: فأي شيء تأخذان؟ قالا: عناقاً: جذعة أو ثنية، قال: فعمدت إلى عناق معتاط- والمعتاط: التي لم تلد ولداً، وقد حان ولادها- فأخرجتها إليهما، فقالا: ناولناها، فجعلاها معهما على بعيرهما، ثم انطلقا". وله في أخرى بهذا (1) الحديث، وقال فيه: "والشافع: التي في بطنها ولد". وفي رواية (2) النسائي مثله، إلى قوله: "محضاً وشحماً" ثم قال: فأخرجتها إليهما، فقالا: هذه الشافع الحائل، وقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نأخذ شافعاً، فعمدت إلى عناق معتاط، والمعتاط: التي لم تلد ولداً، وقد حان ولادها ... وذكر الباقي مثله". 3562 - * روى مالك عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: "مر على عمر بغنم من

_ (1) أبو داود: نفس الموضع السابق. (2) النسائي (5/ 32) 23 - كتاب الزكاة، 15 - باب إعطاء السيد المال بغير اختيار المصدق، وهو حسن. (محضاً) المحض: اللبن [الخالص]. (الشافع) شاة شافع: معها ولدها، وقوله: شاة الشافع بالإضافة هو من باب إضافة الموصوف إلى الصفة. كقولهم: صلاة الأولى، ومسجد الجامع، يريدون: صلاة الساعة الأولى، ومسجد الموضع الجامع. (عناقاً) العناق: الأنثى من ولد المعز، و"الجذعة" منه: ما تمت لها سنة، و"الثنية": ما تمت لها سنتان. (معتاط) المعتاط: العائط، وهي التي لم تحمل، يقال: عاطت واعتاطت، قال الأزهري: إذا لم تحمل الناقة أول سنة يطرقها الفحل فهي عائط، فإذا لم تحمل السنة المقبلة أيضاً فهي عائط، يقال، عيط وعوط وعوطط، وتعوطت: إذا حمل عليها الفحل فلم تحمل، ويقال للناقة التي لم تحمل سنوات من غير عقر: اعتاطت، قال: وربما كان اعتياطها من قبل شحمها. 3562 - الموطأ (1/ 267) 17 - كتاب الزكاة، 16 - باب النهي عن التضييق على الناس في الصدقة، وإسناده صحيح. =

الصدقة، فرأى فيها شاة حافلاً ذات ضرع عظيم، فقال عمر: ما هذه الشاة؟ قالوا: شاة من الصدقة، قال: ما أعطى هذه أهلها وهم طائعون، لا تفتنوا الناس، لا تأخذوا حزرات أموال المسلمين، نكبوا عن الطعام". 3563 - *روى أحمد عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي فجاء رجل فقال: "يا رسول الله! كم صدقة كذا وكذا؟ قال: كذا وكذا قال: فإن فلاناً تعدى علي قال: فنظروا فوجدوه قد تعد عليه بصاع فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كيف بكم إذا سعى عليكم من يتعدى عليكم أشد من هذا التعدي". رواه أحمد هكذا وزاد الطبراني بعد قوله أشد من هذا التعدي فخاض القوم وبهرهم الحديث حتى قال رجل منهم: كيف يا رسول الله إذا كان رجل غائب عنك في إبله وماشيته وزرعه فأدى زكاة ماله فتعدي عليه فكيف يصنع وهو عنك غائب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أدى زكاة ماله طيب النفس بها يريد بها وجه الله والدار الآخرة فلم يغيب شيئاً من ماله وأقام الصلاة ثم أدى الزكاة فتعدي عليه في الحق فأخذ سلاحه فقاتل فقتل فهو شهيد". 3564 - * روى الطبراني عن جرير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المتعدي في الصدقة كمانعها". 3565 - * روى أحمد عن سالم بن أبي أمية أبي النضر قال: جلس إلي شيخ من بني تميم في مسجد البصرة ومعه صحيفة في يده قال: "وذاك في زمن الحجاج فقال لي: يا عبد الله: ترى هذا الكتاب مغنياً عنا شيئاً عند هذا السلطان قال قلت وما هذا الكتاب؟ قال: هذا كتاب من رسول الله صلى الله عليه وسلم كتبه لنا أن لا يتعدى علينا في صدقاتنا، قال: قلت لا والله ما

_ = (حافلاً) الحافل: الممتلئ، وضرع حافل، أي: ممتلئ لبناً. (حزرات) الحزرات: جمع حزرة، وهي خيار المال. (نكبوا) نكبت عن الأمر: إذا عدلت عنه وتجنبته، يشدد ويخفف، والطعام أراد به: ما هو معد للأكل. 3563 - أحمد (6/ 301). مجمع الزوائد (3/ 82) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط، ورجال الجميع رجال الصحيح. 3564 - الطبراني الكبير (2/ 306). مجمع الزوائد (3/ 83) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. 3565 - أحمد (1/ 163، 164). أبو يعلي (2/ 16، 17). مجمع الزوائد (3/ 82، 83) وقال الهيثيم: روى أبو داود منه النهي عن بيع الحاضر للباد عن طلحة فقط- رواه أحمد وأبو يعلي، ورجاله رجال الصحيح.

أظن أن يغني عنك شيئاً، وكيف كان هذا الكتاب؟ قال: قدمت المدينة مع أبي وأنا غلام شاب بإبل لنا نبيعها وكان أبي صديقاً لطلحة بن عبيد الله التيمي، فقال له أبي أخرج معي إلى إبلي هذه، قال: فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يبيع حاضر لباد، ولكن سأخرج معك وأجلس وتعرض إبلك فإذا رأيت من رجل وفاءً وصدقاً ممن ساومك أمرتك ببيعه قال: فخرجنا إلى السوق فوقفنا ظهرنا وجلس طلحة قريباً فساومنا الرجال حتى إذا أعطانا رجل ما نرضى قال له أبي أبايعه؟ قال: بعه قد رضيت لكم وفاءه، فبايعوه فبايعناه فلما قضينا ما لنا وفرغنا من حاجتنا قال أبي لطلحة خذ لنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً أن لا يتعدى علينا في صدقاتنا قال: فقال: هذا لكم ولكل مسلم، قال: على ذلك إني أحب أن يكون عندي من رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب، قال: فخرج حتى جاء بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن هذا الرجل من أهل البادية صديق لنا يريد أن يكون له كتاب أن لا يتعدى عليه في صدقته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا له ولكل مسلم، قال يا رسول الله! إنه قد أحب أن يكون عنده منك كتاب على ذلك، قال: فكتب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الكتاب. 3566 - *روى ابن خزيمة عن المستورد بن شداد، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من كان لنا عاملاً فليكتسب زوجة، فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادماً، ومن لم يكن له مسكن فليكتسب خادماً، ومن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكناً". قال ابن خزيمة أخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من اتخذ غير ذلك فهو غال أو سارق". أقول: إنما يكون العامل غالاً أو سارقاً إذا أخذ شيئاً زائداً على ما ذكر بغير إذن. 3567 - * روى ابن خزيمة عن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من استعملناه على عمل فرزقناه رزقاً فما أخذ بعد ذلك فهو غلول".

_ 3566 - ابن خزيمة (4/ 70) 359 - باب إذن الإمام للعامل بالتزويج واتخاذ الخادم والمسكن ... إلخ، وإسناده صحيح. 3567 - ابن خزيمة (4/ 70) 358 - باب فرض الإمام للعامل على الصدقة رزقاً معلوماً، وإسناده صحيح. (الغلول): الخيانة والسرقة من أموال الغنائم.

3568 - * روى الشيخان عن أبي حميد الساعدي (رضي الله عنه) قال: "استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأزد- يقال له: ابن اللتبية- على الصدقة، فلما قدم قال: هذا لكم، وهذا أهدي إلي، قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله، فيأتي فيقول: هذا لكم، وهذا هدية أهديت لي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه، حتى تأتيه هديته إن كان صادقاً؟ والله لا يأخذ أحد منكم شيئاً بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة، فلا أعرفن أحداً منكم لقي الله يحمل بعيراً له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر، ثم رفع يديه حت رئي بياض إبطيه، يقول: اللهم هل بلغت؟ " وفي رواية (1) "سلوا زيد بن ثابت، فإنه كان حاضراً معي" وفيه "فلما جاء حاسبه"، ومنهم من قال: "ابن الأتبية على صدقات بني سليم". 3569 - *روى مسلم عن عدي بن عميرة الكندي (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله يقول: "من استعملناه منكم على عمل، فكتمنا مخيطاً فما فوقه: كان غلولاً، يأتي به يوم القيامة. قال: فقام إليه رجل أسود من الأنصار، كأني أنظر إليه، فقال: يا رسول الله، اقبل عني عملك؟ قال: ومالك؟ قال: سمعتك تقول كذا وكذا، قال: وأنا أقوله الآن: من استعملناه منكم على عمل فليجيء بقليله وكثيره، فما أوتي منه أخذ، وما نهي عنه انتهى". 3570 - * روى أبو داود عن أبي مسعود الأنصاري (رضي الله عنه) قال: "بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعياً، ثم قال: انطلق أبا مسعود، لا ألفينك تجيء يوم القيامة على

_ 3568 - البخاري (13/ 164) 93 - كتاب الأحكام، 24 - باب هدايا العمال. مسلم (3/ 1463) 33 - كتاب الإمارة، 7 - باب تحريم هدايا العمال. (1) مسلم، الموضع السابق. أبو داود (3/ 134) كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في أرزاق العمال وزاد أبو داود "اللهم هل بلغت؟ " أخرى. (الخوار) صوت البقرة، و (اليعار) صوت الشاة. 3569 - مسلم (3/ 1465) 33 - كتاب الإمارة، 7 - باب تحريم هدايا العمال. أبو داود (3/ 134) كتاب الخراج، باب في أرزاق العمال. 3570 - أبو داود (3/ 135) كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في هدايا العمال، وإسناده حسن.

ظهرك بعير من إبل الصدقة له رغاء قد غللته، قال: فقلت: إذاً لا أنطلق، قال: إذا لا أكرهك". 3571 - * روى أبو داود عن إبراهيم بن عطاء مولى عمران بن حصين عن أبيه، قال: "إن زياداً- أو بعض الأمراء- بعث عمران بن حصين على الصدقة، فأخذها من الأغنياء، وردها على الفقراء، فلما رجع قال لعمران: أين المال؟ قال: وللمال أرسلتني؟ أخذناها من حيث كنا نأخذها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعناها حيث كنا نضعها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم". 3572 - * روى ابن خزيمة عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه، قال: قدم علينا مصدق النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ الصدقة من أغنيائنا فجعلها في فقرائنا وكنت غلاماً يتيماً فأعطاني منه قلوصاً. 3573 - * روى مسلم عن جرير بن عبد الله البجلي (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتاكم المصدق فليصدر عنكم وهو راض" وفي رواية (1) قال: "جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إن ناساً من المصدقين يأتوننا فيظلمونا، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرضوا مصدقيكم، قال جرير: ما صدر عني مصدق منذ سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو عني راض". وفي رواية الترمذي (2) والنسائي (3): "إذا جاءكم المصدق، فلا يفارقنكم إلا عن رضىً". وفي رواية أبي داود (4) والنسائي (5) مثل الرواية الثانية، إلى قوله: "مصدقيكم" ثم قال: "قالوا: يا رسول الله، وإن ظلمونا؟ قال: أرضوا مصدقيكم"،

_ 3571 - أبو داود (2/ 115، 116) كتاب الزكاة، باب في الزكاة [هل] تحمل من بلد إلى بلد، وإسناده حسن. 3572 - ابن خزيمة (4/ 66) كتاب الزكاة، 353 - باب إعطاء اليتامى من الصدقة، وإسناده حسن. 3573 - مسلم (2/ 757) 12 - كتاب الزكاة، 55 - باب إرضاء الساعي ما لم يطلب حراماً. (1) مسلم (2/ 685) 12 - كتاب الزكاة، 7 - باب إرضاء السعاة. (2) الترمذي (3/ 39) 5 - كتاب الزكاة، 20 - باب في رضا المصدق. (3) النسائي (5/ 31) 23 - كتاب الزكاة، 14 - باب إذا جاوز في الصدقة. (4) أبو داود (2/ 106) كتاب الزكاة، باب رضا المصدق. (5) النسائي: نفس الموضع السابق.

زاد في رواية "وإن ظلمتم، قال جرير: فما صدر عني ... وذكر باقيه". أقول: المصدق إذا ظلم يجوز للإنسان أن يدفع ظلامته ويجوز له أن يتحمل الظلامة، والندب إلى إرضاء المصدق هو الأصل الذي ينبغي أن يحافظ عليه ما أمكن. 3574 - * روى أبو داود عن رافع بن خديج (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "العامل على الصدقة بالحق كالغازي في سبيل الله، حتى يرجع إلى بيته". 3575 - * روى الشيخان عن عبد الله بن أبي أوفى (رضي الله عنه) قال: "كان أبي من أصحاب الشجرة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: "اللهم صل على آل فلان، فأتاه أبي بصدقته، فقال: اللهم صل على آل أبي أوفى". 3576 - * روى مالك عن أسلم مولى عمر (رضي الله عنهما) أن عمر استعمل مولى له يدعى: هنياً، على الصدقة، فقال: يا هني، ضم جناحك عن الناس، واتق دعوة المظلوم، فإنيها مجابة، وأدخل رب الصريمة ورب الغنيمة، وإياكم ونعم ابن عفان وابن عوف، فإنهما إن تهلك مواشيهما يرجعان إلى زرع ونخل، وإن رب الصريمة والغنيمة إن تهلك ماشيتهما يأتيني ببنيه، فيقول: يا أمير المؤمنين، يا أمير المؤمنين، أفتاركه أنا لا أبا

_ 3574 - أبو داود (3/ 132) - كتاب الخراج، باب في السعاية على الصدقة، وإسناده حسن. الترمذي (3/ 37) 5 - كتاب الزكاة، 18 - باب العامل على الصدقة بالحق. 3575 - البخاري (3/ 361) 24 - كتاب الزكاة، 64 - باب صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة. مسلم (2/ 756) 12 - كتاب الزكاة، 54 - باب الدعاء لمن أتى بصدقته. أبو داود (2/ 106) كتاب لزكاة، باب دعاء المصدق لأهل الصدقة. النسائي (5/ 31) 23 - كتاب الزكاة، 13 - باب صلاة الإمام على صاحب الصدقة، ولم يذكر النسائي أنه كان من أصحاب الشجرة. 3576 - الموطأ (2/ 1003) 60 - كتاب دعوة المظلوم، 1 - باب ما يتقي من دعوة المظلوم. البخاري (6/ 175) 56 - كتاب الجهاد، 180 - إذا أسلم قوم في دار الحرب ... إلخ. (اضمم) اضمم جناحك: أي ألن جانبك وارفق بهم. (الصريمة) تصغير الصرمة، وهي القطعة من الإبل، نحو الثلاثين. (ربها) صاحبها.

في مصارف الزكاة

لك؟ فالماء والكلأ أيسر علي من الذهب والفضة، وأيم الله، إنهم ليرون أنا قد ظلمناهم، إنها لبلادهم ومياههم، قاتلوا عليها في الجاهلية، وأسلموا عليها في الإسلام، والله، لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت على الناس من بلادهم شبراً. 3577 - * روى البخاري عن (الصعب بن جثامة) رفعه: لا حمى إلا لله ولرسوله وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع وأن عمر حمى السرف والربذة. أقول: قد يحمي الإمام أرضاً لترعى فيها أنعام الصدقات فلا يسمح لأحد أن يرعى فيها إبله الخاصة، فهذا الحمى مستثنى من القاعدة العامة أن الناس شركاء في النار والكلأ والماء. 3578 - *روى مالك عن (ابن عمر) كان إذا أعطى شيئاً في سبيل الله يقول لصاحبه إذا بلغت وادي القرى فشأنك به. في مصارف الزكاة لا تحل الزكاة لآل البيت: 3579 - * روى مسلم عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث (رضي الله عنه) قال: "اجتمع ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب، فقالا: والله لو بعثنا هذين الغلامين- قال لي، وللفضل بن العباس- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلماه، فأمرهما على هذه الصدقات، فأديا ما يؤدي الناس، وأصابا مما يصيب الناس؟ قال: فبينما هما في ذلك جاء علي بن أبي طالب، فوقف عليهما، فذكرا له ذلك، فقال علي: لا تفعلا، فوالله ما هو بفاعل، فانتحاه ربيعة بن الحارث، فقال: والله، ما تصنع هذا إلا نفاسة منك علينا،

_ (الكلأ) العشب، سواء رطبه ويابسه. 3577 - البخاري (5/ 44) 42 - كتاب المساقاة، 11 - باب لا حمى إلا لله ورسوله. أبو داود (3/ 180، 181) كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في الأرض يحميها الإمام أو الرجل. 3578 - الموطأ (2/ 449) 21 - كتاب الجهاد، 5 - باب العمل فيمن أعطى شيئاً في سبيل الله. 3579 - مسلم (2/ 752، 753) 12 - كتاب الزكاة، 51 - باب ترك استعمال آل النبي على الصدقة. أبو داود (3/ 139) كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأموال. (فانتحاه) أي: عرض له. (النفاسة): البخل، أي: بخلاً منك علينا.

فوالله، لقد نلت صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما نفسناه عليك، فقال علي: أرسلوهما، فانطلقا، واضطجع علي، قال: فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر سبقناه إلى الحجرة، فقمنا عندها، حتى جاء، فأخذ بآذاننا، ثم قال: "أخرجا ما تصرران" ثم دخل ودخلنا معه، وهو يومئذ عند زينب بنت جحش، قال: فتواكلنا الكلام، ثم تكلم أحدنا، فقال: يا رسول الله، أنت أبر الناس، وأوصل الناس، وقد بلغنا النكاح، فجئنا لتؤمرنا على بعض هذه الصدقات. فنؤدي إليك كما يؤدي الناس ونصيب كما يصيبون، قال: فسكت طويلاً، حتى أردنا أن نكلمه، قال: وجعلت زينب تلمع إلينا من وراء الحجاب: أن لا تكلماه، قال: ثم قال: "إن هذه الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس، ادعوا لي محمية"- وكان على الخمس- ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب، قال: فجاءاه: فقال لمحمية: "أنكح هذا الغلام ابنتك"- للفضل بن العباس- فأنكحه، وقال لنوفل بن الحارث: "أنكح هذا الغلام ابنتك"- للفضل بن العباس- فأنكحه، وقال لنوفل بن الحارث: "أنكح هذا الغلام ابنتك"، فأنكحني، وقال لمحمية: "أصدق عنهما من الخمس كذا وكذا"، قال الزهري: ولم يسمه لي". وفي رواية (1) نحوه، وفيه "قال: فألقى علي رداءه ثم اضطجع عليه، وقال: أنا أبو حسن القرم والله لا أريم مكاني حتى يرجع إليكما ابناكما بحور ما بعثتما به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم" وقال في الحديث: "ثم قال لنا: "إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد" وقال أيضاً: "ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ادعوا لي محمية بن جزء" وهو رجل من بني أسد، كان رسول الله استعمله على الأخماس". أقول: أجاز فقهاء الحنفية المتأخرون أخذ الزكاة لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن اضطرب نظام بيت المال الإسلامي، ولم يعد يصل إلى آل رسول الله حقهم من الخمس.

_ (ما تصرران؟) أي: ما جمعتما في صدوركما وعزمتما على إظهاره وكل شيء جمعته، فقد صررته. (فتواكلنا الكلام) التواكل: أن يكل كل واحد أمره إلى صاحبه، ويتكل فيه عليه، يريد أن يبتدئ صاحبه بالكلام دونه. (القرم): السيد، قال الخطابي: وأكثر الروايات "القوم" بالواو، ولا معنى له، وإنما هو "القرم" بالراء يريد به: المقدم في الرأي والمعرفة بالأمور والتجارب. (1) مسلم: نفس الموضع السابق ص 754. (لا أريم) تقول: لا أريم عن هذا المكان، أي: لا أبرح. (بحور ما بعثتما به) أي بجواب ما تقولانه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصل الحور: الرجوع.

3580 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: "أخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كخ، كخ، ارم بها؛ أما علمت أنا لا نأكل الصدقة؟ ". وفي رواية (1): "أنا لا تحل لنا الصدقة؟ " وفي رواية (2): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إني لأنقلب إلى أهلي، فأجد التمرة ساقطة على فراشي، أو في بيتي، فأرفعها لآكلها، ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها". 3581 - * روى الشيخان عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: "تصدق على بريرة بلحم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو لها صدقة، ولنا هدية". وفي رواية (3) لمسلم: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بلحم بقر، فقيل: هذا ما تصدق به على بريرة، فقال: هو لها صدقة، ولنا هدية". وفي أخرى (4) لهما قالت: "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى النار برمة تفور، فدعا بالغداء، فأتي بخبز وأدم من أدم البيت، فقال: ألم أر برمة على النار تفور؟ قالوا: بلى يا رسول الله، ولكنه لحم تصدق به على بريرة، وأهدت إلينا منه، وأنت لا تأكل الصدقة. فقال: هو صدقة عليها، وهدية لنا". وأخرجه (5) الموطأ بزيادة في أوله، قالت عائشة: "كانت في بريرة ثلاث سنن، فكانت إحدى السنن الثلاث: أنها أعتقت،

_ 3580 - البخاري (3/ 354) 24 - كتاب الزكاة، 60 - باب ما يذكر في الصدقة للنبي. مسلم (2/ 751) 12 - كتاب الزكاة، 50 - باب تحريم الزكاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. (1) مسلم: نفس الموضع السابق. (2) البخاري (5/ 86) 45 - كتاب اللقطة، 6 - باب إذ وجد تمرة في الطريق. مسلم، نفس الموضع السابق. (كخ كخ) زجر للصبيان، وردع عما يلابسونه من الأفعال. 3581 - البخاري (3/ 355) 24 - كتاب الزكاة، 61 - باب الصدقة على موالي أزواج النبي. مسلم (2/ 755) 12 - كتاب الزكاة، 52 - باب إباحة الهدية للنبي صلى الله عليه وسلم. (3) مسلم: نفس الموضع السابق. (4) البخاري (9/ 138) 67 - كتاب النكاح، 18 - باب الحرة تحت العبد. مسلم (2/ 1144) 20 - كتاب العتق، 2 - باب إنما الولاء لمن أعتق. (5) الموطأ (2/ 562) 29 - كتاب الطلاق، 10 - باب ما جاء في الخيار.

فخيرت في زوجها، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الولاء لمن أعتق، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى النار برمة ... الحديث". وأخرج البخاري (1) ومسلم أيضاً رواية الموطأ بالزيادة التي في أولها. 3582 - *روى مسلم عن جويرية- زوج النبي صلى الله عليه وسلم - (رضي الله عنها): "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها، فقال: هل من طعام؟ قالت: لا والله، إلا عظم من شاة أعطيته مولاتي من الصدقة، فقال: قريبه، فقد بلغت محلها". 3583 - * روى مسلم عن يزيد بن حيان قال: انطلقت أنا وحصين بن سمرة وعمرو بن مسلم إلى زيد بن أرقم فجلسنا إليه، فقال له حصين: يا زيد! رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصليت خلفه، وسمعت حديثه، وغزوت معه، لقد أصبت يا زيد خيراً كثيراً. حدثنا يا زيد حديثاً سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما شهدت معه. قال: بلى، ابن أخي، لقد قدم عهدي، وكبرت سني ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما حدثتكم فاقبلوه، وما لم أحدثكموه فلا تكلفوني. قال: قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً خطيباً بماء يدعى خم، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: "أما بعد أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيبه. وإني تارك فيكم الثقلين: أولهما: كتاب الله فيه الهدى والنور، من استمسك به وأخذ به كان على الهدى ومن تركه وأخطأه كان على الضلالة، وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي". ثلاث مرات، قال حصين: فمن أهل بيته يا زيد؟ أليست نساؤه من أهل بيته؟ قال: بلى نساؤه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة. قال: من هم؟ قال: آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل العباس. قال حصين: وكل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم. قال ابن خزيمة: وفي خبر حذيفة وجابر بن عبد الله وعبد الله بن يزيد الخطمي عن

_ (1) البخاري (9/ 404) 68 - كتاب الطلاق، 14 - باب لا يكون بيع الأمة طلاقاً. مسلم: نفس الموضع السابق. 3582 - مسلم (2/ 754) 12 - كتاب الزكاة، 52 - باب إباحة الهدية للنبي صلى الله عليه وسلم. 3583 - مسلم (4/ 1873) 44 - كتاب فضائل الصحابة، 4 - باب فضائل علي بن أبي طالب (رضي الله عنه). ابن خزيمة (4/ 62) كتاب الزكاة، 348 - باب ذكر الدليل على أن بني عبد المطلب هم من آل النبي صلى الله عليه وسلم.

النبي صلى الله عليه وسلم كل معروف صدقة، فلو كان المصطفى صلى الله عليه وسلم أراد بقوله: "إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة، تطوعاً وفريضة، لم تحل أن تصطنع إلى أحد من آل محمد النبي معروفاً، إذ المعروف كله صدقة بحكم النبي صلى الله عليه وسلم. ولو كان كما توهم بعض الجهال لما حل لأحد أن يفرغ أحد من إنائه في إناء أحد من آل النبي صلى الله عليه وسلم ماءً. إذ النبي صلى الله عليه وسلم قد أعلم أن إفراغ المرء من دلوه في إناء المستسقي صدقة، ولما حل لأحد من آل النبي صلى الله عليه وسلم أن ينفق على أحد من عياله إذا كانوا من آله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد خبر أن نفقة المرء على عياله صدقة. 3584 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك (رضي الله عنه): "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بتمرة في الطريق، فقال: لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها". ولأبي داود (1): "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمر بالتمرة العائرة، فما يمنعه من أخذها إلا أن تكون صدقة". قال الخطابي في معالم السنن: "وهذا أصل في الورع، وفي أن كل ما لا يستبينه الإنسان من شيء مطلقاً لنفسه، فإنه يجتنبه ويتركه، وفيه دليل أن التمرة ونحوها من الطعام إذا وجدها الإنسان ملقاة في طريق ونحوها: أن له أخذها، وأكلها إن شاء وأنها ليست من جملة اللقطة التي حكمها الاستيناء بها والتعريف لها". 3585 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتي بطعام سأل عنه؟ فإن قيل: هدية، أكل منها، وإن قيل: صدقة، لم يأكل منها، وقال لأصحابه: "كلوا".

_ 3584 - البخاري (5/ 86) 45 - كتاب اللقطة، 6 - باب إذا وجد تمرة في الطريق. مسلم (2/ 752) 12 - كتاب الزكاة، 50 - باب تحريم الزكاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. أبو داود (2/ 123) كتاب الزكاة، باب الصدقة على بني هاشم. (1) أبو داود: نفس الموضع السابق. (العائرة) التمرة العائرة: الملقاة في الأرض وحدها، وأصله: من عار الفرس: إذا انفلت وذهب هاهنا وهاهنا من مربطه. والعائرة: الناقة تخرج من إبل إلى إبل أخرى ليضربها الفحل. 3585 - البخاري (5/ 203) 51 - كتاب الهبة، 7 - باب قبول الهدية. مسلم (2/ 756) 12 - كتاب الزكاة، 53 - باب قبول النبي الهدية ورده الصدقة.

3586 - * روى الترمذي عن بهز بن حكيم (رحمه الله) عن أبيه عن جده معاوية بن حيدة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتي بشيء سأل: أصدقة أم هدية؟ فإن قالوا: صدقة، لم يأكل، وإن قالوا: هدية، أكل". وفي رواية (1) النسائي: "فإن قيل: صدقة، لم يأكل، وإن قيل: هدية، بسط يده". 3587 - * روى أبو داود عن أبي رافع- مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم- (رضي الله عنه) قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً على الصدقة من بني مخزوم. قال أبو رافع: فقال لي اصحبني، فإنك تصيب منها معي. قلت: حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله. فقال: "مولى القوم من أنفسهم، وإنا لا تحل لنا الصدقة". وفي رواية النسائي (2): "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً من بني مخزوم على الصدقة، فأراد أبو رافع أن يتبعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الصدقة لا تحل لنا، وإن مولى القوم منهم". (مولى القوم منهم) الظاهر من المذاهب والمشهور: أن موالي بني هاشم وبني عبد المطلب لا يحرم عليهم أخذ الزكاة، وفي ذلك على مذهب الشافعي وجهان، أحدهما: لا يحرم عليهم، لانتفاء النسب الذي به حرم على بني هاشم والمطلب، ولانتفاء نصيب الخمس الذي جعل لهم عوضاً عن الزكاة. والثاني: يحرم، لهذا الحديث، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "مولى القوم منهم" ووجه الجمع بين الحديث وبين نفي التحريم: أنه إنما قال له هذا القول تنزيهاً له، وبعثاً له، على سبيل التشبه بهم في الاستنان بسنتهم، والاقتداء بسيرتهم، من اجتناب مال الصدقة التي هي أوساخ الناس، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكفي أبا رافع مولاه مؤونة ما يحتاج إليه، فقال له: إذا كنت مستغنياً من جانبي فلا تأخذ أوساخ الناس.

_ 3586 - الترمذي (3/ 45) 5 - كتاب الزكاة، 25 - باب ما جاء في كراهية الصدقة للنبي صلى الله عليه وسلم. (1) النسائي (5/ 107) 23 - كتاب الزكاة، 98 - باب الصدقة لا تحل للنبي صلى الله عليه وسلم، وإسناده حسن. 3587 - أبو داود (2/ 123) كتاب الزكاة، باب الصدقة على بني هاشم. الترمذي: نفس الموضع السابق ص 46. (2) النسائي، نفس الموضع السابق، وإسناده صحيح.

لا تحل الصدقة لغني

لا تحل الصدقة لغني: 3588 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي". وفي رواية (1) أخرى: "لذي مرة قوي". 3589 - * روى النسائي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي". 3590 - * روى أبو داود عن عبيد الله بن عدي بن الخيار (رضي الله عنه) قال: أخبرني رجلان: "أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم وهو في حجة الوداع، وهو يقسم الصدقة، فسألاه منها، فرفع فينا النظر وخفضه، فرآنا جلدين، فقال: إن شئتما أعطيتكما، ولا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب". لمن تحل المسألة: 3591 - * روى ابن خزيمة عن قبيصة بن مخارق قال: تحملت حمالة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم أسأله فيها، فقال: "نؤديها عنك ونخرجها من إبل الصدقة"ثم قال: "يا قبيصة إن المسألة حرمت إلا في ثلاث: رجل تحمل حمالة حلت له المسألة حتى يؤديها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله حلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو سداداً من عيش ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة وفاقة حتى يتكلم أو يشهد ثلاثة من ذوي الحجا من قومه أنه قد حلت

_ 3588 - أبو داود (2/ 118) كتاب الزكاة، باب من يعطى من الصدقة وهو غني. الترمذي (3/ 42) 5 - كتاب الزكاة، 23 - باب من لا تحل له الصدقة. (1) أبو داود: نفس الموضع السابق، وهو حديث حسن. 3589 - النسائي (5/ 99) 23 - كتاب الزكاة، 89 - من الملحف، وهو حديث حسن. (المرة): القوة والشدة، و (السوي): السليم الخلق، التام الأعضاء. 3590 - أبو داود (2/ 118) كتاب الزكاة، 23 - باب من يعطى من الصدقة. النسائي (5/ 100) 23 - كتاب الزكاة، 91 - مسألة القوي المكتسب، وإسناده صحيح. 3591 - ابن خزيمة (4/ 72) 363 - باب الدليل على أن الغارم الذي يجوز إعطاؤه ... إلخ، وإسناده صحيح.

لمن تحل الصدقة

له المسألة حتى يصيب سداداً من عيش أو قواماً من عيش ثم يمسك فما سوى ذلك فهو سحت". لمن تحل الصدقة: 3592 - *روى ابن خزيمة عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحل الصدقة إلا لخمسة: العامل عليها، ورجل اشتراها بماله، أو غارم، أو غاز في سبيل الله، أو مسكين تصدق عليه فأهدى منها لغني". 3593 - *روى مالك عن عطاء بن يسار (رحمه الله) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لغاز في سبيل الله، أو لعامل عليها، أو لغارم، أو لرجل اشتراها بماله، أو لرجل كان له جار مسكين، فتصدق على المسكين، فأهداها المسكين للغني". 3594 - * روى أبو داود عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحل الصدقة لغني، إلا في سبيل الله، أو ابن السبيل، أو جار فقير، يتصدق عليه فيهدي لك، أو يدعوك". 3595 - * روى الشيخان عن أم عطية- واسمها: نسيبة- (رضي الله عنها) قالت: "بعث إلى نسيبة بشاة، فأرسلت إلى عائشة منها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عندكم شيء؟ فقالت: لا، إلا ما أرسلت به نسيبة من تلك الشاة، فقال: هات فقد بلغت محلها" وفي رواية (1) قالت: "دخل النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة، فقال: هل عندكم شيء؟ قالت:

_ 3592 - ابن خزيمة (4/ 71) 362 - باب إعطاء الغارمين من الصدقة وإن كان ... إلخ، وإسناده صحيح. 3593 - الموطأ (1/ 268) 17 - كتاب الزكاة، 17 - باب أخذ الصدقة. أبو داود (2/ 119) كتاب الزكاة، 24 - باب من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني وإسناده صحيح. (الغارم) الكفيل ومن علاه دين أخرجه في غير معصية ولا إسراف، وإنما أنفقه في وجهه. 3594 - أبو داود (2/ 119) كتاب الزكاة، 24 - باب من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني، وهو حسن بشاهده. 3595 - البخاري (3/ 356) 24 - كتاب الزكاة، 62 - باب إذا تحولت الصدقة. مسلم (2/ 756) 12 - كتاب الزكاة، 52 - باب إباحة الهدية للنبي صلى الله عليه وسلم. (1) مسلم: نفس الموضع السابق. (بلغت محلها) أي وصلت الموضع الذي تحل فيه تشبيها بالهدي، والمعنى: أنها قضي الواجب فيها من الصدقة بها، وصارت ملكاً ل من تصدق بها عليه، يصح له التصرف فيها، وقبول ما يحل منها.

لا، إلا شيء بعثت به إلينا نسيبة من الشاة التي بعثت إليها من الصدقة، قال: إنها بلغت محلها". وفي أخرى (1) قالت: "بعث إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة من الصدقة، فبعثت إلى عائشة منها بشيء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل عندكم شيء؟ وقالت، وذكرت ... الحديث". 3596 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) "أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بلحم تصدق به على بريرة، فقال: هو عليها صدقة، ولنا هدية"، وفي رواية (2)، قال: "أهدت بريرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لحماً تصدق به عليها، فقال: هو لها صدقة، ولنا هدية". 3597 - * روى أبو يعلى عن أنس بن مالك قال: إن كان الرجل ليأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم للشيء من الدنيا لا يسلم إلا له، فما يمسي حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما فيها. وفي رواية (3): إن كان الرجل ليسأل النبي صلى الله عليه وسلم الشيء للدنيا فيسلم له- والباقي بمعناه. 3598 - * روى مسلم عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: "ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئاً إلا أعطاه، ولقد جاءه رجل فأعطاه غنماً بين جبلين، فرجع إلى قومه، فقال: يا قوم، أسلموا، فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وإن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا، فما يلبث إلا سيراً حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها".

_ (1) البخاري: نفس الموضع السابق. 3596 - البخاري (3/ 356) 24 - كتاب الزكاة، 62 - باب إذا تحولت الصدقة. مسلم (2/ 755) 12 - كتاب الزكاة، 52 - باب إباحة الهدية للنبي صلى الله عليه وسلم. أبو داود (2/ 124) كتاب الزكاة، باب الفقير يهدي للغني من الصدقة إلا أن في روايته فقال: ما هذا؟ قالوا: شيء تصدق به على بريرة .. الحديث. النسائي (6/ 163) 27 - كتاب الطلاق، باب خيار الأمة تعتق وزوجها حر. (2) مسلم: نفس الموضع السابق. 3597 - مجمع الزوائد (3/ 104) قال الهيثمي: رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح. (3) مجمع الزوائد: نفس الموضع السابق. 3598 - مسلم (4/ 1806) 43 - كتاب الفضائل، 14 - باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط فقال: لا.

3599 - *روى مسلم عن محمد بن شهاب الزهري (رحمه الله) قال: "غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الفتح- فتح مكة- ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه من المسلمين، فاقتتلوا بحنين، فنصر الله دينه والمسلمين، وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ صفوان بن أمية مائة من الإبل، ثم مائة، ثم مائة" قال: وحدثني سعيد بن المسيب: أن صفوان قال له: "والله، لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إلي، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي". 3600 - * روى ابن خزيمة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بعث علي من اليمن إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهب لم يخلص من ترابها فقسمها بين أربعة: الأقرع بن حابس الحنظلي وعيينة بن حصن المرادي وعلقمة بن علاثة الجعفري، أو عامر بن الطفيل- هو شك- وزيد الطائي، فوجد من ذلك قوم من أصحابه من الأنصار وغيرهم فبلغه ذلك فقال: "ألا تأتمنوني وأنا أمين من في السماء! يأتيني خبر من في السماء صباح مساء". 3601 - * روى البخاري عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) يذكر عنه أنه قال: "يعتق من زكاة ماله، ويعطي في الحج". قال الحافظ في (الفتح 3/ 261): وصله أبو عبيد في كتاب الأموال، من طريق حسان أبي الأشرس، عن مجاهد عنه: "أنه كان لا يرى بأساً أن يعطي الرجل من زكاة ماله في الحج، وأن يعتق منه الرقبة". 3602 - * روى ابن خزيمة عن أبي لاس الخزاعي، قال: حملنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على إبل من إبل الصدقة ضعاف للحج، فقلنا: يا رسول الله ما نرى أن تحملنا هذه. فقال:

_ 3599 - مسلم (4/ 1806) 43 - كتاب الفضائل، 14 - باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط فقال: لا. 3600 - ابن خزيمة (4/ 71) 361 - باب إعطاء رؤساء الناس وقادتهم عل الإسلام تألفا بالعطية، وهو صحيح. (فوجد من ذلك) أحس في قلبه عدم الرضا. 3601 - البخاري (3/ 331) 24 - كتاب الزكاة، 49 - باب قول الله تعالى (وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله). 3602 - ابن خزيمة (4/ 73) 365 - باب إعطاء الإمام الحاج إبل الصدقة ليحجوا عليها، وإسناده حسن.

"ما من بعير إلا على ذروته شيطان. فاذكروا اسم الله عليها إذا ركبتموها كما أمركم، ثم امتهنوها لأنفسكم فإنما يحمل الله". 3603 - *روى ابن خزيمة عن أم معقل، قالت: تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم للحج وأمر الناس أن يتجهزوا معه، قالت. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج الناس معه، فلما قدم جئته. فقال: "ما منعك أن تخرجي معنا في وجهنا هذا يا أم معقل"؟ قلت: يا رسول الله لقد تجهزت فأصابتنا هذه القرحة، فهلك أبو معقل، وأصابني منها سقم، وكان لنا حمل نريد أن نخرج عليه فأوصى به أبو معقل في سبيل الله. قال: فهلا خرجت عليه فإن الحج في سبيل الله". 3604 - * روى أبو داود عن بشير بن يسار- مولى الأنصار- (رضي الله عنه) زعم أن رجلاً من الأنصار، يقال له: سهل بن أبي حثمة، أخبره: "أن نفراً من قومه انطلقوا إلى خيبر، فتفرقوا فيها، فوجدوا أحدهم قتيلاً .. الحديث وفيه- أن النبي صلى الله عليه وسلم وداه مائة من إبل الصدقة- يعني: دية الأنصاري الذي قتل بخيبر". 3605 - * روى ابن خزيمة عن سليمان بن يسار، عن سلمة بن صخر الأنصاري، قال: كنت أمرأً قد أوتيت من جماع النساء ما لم يؤت غيري، فلما دخل رمضان تظاهرت من امرأتي مخافة أن أصيب منها شيئاً في بعض الليل فأتتابع في ذلك، فلا أستطيع أن أنزع حتى يدركني الصبح، فبينا هي ذات ليلة تخدمني إذ تكشف لي منها شيء، فوثبت عليها، فلما أصبحت غدوت على قومي، فأخبرتهم خبري، فقلت: انطلقوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالة يبقى علينا عارها، فاذهب أنت واصنع ما بدا لك. فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته خبري قال: "أنت بذاك"؟ قال: أنا بذاك. وها أنا ذا فامض

_ 3603 - ابن خزيمة (4/ 72، 73) 364 - باب الرخصة في إعطاء من يحج من سهم سبيل الله .. إلخ، وهو صحيح. 3604 - أبو داود (2/ 119) كتاب الزكاة، 25 - باب كم يعطي الرجل الواحد من الزكاة. (وداه) وديت القتيل: إذا أعطيت ديته. 3605 - ابن خزيمة (4/ 73، 74) 366 - باب الرخصة في إعطاء الإمام المظاهر من الصدقة ... إلخ، وهو حسن لغيره.

في حكم الله فإني صابر محتسب. قال: "اعتق رقبة". فضربت صفحة رقبتي بيدي. فقلت والذي بعثك بالحق ما أصبحت أملك غيرها. قال: "صم شهرين متتابعين". قال، قلت: يا رسول الله وهل أصابني ما أصابني إلا في الصيام. قال: "أطعم ستين مسكيناً". قلت: يا رسول الله والذي بعثك بالحق لقد بتنا ليلتنا هذه حشاء ما نجد عشاء. قال: "فانطلق إلى صاحب الصدقة صدقة بني زريق فمره فليدفعها إليك فأطعم منها وسقاً ستين مسكيناً واستعن بسائرها على عيالك". فأتيت قومي، فقلت: وجدت عندكم الضيق. قال أبو بكر: لم أفهم عن الدورقي ما بعدها، وقال الآخرون: وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي، ووجدت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم السعة والبركة، قد أمر لي بصدقتكم، فادفعوها إلي. قال: فدفعوها إلي.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد لقد حددت آية قرآنية واحدة مصارف الزكاة بما لا تنقضي عجائبه وذلك من معجزات القرآن الكريم قال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (1). وقد كتب في مصارف الزكاة الكثير واتفق الفقهاء في أمور واختلفوا في بعض التفصيلات وفي ذلك سعة لتقع هذه الأقوال كلها على أحداث الحياة وتلون أحوالها. ولكون السنة النبوية كانت تعالج الأوابد كما تعالج المستجدات اليومية في حياة المسلمين زمن النبوة بما ينسجم مع الأوابد فإن نصوصها الكثيرة في الموضوع الواحد يمكن أن تتكرر كثيراً بحسب الفصول والأبواب وها أنت رأيت في بحث الصدقات والزكوات أن كثيراً مما ورد في باب القناعة والعفة والترهيب من السؤال يمكن أن نورده في فصل مصارف الزكاة، وكثير مما له علاقة في مصارف الزكاة تجده في باب الحث على الصدقة وكذلك في الفصول السابقة على هذا الفصل وتطبيق النصوص على الواقع هو الذي ينبغي أن ينصب عليه جهد العلماء الذين يعيشون هذا الواقع وذلك مقتضى قولنا: إن من وراثة النبوة معرفة سياسات النبوة والقيام بها على الذات والأسرة والمجتمع ... مذهب الثوري وابن المبارك وإسحق بن راهويه: أنه متى ملك الإنسان خمسين درهماً أو قيمتها من الذهب لا تحل له الزكاة، ومذهب أبي حنيفة: أن الغنى المانع من أخذ الزكاة أحد أمرين: ملك نصاب زكوي من أي مال كان، أو أن يملك من الأموال التي لا تجب فيها الزكاة ما يفضل عن حاجته ويبلغ قيمة الفاضل مائتي درهم، ومذهب الجمهور: أن الغنى هو ما تحصل به الكفاية فإذا لم يكن محتاجاً حرمت عليه الصدقة وإن لم يملك شيئاً، وإن كان محتاجاً حلت له الصدقة وإن ملك نصاباً أو أكثر، والأثمان وغيرها في هذا سواء. وقد خلص الشيخ يوسف القرضاوي إلى اعتماد مذهب الجمهور ومن كلامه:

_ (1) التوبة: 60.

أولاً: أن من كان له مال يكفيه- سواء أكان ذلك من مال زكوي أو غير زكوي، أو من كسبه وعمله أو من أجرة عقارات أو غير ذلك- فليس له الأخذ من الزكاة. ويعتبر وجود الكفاية له ولعائلته ومن يعوله، لأن كل واحد منهم مقصود دفع حاجته، فيعتبر له ما يعتبر للمنفرد. وجمهور العمال والموظفين من هذا الصنف الذي يعد غنياً بكسبه المتجدد، لا بماله وثروته المدخرة. فلو كان من لا يملك نصاباً فقيراً، لكان كل هؤلاء يستحقون الزكاة. وهذا غير مقبول. ثانياً: أن من ملك من أموال الزكاة نصاباً- أو أكثر- لا تتم به كفايته لنفسه ومن يعوله. فله الأخذ من الزكاة، لأنه ليس بغني. فمن له عروض تجارة قيمتها ألف دينار، أو أكثر، ولكن لا يحصل له من ربحها قدر كفايته- لكساد السوق، أو كثرة العيال أو نحوها- يجوز له الأخذ من الزكاة. ومن كان له مواش تبلغ نصاباً، أو له زرع يبلغ خمسة أوسق، لا يقوم ذلك بجميع كفايته، يجوز له الأخذ من الزكاة ولا يمنع ذلك وجوبها عليه، لأن الغنى الموجب للزكاة هو ملك النصاب بشروط. أما الغنى المانع من أخذها فهو ما تحصل به الكفاية ولا تلازم بينهما" (فقه الزكاة 2/ 555). أقول: جرت عادة الأغنياء أن يؤدوا زكواتهم في رمضان وذلك إلى الحول القادم فمن عرضت عليه زكاة ممن كان مظنة الحاجة خلال العام فله أخذها، والأحسن في هذه الحالة ألا ينفق منها على نفسه وعياله إلا عند الحاجة فإذا استغنى عنها خلال الحول تصدق بها ومن كان معه مال يكفيه إلى أمد معين وبعد ذلك قد يحتاج، والجهة التي يمكن أن تدفع له بينه وبينها أمد أو أن تحصيل حاجته يحتاج إلى زمن فله أن يسأل قبل الزمن الذي يتوقع احتياجه فيه. اختلف العلماء في بقاء سهم المؤلفة قلوبهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الحنفية ومالك: قد سقط سهم المؤلفة قلوبهم بانتشار الإسلام وغلبته، وقال الجمهور: حكم المؤلفة باق فيعطون عند الحاجة- وهو الذي نرجحه، الحج عند الحنابلة وبعض الحنفية من السبيل، فيعطى مريد الحج من الزكاة.

يعطى ابن السبيل ما يبلغ به مقصده إذا كان محتاجاً في سفره ولو كان غنياً في وطنه. اتفق الفقهاء على أنه يدفع الإمام إلى العاملين بقدر ما يسعهم أو يكفيهم وأعوانهم بالوسط مدة ذهابهم وإيابهم لكن قيد الحنفية ذلك بأن لا يزاد على نصف ما يقبضه والذي يظهر أن عصرنا يحتاج إلى اجتهادات مكافئة لتنظيم الزكوات بما يناسب العصر. من سأل الزكاة وعلم الإمام أنه ليس مستحقاً، لم يجز له صرف الزكاة إليه، وإن علم استحقاقه جاز الصرف إليه بلا خلاف. يحرم أخذ الزكاة لمن ليس مصرفاً لها كما حددته النصوص والفتوى. قال أبو حنيفة والحنابلة على الراجح عندهم: لا يجوز دفع زكاة الزوجة إلى زوجها لأن الزكاة تعود إليها بإنفاقه عليها، وقال الصاحبان والشافعية والمالكية على الصحيح عندهم يجوز. قال الشافعية: الأظهر منع نقل الزكاة، ويجب صرفها إلى الأصناف في البلد الذي فيه المال، فإن لم توجد الأصناف في البلد الذي وجبت فيه الزكاة أو لم يوجد بعضهم، أو فضل شيء عن بعض من وجد منهم، نقلت إلى أقرب البلاد لبلد الوجوب، وقال الحنفية: يكره تنزيهاً نقل الزكاة من بلد إلى بلد آخر إلا أن ينقلها إلى قرابته المحاويج ليسد حاجتهم، أو إلى قوم هم أحوج إليها أو أصلح أو أورع أو أنفع للمسلمين، أو من دار الحرب إلى دار الإسلام أو إلى طالب علم. فلا كراهة بل يندب. نص الحنفية والحنابلة: أن المسامحة بالدين لا تجزئ عن الزكاة وإنما يجب إعطاء الزكاة للفقير ويمكن استيفاء الدين منه بعد ذلك فيعطيه الزكاة، ثم بعد أن يستلمها يقول له: أعطني ديني. لو اشترى بالزكاة طعاماً، فأطعم الفقراء غداءً وعشاءً، ولم يدفع عين المال إليهم، لا يجوز لعدم التمليك.

لو قضى دين ميت فقير بنية الزكاة، لم يصح عن الزكاة، لأنه لم يوجد التمليك من الفقير لعدم قبضه، لكن لو قضى دين فقير حي بأمره، جاز عن الزكاة لوجود التمليك من الفقير. اتفق الفقهاء على أنه يجوز التوكيل في أداء الزكاة، بشرط النية من الموكل أو المؤدي، وللوكيل أن يوكل غيره بلا إذن، ولو نوى الوكيل ولم ينو الموكل لم يجز لأن الفرض يتعلق به. وإن دفعها إلى الإمام ناوياً ولم ينو الإمام حال دفعها إلى الفقراء جاز. لا يصح أن تدفع الزكاة إلا إلى مسلم من الأصناف الثمانية التي ذكرتها الآية ولا يصح أن تدفع إلى الأصول والفروع ولا إلى من ليس رشيداً، وإنما تدفع في هذه الحالة إلى وكيله أو وصية. لا يجوز دفع الزكاة إلى بني هاشم لأن آل البيت تحرم عليهم الزكاة لأنها أوساخ الناس، ولهم من خمس الخمس من المغانم في بيت المال ما يكفيهم، هذا وقد نقل عن أبي حنيفة وعن المالكية وبعض الشافعية: جواز إعطاء الهاشميين من الزكاة إذا حرموا من بيت المال سهم ذوي القربى منعاً لتضييعهم ولحاجتهم، وتحل صدقة التطوع لهم عند الأكثرين. يجوز عند الشافعية أن ندفع للإنسان زكاة ثمن آلة حرفة لابد منها لكسب الإنسان قوته مهما بلغت ولو كان في الأصل يملك نصاباً، لكنه لا يكفيه لشراء آلة العمل التي تلزمه لكسب قوته. يجوز عند الشافعية أن يدفع لتاجر ثمن بضاعة تجارة التي تلزمه لإقامة تجارته بما يسد حاجته من الزكاة مهما بلغ ذلك ولو كان في الأصل يملك نصاباً. يجوز لمن لا يجد عملاً أو وجد عملاً، ولكن لا يغطي نفقاته أن يأخذ زكاة يستكمل فيها حاجته. من كان عنده ملك يحتاجه لسد حاجاته وهذا الملك لا يغطي نفقاته فله أخذ الزكاة ولا يفترض عليه أن يبيع مورد رزقه. يرى الشافعية أن الغنى الذي لا تجوز معه الزكاة هو الذي يكفي الإنسان لنفسه ولمن

يعوله مدة حياته إذا لم يكن له مورد دوري ويعتبرون سن الثانية والستين هو السن الذي يقدر فيه العمر، بينما يعتبر بعض العلماء أن من كان معه كفاية سنة يعتبر غنياً لا يصح له أخذ الزكاة، أما من كان معه أقل من ذلك فإنه يعتبر فقيراً يجوز له أخذ الزكاة، والعبرة عند الحنفية لملك النصاب الزائد عن الحاجة الأصلية فمن كان يملك نصاباً أو أكثر أو كان يملك نصاباً عن نفسه وعن كل فرد يعوله فلا يصح له أخذ الزكاة. ومن ههنا نجد اجتهادات متعددة للفقهاء في الغنى الذي لا تجوز معه الزكاة، وهذا يعطي الإمام أو السلطان سعة في العمل على ضوء المصلحة. أجاز القرضاوي وآخرون من علماء العصر أن يقرض من مال الزكاة وعلى هذا فإنه يجوز للقائمين على أمر الزكاة من أفراد أو مؤسسات وحكومات أن يقرضوا من هذا المال. (فقه الزكاة 2/ 634). الذي نرجحه أن العامل القادر على العمل إذا لم يجد عملاً وكان محتاجاً أنه يدفع له من الزكاة، أما العامل الذي يجد عملاً ولا يعمل فالذي نرجحه ألا يدفع له من الزكاة وإذا دفع له جاز ذلك للدافع عند الحنفية وحرم على الآخذ عند بعضهم، وقال النووي: (إذا لم يجد الكسوب من يستعمله حلت له الزكاة لأنه عاجز) (المجموع 6/ 191). ذكر الشيخ يوسف القرضاوي أن بعض العلماء ذهبوا إلى أن الفقير والمسكين يعطيان من الزكاة ما يغنيهما مدى الحياة ونقل عن المالكية وجمهور الحنابلة أنه يجوز أن يعطى الفقير والمسكين ومن يعولانه ما يكفيهم سنة. وذهب الحنفية إلى أنه يدفع للإنسان الفقير أو المسكين مقدار النصاب وإذا كان له من يعوله فيدفع لكل واحد منهم مقدار النصاب وكلما احتاج جاز له الأخذ. انظر (فقه الزكاة 2/ 563). إن الغارمين وهم الذين عليهم ديون يجوز أن ندفع لهم من الزكاة ما نسد به دينهم وما يحتاجون إليه، والعازب الذي يريد الزواج ومن اشترى مسكناً ليسكن فيه إذا أصبحا مدينين جاز لنا أن ندفع لهما من الزكاة وها ما لم يختلف به أهل العلم ومنهم من ذهب إلى أن الراغب في الزواج يصح لنا أن ندفع له ما يلزمه للزواج ابتداء قبل أن يكون عليه دين إن كان محتاجاً، كما يصح أن ندفع لطالب العلم ما يحتاج إليه من أجل طلب العلم سواء في ذلك نفقاته أو ثمن الكتب التي تلزمه لطلب العلم إن كان محتاجاً، سواء كان العلم فرض كفاية

دينياً أو دنيوياً أو كان العلم مندوباً إليه قال الدكتور يوسف القرضاوي: الغارمون لمصلحة أنفسهم: غارم استدان في مصلحة نفسه، كأن يستدين في نفقة، أو كسوة، أو زواج، أو علاج مرض، أو بناء مسكن، أو شراء أثاث أو تزويج ولد، أو أتلف شيئاً على غيره خطأ أو سهواً أو نحو ذلك. روى الطبري عن أبي جعفر- ونحوه عن قتادة-: الغارم المستدين في غير سرف، ينبغي للإمام أن يقضي عنهم من بيت المال. [تفسير الطبري 14/ 338 بتحقيق محمود شاكر]. وأخص من ينطبق عليه هذا الوصف أولئك الذين فاجأتهم كوارث الحياة. ونزلت بهم حوائج اجتاحت مالهم، واضطرتهم الحاجة إلى الاستدانة لأنفسهم وأهليهم، فعن مجاهد قال: ثلاثة من الغارمين: رجل ذهب السيل بماله، ورجل أصابه حريق فذهب بماله، ورجل له عيال وليس له مال، فهو يدان وينفق على عياله [مصنف ابن أبي شيبة 3/ 207) انظر (فقه الزكاة 2/ 623). أقول: بل ندفع لهم ديونهم ونعطيهم فوقها ما يكفيهم أو يغنيهم مدى العمر أو ما يغنيهم لسنة أو ما يقيمون به أعمالهم التي يتكسبون منها، على ما ذكره الفقهاء من موسع ومضيق. نقل ابن رشد عن بعض الفقهاء أنهم أجازوا أن يدفع من الزكاة لمن تفرغ لشؤون المسلمين وإن كان غنياً قياساً على العاملين على الزكاة، ونحن نؤثر ألا يتوسع في هذا الموضوع إلا إذا لم توجد موارد أخرى، أو إذا كات ستضيع بعض المصالح إذا لم يتفرغ لها أحد إلا براتب من الزكاة. والظاهر أن مصالح إسلامية كبيرة تضيع إذا لم نأخذ بهذه الرخصة فالمراكز الإسلامية في كل مكان والأنشطة الإسلامية والتعليم في البلدان الفقيرة ورعاية كثير من الشعوب الإسلامية

ومواجهة الدعاية الكافرة والتفرغ لكثير من التخصصات الإسلامية كل ذلك يحتاج إلى تفرغ وكل ذلك يحتاج إلى رواتب منتظمة وقد يدخل المتفرغون لذلك في دائرة الحرج إذا لم نجز الأخذ من الزكاة وإن كانوا أغنياء. ذكر الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه القيم (فقه الزكاة) أن سهم المؤلفة قلوبهم لا زال مستمراً وذكر أصناف المؤلفة قلوبهم فذكر منهم: أ- من يرجى بعطيته إسلامه أو إسلام قومه وعشيرته. ب- من يخشى شره ويرجى بإعطائه كف شره وشر غيره معه. ج- من دخل حديثاً في الإسلام فيعطى إعانة له على الثبات على الإسلام. د- قوم من سادات المسلمين وزعمائهم لهم نظراء من الكفار إذا أعطوا رجي إسلام نظرائهم. هـ- زعماء ضعفاء الإيمان من المسلمين مطاعون في أقوامهم ويرجى بإعطائهم تثبيتهم. و- قوم من المسلمين في الثغور وحدود بلاد الأعداء يعطون لما يرجى من دفاعهم عمن وراءهم من المسلمين إذا هاجمهم العدو. ز- قوم من المسلمين يحتاج إليهم لجباية الزكاة ممن لا يعطيها إلا بنفوذهم وتأثيرهم إلا أن يقاتلوا فيختار بتأليفهم وقيامهم بهذه المساعدة أخف الضررين وأرجح المصلحتين ومما قاله الدكتور يوسف تحت عنوان (أين يصرف سهم المؤلفة في عصرنا؟): [إن الجواب عن هذا واضح مما ذكرناه من بيان الهدف الذي قصده الشارع من وراء هذا السهم. وهو استمالة القلوب إلى الإسلام أو تثبيتها عليه، أو تقوية الضعفاء فيه. أو كسب أنصار له. أو كف شر عن دعوته ودولته. وقد يكون ذلك بإعطاء مساعدات لبعض الحكومات غير المسلمة لتقف في صف المسلمين، أو معونة بعض الهيئات والجمعيات والقبائل ترغيباً لها في الإسلام أو مساندة أهله، أو شراء بعض الأقلام والألسنة للدفاع عن الإسلام وقضايا أمته ضد المفترين عليه.

كما أن الذين يدخلون في دين الله أفواجاً كل عام لا يجدون من حكومات البلاد الإسلامية أي معاونة أو تشجيع. والواجب أن يعطوا من هذا السهم ما يشد أزرهم ويسند ظهرهم. إن الإسلام بما فيه من وضوح وأصالة وملاءمة للفطرة السليمة والعقل الرشيد، ينشر نفسه بنفسه، في كثير من الأقطار. ولكن الذين يعتنقون الإسلام لا يجدون من الرعاية المادية والتوجيهية ما يمكنهم من التبصر في هذا الدين والانتفاع بهداه، ويعوضهم عن بعض ما قدموه من تضحيات، وما لقوه من اضطهاد من عشائرهم أو حكوماتهم. وكثير من الجمعيات الإسلامية في بلدان شتى تحاول أن تسد هذه الثغرة، ولكنها لا تجد المدد اللازم، والعون الكافي] (فقه الزكاة 2/ 594 - 611). أقول: إننا نندب الحكومات والجماعات الإسلامية والجمعيات والمؤسسات إلى أن تعلن عن مكافآت لمن يدخل في الإسلام وهذه المكافآت تشمل العطاء المباشر وتشمل الرعاية والتدريس والكفالة لذرية هؤلاء الداخلين في الإسلام وذلك تشجيع للناس على دخول الإسلام ولا يصح أن نستكبر عن سلوك هذا الطريق أو نأنف منه فهو جزء من السياسة النبوية، ولا يصح أن نخشى من لوم اللائمين فإنه لا قيمة للومهم، ومن استنكف من الداخلين في الإسلام عن أخذ المساعدة فهو مشكور مبرور. قد يؤسر مسلم أو يسجن ولا يطلق سراحه إلا بفدية فهل يجوز أن تدفع من الزكاة؟ ذهب الحنابلة وبعض المالكية إلى جواز ذلك. من له راتب متجدد أو كسب متجدد ولا يكفيانه بيقين، جاز له أن يأخذ من الزكاة كفايته لشهر أو لسنة أو للعمر على اختلاف بين الفقهاء. من المسائل التي ذكرها الدكتور يوسف القرضاوي: مسألة ما إذا استدان الإنسان لمصلحة الآخرين أو استدان لإقامة مشروع لمصلحة الجماعة فإنه يعان بأن يدفع له من الزكاة وغيرها وإن كان غنياً. وهذا قوله: "والنوع الثاني من الغارمين: فئة من أصحاب المروءة والمكرمات، والهمم العالية، عرفها

المجتمع العربي والإسلامي، وهم الذين يغرمون لإصلاح ذات البين، وذلك بأن يقع بين جماعة عظيمة- كقبيلتين أو أهل قريتين- تشاجر في دماء وأموال، ويحدث بسببها الشحناء والعداوة، فيتوسط الرجل بالصلح بينهما، ويلتزم في ذمته مالاً عوضاً عما بينهم، ليطفئ الثائرة، فهذا قد أتى معروفاً عظيماً، فكان من المعروف حمله عنه من الصدقة، لئلا يجحف ذلك بسادات القوم المصلحين، أو يوهن عزائمهم، فجاء الشرع بإباحة المسألة فيها، وجعل لهم نصيباً من الصدقة، ومن الجميل أن يصرح علماؤنا: أن الغارم لإصلاح ذات البين يعطى من الزكاة لسداد غريمه ولو كان هذا الإصلاح بين جماعتين من أهل الذمة. ومثل هؤلاء المصلحين بين الناس كل من يقوم من أهل الخير في عمل مشروع اجتماعي نافع كمؤسسة للأيتام، أو مستشفى لعلاج الفقراء، أو مسجد لإقامة الصلاة، أو مدرسة لتعليم المسلمين، أما ما شابه ذلك من أعمال البر والخدمة الاجتماعية، فإنه قد خدم في سبيل خير عام للجماعة، فمن حقه أن يساعد من المال العام لها. وليس في الشرع دليل يقصر الغارمين على من غرموا لإصلاح ذات البين دون غيرهم، فلو لم يدخل أولئك في لفظ "الغارمين"، لوجب أن يأخذوا حكمهم بالقياس. ومعنى هذا أن يعطى من استدان من أجل هذه الخدمات الاجتماعية النافعة من مال الزكاة ما يسد به دينه وإن كان غنياً، كما نص على ذلك بعض الشافعية. وإذا كان النوع الأول قد استدانوا لمصلحة أنفسهم وأعينوا عليها، فهؤلاء قد استدانوا لمصلحة المجتمع وهم أولى بالمعونة وإذا كان الأولون لا يعطون إلا مع المجاعة. فهؤلاء يعطون ولو مع الغنى". (فقه الزكاة 2/ 630). أقول: هذا مقيد بأن المتبرع لم يباشر الدفع من مال نفسه وإنما استدان ولا زال الدين عليه قائماً وفي هذا تشجيع للأغنياء أن يستدينوا لصالح مشروع خيري أو أن يتحملوا لحل مشكلة فالناس تثق بهم ولهم أن يجمعوا تبرعات لصالح وفاء هذا الدين. ونتمنى أن توجد مجموعات من الأغنياء للقيام بمثل هذه المشروعات وإن كثيراً من الحكومات الإسلامية لتفعل هذا الشيء بالأموال التي تجب فيها الزكاة دون نية الزكاة فلو نووا الزكاة لكان ذلك مجزئاً عنهم عند الله تعالى.

هناك صورتان أدخلهما الدكتور يوسف القرضاوي في سهم (سبيل الله) كمصرف من مصارف الزكاة: العمل لتحرير بلاد الإسلام من الكافرين، والعمل لإقامة شريعة الإسلام في البلاد الإسلامية، ومقتضى كلامه أنه يجوز أن تدفع للجمعيات والمؤسسات والأحزاب الإسلامية القائمة على تلك الزكاة. انظر (فقه الزكاة 2/ 666). ذكر فقهاء الحنفية أن من له مال لا يقهر عليه ولو في بلده يصح له أن يأخذ من الزكاة قياساً على ابن السبيل ويدخل في ذلك من باب أولى المشردون واللاجئون الذين لهم مال في أوطانهم ولا يقدرون عليه. ما تحتاجه رعاية اليتيم واللقيط يصح أن يكون من الزكاة إذا لم يكن لهما مال ينفق عليهما منه. الولد يعتبر غنياً بغنى أبيه ما دام دون البلوغ فإذا بلغ يعتبر فقيراً وإن كان والده غنياً وعلى هذا فكل من تجاوز البلوغ وليس له ملك خاص به، وإن كان من أبناء الأغنياء فلنا أن ندفع له من الزكاة. الأصل أن تدفع الزكاة إلى مسلم عدل لكن أجاز الفقهاء أن تدفع الزكاة إلى فاسق بعمل أو ببدعة ولم يجيزوا أن تدفع الزكاة إلى من كفر ببدعته وإن ادعى الإسلام، وفي عصرنا يجب أن يتأكد من إسلام الإنسان قبل دفع الزكاة لأن كثيراً من الناس ارتدوا بانخراطهم بأحزاب كافرة وتبنيهم لأفكار مكفرة. قال جمهور الفقهاء: يجوز أن تدفع الزكاة إلى الأقارب ما عدا الأصول والفروع والزوجة.

الفصل الخامس في متفرقات في الزكاة

الفصل الخامس في متفرقات في الزكاة

وسم إبل الصدقة

وسم إبل الصدقة: 3606 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: "غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن أبي طلحة ليحنكه، فرأيته في يده الميسم يسم إبل الصدقة". وفي رواية (1) "فغدوت، فإذا هو في الحائط، وعليه خميصة جونية وهو يسم الظهر الذي قدم من الفتح". وفي روية (2) أبي داود قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بأخ لي، حين ولد ليحنكه، فإذا هو في مربد يسم غنماً، أحسبه قال: في آذانها". تعجيل الزكاة: 3607 - * روى أبو داود عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه): "أن العباس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعجيل زكاته، قبل أن يحول الحول، مسارعة إلى الخير، فأذن له في ذلك". وفي أخرى (3) للترمذي أن النبي صلى الله عليه قال لعمر: "إنا قد أخذنا زكاة العباس عام الأول للعام". وسبق بحث هذه المسألة.

_ 3606 - البخاري (3/ 366) 24 - كتاب الزكاة، 69 - باب وسم الإمام إبل الصدقة بيده. مسلم (3/ 1674) 37 - كتاب اللباس والزينة، 30 - باب جواز وسم الحيوان غير الآدمي في غير الوجه. (1) مسلم، نفس الموضع السابق. (2) أبو داود (3/ 26) كتاب الجهاد، باب في وسم الدواب. (الخميصة): كساء أسود مربع له علمان، فإن لم يكن معلماً فليس بخميصة. و (الجونية): منسوبة إلى السواد. 3607 - أبو داود (2/ 115) كتاب الزكاة، باب في تعجيل الزكاة. الترمذي (3/ 63) 5 - كتاب الزكاة، 37 - باب ما جاء في تعجيل الزكاة. (3) الترمذي: نفس الموضع السابق، قال محقق الجامع: ورواه أيضاً أحمد والحاكم والدارقطني وغيرهم، وسنده ضعيف، ولكن يعضده أحاديث بمعناه يقوى بها.

ما يبرئ من حق الزكاة

ما يبرئ من حق الزكاة: 3608 - * روى أحمد عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: أتى رجل من بني تميم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني ذو مال كثير وذو أهل ومال وحاضرة فأخبرني كيف أصنع وكيف أنفق؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تخرج الزكاة من مالك فإنها طهرة تطهرك، وتصل أقرباءك، وتعرف حق المسكين والجار والسائل". فقال: يا رسول الله أقلل لي. فقال: "آت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا". فقال: يا رسول الله إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها لك أجرها وإثمها على من بدلها". 3609 - * روى الطبراني في الأوسط عن جابر رضي الله عنه قال: قال رجل من القوم يا رسول الله أرأيت إن أدى الرجل زكاة ماله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أدى زكاة ماله فقد ذهب عنه شره". الزكاة في العطاء: 3610 - * روى الطبراني عن هبيرة بن بريم عن ابن مسعود قال: كان يعطينا العطاء ثم يأخذ زكاته. 3611 - *روى الطبراني عن القاسم بن محمد: "كان أبو بكر إذا أعطى الناس أعطياتهم، سأل الرجل: هل عندك من مال وجبت عليك في الزكاة؟ فإن قال: نعم، أخذ من

_ 3608 - أحمد (3/ 136). مجمع الزوائد (3/ 63) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. 3609 - مجمع الزوائد: رواه الطبراني في الأوسط، وقال الهيثمي في المجمع: إسناده حسن، وإن كان في بعض رجاله كلام. 3610 - مجمع الزوائد (3/ 68) قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح خلا هبيرة وهو ثقة. 3611 - الموطأ (1/ 245) 17 - كتاب الزكاة، 2 - باب الزكاة في العين من الذهب والورق.

عطائه زكاة ذلك المال، وإن قال: لا، سلم إليه عطاءه ولم يأخذ منه شيئاً". 3612 - * روى مالك عن قدامة بن مطعون الجمحي (رحمه الله) قال: "كنت إذا جئت عثمان بن عفان أقبض عطائي، سألني: هل عندك من مال وجبت عليك فيه الزكاة؟ ... وذكر مثل الحديث الأول". التصدق زائداً على الزكاة: 3613 - *روى ابن خزيمة عن حارثة بن مضرب جاء ناس من أهل الشام إلى عمر، فقالوا: إنا قد أصبنا أموالاً: خيلاً ورقيقاً، نحب أن يكون لنا فيها زكاة وطهور. فقال: ما فعله صاحباي قبلي فأفعله، فاستشار أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وفيهم علي. فقال علي: هو حسن إن لم تكن جزية يؤخذون بها راتبة. قال ابن خزيمة: وفيه دلالة على أن صاحب المال إن أعطى صدقة من ماله وإن كانت الصدقة غير واجبة في ماله فجائز للإمام أخذها إذا طابت نفس المعطي، وكذلك الفاروق لما أعلم القوم أن النبي صلى الله عليه وسلم والصديق قبله لم يأخذا صدقة الخيل والرقيق فطابت أنفسهم بإعطاء الصدقة من الخيل والرقيق متطوعين جاز للفاروق أخذ الصدقة منه، كما أباح المصطفى صلى الله عليه وسلم أخذ الصدقة مما دون خمس من الإبل، ودون اربعين من الغنم، ودون مائتي درهم من الورق. الخطأ في أداء الزكاة والصدقة: 3614 - * روى البخاري عن معن بن يزيد (رضي الله عنه) قال: "بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأبي وجدي، وخطب علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنكحني، وخاصمت إليه، وكان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها، فوضعها عند رجل في المسجد، فأعطانيها، ولم يعرف، فأتيته بها، فقال: إني والله ما إياك أردت، فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:

_ 3612 - الموطأ: نفس الموضع السابق ص 246، وإسناده صحيح. 3613 - ابن خزيمة (4/ 30) كتاب الزكاة، 305 - باب ذكر السنة الدالة على معنى أخذ عمر عن الخيل والرقيق صدقة، وإسناده حسن. 3614 - البخاري (3/ 291) 24 - كتاب الزكاة، 15 - باب إذا تصدق على ابنه وهو لا يشعر.

لك ما نويت يا يزيد ولك ما أخذت يا معن". وزاد رزين بعد قوله "فأنكحني" "وأمهر عني". أقول: واضح من النص أن يزيد وكل الرجل بإخراجها، والمعروف أن الزكاة لا تصح للفروع، والوكيل أعطاها وهو لا يعرف أن يزيد هو ابن معن، وقد استدل الحنفية به على صحة الزكاة في حالة الخطأ في مثل هذه الصورة. وانظر (الاختيار 1/ 122). 3615 - *روى مسلم عن أبي هريرة، عن النبي قال: "قال رجل: لأتصدقن الليلة بصدقة. فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية. فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على زانية. قال: اللهم! لك الحمد على زانية. لأتصدق بصدقة. فخرج بصدقته فوضعها في يد غني. فأصبحوا يتحدثون: تصدق على غني. قال: اللهم! لك الحمد على غني. فأصبحوا يتحدثون: تصدق على غني. قال: اللهم! لك الحمد على غني. ولأتصدقن بصدقة. فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق. فأصبحوا يتحدثون: تصدق على سارق. فقال: اللهم لك الحمد على زانية وعلى غني وعلى سارق. فأتي فقيل له: أما صدقتك فقد قبلت. أما الزانية فلعلها تستعف بها عن زناها. ولعل الغني يعتبر فينفق مما أعطاه الله. ولعل السارق يستعف بها عن سرقته". قال النووي (7/ 110): وهذا في صدقة التطوع، وأما الزكاة فلا يجزئ دفعها إلى غني. اهـ. أقول: وقد رأيت مذهب الحنفية في أن الخطأ في أداء الزكاة يسقطها.

_ 3615 - مسلم (2/ 709) 12 - كتاب الزكاة، 24 - باب ثبوت أجر المتصدق، وإن وقعت الصدقة في يد غير أهلها.

الباب الرابع في الأوقاف وما يتعلق بها

الباب الرابع في الأوقاف وما يتعلق بها وفيه مقدمة وعرض إجمالي ونصوص ومسائل وفوائد

مقدمة

مقدمة نظام الأوقاف في الإسلام هو النظام المكمل لنظام الزكوات والصدقات وبه يتكامل نظام تكافلي يسع احتياجات الأمة، فإذا ما أضيف إلى هذه الأنظمة ما شرع في الإسلام من أحكام تضبط طرق التملك وتضبط توزع الثروة والمعاملات، وتضبط حقوق الدولة والأفراد، فإن نظاماً اقتصادياً فريداً يتميز به الإسلام عن غيره. ونظام الأوقاف قام في الأمة منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوسعت فيه الأمة فيما بعد، وبنى عليه المحسنون فلم يتركوا باباً من أبواب الخير إلا وقفوا عليه وعلى القائمين به، وهناك كثيرون وقفوا على ذرياتهم فتطور الوقف في الأمة الإسلامية وتوسعت دائرته ولو أنه أحسنت صيانته وأحسن التعامل مع الأوقاف التي قدمتها لنا الأجيال السابقة، لكان لنظام الوقف دور كبير في سد حاجات كثير من الناس، وإغناء كثير من الناس، ولكن تسللت إلى كثير من العقول ما قامت به الثورة الفرنسية من تحجيم أوقاف الكنيسة وغلب على كثير من الناس الرغبة في أن تنقطع استمرارية كثير من الأوقاف، واستطاعت هذه الرغبات أن تفعل فعلها فحجم نظام الأوقاف. ومما زاد الأمر سوءاً أن نظام الأوقاف يحتاج إلى أعلى درجات الضبط الإداري على ضوء الأحكام الشرعية، وهذا يقتضي ألا تسلم وزارة الأوقاف إلا لمن اجتمع له علم وضبط وأمانة وورع، ولم يتوافر هذا في كثير ممن استلموا وزارات الأوقاف في العالم الإسلامي. ونظام الأوقاف نموذج على ضرورة الفقه والفقهاء والاجتهاد والمجتهدين. فالنصوص التي تحدثت عن الوقف قليلة ولكن مسائل الأوقاف توسعت على مر الزمن، وأنواع الأوقاف تعددت، وكان لابد من ضبط إداري محكم، وهذا كله يحتاج إلى فقهاء يفتون ويضبطون الأمور على معايير الشرع وموازينه، ولذلك تجد أبحاث الوقف في كتب الفقه والكتب التي ألفت في الفقه كبيرة وكثيرة، وكلها تفريعات على أصول قليلة. فأبحاث الوقف دليل على احتياج الأمة للفقه والفقهاء، والاجتهاد والمجتهدين، ولعله من أهم الأمور التي تحتاج إلى إعادتها إلى نصابها العكوف في كل مكان على صكوك الأوقاف.

وعلى ضبط أمر الأوقاف، ورسم السياسات الحكيمة لوزارات الأوقاف بحيث تؤدي الأوقاف غرضها المكمل لنظام الزكوات ونظام الصدقات.

عرض فقهي إجمالي

عرض فقهي إجمالي: الأوقاف على نوعين: أوقاف خيرية وأوقاف ذرية، فما وقفه الإنسان على نفسه ثم ذريته بعده، أو وقفه على ذريته من بعده، أو وقفه على آخرين وعلى ذرياتهم فهذا الوقف الذري، وقد اعتادته الأمة في كثير من الجهات واعتمدته. وأما الأوقاف الخيرية: فهو ما وقف على جهة القربى لله تعالى كالمساجد والرباطات والسقايات ومنازل المسافرين، ومدارس العلم والمستشفيات إلى غير ذلك. والفقهاء متفقون على أن شرط الواقف كنص الشارع إلا أن لهم اجتهادات متعددة حول ما يجوز وقفه ومتى يثبت للشيء حكم الوقف وما هي الأحكام التي تحكم كل نوع من أنواع الأوقاف وكيف يتعامل مع الطوارئ التي تطرأ على الوقف؟ فأبو حنيفة مثلاً: يرى أن الشيء لا يخرج عن ملك الواقف بمجرد الكلام ولكنه في المساجد يكون مع القول بالصلاة في المسجد، وفي غير المسجد لابد من قضاء القاضي أو وفاة الواقف وما قبل ذلك فإن الوقف لا يثبت وهو على ملك الواقف وله أن يرجع عن كلامه فيه، وأبو يوسف: يرى جواز وقف المتغير تبعاً لغيره ومحمد من فقهاء الحنفية: يرى وقف المتغير استقلالاً وعلى هذا فمريد التفقه في موضوع الأوقاف يحتاج إلى معرفة ما يثبت به الوقف وإذا ثبت فما هي أحكام التعامل مع كل وقف على حدة وإذا طرأت طوارئ فما هي الأحكام التي تحكم المستجدات؟ وها هي صورة مختصرة عن مباحث الوقف؟ الوقف لغة: الحبس عن التصرف، وشرعاً: قال الجمهور ومنهم الصاحبان وبرأيهما يفتى عند الحنفية- والشافعية والحنابلة في الأصح-: هو حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته من الواقف وغيره على مصرف مباح موجود أو بصرف ريعه على جهة بر وخير تقرباً إلى لله تعالى وعليه يخرج المال عن ملك الواقف ويصير حبيساً على حكم ملك الله تعالى، ويمتنع على الواقف تصرفه فيه ويلزم التبرع بريعه على جهة الوقف، وقالت المالكية: الوقف: هو جعل المالك منفعة مملوكة ولو كان مملوكاً بأجرة أو جعل غلته كدراهم لمستحق بصيغة مدة ما يراه المحبس، والوقف عند الجمهور سنة مندوب إليها.

الركن الأول: الموقوف

وركن الوقف عند بعض الحنفية: الصيغة: وهي الألفاظ الدالة على معنى الوقف، مثل: أرضي هذه موقوفة مؤبدة على المساكين ونحوه. وقال الجمهور: للوقف أركان أربعة: وهي الواقف والموقوف والموقوف عليه والصيغة. أما القبول من الموقوف عليه: فليس ركناً في الوقف عند الحنفية على المفتي به والحنابلة. ويعد القبول عند المالكية والشافعية وبعض الحنابلة ركناً إذا كان الوقف على معين إن كان أهلاً للقبول وإلا فيشترط قبول وليه كالهبة والوصية الواجبة. الركن الأول: الموقوف وهو نوعان: أ- الوقف الخيري: وهو الذي يوقف في أول الأمر على جهة خيرية ولو لمدة معينة يكون بعدها وقفاً على شخص معين أو أشخاص معينين. ب- الوقف الأهلي أو الذري فهو الذي يوقف في ابتداء الأمر على نفس الواقف أو أي شخص أو أشخاص معينين ولو جعل آخره لجهة خيرية. والموقوف: وهو المال الموجود المتقوم من عقار: أرض أو دار بالإجماع، أو منقول ككتب وثياب وحيوان وسلاح. أنواع المال الموقوف: أ- وقف العقار: يصح وقف العقار من أرض ودور وحوانيت وبساتين ونحوها بالاتفاق لأن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم وقفوه. ب- وقف المنقول: اتفق الجمهور غير بعض الحنفية على جواز وقف المنقول مطلقاً، كآلات المسجد كالقنديل والحصير، وأنواع السلاح والثياب، والأثاث. سواء أكان الموقوف مستقلاً بذاته، أو تبعاً لغيره من العقار فيصح كونه مؤبداً أو مؤقتاً، خيرياً أو أهلياً. ج- وقف المشاع: يجوز عند الجمهور غير المالكية وآخرين وقف المشاع الذي لا يحتمل القسمة، مع الشيوع كحصة سيارة، لأن الوقف كالهبة، وهبة المشاع غير القابل القسمة

الركن الثاني (شروط الواقف)

جائزة- أما المشاع القابل للقسمة: فقال أبو يوسف ويفتى بقوله: يجوز وقفه لأن القسمة من تمام القبض، والقبض عنده ليس بشرط لتمام الوقف فكذا تتمته وهذا موافق لرأي المالكية والشافعية والحنابلة. د- وقف حق الارتفاق. هـ- وقف الإقطاعات. و- وقف أراضي الحوز. ز- وقف المرهون: قال الحنفية: يصح للراهن وقف المرهون، لأنه يملكه لكن يبقى حق المرتهن متعلقاً بالمرهون، فإن وفى الراهن الدين تطهرت وخلصت العين المرهونة من تعلق حق المرتهن بها وإلا فله أن يطلب إبطال الوقف وبيع المرهون. وقال الجمهور: لا يصح وقف المرهون. ح- وقف العين المؤجرة: يصح عند الجمهور للمؤجر وقف العين المؤجرة ولا يصح وقفها عند المالكية، ويصح عند المالكية للمستأجر وقف منفعة المأجور ولا يصح وقفها عند الجمهور. شروط الموقوف: واتفق الفقهاء على اشتراط كون الموقوف مالاً متقوماً معلوماً مملوكاً للواقف ملكاً تاماً أي لا خيار فيه. الركن الثاني (شروط الواقف): ينبغي أن يكون الواقف: أ- حراً مالكاً. ب- أن يكون عاقلاً. ج- أن يكون بالغاً. د- أن يكون رشيداً. فلا يصح الوقف من السفيه والمفلس أو المغفل عند الجمهور. وقال الحنفية: لا ينفذ وقف المدين المفلس إلا بإجازة الدائنين، فعدم الحجر عليه شرط نفاذ عندهم لا شرط صحة. وأما وقف المكره فقد اشترط الشافعية والمالكية والحنابلة في الواقف أن يكون مختاراً فلا يصح الوقف من مكره إذ لا تصح عبارته.

الركن الثالث: الموقوف عليه

الركن الثالث: الموقوف عليه: إن الموقوف عليه إما معين أو غير معين فيشترط في الوقف على معين بالاتفاق كونه أهلاً للتملك، واختلف الفقهاء في الوقف على المعدوم والمجهول وعلى نفسه. ويشترط في الموقوف عليه غير المعين شروط: أ- أن يكون معلوماً وأن يكون جهة خير وبر يحتسب الإنفاق عليها قربة لله تعالى: وهذا متفق عليه في المسلم فقط، بأن يكون الموقوف عليه قربة في ذاته والجهة تتملك الموقوف حكماً ولا يصح بالاتفاق وقف المسلم على جهة معصية كأندية الميسر ودور اللهو وجمعيات الإلحاد والضلال لأنه ليس قربة في نظر الإسلام واتفق فقهاؤنا على بطلان وقف غير المسلم على جهة معصية ليست قربة في دينه ولا في دين الإسلام كالمراقص وأندية القمار واختلفوا فيما تختلف فيه أنظار الشرائع. ب- الشرط الثاني في الموقوف عليه غير المعين لأبي حنيفة ومحمد: أن يجعل آخر الوقف الأهلي لجهة لا تنقطع أبداً كالفقراء مثلاً فإن لم يذكر آخره لم يصح عندهما لأن التأبيد شرط جواز الوقف وتسمية جهة تنقطع، توقيت له معنى، فيمنع الجواز ولأنه يصبح حينئذ وقفاً على مجهول فلم يصح كالموقوف على مجهول في ابتداء الوقف، وقال أبو يوسف ليس هذا بشرط وأخذ الجمهور غير الحنفية بقول أبي يوسف أما المالكية فلم يشترطوا تأبيد الوقف. الركن الرابع: صيغة الوقف وألفاظ الوقف: صيغة الوقف: ينعقد الوقف بالإيجاب وحده ولو لمعين عند الحنفية والحنابلة وكذا إذا كان على غير معين باتفاق العلماء وبالإيجاب والقبول عند المالكية والشافعية وبعض الحنابلة إذا كان على معين، وألفاظ الوقف الخلاصة به عند الحنفية: مثل: أرضي هذه صدقة موقوفة مؤبدة على المساكين أو موقوفة لله تعالى أو على وجه الخير أو البر والمفتى به عملاً بالعرف هو ما قال أبو يوسف من الاكتفاء بلفظ (موقوفة) بدون ذكر تأبيد أو ما يدل عليه وذلك إذا لم يكن وقفاً على معين كزيد، والتأبيد من حيث المعنى شرط باتفاق الحنفية على الصحيح ومذهب الشافعية: لا يصح الوقف إلا بلفظ صريح مثل وقفت كذا على كذا أو أرضي موقوفة عليه لاشتهاره لغة وعرفاً والتسبيل والتحبيس صريحان أيضاً على الصحيح لتكررهما شرعاً واشتهارهما عرفاً ولم ينقل عن الصحابة وقف إلا بهما، ورأي

شروط صيغة الوقف

الحنابلة: الوقف إما بلفظ صريح أو كناية. لم ينقل عن الصحابة وقف إلا بهما، ورأي الحنابلة: الوقف إما بلفظ صريح أو كناية. شروط صيغة الوقف: الشرط الأول- التأبيد: فلا يصح عند الجمهور غير المالكية بما يدل على التأقيت بمدة لأنه إخراج مال على وجه القربة فلم يجز إلى مدة وإنما لابد من اشتماله على معنى التأبيد ولا يشترط التلفظ به كالوقف على من لم ينقرض قبل قيام الساعة كالفقراء أو على من ينقرض ثم على من لا ينقرض كزيد ثم الفقراء. أما المالكية فلم يشترطوا التأبيد في الوقف وأجازوا الوقف سنة أو أكثر لأجل معلوم ثم يرجع ملكاً للواقف أو لغيره توسعة على الناس في عمل الخير. الشرط الثاني- التنجيز: بأن يكون منجزاً في الحال غير معلن بشرط ولا مضاف إلى وقت في المستقبل لأنه عقد يقتضي نقل الملك في الحال فلم يصح تعليقه على شرط كالبيع والهبة في رأي الجمهور غير المالكية. والحاصل أنه لا يجوز عند الجمهور تعليق الوقف على شرط في الحياة مثل إذا جاء رأس الشهر فداري وقف. وقال المالكية عن هذا الشرط لا يشترط في الوقف التنجيز فيجوز مع التعليق. الشرط الثالث- الإلزام: لا يصح عند الجمهور غير المالكية تعليق الوقف بشرط الخيار أو بخيار الشرط معلوماً كان أو مجهولاً بأن يقف شيئاً ويشترط لنفسه أو لغيره الرجوع فيه متى شاء ويبطل الوقف كالهبة والعتق. لكن استثنى الحنفية وقف المسجد فلو اتخذ مسجداً على أنه بالخيار، جاز والشرط باطل. الشرط الرابع: عدم الاقتران بشرط باطل. والشروط عند الحنفية ثلاثة: 1 - شرط باطل. 2 - شرط فاسد. 3 - شرط صحيح. - الباطل ما ينافي مقتضى الوقف.

الشرط الخامس عند الشافعية: بيان المصرف

- الفاسد ما يخل بالانتفاع بالموقوف أو بمصلحة الموقوف عليه. - الصحيح كل شرط لا ينافي مقتضى الوقف ولا يخل بالمنفعة ولا يصادم الشرع، مثل اشتراط البدء من الريع بأداء الضرائب المستحقة، أو البدء بالتعمير قبل الصرف إلى المستحقين وحكمه، أنه يجب اتباعه وتنفيذه. الشرط الخامس عند الشافعية: بيان المصرف فلو اقتصر الواقف على قوله: وقفت كذا، ولم يذكر مصرفه، فالأظهر بطلانه، لعدم ذكر مصرفه، وهذا بخلاف الوصية، فإنها تصح وتصرف للمساكين، لأن غالب الوصايا للمساكين فحمل الإطلاق عليه بخلاف الوقف. وصحح صاحب "المهذب" القول الثاني وهو صحة الوقف بدون ذكر جهة الصرف، لأنه إزالة ملك على وجهة القربة، فصح مطلقاً كالأضحية. ولم يشترط الجمهور غير الشافعية ذكر جهة الصرف. نفقات الوقف: نفقة الوقف من ريعه بالاتفاق، مع اختلافات في شرط الواقف وغيره. مذهب الحنفية: الواجب أن يبدأ من ريع الوقف أي غلته، بعمارته بقدر ما يبقى الوقف على الصفة التي وقف عليها، وإن خرب بني على صفته، سواء شرط الواقف النفقة من الغلة أو لم يشرط لأن قصد الواقف صرف الغلة مؤبداً ولا تبقى دائمة إلا بالعمارة فيثبت شرط العمارة اقتضاء، ولأن الخراج بالضمان. ومذهب المالكية: مثل الحنفية يجب على الناظر إصلاح الوقف إن حصل به خلل من غلته، وإن شرط الواقف خلافه، فلا يقع شرطه لأنه يؤدي إلى إتلافه وعدم بقائه وهو لا يجوز. جواز استبدال الوقف وبيعه حالة الخراب: أجاز الفقهاء استبداله وبيعه للضرورة بشروط وقيود وتفصيلات لديهم. شروط الاستبدال: 1 - أن يخرج الموقوف عن الانتفاع به بالكلية.

2 - أن لا يكون هناك ريع للوقف يعمر به. 3 - أن لا يكون البيع بغبن فاحش. 4 - أن يكون المستبدل قاضي الجماعة [وهو من لم تنصبه حكومة كافرة أو باغية وإنما نصبه المسلمون] وهو ذو العلم والعمل لئلا يؤدي الاستبدال إلى إبطال أوقاف المسلمين، كما هو الغالب في الزمن الأخير. 5 - أن يستبدل به عقاراً لا دراهم ودنانير لئلا يأكلها النظار، وأجاز بعضهم الاستبدال به نقوداً، ما دام المستبدل قاضي الجماعة. 6 - أن لا يبيعه القاضي لمن لا تقبل شهادته له، ولا لمن له عليه دين، خشية التهمة والمحاباة فإذا لم تتوافر هذه الشروط كان بيع الوقف باطلاً وإذا صح بيع الحاكم بطل وقفية ما باعه. الوقف في مرض الموت: يكون الوقف في مرض الموت بمنزلة الوصية في اعتباره من ثلث المال، لأنه تبرع فاعتبر في مرض الموت من الثلث كالعتق والهبة. فإذا خرج من الثلث نفذ من غير رضا الورثة ولزم، وما زاد على الثلث لزم الوقف منه في قدر الثلث، ووقف الزائد على إجازة الورثة، لأن حق الورثة تعلق بالمال بوجود المرض، فمنع التبرع بزيادة على الثلث، كالعطايا والعتق، ولا يجوز عند الجمهور أيضاً الوقف في مرض الموت على بعض الورثة فإن وقف توقف الوقف على إجازة سائر الورثة لأنه تخصيص لبعض الورثة بماله في مرضه فمنع منه كالهبات، ولأن كل من لا تجوز له الوصية بالعين لا تجوز بالمنفعة، كالأجنبي فيما زاد على الثلث، والخلاصة: أن وقف المريض لازم لا يجوز الرجوع عنه عند الجمهور في حدود الثلث من التركة، وباطل عند المالكية. ناظر الوقف: يصح بالاتفاق للواقف جعل الولاية والنظر لنفسه أو للموقوف عليه، أو لغيرهما، إما بالتعيين كفلان، أو بالوصف كالأرشد أو الأعلم أو الأكبر أو من هو بصفة كذا، فمن وجد فيه الشرط، ثبت له النظر عملاً بالشرط.

شروط الناظر

شروط الناظر: 1 - العدالة الظاهرة: وهذا شرط عند الجمهور، وقال الحنابلة: لا تشترط العدالة ويضم إلى الفاسق عدل، كما يضم إلى ناظر ضعيف ناظر قوي أمين. 2 - الكفاية: وهي قوة الشخص وقدرته على التصرف فيما هو ناظر عليه، والكفاية تتطلب وجود التكليف أي البلوغ والعقل ولا تشترط في الناظر الذكورة، لأن عمر أوصى إلى حفصة رضي الله عنها. 3 - الإسلام: إن كان الموقوف عليه مسلماً، أو كانت الجهة كمسجد، فإن كان الوقف على كافر معين جاز شرط النظر فيه لكافر، هذا ما ذكره الحنابلة ولم يشترط الحنفية الإسلام في الناظر. عزل الناظر: تكاد تتفق وجهات النظر الفقهية حول عزل الناظر. فذكر الحنفية: أن للواقف عزل الناظر مطلقاً وبه يفتى ولو لم يجعل الواقف ناظراً فنصبه القاضي لم يملك الواقف إخراجه ويجب على القاضي عزل الناظر سواء أكان هو الواقف أم غير الواقف إذا كان خائناً غير مأمون أو عاجزاً أو ظهر به فسق كشرب الخمر ونحوه ولا يجوز للقاضي عزل الناظر المشروط له النظر أو صاحب وظيفة بلا خيانة أو عدم أهلية ويصح عزل الناظر المعين من قبل القاضي لا من قبل الواقف بلا خيانة. والحاصل أن الناظر ينعزل بعزل نفسه- أي بالاستقالة- أو بعزل الواقف إن عينه هو أو بعزل القاضي.

النصوص

النصوص 3616 - * روى مسلم عن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) قال: "أصبت أرضاً من أرض خيبر، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أصبت أرضاً، لم أصب مالاً أحب إلي ولا أنفس عندي منها، فما تأمر به؟ قال: "إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها، قال: فتصدق بها عمر على أن لا تباع ولا توهب، في الفقراء، وذوي القربى، والرقاب، والضيف، وابن السبيل، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف، غير متمول مالاً، ويطعم". وقد روي هذا الحديث عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً مثله. وللنسائي في أخرى (1) "أن عمر قال للنبي صلى الله عليه وسلم: المائة سهم التي لي من خيبر، لم أصب مالاً أعجب إلي منها، فأردت أن أتصدق بها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احبس أصلها، وسبل ثمرتها". وفي أخرى (2) نحوه، وفيها "كان لي مائة رأس، فاشتريت بها مائة سهم بخيبر من أهلها، وإني قد أردت أن أتقرب بها إلى الله عز وجل .. وذكر الحديث". وفي أخرى (3) قال: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أرض لي بثمغ؟ قال: احبس أصلها، وسبل ثمرتها". 3617 - * روى الستة عن ابن عمر: أصاب عمر أرضاً بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال

_ 3616 - مسلم (3/ 1255 - 1256) 25 - كتاب الوصية، 4 - باب الوقف. أبو داود (3/ 116) كتاب الوصايا، 13 - باب ما جاء في الرجل يوقف الوقف. النسائي (6/ 230) 29 - كتاب الأحباس، 2 - باب كيف يكتب الحبس. (1) النسائي (6/ 232) 29 - كتاب الأحباس، 3 - باب حبس المشاع. (2) النسائي: نفس الموضع السابق. (3) النسائي: نفس الموضع السابق. (أنفس) الشيء النفيس: الكريم على أهله العزيز عندهم. (أحبس) الحبس: الوقف، يريد: أن يقف أصل الملك. (سبل) يسبل الثمرة: أي يجعلها مباحة لمن وقفها عليه. 3617 - البخاري (5/ 399) 55 - كتاب الوصايا، 28 - باب الوقف كيف يكتب؟

يا رسول الله أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالاً قط أنفس عندي منه فكيف تأمرني به فقال: "إن شئت حبست من أصلها وتصدقت بها" فتصدق بها عمر أنها لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث، للفقراء والقربى والرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل. زاد في رواية (1). "والضيف لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم صديقاً غير متأثل مالاً". 3618 - * روى أبو داود عنيحيى بن سعيد نسخ لي عبد الحميد بن عبد الله بن عمر صدقة عمر. بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما كتب عبد الله في ثمغ، بنحو حديث ابن عمر. وفيه: فما عفي عنه من ثمرة فهو للسائل والمحروم وإن شاء والي الثمغ اشترى من ثمره رقيقاً لعمله وكتب معيقيب وشهد عبد الله بن الأرقم هذا ما أوصى به عبد الله عمر أمير المؤمنين أنه إن حدث به حدث أن ثمغاً وحرمة بن الأكوع والعبد الذي فيه والمائة السهم التي بخيبر ورقيقه الذي فيه والمائة التي أطعمه محمد صلى الله عليه وسلم بالوادي تليه حفصة ما عاشت ثم يليه ذو القربى أو ذو الرأي من أهلها أن لا يباع ولا يشترى ينفقه حيث رأى من السائل والمحروم وذي القربى ولا حرج على من وليه إن أكل أو آكل أو اشترى رقيقاً منه. 3619 - *روى ابن خزيمة عن ابن عمر: أن عمر استأمر النبي صلى الله عليه وسلم في صدقته، فقال: "احبس أصلها وسبل ثمرتها". فقال عبد الله: فحبسها عمر على السائل والمحروم وابن السبيل وفي سبيل الله وفي الرقاب والمساكين وجعل منها يأكل ويؤكل غير متأثل مالاً.

_ مسلم: نفس الموضع السابق. أبو داود: نفس الموضع السابق. النسائي: (6/ 230) نفس الموضع السابق. ابن ماجة (2/ 801) 15 - كتاب الصدقات، 4 - باب من وقف. (1) أبو داود: نفس الموضع السابق. 3618 - أبو داود (3/ 117) كتاب الوصايا، باب ما جاء في الرجل يوقف الوقف. 3619 - ابن خزيمة (4/ 119) 445 - باب ذكر الدليل على أن قوله تصدق بها على الفقراء والقربى ... إلخ، وإسناده صحيح.

أقول: عنون ابن خزيمة لعدد من الأبواب رجح فيها وجهة نظر في بعض مسائل الأوقاف مما اختلف فيه الفقهاء وها نحن ننقل لك ما ذكره تحت هذه العناوين: (1) (باب ذكر الدليل على أن قوله تصدق بها على الفقراء والقربى إنما أراد: تصدق بأصلها حبساً، وجعل ثمرها مسبلة على من وصفهم من الفقراء، والقربى، ومن ذكر معهم، مع الدليل على أن الحبس إذا لم يخرجه المحبس من يده كان صحيحاً جائزاً، إذ لو كان الحبس لا يصح إلا بأن يخرجه المحبس من يده لكان المصطفى صلى الله عليه وسلم يأمر عمر لما أمر بهذه الصدقة أن يخرجها من يده، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أمر- في خبر يزيد بن زريع- أن يمسك أصلها فقال: "إن شئت أمسك أصلها وتصدق بها". ولو كان الحبس لا يتم إلا بأن يخرجه المحبس من يده لما أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم الفاروق بإمساك أصلها). (2) (باب إجازة الحبس على قوم موهومين غير مسمين، وفي سبيل الله، وفي الرقاب، وفي الضيف من غير اشتراط حصة سبيل الله وحصة الرقاب وحصة الضيف منها، وإباحة اشتراط المحبس للقيم بها الأكل منها بالمعروف من غير توقيت طعام بكيل معلوم أو وزن معلوم، واشتراطه إطعام صديقه إن كان له من غير ذكر قدر ما يطعم الصديق منها). (3) (باب إباحة الحبس على من لا يحصون لكثرة العدد، والدليل على أن الحبس إذا كان على قوم لا يحصون عدداً لكثرتهم جائز أن تعطى منافع تلك الصدقة بعض أهل تلك الصفة، ضد قول من زعم أن الوصية إذا أوصى بها لقوم لا يحصون لكثرة عددهم أن الوصية باطلة غير جائزة على اتفاقهم معنا أنه إذا أوصى للمساكين والفقراء بثلثه أو ببعض ثلثه أن الوصية جائزة ولو أعطى وصية بعض الفقراء أو بعض المساكين أو جميع المساكين وجميع الفقراء لا يحصون كثرة). 3620 - * روى البخاري عن أسلم أنه سمع عمر يقول: أما والذي نفسي بيده لولا أن أترك آخر الناس بباناً ليس لهم من شيء ما فتحت علي قرية إلا قسمتها كما قسم

_ 3620 - البخاري (7/ 490) 64 - كتاب المغازي، 38 - باب غزوة خيبر. أبو داود (3/ 161) كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب ما جاء في حكم أرض خيبر. (ببانا) قال ابن حجر (7/ 490): قال الخطابي: ولا أحسب هذه اللفظة عربية ولم أسمعها في غير هذا الحديث =

رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ولكني أتركها خزانة لهم يقتسمونها. أقول: في هذا النص إشارة إلى ما فعله عمر في أرض سواد العراق حيث جعل رقبتها للمسلمين وأبقاها بيد أصحابها يعملون فيها على أن يؤدوا خراجها. 3621 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة، فقيل، منع ابن جميل وخالد بن الوليد، وعباس بن عبد المطلب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيراً فأغناه الله ورسوله، وأما خالد: فإنكم تظلمون خالداً، قد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله، والعباس بن عبد المطلب، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهي عليه صدقة، ومثلها معها". وفي رواية: "هي علي، ومثلها معها". هذا النص أصل في جواز وقف المنقول من خيل وسلاح وغير ذلك وهو دليل لمن ذهب إلى جواز ذلك كالمالكية ومحمد من الحنفية. 3622 - *روى ابن خزيمة عن أم معقل قالت: تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم للحج وأمر الناس أن يتجهزوا معه، قالت: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج الناس معه، فلما قدم جئته. فقال: "ما منعك أن تخرجي معنا في وجهنا هذا يا أم معقل؟ " قلت يا رسول الله: لقد تجهزت فأصابتنا هذه القرحة، فهلك أبو معقل، وأصابني منها سقم، وكان لنا حمل نريد أن نخرج عليه فأوصى به أبو معقل في سبيل الله، قال: "فهلا خرجت عليه فإن الحج في سبيل الله". هذا النص دليل آخر لمن ذهب إلى جواز وقف المنقول عامة والجمال خاصة.

_ وقال الأزهري: بل هي لغة صحيحة، ولكنها غير فاشية في لغة معد، ... فالمعنى: لولا أن أتركهم فقراء معدمين لا شيء لهم أي متساوين في الفقر. 3621 - البخاري (3/ 331) 24 - كتاب الزكاة، 49 - باب قوله تعالى: (وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله). مسلم (2/ 676) 12 - كتاب الزكاة، 3 - باب في تقديم الزكاة ومنعها. 3622 - ابن خزيمة (4/ 72) كتاب الزكاة، 364 - باب الرخصة في إعطاء من يحج من سهم سبيل الله.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد يصح وقف الحلي للبس والإعارة لأنه عين يمكن الانتفاع بها دائماً فصح وقفها كالعقار. ومالا ينتفع به إلا بالإتلاف مثل الدنانير (النقود) وما ليس بحلي والمأكول والمشروب والشمع وأشباهه لا يصح وقفه في قول عامة الفقهاء ولكنه يكون صدقة ولا يسمى وقفاً. لا يشترط كون الموقوف معلوماً للواقف، فيصح وقف ما لم يره، كما أبان الشافعية. يصح وقف الماء ويصح وقف دهن للمسجد ليوقد فيه لأن تنوير المسجد مندوب إليه، وكل خير إذا لم يعتبر وقفاً يكون صدقة. ذهب الحنفية إلى أنه يصح الوقف على معلوم أو معدوم، مسلم أو ذمي أو مجوسي، على الأصح. اتفق الشافعية والحنابلة مع رأي المالكية على أن الموقوف يصرف عند انقراض الموقوف عليهم إلى أقرب الناس إلى الواقف، والراجح لدى الحنابلة والشافعية: أنه يختص صرف الوقف حينئذ بالفقراء من أقارب الواقف. المقرر شرعاً: أن الشهادة إحدى طرق إثبات الوقفية ويشترط في ادعاء الوقف: بيان الوقف ولو كان قديماً ويقبل في إثباته الشهادة على الشهادة وشهادة النساء مع الرجال والشهادة بالشهرة والتسامع بأن يقول الشاهد أشهد بالتسامع وتقبل شهادة التسامع لبيان المصرف كقولهم على مسجد كذا ولبيان مستحقين ولا تقبل لإثبات شرائطه في الأصح، أما صك الكتابة وحده، فلا يصلح حجة لأن الخط يشبه الخط. -يكره- على الراجح- كراهة تنزيه، الوقف على البنين دون البنات لأنه يشبه عمل الجاهلية من حرمان البنات من إرث أبيهن، فإن حدث الوقف نفذ ولم يفسخ على الأصح إذا لم يكن في مرض الموت. - ويكره اتفاقاً هبة الرجل لبعض ولده: ماله كله أو جله. وكذا يكره أن يعطي ماله

كله لأولاده، ليقسم بينهم بالسوية بين الذكور والإناث. فإن قسمه بينهم على قدر مواريثهم، فهو جائز ويصح الوقف بالاتفاق على العكس وهو وقفه على بناته دون بنيه. قال المالكية والحنابلة والشافعية عن زكاة الموقوف: إذا كان الوقف على قوم بأعيانهم فحصل لبعضهم من ثمر الشجر أو حب الأرض نصاب وهو خمسة أوسق فعليهم الزكاة، لأنهم يملكون الناتج. وإذا صار الوقف للمساكين فلا زكاة فيه. إذا انهدم وقف، ولم يكن له شيء يعمر منه ولا أمكن إجارته ولا تعميره، هل تباع أنقاضه من حجر وطوب وخشب؟ صح بيعه بأمر الحاكم ويشترى بثمنه وقف مكانه فإذا لم يكن الشراء رده إل ورثة الواقف إن وجدوا، وإن لم يوجدوا يصرف للفقراء. والبيع مبني على قول أبي يوسف والرد إلى الورثة أو إلى الفقراء قول محمد. إذا جعل الباني بدون اعتراض أهل المحلة شيئاً من الطريق مسجداً لضيقه، ولم يضر بالمارين، جاز لأنهما للمسلمين ويجوز للإمام جعل الطريق مسجداً، لا عكسه، لجواز الصلاة في الطريق ولا يجوز أن يتخذ المسجد طريقاً. وظيفة الناظر: عند التفويض العام له حفظ الوقف وعمارته وإيجاره وزرعه والمخاصمة فيه، وتحصيل الغلة من أجرة أو زرع أو ثمر، وقسمتها بين المستحقين، وحفظ الأصول والغلات على الاحتياط لأنه المعهود في مثله، وعليه الاجتهاد في تنمية الموقوف وصرفه في جهاته من عمارة وإصلاح وإعطاء مستحق، ويقبل قوله فيما ذكر إن كان متبرعاً فإن لم يكن متبرعاً لم يقبل عند الحنابلة قوله إلا ببينة. وإن كان الناظر مقيداً بشيء تقيد به. وإذا عمل الناظر أثناء عمارة الوقف فيأخذ كما قال الحنفية: "قدر أجرته وذكروا أيضاً أنه يراعي شرط الواقف في إجارته وغيرها لأن شرط الواقف كنص الشارع. يفتى عند الحنفية في إجارة الوقف بمدة السنة في الدار، وبثلاث سنين في الأرض إلا إذا كانت المصلحة بخلاف ذلك، بحسب الزمان والموضع، فهو أمر يختلف باختلاف الموضع واختلاف الزمان، والفتوى عندهم على إبطال الإجارة الطويلة في الأوقاف وأرض اليتيم وأرض بيت المال ولو بعقود مترادفة، كل عقد سنة لتحقق محذور وهو أن طول المدة يؤدي

إلى إبطال الوقف. ولكن هذا عند عدم الحاجة، فإذا اضطر إليها لحاجة عمارة الوقف بتعجيل أجرة سنين مقبلة، يزول المحذور الموهوم عند وجود الضرر المتحقق. مذهب الشافعية: إذا أجر الناظر الموقوف على غيره بدون أجرة المثل لا يصح وعلى المستأجر أجر المثل. وقد اتفق الفقهاء على أن شرط الواقف كنص الشارع واختلفوا في مدلولها ومداها. ورتب الحنفية على هذه القاعدة: أن كل ما خالف شرط الواقف فهو مخالف للنص، والحكم به حكم بلا دليل سواء أكان كلام الواقف نصاً أو ظاهراً، لأنه يجب اتباعه عملاً بقول المشايخ: شرط الواقف كنص الشارع ويراعى شرط الواقف في إجارة الموقوف. لا يحل بيع المساجد بالإجماع، قال المالكية: يجوز في العروض والحيوان إذا ذهبت منفعتها، كأن يهرم الفرس ويخلق الثوب، بحيث لا ينتفع بها، يجوز بيعها وصرف ثمنها في مثلها إذا كانت موقوفة. مذهب الشافعية في بيع الموقوف: قال الشافعية: إذا انهدم مسجد أو خرب وانقطعت الصلاة فيه وتعذرت إعادته أو تعطل بخراب البلد مثلاً، لم يعد إلى ملك أحد ولم يجز التصرف فيه بحال بيعاً أو غيره، لأنه ما زال الملك فيه لحق الله تعالى فلا يعود الملك فيه لأحد من المخلوقين بالاختلال، وتصرف غلة وقفه لأقرب المساجد إليه إذا لم يتوقع عوده وإلا حفظ. والأصح جواز بيع حصر المسجد الموقوفة إذا بليت، وجذوعه إذا انكسرت ولم تصلح إلا للإحراق، لئلا يضيع ويضيق المكان بها من غير فائدة، فتحصيل نزر يسير من ثمنها يعود إلى الوقف أولى من ضياعها، ولا تدخل تصفيتها تحت بيع الوقف، لأنها صارت في حكم المعدومة، ويصرف ثمنها في مصالح المسجد. فإن صلحت لغير الإحراق كاتخاذ ألواح أو أبواب منها، فلا تباع قطعاً، والأصح جواز بيع نخلة موقوفة جفت إذا لم يمكن الانتفاع بجذعها بإجارة وغيرها وبهيمة زمنت، لأن ما لا يرجى منفعته، فبيعه أولى.

خاتمة

خاتمة إن فقه الزكاة والأوقاف والصدقات من أهم فقه المال في الإسلام، ولو وجد صدق نية، وكثرة اطلاع على كلام الفقهاء، وسعة أفق في التطبيق لأمكن من خلال نظام الزكوات والصدقات والأوقاف أن تحل الكثير من مشكلات الأمة الإسلامية، والأمل بالله كبير أن يوجد هذا كله، ونسأل الله التوفيق.

الجزء السادس في الصيام والاعتكاف وإحياء ليلة القدر وصلاة التراويح وفي الفطر

الجزء السادس في الصيام والاعتكاف وإحياء ليلة القدر وصلاة التراويح وفي الفطر وفيه مقدمة وأبواب

المقدمة

المقدمة من الملاحظ أن العبادات الرئيسية في الإسلام تأخذ حجماً كبيراً من تعاليمه، وذلك لأنها المراد الأكبر من بعثة الرسل عليهم الصلاة والسلام فقد خُلِقَ الخلقُ من أجل العبادة قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1). ولذلك كان العكوف على دراستها والقيام بها من أعظم ما يطالب به الخلق. ومن الملاحظ أن العقائد أخذت الحيز الأكبر من القرآن الكريم بينما العبادات الرئيسية أخذت الحيز الأكبر من السنة النبوية، وذلك أن العبادات تحتاج إلى تفصيل نظري وعملي، والسنة هي التي تقوم بهذا التفصيل مع ملاحظة أن القرآن الكريم ذكر العبادات الرئيسية كلها وفصّل في أهم قضاياها. أما العقائد فقد كان تفصيله لها أوسع لتكون الحجة على الخلق فيها أتم، ولأنها هي بداية التوجه الصحيح نحو الله عز وجل. لقد ذُكِرت فرضية صوم رمضان في القرآن الكريم وذكرت الحكمة في ذلك وأنها الوصول إلى تقوى الله عز وجل، فصوم رمضان عامل كبير من عوامل تحقق الإنسان بالتقوى ولذلك لم تَخْلُ شريعة منه وقد فصلنا ذلك في كتاب (الأساس في التفسير)، وقد ذكر القرآن الكريم ركن الصوم وهو الإمساك من طلوع الفجر حتى غياب الشمس كما ذكر المحظورات فيه، وذكر التدرج في تشريع الصوم حتى استقر على ما استقر عليه لأنه عبادة شاقة كانت جديدة على العرب المخاطبين الأول بهذا القرآن. وإذا كانت الحكمة من تشريع الصوم هي الوصول إلى التقوى فقد شُرِع فيه كل ما يساعد عليها فسنت فيه صلاة التراويح وتلاوة القرآن والإنفاق في سبيل الله سوُنَّ الاعتكاف وختمت مطلوباته بصدقة الفطر لتكون كفارة للصائم مما يمكن أن يكون قد ألم بصومه، كما شرعت له؛ وفيه دعوات وأذكار، وأكدت على الصائم التزامات هي مطلوبة منه في الأصل ولكنها تزداد فيه تأكيداً من مثل ضبط اللسان والجوارح على مقتضى أمر الله عز وجل.

_ (1) الذاريات: 56.

وقد شرع فيه ما يعين عليه كالسحور، وبعض هذه الموضوعات جاءت في سياقات من هذا الكتاب كالتراويح وتلاوة القرآن والإنفاق وبعض سنن الرسول (صلى الله عليه وسلم) فيه. وإن من المعالم البارزة في شهر رمضان: صيامه وقيامه، وعن فكرة القيام وجدت صلاة التراويح، كما أن من معالمه الاعتكاف وتحري ليلة القدر ومن معالمه أن يختم بصدقة الفطر، وقد كنا ذكرنا في جزء الصلاة ما له علاقة بصلاة التراويح وما استقر عليه العمل عند المسلمين في شأنها ولكنا نشير إلى ما لابد منه هنا. وإذا قال عز وجل: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} (1) فقد فهم المسلمون من ذلك كما علموا من سنته عليه الصلاة والسلام أن يعطوا للقرآن مزيد اهتمام في رمضان تلاوة ومدارسة وتدريساً وقد مر معنا ذلك في أكثر من مكان في هذا الكتاب وتخصيصنا هذا الجزء للصوم والاعتكاف وصدقة الفطر واضح الحكمة فالصلة بين الصوم وصدقة الفطر واضحة، لأن صدقة الفطر شرعت جبراً لصيام رمضان وتحقيقاً لبعض المقاصد، لذلك جعلناها في هذا الجزء وأخرجناها عن جزء الصدقات والزكوات مع أنها صدقة ولكنا وجدنا أنها ألصق بهذا الجزء، والاعتكاف وإن كان مشروعاً في رمضان وغيره لكنه ارتبط برمضان لأن السنة الأغلبية لرسول الله صلى الله عليه وسلم إجراؤه في رمضان، وجرت عادة المسلمين في الغالب على ذلك حتى إذا ذكر الاعتكاف يتبادر للذهن مباشرة أن المراد به اعتكاف رمضان. ولهذا كان الفقهاء المصنفون يُتبعون كتاب الصيام بكتاب الاعتكاف اقتداء بالقرآن العظيم فإنه نبَّهَ على ذكر الاعتكاف بعد ذكر الصوم، وفي ذكره تعالى الاعتكاف بعد الصيام إرشاد وتنبيه على الاعتكاف في الصيام أو في آخر شهر الصيام كما ثبت في السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. لذلك جعلناه في هذا الجزء كذلك. إنه كما كان في رمضان بدء تنزل القرآن وذلك يجدد في المسلم الرغبة في أن يحيي الإسلام في نفسه وعند غيره، فإن كثيراً من معالم التاريخ الإسلامي تحددت في رمضان، وهذا يجعل رمضان شهر الأمل والعمل، إن شهر رمضان سيد الشهور. فيه بدأ نزول القرآن، وهو شهر الطاعة والقربة والبر والإحسان وشهر المغفرة والرحمة والرضوان، وبه عون المؤمن

_ (1) البقرة: 185.

على أمر دينه. وطلب إصلاح دنياه، وهو موسم تكثر فيه مناسبات إجابة الدعاء، والصيام فيه طاعة لله تعالى يثاب فيها المسلم ثواب الصابرين، فالصوم نصف الصبر، وكما أنه كذلك فهو كفارة للذنوب من عام لآخر، والصوم يحقق التقوى، والصوم مدرسة خُلُقية كبرى يتدرب فيها المؤمن على خصال كثيرة، فهو جهاد للنفس، ومقاومة للأهواء ونزغات الشيطان التي قد تلوح له ويتعود به الإنسان خلق الصبر على ما قد يُحرم منه، وعلى الأهوال والشدائد التي قد يتعرض لها. والصوم يعلم الأمانة والمراقبة في السر والعلن، إذ لا رقيب على الصائم في امتناعه عن الطيبات إلا الله وحده، والصوم يقوي الإرادة، ويشحذ العزيمة، ويساعد على صفاء الذهن، واتقاد الفكر، والصوم يشعر بوحدة المسلمين الحسية في المشارق والمغارب لأن ربهم واحد، وعبادتهم موحدة، وينمي الصوم في الإنسان عاطفة الرحمة والأخوة والشعور برابطة التضامن والتعاون التي تربط المسلمين فيما بينهم، والمساهمة في القضاء على غائلة الفقر والجوع والمرض، فتتقوى أواصر الروابط الاجتماعية بين الناس، والصوم يجدد حياة الإنسان بتجدد الخلايا وطرح ما شاخ منها وإراحة المعدة وجهاز الهضم، وحمية الجسد، والصيام جهاد للنفس وتخليصها مما علق بها من شوائب الدنيا وآثامها وكسر حدة الشهوة والأهواء وتهذيبها وضبطها في طعامها وشرابها. والناس في الصوم درجات فمنهم من يصوم عن شهوتي البطن والفرج، ومنهم من يصيم مع ذلك كل جوارحه عن الآثام، ومنهم من يملأ أيام الصوم بالفكر والذكر والعمل الصالح. وقد جعلنا هذا الجزء في ثلاثة أبواب رئيسة: الباب الأول: في الصيام. الباب الثاني: في الاعتكاف وليلة القدر وساعة الاستجابة كل ليلة وقيام رمضان وصلاة التراويح. الباب الثالث: في صدقة الفطر.

الباب الأول في الصيام

الباب الأول في الصيام وفيه عرض إجمالي وفصول

عرض إجمالي

عرض إجمالي صوم رمضان أحد الأركان الخمسة في الإسلام وإذا كان كل ركن يقوم عليه من الإسلام ما يناسبه، فمثلاً الزكاة هي الركن في نظام الإسلام الاقتصادي، فالصوم هو الركن في ضبط النفس وشهواتها على مقتضى أمر الله عز وجل. إن شهوة البطن والفرج هما أعتى شهوتين تغلبان الإنسان، وبالصيام يسيطر الإنسان على هاتين الشهوتين تحقيقاً لأمر الله بالإمساك عنهما فترة الصوم، وعندما يسيطر المسلم عليهما- وهما ما هما في الشدة- فإن قدرته على السيطرة على غيرهما أشد، ولذلك أُدِّبَ الصائم على السيطرة عليهما وعلى غيرهما من شهوات النفس كمقابلة السيئة بمثلها وإلجام اللسان عما لا ينبغي وعن الغضب والانتصار للنفس إلى غير ذلك. وكما أن الصلوات فريضة ونافلة، والصدقات منها الفرائض والنوافل، والحج منه الفريضة ومنه النافلة، فإن الصوم منه الفريضة كصوم رمضان والوفاء بالنذر ومنه النافلة، وها نحن نعرض لك مسائل الصوم عرضاً إجمالياً ثم نبدأ بعرض النصوص: لرمضان في قلب المسلم وفي تاريخ الأمة الإسلامية مكانة خاصة، لذلك يتغنى به الشعراء ويتشوق له العُبَّاد ويحرك في قلب المسلم أعظم الهمم لتحقيق أعلى المقامات وأرقى الأهداف. فقد نزل القرآن في رمضان وكانت فيه معركة بدر الكبرى وفتح مكة، وكثير من أحداث السيرة المهمة، وقد حدثت فيه معركة الزلاقة يوم الجمعة في 25 رمضان 479 هجرية، وهي المعركة التي أوقفت سقوط الأندلس أكثر من 400 عام، وكانت بقيادة يوسف بن تاشفين رحمه الله، ومن قبل كان فتح الأندلس في رمضان وفيه كانت موقعة عين جالوت قريباً من نابلس الحالية في فلسطين التي انتصر فيها المسلمون على المغول الانتصار الذي كان بداية النهاية للزحف المغولي. والصوم شرعاً: هو الإمساك نهاراً عن المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس مع النية، والبلاد التي يدوم فيها الليل أو النهار، أو يكون فجرها هو غروب الشمس، يُقَدَّر وقت الصوم فيها بحسب أقرب البلاد منها، التي فيها ليل ونهار متميزان.

وصوم شهر رمضان ركن من أركان الإسلام، وفرض من فروضه بإجماع المسلمين، وعلى من أفطر في رمضان بعذر أن يقضي ما أفطر إن قدر، وستأتي معنا تفصيلات ذلك، فصوم رمضان أداءً وقضاءً من الفرائض، وهناك صوم الكفارات وهي من الفرائض على تفصيل، ومن الصوم المفروض صومه صوم النذر، وهناك صوم مسنون أو مندوب أو مستحب ومن ذلك: صوم عاشوراء مع يوم قبله أو بعده، ولم يشترط بعضهم أن يصام معه، ومن ذلك أن يصوم الإنسان يوماً ويفطر يوماً سوى رمضان وسوى الأيام التي يحرم صيامها ومن ذلك صيام أيام البيض أي: 13 - 14 - 15 - من كل شهر قمري فإن لم يتيسر هذا فصيام ثلاثة أيام من كل شهر تعدل صيام الدهر، ومن ذلك صوم يوم الاثنين والخميس من كل أسبوع، وصوم ستة أيام من شوال ولو متفرقة، ومن ذلك صوم يوم عرفة لغير الحاج، وصوم الثمانية أيام من ذي الحجة قبل يوم عرفة للحاج وغيره. واستحب المالكية والشافعية: صيام الأشهر الحرم وهي أربع: ثلاثة متوالية وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، وواحد منفرد وهو رجب، ويستحب الإكثار من صوم شعبان، ولا يكره صوم الدهر كله عند الحنابلة إذا لم يصم الأيام المنهي عن صومها إلا إذا خاف ضرراً أو فوت حق. ومن شرع في صوم مندوب فقد وجب عليه أن يتمه عند الحنفية والمالكية وإذا أفطر لعذر أو لغير عذر فقد وجب عليه قضاؤه. وقال الشافعية والحنابلة لا يجب عليه الاستمرار فيه ولكن يستحب له الإتمام إذا شرع فيه. ويحرم صوم يومي عيد الفطر والأضحى وأيام التشريق الثلاثة بعد عيد الأضحى، ويحرم صوم الحائض والنفساء ولا ينعقد، ويحرم صيام من يخاف على نفسه الهلاك بصومه، ويكره عند الحنفية أن تصوم المرأة نفلاً بغير إذن زوجها أو علمها برضاه إلا إذا كان غائباً أو محرماً بحج أو عمرة أو معتكفاً، وللزوج أن يفطرها إذا صامت نفلاً بغير إذنه. ويكره تحريماً صوم يوم الشك وهو يوم الثلاثين من شعبان إذا لم يعرف أنه من رمضان، وأجاز الحنفية صومه نفلاً، فإن ظهر أنه من رمضان؛ وقع عندهم عن رمضان. وحرم الشافعية صوم النصف الأخير من شعبان لمن لم يكن له عادة في صيام وأجازوا صومه لقضاء أو كفارة.

ومن الصوم المكروه تنزيهاً إفراد يوم الجمعة والأحد بالصوم، والراجح عند المالكية عدم كراهته، ومن المكروه تنزيهاً إفراد يوم السبت وإفراد يوم عاشوراء، وصيام يومي النيروز وهو في أوائل الربيع، والمهرجان وهو في أوائل الخريف، ويكره تنزيهاً صوم الصمت وصوم الوصال وهو أن يواصل بين يومين أو أكثر بلا فطر، ويكره صوم المسافر إذا أجهده الصوم، ومن صام مع يوم الجمعة يوماً قبله أو بعده انتفت الكراهة. ويكره عند المالكية صوم يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم لأنه شبيه بالأعياد، ويكره عند الشافعية صوم المريض والمسافر والحامل والمرضع والشيخ الكبير إذا خافوا مشقة كبيرة. ولا يجب الصيام إل على مسلم عاقل بالغ قادر مقيم، ويؤمر به الصبي عند الشافعية والحنفية والحنابلة وهو ابن سبع سنين، ويضرب عليه إذا بلغ عشراً، وقال المالكية لا يؤمر الصبيان بالصوم إلا إذا احتلم الغلام وحاضت الفتاة أو إذا دخلوا في طور التكليف. وعند الحنفية لابد من تبييت النية وتعيينها قبل الفجر في صيام القضاء والنذر غير المعين، وصوم الكفارات، وصوم التمتع والقران، وأما صيام رمضان وصيام التطوع والنذر المعين؛ فيصح بنية من الليل إلى ما قبل نصف النهار، والنهار عندهم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس فإذا وقعت النية قبل منتصف هذا الوقت جاز صيام ما ذكرناه عندهم. ولا يشترط في النية التلفظ، وأي فعل يدل على نية الصوم كالسحور يعتبر نية، ويستحب للصائم السحور على شيء وإن قلّ ولو جرعة ماء، ويستحب تأخير السحور لآخر الليل، ويستحب تعجيل الفطر عند تيقن الغروب وقبل الصلاة، ويندب أن يكون على رطب فتمر فحلو فماء، وأن يكون وتراً، ويستحب للصائم الدعاء عقب الفطر، ويستحب للمسلم تفطير الصائمين إذا حان وقت الإفطار، ويستحب الاغتسال من الجنابة والحيض والنفاس قبل الفجر إذا طهرت الحائض أو النفساء ليلاً. وتستحب التوسعة على العيال والإحسان إلى الأرحام، والإكثار من الصدقة والاشتغال بالعلم وتلاوة القرآن ومدارسته، والأذكار، ويُسنُّ الاعتكاف وتحري ليلة القدر، وتستحب صلاة التراويح وقيام الليل وكف اللسان والجوارح عن فضول الكلام والأفعال، ويستحب ألا يتوسع في الشهوات المباحة، وألا يفعل ما يضعفه كإعطاء الدم مثلاً والحجامة.

وإذا كان المسلم يحرص على ترك الحرام في غير رمضان فإنه في رمضان أشد حرصاً، ويكره للصائم ذوق شيء أو مضغه بلا عذر، والقبلة ومقدمات الإثارة إن لم يأمن على نفسه، والمبالغة في المضمضة والاستنشاق. ومن الأعذار المبيحة للفطر: السفر المبيح لقصر الصلاة الرباعية، ولا يحق له عند الجمهور أن يُفطر في اليوم الأول إلا إذا تلبس بالسفر قبل طلوع الفجر ووصل إلى مكان يبدأ فيه جواز القصر وهو مجاوزة البيوت ومرافق البلد قبل الفجر، ولم يشترط الحنابلة ذلك. وله حق الفطر ما دام يعتبر مسافراً شرعاً على خلاف بين الفقهاء في حد السفر. ومن الأعذار المبيحة للفطر: المرض على تفصيلات عند الفقهاء في وصف المرض المبيح للفطر. ومن المبيحات للفطر: الجهاد سواء كان هناك التحام أو يتوقع الالتحام، ومن المبيحات: الحمل والرضاعة إذا خافت الحامل أو المرضع على نفسها أو رضيعها على تفصيل في الخوف المعتبر، ومن المبيحات عدم القدرة على الصيام بسبب الهرم، ومن المبيحات خشية الصائم على نفسه الهلاك أو الإغماء أو ذهاب بعض الحواس، ومن المبيحات الإكراه بشروطه. وقال جمهور الفقهاء: إنه يجب على صاحب العمل الشاق أن يتسحر وينوي الصوم، فإن حصل له ما يخاف منه الضرر جاز له الفطر فإن تحقق الضرر وجب الفطر، وقال الحنابلة: لا يأثم بالفطر من احتيج إليه لإنقاذ آدمي معصوم من مهلكة كغرق ونحوه إذا أدى الإنقاذ إلى فطره. والأعذار المبيحة للفطر منها ما يوجب القضاء فقط، ومنها ما يوجب الفدية إذا أمكن ذلك، وهناك إفطار الناسي وهذا لا يوجب قضاءً، ولا يؤثر على الصوم، وهناك إفطار المخطئ كأن تمضمض الإنسان فوصل شيء من الماء إلى جوفه دون قصد ففيه خلاف، هل يفسد الصوم أو لا يفسده، وهل يجب القضاء أو لا يجب، وإن كان الجميع متفقين أن لا إثم، ولكن صاحب ذلك وقع في المكروه لأنه بالغ في المضمضة، وهناك الإفطار الذي يفسد الصوم ويوجب القضاء فقط، وصاحبه آثم، وهناك الإفطار الذي يفسد الصوم ويجب فيه القضاء مع الكفارة، والإثم فيه كذلك حاصل، وكل ذلك فيه تفصيلات، وبعض المسائل محل إجماع عند الفقهاء، وبعضها محل اختلاف، وسيمر معنا أثناء عرض النصوص وعرض المسائل والفوائد ما تكثر الحاجة إلى معرفته ويكثر الابتلاء فيه، وإلى فصول هذا الباب.

الفصل الأول في فضل الصيام وبعض آدابه وأحكامه العامة

الفصل الأول في فضل الصيام وبعض آدابه وأحكامه العامة

- الصوم لله وهو يجزي به

- الصوم لله وهو يجزي به: 3623 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل عمل ابن آدم يضاعف: الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم، فإنه لي، وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي، للصائم فرحتان، فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك". وفي رواية (1) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام، فإنه لي، وأنا أجزي به، الصيام جُنَّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يصخب، فإن شاتمه أحد أو قاتله، فليقل: إني صائم، إني صائم، والذي نفس محمد بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عن الله من ريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه". وللبخاري (2) عن النبي صلى الله عليه وسلم- يرويه عن ربكم- قال: "لكل عمل ابن آدم كفارة، والصوم لي، وأنا أجزي به، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك".

_ 3623 - البخاري (4/ 118) 30 - كتاب الصوم، 9 - باب هل يقول إني صائم إذا شُتِم. مسلم (2/ 807) 13 - كتاب الصيام، 30 - باب فضل الصيام. (1) البخاري: نفس الموضع السابق. (2) البخاري (13/ 512) 97 - كتاب التوحيد، 50 - باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وروايته عن ربه. (ولخلوف) خلف فم الصائم يخلف خلوفاً: إذا تغيرت ريحه من ترك الأكل والشرب، والخلفة منه. (يرفث) الرفث: كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة، وقيل: هو التصريح بذكر الجماع، وهو الحرام في الحج على المحرم، والمراد هنا الفحش في الكلام أياً هو، أما الجماع في رمضان فيفسد الصوم وفيه القضاء والكفارة. (يصخب) الصخب: الضجة والجلبة.

- لماذا كان الصوم لله وهو يجزي به مع العلم أن العبادات كلها لله وثوابها يعود على فاعلها؟

- لماذا كان الصوم لله وهو يجزي به مع العلم أن العبادات كلها لله وثوابها يعود على فاعلها؟ لقد ذكر الأئمة في بيان هذا المعنى فروقاً دقيقة بين الصوم وغيره من العبادات منها: 1 - أن العبادات غير الصوم أفعال ظاهرة قد يدخلها الرياء أما الصوم فإنما هو ترك وكف فليس بظاهر. 2 - أن الصوم من الأعمال التي لم يحدد لها أجر محدد. 3 - إن الصوم من العبادات التي لم يعبد بها غير الله. انظر (طرح التثريب 2/ 102). 3624 - * روى ابن خزيمة عن زيد بن خالد الجهني، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من جهز غازياً، أو جهَّز حاجاًّ، أو خلفه في أهله، أو فطَّر صائماً كان له مثل أجورهم من غير أن ينتقص من أجورهم شيء". 3625 - * روى ابن خزيمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الطاعم الشاكر مثل الصائم الصابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع الطعام والشراب وشهوته من أجلي". - الصوم عتق من النار: 3626 - * روى ابن ماجه عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله عند كل فطر عتقاء. وذلك في كل ليلة". - حفظ الصوم للصائم: 3627 - * روى النسائي عن معاذ بن جبل (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله

_ 3624 - ابن خزيمة (3/ 277) 130 - باب إعطاء مفطر الصائم مثل أجر الصائم من غير أن ينتقص الصائم من أجره شيئاً، وإسناده صحيح. 3625 - ابن خزيمة (3/ 197، 198) 18 - باب ذكر البيان أن الصيام من الصبر، وإسناده صحيح. 3626 - ابن ماجه (1/ 526) 7 - كتاب الصيام، 2 - باب ما جاء في فضل شهر رمضان، وهو حديث حسن، ورواه أحمد والطبراني عن أبي أمامة بنحوه، ورجاله موثقون. كذا في المجمع 3/ 413. 3627 - النسائي (4/ 166) 22 - كتاب الصيام، 43 - ذكر الاختلاف على محمد بن أبي يعقوب، وهو حديث صحيح.

- شفاعة الصوم

صلى الله عليه وسلم: "الصوم جُنَّة". 3628 - * روى النسائي عن أبي عبيدة بن الجراح (رضي الله عنه) قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "الصوم جُنَّة، ما لم يخرقها". 3629 - * روى النسائي عن عثمان بن أبي العاص (رضي الله عنه) قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الصيام جُنَّة كجُنَّة أحدكم من القتال". 3630 - * روى أحمد عن جابر عن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله: الصيام جُنَّة يستجن بها العبد من النار، هو لي وأنا أجزي به". 3631 - * روى أحمد عن عبد الله بن عمرو قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي أختصي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خصاء أمتي الصيام والقيام". - شفاعة الصوم: 3632 - * روى أحمد عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الصيام والقرآن يشفعان يوم القيامة للعبد، يقول الصيام أي رب: منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه ويقول القرآن: منعته النوم باليل فشفعني فيه قال: فيشفعان له". - طيب الصائم والصوم: في هذا الفصل أحاديث عن طيب خلوف فم الصائم وردت في سياقاتها ونورد هذا الحديث هنا:

_ 3628 - النسائي (4/ 168) 22 - كتاب الصيام، وهو حديث حسن. 3629 - النسائي (4/ 167) 22 - كتاب الصيام، وهو حديث حسن. 3630 - أحمد (3/ 341) وإسناده حسن. 3631 - أحمد (2/ 173). مجمع الزوائد (4/ 253) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني ورجاله ثقات وفي بعضهم كلام. وقد ضعف بعض العلماء لفظة (القيام). 3632 - أحمد (2/ 174). مجمع الزوائد (3/ 181) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجال الطبراني رجال الصحيح.

3633 - * روى ابن خزيمة عن الحارث الأشعري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "إن الله أوحى إلى يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بهن، ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن، فكأنه أبطأ بهن، فأتاه عيسى، فقال: إن الله أمرك بخمس كلمات أن تعمل بهن وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن. فإما أن تخبرهم، وإما أن أخبرهم. فقال: يا أخي لا تفعل، فإني أخاف أن تسبقني بهن ,أن يخسف بي أو أعذب. قال: فجمع بني إسرائيل ببيت المقدس حتى امتلأ المسجد، وقعدوا على الشرفات، ثم خطبهم، فقال: إن الله أوحى إلي بخمس كلمات أن أعمل بهن، وآمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن. أولهن: أن لا تشركوا بالله شيئاً، فإن مثَلَ من أشرك بالله كمثل رجل اشترى عبداً من خالص ماله بذهب أو ورق ثم أسكنه داراً، فقال: اعمل وارفع إلي، فجعل يعمل ويرفع إلى غير سيده، فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك، فإن الله خلقكم ورزقكم فلا تشركوا به شيئاً. وإذا قمتم إلى الصلاة فلا تلتفتوا فإن الله يقبل بوجهه إلى وجه عبده ما لم يلتفت: وآمركم بالصيام، ومثل ذلك كمثل رجل في عصابة معه صرة مسك كلهم يحب أن يجد ريحها، وإن الصيام أطيب عند الله من ريح المسك، وآمركم بالصدقة، ومثل ذلك كمثل رجل أسره العدو، فأوثقوا يده إلى عنقه، وقربوه ليضربوا عنقه، فجعل يقول: هل لكم أن أفدي نفسي منكم، وجعل يعطي القليل والكثير، حتى فدى نفسه. وآمركم بذكر الله كثيراً، ومثل ذكر الله كمثل رجل طلبه العدو سراعاً في أثره حتى أتى حصناً حصيناً فأحرز نفسه فيه، وكذلك العبد لا ينجو من الشيطان إلا بذكر الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلك: "وأنا آمركم بخمس أمرني الله بهن، الجماعة والسمع والطاعة والهجرة والجهاد في سبيل الله ومن فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإيمان والإسلام من رأسه، إلا أن يراجع، ومن ادعى دعوى الجاهلية فهو من جثي جهنم. قيل: يا رسول الله وإن صام وصلى؟ قال: وإن صام وصلى. تداعوا بدعوى الله الذي سماكم بها المؤمنين

_ 3633 - ابن خزيمة (3/ 195، 196) 15 - باب ذكر تمثيل الصائم في طيب ريحه بطيب ريح المسك، وإسناده صحيح.

- عظم أجر الصوم

المسلمين عباد الله". - عظم أجر الصوم: 3634 - * روى النسائي عن أبي أمامة (رضي الله عنه) قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، مُرني بأمر ينفعني الله به، قال: "عليك بالصيام، فإنه لا مثل له". وفي رواية (1) أنه سأله: أي العمل أفضل؟ فقال: "عليك بالصوم، فإنه لا عِدْلَ له". وفي أخرى (2): قال: قلت: يا رسول الله مرني بعمل، قال: "عليك بالصوم، فإنه لا عِدلَ له، قلت: يا رسول الله مرني بعمل، فقال: عليك بالصوم فإنه لا عدل له". 3635 - * روى الترمذي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صام يوماً في سبيل الله زحزحه الله عز وجل عن النار سبعين خريفاً" وفي رواية (3) "أربعين".

_ 3634 - النسائي (4/ 165) 22 - كتاب الصيام، 43 - ذكر الاختلاف على محمد بن أبي يعقوب ... ، وإسناده صحيح. (1) النسائي، الموضع السابق. (2) النسائي: ص 166. ابن خزيمة (3/ 194) 13 - باب فضل الصيام وأنه لا عدل له من الأعمال. ابن حبان (5/ 180) ذكر البيان بأن الصوم لا يعدل بشيء من الطاعات. الحاكم (1/ 421) كتاب الصوم، وصححه. 3635 - الترمذي (4/ 166) 23 - كتاب فضائل الجهاد، 3 - باب ما جاء في فضل الصوم في سبيل الله. (3) الموضع السابق. النسائي (4/ 172) 22 - كتاب الصيام، 4 - باب ثواب من صام يوماً في سبيل الله عز وجل، وهو صحيح لغيره. (زحزحه) عن هذا الأمر، أي: باعده ونحَّاه. (خريفاً) الخريف: هو الزمان المعروف من السنة وقد كنى به ها هنا عن جميع السنة، لأنه كلما مر خريف، فقد انقضت سنة.

- باب الريان للصائمين

3636 - * روى الشيخان عن أبي سعيد (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً". 3637 - * روى الترمذي عن أبي أمامة (رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام يوماً في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقاً كما بين السماء والأرض". 3638 - * روى النسائي عن عقبة بن عامر (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صام يوماً في سبيل الله باعد الله منه جهنم مسيرة مائة عام". - باب الريان للصائمين: 3639 - * روى الشيخان عن سهل بن سعد (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة باباً يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد". وفي رواية (1): "إن في الجنة ثمانية أبواب، منها باب يسمى الريان، لا يدخله إلا الصائمون".

_ 3636 - البخاري (6/ 46) 56 - كتاب الجهاد، 36 - باب فضل الصوم في سبيل الله. مسلم (2/ 808) 13 - كتاب الصيام، 31 - باب فضل الصيام في سبيل الله لمن يطيقه. الترمذي (4/ 166) 23 - كتاب فضائل الجهاد، 3 - باب ما جاء في فضل الصوم في سبيل الله. النسائي (4/ 173) 22 - كتاب الصيام، 44 - باب ثواب من صام يوماً في سبيل الله عز وجل، وللنسائي: "باعده الله". 3637 - الترمذي (4/ 167) 23 - كتاب فضائل الجهاد، 3 - باب ما جاء في فضل الصوم في سبيل الله. الطبراني (الصغير) (1/ 273). مجمع الزوائد (3/ 194) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط والصغير وإسناده حسن. 3638 - النسائي (4/ 174) 22 - كتاب الصيام، 45 - ذكر الاختلاف على سفيان الثوري فيه، وإسناده صحيح، ونحوه من حديث عمرو بن عبسة. مجمع الزوائد (3/ 194) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله موثقون. 3639 - البخاري (4/ 111) 30 - كتاب الصوم، 4 - باب الريان للصائمين. مسلم (2/ 808) 13 - كتاب الصيام، 30 - باب فضل الصيام. (1) البخاري (6/ 328) 59 - كتاب بدء الخلق، 9 - باب صفة أبواب الجنة.

- مغفرة ذنوب الصائمين

وعند الترمذي (1) قال: "في الجنة باب يدعى له الصائمون، فمن كان من الصائمين دخله لم يظمأ أبداً" وأخرج النسائي (2) الرواية الأولى. - مغفرة ذنوب الصائمين: 3640 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه". وللبخاري (3) "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه". وفي رواية (4) الترمذي "من صام رمضان وقامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" وأخرج النسائي (5) رواية البخاري، زاد أحمد (6): وما تأخر. - فتح أبواب السماء وإغلاق أبواب جهنم وتصفيد الشياطين: 3641 - * روى مالك عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل رمضان فتِّحت أبواب السماء، وأغلقت أبواب جهنم، وسلسلت

_ (1) الترمذي (3/ 137) 6 - كتاب الصوم، 55 - باب ما جاء في فضل الصوم. (2) النسائي (4/ 168) 22 - كتاب الصيام، 43 - ذكر الاختلاف على محمد بن أبي يعقوب. 3640 - البخاري (1/ 92) 2 - كتاب الإيمان، 27 - باب تطوع قيام رمضان من الإيمان. مسلم (1/ 523) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 25 - باب الترغيب في قيام رمضان. (3) البخاري (1/ 92) 2 - كتاب الإيمان، 28 - باب صوم رمضان احتساباً من الإيمان. (4) الترمذي (3/ 67) 6 - كتاب الصوم، 1 - باب ما جاء في فضل شهر رمضان. (5) النسائي (4/ 157) 22 - كتاب الصيام، 39 - ثواب من قام رمضان وصامه. (6) أحمد (2/ 385). مجمع الزوائد (3/ 144) وقال الهيثمي: وهو في الصحيح من حديث أبي هريرة خلا قوله وما تأخر- رواه أحمد ورجاله موثقون إلا أن حماداً شك في وصله وإرساله. 3641 - الموطأ (1/ 310) 18 - كتاب الصيام، 22 - باب جامع الصيام. البخاري (4/ 112) 30 - كتاب الصوم، 5 - باب هل يقال رمضان أو شهر رمضان. مسلم (2/ 758) 13 - كتاب الصيام، 1 - باب فضل شهر رمضان. النسائي (4/ 126) 22 - كتاب الصيام، 3 - باب فضل شهر رمضان.

الشياطين" وفي رواية (1): "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة" وفي أخرى (2) "فتحت أبواب الرحمة". وفي أخرى (3) للنسائي قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرغِّبُ في قيام رمضان، من غير عزيمة ... وذكر الحديث". وفي أخرى (4) له قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاكم رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حُرم". وفي رواية (5) الترمذي: "إذا كان أول ليلة من رمضان: غلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير هلم وأقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله فيه عتقاء من النار، وذلك في كل ليلة، حتى ينقضي رمضان". 3642 - * روى النسائي عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "هذا رمضان قد جاءكم، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار، وتسلسل فيه الشياطين". 3643 - * روى النسائي عن عرفجة (رحمه الله) قال: "عدنا عتبة بن فرقد، فتذاكرنا شهر رمضان، فقال: ما تذكرون؟ قلنا: شهر رمضان فقال: سمعت رسول الله

_ (1) البخاري: نفس الموضع السابق. (2) مسلم: نفس الموضع السابق. (3) النسائي (4/ 129) 22 - كتاب الصيام، 5 - ذكر الاختلاف على معمر. (4) النسائي: نفس الموضع السابق. (5) الترمذي (3/ 66) 6 - كتاب الصوم، 1 - باب ما جاء في فضل شهر رمضان. (العزيمة): الأمر الذي يفترض ويجب فعله أو قوله، وهو ضد الرخصة. (المردة): جمع مارد، وهو العاتي من الشياطين. (الباغي) ها هنا: الطالب. 3642 - النسائي (4/ 128) 22 - كتاب الصيام، 4 - ذكر الاختلاف على الزهري، وهو حديث صحيح. 3643 - النسائي (4/ 129) 22 - كتاب الصيام، 5 - ذكر الاختلاف على معمر، وهو حديث حسن.

صلى الله عليه وسلم يقول: "تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار، وتغل فيه الشياطين، فينادي مناد كل ليلة: يا باغي الخير هلم، ويا باغي الشر أقصر". وفي رواية (1) قال: "كنت في بيت عتبة بن فرقد، فأردت أن أتحدث بحديث، وكان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالحديث، فحدث الرجل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: في رمضان ... وذكر الحديث" وفيه: "يصفد فيه كل شيطان مريد، وينادي مناد، يا طالب الخير هلم، ويا طالب الشر أمسك". قال التوربشتي: الفتح: كناية عن تنزيل الرحمة وإزالة الغلق عن مصاعد أعمال العباد تارة ببذل التوفيق وأخرى بحسن القبول. والغلق: كناية عن تنزه أنفس الصوام عن رجس الفواحش والتملص من البواعث على المعاصي بقمع الشهوات اهـ. وقال الطيبي فائدة فتح أبواب السماء: توقيف الملائكة على استحماد فعل الصائمين، وأنه من الله بمنزلة عظيمة، ويؤيده حديث عمر "إن الجنة لتزخرف لرمضان .. ". "وسلسلت الشياطين": قيدت بالسلاسل حقيقة، والمراد مسترقو السمع فزيدوا التسلسل مبالغة في الحفظ، أو هو مجاز على العموم. والمراد أنهم لا يصلون من إفساد المسلمين إلى ما يصلون غليه في غيره لاشتغالهم فيه بالصوم الذي فيه قمع الشياطين، وإن وقع شيء من ذلك فهو قليل بالنسبة إلى غيره، وهذا أمر محسوس (شرقاوي: 2/ 147). يبين صلى الله عليه وسلم أن أوقات رمضان خير كلها! يغمر الصائم فيه بفضل الله تعالى، وإحاطته بدعاء الأبرار، وإزالة الأشرار عنه والإغواء والمردة الفسقة المضلين. اهـ. انظر الصيام وأحكامه: الشيخ وهبي الغاوجي (ص 12). وقال العيني في (شرح البخاري 10/ 270) قوله صلى الله عليه وسلم: "غلقت أبواب جهنم" لن الصوم جنة فتغلق أبوابها بما قطع عنهم من المعاصي وترك الأعمال السيئة المستوجبة للنار، ولقلة ما يؤاخذ الله تعالى العباد بأعمالهم السيئة ليستنقذهم منها ببركة الشهر، ويهب المسيء

_ (1) النسائي: الموضع السابق ص 130. ... (الصفد): الغل، وصفدت: غلت بالأغلال.

- حفظ الصوم من الشوائب

للمحسن، ويجاوز عن السيئات، وهذا معنى الإغلاق. فإن قلت: قد تقع الشرور والمعاصي في رمضان كثيراً فلو سلسلت الشياطين لم يقع شيء من ذلك؟! قلت: هذا في حق الصائمين الذين حافظوا على شروط الصوم وراعوا آدابه والمقصود تقليل الشرور فيه، وهذا أمر محسوس. فإن وقوع ذلك فيه أقل من غيره، وقيل لا يلزم من تسلسلهم وتصفيدهم كلهم أن لا تقع شرور ولا معصية، لأن لذلك أسباباً غير الشياطين كالنفوس الخبيثة والعادات القبيحة والشياطين الإنسية. اهـ - حفظ الصوم من الشوائب 3644 - * روى ابن خزيمة عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رُبَّ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورُبَّ قائم حظه من قيامه السهر". 3645 - * روى البخاري عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه". 3646 - * روى ابن خزيمة عن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تساب وأنت صائم، فإن سابك أحد، فقل: إني صائم، وإن كنت قائماً فاجلس". 3647 - * روى ابن خزيمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابك أحد أو جهل

_ 3644 - ابن خزيمة (3/ 242) كتاب الصيام، 80 - باب نفي ثواب الصوم عن الممسك عن الطعام والشراب مع ارتكابه ما زجر عنه، وإسناده صحيح. الطبراني (الكبير) (12/ 382). مجمع الزوائد (3/ 202) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير عن ابن عمر ورجاله موثقون. 3645 - البخاري (4/ 116) 30 - كتاب الصوم، 8 - باب من لم يدع قول الزور والعمل به. أبو داود (2/ 307) كتاب الصوم، باب الغيبة للصائم. الترمذي (3/ 87) 6 - كتاب الصوم، 16 - ما جاء في التشديد في الغيبة للصائم. (قول الزور): هو الكذب. 3646 - ابن خزيمة (3/ 241) كتاب الصيام، 77 - باب الأمر بالجلوس إذا شُتم الصائم .. إلخ، وإسناده صحيح. 3647 - ابن خزيمة (3/ 242) كتاب الصيام، 79 - باب النهي عن اللغو في الصيام ... إلخ، وإسناده صحيح.

- الإكثار من أعمال الخير في رمضان

عليك، فلتقل: إني صائم، إني صائم". أقول: النص جاء لتبيان أهمية ترك اللغو والرفث، وإلا فمن المعلوم أن من أركان الصوم ترك الطعام والشراب والجماع. 3648 - * روى النسائي عن عائشة (رضي الله عنها) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصيام جُنة من النار، فمن أصبح صائماً فلا يجهل يومئذ، وإن امرؤ جهل عليه فلا يشتمه ولا يسبه، وليقل: إني صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك". - الإكثار من أعمال الخير في رمضان 3649 - * روى الشيخان عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة. قال ابن حجر (1/ 31) في الفتح: وقال النووي: في الحديث فوائد: منها الحث على الجود في كل وقت، ومنها الزيادة في رمضان وعند الاجتماع بأهل الصلاح. وفيه زيارة الصلحاء وأهل الخير، وتكرار ذلك إذا كان المزور لا يكرهه، واستحباب الإكثار من القراءة في رمضان وكونها أفضل من سائر الأذكار إذ لو كان الذكر أفضل أو مساوياً لفعلاه. فإن قيل: المقصود تجويد الحفظ، قلنا الحفظ كان حاصلاً، والزيادة فيه تحصل ببعض المجالس، وأنه يجوز أن يقال رمضان من غير إضافة وغير ذلك مما يظهر بالتأمل. وانظر (شرح مسلم 15/ 69). قال ابن حجر: وفيه إشارة إلى أن ابتداء نزول القرآن كان في شهر رمضان، لأن نزوله إلى السماء الدنيا جملة واحدة كان في رمضان كما ثبت من حديث ابن عباس، فكان جبريل

_ 3648 - النسائي (4/ 167) 22 - كتاب الصيام، 43 - باب ذكر الاختلاف على محمد بن أبي يعقوب .. إلخ، وهو حديث صحيح. 3649 - البخاري (1/ 30) 1 - كتاب بدء الوحي، 5 - باب حديث ابن عباس ... إلخ. مسلم (4/ 1803) 43 - كتاب الفضائل، 12 - باب كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس .. إلخ.

- ما يقول إذا دعي الصائم إلى طعام

يتعاهده في كل سنة فيعارضه بما نزل عليه من رمضان إلى رمضان، فلما كان العام الذي توفي فيه عارضه به مرتين كما ثبت في الصحيح عن فاطمة (رضي الله عنها) اهـ. 3650 - * روى ابن خزيمة عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رقي المنبر، فقال: "آمين، آمين، آمين" فقيل له: يا رسول الله، ما كنت تصنع هذا؟! فقال: "قال لي جبريل: أرغم الله أنف عبد- أو بعد- دخل رمضان فلم يغفر له، فقلت: آمين. ثم قال: رغم أنف عبد- أو بعُد- أدرك والديه أو أحدهما لم يدخله الجنة، فقلت: آمين. ثم قال: رغم أنف عبد- أو بعد- ذكرت عنده فلم يصلِّ عليك. فقلت: آمين". - ما يقول إذا دعي الصائم إلى طعام 3651 - * روى مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دعي أحدكم إلى الطعام وهو صائم، فليقل: إني صائم". وفي رواية (1) "إذا دعي أحدكم إلى الطعام، فليجب، فإن كان مفطراً فليطعم، وإن كان صائماً فليُصَلِّ". قال هشام: يريد: "فليدع لهم". - فضل المضيف الصائم وما يقول إذا قدَّم طعاماً: 3652 - * روى الترمذي عن أم عمارة بنت كعب الأنصارية (رضي الله عنها) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها، فقدمت إليه طعاماً، فقال لها: كلي، فقالت: إني صائمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الصائم تصلي عليه الملائكة إذا أكل طعامه حتى يفرغوا- وربما قال: حتى يشبعوا".

_ 3650 - ابن خزيمة (3/ 192) 9 - باب استحباب الاجتهاد في العبادة في رمضان، وإسناده جيد. 3651 - مسلم (2/ 806) 13 - كتاب الصيام، 28 - باب الصائم يدعى لطعام. أبو داود (2/ 331) كتاب الصوم، 73 - باب ما يقول الصائم إذا دعي إلى الطعام. (1) أبو داود: الموضع السابق. 3652 - الترمذي (3/ 153) 6 - كتاب الصوم، 67 - باب ما جاء في فضل الصائم إذا أُكل عنده.

- السواك للصائم

وفي رواية (1) ليلى عن مولاتها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصائم إذا أكل عنده المفاطير صلت عليه الملائكة". وفي أخرى (2) نحو الأولى، ولم يذكر فيها (حتى يفرغوا، أو يشبعوا). ليلى: هي عتيقة أم عمارة، وأم عمارة: هي جدة حبيب بن زيد، راوي الحديث عن ليلى ولذلك قال في رواية "عن مولاة لنا". - السواك للصائم: 3653 - * روى أبو داود عن عامر بن ربيعة (رضي الله عنه) قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك وهو صائم ما لا أعد ولا أُحصي". وعند الترمذي قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يتسوك وهو صائم". 3654 - * روى البخاري عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) قال: "يستاك أول النهار الصائم وآخره". قال الحافظ في "الفتح": وصله ابن أبي شيبة عنه بمعناه، ولفظه: كان ابن عمر يستاك إذا أراد أن يروح إلى الظهر وهو صائم. ولا يوجد نص صحيح يدل على كراهية السواك بعد الزوال، والروايات التي أوردناها تتأيد ببعضها وقد قال الترمذي (3/ 104) عند الحديث رقم: (725): حديث عامر بن ربيعة حديث حسن. والعمل على هذا عند أهل العلم لا يرون بالسواك للصائم بأساً. إلا أن بعض أهل العلم كرهوا السواك للصائم بالعود الرطب وكرهوا له السواك آخر النهار. ولم ير الشافعي بالسواك بأساً أول النهار ولا آخره، وكره أحمد وإسحاق السواك آخر النهار. اهـ

_ (1) الترمذي: الموضع السابق. (2) الترمذي، ص 154، وإسناده صحيح. 3653 - أبو داود (2/ 307) كتاب الصوم، 25 - باب الغيبة للصائم. الترمذي (3/ 104) 6 - كتاب الصوم، 29 - باب ما جاء في السواك للصائم، وأخرجه البخاري تعليقاً، قال: ويذكر عن عامر بن ربيعة، وذكر الحديث. 3654 - البخاري تعليقاً (4/ 153) 30 - كتاب الصوم، 25 - باب اغتسال الصائم.

- المحافظة على السحور

ومما يدل على جواز السواك للصائم مطلقاً الرواية التالية. 3655 - * روى الطبراني عن عبد الرحمن بن غنم قال: سألت معاذ بن جبل أتسوك وأنا صائم؟ فقال: نعم. قلت: أي النهار أتسوك؟ قال: أي النهار شئت إن شئت غدوة وإن شئت عشية. قلت: فإن الناس يكرهون عشية. قال: ولِمَ؟ قلت: يقولون: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لخلوف فم الصائم أطيب عند الله"، قال: سبحان الله لقد أمرهم بالسواك حين أمرهم وهو يعلم أنه لابد أن يكون فم الصائم خلوف وإن استاك، وما كان بالذي يأمرهم أن ينتنوا أفواههم عمداً، ما كان في ذلك من الخير شيء، بل هو شر، إلا من ابتلى ببلاء لم يجد منه بداً، قلت: والغبار في سبيل الله أيضاً كذلك إنما يؤجر من اضطر إليه ولا يجد عنه محيصاً؟ قال: نعم فأما من ألقى نفسه في البلاء عمداً فما له في ذلك من أجر. - المحافظة على السحور: 3656 - * روى أحمد عن عمرو بن العاص (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر". أي الفارق بين صيام أمة محمد صلى الله عليه وسلم وصيام أهل الكتاب: السحور فإنه خاص بهذه الأمة. وأجمع العلماء على استحباب السحور، وفي السحور بركة لأنه يقوي على الصيام وينشط له، ويتضمن الاستيقاظ والذكر والدعاء وقت تنزل الرحمة. وسيرد معنا تفصيل أكثر في السحور.

_ 3655 - الطبراني (20/ 70، 71) (الكبير). مجمع الزوائد (3/ 165) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وفيه بكر بن خنيس وهو ضعيف وقد وثقه ابن معين في رواية، وجود إسناده ابن حجر في التلخيص 2/ 202. 3656 - أحمد (4/ 202). مسلم (2/ 770، 771) 13 - كتاب الصيام، 9 - باب فضل السحور وتأكيد استحبابه ... إلخ. أبو داود (2/ 302، 303) كتاب الصوم، باب في توكيد السحور. الترمذي (3/ 89) 6 - كتاب الصوم، 17 - باب ما جاء في فضل السحور. النسائي (4/ 146) 22 - كتاب الصيام، 27 - باب فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب.

- استحباب الدعاء عند الفطر

- استحباب الدعاء عند الفطر: 3657 - * روى ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد". ضعَّف بعض العلماء هذا الحديث بحجة أن إسحاق بن عبيد الله مجهول، وقال ابن حجر: إسحاق بن عبيد الله الذي أخرج له ابن ماجه هو إسحاق بن عبيد الله بن أبي المهاجر مقبول (التقريب) اهـ ويبدو أن الأمر ليس كذلك بل هو إسحاق بن عبيد الله ابن أبي مليكة القرشي التيمي المدني ويقال المكي كما نص عليه المزي (تهذيب 2/ 456) ويشهد له أيضاً: 3658 - * روى الترمذي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث لا تُرَد دعوتهم: الصائم حين يفطر والإمام العادل ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، وتفتح لها أبواب السماء ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين". ومما يزيدنا طمأنينة إلى استحباب الدعاء عند الفطر بل وأفضلية هذا الدعاء فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

_ 3657 - ابن ماجه (1/ 557) 7 - كتاب الصيام، 48 - باب في الصائم لا ترد دعوته. الحاكم (1/ 422) كتاب الصوم. 3658 - الترمذي (5/ 578) 49 - كتاب الدعوات، 129 - باب في العفو والعافية. ابن ماجه (1/ 557) 7 - كتاب الصيام، 48 - باب في الصائم لا ترد دعوته. ابن حبان (5/ 180، 181) كتاب الصوم، باب فضل الصوم: ذكر رجاء استجابة دعاء الصائم عند إفطاره. وقال الترمذي: هذا حديث حسن وحسنه الحافظ ابن حجر، هذا وقد ضعف بعضهم هذا الحديث أيضاً لأن فيه ابن مدلة قال عنه مجهول، أو ليس كذلك، فقد قال عنه ابن حبان ثقة (الإحسان 5/ 181) وقال عنه ابن ماجه: وكان ثقة (السنن حديث رقم 1752) وقال عنه ابن حجر: مقبول وهو مولى لعائشة: فليس بمجهول إن شاء الله، على أن مجموع هذه الروايات تجعل الحديث حسناً أو أرقى من الحسن.

- تعجيل الفطر إذا دخل وقته

3659 - * روى أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال: "ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله". - تعجيل الفطر إذا دخل وقته: 3660 - * روى الشيخان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جاء الليل من ههنا وذهب النهار من ههنا وغابت الشمس فقد أفطر الصائم". 3661 - * روى الشيخان عن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر". - الإفطار قبل صلاة المغرب: 3662 - * روى أبو داود عن أنس بن مالك رضي الله عنه "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي فإن لم تكن حسا حسوات من ماء". - ما يقول إذا رأى الهلال 3663 - * روى الترمذي عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال: "اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام، ربي وربك الله".

_ 3659 - أبو داود (2/ 306) كتاب الصوم، باب القول عند الإفطار، وقد حسه العلماء. 3660 - البخاري (4/ 196) 30 - كتاب الصوم، 43 - باب متى يحل فطر الصائم. مسلم (2/ 772) 13 - كتاب الصيام، 10 - باب بيان وقت انقضاء الصوم وخروج النهار. أبو داود (2/ 304) كتاب الصوم، باب وقت فطر الصائم. الترمذي (3/ 81) 6 - كتاب الصوم، 12 - باب ما جاء إذا أقبل الليل وأدبر النهار ... إلخ. 3661 - البخاري (4/ 198) 30 - كتاب الصوم، 45 - باب تعجيل الفطر. مسلم (2/ 771) 13 - كتاب الصيام، 9 - باب فضل السحور ... إلخ. ابن ماجه (1/ 541) 7 - كتاب الصيام، 24 - باب ما جاء في تعجيل الإفطار. 3662 - أبو داود (2/ 306) كتاب الصوم، باب ما يفطر عليه. الترمذي (3/ 79) 6 - كتاب الصوم، 10 - باب ما جاء ما يستحب عليه الإفطار، وقال: حديث حسن. الحاكم (1/ 432) كتاب الصوم. 3663 - الترمذي (5/ 504) 49 - كتاب الدعوات، 51 - باب ما يقول عند رؤية الهلال، وقال: حديث حسن. الدارمي (2/ 4) كتاب الصوم، باب ما يقال عند رؤية الهلال.

- ما يقول في ليلة القدر

- ما يقول في ليلة القدر: 3664 - * روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله إن علمت ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: "قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني". - إثم المفطر: 3665 - * روى ابن خزيمة عن أبي أمامة الباهلي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان، فأخذا بضبعي، فأتيا بي جبلاً وعراً، فقالا: اصعد، فقتل: إني لا أطيقه، فقالا إنا سنسهله لك، فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا بأصوات شديدة قلت: ما هذه الأصوات؟ قالا: هذا عواء أهل النار. ثم انطلق بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم، مشققة أشداقهم تسيل أشداقهم دماً، قال، قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم. فقال: خابت اليهود والنصارى، فقال سليمان: ما أدري أسمعه أبو أمامة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أم شيء من رأيه، ثم انطلق فإذا بقوم أشد شيء انتفاخاً، وأنتنه ريحاً، وأسوأه منظراً، فقلت: من هؤلاء؟ فقال: هؤلاء قتلى الكفار، ثم انطلق بي فإذا بقوم أشد شيء انتفاخاً وأنتنه ريحاً كأن ريحهم المراحيض. قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الزانون والزواني. ثم انطلق بي، فإذا أنا بنساء تنهش ثديهن الحيات. قلت: ما بال هؤلاء؟ قال: هؤلاء يمنعن أولادهن ألبانهن. ثم انطلق بي فإذا أنا بالغلمان يلعبون بين نهرين، قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذراري المؤمنين، ثم شرف شرفاً فإذا أنا بنفر ثلاثة يشربون من خمر لهم، قلت: من هؤلاء؟ قال هؤلاء جعفر وزيد وابن رواحة. ثم شرفني شرفاً آخر، فإذا أنا بنفر ثلاثة، قلت: من هؤلاء؟ قال: هذا إبراهيم وموسى وعيسى وهم ينظروني.

_ 3664 - الترمذي (5/ 534) 49 - كتاب الدعوات، 85 - باب منه، وقال: حديث حسن صحيح. ابن ماجه (2/ 1265) 34 - كتاب الدعاء، 5 - باب الدعاء بالعفو والعافية. 3665 - ابن خزيمة (3/ 237) كتاب الصيام، 70 - باب ذكر تعليق المفطرين قبل وقت الإفطار بعراقيبهم .. إلخ وإسناده صحيح.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد - الصوم لغة: الإمساك والكف عن الشيء. وشرعاً: هو الإمساك نهاراً عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية من أهلها في وقتها. فركنا الصوم: الإمساك عن شهوتي البطن والفرج، والنية. ووقت النية عند الشافعية والمالكية هو الليل أي قبل طلوع الفجر، وفصَّل الحنفية فقالوا: تبييت النية بحيث تقع قبل الفجر ركن في القضاء وفي النذر غير المعين، أما في رمضان والنافلة فيكفي إيقاع النية قبل منتصف النهار، وإذا وقعت في الليل فذلك مستحب. - صوم شهر رمضان ركن من أركان الإسلام وفرض من فروضه بدليل القرآن والسنة والإجماع، وفرض صوم رمضان بعد صرف القبلة إلى الكعبة لعشر من شعبان في السنة الثانية من الهجرة بسنة ونصف إجماعاً. - متى يجب الصوم؟ يجب الصوم بأحد أمور ثلاثة: 1 - النذر. 2 - الكفارات. 3 - شهود جزء من شهر رمضان. - شروط وجوب الصوم: اشترط الفقهاء لوجوب الصوم شروطاً خمسة هي ما يأتي: 1 - الإسلام: وهو شرط وجوب عند الحنفية وشرط صحة عند الجمهور. 2 - 3 - البلوغ والعقل: وخلاصة أقوال الفقهاء في هذين الشرطين: أن الجنون المستمر لا يوجب القضاء عند الجمهور، ويوجبه عند المالكية على المشهور، وأما الإغماء فيوجب القضاء بالاتفاق. 4 - 5 - القدرة، والإقامة، فلا يجب الصوم على المريض والمسافر ويجب عليهما القضاء إن

- يستحب للصائم

أفطرا إجماعاً، ويصح صومهما، كما لا يجب الصوم على من لم يطقه للكبر، ولا على نحو حائض لعجزهما شرعاً ولا على حامل أو مرضع إن خافتا على أنفسهما أو ولديهما. - اتفق الفقهاء على اشتراط النية على تفصيل، والطهارة من الحيض والنفاس. واتفق الفقهاء على أنه لا يشترط الخلو عن الجنابة. - يستحب للصائم ما يأتي: 1 - السحور على شيء وإن قل ولو جرعة ماء، وتأخيره لآخر الليل. 2 - تعجيل الفطور عند تيقن الغروب وقبل الصلاة، ويندب أن يكون على رطب، فتمر، فحلو، فماء، وأن يكون وتراً. 3 - الدعاء بالمأثور وغيره لأن للصائم دعوة لا تُرد. 4 - تفطير صائمين ولو على تمرة أو شربة ماء أو غيرهما، والأكمل أن يشبعهم. 5 - الاغتسال من الجنابة والحيض والنفاس قبل الفجر ليكون على طهر من أول الصوم. 6 - كف اللسان والجوارح عن فضول الكلام والأفعال التي لا إثم فيها، وأما الكف عن الحرام كالغيبة والنميمة والكذب فيتأكد في رمضان، وهو واجب في كل زمان، وفعله حرام في أي وقت. 7 - ترك الشهوات المباحة التي لا تبطل الصوم من التلذذ بمسموع ومبصر وملموس ومشموم. 8 - يسن عند الشافعية ترك الفصد والحجامة لنفسه ولغيره خروجاً من خلاف من فطر بذلك، ويسن باتفاق ترك ذوق الطعام وترك القبلة إن خشي فيها الإنزال. 9 - التوسعة على العيال فذلك من الصدقة، والإحسان إلى الأرحام والإكثار من الصدقة على الفقراء والمساكين. 10 - الاشتغال بالعلم وتلاوة القرآن ومدارسته والأذكار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، كلما

- مكروهات الصيام

تيسر له ليلاً أو نهاراً. 11 - الاعتكاف لا سيما في العشر الأواخر من رمضان. - مكروهات الصيام: قال الحنفية يكره للصائم سبعة أمور: 1 - ذوق شيء ومضغه بلا عذر. 2 - مضغ العلك غير المصحوب بسكر، والمصحوب بسكر يفطر إذا ابتلع السكر. 3 - 4 - القبلة والمس والمعانقة ونحوها. 5 - 6 - جمع الريق في الفم قصداً، ثم ابتلاعه. 7 - ما ظن أنه يضعفه كالفصد والحجامة. - يصح صوم المغمى عليه عند الشافعية والحنابلة إن أفاق لحظة من النهار وكان مبيتاً للنية فإن أطبق الإغماء جميع النهار لم يصح الصوم، ويصح صوم المغمى عليه مطلقاً عند الحنفية إن كان هناك نية، ولا يصح صومه عند المالكية غلا إذا أغمي عليه يسيراً كنصف اليوم فأقل. وثمرة الخلاف تظهر في وجوب القضاء فمن قال جاز صومه لا يوجب عليه القضاء، ومن قال بعدم الجواز أوجب عليه القضاء. - إن اسلم المرتد وجب عليه عند الشافعية والحنابلة قضاء ما تركه في حال الكفر، ولا يجب عليه القضاء عند الحنفية ومن وافقهم. إذا بلغ الصبي أثناء اليوم أمسك عند الحنفية بقية اليوم، كما لو أسلم الكافر بعد طلوع الفجر. - لو اشتبه رمضان على أسير أو محبوس أو نحوه، صام شهراً بالاجتهاد، كما يجتهد للصلاة في القبلة والوقت وذلك بأمارة كالربيع والخريف والحر والبرد فلو صام بلا اجتهاد

فوافق رمضان لم يجزه لتردده في النية. انظر فيما سبق: (اللباب 1/ 162 - 173)، (فتح القدير 2/ 300 فما بعدها)، (بداية المجتهد 1/ 283 فما بعدها)، (الشرح الصغير 1/ 687 فما بعدها)، (الفقه الإسلامي 2/ 578 فما بعدها).

الفصل الثاني في ثبوت هلال رمضان وثبوت هلال شوال

الفصل الثاني في ثبوت هلال رمضان وثبوت هلال شوال

3666 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فاقدروا له". وفي رواية (1) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال: لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له". وفي أخرى (2) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الشهر تسع وعشرون ليلة، فلا تصوموا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين". ولمسلم (3) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان، فضرب بيديه، فقال: "الشهر هكذا، وهكذا، وهكذا- ثم عقد إبهامه في الثالثة- فصوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فاقدروا ثلاثين". وفي رواية (4): "فاقدروا له". وأخرج أبو داود (5) الثالثة، وزاد "فكان ابن عمر إذا كان شعبان تسعاً وعشرين: نظر له، فإن رئي فذاك، وإن لم ير ولم يحل دون منظره سحاب أو قترة أصبح مفطراً، فإن حال دون منظره سحاب أو قترة أصبح صائماً.

_ 3666 - البخاري (4/ 119) 30 - كتاب الصوم، 11 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "إذا رأيتم ... إلخ". مسلم (2/ 760) 13 - كتاب الصيام، 2 - باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال ... إلخ. (1) البخاري: نفس الموضع السابق. (2) البخاري: نفس الموضع السابق. (3) مسلم: نفس الموضع السابق ص 759. (4) مسلم: نفس الموضع السابق. (5) أبو داود (2/ 297) كتاب الصوم، باب الشهر يكون تسعاً وعشرين. (غم، وأغمي، وغمي) يقال: غم الهلال، وأغمي، وغمي: إذا غطاه شيء من غيم أو غيره، فلم يظهر. (فاقدروا له) يقال: قدرت الأمر أَقْدُرُه وأُقَدِّرُه: إذا نظرت فيه ودبرته: والمعنى: قدروا عدد الشهر حتى تكملوه ثلاثين يوماً. (قترة) القترة: الظلمة والغبار.

3667 - * روى مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غُمَّ عليكم فصوموا ثلاثين يوماً". وفي أخرى (1) قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم- أو قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته: فإن غمي عليكم فأكملوا العدة". وفي أخرى (2): "فإن أغمي عليكم الشهر فعدوا ثلاثين". وأخرج البخاري (3) الرواية الثالثة، وقال: "فإن غمي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين". 3668 - * روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه". قال النووي (7/ 194): فيه التصريح بالنهي عن استقبال رمضان بصوم يوم ويومين لمن لم يصادف عادة له أو يصله بما قبله فإن لم يصله بما قبله ولا صادف عادة فهو حرام، هذا هو الصحيح في مذهبنا- وهو شافعي- لهذا الحديث. 3669 - * روى أحمد عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتم الهلال فأفطروا فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين".

_ 3667 - مسلم: نفس الموضع السابق ص 762. (1) مسلم: نفس الموضع السابق. (2) مسلم: نفس الموضع السابق. (3) البخاري: نفس الموضع السابق. 3668 - مسلم (2/ 762) 13 - كتاب الصيام، 3 - باب لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين. 3669 - أحمد (2/ 329). مجمع الزوائد (3/ 145) وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الأوسط ورجال أحمد رجال الصحيح.

3670 - * روى أبو داود عن حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال، أو تكملوا العدة، ثم صوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة". وزاد النسائي بعد "الهلال" في الموضعين "قبله". 3671 - * روى مالك عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما)، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان، فقال: "لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين". وفي رواية (1) للنسائي: أن ابن عباس قال: "عجبت ممن يتقدم الشهر، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين". وله في أخرى (2): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن حال بينكم وبينه سحاب فأكملوا العدة، ولا تستقبلوا الشهر استقبالاً". وفي أخرى (3) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تصوموا قبل رمضان، صوموا للرؤية، وأفطروا للرؤية، فإن حالت دونه غياية، فأكملوا ثلاثين". وأخرجه (4) أبو داود قال: "لا تقدموا الشهر بصيام يوم أو يومين، إلا أن يكون شيء يصومه أحدكم، ولا تصوموا حتى تروه، ثم صوموا حتى تروه، فإن

_ 3670 - أبو داود (2/ 298) كتاب الصوم، باب إذا أغمي الشهر. النسائي (4/ 135) 22 - كتاب الصيام، 13 - باب ذكر الاختلاف على منصور ... إلخ. ابن حبان (5/ 190، 191) كتاب الصوم، باب رؤية الهلال- ذكر البيان بأن قوله صلى الله عليه وسلم فصوموا ... إلخ. 3671 - الموطأ (1/ 287) 18 - كتاب الصيام، 1 - باب ما جاء في رؤية الهلال ... إلخ. النسائي (4/ 134) 22 - كتاب الصيام، 10 - باب ذكر الاختلاف على على الزهري. (1) النسائي (4/ 135) 22 - كتاب الصيام، 11 - باب ذكر الاختلاف على عبيد الله بن عمر. (2) النسائي (4/ 136) 22 - كتاب الصيام، 13 - باب ذكر الاختلاف على منصور. (3) النسائي: نفس الموضع السابق. (4) أبو داود (2/ 298) كتاب الصوم، باب من قال فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين. (غياية) بياءين منقوطتين من تحت: كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه، مثل السحاب.

حال دونه غمامة، فأتموا العدة ثلاثين، ثم أفطروا، الشهر تسع وعشرين". وأخرجه (1) الترمذي قال: "لا تصوموا قبل رمضان، صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن حالت دونه غياية فأكملوا ثلاثين". 3672 - * روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره، ثم يصوم لرؤية رمضان، فإن غم عليه عد ثلاثين يوماً، ثم صام". 3673 - * روى ابن خزيمة عن حذيفة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقدموا هذا الشهر حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة". أقول: لم يعتبر اختلاف المطالع إلا الشافعية في القول الراجح عندهم، والمذاهب الثلاثة الأخرى توجب في القول المعتمد عندهم على كل المسلمين أن يصوموا إذا رأى الهلال أهل قطر، والآن وقد امتد الإسلام في العالم حيث لا يتوقع أن يكون الهلال مستتراً في كل مكان بآن واحد إذا دخل الشهر، فالأجود في حق المسلم أن يصوم بصيام أهل أي قطر، والرؤية بالمراصد تعتبر رؤية توجب الصوم، لأن المرصد إنما يزيد قوة الإبصار ولا يرينا شيئاً غير موجود، على أنه يجب أن نرى الهلال وقد جاوز خط الشمس حتى يثبت دخول الشهر، وهذا معنى قولهم: إن الرؤية المعتبرة هي بعد المغرب. ورؤية الهلال بالمرصد غير معرفته بالحسابات الفلكية، فالجمهور على عدم اعتبار الحسابات الفلكية في إثبات الشهر القمري، وذهب بعض المعاصرين إلى اعتبارها لأنها تفيد القطع إذا كانت صحيحة. ذكرنا رأي المذاهب في اعتبار اختلاف المطالع، ونقول: إن اختلاف المطالع أمر واقع

_ (1) الترمذي (3/ 72) 6 - كتاب الصوم، 5 - باب ما جاء أن الصوم لرؤية الهلال، والإفطار له، وهو حديث حسن لغيره. 3672 - أبو داود (2/ 298) كتاب الصوم، باب إذا أغمي الشهر، وإسناده صحيح. (يتحفظ): يتكلف في عد أيام شعبان للمحافظة على صوم رمضان. 3673 - ابن خزيمة (3/ 203) كتاب الصيام، 29 - باب الزجر عن الصيام لرمضان قبل مضي ثلاثين يوماً لشعبان إذا لم ير الهلال، وإسناده صحيح.

لا ينكر ولكن الخلاف في اعتباره أو عدم اعتباره، ويرى بعض العلماء المعاصرين أنه إن ثبت رؤية الهلال في بلد دخل الشهر في حق جميع البلاد التي يؤذن فيها المغرب بعد بلد الرؤية، على أن البلدان الأخرى أي التي أذن فيها المغرب قبل بلد الرؤية يثبت الشهر في حقها في اليوم التالي قطعاً. (انظر في توضيح هذه الأمور: فتاوى الشيخ علي الطنطاوي ص 221 - 224 ط 2، 1406 هـ 1986 م دار المنارة جدة). 3674 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: "جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الهلال- قال الحسن في حديثه: يعني هلال رمضان- فقال: "أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: نعم، قال: "أتشهد أن محمداً رسول الله؟ قال: نعم، قال: يا بلال، أذِّن في الناس: أن صوموا غداً". وفي رواية (1) عن عكرمة "أنهم شكوا في هلال رمضان مرة، فأرادوا أن لا يقوموا ولا يصوموا، فجاء أعرابي من الحرة يشهد أنه رأى الهلال، فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "أتشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟ قال: نعم، وشهد أنه رأى الهلال، فأمر بلالاً، فنادى في الناس: أن يقوموا وأن يصوموا"ز أخرجه أبو داود، وقال: رواه جماعة عن سماك بن حرب عن عكرمة مرسلاً، ولم يذكر القيام أحد إلا حماد بن سلمة، قال أبو داود: هذه كلمة لم يقلها إلا حماد: "وأن تقوموا" لأن قوماً يقولون: القيام قبل الصيام. وفي رواية (2) الترمذي: قال: "جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني رأيت الهلال، فقال: "أتشهد أن لا إله إلا الله؟ أتشهد أن محمداً رسول الله؟ " قال: نعم، قال: "يا بلال، أذِّن في الناس: أن يصوموا غداً". وأخرجه (3) النسائي مثل الترمذي، وقال: "أن محمداً عبده ورسوله".

_ 3674 - أبو داود (2/ 302) كتاب الصوم، باب في شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان. (1) أبو داود: الموضع السابق. (2) الترمذي (3/ 74) 6 - كتاب الصوم، 7 - باب ما جاء في الصوم بالشهادة. قال الترمذي: وروي عن عكرمة مرسلاً. (3) النسائي (4/ 132) 22 - كتاب الصيام، 8 - باب قبول شهادة الرجل الواحد.

وله في أخرى (1): فنادى النبي صلى الله عليه وسلم: "أن صوموا". قال محقق الجامع: وللحديث شواهد بمعناه يقوى بها وقال إسحاق: لا يصام إلا بشهادة رجلين، ولم يختلف أهل العلم في الإفطار أنه لا يقبل فيه إلا شهادة رجلين. قال الترمذي: والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم، قالوا: تقبل شهادة رجل واحد في الصيام: وبه يقول ابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وأهل الكوفة. أقول: تقبل شهادة رجل واحد في إثبات هلال رمضان عند الحنفية إذا كان بالسماء علة، أما إذا لم يكن بالسماء علة فلا بد من شهادة رجلين أو رجل وامرأتين. 3675 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) قال: "تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصامه، وأمر الناس بصيامه". 3676 - * روى أبو داود عن حسين بن الحارث الجدلي أن أمير مكة خطب، ثم قال: "عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن ننسك لرؤيته، فإن لم نره، وشهد شاهدا عدل، نسكنا بشهادتهما، قال: فسألت الحسين بن الحارث: من أمير مكة؟ قال: لا أدري، ثم لقيني بعد، فقال: هو الحارث بن حاطب، أخو محمد بن حاطب، ثم قال الأمير: إن فيكم من هو أعلم بالله ورسوله مني، وقد شهد هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم- وأومأ إلى رجل- قال الحسين: فقلت لشيخ إلى جنبي: من هذا الذي أومأ إليه الأمير؟ قال: هذا عبد الله بن عمر، وصدق، كان أعلم بالله جل وعز منه- فقال: بذلك أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم". 3677 - * روى النسائي عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب "أنه خطب الناس في اليوم الذي يشك فيه- فقال: ألا، إني جالست أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وساءلتهم،

_ (1) النسائي: نفس الموضع السابق، وقد أخرجه أيضاً مرسلاً عن عكرمة، ولم يذكر لفظه. 3675 - أبو داود (2/ 302) وإسناده صحيح. (تراءى) الترائي: تفاعل: من الرؤية، وهو طلب رؤية الهلال. 3676 - أبو داود (2/ 301) كتاب الصوم، باب شهادة رجلين على رؤية هلال شوال، وإسناده صحيح. (ننسك) النسك: العبادة، والمراد به ها هنا: الصوم. 3677 - النسائي (4/ 133) 22 - كتاب الصيام، 8 - باب قبول شهادة الرجل الواحد، وله شواهد بمعناه، فهو حديث حسن.

وإنهم حدثوني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، وانسكوا لها، فإن غُمَّ عليكم فأتموا ثلاثين، وإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا". 3678 - * روى أبو داود عن ربعي بن حراش عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اختلف الناس في آخر يوم من رمضان، فقدم أعرابيان، فشهدا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالله: لأهل الهلال ورأياه أمس عشية، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس أني فطروا". زاد في رواية (1) "وأن يغدوا إلى مصلاهم". أقول: الخروج من رمضان بإثبات أن شوال قد دخل لابد فيه في كل الأحوال من شهادة رجلين فأكثر، أو رجل وامرأتين. 3679 - * روى الطبراني عن أبي مسعود قال: "أصبح الناس صياماً لتمام ثلاثين فجاء رجلان فشهدا أنهما رأيا الهلال بالأمس فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فأفطروا". 3680 - * روى أبو داود عن أبي عمير [عبد الله] بن أنس بن مالك عن عمومة له من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن ركباً جاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يشهدون: أنهم رأوا الهلال بالأمس، فأمرهم أن يفطروا وإذا أصبحوا يغدون إلى مصلاهم". 3681 - * روى النسائي عن سماك بن حرب قال: "دخلت على عكرمة في يوم- يعني: قد أشكل: من رمضان هو، أو من شعبان؟ - وهو يأكل خبزاً وبقلاً ولبناً، فقال لي: هلم، فقلت: إني صائم، فقال- وحلف بالله-: لتفطرن: قلت: سبحان الله!

_ 3678 - أبو داود (2/ 301). (1) الموضع السابق، وإسناده صحيح. 3679 - مجمع الزوائد (3/ 147) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، وقال: لم يقل في هذا الحديث عن أبي مسعود إلا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني، قلت: وهو ثقة. 3680 - أبو داود (1/ 300) كتاب الصلاة، باب إذا لم يخرج الإمام للعيد من يومه يخرج من الغد، وإسناده صحيح. النسائي (3/ 180) 19 - كتاب صلاة العيدين، 2 - باب الخروج إلى العيدين من الغد. 3681 - النسائي (4/ 153) 22 - كتاب الصيام، 37 - صيام يوم الشك، وإسناده حسن.

مرتين، فلما رأيته يحلف لا يستثني تقدمت، فقلت: هات الآن ما عندك، قال، سمعت ابن عباس يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن حال بينكم وبينه سحابة، أو ظلمة فأكملوا العدة عدة شعبان، ولا تستقبلوا الشهر استقبالاً، ولا تصلوا رمضان بيوم من شعبان". أقول: صيام يوم الشك وهو اليوم الذي يوافق يوم الثلاثين من شعبان، إذا لم يتأكد أنه من رمضان مكروه. إلا أن الحنفية استثنوا صورة واحدة وهو أن يصومه الإنسان نفلاً، فإن ثبت أنه من رمضان وقع عن رمضان لأن رمضان معيار لا يسع غيره، وإن لم يكن من رمضان، وقع نفلاً ولا كراهة عندهم بالتنفل في هذه الحالة. وفي المشهور من مذهب الحنابلة أن السماء إن كانت مصحية لم يجز صيام يوم الشك عن رمضان وإن كانت مغيمة وجب صيامه عنه أما صيامه عن تطوع فجائز. المغني (3/ 87). قالوا: والمراد بقوله صلى الله عليه وسلم (فاقدروا له): التضييق، والتضييق للهلال يكون بجعل شعبان تسعة وعشرين يوماً. المغني (3/ 90) ا. هـ- لكن يردُّ هذا: رواية (فأكملوا عدة شعبان ثلاثين) وسبق حديث أبي هريرة (لا تقدموا رمضان بصوم)، وحديث ابن عمر (لا تصوموا حتى تروا الهلال ...). 3682 - * روى أحمد عن عبد الله بن أبي موسى قال: أرسلني مدرك أو ابن مدرك إلى عائشة أسألها عن أشياء فأتيتها وسألتها عن اليوم الذي يختلف فيه من رمضان فقالت: لأن أصوم يوماً من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوماً من رمضان، فسألت ابن عمر وأبا هريرة فكل واحد منهما قال: أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أعلم بذلك. بمثل هذه الآثار استدل الحنابلة.

_ 3682 - أحمد (6/ 126). مجمع الزوائد (3/ 148) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

3683 - * روى مسلم عن كريب مولى ابن عباس أن أم الفضل بعثته إلى معاوية بالشام، قال: فقدمت الشام، فقضيت حاجتها، واستهل علي رمضان وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني عبد الله بن عباس، ثم ذكر الهلال، فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم، ورآه الناس وصاموا، وصام معاوية، فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم، حتى نكمل ثلاثين أو نراه، فقلت: أولا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم" شك أحد رواته في نكتفي، أو تكتفي". وأخرجه أبو داود (1) والترمذي (2) والنسائي (3)، وكلهم قالوا: "فرأيت الهلال ليلة الجمعة". وقال النسائي "أولا تكتفي برؤية معاوية وأصحابه؟ "، وقال الترمذي: "فقلتك رآه الناس وصاموا" ولم يقل عن نفسه: "أنه رآه". أقول: هذا النص أصل في اعتماد اختلاف المطالع الذي ذهب إليه الشافعية، فالمعتبر: عندهم رؤية أهل كل إقليم. وفي القديم لم تكن وسائل الاتصال متيسرة، فاعتماد أهل كل إقليم على رؤيتهم كان ضرورياً، أما في عصرنا فسرعة الاتصالات وإمكانية التثبت من ثبوت الهلال في قطر يجعل الرؤية في مكان ملزم لجميع المسلمين في كل مكان في رأينا، إلا أننا لا نفتي بوجوب القضاء لمن شارك أهل إقليم مخالفين فيه غيرهم لوجود رأي الشافعية في اعتماد اختلاف المطالع. والله أعلم. 3684 - * روى مسلم عن أبي البختري [سعيد بن فيروز] قال: "خرجنا للعمرة، فلما نزلنا ببطن نخلة قال: تراءينا الهلال، فقال بعض القوم: هو ابن ثلاث، وقال بعض القوم: هو ابن ليلتين، قال: فلقينا ابن عباس، فقلت: إنا رأينا الهلال، فقال بعض القوم: هو ابن ثلاث، وقال بعض القوم: هو ابن ليلتين، فقال: أي ليلة رأيتموه؟

_ 3683 - مسلم (2/ 765) 12 - كتاب الصيام، 5 - باب بيان أن لكل بلد رؤيتهم ... إلخ. (1) أبو داود (2/ 299) كتاب الصوم، باب إذا رؤي الهلال في بلد قبل الآخر بليلة. (2) الترمذي (3/ 76) 6 - كتاب الصوم، 9 - باب ما جاء لكل أهل بلد رؤيتهم. (3) النسائي (4/ 131) 22 - كتاب الصيام، 7 - اختلاف أهل الآفاق في الرؤية. 3684 - مسلم (2/ 765) 13 - كتاب الصيام، 6 - باب بيان أنه لا اعتبار بكبر الهلال وصغره ... إلخ.

قال، فقلنا: ليلة كذا وكذا، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله مدة للرؤية، فهو لليلة رأيتموه". وفي أخرى (1) قال أبو البختري "أهللنا رمضان ونحن بذات عرق فأرسلنا رجلاً إلى ابن عباس فسأله؟ فقال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد أمده لرؤيته، فإن أغمي عليكم فأكملوا العدة". قال النووي في شرح مسلم أمده لرؤيته: معناه: أطال مدته إلى الرؤية. وقال (7/ 198): جميع النسخ متفقة على (مَدَّهُ) من غير ألف فيها وفي الرواية الثانية إن الله (قد أمده) هكذا هو في جميع النسخ أمده بألف في أوله. قال القاضي: قال بعضهم: الوجه أن يكون (أمده) بالتشديد من الإمداد (ومده) من الامتداد. قال القاضي: والصواب عندي بقاء الرواية على وجهها ومعناه أطال مدته إلى الرؤية. 3685 - * روى الترمذي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون". وعند أبي داود (2) عن أبي هريرة- ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيه- قال: "وفطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون، وكل عرفة موقف، وكل منى منحر وكل فجاج مكة منحر وكل جمع موقف". قال الترمذي: فسر بعض أهل العلم هذا الحديث، فقال: إنما معنى هذا: أن الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس. وترجم أبو داود على هذا الحديث: باب إذا أخطأ القوم الهلال.

_ (1) مسلم: نفس الموضع السابق ص 766. 3685 - الترمذي (3/ 80) 6 - كتاب الصوم، 11 - باب ما جاء الصوم يوم تصومون ... إلخ، وهذا الحديث حسنه الترمذي، وهو كما قال. (2) أبو داود (2/ 297) كتاب الصوم، باب إذا أخطأ القوم الهلال. (فجاج) الفجاج: جمع فج، وهو الطريق. (جمع): اسم علم على المزدلفة.

(الصوم يوم تصومون) قال الخطابي: معنى الحديث: أن الخطأ موضوع عن الناس فيما كان سبيله الاجتهاد، فلو أن قوماً اجتهدوا فلم يروا الهلال إلا بعد الثلاثين فلم يفطروا حتى استوفوا العدد، ثم ثبت عندهم أن الشهر كان تسعاً وعشرين، فإن صومهم وفطرهم ماض، ولا شيء عليهم من وزر أو عيب، وكذلك الحج: إذا أخطأوا يوم عرفة، فليس عليهم إعادته، وكذلك أضحاهم تجزئهم، وإنما هذا رفق من الله ولطف بعباده. 3686 - * روى الترمذي عن عائشة (رضي الله عنها) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس". 3687 - * روى مسلم عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الشهر كذا وكذا وكذا، وصفق بيديه مرتين بكل أصابعهما ونقص في الصفقة الثالثة إبهام اليمنى أو اليسرى". وفي رواية (1) البخاري قال: "الشهر هكذا وهكذا"، وخنس إبهامه في الثالثة. وفي رواية (2): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنا أمة أمية، لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا- يعني مرة: تسعاً وعشرين، ومرة ثلاثين". وفي رواية (3) لمسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا، وعقد الإبهام في الثالثة، "والشهر هكذا وهكذا وهكذا"، يعني: تمام الثلاثين". وفي أخرى (4) "أن ابن عمر سمع رجلاً يقول: الليلة ليلة النصف، فقال له: وما يدريك

_ 3686 - الترمذي (3/ 165) 6 - كتاب الصوم، 78 - باب ما جاء في الفطر والأضحى متى يكون، حديث حسن. 3687 - مسلم (2/ 761) 13 - كتاب الصيام، 2 - باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال. (1) البخاري (4/ 119) 30 - كتاب الصوم، 11 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "إذا رأيتم الهلال ... إلخ". (2) البخاري (4/ 126) 30 - كتاب الصوم، 13 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "لا نكتب ولا نحسب". (3) مسلم: نفس الموضع السابق. (4) مسلم: نفس الموضع السابق. (أمية) الأمية: التي لا تكتب ولا تقرأ. وقيل: هو منسوب إلى الأم، أي: إنها على أصل ولادتها، لم تتعلم الكتاب. (خنس) إبهامه: أي قبضها وجمعها على أخواتها.

أن الليلة النصف؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الشهر هكذا وهكذا، وأشار بأصابعه العشر مرتين، وهكذا في الثالثة، وأشار بأصابعه كلها، وحبس- أو خنس إبهامه". - قوله (وعقد الإبهام): أي أنه أشار بيديه ثلاث مرات ناشراً أصابعه وفي المرة الثالثة قبض الإبهام إشارة إلى أن الشهر يكون تسعاً وعشرين ثم أشار بيديه ثلاث مرات ناشراً أصابعه ولم يقبض إبهامه في الثالثة إشارة إلى أنه يكون ثلاثين. انظر الدين الخالص (8/ 335). أقول: النص الذي بين أيدينا أصل للجمهور فيما ذهبوا إليه من أن الحسابات الفلكية غير معتبرة في إقامة العبادات. فصيام رمضان عبادة لا نكلف فيها إلا بما كلفنا الشر عبه وقد كلفنا بالرؤية البصرية من غير اعتماد على الحساب. لكن لو صام إنسان معتمداً على الحساب الفلكي إذا كان هو الأحوط فذلك جائز وإن كان الأصل الرؤية، لكن لو قرر العلم أنهل ايمكن رؤية الهلال اليوم مثلاً وشهد الشهود برؤيته فما العمل؟ نقول: يجمع بين العمل بحديث (صوموا لرؤيته) وبين حقائق علم الفلك فإن لم يرد من علماء الفلك ما يمنع رؤيته تحرينا رؤيته فإذا رأيناه أثبتنا دخول الشهر بالرؤية. وإذا قرر علماء الفلك يقيناً أنه لا يمكن أن يرى فيناقش القاضي الشاهد الذي ادعى رؤيته ويسأله، أين رآه؟ ومتى؟ وهل كان إلى يمين الشمس؟ أم إلى يسارها؟ وهل كانت فتحة القوس إلى جهة الشمس أم إلى الجهة المقابلة؟ إلى أن يظهر توهمه وخطؤه ... فإن قيل: قرر علماء الفلك أنه لا يمكن الرؤية وقد رؤي فعلاً وحقيقة فنقول هذا ليس من حقائق علم الفلك إذن وتعتمد الرؤية. 3688 - * روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) قال: "ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده على الأخرى، ثم قال: "الشهر هكذا وهكذا وهكذا، ثم نقص

_ 3688 - مسلم (2/ 764) 13 - كتاب الصيام، 4 - باب الشهر يكون تسعاً وعشرين.

في الثالثة إصبعاً". وله في أخرى (1): "الشهر هكذا وهكذا وهكذا"- يعني تسعة وعشرين. وفي أخرى (2) مثل الأولى، وقال: وصفق محمد بن عبيد بيديه ينعتها، ثلاثاً، ثم قبض في الثالثة الإبهام في اليسرى". أقول: الشهر القمري إما أن يكون ثلاثين يوماً أو تسعة وعشرين، ومجموع الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفيد ذلك، وهو المعروف حساً، فإذا أفهمت بعض الروايات أن الشهر تسعة وعشرون يوماً فذلك محمول على شهر بعينه أو أن المشهور قد يكون كذلك ولا تنفي مثل هذه الروايات أن يكون الشهر ثلاثين. 3689 - * روى النسائي عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أتاني جبريل فقال: الشهر تسع وعشرون يوماً". وفي أخرى (3): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الشهر تسع وعشرون يوماً". 3690 - * روى أبو داود عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنهما) "لما صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعاً وعشرين أكثر مما صمنا ثلاثين.". وعند الترمذي (4) قال: "ما صمت مع النبي صلى الله عليه وسلم .. وذكر الحديث". قال محقق الجامع: قال الترمذي: وفي الباب عن عمر وأبي هريرة، وعائشة، وسعد بن أبي وقاص وابن عباس، وابن عمر وأنس، وجابر، وأم سلمة، وأبي بكرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الشهر

_ النسائي (4/ 138) 22 - كتاب الصيام، 16 - ذكر الاختلاف على إسماعيل ... إلخ. (1) مسلم (2/ 760) 13 - كتاب الصيام، 2 - باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال ... إلخ. (2) مسلم: نفس الموضع السابق ص 761. 3689 - النسائي: نفس الموضع السابق. (3) النسائي: نفس الموضع السابق، وإسناده صحيح. 3690 - أبو داود (2/ 297) كتاب الصوم، باب الشهر يكون تسعاً وعشرين. (4) الترمذي (3/ 73) 6 - كتاب الصوم، 6 - باب ما جاء أن الشهر يكون تسعاً وعشرين.

يكون تسعاً وعشرين. أقول: فهو حديث حسن. أقول: وهو عند ابن خزيمة (1) بإسناد صحيح. 3691 - * روى الشيخان عن أبي بكرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "شهرا عيد لا ينقصان: رمضان، وذو الحجة". (شهرا عيد لا ينقصان) قال الخطابي: اختلف الناس في معنى قوله: شهرا عيد لا ينقصان، فقال بعضهم: معناه: أنهما لا يكونان ناقصين في الحكم، وإن وجدا ناقصين في عدد الحساب. 3692 - * روى الترمذي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحصوا هلال شعبان لرمضان". 3693 - * روى أحمد عن سعيد بن عمرو الأموي قال: قيل لعائشة: رؤي هذا الشهر لتسع وعشرين! قالت: وما يعجبك من ذاك؟ لما صمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعاً وعشرين أكثر مما صمنا ثلاثين.

_ (1) ابن خزيمة (3/ 208) كتاب الصيام، باب الدليل على أن صيام تسع وعشرين لرمضان كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من صيام ثلاثين ... إلخ، وإسناده صحيح. 3691 - البخاري (4/ 124) 30 - كتاب الصوم، 12 - باب شهرا عيد لا ينقصان. مسلم (2/ 766) 13 - كتاب الصيام، 7 - بيان معنى قوله صلى الله عليه وسلم "شهرا عيد لا ينقصان". أبو داود: نفس الموضع السابق. الترمذي (3/ 75) 6 - كتاب الصوم، 8 - باب ما جاء شهرا عيد لا ينقصان. 3692 - الترمذي (3/ 71) 6 - كتاب الصوم، 4 - باب ما جاء في إحصاء هلال شعبان لرمضان، وإسناده حسن. 3693 - أحمد (6/ 90). مجمع الزوائد (3/ 147) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد - كيفية إثبات هلال رمضان وهلال شوال: خلاصة أقوال الفقهاء: أن الحنفية يشترطون لإثبات هلال رمضان وشوال رؤية جمع عظيم إذا كانت السماء صحواً وقد اكتفى المتأخرون برؤية رجلين عدلين أو رجل وامرأتين إذا كانت السماء صحواً، وتكفي رؤية العدل الواحد في حال الغيم ونحوه. ولابد عند المالكية من رؤية عدلين أو أكثر، وتكفي رؤية العدل الواحد عندهم في حق من لا يهتم بأمر الهلال، وتكفي رؤية عدل واحد عند الشافعية والحنابلة، ولو مستور الحال عند الشافعية، ولا يكفي المستور عند الحنابلة، كما لابد عند الحنابلة من رؤية هلال شوال من عدلين لإثبات العيد، وتقبل شهادة المرأة عند الحنفية والحنابلة ولا تقبل عند المالكية والشافعية. - اختلف الفقهاء على رأيين في وجوب الصوم وعدم وجوبه على جميع المسلمين في المشارق والمغارب في وقت واحد، بحسب القول باتفاق مطالع القمر أو اختلاف المطالع، ففي رأي الجمهور: يوحد الصوم بين المسلمين، ولا عبرة باختلاف المطالع، وفي رأي الشافعية يختلف بدء الصوم والعيد بحسب اختلاف مطالع القمر بين مسافات بعيدة، واختلاف المطالع لا يكون في أقل من أربعة وعشرين فرسخاً أي ما يعادل (133.056) كم: وسبقت الإشارة إلى أدلة كل فريق، ومما استدل به الشافعية قياس اختلاف مطالع القمر على اختلاف مطالع الشمس. - قال الشيخ الطنطاوي: (واختلاف المطالع باختلاف البلاد أمر محقق لا ينكر. ولكن النزاع في اعتباره أو عدم اعتباره، والقول الصحيح أنه إن ثبت رؤية هلال رمضان في بلد فإن جميع البلاد التي يؤذن فيها المغرب بعد هذا البلد يكون الصوم واجباً فيه). الرؤية المعتبرة هي التي تكون بعد المغرب فإذا رئي قبل المغرب لا يثبت دخول رمضان بذلك. وولادة القمر معناها: أن القمر يقترب من الشمس إلى أقصى حد ممكن، وذلك في ليالي المحاق، حينما يواجهنا النصف المظلم منه ثم يبدأ بالابتعاد عنها، فيظهر قوس دقيق من النصف المضيء وهذا هو هلال الشهر الجديد وهذا ما يسمى بولادة القمر). الفتاوى ص: 222.

- قال الحنفية: يجب على الناس أن يلتمسوا الهلال في اليوم التاسع والعشرين من شعبان، وكذا هلال شوال لأجل إكمال العدة فإن رأوه صاموا، وإن غم عليهم أكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً، ثم صاموا، لأن الأصل بقاء الشهر، فلا ينتقل عنه إلا بدليل، ولم يوجد. وقال الحنابلة: يستحب ترائي الهلال احتياطاً للصوم وحذراً من الاختلاف ويسن إذا رأى المرء الهلال أن يكبر ثلاثاً ويقول: اللهم أهله علينا باليمن والإيمان، والأمن والأمان، ربي وربك الله، هلال رشد وخير، وإذا رؤي الهلال يكره عند الحنفية أن يشير الناس إليه لأنه من عمل الجاهلية. يقول الحنفية وآخرون: ولا يعتمد على ما يخبر به أهل الميقات والحساب والتنجيم، وقال المالكية: ولا يثبت الهلال بقول منجم أي حاسب يحسب سير القمر: لا في حق نفسه ولا غيره، لأن الشارع أناط الصوم والفطر والحج برؤية الهلال، لا بوجوده إن فرض صحة قوله، وقال الحنابلة: ولا يجب الصوم بالحساب والنجوم ولو كثرت إصابتهما، لعدم استناده لما يعول عليه شرعاً. انظر فيما سبق (رسائل ابن عابدين 1/ 251 - 253)، (رد المحتار 2/ 92 - 97)، (الشرح الصغير 1/ 682)، (المهذب 1/ 179)، (المغني 3/ 156 - 163)، (الفقه الإسلامي 2/ 598 - 607). - أكثر العلماء على أن من رأى الهلال وحده يلزمه أن يصوم به بمفرده إذا لم يحكم القاضي بشهادته. - ذكر ابن عابدين أن إثبات هلال رمضان لا يكون إلا بالرؤية ليلاً أو كمال عدة شعبان وأنه لا تعتبر رؤيته في النهار حتى ولو قبل الزوال على المختار.

الفصل الثالث في النية في صوم الفريضة وغيرها

الفصل الثالث في النية في صوم الفريضة وغيرها

عرض إجمالي

عرض إجمالي النية: هي القصد وهو اعتقاد القلب فعل شيء وعزمه عليه، من غير تردد. واتفق الفقهاء على أن النية مطلوبة في كل أنواع الصيام، فرضاً كان أو تطوعاً إما على سبيل الشرطية أو الركنية واعتبرها الحنفية والحنابلة وكذا المالكية على الراجح شرطاً، وهي عند الشافعية ركن كالإمساك عن المفطرات وسواء كانت شرطاً أو ركناً في الاصطلاح فهي فريضة. ومحل النية القلب ولا تكفي باللسان قطعاً ولا يشترط التلفظ بها قطعاً لكن يسن عند الجمهور غير المالكية التلفظ بها. شروط النية: 1 - تبييت النية: أي إيقاعها ليلاً وهو شرط متفق عليه في بعض الحالات كما سنرى. قال الحنفية: الأفضل في الصيامات كلها أن ينوي وقت طلوع الفجر إن أمكنه ذلك أو من الليل، وإن نوى بعد طلوع الفجر قبل منتصف النهار فإن كان الصوم قضاءً أو نذراً غير معين أو كفارة لا يجوز. وإن كان صوم رمضان أو صوم التطوع خارج رمضان أو المنذور المعين يجوز. وقال المالكية: يشترط لصحة النية إيقاعها في الليل من الغروب إلى آخر جزء منه، أو إيقاعها مع طلوع الفجر، فلو نوى نهاراً قبل الغروب لليوم المستقبل أو قبل الزوال لليوم الذي هو فيه لم تنعقد ولو نفلاً وقال الشافعية: يشترط لغرض الصوم من رمضان أو غيره كقضاء أو نذر تبييت النية ليلاً، والصحيح أنه لا يشترط النصف الآخر من الليل، وأنه لا يضر الأكل والجماع بعدها قبل الفجر وأنه لا يجب تجديد النية إذا نام ثم تنبه. ويصح صوم النفل بنية قبل الزوال. 2 - تعيين النية في الفرض: هذا شرط عند الجمهور، وليس بشرط عند الحنفية. وقال الجمهور: يجب تعيين النية في الصوم الواجب. فالحنفية يرون مطلق النية في صوم رمضان أو في المنذور المعين كافياً. 3 - الجزم بالنية: بأن لا يكون متردداً فيها كأن يقول أنا صائم غداً إن شاء الله. ولا يشترط بالاتفاق تعيين السنة ولا الأداء ولا الإضافة على الله تعالى وهو الصحيح عند الشافعية.

4 - تعدد النية بتعدد الأيام

4 - تعدد النية بتعدد الأيام: هذا شرط عند الجمهور، وليس بشرط عند المالكية فيشترط عند الجمهور النية لكل يوم من رمضان على حدة لأن صوم كل يوم عبادة على حدة غير متعلقة باليوم الآخر بدليل أن ما يفسد أحدهما لا يفسد الآخر. - في صفة النية: قال المالكية: صفة النية أن تكون معينة مبيتة جازمة. قال الشافعية: كمال النية في رمضان أن ينوي صوم غد عن أداء فرض رمضان هذه السنة لله تعالى، والمعتمد أنه لا يجب في التعيين نية الفرضية، وقال الحنابلة: من خطر بباله أنه صائم غداً فقد نوى، ويجب تعيين النية بأن يعتقد أنه يصوم غداً من رمضان أو من قضائه أو من نذره أو كفارته، كما اتفق غير الشافعية على أن الأكل والشرب بنية الصوم أو التسحر نية. قال المالكية: تجزئ نية واحدة لرمضان في أوله، فيجوز صوم جميع الشهر بنية واحدة، وكذلك في صيام متتابع مثل كفارة رمضان وكفارة قتل أو ظهار ما لم يقطعه بسفر أو مرض أو نحوهما، أو يكن على حالة يجوز له الفطر كحيض ونفاس وجنون فيلزمه استئناف النية. وتندب النية كل ليلة فيما تكفي فيه النية الواحدة. - الراجح عند الشافعية والحنابلة أن من نوى الخروج من الصيام بعد أن دخل فيه يبطل صومه ولو لم يخرج بالفعل، والراجح عند الحنفية والمالكية أنه لا يبطل ما لم يباشر الفعل وهو الأولى والله أعلم .. [انظر (فتح القدير 2/ 303 فما بعدها)، (الشرح الصغير 1/ 695 فما بعدها)، (المهذب 180 - 181)، (بداية المجتهد 1/ 292 - 294)، (المغني 3/ 91 - 98)، (الفقه الإسلامي 2/ 617 فما بعدها)]. - نية الفريضة: 3694 - * روى أبو داود عن حفصة (رضي الله عنها) قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له".

_ 3694 - أبو داود (2/ 329) كتاب الصوم، باب النية في الصيام، وإسناده صحيح. الترمذي (3/ 108) 6 - كتاب الصوم، 33 - باب ما جاء لا صيام لمن لم يعزم من الليل.

وعند النسائي (1): "من لم يجمع الصيام قبل طلوع الفجر فلا يصوم". وفي أخرى (2): "من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له". وفي أخرى (3) له: "من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له". وفي أخرى (4): "من لم يبيت الصيام من الليل". وله في أخرى (5): أن حفصة كانت تقول: "من لم يجمع الصوم من الليل فلا يصوم". وفي أخرى (6): "لا صيام لمن لم يجمع الصوم قبل الفجر". وفي أخرى (7): "لا صيام لمن لم يجمع قبل الفجر". وقال أبو داود: وقفه على حفصة: معمر، والزبيدي، وابن عيينة، ويونس الأيلي، [كلهم] عن الزهري. أقول: رأينا أن نية الصيام من الليل هي الأفضل في كل أنواع الصوم، لكن التحقيق

_ (1) النسائي (4/ 196) 22 - كتاب الصيام، 68 - ذكر اختلاف الناقلين لخبر حفصة في ذلك. (2) النسائي نفس الموضع السابق، ص 197. (3) النسائي نفس الموضع السابق، ص 196. (4) النسائي نفس الموضع السابق، ص 197. (5) النسائي نفس الموضع السابق، ص 197. (6) النسائي نفس الموضع السابق، ص 197. (7) النسائي نفس الموضع السابق، ص 197. ورواه أيضاً ابن ماجة وأحمد وابنا خزيمة وحبان وصححاه مرفوعاً وأخرجه الدارقطني. قال في التلخيص (2/ 188) واختلف في رفعه ووقفه، فقال ابن أبي حاتم عن أبيه: لا أدري أيهما أصح يعني رواية يحيى بن أيوب عن عبد الله بن أبي بكر عن الزهري عن سالم أو رواية إسحق بن حازم عن عبد الله بن أبي بكر عن سالم بغير واسطة الزهري لكن الوقف أشبه، وقال أبو داود لا يصح رفعه وقال الترمذي الموقف أصح ونقل في العلل عن البخاري أنه قال: هو خطأ وهو حديث فيه اضطراب والصحيح عن ابن عمر موقوف. وقال النسائي: الصواب عندي موقوف ولم يصح رفعه. وقال أحمد: ماله عندي ذلك الإسناد. وقال الحاكم في الأربعين: صحيح على شرط الشيخين. وقال في المستدرك: صحيح على شرط البخاري. وقال البيهقي: رواته ثقات إلا أنه موقوف، وقال الخطابي: أسنده عبد الله بن أبي بكر، والزيادة من الثقة مقبولة وقال ابن حزم: الاختلاف يزيد الخبر قوة. وقال الدارقطني كلهم ثقات. انتهى. وانظر النيل 4/ 27. (يجمع) الإجماع: العزم والنية. (يبيت) التبييت: أن ينوي الصيام من الليل.

عند الحنفية أن صوم رمضان والنذر المعين وصوم التطوع تكفي فيه النية قبل منتصف النهار الشرعي لمن لم يلابس مفطراً قبل ذلك. واستدل الحنفية بأحاديث أخرى وحملوا هذا على الندب والأفضلية. وهذا الحديث- حديث حفصة- الراجح وقفه كما ذكر العلماء ذلك. أقول: التحقيق عند الحنفية أن تبييت الصيام من الليل واجب في القضاء وفي النذر غير المعين وفي الكفارات وما سوى ذلك فهو كمال. 3695 - * روى مالك عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) كان يقول: "لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر". وعند النسائي (1) قال: "إذا لم يجمع الرجل الصوم من الليل فلا يصم". وفي أخرى (2) أنه كان يقول: "لا يصومن إلا من أجمع الصيام قبل الفجر". 3696 - * روى النسائي عن عائشة وحفصة (رضي الله عنهما) قالتا: "لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر". وأخرجه (3) الموطأ عقيب حديث ابن عمر، وقال: عن عائشة وحفصة زوجي النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، ولم يذكر لفظهما. أقول: هذه الروايات استدل بها الجمهور على وجوب تبييت النية وقد رأينا أن الراجح عند العلماء وقف هذا الحديث. أما أدلة الحنفية: 3697 - * روى البخاري عن سلمة بن الأكوع قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من أسلم أن أذن في الناس أن "من كان أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم، فإن اليوم يوم عاشوراء".

_ 3695 - الموطأ (1/ 288) 18 - كتاب الصيام، 2 - باب من أجمع الصيام قبل الفجر. (1) النسائي (4/ 198) 22 - كتاب الصيام، 68 - باب ذكر اختلاف الناقلين لخبر حفصة في ذلك. (2) النسائي، نفس الموضع السابق، وإسناده صحيح. 3696 - النسائي، نفس الموضع السابق ص 197، 198. (3) الموطأ، نفس الموضع السابق، وإسناده صحيح. 3697 - البخاري (4/ 245) 30 - كتاب الصوم، 69 - باب صيام يوم عاشوراء.

3698 - * روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية. فلما قدم المدينة صامه، وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه. قال الطحاوي (2/ 58) فيه دليل على أن من تعين عليه صوم يوم ولم ينوه ليلاً أنه يجزيه نهاراً قبل الزوال، وهذا القياس مبني على أن صيام عاشوراء كان فرضاً في أول الإسلام قبل فرض رمضان، والحديث الذي يرويه مسلم عن معاوية بن أبي سفيان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا يوم عاشوراء ولم يكتب الله عليكم صيامه وأنا صائم" يظهر أن صوم يوم عاشوراء ليس بفرض لكن حمله الحنفية على أن هذا متأخر عن الأول وقد نسخ فرض صيام يوم عاشوراء. وههنا في المسألة روايات متعارضة في الظاهر: 1 - الروايتان السابقتان عن سلمة وعائشة في صوم عاشوراء. 2 - الروايات عن حفصة وعائشة وابن عمر في تبييت النية. 3 - الروايات التالية عن عائشة وأم هانئ وأم الدرداء في من أراد أن يصوم نفلاً فلا عليه أن لا يبيت النية. فالجمهور أخذوا بروايات حفصة وعائشة وابن عمر في تبييت النية للفرض .. وحملوا الروايات الأخرى كلها على النفل ... والحنفية فصلوا قالوا: إن من الصيام ما هو تطوع ونفل مطلق فهذا تجزئه النية بعد الفجر وقبل منتصف النهار الشرعي ومن الصيام ما هو فرض في أيام بعينها كرمضان والنذر المعين فالحكم كذلك، ومن الصوم ما هو فرض في أيام لا بعينها فنعمل حديث عائشة وحفصة في وجوب تبييت النية فيها وبذلك تعمل الآثار كلها. انظر الطحاوي (2/ 57 - 58).

_ 3698 - البخاري، نفس الموضع السابق ص 244.

نية صوم التطوع وإبطاله

والذي يظهر لي في هذه المسألة ما يلي: إن المسلم الذي يعلم بدخول رمضان ينوي بفطرته صيامه وصيام كل يوم فيه لأن النية تكون بالقلب فلو دعاه إنسان إلى الغداء غداً وكان رمضان قد دخل فإنه يقول له: غداً رمضان ونحن صائمون .. وقد قال بعضهم: الإنسان العاقل المستيقظ المختار (أي الذي ليس مجنوناً ولا نائماً ولا مكرهاً) لا يمكن أن يعمل عملاً بلا نية ثم إن صلاة التراويح والسحور كل ذلك من مظاهر عقد النية على الصوم. والحالة التي يمكن أن يظهر الخلاف فيها فيما لو نام إنسان قبل المغرب إلى ما بعد طلوع الفجر من اليوم التالي من رمضان أو أسلم إنسان بعد طلوع الفجر أو فاسق لم يكن معتاداً للصوم هداه الله وقرر الصيام بعد طلوع الفجر وقبل منتصف النهار في مثل هذه الأحوال فقط يظهر الخلاف؛ فعلى رأي الحنفية أن هؤلاء لو نووا بعد طلوع الفجر أو قبل الزوال صيام ذلك اليوم صحت النية وجاز الصوم إذا لم يكونوا قد تناولوا مفطراً لأن ركن الصيام وهو الامتناع عن المفطرات قد وجد واجتمعت فيه شروطه من حيث الشخص والزمان والنية فوجب أن يصح صومه لأنه صام في وقت متعين للصيام شرعاً ولأن الصوم ركن واحد ممتد والنية لتعيينه لله تعالى فتترجح بالكثرة جانب الوجود. انظر الهداية وفتح القدير (2/ 303). فهذه مسألة قليلة الوقوع وانحصر الخلاف بما ذكرنا ولا شك أن الاحتياط أولى ... وهو ما رآه الجمهور. - نية صوم التطوع وإبطاله 3699 - * روى مسلم عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: "قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: يا عائشة، هل عندكم شيء، قالت: قلت: يا رسول الله، ما عندنا شيء، قال: فإني صائم، قالت: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهديت لنا هدية- أو جاءنا زور- فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول الله، أهديت لنا هدية- أو جاءنا زور- وقد خبأت لك شيئاً، قال: ما هو؟ قلت: حيس، قال: هاتيه، فجئت به فأكل، ثم قال: قد كنت أصبحت صائماً".

_ 3699 - مسلم (2/ 808) 13 - كتاب الصيام، 32 - باب جواز صوم النافلة بنية من النهار ... إلخ.

قال طلحة: فحدثت مجاهداً بهذا الحديث، فقال: ذلك بمنزلة الرجل يخرج الصدقة من ماله، فإن شاء أمضاها، وإن شاء أمسكها. وفي أخرى (1) قالت: "دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فقال: هل عندكم من شيء؟ فقلنا: لا، قال: فإني إذن صائم، ثم أتانا يوماً آخر، فقلنا: يا رسول الله، أهدي لنا حيس، فقال: أرينيه، فلقد أصبحت صائماً، فأكل". وفي رواية (2) النسائي مثلها، وقال في آخره: "فقلت: يا رسول الله دخلت علي وأنت صائم، ثم أكلت حيساً؟ قال: "نعم يا عائشة، إنما منزلة من صام في غير رمضان، أو في غير قضاء رمضان، أو في التطوع، بمنزلة رجل أخرج صدقة من ماله، فجاد منها بما شاء فأمضاه، وبخل منها بما بقي فأمسكه". وفي رواية (3) الترمذي قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً، فقال: "هل عندكم شيء؟ قالت: قلت: لا، قال: فإني صائم". وفي أخرى (4) قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتيني، فيقول: "أعندك غداء؟ فأقول: لا، فيقول: "إني صائم، قالت، فأتاني يوماً، فقلت: يا رسول الله، إنه قد أهديت لنا هدية، قال: وما هي؟ قلت: حيس، قال: "أما إني أصبحت صائماً، ثم أكل". وفي رواية (5) أبي داود قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل علي قال: "هل عندكم طعام؟ فإذا قلنا: لا، قال: إني صائم" زاد وكيع: "فدخل علينا يوماً آخر، فقلنا: يا رسول الله، أهدي لنا حيس، فحبسناه لك، فقال: أدنيه، قال طلحة: فأصبح صائماً، فأفطر".

_ (1) مسلم: نفس الموضع السابق ص 809. (2) النسائي (4/ 194) 22 - كتاب الصيام، 67 - باب النية في الصيام ... إلخ. (3) الترمذي (3/ 111) 6 - كتاب الصوم، 35 - باب صيام المتطوع بغير تبييت. (4) الترمذي: نفس الموضع السابق. (5) أبو داود (2/ 329) كتاب الصوم، باب في الرخصة في ذلك. (زور) الزور: يطلق على صدر الشاة من اللحم ولعله المراد هنا. (حيس) الحيس: دقيق وسمن وتمر مخلوط، وقيل: تمر وسمن وأقط.

أقول: هذا النص دليل على أن صوم التطوع تجزئ فيه النية قبل منتصف النهار، كما أن فيه دليلاً على أنه يجوز للمتطوع في الصوم أن يفطر متى شاء وهو الذي ذهب إليه الشافعية إلا أن الحنفية أوجبوا عليه القضاء. 3700 - * روى الترمذي عن أم هانئ (رضي الله عنها) قالت: "كنت قاعدة عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأتي بشراب، فشرب منه، ثم ناولني فشربت، فقلت: إني أذنبت فاستغفر لي، فقال: وما ذاك؟ قلت: كنت صائمة فأفطرت، فقال: أمن قضاء كنت تقضينه؟ قلت: لا، فلا يضرك". وفي رواية (1) مثله، وفيه "فقالت: يا رسول الله، أما إني كنت صائمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصائم المتطوع أمين نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر". وفي رواية (2) "أمير نفسه- أو أمين نفسه- على الشك". وفي رواية (3) أبي داود: قالت: "لما كان يوم الفتح- فتح مكة- جاءت فاطمة، فجلست على يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم هانئ عن يمينه، قال: فجاءت الوليدة بإناء فيه شراب، فناولته، فشرب منه، ثم ناوله أم هانئ فشربت منه، فقالت: يا رسول الله، لقد أفطرت وكنت صائمة، فقال لها: أكنت تقضين شيئاً؟ قالت: لا، قال: لا يضرك، إن كان تطوعاً". 3701 - * روى البخاري عن أم الدرداء (رضي الله عنها) قالت: "كان أبو الدرداء يأتي نهاراً، فيقول: هل عندكم طعام؟ فإن قلنا: لا، قال: فإني صائم يومي هذا".

_ 3700 - الترمذي (3/ 109) 6 - كتاب الصوم، 34 - باب ما جاء في إفطار الصائم المتطوع. (1) الترمذي: نفس الموضع السابق. (2) الترمذي: نفس الموضع السابق ص 110. (3) أبو داود (2/ 329) كتاب الصوم، باب الرخصة في ذلك. قال محقق الجامع: رواه الترمذي وأبو داود ورواه أيضاً أحمد، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، فإن للحديث متابعات، وقد حسنه الحافظ العراقي في تخريج الإحياء. (الوليدة): الأمة، والجمع: ولائد. 3701 - البخاري (تعليقاً) (4/ 140) 30 - كتاب الصوم، 21 - باب إذا نوى بالنهار صوماً.

قال الحافظ في "الفتح" وصله ابن أبي شيبة من طريق أبي قلابة عن أم الدرداء قالت: كان أبو الدرداء يغدونا أحياناً ضحى فيسأل الغداء، فربما لم يوافقه عندنا، فيقول: إذاً أنا صائم، وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي إدريس، وعن أيوب عن أبي قلابة عن أم الدرداء، وعن معمر عن قتادة أن أبا الدرداء كان إذا أصبح سأل أهله الغداء، فإن لم يكن، قال: أنا صائم [م]. وفعله أبو طلحة، وأبو هريرة، وابن عباس، وحذيفة (1). قال الحافظ في "الفتح": أما أثر أبي طلحة، فوصله عبد الرزاق من طريق قتادة، وابن أبي شيبة من طريق حميد كلاهما عن أنس، ولفظ قتادة أن أبا طلحة كان يأتي أهله فيقول: هل من غداء؟ فإن قالوا: لا، صام يومه ذلك، قال قتادة: وكان معاذ بن جبل يفعله، وأما أثر أبي هريرة، فقد وصله البيهقي من طريق ابن أبي ذئب عن حمزة عن يحيى عن سعيد بن المسيب قال: رأيت أبا هريرة يطوف بالسوق، ثم يأتي أهله فيقول: عندكم شيء؟ فإن قالوا: لا، قال: فأنا صائم، وأما أثر ابن عباس، فوصله الطحاوي من طريق عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان يصبح حتى يظهر ثم يقول: والله لقد أصبحت وما أريد الصوم وما أكلت من طعام ولا شراب منذ اليوم، ولأصومن يومي هذا، وأما أثر حذيفة، فوصله عبد الرزاق، وابن أبي شيبة من طريق سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: قال حذيفة: من بدا له الصيام بعدما تزول الشمس فليصم. [م].

_ (1) الموضع السابق نفسه.

الفصل الرابع في السحور والإفطار ومتى يبدأ صوم الصائم ومتى ينتهي

الفصل الرابع في السحور والإفطار ومتى يبدأ صوم الصائم ومتى ينتهي

مقدمة

مقدمة أجمع العلماء على أن الصيام يبدأ من طلوع الفجر حتى غروب الشمس لقوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} وقد تساهل أناس فأجازوا لأنفسهم الأكل بعد تأكدهم من طلوع الفجر فخالفوا بذلك الإجماع فأفسدوا صومهم وصوم من تابعهم ووقعوا في الضلال والإضلال وزعموا أنهم يأخذون أنفسهم بالسنة وهذا من زيادة جهلهم وعلامة على أنهم مبتدعون ضلال، فإذا خالف الثقة الثقات أو من هو أوثق منه فإن الحديث يكون شاذاً فكيف إذا خالف نصوص الكتاب والسنة المشتهرة وكيف إذا خالف فهمهم فهوم كل العلماء فخالفوا الإجماع؟! إنها لجرأة على دين الله ما بعدها جرأة ورقة في الدين ما بعدها رقة. ومن الملاحظ أن التوقيت لأهم العبادات الإسلامية سواء في ذلك الصلاة أو الزكاة أو الصوم أو الحج قد علق على علامات كونية يعرفها العامة والخاصة ليستحيل التحريف والتبديل وليفتضح المحرف أو المبدل، فالصلاة علقت على طلوع الفجر وزوال الشمس وامتداد ظل كل شيء حتى يكون مثله سوى فيء الزوال، وغروب الشمس وغروب الشفق، والزكاة وقتت بالسنة القمرية، وصوم رمضان وقت برؤية الهلال والفطر وقت برؤية هلال شوال، وذلك أن الشهر الجديد يولد إذا ظهر هلاله بعد غروب الشمس في اليوم التاسع والعشرين أو الثلاثين من الشهر القمري السابق، كما وقت بدء صيام اليوم بطلوع الفجر ووقت للفطر بالغروب، ووقت للحج بشوال وذي القعدة وذي الحجة وهي أشهر قمرية تعرف من خلال رؤية الهلال، ووقت للوقوف بعرفات بعلامات كونية، قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}. وهكذا ضبطت مواقيت العبادات الإسلامية فلا يستطيع أحد تحريفها أو تبديلها. وغلى نصوص هذا الفصل وفوائده.

- فضل السحور

- فضل السحور: 3702 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تسحروا، فإن في السحور بركة". 3703 - * روى النسائي عن عبد الله بن الحارث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتحر، فقال: "إنها بركة أعطاكم الله إياها، فلا تدعوه". 3704 - * روى مسلم عن عمرو بن العاص (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب: أكلة السحر". 3705 - * روى النسائي عن المقدام بن معد يكرب (رضي الله عنه) أنر سول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عليكم بغداء السحور، فإنه الغداء المبارك". 3706 - * روى أبو داود عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "نعم سحور المؤمن: التمر". 3707 - * روى أبو يعلى عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قربي إلينا الغداء المبارك يعني السحور" وربما لم يكن إلا تمرتين.

_ 3702 - البخاري (4/ 139) 30 - كتاب الصوم، 20 - باب بركة السحور من غير إيجاب ... إلخ. مسلم (2/ 770) 13 - كتاب الصيام، 9 - باب فضل السحور وتأكيد استحبابه ... إلخ. الترمذي (3/ 88) 6 - كتاب الصوم، 17 - باب ما جاء في فضل السحور. النسائي (4/ 141) 22 - كتاب الصيام، 18 - باب الحث على السحور. (السحور) بفتح السين: ما يتسحر به، وبضمها: الفعل نفسه. 3703 - النسائي (4/ 145) 22 - كتاب الصيام، 24 - باب فضل السحور، وإسناده صحيح. 3704 - مسلم: نفس الموضع السابق ص 770، 771. أبو داود (2/ 302، 303) كتاب الصوم، باب في توكيد السحور. الترمذي: نفس الموضع السابق. النسائي (4/ 146) 22 - كتاب الصيام، 27 - باب فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب. 3705 - النسائي (4/ 146) 22 - كتاب الصيام، 26 - باب تسمية السحور غداء، وإسناده حسن. 3706 - أبو داود (2/ 303) كتاب الصوم، باب من سمى السحور الغداء، وإسناده حسن. 3707 - مجمع الزوائد (3/ 151) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى ورجاله ثقات.

- وقت السحور

- وقت السحور: 3708 - * روى الشيخان عن زيد بن ثابت (رضي الله عنه) قال: "تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قمنا إلى الصلاة، قال أنس بن مالك: قلت: كم كان قدر ما بينهما؟ قال: قدر خمسين آية". وفي رواية (1) عن قتادة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وزيد بن ثابت تسحرا" جعله من مسند أنس. 3709 - * روى النسائي عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: "تسحر رسول الله صلى الله عليه وسلم وزيد بن ثابت، ثم قاما، فدخلا في صلاة الصبح، فقلت لأنس: كم كان بين فراغهما ودخولهما في الصلاة؟ قال: قدر ما يقرأ الإنسان خمسين آية". وفي رواية (2): قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- وذلك عند السحر: "يا أنس، إني أريد الصيام، فأطعمني شيئاً، فأتيته بتمر وإناء فيه ماء- وذلك بعد أن أذن بلال- قال: يا أنس، انظر رجلاً يأكل معي، فدعوت زيد بن ثابت، فجاء فقال: إني شربت شربة سويق، وأنا أريد الصيام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأنا أريد الصيام، فتسحر معه، ثم قام فصلى ركعتين، ثم خرج إلى الصلاة". وفي رواية (3) البخاري عن أنس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم وزيد بن ثابت تسحرا فلما فرغا من سحورهما، قام النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة، فصلى، قال: قلنا لأنس: كم كان بين فراغهما من سحورهما ودخولهما في الصلاة؟ قال: قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية". أقول: كان سحور رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أذان بلال، ومن المعلوم أن بلالاً كان يؤذن قبل طلوع الفجر الأذان الأول وهو الذي نسميه الآن أذان الإمساك، وهو قبل الفجر، فليس

_ 3708 - البخاري (4/ 138) 30 - كتاب الصوم، 19 - باب قدر كم بين السحور وصلاة الفجر. مسلم (2/ 771) 13 - كتاب الصيام، 9 - باب فضل السحور وتأكيد استحبابه ... إلخ. (1) البخاري (2/ 54) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 27 - باب وقت الفجر. 3709 - النسائي (4/ 143) 22 - كتاب الصيام، 22 - باب ذكر اختلاف هشام وسعيد على قتادة. (2) النسائي (4/ 143) 22 - كتاب الصيام، 28 - باب السحور بالسويق والتمر. (3) البخاري: نفس الموضع السابق.

في الحديث مستمسك لمن يقول بجواز الأكل بعد الفجر، بل هو حجة عليه، والنص دليل على استحباب تأخير السحور وهو السنة، على ان ينتهي السحور قبيل طلوع الفجر. 3710 - * روى البخاري عن سهل بن سعد (رضي الله عنه) قال: "كنت أتسحر في أهلي ثم يكون بي سرعة أن أدرك صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم". 3711 - * روى النسائي عن زر بن حبيش (رحمه الله) قال: "قلنا لحذيفة: أية ساعة تسحرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو النهار، إلا أن الشمس لم تطلع". وفي رواية (1) قال زر بن حبيش: "تسحرت [مع حذيفة]، ثم خرجنا، إلى الصلاة فلما أتينا المسجد صلينا ركعتين، وأقيمت الصلاة، وليس بينهما إلا هنيهة". وفي رواية (2) عن صلة بن زفر: "تسحرت مع حذيفة، ثم خرجنا إلى المسجد، فصلينا ركعتي الفجر، ثم أقيمت الصلاة فصلينا". أقول: قول حذيفة (والنهار إلا أن الشمس لم تطلع) إن لم يتطرق إليه وهم الراوي فهو محمول على أن السحور كان متأخراً، وتأخير السحور هو السنة، لكن السحور يكون قبل طلوع الفجر، والنهار يبدأ منذ طلوع الفجر، ولا يصح أن يستند على هذه الرواية ليأكل بعد طلوع الفجر الذي تعين بنص القرآن أنه بدء الصوم، والفتوى: أن من أكل بعد طلوع الفجر عامداً متعمداً وهو يعلم طلوع الفجر أن عليه القضاء والكفارة، وهو مع ذلك آثم. وقد احتمل الطحاوي أن يكون هذه الرواية وأشباهها كانت قبل نزول قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}. وهذا كلامه رحمه الله: ففي هذا الحديث عن حذيفة أنه أكل بعد طلوع الفجر، وهو يريد

_ 3710 - البخاري (4/ 137) 30 - كتاب الصوم، 18 - باب تعجيل السحور. 3711 - النسائي (4/ 142) 22 - كتاب الصيام، 20 - باب تأخير السحور وذكر الاختلاف على زر فيه، وغسناده حسن. (1) النسائي: نفس الموضع السابق. (2) النسائي: نفس الموضع السابق ص 143.

الصوم، ويحكى مثل ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ذلك، فهو ما قد روينا عنه مما تقدم ذكرنا له في كتابنا هذا أنه قال: "إن بلالاً ينادي بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم"، وأنه قال: "لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره، فإنه إنما يؤذن لينتبه نائمكم وليرجع قائمكم" ثم وصف الفجر بما قد وصفه به. فدل ذلك على أنه هو المانع للطعام والشراب وما سوى ذلك مما يمنع منه الصائم. فهذه الآثار التي ذكرنا مخالفة لحديث حذيفة. وقد يحتمل حديث حذيفة عندنا- والله أعلم- أن يكون كان قبل نزول قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}. فإنه حدثنا أحمد بن داود بن موسى قال: ثنا إسماعيل بن سالم، قال حدثنا هشيم قال: أنبأنا حصين ومجالد عن الشعبي قال: أخبرنا عدي بن حاتم قال: لما نزلت هذه الآية {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} عمدت إلى عقالين أحدهما أسود والآخر أبيض، فجعلت أنظر إليهما، فلا يتبين لي الأبيض من الأسود. فلما أصبحت غدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بالذي صنعت فقال: "إن وسادك لعريض إنما ذلك بياض النهار وسواد الليل"ز حدثنا محمد بن خزيمة قال: ثنا حجاج بن المنهال، قال: ثنا هشيم، قال حصين بن عبد الرحمن، عن الشعبي عن عدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله. حدثنا محمد، قال: ثنا يوسف بن عدي، قال: ثنا عبد الله بن إدريس الأودي، عن حصين، فذكر بإسناده مثله حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا المقدمي، قال: ثنا الفضل بن سليمان عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي، قال: لما نزلت {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} جعل الرجل يأخذ خيطاً أبيض وخيطاً أسود فيضعهما تحت وسادة، فينظر متى يستبينهما فيترك الطعام، قال فبين الله عز وجل

ذلك، ونزلت {مِنَ الْفَجْرِ}. فلما كان حكم هذه الآية قد أشكل على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بين الله عز وجل لهم من ذلك ما بين، وحتى أنزل {مِنَ الْفَجْرِ} بعدما قد أنزل {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} فكان الحكم أن يأكلوا ويشربوا حتى يتبين لهم ذلك، حتى نسخ الله عز وجل بقوله: {مِنَ الْفَجْرِ} على ما ذكرنا- ما قد بينه سهل في حديثه. واحتمل أن يكون ما روى حذيفة من ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قبل نزول تلك الآية، فلما أنزل الله عز وجل تلك الآية أحكم ذلك، ورد الحكم إلى ما بين فيها. وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، ما قد حدثنا أبو أمية، قال: ثنا أبو نعيم، والخضر بن محمد بن شجاع، قال: حدثنا ملازم بن عمرو، قال: ثنا عبد الله بن بدر السحيمي، قال: حدثني جدي قيس بن طلق، قال: حدثني أبي أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "كلوا واشربوا ولا يهيدنكم- لا يمنعكم- الساطع المصعد، كلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر" قال الخطابي معناه: أن يستطير البياض المعترض معه أوائل الحمرة، والمراد الفجر الصادق- وأشار بيده واعرضها. فلا يجب ترك آية من كتاب الله تعالى نصاً، وأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متواترة قد قبلتها الأمة وعملت بها من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم، إلى حديث قد يجوز أن يكون منسوخاً بما ذكرناه في هذا الباب اهـ. شرح معاني الآثار للطحاوي (2/ 52 - 54). يضاف إلى هذا أن في سند الحديث الذي فيه (هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع): عاصم بن بهدلة وهو ابن أبي النجود وهو حجة في القراءة وقد وثقه جماعة من العلماء وأثنوا عليه لكن تكلم بعضهم في حفظه وضبطه. فقال ابن سعد: كان ثقة إلا أنه كان كثير الخطأ في حديثه، وقال يعقوب بن سفيان: في حديثه اضطراب، وكان ابن علية يقول: كل من اسمه عاصم سيئ الحفظ، وقال ابن خراش: في حديثه نكرة، وقال العقيلي: لم يكن فيه إلا سوء الحفظ، وقال الدارقطني: في حفظه شيء (التهذيب 5/ 39). وهكذا فإنه لا يبعد أن يكون قد وقع وهم ما في هذه الرواية مع مخالفتها لما صح عن رسول الله من وجوب الإمساك عند طلوع الفجر الصادق. على أنه يمكن الجمع بين الروايات بما لا يخالف

الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال السندي في حاشيته على النسائي (4/ 142) ... والمراد أنه في قرب طلوع الفجر حيث يقال إنه النهار نعم ما كان الفجر طالعاً. ا. هـ. ويؤيد هذا أن الرواية الثانية وهي من غير طريق عاصم ليس فيها ذكر هذا بل فيها إشارة على تأخير السحور إلى آخر وقته بحيث خرجوا إلى المسجد ثم صلوا ركعتين ثم أقيمت الصلاة وكذا رواية صلة الأخرى وليس فيها ما في رواية عاصم مما يجعلنا لا نطمئن إلى ظاهر رواية عاصم لمخالفتها لغيرها مع ما عرف عن عاصم من الوهم ثم إنه سيرد معنا بعد قليل أن ابن أم مكتوم لم يكن يؤذن حتى يقال له أصبحت أصبحت، ومعلوم أنه وقت الفجر بلا اختلاف فهذا مما يفسر هذا أو أن الجميع عند طلوع الفجر لا بعده والله أعلم ... وقال العلامة الجصاص في (أحكام القرآن 1/ 285 - 286): فإن قيل قد روي عن حذيفة قال تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان نهاراً إلا أن الشمس لم تطلع. قيل له لا يثبت ذلك عن حذيفة وهو مع ذلك من أخبار الآحاد فلا يجوز الاعتراض به على القرآن قال الله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} فأوجب الصوم والإمساك عن الأكل والشرب بظهور الخيط الذي هو بياض الفجر، وحديث حذيفة إن حمل على حقيقته كان مبيحاً لما حظرته الآية وقال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عدي بن حاتم هو بياض النهار وسواد الليل فكيف يجوز الأكل نهاراً في الصوم مع تحريم الله تعالى إياه بالقرآن والسنة، ولو ثبت حديث حذيفة من طريق النقل لم يوجب جواز الأكل في ذلك الوقت لأنه لم يعز الأكل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإنما أخبر عن نفسه أنه أكل في ذلك الوقت لا عن النبي صلى الله عليه وسلم فكونه مع النبي صلى الله عليه وسلم في وقت الأكل لا دلالة فيه على علم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك منه وإقراره عليه، ولو ثبت أنه صلى الله عليه وسلم علم بذلك وأقره عليه احتمل أن يكون ذلك كان في آخر الليل قرب طلوع الفجر فسماه نهاراً لقربه منه ا. هـ. 3712 - * روى الشيخان عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره، فإنه يؤذن- أو قال: ينادي-

_ 3712 - البخاري (13/ 231) 95 - كتاب أخبار الآحاد، 1 - باب ما جاء في إجازة خبر الواحد ... إلخ. مسلم (2/ 768، 769) 13 - كتاب الصيام، 8 - باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر ... إلخ. أبو داود (2/ 303، 304) كتاب الصوم، 30 - باب وقت السحور. (ليرجع قائمكم) القائم: هو الذي يصلي صلاة الليل، ورجوعه عن صلاته: إذ سمع الأذان.

بليل، ليرجع قائمكم، ويوقظ نائمكم، وليس الفجر أن يقول: هكذا- وجمع بعض الرواة كفيه- حتى يقول: هذا، ومد إصبعيه السبابتين". وفي رواية (1): "هو المعترض، وليس بالمستطيل". وفي رواية النسائي (2) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن بلالاً يؤذن بليل، لينبه نائمكم، ويرجع قائمكم، وليس الفجر أن يقول: هكذا- وأشار بكفه- ولكن الفجر: أن يقول: هكذا، وأشار بالسبابتين". والروايات القادمة توضح المراد أكثر. أقول: يذكر العلماء أن هناك فجراً كاذباً وفجراً صادقاً، ويسمون الفجر الكاذب، الفجر المستطيل، والفجر الصادق: الفجر المستطير، فالفجر الكاذب شعاع طولاني يظهر قبل الفجر الصادق، ولا يترتب عليه حكم، والفجر الصادق هو الفجر المعترض بالأفق وهو الذي يترتب عليه أحكام الصلاة والصيام، وقد أخذ العلماء اصطلاحي: الفجر الكاذب والفجر الصادق من روايات كثيرة منها الرواية التي مرت معنا. والذي لا يعرف الحقيقة ولا يعرف اصطلاح العلماء ولا يعرف معنى الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد يخلط بين الفجر ويخلط في الأحكام ويقع في الإثم والعصيان. 3713 - * روى الشيخان عن عائشة وعبد الله بن عمر (رضي الله عنهم) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم". وفي رواية (3) عنها وعن ابن عمر: "أن بلالاً كان يؤذن بليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر". وفي أخرى (4) عن ابن عمر قال: "كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنان: بلال، وابن أم مكتوم الأعمى، فقال رسول الله: إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن

_ (1) مسلم: الموضع السابق ص 769. (2) النسائي (4/ 148) 22 - كتاب الصيام، 30 - باب كيف الفجر. 3713 - البخاري (2/ 99) 11 - كتاب الأذان، 11 - باب أذان الأعمى إذا كان له من يخبره. مسلم: نفس الموضع السابق ص 768. (3) البخاري (4/ 136) 30 - كتاب الصوم، 17 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "لا يمنعنكم ... إلخ". (4) مسلم: نفس الموضع السابق ص 768.

ابن أم مكتوم، قال: ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا، ويرقى هذا". وفي عقبه متصلاً به من حديث عبد الله بن عمر: عن القاسم، عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله. وفي رواية النسائي (1) قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أذن بلال فكلوا واشربوا، حتى يؤذن ابن أم مكتوم، [قالت]: ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا". 3714 - * روى مالك عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن بلالاً ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم، قال: وكان ابن أم مكتوم رجلاً أعمى، لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت". وأخرجه الترمذي (2) والنسائي (3) إلى قوله: حتى ينادي ابن أم مكتوم". 3715 - * روى مسلم عن سمرة بن جندب (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال، ولا بياض الأفق المستطيل هكذا، حتى يستطير هكذا- وحكاه حماد بن زيد بيديه- قال: يعني: معترضاً". وفي رواية الترمذي (4) "لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال، ولا الفجر المستطيل، ولكن الفجر المستطير في الأفق". وفي رواية أبي داود (5) "لا يمنعن من سحوركم أذان بلال، ولا بياض الأفق

_ (1) النسائي (2/ 10) 7 - كتاب الأذان، 10 - باب هل يؤذنان جميعاً أو فرادى. 3714 - الموطأ (1/ 74) 3 - كتاب الصلاة، 3 - باب قدر السحور من النداء. البخاري (2/ 99) 10 - كتاب الأذان، 11 - باب أذان الأعمى إذا كان له من يخبره. مسلم (2/ 768) 13 - كتاب الصيام، 8 - باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر ... إلخ. (2) الترمذي (1/ 392) أبواب الصلاة، باب ما جاء في الأذان بالليل. (3) النسائي (2/ 10) 7 - كتاب الأذان، 9 - باب المؤذنان للمسجد الواحد. 3715 - مسلم: نفس الموضع السابق ص 770. (4) الترمذي (3/ 86) 6 - كتاب الصوم، 15 - باب ما جاء في بيان الفجر. (5) أبو داود (2/ 303) كتاب الصوم، باب وقت السحور. (يستطير) استطار ضوء الفجر: إذا انبسط في الأفق وانتشر.

الذي هو هكذا حتى يستطير". وفي رواية النسائي (1) "لا يغرنكم أذان بلال، ولا هذا البياض، حتى ينفجر الفجر- هكذا وهكذا- يعني: معترضاً". قال أبو داود- يعني: الطيالسي- بسط يديه يميناً وشمالاً، ماداً يديه. أقول: العبرة في ظهور الفجر للرؤية العادية في وضع لا توجد فيه مؤثرات، فمثلاً أهل المدن في عصرنا يعيشون في أنوار الكهرباء وهذا يؤثر على رؤيتهم للفجر، ولذلك درج الناس في عصرنا على متابعة الإمساكيات والتقويمات لأنها هي التي تحدد وقت طلوع الفجر على ضوء الرؤية العادية في الأوضاع العادية كما دل عليه الاستقراء. 3716 - * روى النسائي عن أنيسة بنت خبيب الأنصارية (رضي الله عنهما) قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أذن ابن أم مكتوم فلا تأكلوا ولا تشربوا، وإذا أذن بلال فكلوا واشربوا". أقول: هذا النص تأكيد للنصوص السابقة في أن ابن أم مكتوم كان يؤذن إذا طلع الفجر وهذا يوجب الامتناع عن الطعام، أما بلال فكان يؤذن قبل طلوع الفجر فلا يمنع أذانه من الأكل والشرب. 3717 - * روى ابن خزيمة عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الفجر فجران، فجر يحرم فيه الطعام ويحل فيه الصلاة، وفجر يحرم فيه الصلاة ويحل فيه الطعام". قال ابن خزيمة: في هذا الخبر دلالة على أن صلاة الفرض لا يجوز أداؤها قبل دخول وقتها.

_ (1) النسائي (4/ 148) 22 - كتاب الصيام، 30 - باب كيف الفجر. 3716 - النسائي (2/ 10، 11) 7 - كتاب الأذان، 10 - باب هل يؤذنان جميعاً أو فرادى، وإسناده صحيح. 3717 - ابن خزيمة (1/ 184، 185) كتاب الصلاة، 28 - باب ذكر بيان الفجر الذي يجوز صلاة الصبح بعد طلوعه ... إلخ، وهو صحيح. الحاكم (1/ 191) كتاب الصلاة.

قال ابن خزيمة قوله: فجر يحرم فيه الطعام، يريد: على الصائم، ويحل فيه الصلاة، يريد: صلاة الصبح. وفجر يحرم فيه الصلاة، يريد صلاة الصبح. إذا طلع الفجر الأول لم يحل أن يصلي في ذلك الوقت صلاة الصبح، لأن الفجر الأول يكون بالليل، ولم يرد أنه لا يجوز أن يتطوع بالصلاة بعد طلوع الفجر الأول. وقوله: ويحل فيه الطعام، يريد: لمن يريد الصيام، قال ابن خزيمة: لم يرفعه في الدنيا غير أبي أحمد الزبيري. 3718 - * روى أبو داود عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده، فلا يدعه حتى يقضي حاجته". قال في (عون المعبود 2/ 276 - 277) (حتى يقضي حاجته أي بالأكل والشرب): قال الخطابي هذا على قوله (إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم) أو يكون معناه إن سمع الأذان وهو يشك في الصبح مثل أن تكون السماء متغيمة فلا يقع له العلم بأذانه أن الفجر قد طلع لعلمه أن دلائل الفجر معدومة ولو ظهرت للمؤذن لظهرت له أيضاً فإذا علم انفجار الصبح فلا حاجة إلى أذان الصباح لأنه مأمور بأن يمسك عن الطعام والشراب إذا تبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر. انتهى. قال في فتح الودود: قال البيهقي: إن صح هذا يحمل عند الجمهور على أنه صلى الله عليه وسلم قال حين كان المنادي ينادي قبل طلوع الفجر بحيث يقع شربه قبل طلوع الفجر. قلت: من يتأمل في هذا الحديث وكذا حديث (كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر) وكذا ظاهر قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} يرى أن المدار هو تبين الفجر وهو يتأخر عن أوائل الفجر بشيء والمؤذن لانتظاره يصادف أوائل الفجر فيجوز الشرب حينئذ إلى أن يتبين. لكن هذا خلاف المشهور بين العلماء فلا اعتماد عليه عندهم والله أعلم. انتهى. وقال في البحر الرائق: اختلف المشايخ في أن العبرة لأول طلوعه أو لاستطارته أو لانتشاره، والظاهر الأخير لتعريفهم الصادق به. وقال علي القاري: قوله صلى الله عليه وسلم: "حتى يقضي حاجته منه" هذا إذا علم أو ظن عدم الطلوع. وقال

_ 3718 - أبو داود (2/ 304) كتاب الصوم، باب في الرجل يسمع النداء والإناء على يده، وإسناده صحيح. وروى هذا الحديث أيضاً أحمد في المسند، وأبو جعفر الطبري في التفسير، وإسناده صحيح، والحاكم في المستدرك، وصححه ووافقه الذهبي.

- وقت الإفطار

ابن الملك: هذا إذا لم يعلم طلوع الصبح أما إذا علم أنه قد طلع أو شك فيه فلا. ا. هـ. وقال ابن حجر: وأما ما نقل عن جمهور الصحابة أن المراد بالفجر الإسفار فهو مما كاد الإجماع أن ينعقد على خلافه. ا. هـ. والخلاصة أن من تأكد من طلوع الفجر الصادق لا يجوز له أن يأكل أو يشرب لتواتر الأدلة على ذلك، وهذا الحديث يجمع بينه وبين الأدلة فيما إذا كان شاكاً وترجح لديه عدم دخول وقت الفجر أو على أذان بلال أو حين ينادي المنادي قبيل طلوع الفجر. وقد جاء في (متن الخرقي 3/ 136): أن من أكل يظن الفجر لم يطلع وقد كان طلع أو أفطر يظن أن الشمس قد غابت ولم تغلب فعليه القضاء، وقال ابن قدامة: هذا قول أكثر أهل العلم من الفقهاء وغيرهم. وإن أكل شاكاً في طلوع الفجر ولم يتبين له الأمر فليس عليه قضاء وله الأكل حتى يتيقن طلوع الفجر. ا. هـ. أقول: وعلى هذا يحمل مثل هذا الحديث؛ لكن هذا لمن قام يتحرى طلوع الفجر؛ أما من لم يفعل فعليه اتباع الأدلة المقامة على ذلك كالأذان ونحوه. - وقت الإفطار: 3719 - * روى الشيخان عن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أقبل الليل من ها هنا، وأدبر النهار من ها هنا وغابت الشمس، فقد أفطر الصائم". وفي رواية الترمذي (1) "فقد أفطرت". وفي رواية أبي داود (2) "إذا جاء الليل من هاهنا، وذهب النهار من هاهنا". زاد في رواية (3): "فقد أفطر الصائم".

_ 3719 - البخاري (4/ 196) 30 - كتاب الصوم، 43 - باب متى يحل فطر الصائم ... إلخ. مسلم (2/ 772) 13 - كتاب الصيام، 10 - باب بيان وقت انقضاء الصوم وخروج النهار. (1) الترمذي (3/ 81) 6 - كتاب الصوم، 12 - باب ما جاء إذا أقبل الليل وأدبر النهار ... إلخ. (2) أبو داود (2/ 304) كتاب الصوم، باب وقت فطر الصائم. (3) أبو داود: نفس الموضع السابق.

(فقد أفطر الصائم) أي أنه صار في حكم المفطر وإن لم يأكل ولم يشرب، وقيل: معناه: أنه دخل وقت الفطر، وجاز له أن يفطر، كما قيل: أصبح الرجل: إذا دخل في وقت الصبح، وكذلك أمسى وأظهر. قال ابن خزيمة: هذه اللفظة "فقد أفطر الصائم"، لفظ خبر ومعناه معنى الأمر، أي: فليفطر الصائم إذ قد حل له الإفطار. 3720 - * روى مسلم عن عبد الله بن أبي أوفى (رضي الله عنه) قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر في شهر رمضان، فلما غابت الشمس قال: يا فلان، انزل فاجدح لنا، قال: يا رسول الله، إن عليك نهاراً، قال: انزل فاجدح لنا، قال: فنزل فجدح، فأتي به، فشرب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال بيديه: إذا غابت الشمس من هاهنا، وجاء الليل من هاهنا، فقد أفطر الصائم". وفي رواية (1) قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فلما غابت الشمس قال لرجل: انزل فاجدح لنا، فقال: يا رسول الله لو أمسيت، فقال: انزل فاجدح لنا، فقال: إن علينا نهاراً، فنزل فجدح له، فشرب، ثم قال: إذا رأيتم الليل قد اقبل من هاهنا- وأشار بيده نحو المشرق- فقد أفطر الصائم". وعند البخاري (2) قال: "كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فصام، حتى أمسى قال للرجل: انزل فاجدح لي، قال: لو انتظرت حتى تمسي، قال: انزل فاجدح لي، إذا رأيت الليل أقبل من هاهنا، فقد أفطر الصائم". 3721 - * روى مالك عن حميد بن عبد الرحمن "أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان كانا يصليان المغرب حين ينظران إلى الليل الأسود، قبل أن يفطرا، ثم يفطران بعد الصلاة، وذلك في رمضان".

_ 3720 - مسلم: نفس الموضع السابق. (1) مسلم: نفس الموضع السابق ص 773. (2) البخاري (4/ 198، 199)، 30 - كتاب الصوم، 45 - باب تعجيل الإفطار. (فاجدح) جدحت السويق: أي لتته، والمجدح: خشبة طرفها ذو جوانب يخلط بها. 3721 - الموطأ (1/ 289) 18 - كتاب الصيام، 3 - باب ما جاء في تعجيل الفطر، وهو حديث حسن وله شواهد.

- فضل تعجيل الفطر

- فضل تعجيل الفطر: 3722 - * روى مالك عن سهل بن سعد (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر". 3723 - * روى أبو داود عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر، لأن اليهود والنصارى يؤخرون". 3724 - * روى مسلم عن مالك بن عامر أبي عطية (رحمه الله) قال: "دخلت أنا ومسروق بن الأجدع على عائشة أم المؤمنين، فقلت: يا أم المؤمنين رجلان من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؛ أحدهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة، والآخر يؤخر الإفطار ويؤخر الصلاة؟ قالت: أيهما الذي يعجل الإفطار ويعجل الصلاة؟ قال: قلنا: عبد الله بن مسعود، قالت: كذا كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم". زاد في رواية (1) "والآخر أبو موسى". وفي أخرى (2) قال لها مسروق: "رجلان من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، كلاهما لا يألو عن الخير، أحدهما يعجل المغرب والإفطار، والآخر يؤخر المغرب والإفطار، فقالت: من يعجل المغرب والإفطار؟ قال: عبد الله، فقالت: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع".

_ 3722 - الموطأ: نفس الموضع السابق ص 288. البخاري (4/ 198) 30 - كتاب الصوم، 45 - باب تعجيل الإفطار. مسلم (2/ 771) 13 - كتاب الصيام، 9 - باب فضل السحور وتأكيد استحبابه ... إلخ. الترمذي (3/ 82) 6 - كتاب الصوم، 13 - باب ما جاء في تعجيل الإفطار. 3723 - أبو داود (2/ 305) كتاب الصوم، باب ما يستحب من تعجيل الفطر، وإسناده صحيح. 3724 - مسلم: نفس الموضع السابق ص 771، 772. النسائي (4/ 144، 145) 22 - كتاب الصيام، 23 - باب ذكر الاختلاف على سليمان بن مهران .. إلخ، إلا أن النسائي لم يسم المغرب، وقال "الصلاة". (1) مسلم: نفس الموضع السابق ص 772. (2) مسلم: نفس الموضع السابق ص 772. (لا يألو) في كذا: أي لا يقصر.

- على ماذا يفطر الصائم

3725 - * روى الطبراني عن عمرو بن حريث قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسرع الناس إفطاراً وأبطأهم سحوراً. - على ماذا يفطر الصائم: 3726 - * روى الترمذي عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من وجد تمراً فليفطر عليه، ومن لا، فليفطر على ماء، فإن الماء طهور". وفي رواية لأبي داود (1) قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات، فإن لم تكن رطبات فتمرات، فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء". 3727 - * روى الترمذي عن سلمان بن عامر الضبي يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإنه بركة، فإن لم يجد تمراً فالماء، فإنه طهور، وقال: الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم ثنتان: صدقة، وصلة". وللترمذي (2) وأبي داود (3) في أخرى إلى قوله: "طهور" ولم يذكرا "فإنه بركة". أقول: الفطر على التمر والرطب يعدل حموضة المعدة ويسبب وصول السكر إلى الدم بسرعة، وتلك حكمة صحية اكتشفها الناس في عصرنا، ومن المعروف أن المعدة إذا كانت فارغة تتجمع فيها الأحماض وأن الماء يجرف هذه الأحماض من المعدة خلال خمس دقائق من دخول على المعدة، ومن ها هنا تعرف حكمة الإفطار على الماء إذا لم يوجد التمر، فإن لم يوجد تمر وماء فالمسلم يتعامل مع نفسه بالحكمة والذي يبدو أن البعد عن الأحماض في الفطر فيه مصلحة للجسد.

_ 3725 - مجمع الزوائد (3/ 154) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. 3726 - الترمذي (3/ 77، 78) 6 - كتاب الصوم، 10 - باب ما جاء ما يستحب عليه الإفطار، وإسناده حسن. (1) أبو داود (2/ 305) كتاب الصوم، باب ما يفطر عليه. 3727 - الترمذي (3/ 46، 47) 5 - كتاب الزكاة، 26 - باب ما جاء في الصدقة على ذي القرابة. (2) الترمذي (3/ 79) 6 - كتاب الصوم، 10 - باب ما جاء ما يستحب عليه الإفطار. (3) أبو داود: نفس الموضع السابق، وإسناده صحيح.

- الدعاء عند الإفطار

- الدعاء عند الإفطار: 3728 - * روى أبو داود عن معاذ بن زهرة بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان إذا أفطر قال: "اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت". 3729 - * روى أبو داود عن مروان بن سالم المقفع قال: "رأيت ابن عمر يقبض على لحيته، فيقطع ما زاد على الكف، وقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال: ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله". زاد رزين "الحمد لله" في أول الحديث. وقد سبق تفصيل هذا الأمر.

_ 3728 - أبو داود (2/ 306) كتاب الصوم، باب القول عند الإفطار، وهو مرسل ولكن للحديث شواهد يقوى بها. 3729 - أبو داود: نفس الموضع السابق، وإسناده حسن.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد قال الكاساني في كتابه (بدائع الصنائع 2/ 83): (وحكي عن أبي عبد الله بن أبي موسى الضرير أنه استفتي في أهل إسكندرية أن الشمس تغرب بها ومَن على منارتها يرى الشمس بعد ذلك بزمان كثير، فقال: يحل لأهل البلد الفطر ولا يحل لمن على رأس المنارة إذا كان يرى غروب الشمس لأن مغرب الشمس يختلف كما يختلف مطلعها فيعتبر في أهل كل موضع مغربه). ا. هـ. أقول: وقد بنى على هذه المسألة بعض فضلاء العصر فقالوا: إن من كان على ساحل البحر ورأى غروب قرص الشمس فله أن يفطر أما الذي في بناية مرتفعة بنفس المكان فليس له أن يفطر إلا بعد رؤية غروب الشمس الذي يتأخر عن غروبها في حق الأول (انظر فتاوى الطنطاوي 232) لكن أستاذنا مصطفى الزرقاء منع فطر الأول ما دام يرى للشمس أثر على الأمكنة المرتفعة، واحتج بأن جواز الفطر للصائم معلق على شيئين: غياب النهار ومجيء الليل للحديث (إذا أدبر النهار من ههنا وأقبل الليل من ههنا أفطر الصائم)، وما دام للشمس أثر فإن الليل لم يأت. اهـ. رأي الزرقاء سماعاً منه. نعم، لو كان إنسان على ساحل البحر وكان هناك جرم في الفضاء كطائرة مثلا ليس متصلاً بالأرض فالفطر في حق الموجود في هذا الجرم يختلف عن الفطر في حق الموجود على الأرض. وبناء على هذا فالعبرة لطلوع الفجر وغروب الشمس بالنسبة للمكلف فلو كان ناس في سفح جبل يحجبهم عن طلوع الفجر فإن بدء صيامهم يتأخر على من كان في رأس الجبل لأن الفجر يتأخر طلوعه في حقهم، والصورة الأخرى أنه من كان في سفح الجبل فالغروب في حقه يتقدم على من كان أعلى الجبل بشرط ألا يرى الذي في سفح الجبل أي أثر للشمس. قال ابن عابدين "2/ 80": (والمراد بالغروب زمان غيبوبة جرم الشمس بحيث تظهر الظلمة في الشرق).

- الجمهور على أن المسافر لا يحل له الفطر في اليوم الأول إذا لم يتجاوز عمران بلده قبله الفجر، أما في الأيام الأخرى فله الفطر ما دام له حكم المسافر، وله الفطر في اليوم الأول إذا جاوز عمران بلده قبل الفجر، وإفطاره إفطار أهل البلد الذي يدركه فيه الغروب، إلا أنه في عصرنا وجدت صور منها خروج الإنسان خارج دائرة الأرض، ومنها سفره بسرعة تعدل سرعة الأرض فقد لا تغيب عنه الشمس أبداً أو لا يفارقه الليل أبداً، كالسفر في المركبات السريعة جداً إذا سافر باتجاه الشرق فإن يومه يقصر جداً وإذا سافر باتجاه الغرب فإن نهاره يطول جداً، ففي هاتين الصورتين يفطر الإنسان وقت فطر أهل بلده الذي سافر منه، أما في صورة السفر خارج الأرض فههنا نفتيه بالفطر حسب فطر أهل بلده وندعوه لقضاء هذه الأيام. - مسألة: من تسحر وهو يظن أن الفجر لم يطلع بعد فإذا الفجر قد طلع، فسد صومه، لوجود صورة الإفطار ومعناه من أكل ما ينتفع به، لكن لا إثم عليه، ولا كفارة، وإنما عليه القضاء فقط لأن الجناية على الصيام ناقصة بانعدام القصد إلى الإفطار، وإن كان قد فاته الاحتياط المطلوب. قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى: إن كان في موضع يستبين الفجر ويرى مطلعه من حيث يطلع وليس هناك علة فليأكل ما لم يستبن له الفجر. وقال رحمه الله تعالى: إن كان في موضع لا يرى فيه الفجر، أو كانت الليلة مقمرة وهو يشك في الفجر فلا يأكل، وإن أكل فقد أساء. وإن كان أكبر رأيه أنه أكل والفجر طالع قضى وإلا لم يقض، وسواء كان في سفر أو حضر. والأمر قائم على الاحتياط للصوم وحين لا سبيل إلى العلم بحال الطلوع فالواجب الإمساك استبراء لدينه، وفي الحديث (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة) فمن شك فلا سبيل له إلى تبين طلوع الفجر في أول ما يطلع حتى يكون مستبرئاً لدينه وعرضه، مجتنباً للريبة غير مواقع لحمى الله تعالى. وقال مالك: أكره أن يأكل إذا شك في الفجر، وإن أكل فعليه القضاء. وقال

عبيد الله بن الحسن والشافعي: إن أكل شاكاً في الفجر فلا شيء عليه. وأما قول من قال: إنه يأكل شاكاً من غير اعتبار منه بحال إمكان التبين في حال طلوعه؛ أو تعذر ذلك عليه، فذلك إغفال منه، لأن الضرير لو كان في موضع ليس بحضرته من يعرفه طلوع الفجر لم يجز له الإيدام على الأكل بالشك، وهو لا يأمن أن يكون قد أصبح، وكذلك من كان في بيت مظلم لا يأمن طلوع الفجر لم يجز له الإيدام على الأكل بالشك. روى أبو حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي قال: أفطر عمر رضي الله تعالى عنه وأصحابه في يوم غيم ظنوا أن الشمس قد غابت فقال: فطلعت، فقال عمر رضي الله تعالى عنه: "ما تعرضنا لجنف- ما قصدنا إلى إثم- نتم هذا اليوم ثم نقضي يوماً مكانه" ورواه ابن أبي شيبة بطرق، منها رواية حنظلة عن أبيه قال: شهدت عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه في رمضان وقرب إليه شراب فشرب بعض القوم وهم يرون الشمس قد غربت، ثم ارتقى المؤذن فقال: يا أمير المؤمنين، والله إن الشمس طالعة لم تغرب، فقال: عمر رضي الله تعالى عنه "من كان أفطر فليصم يوماً مكانه ومن لم يكن أفطر فليتم حتى تغرب الشمس". انظر (أحكام القرآن للجصاص: 1/ 386 - 387). (وفتح القدير 2/ 372 فما بعدها)، (الصيام للشيخ وهبي ص: 106 - 107).

الفصل الخامس في الأعذار التي تبيح الفطر

الفصل الخامس في الأعذار التي تبيح الفطر

عرض إجمالي

عرض إجمالي - الأعذار المبيحة للفطر: 1 - السفر: السفر المبيح للفطر: هو السفر الطويل الذي يبيح قصر الصلاة الرباعية، وذلك لمسافة تقدر بحوالي (89 كم) وبشرط عند الجمهور: أن ينشئ السفر قبل طلوع الفجر ويصل إلى مكان يبدأ فيه جواز القصر هو بحيث يترك البيوت وراء ظهره، إذ لا يباح له الفطر بالشروع في السفر بعد ما أصبح صائماً، تغليباً لحكم الحضر على السفر إذا اجتمعا. والمالكية يبيحون الفطر بسبب السفر بأربعة شروط: أن يكون السفر سفر قصر، وأن يكون مباحاً، وأن يشرع قبل الفجر إذا كان أول يوم، وأن يبيت الفطر. ولو أصبح المسافر صائماً، ثم بدا له أن يفطر، جاز له ذلك ولا إثم عليه عند الشافعية والحنابلة، ويحرم الفطر ويأثم عند الحنفية والمالكية وعليه القضاء فقط عند الجمهور، والقضاء والكفارة عند المالكية، لأنه أفطر في صوم رمضان. والصوم عند الحنفية والشافعية أفضل للمسافر إن لم يتضرر، أو لم يكن- عند الحنفية- عامة رفقته مفطرين، ولا مشتركين في النفقة فإن كانوا مشتركين في النفقة أو مفطرين، فالأفضل فطره موافقة للجماعة، ويجب الفطر ويحرم الصوم في حال الضرر. وقال المالكية والحنابلة: يسن الفطر ويكره الصوم في حالة سفر القصر ولو بلا مشقة. وإن صام المسافر ومثله أصحاب الأعذار أجزأه باتفاق المذاهب الأربعة عن فرضه. 2 - المرض: وضابط المرض المبيح للفطر هو الذي يشق معه الصوم مشقة شديدة أو يخاف الهلاك منه إن صام، أو يخاف بالصوم زيادة المرض أو بطء البرء أي تأخره. ولا يجب عند الجمهور على المريض أن ينوب الترخص بالفطر، ويجب ذلك عند الشافعية

3 - 4 - الحمل والرضاع

وإلا كان آثماً. وإن صام المريض في مرضه أجزأه صومه لصدوره من أهله في محله كما لو أتم المسافر. وقال المالكية: للمريض أحوال أربعة: أ- ألا يقدر على الصوم بحال أو يخاف الهلاك من المرض أو الضعف إن صام، فالفطر عليه واجب. ب- أن يقدر على الصوم بمشقة الفطر له جائز، فهم كالحنفية والشافعية. ج- أن يقدر بمشقة ويخاف زيادة المرض، ففي وجوب فطره قولان. د- ألا يشق عليه ولا يخاف زيادة المرض، فلا يفطر عند الجمهور، ولا يصح بالاتفاق لمريض ولا مسافر أن يصوم تطوعاً في رمضان. وكذا لا يصح عند الجمهور أن يصوم واجباً آخر. 3 - 4 - الحمل والرضاع: يباح للحامل والمرضع الإفطار إذا خافتا على أنفسهما أو على الولد، سواء أكان الولد ولد المرضعة أم لا، وإذا أفطرتا وجب القضاء دون الفدية عند الحنفية، ومع الفدية إن خافتا على ولدهما فقط عند الشافعية والحنابلة، ومع الفدية على المرضع فقط لا الحامل عند المالكية. 5 - الهرم: يجوز إجماعاً الفطر للشيخ الفاني والعجوز الفانية العاجزين عن الصوم في جميع فصول السنة ولا قضاء عليهما، لعدم القدرة، وعليهما عن كل يوم فدية طعام مسكين، ومثلهما: المريض الذي لا يرجى برؤه. 6 - إرهاق الجوع والعطف: فإن خاف على نفسه الهلاك، حرم عليه الصيام وعليه القضاء. 7 - الإكراه الملجئ: يباح الفطر للمستكره بقتل أو قطع عضو أو سجن طويل وعليه عند الجمهور القضاء. وقال الحنفية: إن المحارب الذي يخاف الضعف عن القتال وليس مسافراً له الفطر قبل الحرب أو أثناءها ومن له نوبة حمى أو عادة حيض، لا بأس بفطره على ظن وجوده. وإذا أصبح المريض أو المسافر على نية الصيام، ثم زال عذره لم يجز له الفطر، وإن أصبح على

نية الفطر ثم زال عذره لم يجز الأكل بقية يومه، وكذلك من أصبح مفطراً لعذر مبيح ثم زال عنه في بقية يومه لم يجز له الأكل عند الجمهور. قال أبو بكر الآجري: من صنعته شاقة فإن خاف بالصوم تلفاً أفطر وقضى إن ضره ترك الصنعة، فإنه لم يضره تركها أثم بالفطر، وإن لم ينتف التضرر بتركها، فلا إثم عليه بالفطر للعذر. وقرر جمهور الفقهاء أنه يجب على صاحب العمل الشاق كالحصاد والخباز والحداد وعمال المناجم أن يتسحر وينوي الصوم، فإن حصل له عطش شديد أو جوع شديد يخاف منه الضرر، جاز له الفطر، وعليه القضاء، فإن تحقق الضرر وجب الفطر. وقال الحنابلة: يجب الفطر على من احتاجه غيره لإنقاذ آدمي معصوم من مهلكة كغرق ونحوه، ولا يفدي، فإن قدر بدون فطر حرم فإن دخل الماء حلقه، لم يفطر. انظر: (مراقي الفلاح 115 - 117)، (الشرح الصغير 1/ 689 - 391)، (المهذب 1/ 178)، (المغني 3/ 99)، (الفقه الإسلامي 2/ 641 فما بعدها).

- الفطر للمسافر وفضل الفطر عند المشقة

- الفطر للمسافر وفضل الفطر عند المشقة: 3730 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان، فصام حتى بلغ كراع الغميم، فصام الناس، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس، ثم شرب، فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام؟ فقال: أولئك العصاة، أولئك العصاة". زاد في رواية (1) "فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإنما ينظرون فيما فعلت، فدعا بقدح من ماء بعد العصر". قال ابن خزيمة: فهذا الخبر بين واضح أن النبي صلى الله عليه وسلم سماهم عصاة إذ عزم عليهم في الفطر ليكون أقوى لهم على عدوهم إذ قد دنوا منهم، ويحتاجون إلى محاربتهم، فلم يأتمروا لأمره، فلما عزم النبي صلى الله عليه وسلم بالفطر، ليكون الفطر أقوى لهم، فصاموا حتى كان يغشى على بعض ويحتاج إلى أن يظلل، وينضح الماء عليه، فيضعفوا عن محاربة عدوهم، جاز أن يسميهم عصاة إذ أمرهم بالتقوى لعدوهم، فلم يطيعوا، ولم يتقووا لهم. 3731 - * روى ابن خزيمة عن أنس بن مالك يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في سفر ومعه أصحابه، فشق عليهم الصوم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإناء فيه ماء، فشرب- وهو على راحلته- والناس ينظرون إليه.

_ 3730 - مسلم (2/ 785) 13 - كتاب الصيام، 15 - باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر ... إلخ. (1) مسلم: نفس الموضع السابق ص 786. 3731 - ابن خزيمة (3/ 265) كتاب الصيام، 112 - باب إباحة الفطر في رمضان في السفر ... إلخ، وإسناده صحيح.

- حكم الإفطار لمن شرع بالسفر بعد الفجر وكان قد نوى الصيام

3732 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: "سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، فصام حتى بلغ عسفان ثم دعا بإناء من ماء، فشرب نهاراً ليراه الناس، وأفطر حتى قدم مكة، قال: وكان ابن عباس يقول: صام رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر وأفطر، فمن شاء صام، ومن شاء أفطر. ولمسلم (1) أن ابن عباس قال: "لا تعب على من صام ولا على من أفطر، قد صام رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر وأفطر". وللبخاري (2) قال: "خرج النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان إلى حنين، والناس مختلفون، فصائم ومفطر، فلما استوى على راحلته دعاء بإناء من لبن أو ماء، فوضعه على راحلته- أو راحته- ثم نظر الناس فقال المفطرون للصوام: أفطروا". - حكم الإفطار لمن شرع بالسفر بعد الفجر وكان قد نوى الصيام: ذكرنا في العرض الإجمالي أنه يشترط لمن يريد الفطر في السفر أن يكون قد أنشأ السفر قبل الفجر أو يفطر في اليوم التالي من سفره أي إن اليوم الأول من سفره إذا كان بعد طلوع الفجر وكان قد نوى الصيام لا يجوز له الفطر هذا عند الجمهور. وقال ابن تيمية (25/ 209): إن في ذلك قولين مشهورين للعلماء وهما روايتان عن أحمد. ا. هـ.

_ 3732 - البخاري (4/ 186) 30 - كتاب الصوم، 38 - باب من أفطر في السفر ليراه الناس. مسلم: نفس الموضع السابق ص 785. (1) مسلم: نفس الموضع السابق ص 785. (2) البخاري (8/ 3) 64 - كتاب المغازي، 47 - باب غزوة الفتح في رمضان.

والحديث الذي هنا لا يشير إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفطر في اليوم الذي سافر فيه فقد خرج صائماً وصام عدة أيام ثم أفطر في أثناء الطريق قبل وصوله مكة. وذهب المزني كما في مختصره (2/ 14) وفي رواية عن أحمد بجواز الإفطار في يوم السفر لمن أنشأ السفر وهو صائم. لحديث سيرد معنا عن عبيد بن جبير. وقال الجمهور إن الصوم عبادة كالصلاة فمن دخل في صلاة فلا يجوز أن يخرج منها كذلك من نوى الصوم ودخل فيه لا يجوز له أن يبطله، وعلى هذا فالحكم أن يتم من يسافر بعد طلوع الفجر صوم ذلك اليوم فإذا وقع في المشقة والحرج فلا عليه أن يفطر وقد نص الحنفية وغيرهم أنه إذا أفطر في هذه الحالة عليه قضاء فقط دون الكفارة. ونرجو أن لا يكون هناك إثم. 3733 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: "كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم". وفي رواية (1): قال حميد بن أبي حميد الطويل "خرجت فصمت، فقالوا لي: أعد، فقلت: إن أنساً أخبرني أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يسافرون، فلا يعيب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم، فلقيت ابن أبي مليكة، فأخبرني عن عائشة بمثله". وفي رواية (2) أبي داود قال: "سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، فصام بعضنا، وأفطر بعضنا، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم". 3734 - * روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال: "بلغ النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح مر الظهران، فآذننا بلقاء العدو، فأمرنا بالفطر، فأفطرنا أجمعين".

_ 3733 - البخاري (2/ 186) 30 - كتاب الصوم، 37 - باب لم يعب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعضهم بعضاً ... إلخ. مسلم (2/ 787) 13 - كتاب الصيام، 15 - باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر ... إلخ. (1) مسلم: نفس الموضع السابق ص 788. (2) أبو داود (2/ 316) كتاب الصوم، باب الصوم في السفر. 3734 - الترمذي (4/ 198) 24 - كتاب الجهاد، 13 - باب ما جاء في الفطر عند القتال، وإسناده حسن. أحمد (3/ 29).

3735 - * روى مسلم عن ربيعة بن يزيد: قال قزعه: "أتيت أبا سعيد الخدري وهو مكثور عليه، فلما تفرق الناس عنه قلت: إني أسألك عما يسألك هؤلاء، فسألته عن الصوم في السفر؟ فقال: سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ونحن صيام، قال: فنزلنا منزلاً، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم قد دنوتم من عدوكم، والفطر أقوى لكم، فكانت رخصة، فمنا من صام، ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلاً آخر، فقال: إنكم مصبحو عدوكم، والفطر أقوى لكم، فأفطروا، وكانت عزمة، فأفطرنا ثم قال: لقد رأيتنا نصوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك في السفر. وله (1) عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: "غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لست عشرة مضت من رمضان، فمنا من صام، ومنا من أفطر، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم". وفي رواية (2) "لثماني عشرة خلت". وفي أخرى (3) "في ثنتي عشرة". وفي أخرى (4) "لسبع عشرة- أو تسع عشرة". وأخرج أبو داود (5) الرواية الأولى، وقال في أولها: "وهو يفتي الناس وهو مكثور عليه، فانتظرت خلوته، فلما خلا سألته عن صيام رمضان في السفر؟ قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان عام الفتح، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم، ونصوم، حتى بلغ

_ 3735 - مسلم (2/ 789) 13 - كتاب الصيام، 16 - باب أجر المفطر في السفر إذا تولى العمل. (1) مسلم (2/ 786) 13 - كتاب الصيام، 15 - باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر ... إلخ. (2) مسلم: نفس الموضع السابق ص 787. (3) مسلم: نفس الموضع السابق ص 787. (4) مسلم: نفس الموضع السابق ص 787. (5) أبو داود (2/ 316، 317) كتاب الصوم، باب الصوم في السفر. (عزمة) العزمة: الفريضة، وهي ضد الرخصة. (مكثور) المكثور عليه، يريد به: الذي اجتمع عليه الناس وكثروا فلا يخلو.

منزلاً من المنازل ... وذكر الحديث" وقال في آخره: "ثم لقد رأيتني أصوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك وبعد ذلك". وفي رواية (1) الترمذي قال: "كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان، فما يعاب على الصائم صومه، ولا على المفطر إفطاره". وفي أخرى (2) له قال: "كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا الصائم، ومنا المفطر، فلا يجد المفطر على الصائم، ولا الصائم على المفطر، وكانوا يرون: أنه من وجد قوة فصام، فحسن، ومن وجد ضعفاً فأفطر، فحسن". وفي رواية (3) النسائي قال: "كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنا الصائم، ومنا المفطر، فلا يعيب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم". وله (4) عنه وعن جابر مثله. 3736 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر، فمنا الصائم، ومنا المفطر، قال: فنزلنا منزلاً في يوم حار، أكثرنا ظلاً صاحب الكساء، ومنا من يتقي الشمس بيده، قال: فسقط الصوام، وقام المفطرون فضربوا الأبنية، وسقوا الركاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذهب المفطرون اليوم بالأجر".

_ (1) الترمذي (3/ 92) 6 - كتاب الصوم، 19 - باب ما جاء في الرخصة في السفر. (2) الترمذي: نفس الموضع السابق ص 189. (3) النسائي (4/ 188) 22 - كتاب الصيام، 59 - باب ذكر الاختلاف على أبي نضرة ... إلخ. (4) النسائي: نفس الموضع السابق ص 189. (الوجد) الغضب، فلان يجد علي، أي يغضب. 3736 - البخاري (6/ 84) 56 - كتاب الجهاد، 71 - باب فضل الخدمة في الغزو. مسلم (2/ 788) 13 - كتاب الصيام، 16 - باب أجر المفطر في السفر إذا تولى العمل. النسائي (4/ 183) 22 - كتاب الصيام، 52 - فضل الإفطار في السفر على الصيام. (الأبنية) جمع بناء، وهو الخباء والخيمة. (الركاب): الإبل.

3737 - * روى النسائي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بطعام بمر الظهران، فقال لأبي بكر وعمر: ادنوا فكلا، فقالا: إنا صائمان، قال: "ارحلوا لصاحبيكم، اعملوا لصاحبيكم". 3738 - * روى الشيخان عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فرأى رجلاً قد اجتمع الناس عليه، وقد ظلل عليه، فقال: ماله؟ قالوا: رجل صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس من البر أن تصوموا في السفر". وفي رواية (1): "ليس من البر الصوم في السفر". وفي أخرى للنسائي (2) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل في ظل شجرة، يرش عليه الماء، فقال: ما بال صاحبكم؟ قالوا: يا رسول الله، صائم، قال: إنه ليس من البر أن تصوموا في السفر، وعليكم برخصة الله التي رخص لكم، فاقبلوها". وله في أخرى (3) مختصراً: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس من البر الصيام في السفر". أقول: من سبب ورود النص يفهم أن الصوم في السفر لا يعد من البر إذا ترتب عليه مشقة ملحوظة. 3739 - * روى أحمد عن أبي مالك الأشعري (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس من البر الصيام في السفر".

_ 3737 - النسائي (4/ 177) 22 - كتاب الصيام، 49 - باب ذكر اسم الرجل، وإسناده حسن. 3738 - البخاري (4/ 183) 30 - كتاب الصوم، 36 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ... إلخ. مسلم (2/ 786) 13 - كتاب الصيام، 15 - باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر. (1) البخاري: الموضع السابق. أبو داود (2/ 317) كتاب الصوم، 41 - باب اختيار الفطر. النسائي (4/ 175) 22 - كتاب الصيام 46 - باب ما يكره من الصيام في السفر. (2) النسائي: الموضع السابق ص 176. (3) النسائي: الموضع السابق. (البر): الطاعة وفعل الخير. 3739 - أحمد (3/ 319). النسائي ص 176: الموضع السابق، وإسناده صحيح.

3740 - * روى أحمد عن كعب بن مالك الأشعري وكان من أهل السقيفة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليس من إم بر إم صيام فم سفر". 3741 - * روى الطبراني في الكبير عن عمار بن ياسر قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة فسرنا في يوم شديد الحر فنزلنا في بعض الطريق فانطلق رجل منا فدخل تحت شجرة فإذا أصحابه يلوذون به وهو مضطجع كهيئة الوجع فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما بال صاحبكم قالوا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس من البر أن تصوموا في السفر، عليكم بالرخصة التي أرخص الله لكم فاقبلوها". 3742 - * روى البزار عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تبارك وتعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته". 3743 - * روى البزار عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه". 3744 - * روى الشيخان عن أبي الدرداء (رضي الله عنه) قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان في حر شديد، حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة".

_ 3740 - مجمع الزوائد (3/ 161) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورجال أحمد رجال الصحيح. (من امبر) قوله: من امبر، هذه الميم بدل من لام التعريف في لغة قوم من اليمن، فلا ينطقون بلام التعريف، ويجعلون مكانها الميم. 3741 - مجمع الزوائد (3/ 161) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، وإسناده حسن. 3742 - كشف الأستار (1/ 469) باب إن الله يحب أن تؤتى رخصه. مجمع الزوائد (3/ 162) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ورجال الصحيح والبزار والطبراني في الأوسط، وإسناده حسن. 3743 - كشف الأستار (1/ 469). مجمع الزوائد (3/ 162) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والبزار، ورجال البزار ثقات وكذلك رجال الطبراني. 3744 - البخاري (4/ 182) 30 - كتاب الصوم، 35 - باب. مسلم (2/ 790) 13 - كتاب الصيام، 17 - باب التخيير في الصوم والفطر في السفر. أبو داود (2/ 318) كتاب الصوم، 42 - باب فيمن اختار الصيام.

وعند أبي داود: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته في حر شديد، حتى إن أحدنا ليضع يده، أو كفه، على رأسه من شدة الحر ... وذكر الحديث". 3745 - * روى أبو يعلى عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم صام في رمضان فاشتد الصوم على رجل من أصحابه فجعلت ناقته تهيم به تحت ظلال الشجر فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فأمره فأفطر ثم دعا رسول الله بإناء فيه ماء فوضعه على يده فلما رأى الناس شرب فشربوا. 3746 - * روى الطبراني عن عثمان بن أبي العاص قال: الإفطار في السفر رخصة. 3747 - * روى البزار عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم في السفر ويفطر ويصلي ركعتين لا يدعهما يقول: لا يزيد عليهما يعني الفريضة. أقول: في هذا النص إشارة إلى قصر الصلاة الرباعية في السفر. 3748 - * روى أبو داود عن نافع- مولى ابن عمر- (رضي الله عنهم) "أن ابن عمر كان يخرج إلى الغابة في رمضان، فلا يفطر ولا يقصر". أقول: الغابة مكان قريب من المدينة وهو معروف، وفعل ابن عمر يدل على أن السفر القريب لا يحل فيه الفطر ولا القصر وهو الذي استقر عليه باجتهاده. 3749 - * روى الجماعة عن عائشة (رضي الله عنها) "أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال

_ 3745 - مجمع الزوائد (3/ 160) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلي ورجاله رجال الصحيح. 3746 - الطبراني (المعجم الكبير) (9/ 51). 3747 - كشف الأستار (1/ 470) باب من شاء صام ومن شاء أفطر. مجمع الزوائد (3/ 158) وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار بنحوه ورجال أحمد رجال الصحيح. 3748 - أبو داود (2/ 319) كتاب الصوم، باب قدر مسيرة ما يفطر فيه. 3479 - الموطأ (1/ 295) 18 - كتاب الصيام، 7 - باب ما جاء في الصيام في السفر. البخاري (4/ 179) 30 - كتاب الصوم، 33 - باب الصوم في السفر والإفطار. مسلم (2/ 789) 13 - كتاب الصيام، 17 - باب التخيير في الصوم والفطر في السفر. أبو داود (2/ 316) كتاب الصوم، باب الصوم في السفر. الترمذي (3/ 91) 6 - كتاب الصوم، 19 - باب ما جاء في الرخصة في السفر. النسائي (4/ 187) 22 - كتاب الصيام، 58 - باب ذكر الاختلاف على هشام بن عروة فيه.

للنبي صلى الله عليه وسلم أأصوم في السفر؟ - وكان كثير الصيام- فقال: إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر". وفي رواية (1) "إني أسرد الصوم". وفي أخرى (2) "سأله عن الصوم في السفر؟ ". 3750 - * روى أبو داود عن حمزة بن عمرو الأسلمي (رضي الله عنهما) قال: "قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني صاحب ظهر أعالجه، أسافر عليه وأكريه، وإنه ربما صادفني هذا الشهر- يعني: رمضان- وأنا أجد القوة، وأنا شاب، وأجدني أن أصوم يا رسول الله أهون علي من أن أؤخره فيكون ديناً، أفأصوم يا رسول الله أعظم لجري، أو أفطر؟ قال: أي ذلك شئت يا حمزة". وفي رواية النسائي (3) "أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصوم في السفر؟ فقال: إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر". وفي أخرى (4): "إن شئت أن تصوم فصم، وإن شئت أن تفطر فأفطر". وفي أخرى (5) "إني أجد قوة على الصيام في السفر؟ قال: إن شئت فصم وإن شئت فأفطر". وفي أخرى (6) قال: "كنت أسرد الصيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، إني أسرد الصيام في السفر، فقال: إن شئت فصم وإن شئت فأفطر".

_ (1) البخاري: نفس الموضع السابق. (2) النسائي: نفس الموضع السابق ص 188. 3750 - أبو داود: نفس الموضع السابق ص 316. (3) النسائي: نفس الموضع السابق ص 188. (4) النسائي (4/ 185) 22 - كتاب الصيام، 56 - باب ذكر الاختلاف على سليمان بن يسار ... إلخ. (5) النسائي: نفس الموضع السابق. (6) النسائي: نفس الموضع السابق ص 186. (ظهر) الظهر هاهنا: كناية عن الإبل. (أعالجه) معالجته: معاناته، يريد به: مكاراته والسفر به.

وفي أخرى (1) "إني أجد في قوة على الصيام في السفر، فهل علي جناح قال: هي رخصة من الله عز وجل، فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه". 3751 - * روى الترمذي عن محمد بن كعب قال: "أتيت أنس بن مالك رضي الله عنه في رمضان وهو يريد سفراً، وقد رحلت له راحلته، ولبس ثياب سفره، ودعا بطعام، فأكل، فقلت له: سنة؟ قال: سنة ثم ركب". أقول: هذه فتوى صحابي وهو وإن قال إنه سنة فهذا فهمه للسنة، والذي عليه الاجتهاد أن المسافر لا يحق له الإفطار بمجرد العزم على السفر، بل بتلبسه بالسفر (بتجاوزه العمران) مع أن رأي الجمهور أنه لا يحل له الإفطار في اليوم الأول من السفر إلا إذا سافر قبل الفجر وتعرضنا قبل قليل للمسألة لكن لو أفطر المسافر الذي سافر بعد طلوع الفجر فعليه القضاء فقط ولا كفارة عليه كما نص الحنفية وغيرهم. 3752 - * روى مالك عن نافع- مولى ابن عمر- (رضي الله عنهم) "أن ابن عمر كان لا يصوم في السفر". 3753 - * روى أبو داود عن عبيد بن جبير قال: "كنت مع أبي بصرة الغفاري، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفينة من الفسطاط في رمضان، فدفع، ثم قرب غداءه- قال جعفر في حديثه: فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة- قال: اقترب، قلت: ألست ترى البيوت؟ قال أبو بصرة: أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال جعفر في حديثه: فأكل". أقول: هذا النص كسابقه.

_ (1) النسائي (4/ 186، 187) 22 - كتاب الصوم، 57، باب ذكر الاختلاف على عروة ... إلخ، وهو حديث حسن. 3751 - الترمذي (3/ 163) 6 - كتاب الصوم، 76 - باب من أكل ثم خرج يريد سفراً، وإسناده حسن. 3752 - الموطأ (1/ 295) 18 - كتاب الصيام، 7 - باب ما جاء في الصيام في السفر، وإسناده صحيح. 3753 - أبو داود (2/ 318) كتاب الصوم، باب متى يفطر المسافر إذا خرج، وهو حديث حسن.

- الفطر للحامل والمرضع عند المشقة

- الفطر للحامل والمرضع عند المشقة: 3754 - * روى أحمد عن رجل من بني عبد الله بن كعب- اسمه: أنس بن مالك- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله وضع شطر الصلاة عن المسافر، ورخص له الإفطار، وأرخص فيه للمرضع والحبلى إذا خافتا على ولديهما". وفي أخرى لأبي داود (1) وللترمذي (2) قال: "أغارت علينا خيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت قد أسلمت، قال: فانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدته يتغدى، فقال لي: اجلس وأصب من طعامنا هذا، فقلت: إني صائم، فقال: اجلس أحدثك عن الصلاة وعن الصيام: إن الله وضع شطر الصلاة عن المسافر، ووضع عنه الصوم، ووضع عن الحامل والمرضع الصيام، والله لقد قالهما النبي صلى الله عليه وسلم- كليهما أو أحدهما- قال: فإذا ذكرت ذلك تلهفت على أن لم آكل من طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم". وفي رواية النسائي (3) قال: "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في إبل لي، كانت أخذت، فوافقته وهو يأكل، فدعاني إلى طعامه، فقلت: إني صائم، فقال: ادن أخبرك عن ذلك: إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة. وفي رواية (4) له عن رجل- ولم يشمه- قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتغدى، قال:

_ 3754 - أحمد (5/ 29). الترمذي (3/ 94) 6 - كتاب الصوم، 21 - باب ما جاء في الرخصة في الإفطار للحبلى والمرضع، وقال: حديث حسن. ابن ماجه (1/ 533) 7 - كتاب الصيام، 12 - باب ما جاء في الإفطار للحامل والمرضع. (1) أبو داود (2/ 317) كتاب الصوم، باب اختيار الفطر. (2) الترمذي: نفس الموضع السابق. (3) النسائي (4/ 181) 22 - كتاب الصيام، 51 - ذكر اختلاف معاوية بن سلام ... إلخ. (4) النسائي: نفس الموضع السابق، وهو صحيح. قال الترمذي: حديث أنس بن مالك الكعبي حديث حسن، ولا نعرف لأنس بن مالك هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث الواحد، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وقال بعض أهل العلم: الحامل والمرضع تفطران وتقضيان وتطعمان، وبه يقول سفيان، ومالك، والشافعي، وأحمد، وقال بعضهم: تفطران وتطعمان، ولا قضاء عليهما، وإن شاءتا قضتا ولا إطعام عليهما، وبه يقول إسحاق. (شطر) كل شيء: نصفه. (للمرضع) المرضع: المرأة التي لها ولد ترضعه، فإن وصفتها بإرضاع الولد قلت: مرضعة.

- الفطر للشيخ الهرم

هلم إلى الغداء، فقلت: إني صائم، قال: هلم أخبرك عن الصوم: إنه وضع عن المسافر نصف الصلاة، والصوم، ورخص للحبلى والمرضع". أقول: جواز الإفطار للمرضع والحامل مقيد بأن خافتا على أنفسهما أو ولديهما، أما حيث لا خوف معتبر فلا يجوز لهما الإفطار، والخوف المعتبر إنما يكون بتجربة أو إعلام طبيب، وخوف الإصابة بالمرض لها أو لولدها تعتبر مما يخاف منه وتجيز لها الإفطار. ثم إن الجمهور- الأئمة الأربعة- على أن عليها القضاء وبعضهم جمع لذلك الفدية كما مر. 3755 - * روى مالك بن أنس رحمه الله بلغه: أن عبد الله بن عمر سئل عن المرأة الحامل إذا خافت على ولدها واشتد عليها الصيام؟ فقال: تفطر، وتطعم مكان كل يوم مسكيناً، مداً من حنطة بمد النبي صلى الله عليه وسلم". - الفطر للشيخ الهرم: 3756 - * روى مالك بن أنس رحمه الله "بلغه: أن أنس بن مالك كبر حتى كاد لا يقدر على الصيام، فكان يفتدي". 3757 - * روى الطبراني عن قتادة "أن أنساً ضعف عن الصوم قبل موته عاماً فأفطر وأطعم عن كل يوم مسكيناً".

_ 3755 - الموطأ (1/ 308) 18 - كتاب الصيام، 19 - باب فدية من أفطر في رمضان من علة. قال محقق الجامع: له شواهد بمعناه، منها ما رواه الدارقطني صفحة (250) من طريق حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن امرأته سألته وهي حبلى، فقال: أفطري وأطعمي عن كل يوم مسكيناً ولا تقضي، ورواه بمعناه الطبري رقم 2760 وروى الطبري أيضاً رقم 2759 أن ابن عباس رأى أم ولد له حاملاً أو مرضعاً فقال: أنت بمنزلة الذي لا يطيقه، عليك أن تطعمي مكان يوم مسكيناً ولا قضاء عليك، ورواه الدارقطني بمعناه صفحة (250) وصحح إسناده. 3756 - الموطأ: نفس الموضع السابق ص 307، وهو حسن بشواهده. (يفتدي) الفدية: ما يعطيه المفطر عن كل يوم، وهو مد من طعام. والمد= 600 غ وقدر بعضهم الكفارة بنصف صاع= مدين، وقدرها آخرون بصاع= أربعة أمداد، ورأي بعض العلماء أنها تقدر لكل رجل بحسبه ضمن المعدل المذكور. 3757 - الطبراني (الكبير) (1/ 242). مجمع الزوائد (3/ 164) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح.

3758 - * روى الطبراني عن مجاهد "أن قيس بن السائب كبر حتى مرت به ستون عن المائة وضعف عن الصيام فأطعم عنه. وفي رواية (1) سمعت قيس بن السائب يقول: إن شهر رمضان يفتديه الإنسان يطعم فيه كل يوم مسكيناً فأطعموا عني مسكيناً لكل يوم صاعاً وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم شريكاً لي في الجاهلية فخير شريك لا يماري ولا يساري". 3759 - * روى أبو يعلى عن أيوب بن أبي تميمة قال: "ضعف أيوب عن الصوم فصنع جفنة من ثريد فدعا ثلاثين مسكيناً فأطعمهم". أقول: اعتبر بعضهم أن قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} أنه غير منسوخ، والتقدير عندهم: وعلى الذين لا يطيقونه فدية طعام مسكين. وفعل أيوب محمول على أنه وصل إلى حالة من الشيخوخة لم يعد يطيق فيها الصوم فأفطر وفدى.

_ 3758 - الطبراني (الكبير) (18/ 363). (1) الطبراني (الكبير) نفس الموضع السابق. مجمع الزوائد (3/ 164) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. 3759 - مجمع الزوائد (3/ 164) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد - من مات وعليه صيام شيء من رمضان فله حالان أحدهما: أن يموت قبل إمكان الصيام إما لضيق الوقت أو لعذر من مرض أو سفر أو عجز عن الصوم، فلا شيء عليه عند أكثر العلماء لعدم تقصيره ولا إثم عليه، لأنه فرض لم يتمكن منه إلى الموت فسقط حكمه إلى غير بدل كالحج وبناء عليه: إن مات المريض أو المسافر، وهما على حالهما، لم يلزمهما القضاء، الحال الثاني: أن يموت بعد إمكان القضاء، فلا يصوم عنه وليه أي لم يجب صومه عنه عند أكثر الفقهاء، ويستحب عند الحنابلة للولي أن يصوم عن الميت (صوم النذر) لأنه أحوط لبراءة الميت وهل يجب الإطعام عنه من التركة؟ قال الحنفية والمالكية: أن أوصى بالإطعام، أطعم عنه وليه لكل يوم مسكيناً نصف صاع من تمر أو شعير. وقال الشافعية في الجديد والحنابلة على الراجح: الواجب أن يطعم عنه لكل يوم مد طعام لكل مسكين. والواجب أن يكون فقط من ثلث التركة إن أوصى وإن لم يوص لا يلزم عند الحنفية ومالك وإن تبرع به الولي أو غيره صح وله الثواب. مسألة- مريض الربو إذا احتاج للمعالجة جاز له الفطر. مسألة- امتحان الطالب لا يجيز فطره إلا إذا وصل إلى حالة خاف فيها على نفسه أو على عضو من أعضائه بسبب الصوم فعندئذ يجوز له الفطر. - فائدة حول صيام أصحاب الأعمال الشاقة: قال ابن عابدين (2/ 447) في الحاشية بعد أن نقل عن مشايخ المذهب ما نقل قال: والذي ينبغي في مسألة المحترف [حرفة شاقة مجهدة لا يستطيع معها الصيام] أن يقال إذا كان عنده ما يكفيه وعياله لا يحل له الفطر لأنه يحرم عليه السؤال من الناس فالفطر أولى وإلا فله العمل بقدر ما يكفيه ولو أداه إلى الفطر يحل له إذا لم يمكنه العلم في غير ذلك مما لا يؤديه إلى الفطر وكذا لو خاف هلاك زرعه أو سرقته ولم يجد من يعمل له بأجرة المثل وهو يقدر عليها لأن له قطع الصلاة لأقل من ذلك لكن لو كان أجر نفسه في العمل مدة معلومة فجاء رمضان فالظاهر إن له الفطر وإن كان عنده ما يكفيه إذا لم يرض المستأجر بفسخ الإجارة كما في الظئر فإنه يجب عليها

- السائق الذي يسافر باستمرار

الإرضاع بالعقد ويحل لها الإفطار إذا خافت على الولد فيكون خوفه على نفسه أولى تأمل هذا ما ظهر لي والله تعالى أعلم ا. هـ الحاشية. - السائق الذي يسافر باستمرار يرخص له بالفطر لأنه مسافر، ويقضي ما أفطر خلال السنة بأن يفرق هذه الأيام أو يصومها في فصل الشتاء حيث يقصر النهار.

الفصل السادس فيما يفطر الصائم وما لا يفطره وما يترتب على من اعتبر مفطرا

الفصل السادس فيما يفطر الصائم وما لا يفطره وما يترتب على من اعتبر مفطراً

عرض إجمالي

عرض إجمالي - ما لا يفسد الصوم عند الحنفية: 1 - الأكل والشرب أو الجماع ناسياً. 2 - إنزال المني بنظر أو فكر. 3 - القطرة أو الاكتحال في العين. 4 - الحجامة. 5 - السواك ولو مبلولاً بالماء. 6 - المضمضة والاستنشاق ولو فعلهما لغير وضوء. 7 - الاغتسال أو السباحة أو التلفف بثوب مبتل. 8 - الاغتياب ولو كان آثماً. 9 - نية الفطر ولم يفطر. 10 - دخول الدخان، أو الغبار، أو أثر طعم الأدوية إلى الحلق بلا صنع الصائم. 11 - خلع الضرس ما لم يبتلع شيئاً من الدم أو الدواء. 12 - صب ماء أو دهن أو حقنة في الإحليل، أو دخول ماء في الأذن بسبب خوض نهر. 13 - ابتلاع النخامة واستنشاق المخاط عمداً أو ابتلاعه. 14 - القيء قهراً أو عودة القيء بنفسه ولم يتعمد القيء ولا إرجاعه وكان أقل من ملء الفم عند أبي يوسف، والقيء أقل من ملئ الفم عمداً فلا يفطر.

- حكم الإمساك بعد الفطر بعذر

15 - أكل ما بين الأسنان إذا علق فيها قبل الفجر وكان دون الحمصة، لأنه تبع لريقه. 16 - إذا أصبح جنباً ولو استمر يوماً بالجنابة. 17 - الحقن بأنواعها في العضل أو تحت الجلد أو في الوريد. 18 - شم الرائح العطرية كالورد أو الزهر أو الطيب. - حكم الإمساك بعد الفطر بعذر: قال الحنفية: يجب الإمساك بقية اليوم على من فسد صومه ولو بعذر ثم زال لحرمة الوقت بالقدر الممكن وعليهم القضاء إلا الصبي والكافر لعدم توافر الخطاب التكليفي لهما عند طلوع الفجر عليهما، وقال المالكية: إمساك بقية اليوم يؤمر به من أفطر في رمضان خاصة أو في نذر واجب عمداً أو إكراهاً أو نسياناً، لا من أفطر لعذر مبيح، فمن أفطر لجل عذر يباح له الفطر، ثم زال عذره، لا يستحب له الإمساك. لكن يندب إمساك يوم الشك بقدر ما جرت العادة فيه بثبوت الشهر من المارين في الطريق من السفارة، وذلك بارتفاع النهار. ويجب الإمساك في حال الإفطار نسياناً في صوم النفل، لا في الإفطار العمد، وفي الصوم الذي يجب فيه التتابع ككفارة الظهار والقتل. ويرى الشافعية: أنه يلزم الإمساك من تعدى بالفطر كأنه أكل، عقوبة له ومعارضة لتقصيره، أو من نسي النية من الليل وفي يوم الشك إن تبين كونه من رمضان ويجب قضاؤه على الفور على المتعمد. ويرى الحنابلة: أنه يلزم الإمساك من أفطر بغير عذر، أو أفطر يظن أن الفجر لم يطلع وقد كان طلع أو يظن أن الشمس قد غابت ولم تغب أو الناسي لنية الصوم ونحوهم، بلا خلاف بين العلماء. ويلزم الإمساك أيضاً على الراجح كل من زال عذره في أثناء النهار، وعليه القضاء. - ما يفسد الصوم عند الحنفية نوعان: نوع يوجب القضاء فقط، ونوع يوجب القضاء والكفارة. أولاً: ما يوجب القضاء فقط دون الكفارة: 1 - أن يتناول ما ليس بغذاء ولا في معنى

- ما يفسد الصوم عند الشافعية

الغذاء وهو الدواء: وهو تناول كل شيء لا يقصد به التغذي عادة ولا يميل إليه الطبع. 2 - أن يتناول غذاء، أو دواء لعذر شرعي كمرض أو سفر أو إكراه أو خطأ أو إهمال أو شبهة. 3 - إذا قضى شهوة الفرج غير كاملة أي صورة أو معنى: كأن أنزل المني بوطء ميتة أو بهيمة أو صغيرة لا تشتهى، أو بمفاخذة أو تبطين أو قبلة أو لمس أو عبث بباطن الكف، أو وطئت المرأة وهي نائمة، أو قطرت في فرجها دهناً ونحوه. ثانياً: ما يفسد الصوم ويوجب القضاء والكفارة معاً: 1 - تناول غذاء أو ما في معناه بدون عذر شرعي. 2 - أن يقضي شهوة الفرج كاملة أي صورة ومعنى: وهو الجماع، وتجب الكفارة على المرأة اتفاقاً إن مكنت من نفسها ولو صغيراً أو مجنوناً. - ما يفسد الصوم عند الشافعية نوعان: نوع يوجب القضاء فقط ونوع يوجب القضاء والكفارة. الأول: ما يفسد الصوم ويوجب القضاء فقط: 1 - وصول شيء مادي (عين) إلى الجوف ولو قل كسمسمة، أو ما لا يؤكل عادة كحصاة أو تراب من منفذ مفتوح كالفم والأنف والأذن والقبل والدبر وجرح الدماغ إذا كان عمداً. 2 - ابتلاع النخامة وهي ما ينزل من الرأس أو يصعد من الجوف، أما لو جرت بنفسها وعجز عن مجها فلا يفطر. 3 - سبق ماء المضمضة أو الاستنشاق المشروع إلى جوفه في حال المبالغة في ذلك. 4 - الاستقاءة أي تعمد القيء، حتى لو تيقن على الصحيح أنه لم يرجع شيء إلى جوفه لأن المفطر عينها. 5 - الاستنماء وخروج المني بلمس وقبلة ومضجعة بلا حائل لأنه إنزال عن مباشرة عينها. 6 - أن يتبين الغلط بالأكل نهاراً بسبب طلوع الفجر أو لعدم غروب الشمس، إذ لا عبرة بالظن البين خطؤه.

الثاني: ما يوجب القضاء والكفارة والتعزير: يجب القضاء والكفارة مع التعزير وإمساك بقية اليوم بشيء واحد وهو الجماع الذي يفسد صوم يوم من رمضان بشروط أربعة عشر وهي: 1 - أن يكون ناوياً للصوم ليلاً. 2 - 3 - 4 - أن يكون متعمداً مختاراً، عالماً بالتحريم. 5 - أن يحدث الجماع في رمضان. 6 - أن يفسد الصوم بالجماع وحده. 7 - أن يكون آثماً بهذا الجماع فلا كفارة على صبي، ولا على صائم مسافر أو مريض جامع بنية الترخص أو بغيرها في الأصح. 8 - أن يكون معتقداً صحة صومه: فلا كفارة على من جامع عامداً بعد الأكل ناسياً ونظن أنه أفطر بالأكل، لأنه يعتقد أنه غير صائم، وإن كان الأصح بطلان صومه بهذا الجماع. 9 - ألا يكون مخطئاً. 10 - ألا يجن أو يموت بعد الوطء في أثناء النهار الذي جامع فيه قبل الغروب. 11 - أن يكون الوطء منسوباً إليه. 12 - أن يكون الجماع بإدخال الحشفة أو قدرها من مقطوعها. 13 - أن يتم الجماع في فرج ولو دبراً، أو ميتة أو بهيمة. 14 - أن يكون واطئاً لا موطوءاً. وحدوث السفر أو المرض أو الإغماء أو الردة بعد الجماع لا يسقط الكفارة لتحقق هتك حرمة الصوم قبل ذلك، لأن المرض والسفر لا ينافيان الصوم فيتحقق هتك حرمته، وأما طروء الردة فلا يبيح الفطر ويجب قضاء اليوم الذي أفسده على

- قضاء الصوم وحكمه

الصحيح مع الكفارة. وخلاصة آراء المذاهب في أهم المواضع السابقة: أن الجماع في نهار رمضان موجب للقضاء والكفارة والإمساك بقية النهار وكذلك الأكل والشرب عمداً عند الحنفية والمالكية خلافاً لغيرهم قياساً على الجماع، بجامع انتهاك حرمة الشهر، ويفطر الصائم بالاتفاق بالقيء عمداً أو بتناول أي شيء مادي يصل إلى الجوف عمداً، ولا يفطر بالفصد اتفاقاً كما لا يفطر عند الجمهور بالأكل ونحوه ناسياً، ويفطر عند المالكية ولا يفطر بالأكل مكرهاً عند الشافعية والحنابلة. ويفطر عند الحنفية والمالكية، ولا يفطر عند الحنابلة بغلبة ماء المضمضة ويفطر بها عند المالكية، وأما عند الشافعية فيفطر في حالة المبالغة أو العبث والتبرد أو الزيادة على الثلاث، ولا يفطر بالاكتحال عند الشافعية والحنفية، ويفطر به عند المالكية والحنابلة إن وجد طعم الكحل في الحلق. ولا يفطر عند الجمهور بالحقنة في الإحليل، ويفطر بها عند الشافعية. ولا يفطر عند الجمهور بنبش الأذن بعود أو إدخاله فيها، ويفطر به عند الشافعية ولا يفطر بالحجامة عند الجمهور وإنما تكره ويفطر بها عند الحنابلة ولا يفطر بإنزال المذي عند الحنفية والشافعية، ويفطر عند المالكية والحنابلة في حال التقبيل أو المباشرة فيما دون الفرج، أما في حالة تكرار النظر فال يفطر به عند الحنابلة، ويفطر في رأي المالكية به أو بالتفكر عند الاستدامة أو الاعتياد، وتتداخل الكفارة فلا تجب إلا واحدة بتكرر الإفطار في أيام عند الحنفية وتتعدد الكفارة بتعدد الإفطار في أيام مختلفة عند الشافعية والحنابلة والمالكية. وأجمع العلماء على أن من ارتد يفسد صومه، فإذا عاد إلى الإسلام في نفس اليوم عليه القضاء وسواء كانت الردة باعتقاد ما يكفر أو التلفظ بكلمة الكفر أو رد ما هو قطعي متواتر ونحو ذلك مما هو ناقض للشهادتين. - قضاء الصوم وحكمه: يجب باتفاق الفقهاء على من أفطر يوماً وأكثر من رمضان، بعذر كالمرض والسفر والحيض ونحوه، أو بغير عذر كترك النية عمداً أو سهواً على التفصيل في وقت النية كما مر معنا. ويأثم المفطر بلا عذر، ووقت قضاء رمضان ما بعد انتهائه ويندب تعجيل القضاء إبراء للذمة ومسارعة إلى إسقاط الواجب، ويكره لمن عليه قضاء رمضان أن يتطوع بصوم، وأما إذا أخر القضاء حتى دخل رمضان أخر فقال الجمهور: يجب عليه بعد صيام رمضان

- الكفارة وموجبها

الداخل القضاء والفدية. وقال الحنفية: لا فدية عليه سواء أكان التأخير بعذر أم بغير عذر. وتتكرر الفدية عند الشافعية بتكرر الأعوام. واتفق أكثر الفقهاء على أنه يستحب موالاة القضاء أو تتابعه لكن لا يشترط التتابع والفور في قضاء رمضان. - الكفارة وموجبها: إفساد صوم رمضان خاصة عمداً قصداً لانتهاك حرمة الصوم من غير مبيح للفطر، فلا كفارة على من أفطر في قضاء رمضان عند الجمهور ولا كفارة على الناسي والمكره. والكفارة واجبة بالفطر في رمضان فقط دون غيره إن افطر فيه لدى الحنفية والمالكية منتهكاً لحرمته، أي غير مبال بها بأن تعمدها اختياراً بلا تأويل قريب على حد تعبير المالكية. وكان الفطر بجماع ونحوه وبأكل ونحوه عند الحنفية والمالكية. وأنواع الكفارة: ثلاثة: عتق، وصيام، وإطعام: فالعتق تحرير رقبة مؤمنة عند الجمهور غير الحنفية، وقال الحنفية: ولو كانت غير مؤمنة، والصيام عند العجز عن الرقبة: صيام شهرين متتابعين ليس فيهما يوم عيد ولا أيام التشريق، ولا يجزئه الصوم إن قدر على العتق قبل البدء بالصوم فلو قدر على العتق في أثناء الصوم ولو في آخر يوم لزمه العتق عندا لحنفية ولم يلزمه عند الجمهور الانتقال عن الصوم إلى العتق، إلا أن يشاء أن يعتق فيجزئه، ويكون قد فعل الأولى أي يندب له عتق الرقبة، ولا يستأنف إن أفطر ناسياً أو لعذر، أو لغلط في العدد، ولا يضر الفطر بحيض ونفاس وجنون وإغماء مستغرق لأن كلاً منها ينافي الصوم مع كونه اضطرارياً. والإطعام عند عدم استطاعة الصوم: إطعام ستين مسكيناً، لكل مسكين عند الجمهور مد من القمح بمد النبي صلى الله عليه وسلم أو نصف صاع من تمر أو شعير، وعند الحنفية مدان أو يغديهم ويعشيهم غداء وعشاء مشبعين أو غدائين أو عشائين، والأصح عند الشافعية: أن له العدول عن الصوم إلى الإطعام لغلمة: أي شدة الحاجة للنكاح. - حكم الفدية: الوجوب وسببها: 1 - العجز عن الصيام فتجب باتفاق الفقهاء على من لا يقدر على الصوم بحال، وهو الشيخ الكبير والعجوز، إذا كان يجهدهما الصوم ويشق عليهما مشقة شديدة فلهما أن يفطرا ويطعما لكل يوم مسكيناً.

2 - وتجب الفدية أيضاً بالاتفاق على المريض الذي لا يرجى برؤه، لعدم وجوب الصوم عليه. 3 - وتجب الفدية كذلك عند الجمهور (غير الحنفية) مع القضاء على الحامل والمرضع إذا خافتا على ولدهما، أما إن خافتا على أنفسهما، فلهما الفطر وعليهما القضاء فقط بالاتفاق. ولا تجب عليهما الفدية مطلقاً عند الحنفية. 4 - وتجب الفدية أيضاً مع القضاء عند الجمهور (غير الحنفية) على من فرط في قضاء رمضان، فأخره حتى جاء رمضان آخر مثله بقدر ما فاته من الأيام ولا تجب الفدية على من اتصل عذره. تجزئ كفارة واحدة عند الحنفية عن جماع وأكل متعمد متعدد في أيام لم يتخلله تكفير، ولو من رمضانين على الصحيح، فإن تخلل تكفير لا تكفي كفارة واحدة في ظاهر الرواية، ومن عجز عن الكفارة استقرت في ذمته، والمعتبر حاله حين التكفير فإن قدر على خصلة فعلها. رأي الحنفية: أن الكفارة تسقط بعد الإفطار بطروء حيض أو نفاس أو مرض مبيح للفطر في يومه الذي أفسده عامداً. انظر فيما مضى: (الهداية وفتح القدير: 2/ 327 - 350)، (القوانين الفقهية: 80، 81، 83)، (الشرح الصغير: 1/ 698 - 762)، (المهذب 1/ 183 - 185)، (المغني: 3/ 102 فما بعدها)، (الفقه الإسلامي 2/ 652 فما بعدها).

- حكم القيء

- حكم القيء: 3760 - * روى الترمذي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمداً فليقض". وعند أبي داود (1) "من ذرعه القيء وهو صائم، فليس عليه قضاء، ومن استقاء فليقض". لا يعتبر الفيء مفطراً عند الحنفية ولو استقاء إذا كان أقل من ملء الفم، فهم قد حملوا الحديث على من استقاء ملء الفم. 3761 - * روى مالك عن نافع مولى ابن عمر أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول: "من استقاء وهو صائم، فعليه القضاء، ومن ذرعه القيء فليس عليه قضاء". أقول: إن كان قد ذرعه القيء حتى لو رجع شيء قليل فليس عليه القضاء عند الحنفية أما لو رجع شيء كثير فعليه القضاء. 3762 - * روى ابن خزيمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا استقاء الصائم أفطر، وإذا ذرعه القيء لم يفطر". 3763 - * روى البزار عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا يفطرن الصائم: القيء والحجامة والاحتلام".

_ 3760 - الترمذي (3/ 98) 6 - كتاب الصوم، 25 - باب ما جاء فيمن استقاء عمداً. (1) أبو داود (2/ 310) كتاب الصوم، باب الصائم يستقيء عامداً، وهو حديث صحيح. (ذرعه القيء): إذا خرج من غير استدعاء ولا اقتضاء. 3761 - الموطأ (1/ 304) 18 - كتاب الصيام، 17 - باب ما جاء في قضاء رمضان والكفارات، وإسناده صحيح. 3762 - ابن خزيمة (3/ 226) كتاب الصيام، 67 - باب ذكر إيجاب الصوم عن المستقيء عمداً ... إلخ وإسناده صحيح. 3763 - كشف الأستار (1/ 478، 479) كتاب الصيام، باب. مجمع الزوائد (3/ 170) وقال الهيثمي: رواه البزار بإسنادين وصحح أحدهما وظاهره الصحة.

- الحجامة للصائم

3764 - * روى أبو داود عن معدان بن أبي طلحة أن أبا الدرداء حدثه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر، فلقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد دمشق، فقلت: إن أبا الدرداء حدثني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر، قال: صدق، وأنا صببت له وضوءه". أقول: هذا محمول عند الحنفية في حال صحة الحديث على أن القيء كان في غير رمضان، أو كان في رمضان كأثر عن مرض يبيح الفطر. - الحجامة للصائم: 3765 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم". وعند أبي داود (1) "أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم". وفي أخرى (2) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم صائماً محرماً". وعند الترمذي (3) "احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم صائم". وفي رواية أخرى (4) "احتجم فيما بين مكة والمدينة وهو محرم صائم". وفي أخرى (5) "احتجم وهو صائم".

_ 3764 - أبو داود: نفس الموضع السابق ص 311. الترمذي (1/ 143) أبواب الطهارة، 64 - باب ما جاء في الوضوء من القيء والرعاف، وإسناده حسن. ابن خزيمة (3/ 224) كتاب الصيام، 66 - باب ذكر البيان أن الاستقاء على العمد يفطر الصائم. قال البيهقي: هذا حديث مختلف في إسناده، فإن صح فهو محمول على القيء عامداً، وكأنه صلى الله عليه وسلم كان صائماً تطوعاً، وقال في موضع آخر: إسناده مضطرب ولا تقوم به حجة، كذا في النيل (4/ 216). 3765 - البخاري (4/ 174) 30 - كتاب الصوم، 32 - باب الحجامة والقيء للصائم. مسلم (2/ 862) 15 - كتاب الحج، 11 - باب جواز الحجامة للمحرم. (1) أبو داود (2/ 309) كتاب الصوم، باب في الرخصة في ذلك. (2) أبو داود: نفس الموضع السابق. (3) الترمذي (3/ 146) 6 - كتاب الصوم، 61 - باب ما جاء من الرخصة في ذلك. (4) الترمذي: نفس الموضع السابق ص 147. (5) الترمذي: نفس الموضع السابق ص 147.

وقد أعلَّ العلماء الروايات التي تجمع بين الصيام والإحرام والحجامة، والصواب رواية البخاري ومسلم: احتجم وهو صائم واحتجم وهو محرم ... فجمع بعض الرواة اللفظتين فوقع الوهم. 3766 - * روى أبو داود عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: "ما كنا ندع الحجامة للصائم إلا كراهية الجهد". وعند البخاري (1): قال ثابت البناني "سئل أنس بن مالك: أكنتم تكرهون الحجامة للصائم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا، إلا من أجل الضعف". الحجامة: أخذ دم من الإنسان على طريقة معينة ومثلها في الحكم: أخذ الدم المعتاد في عصرنا. 3767 - * روى مالك عن محمد بن شهاب الزهري (رحمه الله) "أن سعد بن أبي وقاص، وابن عمر، كانا يحتجمان وهما صائمان". 3768 - * روى مالك عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) "كان يحتجم وهو صائم، ثم ترك ذلك بعد، فكان إذا صام لم يحتجم حتى يفطر". 3769 - * روى البزار عن أبي سعيد قال: إنما كرهت الحجامة للصائم من أجل الضعف. 3770 - * روى الترمذي عن رافع بن خديج (رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفطر الحاجم والمحجوم".

_ 3766 - أبو داود: نفس الموضع السابق ص 309. (1) البخاري: نفس الموضع السابق. 3767 - الموطأ (1/ 298) 18 - كتاب الصيام، 10 - باب ما جاء في حجامة الصائم، وهو حسن لغيره. 3768 - الموطأ: نفس الموضع السابق، وإسناده صحيح. 3769 - كشف الأستار (1/ 476، 477) كتاب الصيام، باب كراهة الحجامة للصائم. مجمع الزوائد (3/ 169) وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله ثقات. 3770 - الترمذي (3/ 144) 6 - كتاب الصوم، 60 - باب كراهية الحجامة للصائم. قال محقق الجامع: إسناده صحيح، ولكنه منسوخ، فقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في الحجامة للصائم.

قال ابن الأثير: (أفطر الحاجم والمحجوم) من ذهب إلى أن الحجامة تفطر فهو ظاهر، ومن قال: إنها لا تفطر، فمعناه: أنهما تعرَّضا للإفطار، أما المحجوم: فللضعف الذي يلحقه من ذلك، فربما أعجزه عن الصوم، وأما الحاجم: فلا يأمن أن يصل إلى حلقه شيء من دم المحجوم فيبلعه، أو من طعمه، وهذا كما يقال: أهلك فلان نفسه: إذا كان يتعرض للمهالك، وكقوله صلى الله عليه وسلم: "من جعل قاضياً فقد ذبح بغير سكين" يريد أنه قد تعرض للذبح، وقيل: هذا على سبيل الدعاء عليهما، كقوله عليه الصلاة والسلام فيمن صام الدهر: "لا صام ولا أفطر" المعنى: بطل أجرهما، فكأنهما صارا مفطرين غير صائمين. أقول: اتفق العلماء على أن الحاجم والمحجوم لا يفطران والنصوص الواردة في إفطار الحاجم والمحجوم إما أنها منسوخة وإما أنها محمولة على وجه من وجوه المجاز، أو أنها محمولة على أن إفطار الحاجم والمحجوم كان في حادثة خاصة ولسبب عارض، والفطر في هذه الحالة محمول على أنه ذهاب الأجر. 3771 - * روى البزار عن أبي رافع أنه دخل على أبي موسى وهو يحتجم ليلاً فقال لو كان نهاراً فقال: تأمرني أن أهريق دمي وأنا صائم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفطر الحاجم والمحجوم". 3772 - * روى الطبراني عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا طيبة فوضع المحاجم مع غيبوبة الشمس ثم أمره مع إفطار الصائم فحجم ثم سأله "كم خراجك؟ " قال صاعين فوضع النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً. 3773 - * روى أبو داود عن ثوبان (رضي الله عنه) أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "أفطر الحاجم والمحجوم".

_ 3771 - كشف الأستار (1/ 475) كتاب الصيام، باب كراهة الحجامة للصائم. مجمع الزوائد (3/ 169) وقال الهيثمي: رواه البزار والطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح خلا شيخ البزار وهو ثقة لم يتكلم فيه أحد. 3772 - مجمع الزوائد (3/ 169) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. 3773 - أبو داود (2/ 308) كتاب الصوم، باب في الصائم يحتجم، وهو حديث صحيح.

- الكحل للصائم

3774 - * روى أبو داود عن شداد بن أوس (رضي الله عنه) قال: "بينما هو يمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكر نحوه. وفي رواية (1) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى رجلاً بالبقيع وهو يحتجم، وهو آخذ بيدي، لثمان عشرة خلت من رمضان، فقال: أفطر الحاجم والمحجوم". - الكحل للصائم 3775 - * روى أبو داود عن أنس بن مالك "أنه كان يكتحل وهو صائم". 3776 - * روى الترمذي عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: اشتكت عيني، أفأكتحل وأنا صائم؟ قال: نعم". أقول: من المعلوم أن الدهون ترشح إلى داخل جسم الإنسان من خلال المسام فليس كل رشح إلى داخل الجسم يفطر، وعلى هذا فقد أخطأ الحنفية ومن وافقهم ممن قال إن الكحل والقطرة في العين يفطران بسبب الإحساس بالكحل أو بالقطرة في الحلق، فما ذلك إلا رشح. القبلة للصائم إن كان يملك نفسه: 3777 - * روى الشيخان عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: "إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقبِّل بعض أزواجه وهو صائم، ثم ضحكت".

_ 3774 - أبو داود: نفس الموضع السابق. (1) أبو داود: نفس الموضع السابق، وهذا الحديث والذي قبله منسوخان أيضاً. ابن ماجه (1/ 537) 7 - كتاب الصيام، 18 - باب ما جاء في الحجامة للصائم، وإسناده صحيح. الدارمي (2/ 14، 15) كتاب الصوم، باب الحجامة تفطر الصائم. 3775 - أبو داود (2/ 310) كتاب الصوم، باب في الكحل عند النوم للصائم، وإسناده لا بأس به كما قال الحافظ في "التلخيص". 3776 - الترمذي (3/ 105) 6 - كتاب الصوم، 30 - باب ما جاء في الكحل للصائم. قال الحافظ في "التلخيص": 2/ 191: ورواه أبو داود من فعل أنس، ولا بأس بإسناده، وفي الباب عن بريرة مولاة عائشة في الطبراني "الأوسط" وعن ابن عباس في "شعب الإيمان" للبيهقي بإسناد جيد. 3777 - البخاري (4/ 152) 30 - كتاب الصوم، 24 - باب القبلة للصائم. مسلم (2/ 776) 13 - كتاب الصيام، 12 - باب بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة ... إلخ.

وفي أخرى (1) قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يُقبِّل ويباشر وهو صائم، وكان أملككم لإربه". ولمسلم (2) عن عروة "أن عائشة أخبرته: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبِّلها وهو صائم". وفي رواية (3) ابن عيينة قال: "قلت لعبد الرحمن بن القاسم: أسمعت أباك يحدِّ عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم؟ فسكت ساعة، ثم قال: نعم". وفي أخرى (4) قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلني وهو صائم، وأيكم يملك إربه، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه؟ ". وفي أخرى (5) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم، وكان أملككم لإربه، وأنه كان يباشر وهو صائم". وفي أخرى (6) "أنه كان يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، ولكنه أملككم لإربه". وفي أخرى (7) قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل في شهر الصوم". وفي أخرى (8) "يقبِّل وهو صائم في رمضان". وأخرج (9) الموطأ الرواية الأولى، وله في أخرى (10) "بلغه: أن عائشة رضي الله عنها كانت إذا ذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبِّل وهو صائم، تقول: وأيكم أملك لنفسه من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ". وللترمذي (11) "أنه كان يباشرني وهو صائم، وكان أملككم لإربه".

_ (1) البخاري (4/ 149) 30 - كتاب الصوم، 23 - باب المباشرة للصائم. (2) مسلم: نفس الموضع السابق ص 778. (3) مسلم: نفس الموضع السابق ص 776. (4) مسلم: نفس الموضع السابق ص 777. (5) مسلم: نفس الموضع السابق ص 777. (6) مسلم: نفس الموضع السابق ص 777. (7) مسلم: نفس الموضع السابق ص 778. (8) مسلم: نفس الموضع السابق ص 778. (9) الموطأ (1/ 292) 18 - كتاب الصيام، 5 - باب ما جاء في الرخصة في القبلة للصائم. (10) الموطأ (1/ 293) 18 - كتاب الصيام، 6 - باب ما جاء في التشديد في القبلة للصائم. (11) الترمذي (3/ 107) 6 - كتاب الصوم، 32 - باب ما جاء في مباشرة الصائم.

أقول: من قول عائشة: (وكان أملككم لإربه) فهم بعض الفقهاء أن من كان يخشى عليه أن تجره مقدمات الجماع إلى الجماع، فالقبلة وغيرها من مقدمات الجماع في حقه مكروهة. 3778 - * روى مسلم عن عمر بن أبي سلمة- ربيب النبي صلى الله عليه وسلم- "أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيقبل الصائم؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: سل هذه- لأم سلمة- فأخبرته: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، فقال: يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما والله، إني لأتقاكم لله، وأخشاكم له". وفي رواية (1) الموطأ عن عطاء بن يسار "أن رجلاً قبَّل امرأته وهو صائم في رمضان، فوجد من ذلك وجداً شديداً، فأرسل امرأته، فسألت أم سلمة، فأخبرتها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله، فأخبرت زوجها، فزاده ذلك شراً، وقال: لسنا مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن الله يحل لرسوله ما شاء، ثم رجعت امرأته إلى أم سلمة فوجدت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لهذه المرأة؟ فأخبرته أم سلمة، فقال: ألا أخبرتيها أني أفعل ذلك؟ قالت: قد أخبرتها، فذهبت إلى زوجها فأخبرته، فزاده ذلك شراً، وقال: لسنا مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحل الله لرسوله ما شاء، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: والله إني لأتقاكم لله، وأعلمكم بحدوده". 3779 - * روى مسلم عن حفصة (رضي الله عنها) قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبِّل وهو صائم".

_ (يقبِّل ويباشر) المباشرة أراد بها: الملامسة والمداعبة. (أملككم لإربه) يروى "لإربه" بكسر الهمزة وسكون الراء، وهو الإرب المخصوص، ويعني: الذكر، ويروى بفتح الهمزة والراء، والإرب: الحاجة، وأرادت به حاجة الجماع. 3778 - مسلم (2/ 779) 13 - كتاب الصيام، 12 - باب بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته. (1) الموطأ (1/ 291) 18 - كتاب الصيام، 5 - باب ما جاء في الرخصة في القبلة للصائم، وهي عند أحمد برجال الصحيح. 3779 - مسلم: نفس الموضع السابق ص 779.

3780 - * روى ابن خزيمة عن عائشة، قالت: أهوى إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقبلني، فقلت: إني صائمة. قال: "وأنا صائم"، فقبلني. 3781 - * روى ابن خزيمة عن ابن عباس قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصيب من الرؤوس وهو صائم". أقول: أي يقبل رؤوس أزواجه. 3782 - * روى ابن خزيمة عن عائشة، قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يظل صائماً لا يبالي ما قبل من وجهي حتى يفطر". وقال يوسف: "فقبل ما شاء من وجهي". وقال الزعفراني: "فقبَّل أي مكان شاء من وجهي". 3783 - * روى ابن خزيمة عن عمر بن الخطاب أنه قال: هششت يوماً، فقبَّلت وأنا صائم، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: صنعت اليوم أمراً عظيماً. قبلت وأنا صائم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم"؟ قال: فقلت: لا بأس بذلك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال الربيع أظنه قال- "ففيم"؟. 3784 - * روى مالك عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنها) "كان يرخص فيها للشيخ الكبير، ويكرهها للشاب" أخرجه الموطأ، وهذا لفظه "أنه سئل عن القبلة للصائم؟ فأرخص فيها للشيخ الكبير وكرهها للشاب". قال ابن عبد البر: أظن من فرق بينهما ذهب إلى قول عائشة: أيكم أملك لإربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: أملك لنفسه وشهوته، قال: وروى البيهقي بإسناد صحيح عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم رخص في القبلة للشيخ، وهو صائم ونهى عنها الشاب، وقال: الشيخ يملك إربه، والشاب يفسد صومه، ففهم من التعليل: أنه دائم مع تحريك الشهوة بالمعنى

_ 3780 - ابن خزيمة (3/ 247) كتاب الصيام، 86 - باب الرخصة في قبلة الصائم المرأة الصائمة، وإسناده حسن. 3781 - ابن خزيمة (3/ 246) كتاب الصيام، 84 - باب الرخصة في قبلة الصائم رؤوس النساء ووجوههن ... إلخ، وإسناده صحيح. 3782 - ابن خزيمة: نفس الموضع السابق، وإسناده صحيح. 3783 - ابن خزيمة (3/ 245) كتاب الصيام، 82 - باب: تمثيل النبي صلى الله عليه وسلم قبلة الصائم بالمضمضة منه بالماء، وإسناده صحيح. 3784 - الموطأ (1/ 293) 18 - كتاب الصيام، 6 - باب ما جاء في التشديد في القبلة، وإسناده صحيح.

المذكور، وأن التعبير بالشيخ والشاب جرى على الغالب من أحوال الشيوخ في انكسار شهوتهم وأحوال الشباب في قوتها، فلو انعكس الأمر لانعكس الحكم. 3785 - * روى مالك عن نافع- مولى ابن عمر- (رضي الله عنهم) أن عبد الله بن عمر "كان ينهى عن القبلة والمباشرة للصائم". أقول: تأتي المباشرة بمعنى الجماع، وتأتي بمعنى مس البشرة فيما دون الجماع، وقد وردت كلمة المباشرة في القرآن وأريد بها الجماع وهو مباح في الليل محرم في النهار للصائم، وجاءت المباشرة في السنة وأريد بها مس البشرة بالبشرة فيما دون الجماع، وهي مباحة للصائم إن لم تؤد إلى محظور، وبهذه المناسبة قال ابن خزيمة رحمه الله: "إنما خاطب الله جل ثناؤه نبيه صلى الله عليه وسلم وأمته بلغة العرب أوسع اللغات كلها، التي لا يحيط بعلم جميعها أحد غير نبي، والعرب في لغاتها توقع اسم الواحد على شيئين، وعلى أشياء ذوات عدد، وقد يسمى الشيء الواحد بأسماء، وقد يزجر الله عن الشيء، ويبيح شيئاً آخر غير الشيء المزجور عنه، ووقع اسم الواحد على الشيئين جميعاً على المباح وعلى المحظور، وكذلك قد يبيح الشيء المزجور عنه ووقع اسم الواحد عليهما جميعاً، فيكون اسم الواحد واقعاً على الشيئين المختلفين، أحدهما مباح، والآخر محظور، واسمهما واحد. فلم يفهم هذا من سفه لسان العرب، وحمل المعنى في ذلك على شيء واحد، يوهم أن الأمرين متضادان، إذ أبيح فعل مسمى باسم وحظر فعل تسمى بذلك الاسم سواء. فمن كان هذا مبلغه من العلم، لم يحل له تعاطي الفقه ولا الفُتيا، ووجب عليه التعلم أو السكت إلى أن يدرك من العلم ما يجوز معه الفُتيا وتعاطي العلم. ومن فهم هذه الصناعة علم أن ما أبيح غير ما حظر، وإن كان اسم الواحد قد يقع على المباح وعلى المحظور جميعاً فمن هذا الجنس الذي ذكرت أن الله عز وجل دل في كتابه أن مباشرة النساء في نهار الصوم غير جائز لقوله تبارك وتعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ، وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ، ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (1) فأباح الله عز وجل مباشرة النساء والأكل والشرب بالليل، ثم أمرنا بإتمام الصيام إلى

_ 3785 - الموطأ: نفس الموضع السابق، وإسناده صحيح. (1) البقرة: 187.

- الجنابة لا تفطر الصائم

الليل على أن المباشرة المباحة بالليل المقرونة إلى الأكل والشرب هي الجماع المفطر للصائم، وأباح الله بفعل النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم المباشرة التي هي دون الجماع في الصيام، إذ كان يباشر وهو صائم. والمباشرة التي ذكر الله في كتابه أنها تفطِّر الصائم هي غير المباشرة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يباشرها في صيامه. والمباشرة اسم واحد واقع على فعلين، إحداهما مباحة في نهار الصوم، والأخرى محظورة في نهار الصوم مفطرة للصائم. ومن هذا الجنس قوله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) (1) فأمر ربنا جل وعلا بالسعي إلى الجمعة، والنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، ايتوها تمشون وعليكم السكينة". فاسم السعي يقع على الهرولة، وشدة المشي، والمضي إلى الموضع. فالسعي الذي أمر الله به أن يسعى إلى الجمعة هو المضي إليها، والسعي الذي زجر النبي صلى الله عليه وسلم عنه عند إتيان الصلاة هو الهرولة وسرعة المشي، فاسم السعي واقع على فعلين، أحدهما مأمور، والآخر منهي عنه. - الجنابة لا تفطر الصائم: 3786 - * روى الشيخان عن عائشة وأم سلمة (رضي الله عنهما) قالتا: "إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصبح جنباً من جماع، غير احتلام، في رمضان ثم يصوم". وفي أخرى (2) عن عبد الرحمن بن أبي بكر "أن مروان أرسله إلى أم سلمة، يسأل عن الرجل يصبح جنباً، أيصوم؟ فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً من جماع، لا حلم، ثم لا يفطر ولا يقضي". وفي أخرى (3) قالت عائشة: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يدركه الفجر في رمضان جنباً من غير

_ (1) الجمعة: 9. 3786 - البخاري (4/ 153) 30 - كتاب الصوم، 25 - باب اغتسال الصائم. مسلم (2/ 780، 781) 13 - كتاب الصيام، 13 - باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب. (2) مسلم: نفس الموضع السابق ص 780. (3) البخاري: نفس الموضع السابق.

حلم، فيغتسل ويصوم". وفي رواية (1) للبخاري: قال أبو بكر بن عبد الرحمن: "كنت أنا وأبي، فذهبت معه حتى دخلنا على عائشة، فقالت: أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كان ليصبح جنباً من جماع غير احتلام، ثم يصوم، ثم دخلنا على أم سلمة فقالت مثل ذلك". وفي أخرى (2) لمسلم: أن أم سلمة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً من غير احتلام، ثم يصوم". وفي أخرى (3) للبخاري عن أبي بكر بن عبد الرحمن "أن أباه عبد الرحمن: أخبر مروان: أن عائشة وأم سلمة أخبرتاه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله، ثم يغتسل ويصوم، فقال مروان لعبد الرحمن: أقسم بالله لتقرعن بها أبا هريرة، ومروان يومئذ على المدينة، قال أبو بكر: فكره ذلك عبد الرحمن، ثم قدِّر لنا أن نجتمع بذي الحليفة، وكانت لأبي هريرة هنالك أرض، فقال عبد الرحمن لأبي هريرة: إني ذاكر لك أمراً، ولولا مروان أقسم علي فيه لم أذكر قول عائشة وأم سلمة، فقال: كذلك حدثني الفضل بن العباس، وهن أعلم". وفي رواية (4) عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي بكر عند مسلم قال: "سمعت أبا هريرة يقص، يقول في قصصه: من أدركه الفجر جنباً فلا يصوم، فذكرت ذلك لعبد الرحمن- يعني: لأبيه- فأنكر ذلك، فانطلق عبد الرحمن، وانطلقت معه، حتى دخلنا على عائشة وأم سلمة فسألهما عبد الرحمن عن ذلك، فكلتاهما قالتا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً من غير حلم، ثم يصوم، قال: فانطلقنا حتى دخلنا على مروان، فذكر ذلك له عبد الرحمن، فقال مروان: عزمت عليك إلا ما ذهبت إلى أبي هريرة ورددت عليه ما يقول، قال: فجئنا أبا هريرة- وأبو بكر حاضر ذلك كله- فذكر

_ (1) البخاري: نفس الموضع السابق. (2) مسلم: نفس الموضع السابق ص 781. (3) البخاري (4/ 143) 30 - كتاب الصوم، 22 - باب الصائم يصبح جنباً. (4) مسلم: نفس الموضع السابق ص 779، 780.

له عبد الرحمن، فقال أبو هريرة: أهما قالتا لك؟ قال: نعم، قال: هما أعلم. ثم رد أبو هريرة ما كان يقول في ذلك إلى الفضل بن العباس، فقال أبو هريرة: سمعت ذلك من الفضل، ولم أسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فرجع أبو هريرة عما كان يقول في ذلك". قال يحيى بن سعيد: قلت لعبد الملك: أقالتا "في رمضان؟ " قال: كذلك "كان يصبح جنباً من غير حلم، ثم يصوم". وفي رواية أخرى لمسلم (1) عن عائشة "أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستفتيه- وهي تسمع من وراء الباب- فقال: يا رسول الله: تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم، فقال: لست مثلنا يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال: والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأعلمكم بما أتقي". وفي رواية النسائي (2): قال سليمان بن يسار: "دخلت على أم سلمة، فحدثتني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنباً من غير احتلام، ثم يصوم". وحدثنا مع هذا الحديث أنها حدثته: "أنها قرَّبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم مشوياً، فأكل منه، ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ". قال ابن خزيمة: أحال- أي أبو هريرة- الخبر على مليء صادق بار في خبره إلا أن الخبر منسوخ لا أنه وهم ولا غلط، وذلك أن الله تبارك وتعالى عند ابتداء فرض الصوم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم كان حظر عليهم الأكل والشرب في ليل الصوم بعد النوم، وكذلك الجماع، فيشبه أن يكون خبر الفضل بن العباس: "من أصبح وهو جنب فلا يصوم في ذلك الوقت" قبل أن يبيح الله الجماع إلى طلوع الفجر، فلما أباح الله تعالى الجماع إلى طلوع الفجر كان للجنب إذا أصبح قبل أن يغتسل أن يصوم ذلك اليوم، إذ الله عز وجل لما أباح الجماع إلى طلوع الفجر كان العلم محيطاً بأن المجامع قبل طلوع الفجر يطرقة فاعلاً ما قد أباحه الله له في نص تنزيله، ولا سبيل لمن هذا فعله إلى الاغتسال إلا بعد طلوع الفجر،

_ (1) مسلم: نفس الموضع السابق ص 781. (2) النسائي (1/ 108) 1 - كتاب الطهارة، 123 - باب ترك الوضوء مما غيرت النار.

- عدم فطر من أكل أو شرب وهو ناس

ولو كان إذا أدركه الصبح قبل أن يغتسل لم يجز له الصوم، كان الجماع قبل طلوع الفجر بأقل وقت يمكن الاغتسال فيه محظوراً غير مباح. وفي إباحة الله عز وجل الجماع في جماع الليل بعدما كان محظوراً بعد النوم، بان وثبت أن الجنابة الباقية بعد طلوع الفجر بجماع في الليل مباح لا يمنع الصوم. فخبر عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما في صوم النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما كان يدركه الصبح جنباً ناسخ لخبر الفضل بن عباس، لأن هذا الفعل من النبي صلى الله عليه وسلم يشبه أن يكون بعد نزول إباحة الجماع إلى طلوع الفجر. - عدم فطر من أكل أو شرب وهو ناس: 3787 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من نسي وهو صائم، فأكل أو شرب، فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه". وعند الترمذي (1) "من أكل أو شرب ناسياً فلا يفطر، فإنما هو رزق رزقه الله". وعند أبي داود (2) "أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله: أكلت وشربت ناسياً وأنا صائم؟ فقال: الله أطعمك وسقاك". 3788 - * روى الطبراني عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أكل أو شرب ناسياً في رمضان فلا قضاء عليه ولا كفارة". - من ظن أن الشمس غربت فأفطر ولم تكن غربت عليه القضاء فقط: 3789 - * روى البخاري عن أسماء بنت أبي بكر (رضي الله عنها) قالت: "أفطرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم غيم، ثم طلعت الشمس. وقيل لهشام: أفأمروا بالقضاء؟

_ 3787 - (البخاري (4/ 155) 30 - كتاب الصوم، 26 - باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسياً. مسلم (2/ 809) 13 - كتاب الصيام، 33 - باب أكل الناسي وشربه وجماعه لا يفطر. (1) الترمذي (3/ 100) 6 - كتاب الصوم، 26 - باب ما جاء في الصائم يأكل أو يشرب ناسياً. (2) أبو داود (2/ 315) كتاب الصوم، باب من أكل ناسياً. 3788 - مجمع الزوائد (3/ 157، 158) قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وفيه محمد بن عمرو، وحديثه حسن. 3789 - البخاري (4/ 199) 30 - كتاب الصوم، 46 - باب إذا أفطر في رمضان ثم طلعت الشمس. أبو داود (2/ 306) كتاب الصوم، باب الفطر قبل غروب الشمس.

- في القضاء

قال: بد من قضاء؟ ". قوله: (بد من قضاء) استفهام إنكار محذوف الأداة، والمعنى: لابد من قضاء، ووقع في رواية أبي ذر: لابد من القضاء. - في القضاء: 3790 - * روى مالك عن مولى ابن عمر (رضي الله عنهم) أن ابن عمر كان يقول: "يصوم قضاء رمضان متتابعاً من أفطر من مرض أو في سفر". قال الزرقاني في (شرح الموطأ): مذهب ابن عمر وجوب تتابع القضاء، وكذا روي عن علي والحسن والشعبي، وبه قال أهل الظاهر، وذهب الجمهور، ومنهم الأئمة الأربعة إلى استحبابه فقط، وبه قال جمع من الصحابة، وإن كان القياس التتابع إلحاقاً لصفة القضاء بصفة الأداء، وتعجيلاً لبراءة الذمة، ولكن لم يجب لإطلاق الآية. 3791 - * روى الشيخان عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: "كان يكون علي الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان". قال يحيى بن سعيد "ذلك عن الشغل من النبي صلى الله عليه وسلم، أو بالنبي صلى الله عليه وسلم". وفي رواية (1) "وذلك لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم". ولمسلم (2) قالت: "إن كانت إحدانا لتفطر في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فما تقدر على أن تقضيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأتي شعبان". وعند الموطأ (3) وأبي داود (4) قالت: "إن كان علي الصيام من رمضان، فما أستطيع

_ 3790 - الموطأ (1/ 304) 18 - كتاب الصيام، 17 - باب ما جاء في قضاء رمضان والكفارات، وإسناده صحيح. 3791 - البخاري (4/ 189) 30 - كتاب الصوم، 40 - باب متى يقضى قضاء رمضان. مسلم (2/ 802، 803) 13 - كتاب الصيام، 26 - باب قضاء رمضان في شعبان. (1) مسلم: نفس الموضع السابق ص 803. (2) مسلم: نفس الموضع السابق ص 803. (3) الموطأ (1/ 308) 18 - كتاب الصيام، 20 - باب جامع قضاء الصيام. (4) أبو داود (2/ 315) كتاب الصوم، باب تأخير قضاء رمضان.

- في الصوم عن الميت الذي عليه قضاء الصوم

أصومه حتى يأتي شعبان". وفي رواية الترمذي (1) قالت: "ما كنت أقضي ما يكون علي من رمضان إلا في شعبان، حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم". 3792 - * روى مالك عن القاسم بن محمد (رحمه الله) أنه كان يقول: "من كان عليه قضاء رمضان، فلم يقضه وهو قوي على صيامه حتى جاء رمضان آخر، فإنه يطعم مكان كل يوم مسكيناً مداً من حنطة، وعليه مع ذلك القضاء". أقول: وجوب الفدية مع القضاء قال به بعض الأئمة، ولم يره الحنفية وآخرون. - في الصوم عن الميت الذي عليه قضاء الصوم: 3793 - * روى النسائي عن ابن عباس قال: "لا يصلي أحدٌ عن أحدٍ ولا يصوم أحدٌ عن أحدٍ ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مد من حنطة". 3794 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما): "من مات وعليه صيام شهر، فليطعم مكان كل يوم مسكيناً". وقال الترمذي: واختلف أهل العلم في هذا الباب، فقال بعضهم: يصام عن الميت، وبه يقول أحمد وإسحاق، قالا: إذا كان على الميت نذر صيام يصام عنه، وإذا كان عليه قضاء رمضان أطعم عنه، وقال مالك وسفيان والشافعي: لا يصوم أحدٌ عن أحدٍ. 3795 - * روى الشيخان عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مات وعليه صوم صام عنه وليه".

_ (1) الترمذي (3/ 152) 6 - كتاب الصوم، 66 - باب ما جاء في تأخير قضاء رمضان. 3792 - الموطأ (1/ 308) 18 - كتاب الصيام، 19 - باب فدية من أفطر في رمضان من علة، وإسناده صحيح. 3793 - أخرجه النسائي في الكبرى بإسناد صحيح. انظر نصب الراية 2/ 463، والجوهر النقي 3/ 257. 3794 - الترمذي (3/ 96) 6 - كتاب الصوم، 23 - باب ما جاء في الكفارة، وأخرجه الترمذي مرفوعاً وقال: والصحيح عن ابن عمر موقوف من قوله. 3795 - البخاري (4/ 192) 30 - كتاب الصوم، 42 - باب من مات وعليه صوم. مسلم (2/ 803) 13 - كتاب الصيام، 27 - باب قضاء الصيام عن الميت. أبو داود (2/ 315) كتاب الصوم، باب فيمن مات وعليه صيام، وقال أبو داود: هذا في النذر.

قال ابن الأثير (صام عنه وليه) هذا فيه مذهبان، أحدهما: أن يصوم الولي عن المولى عليه، وإليه ذهب قوم من أصحاب الحديث، وهو مذهب الشافعي في القول القديم، والآخر: أن يكون المراد به: الكفارة، فعبر عنها بالصوم إذ كانت تلازم الصوم، وعلى هذا أكثر الفقهاء. 3796 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: إذا مرض الرجل في رمضان، ثم مات ولم يصح، أطعم عنه، ولم يكن عليه قضاء، وإن نذر قضى عنه وليه". 3797 - * روى ابن خزيمة عن ابن عباس "أن امرأة ركبت البحر فنذرت أن تصوم شهراً فماتت، فسأل أخوها النبي صلى الله عليه وسلم، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يصوم عنها". أقول: ذهب الحنفية والجمهور إلى أنه لا يصوم أحد عن أحد، وإنما تجب الكفارة على الورثة في تركة الميت إذا أوصى بها، وإذا أوصى فإنما تجب من الثلث وإذا لم يترك شيئاً لم تجب على الورثة وإن أوصى، وعلى ذلك حملوا النصوص الواردة في هذا المعنى. وذهب بعض الأئمة إلى أن صوم الولي يكفر عن الميت. وخصص بعض الأئمة الصيام عن الميت حال النذر فقط جمعاً بين النصوص إذ ورد في بعضها مطلق الأمر بالصيام عن الميت. وبعضها ورد بالأمر بالصيام عمن نذر، وبعض نص على أن لا يصوم أحد عن أحد. 3798 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: "جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن أمي ماتت، وعليها صوم نذر، أفأصوم عنها؟ قال: أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته، أكان ذلك يؤدي عنها؟ قالت: نعم، قال: فصومي عن أمك".

_ 3796 - أبو داود: نفس الموضع السابق ص 316، وهو موقوف صحيح. 3797 - ابن خزيمة (3/ 272) كتاب الصيام، 120 - باب الأمر بقضاء الصوم بالنذر عن الناذرة ... إلخ، وإسناده صحيح. 3798 - البخاري: نفس الموضع السابق ص 193. مسلم: نفس الموضع السابق ص 804.

وفي رواية (1) قال: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، أفأقضيه عنها؟ فقال: لو كان على أمك دين أكنت قاضيه؟ قال: نعم، قال: فدين الله أحق أن يقضى". وفي أخرى (2) قال: "إن أختي ماتت". وفي رواية الترمذي (3) قال: "جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أختي ماتت وعليها صوم شهرين متتابعين" وذكر ... الحديث مثل الثانية. وفي رواية لأبي داود (4) والنسائي (5) "أن امرأة ركبت البحر، فنذرت إن نجاها الله: أن تصوم شهراً، فنجاها الله، فلم تصم حتى ماتت، فجاءت ابنتها- أو أختها- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرها أن تصوم عنها". أقول: أخذ بظاهر هذا الحديث الحنابلة فأجازوا أن يصوم الولي عن الميت ولم يأخذ الحنفية ومن وافقهم بظاهره. بل أولوه على أن المراد دفع الفدية عن الميت لمن أراد ذلك من الأولياء. 3799 - * روى مسلم عن بريدة (رضي الله عنه) قال: "بينا أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتته امرأة، فقالت: إني تصدقت على أمي بجارية، وإنها ماتت، قال: وجب أجرك، وردها عليك الميراث، فقالت: يا رسول الله، وإنه كان عليها صوم شهر، أفأصوم عنها؟ قال: صومي عنها، قالت: إنها لم تحج قط، أفأحج عنها؟ قال: حجي عنها".

_ (1) مسلم: نفس الموضع السابق ص 804. (2) البخاري: نفس الموضع السابق ص 193. (3) الترمذي (3/ 95، 96) 6 - كتاب الصوم، 22 - باب ما جاء في الصوم عن الميت. (4) أبو داود (3/ 237) كتاب الأيمان والنذور، 24 - باب يف قضاء النذر عن الميت. (5) النسائي (7/ 20) 35 - كتاب الأيمان والنذور، 34 - باب من نذر أن يصوم ثم مات قبل أن يصوم. 3799 - مسلم (2/ 805) 13 - كتاب الصيام، 27 - باب قضاء الصيام عن الميت. أبو داود (3/ 116) كتاب الوصايا، باب ما جاء في الرجل يهب الهبة ثم يوصي له بها أو يرثها. الترمذي (3/ 269) 7 - كتاب الحج، 86 - باب.

- في الكفارة

- في الكفارة: 3800 - * روى الشيخان عن عائشة (رضي الله عنها): "أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنه احترق، فقال: مالك: قال: أصبت أهلي في رمضان، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بمكتل يدعى: العرق، فقال: أين المحترق؟ قال: أنا، قال: تصدق بهذا". وفي رواية (1) قال: "وطئت امرأتي في رمضان نهاراً، قال: تصدق، قال: ما عندي شيء، فأمره أن يجلس، فجاءه عرقان فيهما طعام، فأمره أن يتصدق به". وفي أخرى (2): "أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد في رمضان، فقال: يا رسول الله، احترقت، احترقت، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما شأنه؟ فقال: أصبت أهلي، قال: تصدق، فقال: والله يا نبي الله، مالي شيء، وما أقدر عليه، قال: اجلس، فجلس، فبينا هو على ذلك أقبل رجل يسوق حماراً عليه طعام، فقال رسول الله: أين المحترق آنفاً؟ فقام الرجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصدق بهذا، فقال: يا رسول الله، على غيرنا؟ فو الله إنا لجياع، ما لنا شيء، قال: فكلوه". وله في أخرى (3) قال- بهذه القصة: "فأتي بعرق فيه عشرون صاعاً". 3801 - * روى ابن خزيمة عن عائشة أنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم في ظل فارع، فأتاه رجل من بني بياضة، فقال، يا نبي الله احترقت. قال له النبي صلى الله عليه وسلم "مالك"؟.

_ 3800 - البخاري (4/ 161) 30 - كتاب الصوم، 29 - باب إذا جامع في رمضان. مسلم (2/ 783) 13 - كتاب الصيام، 14 - باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان ... إلخ. (1) مسلم: نفس الموضع السابق ص 783. (2) مسلم: نفس الموضع السابق ص 783، 784. (3) مسلم: نفس الموضع السابق ص 782. (احترق) أي: فعل فعلاً ينزل منزلة الاحتراق من شدة وقعه عنده. (العرق): وعاء منسوج من نسائج الخوص أي من ورق النخل هو المكتل الضخم. ويقال إنه يسع خمسة عشر صاعاً. 3801 - ابن خزيمة (3/ 219) كتاب الصيام، 58 - باب ذكر الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر هذا المجامع بالصدقة ... إلخ، وإسناده حسن.

قال: وقعت بامرأتي، وأنا صائم، وذلك في رمضان فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اعتق رقبة". قال: لا أجده قال: "أطعم ستين مسكيناً". قال: ليس عندي، قال: "اجلس". فجلس، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرق فيه عشرون صاعاً، فقال: "أين السائل آنفاً؟ " قال: ها أنا ذا يا رسول الله. قال: "خذ هذا فتصدق به". قال: يا رسول الله على أحوج مني ومن أهلي!! فوالذي بعثك بالحق ما لنا عشاء ليلة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فعد به عليك وعلى أهلك". قال ابن خزيمة: إن ثبتت هذه اللفظة: بعرق فيه عشرون صاعاً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر هذا المجامع أن يطعم كل مسكين ثلث صاع من تمر، لأن عشرين صاعاً إذا قسم بين ستين مسكيناً كان لكل مسكين ثلث صاع. ولست أحسب هذه اللفظة ثابتة، فإن في خبر الزهري: أتي بمكتل فيه خمسة عشر صاعاً، أو عشرون صاعاً. هذا في خبر منصور بن المعتمر عن الزهري. فأما هقل بن زياد فإنه روى عن الأوزاعي، عن الزهري، قال: خمسة عشر صاعاً. قد خرجتهما بعد، ولا أعلم أحداً من علماء الحجاز والعراق قال: يطعم في كفارة الجماع كل مسكين ثلث صاع في رمضان. قال أهل الحجاز: يطعم كل مسكين مداً من طعام، تمراً كان أو غيره. وقال العراقيون: يطعم كل مسكين صاعاً من تمر. فأما ثلث صاع، فلست أحفظ عن أحد منهم. قال ابن خزيمة: قد يجوز أن يكون ترك ذكر الأمر بصيام شهرين متتابعين في هذا الخبر إنما كان لأن السؤال في هذا الخبر إنما كان في رمضان قبل أن يقضي الشهر، وصيام شهرين متتابعين لهذه الحوبة لا يمكن الابتداء فيه إلا بعد أن يقضى شهر رمضان، وبعد مضي يوم من شوال. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم المجامع بإطعام ستين مسكيناً، إذ الإطعام ممكن في رمضان لو كان المجامع مالكاً لقدر الإطعام، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم مما يجوز له فعله معجلاً، دون ما لا يجوز له فعله إلا بعد مضي أيام وليالي والله أعلم. ولست أحفظ في شيء من أخبار أبي هريرة أن السؤال من المجامع قبل أن ينقضي شهر رمضان فجاز إذا كان السؤال بعد مضي رمضان أن يؤمر بصيام شهرين، لأن الصيام في ذلك الوقت للكفارة جائز. اهـ. وفي الروايات القادمة توضيح أنه أمره فيما أمره بصيام شهرين متتابعين وقد أخرجها

البخاري وغيره وسننقل لابن حجر توضيحاً يبين فيه التوثيق بالروايات التي ذكرت عشرين صاعاً والتي ذكرت خمسة عشر صاعاً. 3802 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: "بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ جاء رجل، فقال: يا رسول الله هلكت، قال: مالك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: هل تجد إطعام ستين مسكيناً؟ قال: لا، قال: اجلس، قال: فمكث النبي صلى الله عليه وسلم، فبينا نحن على ذلك أتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر- والعرق: المكتل الضخم- قال: أين السائل؟ قال: أنا، قال: خذ هذا فتصدق به، فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟ فو الله؟ ما بين لابتيها- يريد: الحرتين- أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: أطعمه أهلك". وفي رواية (1): "فوالذي نفسي بيده ما بين طنبي المدينة أفقر مني، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، قال: خذه". وفي رواية (2) نحوه، وقال: "بعرق فيه تمر، وهو الزنبيل"، ولم يذكر "فضحك حتى بدت أنيابه". وفي أخرى (3): "أن رجلاً أفطر في رمضان، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتق رقبة، أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكيناً". وفي رواية الموطأ (4) قال: "إن رجلاً أفطر في رمضان، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يكفر بعتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكيناً، فقال: لا

_ 3802 - البخاري (4/ 163) 30 - كتاب الصوم، 30 - باب إذا جامع في رمضان. مسلم (2/ 781) 13 - كتاب الصيام، 14 - باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان. (1) البخاري (10/ 552) 78 - كتاب الأدب، 94 - باب ما جاء في زعموا. (2) البخاري (4/ 173) 30 - كتاب الصوم، 31 - باب المجامع في رمضان. (3) مسلم (2/ 783) 13 - كتاب الصيام، 14 - باب. (4) الموطأ (1/ 296) 18 - كتاب الصيام، 9 - باب كفارة من أفطر في رمضان.

أجده، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرق تمر، فقال: خذ هذا فتصدق به، فقال: يا رسول الله، ما أجد أحداً أحوج مني، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، قال: كله". وله في أخرى (1) عن سعيد بن المسيب قال: "جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب فخذه، وينتف شعره، ويقول: هلك الأبعد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما ذاك؟ قال: أصبت أهلي وأنا صائم في رمضان، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تستطيع أن تعتق رقبة؟ قال: لا، فقال: هل تستطيع أن تهدي بدنة؟ فقال: لا، قال: فاجلس، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرق ... وذكر الحديث"، وقال فيه: "فقال: كله، وصم يوماً مكان ما أصبت". قال مالك: قال عطاء: فسألت ابن المسيب: "كم في ذلك العرق من التمر؟ فقال: ما بين خمسة عشر صاعاً إلى عشرين". وفي رواية أبي داود (2) قال: "أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: هلكتن فقال: ما شأنك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: فهل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا، قال: اجلس، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر، فقال: تصدق به، فقال: يا رسول الله، ما بين لابتيها أهل بيت أفقر منا، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت ثناياه، قال: فأطعمه إياهم". قال مسدد في موضع آخر: "أنيابه". وفي رواية (3) بهذا الحديث بمعناه، وزاد: قال الزهري: "وإنما كان هذا رخصة، فلو أن رجلاً فعل ذلك اليم لم يكن له بد من التكفير". وزاد في أخرى (4): قال الأوزاعي: "واستغفر الله".

_ (1) الموطأ ص 297، الموضع السابق. (2) أبو داود (2/ 313) كتاب الصوم، باب كفارة من أتى أهله في رمضان. (3) أبو داود: الموضع السابق. (4) أبو داود: الموضع السابق.

وله في أخرى (1) قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم أفطر في رمضان- بهذا الحديث- قال: فأتي بعرق فيه تمر قدر خمسة عشر صاعاً، وقال فيه: كله أنت وأهل بيتك، وصم يوماً، واستغفر الله". وفي رواية (2) الترمذي مثل رواية أبي داود الأولى، وقال فيها: "بعرق فيه تمر، والعرق: المكتل الضخم، وقال: حتى بدت أنيابه، قال: خذه فأطعمه أهلك". قال ابن حجر (4/ 169): ولم يعين في هذه الرواية- أي رواية أبي هريرة السابقة- مقدار ما في المكتل من التمر بل ولا في شيء من طرق الصحيحين في حديث أبي هريرة، ووقع في رواية ابن أبي حفصة "فيه خمسة عشر صاعاً" وفي رواية مؤمل عن سفيان "فيه خمسة عشر أو نحو ذلك" وفي رواية مهران بن أبي عمر عن الثوري عن ابن خزيمة "فيه خمسة عشر أو عشرون" وكذا هو عند مالك وعبد الرزاق في مرسل سعيد بن المسيب، وفي مرسله عند الدارقطني الجزم بعشرين صاعاً، ووقع في حديث عائشة عند ابن خزيمة "فأتى بعرق فيه عشرون صاعاً" قال البيهقي: قوله عشرون صاعاً بلاغ بلغ محمد بن جعفر يعني بعض رواته، وقد بين ذلك محمد بن إسحق عنه فذكر الحديث وقال في آخره: قال محمد بن جعفر فحدثت بعد أنه كان عشرين صاعاً من تمر. قلت: ووقع في مرسل عطاء بن أبي رباح وغيره عند مسدد "فأمر له ببعضه" وهو يجمع الروايات، فمن قال إنه كان عشرين أراد أصل ما كان فيه، ومن قال خمسة عشر أراد قدر ما تقع به الكفارة، ويبين ذلك حديث علي عند الدارقطني "تطعم ستين مسكيناً لكل مسكين مد" وفيه "فأتي بخمسة عشر صاعاً فقال أطعمه ستين مسكيناً" وكذا في رواية حجاج عن الزهري عند الدارقطني في حديث أبي هريرة، وفيه رد على الكوفيين في قولهم إن واجبه من القمح ثلاثون صاعاً ومن غيره ستون صاعاً،

_ (1) أبو داود: ص 314، الموضع السابق. (2) الترمذي (3/ 102) 6 - كتاب الصوم، 28 - باب ما جاء في كفارة الفطر في رمضان. (لابتيها) اللابة: الأرض ذات الحجارة السود الكثيرة، وهي الحرة، ولابتا المدينة: حرتاها من جانبيها. (بعرق) العرق- بفتح الراء-: خوص منسوج مضفر يعمل منه الزنبيل، فسمي الزنبيل عرقاً، لأنه يعمل منه. (والمكتل) الإناء، والعرق المكتل الضخم.

ولقول عطاء: إن أفطر بالأكل أطعم عشرين صاعاً، وعلى أشهب في قوله لو غداهم أو عشاهم كفى تصدق الإطعام، ولقول الحسن: يطعم أربعين مسكيناً عشرين صاعاً أو بالجماع أطعم خمسة عشر، وفيه رد على الجوهري حيث قال في الصحاح: المكتل يشبه الزنبيل يسع خمسة عشر صاعاً لأنه لا حصر في ذلك، وروي عن مالك أنه قال: يسع خمسة عشر أو عشرين ولعله قال ذلك في هذه القصة الخاصة فيوافق رواية مهران وإلا فالظاهر أنه لا حصر في ذلك والله أعلم. اهـ. أقول: فخلاصة رأي الجمهور تبعاً للأحاديث والآثار السابقة: أن الواجب خمسة عشر صاعاً من تمر أو شعير أو نحوه والصاع أربعة أمداد، فلكل فقير مد، والصاع عندهم يعادل 2751 غراماً فيكون المد يعادل 687 غراماً تقريباً. أما الحنفية وسفيان الثوري فقالوا: يجب 60 صاعاً من شعير أو تمر أو ثلاثين صاعاً من قمح، أخذاً بحديث سلمة بن صخر الذي فيه: (فأطعم ستين مسكيناً وسقاً من تمر وكل أنت وعيالك). والوسق= 60 صاعاً، وهذا الحديث أخرجه أبو داود (2213) والترمذي (1200) وحسنه وهو كذلك، والجمهور أخذوا بالروايات المذكورة آنفاً، قال الخطابي: وهو- رأي الحنفية- أحوط الأمرين كذا في المعالم. فائدة: قال ابن دقيق العيد: المراد بالإطعام الإعطاء لا اشتراط حقيقة الإطعام من وضع المطعوم في الفم بل يكفي الوضع بين يديه بلا خلاف، وفي إطلاق الإطعام ما يدل على الاكتفاء بوجود الإطعام من غير اشتراط مناولة، بخلاف زكاة الفرض فإن فيها النص على الإيتاء وصدقة الفطر فإن فيها النص على الأداء، وفي ذكر الإطعام ما يدل على وجود طاعمين فيخرج الطفل الذي لم يطعم كقول الحنفية، ونظر الشافعي إلى النوع فقال: يسلم لوليه، وذكر الستين ليفهم أنه لا يجب ما زاد عليها، ومن لم يقل بالمفهوم تمسك بالإجماع على ذلك. وذكر في حكمة هذه الخصال من المناسبة أن من انتهك حرمة الصوم بالجماع فقد أهلك نفسه بالمعصية فناسب أن يعتق رقبة فيفدي نفسه، وقد صح أن من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضواً منه من النار. وأما الصيام فمناسبته ظاهرة لأنه كالمقاصة بجنس الجناية، وأما كونه شهرين فلأنه لما أمر بمصابرة النفس في حفظ كل يوم من شهر

رمضان على الولاء فلما أفسد منه يوماً كان كمن أفسد الشهر كله من حيث إنه عبادة واحدة بالنوع فكلف بشهرين مضاعفة على سبيل المقابلة لنقيض قصده. وأما الإطعام فمناسبته ظاهرة لأنه مقابلة كل يوم بإطعام مسكين. ثم إن هذه الخصال جامعة لاشتمالها على حق الله وهو الصوم، وحق الأحرار بالإطعام، وحق الأرقاء بالإعتاق، وحق الجاني بثواب الامتثال. وفيه دليل على إيجاب الكفارة بالجماع خلافاً لمن شذ فقال لا تجب مستنداً إلى أنه لو كان واجباً لما سقط بالإعسار، اهـ (الفتح 4/ 266). ويرى بعض العلماء أنه لا يجزئ الإطعام لستة مساكين عشرة أيام أو لمسكين ستين يوماً ونحو ذلك مما يعادل إطعام الستين وأجاز ذلك الحنفية لأنه يحقق المراد ... انظر المصدر السابق. تتمة: في كفارة من أفطر بطعام أو شراب عامداً: قال في (الجوهر النقي 4/ 225) في "نوادر الفقهاء": لابن بنت نعيم: أجمعوا أن من أكل أو شرب في نهار رمضان عامداً بلا عذر فعليه القضاء والكفارة إلا الشافعي قال: لا كفارة عليه اهـ. والأكل والشرب عمداً في انتهاك حرمة الشهر مثل الوطء، على أن الشافعي لم يقتصر بالكفارة على الجماع في الفرج بل أوجبها في وطء البهيمة والوطء الذي في الدبر واستدل الفقهاء بنصوص أيضاً في ذلك: عن عائشة أنه عليه الصلاة والسلام سأل الرجل فقال: "أفطرت في رمضان؟ فأمره بالتصدق بالعرق" رواه النسائي في الكبرى وصحح إسناده في الجوهر النقي، ووجه الدلالة أنه لم يسأله بماذا أفطر. بتصرف يسير. عن أبي هريرة رضي الله عنه "أن رجلاً أكل في رمضان فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكيناً" رواه الدارقطني: 2/ 191 وقال: فيه أبو معشر هو نجيح وليس بالقوي اهـ. أقول: وقد وثقه بعض العلماء. انظر: (تذهيب التهذيب 10/ 430 - 431)، وانظر: (الإعلاء 9/ 120 - 124).

مسائل لم يرد فيها نص إن كانت تبطل الصوم أو لا

مسائل لم يرد فيها نص إن كانت تبطل الصوم أو لا: 1 - مسألة الحقنة في الجلد أو في العروق: الراجح أنها لا تفطر سواء كانت في الجلد أو في العروق أي الشريان. قال في (الدين الخالص 8/ 457 - 458) سئل الشيخ محمد بخيت مفتي مصر عن هذا فكان جوابه: أن شيئاً من هذا لا يفطر سواء كان للتداوي أو للتغذية أو للتخدير لأنها منافذ لم تجر العادة بأن يصل شيء منها إلى الجوف وإن كان لا يجوز التخدير لغير عذر شرعي للحديث بنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر. وقد أخذ بعض العلماء بهذه الفتوى واستثنى ما كان للتغذية لأنه ينافي حكمة الصوم، وهذه المسألة مفتى بها على أصول المذهب الحنفي والشافعي ... 2 - القطرة في العين والأذن: أباح الشافعية والحنفية الكحل انظر المجموع (6/ 474) لأنها ليست بجوف وعلى هذا تباح قطرة العين حتى لو وجد طعمها في الحلق وكذا القطرة في الأذن لا تفطر لأنها ليست منفذاً ولا جوفاً ولذا جاز للصائم السباحة ونزول الماء بدون سبب .. 3 - الحقنة الشرجية والتحميلة: ذهب أكثر العلماء أنها تفطر ونقل عن ابن حزم وابن تيمية وبعض الشافعية أنها لا تفطر وفرق بعض العلماء بين الحقنة التي تكون فيها مواد غذائية يفيد منها الجسم وبين حقنة لا يمتص منها الجسم ما يفيد في تغذيته كتلك التي لإخراج الفضلات فالأولى تفطر والثانية لا تفطر. ولا شك أن الأحوط تجنب ذلك ... 4 - دخول الماء إلى الدبر أثناء الاستنجاء وكذا إدخال الأصبع: يرى بعض العلماء أن هذا مما يفطر، وقاسه آخرون على المضمضة فقال: لا تفطر واستدل أيضاً على ذلك بكونها أموراً قديمة ولم يرد فيها نص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الصحابة أو التابعين. 5 - التقطير في الإحليل: ذهب الشافعية وأبو حنيفة إلى أن ذلك لا يفطر وفي شرح المنتهى هامش شرح الإقناع (1/ 570): لو أقطر في إحليله أو غيب فيه شيئاً فوصل إلى المثانة لم يبطل صومه ... اهـ. وهذا الراجح والله أعلم.

في الجائفة والآمة

6 - في الجائفة والآمة: والجائفة: جرح يصل إلى الجوف كأن يكون في البطن، والآمة: الجرح الذي في الرأس فذهب الشافعية إلى أن من داوى الجائفة أو الآمة ووصل الدواء إلى الجوف أو الدماغ فإن ذلك يفطر الصائم وفرق أبو حنيفة بين أن يكون الدواء رطباً أو يابساً فالرطب يفسد الصوم واليابس لا يفسد وقال مالك وصاحبا أبي حنيفة بأن ذلك لا يفطر. وانظر فيما سبق البيان والإتحاف (106 - 113).

الفصل السابع فيما يستحب صيامه

الفصل السابع فيما يستحب صيامه

- صيام ست من شوال

- صيام ست من شوال: 3803 - * روى مسلم عن أبي أيوب الأنصاري (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان وأتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر". وعند أبي داود: "فكأنما صام الدهر". 3804 - * روى الطبراني في الكبير عن أبي أيوب الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال فذلك صيام الدهر، قال: قلت لكل يوم عشر. قال: نعم". 3805 - * روى ابن خزيمة عن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صيام رمضان بعشرة أشهر، وصيام الستة أيام بشهرين، فذلك صيام السنة، يعني رمضان وستة أيام بعده". أقول: العبرة أن يصوم الإنسان ستة أيام من شوال، والمبادرة إليها طيبة وتفريقها على شهر شوال كله لا مانع منه. وفي الموطأ: (1/ 311) قال يحيى: سمعت مالكاً يقول في صيام ستة أيام بعد الفطر من رمضان: إنه لم ير أحداً من أهل العلم والفقه يصومها ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف وأن أهل العلم يكرهون ذلك ويخافون بدعته وأن يلحق برمضان ما ليس منه أهل الجهالة والجفاء لو أرادوا في ذلك رخصة عند أهل العلم ورأوهم يعملون ذلك. اهـ.

_ 3803 - مسلم (2/ 822) 13 - كتاب الصيام، 39 - باب استحباب صوم ستة أيام من شوال. الترمذي (3/ 132) 6 - كتاب الصوم، 53 - باب ما جاء في صيام ستة أيام من شوال. أبو داود (2/ 324) كتاب الصوم، 55 - باب في صوم ستة أيام من شوال. 3804 - مجمع الزوائد (3/ 184) وقال الهيثمي: قلت هو في الصحيح خلا قوله لكل يوم عشر، قال: نعم، رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. 3805 - ابن خزيمة (3/ 398) 172 - باب: ذكر الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أعلم أن صيام رمضان وستة أيام من شوال ... إلخ، وإسناده صحيح.

- صوم يوم عرفة التاسع من ذي الحجة

والراجح صحة بل استحباب: صيام ستة أيام من شوال للأحاديث، ويبدو أنها لم تبلغ الإمام مالكاً، ثم إنه لا يلتبس على أحد شهر رمضان بغيره فإن هذا مما لا يخفى على أحد. لكن قال الشيخ الخرشي المالكي: وهذه- الكراهة- إذا صامها متصلة برمضان متوالية، مظهراً لها معتقداً سنة اتصالها وإلا فلا كراهة. (حاشية الخرشي على مختصر خليل (2/ 243). وقال الكاساني: والاتباع المكروه وهو أن يصوم يوم الفطر، ويصوم بعده خمسة أيام، فأما إذا أفطر يوم العيد ثم صام بعده ستة أيام فليس بمكروه بل هو مستحب وسنة (البدائع 2/ 980). وقال الدهلوي: "والسر في مشروعيتها أنها بمنزلة السنن الرواتب في الصلاة تكمل فائدتها ... وإنما خص في بيان فضله التشبيه بصوم الدهر لأن من القواعد المقررة أن الحسنة بعشر أمثالها، وبهذه السنة يتم الحساب" ... حجة الله البالغة (2/ 55). - صوم يوم عرفة التاسع من ذي الحجة: 3806 - * روى مالك عن القاسم بن محمد بن أبي بكر قال: "كانت عائشة تصوم يوم عرفة، ولقد رأيتها عشية عرفة: يدفع الإمام ثم تقف، حتى يبيض ما بينها وبين الناس من الأرض، ثم تدعو بشراب فتفطر". أقول: من السنة صيام يوم عرفة لغير الحاج، وإذا صامه الحاج فلا بأس بذلك، وفعل عائشة رضي الله عنها كان من باب أخذ النفس بالشدة فيما هو جائز، والأجر حاصل إن شاء الله. وهذا رأي الحنفية أنه يستحب صيامه للحاج إن كان لا يضعفه وكره ذلك الشافعية والحنابلة والمالكية فقالوا يستحب للحاج أن يفطره للنصوص الأخرى التي سترد. 3807 - * روى مسلم عن أبي قتادة (رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صيام يوم

_ 3806 - الموطأ (1/ 375، 376) 20 - كتاب الحج، 43 - باب صيام يوم عرفة، وإسناده صحيح. 3807 - مسلم (2/ 819) 13 - كتاب الصيام، 36 - باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة. الترمذي (3/ 124) 6 - كتاب الصوم، 46 - باب ما جاء في فضل صوم عرفة.

عرفة: إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي بعده والسنة التي قبله". 3808 - * روى أبو داود عن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر: أول إثنين من الشهر، والخميس". وفي رواية النسائي (1) مثله، وقال: "اثنين من الشهر، وخميسين". وفي أخرى (2) "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم العشر، وثلاثة أيام من كل شهر، الإثنين والخميسين". أقول: المراد بصيام العشر هنا عشر ذي الحجة وإنما ذكرت العشرة لأنها علم والمراد هنا صيام تسعة أيام منها لأن اليوم العاشر يوم عيد ولا يجوز صيامه. 3809 - * روى الطبراني في الكبير عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله: "من صام يوم عرفة غفر له سنتين متتابعتين". أقول: مر معنا أن صوم عرفة يكفر السنة السابقة واللاحقة، فهما سنتان متتابعتان، وهذا النص محمول على هذا المعنى. والظاهر أنه يكفر صغائر السنتين أما الذنوب الكبائر فلابد لها من توبة. 3810 - * روى الطبراني في الأوسط عن سعيد بن جبير قال: "سأل رجل عبد الله بن عمر عن صوم يوم عرفة فقال: كنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعدله بصوم سنتين". 3811 - * روى مالك عن أم الفضل (رضي الله عنها) "أن ناساً اختلفوا عندها يوم

_ 3808 - أبو داود (2/ 325) كتاب الصوم، باب في صوم العشر، وهو حديث حسن. (1) النسائي (4/ 221) 22 - كتاب الصيام، 83 - كيف يصوم ثلاثة أيام من كل شهر. (2) النسائي: الموضع السابق. 3809 - الطبراني (المعجم الكبير) (6/ 179). أبو يعلى (13/ 542). مجمع الزوائد (3/ 189) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى والطبراني في الكبير ورجال أبي يعلى رجال الصحيح. 3810 - مجمع الزوائد (3/ 190) وقال الهيثمي: قلت: له عند النسائي يعدله بصوم سنة- رواه الطبراني في الأوسط وهو حديث حسن. 3811 - الموطأ (1/ 274) 20 - كتاب الحج، 43 - باب صوم يوم عرفة. البخاري (2/ 513) 25 - كتاب الحج، 88 - باب الوقوف على الدابة بعرفة.

عرفة في صوم النبي صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: وصائم، وقال بعضهم: ليس بصائم، فأرسلت غليه بقدح لبن، وهو واقف على بعيره فشربه". 3812 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفطر بعرفة، وأرسلت إليه أم الفضل بلبن فشربه". 3813 - * روى الترمذي عن عبد الله بن أبي نجيح- هو يسار- عن أبيه قال: "سئل ابن عمر عن صوم يوم عرفة، فقال: حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصم، ومع أبي بكر فلم يصمه، ومع عمر فلم يصمه، ومع عثمان فلم يصمه، وأنا لا أصومه، ولا آمر به، ولا أنهى عنه". أقول: لا يسن للحاج أن يصوم يوم عرفة، لأن ذلك يضعفه عن إقامة حق الوقوف بعرفات، ولكن لو صام إنسان فلا بأس بذلك كما رأينا من فعل عائشة رضي الله عنها. 3814 - * روى ابن خزيمة عن ابن عباس، عن أمه أم الفضل "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفطر بعرفة: أتي بلبن فشرب". 3815 - * روى الشيخان عن ميمونة أم المؤمنين (رضي الله عنها) "أن الناس شكوا في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، فأرسلت إليه بحلاب وهو واقف في الموقف، فشرب والناس ينظرون". 3816 - * روى مسلم عن (أبي هريرة) رفعه: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد المفروضة الصلاة في جوف الليل".

_ أبو داود (2/ 326) كتاب الصوم، باب في صوم عرفة بعرفة. 3812 - الترمذي (3/ 124) 6 - كتاب الصوم، 47 - باب كراهية صوم يوم عرفة بعرفة، وإسناده حسن. 3813 - الترمذي: نفس الموضع السابق ص 125، وإسناده حسن. ابن حبان (5/ 246) كتاب الصوم، فصل في صوم يوم عرفة. 3814 - ابن خزيمة (3/ 292) كتاب الصيام، 161 - باب استحباب الإفطار يوم عرفة بعرفات ... إلخ، وإسناده صحيح. 3815 - البخاري (4/ 237) 30 - كتاب الصوم، 65 - باب صوم يوم عرفة. مسلم (2/ 791) 13 - كتاب الصيام، 18 - باب استحباب الفطر للحاج يوم عرفة. (بحلاب) الحلاب: قدح يحلب فيه، بملء قدر الحلبة. 3816 - مسلم (2/ 821) 13 - كتاب الصيام، 38 - باب فضل صوم المحرم. أبو داود (2/ 323) كتاب الصوم، باب في صوم المحرم.

- صيام عاشوراء

3817 - * روى البخاري عن ابن عباس رفعه: "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من الأيام العشر، قالوا: ولا الجهاد؟ قال: ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء". 3818 - * روى مسلم عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائماً في العشر قط". أقول: قد ندبنا صلى الله عليه وسلم بقوله إلى الصيام في العشر من ذي الحجة، فالندب موجود وإن لم يصم الرسول صلى الله عليه وسلم الأيام التسعة مجتمعة. - صيام عاشوراء: 3819 - * روى الشيخان عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: "كان عاشوراء يصام قبل رمضان، فلما نزل رمضان كان من شاء صام، ومن شاء أفطر". وفي رواية (1) قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بصيام يوم عاشوراء ... " الحديث. وفي أخرى (2) قالت: "كانوا يصومون عاشوراء قبل أن يفرض رمضان، وكان يوماً تستر فيه الكعبة، قالت: فلما فرض رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شاء أن يصومه

_ الترمذي (3/ 117) 6 - كتاب الصوم، 40 - باب ما جاء في صوم المحرم. النسائي (3/ 206، 207) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 6 - باب فضل صلاة الليل. ابن ماجه (1/ 554) 7 - كتاب الصيام، 43 - باب صيام أشهر الحرم. 3817 - البخاري (2/ 457) 13 - كتاب العيدين، 11 - باب فضل العمل في أيام التشريق. أبو داود (2/ 325) كتاب الصوم، باب في صوم العشر. الترمذي (3/ 130) 6 - كتاب الصوم، 52 - باب ما جاء في العمل في أيام العشر. 3818 - مسلم (2/ 833) 14 - كتاب الاعتكاف، 4 - باب صوم عشر ذي الحجة. أبو داود (2/ 325) كتاب الصوم، باب في فطر العشر، إلا أنه أسقط منه لفظة "في". الترمذي (3/ 129) 6 - كتاب الصوم، 51 - باب ما جاء في صيام العشر. 3819 - البخاري (8/ 177) 65 - كتاب التفسير، 2 - سورة البقرة، 24 - باب {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ... إلخ}. مسلم (2/ 792) 13 - كتاب الصيام، 19 - باب صوم يوم عاشوراء. (1) البخاري (4/ 244) 30 - كتاب الصوم، 69 - باب صيام يوم عاشوراء. (2) البخاري (3/ 454) 25 - كتاب الحج، 47 - باب قول الله تعالى: [97 - المائدة] {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ ... إلخ}.

فليصمه، ومن شاء أن يتركه فليتركه". وفي أخرى (1) قالت: "كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه". وفي أخرى (2) "فلما فرض رمضان قال: من شاء صامه ومن شاء تركه". وفي أخرى (3): أن قريشاً كانت تصوم عاشوراء في الجاهلية، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيامه، حتى فرض رمضان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من شاء صامه، ومن شاء فليفطر". أقول: لا يزال صيام عاشوراء مستحباً على أن يصام يوم قبله أو يوم بعده. 3820 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) "أن أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صامه والمسلمون قبل أن يفرض رمضان، فلما افترض رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عاشوراء يوم من أيام الله، فمن شاء صامه". وفي رواية (4) قال: "ذكر عند النبي يوم عاشوراء، فقال: ذاك يوم كان يصومه أهل الجاهلية، فمن شاء صامه ومن شاء تركه". وللبخاري (5) قال: "صام رسول الله صلى الله عليه وسلم عاشوراء وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك، وكان عبد الله لا يصومه إلا أن يوافق صومه".

_ (1) البخاري: نفس الموضع السابق. (2) مسلم: نفس الموضع السابق. (3) البخاري (4/ 102) 30 - كتاب الصوم، 1 - باب وجوب صوم رمضان. 3820 - البخاري (8/ 177) 65 - كتاب التفسير، 2 - سورة البقرة، 24 - باب {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ... إلخ}. مسلم (2/ 792، 793) 13 - كتاب الصيام، 19 - باب صوم يوم عاشوراء. (4) مسلم: نفس الموضع السابق ص 793. (5) البخاري (4/ 102) 30 - كتاب الصوم، 1 - باب وجوب صوم رمضان.

ولمسلم (1) مثل الثانية، وقال: "فمن أحب منكم أن يصومه فليصمه، ومن كره فليدعه". أقول: قوله عليه الصلاة والسلام: (يوم من أيام الله) يفيد تعظيم أيام الله، والظاهر أن أهل الجاهلية ومنهم قريش كانوا متأثرين بفعل اليهود إذ اليهود هم الذين كانوا يعظمون هذا اليوم كما سيمر معنا فيما بعد. 3821 - * روى مالك عن حميد بن عبد الرحمن أنه "سمع معاوية بن أبي سفيان خطيباً بالمدينة، يعني في قدمة قدمها خطبهم يوم عاشوراء- وفي حديث البخاري: عام حج- على المنبر يقول: يا أهل المدينة، أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب الله عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن شاء صامه، ومن شاء فليفطر". 3822 - * روى الشيخان عن علقمة بن قيس النخعي "أن الأشعث بن قيس دخل على عبد الله بن مسعود وهو يطعم يوم عاشوراء، فقال: يا أبا عبد الرحمن، إن اليوم يوم عاشوراء، فقال: قد كان يصام قبل أن ينزل رمضان فلما نزل رمضان ترك فإن كنت مفطراً فاطعم". ولمسلم نحوه، إلا أنه قال: "كان يوماً يصومه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن ينزل رمضان، فلما نزل رمضان تركه". وله في أخرى (2) مختصراً قال: "دخل الأشعث على عبد الله يوم عاشوراء فقال: ادن

_ (1) مسلم: نفس الموضع السابق ص 793. 3821 - الموطأ (1/ 299) 18 - كتاب الصيام، 11 - باب صيام يوم عاشوراء. البخاري (4/ 244) 30 - كتاب الصوم، 69 - باب صيام يوم عاشوراء. مسلم (2/ 795) 13 - كتاب الصيام، 19 - باب صوم يوم عاشوراء. النسائي: رواه في سننه الكبرى. 3822 - البخاري (8/ 178) 65 - كتاب التفسير، 24 - باب {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ...} الآية. مسلم (2/ 794) 13 - كتاب الصيام، 19 - باب صوم يوم عاشوراء. (يطعم) طعم الرجل يطعم: إذا أكل. (2) مسلم، الموضع السابق.

فكل، فقال: إني صائم، قال: كنا نصومه، ثم ترك". 3823 - * روى البزار عن عائشة "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصيام عاشوراء يوم العاشر". أقول: التحقيق أنه لا زال صيام يوم عاشوراء مندوباً وإن فهم بعض الصحابة أن هذا الندب قد نسخ. 3824 - * روى الشيخان عن أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه) قال: "كان يوم عاشوراء يوماً تعظمه اليهود، وتتخذه عيداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صوموه أنتم". وفي رواية (1) "كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء، يتخذونه عيداً، ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فصوموه أنتم". 3825 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: "قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فرأى اليهود تصوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، نجى الله فيه موسى وبني إسرائيل من عدوهم، فصامه، فقال: أنا أحق بموسى منكم، فصامه صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه". وفي رواية (2) "فقال لهم: ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ قالوا: هذا يوم عظيم، أنجى الله فيه موسى وقومه، وغرق فيه فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً، فنحن نصومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فنحن أحق وأولى بموسى منكم، فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بصيامه".

_ 3823 - كشف الأستار (1/ 492) باب أي يوم عاشوراء. مجمع الزوائد (3/ 189) وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. 3824 - البخاري (4/ 244) 30 - كتاب الصوم، 96 - باب صيام يوم عاشوراء. مسلم (2/ 796) 13 - كتاب الصيام، 19 - باب صوم يوم عاشوراء. (1) مسلم، الموضع السابق. (شارتهم) الشارة، الرواء والمنظر الحسن والزينة. 3825 - البخاري (4/ 244) 30 - كتاب الصوم، 69 - باب صيام يوم عاشوراء. مسلم (2/ 796) 13 - كتب الصيام، 19 - باب صوم يوم عاشوراء. (2) مسلم: الموضع السابق.

وفي أخرى (1) بنحو ذلك، وفيه "فنحن نصومه تعظيماً له". 3826 - * روى الشيخان عن سلمة بن الأكوع (رضي الله عنه) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً من أسلم: أن أذن في الناس: من كان أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم، فإن اليوم يوم عاشوراء". وفي رواية (2) "أنه قال لرجل من أسلم: أذِّن في قومك- أو في الناس- بالشك". 3827 - * روى الترمذي عن أبي قتادة الأنصاري (رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صيام يوم عاشوراء: إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله". 3828 - * روى مسلم عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع- يعني: يوم عاشوراء". وفي رواية (3) قال: "حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا كان العام القابل- إن شاء الله- صمت اليوم التاسع، فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم". وفي رواية (4) الحكم بن الأعرج قال: "انتهيت إلى ابن عباس وهو متوسد رداءه في زمزم، فقلت: أخبرني عن صوم عاشوراء؟ فقال: إذا رأيت هلال المحرم فاعدد، وأصبح يوم التاسع صائماً، قلت: هكذا كان محمد صلى الله عليه وسلم يصومه؟ قال: نعم". وفي رواية ذكرها رزين (5) عن عطاء قال: سمعت ابن عباس يقول: "صوموا التاسع

_ (1) أبو داود (2/ 326) كتاب الصوم، باب في صوم يوم عاشوراء. 3826 - البخاري (4/ 245) الموضع السابق. مسلم (2/ 798) الموضع السابق. (2) النسائي (4/ 192) 22 - كتاب الصيام، 66 - إذا لم يجمع من الليل هل يصوم. 3827 - الترمذي (3/ 126) 6 - كتاب الصوم، 48 - باب ما جاء في الحث على صوم يوم عاشوراء، وسنده حسن. 3828 - مسلم (2/ 798) الموضع السابق. (3) مسلم (2/ 798) الموضع السابق. (4) مسلم (2/ 797) الموضع السابق. (5) ذكرها رزين في مسنده.

- فضل الإكثار من الصوم مطلقا وخاصة في رجب وشعبان

والعاشر، خالفوا اليهود". 3829 - * روى الشيخان عن الربيع بنت معوذ (رضي الله عنها) قالت: "أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة: من كان أصبح صائماً فليتم صومه، ومن كان مفطراً فليتم بقية يومه، فكنا بعد ذلك نصومه ونصوِّمُه صبياننا الصغار ونذهب إلى المسجد، فنجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم أعطيناها إياه، حتى يكون الإفطار". وفي أخرى (1) نحوه، قال: "ونصنع لهم اللعبة من العهن، فنذهب به معنا، فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة، نلهيهم بها حتى يتموا صومهم". 3830 - * روى النسائي عن محمد بن صيفي (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء: "أمنكم أحد أكل اليوم؟ فقالوا: منا من صام، ومنا من لم يصم، قال: فأتموا بقية يومكم، وابعثوا إلى أهل العروض فليتموا بقية يومهم". - فضل الإكثار من الصوم مطلقاً وخاصة في رجب وشعبان: 3831 - * روى الشيخان عن عثمان بن حكيم الأنصاري قال: "سألت سعيد بن جبير عن صوم رجب ونحن يومئذ في رجب، فقال: سمعت ابن عباس يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم، حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم" وأخرجه أبو داود عن عثمان بن حكيم: أنه سأل سعيد بن جبير، ... وذكر الحديث.

_ 3829 - البخاري (4/ 200) 30 - كتاب الصوم، 47 - باب صوم الصبيان. مسلم (2/ 798). (1) مسلم: الموضع السابق ص 799. (العهن): الصوف، وقيل: هو الصوف المصبوغ. 3830 - النسائي (4/ 192) 22 - كتاب الصيام، 65 - إذا طهرت الحائض أو قدم المسافر في رمضان، وهو حديث حسن. 3831 - البخاري (4/ 215) 30 - كتاب الصيام، 53 - باب ما يذكر من صوم النبي صلى الله عليه وسلم وإفطاره. مسلم (2/ 811) 13 - كتاب الصيام، 34 - باب صيام النبي صلى الله عليه وسلم في غير رمضان. أبو داود (2/ 323) كتاب الصوم، باب في صوم المحرم.

3832 - * روى النسائي عن أسامة بن زيد (رضي الله عنهما) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسرد الصوم، فيقال: لا يفطر، ويفطر، فيقال: لا يصوم". 3833 - * روى مسلم عن عبد الله بن شقيق العقيلي قال: "سألت عائشة عن صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: كان يصوم حتى نقول: قد صام، قد صام ويفطر حتى نقول: قد أفطر، قد أفطر، وما رأيته صام شهراً كاملاً منذ قدم المدينة، إلا أن يكون رمضان". وفي رواية (1) قالت: "ما علمته صام شهراً كله إلا رمضان، ولا أفطره كله حتى يصوم منه، حتى مضى لسبيله". 3834 - * روى مالك عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم، حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا شهر رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياماً في شعبان". وفي رواية (2) عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: "سألت عائشة عن صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: كان يصوم، حتى نقول: قد صام، ويفطر، حتى نقول: قد افطر، ولم أره صائماً من شهر قط أكثر من صيامه من شعبان كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلاً". وفي رواية (3) الترمذي قالت: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر أكثر صياماً منه في شعبان، كان يصومه إلا قليلاً، بل كان يصومه كله".

_ 3832 - النسائي (4/ 202) 22 - كتاب الصيام، 70 - صوم النبي صلى الله عليه وسلم وإسناده حسن. (يسرد) سردت الصوم: إذا تابعت بعضه بعضاً من غير إفطار. 3833 - مسلم (2/ 810) الموضع السابق. (1) مسلم: الموضع السابق. الترمذي (3/ 139) 6 - كتاب الصوم، 57 - باب ما جاء في سرد الصوم. النسائي (4/ 199) 22 - كتاب الصيام، 70 - صوم النبي صلى الله عليه وسلم. 3834 - الموطأ (1/ 309) 18 - كتاب الصيام، 22 - باب جامع الصيام. البخاري (4/ 213) 30 - كتاب الصوم، 52 - باب صوم شعبان. مسلم (2/ 810) 13 - كتاب الصيام، 34 - باب صيام النبي صلى الله عليه وسلم في غير رمضان. (2) مسلم (2/ 811) الموضع السابق. (3) الترمذي (3/ 114) 6 - كتاب الصوم، 37 - باب ما جاء في وصال شعبان برمضان.

وفي أخرى أبي داود (1) قالت: "كان أحب الشهور إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصومه: شعبان، ثم يصله برمضان". وأخرج النسائي (2) أيضاً رواية الترمذي وأبي داود. وللنسائي (3) أيضاً قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، وكان يصوم شعبان، أو عامة شعبان"ز وفي أخرى (4) له قالت: "لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لشهر أكثر صياماً منه لشعبان، كان يصومه أو عامته". وفي أخرى (5) له قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان إلا قليلاً". وفي أخرى (6): "كان يصوم شعبان كله". وفي رواية البخاري ومسلم (7) قالت: "لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهراً أكثر من شعبان، فإنه كان يصوم شعبان كله، وكان يقول: خذوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وأحب الصلاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم: ما دوم عليه، وإن قلت، وكان إذا صلى صلاة داوم عليها". 3835 - * روى الترمذي عن أم سلمة (رضي الله عنها) قالت: "ما رأيت رسول الله

_ أبو داود (2/ 324) كتاب الصوم، باب كيف كان يصوم النبي صلى الله عليه وسلم. النسائي (4/ 200، 201) 22 - كتاب الصيام، 70 - صوم النبي صلى الله عليه وسلم. (1) أبو داود (2/ 323) الموضع السابق. (2) النسائي (4/ 200) الموضع السابق. (3) النسائي (4/ 200، 201) الموضع السابق. (4) النسائي: الموضع السابق. (5) النسائي: الموضع السابق. (6) النسائي: الموضع السابق. (7) البخاري (4/ 213) 30 - كتاب الصوم، 52 - باب صوم شعبان. مسلم (2/ 811) 13 - كتاب الصيام، 34 - باب صيام النبي صلى الله عليه وسلم. (لا يمل حتى تملوا) أراد: أن الله لا يقطع فضله حتى تملوا سؤاله. 3835 - الترمذي (3/ 113) 6 - كتاب الصوم، 37 - باب ما جاء في وصال شعبان برمضان، وحسنه الترمذي.

صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان". وعند أبي داود (1) "لم يكن يصوم من السنة تاماً إلا شعبان، كان يصله برمضان". وأخرج النسائي الروايتين. وله في أخرى (2) "ما رأيه يصوم شهرين متتابعين، إلا أنه كان يصل شعبان برمضان". ولا يتعارض هذا مع النص السابق: "ما رأيته صام شهراً كاملاً منذ قدم المدينة إلا أن يكون رمضان" إذ المراد بصوم شعبان تاماً: أكثره، نقل الترمذي عن ابن المبارك قوله عن هذا: هو جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقال صام الشهر كله. ويقال: قام فلان الليل أجمع، ولعله تعشى أو اشتغل ببعض أمره، كأن ابن المبارك قد رأى كلا الحديثين متفقين. يقول: إنما معنى هذا الحديث أنه كان يصوم أكثر الشهر. سنن الترمذي (3/ 114). 3836 - * روى النسائي عن أسامة بن زيد (رضي الله عنهما) قال: "قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم". أقول: الظاهر من النص أن الناس كانوا يهتمون بالصيام في رجب ويغفلون شعبان فأظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم اهتمامه بشعبان ومن ها هنا أخذ بعض الناس صيام رجب وشعبان ورمضان متتابعة كما أن قوله عليه الصلاة والسلام بأنه شهر ترفع فيه الأعمال بنى عليه بعضهم أن اليوم الذي ترفع فيه الأعمال هو ليلة النصف من شعبان فزادوها بمزيد عناية وإن كانت الآثار الواردة فيها ضعيفة.

_ (1) أبو داود (2/ 323) كتاب الصوم، باب في صوم شعبان. النسائي (4/ 200) 22 - كتاب الصيام، 70 - صوم النبي صلى الله عليه وسلم. (2) النسائي: الموضع السابق. 3836 - النسائي (4/ 201) وإسناده حسن.

- صيام الإثنين والخميس

- صيام الإثنين والخميس: 3837 - * روى الترمذي عن عائشة (رضي الله عنها) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتحرى صيام يوم الإثنين والخميس". وفي رواية للنسائي (1) "أن رجلاً سأل عائشة عن الصيام؟ فقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان كله، ويتحرى صيام يوم الإثنين والخميس". وفي أخرى (2) له قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان ورمضان، ويتحرى يوم الإثنين والخميس". وفي أخرى (3) "كان يصوم الإثنين والخميس". 3838 - * روى الترمذي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تعرض الأعمال على الله يوم الإثنين ويوم الخميس، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم". 3839 - * روى أبو داود عن مولى أسامة بن زيد "أنه انطلق مع أسامة إلى وادي القرى في طلب مال له، فكان يصوم الإثنين والخميس، فقال له مولاه: لم تصوم الإثنين والخميس، وأنت شيخ كبير؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم الإثنين والخميس، فسئل عن ذلك؟ فقال: إن أعمال الناس تعرض يوم الإثنين ويوم الخميس". 3840 - * روى ابن خزيمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تعرض أعمال

_ 3837 - الترمذي (3/ 121) 6 - كتاب الصوم، 44 - باب ما جاء في صوم يوم الإثنين والخميس. النسائي (4/ 202). (1) النسائي (4/ 153) 22 - كتاب الصيام، 36 - ذكر الاختلاف على خالد بن معدان في هذا الحديث. (2) النسائي: الموضع السابق. (3) النسائي (4/ 203)، وإسناده صحيح. 3838 - الترمذي (3/ 122) 6 - كتاب الصوم، 44 - باب ما جاء في صوم يوم الإثنين والخميس، وإسناده حسن بشواهده. 3839 - أبو داود (2/ 325) كتاب الصوم، باب في صوم الإثنين والخميس، وإسناده حسن. 3840 - ابن خزيمة (3/ 299) 175 - باب استحباب صوم يوم الإثنين والخميس، وهو صحيح.

الناس في كل جمعة مرتين، يوم الإثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل مؤمن إلا عبد بينه وبين أخيه شحناء، فيقول: اتركوا أو أرجئوا هذين حتى يفيئا". 3841 - * روى أبو داود عن حفصة (رضي الله عنها) قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من الشهر: الإثنين والخميس، والإثنين من الجمعة الأخرى". وللنسائي (1) في أخرى بزيادة في أوله قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه جعل كفه اليمنى تحت خده الأيمن، وكان يصوم الإثنين والخميس". 3842 - * روى أبو داود عن هنيدة الخزاعي عن أمه قالت: "دخلت على أم سلمة، فسألتها عن الصيام؟ فقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر، أولها الإثنين والخميس". وفي رواية النسائي (2) "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام: الإثنين والخميس من هذه الجمعة، والإثنين من المقبلة". وفي أخرى (3) "أول إثنين من الشهر، ثم الخميس، ثم الخميس الذي يليه". وفي أخرى (4) "كان يأمر بصيام ثلاثة أيام: أول خميس، والإثنين، والإثنين". 3843 - * روى النسائي عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر: يوم الإثنين من أول الشهر، والخميس الذي يليه، ثم الخميس الذي يليه".

_ 3841 - أبو داود (2/ 328) كتاب الصوم، باب من قال: الإثنين والخميس. النسائي (4/ 203) 22 - كتاب الصيام، 70 - صوم النبي صلى الله عليه وسلم. (1) النسائي، الموضع السابق، وهو حديث حسن. 3842 - أبو داود (2/ 328). (2) النسائي (4/ 203) نفس الموضع السابق. (3) النسائي (4/ 220) 82 - كيف يصوم ثلاثة أيام من كل شهر. (4) النسائي (4/ 221) وهو حديث حسن. 3843 - النسائي (4/ 220) 22 - كتاب الصيام، 83 - كيف يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وهو حديث حسن.

- الأيام البيض

3844 - * روى الترمذي عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من الشهر: السبت والأحد والإثنين، ومن الشهر الآخر: الثلاثاء والأربعاء والخميس". - الأيام البيض: 3845 - * روى أبو داود عن عبد الملك بن ملحان القيسي عن أبيه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نصوم البيض: ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة، قال: وقال: هن كهيئة الدهر". وللنسائي (1) من عبد الملك عن أبيه- ولم يسم أباه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بهذه الأيام الثلاث البيض، ويقول: هن صيام الشهر". 3846 - * روى النسائي عن أبي ذر الغفاري (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر، إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام، فصم ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة". وفي رواية النسائي (2) قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصوم من الشهر ثلاثة أيام البيض: ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة". وله في أخرى (3) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صمت شيئاً فصم ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة".

_ 3844 - الترمذي (3/ 122) 6 - كتاب الصوم، 44 - باب ما جاء في صوم الإثنين والخميس، وقال: هذا حديث حسن، وقال: وروى عبد الرحمن بن مهدي هذا الحديث عن سفيان ولم يرفعه. قال الحافظ في الفتح: وهو أشبه. 3845 - أبو داود (2/ 328) كتاب الصوم، باب في صوم الثلاث من كل شهر. (1) النسائي (4/ 224) 22 - كتاب الصيام، 84 - ذكر الاختلاف على موسى بن طلحة في الخبر في صيام ثلاثة أيام من الشهر. (أيام البيض) الأيام البيض من كل شهر: ثالث عشر، ورابع عشر، وخامس عشر، وسميت بيضاً لأن لياليها بيض، لطلوع القمر فيها من أولها إلى آخرها، ولابد من حذف مضاف، تقديره: أيام الليالي البيض. 3846 - النسائي (4/ 223) 22 - كتاب الصيام، 84 - ذكر الاختلاف على موسى بن طلحة في الخبر. (2) النسائي (4/ 222). (3) النسائي (4/ 223).

وفي أخرى (1): أن النبي صلى الله عليه وسلم: قال لرجل: "عليك بصيام ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة". وفي أخرى (2) "أمر رجلاً". وفي أخرى (3) عن ابن الحوتكية قال: قال أبي: "جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه أرنب قد شواها، وخبز، فوضعها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: إني وجدتها تدمى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: لا يضر، كلوا، وقال للأعرابي: كل، قال: إني صائم، قال: صوم ماذا؟ قال: صوم ثلاثة أيام من الشهر، قال: إن كنت صائماً فعليك بالغر البيض: ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة". قال النسائي: الصواب: عن أبي ذر، ويشبه أن يكون وقع من الكُتَّاب "ذر" فقيل: "أبي". وفي أخرى (4) عن موسى بن طلحة "أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم بأرنب وكان النبي صلى الله عليه وسلم مد يده إليها، فقال الذي جاء بها. إني رأيت بها دماءً، فكف رسول الله صلى الله عليه وسلم يده، وأمر القوم أن يأكلوا، وكان في القوم رجل منتبذ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مالك؟ قال: إني صائم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: فهلا ثلاث البيض: ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة؟ ". وفي أخرى (5) نحوه، وفيه "وقال لمن عنده: كلوا، فإني لو اشتهيتها أكلتها". أقول: لقد انصب الندب في هذه النصوص على ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة من كل شهر، فلو أن إنساناً أفرد يوم الخامس عشر بالصوم فله ذلك، ولذلك فإننا لا ننكر

_ (1) النسائي (4/ 223). (2) النسائي (4/ 223). (3) النسائي (4/ 223). (تدمي) أي: أنها ترى الدم، وذلك أن الأرنب يجيئها الدم، كما تحيض المرأة. (4) النسائي (4/ 223). (منتبذ) الانتباذ: الانفراد والتنحي عن الناس. (5) النسائي (4/ 223)، وإسناده حسن.

على من صام يوم الخامس عشر من شعبان. 3847 - * روى النسائي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: "جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأرنب قد شواها فوضعها بين يديه، فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يأكل، وأمر القوم أن يأكلوا، وأمسك الأعرابي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما يمنعك أن تأكل؟ قال: إني أصوم ثلاثة أيام من الشهر، قال: إن كنت صائماً فصم الغر". الغر: المراد بها الأيام البيض الثلاثة. وهو مأخوذ من غرة الفرس، وهو البياض الذي يكون في وجهه. 3848 - * روى النسائي عن جرير بن عبد الله (رضي الله عنهما) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صيام ثلاثة أيام من كل شهر: صيام الدهر، وأيام البيض: صبيحة ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة". 3849 - * روى النسائي عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفطر أيام البيض في حضر ولا سفر". 3850 - * روى الترمذي عن أبي ذر الغفاري (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صام من كل شهر ثلاثة أيام فذلك صيام الدهر، فأنزل الله تصديق ذلك في كتابه: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} (1) اليوم بعشرة أيام". وفي رواية النسائي (2) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صام ثلاثة أيام من الشهر فقد صام الدهر كله، ثم قال: صدق الله في كتابه: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}.

_ 3847 - النسائي (4/ 222) 22 - كتاب الصيام، 84 - ذكر الاختلاف على موسى بن طلحة في الخبر في صيام ثلاثة أيام من الشهر، وهو حسن لغيره. 3848 - النسائي (4/ 221) 22 - كتاب الصيام، 83 - كيف يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وهو حديث حسن. 3849 - النسائي (4/ 198) 70 - صوم النبي صلى الله عليه وسلم، وإسناده حسن. 3850 - الترمذي (3/ 135) 6 - كتاب الصوم، 54 - باب ما جاء في صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وقال الترمذي: وقد روي هذا الحديث عن أبي هريرة. (1) الأنعام: 160. (2) النسائي (4/ 219).

- التطوع بصيام ثلاثة أيام مطلقا من كل شهر

وله في أخرى (1) "من صام ثلاثة أيام من كل شهر فقد تم صوم الشهر، أو: فله صوم الشهر". 3851 - * روى النسائي عن عمرو بن شرحبيل (رحمه الله) عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: رجل يصوم الدهر؟ فقال: وددت أنه لم يطعم الدهر، قالوا: فثلثيه؟ قال: أكثر، قالوا: فنصفه؟ قال: أكثر، ثم قال: ألا أخبركم بما يذهب وحر الصدر؟ صوم ثلاثة أيام من كل شهر". وفي أخرى (2) عن عمرو بن شرحبيل قال: "أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله، ما تقول في رجل صام الدهر كله؟ ... الحديث". أقول: قوله عليه السلام يذهب (وحر الصدر) يدل على أن الصوم له آثاره النفسية كإزالة بعض أمراضها، ومن ها هنا كان على الدعاة أن يعالجوا أنفسهم وأنفس غيرهم بالصوم. 3852 - * روى أحمد عن يزيد بن عبد الله بن الشخير عن الأعرابي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول: صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن وحر الصدر". - التطوع بصيام ثلاثة أيام مطلقاً من كل شهر: 3853 - * روى مسلم عن معاذة بنت عبد الرحمن العدوية قالت: سألت عائشة: "أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام؟ قالت: نعم، قلت لها: من أي أيام الشهر كان يصوم؟ قالت: لم يكن يبالي من أي أيام الشهر يصوم".

_ (1) النسائي: الموضع السابق. 3851 - النسائي (4/ 208) 22 - كتاب الصيام، 75 - صوم ثلثي الدهر. (2) النسائي: الموضع السابق. وإسناده حسن. 3852 - أحمد (5/ 263). مجمع الزوائد (3/ 196) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير إلا أنه قال ثنا رجل من عكل. ورجال أحمد رجال الصحيح. (وحر الصدر) أي غشه ووساوسه، وقيل الحقد والغيظ، وقيل العداوة وقيل أشد الغضب. نهاية 5/ 160. 3853 - مسلم (2/ 818) 13 - كتاب الصيام، 36 - باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر ... إلخ. أبو داود (2/ 328) كتاب الصوم، باب من قال: لا يبالي من أي الشهر.

3854 - * روى النسائي عن عثمان بن أبي العاص (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "صيام حسن: صيام ثلاثة أيام من كل شهر". 3855 - * روى النسائي عن أبي عقرب البكري الكناني (رضي الله عنه) أنه: "سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصوم، فقال: صم يوماً من كل شهر، فاستزاده، فقال: بأبي أنت وأمي، إني أجدني قوياً، فزاده، فقال: صم يومين من كل شهر، قال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، إني أجدني قوياً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أجدني قوياً، إني أجدني قوياً! فما كاد أن يزيده، فلما ألح عليه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صم ثلاثة أيام من كل شهر. وفي رواية (2) قال: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصوم، فقال: صم يوماً من الشهر، قلت: يا رسول الله زدني قال: تقول: يا رسول الله زدني زدني يومين من كل شهر، قلت: يا رسول زدني زدني، إني أجدني قوياً، فقال: زدني زدني، إني أجدني قوياً! فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننت أنه ليزيدني قال: صم ثلاثة أيام من كل شهر". أقول: إن استئذان رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء مندوب قد يعجب منه بعض الناس، ولكن إذا عرفنا أن الإذن له بركته وأنه به يسهل الله على المأذون له العمل، لم نعجب لذلك. 3856 - * روى النسائي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر: صوم الدهر".

_ (1) الترمذي (3/ 135) 6 - كتاب الصوم، 54 - باب ما جاء في صوم ثلاثة أيام من كل شهر. 3854 - النسائي (4/ 219) 22 - كتاب الصيام، 82 - ذكر الاختلاف على أبي عثمان ... إلخ، وإسناده صحيح. 3855 - النسائي (4/ 225) 22 - كتاب الصيام، 82 - باب صوم يومين من الشهر. (2) النسائي: نفس الموضع السابق، وإسناده حسن. 3856 - النسائي (4/ 218) 22 - كتاب الصيام، 82 - باب ذكر الاختلاف على أبي عثمان ... إلخ، وإسناده صحيح. (شهر الصبر): هو شهر رمضان، وأصل الصبر: الحبس، وسمي الصيام صبراً: لما فيه من حبس النفس عن الطعام، والشراب، والنكاح.

3857 - * روى أبو داود عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من غرة كل شهر ثلاثة أيام". وزاد الترمذي (1) والنسائي (2) "وقلما كان يفطر يوم الجمعة". 3858 - * روى الجماعة إلا الموطأ عن أبي هريرة وأبي الدرداء (رضي الله عنهما) قال كلاهما: "أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث لا أدعهن في سفر ولا حضر: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، ولا أنام إلا على وتر، وسبحة الضحى". 3859 - * روى الشيخان عن علقمة (رحمه الله) قال: قلت لعائشة: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يختص يوماً من الأيام شيئاً؟ قالت: لا، كان عمله ديمة وأيكم يطيق ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيق؟ ". 3860 - * روى الطبراني عن أبي قيس مولى عمرو "أن عمراً كان يسرد الصوم". أقول: لم يرى بعض الأئمة بأساً بسرد الصوم إذا كان الإنسان يتجنب يومي العيد وأيام التشريق، وكان ذلك لا يضره ولا يشق عليه، ولا يضعفه عن القيام بالواجبات الأخرى. 3861 - * روى أحمد عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن في الجنة

_ 3857 - أبو داود (2/ 328) كتاب الصوم، باب في صوم الثلاث من كل شهر. (غرة كل شهر): أوله، ويقال للثلاثة أيام من أول الشهر: غرر. (1) الترمذي (3/ 118) 6 - كتاب الصوم، 41 - باب ما جاء في صوم يوم الجمعة. (2) النسائي (4/ 204) 22 - كتاب الصيام، 70 - باب صوم النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي ... إلخ، وإسناده حسن. 3858 - البخاري (3/ 56) 19 - كتاب التهجد، 33 - باب صلاة الضحى في الحضر. مسلم (1/ 499) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 13 - باب استحباب صلاة الضحى ... إلخ. أبو داود (2/ 65، 66) كتاب الصوم، باب في الوتر قبل النوم. الترمذي (3/ 133، 134) 6 - كتاب الصوم، 54 - باب ما جاء في صوم ثلاثة أيام من كل شهر. النسائي (4/ 218) 22 - كتاب الصيام، 81 - صوم ثلاثة أيام من الشهر. 3859 - البخاري (4/ 235) 30 - كتاب الصوم، 64 - باب هل يخص شيئاً من الأيام. مسلم (1/ 541) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 30 - باب فضيلة العمل الدائم ... إلخ. (ديمة) الديمة: المطر الدائم في سكون، فتشبه به الأعمال الدائمة مع القصد والرفق. 3860 - مجمع الزوائد (3/ 193) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. 3861 - أحمد (5/ 343).

- صيام يوم وإفطار يوم

غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها الله لمن أطعم الطعام وألان الكلام وتابع الصيام وصلى والناس نيام". 3862 - * روى أحمد عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الشتاء ربيع المؤمن". - صيام يوم وإفطار يوم: 3863 - * روى ابن خزيمة عن عبد الله بن عمرو قال: كنت رجلاً مجتهداً، فزوجني أبي، ثم زارني، فقال للمرأة: كيف تجدين بعلك؟ فقالت: نعم الرجل من رجل لا ينام ولا يفطر. قال: فوقع بي أبي، ثم قال: زوجتك امرأة من المسلمين فعضلتها، فلم أبال ما قال لي مما أجد من القوة والاجتهاد إلى أن بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "لكني أنام وأصلي وأصوم وأفطر، فنم وصل وأفطر، وصم من كل شهر ثلاثة أيام". فقلت: يا رسول الله أنا أقوى من ذلك. قال: "فصم صوم داود، صم يوماً وأفطر يوماً، واقرأ القرآن في كل شهر". قلت: يا رسول الله أنا أقوى من ذلك. قال: "اقرأه في خمس عشرة". قلت: يا رسول الله أنا أقوى من ذلك. قال حصين: فذكر لي منصور عن مجاهد أنه بلغ سبعاً، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي، فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك". فقال عبد الله: لأن أكون قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي من أن يكون لي مثل أهلي ومالي، وأنا اليوم شيخ قد كبرت وضعفت، وأكره أن أترك ما أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

_ مجمع الزوائد (3/ 192) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات. 3862 - أحمد (3/ 75). أبو يعلى (2/ 324). مجمع الزوائد (3/ 200) وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى وإسناده حسن. 3863 - ابن خزيمة (3/ 293، 294) كتاب الصيام، 164 - باب استحباب صوم يوم وإفطار يوم ... إلخ، وإسناده صحيح.

الفصل الثامن فيما يحرم صيامه أو يكره

الفصل الثامن فيما يحرم صيامه أو يكره

- النهي عن تطوع المرأة بالصيام إلا بإذن زوجها إن كان حاضرا

- النهي عن تطوع المرأة بالصيام إلا بإذن زوجها إن كان حاضراً: 3864 - * روى البخاري عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه" هكذا في رواية البخاري ولم يزد عليه. وقد اتفق هو ومسلم عليه في رواية أخرى في جملة حديث ذكر في "باب الصدقة". وزاد أبو داود (1) في هذه الرواية "في غير رمضان، ولا تأذن في بيته وهو شاهد إلا بإذنه". وفي رواية (2) الترمذي: "لا تصوم المرأة وزوجها شاهد يوماً من غير شهر رمضان إلا بإذنه". 3865 - * روى ابن خزيمة عن أبي هريرة بلغ به: "لا تصوم المرأة يوماً من غير شهر رمضان وزوجها شاهد إلا بإذنه". أقول: يكره للزوجة أن تصوم تطوعاً إلا بإذن زوجها، إلا إذا كان غائباً أو محرماً أو كانت تعلم أنه غير محتاج إليها، لكن لو احتاج إليها فإنها تفطر. - النهي عن صيام يومي الفطر والنحر: 3866 - * روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال قزعة: سمعت منه حديثاً فأعجبني، فقلت له: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فأقول على

_ 3864 - البخاري (9/ 293) 67 - كتاب النكاح، 84 - باب صوم المرأة بإذن زوجها تطوعاً. مسلم (2/ 711) 12 - كتاب الزكاة، 26 - باب ما أنفق العبد من مال مولاه. (1) أبو داود (2/ 330) كتاب الصوم، باب المرأة تصوم بغير إذن زوجها. (2) الترمذي (3/ 151) 6 - كتاب الصوم، 65 - باب ما جاء في كراهية صوم المرأة إلا بإذن زوجها. 3865 - ابن خزيمة (3/ 319) 207 - باب النهي عن صوم المرأة تطوعاً بغير إذن زوجها، وإسناده صحيح. 3866 - البخاري (4/ 239) 30 - كتاب الصوم، 66 - باب صوم يوم الفطر. مسلم (2/ 799) 13 - كتاب الصيام، 22 - باب النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى.

- النهي عن صيام أيام التشريق

رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم أسمع؟ قال: سمعته يقول: "لا يصلح الصيام في يومين: يوم الفطر، ويوم الأضحى". وفي رواية (1) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين: يوم الفطر، ويوم النحر". وعند البخاري قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الفطر ويوم النحر، وعن الصماء، وأن يحتبي الرجل في ثوب واحد، وعن الصلاة بعد الصبح والعصر". 3867 - * روى مالك عن أبي هريرة (رضي الله عنه) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يوم الأضحى والفطر". 3868 - * روى مسلم عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يومين: يوم الفطر، ويوم الأضحى". - النهي عن صيام أيام التشريق: 3869 - * روى أحمد بن سعد بن أبي وقاص قال: "أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنادي أيام منى: أنها أيام أكل وشرب. ولا صوم فيها، يعني أيام التشريق". 3870 - * روى الشيخان عن أبي عبيد سعد بن عبيد- مولى ابن أزهر- عن عمر وعلي مسنداً، وعن عثمان موقوفاً "أنه شهد العيد مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فصلى

_ (1) مسلم (2/ 800) نفس الموضع السابق. (الصماء) اشتمال الصماء: هيئة مخصوصة من اللبس. (يحتبي) الاحتباء، أن يجمع الإنسان بين ظهره وركبتيه بحبل أو ثوب فيستند إليه. 3867 - الموطأ (1/ 300) 18 - كتاب الصيام، 12 - باب صيام يوم الفطر والأضحى والدهر. مسلم (2/ 800). 3868 - مسلم، الموضع السابق. 3869 - أحمد (1/ 169). كشف الأستار (1/ 498) باب النهي عن صوم أيام التشريق. مجمع الزوائد (3/ 202) وقال الهيثمي: رواه أحمد وفي رواية عنده أيضاً يا سعد قم فأذن بمنى فذكر نحوه ورواه البزار ورجال الجميع رجال الصحيح. 3870 - البخاري (10/ 24) 73 - كتاب الأضاحي، 16 - باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي.

قبل الخُطبة، ثم خطب الناس، فقال: يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاكم عن صيام هذين العيدين- وقال بعضهم: اليومين- الفطر، والأضحى، أما أحدهما: فيوم فطركم من صيامكم، وأما الآخر: فيوم تأكلون فيه من نسككم، قال أبو عبيد: ثم شهدته مع عثمان بن عفان رضي الله عنه، فصلى قبل أن يخطب، وكان ذلك يوم جمعة، فقال لأهل العوالي: من أحب أن ينتظر الجمعة فليفعل، ومن أحب أن يرجع إلى أهله فقد أذنا له، ثم شهدته مع علي رضي الله عنه، فصلى قبل الخطبة، ثم خطب فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهاكم أن تأكلوا من لحوم نسككم فوق ثلاث". أقول: قوله "إن الله نهاكم أن تأكلوا من لحوم نسككم" أي من هديكم أو أضاحيكم فوق ثلاثة أيام، وهو حكم منسوخ. وأخرجه الترمذي قال: "شهدت عمر بن الخطاب رضي الله عنه في يوم نحر بدأ بالصلاة قبل الخُطبة، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن صوم هذين اليومين، أما يوم الفطر: ففطركم من صومكم، وعيد المسلمين، وأما يوم الأضحى: فكلوا من لحم نسككم". 3871 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) "جاء إليه رجل فقال: إني نذرت أن أصوم يوماً، فوافق يوم أضحى، أو فطر، فقال ابن عمر: أمر الله بوفاء النذر، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم هذا اليوم". أقول: من نذر صيام يوم العيد أو وافق نذره يوم عيد فيجب عليه أن يفطر ويصوم يوماً غيره.

_ مسلم (3/ 1560) 35 - كتاب الأضاحي، 5 - باب بيان ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث ... إلخ. الترمذي (3/ 141) 6 - كتاب الصوم، 58 - باب ما جاء في كراهية الصوم يوم الفطر والنحر. (نسككم) النسك ها هنا: الذبيحة، يريد بها الضحية. 3871 - البخاري (4/ 240) 30 - كتاب الصوم، 67 - باب صوم يوم النحر. مسلم (2/ 800) 13 - كتاب الصيام، 22 - باب النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى.

3872 - * روى مالك عن أبي مرة- مولى أم هانئ- قال: "أخبرني عبد الله بن عمرو: أنه دخل على أبيه في أيام التشريق، فوجده يأكل، قال: فدعاني، فقلت له: لا آكل، إني صائم، فقال: كل، فإن هذه الأيام التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بإفطارها، وينهى عن صيامها". وفي رواية (1) أبي داود "أنه دخل مع عبد الله بن عمرو على أبيه، فقرَّب إليه طعاماً، فقال: كل، فقال: إني صائم، فقال عمرو: كل فهذه الأيام التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بإفطارها، وينهى عن صيامها". قال مالك: هي أيام التشريق. 3873 - * روى أبو داود عن عقبة بن عامر (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق: عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب". أقول: ذكره يوم عرفة مع يوم النحر وأيام التشريق محمول على أن الأفضل للحاج أن يفطر يوم عرفة مع العلم أنه يسن صيام يوم عرفة لغير الحاج، وقد ترخص بعض الصحابة فكان يصوم يوم عرفة وهو حاج. 3874 - * روى البخاري عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) قال: "الصيام تمتع بالعمرة على الحج إلى يوم عرفة، فإن لم يجد هدياً ولم يصم صام أيام منى". وعن عائشة (2) مثله، وقال: "لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي".

_ 3872 - الموطأ (1/ 376، 377) 20 - كتاب الحج، 44 - باب ما جاء في صيام أيام منى. (1) أبو داود (2/ 320) كتاب الصوم، باب صيام أيام التشريق، وإسناده صحيح. (أيام التشريق): ثلاثة أيام بعد يوم النحر، سميت بذلك لأنهم كانوا يشرقون فيها لحوم الأضاحي في الشمس. 3873 - أبو داود: نفس الموضع السابق ص 320، وإسناده حسن. الترمذي (3/ 143) 6 - كتاب الصوم، 59 - باب ما جاء في كراهية الصوم في أيام التشريق. النسائي (5/ 252) 24 - كتاب مناسك الحج، 195 - النهي عن صوم يوم عرفة. 3874 - البخاري (4/ 242) 30 - كتاب الصوم، 68 - باب صيام أيام التشريق. (2) البخاري: نفس الموضع السابق.

أقول: القارن بين الحج والعمرة والمتمتع بينهما يفترض عليه أن يذبح فإن لم يجد فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع، فإن صام هذه الثلاثة أيام قبل يوم العيد فهو أفضل وإلا فله أن يصوم أيام التشريق. فالضمير في أن "يصمن" يعود على أيام التشريق. 3875 - * روى مسلم عن نبيشة الهذلي (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيام التشريق أيام أكل وشرب، وذكر الله". 3876 - * روى مالك عن محمد بن شهاب الزهري (رحمه الله) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "بعث عبد الله بن حذافة أيام منى يطوف، يقول: إنما هي أيام أكل وشرب وذكر الله". 3877 - * روى النسائي عن بشر بن سحيم (رضي الله عنه) "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن ينادي في أيام التشريق: أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن، وهي أيام أكل وشرب". 3878 - * روى مسلم عن كعب بن مالك (رضي الله عنه) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه وأوس بن الحدثان أيام التشريق، فناديا: إنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن، وأيام منى أيام أكل وشرب". 3879 - * روى أحمد عن أبي الشعثاء قال: أتينا ابن عمر في اليوم الأوسط من أيام التشريق قال: فأتي بطعام فأتي القوم وتنحى ابن له قال فقال له: ادن فاطعم، فقال: إني صائم، قال: فقال: أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنها أيام طعم وذكر". - الصيام بعد النصف من شعبان: 3880 - * روى أبو داود عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ 3875 - مسلم (2/ 800) 13 - كتاب الصيام، 23 - باب تحريم صوم أيام التشريق. 3876 - الموطأ (1/ 376) 20 - كتاب الحج، 44 - باب ما جاء في صيام أيام منى، وإسناده صحيح. 3877 - النسائي (8/ 104) 47 - كتاب الإيمان وشرائعه، 7 - تأويل قوله عز وجل {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا}. 3878 - مسلم (2/ 800). 3879 - أحمد (2/ 39) ورجاله رجال الصحيح. 3880 - أبو داود (2/ 301) كتاب الصوم، 12 - باب في كراهية ذلك.

يقول: "إذا انتصف شعبان فلا تصوموا". وفي رواية الترمذي (1) "إذا بقي نصف من شعبان فلا تصوموا". وهذا الحديث محمول على من يضعفه الصوم، والحديث بعده مخصوص بمن يحتاط بزعمه لرمضان وهذا عند أكثر الفقهاء. 3881 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا أن يكون رجلاً كان يصوم صوماً فليصمه". أقول: استثناء من له عادة بالصوم أن يصوم نفلاً قبيل رمضان أصل استند عليه الحنفية في أن من صام يوم الشك نافلة فلا حرج عليه، ومن تحقيقات الشافعية يحرم صوم النصف الأخير من شعبان الذي منه يوم الشك، إلا الورد أو نذر مستقر في ذمته أو قضاء لنفل أو فرض أو كفارة أو وصل صوم ما بعد النصف بما قبله ولو بيوم النصف. 3882 - * روى النسائي عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تتقدموا الشهر بصيام يوم أو يومين، إلا أن يوافق ذلك يوماً كان يصومه أحدكم". 3883 - * روى الشيخان عن عمران بن حصين (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما صمت من سرر هذا الشهر؟ - يعني: آخر شعبان- قال: لا، قال: إذا أفطرت فصم يومين".

_ (1) الترمذي (3/ 115) 6 - كتاب الصوم، 38 - باب ما جاء في كراهية الصوم في النصف الثاني من شعبان لحال رمضان، وإسناده صحيح. 3881 - البخاري (4/ 128) 30 - كتاب الصوم، 14 - باب لا يتقدم رمضان بصوم يوم ولا يومين. مسلم (2/ 762) 13 - كتاب الصيام، 3 - باب لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين. أبو داود (2/ 300) كتاب الصوم، فيمن يصل شعبان برمضان. الترمذي (3/ 69) 6 - كتاب الصوم، 2 - باب ما جاء لا تقدموا الشهر بصوم. 3882 - النسائي (4/ 149) 22 - كتاب الصيام، 31 - التقدم قبل شهر رمضان. 3883 - البخاري (4/ 230) 30 - كتاب الصوم، 62 - باب الصوم من آخر الشهر.

- في يوم الشك

وفي رواية (1) قال: "أصمت سرر هذا الشهر؟ قال: أظنه يعني رمضان". وفي أخرى (2) "من سرر شعبان"، قال البخاري: "وشعبان" أصح. وفي رواية (3) أبي داود قال: "هل صمت من سرر شعبان شيئاً؟ قال: لا، قال: فإذا أفطرت فصم يوماً". وفي أخرى (4) قال: "يومين". أقول: أخذ بهذا الحديث الحنفية فأجازوا أن يتنفل الإنسان قبل رمضان مباشرة بل أجازوا صيام يوم الشك بنية النفل فإن كان من رمضان وقع عنه لأن رمضان معيار لا يسع غيره، وظاهر الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم ندب من لم يصم أواخر شعبان أن يصوم يومين في ما بعد رمضان تنبيهاً على عظمة أجر صيام الأيام الأخيرة من شعبان. - في يوم الشك: 3884 - * روى أبو داود عن صلة بن زفر قال: "كنا عند عمار في اليوم الذي يشك فيه من شعبان، أو رمضان، فأتينا بشاة مصلية، فتنحى بعض القوم، فقال: إني صائم، فقال عمار: من صام هذا اليوم قد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم". قال الحافظ في "الفتح": وله متابع بإسناد حسن أخرجه ابن أبي شيبة، وقال الترمذي: حديث عمار حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين، وبه يقول سفيان الثوري ومالك بن أنس،

_ مسلم (2/ 820) 13 - كتاب الصيام، 37 - باب صوم سرر شعبان. (1) مسلم (2/ 821). (سر الشهر): آخره، وكذلك سره وسراره. (2) مسلم ص 820. (3) أبو داود (2/ 298، 299) كتاب الصوم، 8 - باب في التقدم. (4) أبو داود (2/ 229). 3884 - أبو داود (2/ 300). الترمذي (3/ 70) 6 - كتاب الصوم، 3 - باب ما جاء في كراهية صوم يوم الشك. النسائي (4/ 153) 22 - كتاب الصيام، 37 - صيام يوم الشك.

وعبد الله بن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، كرهوا أن يصوم الرجل اليوم الذي يشك فيه. أقول: هذا محمول على من يحتاط بزعمه لرمضان ومن ههنا فإن الحنفية كرهوا أن يصوم الرجل يوم الشك بنية رمضان أو بنية متلومة أي مترددة بأن كان من رمضان جعله من رمضان وإن كان من شعبان جعله نفلاً، والصورة الوحيدة التي أجازها الحنفية أن يصوم يوم الشك نفلاً، وقد أشرنا إلى ذلك. فائدة: عرف الحنفية يوم الشك فقالوا: هو آخر يوم من شعبان يوم الثلاثين إذا شك بسبب الغيم أمن رمضان هو أو من شعبان. فلو كانت السماء صحوا ولم ير الهلال أحد فليس بيوم الشك وحكمه: أنه مكروه تحريماً إذا نوى أنه من رمضان أو من واجب آخر. ولا يكره صومه نفلاً جازماً به بلا ترديد بينه وبين صوم آخر، فلا يصام يوم الشك إلا تطوعاً. وقال المالكية: يكره صومه للاحتياط على أنه من رمضان ولا يجزئه صومه عن رمضان، وجاز صومه لمن اعتاد الصوم تطوعاً وقضاء عن رمضان سابق، وكفارة عن يمين أو غيره ولنذر يوم معين، ويندب الإمساك يوم الشك ليتحقق الحال فإن ثبت رمضان وجب الإمساك لحرمة الشهر. وقال الشافعية: يوم الشك: هو يوم الثلاثين من شعبان في حال الصحو، وإذا تحدث الناس برؤية الهلال ليلته، ولم يعلم من رآه ولم يشهد برؤيته أحد. وحكمه: أنه يحرم ولا يصح التطوع بالصوم يوم الشك، وكذلك يحرم صوم يوم أو يومين قبل رمضان، ويجوز صوم يوم الشك عن القضاء والنذر والكفارة ولموافقة عادة تطوعه، ونحوه مما له سبب يقتضي الصوم، ويجب الإمساك على من أصبح يوم الشك مفطراً ثم تبين أنه من رمضان، ثم يقضيه بعد رمضان فوراً، وإن صامه متردداً بين كونه نفلاً من شعبان أو فرضاً من رمضان، لم يصح فرضاً ولا نفلاً إن ظهر أنه من رمضان. وقال الحنابلة في تحديد يوم الشك كالشافعية، وفي حكمه كما قال المالكية. والخلاصة: إن صوم يوم الشك مكروه عند الجمهور، حرام عند الشافعية، جائز تنفلاً عند الحنفية.

- النهي عن إفراد يوم الجمعة بصوم لذاته

- النهي عن إفراد يوم الجمعة بصوم لذاته: 3885 - * روى البخاري عن جويرية (رضي الله عنها) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال لها: أصمت أمس؟ قالت: لا، قال: تريدين أن تصومي غداً؟ قالت: لا، قال: فأفطري". أقول: يوم الجمعة يشبه أن يكون يوم عيد، فلذلك كره صيامه تنزيهاً إلا إذا قرن بغيره. 3886 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوماً قبله أو بعده" هذا لفظ البخاري. وعند مسلم (1) "لا يصوم أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم قبله أو يصوم بعده". وله في أخرى (2): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم". 3887 - * روى البزار عن عامر بن لدين الأشعري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن يوم الجمعة عيدكم فلا تصوموه إلا أن تصوموا قبله أو بعده. 3888 - * روى الشيخان عن محمد بن عباد قال: "سألت جابر بن عبد الله وهو

_ 3885 - البخاري (4/ 232) 30 - كتاب الصوم، 63 - باب صوم يوم الجمعة. أبو داود (2/ 321) كتاب الصوم، 50 - باب الرخصة في ذلك. 3886 - البخاري (4/ 232) 30 - كتاب الصوم، 63 - باب صوم يوم الجمعة. مسلم (2/ 801) 13 - كتاب الصيام، 24 - باب كراهية صيام يوم الجمعة منفرداً. (1) مسلم، الموضع السابق. (2) مسلم، الموضع السابق. 3887 - كشف الأستار (1/ 499) باب ما جاء في صوم يوم الجمعة. مجمع الزوائد (3/ 199) وقال الهيثمي: رواه البزار وإسناده حسن. 3888 - البخاري، الموضع السابق.

- في صيام يومي السبت والأحد

يطوف بالبيت: أنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الجمعة؟ قال: نعم ورب هذا البيت". زاد البخاري في رواية (1) "يعني: أن ينفرد بصيامه". 3889 - * روى ابن ماجة عن ابن مسعود قال: قلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر يوم الجمعة. - في صيام يومي السبت والأحد: 3890 - * روى أبو داود عن عبد الله بن بسر السلمي عن أخته الصماء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض الله عليكم، فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة أو عود شجر فليمضغه". وقال ابن حجر كما في (سبل السلام 2/ 171) ورجاله ثقات إلا أنه مضطرب وقد أنكره مالك، وقال أبو داود هو منسوخ، وقال الصنعاني: وقال النسائي: هذا حديث مضطرب، وقال أبو داود عن مالك أنه قال هذا كذب. قال في (عون المعبود 2/ 296): وقد طعن في هذا الحديث جماعة من الأئمة: مالك بن أنس وابن شهاب والأوزاعي والنسائي فلا تغتر بتحسين الترمذي وتصحيح الحاكم وإن ثبت تحسينه فلا يعارض حديث جويرية بنت الحارث وهو أن النبي دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة قال: "أصمت أمس؟ " قالت: لا، قال: "تريدين أن تصومي غداً؟ " قالت: لا، قال: "فأفطري".

_ مسلم، الموضع السابق. (1) البخاري، الموضع السابق. 3889 - ابن ماجه (1/ 549) 7 - كتاب الصيام، 37 - باب في صيام يوم الجمعة. ورواه أيضاً الترمذي وحسنه والنسائي وأحمد وقال ابن عبد البر: هو صحيح ويحمل هذا على أنه يصومه مع غيره، كذا في النيل 4/ 266. 3890 - أبو داود (2/ 320) كتاب الصوم، باب النهي أن يخص يوم السبت بصوم. وقال أبو داود: هذا حديث منسوخ (لحاء عنبة) اللحاء: قشر الشجر، وأراد به: قشر العنبة التي يجمع ماؤها. الحاكم (1/ 436) وصححه، ووافقه الذهبي.

وهذا أدل على جواز صيام يوم السبت. وقال الطيبي كما في (العيون 2/ 296): قالوا النهي عن الإفراد كما في الجمعة والمقصود مخالفة اليهود فيهما، والنهي فيهما للتنزيه عند الجمهور وما افترض: يتناول المكتوب والمنذور وقضاء الفوائت وصوم الكفارة وفي معناه ما وافق سنة مؤكدة كعرفة وعاشوراء أو وافق ورداً وزاد ابن الملك: وعشر ذي الحجة ... اهـ، وقد جمع بعض العلماء بين النصوص وقالوا إنما يكره صيام يوم السبت لمن يخصه بالصيام لذاته أي لكونه يوم السبت. أما إذا وافق يوم السبت عرفة أو ورداً أو عادة كأن يصوم يوماً ويفطر يوماً فهذا لا شيء فيه البتة. وسبب كراهية تخصيص يوم السبت لذاته لأن اليهود تعظمه. انظر (سنن الترمذي 3/ 120) وحديث رقم (744) فكل هذا يدل على أن التحريم غير وارد وأن الكراهة ثم تكونت لمن خصصه لذاته وقد رأيت أن العلماء المقدمين المتقدمين طعنوا في الحديث. وممن طعن فيه ابن القيم إذ قال: إن الحديث غير محفوظ وإنه شاذ .. وكان الزهري يقول عن حديث النهي عن صوم يوم السبت: إنه حديث حمص يريد تضعيفه. وانظر (التلخيص 2/ 216). 3891 - * روى الطبراني في الكبير عن كريب قال: أرسلني ناس إلى أم سلمة أسألها أي الأيام كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر لها صوماً؟ فقالت: السبت والأحد ويقول: "هما يوما عيد للمشركين فأحب أن أخالفهم". أقول: الظاهر أن للنية دخلاً في صيام يوم السبت أو يوم الأحد، فمن صام أحدهما تعظيماً له فذلك مكروه، ومن صام أحدهما مخالفة لليهود أو النصارى فذلك مستحب. وفي جميع ما سبق يتبين أنه لا يجوز النهي عن صيام يوم السبت إذا وافق سنة مؤكدة أو عادة لمسلم ونحو ذلك والله أعلم.

_ الترمذي (3/ 120) 6 - كتاب الصوم، 43 - باب ما جاء في صوم يوم السبت، وحسنه. 3891 - مجمع الزوائد (3/ 198) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. ورواه أيضاً النسائي والبيهقي وابن حبان والحاكم وصححه، وصححه أيضاً ابن خزيمة كذا في النيل 4/ 253.

- النهي عن مواصلة الصوم والنهي عن صيام الدهر

- النهي عن مواصلة الصوم والنهي عن صيام الدهر: 3892 - * روى أبو داود عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحجامة والمواصلة، ولم يحرمهما إبقاء على أصحابه، فقيل له: يا رسول الله إنك تواصل إلى السحر فقال: "إني أواصل إلى السَّحَرِ، وربي يطعمني ويسقيني". أقول: كره بعض الفقهاء أن يواصل الإنسان يومين أو ثلاثة أو أكثر دون أن يفطر بينهما، ورخص بعضهم بمواصلة الصوم إلى السحر، وذكر ابن كثير عن بعض الصحابة أنهم كانوا يواصلون من باب الرياضة لأنفسهم، والظاهر: أن الوصال إذا كان معالجة لمرض حسي أو معنوي فهو جائز، وإذا كان أثراً عن حالة روحية خاصة فهو جائز وإلا فهو مكروه لما يترتب عليه من ضعف. 3893 - * روى الطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواصل من السَّحَرَ إلي السَّحَرِ". 3894 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى ن الوصال، قالوا: إنك تواصل؟ قال: "إني لست كهيئتكم، إني أطعم وأسقى". وفي رواية (1) "لست مثلكم". وللبخاري (2) "أن النبي صلى الله عليه وسلم واصل، فواصل الناس، فشق عليهم، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يواصلوا، قالوا: إنك تواصل؟ قال: "لست كهيئتكم، إني أظل أطعم وأسقى".

_ 3892 - أبو داود (2/ 309) كتاب الصوم، باب في الرخصة في ذلك، وإسناده صحيح. 3893 - مجمع الزوائد (3/ 158) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وهو حديث حسن. 3894 - البخاري (4/ 202) 30 - كتاب الصوم، 48 - باب الوصال. مسلم (2/ 774) 13 - كتاب الصيام، 11 - باب النهي عن الوصال في الصوم. (الوصال): المواصلة في الصوم: هو أن يصوم يومين أو ثلاثة لا يفطر فيها. (أطعم وأسقى) أي: أعان على الصوم وأقوى عليه، فيكون ذلك بمنزلة الطعام والشراب لكم. (1) البخاري، الموضع السابق. (2) البخاري (4/ 139) 30 - كتاب الصوم، 20 - باب بركة السحور من غير إيجاب.

3895 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك (ضي الله عنه) قال: "واصل رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر شهر رمضان، فواصل ناس من المسلمين، فبلغه ذلك، فقال: "لو مُدَّ لنا الشهر لواصلنا وصالاً يدع المتعمقون تعمقهم، إنكم لستم مثلي- أو قال: لست مثلكم- إني أظل يطعمني ربي ويسقيني". وفي رواية (1) قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تواصلوا، قالوا إنك تواصل؟ قال: "لست كأحد منكم، إني أبيت أطعم وأسقى". وأخرج الترمذي الثانية، وقال: "إن ربي يطعمني ويسقيني". أقول: إن سماح رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن أراد الوصال أن يواصل ليريه عجزه دليل عند بعض الفقهاء على أن صوم الوصال غير محرم إلا إذا ثبت ضرره أو أدى إلى تعطيل واجبات أخرى. 3896 - * روى الشيخان عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: نهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة لهم، فقالوا: إنك تواصل؟ قال: "إني لست كهيئتكم، إني يطعمني ربي ويسقيني". إلا أن البخاري قال: "نهى"، ولم يقل: "نهاهم" وقال: ولم يذكر عثمان- يعني: ابن أبي شيبة- أحد رواته "رحمة لهم". 3897 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصوم، فقال له رجل من المسلمين: إنك تواصل يا رسول الله؟ قال: وأيكم مثلي؟ إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني، فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم

_ 3895 - البخاري (13/ 225) 94 - كتاب التمني، 9 - باب ما يجوز من اللو. (المتعمقون) المتعمق في الأمر: المبالغ فيه، المجاوز للحد. (1) البخاري (4/ 202) الموضع السابق. مسلم (2/ 776) الموضع السابق. الترمذي (3/ 148) 6 - كتاب الصوم، 62 - باب ما جاء في كراهية الوصال للصائم. 3896 - البخاري (4/ 202) 30 - كتاب الصوم، 48 - باب الوصال. مسلم (2/ 776) 13 - كتاب الصيام، 11 - باب النهي عن الوصال. 3897 - البخاري (4/ 205، 206) 30 - كتاب الصوم، 49 - باب التنكيل لمن أكثر الوصال. مسلم (2/ 774، 775) السابق.

يوماً، ثم يوماً، ثم رأوا الهلال، فقال: لو تأخر لزدتكم، كالتنكيل لهم حين أبوا أن ينتهوا". وللبخاري (1): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والوصال- مرتين- فقيل: إنك تواصل؟ قال: إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني، فاكلفوا من الأعمال ما تطيقون". ولمسلم نحوه (2)، ولم يقل: "مرتين" وقال: "إنكم لستم في ذلك مثلي". وله في أخرى (3) مثله، وقال: "اكلفوا ما لكم به طاقة". 3898 - * روى البخاري عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تواصلوا، فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر، قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله؟ فقال: إني لست كهيئتكم إني أبيت لي مطعم يطعمني، وساق يسقيني". 3899 - * روى الطبراني عن عمرو بن سلمة قال: "سئل ابن مسعود عن صوم الدهر فكرهه". أقول: إذا تجنب الإنسان الصوم يومي العيد وأيام التشريق ولم يضعفه صوم الدهر عن واجب ولم يشق عليه فهو مأجور إن شاء الله تعالى. 3900 - * روى أحمد عن مجاهد قال: دخلت أنا ويحيى بن جعدة على رجل من

_ (كالتنكيل) نكل به: إذا جعله عبرة لغيره، وقيل: هو العقوبة. (1) البخاري: الموضع السابق ص 206. (2) مسلم: الموضع السابق ص 775. (3) مسلم ص 775. (اكلفوا): أي خذوا من الأعمال ما تطيقون. 3898 - البخاري (4/ 202). أبو داود (2/ 307) كتاب الصوم، في الوصال. 3899 - مجمع الزوائد (3/ 193) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن. 3900 - أحمد (5/ 409).

الأنصار من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم قال ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم مولاة لبني عبد المطلب فقال: إنها قامت الليل وتصوم النهار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكني أنا أنام وأصلي وأفطر فمن اقتدى بي فهو مني ومن رغب عن سنتي فليس مني إن لكل عمل شرة ثم فترة فمن كانت فترته إلى بدعة فقد ضل ومن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى". 3901 - * روى النسائي عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صام الأبد فلا صام ولا أفطر". وفي أخرى (2) إلى قوله: "فلا صام". 3902 - * روى النسائي عن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صام الأبد فلا صام ولا أفطر". وفي أخرى (3) قال: "بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أني أسرد الصوم ... وساق الحديث" قال عطاء: لا أدري كيف ذكر صيام الأبد "لا صام من صام الأبد". 3903 - * روى النسائي عن عمران بن حصين (رضي الله عنه) قال: قيل: يا رسول الله، إن فلاناً لا يفطر نهاراً الدهر، قال: "لا صام ولا أفطر". أقول: الظاهر من هذا النص أنه وارد في إنسان لا يفطر الأيام المنهي عن صيامها، فمثل هذا دخل في دائرة البدعة إذ تصور ما ليس قربة: قربة، فمثل هذا يخشى على صيامه ألا يتقبل.

_ (1) مجمع الزوائد (3/ 193) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. (شرة): أي نشاطاً ورغبة. 3901 - النسائي (4/ 205) 22 - كتاب الصيام، 71 - ذكر الاختلاف على عطاء في الخبر فيه، وإسناده حسن. (2) النسائي: نفس الموضع السابق. 3902 - النسائي: نفس الموضع السابق ص 206. (3) النسائي: نفس الموضع السابق ص 206، وهو حديث صحيح. 3903 - النسائي (4/ 206) 22 - كتاب الصيام، 72 - النهي عن صيام الدهر ... إلخ، وهو حديث صحيح.

3904 - * روى النسائي عن عبد الله بن الشخير (رضي الله عنه) قال: "قيل يا رسول الله، إن فلاناً لا يفطر نهاره الدهر؟ قال: "لا صام ولا أفطر". أقول: قوله عليه السلام: لا صام ولا أفطر: أي هو ليس له أجر الصائم ولا يرتفق كالمفطرين. 3905 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمرو قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنك لتصوم الدهر، وتقوم الليل؟ قلت: نعم. قال: إنك إذا فعلت ذلك هجمت له العين، ونفهت له النفس، لا صام من صام الأبد، صوم ثلاثة أيام: صوم الدهر كله. قلت: فإني أطيق أكثر من ذلك. قال: فصم صوم داود، كان يصوم يوماً، ويفطر يوماً، ولا يفر إذا لاقى". وفي أخرى (1) قال له: "ألم أخبر أنك تصوم ولا تفطر، وتصلي الليل؟ فلا تفعل، فإن لعينك حظاً، ولنفسك حظاً، ولأهلك حظاً، فصم وأفطر، وصل ونم، وصم من كل عشرة أيام يوماً، ولك أجر تسعة". وفيه "لا صام من صام الأبد" ثلاثاً. وفي أخرى (2) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر له صومي، فدخل علي، فألقيت له وسادة من أدم حشوها ليف، فجلس على الأرض، وصارت الوسادة بيني وبينه، فقال: أما يكفيك من كل شهر ثلاثة أيام؟ قال: قلت: يا رسول الله، قال: خمساً؟ قلت: يا رسول الله، قال: سبعاً؟ قلت: يا رسول الله، قال: تسعاً؟ قلت: يا رسول الله، قال: إحدى عشرة، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا صوم فوق صوم داود عليه السلام: شطر الدهر، صم يوماً، وأفطر يوماً".

_ 3904 - النسائي: نفس الموضع السابق، وإسناده صحيح. 3905 - البخاري (4/ 2249 30 - كتاب الصوم، 59 - باب صوم داود عليه السلام. مسلم (2/ 815، 816) 13 - كتاب الصيام، 35 - باب النهي عن صيام الدهر لمن تضرر به .. إلخ. (1) مسلم: نفس الموضع السابق ص 814، 815. (2) مسلم: نفس الموضع السابق ص 817.

ولمسلم (1): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "صم يوماً، ولك أجر ما بقي، قال: إني أطيق أكثر من ذلك. قال: صم يومين، ولك أجر ما بقي، قال: إني أطيق أكثر من ذلك. قال: صم ثلاثة أيام، ولك أجر ما بقي، قال: إني أطيق أكثر من ذلك. قال: صم أربعة أيام، ولك أجر ما بقي. قال: إني أطيق أكثر من ذلك. قال: صم أفضل الصيام عند الله: صوم داود عليه السلام، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً". وله في أخرى (2) قال: "بلغني أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟ فلا تفعل، فإن لجسدك عليك حظاً، ولعينك عليك حظاً، وإن لزوجك عليك حظاً، صم وأفطر، صم من كل شهر ثلاثة أيام، فذلك صوم الدهر. قلت: يا رسول الله، إن بي قوة. قال: فصم صوم داود عليه السلام، صم يوماً، وأفطر يوماً، فكان يقول: يا ليتني أخذت بالرخصة". وللنسائي عنه (3): "ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم الصوم، فقال: صم من كل عشرة أيام يوماً، ولك أجر تلك التسعة، قلت: إني أقوى من ذلك، قال: صم من كل تسعة أيام يوماً، ولك أجر تلك الثمانية، فقلت: إني أقوى من ذلك: قال: فصم من كل ثمانية أيام يوماً، ولك أجر تلك السبعة، قلت: إني أقوى من ذلك، قال: فلم يزل حتى قال: صم يوماً، وأفطر يوماً". وله في أخرى (4) قال: "أنكحني أبي امرأة ذات حسب، فكان يأتيها فيسألها عن بعلها؟ فقالت: نعم الرجل من رجل، لم يطأ لنا فراشاً ولم يفتش لنا كنفاً منذ أتيناه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ائتني به، فأتيته معه، فقال: كيف تصوم؟ قلت: كل يوم، قال: صم من كل جمعة ثلاثة أيام، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: صم يوماً وأفطر يومين، قلت: إني أطيق أكثر من ذلك، قال: صم أفضل الصيام:

_ (1) مسلم: نفس الموضع السابق ص 817. (2) مسلم: نفس الموضع السابق ص 817، 818. (3) النسائي: (4/ 212، 213) 22 - كتاب الصيام، 77 - ذكر الزيادة في الصيام والنقصان ... إلخ. (4) النسائي: (4/ 209، 210) 22 - كتاب الصيام، 76 - صوم يوم وإفطار يوم ... إلخ. (كنفاً) الكنف: الجانب: أرادت: أنه لم يقربها، ولم يطلع منها على ما جرت به عادة الرجال مع نسائهم.

صيام داود عليه السلام: صوم يوم، وفطر يوم". وله في أخرى (1) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بلغني أنك تقوم الليل وتصوم النهار؟ قلت: يا رسول الله، ما أردت بذلك إلا الخير، قال: لا صام من صام الأبد، ولكن أدلك على صوم الدهر: ثلاثة أيام من كل شهر، قلت: يا رسول الله، إني أطيق أكثر من ذلك، قال: صم خمسة أيام، قلت: إني أطيق أكثر من ذلك، قال: فصم عشراً، فقلت: إني أطيق أكثر من ذلك، قال: صم صوم داود، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً". وله في أخرى (2) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصيام صيام داود عليه السلام كان يصوم يوماً ويفطر يوماً". وقد أطال النسائي في تخريج طرق هذا الحديث، ومن جملة طرقه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرأ القرآن في شهر، قلت: إني أطيق أكثر من ذلك، فلم أزل أطلب إليه حتى قال: خمسة أيام، وقال: ثلاثة أيام من الشهر، قلت: إني أطيق أكثر من ذلك، فلم أزل أطلب إليه حتى قال: صم أحب الصيام إلى الله عز وجل: صوم داود كان يصوم يوماً ويفطر يوماً". أقول: إنما كان صوم داود أفضل من غيره لأن المجاهدة فيه أظهر، ولأن قوة الإنسان تبقى معه عادة، ومن قوله عليه الصلاة والسلام: اقرأ القرآن في شهر. أخذ العلماء فكرة تجزئة القرآن على ثلاثين جزئاً. وفي قوله عليه السلام: (هجمت له العين ونفهت له النفس) معجزة من معجزات الإسلام إذا راعى مطالب الجسد وإمكانات النفس، ودين يراعي الجسد هذه المراعاة ويسوس النفس هذه السياسة هو الدين الذي يتلاءم مع الفطرة. إن كثيراً من الأديان والمذاهب تعذب الجسد وتصادم الفطرة ولا تحسن سياسة النفس

_ (1) النسائي: (4/ 213) 22 - كتاب الصيام، 77 - ذكر الزيادة في الصيام والنقصان ... إلخ. (2) النسائي: (4/ 209) 22 - كتاب الصيام، 76 - صوم يوم وإفطار يوم ... إلخ. (هجمت له العين) هجوم العين: غورها ودخولها في مكانها من الضعف. (نفهت له النفس) نفهت النفس- بالنون- إذا أعيت وسئمت.

- حديث جامع

البشرية، فهذه الأديان والمذاهب تجعل أصحابها في تناقض معها ومع ما يدينون به، وهذا الذي لا تجده في الإسلام. وبهذه المناسبة نشير إلى أن كثيراً من الناس لا يحسنون سياسة أنفسهم ولا يحسنون سياسة غيرهم، فيفشلون في التربية ويفشلون في غير ذلك إن في السياسة أو في الحرب أو في الإدارة. - حديث جامع: 3906 - * روى مسلم عن أبي قتادة الأنصاري (رضي الله عنه) قال: "إن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: كيف تصوم؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله، فلما رأى عمر غضبه قال: رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً- وفي رواية (1) - وببيعتنا بيعة نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، فجعل عمر يردد هذا الكلام حتى سكن غضبه، فقال عمر: يا رسول الله، كيف بمن يصوم الدهر كله؟ قال: لا صام ولا أفطر- أو قال: لم يصم ولم يفطر- قال: كيف بمن يصوم يومين ويفطر يوماً؟ قال: ويطيق ذاك أحد؟ قال: كيف بمن يصوم يوماً ويفطر يوماً؟ قال: "ذاك صوم داود عليه السلام- قال: كيف بمن يصوم يوماً ويفطر يومين؟ قال: وددت أني طوقت ذلك. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث من كل شهر، ورمضان إلى رمضان: فهذا صيام الدهر كله، صيام يوم عرفة: أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء: أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله". وفي رواية (2) مثله ونحوه، إلى قوله: "ذاك صوم أخي داود عليه السلام، قال: وسئل عن صوم يوم الإثنين؟ قال: ذاك يوم ولدت فيه، وفيه بعثت، وفيه أنزل علي، قال: فقال: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، ورمضان إلى رمضان: صيام الدهر، قال: وسئل عن صوم يوم عرفة؟ فقال: يكفر السنة الماضية والباقية، قال: وسئل عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: يكفر السنة الماضية".

_ 3906 - مسلم (2/ 818، 819، 820) 13 - كتاب الصيام، 36 - باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة وعاشوراء. (1)، (2) مسلم: الموضع السابق.

وفي رواية (1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم الإثنين؟ فقال: فيه ولدت، وفيه أنزل عليَّ". قال ابن الأثير (فغضب رسول الله) يشبه أن يكون غضب رسول الله من مسألته إياه عن صومه كراهية أن يقتدي به السائل في ذلك فيعجز عنه ويسأمه ويمله، أو أنه يفعله فيكون من غير نية وإخلاص، فقد "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يواصل وينهى أمته عن الوصال" وقد ترك بعض النوافل خوفاً من أن تقتدي به أمته فيعجزوا. قال ابن الأثير (وددت أني طوقت) يقول: ليتني طوقت هذا الأمر، أي: لتيه جعل داخلاً في طاقتي وقدرتي، ولم يكن صلى الله عليه وسلم عاجزاً عن ذلك غير مطيق له لضعف فيه، ولكنه يحتمل أنه إنما خاف العجز عنه للحقوق التي تلزمه لنسائه، لأن ذلك يخل بحظوظهن منه. أقول: قوله عليه السلام: "ذلك يوم ولدت فيه وفيه أنزل علي": يدل على أن يوم ميلاده من أيام الله، والله تعالى قال في القرآن: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} ومن ها هنا أخذ بعضهم فكرة تعظيم يوم المولد واعتبروا هذا الحديث دليلاً يدل على الجواز!! 3907 - * روى مالك عن بن أنس (رحمه الله) أنه سمع أهل العلم يقولون: "لا بأس بصيام الدهر إذا أفطر الأيام التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامها، وهي: أيام منى، ويوم الأضحى، ويوم الفطر فيما بلغنا، وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك". 3908 - * روى البخاري عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: "كان أبو طلحة قلما يصوم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأيته مفطراً إلا يوم فطر أو أضحى". - فائدة: علقنا على قوله عليه السلام (هجمت له العين ونفهت له النفس) على أنه مظهر من مظاهر مراعاة الإسلام لمطالب الجسد وتلاؤمه مع النفس البشرية، وهذا موضوع كبير

_ (1) مسلم: الموضع السابق. 3907 - الموطأ (1/ 300) 18 - كتاب الصيام، 12 - باب صيام يوم الفطر. 3908 - البخاري (6/ 42) 56 - كتاب الجهاد، 19 - باب من اختار الغزو على الصوم.

يحسن أن يخص بالتأليف، فمن معالم الإسلام الكبرى حسن سياسته للنفس البشرية، ولا عجب فالله منزل الإسلام هو خالق النفس البشرية وهو أعلم بها. ومن مظاهر أن التكليف مراعى فيه طبيعة النفس البشرية قوله تعالى: {وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ، إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ} (1). فهناك إذن طبيعة للنفس البشرية، نحن مأمورون بمجاهدتها ومراعاتها، فمن فطن للمجاهدة ولم يفطن للمراعاة لم يحسن سياسة نفسه، ولا سياسة غيره، والمراعاة ملحوظة في النصوص القرآنية والنصوص النبوية: كقوله تعالى: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} (أي كلهم كفاراً) {لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ، وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ، وَزُخْرُفًا}. وقوله تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}. وقوله عليه الصلاة والسلام: (فصم وأفطر). وقوله عليه السلام: (لكل عامر شرة ولكل شرة فترة). وأمثال ذلك كثير في نصوص الكتاب والسنة. ومن ها هنا فإن المتصدرين للدعوة لابد أن يكون واضحاً لديهم كيف يجمعون بين المجاهدة والمراعاة لطبيعة النفس البشرية وكيف يقودون ويربون من خلال مراعاة طبيعة النفس البشرية، وهذا باب واسع لا يدركه إلا من عرف دقائق السياسات النبوية، وهذا يحتاج إلى مطالعات واسعة للكتاب والسنة، وتربية على يد شيوخ كُمَّل.

_ (1) سورة محمد: من 36، 37.

الباب الثاني في الاعتكاف وليلة القدر وساعة الاستجابة كل ليلة وقيام رمضان وصلاة التراويح

الباب الثاني في الاعتكاف وليلة القدر وساعة الاستجابة كل ليلة وقيام رمضان وصلاة التراويح وفيه مقدمة وفصول * المقدمة.

مقدمة

مقدمة كنا ذكرنا في جزء الصلاة النصوص التي تتعلق في قيام رمضان وصلاة التراويح. وعرضنا بعض أدلة سنية العشرين ركعة ولذلك فإننا سنقتصر على ذكر صلاة التراويح هنا في العرض الإجمالي، وستكون نصوص هذا الباب فصلين: الفصل الأول: في الاعتكاف، الفصل الثاني: في ليلة القدر وساعة الاستجابة. وها أنت مع العرض الإجمالي لمباحث هذا الباب. عرض إجمالي إن المسلم بحاجة إلى برنامج يومي مليء بالعبادة، وبحاجة إلى يوم في الأسبوع يجدد فيه حيوية الإقبال على الله تعالى، وبحاجة إلى موسم سنوي يدخل فيه دورة روحية جسدية تجدد صلته مع الله تعالى، وإلى مرتكز في عمره يعتبر ميلاداً جديداً للمسلم الحق. ولقد كانت صلوات المسلم في يومه وأذكاره ودعواته وتلاوته للقرآن وإقباله على العلم هي غذاء المسلم اليومي، وكان يوم الجمعة هو المجدد لحيوية الإيمان في الأسبوع، وكان رمضان هو المجدد لحيوية الصلة مع الله في السنة، وكان الحج ذلك الميلاد الجديد للمسلم الحق. إن رمضان دورة روحية كاملة لمن أقام حقه، فأدى فرائضه ونافلته، به يمتلئ قلب المؤمن نوراً وتقوى فيعفي على آثار عام، ويبعث الهمة للتعبد في عام جديد، فهو في صيامه تعويد للنفس وللجسد على ضبط الشهوات، وهو في قيامه وصلاة التراويح فيه يغذي القلب بنور الإيمان ويعود المسلم على حسن الإقبال على الله، وهو بما سُنَّ فيه من اشتغال بالقرآن والذكر، وانصراف عن اللغو والفحش يصقل قلب المسلم وهو بما سن فيه من اعتكاف يصفي القلب والروح، ويغسل درن النفس، وهو في كونه مظنة ليلة القدر يبعث الداعية المسلم إلى البحث عن القُرْبِ والقُرَبِ، وهكذا إن رمضان هو الدورة الروحية العظمى في كل عام، وقد مر معنا ماله علاقة بالصوم عامة وصوم رمضان خاصة كما مر معنا من قبل حديث عن الصلوات والدعوات والأذكار وتلاوة القرآن في رمضان وغيره. وهاك حديثاً عن الاعتكاف وليلة القدر وصلاة التراويح.

أولا: الاعتكاف

أولاً: الاعتكاف: لم يزل النساك يتقربون إلى الله بالخلوات، والخلوة المسنونة التي داوم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة هي اعتكافه السنوي الذي كان أكثر ما كان في العشر الأواخر من رمضان، وقد اعتاد المسلمون أن يجعلوها خلوتهم السنوية، والاعتكاف في الأصل سنة، ولكن من نوى اعتكاف العشر الأواخر من رمضان وتلبس به، فعلى مقتضى فهم الكمال بن الهمام لمذهب أبي يوسف: أنه يجب عليه الإتمام فإن لم يعتكف شيئاً من العشر الأواخر بعد نيتها والشروع فيها وجب عليه قضاؤها كلها وإذا بدأ فيها ولم يتابع فعليه قضاء ما بقي من العشر، أما على قول أبي حنيفة ومحمد: فعليه قضاء اليوم الذي فسد فيه اعتكافه فقط. وكذلك من نوى الاعتكاف يوماً أو أياماً وتلبس بذلك فإنه يجب عليه أن يعتكف ما نوى وأن يصوم أثناء اعتكافه وذلك مقتضى مذهب أبي يوسف ومن لم يرد أن يقيد نفسه فيكفي أن ينوي الاعتكاف في المسجد ما دام فيه، ففي هذه الحالة لا يلزمه إلا أدنى مكث، أما إذا نذر اعتكاف العشر الأواخر أو غيرها فقد اتفق الفقهاء على لزوم الاعتكاف وفي كل الأحوال لابد وأن يرافق الاعتكاف المنذور صوم. ومن المستحب للمسلم إذا دخل مسجداً أن ينوي الاعتكاف فيه كما يستحب له أن يملأ وقت الاعتكاف بالذكر والعلم وتلاوة القرآن. ولعله من المستحسن إذا اعتكف الإنسان في العشر الأواخر من رمضان أو في غيره أن ينظم وقته، فيخصص لكل نوع من الأذكار وقتاً، ويخصص للعلم وقتاً، ويخصص لتلاوة القرآن وقتاً، ويخصص للمذاكرات الإيمانية أو الوعظ وقتاً وبشكل عادي فإن من يعتكف العشر الأواخر في رمضان يشارك في صلاة التراويح وفي صلاة التهجد، ويخص الليالي التي هي مظنة ليلة القدر بمزيد عناية، فيكثر من الدعاء. فالمرجو لمن قام بحق رمضان أن يخرج نقياً من الذنوب طاهر القلب من كل ما يعكره. والاعتكاف لغة: اللبث وملازمة الشيء. وشرعاً: قال الحنفية: هو اللبث في المسجد الذي تقام فيه الجماعة مع الصوم ونية الاعتكاف. فاللبث ركنه لأنه ينبئ عنه، فكان

وجوده به والصوم في الاعتكاف المنذور والنية من شروطه ويكون من الرجل في مسجد جماعة ومن المرأة في مسجد بيتها، ويكره للمرأة في المسجد ولا يصح في غير موضع صلاتها من بيتها. وعبارة الشافعية: هو اللبث في المسجد من شخص مخصوص بنية، والحكمة فيه: صفاء القلب بمراقبة الله والإقبال والانقطاع إلى العبادة في أوقات الفراغ متجرداً لله تعالى من شواغل الدنيا وأعمالها فهو من أشرف الأعمال وأحبها إلى الله إذا كان عن إخلاص لله سبحانه، وأفضله في العشر الأواخر من رمضان وهو مستحب كل وقت وأقله عند الحنفية نفلاً: مدة يسيرة غير محدودة وإنما بمجرد المكث مع النية ولو نواه ماشياً على المفتى به، وأقله عند المالكية: يوم وليلة ولا يصح من مفطر. والأصح عند الشافعية: أنه يشترط في الاعتكاف لبث قدر يسمى عكوفاً بحيث يكون زمنها فوق زمن الطمأنينة في الركوع ونحوه. واقله عند الحنابلة: ساعة أي ما يسمى به معتكفاً لابثاً، ولو لحظة فالجمهور على الاكتفاء بمدة يسيرة، والمالكية يشترطون لأقله يوماً وليلة. والأفضل الاعتكاف في المسجد الجامع إذا كانت الجمعة تتخلله لئلا يحتاج إلى الخروج إليها. ومن نذر الاعتكاف أو الصلاة في مسجد غير المساجد الثلاثة فله فعل المنذور من اعتكاف أو صلاة في غيره. وإن نذر الاعتكاف أو الصلاة في أحد المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى، لم يجزئه في غيرها لفضل العبادة فيها على غيرها فتتعين بالتعيين وله شد الرحال إلى المسجد الذي عينه من الثلاثة وأفضلها المسجد الحرام ثم مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم المسجد الأقصى. وقال المالكية: مكان الاعتكاف هو المساجد كلها. وقال الشافعية: لا يجوز للمعتكف أني خرج من المسجد لغير عذر، وله أن يخرج إلى منارة المسجد ليؤذن فيها، ولو كانت خارج المسجد، ويجوز أن يمضي إلى البيت للأكل، ولا يبطل اعتكافه، ويخرج لصلاة الجنازة وعيادة المريض في اعتكاف التطوع، ولا يخرج في اعتكاف الفرض، فإن خرج في الحالين- الجنازة وعيادة المريض- بطل اعتكافه. ويلزمه الخروج لصلاة الجمعة إذا كان الاعتكاف في غير الجامع، ويلزمه الخروج لأداء شهادة إن تعين عليه، لأنه تعين لحق آدمي فقُدِّم على الاعتكاف، ولا يبطل اعتكافه على الراجح لأنه مضطر إلى الخروج، وللمعتكفة أن تخرج إذا طلقت لتعتد، ولا يبطل اعتكافها أيضاً

ثانيا: ليلة القدر

لاضطرارها إلى الخروج، ومن مرض مرضاً لا يؤمن معه تلويث المسجد كإطلاق الجوف وسلس البول، خرج كما يخرج لحاجة الإنسان ولا ينقطع التتابع على المشهور الصحيح. وإن أغمي عليه فأخرج من المسجد لم يبطل اعتكافه، لأنه لم يخرج باختياره، وإن حاضت المعتكفة خرجت من المسجد، لأنه لا يمكنها المقام في المسجد ولم يبطل اعتكافها إن كان في مدة لا يمكن حفظها من الحيض وإذا طهرت بنت عليه، وإن خاف من ظالم فخرج واستتر لم يبطل اعتكافه، ويجوز للمعتكف أن يلبس ما يلبسه في غير الاعتكاف. انظر فيما سبق: (فتح القدير: 2/ 391 فما بعدها)، (المغني: 3/ 184)، (المهذب: 1/ 190 - 192)، (الفقه الإسلامي: 2/ 705 فما بعدها). ثانياً: ليلة القدر: يستحب في رمضان طلب ليلة القدر بأن يتطلع إليها المسلم ويقبل على الله فيها لما فيها من خيرات وبركات ولما تضاعف بها أجور الأعمال، قال تعالى: (ليلة القدر خير من ألف شهر) (1) وقد يخص بعض الناس في ليلة القدر بما لا يخص به غيرهم من انكشاف شيء من الغيب، فذلك فضل رباني وانكشاف غيبي والكشف ممكن في الشريعة، والعبرة بصدق المخبر وألا يتعارض كلامه مع الوحي المعصوم، ولا يجب علينا أن نصدقه فيما قال لاحتمال التوهم فيما شاهد ولو كان صادقاً. وأهم ما ينبه عليه العلماء في إحياء ليلة القدر أن تصلى فريضة المغرب وفريضة العشاء جماعة، وأن ينوي المسلم أن يصلي الفجر في جماعة، ففي الحديث الصحيح "من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله". لكن المسلم يحرص على أن يقضي ليلة القدر في الذكر وفي الصلاة والدعاء ومما قاله العلماء: "يستحب طلب ليلة القدر، لأنها ليلة شريفة مباركة معظمة مفضلة، ترجى إجابة الدعاء فيها وهي أفضل الليالي حتى ليلة الجمعة، وهي مختصة بليالي الوتر من العشر الأواخر من رمضان" على القول الراجح، وأرجح الأقوال عند العلماء أنها في ليلة السابع والعشرين من رمضان، والحكمة في إخفائها: أن يجتهد الناس في طلبها، ويجدوا في العبادة طمعاً في إدراكها، كما أخفى ساعة الإجابة يوم الجمعة، واسمه

_ (1) القدر: 3.

ثالثا: صلاة التراويح وقيام الليل وصلاة التهجد

الأعظم في أسمائه. والمستحب أن يدعو المؤمن فيها بأني قول "اللهم إنك عفو، تحب العفو فاعف عني" وأما علاماتها أن الشمس تطلع في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها، ولا شك أن ذلك علامة لها عندما تكون الشمس مشرقة والسماء صافية. ثالثاً: صلاة التراويح وقيام الليل وصلاة التهجد: وردت النصوص الكثيرة في قيام رمضان وفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بعضاً من الوقت قيام رمضان جماعة، ثم ترك الجماعة خوفاً من أن يفرض قيام الليل على أمته. وقد رأى المسلمون أن العلة قد انتفت بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك أجمعوا على قيام الليل جماعة في رمضان، واختلفوا في بعض الأمور. وقد رأى عمر رضي الله عنه أن يجمع الناس على عشرين ركعة سوى الوتر، وقد استقر العمل في الحرمين الشريفين على أن تصلى التراويح عشرين ركعة جماعة بعد صلاة سنة العشاء في كل شهر رمضان، واستقر أهل الحرمين على أن يصلوا التهجد جماعة في النصف الأخير من رمضان بعد منتصف الليل، ولم تثر معركة في الماضي حول الجواز وعدمه بالنسبة لعدد الركعات، ولكن بعض الناس في عصرنا استحدثوا الاعتراض على ما فعلته الأمة وعلى رأسها عمر رضي الله عنه في عدد ركعات صلاة التراويح، فقامت بذلك معركة جدلية اضطر فيها بعض العلماء أن يكتبوا تحقيقات حول هذه الشؤون وها نحن ننقل لكم بعضاً مما قاله أهل العلم في ذلك: قال الشيخ الصابوني: تسمى صلاة قيام رمضان "صلاة التراويح" لأنها صلاة طويلة، ذات ركعات عديدة، يستريح فيها المصلون بعد كل أربع ركعات، ثم يتابعون الصلاة، فلذلك سميت صلاة التراويح. عدد ركعات صلاة التراويح: صلاة التراويح من النوافل المؤكدة كما دلت على ذلك الأحاديث الشريفة وهي عشرون ركعة من غير صلاة الوتر، ومع الوتر تصبح ثلاثاً وعشرين ركعة .. على ذلك اتفقت الأمة، سلفاً وخلفاً، من عهد الخليفة الراشد "عمر بن الخطاب"- رضي الله عنه

أدلة الأئمة المجتهدين

وأرضاه- إلى زماننا هذا .. لم يخالف في ذلك فقيه من الأئمة الأربعة المجتهدين، إلا ما روي عن إمام دار الهجرة "مالك بن أنس"- رضي الله عنه- القول بالزيادة فيها إلى (36) ست وثلاثين ركعة- في الرواية الثانية عنه- محتجاً بعمل أهل المدينة، فقد روي عن نافع أنه قال: "أدركت الناس يقومون رمضان بتسع وثلاثين ركعة يوترون منها بثلاث". [شرح المهذب 3/ 527]. أما الرواية المشهورة عنه، وهي التي وافق فيها "الشافعية والحنابلة والأحناف" فهي أنها (20) عشرون ركعة وعلى ذلك اتفقت المذاهب الأربعة .. أدلة الأئمة المجتهدين: (أ) احتج أئمة المذاهب على أنها عشرون ركعة، مما رواه البيهقي [2/ 496] وغيره بالإسناد الصريح الصحيح عن "السائب بن يزيد" رضي الله عنه- الصحابي المشهور- أنه قال: "كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- في شهر رمضان بعشرين ركعة" [وهو حديث صحيح انظر شرح السنة 4/ 120 - 122]. (ب) واحتجوا أيضاً بما رواه مالك في الموطأ، والبيهقي أيضاً عن "يزيد بن رومان" قال: "كان الناس يقومون في زمن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- بثلاث وعشرين ركعة". يعني يصلون التراويح عشرين ركعة ويوترون بثلاث ركعات. (ج) واحتجوا كذلك بما روي عن الحسن أن عمر- رضي الله عنه- جمع الناس على "أبي بن كعب" فكان يصلي لهم عشرين ركعة، ولا يقنت بهم إلا في النصف الثاني، فإذا كان العشر الأواخر من رمضان تخلف "أُبي" فصلى في بيته، فكانوا يقولون: أبق أبي. هذا وقد حكى ابن قدامة في المغني الإجماع على أنها عشرون ركعة، ورد على مالك- رحمه الله- في روايته الثانية: أنها ست وثلاثون ركعة، فقال ما نصه: "وقيام شهر رمضان عشرون ركعة- يعني صلاة التراويح- وهي سُنَّة مؤكدة، وأول من سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسبت التراويح إلى عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- لأنه جمع

الناس على "أبي بن كعب" فكان يصليها بهم، فقد روي أنه خرج ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس يصلون في المسجد أوزاعاً- أي متفرقين- فقال عمر: "لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد، فجمعهم على "أبي بن كعب" ثم خرج ليلة أخرى والناس يصلون وراء إمامهم، فقال: نعمت البدعة هذه" ثم قال: "والمختار عند أبي عبد الله رحمه الله- يريد أحمد بن حنبل- فيها عشرون ركعة، وبهذا قال الثوري، وأبو حنيفة، والشافعي، وقال مالك: ست وثلاثون ركعة، وتعلق بفعل أهل المدينة، ولنا أن عمر- رضي الله عنه- لما جمع الناس على "أبي بن كعب" كان يصلي لهم عشرين ركعة، وروى مالك عن "يزيد بن رومان" قال: "كان الناس يقومون في زمن عمر في رمضان بثلاث وعشرين ركعة". وعن علي- رضي الله عنه- "أنه أمر رجلاً يصلي بهم في رمضان عشرين ركعة" وهذا كالإجماع، ثم قال: ولو ثبت أن أهل المدينة كلهم فعلوه- أي صلوا ستاً وثلاثين ركعة- لكان ما فعله عمر، وأجمع عليه الصحابة في عصره، أولى بالاتباع، وقال بعض أهل العلم: إنما فعل هذا أهل المدينة، لأنهم أرادوا مساواة أهل مكة، فإن أهل مكة يطوفون سبعاً بين كل ترويحتين، فجعل أهل المدينة مكان كل سبع أربع ركعات، وما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى وأحق أن يتبع، وقد روي أن علياً- رضي الله عنه- مر على المساجد وفيها القناديل في شهر رمضان، فقال: "نور الله على عمر قبره، كما نور علينا مساجدنا". وقال أحمد- رحمه الله-: "يقرأ بالقوم في شهر رمضان ما يخف على الناس ولا يشق عليهم، والأمر على ما يحتمله الناس، وقال القاضي: لا يستحب النقصان عن ختمة في الشهر، ليسمع الناس جميع القرآن، ولا يزيد على ختمة، كراهية المشقة على من خلفه". انتهى كلام ابن قدامة. قال الشيخ الصابوني: والمشهور في مذهب الإمام مالك أنها عشرون ركعة، وبذلك يكون إجماع الأئمة الأربعة المجتهدين على أفضلية العشرين، فقد جاء في كتاب "أقرب المسالك على مذهب الإمام مالك" للشيخ الدردير (1/ 552) ما نصه: "والتراويح برمضان وهي عشرون ركعة، بعد صلاة العشاء، يسلم من كل ركعتين غير

الشفع والوتر، وندب الختم فيها- أي التراويح- بأن يقرأ كل ليلة جزءاً، يفرقه على عشرين ركعة وندب الانفراد بها في بيته إن لم تعطل- صلاته في بيته- المساجد عن صلاتها بها جماعة، فإن لزم بها تعطيل المساجد، فالأوْلى إيقاعها في المساجد جماعة". وهكذا ذهب الشافعي وأبو حنيفة إلى أنها عشرون ركعة، لإجماع الصحابة على ذلك في عهد عمر الفاروق، فقد قال الإمام ابن عبد البر: "هو الصحيح عن أبي بن كعب أنه صلى التراويح بهم عشرين ركعة، من غير خلاف بين الصحابة". وفي مختصر المزني أن الإمام الشافعي- رحمه الله- قال: "رأيتهم بالمدينة يقومون بتسع وثلاثين، وأحب إلي عشرون، لأنه روي عن عمر، وكذلك بمكة يقومون عشرين ركعة، يوترون بثلاث". وقال الإمام الترمذي في جامعه المسمى "سنن الترمذي" [3/ 170/ عند حديث 806]: "أكثر أهل العلم على ما روي عن عمر، وعلي، وغيرهما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: عشرين ركعة وهو قول سفيان الثوري، وابن المبارك، والشافعي، وقال الشافعي: وهكذا أدركت ببلدنا بمكة يصلون عشرين ركعة" اهـ. وقال ابن رشد في بداية المجتهد (1/ 210): "اختار مالك- في أحد قوليه- وأبو حنيفة والشافعي وأحمد القيام بعشرين ركعة سوى الوتر". وقال الإمام النووي في المجموع (3/ 526) ما نصه: "مذهبنا أنها عشرون ركعة، بعشر تسليمات غير الوتر وذلك خمس ترويحات، والترويحة أربع ركعات بتسليمتين". وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، وأحمد وداود وغيرهم، ونقله القاضي عياض عن جمهور العلماء. وقال مالك: التراويح تسع ترويحات وهي ست وثلاثون ركعة غير الوتر. واحتج أصحابنا بما رواه البيهقي بالإسناد الصحيح عن "السائب بن يزيد" الصحابي- رضي الله عنه- قال: كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- في شهر

رمضان بعشرين ركعة وكانوا يقومون بالمائتين وكانوا يتوكئون على عصيهم في عهد عثمان من شدة القيام. وعن يزيد بن رومان قال: "كان الناس يقومون في زمن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- بثلاث وعشرين ركعة" رواه مالك في الموطأ عن يزيد بن رومان. ورواه البيهقي لكنه مرسل فإن يزيد بن رومان لم يدرك عمر. [انظر لتصحيح حديث العشرين ركعة كتاب شرح السنة للبغوي وما علقه عليه الشيخ شعيب الأرناؤوط (4/ 116 - 125) وقد نقلنا بعض فوائده في باب الصلاة]. وقال البيهقي: يجمع بين الروايتين بأنهم كانوا يقومون بعشرين ركعة. ويوترون بثلاث. وروى البيهقي عن علي- رضي الله عنه- أيضاً قيام رمضان بعشرين ركعة. المجموع (3/ 526). وقال ابن تيمية في الفتاوى: "ثبت أن أبي بن كعب، كان يقوم بالناس عشرين ركعة في رمضان، ويوتر بثلاث، فرأى كثير من العلماء أن ذلك هو السنة، لأنه قام بين المهاجرين والأنصار ولم ينكره منكر". وفي مجموعة الفتاوى النجدية، أن الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ذكر في جوابه عن عدد ركعات التراويح أن عمر- رضي الله عنه- لما جمع الناس على أبي بن كعب كانت صلاتهم عشرين ركعة. فهذه النقول الكثيرة، عن أئمة علماء المسلمين، سلفاً وخلفاً، تثبت بما لا يحتمل الشك، أن ما عليه المسلمون اليوم، من صلاة التراويح "عشرين ركعة" هو الحق الذي لا محيد عنه، وهو الذي تأكد بعمل الصحابة- رضوان الله عليهم جميعاً- وبإجماع [المذاهب الأربعة] ... وهو الذي أمر به عمر الفاروق- رضي الله عنه- الذي جعل الله الحق على لسانه وقلبه، كما صح بذلك الحديث الشريف. فهل يعقل أن يجمع المسلمون، على شيء منكر مبتدع من أمور الدين، ويسكت عنه الناس، وفيهم "العلماء، والفقهاء، والمحدثون" وتمر أحقاب وأجيال ولا ينكر أحد هذا

المنكر؟! إن كان ذلك بدعة ومنكراً. يقول ابن تيمية- رحمه الله- الفتاوى (2/ 401): "إن نفس قيام رمضان، لم يوقت فيه النبي صلى الله عليه وسلم عدداً معيناً، بل كان هو صلى الله عليه وسلم لا يزيد على ثلاث عشرة ركعة، لكن كان يطيل الركعات .. فلما جمعهم عمر- رضي الله عنه- على "أبي بن كعب" كان يصلي بهم عشرين ركعة، ثم يوتر بثلاث .. وكان يخفف القراءة بقدر ما زاد من الركعات .. لأن ذلك أخف على المأمومين من تطويل الركعة الواحدة. ثم كانت طائفة من السلف، يقومون بأربعين ركعة ويوترون بثلاث، وآخرون قاموا بست وثلاثين وأوتروا بثلاث .. وهذا كله سائغ فكيفما قام بهم في رمضان من هذه الوجوه فقد أحسن. ثم قال ابن تيمية: والأفضل يختلف باختلاف أحوال المصلين، فإن كان فيهم احتمال لطول القيام بعشر ركعات وثلاث بعدها، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي لنفسه فهو الأفضل، وإن كانوا لا يحتملونه فالقيام بعشرين أفضل، فهو الذي يعمل به أكثر المسلمين، فإنه وسط بين العشرين وبين الأربعين، وإن قام بأربعين غيرها جاز ذلك، ولا يكره شيء من ذلك، وقد نص على ذلك غير واحد من الأئمة، كأحمد بن حنبل وغيره، ومن ظن أن قيام رمضان فيه عدد مؤقت عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا يزاد فيه ولا ينقص فقد أخطأ". ا. هـ الصابوني. أقول: مهما صلى الإنسان من قيام رمضان منفرداً أو من صلاة التراويح جماعة قليلاً أو كثيراً فلا حرج عليه، لكن الحرج في أن ينكر أن تكون صلاة التراويح عشرين ركعة، فذلك اعتبار ما ليس بدعة: بدعة، قال فقهاء الحنفية: من لم ير صلاة التراويح عشرين ركعة فهو مبتدع وذلك لأنه يسفه أئمة العدل وخاصة المسلمين وعامتهم خلال العصور.

الفصل الأول في الاعتكاف

الفصل الأول في الاعتكاف

- اعتكاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمانه ومكانه ومدته

- اعتكاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمانه ومكانه ومدته: 3909 - * روى الشيخان عن عائشة (رضي الله عنها) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، حتى توفاه الله عز وجل، ثم اعتكف أزواجه بعده. وفي رواية (1): كان يجاور العشر الأواخر من رمضان، "ويقول: تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان". وفي رواية (2) كان يعتكف في كل رمضان، فإذا صلى الغداة، جاء مكانه الذي اعتكف فيه، قال: فاستأذنته عائشة أن تعتكف، فأذن لها، فضربت فيه قبة، فسمعت بها حفصة فضربت فيه قبة، وسمعت زينب، فضربت قبة أخرى، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغداة، أبصر أربع قباب، فقال: "ما هذا؟ " فأخبر خبرهن. فقال: "ما حملهن على هذا؟ البر؟ انزعوها، فلا أراها" فنزعت، فلم يعتكف في رمضان حتى اعتكف في آخر العشر من شوال. وفي أخرى (3) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف، صلى الفجر ثم دخل معتكفه ثم ذكر نحوه ... إلى أن قال: فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، نظر فإذا الأخبية، فقال: "آلبر يردن؟ "، فأمر بخبائه فقوض، وترك الاعتكاف في شهر رمضان، حتى اعتكف في العشر الأول من شوال.

_ 3909 - البخاري (4/ 271) 33 - كتاب الاعتكاف، 1 - باب الاعتكاف في العشر الأواخر. مسلم (2/ 831) 14 - كتاب الاعتكاف، 1 - باب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان. (1) البخاري (4/ 259) 32 - كتاب فضل ليلة القدر، 3 - باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر. (2) البخاري (4/ 283) 33 - كتاب الاعتكاف، 14 - باب الاعتكاف في شوال. (3) مسلم (2/ 831). (يعتكف) العكف: الحبس، يقال: عكفه يَعْكُفُه ويعكِفُه عكفاً: حبسه ووقفه، ومنه الاعتكاف في المسجد، وهو حبس النفس به، وعكف على الشيء يعكُف ويعكِف عكوفاً: أقبل عليه مواظباً. (يجاور) المجاورة: الاعتكاف في المسجد. (تحروا) التحري: القصد والاجتهاد في الطلب. (قبة) القبة من الأبنية: ذوات الجدران معروفة، ومن الخيام: بيت صغير.

ورواية الموطأ (1): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يعتكف، فلما انصرف إلى المكان الذي أراد أن يعتكف فيه، وجد أخبية: خباء عائشة وخباء حفصة، وخباء زينب، فلما رآها سأل عنها؟ فقيل له: هذا خباء عائشة وحفصة وزينب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آلبر تقولون بهن" ثم انصرف فلم يعتكف، حتى اعتكف عشراً من شوال. وأخرجه الترمذي (2) عن عائشة وأبي هريرة معاً مختصراً، قال: كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى قبضه الله عز وجل. وله في أخرى (3) عن عائشة: كان إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر، ثم دخل في معتكفه. وأخرجه أبو داود (4) مثل رواية البخاري ومسلم الأولى. وأخرجه أيضاً عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر، ثم دخل معتكفه، وإنه أراد مرة أن يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، قالت: فأمر ببنائه فضرب، فلما رأيت ذلك أمرت ببنائي فضرب، قالت: وأمر غيري من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ببنائها فضرب، فلما صلى الفجر، نظر إلى الأبنية، فقال: "ما هذه؟ آلبر يردن؟ آلبر يردن" وفي رواية (5): "آلبر يردن؟ " مرة واحدة- فأمر ببنائه فقوض، وأمر أزواجه بأبنيتهن فقوضت، ثم أخر الاعتكاف إلى العشر الأول، يعني من شوال.

_ (1) الموطأ (1/ 316) 19 - كتاب الاعتكاف، 4 - باب قضاء الاعتكاف. (2) الترمذي (3/ 157) 6 - كتاب الصوم، 71 - باب ما جاء في الاعتكاف. (3) الترمذي: الموضع السابق. (4) أبو داود (2/ 331) كتاب الصوم، باب الاعتكاف. (خباء) الخباء: واحد الأخبية من وبر أو صوف، ولا يكون من شعر، وهو على عمودين أو ثلاثة، وما فوق ذلك فهو بيت. (فقوض) تقويض الخباء والخيمة: رفعهما وإزالتهما. (ببنائه) البناء: واحد الأبنية، وهي البيوت التي يسكنها العرب في الصحراء، فمنها الطراف، ويكون من أدم. (البر) اسم جامع للخير كله، ومنه قوله تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ ...} لآية [البقرة: 177]. (5) أبو داود ص (2/ 331 - 332) ولم يذكر "آلبر يردن" إلا مرة واحدة.

وفي رواية (1) قال: اعتكف عشرين من شوال. وأخرجه النسائي (2) بنحو من رواية البخاري ومسلم الآخرة. أقول: الأصل عند الحنفية في اعتكاف المرأة أن يكون في مسجد بيتها الذي تخصصه لصلاتها، واعتكافها في المسجد مكروه، والنص الذي مر معنا يدل على أن الاعتكاف جائز في أي وقت من العام، وأنه يصح أن يكون أكثر من عشرة أيام، وأكثر الحنفية يفهمون أن من نوى اعتكاف العشر الأواخر من رمضان، وباشر ذلك، أنه يجب عليه الإتمام، وإذا نقض اعتكافه فعليه قضاؤه، وظاهر هذا النص أنه ليس عليه قضاء، بدليل أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن نوين الاعتكاف وتركنه لم يطالبن بالقضاء، غير أن اعتكاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال يمكن أن يكون دليلاً لمن يذهبون إلى أن على من نقض الاعتكاف بعد أن نواه القضاء، والأصل في الاعتكاف أن يكون فيه صوم، فمن اعتكف في غير رمضان إذا كان اعتكافه منذوراً أو قضاء فلابد فيه من الصوم عند الحنفية وآخرين. 3910 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان. وزاد مسلم في رواية أخرى (3)، قال نافع: وقد أراني ابن عمر المكان الذي كان يعتكف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد. وأخرجه أبو داود (4) بزيادة مسلم.

_ (1) أبو داود: الموضع السابق. (2) النسائي (2/ 45) 8 - كتاب المساجد، 18 - ضرب الخباء في المساجد. 3910 - البخاري (4/ 271) 33 - كتاب الاعتكاف، 1 - باب الاعتكاف في العشر الأواخر ... إلخ. مسلم (2/ 830) 14 - كتاب الاعتكاف، 1 - باب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان. (3) مسلم: نفس الموضع السابق. (4) أبو داود (2/ 332) كتاب الصوم، باب أين يكون الاعتكاف.

مسألة في مكان الاعتكاف

3911 - * روى البخاري عن أبي هريرة (رضي الله عنه) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين". 3912 - * روى الترمذي عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فلم يعتكف عاماً، فلما كان من العام المقبل اعتكف عشرين". 3913 - * روى أبو داود عن أبي بن كعب (رضي الله عنه) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان .. " وذكر مثله. مسألة في مكان الاعتكاف: الذي أجمع عليه العلماء أنه يجوز الاعتكاف في أي مسجد إلا ما نقل عن حذيفة واشترط بعضهم أن يكون مسجداً جامعاً تقام فيه الجمعة حتى لا يخرج للجمعة ولا تضيع عليه وهذا رواية عن مالك كما قال أبو حنيفة بأنه يصح للمرأة أن تعتكف في مسجد بيتها. أما ما روي عن حذيفة فهو أن لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة، أخرجه الطحاوي في (مشكل الآثار 4/ 20). عن أبي وائل؛ قال: قال حذيفة لعبد الله: الناس عكوف بين دارك ودار أبي موسى؛ لا تغير؟! وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ومسجد بيت المقدس". قال عبد الله: لعلك نسيت وحفظوا، أو أخطأت وأصابوا. البيهقي (4/ 311). ووردت هذه الرواية موقوفة على حذيفة (المصنف لعبد الرزاق رقم (8014/ 4/ 347) ومصنف ابن أبي شيبة (2/ 237/ 9669) ومعجم الطبراني الكبير (9508، 9510، 9511) (9/ 349).

_ 3911 - البخاري (4/ 284) كتاب الاعتكاف، 17 - باب الاعتكاف في العشر الأوسط في رمضان. أبو داود: نفس الموضع السابق. 3912 - الترمذي (3/ 166) 6 - كتاب الصوم، 79 - باب ما جاء في الاعتكاف إذا خرج منه، وقال حديث حسن غريب. 3913 - أبو داود (2/ 331) كتاب الصوم، باب الاعتكاف، وإسناده حسن.

لكن روي عنه أيضاً أنه قال أما أنا- أي حذيفة- فقد علمت أنه لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة، الطبراني (9509) وفيه انقطاع وروي عنه أنه قال: "كل مسجد له مؤذن وإمام فالاعتكاف فيه يصلح" الدارقطني (2/ 200) لكنه ضعيف. وقد رد العلماء ما روي عن حذيفة أنه لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة بأمور: 1 - الاضطراب الواقع فيها فقد رويت موقوفة ومرفوعة. 2 - أنه إنما اعترض على اعتكاف الناس بين بيت عبد الله بن مسعود وأبي موسى الأشعري وأنه لا يجوز الاعتكاف إلا في المسجد وبهذا يجمع بين الروايات وإن كانت روايتا الدارقطني والطبراني فيها انقطاع ... 3 - أن حذيفة ربما قال ذلك اجتهاداً منه ويؤيد هذا الروايات الموقوفة عنه. 4 - إن صحت رفع الروايات فقد اعترض على اجتهاده جمهور الصحابة وقالوا لعلك نسيت وحفظوا أو أخطأت وأصابوا وكذا موقف التابعين والأئمة من بعدهم وإذا كان كذلك فلا يجوز الادعاء أن السنة هو ما أجمع المسلمون على تركه .. 5 - قال ابن حزم في (المحلي 5/ 196) مؤكداً صحة الاعتكاف بأي مسجد مستدلاً بقوله تعالى: (وأنتم عاكفون في المساجد). فإن قيل: فأين أنتم عما رويتموه من طريق سعيد بن منصور: حدثنا سفيان- هو ابن عيينة- عن جامع بن أبي راشد، عن شقيق بن سلمة، قال: قال حذيفة لعبد الله بن مسعود: قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة أو قال مسجد جماعة"؟ قال: هذا شك من حذيفة، أو ممن دونه، ولا يقطع على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشك، ولو أنه عليه السلام قال: "لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة" لحفظه الله تعالى علينا، ولم يدخل فيه شكاً، فيصح يقيناً أنه عليه السلام لم يقله قط. 6 - قال الطحاوي: إن حديث حذيفة منسوخ (4/ 20) من مشكل الآثار.

7 - إن ابن مسعود لم يختلف مع حذيفة- رضي الله عنهم جميعاً- حول فهم الحديث وإنما حول إثباته فأشار ابن مسعود له لعلك أخطأت أو نسيت وهذا يدل على أن الفهم واحد لكن حذيفة يثبت، وابن مسعود ينفي أصل الحديث كله ... وبالتالي لا يؤول أنه لا اعتكاف كاملاً ... 8 - إن الإجماع الواقع من العلماء ينهي الخلاف الواقع بين الصحابة فكيف إذا كان جمهور الصحابة على جواز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة؟. المجموع شرح المهذب (6/ 511). 9 - إن الذهبي صحح الحديث عن حذيفة لكنه نص على غرابته فلو كان هذا السنة لنقل عن الصحابة ولم يكن غريباً (السير 15/ 81). 10 - إنه لا يصح أن يقال إن الحديث مخصص للآية: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} لأن جمهور الأصوليين القائلين بتخصيص الآحاد للقرآن- وهم عدا الحنفية- اشترطوا للتخصيص أموراً منها أن لا يكون الحديث معلولاً وقد أعل هذا الحديث- حديث حذيفة- بأمور الغرابة والتفرد والشذوذ، ومخالفة ما عليه عمل الصحابة، ورد ابن مسعود له (لعلك نسيت أو أخطأت) فلا يصلح مخططاً واشترط لصحة تخصيص الآحاد للقرآن الإجماع على صحته ولم يحصل لهذا الحديث هذا الأمر. 11 - إن حديث حذيفة الذي روى عنه الطحاوي: في سنده هشام بن عمار وفيه كلام كثير ومع توثيق بعض العلماء له قد روى المناكير، وقال أبو داود: حدث بأربعمائة حديث لا أصل لها وكبر فصار يتلقن ... إلى آخر ما قيل فيه، ورجح كثير من العلماء ضعفه. انظر ميزان الاعتدال (4/ 302 - 304) أم الحديث الذي يرويه البيهقي مع صحة سنده فقد رواه موقوفاً ومرفوعاً كما أنه شك فقال لا اعتكاف إلا في المسجد الحرام أو قال إلا في المساجد الثلاثة وهذا اضطراب. 12 - وأخيراً ننقل قولين لعلمين من أعلام الحديث والفقه يؤكدان أن إجماع الأمة على جواز الاعتكاف في المساجد غير المساجد الثلاثة قال الإمام مالك في الموطأ في كتاب الاعتكاف: "الأمر عندنا الذي لا اختلاف فيه أنه لا يكره الاعتكاف في كل مسجد يجمع

فيه، ولا أراه كره الاعتكاف في المساجد التي لا يجمع فيها إلا كراهية أن يخرج المعتكف من مسجده الذي اعتكف فيه إلى الجمعة، أو يدعها. فإن كان مسجداً لا يجمع فيه الجمعة، ولا يجب على صاحبه إتيان الجمعة في مسجد سواه، فإني لا أرى بأساً بالاعتكاف فيه، لأن الله تبارك وتعالى قال: {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (1)، فعم الله المساجد كلها ولم يخص شيئاً منها". وقال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه في كتاب الاعتكاف: الاعتكاف في العشر الأواخر، والاعتكاف في المساجد كلها، لقوله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (2). وبعد هذا فهل يسمع لأحد محدث يقول لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة حارماً عظم الأمة الإسلامية من ثواب وفضل هذه العبادة؟ اللهم لا ... والخلاصة: 1 - إن حديث حذيفة معلل بالاضطراب فمرة روي موقوفاً ومرة مرفوعاً ومرة على الشك فروي: "لا اعتكاف إلا في المسجد الحرام" وروي "إلا في المساجد الثلاثة" كما روي "أو مسجد جماعة". وبالشذوذ لتفرده، ورد الصحابة له بأنه نسي أو أخطأ. 2 - مخالفة الإجماع. 3 - وقوع النسخ فيه عند بعض العلماء. 4 - مخالفته لعموم الآية ولا يصلح مخصصاً لما ذكرنا من العلل. 5 - أن بعض طرقه من طريق هشام بن عمار وهو ضعيف عند الأكثر.

_ (1، 2) البقرة: 187.

ما يجوز للمعتكف من الأفعال

ما يجوز للمعتكف من الأفعال: 3914 - * روى الشيخان عن عائشة (رضي الله عنها) "كانت ترجل النبي صلى الله عليه وسلم وهي حائض، وهو معتكف في المسجد، وهي في حجرتها يناولها رأسه". زاد في رواية (1): "وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفاً". وفي رواية (2): "كان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان". وفي رواية (3) قالت عائشة رضي الله عنها: "إن كنت لأدخل البيت للحاجة والمريض فيه، فما أسأل عنه إلا وأنا مارة". وفي أخرى لأبي داود (4) قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون معتكفاً في المسجد، فيناولني رأسه من خلل الحجرة، فأغسل رأسه". وفي رواية (5): "فأرجله وأنا حائض". وفي أخرى لأبي داود (6) قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر بالمريض وهو معتكف، فيمر ولا يعرج يسأل عنه". وفي رواية (7) قالت: "والسنة للمعتكف ألا يعود مريضاً ولا يشيع جنازة، ولا يمس امرأة ولا يباشرها، ولا يخرج لحاجة، إلا لما لابد منه، قالت: ولا اعتكاف إلا بصوم، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع".

_ 3914 - البخاري (4/ 286) 33 - كتاب الاعتكاف، 19 - باب المعتكف يدخل رأسه البيت للغسل. مسلم (1/ 244) 3 - كتاب الحيض، 3 - باب جواز غسل الحائض رأس زوجها ... إلخ. (1) البخاري (4/ 273) 33 - كتاب الاعتكاف، 3 - باب لا يدخل البيت إلا لحاجة. (2) مسلم: نفس الموضع السابق. (3) مسلم: نفس الموضع السابق. (4) أبو داود (2/ 333) كتاب الصوم، باب المعتكف يدخل البيت لحاجته. (5) أبو داود: نفس الموضع السابق. (6) أبو داود (2/ 333) كتاب الصوم، باب المعتكف يعود المريض. (7) أبو داود (2/ 333 - 334) الموضع السابق. (ترجل) الترجيل: تسريح الشعر. (حوائج الإنسان)، كثيرة، والمراد منها هاهنا: كل ما يضطر إليه مما لا يجوز له فعله في معتكفه.

قال الحافظ في (الفتح 4/ 273) عند الحديث رقم (2029). وحوائج الإنسان: فسرها الزهري بالبول والغائط، وقد اتفقوا على استثنائهما، واختلفوا في غيرهما من الحاجات كالأكل والشرب، ولو خرج لهما فتوضأ خارج المسجد لم يبطل، ويلتحق بهما القيء والفصد لمن احتاج إليه، ووقع عند أبي داود رقم (2473) من طريق عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: "السنة على المعتكف أن لا يعود مريضاً ولا يشهد جنازة، ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة إلا لما لابد منه". قال أبو داود: غير عبد الرحمن لا يقول فيه: قالت السنة (وفي الفتح البتة وهو تصحيف) وجزم الدارقطني بأن القدر الذي من حديث عائشة قولها: لا يخرج إلا لحاجة، وما عداه ممن دونها. وروينا عن علي والنخعي والحسن البصري: إن شهد المعتكف جنازة، أو عاد مريضاً، أو خرج للجمعة بطل اعتكافه، وبه قال الكوفيون وابن المنذر. وقال الثوري والشافعي وإسحاق: إن شرط شيئاً من ذلك في ابتداء اعتكافه لم يبطل اعتكافه بفعله وهو رواية عن أحمد. 3915 - * روى الشيخان عن علي بن الحسين (رضي الله عنها) أن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفاً، فأتيته أزوره ليلاً، فحدثته، ثم قمت لأنقلب، فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "على رسلكما، إنها صفية بنت حيي"، فقالا: سبحان الله، فقال: "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً"- أو قال: شيئاً-. وفي رواية (1): أنها جاءت تزوره في المسجد في اعتكافه في العشر الأواخر من رمضان- وفيه: حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة- ثم ذكر معناه، وقال فيه: "إن

_ 3915 - البخاري (6/ 336) 59 - كتاب بدء الخلق، 11 - باب صفة إبليس وجنوده. مسلم (4/ 1712) 39 - كتاب السلام، 9 - باب بيان أنه يستحب لمن رؤي خالياً بامرأة ... إلخ. (1) أبو داود: نفس الموضع السابق. (لأنقلب) الانقلاب: الرجوع من حيث جئت. (على رسلكما) يقال: افعله على رسلك- بكسر الراء- أي: على هينتك ومهلك.

الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدم". ومن الرواة (1) من قال: عن علي بن الحسين: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتته صفية. قوله: مبلغ الدم، أي: كمبلغ الدم، ووجه الشبه بين طرفي التشبيه: شدة الاتصال وعدم المفارقة، وكان الشافعي في مجلس ابن عيينة، فسأله عن هذا الحديث، فقال: إنما قال لهما ذلك لأنه خاف عليهما الكفر، إن ظنا به التهمة، فبادر إلى إعلامهما بمكانها، نصيحة لهما في الدين قبل أن يقذف الشيطان في قلوبهما أمراً يهلكان به. قال الحافظ في (الفتح 4/ 280): وفي الحديث من الفوائد جواز اشتغال المعتكف بالأمور المباحة من تشييع زائريه، والقيام معهم والحديث مع غيرهم، وإباحة خلوة المعتكف بالزوجة، وزيارة المرأة للمعتكف، وبيان شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته، وإرشادهم إلى ما يدفع عنهم الإثم، وفيه التحرز من التعرض لسوء الظن والاحتفاظ من كيد الشيطان، والاعتذار، قال ابن دقيق العيد: وهذا متأكد في حق العلماء ومن يقتدى بهم، فلا يجوز لهم أن يفعلوا فعلاً يوجب سوء الظن بهم وإن كان لهم فيه مخلص، لأن ذلك سبب إلى إبطال الانتفاع بعلمهم، ومن ثم قال بعض العلماء: ينبغي للحاكم أن يبين للمحكوم عليه وجه الحكم إذا كان خافياً نفياً للتهمة، ومن هنا يظهر خطأ من يتظاهر بمظاهر السوء، ويعتذر بأنه يجرب بذلك على نفسه، وقد عظم البلاء بهذا الصنف والله أعلم. وفيه إضافة بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إليهن، وفيه جواز خروج المرأة ليلاً، وفيه قول: سبحان الله عند التعجب وقد وقعت في الحديث لتعظيم الأمر وتهويله، وللحياء من ذكره. 3916 - * روى أحمد عن عبد الله بن عمر قال: بني لنبي الله صلى الله عليه وسلم بيت من سعف اعتكف في رمضان، حتى إذا كان ليلة أخرج رأسه فسمعهم يقرؤون. فقال: "إن المصلي

_ (1) البخاري (4/ 282) 33 - كتاب الاعتكاف، 12 - باب هل يدرأ المعتكف عن نفسه. (يقذف) يلقى ويوقع في أنفسكم. 3916 - أحمد (2/ 67). ابن خزيمة (3/ 350، 351) كتاب الصيام، 266 - باب الرخصة في بناء بيوت السعف في المسجد للاعتكاف فيها، وإسناده حسن لغيره.

إذا صلى يناجي ربه فليعلم أحدكم ما يناجيه، يجهر بعضكم على بعض". يريد إنكار الجهر بعضهم على بعض.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد - الاعتكاف غير المنذور مستحب باتفاق العلماء. وقال الحنفية: الاعتكاف ثلاثة أنواع: 1 - الواجب وهو المنذور. 2 - السنة المؤكدة على سبيل الكفاية: فهي اعتكاف العشر الأخير من رمضان. 3 - المستحب وهو في أي وقت سوى العشر الأخير. والصوم شرط لصحة الاعتكاف المنذور فقط وغير شرط في التطوع. قال المالكية: الاعتكاف قربة ونافلة من نوافل الخير ومندوب إليه بالشرع أو مرغب فيه شرعاً للرجال والنساء لاسيما في العشر الأواخر من رمضان. ويجب بالنذر. وقال الشافعية والحنابلة: الاعتكاف سنة أو مستحب كل وقت إلا أن يكون نذراً، فيلزم الوفاء به. - إنه من المناسب في عصرنا حيث كثر الانشغال في الدنيا أن يعمد الإنسان إلى قضاء الكثير من وقته في المسجد وأن ينوي الاعتكاف فيه مدة مكثه فيه وأن يملأ هذا الوقت بالذكر وتلاوة القرآن والفكر والتدبر، وقد ندب بعض العلماء أخذاً بأقل الأقوال في الاعتكاف لكل داخل إلى مسجد أن ينوي الاعتكاف فيه مدة مكثه فيه، فإننا نرجو لمن أكثر من هذه الاعتكافات المجزأة أن يدخل في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله". ويشترط لصحة الاعتكاف ما يلي: 1 - الإسلام. 2 - العقل أو التمييز. 3 - كونه في المسجد للرجل عند الحنفية. 4 - النية اتفاقاً: وأضاف الشافعية: إن كان الاعتكاف فرضاً لزمه تعيين النية للفرض، لتميزه عن التطوع. 5 - الصوم شرط مطلقاً عند المالكية، وشرط عند الحنفية في الاعتكاف المنذور فقط دون غيره من التطوع، وليس بشرط عند الشافعية والحنابلة فيصح بلا صوم، إلا أن ينذره مع الاعتكاف، ويصح عند الجمهور غير المالكية اعتكاف الليل وحده إذا لم يكن منذوراً.

6 - الطهارة من الجنابة والحيض والنفاس شرط عند الجمهور. 7 - إذن الزوج لزوجته: شرط عند الحنفية والشافعية والحنابلة. ورأى المالكية أن اعتكاف المرأة بغير إذن زوجها صحيح مع الإثم. - اتفق الفقهاء على أنه يلزم المعتكف في الاعتكاف الواجب البقاء في المسجد لتحقيق ركن الاعتكاف وهو المكث والملازمة والحبس، ولا يخرج إلا لعذر شرعي أو ضرورة أو حاجة. قال الحنفية: يجوز للمعتكف الخروج في اعتكاف النفل أو السنة المؤكدة لأن الخروج ينهي الاعتكاف ولا يبطله، لكن لو شرع في المسنون وهو العشر الأواخر من رمضان بنية ثم أفسده، يجب عليه قضاؤه، وذلك مقتضى التفريع على مذهب أبي يوسف، قال ابن عابدين في "حاشيته على الدر المختار": ثم رأيت المحقق ابن الهمام قال: ومقتضى النظر لو شرع في المسنون أعني العشر الأواخر بنيته ثم أفسده أن يجب قضاؤه تخريجاً على قول أبي يوسف في الشروع في نفل الصلاة ناوياً أربعاً لا على قولهما. اهـ. أي يلزمه قضاء العشر كله لو أفسد بعضه كما يلزمه قضاء أربع لو شرع في نفل ثم أفسد الشفع الأول عند أبي يوسف لكن صحح في "الخلاصة" أنه لا يقضي إلا ركعتين كقولهما نعم اختار في شرح المنية قضاء الأربع اتفاقاً في الراتبة كالأربع قبل الظاهر والجمعة وهو اختيار الفضلي وصححه في "النصاب" وتقدم تمامه في النوافل وظاهر الرواية خلافه وعلى كل فيظهر من بحث ابن الهمام لزوم الاعتكاف المسنون بالشروع وأن لزوم قضاء جميعه أو باقيه مخرج على قول أبي يوسف أما على قول غيره فيقضي اليوم الذي أفسده لاستقلال كل يوم بنفسه وإنما قلنا أي باقيه بناءً على أن الشروع ملزم كالنذر وهو لو نذر العشر يلزمه كله متتابعاً ولو أفسد بعضه قضى باقيه على ما مر في نذر صوم شهر معين والحاصل أن الوجه يقتضي لزوم كل يوم شرع فيه عندهما بناءً على لزوم صومه بخلاف الباقي لأن كل يوم بمنزلة شفع من النافلة الرباعية وإن كان المسنون هو اعتكاف العشر بتمامه اهـ ابن عابدين (الحاشية 2/ 131). وحرم على المعتكف اعتكافاً واجباً الخروج إلا لعذر شرعي كأداء صلاة الجمعة والعيدين، فيخرج في وقت يمكنه إدراكها مع صلاة سنة الجمعة قبلها، ثم يعود وإن أتم اعتكافه في

الجامع الآخر صح وكره، ويجوز للمعتكف الخروج لحاجة طبيعية أو لحاجة ضرورية، ويفسد اعتكافه بالخروج لعيادة مريض أو تشييع جنازة، وإن تعينت عليه إلا أنه لا يأثم، كما في المرض والأكل والشرب والنوم والعقد المحتاج إليه لنفسه أو عياله كبيع ونكاح ورجعة يكون في معتكفه. فلا بأس بأن يبيع ويبتاع في المسجد من غير أن يحضر السلعة، لأنه قد يحتاج إلى ذلك بأن لا يجد من يقوم بحاجته، لكن يكره تحريماً البيع لتجارة وإحضار المبيع أو السلعة إلى المسجد، ومبايعة غير المعتكف فيه مطلقاً لأن المسجد محرر عن حقوق العباد. وأما الأكل والشرب والنوم لغير المعتكف في المسجد، فمكروه إلا لغريب كما في أشباه ابن نجيم، وقال ابن كمال: لا يكره الأكل والشرب والنوم فيه مطلقاً مقيماً كان أو غريباً، مضطجعاً أو متكئاً، رجلاه إلى القبلة أو إلى غيرها. وقال الشافعية: إنما يصح الاعتكاف في المسجد، سواء في سطحه أو غيره التابع له، والجامع أولى بالاعتكاف فيه من غيره للخروج من خلاف من أوجبه، وإن نذر أن يعتكف في أحد المساجد الثلاثة تعين، ولزمه أن يعتكف فيه. والخلاصة: أن المالكية والشافعية يجيزون الاعتكاف في أي مسجد والحنفية والحنابلة يشترطون كونه في المسجد الجامع، ولا يجوز عند الجمهور الاعتكاف في مسجد البيت ويجوز ذلك للمرأة عند الحنفية. ويستحب للمعتكف التشاغل على قدر الاستطاعة ليلاً ونهاراً بالصلاة وتلاوة القرآن وذكر الله تعالى والاستغفار والفكر القلبي في ملكوت السموات والأرض والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. ويندب الاعتكاف في رمضان لاسيما في العشر الأخير من رمضان بالاتفاق. يندب مكث المعتكف ليلة العيد إذا اتصل اعتكافه بها، ليخرج منه إلى المصلى، فيصل عبادة بعبادة ويجتنب المعتكف كل ما لا يعنيه من الأقوال والأفعال ولا يكثر الكلام لأن من كثر كلامه كثر سقطه. ويجتنب الجدال والمراء والسباب والفحش، ولا يتكلم المعتكف إلا بخير، ولا بأس بالكلام لحاجته ومحادثة غيره. ويكره تحريماً عند الحنفية: إحضار المبيع في المسجد، ويكره عقد ما كان للتجارة، ويكره عند الشافعية: الإكثار من اتخاذ موضع للبيع والشراء أو العمل الصناعي والحجامة والفصد إن أمن تلويث المسجد وإلا حرم. ومما يبطل الاعتكاف الخروج بلا عذر شرعي والجماع ليلاً أو نهاراً لأن الوطء في الاعتكاف حرام

بالإجماع. والحيض والنفاس والوقوع في كبيرة كالغيبة والنميمة والقذف يبطل الاعتكاف عند المالكية في أحد قولين مشهورين، ولا يبطله عند الجمهور وفي قول مشهور آخر عند المالكية. مع ترتيب الإثم. انظر فيما سبق: (فتح القدير: 2/ 389 فما بعدها)، (المغني: 3/ 183 فما بعدها)، (الشرح الصغير: 1/ 725)، (الفقه الإسلامي 2/ 697 فما بعدها).

الفصل الثاني في ليلة القدر وساعة الاستجابة

الفصل الثاني في ليلة القدر وساعة الاستجابة

- فضل ليلة القدر

- فضل ليلة القدر: 3917 - * روى ابن ماجة عن أنس بن مالك قال: دخل رمضان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر من حرمها فقد حرم الخير كله ولا يحرم خيرها إلا محروم". - وقت ليلة القدر وعلاماتها: 3918 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) "أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أرى رؤياكم تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر" وفي رواية (1) قال: "رأى رجل أن ليلة القدر، ليلة سبع وعشرين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أرى رؤياكم في العشر الأواخر، فاطلبوها في الوتر" وفي رواية (2): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر: "إن ناساً منكم قد أروا أنها في السبع الأول، وأري ناس منكم أنها في السبع الغوابر، فالتمسوها في العشر الغوابر". وللبخاري (3): "أن ناساً أروا ليلة القدر في السبع الأواخر، وأن ناساً أروا أنها في العشر الأواخر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "التمسوها في السبع الأواخر" ولمسلم (4) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تحروا ليلة القدر في السبع الأواخر".

_ 3917 - ابن ماجه (1/ 526) 7 - كتاب الصيام، 2 - باب ما جاء في فضل شهر رمضان، قال المنذري في الترغيب والترهيب: وإسناده حسن إن شاء الله تعالى. 3918 - البخاري (4/ 256) 32 - كتاب فضل ليلة القدر، 2 - باب التماس ليلة القدر في السبع الأواخر. مسلم (2/ 822) 13 - كتاب الصيام، 40 - باب فضل ليلة القدر. (1) مسلم (2/ 823). (2) مسلم: الموضع السابق. (3) البخاري (12/ 379) 91 - كتاب التعبير، 8 - باب التواطؤ على الرؤية. (4) مسلم ص 823. (تواطأت) المواطأة مهموزاً: الموافقة والممالأة، كأن كل واحد منهما قد وطئ أثر الآخر، وقد جاء اللفظ في الحديث بترك الهمز، وتخفيف الهمز مذهب للعرب معروف.

وفي أخرى (1) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التمسوها في العشر الأواخر- يعني ليلة القدر- فإن ضعف أحدكم أو عجز، فلا يغلبن عن السبع البواقي" وفي أخرى (2): "من كان ملتمسها، فليلتمسها في العشر الأواخر" وفي أخرى (3) قال: "تحينوا ليلة القدر في العشر الأواخر- أو قال: في التسع الأواخر". 3919 - * روى ابن خزيمة عن عبد الله بن عمر، سمعت أبي يقول: جاوز أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم السبع الأوسط من رمضان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان منكم متحرياً فليتحرها في السبع الأواخر". 3920 - * روى الشيخان عن عائشة (رضي الله عنها) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان". وفي رواية (4) قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور العشر الأواخر في رمضان، ويقول: "تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان". 3921 - * روى مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أريت ليلة القدر، ثم أيقظني بعض أهلي فنسيتها، فالتمسوها في العشر الغوابر" وقال حرملة: "فنسيتها".

_ (1) مسلم: الموضع السابق. (2) مسلم: الموضع السابق. (3) مسلم: ص 824. (التحري): القصد والاجتهاد في طلب الغرض. (التحين): طلب الحين، وهو الوقت من الزمان. 3919 - ابن خزيمة (3/ 327) 218 - باب: ذكر خبر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر بطلب ليلة القدر في السبع الأواخر، وإسناده صحيح. 3920 - البخاري (4/ 259) 32 - كتاب فضل ليلة القدر، 3 - باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر. مسلم (2/ 828) 13 - كتاب الصيام، 40 - باب فضل ليلة القدر. (4) البخاري: الموضع السابق. 3921 - مسلم (2/ 824). (الغوابر): البواقي.

3922 - * روى الطبراني في الكبير عن الفلتان بن عاصم قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وإنا لجلوس ننتظره إذ خرج علينا وفي وجهه الغضب فجلس طويلاً لا يتكلم ثم سري عنه فقال: "إني خرجت إليكم وقد تبينت لي ليلة القدر ومسيح الضلالة فخرجت إليكم لأبينها فلقيت في المسجد رجلين يتلاحيان، بينهما الشيطان، فحجزت بينهما فاختلست مني في العشر الأواخر وأما مسيح الضلالة فإنه أجلح الجبهة ممسوح العين عريض النحر فيه دماء ابن العزى أو عبد العزى بن فلان" وفي رواية "أما ليلة القدر فالتمسوها في العشر الأواخر". أقول: في النص دلالة على أن التلاحي بين المسلمين يرفع الله به بركات وخيرات، فليبتعد كل مسلم عن أن يلاحي أخاه أو يخاصمه. 3923 - * روى البخاري عن عبادة بن الصامت قال: "خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين فقال: "خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان فرفعت، وعسى أن يكون خيراً لكم فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة". 3924 - * روى ابن خزيمة عن ابن عباس، قال: كان عمر يدعوني مع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول لي: لا تكلم حتى يتكلموا. قال: فدعاهم فسألهم عن ليلة القدر، فقال: أرأيتم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التمسوها في العشر الأواخر" أي ليلة ترونها؟ قال: فقال بعضهم: ليلة إحدى، وقال بعضهم: ليلة ثلاث، وقال، آخر: خمس، وأنا ساكت. قال، فقال: مالك لا تتكلم، قال: قلت: إن أذنت لي يا أمير المؤمنين تكلمت، قال: فقال: ما أرسلت إليك إلا لتتكلم، قال: فقلت: أحدثكم برأيي؟ قال: عن ذلك نسألك.

_ 3922 - الطبراني (المعجم الكبير) (18/ 335). مجمع الزوائد (3/ 178) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح. 3923 - البخاري (4/ 267) 32 - فضل ليلة القدر، 4 - باب رفع معرفة ليلة القدر لتلاحي الناس. 3924 - ابن خزيمة (3/ 322) 212 - باب الأمر بالتماس ليلة القدر وطلبها في العشر الأواخر، وسنده صحيح.

قال، قلت: السبع. رأيت الله عز وجل ذكر سبع سماوات، ومن الأرض سبعاً، وخلق الإنسان من سبع، ونبت الأرض سبع، قال، فقال: هذا أخبرتني ما أعلم، أرأيت ما لا أعلم؟ ما هو قولك نبت الأرض سبع؟ قال: فقلت: إن الله يقول: {ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا، فَأَنْبَتْنَا} إلى قوله {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} (1) والأب نبيت الأرض مما يأكله الدواب ولا يأكله الناس. قال: فقال عمر: أعجزتم أن تقولوا كما قال هذا الغلام الذي لم تجتمع شؤون رأسه بعد. إني والله ما أرى القول إلا كما قلت. وقال: قد كنت أمرتك أن لا تكلم حتى يتكلموا، وإني آمرك أن تتكلم معهم. 3925 - * روى البزار عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التمسوها في العشر الأواخر وتراً". 3926 - * روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال: اعتكفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الأوسط، فلما كان صبيحة عشرين نقلنا متاعنا، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "من كان اعتكف فليرجع إلى معتكفه، فإني رأيت هذه الليلة، ورأيتني أسجد في ماء وطين". فلما رجع إلى معتكفه، هاجت السماء، فمطرنا، فوالذي بعثه بالحق، لقد هاجت السماء من آخر ذلك اليوم، وكان المسجد على عريش، فلقد رأيت على أنفه وأرنبته أثر الماء والطين. وفي رواية نحوه، إلا أنه قال: حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين، وهي الليلة

_ (1) عبس: 26 - 31. 3925 - كشف الأستار (1/ 483) كتاب الصيام، باب في ليلة القدر. أبو يعلى (1/ 154). مجمع الزوائد (3/ 174) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى والبزار ورجال أبي يعلى ثقات. 3926 - البخاري (4/ 283) 33 - كتاب الاعتكاف، 13 - باب من خرج من اعتكافه عند الصبح. مسلم (2/ 824) 13 - كتاب الصيام، 40 - باب فضل ليلة القدر ... إلخ. البخاري (4/ 271) 33 - كتاب الاعتكاف، 1 - باب الاعتكاف في العشر الأواخر ... إلخ. (هاجت السماء): إذا تغيمت، وكثر ريحها فأمطرت. (عريش) العريش: سقف من خشب وحشيش ونحو ذلك. (وأرنبته) أرنبة الأنف: هي طرف الأنف من مقدمه.

- الاعتكاف وسط الشهر كان ابتداء

التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه، قال: "من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر". وفي أخرى (1): كان النبي صلى الله عليه وسلم يجاور في رمضان العشر التي في وسط الشهر، فإذا كان حين يمسي من عشرين ليلة تمضي، ويستقبل إحدى وعشرين، رجع إلى مسكنه، ورجع من كان يجاور معه، وأنه قام في شهر جاور فيه الليلة التي كان يرجع فيها فخطب الناس، وأمرهم بما شاء الله، ثم قال: "كنت أجاور هذه العشر، ثم قد بدا لي أن أجاور هذه العشر الأواخر، فمن كان اعتكف معي فليثبت في معتكفه" ثم ذكره وفيه: فوكف المسجد في مصلى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة إحدى وعشرين ... الحديث. - الاعتكاف وسط الشهر كان ابتداءً: 3927 - * روى مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الأوسط من رمضان يلتمس ليلة القدر قبل أن تبان له، فلما انقضين أمر بالبناء فقوض ثم أبينت له أنها في العشر الأواخر فأمر بالبناء فأعيد". وفي رواية (2) اعتكف العشر الأول ثم اعتكف العشر الأوسط ثم اعتكف العشر الأواخر. 3928 - * روى البخاري عن أبي سلمة: "انطلقت إلى أبي سعيد، فقلت: ألا تخرج بنا إلى النخل فنتحدث؟ فخرج، فقلت: حدثني ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر، قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الأول من رمضان، واعتكفنا معه، فأتاه جبريل عليه السلام، فقال: إن الذي تطلب أمامك، فاعتكف العشر الأوسط، واعتكفنا معه، فأتاه جبريل عليه السلام، فقال: إن الذي تطلب أمامك، ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً

_ (1) البخاري (4/ 259) 32 - كتاب فضل ليلة القدر، 3 - باب تحري ليلة القدر ... إلخ. 3927 - مسلم (2/ 826، 827) 13 - كتاب الصيام، 40 - باب فضل ليلة القدر والحث على طلبها. (2) مسلم (2/ 825) الموضع السابق. وانظر الفتح 4/ 257. (تبان له): أي تكشف له ليلة القدر. (قوض): أي أزيل. 3928 - البخاري (2/ 298) 109 - كتاب الأذان، 135 - باب السجود على الأنف والسجود على الطين.

صبيحة عشرين من رمضان، فقال: "من كان اعتكف مع النبي فليرجع، فإني رأيت ليلة القدر، وإني أنسيتها، وإنها في العشر الأواخر في وتر، إني رأيت كأني أسجد في طين وماء"، وكان سقف المسجد جريد النخل، وما نرى في السماء شيئاً، فجاءت قزعة فمطرنا، فصلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم حتى رأيت أثر الطين والماء على جبهة النبي صلى الله عليه وسلم وأرنبته، تصديق رؤياه. 3929 - * روى أحمد عن ابن عباس قال: "أتيت وأنا نائم في رمضان فقيل لي إن الليلة ليلة القدر قال: فقمت وأنا ناعس فتعلقت ببعض أطناب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يصلي فنظرت في تلك الليلة فإذا هي ليلة ثلاث وعشرين". 3930 - * روى البخاري عن عبد الرحمن بن عبيد الصنابحي قال: "خرجنا من اليمن مهاجرين، فقدمنا الجحفة ضحى، فأقبل علينا راكب، فقلت له: الخبر فقال: دفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ خمس، قلت: ما سبقك إلا بخمس، هل سمعت في ليلة القدر شيئاً؟ قال: أخبرني بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنها أول السبع من العشر الأواخر". 3931 - * روى أبو داود عن عبد الله بن أنيس (رضي الله عنه) قال: قلت: "يا رسول الله، إن لي بادية أكون فيها، وأنا أصلي فيها بحمد الله، فمرني بليلة أنزلها إلى هذا المسجد، فقال: انزل ليلة ثلاث وعشرين، قيل لابنه: كيف كان أبوك يصنع؟ قال: كان يدخل المسجد إذا صلى العصر، فلا يخرج منه لحاجة حتى يصلي الصبح، فإذا صلى الصبح وجد دابته على باب المسجد، فجلس عليها ولحق بباديته". وفي رواية الموطأ (1): أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم "إني رجل شاسع الدار، فمرني ليلة أنزل

_ 3929 - أحمد (1/ 282). مجمع الزوائد (3/ 176) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجال أحمد رجال الصحيح. 3930 - البخاري (8/ 153) 64 - كتاب المغازي، 88 - باب. 3931 - أبو داود (2/ 52) كتاب الصالة في السفر، باب في ليلة القدر، وهو حديث حسن. (1) الموطأ (1/ 320) 19 - كتاب الاعتكاف، 6 - باب ما جاء في ليلة القدر. (شاسع) الشاسع: البعيد.

لها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انزل ليلة ثلاث وعشرين من رمضان". وفي رواية مسلم (1): قال عبد الله بن أنيس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أريت ليلة القدر، ثم أنسيتها، وأراني صبيحتها أسجد في ماء وطين، قال: فمطرنا ليلة ثلاث وعشرين، فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فانصرف وإن أثر الماء والطين على جبهته وأنفه، وكان عبد الله بن أنيس يقول: ثلاث وعشرين". 3932 - * روى البخاري عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: "التمسوها في أربع وعشرين". 3933 - * روى أحمد عن بلال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليلة القدر ليلة أربع وعشرين". أقول: لا يبعد أن تكون ليلة القدر متنقلة بين الأيام، فإن أبا حنيفة رحمه الله يرى أنها في السنة كلها، وقد جاءت النصوص وقد تعدد الخبر فيها عن ليلة القدر وذلك يدل على تنقلها ليجتهد فيها الناس بالعبادة، والأحوط أن يجتهد الإنسان في العبادة طوال العام ليوافقها جزماً فإن لم يطق ذلك فليجتهد رمضان كله فإن لم يطق ذلك فليجتهد العشر الأواخر فإن لم يطق ذلك فليجتهد في ليالي الوتر من العشر الأواخر. 3934 - * روى مسلم عن زر بن حبيش (رحمه الله) قال: سمعت أُبي بن كعب رضي الله عنه يقول: وقيل له: إن عبد الله بن مسعود يقول: "من قام السنة أصاب ليلة القدر: فقال أبي: "والله الذي لا إله إلا هو، إنها لفي رمضان- يحلف لا يستثني- ووالله إني لأعلم أي ليلة هي؟ هي الليلة التي أمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها، هي ليلة سبع وعشرين، وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء، لا شعاع لها" وفي رواية (2) قال: "سألت أبي ابن كعب، فقلت: إن أخاك ابن مسعود يقول: من يقم الحول يصب

_ (1) مسلم (2/ 827) 13 - كتاب الصيام، 40 - باب فضل ليلة القدر ... إلخ. 3932 - البخاري (4/ 360) 32 - كتاب فضل ليلة القدر، 3 - باب تحري ليلة القدر ... إلخ. 3933 - أحمد (6/ 12) وإسناده حسن. 3934 - مسلم (1/ 525) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 25 - باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح. (2) مسلم (2/ 828) 13 - كتاب الصيام، 40 - باب فضل ليلة القدر.

ليلة القدر، فقال: رحمه الله، أراد أن لا يتكل الناس، أما إنه قد علم أنها في رمضان، وأنها في العشر الأواخر، ثم حلف- لا يستثني- أنها ليلة سبع وعشرين، فقلت: بأي شيء تقول ذلك يا أبا المنذر؟ فقال: بالعلامة- أو بالآية- التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنها تطلع الشمس يومئذ، لا شعاع لها". وفي رواية (1) أبي داود مثل الثانية ونحوها، وفيها قال: "قلت: يا أبا المنذر، أنى علمت ذاك؟ قال: بالآية التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: قلت لزر: ما الآية؟ قال: تصبح الشمس صبيحة تلك الليلة مثل الطست، ليس لها شعاع حتى ترتفع". وفي رواية الترمذي (2) نحوها، وله في أخرى (3) قال: قلت لأبي بن كعب: "أنى علمت أبا المنذر أنها ليلة سبع وعشرين؟ قال: بلى، أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنها ليلة صبيحتها الشمس ليس لها شعاع، فعددنا وحفظنا، والله لقد علم ابن مسعود: أنها في رمضان، وأنها ليلة سبع وعشرين، ولكن كره أن يخبركم فتتكلوا". أقول: عندما تكون السماء صافية ليس دون الشمس سحاب فإنها ترى صبيحة ليلة القدر كما وصفت بالحديث. وللناس تعليلات لذلك والمشاهدة والتتبع يقضيان بذلك، ولا نحب أن نعلل لهذه الظاهرة ما دام النص ساكتاً عن التعليل. 3935 - * روى أبو داود عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر قال: "ليلة سبع وعشرين". قال الحافظ في (الفتح 4/ 262): وقد روى أحمد من طريق سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال: أتيت وأنا نائم، فقيل لي: الليلة ليلة القدر، فقمت وأنا ناعس، فتعلقت ببعض أطناب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يصلي، قال: فنظرت في تلك الليلة، فإذا هي ليلة أربع وعشرين، وقد أشكل هذا مع قوله في الطريق الأخرى: إنها في وتر، وأجيب بأن الجمع ممكن بين الروايتين أن يحمل ما ورد مما ظاهره الشفع أن يكون

_ (1) أبو داود (1/ 51) كتاب الصلاة، باب في ليلة القدر. (2) الترمذي (5/ 445) 48 - كتاب تفسير القرآن، 86 - باب ومن سورة القدر. (3) الترمذي (3/ 160) 6 - كتاب الصوم، 72 - باب ما جاء في ليلة القدر. 3935 - أبو داود (2/ 53) كتاب الصلاة، باب من قال سبع وعشرون، وإسناده صحيح.

باعتبار الابتداء بالعدد من آخر الشهر فتكون ليلة الرابع والعشرين هي السابعة، ويحتمل أن يكون مراد ابن عباس بقوله: "في أربع وعشرين" أي: أول ما يرجى من السبع البواقي، فيوافق ما تقدم من التماسها في السبع البواقي. 3936 - * روى ابن خزيمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر: ليلة طلقة لا حارة ولا باردة تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة. أقول: وصف ليلة القدر بأنها طلقة لا حارة ولا باردة قد يكون لذلك العام الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بدليل الروايات التي تذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صبيحة ليلة القدر وأرض المسجد مبتلة من المطر، ويمكن الجمع بين النصين بأنه يمكن وجود المطر مع عدم البرد. 3937 - * روى أبو داود عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر: "اطلبوها ليلة سبع عشرة من رمضان وليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين، ثم سكت". 3938 - * روى أحمد عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ليلة القدر فقال: "هي في العشر الأواخر، قم في الثالثة أو الخامسة". 3939 - * روى البزار عن عبد الله بن مسعود قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر فقال: "كنت أعلمتها ثم انفلتت مني فاطلبوها في سبع يبقين أو ثلاث يبقين". 3940 - * روى أحمد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان متحريها

_ 3936 - ابن خزيمة (3/ 330) كتاب الصيام، 224 - باب صفة ليلة القدر .. إلخ، وهو حديث صحيح لشواهده. 3937 - أبو داود (2/ 53) كتاب الصلاة، باب من روى أنها ليلة سبع عشرة، وإسناده حسن. 3938 - مجمع الزوائد (3/ 175) وقال الهيثمي: رواه أحمد، ورجاله ثقات. 3939 - كشف الأستار (1/ 484). مجمع الزوائد (3/ 176) وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله ثقات. 3940 - أحمد (2/ 6). مجمع الزوائد (3/ 176) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

فليتحرها ليلة سبع وعشرين وقال: تحروها ليلة سبع وعشرين" يعني ليلة القدر. 3941 - * روى الترمذي عن عيينة بن عبد الرحمن قال: حدثني أبي فقال: ذكرت ليلة القدر عند أبي بكرة، فقال: "ما أنا بملتمسها لشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا في العشر الأواخر، فإني سمعته يقول: "التمسوها في تسع يبقين، أو سبع يبقين، أو خمس يبقين، أو في ثلاث، أو آخر ليلة" قال: وكان أبو بكرة يصلي في العشرين من رمضان كصلاته في سائر السنة، فإذا دخل العشر اجتهد". 3942 - * روى البخاري عن عبادة بن الصامت (رضي الله عنه) قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبر بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان، فرفعت، فعسى أن يكون خيراً لكم، فالتمسوها في التاسعة، والسابعة، والخامسة". 3943 - * روى البخاري عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هي في العشر، في سبع يمضين، أو في سبع يبقين" يعني: ليلة القدر. وفي رواية (1): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "التمسوها في العشر الأواخر من رمضان- يعني ليلة القدر- في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى". 3944 - * روى البزار عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "التمسوها في العشر الأواخر: في التاسعة والخامسة والسابعة". 3945 - * روى مالك عن سعيد بن المسيب (رحمه الله) قال: "من شهد العشاء من ليلة القدر في جماعة: فقد اخذ بحظه منها".

_ 3941 - الترمذي (3/ 160) 6 - كتاب الصوم، 72 - باب ما جاء في ليلة القدر، وإسناده حسن. 3942 - البخاري (4/ 267) 32 - كتاب فضل ليلة القدر، 4 - باب رفع معرفة ليلة القدر لتلاحي الناس. (التلاحي) والملاحاة: التشاجر والتخاصم. 3943 - البخاري (4/ 260). (1) البخاري: الموضع السابق. 3944 - كشف الأستار (1/ 484)، ورجاله رجال الصحيح. 3945 - الموطأ (1/ 221) 19 - كتاب الاعتكاف، 6 - باب ما جاء في ليلة القدر.

3946 - * روى أحمد عن ابن عباس أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله إني شيخ كبير عليل فمرني بليلة لعل الله يوفقني فيها لليلة القدر فقال: "عليك بالسابعة". 3947 - * روى أحمد عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليلة القدر في العشر البواقي، من قامهن ابتغاء حسبتهن فإن الله تبارك وتعالى يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وهي ليلة وتر تسع أو سبع أو خامسة أو ثالثة أو آخر ليله" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أمارة ليلة القدر: أنها صافية بلجة كأن فيها حتى يصبح، وإن أمارتها أن الشمس صبيحتها تخرج مستوية ليس لها شعاع مثل القمر البدل لا يحل للشيطان أن يخرج معها يومئذ". أقول: يحتمل النص أن يكون هذا صفة ليلة القدر في سنة من السنين، أو في كل سنة حيث تكون السماء صافية أو في بعض الأماكن. ويدل على ذلك الحديث التالي. 3948 - * روى أحمد عن جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر" رواه أحمد وزاد ابنه "في العشر الأواخر من رمضان في وتر فإني قد رأيتها ثم نسيتها وهي ليلة قطر وريح- أو قال-: مطر أو ريح".

_ قال الزرقاني في "شرح الموطأ": قال ابن عبد البر: قول ابن المسيب لا يكون رأياً ولا يؤخذ إلا توقيفاً، ومراسيله أصح المراسيل. وذكر الزرقاني لقول ابن المسيب شواهد بمعناه فانظرها هناك. 3946 - مجمع الزوائد (3/ 176) وقال الهيثمي: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. 3947 - مجمع الزوائد (3/ 175) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات. 3948 - أحمد (5/ 86). الزيادة في (5/ 98). كشف الأستار (1/ 483) باب في ليلة القدر. الطبراني (المعجم الكبير) (2/ 245). مجمع الزوائد (3/ 175) وقال الهيثمي: رواه البزار والطبراني في الكبير وزاد "ورعد"، ورجال أحمد رجال الصحيح.

3949 - * روى ابن خزيمة عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليلة القدر ليلة السابعة أو التاسعة وعشرين، وإن الملائكة تلك الليلة أكثر في الأرض من عدد الحصى". 3950 - * روى أحمد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "في ليلة القدر أنها ليلة سابعة أو تاسعة وعشرين إن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى". 3951 - * روى مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: "تذاكرنا ليلة القدر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "أيكم يذكر ليلة طلع القمر وهو مثل شق جفنة؟ ". أقول: هذا يدل على أن لليلة القدر ببعض السنين وبعض الأمكنة علامات كونية، وليس شرطاً أن تكون كل هذه العلامات في كل السنين وكل الأمكنة. وقوله: شق جفنة: الشق هو النصف، والجفنة القصعة، قال القاضي: فيه إشارة إلى أنها إنما تكون في أواخر الشهر لأن القمر لا يكون كذلك عند طلوعه إلا في أواخر الشهر. اهـ. 3952 - * روى ابن خزيمة عن أبي ذر، قال: صمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان، فلم يقم بنا حتى بقي سبع من الشهر، فقام بنا، حتى ذهب ثلث الليل، ثم لم يقم بنا، في السادسة، وقام بنا في الخامسة حتى ذهب شطر الليل، فقلت، يا رسول الله صلى الله عليه وسلم لو نفلنا بقية ليلتنا هذه؟ قال: "إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف، كتب له قيام ليلة". ثم لم يصل بنا حتى بقي ثلاث من الشهر، فقام بنا في الثالثة، وجمع أهله ونساءه، فقام بنا حتى تخوفنا أن يفوتنا الفلاح. قلت- القائل أبو ذر-: وما الفلاح؟

_ 3949 - ابن خزيمة (3/ 332) 228 - باب ذكر كثرة الملائكة في الأرض ليلة القدر، وإسناده حسن. 3950 - أحمد (2/ 519). كشف الأستار (1/ 484) باب في ليلة القدر. مجمع الزوائد (3/ 175) وقال الهيثمي: رواه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط ورجاله ثقات. 3951 - مسلم (2/ 829) 13 - كتاب الصيام، 40 - باب فضل ليلة القدر. 3952 - ابن خزيمة (3/ 338) 240 - باب ذكر قيام الليل كله للمصلي مع الإمام وإسناده صحيح.

قال: السحور. أقول: هذا النص يدل على أهمية بقاء المصلي مع إمامه حتى ينتهي الإمام من الصلاة إلا إذا كان هناك ضرورة وهذا من الأدب الرفيع الذي أدب به الإسلام المسلم مع شيوخه وأئمته، فحتى في الاجتماع لا ينصرف إلا بإذنهم إلا إذا كانت هناك ضرورة أو حاجة، وللمسلم في ذلك أجر كبير إذا كانت له نية صالحة. 3953 - * روى ابن خزيمة عن أبي ذر، قال: قام بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان ليلة ثلاث وعشرين إلى ثلث الليل الأول، ثم قال: "ما أحسب ما تطلبون إلا وراءكم"، ثم قام ليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل، ثم قال: "ما أحسب ما تطلبون إلا وراءكم" ثم قمنا ليلة سبع وعشرين إلى الصبح. قال ابن خزيمة: هذه اللفظة: "إلا وراءكم" هو عندي من باب الأضداد، ويريد: أمامكم، لأن ما قد مضى هو وراء المرء، وما يستقبله هو أمامه، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد: ما أحسب ما تطلبون- أي ليلة القدر- إلا فيما تستقبلون، لا أنها في ما مضى من الشهر وهذا كقوله عز وجل: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} (1) يريد: وكان أمامهم. 3954 - * روى ابن خزيمة عن عمرو بن مرة الجهني، قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من قضاعة، فقال له: يا رسول الله أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وصليت الصلوات الخمس وصمت الشهر، وقمت رمضان، وآتيت الزكاة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من مات على هذا كان من الصديقين والشهداء". 3955 - * روى أحمد عن أبي هريرة قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع الناس على القيام".

_ 3953 - ابن خزيمة (3/ 337) 239 - باب ذكر الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما خص القيام بالناس ... إلخ، وإسناده حسن. (1) الكهف: 79. 3954 - ابن خزيمة (3/ 340) 244 - باب في فضل قيام رمضان. 3955 - مجمع الزوائد (3/ 172) وقال الهيثمي: رواه أحمد، وإسناده حسن.

3956 - * روى ابن خزيمة عن عبد الله بن أبي لبيد، سمع أبا سلمة يقول: "سألت عائشة، فقلت أي أمه، أخبريني عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل. فقالت: كانت صلاته بالليل في شهر رمضان وفيما سوى ذلك ثلاث عشرة ركعة" هذا حديث عبد الجبار وقال أبو هاشم: "أتيت عائشة فسألتها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان فقالت: كانت صلاته ثلاث عشرة ركعة منها ركعتا الفجر". 3957 - * روى مسلم نع جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن في الليل ساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك كل ليلة".

_ 3956 - ابن خزيمة (3/ 341) 245 - باب ذكر عدد صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل في رمضان. 3957 - مسلم (1/ 521) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 23 - باب في الليل ساعة مستجاب فيها الدعاء.

الباب الثالث في صدقة الفطر

الباب الثالث في صدقة الفطر

مقدمة

مقدمة ذكر الله عز وجل قوله تعالى: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} (1) بين آيات الإنفاق في سورة البقرة وفي ذلك إشارة إلى أن من الحكمة أن يضع الإنسان الصدقات مواضعها، وصدقة الفطر لها أهمية خاصة في الإسلام، لذلك كانت في الواجبات وهي تتكرر سنوياً، وتجب على كل من ملك النصاب عن نفسه وأولاده الصغار وعبيده وإمائه صبيحة عيد الفطر ولو لم يحل على النصاب الحول عند الحنفية، وأوجبها بعضهم على من ملكها وملك قوته وقوت عياله ليومه وليلته. وهي تؤدي دورها الذي شرعت من أجله ولو أنفقت عفوياً، ولكن لو أنها نظمت فإنها تؤدي دوراً أعظم في خدمة الفقراء والمحتاجين. فلو أن مؤسسة خيرية قامت في كل حي وفي كل قرية فنظمت جمع الزكوات وصدقة الفطر والأضاحي ونظمت توزيعها فلعله يكون في ذلك خير كثير، مع ملاحظة أن وجود هذه المؤسسات لا يلغي حق صاحب الزكاة وصدقة الفطر والأضحية في أن يوزع ما وجب عليه على من يستحق ذلك، فكثيراً ما يفطن الأفراد لما لا تفطن له المؤسسات، كما أنه كثيراً ما تفطن المؤسسات لما لا يفطن له الأفراد.

_ (1) البقرة: 269.

العرض الإجمالي

العرض الإجمالي - شرعت زكاة الفطر في السنة الثانية من الهجرة، عام فرض صوم رمضان. وحكمتها: جبر نقص الصوم، وإغناء الفقراء عن السؤال يوم العيد، وحكمها عند الحنفية: أنها واجبة على كل مسلم صغيراً أو كبيراً ذكراً أو أنثى عاقلاً أو مجنوناً، إذا كان مالكاً لمقدار النصاب. وقال الجمهور: زكاة الفطر واجبة على كل حر صغيراً أو كبيراً، ذكراً أو أنثى من المسلمين، وتجب عند الجمهور على كل من ملك قوته وقوت من تلزمه نفقته ليلة العيد ويومه، فمن ملك فاضلاً عما يحتاجه لنفسه ولمن تلزمه مؤنته من مسكن وخادم يحتاج إليه ودابة وثياب ونحوها من الحاجات الأصلية وجبت عليه الفطرة، حتى عند المالكية لو كان قادراً على الفطرة بالاستدانة مع رجاء الوفاء، لأنه قادر حكماً، ومن لزمه فطرة نفسه، لزمه فطرة من تلزمه نفقته بقرابة كوالديه الفقيرين، أو زوجته أو ملك رقيق إذا كانوا مسلمين ووجد ما يؤدي عنهم. هذا عند الجمهور أما عند الحنفية ومن وافقهم: فلا تجب عليه عن زوجته ووالديه الفقيرين وأولاده الكبار البالغين إذا كانوا فقراء، إنما هؤلاء تسقط عنهم وعمن يعولون إذا كانوا فقراء. - ووقت وجوب زكاة الفطر عند الحنفية: بطلوع الفجر من يوم عيد الفطر، فمن مات قبل ذلك، لم تجب فطرته، ومن أسلم أو ولد بعد طلوع الفجر لم تجب فطرته، ويجوز تقديمها قبل يوم الفطر، وإن أخروها عن يوم الفطر قبل صلاة العيد لم تسقط وكان عليهم إخراجها وتكون صدقة، وقال الجمهور: تجب زكاة الفطر بغروب شمس ليلة عيد الفطر أي أول ليلة العيد، فمن مات بعد الغروب تجب عليه، أما من ولد أو أسلم بعد الغروب أو كان معسراً وقت الوجوب ثم أيسر بعده، فلا فطرة عليه عند الجمهور، لعدم وجود سبب الوجوب وعليه الفطرة عند الحنفية. ولا تسقط عند الجمهور بعد وجوبها بموت ولا غيره، وتبقى في ذمته أبداً حتى يخرجها، ويجوز عند الشافعية تقديم الفطرة من أول شهر رمضان لأنها تجب بسببين: الأول: صوم شهر رمضان، الثاني: الفطر منه، ويستحب عند الشافعية ألا تؤخر عن صلاة العيد للأمر بها قبل الخروج إليها ويحرم عند الشافعية تأخيرها

عن يوم العيد بلا عذر كغيبة ماله أو المستحقين، فلو أخر بلا عذر عصى وقضى. ويجوز عند المالكية والحنابلة تقديمها قبل العيد بيوم أو يومين لا أكثر من ذلك. وقد مر معنا أن الحنفية يجيزون تقديمها في رمضان مطلقاً. وأفتى بعضهم بتقديمها على رمضان أيضاً قياساً على الزكاة (انظر الحاشية 2/ 78 آخر كتاب الزكاة). قال الجمهور: تؤدى زكاة الفطر من الحبوب والثمار المقتاتة وهي صاع، وذهب الشافعية: إلى أنها تجب من غالب قوت البلد أو المحل. ولا يجزئ عند الجمهور إخراج القيمة عن هذه الأصناف فمن أعطى القيمة لم تجزئه خلافاً للحنفية فعند الحنفية يجوز دفع القيمة، وهو الأرفق بالناس. - واتفق الفقهاء على أنه يستحب إخراج صدقة الفطر يوم الفطر بعد الفجر قبل الصلاة، إلا أن أكثرية الفقهاء ذهبوا إلى أن إخراجها قبل صلاة العيد إنما هو مستحب فقط وجزموا بأنها تجزئ إلى آخر يوم الفطر فمن أخرها عن الصلاة ترك الأفضل، فدل على أن تأخيرها عن الصلاة مكروه تنزيهاً وأن الأمر بإخراجها قبل الصلاة للندب، ويحرم بالاتفاق تأخيرها عن يوم العيد، فتأخيرها فيه إثم، كما في إخراج الصلاة عن وقتها. - اتفق الفقهاء على أن مصرف زكاة الفطر هو مصارف الزكاة المفروضة، ولا يجوز عند الجمهور- المالكية والشافعية والحنابلة- دفعها إلى ذمي لأنها زكاة فلم يجز دفعها إلى غير المسلمين كزكاة المال ولا خلاف في أن زكاة المال لا يجوز دفعها إلى غير المسلمين قال ابن المنذر: "أجمع أهل العلم على ألا يجزئ أن يعطى من زكاة المال أحد من أهل الذمة" وأجاز الجمهور إعطاء الواحد ما يلزم الجماعة والجماعة ما يلزم الواحد.

النصوص

النصوص - وجوب زكاة الفطر وحكمتها ووقتها: 3958 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات". - من تجب عليه ومقدارها: 3959 - * روى الترمذي عن عمرو بن شعيب (رحمه الله) عن أبيه عن جده "أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث منادياً في فجاج مكة: ألا إن صدقة الفطر واجبة على كل مسلم، ذكر أو أنثى، حر أو عبد، صغير أو كبير: مدان من قمح أو سواه، أو صاع من طعام". أقول: الصاع عند الجمهور يعادل في عصرنا 2000 غم تقريباً وكل مد منه يعادل 675 غم أما عند الحنفية فالصاع= 3250 غم وهذا لصالح الفقراء في عصرنا. والمدان نصف صاع، فالنص على أن المُدَّين من القمح، أو الصاع من سواه يدل على أن نصف الصاع من القمح هو المعيار لصدقة الفطر وهو الشيء الذي نجده في فدية الصوم، فما ذكره معاوية مما سنراه له أصل في السنة. وهذا الذي أخذ به الحنفية وهو أن نصف الصاع من القمح هو صدقة الفطر، وهو يعدل حوالي 2 كغم تقريباً من أوزاننا الحالية. فإذا عرفنا أن الحنفية يجيزون دفع القيمة، وإذا تذكرنا أن سعر الخبز معروف لكل إنسان، أدركنا سهولة تطبيق المذهب الحنفي في عصرنا، فثمن 2 كغ من الخبز هو فطرة الفرد الواحد ويزيد على ذلك قليلاً للفارق بين الخبز والقمح، فإذا كان الإنسان له أولاد صغار غير بالغين فإنه يخرج عن نفسه وأولاده عن كل واحد منهم نصف صاع قمح أو قيمته. فإذا دفع عن زوجته وأولاده الكبار أجزأهم وإلا فهم مسؤولون عن أنفسهم إن كانوا يملكون شيئاً وجب عليهم. وإن كانوا فقراء

_ 3958 - أبو داود (2/ 111) كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر، وإسناده حسن. (اللغو) ما لا يعقد عليه القلب من القول. (الرفث) ها هنا: الفحش من الكلام. 3959 - الترمذي (3/ 60) 5 - كتاب الزكاة، 35 - باب ما جاء في صدقة الفطر، وهو حديث حسن بشواهده.

لا تجب عليهم. وإن كان لأولاده الصغار ولزوجته مال فلو أن يدفع عنهم من مالهم إن لم يشأ أن يدفع عنهم من ماله وقد كان الناس في الماضي يملكون عبيداً، فمن كان يملك عبداً يجب عليه أني خرج عنه صدقة الفطر ومن ها هنا فإن صدقة الفطر ليست شيئاً سهلاً. فعلى رأي الجمهور من كان يملك شيئاً ما فائضاً عن حاجاته الأصلية ليلة العيد فعليه صدقة الفطر هو وزوجته وذريته الصغار ورقيقه، وقد رأينا أن مذهب المالكية أنه تجب صدقة الفطر حتى على من كان قادراً على الاستدانة ويرجو الوفاء. وهكذا فإن صدقات الفطر تكاد تكون على المجموع الكلي لعدد أفراد الأمة إلا قليل، وهذه الصدقات لصالح هذا القليل فلو أنها نظمت ودفعت لمستحقيها الذين هم مصارف الزكاة لكانت حلاً لكثير من المشكلات الآنية بل الدائمة. 3960 - * روى ابن خزيمة عن ابن عمر رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر على الحر والعبد والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين صاعاً من شعير أو صاعاً من تمر أو صاعاً من زبيب أو صاعاً من أقط". 3961 - * روى ابن خزيمة عن قيس بن سعد، قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله. أقول: من هذا النص وأدلة أخرى أخذ الحنفية أن صدقة الفطر واجبة، فهي فوق المندوب ودون الفريضة القطعية. 3962 - * روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال: "كنا نخرج زكاة الفطر صاعاً من طعام، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من أقط، أو صاعاً من زبيب". زاد في رواية (1) "فلما جاء معاوية، وجاءت السمراء، قال: أرى مداً

_ 3960 - ابن خزيمة (42/ 87) 394 - باب إخراج الزبيب والإقط في صدقة الفطر، وإسناده حسن. 3961 - ابن خزيمة (4/ 81) 380 - باب ذكر الدليل على أن الأمر بصدقة الفطر كان قبل فرض زكاة الأموال، وإسناده صحيح. 3962 - البخاري (3/ 371) 24 - كتاب الزكاة، 73 - باب صدقة الفطر صاعاً من طعام. مسلم (2/ 678) 12 - كتاب الزكاة، 4 - باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير. (1) البخاري (3/ 372) 24 - كتاب الزكاة، 75 - باب صاع من زبيب. (السمراء والقمح): الحنطة.

من هذه يعدل مدين". وفي رواية (1) "كنا نخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفطر: صاعاً من طعام، قال أبو سعيد: وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر". وفي أخرى قال: "كنا نطعم الصدقة صاعاً من شعير" لم يزد على هذا. وفي أخرى (2) "كنا نخرج زكاة الفطر ورسول الله صلى الله عليه وسلم فينا، عن كل صغير وكبير، حر ومملوك من ثلاثة أصناف: صاعاً من تمر، صاعاً من أقط، صاعاً من شعير، فلم نزل نخرجه حتى كان معاوية، فرأى أن مدين من بر تعدل صاعاً من تمر". قال أبو سعيد: "فأما أنا فلا أزال أخرجه كذلك". وفي رواية (3) "فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه، ما عشت". أقول: ما رآه معاوية من أن نصف الصاع من القمح يعدل الصاع من التمر والشعير والأقط له أصل في السنة كما رأينا وله أصل من حيث إن نصف الصاع من القمح هو المعيار في فدية الصوم والذي يبدو أن نصف الصاع من القمح كان ثمنه يعد الصاع من الأصناف التي تخرج منها صدقة الفطر، ومع أن الأسعار الآن قد تغيرت فلا زالت الفتوى عند الحنفية وآخرين على أن صدقة الفطر نصف صاع القمح، لأنهم اعتبروا ذلك هو المعيار الأصيل في صدقة الفطر. 3963 - * روى ابن خزيمة عن أبي سعيد الخدري قال: "أخرجنا في صدقة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من زبيب، أو صاعاً من أقط أو صاعاً من سلت".

_ (1) البخاري (3/ 375) 24 - كتاب الزكاة، 76 - باب الصدقة قبل العيد. (2) مسلم (2/ 678) الموضع السابق. (3) مسلم: الموضع السابق. (أقط) الأقط: لبن جامد. 3963 - ابن خزيمة (4/ 88) 395 - باب إخراج السلت صدقة الفطر، وإسناده حسن. (السلت): ضرب من الشعير أبيض لا قشر له (النهاية).

3964 - * روى أحمد عن أبي هريرة: "في زكاة الفطر على كل حر وعبد وذكر وأنثى صغير أو كبير فقير أو غني: صاع من تمر أو نصف صاع من قمح" قال معمر: بلغني أن الزهري كان يرويه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. 3965 - * روى ابن خزيمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر". 3966 - * روى ابن خزيمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة إلا صدقة الفطر". أقول: نفي الزكاة عن العبد والفرس هو المراد بالنص، أما صدقة الفطر فإنها تجب في العبد دون الفرس. 3967 - * روى ابن خزيمة عن ابن عباس، قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نؤدي زكاة رمضان صاعاً من طعام عن الصغير والكبير والحر والمملوك: من أدى سلتاً قبل منه وأحسبه قال: ومن أدى دقيقاً قُبل منه، ومن أدى سويقاً قبل منه. أقول: من مثل هذا النص رأى الحنفية أن القيمة تجزئ، فالمسلم بالخيار أن يخرج نصف صاع من قمح أو صاعاً من غيره من طعام أو قيمة ذلك. 3968 - * روى أبو داود عن الحسن البصري (رحمه الله) قال: "خطب ابن عباس في آخر رمضان، على منبر البصرة، فقال: أخرجوا صدقة صومكم، وكأن الناس لم يعلموا، فقال: من ها هنا من أهل المدينة، قوموا إلى إخوانكم فعلموهم، فإنهم لا يعلمون، ثم قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الصدقة: صاعاً من تمر، أو من شعير، أو نصف صاع

_ 3964 - مجمع الزوائد (3/ 80) وقال الهيثمي: رواه أحمد وهو موقوف صحيح ورفعه لا يصح. 3965 - ابن خزيمة (4/ 30) 304 - باب ذكر الخبر المستقصى ... إلخ وهو صحيح. 3966 - ابن خزيمة (4/ 29) ... ، وهو صحيح. 3967 - ابن خزيمة (4/ 88) 395 - باب إخراج السلت صدقة الفطر، وإسناده صحيح. 3968 - أبو داود (2/ 114، 115) كتاب الزكاة، باب من روى نصف صاع من قمح.

من قمح، على كل حر أو مملوك، ذكر أو أنثى صغير أو كبير، فلما قدم علي رأى رخص السعر، فقال: قد أوسع الله عليكم، فلو جعلتموه صاعاً من كل شيء؟ ". قال حميد- وهو الطويل-: وكان الحسن يرى صدقة رمضان على من صام. وفي رواية النسائي (1)، بعد قوله: "فإنهم لا يعلمون": "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر على الكبير والصغير، والحر والعبد، والذكر والأنثى: نصف صاع من بر، أو صاعاً من تمر أو شعير". وفي أخرى للنسائي (2) مختصراً: قال ابن عباس- في صدقة الفطر- "صاعاً من طعام، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من أقط" والراجح أن الحسن لم يلق ابن عباس فها هنا إرسال. أقول: إن رواية حميد الطويل أن الحسن كان يرى صدقة الفطر على من صام مذهب مرجوح للروايات الكثيرة التي تعمم صدقة الفطر على الكبير والصغير دون استثناء. 3969 - * روى أحمد عن أسماء بنت أبي بكر "أنها كانت تخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهلها الحر منهم والمملوك مدين من حنطة أو صاعاً من تمر بالمد الذي يقتانون به". وفي رواية عنها "أنهم كانوا يخرجون زكاة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمد الذي يقتات به أهل المدينة، يفعل ذلك أهل المدينة كلهم". أقول: المُدَّان نصف صاع فالروايات متضافرة إذن على أن نصف الصاع من القمح يجزئ عن الصاع من طعام سواه، وهذا يؤيد ما ذهب إليه الحنفية وأن ما رآه معاوية لم يكن رأياً ليس له أصل أو انفرد به. 3970 - * روى ابن خزيمة عن أسماء بنت أبي بكر "أنهم كانوا يخرجون زكاة الفطر في

_ (1) النسائي (5/ 52) 23 - كتاب الزكاة، 40 - الحنطة. (2) الموضع السابق. وهو حديث حسن. 3969 - مجمع الزوائد (3/ 81) قال الهيثمي: روى أحمد الرواية الأولى فقط ورواه كله الطبراني في الكبير وفي الأوسط بعضه وإسناده له طريق رجالها رجال الصحيح. الطبراني (الكبير) (24/ 82، 83). 3970 - ابن خزيمة (4/ 84) كتاب الزكاة، 386 - باب ذكر الدليل على أن زكاة رمضان إنما تجب بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، وإسناده حسن لغيره.

عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمد الذي يقتات به أهل المدينة، أو الصاع الذي يقتاتون به، يفعل ذلك أهل المدينة كلهم". أقول: قول أسماء رضي الله عنها: يخرجون زكاة الفطر في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمد الذي يقتات به أهل المدينة، دليل على أن الأصل في صدقة الفطر التسهيل على مخرجها، فما توافر له مما يجزئ عن صدقة الفطر يخرجه. 3971 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر: صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على كل عبد أو حر، صغير أو كبير". وفي رواية (1) "على كل حر أو عبد، ذكر أو أنثى من المسلمين". زاد في رواية (2) "فعدل الناس به نصف صاع [من] بر". وفي رواية (3) "فكان ابن عمر يعطي التمر، فأعوز أهل المدينة التمر، فأعطى شعيراً، وكان ابن عمر يعطي على الصغير والكبير، حتى إن كان ليعطي عن بني، وكان ابن عمر يعطيها الذين يقبلونها، وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين". قال البخاري: "عن بني" يعني: بني نافع، ومعنى: "يعطون" ليجمعوا لهم، فإذا كان يوم الفطر أخرجوه حينئذ. وفي رواية (4) قال: "أمر النبي صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر: صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير، قال عبد الله: فجعل الناس عدله مدين من حنطة". وللبخاري (5) قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر: صاعاً من تمر، أو صاعاً من

_ 3971 - البخاري (3/ 377) 24 - كتاب الزكاة، 78 - باب صدقة الفطر على الصغير والكبير. مسلم (2/ 677) 12 - كتاب الزكاة، 4 - باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير. (1) مسلم: نفس الموضع السابق. (2) مسلم: نفس الموضع السابق. (3) البخاري (3/ 375) 24 - كتاب الزكاة، 77 - باب صدقة الفطر على الحر والمملوك. (4) مسلم: نفس الموضع السابق ص 678. (5) البخاري (3/ 367) 24 - كتاب الزكاة، 70 - باب فرض صدقة الفطر.

شعير، على الحر والعبد، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة". ولمسلم (1) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: فرض زكاة الفطر من رمضان على كل نفس من المسلمين" ... وذكر نحوه إلى آخره. ولهما في رواية (2) مختصرة "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر: أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة". وفي حديث الموطأ (3) "أن ابن عمر كان يخرج زكاة الفطر عن غلمانه الذين بوادي القرى وبخيبر". وله في أخرى (4) "أنه كان لا يخرج في زكاة الفطر إلا التمر، إلا مرة واحدة، فإنه أخرج شعيراً". وله في أخرى (5) "أن ابن عمر كان يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده، قبل الفطر بيومين أو ثلاثة". وللترمذي (6) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بإخراج الزكاة قبل الغدو للصلاة يوم الفطر". ولأبي داود (7) قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر: أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة، قال: وكان ابن عمر يؤديها قبل ذلك باليوم واليومين". وله في أخرى (8)، وللنسائي (9)، قال: "كان الناس يخرجون صدقة الفطر على

_ (1) مسلم: نفس الموضع السابق ص 678. (2) البخاري (3/ 375) 24 - كتاب الزكاة، 76 - باب الصدقة قبل العيد. مسلم (2/ 679) 12 - كتاب الزكاة، 5 - باب الأمر بإخراج زكاة الفطر قبل الصلاة. (3) الموطأ (1/ 283) 17 - كتاب الزكاة، 27 - باب من تجب عليه زكاة الفطر. (4) الموطأ (1/ 284) 17 - كتاب الزكاة، 28 - باب مكيلة زكاة الفطر. (5) الموطأ (1/ 285) 17 - كتاب الزكاة، 29 - باب وقت إرسال زكاة الفطر. (6) الترمذي (3/ 62) 5 - كتاب الزكاة، 36 - باب ما جاء في تقديمها قبل الصلاة. (7) أبو داود (2/ 111) كتاب الزكاة، باب متى تؤدى؟ (8) أبو داود (2/ 112، 113) كتاب الزكاة، باب كم يؤدي في صدقة الفطر. (9) النسائي (5/ 53) 23 - كتاب الزكاة، 41 - السلت. (سلت) السلت: ضرب من الشعير رقيق القشر، صغير الحب.

عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، أو سلت، أو زبيب، فلما كان عمر وكثرت الحنطة جعل عمر نصف صاع حنطة مكان صاع من تلك الأشياء" قال نافع: قال عبد الله: "فعدل الناس بعد نصف صاع من بر"، قال: "وكان عبد الله يعطي التمر، فأعوز أهل المدينة التمر عاماً، فأعطى الشعير". أقول: رأينا أن المالكية يجيزون أن تقدم صدقة الفطر حتى ما قبل يوم الفطر بيوم أو يومين، وبعض الفقهاء يجيزون أداءها في كل رمضان والأمر واسع، والعبرة أن تؤدى قبل صلاة العيد، فإذا لم تؤد قبل صلاة العيد أديت بعده فإذا أخرت عن اليوم الأول فلابد من أدائها ولكن يأثم من أخرها وينقص أجره. 3972 - * روى أبو داود عن عبد الله بن ثَعْلبَةَ أو ثَعْلبَةُ بن عبد الله بن أبي صعير (رحمه الله) عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "زكاة الفطر صاع من بر، أو قمح عن كل اثنين، صغير أو كبير، حر أو عبد، ذكر أو أنثى. أما غنيكم، فيزكيه الله، وأما فقيركم: فيرد الله تعالى عليه أكثر مما أعطى" زاد في رواية (1): "غني أو فقير". وفي رواية (2): "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً، فأمر بصدقة الفطر، صاع تمر، أو صاع شعير، عن كل رأس" زاد في رواية (3) "أو صاع بر، أو قمح، بين اثنين- ثم اتفقا- عن الصغير والكبير، والحر والعبد". وفي أخرى (4): "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس قبل الفطر بيومين ... فذكر الحديث بمعناه".

_ 3972 - أبو داود (2/ 114) كتاب الزكاة، باب من روى نصف صاع من قمح. (1) أبو داود، الموضع السابق. (2) أبو داود، الموضع السابق. (3) أبو داود، الموضع السابق. (4) أبو داود، الموضع السابق. وهو حديث حسن، وله شواهد كثيرة بمعناه وفي الحديث دليل على أن صدقة الفطر نصف صاع من حنطة، وبه قال أبو حنيفة، وهو اختيار ابن تيمية، وابن قيم الجوزية. [م].

3973 - * روى ابن خزيمة عن ابن عمر، قال: لم تكن الصدقة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا التمر والزبيب والشعير، ولم تكن الحنطة. 3974 - * روى ابن خزيمة عن أبي هريرة، قال: أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت في جوف الليل فجعل يحثو من الطعام فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال دعني: فإني محتاج فخليت سبيله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما صلى الغداة: "يا أبا هريرة ما فعل أسيرك الليلة أو قال البارحة؟ قلت: يا رسول الله اشتكى حاجة فخليته وزعم أنه لا يعود. فقال: أما أنه قد كذبك، وسيعود. قال: فرصدته وعلمت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فجاء، فجعل يحثو من الطعام. فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكى حاجة فخليت عنه، فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما فعل أسيرك الليلة أو البارحة؟ " قلت يا رسول الله: شكى حاجة فخليته وزعم أنه لا يعود فقال: "أما أنه قد كذبك وسيعود" وعلمت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجاء، فجعل يحثو من الطعام فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: دعني حتى أعلمك كلمات ينفعك الله بهن- قال وكانوا أحرص شيء على الخير- قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي. {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}. فإنه لن يزال معك من الله حافظ. ولا يقربك الشيطان حتى تصبح، فخليت سبيله. فقال له رسول الله: "ما فعل أسيرك يا أبا هريرة؟ فأخبره، فقال: "صدقك وإنه لكاذب، تدري من تخاطب منذ ثلاث ليال، ذاك الشيطان". أقول: أوردنا هذا النص ها هنا مع أنه قد ورد في أمكنة أخرى لأنه يدل على أن صدقة الفطر كانت تجمع عند أبي هريرة فهذا أصل لما ندعو إليه من أن توجد مؤسسات تجمع الزكوات وصدقات الفطر والأضاحي وتنظم توزيعها على مستحقيها.

_ 3973 - ابن خزيمة (4/ 85) 390 - باب الدليل على أن الأمر بصدقة نصف الصاع من حنطة أحدثه الناس بعد النبي، وإسناده صحيح. 3974 - ابن خزيمة (4/ 91، 92) 401 - باب الرخصة في تأخير الإمام قسمة صدقة الفطر، وهو صحيح.

3975 - * روى ابن خزيمة عن عبد الله بن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج زكاة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة، وأن عبد الله بن عمر كان يؤدي قبل ذلك بيوم ويومين.

_ 3975 - ابن خزيمة (4/ 90) 398 - باب الأمر بأداء صدقة الفطر قبل خروج الناس إلى صلاة العيد، وهو صحيح.

خاتمة

خاتمة لقد نوع الله عز وجل العبادات الإسلامية، فمنها العبادة الجسمية، ومنها العبادة المالية ومنها العبادة الجسمية المالية. والعبادات كلها تسمو بالنفس وتروضها على فعل الخير وترك الشر ولا تتحقق صياغة النفس البشرية بما يحقق العبودية لله تعالى إلا إذا أدى الإنسان العبادات، فهي غذاء للإيمان وتحرير للنفس من الكفران، وشكر لله، بالطريق الذي شرعه، ولا تغني عبادة مفروضة عن عبادة مفروضة أخرى، فلكل محله في بناء صرح العبودية لله تعالى. وكل منها يكمل الآخر. وقد مر معك في هذا الجزء ما له علاقة في عبادة الصوم والاعتكاف وصدقة الفطر. وها نحن ندلف إلى الجزء السابع من هذا القسم وهو في: عبادة الحج والعمرة والأضحية والعقيقة.

الجزء السابع في الحج والعمرة والهدي والأضاحي وفي العتيرة والعقيقة

الجزء السابع في الحج والعمرة والهدي والأضاحي وفي العتيرة والعقيقة وفيه مقدمة وعرض إجمالي وأبواب * المقدمة والعرض الإجمالي.

مقدمة

مقدمة شيء عادي أن نبدأ هذا الجزء بفضل مكة والمدينة اللتين فيهما المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وإليهما تشد الرحال، فالكلام عنهما مرتبط ارتباطاً مباشراً بفعل الناس في الحج، ونحر الهدي يوم النحر للحاج هو في معنى الأضحية في هذا الجزء لغير الحاج، فهناك تناسب بين الهدي وبين الأضحية، ولذلك جعلنا الأضحية في هذا الجزء خاصة وإن سبب الحكم واحد، هو فداء الله لإسماعيل عليه السلام، والهدي مرتبط بالحج، وبين العمرة والحج صلة، بل تلازم أحياناً وفي كل الأحوال، فبينهما تشابه فناسب ذلك أن تكون هذه الأبحاث كلها في هذا الجزء: الحج والعمرة والهدي والأضاحي، ولأن أبحاث العقيقة والعتيرة تشبه أبحاث الأضاحي من وجه فقد ألحقناه بها هنا. وممن تحدث عن هذه المواضيع في مكان واحد صاحب نيل الأوطار فقد ذكر الحج والعمرة والهدي وأعقبها بذكر العقيقة والعتيرة، ونحن قد جعلنا هذه الأبحاث كلها في جزء. ولا شك أن الحج والعمرة ونحر الهدي والأضاحي لله عز وجل من العبادات الرئيسية بالإسلام، فالحج أحد أركان الإسلام، والعمرة عبادة حتى اعتبرها بعضهم فريضة ونحر الهدي، والأضاحي هو مظهر الشكر على ما رزقنا الله من بهيمة الأنعام {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}. {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} (1). وقد جاء جزء الحج بعد جزء الصوم، لأن الصوم هو الركن الرابع والحج هو الركن الخامس، ولأن فريضة الحج في الزمان تأتي بعد الخروج من صيام رمضان فأشهر الحج: شوال وذو القعدة وذو الحجة، والصوم مران للجسد والنفس، والحج كذلك، وجاء جزء الحج قبل جزء الجهاد للتناسب بينهما فأفضل الجهاد حج مبرور، فكما أن الجهاد فيه بذل للنفس والمال في سبيل الله فالحج فيه بذل للمال وبذل للجهد في سبيل الله عز وجل. وقد أدخلنا في هذا الجزء الأبواب التالية: الباب الأول: في الحرمين الشريفين وبعض أحكامهما وفي المساجد الثلاثة ومسجد قباء.

_ (1) الحج: 34.

الباب الثاني: في فضل الحج والعمرة وبعض آدابهما وأحكامهما. الباب الثالث: في أشهر الحج وفي عشر ذي الحجة وفي يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق. الباب الرابع: في المواقيت. الباب الخامس: في أحكام الإفراد والقران والتمتع وفسخ الحج والعمرة. الباب السادس: في الإحصار والفوات والفدية والاشتراط. الباب السابع: في الإحرام ولباسه وفي التلبية وما يحل للمحرم وما يحرم عليه وفي الجنايات على الإحرام والحج. الباب الثامن: في الطواف وأنواعه. الباب التاسع: في السعي بين الصفا والمروة. الباب العاشر: في الوقوف بعرفة ثم بالمزدلفة والإفاضة منهما. الباب الحادي عشر: في رمي جمرة العقبة يوم النحر وفي رمي الجمار بعد ذلك. الباب الثاني عشر: في الحلق والتقصير للحج والعمرة وفي التحلل الأصغر والأكبر. الباب الثالث عشر: في ترتيب أفعال يوم النحر. الباب الرابع عشر: في المبيت بمنى أيام التشريق. الباب الخامس عشر: في التكبير في أيام التشريق وما قبلها. الباب السادس عشر: في خطبة عليه الصلاة والسلام في عرفة ومنى. الباب السابع عشر: في التحصيب. الباب الثامن عشر: في عدد حجاته عليه الصلاة والسلام وعمراته. الباب التاسع عشر: في معالم من مسيره عليه الصلاة والسلام من المدينة وإليها.

الباب العشرون: في الحج عن الغير وحج الصبي والعبد والمجنون. الباب الحادي والعشرون: في الهدي. الباب الثاني والعشرون: في الأضاحي والعقيقة والعتيرة والفرع.

عرض إجمالي

عرض إجمالي - لقد بنى إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام البيت للطائفين والعاكفين والركع السجود. وفي الحج والعمرة يتحقق هذا المقصد والله عز وجل أدب المسلم على الذكر والشكر والعبادة وحفظ اللسان، وفي الحج والعمرة يمارس الإنسان هذا كله: بالتلبية وبالدعاء والتكبير والتسليم وضبط اللسان وتعظيم شعائر الله بما شرع الله من طواف ونحر {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (1). {فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} (2). {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} (3). {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ. ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ .....} (4). {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} (5). وللحج فوائد فردية وجماعية: فهو يكفر للذنوب ويطهر النفس من شوائب المعاصي ويعيدها إلى الصفاء والإخلاص مما يؤدي إلى تجديد الحياة ورفع معنويات الإنسان، وتقوية الأمل وحسن الظن بالله تعالى. والحج يعود الإنسان الصبر وتحمل المتاعب ويعلم الانضباط والتزام الأوامر، فيستعذب الألم في سبيل إرضاء الله تعالى ويدفع إلى التضحية والإيثار. ويؤدي بلا شك إلى تعارف أبناء الأمة على اختلاف ألوانهم ولغاتهم وأوطانهم وإمكان تبادل المنافع العادية فيما بينهم والمذاكرة في شؤون المسلمين العامة وتعاونهم صفاً واحداً أمام أعدائهم. ويشعر الحاج بقوة الرابطة الأخوية مع المؤمنين في جميع أنحاء الأرض ويحس الناس أنهم حقاً متساوون. ويساعد الحج على نشر الدعوة الإسلامية ودعم نشاط الدعاة في أنحاء المعمورة على النحو الذي بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم نشر دعوته بلقاء وفود الحجيج كل عام.

_ (1) البقرة: 197. (2) البقرة: 200. (3) البقرة: 203. (4) الحج: 28 - 30. (5) الحج: 32.

- الحج لغة

- الحج لغة: القصد مطلقاً، وشرعاً: قصد الكعبة لأداء أفعال مخصوصة وهو الركن الخامس من أركان الإسلام، واتفق العلماء على فرضية الحج مرة في العمر بدليل الكتاب والسنة. وأجمعوا على أنه لا يجب إلا مرة واحدة والزائد على ذل تطوع وقد يجب أكثر من مرة لعارض نذر وقد يحرم الحج بمال حرام. وذكر الشافعية والمالكية والحنفية أنه مع عصيان الحاج بمال حرام، فإنه يصح الحج فرضاً أو نفلاً، وخالف الحنابلة فلم يجيزوا ذلك. وقد يكره الحج كالحج بلا إذن ممن يجب استئذانه. وقال الحنفية والمالكية والحنابلة: يجب الحج بعد توفر شروطه على الفور في العام الأول. وقال الشافعية: وجوب الحج على التراخي. - شروط الحج: وشروط الحج إما عامة للرجال والنساء أو خاصة بالنساء. أما الشروط العامة فمنها ما هو شروط وجوب وصحة أداء: وهو الإسلام والعقل، ومنها ما هو شرط للوجوب والإجزاء: وهو البلوغ والحرية، ومنها ما هو شرط للوجوب فقط: وهو الاستطاعة البدنية منها والمالية والأمنية والشروط الخاصة بالنساء اثنان: أحدهما أن يكون معها زوجها أو محرم لها والثاني: أن لا تكون معتدة من طلاق أو وفاة (1). - والأعمال الرئيسية في الحج: إحرام، وطواف، وصلاة، وسعي بين الصفا والمروة، ووقوف بعرفات، ووقوف بالمزدلفة، والمبيت بمنى، ورمي الجمار، والذبح، والتحلل. - والعمرة حج أصغر وأعمالها الرئيسية: الإحرام والطواف والصلاة والسعي بين الصفا والمروة والتحلل من الإحرام. وطواف العمرة واحد وهو ركن وأما الطواف في الحج فأنواع: طواف القدوم، وطواف الإفاضة، وطواف الوداع، وما استطاع الإنسان أن يكثر من الطواف فمشروع له أن يفعل، وعبادة الطواف حول البيت تشبه عبادة الملائكة في الطواف حول العرش. والسعي بين الصفا والمروة واحد في العمرة، وواحد في الحج على خلاف بالنسبة للقارن

_ (1) راجع للتوسع: المغني (3/ 217 وما بعدها) والفقه الإسلامي (3/ 8 فما بعدها).

- وحجة رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة على الناس

هل يكفيه طواف واحد عن حجة وعمرة وسعي واحد أو لابد من طوافين وسعيين؟ والسعي بين الصفا والمروة تذكير لنا ببدء قصة البيت إذ جاء إبراهيم طاعة لله بهاجر وإسماعيل عليهم السلام، فأسكنهما حيث لا طعام ولا ماء ولا أنيس، فكانت عاقبة التسليم والتوكل أن أصبحت حركة هاجر المتلهفة من شعائر الله إلى يوم القيامة. والإحرام ونية الحج أو العمرة أو نيتها مع ما يستتبع ذلك من مطلوبات من تجرد من المخيط للرجال وكشف للوجه للنساء والامتناع عن محظورات الإحرام من حلق أو قص أظافر أو تطيب أو تغطية للرأس من الرجل أو تغطية للوجه من المرأة والامتناع عن الصيد والرفث، ليرى الإنسان نعمة الله عز وجل عليه إذا أباح له اللباس والطيب والارتفاق والصيد والحياة الزوجية فيقوم بالشكر، وفي الأمن الذي يناله الإنسان داخل الحرم وفي إقبال الشعوب كلها على الحرم واجتماعهم والتقائهم على عبادة الله فيه ربط للشعوب كلها برابطة الإسلام، وصهر للشعوب كلها بهذا الإسلام، وفي ذلك حياة للناس جميعاً: تجديد لإسلامهم ورفع لمعنوياتهم ودمج لمقاصدهم وتحريك لعواطفهم وإلزام بعضهم ببعض {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ} (1). {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} (2). - وحَجَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم حُجة على الناس فلقد قال عليه الصلاة والسلام: "خذوا عني مناسككم". وحجته عليه الصلاة والسلام معروفة محفوظة لم يُختلف فيها إلا على حيثيات بسيطة وقد مرت معنا في سيرته عليه الصلاة والسلام، ولكنه بسبب وجود نصوص كثيرة وأفعال كثيرة وأعداد غفيرة فلابد أن تكثر المسائل وأن تتعدد الأجوبة من أهل العلم، ومن ههنا كان هناك أشياء في الحج محل إجماع عند الفقهاء وهناك مسائل وقع فيها خلاف، وكلما كثر عدد الحجاج رؤيت الرحمة في اختلاف الفقهاء فرأي واحد لا يسع الحجاج في المسائل المختلف فيها ما دام الإنسان على فتوى الراسخين في العلم من أهل الفتوى فلا حرج عليه ويبقى المسلم متشوقاً لأن يقتدي برسوله عليه الصلاة والسلام إلا من اضطرته الظروف للأخذ برخص أهل العلم.

_ (1) المائدة: 97. (2) البقرة: 105.

قال سفيان الثوري رحمه الله: "إنما العلم رخصة من ثقة وأما التشدد فيعرفه كل الناس". - والاختلاف بين الفقهاء لا يكون في الغالب حول المشروعية وإنما حول درجة الإلزام، فهذا يقول بالإباحة وهذا يقول بالسنية أو الوجوب أو الفرضية، وقليلة هي المسائل التي يتراوح فيها الاجتهاد بين التحريم والفرضية أو الوجوب والكراهة. ومن المعلوم أنه يجوز لمريد النسك أن يجمع بين الحج والعمرة بإحرام واحد وذلك القارن، وله أن يفرد الحج بإحرام وهو المفرد، وله أن يعتمر أولاً ثم يتحلل ثم يحج وهو المتمتع، وعلى القارن والمتمتع دم على خلاف، هل ذلك دم شكر، أم دم جزاء؟ فمن لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، وقد يقع الحاج في مخالفات وهي على أنواع فمنها ما لا يوجب شيئاً، ومنها ما لا يوجب دماً، ومنها ما يوجب صدقة، ومنها ما يخير المبتلى به بين الدم والصوم والصدقة. وإذا أُحصر الحاج أو المعتمر أو حصر فحال حصره أو إحصاره دون إتمامه عمرته أو حجه فماذا عليه أن يفعل؟ وهناك حالات يفسد فيها الحج أصلاً أو يفوت فما الحكم؟ كل هذه بعض مباحث هذا الجزء وستمر معنا تفصيلاً بإذن الله تعالى. - والمقصود الأعظم من الحج والعمرة: هو تعظيم البيت الذي بناه إبراهيم وإسماعيل: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (1). وإنما شرعت المناسك كلها لهذا المقصد، وقد أرى الله عز وجل إبراهيم المناسك، وتوارثت العرب هذه المناسك، ولذلك فقد كانت فكرة الحج والعمرة معروفتين للعرب لكن العرب لطخت حرمة البيت بالشرك وأدخلت على العبادة ما يتنافى معها من طواف الرجال والنساء عراة إلا إذا أعطتهم قريش ما يوارون به سوءاتهم، ومن مثل إحداث التصفيق

_ (1) البقرة: 125.

والصفير في الصلاة عند البيت. {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} (1) أي تصفيقاً وتصفيراً. كما أهملت قريش بعض المناسك: فكانت لا تخرج للوقوف في عرفات وجاء الإسلام تصحيحاً وتوضيحاً وزيادة خير وبر فأدخل على المناسك ما كملها. - قلنا إن المقصود الأعظم للحج وهو تعظيم البيت، وإنما شرعت المناسك كلها لهذا ولو أننا تأملنا الأفعال الرئيسية في الحج لوجدنا ذلك. وعندنا أن الأفعال الرئيسية هي ما اعتبره الأئمة أو بعضهم ركناً من أركان الحج أو واجباً من واجباته ومجموع ذلك في الحج: الإحرام، والوقوف بعرفة، والوقوف بمزدلفة، ورمي جمرة العقبة، وذبح هدي التمتع والقران للقادر عليهما أو صيام عشرة أيام، والحلق أو التقصير، وطواف الإفاضة، وصلاة ركعتين بعده، والسعي بين الصفا والمروة، والمبيت بمنى أيام التشريق أو اثنين منهما للمتعجل، ورمي الجمرات الثلاث في أيام التشريق أو في اثنين منها للمتعجل، وطواف الوداع لغير الحائض، وعدم إتيان ما يناقض الإحرام. ولو أنك تأملت لوجدت أن الإحرام من الهيئات لتعظيم البيت حتى يقرب الإنسان البيت على هيئة وعلى وضع معين، وأن الوقوف بعرفات من أجل أن يجتمع الناس كلهم في صعيد واحد؛ لينطلقوا إلى تعظيم البيت، وكذلك الوقوف بالمزدلفة والإفاضة منها ورمي جمرة العقبة، إعلان بالحرب لمن يصد عن البيت وذلك برجم المكان الذي وسوس فيه إبليس لأبينا إبراهيم عليه السلام ليثنيه عن طاعة الله في شأن إسماعيل. والذبح تقرباً إلى الله ليفدي الإنسان نفسه فيطوف بالبيت ولا ذنب له، والحلق أو التقصير والعودة إلى اللباس والطيب من أجل أن يعظم الإنسان البيت وهو على أكمل هيئة، والسعي بين الصفا والمروة طاعة لله في دائرة البيت، ورمي الجمار بعد ذلك للتأكيد أن من تعظيمنا للبيت تأكيدنا على رمي من يصدنا عن طاعة رب البيت بعد الطواف فيه، وطواف الوداع تعظيم للبيت آخر العهد به، وصلاة ركعتين بعد

_ (1) الأنفال: 35.

الحج مدرسة متكاملة

كل طواف تعظيم لرب البيت وجمع بين الطواف والصلاة وهما النسكان الرئيسيان (أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود) (1). وهناك وجهات نظر للأئمة في قوة الإلزام لبعض هذه الأمور، وفي بعض ما يمكن أن يترخص فيه الحاج عند الضرورة أو المشقة، وحول سنية بعض الأفعال أو عدم سنيتها، وكل ذلك سنراه تفصيلاً إن شاء الله تعالى. - والحج مدرسة متكاملة: فهو رمز على استسلام الإنسان لله في أعمال الحج التي ذكرنا، ورمز ارتباط الأمة بإبراهيم عليه السلام وبراءته من اليهود والنصارى، ورمز للوحدة الإسلامية بعيداً عن فروق اللون والجنس واللغة، ومظهر عملي للأخوة الإسلامية والمساواة بين الكبير والصغير والعربي والأعجمي، وفيه من مشاعر العطف ومعاني الولاء لله والتجرد عن الدنيا والعزم الخالص على تجديد الصلة بالله ما فيه. وهو مدرسة في الصبر والجهد والأخشيشان والعبودية لله والإنفاق في سبيله وتحمل الأذى والمشاق وإلجام الشهوات والنزوات. كما يذكرنا ويربطنا بالجيل الأول الذي عاش هناك حياة الاضطهاد من أجل العقيدة، ويذكرنا بمراكز الإسلام الأولى حيث لامست الأرض أقدام إبراهيم ومحمد صلوات الله عليهما وسلامه ليقوي ذلك في نفوسنا رابطنا بوطننا الروحي وقبلتنا الوحيدة ويوحد منطلقاتنا وتطلعاتنا وآمالنا (2).

_ (1) البقرة: 125. (2) راجع: كتابنا (الإسلام: 179 - 193).

الباب الأول في الحرمين الشريفين وبعض أحكامهما وفي المساجد الثلاثة ومسجد قباء

الباب الأول في الحرمين الشريفين وبعض أحكامهما وفي المساجد الثلاثة ومسجد قباء وفيه مقدمة وفصول

مقدمة

مقدمة - لمكة والمدينة حرمة خاصة فبهما الحرمان الشريفان اللذان لهما أحكام خاصة، وفي مكة والمدينة المسجدان الشريفان اللذان يأتي بعدهما في الشرف المسجد الأقصى ويأتي بعد هذه المساجد الثلاث في الفضيلة مسجد قباء، فهذه المناطق وهذه المساجد لها فضلها وحرمتها وشرفها ولها أحكامها وخصوصياتها، وفي موضوع المناسك هناك حرم وإحرام ومواقيت. ومن أحكام الحرم المكي حرمة الصيد فيه، وحرمة قطع حشيشه وشجره إلا ما استثني، وحرمة دخوله لمن كان خارجه وليس من أهله إلا بإحرام على رأي أكثر الفقهاء، ومن أحكامه حرمة حمل السلاح فيه إلا لضرورة، وحرمة الإلحاد فيه (1) والاعتداء فيه وحرمة القتال فيه، ووجوب إعطاء الأمن لكل من دخله على خلاف في الطريقة التي يعامل بها من جنى خارجه أما الجاني فيه فلا خلاف في أنه يؤاخذ على جنايته. وقد دعل الله عز وجل بيته فيه وفرض على الخلق أن يحجوا إلى بيته ويعظموه، وجعل في زمزم بجانب البيت بركة، وجعل للصلاة في المسجد الحرام ميزة خاصة، كما جعل في الحرم بركة لأهله، تأتيهم الخيرات من كل مكان، وجعل للقائمين بحقوقه من أهله وغيرهم منافع دنيوية وأخروية. والقول الراجح أن أفضل مكان في العالم هو مكة، والمدينة تشارك مكة في أنها حرم لا يقطع حشيشها وشجرها إلا ما استثنى ولا يجوز الصيد في حرمها، وقد جعل الله عز وجل فيها بركة وفيها مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي له شرفه الخاص وللصلاة فيه أجر لا يزيد عليه فيه أي مسجد إلا المسجد الحرام وفيها قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومثواه وقد جعل الله عز وجل في تربتها شفاء وجعل للمعتدي عليها وللمسيء فيها خزياً وندامة. وكما أن لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فضله وحرمته فإن لمسجد قباء في المدينة المنورة فضله وحرمته إذا كان المسجد الأقصى ثالث الحرمين في الحرمة والفضل فإن هذا كله جعلنا نعقد الفصول التالية في هذا الباب: الفصل الأول: في فضل مكة. شرّفها الله- وفي بعض معالمها.

_ (1) من قوله تعالى {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} وهو: العدول عن القصد والاستقامة بأن يريد فيه مراداً منحرفاً ويهم بأمر فظيع من المعاصي والكبائر ظالماً عامداً غير متأول ولا مضطر.

الفصل الثاني: في فضل المدينة وبعض معالمها. الفصل الثالث: في المساجد الثلاثة ومسجد قباء. الفصل الرابع: في نصوص تتحدث عما يجري لمكة والمدينة.

الفصل الأول في فضل مكة- شرفها الله- وبعض معالمها

الفصل الأول في فضل مكة- شرفها الله- وبعض معالمها

- في فضل مكة وما خصها الله به

- في فضل مكة وما خصها الله به: 3976 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لمكة: "ما أطيبك من بلد، وأحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك". 3977 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عدي بن الحمراء (رضي الله عنه) قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفاً على الحزورة وهو يقول: والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت". 3978 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة: "لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا" وقال يوم فتح مكة: "إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شوكه، ولا ينفَّر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرَّفها، ولا يختلى خلاه، فقال العباس: يا رسول الله، إلا الإذخر، فإنه لقينهم وبيوتهم: فقال: إلا الإذخر".

_ 3976 - الترمذي (5/ 723) 50 - كتاب المناقب، 69 - باب في فضل مكة، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. 3977 - الترمذي (5/ 722) 50 - كتاب المناقب، 69 - باب في فضل مكة. ابن ماجة (2/ 1037) 25 - كتاب المناسك، 103 - باب فضل مكة، وإسناده صحيح. (الحزورة): الرابية الصغيرة، والحزورة من مكة موضع عند باب الحناطين وهو بوزن قسورة، قال الشافعي: الناس يشددون الحزورة والحديبية، وهما مخففتان. انظر لسان العرب. 3978 - البخاري (4/ 46) 28 - كتاب جزاء الصيد، 10 - باب لا يحل القتال بمكة. مسلم (3/ 1487) 33 - كتاب الإمارة، 20 - باب المبايعة بعد فتح مكة على الإسلام .. إلخ.

وللبخاري (1): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يعضد عضاهها، ولا ينفر صيدها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد، ولا يختلى خلاها، قال العباس: يا رسول الله، إلا الإذخر؟ قال: إلا الإذخر". وفي أخرى (2): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "حرم الله مكة، فلم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، أحلت لي ساعة من نهار، لا يختلى خلاها، ولا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا تحل لقطتها إلا لمعرف، فقال العباس: إلا الإذخر، لصاغتنا وقبورنا"- وفي رواية (3): "ولسقف بيوتنا- فقال: إلا الإذخر، فقال عكرمة: هل تدري: ما ينفر صيدها؟ هو أن تنحيه من الظل وتنزل مكانه". 3979 - * روى الشيخان عن أبي شريح العدوي (رضي الله عنه) قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة-: "إئذن لي أيها الأمير أحدثك قولاً قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد من يوم الفتح، سمعته أذناي، ووعاه قلبي، وأبصرته عيناي، حين تكلم به: أنه حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن مكة حرمها الله، ولم يحرمها الناس، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دماً، ولا يعضد فيها شجرة، فإن أحد ترخص لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، فقولوا له: إن الله قد أذن لرسوله، ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي فيها ساعة من

_ (1) البخاري (5/ 87) 45 - كتاب اللقطة، 7 - باب كيف تعرف لقطة أهل مكة. (2) البخاري (4/ 46) 28 - كتاب جزاء الصيد، 9 - باب لا ينفر صيد الحرم. (3) البخاري (4/ 317) 34 - كتاب البيوع، 28 - باب ما قيل في الصواغ. (يعضد): يقطع. (عرفها): ذكرها وطلب من يعرفها. (يختلى خلاه): يقطع نباته الرطب. (القين): الحداد أو الصائغ. (نشدت) الضالة: إذا طلبتها، فأنت ناشد، وأنشدتها: إذا عرفتها، فأنت منشد. 3979 - البخاري (1/ 197) 3 - كتاب العلم، 37 - باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب. مسلم (2/ 987) 15 - كتاب الحج، 82 - باب تحريم مكة وصيدها ... إلخ. الترمذي (3/ 173) 7 - كتاب الحج، 1 - باب ما جاء في حرمة مكة. وأيضاً الترمذي (4/ 21) 14 - كتاب الديات، 13 - باب ما جاء في حكم ولي القتيل في القصاص والعفو. النسائي (5/ 205) 24 - كتاب مناسك الحج، 111 - باب تحريم القتال في الحرم. (عضد الشجر): قطعه بالمعضد، وهي حديدة تتخذ لقطعه.

نهار، ثم عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، ليبلغ الشاهد الغائب، فقيل لأبي شريح: ماذا قال لك عمرو؟ قال: قال: أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح، إن الحرم لا يعيذ عاصياً، ولا فاراً بدم، ولا فاراً بخربة". وأخرجه الترمذي أيضاً نحوه، وقال في آخره: "ثم إنكم يا معشر خزاعة قتلتم هذا الرجل من هذيل، وإني عاقله، فمن قتل له قتيل بعد اليوم فأهله بين خيرتين، إما أن يقتلوا، أو يأخذوا العقل" قال البخاري: الخربة: الجناية والبلية، وقال الترمذي: ويروى: "بخزية". عمرو بن سعيد: كان أميراً على المدينة المنورة من قبل يزيد بن معاوية وكان يخطب على منبر المدينة ويحث الناس على قتال ابن الزبير الذي لم يبايع، وتحصن بمكة فأعترض عليه أبو شريح (رضي الله عنه). 3980 - * روى أحمد عن ابن عباس رفعه: "نعم المقبرة هذه" قال ابن جريج: يعني مقبرة مكة. 3981 - * روى أحمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الشيطان قد أيس أن يعبد بأرضكم هذه ولكن قد رضي بما تحقرون".

_ (الفار): الهارب. (والخربة) بالخاء المعجمة والراء المهملة والباء المعجمة بواحدة: أصلها العيب، والمراد به ها هنا: الذي يفر بشيء يريد أن ينفرد به ويغلب عليه، مما لا تجيزه الشريعة، والخارب أيضاً: اللص، وقيل: هو سارق البعران خاصة، ثم نقل إلى غيرها اتساعاً، وقد جاء في سياق الحديث عن البخاري: أن (الخربة: الجناية والبلية) وقال الترمذي: وقد روي (بخزيه) فيجوز أن يكون بكسر الخاء وفتحها، فبالكسر: الشيء الذي يستحيي منه، أو هو الهوان، وبالفتح: الفعلة الواحدة منها، والخزي: الهوان والفضيحة، والخزاية: الاستحياء. (العاقل): هو الذي يؤدي العقل، وهو الدية، والعاقلة: الجماعة الذين يتحملون الدية، وهم أقارب القاتل. 3980 - مسند أحمد (1/ 367). الطبراني "الكبير" (11/ 137). كشف الأستار (2/ 49) باب مقبرة مكة. مجمع الزوائد (3/ 397) وقال الهيثمي: وفيه إبراهيم بن أبي خداش حدث عنه ابن جريج وابن عينية كما قال أبو حاتم ولم يضعفه أحد وبقية رجاله رجال الصحيح. 3981 - أحمد (2/ 368).

- في فضل الكعبة والحجر الأسود

3982 - * روى الطبراني في الأوسط عن عبد الله بن حبشي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار" يعني من سدر الحرم. - في فضل الكعبة والحجر الأسود: 3983 - * روى الطبراني في الكبير عن ابن عمرو بن العاص قال: لما أهبط الله آدم من الجنة قال: إني مهبط معك بيتاً أو منزلاً يطاف حوله كما يطاف حول عرشي ويصلى عنده كما يصلى حول عرشي فلما كان زمن الطوفان رفع وكان الأنبياء يحجونه ولا يعلمون مكانه فبوأه لإبراهيم فبناه من خمسة أجبل حراء وثبين ولبنان وجبل الطور وجبل الخير فتمتعوا منه ما استطعتم. 3984 - * روى الطبراني في الكبير عن عبد الله بن عمرو قال: وضع البيت قبل الأرض بألفي سنة فكان البيت زبدة بيضاء حين كان العرش على الماء وكانت الأرض تحته كأنها جفنة قد حيت منه. 3985 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضاً من اللبن، وإنما سودته خطايا بني آدم". وعند النسائي (1): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الحجر الأسود من الجنة".

_ 3982 - مجمجع الزوائد (3/ 284) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات. (صوب): نكس. 3983 - مجمع الزوائد (3/ 288) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وهو موقوف ورجال إسناده رجال الصحيح، كذا في الترغيب (2/ 168). 3984 - مجمع الزوائد (3/ 288) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وهو موقوف، ورجاله رجال الصحيح. (جفنة): إناء يطعم به. 3985 - الترمذي (3/ 226) 7 - كتاب الحج، 49 - باب ما جاء في فضل الحجر الأسود والركن والمقام، وهو حسن بشواهده. (1) النسائي (5/ 266) 24 - كتاب مناسك الحج، 145 - ذكر الحجر الأسود، وإسناده حسن.

- في بناء المسجد الحرام

3986 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجر: "والله ليبعثنه الله يوم القيامة له عينان يبصر بهما، ولسان ينطق به، يشهد على من استلمه بحق". 3987 - * روى ابن خزيمة عن ابن عباس: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لهذا الحجر لساناً وشفتين يشهد لمن استلمه يوم القيامة بحق". 3988 - * روى الترمذي عن ابن عمرو بن العاص رفعه: "إن الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة طمس الله نورهما ولو لم يطمس نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب". - في بناء المسجد الحرام: 3989 - * روى البخاري عن عمرو بن دينار وعبيد الله أبي يزيد (رحمهما الله) قال: "لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسجد حائط، كانوا يصلون حول البيت، حتى كان عمر، فبنى حوله حائطاً، قال عبيد الله: جدره قصير فعلاه ابن الزبير". 3990 - * روى الشيخان عن عائشة (رضي الله عنها) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: "ألم ترى أن قومك حين بنوا الكعبة، اقتصروا عن قواعد إبراهيم، فقلت: يا رسول الله، ألا تردها على قواعد إبراهيم؟ فقال رسول الله "لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت"، فقال عبد الله بن عمر: "لئن كانت عائشة سمعت هذا من

_ 3986 - الترمذي (3/ 294) 7 - كتاب الحج، 113 - باب ما جاء في الحجر الأسود. وقال الترمذي: هذا حديث حسن ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وقال الحافظ في "الفتح": وله شاهد عند الحاكم أيضاً من حديث أنس. (استلمه) استلام الحجر الأسود: هو أن يمسه بيده ويقبلها فإن تعذر المس أشار إليه. 3987 - ابن خزيمة (4/ 221) 640 - باب ذكر الدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم، إنما أراد بذكره ... إلخ إسناده صحيح. 3988 - الترمذي (3/ 226) 7 - كتاب الحج، 49 - باب ما جاء في فضل الحجر الأسود. وقال الترمذي: يروى عن ابن عمر موقوفاً. ابن خزيمة (4/ 219) 636 - باب صفة الركن والمقام ... إلخ، وهو حسن بشواهده. 3989 - البخاري (7/ 146) 63 - كتاب مناقب الأنصار، 25 - باب بنيان الكعبة. 3990 - البخاري (3/ 439) 25 - كتاب الحج، 42 - باب فضل مكة وبنيانها. مسلم (2/ 969) 15 - كتاب الحج، 69 - باب نقض الكعبة وبنائها.

رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أرى أن رسول الله ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم". وفي رواية (1) قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية- أو قال: بكفر- لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله، ولجعلت بابها بالأرض، ولأدخلت فيها من الحجر". وفي أخرى (2) قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا حداثة عهد قومك بالكفر لنقضت الكعبة، ثم لبنيتها على أساس إبراهيم، فإن قريشاً استقصرت بناءه، وجعلت له خلفاً" قال هشام: يعني باباً. وفي رواية أخرى (3) قالت: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الجدر: أمن البيت هو؟ قال: نعم، قلت: فما لهم لم يدخلوه في البيت؟ قال: "إن قومك قصرت بهم النفقة، قلت: فما شأن بابه مرتفعاً؟ قال: فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاؤوا، ويمنعوا من شاؤوا، ولولا أن قومك حديث عهدهم بالجاهلية، فأخاف أن تنكر قلوبهم أن أدخل الجدر في البيت، وأن ألصق بابه بالأرض" وفي رواية (4): أن الأسود بن يزيد قال: قال لي ابن الزبير: كانت عائشة تسر إليك كثيراً، فما حدثتك في الكعبة؟ قلت: قالت لي: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة، لولا أن أهلك حديث عهدهم- قال ابن الزبير: بكفر- لنقضت الكعبة، فجعلت لها بابين: باب يدخل الناس منه، وباب يخرجون منه، ففعله ابن الزبير". وللبخاري (5): "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: لولا أن قومك حديث عهدهم بجاهلية، لأمرت بالبيت فهدم، فأدخلت فيه ما أخرج منه وألزقته بالأرض، وجعلت له بابين: باباً شرقياً، وباباً غربياً، فبلغت به أساس إبراهيم" فذلك الذي حمل ابن الزبير على هدمه، قال يزيد- هو ابن رومان-: "وشهدت ابن الزبير حين هدمه وبناه وأدخل فيه من الحجر، وقد رأيت أساس إبراهيم عليه السلام حجارة كأسنمة

_ (1) مسلم (2/ 969) 15 - كتاب الحج، 69 - باب نقض الكعبة وبنائها. (2) البخاري (2/ 439) 25 - كتاب الحج، 42 - باب فضل مكة وبنيانها. (3) نفس الموضع السابق. (4) البخاري (1/ 224) 3 - كتاب العلم، 48 - باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس. (5) البخاري (2/ 439) 25 - كتاب الحج، 42 - باب فضل مكة وبنيانها.

الإبل، قال جرير بن حازم: فقلت له- يعني ليزيد بن رومان- أين موضعه؟ فقال: أريكه الآن، فدخلت معه الحجر، فأشار إلى مكان، فقال: ها هنا، قال جرير: فحرزت من الحجر ستة أذرع أو نحوها". ولمسلم (1) من حديث سعيد بن ميناء قال: سمعت عبد الله بن الزبير يقول: حدثتني خالتي- يعني عائشة- قالت: قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة، لولا أن قومك حديثوا عهد بشرك لهدمت الكعبة، فألزقتها بالأرض، وجعلت لها باباً شرقياً، وباباً غربياً، وزدت فيها ستة أذرع من الحجر، فإن قريشاً اقتصرتها حيث بنت الكعبة" وله في أخرى (2) عن عطاء بن رباح قال: لما احترق البيت زمن يزيد بن معاوية، حين غزاها أهل الشام، فكان من أمره ما كان، تركه ابن الزبير حتى قدم الناس الموسم، يريد أن يجرئهم- أو يحربهم- على أهل الشام، فلما صدر الناس قال: يا أيها الناس، أشيروا علي في الكعبة: أنقضها، ثم أبني بناءها، أو أصلح ما وهي منها؟ قال ابن عباس: فإني قد فرق لي رأي فيها: أرى أن تصلح ما وهي منها، وتدع بيتاً أسلم الناس عليه، وأحجاراً أسلم الناس عليها، وبعث عليها النبي صلى الله عليه وسلم، فقال ابن الزبير: لو كان أحدكم احترق بيته ما رضي حتى يجدَّهُ، فكيف ببيت ربكم؟ إني مستخير ربي ثلاثاً، ثم عازم على أمري، فلما مضى الثلاث، أجمع رأيه على أن ينقضها، فتحاماه الناس أن ينزل بأول الناس يصعد فيها أمر من السماء، ثم صعد رجل، فألقى منها حجارة، فلما لم يره الناس أصابه شيء تتابعوا فنقضوا حتى بلغوا به الأرض، فجعل ابن الزبير أعمدة، فستر عليها الستور، حتى ارتفع بناؤه، قال ابن الزبير: إني سمعت عائشة تقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لولا أن الناس حديث عهدهم بكفر، وليس عندي من النفقة ما يقوي على بنيانه، لكنت أدخلت فيه من الحجر خمس أذرع، ولجعلت له باباً يدخل الناس منه، وباباً يخرج منه"، قال: فأنا اليوم أجد ما أنفق، ولست أخاف الناس، قال: فزاد فيه خمس أذرع من الحجر حتى أبدى أساً، فنظر الناس إليه، فبنى عليه البناء، وكان طول الكعبة: ثمانية عشر ذراعاً، فلما زاد فيه استقصره، فزاد في طوله عشرة أذرع، وجعل له بابين: أحدهما يدخل منه، والآخر يخرج منه، فلما قتل ابن الزبير: كتب الحجاج إلى عبد الملك

_ (1) مسلم (2/ 969) 15 - كتاب الحج، 69 - باب نقض الكعبة وبنائها. (2) مسلم (2/ 970) الموضع السابق.

ابن مروان يخبره بذلك، ويخبره أن ابن الزبير قد وضع البناء على أس قد نظر إليه العدول من أهل مكة، فكتب إليه عبد الملك: إنا لسنا من تلطيخ ابن الزبير في شيء، أما ما زاد في طوله: فأقره، وأما ما زاد فيه من الحجر: فرده إلى بنائه؛ وسد الباب الذي فتحه، فنقضه وأعاده إلى بناته". وله في أخرى (1) من رواية عبد الله بن عبيد بن عمير، والوليد بن عطاء، عن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة، قال عبد الله بن عبيد: "وفد الحارث على عبد الملك بن مروان في خلافته، فقال: ما أظن أبا حبيب- (يعني ابن الزبير) - سمع من عائشة ما كان يزعم أنه سمعه منها، قال الحارث: بلى، أنا سمعته منها، قال: سمعتها تقول ماذا؟ قال: قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن قومك استقصروا من بنيان البيت، ولولا حدثان عهدهم بالشرك أعدت ما تركوا منه، فإن بدا لقومك من بعدي أن يبنوه فهلمي لأريك ما تركوا منه، فأراها قريباً من سبعة أذرع". هذا حديث عبد الله بن عبيد، وزاد عليه الوليد بن عطاء: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ولجعلت لها بابين موضوعين في الأرض شرقياً وغربياً، وهل تدرين لم كان قومك رفعوا بابها؟ قالت: قلت: لا، قال: تعززا أن لا يدخلها إلا من أرادوا، فكان الرجل إذا هو أراد أن يدخلها يدعونه يرتقي، حتى إذا كاد أن يدخل دفعوه، فسقط" قال عبد الملك للحارث: أنت سمعتها تقول هذا؟ قال: نعم، قال: فنكت ساعة بعصاه، ثم قال: وددت أني تركته وما تحمل". وله في أخرى (2) عن أبي قزعة أن عبد الملك بن مروان بينما هو يطوف بالبيت، إذ قال: قاتل الله ابن الزبير، حيث يكذب على أم المؤمنين، يقول: سمعتها تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة، لولا حدثان قومك بالكفر لنقضت البيت حتى أزيد فيه من الحجر، فإن قومك قصروا في البناء" فقال الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة: لا تقل هذا يا أمير المؤمنين فأنا سمعت أم المؤمنين تحدث هذا، فقال: لو كنت سمعته قبل أن أهدمه لتركته على ما بنى ابن الزبير.

_ (1) مسلم (2/ 971) الموضع السابق. (2) مسلم (2/ 972) الموضع السابق.

وللنسائي (1) مثل رواية البخاري، إلى قوله: "كأسنمة الإبل" وزاد: "متلاحكة". 3991 - * روى الطبراني في الكبير عن عروة قال: لما احترقت الكعبة تثلمت فقال ابن الزبير: لو مسكن أحدكم كان هكذا ما رضي حتى يغيره، بنحو حديث عطاء. وفيه: أنه حفر حتى وقع على أساس إبراهيم فكان يدخل العتلة من جانب من جوانبها فتهتز جوانبها جميعاً وأن طولها يوم هدمها ثمانية عشر ذراعاً فقال ابن له: زد فيها تسعة. وزاد أيضاً فيها ثلاث دعائم، وأن عبد الملك كتب إلى الحجاج أن سد الباب الذي زاده ابن الزبير وتكبسها على ما كانت عليه وتطرح عنها ما زاد من الحجر ففعل وأن البناء الذي فيه اليوم بناء ابن الزبير إلا ما غيَّر الحجاج من ناحية الحجر وكبسه الذي كبسه.

_ (1) النسائي (5/ 214، 215، 216) 24 - كتاب الحج، 125 - بناء الكعبة. وقد واطأ كل من النسائي ومالك والترمذي بعض روايات البخاري ومسلم. (حدثان الشيء): أوله، والمراد به: قرب عهدهم بالجاهلية، وأن الإسلام لم يتمكن بعد، فكأنهم كانوا ينفرون لو هدمت الكعبة وغيرت هيئتها. (الجدر): أصل الحائط، وأراد به هاهنا: الحجر، لما فيه من أصول الحيطان. (أن يجرئهم): من رواه بالجيم والياء المعجمة بنقطتين من تحت، فهو الجرأة، وهي الإقدام على الشيء؛ أراد: أن يزيد في جرأتهم عليهم ومطالبتهم واستحلالهم بحرق الكعبة، ومن رواه بالحاء المهملة والباء المعجمة بواحدة من تحت، أراد: أن يزيد في غضبهم، يقال: حرب الرجل، إذا غضبن وحربته أنا: إذا حرشته وسلطته وعرفته بما يغضب منه. (فرق) ضم الفاء وكسر الراء، أي: كشف، وبين لي، قال الله تعالى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ} أي: بيناه، وهذا نقل من الجمع المصحح بخط الشيخ ابن الصلاح رحمه الله: فرق لي رأي فيها: اتجه وعن لي ووضح عندي، ومنه فرق الأمر: إذا بان. (تعززاً) التعزز: من العزة، وهي القوة، أراد: تكبراً على الناس، وقد جاء في بعض نسخ مسلم "تعزراً" بالزاي والراء بعدها- من التعزيز: التوقير، فإما أن يريد توقير البيت وتعظيمه، أو تعظيم أنفسهم وتكبرهم على الناس بذلك. (وهي) البناء: تهدم، ووهى السقاء: إذا تخرق. (نكت) في الأرض بإصبعه أو بقضيب: إذا أثر فيها بأحدهما ضرباً. (تركته وما تحمل) يعني: أدعه وما اكتسب من الإثم الذي تحمله في نقض الكعبة وتجديد بنائها. (تلطيخ ابن الزبير): أراد اختلاف فعاله، وما اعتمده من هدم الكعبة. (الجدر): جمع جدار، وهي الحائط. 3991 - مجمع الزوائد (3/ 290، 291) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات.

- في ما يهدى إلى المسجد الحرام من مال

3992 - * روى الطبراني في الكبير عن أبي الطفيل إن الكعبة في الجاهلية مبنية بالرضم وكانت قدر ما يقتحمها العناق وغير مسقوفة وإنما تسدل عليها ثيابها سدلاً والركن الأسود موضوع على سورها وكانت ذات ركنين كهيئة الحلقة، وانكسرت سفينة قرب جدة فأخذ قريش خشبها وروميا ناراً كان فيها فقالوا: نبني بهذا الخشب بيت ربنا، فلما أرادوا هدمه إذا هم بحية مهيلة على سور البيت كلما دنا أحدنا ليأخذ من حجارة البيت سعت إليه فاجتمعوا عند المقام فضحوا إلى الله: أردنا تشريف بيتك وتزيينه فإن كنت ترضى بذلك وإلا فافعل ما تشاء، فإذا هم بطائر أعظم من النسر غرس مخاليبه في رأس الحية فانطلق بها نحو أجياد فهدموها وبنوها بحجارة الوادي ورفعوها في السماء عشرين ذراعاً فبينا النبي صلى الله عليه وسلم يحمل حجارة من أجياد وضاقت عليه نمرة فذهب يضعها على عاتقه فنودي يا محمد أستر عورتك وذلك أول ما نودي قبل البعثة بخمس سنين. - في ما يهدى إلى المسجد الحرام من مال: 3993 - * روى أبو داود عن شقيق أبي وائل أن شيبة بن عثمان قال له: قعد عمر رضي الله عنه في مقعدك الذي أنت فيه، فقال: لا أخرج حتى أقسم مال الكعبة، قلت: ما أنت بفاعل، قال: بلى، لأفعلن، قلت: ما أنت بفاعل قال: لم؟ قلت: لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى مكانه، وأبو بكر، وهما أحوج منك إلى المال، فلم يخرجاه، فقام فخرج". وفي رواية (3) البخاري قال: "جلست مع شيبة بن عثمان الحجي على الكرسي في الكعبة، فقال: لقد جلس هذا المجس عمر، فقال: لقد هممت أن لا أدع فيه صفراء

_ 3992 - مجمع الزوائد (3/ 289) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير بطوله وروى أحمد طرفاً منه ورجالهما رجال الصحيح. (الرضم): صخور بعضها فوق بعض. (العناق): واحدة الماعز. (مهيلة): مخيفة. (نمرة): إزار مخطط. 3993 - أبو داود (2/ 215) كتاب المناسك، باب في مال الكعبة. (3) البخاري (3/ 456) 25 - كتاب الحج، 48 - باب كسوة الكعبة.

- في بعض معالم مكة

ولا بيضاء إلا قسمته، قلت: إن صاحبيك لم يفعلا، فقال: هما المران أقتدي بهما" وفي رواية (1): "إلا قسمتها بين المسلمين، فقلت: ما أنت بفاعل، قال: لم يفعله صاحباك، قال: هما المرآن يقتدى بهما". قوله (لقد هممت أن لا أدع فيه صفراء ولا بيضاء إلا قسمته): المراد بذلك ما كان يهدى إلى الكعبة من حلي وغيرها تعظيماً فيدخر فيها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يريد إنفاق هذا الكنز كما في حديث عائشة عند مسلم: (لولا أن قومك حديث عهد بكفر لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله)، ففيه دلالة أنه لم ينفقه رعاية لقلوب قريش لا أنه وقف لا يجوز صرفه في غير الحرم، ثم تورع عمر عن إنفاقها تمسكاً بما مات عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه. انظر (الفتح 3/ 456 - 457). 3994 - * روى الطبراني في الكبير عن جبير بن مطعم سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول لعثمان بن طلحة حين دفع إليه مفتاح الكعبة: "هاؤم غيبه قال: "فلذلك تغيب المفتاح". - في بعض معالم مكة: 3995 - * روى مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة، فمررنا بواد فقال: أي واد هذا؟ فقالوا: وادي الأزرق، فقال: كأني أنظر إلى موسى عليه السلام- فذكر من لونه وشعره شيئاً لم يحفظه داود- واضعاً إصبعيه في أذنيه له جؤار إلى الله تعالى بالتلبية ماراً بهذا الوادي، قال: ثم سرنا حتى أتينا على ثنية فقال: أي ثنية هذه؟ قالوا: هرشى أو لفت، فقال: كأني أنظر إلى يونس على ناقة حمراء عليه جبة صوف، خطام ناقته ليف (خلبة) ماراً بهذا الوادي ملبياً".

_ (1) البخاري (13/ 249) 96 - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، 2 - باب الاقتداء بسنن الرسول صلى الله عليه وسلم. (الصفراء): الذهب. (البيضاء): الفضة. 3994 - الطبراني "الكبير" (2/ 125). مجمع الزوائد (3/ 292) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. 3995 - مسلم (1/ 152) 1 - كتاب الإيمان، 74 - باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم ... إلخ. (الجؤار): رفع الصوت. (الخلبة): الليف.

- في فضل زمزم

3996 - * روى أبو يعلى والطبراني في الأوسط عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كأني أنظر إلى موسى بن عمران في هذا الوادي محرماً بين قطوانيتين". 3997 - * روى أبو داود عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: "قلت: يا رسول الله ألا نبني لك بمنى بيتاً يظللك من الشمس؟ فقال: لا، إنما هو مناخ لمن سبق إليه". - في فضل زمزم: 3998 - * روى الشيخان عن ابن عباس: سقيت النبي صلى الله عليه وسلم من ماء زمزم فشرب وهو قائم. وفي رواية (1): استسقى وهو عند البيت فأتيته بدلو. 3999 - * روى الترمذي عن عائشة (رضي الله عنها) "كانت تحمل ماء زمزم وتخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحمله". 4000 - * روى الطبراني في الكبير عن ابن عباس رفعه: "خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم فيه طعام الطعم وشفاء السقم، وشر ماء على وجه الأرض ماء بوادي برهوت ثقبة بحضر موت كرجل الجراد من الهوام تصبح تتدفق وتمسي لا بلال فيها".

_ 3996 - أبو يعلى (9/ 27) وإسناده ضعيف لضعف يزيد بن سنان، وهو أبو فروة الرهاوي. مجمع الزوائد (3/ 221) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط، وإسناده حسن. (القطوانية): عباءة بيضاء قصيرة الخمل. 3997 - أبو داود (2/ 212) كتاب المناسك، باب تحريم حرم مكة. الترمذي (3/ 228) 7 - كتاب الحج، 51 - باب ما جاء أن منى مناخ من سبق ومدار الحديث عندهم على مسيكة أم يوسف بن ماهك، وهي مجهولة الحال، ومع ذلك فقد حسنه الترمذي، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. 3998 - البخاري (3/ 492) 25 - كتب الحج، 76 - باب ما جاء في زمزم. مسلم (3/ 1602) 36 - كتاب الأشربة، 15 - باب في الشرب من زمزم قائماً. (1) مسلم: الموضع السابق. 3999 - الترمذي (3/ 295) 7 - كتاب الحج، 115 - باب، وإسناده حسن. 4000 - الطبراني "الكبير" (11/ 98). مجمع الزوائد (3/ 286): وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله ثقات.

- النهي عن حمل السلاح بمكة بلا حاجة

4001 - * روى الطبراني في الكبير عن ابن عباس قال: "كنا نسميها شفاعة- يعني زمزم- وكنا نجدها نعم العون على العيال". 4002 - * روى الطبراني في الكبير عن ابن عباس رفعه: "إن آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم". 4003 - * روى ابن ماجة عن جابر رفعه "زمزم لما شرب له". 4004 - * روى ابن خزيمة عن جعفر، عن أبيه، قال: دخلنا على جابر بن عبد الله فذكر الحديث بطوله، وقال: ثم أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيت- يعني يوم النحر- فأتى بني عبد المطلب- وهم يسقون على زمزم- فقال: "إنزعوا بني عبد المطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم"، فناولوه دلواً فشرب منه. - النهي عن حمل السلاح بمكة بلا حاجة: 4005 - * روى البخاري عن سعيد بن جبير قال: "كنت مع ابن عمر (رضي الله عنهما) حين أصابه سنان الرمح في أخمص قدمه، فلزقت قدمه بالركاب، فنزلت فنزعتها، وذلك بمنى، فبلغ الحجاج، فجاء يعوده، فقال الحجاج: لو نعلم من أصابك؟ فقال ابن مر: أنت أصبتني، قال: وكيف؟ قال: حملت السلاح في يوم لم يكن يحمل فيه، وأدخلت السلاح الحرم، ولم يكن السلاح يدخل الحرم". وفي رواية (1): عن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص قال: "دخل الحجاج على ابن

_ 4001 - الطبراني "الكبير" (10/ 330). مجمع الزوائد (3/ 286): وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله ثقات، وهو موقوف صحيح الإسناد. 4002 - الطبراني "الكبير" (11/ 124). وقال ابن حجر: حديث حسن ورواه أيضاً الطبراني قال الهيثمي بإسنادين أحدهما رجاله ثقات، والحاصل أن بعض أسانيده رجاله ثقات لكن فيه انقطاع كذا في الفيض 1/ 61 ورواه القزويني أيضاً. 4003 - ابن ماجة (2/ 18) 25 - كتاب المناسك، 78 - باب الشرب من زمزم. 4004 - ابن خزيمة (4/ 305) كتاب المناسك، 706 - باب استحباب الشرب من ماء زمزم ... إلخ. 4005 - البخاري (2/ 455) 13 - كتاب العيدين، 9 - باب ما يكره من حمل السلاح في العيد والحرم. (1) البخاري (2/ 455) نفس الموضع السابق.

عمر، وأنا عنده، فقال: كيف هو؟ قال: صالح: قال: من أصابك؟ قال: أصابني من أمر بحمل السلاح في يوم لا يحل فيه حمله، يعني: الحجاج". 4006 - * روى مسلم عن جابر (رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لأحدكم أن يحمل السلاح بمكة". 4007 - * روى أحمد عن أبي بكر الصديق أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه ببراءة إلى أهل مكة "لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ولا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة فأجله إلى مدته والله بريء من المشركين ورسوله". قال: فسار بها ثلاثاً ثم قال لعلي عليه السلام "الحقه فرد علي أبا بكر وبلغها، قال: ففعل فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم بكى قال: يا رسول الله حدث في شيء قال: "ما حدث فيك إلا خير ولكن أمرت ألا يبلغه إلا أنا أو رجل مني". 4008 - * روى البخاري عن أبي هريرة قال: بعثني أبو بكر رضي الله عنه في تلك الحجة في مؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى: أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، قال حميد بن عبد الرحمن بن عوف ثم أردف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعلي بن أبي طالب وأمره أن يؤذن ببراءة قال أبو هريرة: فأذن معنا على يوم النحر في أهل منى ببراءة وأن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف في البيت عريان. أقول: يستفاد من مجموع الروايات أن أبا بكر كان أمير الحج ومكلفاً بالتبليغ ببراءة ثم جعل التبليغ ببراءة لعلي رضي الله عنه، وأما قول أبي هريرة (إنه كان في المؤذنين) أي كان هو وجماعة مع علي يساعدونه في التبليغ إذ لا يمكن أن يبلغ بمفرده. أنظر الفتح (8 - 318).

_ 4006 - مسلم (2/ 989) 15 - كتاب الحج، 83 - باب النهي عن حمل السلاح بمكة، بلا حاجة. 4007 - مسند أحمد (1/ 3). مجمع الزوائد (3/ 238) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات. 4008 - البخاري (8/ 317) 65 - كتاب التفسير، 2 - باب {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} .. إلخ.

الفصل الثاني في فضل المدينة وبعض معالمها

الفصل الثاني في فضل المدينة وبعض معالمها

- في فضل المدينة

- في فضل المدينة: 4009 - * روى أحمد عن أبي عبد الله القراط أنه سمع سعد بن مالك وأبا هريرة يقولان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم بارك لأهل المدينة في مدينتهم وبارك لهم في صاعهم وبارك لهم في مدهم، اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك وإني عبدك ورسولك وإن إبراهيم سألك لأهل مكة، وإني أسألك لأهل المدينة كما سألك إبراهيم لمكة ومثله معه، إن المدينة مشبكة بالملائكة، على كل نقب منها ملكان يحرسانها، لا يدخلها الطاعون ولا الدجال، من أرادها بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء. 4010 - * روى الشيخان عن عبد الله بن زيد المازبي (رضي الله عنه) أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن إبراهيم حرم مكة، ودعا لها- وفي رواية ودعا لأهلها- وإني حرمت المدينة، كما حرم إبراهيم مكة، وإني دعوت في صاعها ومدها بمثلي ما دعا به إبراهيم لأهل مكة". 4011 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن إبراهيم حرم مكة، وإني حرمت المدينة، ما بين لابتيها، لا يقطع عضاهها، ولا يصاد صيدها". 4012 - * روى الترمذي عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال: "خرجنا مع

_ 4009 - مسند أحمد (1/ 183)، (2/ 330) رجاله رجال الصحيح. 4010 - البخاري (4/ 346) 34 - كتاب البيوع، 53 - باب بركة صاع النبي- صلى الله عليه وسلم- ... إلخ. مسلم (2/ 991) 15 - كتاب الحج، 85 - باب فضل المدينة. 4011 - مسلم (2/ 992) 15 - كتاب الحج، 85 - باب فضل المدينة. 4012 - الترمذي (5/ 718) 50 - كتاب المناقب، 68 - باب فضل المدينة. وقال: هذا حديث حسن صحيح، وهو كما قال، ورواه الطبراني في الأوسط برجال الصحيح وكذلك ابن خزيمة.

رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كنا بحرة السقيا التي كانت لسعد بن أبي وقاص فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ائتوني بوضوء، فتوضأ ثم قام، فاستقبل القبلة، فقال: اللهم إن إبراهيم كان عبدك وخليلك، ودعا لأهل مكة، وأنا عبدك ورسولك، أدعوك لأهل المدينة: أن تبارك لهم في مدهم وصاعهم مثلي ما باركت لأهل مكة، مع البركة بركتين". 4013 - * روى الشيخان عن أنس (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم أجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة". وفي رواية (1): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم بارك لهم في مكيالهم، وبارك لهم في صاعهم، وبارك لهم في مدهم". 4014 - * روى مالك في الموطأ عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: "كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاؤوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم بارك لنا في ثمرنا، وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في مدنا، اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك، وإني عبدك ونبيك وإنه دعاك لمكة، وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة ومثله معه، قال: ثم يدعو أصغر وليد له فيعطيه ذلك الثمر". وفي رواية (2) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان يؤتى بأول الثمر، فيقول: اللهم بارك لنا في مدينتنا، وفي ثمارنا، وفي مدنا، وفي صاعنا، بركة مع بركة، ثم يعطيه أصغر من يحضر من الولدان".

_ 4013 - البخاري (4/ 97) 29 - كتاب فضائل المدينة، 10 - باب المدينة تنفي الخبث. مسلم (2/ 994) 15 - كتاب الحج، 85 - باب فضل المدينة. (1) البخاري (4/ 347) 34 - كتاب البيوع، 53 - باب بركة صاع النبي- صلى الله عليه وسلم- ... إلخ. 4014 - الموطأ (2/ 885) 45 - كتاب الجامع، 1 - باب الدعاء للمدينة وأهلها. مسلم (2/ 1000) 15 - كتاب الحج، 85 - باب فضل المدينة. الترمذي (5/ 506) 49 - كتاب الدعوات، 54 - باب ما يقول إذا رأى الباكورة من الثمر. (2) مسلم (4/ 1000) 15 - كتاب الحج، 85 - باب فضل المدينة.

4015 - * روى أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المدينة ومكة محفوفتان بالملائكة على كل نقب منها ملك، لا يدخلها الدجال ولا الطاعون". 4016 - * روى أحمد عن سعد- يعني ابن أبي وقاص- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أكل سبع تمرات عجوة ما بين لابتي المدينة على الريق لا يضره يومه ذلك حتى يمسي" قال فليح: وأظنه قال: وإن أكلها حين يمسي لم يضره شيء حتى يصبح، قال عمر- يعني ابن عبد العزيز- انظر يا عامر ما تحدث به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أشهد ما كذبت على سعد ولا كذب سعد على رسول الله صلى الله عليه وسلم. 4017 - * روى مسلم عن جابر بن سمرة (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله سمى المدينة طابة". 4018 - * روى مالك في الموطأ عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت بقرية تأكل القرى، يقولون: يثرب، وهي المدينة تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد".

_ 4015 - مسند أحمد (2/ 483). مجمع الزوائد (3/ 309) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات. 4016 - مسند أحمد (1/ 168). مجمع الزوائد (5/ 41) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. 4017 - مسلم (2/ 1007) 15 - كتاب الحج، 88 - باب المدينة تنفي شرارها. 4018 - الموطأ (2/ 887) 45 - كتاب الجامع، 2 - باب ما جاء في سكنى المدينة والخروج منها. البخاري (4/ 87) 29 - كتاب فضائل المدينة، 2 - باب فضل المدينة وأنها تنفي الناس. مسلم (2/ 1006) 15 - كتاب الحج، 88 - باب المدينة تنفي شرارها. (أمرت بقرية تأكل القرى) أراد: أن الله ينصر الإسلام بأهل المدينة، وهم الأنصار، ويفتح على أيديهم القرى، ويغنمها إياهم فيأكلونها هذا من باب الاتساع والاختصار وحذف المضاف، التقدير: ويأكل أهلها أموال القرى. (يثرب): اسم أرض هي بها، فغيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ: طيبة وطابة كراهة التثريب: وهو المبالغة في اللوم والتعنيف والتعيير، وطيبة وطابة من الطيب.

4019 - * روى مالك في الموطأ عن جابر (رضي الله عنه) قال: "جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبايعه على الإسلام، فجاء من الغد محموماً- وفي رواية (1): فأصاب الأعرابي وعك بالمدينة- فقال: أقلني بيعتي، فأبى، ثم جاءه فقال: أقلني بيعتي، فأبى فخرج الأعرابي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما المدينة كالكير، تنفي خبثها، وينصع طيبها". 4020 - * روى مسلم عن زيد بن ثابت (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنها طيبة- يعني المدينة- وإنها تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضة". 4021 - * روى البخاري عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر، فنظر إلى جدرات المدينة، أوضع راحلته، وإن كان على دابة حركها من حبها".

_ 4019 - الموطأ (2/ 886) 45 - كتاب الجامع، 2 - باب ما جاء في سكنى المدينة. البخاري (13/ 201) 93 - كتاب الأحكام، 47 - باب من بايع ثم استقال البيعة. مسلم (2/ 1007) 15 - كتاب الحج، 88 - كتاب المدينة تنفي شرارها. الترمذي (5/ 720) 50 - كتاب المناقب، 68 - باب في فضل المدينة. النسائي (7/ 151) 39 - كتاب البيعة، 22 - استقالة البيعة. (1) البخاري (13/ 303) 96 - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، 16 - باب ما ذكر النبي ... إلخ. (الوعك): الألم، وقيل: هي ألم الحمى. (الإقالة) في البيع: وهو نقض البيع المنعقد، والمراد به ها هنا: أنقض العهد الذي بيننا من الإسلام، حتى أرجع عنك إلي وطني، وذلك لما ناله من المرض بالمدينة. (الناصع): الخالص، والمراد به: ويظهر طيبها، هكذا في الرواية بالصاد المهملة والنون، وقد شرحه أهل الغريب كذلك فلم يبق للتصحيف مع الشرح وجه. 4020 - مسلم (2/ 1006، 1007) 15 - كتاب الحج، 88 - باب المدينة تنفي شرارها. (تنفي الخبث): تخرج وتبعد عنها كل ما خبث ونجس، وخبث الفضة: وسخها. 4021 - البخاري (4/ 98) 29 - كتاب فضائل المدينة، 10 - باب المدينة تنفي الخبث .. الترمذي (5/ 499) 49 - كتاب الدعوات، 43 - باب ما يقول إذا قدم من السفر.

- حرمة المدينة

وفي رواية (1): "دوحات المدينة". - حرمة المدينة: 4022 - * روى مسلم عن عتبة بن مسلم (رحمه الله) قال: قال نافع بن جبير: إن مروان بن الحكم خطب الناس، فذكر مكة وأهلها وحرمتها، فناداه رافع بن خديج، فقال: "مالي أسمعك ذكرت مكة وأهلها وحرمتها، ولم تذكر المدينة وأهلها وحرمتها، وقد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتيها وذلك عندنا في أديم خولاني، إ، شئت أقرأتكه؟ فسكت مروان، ثم قال: قد سمعت بعض ذلك" وفي رواية (2) عن رافع بن خديج قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن إبراهيم حرم مكة، وإني أحرم ما بين لابتيها يريد المدينة". 4023 - * روى الطبراني في الأوسط عن الحارث بن نافع الجهني أنه سأل جابر بن عبد الله فقال: لنا غنيم وغلمان ونحن وهم بثرير وهم يخبطون على غنمهم هذه الثمرة يعني الحبلة، قال خارجة: وهي ثمر السمر فقال جابر: لا يخبط ولا يعضد حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن هشواً هشاً ثم قال جابر: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليمنع أن يقطع المسد، قال خارجة: والمسد مرود البكرة.

_ (1) البخاري (3/ 620) 26 - كتاب العمرة، 17 - باب من أسرع ناقته إذا بلغ المدينة. (دوحات): جمع دوحة، وهي الشجرة العظيمة. (الراحلة): البعير القوي على الأسفار والأحمال. (والإيضاع) في سير الإبل: سرعة مع سهولة، وضعت هي، وأوضعها راكبها. 4022 - مسلم (2/ 991) 15 - كتاب الحج، 85 - باب فضل المدينة ... إلخ. (2) مسلم (2/ 991) نفس الموضع السابق. (اللابة): الحرة، وهي الأرض ذات الحجارة السود، والمدينة بين حرتين. 4023 - مجمع الزوائد (3/ 302) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن. (الخبط): ضرب الشجرة بالعصا ليسقط ورقها. (هشه هشاً): نثره برفق ولين. (المرود): المحور.

4024 - * روى أحمد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكل نبي حرم وحرمي المدينة اللهم إني أحرمها بحرمك أن لا يأوى منها محدث ولا يختلى خلاها ولا يعضد شوكها ولا تؤخذ لقطتها إلا لمنشدها". 4025 - * روى الطبراني في الكبير عن يحيى بن عمارة عن جده أبي حسن المازني قال: "دخلت الأسواف فأثرت قال القواريري مرة فأخذت دبسيين وأمهما ترشرش عليهما وأنا أريد أن آخذهما، قال: فدخل علي أبو حسن فأخذ متيخة فضربني بها، فقالت امرأة منا يقال لها مريم: لقد تعست من عضده من تكسير المتيخة قال: وقال لي: ألم تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم ما بين لابتي المدينة". 4026 - * روى أحمد عن عبد الله بن سلام قال: "ما بين كذا وأحد حرام حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كنت لأقطع به شجرة ولا أقتل به طائراً". 4027 - * روى مالك في الموطأ عن أبي أيوب الأنصاري (رضي الله عنه) أنه "وجد غلماناً قد ألجؤوا ثعلباً إلى زاوية، فطردهم عنه، قال مالك: لا أعلم إلا أنه قال: أفي حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع هذا؟ " 4028 - * روى الشيخان عن أبي هريرة قال: "حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما بين لابتي المدينة وجعل أثني عشر ميلاً حول المدينة حمى".

_ 4024 - أحمد (1/ 318). مجمع الزوائد (3/ 301) وقال الهيثمي: رواه أحمد وإسناده حسن. (لا يعضد): لا يقطع. 4025 - مجمع الزوائد (3/ 303) وقال الهيثمي: رواه عبد الله بن أحم والطبراني في الكبير ورجال المسند رجال الصحيح. (الأسواف): اسم لحرم المدينة الذي حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم. (الدبسي): الطائر الصغير. (متيخة): عصا. 4026 - أحمد (5/ 451). مجمع الزوائد (3/ 303) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير إلا أنه قال: "ما بين عير وأحد حرام" ورجاله ثقات. 4027 - الموطأ (2/ 890) 45 - كتاب الجامع، 3 - باب ما جاء في تحريم المدينة، وإسناده صحيح. 4028 - البخاري (4/ 89) 29 - كتاب فضائل المدينة، 4 - باب لابتي المدينة.

4029 - * روى مالك في الموطأ عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: "لورأيت الظباء ترتع بالمدينة ما ذعرتها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بين لابتيها حرام". وفي رواية (1): قال: "حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتي المدينة" قال أبو هريرة: "فلو وجدت الظباء ما بين لابتيها ما ذعرتها، قال: وجعل اثني عشر ميلاً حول المدينة حمى". 4030 - * روى مسلم عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إني حرمت ما بين لابتي المدينة، كما حرم إبراهيم مكة" ثم قال الراوي: كان أبو سعيد يأخذ- أو قال: يجد- أحدنا في يده الطير، فيفكه من يده، ثم يرسله. 4031 - * روى مالك في الموطأ عن عبد الرحمن بن القاسم أن أسلم مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخبره "أنه زار عبد الله بن عياش المخزومي، فرأى عنده نبيذاً وهو بطريق مكة. فقال له أسلم: إن هذا لشراب يحبه عمر بن الخطاب، فحمل عبد الله بن عياش قدحاً عظيماً، فجاء به إلى عمر بن الخطاب، فوضعه في يده، فقربه عمر إلى فيه، ثم رفع رأسه، فقال عمر: إن هذا لشراب طيب فشرب منه، ثم ناوله رجلاً عن يمينه، فلما أدبر عبد الله بن عياش ناداه عمر بن الخطاب، فقال: أنت القائل: لمكة خير من المدينة؟ قال عبد الله: فقلت: هي حرم الله وأمنه، وفيها بيته، فقال عمر: لا أقول في حرم الله ولا في بيته شيئاً، ثم قال عمر: أنت القائل لمكة خير من المدينة؟ فقلت: هي حرم الله وأمنه، وفيها بيته، فقال عمر: لا أقول في حرم الله ولا في بيته شيئاً، ثم انصرف".

_ مسلم (2/ 1000) 15 - كتاب الحج، 85 - باب فضل المدينة ... إلخ. الميل= 4000 ذراع والذراع نحو 61.2 سم فالميل يعادل 1848 م. 4029 - الموطأ (2/ 889) 45 - كتاب الجامع، 3 - باب ما جاء في تحريم المدينة. البخاري (4/ 89) 29 - كتاب فضائل المدينة، 4 - باب لابتي المدينة. مسلم (2/ 1000) 15 - كتاب الحج، 85 - باب فضل المدينة ... إلخ. الترمذي (5/ 721) 50 - كتاب المناقب، 68 - باب في فضل المدينة. (1) مسلم: نفس الموضع السابق. 4030 - مسلم (2/ 1003) 15 - كتاب الحج، 86 - باب الترغيب في سكنى المدينة. 4031 - الموطأ (2/ 894) 45 - كتاب الجامع، 6 - باب جامع ما جاء في أمر المدينة.

- دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم للمدينة أن تحبب للصحابة

4032 - * روى الطبراني في الكبير عن يسير بن عمرو قال: سألت سهل بن حنيف قلت: أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في المدينة شيئاً؟ قال: سمعته يقول: "إنها حرام آمن إنها حرام آمن". - تطهير المدينة من وبائها: 4033 - * روى الطبراني في الأوسط عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيت في المنام امرأة سوداء ثائرة الرأس خرجت حتى قامت بمهيعة وهي الجحفة فأولت أن وباء المدينة نقل إلى الحجفة". 4034 - * روى أحمد عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثم صلى بأرض سعد بأصل الحرة عند بيوت الغنائم قال: "اللهم إن إبراهيم خليلك وعبدك دعاك لهل مكة وأنا محمد عبدك ورسولك أدعوك لأهل المدينة مثل ما دعاك به إبراهيم لمكة ندعوك أن تبارك لهم في صاعهم ومدهم وثمارهم، اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة واجعل ما بها من وباء بخم، اللهم إني حرمت ما بين لابتيها كما حرمت على لسان إبراهيم الحرم". - دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم للمدينة أن تحبب للصحابة: 4035 - * روى مالك في الموطأ عن عائشة أنها قالت: "لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال فدخلت عليهما فقلت يا أبت كيف تجدك ويا بلال كيف تجدك؟ فكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول: كل امرئ مصبح في أهله ... والموت أدنى من شراك نعله

_ 4032 - الطبراني "الكبير" (6/ 92). مجمع الزوائد (3/ 302) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح. 4033 - مجمع الزوائد (3/ 305) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات. (الجحفة): منطقة بعد رابغ بقليل في طريق الذاهب إلى مكة المكرمة عن طريق تبوك وميناء ينبع من طريق الساحل وهي ميقات لأهل مصر والشام ومن مر بها. 4034 - مسند أحمد (5/ 309). مجمع الزوائد (3/ 304) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. (خم): غدير خم موضع بين مكة والمدينة تصب فيه عين. 4035 - الموطأ (2/ 890) 45 - كتاب الجامع، 4 - باب ما جاء في وباء المدينة. البخاري (7/ 262) 63 - كتاب مناقب الأنصار، 46 - باب مقدم النبي- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه المدينة.

- فيمن أحدث في المدينة أو أراد بأهلها سوءا

وكان بلال إذا أقلع عنه يرفع عقيرته ويقول: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بواد وحولي إذخر وجليل؟ وهل أردن يوماً مياه مجنة؟ ... وهل يبدون لي شامة وطفيل؟ فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: "اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، اللهم وصححها وبارك لنا في مدها وصاعها وانقل حماها فاجعلها بجحفة". وفي رواية (1): زاد بلال بعد البيتين: اللهم العن شيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة وأمية بن خلف كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء، قالت: وقدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله وكان بطحان يجري نجلاً تعنى ماءً آجناً. وللموطأ (2) قالت: وكان عامر بن فهيرة يقول: قد رأيت الموت قبل ذوقه ... إن الجبان حتفه من فوقه - فيمن أحدث في المدينة أو أراد بأهلها سوءاً: 4036 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال عاصم بن سليمان الأحول: قلت لأنس: أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة؟ قال: نعم، ما بين كذا إلى كذا، فمن أحدث فيها حدثاً، قال لي: "هذه شديدة، من أحدث فيها حدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً": وفي رواية (3) قال: "سألت أنساً أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة؟ قال: نعم، هي حرام، لا يختلى خلاها، فمن فعل ذلك: فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" وفي رواية (4) عن أنس قال في حديث طويل في آخره: "ثم أقبل حتى إذا بدا له أحد، قال: هذا جبل

_ مسلم (2/ 1003) 15 - كتاب الحج، 86 - باب الترغيب في سكنى المدينة والصبر على لأوائها. ولكن مسلم لم يورد في متن حديثه أبيات الشعر. (المصحح). (1) البخاري (4/ 99) 29 - كتاب فضائل المدينة، 12 - باب. (2) الموطأ (2/ 891) 45 - كتاب الجامع، 4 - باب ما جاء في وباء المدينة. 4036 - البخاري (4/ 81) 29 - كتاب فضائل لامدينة، 1 - باب حرم المدينة. (3) مسلم (2/ 994) 15 - كتاب الحج، 85 - باب فضائل المدينة، ودعاء النبي- صلى الله عليه وسلم- فيها بالبركة ... إلخ. (4) مسلم (2/ 993) 15 - كتاب الحج، 85 - باب فضل المدينة، ودعاء النبي- صلى الله عليه وسلم- فيها بالبركة ... إلخ. (الحدث): الأمر الحادث المنكر الذي ليس بمعتاد ولا معروف في السُنَّة، وأما المحدث، فيروى- بكسر الدال- وهو فاعل الحدث- وبفتحها- وهو الأمر المبتدع نفسه.

يحبنا ونحبه، فلما أشرف على المدينة قال: اللهم إني أحرم ما بين جبليها مثل ما حرم إبراهيم مكة، اللهم بارك لهم في مدهم وصاعهم". 4037 - * روى مسلم عن سعد (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إني أحرم ما بين لابتي المدينة: أن يقطع عضاهها، أو يقتل صيدها، وقال: المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، لا يدعها أحد رغبة عنها إلا أبدل الله فيها من هو خير منه، ولا يثبت أحد على لأوائها وجهدها إلا كنت له شفيعاً- أو شهيداً- يوم القيامة، زاد في رواية (1): ولا يريد أحد أهل المدينة بسوء، إلا أذابه الله بالنار ذوب الرصاص، أو ذوب الملح في الماء". 4038 - * روى مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المدينة حرم، فمن أحدث فيها حدثاً، أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة عدل ولا صرف". زاد في رواية (2): "وذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلماً: فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة عدل ولا صرف" وزاد في أخرى (3): "ومن تولى قوماً بغير إذن مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ولا يقبل منه يوم القيامة عدل ولا صرف" وفي رواية: "ومن والى غير مواليه بغير إذنهم". قال ابن الأثير: (والي قوماً بغير إذن مواليه) ظاهر هذا اللفظ: أنهم إذا أذنوا له أن يوالي غيرهم جاز له، وليس الأمر على هذا، فإنهم لو أذنوا له لم يجز له، وإنما ذلك على معنى التوكيد لتحريمه، والتنبيه على بطلانه، وذلك: أنه إذا استأذن أولياءه في موالاة غيرهم، منعوه من ذلك، وإذا استبد دونهم: خفي أمره عليهم، فربما ساغ له ذلك، فإذا

_ (1) (الصرف): النافلة. ... (العدل): الفريضة. 4037 - مسلم (2/ 992) 15 - كتاب الحج، 85 - باب فضل المدينة، ودعاء النبي- صلى الله عليه وسلم- فيها بالبركة. (2) مسلم نفس الموضع السابق. 4038 - مسلم (2/ 999) 15 - كتاب الحج، 85 - باب فضل المدينة، ودعاء النبي- صلى الله عليه وسلم- فيها بالبركة. (3) مسلم نفس الموضع السابق. (4) مسلم (2/ 995) نفس الموضع السابق. (أخفر): نقض العهد.

تطاول عليه الوقت وامتد الزمان، عرف بولاء من انتقل إليهم، فيكون ذلك سبباً لبطلان حق مواليه، فهذا وجه ما ذكر من إذنهم. 4039 - * روى الشيخان عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال: "ما كتبنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا القرآن، وما في هذه الصحيفة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المدينة حرام ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثاً، أو آوى محدثاً، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه عدل ولا صرف، ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلماً، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه عدل ولا صرف". ولأبي داود (1) - بهذه القصة- وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يختلى خلاها، ولا ينفر صيدها، ولا يلتقط لقطتها إلا من أشاد بها، ولا يصلح لرجل أن يحمل فيها السلاح لقتال، ولا أن يقلع منها شجرة، إلا أن يعلف رجل بعيره". وفي رواية (2) البخاري قال: "خطبنا علي على منبر من آجر وليه سيف فيه صحيفة معلقة، فقال: والله ما عندنا من كتاب يقرأ إلا كتاب الله عز وجل، وما في هذه الصحيفة، فنشرها، فإذا فيها: أسنان الإبل. وإذا فيها: المدينة حرم من عير إلى كداء، فمن أحدث فيها حدثاً: فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً".

_ 4039 - البخاري (4/ 81) 29 - كتاب فضائل المدينة، 1 - باب حرم المدينة. مسلم (2/ 994) 15 - كتاب الحج، 85 - باب فضائل المدينة .. إلخ. أبو داود (2/ 216) كتاب المناسك، باب في تحريم المدينة. الترمذي (4/ 438، 439) 32 - كتاب الولاء والهبة، 3 - باب ما جاء فيمن تولى غير مواليه ... إلخ. النسائي (8/ 19، 20) 45 - كتاب القسامة، 10 - باب القود بين الأحرار والمماليك. (1) أبو داود (2/ 216) كتاب المناسك، باب في تحريم المدينة. (2) البخاري (6/ 279) 58 - كتاب الجزية والموداعة، 17 - باب إثم من عاهد ثم عذر. (عير، وثور): جبلان. (خفرت الرجل): إذا أمنته، وأخفرته: إذا نقضت عهده. (الإشادة): رفع الصوت بالشيء، والمراد به: تعريف اللقطة وإنشادها.

4040 - * روى الشيخان عن سعد قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يكيد لأهل المدينة احد إلا انماع كما ينماع الملح في الماء". ولمسلم (1) عن سعد "من أراد أهل المدينة بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء". وفي أخرى (2) "بدهم أبسوء". 4041 - * روى البزار عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اكفهم من دهمهم ببأس، - يعني أهل المدينة- ولا يريدها أحد بسوء إلا أذابه الله كما يذوب الملح في الماء". 4042 - * روى أحمد عن جابر بن عبد الله أن أميراً من أمراء الفتنة قدم المدينة وكان قد ذهب بصر جابر، فقيل لجابر لو تنحيت عنه فخرج يمشي بين ابنيه فنكب فقال تعس من أخاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ابناه أو أحدهما يا أبت! وكيف أخاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد مات؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أخاف أهل المدينة فقد أخاف ما بين جنبي". 4043 - * روى الطبراني في الأوسط والكبير عن عبادة ابن الصامت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اللهم من ظلم أهل المدينة وأخافهم فأخفه وعليه لعنة الله والملائكة

_ 4040 - البخاري (4/ 94) 29 - كتاب فضائل المدينة، 7 - باب إثم من كاد أهل المدينة. (1) مسلم (2/ 1008) 15 - كتاب الحج، 89 - باب من أراد أهل المدينة بسوء أذابه الله. (2) مسلم نفس الموضع السابق. (الكيد): المكر والاحتيال. (انماع): الشيء إذا ذاب وتفرقت أجزاؤه. (الدهم): الجماعة من الناس، وأمر دهم، أي: عظيم، كأنه قد دهم، أي: جاء بغتة، وهو من الدهمة، وهي السواد. 4041 - كشف الأستار (2/ 51) باب كفايتهم من دهمهم. مجمع الزوائد (3/ 307) وقال الهيثمي: رواه البزار وإسناده حسن. 4042 - أحمد (3/ 354). مجمع الزوائد (3/ 306) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. (فنكب): أصابته حجارة. 4043 - مجمع الزوائد (3/ 306) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط والكبير ورجاله رجال الصحيح.

- في الترغيب بالإقامة في المدينة

والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل". - في الترغيب بالإقامة في المدينة: 4044 - * روى مالك في الموطأ عن سفيان بن أبي زهير (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تفتح اليمن، فيأتي قوم يبسون، فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتفتح الشام، فيأتي قوم يبسون، فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتفتح العراق، فيأتي قوم يبسون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون". 4045 - * روى مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سيأتي على الناس زمان يدعو الرجل قريبه وابن عمه: هلم إلى الرخاء، هلم إلى الرخاء، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، والذي نفسي بيده، لا يخرج منهم أحد رغبة عنها إلا أخلف الله فيها خيراً منه، ألا وإن المدينة كالكير يخرج الخبث، لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها، كما ينفي الكير خبث الحديد". 4046 - * روى مسلم عن عامر بن سعد بن أبي وقاص "أن سعداً رضي الله عنه ركب إلى قصره بالعقيق، فوجد عبداً يقطع شجراً، أو يخبطه، فسلبه فلما رجع سعد جاءه أهل

_ 4044 - الموطأ (2/ 887) 45 - كتاب الجامع، 2 - باب ما جاء في سكنى المدينة والخروج منها. البخاري (4/ 90) 29 - كتاب فضائل المدينة، 5 - باب من رغب عن المدينة. مسلم (2/ 1009) 15 - كتاب الحج، 90 - باب الترغيب في المدينة عند فتح الأمصار. (يبسون): تقول: بسست الإبل وأبسستها: إذا سقتها وزجرتها في السير، المعنى: أنهم يسوقون بهائمهم سائرين عن المدينة إلى غيرها، والأصل فيه: أنه بس بس: زجر للإبل. 4045 - مسلم (2/ 1005) 15 - كتاب الحج، 88 - باب المدينة تنفي شرارها. 4046 - مسلم (2/ 993) 15 - كتاب الحج، 85 - باب فضل المدينة ... إلخ. (خبطت): الشجر: إذا ضربتها لينتثر ورقها.

العبد، فكلموه أن يرد على غلامهم- أو عليهم- ما أخذ من غلامهم، فقال: معاذ الله أن أرد شيئاً نفلنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى أن يرده عليهم". في رواية (1) أبي داود عن سعد بن أبي وقاص: "أنه وجد عبيداً من عبيد المدينة يقطعون من شجر المدينة، فأخذ متاعهم، وقال لواليهم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى أن يقطع من شجر المدينة شيء، وقال: "من قطع منه شيئاً فلمن أخذه سلبه". أقول: قوله (نفلنيه) إشارة منه إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم (من قطع منه شيئاً فلمن أخذه سلبه) أي أن لمن وجد القاطع أن يأخذ سلبه. 4047 - * روى مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يصبر على لأواء المدينة وشدتها أحد من أمتي إلا كنت له شفيعاً يوم القيامة، أو شهيداً". 4048 - * روى مسلم عن أبي سعيد مولى المهري "أنه أصابهم بالمدينة جهد وشدة وأنه أتى أبا سعيد الخدري رضي الله عنه، فقال له: إني كثير العيال، وقد أصابتنا شدة، فأردت أن أنقل عيالي إلى بعض الريف، فقال أبو سعيد: لا تفعل، الزم المدينة، فإنا خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم- أظن أنه قال: حتى قدمنا عسفان- فأقمنا بها ليالي، فقال الناس: والله ما نحن ها هنا في شيء، وإن عيالنا لخلوف، ما نأمن عليهم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما هذا الذي بلغني من حديثكم؟ ما أرى كيف قال؟: والذي

_ (1) أبو داود (2/ 217) كتاب المناسك، باب في تحريم المدينة. (التنفيل): الزيادة في العطاء، وأن يعطيه خاصة دون غيره. 4047 - مسلم (2/ 1004) 15 - كتاب الحج، 86 - باب الترغيب في سكنى المدينة والصبر على لأوائها. الترمذي (5/ 722) 50 - كتاب المناقب، 68 - باب في فضل المدينة. 4048 - مسلم (2/ 1001) 15 - كتاب الحج، 86 - باب الترغيب في سكنى المدينة والصبر على لأوائها. (الريف): الخصب وكثرة النبات في الأرض. (حي خلوف): قد غاب رجاله عنه، وأقام النساء والأطفال.

أحلف به- أو الذي نفسي بيده- لقد هممت- أو إن شئتم- لا أدري أيتها قال: لآمرن بناقتي فترحل، ثم لا أحل لها عقدة حتى أقدم المدينة، وقال: اللهم إن إبراهيم حرم مكة فجعلها حراماً، وإني حرمت المدينة حراماً ما بين مأزميها: أن لا يهراق فيها دم، ولا يحمل فيها سلاح لقتال، ولا تخبط فيها شجرة إلا لعلف، اللهم بارك لنا في مدينتنا، اللهم بارك لنا في صاعنا، اللهم بارك لنا في مدنا، اللهم بارك لنا في صاعنا، اللهم بارك لنا في مدنا، اللهم بارك لنا في مدينتنا، اللهم اجعل مع البركة بركتين، والذي نفسي بيده، ما من المدينة شعب ولا نقب إلا عليه ملكان يحرسانها، حتى تقدموا إليها، ثم قال للناس: ارتحلوا، فارتحلنا، فأقبلنا إلى المدينة، فوالذي نحلف به- أو يحلف به- ما وضعنا رحالنا حين دخلنا المدينة، حتى أغار علينا بنو عبد الله بن غطفان، وما يهيجهم قبل ذلك شيء". وفي رواية (1) "أنه جاء إلى أبي سعيد ليالي الحرة، فاستشاره في الجلاء من المدينة، وشكا إليه أسعارها وثرة عياله، وأخبره أن لا صبر له على جهد المدينة ولأوائها، فقال له: ويحك، لا آمرك بذلك، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يصبر أحد على لأوائها فيموت إلا كنت له شفيعاً- أو شهيداً يوم القيامة، إذا كان مسلماً". 4049 - * روى مالك في الموطأ عن عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يخرج أحد من المدينة رغبة عنها إلا أبدلها الله خيراً منه". 4050 - * روى مسلم عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) قال: يحنس مولى مصعب بن الزبير: "إنه كان جالساً عند عبد الله بن عمر في الفتنة، فأتته مولاة له تسلم

_ (مأزميها): كل طريق بين جبلين: مأزم، ومنه سمي الموضع الذي بين المشعر الحرام وبين عرفة: مأزمين. (النقب): المضيق بين الجبلين، والجمع: النقوب، والأنقاب، والنقاب. (اللأواء): الشدة والأمر العظيم الذي يشق على الإنسان، من عيش أو قحط، أو خوف ونحو ذلك. (هاجهم): العدو يهيجهم: أي حركهم وأخافهم وأزعجهم. (1) مسلم (2/ 1002) 15 - كتاب الحج، 86 - باب الترغيب في سكنى المدينة والصبر على لأوائها. 4049 - الموطأ (2/ 887) 45 - كتاب الجامع، 2 - باب ما جاء في سكنى المدينة والخروج منها. وهو حديث صحيح بطرقه. 4050 - مسلم (2/ 1004) 15 - كتاب الحج، 86 - باب الترغيب في سكنى المدينة والصبر على لأوائها.

- في فضل وادي العقيق

عليه، فقالت: إني أردت الخروج يا أبا عبد الرحمن، اشتد علينا الزمان فقال لها عبد الله: اقعدي لكاع، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد إلا كنت له شهيداً وشفيعاً يوم القيامة" يعني المدينة. وفي رواية (1) عن نافع عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صبر على لأوائها وشدتها- يعني المدينة- كنت له شفيعاً، أو شهيداً يوم القيامة". وأخرج الترمذي (2) نحو الأولى، وفيه: قالت "إني أريد أن أخرج إلى العراق، قال: فهلا إلى الشام أرض المنشر؟ واصبري لكاع". 4051 - * روى البزار عن عمر قال: غلا السعر بالمدينة فاشتد الجهد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اصبروا وأبشروا فإني قد باركت على مدكم وصاعكم فكلوا ولا تفرقوا فإن طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الأربعة وطعام الأربعة يكفي الخمسة والستة وإن البركة في الجماعة فمن صبر على لأوائها وشدتها كنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة ومن خرج عنها رغبة عما فيها أبدل الله به من هو خير منه فيها، ومن أرادها بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء". - في فضل وادي العقيق: 4052 - * روى أبو داود عن مالك قال: لا ينبغي لأحد أن يجاوز المعرس إذا قفل راجعاً إلى المدينة حتى يصلي فيه ما بدا له لأنه بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرس به.

_ (1) نفس الموضع السابق. (2) الترمذي (5/ 719) 50 - كتاب المناقب، 68 - باب في فضل المدينة. (يحنس): هو ابن عبد الله، أبو موسى مولى آل الزبير. (لكاع): رجل لكع وامرأة لكاع: إذا كانا لئيمين، وقيل: هو وصف بالحمق، وقيل: العبد عند العرب: لكع، والأمة: لكاع. (أرض المنشر): الموضع اليذ هو مركز الحشر يوم القيامة وذلك الموضع هو بالأرض المقدسة، وهي من الشام. 4051 - كشف الأستار (2/ 51، 52) باب الصبر على شدتها. مجمع الزوائد (3/ 305) قال الهيثمي: روى ابن ماجة طرفاً منه. رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. 4052 - أبو داود (2/ 219) كتاب الناسك [الحج] باب في زيارة القبور. وقال: المعرس على ستة أميال من المدينة. سكت عنه المنذري كذا في تخريج السنن (2/ 448).

- فضل جبل أحد

4053 - * روى البخاري عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: قال عمر ابن الخطاب: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم- وهو بواد العقيق- يقول: "أتاني الليلة آت من ربي، فقال: صل في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة". وفي رواية (1) "وقل: عمرة وحجة". وفي أخرى (2) قال: "عمرة في حجة". - فضل جبل أحد: 4054 - * روى مالك في الموطأ عن أنس رفعه "أحد جبل يحبنا ونحبه". 4055 - * روى أحمد عن أبي هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنها أرض قليلة المطر" يعني المدينة. - الوفاة في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم: 4056 - * روى مالك في الموطأ عن حفصة وأسلم قالا: قال عمر: "اللهم ارزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك".

_ 4053 - البخاري (3/ 392) 25 - كتاب الحج، 16 - باب قول النبي- صلى الله عليه وسلم- "العقيق واد مبارك". (1) البخاري (13/ 305) 96 - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، 16 - باب ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم- وحض عليه أهل العلم، وما اجتمع عليه الحرمان مكة والمدينة. (2) أبو داود (2/ 159) كتاب المناسك [الحج] باب في الإقران. 4054 - الموطأ (2/ 893) 45 - كتاب الجامع، 6 - باب جامع ما جاء في أمر المدينة. البخاري (13/ 304) 96 - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، 16 - باب ما ذكر النبي- صلى الله عليه وسلم- وحض على اتفاق ... إلخ. البخاري (6/ 83) 56 - كتاب الجهاد والسير، 71 - باب فضل الخدمة في الغزو. البخاري (6/ 86) 56 - كتاب الجهاد والسير، 74 - باب من غزا بصبي للخدمة. مسلم (2/ 1011) 15 - كتاب الحج، 93 - باب أحد جبل يحبنا ونحبه. الترمذي (5/ 721) 50 - كتاب المناقب، 68 - باب في فضل المدينة. 4055 - مسند أحمد (2/ 436). مجمع الزوائد (4/ 66) قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الأوسط باختصار، ورجال أحمد رجال الصحيح. 4056 - الموطأ (2/ 462) 21 - كتاب الجهاد، 15 - باب ما تكون فيه الشهادة.

- في النهي عن تسمية المدينة بيثرب

وفي رواية (1): قالت حفصة أنى يكون هذا؟ قال يأتيني به الله إن شاء. 4057 - * روى الترمذي عن ابن عمر (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها، فإني أشفع لمن يموت بها". 4058 - * روى مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالساً وقبر يحفر بالمدينة فأطلع رجل في القبر فقال: بئس مضجع المؤمن فقال: صلى الله عليه وسلم: "بئس ما قلت" فقال الرجل: إني لم أرد هذا يا رسول الله إنما أردت القتل في سبيل الله فقال: صلى الله عليه وسلم: "لا مثل القتل في سبيل الله، ما على الأرض بقعة أحب إلي من أن يكون قبري بها منها" ثلاث مرات. 4059 - * روى أحمد عن ابن عم لأسامة بن زيد يقال له عياض: وكانت بنت أسامة تحته قال: ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم: رجل خرج من بعض الأرياف حتى إذا كان قريباً من المدينة ببعض الطريق أصابه الوباء فأفزع الناس، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إني لأرجو أن لا يطلع علينا نقابها" يعني المدينة. - في النهي عن تسمية المدينة بيثرب: 4060 - * روى أحمد عن البراء بن عازب رفعه: "من سمى المدينة يثرب فليستغفر الله هي طابة هي طابة".

_ (1) البخاري (4/ 100) 29 - كتاب فضائل المدينة، 12 - باب حدثنا مسدد ... إلخ. 4057 - الترمذي (5/ 719) 50 - كتاب المناقب، 68 - باب في فضل المدينة. أحمد (2/ 74)، (2/ 104) وإسناده صحيح، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه من حديث أيوب السختياني، قال: وفي الباب عن سبيعة بنت الحارث الأسلمية. (م). 4058 - الموطأ (2/ 462) 21 - كتاب الجهاد، 14 - باب الشهداء في سبيل الله. 4059 - مسند أحمد (5/ 207). مجمع الزوائد (3/ 309) وقال الهيثمي: رواه أحمد هكذا مرسلاً- ورواه ابنه عبد الله والطبراني في الكبير متصلاً ورجاله ثقات. 4060 - مسند أحمد (4/ 285). مجمع الزوائد (3/ 300) وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى ورجاله ثقات.

الفصل الثالث في المساجد الثلاثة ومسجد قباء

الفصل الثالث في المساجد الثلاثة ومسجد قباء

النصوص

النصوص 4061 - * روى الشيخان عن أبي ذر الغفاري (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أول بيت وضع للناس مباركاً يصلى فيه: الكعبة، قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت، كم كان بينهما؟ قال: أربعون عاماً". 4062 - * روى مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة في مسجدي هذا: أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد، إلا المسجد الحرام" وفي رواية (1) "خير" وفي رواية (2) أبي سلمة بن عبد الرحمن، وأبي عبد الله الأغر، مولى الجهنيين- وكان من أصحاب أبي هريرة- أنهما سمعا أبا هريرة يقول: "صلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد، إلا المسجد الحرام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء، وإن مسجده آخر المساجد" قال أبو سلمة وأبو عبد الله الأغر: لم نشك أن أبا هريرة كان يقول عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنعنا ذلك أن نستثبت أبا هريرة عن ذلك الحديث، حتى إذا توفي أبو هريرة تذاكرنا ذلك، وتلاومنا أن لا نكون كلمنا أبا هريرة في ذلك، حتى يسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم إن كان سمعه منه، فبينما نحن على ذلك جالسنا عبد الله بن إبراهيم بن قارظ، فذكرنا ذلك الحديث، والذي فرطنا فيه من نص أبي هريرة عنه، فقال لنا عبد الله بن إبراهيم: أشهد أني سمعت أبا هريرة يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فإني آخر الأنبياء، وإن مسجدي آخر المساجد". وفي رواية (3) يحيى بن سعيد- هو الأنصاري- قال: سألت أبا صالح "هل سمعت أبا

_ 4061 - البخاري (6/ 407) 60 - كتاب الأنبياء، 10 - باب. مسلم (1/ 370) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة. النسائي (2/ 32) 8 - كتاب المساجد، 3 - ذكر أي مسجد وضع أولاً. 4062 - مسلم (2/ 1012) 15 - كتاب الحج، 94 - باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة. (1) مسلم: الموضع السابق. (2) مسلم: الموضع السابق. (3) مسلم: (2/ 1012) الموضع السابق.

هريرة يذكر فضل الصلاة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا، ولكن أخبرني عبد الله ابن إبراهيم بن قارظ أنه سمع أبا هريرة يحدث، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة- أو كألف صلاة- فيما سواه من المساجد، إلا أن يكون المسجد الحرام". وأخرج البخاري (1) قال: "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد، إلا المسجد الحرام". 4063 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول، ومسجد الأقصى". ولمسلم (2) قال: "إنما يسافر إلى ثلاثة مساجد: مسجد الكعبة، ومسجدي، ومسجد إيلياء". وأخرجه أبو داود والنسائي، وقالا: "ومسجدي هذا". 4064 - * روى أحمد عن جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خير ما ركبت إليه الرواحل: مسجد إبراهيم عليه السلام ومسجدي".

_ (1) البخاري (3/ 63) 20 - كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، 1 - باب فضل الصلاة في مسجد مكة ... إلخ. 4063 - البخاري (3/ 63) نفس الموضع السابق. مسلم (2/ 1014) 15 - كتاب الحج، 95 - باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد. أبو داود (2/ 216) كتاب المناسك، باب في إتيان المدينة. النسائي (2/ 37، 38) 8 - كتاب المساجد، 10 - ما تشد الرحال إليه من المساجد. (2) مسلم: (2/ 1015) نفس الموضع السابق. (لا تشد الرحال): هذا مثل قوله: "لا تعمل المطي" وكنى به عن السير والنفر. 4064 - أحمد (3/ 336). مجمع الزوائد (4/ 3، 4) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الأوسط وإسناده حسن.

4065 - * روى أحمد عن عمر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أنه قال: لقي أبو بصرة الغفاري أبا هريرة وهو جاء من الطور فقال: من أين أقبلت، قال: من الطور صليت فيه، قال: لو أدركتك قبل أن ترتحل ما ارتحلت، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى". 4066 - * رو الشيخان عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى" قال: وسمعته يقول: "لا تسافر المرأة يومين من الدهر إلا ومعها ذو محرم منها، أو زوجها". 4067 - * روى أحمد عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في هذا". ورواه البزار ولفظه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف، صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام فإنه يزيد عليه مائة صلاة".

_ 4065 - أحمد (6/ 7، 398). كشف الأستار (2/ 3) كتاب الحج، باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد. مجمع الزوائد (4/ 3) وقال الهيثمي: رواه أحمد والبزار بنحوه والطبراني في الكبير والأوسط ورجال أحمد ثقات أثبات. 4066 - البخاري (3/ 70) 20 - كتاب الصلاة في مسجد مكة والمدينة، 6 - باب مسجد بيت المقدس. مسلم (2/ 975، 976) 15 - كتاب الحج، 74 - باب سفر المرأة مع محرم إلى حج وغيره. الترمذي (2/ 148) أبواب الصلاة، باب ما جاء في أي المساجد أفضل. وقد أخرجه إلى قوله: "الأقصى". 4067 - أحمد (4/ 5). ابن حبان (3/ 72) ذكر فضل الصلاة في المسجد الحرام .. إلخ. وزاد ابن حبان: يعني في مسجد المدينة. كشف الأستار (1/ 214) كتاب الصلاة، وإسناده صحيح أيضاً (المنذري 2/ 214).

4068 - * روى أحمد عن جابر (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه". 4069 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام". 4070 - * روى أبو يعلى عن عائشة: "صلوة في مسجدي خير من ألف صلوة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الأقصى". 4071 - * روى أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) أن رسول الله

_ 4068 - أحمد (3/ 343، 397). ابن ماجة (1/ 451) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 195 - باب ما جاء في فضل الصلاة في المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم .. وقد رواه أحمد بإسنادين صحيحين (الترغيب والترهيب 2/ 214). 4069 - البخاري (3/ 63) 20 - كتاب الصلاة في مسجد مكة والمدينة، 1 - باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة. مسلم (2/ 1012) 15 - كتاب الحج، 94 - باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة. الترمذي (2/ 147) أبواب الصلاة، 243 - باب ما جاء في أي المساجد أفضل. النسائي (2/ 35) 8 - كتاب المساجد، 7 - فضل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة فيه. ابن ماجة (1/ 450) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 195 - باب ما جاء في فضل الصلاة في المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم. وفي سنن ابن ماجة "وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه" قال السندي في حاشيته على ابن ماجة (1/ 429) قال في فتح الباري: وفي بعض مائة صلاة قال: فعلى الأول معناه: فيما سواه إلا مسجد المدينة وعلى الثاني معناه: مائة صلاة في مسجد المدينة قال: ورجاله ثقات. وفي الزوائد إسناد حديث جابر صحيح ورجاله ثقات؛ لأن إسماعيل بن أسد وثقه البزار والدارقطني والذهبي وقال أبو حاتم: صدوق، وباقي رجاله يحتج بهم في الصحيحين. 4070 - أبو يعلى (8/ 146). مجمع الزوائد (4/ 5) وقال الهيثمي: ورواه أبو يعلى عن عائشة وحدها. ورواه أحمد ورواته رواة الصحيح كذا في الترغيب (2/ 216). 4071 - مسند أحمد (2/ 176). النسائي (2/ 34) كتاب المساجد، 6 - باب فضل المسجد الأقصى والصلاة فيه. ابن ماجة (1/ 452) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 196 - باب ما جاء في الصلاة في مسجد بيت المقدس. مستدرك الحاكم (2/ 434) وهو صحيح.

صلى الله عليه وسلم: "أن سليمان لما بنى بيت المقدس سأل الله عز وجل خلالاً ثلاثة: سأل الله عز وجل حكماً يصادف حكمه، فأوتيه، وسأل الله عز وجل ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، فأوتيه، وسأل الله عز وجل- حين فرغ من بناء المسجد- أن لا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه: أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه". 4072 - * روى أبو يعلى عن ميمونة قالت: يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس: قال: "أرض المحشر وأرض المنشر ائتوه فصلوا فيه فإن صلاة فيه كألف صلاة" قلنا: يا رسول الله فمن لم يستطع أن يتحمل إليه؟ قال: "من لم يستطع أن يأتيه فليهد إليه زيتاً يسرج فيه فإن من أهدى إليه زيتاً كان كمن أتاه". 4073 - * روى مسلم عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال: "دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت بعض نسائه، فقلت: يا رسول الله أي المسجد الذي أسس على التقوى؟ قال: فأخذ كفاً من حصباء، فضرب به الأرض، ثم قال: هو مسجدكم هذا، لمسجد المدينة". وفي رواية الترمذي والنسائي (3) قال: تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم، فقال رجل: هو مسجد قباء، وقال الآخر: هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هو مسجدي هذا" قال الترمذي: وقد روي هذا عن أبي سعيد من غير هذا الوجه.

_ (ينهزه): نهزه ينهزه: دفعه وحركه. 4072 - أبو يعلى (12/ 523). مجمع الزوائد (4/ 6، 7) وقال الهيثمي: روى أبو داود قطعة منه من حديث ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه أبو يعلى بتمامه من حديث ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم. والله أعلم ورجاله ثقات. 4073 - مسلم (2/ 1015) 15 - كتاب الحج، 96 - باب بيان أن المسجد الذي أسس على التقوى ... إلخ. (1) الترمذي (2/ 144) كتاب الصلاة، 241 - باب ما جاء في المسجد الذي أسس على التقوى. النسائي (2/ 36) كتاب المساجد، ذكر المسجد الذي أسس على التقوى. (المماراة): الجدال والخصام.

4074 - * روى أحمد عن أنس رفعه: "من صلى في مسجدي أربعين صلوة لا تفوته صلوة كتب له براءة من النار وبراءة من العذاب وبراءة من النفاق". 4075 - * روى مالك في الموطأ عن أبي هريرة أو أبي سعيد (رضي الله عنهما) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي". 4076 - * روى النسائي عن أم سلمة رفعته: "إن قوائم منبري هذا رواتب في الجنة". 4077 - * روى البزار عن سعد رفعه: "ما بين بيتي ومنبري أو قبري ومنبري روضة من رياض الجنة". 4078 - * روى الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد رفعه: "منبري على ترعة من ترع الجنة وما بين المنبر وبيت عائشة روضة من رياض الجنة". 4079 - * روى الطبراني في الكبير عن مسلم بن أسلم بن بجرة أخي الحارث بن الخزرج وكان شيخاً كبيراً قد حدث نفسه قال: إن كان ليدخل المدينة فيقضي حاجته بالسوق ثم يرجع إلى أهله فإذا وضع رداءه ذكر أنه لم يصل في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فيقول والله ما صليت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه قال لنا: من هبط منكم إلى هذه القرية فلا يرجعن إلى أهله حتى يركع ركعتين في هذا المسجد ثم يرجع إلى أهله".

_ 4074 - مسند أحمد (2/ 155). مجمع الزوائد (4/ 8) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورواته رواة الصحيح والطبراني في الأوسط ورجاله ثقات. وهو عند الترمذي بغير هذا اللفظ، وفي الترغيب (2/ 215). 4075 - الموطأ (1/ 197) 14 - كتاب القبلة، 5 - باب ما جاء في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. البخاري (3/ 70) 20 - كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، 5 - باب فضل ما بين القبر والمنبر. مسلم (2/ 1010) 15 - كتاب الحج، 92 - باب ما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة، أخرجاه- أي البخاري ومسلم- عن أبي هريرة بغير شك. 4076 - النسائي (2/ 35) كتاب المساجد، 7 - فضل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم- والصلاة فيه. ورجاله رجال الصحيح. 4077 - كشف الأستار (1/ 216) كتاب الصلاة، باب. مجمع الزوائد (4/ 9) وقال الهيثمي: رواه البزار والطبراني في الكبير ورجاله ثقات. 4078 - مجمع الزوائد (4/ 9) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وهو حديث حسن إن شاء الله. 4079 - مجمع الزوائد (4/ 8) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات.

4080 - * روى أحمد عن جابر ابن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم "دعا في مسجد الفتح ثلاثاً: يوم الإثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء فاستجيب له يوم الأربعاء بين الصلاتين فعرف البشر في وجهه" قال: جابر فلم ينزل بي أمر مهم غليظ إلا توخيت تلك الساعة فأدعو فيها فأعرف الإجابة. 4081 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يزور قباء، أو يأتي قباء، راكباً وماشياً" زاد في رواية (1) "فيصلي فيه ركعتين". وفي رواية (2): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان يأتي مسجد قباء كل سبت راكباً وماشياً، وكان عبد الله يفعله". وفي رواية (3) أن ابن عمر كان يأتي قباء كل سبت، وكان يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأتيه كل سبت". وفي أخرى (4) "كان يأتيه راكباً وماشياً". قال عمرو بن دينار: "وكان ابن عمر يفعله".

_ 4080 - مسند أحمد (3/ 332). مجمع الزوائد (4/ 12) وقال الهيثمي: رواه أحمد والبزار ورجال أحمد ثقات. كشف الأستار (1/ 216) كتاب الصلاة، باب في مسجد الفتح. (سمجد الفتح): هو الواقع شمال المدينة الغربي على قطعة من جبل سلع حيث كان الخندق. 4081 - البخاري (3/ 69) 20 - كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، 4 - باب إتيان مسجد قباء ماشياً وراكباً. (1) مسلم (2/ 1016) 15 - كتاب الحج، 97 - باب فضل مسجد قباء، وفضل الصلاة فيه وزيارته. (2) البخاري (3/ 69) 20 - كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، 3 - باب من أتى مسجد قباء كل سبت. النسائي (2/ 37) 8 - كتاب المساجد، 9 - فضل مسجد قباء والصلاة فيه. (3) مسلم (2/ 1017) 15 - كتاب الحج، 97 - باب فضل مسجد قباء، وفضل الصلاة فيه وزيارته. (4) الموطأ (2/ 167) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 23 - باب العمل في جامع الصلاة. مسلم (2/ 1017) 15 - كتاب الحج، 97 - باب فضل مسجد قباء، وفضل الصلاة فيه وزيارته. أبو داود (2/ 219) كتاب المناسك (الحج)، باب في تحريم المدينة.

4082 - * روى النسائي عن أسيد بن ظهير رفعه: "الصلوة في مسجد قباء كعمرة".

_ 4082 - النسائي (2/ 37) 8 - كتاب المساجد، 9 - فضل مسجد قباء والصلاة فيه. رواه أيضاً أحمد، والترمذي، وقال: حديث حسن غريب، وابن ماجة، والبيهقي، وقال العراقي: رواته كلهم ثقات وقول ابن العربي إنه ضعيف، غير جيد. قال المنذري: ولا يعرف لأسيد حديث صحيح غير هذا كذا في الفيض (4/ 244) والترغيب (2/ 217).

الفصل الرابع في نصوص تتحدث عما يجري لمكة والمدينة

الفصل الرابع في نصوص تتحدث عما يجري لمكة والمدينة

- المدينة مجمع الإيمان

- المدينة مجمع الإيمان: 4083 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الإيمان ليأرز إلى المدينة، كما تأرز الحية إلى جحرها". - هجرة أهل المدينة منها: 4084 - * روى أحمد عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليأتين على أهل المدينة زمان ينطلق الناس منها إلى الأرياف يلتمسون الرخاء فيجدون رخاء ثم يأتون فيتحملون بأهليهم إلى الرخاء والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون". 4085 - * روى أحمد عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليسيرن راكب في جنب وادي المدينة فليقولن لقد كان في هذه مرة حاضرة من المؤمنين كثير". ربما كان الحديث يشير إلى المعنى السابق وهو أن كثيراً من أهل المدينة يخرجون منها طلباً للرخاء. 4086 - * روى أحمد عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ليسيرن الراكب في جنبات المدينة ثم ليقولن لقد كان في هذا حاضر من المؤمنين كثير".

_ 4083 - البخاري (4/ 93) 29 - كتاب فضائل المدينة، 6 - باب الإيمان يأرز إلى المدينة. مسلم (1/ 131) 1 - كتاب الإيمان، 65 - باب بيان أن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً وأنه يأرز بين المسجدين. (أرزت) الحية إلى ثقبها، تأرز: إذا انضمت إليه والتجأت. يأرز الإيمان إلى المدينة: ينضم إليها ويجتمع بعضه إلى بعض فيها. 4084 - مسند أحمد (3/ 342). كشف الأستار (2/ 52) باب المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون. مجمع الزوائد (3/ 300) وقال الهيثمي: رواه أحمد وإسناده حسن. 4085 - مسند أحمد (3/ 341). مجمع الزوائد (4/ 15) وقال الهيثمي: رواه أحمد وإسناده حسن. 4086 - مسند أحمد (1/ 20). مجمع الزوائد (4/ 15) وقال الهيثمي: رواه أحمد، وإسناده حسن.

4087 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يتركون المدينة على خير ما كانت، لا يغشاها إلا العوافي- يريد عوافي السباع والطير- فآخر من يحشر راعيان من مزينة يريدان المدينة، ينعقان بغنمهما، فيجدانها ملئت وحوشاً، حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرَّا على وجوههما". وفي رواية (1) "ليتركنها أهلها على خير ما كانت مذللة للعوافي- يعني السباع والطير". وفي رواية الموطأ (2): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لتتركن المدينة على أحسن ما كانت، حتى يدخل الكلب أو الذئب، فيغذي على بعض سواري المسجد، أو على المنبر، فقالوا: يا رسول الله، فلمن تكون الثمار ذلك الزمان؟ فقال: للعوافي: الطير والسباع". أقول: الظاهر أن هذا كائن قبيل قيام الساعة، وأن الساعة تقوم على إثر ذلك وقد نقل ابن حجر عن النووي أن هذا الترك يكون في آخر الزمان عند قيام الساعة ورجحه. انظر (فتح الباري 4/ 90).

_ 4087 - البخاري (4/ 89، 90) 29 - كتاب فضائل المدينة، 5 - باب من رغب عن المدينة. مسلم (2/ 1010) 15 - كتاب الحج، 91 - باب في المدينة حين يتركها أهلها. (1) مسلم: (2/ 1009) نفس الموضع السابق. (2) الموطأ (2/ 888) 45 - كتاب الجامع، 2 - باب ما جاء في سكنى المدينة والخروج منها. (العوافي): جمع عافية، والعافية: كل طالب، سواء كان من السباع أو الطير أو الدواب، أو الناس إلا أنه قد كثر استعماله، وغلب على السباع والطير. (نعق) الراعي بالغنم: إذا دعاها لتعود إليه. (مذللة) بلدة مذللة، وأرض مذللة، وناقة مذللة، أي: متمكن منها غير محمية ولا ممتنعة، والمراد: أن المدينة تكون يومئذ مخلاة تنتابها السباع والوحوش لخلوها من الساكنين، وقيل: أراد مذللة قطوفها، يعني دانية، ممكناً منها، أي على أحسن أحوالها. (غدى) الكلب ببوله تغذية: إذا رماه متقطعاً.

- توسع عمران المدينة

- توسع عمران المدينة: 4088 - * روى أبو داود عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوشك المسلمون أن يحاصروا إلى المدينة حتى يكون أبعد مسالحهم سلاح" وفي رواية (1) عن أبي هريرة قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يوشك أن يرجع الناس إلى المدينة حتى يصير مسالحهم بسلاح". أقول: لقد توسعت المدينة الآن توسعاً كثيراً، فلا ندري فيما إذا كان النص يشير إلى ما يجري في عصرنا أو إلى غيره. 4089 - * روى مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تبلغ المساكن إهاب- أو يهاب-" قال زهير: قلت لسهيل: فكم ذلك من المدينة؟ قال: كذا وكذا ميلاً. - حراسة الملائكة للمدينة من الدجال والطاعون: 4090 - * روى الطبراني في الكبير عن عبد الله بن شقيق قال: إني لأمشي مع عمران ابن حصين فانتهينا إلى مسجد البصرة فإذا بريدة جالس وسكبة- رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من أسلم- قائم الضحى، فقال بريدة: يا عمران؟ ما تستطيع أن تصلي كما يصلي سكبة؟ وإنما يقول ذلك كأنه يعينه به، قال: فسكت عمران ومضيا، فقال عمران: إني لأمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استقبلنا أحد فصعدنا عليه فأشرف على المدينة فقال: "ويل أمها قرية يتركها أهلها أحسن ما كانت، يأتيها الدجال فلا يستطيع أن يدخلها، يجد على كل فج منها ملكاً مصلتاً بالسيف" ثم نزلنا فأتينا المسجد فإذا

_ 4088 - أبو داود (4/ 97) كتاب الفتن والملاحم، 1 - باب ذكر الفتن ودلائلها. (1) أحمد (2/ 402). مجمع الزوائد (4/ 15) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات، وفي بعضهم كلام لا يضر. (المسلحة): القلعة الصغيرة أو القوم المرابطون في الثغر و (سلاح): موضع قرب خيبر أي: أبعد موضع دفاعي عن المدينة هذا هو الموضع. 4089 - مسلم (4/ 2228) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 15 - باب في سكنى المدينة ... إلخ. 4090 - مجمع الزوائد (3/ 309) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح.

رجل يصلي، فقال: "من هذا؟ " قلت فلان ومن أمره فجعلت أثني عليه، فقال: "لا تسمعه فتقطع ظهره، ثم رفع يدي فقال: خير دينكم أيسره". قوله في الحديث "يتركها أهلها أحسن ما كانت". يشير إلى أنهم يخرجون باختيارهم دون أن يخرجهم أحد، فهم يخرجون طلباً للرخاء وهذا يؤكد معاني الأحاديث السابقة، أو أن هذا يكون قبيل قيام الساعة وهذا يوضحه الحديث المروي عن أبي هريرة (يتركون المدينة ...) وقد مر. 4091 - * روى الطبراني في الأوسط عن محجن بن الأدرع قال: "بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجتي ثم عرض لي وأنا خارج في طريق المدينة فأخذ بيدي فانطلقا حتى صعدنا على أحد فأقبل على المدينة فقال: ويل أمها قرية يدعها أهلها كأينع ما يكون، قلت: يا رسول الله من يأكل ثمرها قال: عافية الطير والسباع ولا يدخلها الدجال، كلما أراد أن يدخلها يلقاه بكل نقب من نقابها ملك فيصده، ثم أقبل حتى إذا كنا بباب المسجد فإذا رجل يصلي، قال: يقوله صادقاً؟ قلت يا رسول الله هذا فلان أكثر أهل المدينة صلاة، قال: لا تسمعه فتهلكه". 4092 - * روى البخاري عن أبي بكرة (رضي الله عنه) قال: "لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال، لها يومئذ سبعة أبواب، على كل باب ملكان". 4093 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون، ولا الدجال". ولمسلم (1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يأتي المسيح من قبل المشرق، همته المدينة، حتى ينزل دبر أحد، ثم تصرف الملائكة وجهه قبل الشام، وهناك يهلك". المراد بكلمة المسيح في النص المسيح الدجال.

_ 4091 - مجمع الزوائد (3/ 309، 310) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح. 4092 - البخاري (4/ 95) 29 - كتاب فضائل المدينة، 9 - باب لا يدخل الدجال المدينة. 4093 - البخاري: نفس الموضع السابق. مسلم (2/ 1005) 15 - كتاب الحج، 87 - باب صيانة المدينة من دخول الطاعون والدجال إليها. (1) مسلم: نفس الموضع السابق.

- حراسة مكة من الدجال

4094 - * روى البخاري عن أنس (رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المدينة يأتيها الدجال، فيجد الملائكة يحرسونها، فلا يقربها الدجال ولا الطاعون إن شاء الله". - حراسة مكة من الدجال: 4095 - * روى الشيخان عن أنس (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال، إلا مكة والمدينة، وليس نقب من أنقابها إلا عليه الملائكة صافين، يحرسونها، فينزل السبخة، ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات، فيخرج إليه كل كافر ومنافق". وفي رواية (1) نحوه، وقال: "فيأتي سبخة الجرف" وقال: "فيخرج إليه كل منافق ومنافقة". 4096 - * روى أحمد عن جابر بن عبد الله قال: أشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم على فلق من أفلاق الحرة ونحن معه فقال: "نعمت الأرض المدينة إذا خرج الدجال على كل نقب من أنقابها ملك، لا يدخلها فإذا كان كذلك رجفت المدينة بأهلها ثلاث رجفات لا يبقى منافق ولا منافقة إلا خرج إليه وأكثر- يعني من يخرج إليه- النساء، وذلك يوم التخليص يوم تنفي المدينة الخبث كما ينفي الكير خبث الحديد يكون معه سبعون ألفاً من اليهود على كل رجل منهم ساج وسيف محلى فيضرب قبتة بهذا الضرب الذي بمجتمع السيول، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما كانت

_ 4094 - البخاري (13/ 447) 97 - كتاب التوحيد، 31 - باب في المشيئة والإرادة. الترمذي (4/ 514، 515) 34 - كتاب الفتن، 61 - باب ما جاء في الدجال لا يدخل المدينة. 4095 - البخاري (4/ 95) 29 - كتاب فضائل المدينة، 9 - باب لا يدخل الدجال المدينة. مسلم (4/ 2265) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 24 - باب قصة الجساسة. (1) مسلم: (4/ 2266) الموضع السابق. 4096 - مسند أحمد (3/ 92) مجمع الزوائد (3/ 307، 308) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. (الساج): نوع من أنواع القلنسوة. (ذباب): اسم جبل قرب المدينة.

- استحلال الحرم والخسف بجيش يغزو الكعبة

فتنة ولا تكون حتى تقوم الساعة أكبر من فتنة الدجال، ولا من نبي إلا وقد حذر أمته ولأخبرنكم ما لا أخبر نبي أمته، قيل ثم وضع يده على عينه ثم قال: إن الله عز وجل ليس بأعور". ورواه الطبراني في الأوسط ولفظه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أهل المدينة اذكروا يوم الخلاص، قالوا: وما يوم الخلاص؟ قال: يقبل الدجال حتى ينزل بذباب فلا يبقى في المدينة مشرك ولا مشركة ولا كافر ولا كافرة ولا منافق ولا منافقة ولا فاسق ولا فاسقة إلا خرج إليه ويخلص المؤمنون فذلك يوم الخلاص". - استحلال الحرم والخسف بجيش يغزو الكعبة: 4097 - * روى أحمد عن سعيد بن سمعان قال: سمعت أبا هريرة يخبر أبا قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يبايع لرجل بين الركن والمقام ولن يستحل البيت إلا أهله فإذا أستحلوه فلا تسل عن هلكة العرب ثم تأتي الحبشة فتخربه خراباً لا يعمر بعده أبداً، وهم الذين يستخرجون كنزه". أقول: الظاهر أن هذا كائن قبيل قيام الساعة بقليل. 4098 - * روى أحمد عن سعيد بن عمرو قال: أتى عبد الله بن عمرو عبد الله بن الزبير، فقال: إياك والإلحاد في حرم الله، فأشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يحلها- وتحل به- رجل من قريش، لو وزنت ذنوبه بذنوب الثقلين لوزنتها قال: فانظر يابن عمرو لا تكونه، فإنك قد قرأت الكتب، وصحبت الرسول صلى الله عليه وسلم. قال: - أي عبد الله بن عمرو- فإني أشهدك أن هذا وجهي إلى الشام مجاهداً. أقول: وقد جاء في بعض الروايات (يلحد بمكة رجل من قريش اسمه عبد الله ...) أخرجه أحمد (1/ 64)، ولا تصح هذه الرواية، قال: الحافظ بن كثير في

_ 4097 - مسند أحمد (2/ 291، 312، 328، 351)، مجمع الزوائد (3/ 298) قال الهيثمي: قلت في الصحيح بعضه، رواه أحمد، ورجاله ثقات. 4098 - مسند أحمد (2/ 219)، ومجمع الزوائد (3/ 284، 285) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

(البداية والنهاية 8/ 339) (وهذا الحديث منكر جداً، وفي إسناده ضعف، ويعقوب القمي- أحد رجال السند- فيه تشيع، ومثل هذا لا يقبل تفرده به، وبتقدير صحته، فليس هو بعبد الله بن الزبير، فإنه كان على صفات حميدة، وقيامه بالإمارة إنما كان لله عز وجل، ثم هو كان الإمام بعد موت معاوية بن يزيد لا محالة، وهو أرشد من مروان بن الحكم، حيث نازعه بعد أن أجتمعت الكلمة عليه، وقامت له البيعة في الآفاق، وانتظم له الأمر) اهـ. أقول: (وأخرج أحمد 2/ 67) رواية أخرى من طريق محمد بن عبد الملك بن مروان عن المغيرة بن شعبة بلفظ: "يلحد رجل من قريش بمكة عليه نصف عذاب العالم ... " وفي هذه الرواية انقطاع فإن محمد بن عبد الملك لم يسمع من المغيرة (انظر تعجيل المنفعة ص 370)، وليس فيها تسمية الملحد أنه عبد الله. وذكر (الذهبي) رواية أخرى من طريق محمد المصيصي بسنده عن عبد الله بن عمرو ولفظها "يلحد بمكة رجل من قريش يقال له عبد الله عليه نصف عذاب العالم" فوالله لا أكونه. قال الذهبي: المصيصي لين وأحتج به أبو داود والنسائي و (انظر السير 3/ 376). والخلاصة: أن أصح الروايات سنداً لم يذكر فيها اسم الرجل الذي يلحد بالحرم، والتي ذكر فيها أن اسمه عبد الله لم تخل من طعن فيها وعلى فرض صحتها فليس ابن الزبير المقصود فيها لأنه كان الإمام الراشد وبنو أمية هم الذين خرجوا عليه. 4099 - * روى مسلم عن عائشة: عبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه فقلنا يا رسول الله صنعت شيئاً في منامك لم تكن تفعله فقال: "العجب إن أناساً من أمتي يؤمون هذا البيت لرجل من قريش لقد لجأ بالبيت حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم" فقلنا يا رسول الله إن الطريق قد تجمع الناس؟ فقال: "نعم، فيهم المستنصر والمجبور وابن السبيل يهلكون مهلكاً واحداً ويصدرون مصادر شتى يبعثهم الله على نياتهم". وللبخاري (1): قال صلى الله عليه وسلم: "يغزو جيش الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض

_ 4099 - مسلم (4/ 2210) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 2 - باب الخسف بالجيش الذي يؤم البيت. (1) البخاري (4/ 338) 34 - كتاب البيوع، 49 - باب ما ذكر في الإسواق.

- خراب الكعبة

يخسف بأولهم وآخرهم" قلت: يا رسول الله يخسف، بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم؟ قال: يخسف بأولهم وآخرهم ويبعثون على نياتهم". 4100 - * روى الترمذي عن صفية رفعته: "لا ينتهي الناس عن غزو هذا البيت حتى يغزو جيش حتى إذا كانوا بالبيداء أو ببيداء من الأرض خسف بأولهم وآخرهم ولم ينج أوسطهم قلت: يا رسول الله فمن كره منهم؟ قال: يبعثهم الله على ما في أنفسهم". 4101 - * روى مسلم والنسائي عن عبد الله بن صفوان عن أم المؤمنين رفعته: "سيعوذ بهذا البيت- يعني الكعبة- قوم ليست لهم منعة ولا عدد ولا عدة، يبعث إليهم جيش، حتى إذا كانوا ببيداء الأرض خسف بهم" قال ابن ماهك: وأهل الشام يومئذ يسيرون إلى مكة، فقال عبد الله بن صفوان: أما والله ما هو بهذا الجيش. أقول: الظاهر أن مدلول هذه النصوص لم يقع حتى كتابة هذه السطور. - خراب الكعبة: 4102 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يخرب الكعبة ذو السيوقتين من الحبشة" وفي رواية (1) قال: "ذو السويقتين من الحبشة، يخرب بيت الله".

_ 4100 - الترمذي (4/ 478) 34 - كتاب الفتن، 21 - باب ما جاء في الخسف. وقال: هذا حديث حسن صحيح وأشراط الساعة، 2 - باب الخسف بالجيش الذي يؤم البيت. النسائي (5/ 2077) 24 - كتاب المناسك، 112 - باب حرمة الحرم. 4101 - مسلم (4/ 2210) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 2 - باب الخسف بالجيش الذي يؤم البيت. النسائي (5/ 207) 24 - كتاب المناسك، 112 ن- باب حرمة الحرم. 4102 - البخاري (3/ 454) 25 - كتاب الحج، 47 - باب قول الله تعالى (97 المائدة) ... إلخ. مسلم (4/ 2232) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 18 - باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل ... إلخ. النسائي (5/ 216) 24 - كتاب مناسك الحج، 125 - باب بناء الكعبة. (1) مسلم (4/ 2232) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 18 - باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل ... إلخ.

- تكرار هدم البيت

4103 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اتركوا الحبشة ما تركوكم، فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة". 4104 - * روى البخاري عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كأني به أسود أفحج، يقلعها حجراً حجراً- يعني الكعبة". - تكرار هدم البيت: 4105 - * روى ابن خزيمة عن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استمتعوا من هذا البيت فإنه قد هدم مرتين ويرفع في الثالث". 4106 - * روى البخاري عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليحجن هذا البيت، وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج" قال البخاري: قال عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة: "لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت" قال البخاري: والأول أكثر. أقول: لا تنافي بين النصين، فالبيت محجوج بعد ظهور يأجوج ومأجوج وينقطع الحج قبيل قيام الساعة بقليل.

_ (ذو السويقتين) الساق: ساق الإنسان، وهي مؤنثة، وتصغيرها: سويقة بالتاء، وإنما صغرها لأنه أراد ضعفها ودقتها، لأن عامة الحبشة في أسوقتهم دقة حموشة. 4103 - أبو داود (4/ 114) كتب الملاحم، باب النهي عن تهييج الحبشة. (كنز الكعبة): المخبأ، وأراد به: مال الكعبة الذي كان معداً فيها من النذور التي كانت تحمل إليها قديماً وغيرها. 4104 - البخاري (3/ 460) 25 - كتاب الحج، 49 - باب هدم الكعبة. (أفحج): الفحج: بعيد ما بين الساقين. 4105 - ابن خزيمة (4/ 129) كتاب المناسك، 58 - باب الأمر بتعجيل الحج خوف فوته برفع الكعبة ... وقال: قوله: (يرفع في الثالث): يريد بعد الثالثة. 4106 - البخاري (3/ 454) 25 - كتاب الحج، 47 - باب قول الله تعالى [97 المائدة] ... إلخ.

4107 - * روى مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليهلن ابن مريم بفج الروحاء حاجاً أو معتمراً، أو ليثنينهما". أقول: في النص دلالة أن عيسى بن مريم عليه السلام سيحج البيت بعد نزوله من السماء.

_ 4107 - مسلم (2/ 915) 15 - كتاب الحج، 34 - باب إهلال النبي صلى الله عليه وسلم وهديه.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد أجاز أبو حنيفة للكافر دخول المساجد كلها، حتى المسجد الحرام من غير إذن ولو لغير حاجة، وأجاز المالكية لغير المسلم دخول الحرم المكي، دون البيت الحرام بإذن أو بأمان، ولا يجوز عندهم مطلقاً دخول الكافر مسجداً إلا بإذن، وقال الشافعية والحنابلة: يمنع غير المسلم من دخول حرم مكة، ويجوز عندهم للكافر، لحاجة دخول المساجد الأخرى غير المسجد الحرام بإذن المسلمين. - حد الحرم المكي: من طريق المدينة على ثلاثة أميال من مكة، ومن طريق اليمن على سبعة أميال، ومن طريق العراق على تسعة أميال، ومن الطائف وبطن نمرة على طريق عرفات على سبعة أميال، ومن طريق الجعرانة على تسعة أميال، ومن جدة على عشرة أميال، ومن بطن عرفة أحد عشر ميلاً. وهذه الحدود ليست هي المواقيت. - استحب الشافعية والحنابلة وصاحبا أبي حنيفة المجاورة بمكة، أو المدينة لمن لم يخف الوقوع بمحظور، وذهب مالك وأبو حنيفة إلى كراهتها، خوفاً من التقصير في حرمتها. - يستحب لمن دخل مكة الدعاء، والاغتسال وأن يدخل مكة من ثنية كداء. - وينبغي على قول الجمهور، لمن يأتي من غير الحرم، أن لا يدخل مكة إلا محرماً بحج أو عمرة. - يحرم صيد الحرم بالإجماع على الحلال والمحرم، إلا المؤذيات المبتدئة بالأذى غالباً. ويحرم قطع شجر الحرم، ونباته الرطب الذي ينبت بنفسه. - تغلظ الدية على القاتل، الذي قتل في حرم مكة، وإن كان القتل خطأ، سواء أكان القاتل والمقتول معاً في الحرم، أو أحدهما فيه، والآخر من خارجه. - يستحب لمن دخل الحرم زيارة أهم المعالم التاريخية بمكة، كقبر إسماعيل عليه السلام، وغار ثور، وغار حراء، وزيارة قبور من كان بمكة، والمدينة من الصحابة والتابعين والأئمة. وجبل حراء أو جبل النور: يقع في شمال مكة على بعد خمسة كيلو مترات، وعلى يسار

الذاهب إلى عرفات، وفيه ابتداء نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم، بأول سورة العلق. وغار ثور: يقع جنوبي مكة على بعد ستة أميال منها، وهي ملجأ النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أثناء الهجرة، لمدة ثلاثة أيام. ومنى: قرية تقع على مسافة سبعة كيلو مترات من مكة، فيها الجمرات الثلاث الصغرى والوسطى والكبرى، وفيها مسجد الكبش، ومسجد البيعة، ومسجد الحيف الكبير. وعرفات: جبل، يقع على مسافة خمس وعشرين كيلو متراً في الجنوب الشرقي من مكة، وفي شماله يقع جبل الرحمة. - حد حرم المدينة جنوباً، وشمالاً بريد في بريد، ما بين عائر إلى ثور، وشرقاً وغرباً بريد في بريد، ما بين لابتي المدينة، والبريد: أربعة فراسخ: والفرسخ ثلاثة أميال، والميل: كان يساوي حوالي 2 كم، أي أن البريد يساوي 24 كم. - يحرم صيد المدينة وشجرها على الحلال والمحرم، كمكة عند الجمهور. - ويستحب زيارة المسجد النبوي الشريف وزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه. ويستحب للزائر أن ينوي مع زيارته صلى الله عليه وسلم، التقرب إلى الله تعالى وأن يكثر من الصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم في طريقه، وأن يغتسل قبل دخول المدينة، ثم يقصد المسجد فيصلي تحية المسجد في الروضة الشريفة، ثم يأتي القبر الكريم، ثم يسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، ولا يرفع صوته، ولا يجوز أن يطاف بقبر النبي صلى الله عليه وسلم، ويكره مسحه باليد وتقبيله. - يسن لزائر المدينة أن يأتي المشاهد بها، وهي نحو ثلاثين موضعاً منها: مسجد قباء، وهو أول مسجد أسس في المدينة، ومسجد المصلى، الذي كان يصلي فيه الرسول صلى الله عليه وسلم صلاة العيدين، ومسجد الفتح، ومسجد القبلتين، والبقيع ودار أبي أيوب الأنصاري، ودار عثمان بن عفان. وتزار قرية بدر، وجبل ثور، وأحد، وهو على بعد أربعة كيلو مترات شمال المدينة، وفي سفحة قبر سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، وعلى مقربة منه مقابر الصحابة الذين أستشهدوا في غزوة أحد رضي الله عنهم.

- الناس بالنسبة للإحرام ثلاثة أقسام: 1 - آفاقي وهو من كان خارج دائرة المواقيت فيحرم منها. 2 - من سكان الحل، وهي المنطقة بين دائرة المواقيت، وحدود الحرم، فهؤلاء يحرمون في الحل، أي خارج حدود الحرم. 3 - من سكان منطقة الحرم المكي، فهؤلاء يحرمون في الحج من داخل الحرم، وفي العمرة من الحل. - بنيت الكعبة المشرفة خمس مرات: بناء الملائكة أو آدم، وبناء إبراهيم على القواعد الأولى، وبناء قريش في الجاهلية بحضور الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، وقد ضاقت بهم النفقة عن إتمامه على قواعد إسماعيل عليه السلام، فأخرجوا منها الحجر، ثم بناء ابن الزبير حين أحترقت، فأدخل فيها الحجر كما كانت على قواعد إسماعيل، ثم بناء الحجاج بن يوسف، حيث أعادها كما كانت قبل بناء ابن الزبير، وهذا البناء هو الموجود اليوم. أما المسجد النبوي، فقد بناه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام في مبدأ الهجرة. وقد تم توسيع الحرم في عهد عمر، ثم عثمان، ثم الوليد بن عبد الملك، ثم المهدي ثم في عهد العثمانين، ثم جاءت التوسيعات السعودية. [انظر فيما مضى (المجموع 7/ 440) (إعلام الساجد بأحكام المساجد لزركشي ص 63 فما بعدها)، (فتح القدير 2/ 335)، (الفقه الإسلامي 3/ 318 فما بعدها)]. - فيما يلي بعض المسافات والمساحات منقولة من كتاب (أحكام الحج والعمرة) للشيخ أحمد البيانوني رحمه الله:

المسافات بالأمتار ارتفاع الكعبة المعظمة ... 15 م طول ضلعها الشمالي والجنوبي ... 10.1 م طول ضلعها الشرقي والغربي ... 12 م ارتفاع بابها من الأرض ... 2 م من الصفا إلى المروة ... 374 م ما بين الميلين الأخضرين ... 70 م من المسجد الحرام إلى المعلى ... 1000 م من جمرة العقبة إلى الوسطى ... 156 م من الجمرة الوسطى إلى الصغرى ... 116 م من جمرة العقبة إلى الصغرى ... 282 م المساحة بالأمتار المربعة مساحة المسجد النبوي الذي بناه الرسول صلى الله عليه وسلم 2475 مساحة زيادة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ... 1100 مساحة زيادة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه ... 496 مساحة زيادة الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك رحمه الله ... 2369 مساحة زيادة الخليفة العباسي المهدي رحمه الله ... 2450 مساحة زيادة الملك الأشرف قايتباي رحمه الله ... 120 مساحة زيادة السلطان عبد المجيد العثماني رحمه الله

مساحة التوسعة السعودية ... 6024 المساحة الكلية للمسجد النبوي ... 16327 المسافات البرية بالكيلومتر من جدة إلى مكة المكرمة ... 73 كم من جدة إلى المدينة المنورة ... 378 كم من جدة إلى الطائف ... 175 كم من جدة إلى ينبع ... 335 كم من جدة إلى المطار ... 5 كم من جدة إلى وادي فاطمة ... 85 كم من جدة إلى الحديبية ... 48 كم من مكة إلى عرفات ... 25 كم من مكة إلى الطائف ... 135 كم من المدينة إلى ينبع ... 212 كم من المدينة إلى المطار ... 14 كم - وفيما يلي مخططات لمنطقة المواقيت والحل والحرم، ومن كتاب فقه العبادات على مذهب الإمام مالك بن أنس للشيخ محمد بشير الشقفة حفظه الله.

ذو الحليفة: ميقات أهل المدينة. الجحفة: ميقات أهل الشام. ذات عرق: ميقات أهل العراق. قرن المنازل: ميقات أهل نجد. يلملم: ميقات أهل اليمن وكل من مر بأحد هذه المواقيت ولم يكن من أهله يجب عليه أن يحرم منه وتعتبر جدة من منطقة الحل لتنصيص الفقهاء على ذلك.

الباب الثاني في فضل الحج والعمرة وبعض آدابهما وأحكامهما

الباب الثاني في فضل الحج والعمرة وبعض آدابهما وأحكامهما وفيه عرض إجمالي ونصوص ومسائل وفوائد

عرض إجمالي

عرض إجمالي - الحج: - أجمع المسلمون على فرضية الحج للمستطيع، وقد اختلفوا في تعريف الاستطاعة، وأجمع المسلمون على مشروعية العمرة، واختلفوا هل هي فرضية أو واجبة أو سنة؟ واختلفوا هل تكرر في العام؟ واتفقوا على أنه يجوز القران بين الحج والعمرة، كما يجوز التمتع بين العمرة والحج في أشهر الحج، واتفقوا على جواز العمرة وندبها بعد أيام التشريق، واختلفوا في مشروعيتها أيام التشريق. واختلفوا هل يجب الحج على الفور، أو أنه على التراخي؟ واختلفوا في مشروعية السفر للمرأة إلى الحج إذا لم تجد محرماً، أو زوجاً، وإذا وجدت فهل يجب عليها نفقته إذا لم يكن مريداً للحج في الأصل؟ - وشروط وجوب الحج: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والحرية، والاستطاعة وأمن الطريق، والمحرم أو الزوج للمرأة. - أركان الحج عند الحنفية: الإحرام، والوقوف بعرفة، ومعظم طواف الإفاضة. وأما النية فشرط، ولابد من الترتيب بين هذه الفرائض. وواجبات الحج خمسة: السعي، والوقوف بمزدلفة، ورمي الجمال والحلق، أو التقصير وطواف الصدر. - وسنن الحج: غسل الإحرام، والتطيب له والنطق بما نوى، والتلبية، ودخول مكة ليلاً أو نهاراً، والابتداء بطواف القدوم لغير المكي من الحجر الأسود، واستلام الحجر في كل شرط، والمبيت بمنى ليلة الثامن من ذي الحجة، ورمي جمرة العقبة بعد طلوع الشمس من يوم النحر. - وقال المالكية: أركان الحج أربعة: الإحرام، والسعي، والحضور بعرفة ليلة النحر، وطواف الإفاضة. وواجبات الإحرام: التجرد من المخيط، وكشف الرأس للذكر، والتلبية ووصلها بالإحرام. - وقال الشافعية: أركان الحج خمسة: الإحرام، والوقوف بعرفة، والطواف، والسعي والحلق أو التقصير. - وواجبات الحج خمسة: الإحرام من الميقات الزماني والمكاني، والرمي والمبيت

سنن الحج العامة

بمزدلفة، والمبيت بمنى، وطواف الوداع. وسنن الحج العامة: الإفراد والتلبية، وطواف القدوم، وركعتا الطواف، وإلقاء الإمام أربع خطب: خطبة يوم السابع من ذي الحجة ظهراً، وخطبة يوم عرفة، وخطبة يوم النحر، وخطبة في اليوم الثاني من أيام التشريق، والأغسال المسنونة وشرب ماء زمزم. - وقال الحنابلة: أركان الحج أربعة: الإحرام، والوقوف بعرفة، والطواف والسعي. وواجبات الحج سبعة: إحرام من الميقات، ووقوف بعرفة نهاراً للغروب، ومبيت بمزدلفة، ومبيت بمنى، ورمي الجمرات مرتباً، وحلق أو تقصير، وطواف وداع. - ومكان الإحرام: الميقات. وزمانه: هو وقت الحج والعمرة، وإذا أراد الشخص الإحرام يغتسل تنظيفاً، أو يتوضأ ويتجرد الذكر من المخيط، ويلبس إزاراً ورداء جديدين، ثم مغسولين، والمرأة إحرامها في وجهها، ويتطيب في بدنه قبل الإحرام عند الجمهور ويصلي ركعتين الإحرام ويلبي. ويقطع التلبية عند الجمهور- غير المالكية- عند ابتداء الرمي لجمرة العقبة بأول حصاة يرميها. ويحرم الشخص بأحد أنواع ثلاثة: الإفراد، والتمتع، والقران. - وأجاز جمهور الفقهاء إدخال الحج على العمرة، بشرط أن يكون الإدخال قبل الشروع في طواف العمرة، ويكون قارناً بلا خلاف. ولا يجوز إدخال العمرة على الحج، ولا يصير قارناً عند الجمهور، وقال الحنفية: يصير قارناً ويعتبر مسيئاً. - واتفق العلماء على واجبين من واجبات الحج وهما: الوقوف بمزدلفة، ورمي الجمار، واختلفوا في الباقي. فزاد الحنفية: السعي والحلق، أو التقصير وطواف الوداع. وزاد المالكية: طواف القدوم، والحلق أو التقصير، والمبيت بمنى. وزاد الشافعية: الإحرام من الميقات الزماني والمكاني، والمبيت بمنى وطواف الوداع. بينما زاد الحنابلة: الإحرام من الميقات، والوقوف بعرفة نهاراً، والمبيت بمنى، والحلق أو التقصير، وطواف الوداع، والوقوف بالمزدلفة واجب باتفاق المذاهب. وأما إتيان المشعر الحرام فهو سنة. ورأي الجمهور- غير الحنفية- أن زمان الوقوف بالمزدلفة هو الليل. وترك الوقوف يوجب الدم.

- ورمي الجمار واجب اتفاقاً، وتجوز الإنابة في الرمي، لمن عجز عن الرمي بنفسه لمرض أو حبس أو كبر سن أو حمل المرأة، ويدخل وقت رمي جمرة العقبة من نصف ليلة النحر عند الشافعية والحنابلة. وبعد طلوع الشمس يوم العيد عند المالكية والحنفية. ورمي الجمرات الثلاث أيام التشريق بعد زوال الشمس كل يوم بالاتفاق. ويشترط للرمي: أن يكون بيد، ويكون المرمي حجراً عند الجمهور، وأن يكون كحصى الخزف عند المالكية، وأن يسمى الفعل رمياً، وأن يقع الحصى في المرمى، وأن يرمي السبع، واحدة واحدة وترتيب الجمرات، وتؤخذ حصى الجمار من مزدلفة، أو من أي مكان غير نجس، وإن تأخر الرمي عن وقته أو فات، وجب الدم. - والمبيت بمنى ليلتي التشريق واجب عند الجمهور- غير الحنفية-. أما المبيت فيها ليلة الثامن من ذي الحجة فهو سنة. والحلق أو التقصير نسك واجب عند الجمهور- غير الشافعية-، ومقدار الواجب: أخذ قدر الأنملة من شعر الرأس والحلق أفضل، والأصلع الذي لا شعر له يستحب إمرار الموسى على رأسه عند الجمهور، ويجب عند الحنفية. وحكم الحلق أو التقصير: صيرورة المحرم حلالاً فيحل له كل شيء، إلا النساء عند الحنفية، وعقد الزواج عند الشافعية والحنابلة، والصيد والطيب عند المالكية. - ومن سنن الحج: الغسل والتطيب، للإحرام وركعتا الإحرام والتلبية بعينها عقب الإحرام، ولابد من ذكر بعد الإحرام وطواف القدوم عند الجمهور، والمبيت بمنى ليلة يوم عرفة، والتحصيب، وخطب الحج ثلاثة. - التحلل من الحج: وللحج تحللين: أصغر وأكبر. أما الأول: فيحصل بفعل اثنين من ثلاثة: رمي جمرة العقبة، والحلق وطواف الإفاضة، وأما الثاني: فيحصل بفعل الشيء الثالث من الأشياء السابقة. - والمبيت بمنى في فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون قبل الخروج لعرفات وبعده، ما قبله: سنة، وما بعده: فيه خلاف، هل هو، واجب أو سنة؟ وفي كل الأحوال هو مظهر من مظاهر التنظيم والترتيب والرفق بالأمة، فلولا الخروج إلى منى قبل عرفات لحدث ضغط

العمرة: لغة

شديد على مكة وأهلها، وكذلك الأمر بعد عرفات ورمي الجمار إعلان حرب مستمرة على الشيطان الذي يحاول أن يمنعنا من تنفيذ أوامر الله، كما حاول أن يمنع أبانا إبراهيم عن القيام بأمر الله في ذبح إسماعيل، فعندما نرمي فكأننا نقول بلسان الحال إننا سننفذ أمر الله مهما عظم رغماً عن أنف الشيطان. - والوقوف بعرفات ثم بالمزدلفة تطهير للنفس قبل طواف الإفاضة، الذي هو طواف الركن، ثم هو تنظيم للانطلاق الموحد نحو البيت، وتنظيم للتجمع الذي يسبق مراغمة الشيطان بالرمي وتعظيم البيت بالطواف، والذبح تقديم شكر لله عز وجل على أن أباح لنا بهيمة الأنعام وضيافة لأهل الحرم وقاصديه وزواره. والتحلل من الإحرام بالحلق قبل الطواف، والعودة إلى لبس المخيط قبل الطواف بالبيت والتطيب الذي يرافق ذلك تعظيم للبيت، إذ نطوف به طواف الركن ونحن على أحسن حال، من أجل إقامة شعائر ومشاعر. - والعمرة: لغة: الزيارة. وشرعاً: قصد الكعبة للنسك وهو الطواف والسعي، وهي سنة مؤكدة مرة واحدة في العمر عند الحنفية والمالكية، وفرض على التراخي عند الشافعية والحنابلة، وشروط العمرة هي شروط الحج واتفق العلماء على أن العمرة تجوز في أي وقت من أوقات السنة، إلا أنها تكره عند الحنفية في يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق الثلاثة كراهة تحريم، ولا يكره عند الجمهور تكرار العمرة في السنة الواحدة. وأما ميقات العمرة، فمن كان مقيماً بمكة فميقاته من أدنى الحل ولو بأقل من خطوة من أي جانب شاء وأما أهل الحل والآفاق فميقاتهم للعمرة هو ميقاتهم للحج. - وأركان العمرة: أربعة عند الشافعية: الإحرام، والطواف، والسعي بين الصفا والمروة، والحلق أو التقصير، وأركانها عند المالكية والحنابلة: ثلاثة فهم لم يعتبروا الحلق أو التقصير ركناً، أما عند الحنفية فاللعمرة ركن واحد هو الطواف. - واجبات العمرة: واجب العمرة عند المالكية: الحلق أو التقصير وزاد الحنابلة واجباً: الإحرام من الحل، بينما زاد الحنفية: السعي.

- وتفسد العمرة بالجماع قبل أن يطوف أربعة أشواط عند الحنفية، وقبل تمام السعي عند المالكية، وقبل التحلل عند الشافعية. [انظر فيما مضى: (الاختيار 1/ 139 فيما بعد) و (الهدية العلائية ص 251 فما بعد) و (كفاية الاختيار 1/ 134 فما بعد) و (الشرح الصغير 2/ 16 فما بعد) و (الفقه الإسلامي 3/ 88 فما بعد)].

النصوص - في فضل الحج

النصوص - في فضل الحج: - الحج المبرور أفضل الجهاد: 4108 - * روى البخاري عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: قلت "يا رسول الله نرى الجهاد أفضل الأعمال، أفلا نجاهد؟ قال: "لكن أفضل الجهاد وأجمله: حج مبرور، ثم لزوم الحصر، قالت: فلا أدع الحج بعد إذ سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم". وفي رواية (1) قالت: قلت: يا رسول الله، ألا نخرج فنجاهد معك؟ وإني لا أرى عملاً في القرآن أفضل من الجهاد، قال: "لا، ولكن أحسن الجهاد وأجمله: حج البيت، حج مبرور". أقول: إن النص يحتمل أن أفضل شيء للمرأة- وهو جهاد-: أن تحج وأن تلازم بيتها. 4109 - * روى النسائي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جهاد الكبير والصغير والضعيف والمرأة: الحج والعمرة". 4110 - * روى الطبراني في الكبير والأوسط عن الحسين بن علي قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني جبان وإني ضعيف فقال: "إلى جهاد لا شوكة فيه الحج". أقول: عندما يكون الجهاد فرض كفاية فالحج يسع أمثال السائل من حيث الأجر أما عندما يكون الجهاد فرض عين فلا ينوب شيء عنه.

_ 4108 - البخاري (4/ 72) 28 - كتاب جزاء الصيد، 26 - باب حج النساء. (1) النسائي (5/ 114) 24 - كتاب مناسك الحج، 4 - باب فضل الحج. (حج مبرور): أي: متقبل، مثاب عليه بالجنة. والحج في اللغة: القصد إلى كل شيء، فجعله الشرع مخصوصاً بقصد معين ذي شروط معلومة، وفيه لغتان: فتح الحاء وكسرها وقرئ بهما في القرآن. (لزوم الحصر): قوله صلى الله عليه وسلم لنسائه: هذه ثم لزوم الحصر، أي إنكن لا تعدن تخرجن من بيوتكن وتلزمن الحصر. 4109 - النسائي (5/ 113، 114) 24 - كتاب مناسك الحج، 4 - باب فضل الحج وإسناده صحيح. 4110 - الطبراني "الكبير" (3/ 135)، مجمع الزوائد (3/ 206) قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله ثقات.

- الحج والعمرة ينفيان الذنوب والفقر

4111 - * روى ابن خزيمة عن عائشة أم المؤمنين: قالت: قلت: يا رسول الله، هل على النساء من جهاد؟ قال: "عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة". - الحج والعمرة ينفيان الذنوب والفقر: 4112 - * روى الترمذي عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الذنوب والفقر، كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس لحجة مبرورة ثواب إلا الجنة، وما من مؤمن يظل يومه محرماً إلا غابت الشمس بذنوبه". 4113 - * روى النسائي عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد". - فضل التلبية: 4114 - * روى الترمذي عن سهل بن سعد (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مسلم يلبي، إلا لبى ما على يمينه وشماله من حجر أو شجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من ها هنا وها هنا". 4115 - * روى الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما أهل مهل قط ولا كبر مكبر قط إلا بشر، قيل: يا رسول الله بالجنة؟ قال: نعم".

_ 4111 - ابن خزيمة (4/ 359) كتاب الحج، 8 - باب الدليل على أن جهاد النساء الحج والعمرة ... إلخ. 4112 - الترمذي (3/ 175) 7 - كتاب الحج، 2 - باب ما جاء في ثواب الحج والعمرة. النسائي (5/ 115، 116) 24 - كتاب مناسك الحج، 6 - باب فضل المتابعة بين الحج والعمرة. وإسناده حسن، والحديث صحيح بشواهده. 4113 - النسائي (5/ 115) 24 - كتاب الحج، 6 - فضل المتابعة بين الحج والعمرة، وهو حديث صحيح. 4114 - الترمذي (2/ 189) 7 - كتاب الحج، 14 - باب ما جاء في فضل التلبية والنحر، وهو حديث صحيح بشواهده. (المدر): القرى والأنصار. 4115 - مجمع الزوائد (3/ 224) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط بإسنادين، رجال أحدهما رجال الصحيح.

- الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة

- الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة: 4116 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "العمرةُ إلى العمرةِ، كفارة لما بينهما، والحج المبرور: ليس له جزاء إلا الجنة". وفي رواية (1) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من حج لله عز وجل فلم يرث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه". 4117 - * روى الطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة. قيل: وما بره؟ قال: إطعام الطعام وطيب الكلام". 4118 - * روى أبو داود عن أم سلمة (رضي الله عنها) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أو وجبت له الجنة" شك الراوي، أيتهما قال. - فضل العمرة في رمضان: 4119 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لامرأة من الأنصار يقال لها أم سنان: "ما منعك أن تكوني حججت معنا" قالت:

_ 4116 - البخاري (3/ 597) 26 - كتاب العمرة، 1 - باب العمرة. مسلم (2/ 983) 15 - كتاب الحج، 79 - باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة. (1) البخاري (4/ 20) 27 - كتاب المحصر، 9 - باب قول الله تعالى [البقرة: 197]: (فلا رفث). 4117 - مجمع الزوائد (2/ 207) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط،، وإسناده حسن. 4118 - أبو داود (2/ 143، 144) كتاب المناسك، باب في المواقيت. رواه أيضاً البيهقي، وروى ابن ماجة عنها أيضاً: "من أهل بعمرة من بيت المقدس غفر له" وإسناده صحيح. وفي رواية له "من أهل بعمرة من بيت المقدس كانت كفارة لما قبلها من الذنوب" ورواه ابن حبان ولفظه: "من أهل من المسجد الأقصى بعمرة غفر له ما تقدم من ذنبه" وفي رواية للبيهقي: "من أهل بالحج والعمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ووجبت له الجنة" كذا في الترغيب (2/ 190). 4119 - البخاري (4/ 72) 28 - كتاب جزاء الصيد، 26 - باب حج النساء. مسلم (2/ 917، 918) 15 - كتاب الحج، 36 - باب فضل العمرة في رمضان.

ناضحان كانا لأبي فلان- زوجها- حج هو وابنه على أحدهما، وكان الآخر يسقي أرضاً لنا، قال: فعمرة في رمضان تقضي حجة، أو حجة معي". وفي رواية (1): "فإذا جاء رمضان فاعتمري، فإن عمرة فيه تعدل حجة"، وفي رواية النسائي (2) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة من الأنصار: "إذا كان رمضان فاعتمري فإن عمرة فيه تعدل حجة". 4120 - * روى البخاري تعليقاً عن جابر (رضي الله عنه) قال: لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من حجته، قال لأم سنان الأنصارية: "ما منعك من الحج" قالت: ليس لنا إلا ناضحان، أبو فلان- تعني زوجها- حج على أحدهما، والآخر يسقي أرضاً لنا، قال: فإن عمرة في رمضان تقضي حجة، أو حجة معي". 4121 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: "إنه حين أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج قالت امرأة لزوجها: أحجني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما عندي ما أحجك عليه، فقالت: أحجني على جملك فلان، قال: ذاك حبيس في سبيل الله، قالت: فائت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسله، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن امرأتي تقرأ عليك السلام ورحمة الله، وإنها سألتني الحج معك، فقلت: ما عندي ما أحجك عليه،

_ (1) مسلم: الموضع السابق ص (917). (2) النسائي (4/ 131) 22 - كتاب الصوم، 6 - الرخصة في أن يقال لشهر رمضان رمضان. (ناضحان): الناضح: البعير الذي يستقى عليه. 4120 - البخاري (3/ 603) 26 - كتاب العمرة، 4 - باب عمرة في رمضان. وقد أخرجه البخاري تعليقاً، بعد حديث ابن عباس، قاله الحميدي وقد وصل الحديث أحمد وابن ماجة. 4121 - أبو داود (2/ 205) كتاب المناسك، باب العمرة، ولم يذكر أبو داود قولها: "فائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسله" وإسناده حسن. الطبراني "الكبير" (12/ 207). كشف الأستار (2/ 38) باب في عمرة رمضان. وقد سمي عندهم الرجل أنه: أبو طليق. مجمع الزوائد (3/ 280) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، والبزار باختصار عنه، ورجال البزار رجال الصحيح. (حبيس) الحبيس: البعير أو الفرس الذي جعل معداً للجهاد، يركب في سبيل الله فهو موقوف على الغزاة، قد أخرجه من ماله. (أحجني): أحجه يحجه، أي: حج به، أو مكنه من الحج.

- الحاج والمعتمر والغازي: وفود الله

قالت: أحجني على جملك فلان، فقلت: ذاك حبيس في سبيل الله، فقال: أما إنك لو أحججتها عليه كان في سبيل الله، قال: وإنها أمرتني أن أسألك: ما يعدل حجة معك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقرأها مني السلام ورحمة الله، وأخبرها أنها تعدل حجة معي: عمرة في رمضان". 4122 - * روى مالك في الموطأ عن أبي بكر بن عبد الرحمن (رحمه الله) قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إني كنت قد تجهزت للحج، فاعترض لي، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اعتمري في رمضان، فإن عمرة فيه كحجة". وأخرجه أبو داود (1) عن أبي بكر بن عبد الرحمن قال: أخبرني رسول مروان الذي أرسل إلى أم معقل، قال: جاء أبو معقل حاجاً مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما قدم قالت أم معقل: قد علمت أن علي حجة، فانطلقا يمشيان، حتى دخلا عليه، قال: فقالت: يا رسول الله، إن علي حجة، وإن لأبي معقل بكراً، قال أبو معقل: صدقت، جعلته في سبيل الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطها فلتحج عليه، فإنه في سبيل الله، فأعطاها البكر، فقالت: يا رسول الله، إني امرأة قد كبرت وسقمت، فهل من عمل يجزئ عني من حجتي؟ فقال: "عمرة في رمضان تجزئ حجة". أقول: العمرة في رمضان تعدل من حيث الأجر الحج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنها لا تجزئ عن الحج المفروض أو الحج المنذور. - الحاج والمعتمر والغازي: وفود الله: 4123 - * روى النسائي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وفد الله ثلاثة: الغازي، والحاج، والمعتمر". 4124 - * روى البزار عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحجاج والعمار وفد

_ 4122 - الموطأ (1/ 346، 347) 20 - كتاب الحج، 21 - باب جامع ما جاء في العمرة، وهو مرسل. (1) أبو داود (2/ 204) كتاب المناسك، باب في العمرة، وهو حديث حسن. (بكراً): البكر: الفتي من الإبل. 4123 - النسائي (5/ 113) 24 - كتاب مناسك الحج، 4 - فضل الحج، وإسناده حسن. 4124 - كشف الأستار (2/ 39) باب في الحجاج والعمار. مجمع الزوائد (3/ 211) وقال الهيثمي: رواه البزار، ورجاله ثقات.

- أفضل الحج

الله دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم". - أفضل الحج: 4125 - * روى الترمذي عن أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي الحج أفضل؟ قال: "العج والثج". 4126 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "من الحاج؟ قال: الشعث التفل، قال: وأي الحج أفضل؟ قال: العج والثج، قال: وما السبيل؟ قال: الزاد والرحلة". 4127 - * روى الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من خرج حاجاً فمات كتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة، ومن خرج معتمراً فمات كتب له أجر المعتمر إلى يوم القيامة، ومن خرج غازياً فمات كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة". - الحج يهدم ما كان قبله: 4128 - * روى البزار عن أبي هريرة رفعه: "يغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج".

_ 4125 - الترمذي (3/ 189) 7 - كتاب الحج- 14 - باب ما جاء في فضل التلبية والنحر. وهو حديث حسن. (العج): رفع الصوت بالتلبية. (والثج): إراقة دماء الهدي والضحايا. 4126 - الترمذي (5/ 225) 48 - كتاب تفسير القرآن، 4 - باب، وهو حسن بشواهده. (الشعث): البعيد العهد بتسريح شعره وغسله. (التفل): التارك للطيب واستعماله. 4127 - مجمع الزوائد (5/ 282) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وفيه جميل بن أبي ميمونة وقد ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً وذكره ابن حبان في الثقات. 4128 - كشف الأستار (2/ 40) باب طلب الدعاء منهم. مجمع الزوائد (3/ 211) وقال الهيثمي: رواه البزار، والطبراني في الصغير، وفيه شريك بن عبد الله النخعي، وهو ثقة، وفيه كلام، وبقية رجاله رجال الصحيح. رواه أيضا الطبراني في الصغير وابن خزيمة في صحيحه والحاكم ولفظهما: قال: اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. قال المنذري: في إسناده شريك القاضي ولم يخرج له مسلم إلا في المتابعات كذا في الترغيب (2/ 167).

- فضل الوفود على الله في كل خمسة أعوام

4129 - * روى ابن خزيمة عن ابن شماسة، قال: حضرنا عمرو بن العاص وهو في سياقة الموت فبكى طويلاً، وقال: فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله أبسط يمينك لأبايعك فبسط يده، فقبضت يدي فقال: "مالك يا عمرو" قال: أردت أن أشترط. قال: "تشترط ماذا"؟ قال: أن يغفر لي. قال: "أما علمت يا عمرو أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله". - فضل الوفود على الله في كل خمسة أعوام: 4130 - * روى الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يقول: إن عبداً أصححت له بدنه وأوسعت عليه في الرزق لم يغد إلي في كل أربعة أعوام لمحروم". - أفضل الأعمال التي أمرنا بها: 4131 - * روى الطبراني في الكبير عن ابن مسعود قال: "أمرتم بإقامة أربع: إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وأقيموا الحج والعمرة إلى البيت، والحج الحج الأكبر والعمرة الحج الأصغر". 4132 - * روى أحمد عن عمرو بن عبسة قال: قال رجل: يا رسول الله ما الإسلام؟ قال: أن تسلم قلبك وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك، قال: فأي الإسلام أفضل؟ قال: الإيمان، قال: وما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت، قال: فأي الإيمان أفضل؟ قال: الهجرة، قال: وما الهجرة؟ قال: أن تهجر السوء، قال: فأي الهجرة أفضل؟ قال: الجهاد،

_ 4129 - ابن خزيمة (4/ 131) 466 - باب ذكر البيان أن الحج يهدم ما كان قبله ... إلخ، وهو صحيح. 4130 - مجمع الزوائد (3/ 206) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، ,أبو يعلى إلا أنه قال: خمسة أعوام، ورجال الجميع رجال الصحيح اهـ، وأخرجه ابن حبان (موارد: 960) وهو صحيح. 4131 - الطبراني "الكبير" (10/ 191). مجمع الزوائد (3/ 205) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله ثقات. 4132 - مسند أحمد (4/ 114). مجمع الزوائد (1/ 59، 3/ 207) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني، ورجاله رجال الصحيح.

- فضل أعمال الحج

قال: وما الجهاد؟ قال: أن تقاتل الكفار إذا لقتهم، قال: فأي الجهاد أفضل؟ قال: من عقر جواده، وأهريق دمه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثم عملان هما أفضل الأعمال إلا من عمل بمثلها: حجة مبرورة أو عمرة". - فضل أعمال الحج: 4133 - * روى الطبراني في الأوسط عن عبادة بن الصامت قال: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فتخطى إليه رجلان: رجل من الأنصار ورجل من ثقيف فسبق الأنصاري الثقفي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للثقفي: إن الأنصاري قد سبقك بالمسألة، فقال الأنصاري: لعله يا رسول الله أن يكون! عجل مني فهو في حل قال: فسأل الثقفي عن الصلاة فأخبره ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصاري إن شئت خبرتك بما جئت تسأل عنه، فإن شئت تسألني فأخبرك؟ فقال يا رسول الله تخبرني قال: جئت تسألني: مالك من الأجر إذا أممت البيت العتيق، ومالك من الأجر في وقوفك في عرفة، ومالك من الأجر في حلق رأسك، ومالك من الأجر إذا ودعت البيت، فقال الأنصاري: والذي بعثنك بالحق ما جئت أسألك عن غيره، قال: فإن لك من الأجر إذا أممت البيت العتيق أن لا ترفع قدماً أتضعها أنت ودابتك إلا كتبت لك حسنة ورفعت لك درجة، وأما وقوفك بعرفة فإن الله عز وجل يقول لملائكته يا ملائكتي! ما جاء بعبادي؟ قالوا: جاءوا يلتمسون رضوانك والجنة، فيقول الله عز وجل: فأني أشهد نفسي وخلقي أني قد غفرت لهم عدد أيام الدهر وعدد رمل عالج. وأما رميك الجمار: قال الله عز وجل: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وأما حلقك رأسك فإنه ليس من شعرك من شعرة تقع في الأرض إلا كانت لك نوراً يوم القيامة، وأما البيت إذا ودعت فإنك تخرج من ذنوبك كيوم ولدتك أمك". 4134 - * روى البزار عن ابن عمر قال: كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد منى،

_ 4133 - مجمع الزوائد (3/ 276) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وفيه محمد بن عبد الرحيم بن شروس ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، ومن فوقه موثقون. (رمل عالج): أي ما تراكم من الرمل ودخل بعضه في بعض. 4134 - كشف الأستار (2/ 8) باب فضل الحج. الطبراني "الكبير" (12/ 425).

- في فرضية الحج

فأتاه رجل من الأنصار ورجل من ثقيف فسلما ثم قالا: يا رسول الله جئنا نسألك فقال: إن شئتما أخبرتكما بما جئتما تسألاني عنه فعلت وإن شئتما أن أمسك فعلت؟ فقالا: أخبرنا يا رسول الله، فقال الثقفي للأنصاري: سل، فقال أخبرني يا رسول الله، فقال: "جئتني تسألني عن مخرجك من بيتك تؤم البيت الحرام ومالك فيه، وعن ركعتيك بعد الطواف ومالك فيهما، وعن طوافك بين الصفا والمروة ومالك فيه، وعن وقوفك عشية عرفة ومالك فيه، وعن رميك الجمار ومالك فيه، وعن حلقك رأسك ومالك فيه، وعن طوافك بالبيت بعد ذلك ومالك فيه مع الإفاضة، فقال: والذي بعثك بالحق لعن هذا جئت أسألك قال: فإنك إذا خرجت من بيتك تؤم البيت الحرام لا تضع ناقتك خفاً ولا ترفعه إلا كتب الله ل كبه حسنة ومحا عنك خطيئة، وأما ركعتاك بعد الطواف كعتق رقبة من بني إسماعيل، وأما طوافك بالصفا والمروة بعد ذلك كعتق سبعين رقبة، وأما وقوفك عشية عرفة فإن الله تبارك وتعالى يهبط إلى سماء الدنيا فيباهي بكم الملائكة يقول: عبادي جاؤوني شعثاً من كل فج عميق يرجون جنتي فلو كانت ذنوبكم كعدد الرمل أو كقطر المطر أو كزبد البحر لغفرتها، أفيضوا عبادي مغفوراً لكم ولمن شفعتم له، وأما رميك الجمار فلك بكل حصاة رميتها كبيرة من الموبقات، وأما نحرك فمدخور لك عند ربك، وأما حلاقك رأسك فلك بكل شعرة حلقتها حسنة وتمحى عنك بها خطيئة، وأما طوافك بالبيت بعد ذلك فإنك تطوف ولا ذنب لك يأتي ملك حتى يضع يديه بين كتفيك فيقول اعمل فيما يستقبل فقد غفر لك ما مضى". - في فرضية الحج: 4135 - * روى مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا أيها الناس، قد فرض عليكم الحج، فحجوا، فقال رجل: أفي كل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً، ثم قال: ذروني ما تركتكم، ولو قلت: نعم، لوجبت، ولما استطعتم، وإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم، واختلافهم

_ مجمع الزوائد (3/ 275) وقال الهيثمي: رواه البزار والطبراني في الكبير بنحوه، وقال البزار: قد روي هذا الحديث من وجوه ولا نعلم له أحسن من هذا الطريق. 4135 - مسلم (2/ 975) 15 - كتاب الحج، 73 - باب فرض الحج مرة في العمر. النسائي (5/ 110) 24 - كتاب مناسك الحج، 1 - باب وجوب الحج.

على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فائتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه". 4136 - * روى الترمذي عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال: لما نزلت {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (1) قالوا يا رسول الله، كل عام؟ فسكت، فقالوا: يا رسول الله، أفي كل عام؟ قال: لا، ولو قلت نعم لوجبت، فأنزل الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} (2). 4137 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما): "أن الأقرع بن حابس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: الحج في كل سنة أو مرة واحدة؟ قال: بل مرة واحدة، فمن زاد فتطوع". وفي رواية النسائي (3): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله كتب عليكم الحج، فقال الأقرع بن حابس التميمي: كل عام يا رسول الله؟ فقال: لو قلت: نعم لوجبت، ثم إذا لا تسمعون، ولا تطيعون، ولكنه حجة واحدة". 4138 - * روى أبو داود عن أبي وافذ الليثي (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأزواجه في حجة الوداع: "هذه، ثم ظهور الحصر". 4139 - * روى البخاري عن إبراهيم (رحمه الله) عن أبيه عن جده "أن عمر أذن لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حجة حجها: في الحج وبعث معهن عبد الرحمن بن عوف وعثمان ابن عفان".

_ 4136 - الترمذي (3/ 178) 7 - كتاب الحج، 5 - باب ما جاء: كم فرض الحج؟ وهو حسن بشواهده. (1) آل عمران: 97. (2) المائدة: 101. 4137 - أبو داود (2/ 139) كتاب المناسك "الحج"، 1 - باب فرض الحج. (3) النسائي (5/ 111) 24 - كتاب مناسك الحج، 1 - باب وجوب الحج. الحاكم (1/ 441) كتاب المناسك، باب الحج في كل سنة مرة واحدة، وصححه ووافقه الذهبي. 4138 - أبو داود (2/ 140) كتاب المناسك، 1 - باب فرض الحج. وإسناده صحيح، قال الحافظ في التهذيب: وكذا سماه البخاري في "تاريخه" وصحح إسناده في الفتح (4/ 62). (ظهور الحصر): كناية عن لزوم البيت وترك الخروج. 4139 - رواه البخاري تعليقاً، وقد وصله بعضهم.

- شروط وجوب الحج

4140 - * روى الطبراني في الكبير عن أبي أمامة قال: "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فقال: إن الله كتب عليكم الحج فقام رجل من الأعراب فقال: أفي كل عام فعلق كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وغضب ومكث طويلاً ثم مكث فقال: من هذا السائل: فقال الأعرابي: أنا يا رسول الله فقال: ويحك يؤمنك أن أقول نعم، والله لو قلت نعم لوجبت لو أني أحللت لكم جميع ما في الأرض من شيء وحرمت عليكم مثل خف بعير لوقعتم. فأنزل الله عز وجل عند ذلك {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} - الآية". - شروط وجوب الحج: 4141 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما يوجب الحج؟ قال: "الزاد والراحلة". 4142 - * روى الترمذي عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ملك راحلة، وزاداً يبلغه إلى بيت الله الحرام، ولم يحج فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً، وذلك أن الله تعالى يقول: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}.

_ قال الحميدي: هكذا أخرجه البخاري. قال: قال لي أحمد بن محمد: حدثنا إبراهيم عن أبيه عن جده. قال الحميدي: قال أبو بكر البرقاني: هو إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وفي هذا نظر. 4140 - مجمع الزوائد (3/ 204) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، وإسناده جيد. (فعلق): أي أخذ يردد سؤاله لرسول الله صلى الله عليه وسلم "أفي كل عام؟ ". 4141 - الترمذي (3/ 177) 7 - كتاب الحج، 4 - باب ما جاء في إيجاب الحج بالزاد والراحلة، وهو حسن بشواهده، وسنده صحيح إلى الحسن. (الراحلة): الجمل- والناقة- الشديد الخلق مما يركب ويحمل عليه. 4142 - الترمذي (3/ 176) 7 - كتاب الحج، 3 - باب ما جاء في التغليظ في ترك الحج. وللحديث طرق كلها ضعيفة: ذكر بعضها الحافظ في "التلخيص" ومنها مرسل ابن سابط ثم قال: وله طرق صحيحة. إلا أنها موقوفة: رواه سعيد بن منصور والبيهقي عن عمر بن الخطاب قال: "لقد هممت أن أبعث رجالاً إلى هذه الأمصار فينظروا كل من له جدة ولم يحج فيضربوا عليه الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين" لفظ سعيد. ولفظ البيهقي: أن عمر قال: "ليمت يهودياً أو نصرانياً- يقولها ثلاث مرات- رجل مات ولم يحج ووجد لذلك سعة وخليت سبيله" قلت: القائل ابن حجر-: وإذا انضم هذا الموقوف إلى مرسل ابن سابط علم أن لهذا الحديث أصلاً. ومحمله على من استحل الترك، وتبين بذلك خطأ من أدعى أنه موضوع. والله أعلم.

- مشروعية العمرة

4143 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أراد الحج، فليتعجل". 4144 - * روى الطبراني في الأوسط عن ابن عباس رفعه: "إيما صبي حج ثم بلغ فعليه حجة أخرى، وأيما أعرابي حج ثم هاجر فعليه حجة أخرى، وأيما عبد حج ثم عتق فعليه حجة أخرى". أقول: يندب للأعرابي إن هاجر أن يعيد حجه وكان ذلك أول الإسلام ولم يعد هذا الندب قائماً؛ لوصول أحكام الإسلام إلى البدوي والحضري. - مشروعية العمرة: 4145 - * روى الترمذي عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العمرة: واجبة هي؟ قال: "لا، وأن تعتمر هو أفضل". 4146 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: "العمرة واجبةط.

_ 4143 - أبو داود (2/ 141) كتاب المناسك، 6 - باب، وهو حسن بشواهده. 4144 - مجمع الزوائد (3/ 205) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح. وأورده في الفيض (3/ 149). 4145 - الترمذي (3/ 270) 7 - كتاب الحج، 88 - باب ما جاء في العمرة أواجبة هي أم لا؟ قال محقق الجامع: والحديث ضعيف، قال في الفتح: والصحيح عن جابر من قوله: كذلك رواه ابن جريج عن ابن المنكدر عن جابر. وقال في "الفتح" أيضاً: روى ابن الجهم المالكي بإسناد حسن عن جابر: "ليس مسلم إلا عليه عمرة". موقوف على جابر، والقول بوجوب العمرة، هو المشهور عن الشافعي وأحمد وغيرهما من أهل الأثر. والمشهور عن المالكية أن العمرة تطوع، وهو قول الحنفية. 4146 - الترمذي: نفس الموضع السابق ص (271). قال محقق الجامع: وقال البخاري تعليقاً (3/ 5476) وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إنها لقرينتها في كتاب الله عز وجل {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}. قال الحافظ في "الفتح": هذا التعليق وصله الشافعي وسعيد بن منصور كلاهما عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار سمعت طاووساً يقول: سمعت ابن عباس يقول: "والله إنها لقرينتها في كتاب الله" {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}. وللحاكم من طريق عطاء عن ابن عباس: "الحج والعمرة فريضتان" وإسناده ضعيف، والضمير في قوله: لقرينتها: للفريضة. وكان أصل الكلام أن يقول: لقرينته، لأن المراد الحج. وقال البخاري تعليقاً: وقال ابن عمر رضي الله عنهما: "ليس أحد إلا وعليه حجة

أقول: كل نفل بدأ به الإنسان يجب عليه إتمامه عند الحنفية، فالحنفية فهموا أن العمرة مندوبة ولكن من بدأها فعليه أن يتمها وعلى ذلك حملوا قوله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله). (1)

_ وعمرة". قال الحافظ في "الفتح": وهذا التعليق وصله ابن خزيمة والدارقطني والحاكم من طريق ابن جريج، أخبرني نافع أن ابن عمر كان يقول: "ليس من خلق الله أحد إلا عليه حجة وعمرة واجبتان، من استطاع سبيلاً، فمن زاد شيئاً فهو خير وتطوع" وقال سعيد بن أبي عروبة في المناسك عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: "الحج والعمرة فريضتان".

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد - قد يجب الحج أكثر من مرة لعارض كنذر؛ لأن النذر من أسباب الوجوب في العبادات والقرب المقصودة وكذلك يجب في حالة القضاء عند إفساد التطوع. وقد يحرم الحج كالحج بمال حرام، وقد يكره كالحج بلا إذن لمن يجب استئذانه، كأحد أبويه المحتاج إلى خدمته، وكالدائن الغريم لمدين لا مال له يقضي به، وكالكفيل لصالح الدائن. - لا يجب الحج على الصغير؛ لأنه غير مطالب بالأحكام الشرعية، ولو حج ثم بلغ؛ فعليه حجة الإسلام وما فعله قبل البلوغ يكون تطوعاً. - لو حج المجنون والصبي الذي لا يعقل (غير المميز)؛ لم يصح أداؤه منه؛ لأن أداءه يتوقف على العقل، ولا يجوز للصبي المميز أن يحرم إلا بإذن وليه وهو الأب أو الجد عند عدم الأب. - ليس للزوجة الإحرام نفلاً (تطوعاً) إلا بإذن الزوج، لتفويت حقه، وللزوج إن أحرمت زوجته بغير إذنه تحليلها منه، لأن حقه لازم، فملك إخراجها من الإحرام كالاعتكاف وتكون كالمحصر، لأنها في معناه. - ليس للوالدين منع ولدهما من حج الفرض والنذر ولا تحليله منه، ولا يجوز للولد طاعتهما فيه، أي في ترك الحج الواجب أو التحليل لأنه فرض عين فلم يعتبر إذن الأبوين فيها كالصلاة. - أمن المرأة هو بالإضافة إلى أمن الطريق: أن يكون معها محرم بالغ عاقل أو مراهق مأمون غير فاسق والقرابة المطلوبة أن تكون قرابة برحم أو صهرية أو زوج، ويكره تحريماً أن تحج المرأة بغير المحرم أو الزوج إذا كان بينها وبين مكة مدة سفر: فلو حجت بلا محرم إذا كان المكان قريباً من مكة جاز بلا كراهة، والأصح أنه لا يجب عليها التزوج عند فقد المحرم. ولا تسافر المرأة مع أخيها رضاعاً في زماننا؛ لغلبة الفساد، لكراهة الخلوة بها كحماه الشابة.

- وضابط المحرم عند العلماء: من حرم عليه نكاحها على التأبيد بنسب أو رضاع أو مصاهرة فخرج بالتأبيد: زوج الأخت وزوج العمة وخرجت أم الموطؤة بشبهة، وبنتها، وخرجت الزوجة الملاعنة. - لو تكلف واحد ممن له عذر فحج عن نفسه أجزأه عن حجة الإسلام إذا كان عند الحنفية بالغاً عاقلاً حراً، لأنه من أهل الفرض فإذا تحمل الحرج وقع الحج موقعه. - للأبوين وإن علا أحدهما منع الولد من الإحرام بتطوع حج أو عمرة، وليس لهما المنع من الفرض، وليس للزوج عند الجمهور منع الزوجة من حج الفرض، لأنه واجب على الفور، ولو أحرمت بالفرض لم يكن له تحليلها إلا أن يضر ذلك به، وقال الشافعية: للزوج منع زوجته من الحج الفرض والمسنون؛ لأن حقه على الفور والنسك على التراخي. - للسيد منع عبده من الحج الفرض أو المسنون ويتحلل إذا منعه كالمحصر وليس له منعه من الإتمام إذا أحرم بإذنه. - للمستحق الدائن منع الموسر من السفر وليس له التحليل، وليس للمدين أن يتحلل بل يؤدي الدين. فإن كان الدين مؤجلاً لم يمنعه الدائن من السفر.

الباب الثالث في أشهر الحج وفي عشر ذي الحجة وفي يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق

الباب الثالث في أشهر الحج وفي عشر ذي الحجة وفي يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق

- الأشهر الحرم

- الأشهر الحرم: 4147 - * روى البخاري تعليقاً عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) قال: "أشهر الحج: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة". أقول: وأشهر الحج عند المالكية هي: الأشهر الثلاثة كلها: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة. أما عند الجمهور: فأشهر الحج هي: شوال، وذو القعدة، والعشر الأوائل من ذي الحجة. ويبتدئ وقت الإحرام من أول شوال في أول ليلة عيد الفطر ويمتد لفجر يوم النحر، فإن قدم الإحرام بالحج على هذه الأشهر جاز إحرامه وانعقد حجاً عند الحنفية والحنابلة والمالكية، لكن لا يجوز له شيء من أفعال الحج إلا في أشهره. أما الشافعية: فقد رأوا أنه إن أحرم شخص بالحج في غير أشهره؛ انعقد إحرامه بالعمرة. - متى يحرم الحاج: 4148 - * روى البخاري تعليقاً عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: "من السنة أن لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج".

_ 4147 - البخاري (3/ 419) 25 - كتاب الحج، 33 - باب قول الله تعالى [البقرة: 197] {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}. وقال محقق الجامع: وقد وصله ابن جرير الطبري في تفسيره رقم (3533) قال: حدثنا أحمد بن حازم. قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا ورقاء، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} قال: "شوال، وذو القعدة، وذو الحجة". وإسناده صحيح. كما قال الحافظ بن كثير في التفسير. ورواه الحاكم في المستدرك (2/ 276) في التفسير، وصححه ووافقه الذهبي. قال ابن كثير: وهو مروي عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وعبد الله بن الزبير، وابن عباس، وعطاء، وطاوس، ومجاهد، وإبراهيم النخعي، والشعبي والحسن، وابن سيرين، ومكحول، وقتادة، والضحاك بن مزاحم والربيع بن أنس، ومقاتل بن حيان، وهو مذهب الشافعي، وأبي حنيفة، وأحمد بن حنبل، وأبي يوسف، وأبي داود، رحمهم الله تعالى، وأختار هذا القول ابن جرير قال: وصح إطلاق الجمع على شهرين وبعض الثالث للتغليب كما تقول العرب: رأيته العام، ورأيت اليوم، وإنما وقع ذلك في بعض العام واليوم. 4148 - البخاري: نفس الموضع السابق. قال محقق الجامع: قال الحافظ في "الفتح": وصله ابن خزيمة والحاكم والدارقطني من طريق الحاكم عن مقسم عنه قال: لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج، فإن من سنة الحج أن يحرم بالحج في أشهر الحج، ورواه ابن جرير من وجه آخر عن ابن عباس قال: "لا يصلح أن يحرم أحد بالحج إلا في أشهر الحج".

- متى يهل الحاج

- متى يهل الحاج: 4149 - * روى مالك في الموطأ عن هشام بن عروة بن الزبير (رضي الله عنهم) "أن عبد الله بن الزبير: أقام بمكة تسع سنين يهل بالحج لهلال ذي الحجة، وعروة معه يفعل ذلك". أقول: الإهلال بالحج أو بالعمرة والدخول الكامل بهما هو: أن يغتسل مريد الحج أو العمرة، ثم يصلي ركعتين لله تعالى سنة الدخول في الإحرام، ثم يقول بعد الصلاة: اللهم إني أريد الحج إن كان مريداً للحج، وإن كان مريداً للعمرة يقول: اللهم إني أريد العمرة فيسره لي وتقبله مني أو فيسرها لي وتقبلها مني، وإذا أراد القران بينهما قال: اللهم إني أريد الحج والعمرة فيسرهما لي وتقبلهما مني، ثم يقول: لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبيك. والركن من هذه الأفعال هو مجرد نية الإحرام مع أي ذكر لله تعالى. وأما التجرد عن المخيط ولبس لباس الإحرام فهو واجب، وأما الصلاة ولفظ التلبية فهما سنتان. 4150 - * روى البخاري تعليقاً عن عطاء بن أبي رباح (رحمه الله) "سئل عن المجاور: متى يلبي بالحج؟ فقال: كان ابن عمر إذا أتى متمتعاً يلبي بالحج يوم التروية، إذا صلى الظهر واستوى على راحلته".

_ 4149 - الموطأ (1/ 339) 20 - كتاب الحج، 14 - باب إهلال أهل مكة ومن بها من غيرهم، وإسناده صحيح. (يهل): الإهلال: رفع الصوت بالتلبية، والمراد به في أحاديث الحج جميعها: أنه وقت ما يعقد النية بالحج أو العمرة، فإنه حينئذ يرفع صوته ملبياً يقول: "لبيك اللهم لبيك". 4150 - البخاري (3/ 506) 25 - كتاب الحج، 82 - باب الإهلال من البطحاء وغيرها ... إلخ. قال الحافظ في "الفتح": وصله سعيد من طريقه بلفظ: رأيت ابن عمر في المسجد، فقيل له: قد رئي الهلال، فذكر نصه فيها، فأمسك حتى كان يوم التروية، فأتى البطحاء، فلما استوت به راحلته أحرم، وروى مالك في الموطأ: أن ابن عمر أهل لهلال ذي الحجة وذلك أنه كان يرى التوسعة في ذلك. ا. هـ. وهو في الموطأ (1/ 340) في الحج، باب إهلال أهل مكة ومن بها من غيرهم. (يلبي): التلبية: أن يقول: "لبيك اللهم لبيك" وما ورد به الشرع من ألفاظ التلبية. (يوم التروية): هو اليوم الثامن من ذي الحجة، قال الجوهري: سمي يوم التروية، لأنهم كانوا يرتوون فيه من الماء لما بعده.

- فضل العشر الأوائل من ذي الحجة

- فضل العشر الأوائل من ذي الحجة: 4151 - * روى البخاري عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر" فقالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، ولم يرجع من ذلك بشيء". 4152 - * روى أحمد عن أبي عبد الله مولى عبد الله بن عمرو قال: حدثنا عبد الله بن عمرو ونحن نطوف بالبيت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام العمل أحب إلى الله فيهن من هذه الأيام، قيل: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا من خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع حتى تهراق مهجة دمه"، قال عنده: هي أيام العشر، وفي رواية (1): كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكر فقال: ما من أيام العمل فيهن أحب إلى الله من هذه العشر فذكر نحوه. أقول: المراد بالعشر: العشر الأوائل من ذي الحجة. 4153 - * روى البزار عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل أيام الدنيا أيام العشر- يعني عشر ذي الحجة- قيل ولا مثلهن في سبيل الله قال: ولا مثلهن في سبيل الله إلا من عفر وجهه في التراب، وذكر يوم عرفة فقال: يوم مباهاة، فذكر الحديث".

_ 4151 - البخاري (2/ 457) 13 - كتاب العيدين، 11 - باب فضل العمل في أيام التشريق. الترمذي (3/ 130) 6 - كتاب الصوم، 52 - باب ما جاء في العمل في أيام العشر. وأخرجه أبو داود الطيالسي (2631). 4152 - مسند أحمد (2/ 161، 167). (1) أحمد (2/ 223). مجمع الزوائد (4/ 16) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير، كل منهما بإسنادين، ورجال أحدهما ثقات. 4153 - كشف الأستار (2/ 28) كتاب الحج، باب في أيام العشر. مجمع الزوائد (3/ 253) وقال الهيثمي: رواه البزار، وإسناده حسن، ورجاله ثقات.

- فضل يوم عرفة

أقول: قوله عن يوم عرفة "يوم مباهاة": أي يباهي الله عز وجل بالواقفين بعرفة الملائكة؛ لأنه بذلك يظهر سر خلقه لآدم ذريته. 4154 - * روى الطبراني في الكبير عن عبد الله ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام الأعمال فيها أفضل من أيام العشر، قيل: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله". 4155 - * روى الطبراني في الكبير عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إلى الله العمل فيهن من أيام العشر فأكثروا فيهن من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير". - فضل يوم عرفة: 4156 - * روى مسلم عن عائشة (رضي الله عنها) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو يتجلى، ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟ ". 4157 - * روى مالك في الموطأ عن طلحة بن عبيد الله بن كريز (رحمه الله) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما رؤي الشيطان يوماً هو فيه أصغر، ولا أدحر ولا أحقر، ولا أغيظ منه في يوم عرفة، وما ذاك إلا لما يرى من تنزل الرحمة، وتجاوز الله عن الذنوب العظام، إلا ما أري يوم بدر، فإنه قد رأى

_ 4154 - الطبراني "الكبير" (10/ 246). مجمع الزوائد (4/ 16) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح. 4155 - الطبراني "الكبير" (11/ 83)). مجمع الزوائد (4/ 17) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح. 4156 - مسلم (2/ 983) 15 - كتاب الحج، 79 - باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة. النسائي (5/ 251) 24 - كتاب مناسك الحج، 194 - ما ذكر في يوم عرفة. (يباهي): المباهاة: المفاخرة، باهي يباهي مباهاة. 4157 - الموطأ (1/ 422) 20 - كتاب الحج، 81 - باب جامع الحج. قال الزرقاني في شرح الموطأ: وصله الحاكم. (الدحر): الطرد والإبعاد. (وزعت): القوم أزعهم، أي كففتهم، والوازع: الذي يتقدم الصف فيصلحه ويقدم ويؤخر، ووزعت الجيش: إذا حبست أولهم على آخرهم.

جبريل يزع الملائكة". 4158 - * روى مالك في الموطأ عن عمرو بن شعيب- وطلحة بن عبيد الله بن كريز- عن أبيه عن جده (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير". 4159 - * روى أحمد عن عبد الله بن عمرو قال: "كان أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير". 4160 - * روى ابن خزيمة عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء، فيقول لهم: انظروا إلى عبادي جاءوني شعثاً غبراً". 4161 - * روى أحمد عن عبد الله بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل يباهي ملائكته بأهل عرفة عشية عرفة فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً". أقول: الوقوف بعرفة ركن من أركان الحج، والركنية تتحقق بأن يقف الإنسان ولو لحظة، ولو مر مروراً أو كان مغمى عليه وهو ناو الحج في أي لحظة من زوال يوم التاسع إلى فجر يوم العاشر، والواجب أن يقف شيئاً من نهار وجزءاً من ليل مهما كان قليلاً،

_ 4158 - الموطأ (1/ 214، 215) 15 - كتاب القرآن، 8 - باب ما جاء في الدعاء، وقد أخرجه الموطأ عن طلحة إلى قوله: "لا شريك له". الترمذي (5/ 572) 49 - كتاب الدعوات، 123 - باب في دعاء يوم عرفة، وقد أخرجه الترمذي عن عمرو بن شعيب بتمامه، وهو حسن بشواهده. 4159 - مسند أحمد (2/ 210). مجمع الزوائد (3/ 252) وقال الهيثمي: رواه أحمد، ورجاله موثقون. 4160 - ابن خزيمة (4/ 263) كتاب المناسك، 714 - باب تباهي الله أهل السماء ... إلخ، وإسناده صحيح. 4161 - أحمد (2/ 224). الروض الداني (1/ 346). مجمع الزوائد (3/ 251) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الصغير والكبير، ورجال أحمد موثقون.

- فضل يوم النحر

والسنة أن يقف بعد الزوال وبعد أن يصلي الظهر والعصر جمع تقديم، ويستمع على خطبة أمير الحجاج، وأن يشتغل بالذكر والدعاء حتى تغرب الشمس، فإذا غربت اندفع مع الناس من عرفات إلى مزدلفة، ويسن له أن يقف على جبل الرحمة من عرفات أو يكون قريباً منه وأن يدعو عنده. - فضل يوم النحر: 4162 - * روى أبو داود عن عبد الله بن قرط (رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أعظم الأيام عند الله: يوم النحر، ثم يوم القر، قال ثور: هو اليوم الثاني ... الحديث". 4163 - * روى الطبراني عن ابن أبي أوفى (رضي الله عنه) كان يقول: "يوم النحر يوم الحج الأكبر، يهراق فيه الدم، ويوضع فيه الشعر، ويقضى فيه التفث وتحل فيه الحرم". أقول: أفعال يوم النحر هي: رمي جمرة العقبة، والذبح، والحلق، والطواف، وهذا الطواف الذي يتم فيه هو الذي يسمى طواف الإفاضة أو الزيارة وهو الطواف المفروض في الحج، ومن لم يطف ورمى وحلق أو رمى وذبح وحلق فقد تحلل التحلل الأصغر وحل له كل شيء إلا النساء فإذا طاف فقد حل له كل شيء حرم عليه بسبب الإحرام حتى النساء، وهو التحلل الأكبر. 4164 - * روى الترمذي عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن يوم الحج الأكبر؟ فقال: "يوم النحر".

_ 4162 - أبو داود (2/ 148، 149) كتاب المناسك، 19 - باب في الهدي إذا عطب قبل أن يبلغ، وإسناده حسن. 4163 - أخرجه مختصراً الطبري في تفسيره (14/ 117) من طرق عنه، وإسناده صحيح. ولفظه عن عبد الملك بن عمير: سئل عن قوله "يوم الحج الأكبر" قال: هو اليوم الذي يراق فيه الدم ويحلق فيه الشعر". 4164 - الترمذي (3/ 291) 7 - كتاب الحج، 110 - باب ما جاء في يوم الحج الأكبر، وروي موقوفاً على علي، والحديث حسن بشواهده. واختار ابن جرير أن يوم الحج الأكبر، هو يوم النحر، وهو قول مالك والشافعي والجمهور، وقال آخرون، منهم: عمر، وابن عباس، وطاوس: أنه يوم عرفة، والأول أرجح.

4165 - * روى أبو داود عن ابن عمر (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فيها، فقال: "أي يوم هذا؟ " فقالوا: يوم النحر، فقال: "هذا يوم الحج الأكبر". 4166 - * روى البخاري عن ابن شهاب: عن سعيد بن المسيب، أنه كان يقول: يوم النحر يوم الحجر الأكبر. قال ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة قال: بعثني أبو بكر الصديق في الحجة التي أمره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع في رهط يؤذنون الناس يوم النحر: "ألا لا يحج بعد اليوم مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان". قال ابن شهاب: وكان حميد يقول: يوم النحر يوم الحج الأكبر من أجل حديث أبي هريرة.

_ 4165 - أبو داود (2/ 195) كتاب المناسك "الحج"، باب يوم الحج الأكبر، وإسناده حسن وأخرجه البخاري تعليقاً. (الجمرات): هي المواضع التي ترمى بالحصا في منى. 4166 - البخاري (8/ 320) 65 - كتاب التفسير، 4 - باب {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وأيضاً في (3/ 483) 25 - كتاب الحج، 67 - باب لا يطوف بالبيت عريان ... إلخ. ابن خزيمة (4/ 209) كتاب المناسك، 612 - باب الأمر بالتزين عند إرادة الطواف ... إلخ.

الباب الرابع في المواقيت

الباب الرابع في المواقيت وفيه عرض إجمالي ونصوص

عرض إجمالي

عرض إجمالي جعل الله الكعبة قبلة المصلين وأحاطها بمسجد له أحكامه الخاصة، وأحاطها هي والمسجد بمنطقة، هذه المنطقة تسمى الحرم ولها أحكامها الخاصة بها ولها فضلها العظيم، وأحاط منطقة الحرم بمنطقة تسمى الحل وهي منطقة لها أحكامها، فلا يصح أن يتجاوز من أراد النسك حدود الحل إلا محرماً، وهناك اتجاه فقهي أنه لا يجوز لغير أهل منطقة الحل أن يتجاوزوا حدود الحل إلا محرمين بحج أو عمرة وهذه الحدود التي لا يصح أن يتجاوزها مريد النسك إلا محرماً وتسمى المواقيت، فالمواقيت جمع ميقات، وهو الوقت المضروب للفعل والموضع والمراد به: الوقت والمكان اللذان يحرم منهما الحاج وينشئ النية. ولأهل كل قطر ميقاتهم، ولا يجوز لمريد النسك بالإجماع أن يجاوز الميقات إلا محرماً بحج أو عمرة إلا وجب عليه دم أو العودة إليه فإن قدم الإحرام على الميقات جاز بالاتفاق. وأهل الآفاق هم الذين منازلهم خارج المواقيت التي وقتت لهم، ولمن مر عليها من غيرهم، وميقات من كان بمكة مكياً أو آفاقياً: الحرم، وميقات أهل الحل: دويرة أهلهم أو من حيث شاؤوا من الحل الذي بين دويرة أهلهم وبين الحرم. أما أهل الآفاق: فميقات أهل المدينة: ذو الحليفة وتعرف اليوم بآبار علي وتبعد عن المدينة 9 كم وعن مكة المكرمة 450 كم وميقات أهل الشام ومصر والمغرب: الجحفة وهي بعد قرية رابغ بقليل في طريق الذاهب إلى مكة عن طريق تبوك، وتبعد عن مكة 204 كم. وميقات أهل العراق وغيرهم من أهل المشرق: ذات عرق وهي موضع في الشمال الشرقي من مكة وتبعد عنها 54 كم. وميقات أهل اليمن: يلملم وهو جبل جنوبي مكة يبعد عنها 45 كم. وميقات أهل نجد والكويت: قرن المنازل، وتقع شرقي مكة وتبعد عنها 54 كم. ومن تجاوز الميقات دون إحرام وجب عليه الدم لكن إن عاد إليه قبل تلبسه بنسك سقط عنه الدم عند الصاحبين والشافعية والحنابلة. وقال أبو حنيفة: إن عاد إلى الميقات ولبى سقط عنه الدم وإن لم يلب لا يسقط. وبما أن أهل الشام الآن يمرون بميقات أهل المدينة وبالجحفة، فيخيرون بالإحرام منهما، لأن الواجب على من مر بميقاتين ألا يتجاوز أخرهما إلا محرماً، ومن الأول أفضل.

وإذا تجاوز الإنسان الميقات بنية الإقامة في مكان غير الحرم جاز له ذلك، ومن حاذى الميقات: كأن سلك طريقاً في بر أو بحر أو جو بين ميقاتين فإنه يجتهد حتى يكون إحرامه بحذو الميقات الذي هو إلى طريقه أقرب ويحرم من محاذاة أقرب الميقاتين إليه، وإن كان الآخر أبعد إلى مكة فإن استويا فيه إليه، أحرم من محاذاة أبعدهما من مكة. وإن لم يعرف حذو الميقات المقارب لطريقه، احتاط فأحرم من بعد بحيث يتيقن أنه لم يجاوز الميقات إلا محرماً، لأن الإحرام قبل الميقات جائز، وتأخيره عنه لا يجوز فالاحتياط فعل ما لا شك فيه. وإن لم يحاذ ميقاتاً مما سبق، أحرم على مرحلتين 89 كم من مكة، إذ لا ميقات أقل مسافة من هذا القدر. ويستحب عند الجمهور لكل داخل إلى مكة لا يتكرر دخوله الإحرام، ويكره الدخول بغير إحرام، فمن دخل مكة لحاجة لا تتكرر كالتجارة والزيارة وعيادة المريض فالأصح عند الشافعية أنه يستحب له الإحرام ولا يجب مطلقاً، وقال مالك وأحمد: يلزمه. وقال أبو حنيفة: إن كانت داره في الميقات أو أقرب إلى مكة جاز دخوله بلا إحرام وإلا فلا، وقال جمهور الفقهاء: الإحرام من الميقات أفضل من الإحرام من دويرة أهله لأنه الموافق للأحاديث الصحيحة ولفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فإنهم أحرموا من الميقات، ولا يفعلون إلا الأفضل، وأحرم النبي بحجة الوداع من الميقات بالإجماع، وكذا في عمرة الحديبية. [انظر: (فتح القدير 2/ 131 - 134) (الشرح الصغير 2/ 18 - 25) (المهذب 1/ 202 - 204) (المغني 3/ 257 فما بعد) (الفقه الإسلامي 3/ 68)].

النصوص

النصوص - المواقيت: 4167 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يهل أهل المدنية: من ذي الحليفة، ويهل أهل الشام: من الجحفة، ويهل أهل نجد: من قرن" قال ابن عمر: وذكر لي، ولم أسمع: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ويهل أهل اليمن: من يلملم". 4168 - * روى مسلم عن أبي الزبير (رحمه الله): "أن جابراً (رضي الله عنه) سئل عن المهل؟ فقال: سمعت- أحسبه رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم- قال: مهل أهل المدينة: من ذي الحليفة، والطريق الآخر: الجحفة، ومهل أهل العراق ذات عرق، ومهل أهل نجد: من قرن، ومهل أهل اليمن: من يلملم". 4169 - * روى أبو داود عن عائشة (رضي الله عنها) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق: ذات عرق". وفي رواية النسائي (1): "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة؛ ذو الحليفة، ولأهل الشام ومصر: الجحفة، ولأهل العراق: ذات عرق، ولأهل اليمن: يلملم. 4170 - * روى أبو داود عن الحارث عن عمرو السهمي (رحمه الله) قال: "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو بمنى- أو بعرفات- وقد أطاف به الناس، فتجيء الأعراب، فإذا رأوا وجهه قالوا: هذا وجه مبارك، قال: ووقت عرق لأهل العراق".

_ 4167 - البخاري (3/ 387) 25 ن- كتاب الحج، 8 - باب ميقات أهل المدينة ... إلخ. مسلم (2/ 840) 15 - كتاب الحج، 2 - باب مواقيت الحج والعمرة. (يلملم): وقد يقال: ميقات أهل اليمن وهو اسم مكان. 4168 - مسلم: (2/ 841) نفس الموضع السابق. (مهل): المهل: موضع الإهلال، يعني به: الميقات وموضع الإحرام. 4169 - أبو داود (2/ 143) كتاب المناسك، 9 - باب في المواقيت. (1) النسائي (5/ 123) 24 - كتاب مناسك الحج، 19 - ميقات أهل مصر، وهو حسن بشواهده. 4170 - أبو داود: (2/ 144) نفس الموضع السابق. (أطاف): به: إذا قاربه وألم به.

- مكان الإحرام لمن كان داخل المواقيت

- مكان الإحرام لمن كان داخل المواقيت: 4171 - * روى الجماعة إلا الموطأ والترمذي عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: "وقت رسول الله لأهل المدينة: ذا الحليفة، ولأهل الشام: الجحفة، ولأهل نجد: قرن المنازل، ولأهل اليمن: يلملم، قال: فهن لهن، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن، لمن كان يريد الحج والعمرة، فمن كان دونهن، فمهله من أهله، وكذلك، حتى أهل مكة يهلون منها". وفي رواية (1): "ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة". - جواز محاذاة الميقات لمن لا يمر به: 4172 - * روى البخاري عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) قال: "لما فتح هذان المصران، أتوا عمر، فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حد لأهل نجد قرناً، وهو جور عن طريقنا، وإنا إن أردنا أن نأتي قرناً شق علينا؟ قال: فانظروا حذوها من طريقكم، فحد لهم ذات عرق".

_ 4171 - البخاري (3/ 388) 25 - كتاب الحج، 10 - باب مهل أهل نجد. مسلم (2/ 838، 839) 15 - كتاب الحج، 2 - باب مواقيت الحج والعمرة. أبو داود (2/ 143) كتاب المناسك، 9 - باب في المواقيت. النسائي (5/ 124) 24 - كتاب مناسك الحج، 20 - باب ميقات أهل اليمن. (1) مسلم: (2/ 839) نفس الموضع السابق. (قرن المنازل): موضع بطريق مكة، وهو ميقات أهل نجد، والمشهور فيه: سكون الراء، وكذا جاء في شعر عمر بن أبي ربيعة، وبعض الفقهاء يفتحون راءه، وهو دائر بينهم كذلك، وأخبرت عن بعض أكابر أئمة الفقه أنه قال: يروى بالسكون والفتح. 4172 - البخاري (3/ 389) 25 - كتاب الحج، 13 - باب ذات عرق لأهل العراق. (المصران): المصر: المدينة، ويريد بالمصران: الكوفة والبصرة. (جور): الجور: الميل عن القصد. ظاهر الحديث أن عمر رضي الله عنه حد لهم ذات عرق، وقد تقدم أن التحديد بذات عرق ثبت في المرفوع، ويدل على ذلك حديث عائشة والحارث بن عمرو السهمي. (م).

- جواز الإحرام قبل الميقات

4173 - * روى مالك عن نافع (رحمه الله): "أن ابن عمر أهل من الفرع". 4174 - * روى مالك (رحمه الله): "بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل من الجعرانة بعمرة". - جواز الإحرام قبل الميقات: 4175 - * روى مالك (رحمه الله) عن الثقة عنده: "أن ابن عمر أهل بحجته من إيلياء". 4176 - * روى البخاري تعليقاً عن عثمان بن عفان (رضي الله عنه) "كره: أن يحرم الرجل من خراسان وكرمان". أقول: إنما كره الإحرام من أمكنة بعيدة لمخالفته للسنة، ولأن الإنسان يعرض نفسه للعسر وقد يعرض إحرامه للخطر.

_ 4173 - الموطأ (1/ 331) 20 - كتاب الحج، 8 - باب مواقيت الإهلال، وإسناده صحيح. (الفرع): بضم الفاء والراء، وبإسكان الراء- موضع بناحية المدينة. قال الزرقاني: قال ابن عبد البر: محمله عند العلماء أنه مر بميقات لا يريد إحراماً، ثم بدا له فأهل منه، أو جاء إلى الفرع من مكة أو غيرها ثم بدا له في الإحرام، كما قاله الشافعي وغيره وقد روى حديث المواقيت، ومحال أن يتعداه مع علمه به فيوجب على نفسه دماً، هذا لا يظنه عالم. (م). 4174 - الموطأ: نفس الموضع السابق، وإسناده منقطع. ورواه موصولاً بأطول من هذا أبو داود، والترمذي، والنسائي، وفي إسناده مزاحم بن أبي مزاحم المكي، لم يوثقه غير ابن حبان وباقي رجاله ثقات، وقال الترمذي: حديث حسن غريب، ولا نعرف لمحرش الكعي عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث. 4175 - الموطأ (1/ 331) 20 - كتاب الحج، 8 - باب مواقيت الإهلال، وإسناده صحيح إن كان الثقة هو نافعاً. (إيلياء): اسم مدينة في فلسطين وتطلق على القدس نفسها. وقد تخفف الياء الثانية وتمد الكلمة، وقد تشدد الياء الثانية وتقصر الألف. 4176 - أخرجه البخاري تعليقاً. قال الحافظ في "الفتح": وصله سعيد بن منصور: حدثنا هشيم، حدثنا يونس بن عبيد، أخبرنا الحسن هو البصري، أن عبد الله ابن عامر أحرم من خراسان، فلما قدم على عثمان رضي الله عنه، لامه فيما صنع وكرهه. وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن أيوب، عن ابن سيرين قال: أحرم عبد الله بن عامر من خراسان، فقدم على عثمان فلامه، وقال: غزوت وهان عليك نسكك؟!. وروى أحمد بن سيار في تاريخ مرو من طريق داود ابن أبي هند قال: لما فتح عبد الله بن عامر خراسان قال: لأجعلن شكري لله أن أخرج من موضعي هذا محرماً. فأحرم من نيسابور، فلما قدم على عثمان رضي الله عنه لامه على ما صنع. قال الحافظ: وهذه أسانيد يقوي بعضها بعضاً.

الباب الخامس في أحكام الإفراد والقران والتمتع وفسخ الحج والعمرة

الباب الخامس في أحكام الإفراد والقران والتمتع وفسخ الحج والعمرة وفيه عرض إجمالي ونصوص

عرض إجمالي

عرض إجمالي إن تعظيم البيت علامة على التقوى، قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} (1). وأعظم مظاهر التعظيم للبيت التوجه بالصلاة إليه والحج والعمرة والطواف المطلق به، وسكان الحرم قادرون على العمرة في كل حين، وأما غير سكان الحرم ففرصتهم لإقامة العمرة غير ميسرة دائماً، وقد لا تتاح لهم العمرة إلا حين أدائهم الحج. ومن رحمة الله تعالى أن وسع على الناس فجعل، بإمكان الإنسان أن يعتمر وأن يحج بإحرام واحد، فيكون بذلك قارناً، قد قرن العمرة مع الحج كما أجاز للإنسان أن يعتمر أولاً ثم يحل من عمرته ثم يحرم بالحج ويسمى بذلك متمتعاً، كما أجاز له أن يفرد الحج بالإحرام، وفي ذل توسعة على الناس فالمفرد لا يجب عليه ما يجب على القارن والمتمتع من دم أو صيام، والمتمتع يحل له بعد انقضاء العمرة كل ما حرم بسبب الإحرام من تطيب وإتيان نساء، فالشارع راعى حال الناس بإجازته كلاً من الإفراد أو التمتع أو القران، وقد اختلف الفقهاء أي هذه الثلاثة أفضل، مع إجماعهم على جواز الثلاثة، فالحنفية قالوا: القران أفضل؛ لأنه أشق وهو مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، والحنابلة قالوا: التمتع أفضل؛ لأنه سنة، وقال آخرون: إن الإفراد أفضل؛ لأنه تعظيم للحج. وعلى من تمتع أو قرن- إن كان مستطيعاً- دم. وهذا الدم: دم شكر فيأكل منه صاحبه عند الحنفية، ولا يأكل منه عند الشافعية، وإن لم يدخل القارن مكة، وتوجه إلى عرفات، فقد صار عندا لحنفية رافضاً لعمرته بالوقوف وسقط عنه دم القران وعليه دم لرفض عمرته وهو دم جبر لا يجوز أكله منه ووجب عليه قضاؤها، لأنه بشروعه فيها أوجبها على نفسه، ولم يوجد منه الأداء، فلزمه القضاء. وإن لم يجد القارن أو المتمتع الهدي، يجب عليه صيام ثلاثة أيام في الحج، آخرها يوم عرفة ثم يصوم سبعة أيام إذا رجع إلى أهله، وإن صامها بمكة بعد فراغه من الحج جاز. وتعتبر القدرة على الهدي في موضعه في مكة، فمتى عدمه في موضعه، جاز له الانتقال إلى الصيام، وإن كان قادراً عليه في بلده، لأن وجوبه مؤقت، وما كان وجوبه مؤقتاً

_ (1) سورة الحج: (32).

اعتبرت القدرة عليه في موضعه، كالماء في الطهارة إذا عدمه في مكانه انتقل إلى التراب. ولا يجب التتابع في أيام الصوم، وإنما يندب. - إذا لم يصم المتمتع أو القارن الأيام الثلاثة في الحج، فإنه يصومها بعد ذلك باتفاق أئمة المذاهب. ومن شرع في الصيام ثم قدر على الهدي لم يكن عليه عند الجمهور الخروج من الصوم إلى الهدي إلا إذا شاء، لأنه صوم دخل فيه لعدم الهدي. والمرأة إذا أحرمت متمتعة، فحاضت قبل طواف العمرة، لم يكن لها أن تطوف بالبيت؛ لأن الطواف بالبيت صلاة، ولأنها ممنوعة من دخول المسجد، فإن خشيت فوات الحج، أحرمت بالحج مع عمرتها، وتسير قارنة. ونتيجة للخلاف بين الحنفية والشافعية في دم القران والتمتع هل هو دم شكر أو جزاء؟ فإن الحنفية لا يجيزون ذبحه إلا يوم النحر، والشافعية يجيزون قبل ذلك. والحنفية يجيزون أن يطعم فيه الناس جميعاً، وقد لفق الناس بين هذه الأقوال فصار الناس يذبحون قبل يوم النحر ويأكلون، وكثير من العلماء لا يرى بأساً بذلك، فالتلفيق بين أقوال العلماء في الحج غلب على العامة والخاصة إلا القليل.

النصوص

النصوص - الإفراد بالحج: 4177 - * روى الشيخان عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر (رضي الله عنهما) "أن رجلاً من أهل العراق قال له: سل لي عروة بن الزبير عن رجل يهل بالحج فإذا طاف بالبيت: أيحل، أم لا؟ فإن قال لك: لا يحل، فقل له: إن رجلاً كان يقول ذلك، قال: بئسما قال، قال: فتصداني الرجل. فسألني؟ فحدثته، قال: فقل له: إن رجلاً كان يخبر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فعل ذلك، وما شأن أسماء والزبير فعلا ذلك؟ فذكرت له ذلك، فقال: من هذا؟ فقلت: لا أدري، فقال: فما باله لا يأتيني بنفسه يسألني، أظنه: عراقياً؟ قلت: لا أدري، قال: فإنه قد كذب، قد حج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرتني عائشة: أن أول شيء بدأ به حين قدم مكة: أنه توضأ، ثم طاف بالبيت، ثم حج أبو بكر، فكان أول شيء بدأ به: الطواف، ثم لم تكن عمرة، ثم معاوية وعبد الله بن عمر، ثم حججت مع ابن الزبير بن العوام، فكان أول شيء بدأ به: الطواف بالبيت، ثم لم تكن عمرة، ثم رأيت المهاجرين والأنصار يفعلون ذلك، ثم لم تكن عمرة، ثم آخر ما رأيت فعل ذلك: ابن عمر، ثم لم ينقضها بعمرة، وهذا ابن عمر عندهم، أفلا يسألونه؟ ولا أحد ممن مضى، ما كانوا يبدؤون بشيء حين يضعون أقدامهم أول من الطواف بالبيت، ثم لا يحلون، قد رأيت أمي وخالتي حين تقدمان لا تبدآن بشيء أول من الطواف بالبيت، يطوفان به، ثم لا تحلان، وقد أخبرتني أمي: أنها أقبلت هي وأختها، والزبير، وفلان، وفلان، بعمرة قط، فلما مسحوا الركن حلوا وقد كذب فيما ذكر من ذلك". وفي رواية (1): نحوه مختصراً، وفيه ذكر عمر وعثمان، مثل أبي بكر ولم يذكر في

_ 4177 - البخاري (3/ 477) 25 - كتاب الحج، 63 - باب من طاف بالبيت إذا قدم مكة ... إلخ. مسلم (2/ 906) 15 - كتاب الحج، 29 - باب ما يلزم من طاف بالبيت ... إلخ. (1) البخاري (3/ 496) 25 - كتاب الحج، 78 - باب الطواف على وضوء.

أولها: حديث العراقي. والمراد من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قد طاف بالبيت ولم يكن طواف عمرة بل طواف قدوم الحاج. (1) قال النووي في شرح مسلم: "فتصداني الرجل" أي: تعرض لي، هو في جميع النسخ "تصداني" بالنون، والأشهر في اللغة: تصدى لي. (2) في نسخ مسلم المطبوعة: "ثم لم يكن غيره". قال النووي في شرح مسلم: هكذا هو في جميع النسخ "غيره" بالغين المعجمة والياء. قال القاضي عياض: كذا هو في جميع النسخ، قال: وهو تصحيف، وجوابه: "ثم لم تكن عمرة" بضم العين المهملة وبالميم، وكأن السائل لعروة إنما سأله عن فسخ الحج إلى العمرة، على مذهب من رآه، واحتج بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لهم بذلك في حجة الوداع، فأعلمه عروة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك بنفسه، ولا من جاء بعده، هذا كلام القاضي. (3) قال النووي في شرح مسلم: فيه: أن المحرم بالحج إذا قدم إلى مكة ينبغي له أن يبدأ بطواف القدوم، ولا يفعل شيئاً قبله، ولا يصلي تحية المسجد، وهذا كله متفق عليه عندنا. وقوله: "يضعون أقدامهم" يعني: يصلون مكة، وقوله: "ثم لا يحلون" فيه التصريح بأنه لا يجوز التحلل بمجرد طواف القدوم كما سبق. (4) قال النووي في شرح مسلم: قوله: "فلما مسحوا الركن حلوا" هذا متأول عن ظاهره، لأن الركن: هو الحجر الأسود، ومسحه يكون في أول الطواف، ولا يحصل التحلل بمجرد مسحه بإجماع المسلمين. فلما مسحوا الركن، وأتموا طوافهم، وسعيهم، وحلقوا، أو قصروا: حلوا، ولابد من تقدير هذا المحذوف، وإنما حذفته للعلم به. وقد أجمعوا على أنه لا يتحلل قبل إتمام الطواف (طواف الإفاضة). ثم قال النووي: والمراد بالماسحين: من سوى عائشة، وإلا فعائشة لم تمسح الركن قبل الوقوف بعرفات في حجة الوداع، بل كانت قارنة، ومنعها المحيض من الطواف قبل يوم النحر، وهكذا قول أسماء بعد هذا: "اعتمرت أنا وأختي عائشة والزبير، وفلان وفلان، فلما مسحنا البيت، أحللنا، ثم أهللنا بالحج" والمراد به أيضاً: من سوى عائشة، وهكذا

تأوله القاضي عياض، والمراد: الإخبار عن حجهم مع النبي صلى الله عليه وسلم: حجة الوداع. على الصفة التي ذكرت في أول الحديث، وكان المذكورون سوى عائشة محرمين بالعمرة، وهي عمرة الفسخ، التي فسخوا إليها، وإنما لم تستثن عائشة، لشهرة قصتها. قال القاضي عياض: وقيل: يحتمل أن أسماء أشارت إلى عمرة عائشة التي فعلتها بعد الحج، مع أخيها عبد الرحمن من التنعيم. اهـ (م). 4178 - * روى مالك في الموطأ عن عائشة (رضي الله عنها) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج". وفي أخرى للنسائي (1): "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أهل بالحج". 4179 - * روى مسلم عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) قال: "أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج مفرداً". وفي رواية (2): "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أهل بالحج مفرداً". 4180 - * روى مالك في الموطأ عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "افصلوا بين حجكم وعمرتكم، فإن ذلك أتم لحج

_ 4178 - الموطأ (1/ 335) 20 - كتاب الحج، 11 - باب إفراد الحج. مسلم (2/ 875) 15 - كتاب الحج، 17 - باب بيان وجوه الإحرام ... إلخ. أبو داود (2/ 152) كتاب المناسك "الحج" 23 - باب في إفراد الحج. الترمذي (3/ 183) 7 - كتاب الحج، 10 - باب ما جاء في إفراد الحج. النسائي (5/ 145) 24 - كتاب مناسك الحج، 48 - إفراد الحج. (1) النسائي: نفس الموضع السابق. (الإفراد): هو أن ينوي الحج مفرداً عن العمرة فيقول: لبيك بحج مفرد. 4179 - مسلم (2/ 904، 905) 15 - كتاب الحج، 27 - باب في الإفراد والقران بالحج والعمرة. (2) مسلم: الموضع السابق ص (905). الترمذي (3/ 183) 7 - كتاب الحج، 10 - باب ما جاء في إفراد الحج. ولفظه في الترمذي عقب حديث عائشة الذي قبله: وروي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد الحج، وأفرد أبو بكر، وعمر، وعثمان، حدثنا بذلك قتيبة، حدثنا عبد الله بن نافع الصائغ عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر بهذا، وعبد الله بن نافع الصائغ، ثقة صحيح الكتاب، وفي حفظه لين، ولكن تابعه عند مسلم عباد بن عباد المهلي. وأخرجه أحمد في المسند، وإسناده صحيح. 4180 - الموطأ (1/ 347) 20 - كتاب الحج، 21 ن- باب جامع ما جاء في العمرة.

- في القران

أحدكم، وأتم لعمرته: أن يعتمر في غير أشهر الحج". 4181 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري (رضي الله عنهما) قالا: "قدمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن نصرخ بالحج صراخاً". 4182 - * روى ابن خزيمة عن أبي سعيد، قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا طفنا بالبيت، قال: "اجعلوها عمرة إلا من كان معه هدي". قال: فجعلناها عمرة، فلما كان يوم التروية صرخنا بالحج وانطلقنا إلى منى". - في القران: 4183 - * روى الترمذي عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قرن الحج والعمرة، فطاف لهما طوافاً واحداً". قال محقق الجامع: واستدل بالحديث من قال بكفاية الطواف الواحد المقارن. وإليه ذهب الجمهور. قال الترمذي: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم قالوا: القارن يطوف طوافاً واحداً، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق. وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: يطوف طوافين ويسعى سعيين، وهو قول الثوري وأهل الكوفة. قال النووي: ويحكى عن علي بن أبي طالب وابن مسعود والشعبي والنخعي. وقال الحافظ في "الفتح" 3/ 395 واحتج الحنفية بما روي عن علي أنه جمع بين الحج والعمرة، فطاف لهما طوافين وسعى لهما سعيين، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل، وطرقه عن علي عند عبد الرزاق والدارقطني وغيرهما ضعيفة. وكذا أخرج من حديث ابن مسعود بإسناد ضعيف نحوه، وأخرج من حديث ابن عمر نحو ذلك، وفيه الحسن بن عمارة، وهو متروك، والمخرج في الصحيحين وفي السنن عنه من طرق كثيرة الاكتفاء بطواف واحد. وقال البيهقي: إن ثبتت الرواية أنه طاف طوافين فيحمل على طواف القدوم وطواف الإفاضة. قال النووي: وهو قول الجمهور.

_ 4181 - مسلم (2/ 914) 15 - كتاب الحج، 33 - باب التقصير في العمرة. 4182 - ابن خزيمة (4/ 246) كتاب المناسك، 680 - باب إهلال المتمتع بالحج يوم التروية من مكة، وإسناده صحيح. 4183 - الترمذي (3/ 283) 7 - كتاب الحج، 102 - باب ما جاء أن القارن يطوف طوافاً واحداً. النسائي (5/ 226) 24 - كتاب مناسك الحج، 144 - باب طواف القارن، وإسناده حسن.

4184 - * روى أبو داود عن البراء بن عازب (رضي الله عنهما) قال: "كنت مع علي، حين أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليمن، فأصبت معه أواقي، فلما قدم عليٌّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد فاطمة قد نضحت البيت بنضوح، فغضب، فقالت: مالك؟ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أصحابه فأحلوا، قال: قلت لها: إني أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: كيف صنعت؟ قلت: أهللت بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم قال: فإني سقت الهدي وقرنت، قال: وقال لي: انحر من البدن سبعاً وستين، أو ستاً وستين، وأمسك لنفسك ثلاثاً وثلاثين، أو أربعاً وثلاثين، وأمسك من كل بدنة منها بضعة". ورواية النسائي (1) قال: "كنت مع علي بن أبي طالب، حين أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليمن، فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم، قال علي: فأتيت رسول الله، فقال لي رسول الله كيف صنعت؟ قلت: إني أهللت بإهلالك، قال: فإني سقت الهدي وقرنت، قال: وقال لأصحابه: لو استقبلت كما استدبرت: لفعلت كما فعلتم، ولكن سقت الهدي وقرنت". وفي أخرى (2) له: بنحوه، وفيها ذكر النضوح، مثل رواية أبي داود. 4185 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال بكر بن عبد الله المزني: قال أنس: "سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يلبي بالحج والعمرة جميعاً، قال بكر: فحدثت بذلك

_ 4184 - أبو داود (2/ 158) كتاب المناسك، 24 - باب في الإقران. (1) النسائي (5/ 149) 24 - كتاب مناسك الحج، 49 - باب القران. (2) النسائي (5/ 157، 158) 24 - كتاب مناسك الحج، 52 - باب الحج بغير نية يقصده المحرم وهو حسن لغيره، لأن له شاهداً. (بنضوح): النضوح: ضرب من الطيب. ويقال: نضحت البيت بالماء: إذا رششته. (القران): في الحج: هو أن يجمع بين الحج والعمرة بنية واحدة، فيقول: لبيك بحجة وعمرة، والشافعي يفضل الإفراد، وأبو حنيفة يفضل القران، والحنابلة يفضلون التمتع. قال ابن الأثير (التمتع): بالحج له شرائط معروفة في الفقه، والمراد به: أن يكون قد أحرم في أشهر الحج بعمرة، فإذا وصل إلى البيت وأراد أن يحل ويستعمل ما حرم عليه من محظورات الحج، كالنكاح والطيب وغيرهما، فسبيله: أن يطوف ويسعى ويحل ويستعمل ما حرم عليه إلى يوم الحج، ثم يحرم بالحج إحراماً جديداً، ويقف بعرفة ويطوف ويسعى ويحل بعد ذلك من الحج فيكون قد تمتع بالعمرة في زمن الحج. 4185 - البخاري (3/ 554) 25 - كتاب الحج، 119 - باب نحر البدن قائمة. مسلم (2/ 905) 15 - كتاب الحج، 27 - باب في الإفراد والقران بالحج والعمرة.

ابن عمر، فقال: لبى بالحج وحده، فلقيت أنساً فحدثته، فقال أنس: ما تعدونا إلا صبياناً، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لبيك عمرة وحجاً". ولمسلم (1) أيضاً قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بهما: لبيك عمرة وحجاً". وفي رواية (2): "لبيك بعمرة وحج". وأخرج أبو داود والنسائي (3): رواية مسلم المفردة. وفي رواية الترمذي (4) قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لبيك بحجة وعمرة". قال النووي: قوله "لبيك عمرة وحجاً" يحتج به من يقول بالقران والصحيح المختار في حجة النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان في أول إحرامه مفرداً: ثم أدخل العمرة على الحج، فصار قارناً. وجمعنا بين الأحاديث أحسن جمع. فحديث ابن عمر هنا: محمول على أول إحرامه عليه الصلاة والسلام، وحديث أنس: محمول على أواخره وأثنائه، وكأنه لم يسمعه أولاً. ولابد من هذا التأويل أو نحوه، لتكون رواية أنس موافقة لرواية الأكثرين، والله أعلم. 4186 - * روى النسائي عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجنا معه فلما بلغ ذا الحليفة صلى الظهر، ثم ركب راحلته، فلما استوت به على البيداء أهل بالحج والعمرة جميعاً، فأهللنا معه، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وطفنا أمر الناس: أن يحلوا، فهاب القوم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا أن معي الهدي لأحللت، فحل القوم، حتى حلوا إلى النساء، ولم يحل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقصر إلى يوم النحر". وفي رواية أبي داود (5) قال: "بات رسول الله صلى الله عليه وسلم بها- يعني بذي الحليفة- حتى

_ (1) مسلم (2/ 915) 15 - كتاب الحج، 34 - باب إهلال النبي صلى الله عليه وسلم وهديه. (2) مسلم: الموضع السابق. (3) أبو داود (2/ 157) كتاب المناسك، 24 - باب في الإقران. النسائي (5/ 150) 24 - كتاب مناسك الحج، 49 - باب القران. (4) الترمذي (3/ 184) 7 - كتاب الحج، 11 - باب ما جاء في الجمع بين الحج والعمرة. 4186 - النسائي (5/ 225) 24 - كتاب مناسك الحج، 143 - كيف يفعل من أهل بالحج والعمرة ولم يسق الهدي. (5) أبو داود (2/ 157، 158) كتاب المناسك، 24 - باب في الإقران.

أصبح، ثم ركب، حتى إذا استوت به راحلته على البيداء حمد وسبح وكبر، ثم أهل بحجة وعمرة، وأهل الناس بهما، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج نحر سبع بدنات بيده قياماً" وعند البخاري (1) بنحوه. 4187 - * روى الطبراني في الكبير والأوسط عن الهرماس قال: كنت ردف أبي فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم على بعير وهو يقول: "لبيك بحجة وعمرة معاً". 4188 - * روى أبو داود عن أبي وائل (رحمه الله) قال: قال الصبي بن معبد: كنت رجلاً أعرابياً نصرانياً، فأسلمت، فأتيت رجلاً من عشيرتي يقال له: هديم بن ثرملة، فقلت: يا هناه، إني حريص على الجهاد، وإني وجدت الحج والعمرة مكتوبين علي، فكيف لي بأن أجمع بينهما؟ فقال: أجمعهما، واذبح ما استيسر من الهدي، فأهللت بهما، فلما أتيت العذيب لقيني سلمان بن ربيعة، وزيد بن صوحان، وأنا أهل بهما معاً، فقال أحدهما للآخر: ما هذا بأفقه من بعيره، قال: فكأنما ألقي علي جبل، حتى أتيت عمر بن الخطاب، فقلت له: يا أمير المؤمنين، إني كنت رجلاً أعرابياً نصرانياً، وإني أسلمت، وأنا حريص على الجهاد، وإني وجدت الحج والعمرة مكتوبين علي، فأتيت رجلاً من قومي، فقال لي: اجمعهما واذبح ما استيسر من الهدي، وإني أهللت بهما معاً، فقال عمر: هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم". قال البيهقي: وهذا الحديث يدل على جواز القران.

_ (1) البخاري (3/ 416) 25 - كتاب الحج، 32 - باب من أهل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كإهلال النبي ... إلخ. 4187 - الطبراني "الكبير" (22/ 203). مجمع الزوائد (3/ 235) وقال الهيثمي: رواه عبد الله في زياداته، والطبراني في الكبير والأوسط، ورجاله ثقات. 4188 - أبو داود (2/ 158، 159) كتاب المناسك "الحج"، 24 - باب في الإقران. النسائي (5/ 146، 147) 24 - كتاب مناسك الحج، 49 - باب القران، إلا أن النسائي قال: لما قال لعمر- وأعاد عليه قول الرجل- أعاد عليه أيضاً قول الرجلين له، وسماهما، وأعاد اسمهما وإسناده صحيح. (يا هناه): هذه اللفظة فيها لغات كثيرة، هذا أحدها، ومعناها جميعها: النداء بالشخص المطلوب.

- من جمع بين الحج والعمرة يكفيه طواف وسعي واحد

- من جمع بين الحج والعمرة يكفيه طواف وسعي واحد: 4189 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحرم بالحج والعمرة أجزأه طواف واحد، وسعي واحد عنهما، حتى يحل منهما جميعاً". وفي رواية النسائي (1) "أن ابن عمر: قرن الحج والعمرة، فطاف طوافاً واحد، وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله". وفي رواية البخاري ومسلم (2): "أن ابن عمر كان يقول: من جمع بين الحج والعمرة كفاه طواف واحد، ولم يحل حتى يحل منهما جميعاً". 4190 - * روى مالك في الموطأ عن نافع أن عبد الله بن عبد الله، وسالم بن عبد الله، "كلما عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما)، حين نزل الحجاج لقتال ابن الزبير، قالا: لا يضرك أن لا تحج العام، فإنا نخشى أن يكون بين الناس قتال، يحال بينك وبين البيت، قال: إن حيل بيني وبينه فعلت كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه حين حالت قريش بينه وبن البيت: أشهدكم أني قد أوجبت عمرة، فانطلق حتى إذا أتى ذا الحليفة، فلبى بالعمرة، ثم قال: إن خلي سبيلي قضيت عمرتي، وإن حيل بيني وبينه، فعلت كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تلا: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (3) ثم سار، حتى إذا كنا بظهر البيداء قال: ما أمرهما إلا واحد، إن حيل بيني وبين العمرة حيل بيني وبين الحج، أشهدكم: أني قد أوجبت حجة مع عمرتي، فانطلق، حتى

_ 4189 - الترمذي (3/ 284) 7 - كتاب الحج، 102 - باب ما جاء أن القارن يطوف طوافاً واحداً. (1) النسائي (5/ 225، 226) 24 - كتاب مناسك الحج، 144 - باب طواف القارن. (2) البخاري (3/ 494) 25 - كتاب الحج، 77 - باب طواف القارن. مسلم (2/ 904) 15 - كتاب الحج، 26 - باب بيان جواز التحلل بالإحصار ... إلخ. 4190 - الموطأ (1/ 360) 20 - كتاب الحج، 31 - باب ما جاء فيمن أحصر بعدو. البخاري (4/ 4) 27 - كتاب المحصر، 1 - باب إذا أحصر المعتمر. مسلم (2/ 903) 15 - كتاب الحج، 26 - باب بيان جواز التحلل بالإحصار وجواز القران. النسائي (5/ 197، 198) 24 - كتاب مناسك الحج، 102 - فيمن أحصر بعدو. (3) الأحزاب: 21.

- في التمتع

ابتاع بقديد هدياً، ثم طاف لهما طوافاً واحداً. زاد في رواية (1): "وكان ابن عمر يقول: من جمع بين الحج والعمرة كفاه طواف واحد، ولم يحل حتى يحل منهما جميعاً". وفي أخرى (2) نحوه، وفيه: "ثم انطلق يهل بهما جميعاً، حتى قدم مكة، فطاف بالبيت وبالصفا والمروة، ولم يزد على ذلك، ولم ينحر، ولم يحلق، ولم يقصر، ولم يحلل من شيء حرم عليه، حتى كان يوم النحر، فنحر وحلق، ورأى: أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول، قال ابن عمر: كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم". وفي أخرى (3) بنحوه، وقال: "فطاف لهما طوافاً واحداً، ورأى أن ذلك مجزئ عنه وأهدى". أقول: دمج ابن عمر رضي الله عنه طواف القدوم بطواف العمرة، ودمج سعي العمرة بسعي الحج، وهذا مذهب الجمهور، وهناك اتجاه آخر: إنه لابد لكل من العمرة والحج من طواف وسعي منفصلين وهو الذي عليه مذهب الحنفية، فيأتي القارن بأفعال العمرة ثم يشرع بأفعال الحج. - في التمتع: 4191 - * روى الشيخان عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال سعيد ابن المسيب: "اجتمع علي وعثمان بعسفان، فكان عثمان ينهى عن المتعة، أو العمرة، فقال له علي: ما تريد إلى أمر فعله النبي صلى الله عليه وسلم، تنهى الناس عنه؟ فقال له عثمان: دعنا عنك، قال: إني لا أستطيع أن أدعك، فلما رأى ذلك علي أهل بهما جميعاً.

_ (1) مسلم: (2/ 904) نفس الموضع السابق. (2) مسلم: (2/ 904) نفس الموضع السابق. (3) البخاري (4/ 11) 27 - كتاب المحصر، 4 - باب من قال: ليس على المحصر بدل. 4191 - البخاري (3/ 423) 25 - كتاب الحج، 34 - باب التمتع والقران والإفراد بالحج ... إلخ. مسلم (2/ 897) 15 - كتاب الحج، 23 - باب جواز التمتع.

وفي رواية (1) للبخاري: "قال مروان بن الحكم: إنه شهد عثمان وعلياً بين مكة والمدينة، وعثمان ينهى عن المتعة، وأن يجمع بينهما، فلما رأى ذلك علي أهل بهما: لبيك بعمرة وحجة، فقال عثمان: تراني أنهى الناس، وأنت تفعله؟ فقال: ما كنت لأدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أحد". وفي رواية النسائي (2) "قال مروان: كنت جالساً عند عثمان، فسمع علياً يلبي بحجة وعمرة، فقال: ألم تكن تنهى عن هذا؟ قال: بلى، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بهما جميعاً، فلم أدع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لقولك". وفي أخرى (3) "أن عثمان كان ينهى عن المتعة، وأن يجمع بين الحج والعمرة، فقال علي: لبيك بحجة وعمرة معاً، فقال عثمان: أتفعلها وأنا أنهى عنها؟ فقال علي: لم أكن لأدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد من الناس". قال الحافظ في "الفتح": وفي قصة عثمان وعلي من الفوائد: إشاعة العالم ما عنده من العلم وإظهاره، ومناظرة ولاة الأمور وغيرهم في تحقيقه لمن قوي على ذلك لقصد مناصحة المسلمين، والبيان بالفعل مع القول، وجواز الاستنباط من النص، لأن عثمان لم يخف عليه أن التمتع والقران جائزان، وإنما نهى عنهما ليعمل بالأفضل كما وقع لعمر. لكن خشي علي أن يحمل غيره النهي على التحريم فأشاع جواز ذلك، وكل منهما يجتهد مأجور. وفيه: أن المجتهد لا يلزم مجتهداً آخر بتقليده لعدم إنكار عثمان على علي مع كون عثمان الإمام إذ ذاك، والله أعلم (م). 4192 - * روى الطبراني في الأوسط عن يعلى بن أمية قال: "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم متضمخ بالخلوق عليه مقطعات قد أحرم بعمرة قال: كيف تأمرني يا رسول الله في

_ (1) البخاري (3/ 421، 422) 25 - كتاب الحج، 34 - باب التمتع والقران ... إلخ. (2) النسائي (5/ 148) 24 - كتاب مناسك الحج، 49 - باب القران. (3) النسائي: نفس الموضع السابق. 4192 - مجمع الزوائد (3/ 205) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح. (متضمخ): أي متطلخ بطيب. (مقطعات): ثياب قصار.

عمرتي فأنزل الله عز وجل {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من السائل عن العمرة؟ فقال: أنا. فقال: ألق ثيابك واغتسل واستنق ما استطعت وما كنت صانعاً في حجتك فاصنعه في عمرتك". 4193 - * روى مالك في الموطأ عن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي (رحمه الله) "أن رجلاً سأل سعيد بن المسيب قال: أعتمر قبل أن أحج؟ فقال سعيد: نعم، قد اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يحج". 4194 - * روى أبو داود عن الربيع بن سبرة بن معبد الجهني عن أبيه (رضي الله عنه) قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كنا بعسفان قال له سراقة ابن مالك المدلجي: يا رسول الله، اقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم، فقال: إن الله عز وجل قد أدخل عليكم في حجكم هذا عمرة، فإذا قدمتم، فمن تطوف بالبيت وبين الصفا والمروة فقد حل، إلا من كان معه هدي". أقول: في هذا الحديث: إن من كان معه هدي لا يتحلل بعد العمرة وهذا مذهب الحنفية في المتمتع إذا ساق الهدي فحكمه حكم القارن فلا يتحلل بعد العمرة بل يظل محرماً حتى ينحر الهدي يوم النحر. 4195 - * روى مسلم عن علي (رضي الله عنه) قال عبد الله بن شقيق: "كان عثمان ينهى عن المتعة، وكان علي يأمر بها، فقال عثمان لعلي كلمة، فقال علي: لقد علمت أنا تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أجل، ولكنا كنا خائفين". وفي رواية (1) النسائي: قال ابن المسيب: "حج علي وعثمان، فلما كنا ببعض الطريق: نهى عثمان عن التمتع، فقال علي: إذا رأيتموه قد ارتحل فارتحلوا، فلبى علي

_ 4193 - الموطأ (1/ 343) 20 - كتاب الحج، 17 - باب العمرة في أشهر الحج، وهو مرسل، وأخرجه البخاري موصولاً عن ابن عمر (3/ 77) في العمرة باب من اعتمر قبل الحج، قال الزرقاني في شرح الموطأ: قال ابن عبد البر: يتصل هذا الحديث من وجوه صحاح، وهو أمر مجمع عليه لا خلاف بين العلماء في جواز العمرة قبل الحج لمن شاء. 4194 - أبو داود (2/ 159) كتاب المناسك، 24 - باب في الإقران، وإسناده حسن. 4195 - مسلم (2/ 896) 15 - كتاب الحج، 23 - باب جواز التمتع. (1) النسائي (5/ 152) 24 - كتاب المناسك الحج، 50 - باب التمتع.

وأصحابه بالعمرة، فلم ينههم عثمان، فقال علي: ألم أخبر أنك تنهى عن التمتع؟ قال: بلى، قال له علي: ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم تمتع؟ قال: بلى". قال النووي في "شرح مسلم": المختار أن المتعة التي نهى عنها عثمان هي التمتع المعروف في الحج. وكان عمر وعثمان ينهيان عنها نهي تنزيه لا تحريم (م). 4196 - * روى مسلم عن أبي نضرة قال: "كان ابن عباس رضي الله عنهما يأمر بالمتعة، وكان ابن الزبير ينهى عنها، قال: فذكرته لجابر، فقال: على يدي دار الحديث: تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قام عمر قال: إن الله كان يحل لرسوله ما شاء، بما شاء، وإن القرآن قد نزل منازله، فأتموا الحج والعمرة لله كما أمركم الله، وأبتوا نكاح هذه النساء، فلن أوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته بالحجارة". وفي أخرى (1): فافصلوا حجكم من عمرتكم فإنه أتم لحجكم، وأتم لعمرتكم. أقول: هذا النص وأمثاله جعل الشافعية يرون أن الإفراد بالحج أفضل وهي قضية مختلف فيها. 4197 - * روى مسلم عن مسلم القري قال: "سألت ابن عباس (رضي الله عنهما) عن متعة الحج، فرخص فيها وكان ابن الزبير ينهى عنها فقال: هذه أم ابن الزبير تحدث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص فيها، فادخلوا عليها فاسألوها، قال: فدخلنا عليها، فإذا هي امرأة ضخمة عمياء، فقالت: قد رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها". 4198 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وأول من نهى عنها: معاوية". وفي رواية النسائي عن طاوس قال: "قال معاوية لابن عباس: أعلمت أني قصرت من رأس النبي صلى الله عليه وسلم عند المروة؟ قال: لا. يقول ابن عباس: هذه على معاوية،

_ 4196 - مسلم (2/ 885) 15 - كتاب الحج، 18 - باب في المتعة بالحج والعمرة. (1) مسلم: (2/ 886) الموضع السابق. (أبتوا): لغة في "بتوا" أي: اقطعوا. يقال: بت الأمر، وأبته: إذا قطعه وفصله. 4197 - مسلم (2/ 909) 15 - كتاب الحج، 30 - باب في متعة الحج. 4198 - الترمذي (3/ 184، 185) 7 - كتاب الحج، 12 - باب ما جاء في التمتع، وهو حديث حسن.

ينهى الناس عن المتعة، وقد تمتع النبي صلى الله عليه وسلم". قال محقق الجامع: هذا الحديث يعارضه حديث مسلم رقم (1396): كان عثمان ينهى عن المتعة، وكان علي يأمر بها، وقد نهى عنهما عمر أيضاً، ويمكن أن يجاب: أن نهيهما محمول على التنزيه، ونهي معاوية على التحريم، فأوليته باعتبار التحريم. ويمكن الجمع بين فعلهما ونهيهما، بأن الفعل كان متأخراً لما علما جواز ذلك، ويحتمل أن يكون لبيان الجواز. 4199 - * روى أحمد عن أبي شيخ الهنائي أن معاوية قال لنفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: "أتعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة يعني متعة الحج قالوا: لا". 4200 - * روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) قال: "لقد تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا- يعني: معاوية- كافر بالعرش". يعني بالعرش: بيوت مكة في الجاهلية. وفي رواية الموطأ (1) والترمذي (2) والنسائي (3): عن محمد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن المطلب: "أنه سمع سعد بن أبي وقاص، والضحاك ابن قيس، عام حج معاوية، يذكران التمتع بالعمرة إلى الحج، فقال الضحاك: لا يصنع ذلك إلا من جهل أمر الله، فقال له سعد: بئس ما قلت يا ابن أخي، فقال الضحاك: إن عمر قد نهى عن ذلك، فقال سعد: قد صنعناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمره، وصنعها هو صلى الله عليه وسلم".

_ 4199 - أحمد (4/ 95). مجمع الزوائد (3/ 236) وقال الهيثمي: رواه أحمد، ورجاله ثقات. 4200 - مسلم (2/ 898) 15 - كتاب الحج، 23 - باب جواز التمتع. (1) الموطأ (1/ 344) 20 - كتاب الحج، 19 - باب ما جاء في التمتع. (2) الترمذي (3/ 185) 7 - كتاب الحج، 12 - باب ما جاء في التمتع، وليس عند الترمذي "عام حج معاوية". وهو حسن بشواهده. (3) النسائي (5/ 152، 153) 24 - كتاب مناسك الحج، 50 - باب التمتع. (بالعرش) العرش: جمع عريش: والمراد بها: بيوت مكة، وإنما سميت بذلك لأنها كانت عيداناً تنصب وتظلل. وتسمى أيضاً: عروشاً، وإحدها عرش.

قال محقق الجامع: قال النووي في شرح مسلم (1/ 402) وفي الرواية الأخرى "المتعة في الحج" أما "العرش" بضم العين والراء: وهي بيوت مكة، كما فسره في الرواية، قال أبو عبيد: سميت بيوت مكة عرشاً لأنها عيدان تنصب، وتظلل، قال: ويقال لها أيضاً "عروش" بالواو، واحدها: عرش، كفلس وفلوس، من قال: عرش. فواحدها: عريش، كقليب وقلب. وفي حديث آخر "أن عمر رضي الله عنه: كان إذا نظر إلى عروش مكة: قطع التلبية". وأما قوله: وهذا يومئذ كافر بالعرش، فالإشارة "بهذا" إلى معاوية بن أبي سفيان. وفي المراد بالكفر ها هنا وجهان، أحدهما- ما قاله المازري وغيره- المراد: وهو مقيم في بيوت مكة، قال ثعلب: يقال: اكتفر الرجل: إذا لزم الكفور، وهي القرى. وفي الأثر عن عمر رضي الله عنه "أهل الكفور: هم أهل القبور" يعني: القرى البعيدة عن الأمصار، وعن العلماء. والوجه الثاني: المراد بالكفر: الكفر بالله تعالى، والمراد: أنا تمتعنا، ومعاوية يومئذ كافر على دين الجاهلية، مقيم بمكة، وهذا اختيار القاضي عياض وغيره، وهو الصحيح المختار. والمراد بالمتعة: العمرة التي كانت سنة سبع من الهجرة، وهي عمرة القضاء، وكان معاوية يومئذ كافراً، وإنما أسلم بعد ذلك عام الفتح سنة ثمان. وقيل: إنه أسلم بعد عمرة القضاء سنة سبع: والصحيح: الأول. وأما غير هذه العمرة من عمر النبي صلى الله عليه وسلم. فلم يكن معاوية فيها كافراً، ولا مقيماً بمكة، بل كان معه النبي صلى الله عليه وسلم. قال القاضي عياض: وقال بعضهم "كافر بالعرش" بفتح العين وإسكان الراء، والمراد: عرش الرحمن. قال القاضي: وهذا تصحيف. وفي هذا الحديث: جواز المتعة في الحج. أقول: الملاحظ أن علياً رضي الله عنه قد خالف عثمان وهو خليفة ندما رأى أن عثمان أراد أن ينهى عن سنة وأن الصحابة قد اعترضوا على معاوية وهو ولي الأمر وقتذاك؛ لأنه أراد أن ينهى عن سنة ومن ها هنا نعرف أن قول العلماء إذا أمر ولي الأمر بمباح؛ فقد

أصبح واجباً: أن هذه القاعدة مقيدة بأن يكون أمره سائغاً شرعاً ويحقق مصلحة، بل ينبغي أن يكون في عصرنا مقيداً بشكل ما بإجازة الشورى من أهلها. والحقيقة أن فقه الطاعة بالمعروف من أهم الأمور في عصرنا، فكثيرون من الناس يفهمون فكرة السمع والطاعة فهماً خاطئاً. 4201 - * روى النسائي عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: سمعت عمر يقول: "والله، لا أنهاكم عن المتعة، فإنها لفي كتاب الله، ولقد فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم- يعني: العمرة في الحج". 4202 - * روى الترمذي عن سالم بن عبد الله (رحمه الله) سمع رجلاً من أهل الشام وهو يسأل عبد الله بن عمر عن التمتع بالعمرة إلى الحج؟ فقال عبد الله بن عمر: "أرأيت إن كان أبي نهى عنها، وصنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أأمر أبي يتبع، أم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال الرجل: بل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لقد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم". 4203 - * روى الشيخان عن عمران بن حصين (رضي الله عنه) قال: "أنزلت آية المتعة في كتاب الله، ففعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينزل قرآن يحرمه، ولم ينه عنها حتى مات، قال رجل برأيه ما شاء" قال البخاري "يقال: إنه عمر". وفي رواية (1) "نزلت آية المتعة في كتاب الله- يعني: متعة الحج، ولم ينه عنها حتى مات". وفي أخرى (2) قال: "جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم بين الحج والعمرة، وتمتع نبي الله صلى الله عليه وسلم، وتمتعنا معه، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعمر طائفة من أهله في العشر، فلم تنزل آية تنسخ ذلك، ولم ينه عنه حتى مضى لوجهه". وفيها: "وقد كان يسلم علي، حتى اكتويت فتركت، ثم تركت الكي فعاد".

_ 4201 - النسائي (5/ 153) 24 - كتاب مناسك الحج، 50 - باب التمتع، وإسناده صحيح. 4202 - الترمذي (3/ 185) 7 - كتاب الحج، 12 - باب ما جاء في التمتع، وإسناده صحيح. 4203 - البخاري (8/ 186) 65 - كتاب التفسير، 33 - باب {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ}. مسلم (2/ 899) 15 - كتاب الحج، 23 - باب جواز التمتع. (1) مسلم: الموضع السابق ص (900). (2) مسلم: الموضع السابق ص (898، 899).

وفي رواية النسائي (1) قال: "جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حجة وعمرة، ثم توفي قبل أن ينهى عنها، وقبل أن ينزل القرآن بتحريمه". وفي أخرى (2) "جمع بين حجة وعمرة، ثم لم ينزل فيهما كتاب، ولم ينه عنهما النبي صلى الله عليه وسلم، قال قائل فيهما برأيه ما شاء". وفي أخرى (3) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تمتع وتمتعنا معه، قال فيها قائل برأيه". "وفي الحديث من الفوائد: جواز نسخ القرآن ولا خلاف فيه، وجواز نسخه بالسنة وفيه اختلاف شهير. ووجه الدلالة منه قوله: ولم ينه عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن مفهومه أنه لو نهى عنها لامتنعت، ويستلزم رفع الحكم. ومقتضاه جواز النسخ، وقد يؤخذ منه أن الإجماع لا ينسخ به لكونه حصر وجوه المنع في نزول آية أو نهي من النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه نوع الاجتهاد في الأحكام بين الصحابة، وإنكار بعض المجتهدين على بعض بالنص" [م]. أقول: تسليم الملائكة على عمران بن حصين رضي الله عنه دليل على أن انكشاف شيء من أمر الغيب لبعض المسلمين جائز شرعاً وواقع فعلاً، ونسأل الله أن لا يحرمنا من فضله. 4204 - * روى الجماعة إلا الموطأ والترمذي عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) قال: "تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى، فساق معه الهدي

_ (1) النسائي (5/ 149) 24 - كتاب مناسك الحج، 49 - باب القران. (2) النسائي: نفس الموضع السابق. (3) النسائي (5/ 155) 24 - كتاب مناسك الحج، 50 - باب التمتع. (يسلم علي حتى اكتويت) أراد بقوله "يسلم علي" يعني: الملائكة كانوا يسلمون عليه. فلما اكتوى تركوا السلام عليه. يعني: أن الكي يقدح في أعلى درجات التوكل والتسليم إلى الله تعالى، والصبر على ما يبتلى به العبد، وطلب الشفاء من عند الله تعالى. وليس ذلك قادحاً في جواز الكي، وإنما هو قادح في أعلى مقام للتوكل، وهي درجة عالية وراء مباشرة الأسباب وهذه الدرجة خاصة ببعض الناس ولا تطيقها العامة، ومن ها هنا نعرف لماذا لم يوجب بعض الفقهاء التداوي، وهي مسألة مختلف فيها والذي نرجحه أن الدواء إذا تعين شفاء لا شك فيه فقد وجب أخذه على المستطيع. 4204 - البخاري (3/ 539) 25 - كتاب الحج، 104 - باب من ساق البدن معه. مسلم (2/ 901) 15 - كتاب الحج، 24 - باب وجوب الدم على المتمتع ... إلخ. أبو داود (2/ 160، 161) كتاب المناسك، 24 - باب في الإقران. النسائي (5/ 151، 152) 24 - كتاب مناسك الحج، 50 - باب التمتع. (خب) الخبب: ضرب من المشي سريع. (أطواف): جمع طوف، والطواف مصدر: طفت بالشيء إذا درت حوله، وهو والطواف بمعنى.

من ذي الحليفة، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج، وتمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج، فكان من الناس من أهدى، فساق الهدي ومنهم من لم يهد، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس: من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه، حتى يقضي حجه، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة، وليقصر وليحلل، ثم ليهل بالحج وليهد، فمن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، وطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة، فاستلم الركن أول شيء، ثم خب ثلاثة أطواف من السبع، ومشى أربعة أطواف، ثم ركع حين قضي طوافه بالبيت عند المقام ركعتين، ثم سلم، فانصرف فأتى الصفا فطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف، ثم لم يحلل من شيء حرم منه حتى قضى حجه ونحر هديه يوم النحر، وأفاض فطاف بالبيت، ثم حل من كل شيء حرم منه، وفعل مثل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أهدى فساق الهدي من الناس". أقول: لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قارناً بالحج، وأمر أصحابه ممن لم يسق الهدي أن يتمتع وقد يطلق التمتع على القران توسعاً، وهذا الذي نجده في كثير من الروايات، إذ يوصف حج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتمتع مع أنه قارن وذلك بالتوسع بالعبارة، ثم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر تمتع أصحابه بل أمرهم به. 4205 - * روى مسلم عن أسماء بنت أبي بكر الصديق (رضي الله عنهما) قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمين، فلما قدمنا مكة، قال رسول الله: "من كان معه هدي فليقم على إحرامه، ومن لم يكن معه هدي فليحلل، فلم يكن معي هدي. فحللت، وكان مع الزبير هدي، فلم يحل، قالت: فلبست ثيابي، ثم خرجت، فجلست إلى جنب الزبير. فقال لي: قومي عني فقلت: أتخشى أن أثب عليك؟ ". وفي رواية (1): قالت: "قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، مهلين بالحج- وذكر الحديث- قال: فقال: استرخي عني، استرخي عني".

_ 4205 - مسلم (2/ 907، 908) 15 - كتاب الحج، باب ما يلزم، من طاف بالبيت وسعى ... إلخ النسائي (5/ 246) 24 - كتاب مناسك الحج، 186 - ما يفعل من أهل بعمرة وأهدى، إلا أن عند النسائي "أستأخري عني". (1) مسلم: نفس الموضع السابق ص (908).

قوله: قومي عني إنما أمرها بالقيام مخافة من عارض قد يبدو منه: كلمس بشهوة، أو نحوه، فإن اللمس بشهوة: حرام في الإحرام، فاحتاط لنفسه بمباعدتها، من حيث أنها زوجة متحللة، تطمع بها النفس، قاله النووي. [م]. 4206 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: "كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض، وكانوا- أي العرب في الجاهلية- يسمون المحرم صفر، ويقولون: إذا برأ الدبر، وعفا الأثر، وانسلخ صفر: حلت العمرة لمن اعتمر، قال: فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبيحة رابعة، مهلين بالحج، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم: أن يجعلوها عمرة، فتعاظم ذلك عندهم، فقالوا: يا رسول الله، أي الحل؟ قال: الحل كله". قال البخاري: قال ابن المديني: قال لنا سفيان: "كان عمرو يقول: إن هذا الحديث له شأن". وفي أخرى (1) قال: "قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لصبح رابعة يلبون بالحج، فأمرهم: أن يجعلوها عمرة، إلا من معه هدي". وفي أخرى (2) قال: "أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج، فقدم لأربع مضين من ذي الحجة، فصلى الصبح، وقال- حين صلى-: من شاء أن يجعلها عمرة فليجعلها عمرة". ومنهم من قال: "فصلى الصبح بالبطحاء". ومنهم من قال: "بذي طوى". وعند مسلم (3) أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذه عمرة استمتعنا بها، فمن لم يكن معه الهدي فليحل الحل كله، فإن العمرة قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة".

_ 4206 - البخاري (3/ 422) 25 - كتاب الحج، 34 - باب التمتع والقرآن والإفراد بالحج ... إلخ وطرف هذا الحديث في البخاري رقم (3832). مسلم (2/ 909، 910) 15 - كتاب الحج، 31 - باب جواز العمرة في أشهر الحج. (1) البخاري (2/ 565) 18 - كتاب تقصير الصلاة، 3 - باب كم أقام النبي صلى الله عليه وسلم في حجته؟. (2) مسلم: نفس الموضع السابق ص (910، 911). (3) مسلم: نفس الموضع السابق ص (911).

وأخرج أبو داود (1) قال: "والله، ما أعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة في ذي الحجة، إلا ليقطع بذاك أمر أهل الشرك، فإن هذا الحي من قريش ومن دان بدينهم، كانوا يقولون: إذا عفا الوبر، وبرأ الدبر، ودخل صفر، فقد حلت العمرة لمن اعتمر، فكانوا يُحَرِّمُونَ العمرة، حتى ينسلخ ذو الحجة والمحرم". وله في أخرى (2): قال "أهل النبي صلى الله عليه وسلم بالحج، فلما قدم، طاف بالبيت، وبين الصفا والمروة- قال ابن شوكر: ولم يقصر، ثم اتفقا- قال: ولم يحل من أجل الهدي، وأمر من لم يكن ساق الهدي: أن يطوف ويسعى، ويقصر، ثم يحل- قال ابن منيع في حديثه: أو يحلق، ثم يحل". وأخرج النسائي (3) الرواية الأولى، وقال: "عفا الوبر" بدل "الأثر". وزاد بعد قوله: "وانسلخ صفر" أو قال: "دخل صفر". وفي أخرى (4) للنسائي قال: "أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعمرة، وأهل أصحابه بالحج، وأمر من لمي كن معه الهدي: أن يحل، وكان فيمن لم يكن معه الهدي: طلحة بن عبيد الله، ورجل آخر، فأحلا". وفي أخرى (5) له قال: "قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لصبح رابعة، وهمي لبون بالحج، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلوا". وفي أخرى (6) له "لأربع مضين من ذي الحجة، وقد أهل بالحج وصلى الصبح

_ (1) أبو داود (2/ 204) كتاب المناسك، باب العمرة. (2) أبو داود (2/ 156، 157) كتاب المناسك، 23 - باب في إفراد الحج. (3) النسائي (5/ 180، 181) 24 - كتاب مناسك الحج، 77 - إباحة فسخ الحج بعمرة لمن لم يسق الهدي. (4) النسائي: الموضع السابق ص (181). (5) النسائي (5/ 201) 24 - كتاب مناسك الحج، 108 - الوقت الذي وافى فيه النبي صلى الله عليه وسلم مكة. (6) النسائي: الموضع السابق ص (201، 202). قال ابن الأثير: (أفجر الفجور): الفجور: الميل عن الواجب يقال للكاذب فاجر، وللمكذب بالحق: فاجر. (برأ الدبر) الدبر: جمع دبرة، وهي العقر في ظهر البعير. تقول: دبر البعير- بالكسر- وأدبره القتب. (عفا): الشيء: إذا زاد وكثر ونما. والوبر: وبر الإبل. وأما الرواية الأخرى وهي "عفا الأثر" فإن عفا بمعنى: درس.

بالبطحاء، وقال: من شاء أن يجعلها عمرة فليفعل". "بذي طوى" بفتح الطاء وضمها وكسرها، ثلاث لغات حكاهن القاضي وغيره، الأصح الأشهر: الفتح ولم يذكر الأصمعي وآخرون غيره، وهو مقصور منون، وهو واد معروف بقرب مكة. قال القاضي: ووقع لبعض الرواة في البخاري بالمد، وكذا ذكره ثابت، قاله النووي (م). قوله عليه السلام: "فإن العمرة قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة". قال النووي في "شرح مسلم" (1/ 393): اختلف العلماء في معناه على أقوال، أصحها وبه قال جمهورهم: معناه: أن العمرة يجوز فعلها في أشهر الحج إلى يوم القيامة، والمقصود به بيان إبطال ما كانت الجاهلية تزعمه من امتناع العمرة في أشهر الحج. والثاني: معناه: جواز القران، وتقدير الكلام: دخلت أفعال العمرة في أفعال الحج إلى يوم القيامة. والثالث: تأويل بعض القائلين بأن العمرة ليست واجبة، قالوا: معناه: سقوط العمرة، قالوا: ودخولها في الحج معناه: سقوط وجوبها، وهذا ضعيف أو باطل، وسياق الحديث يقتضي بطلانه. والرابع: تأويل بعض أهل الظاهر أن معناه: جواز فسخ الحج إلى العمرة، وهذا أيضاً ضعيف. قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (3/ 485): وتعقب بأن سياق السؤال يقوي هذا التأويل (يعني فسخ الحج إلى العمرة) بل الظاهر أن السؤال وقع عن الفسخ، والجواب وقع عما هو أعم من ذلك حتى يتناول التأويلات المذكورة إلا الثالث، والله أعلم. قال محقق الجامع: والذي عليه الحنابلة هو استحباب فسخ الحج إلى العمرة لمن كان مفرداً أو (1)

_ (1) (حلت العمرة لمن اعتمر) كانوا لا يعتمرون في الأشهر الحرم حتى تنسلخ، فذلك معنى قوله "ودخل صفر حلت العمرة لمن اعتمر" لأن بدخول صفر تنسلخ الأشهر الحرم، وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم. (دان بدينهم): الدين: الطاعة. ودان فلان بدين كذا: أخذ به وتابعه واقتدى به. (دخلت العمرة في الحج) قال الخطابي: اختلف الناس في تأويل ذلك. فقالت طائفة: إن العمرة واجبة، وإليه ذهب الشافعي. وقال أصحاب الرأي: ليست واجبة. واستدلوا على ذلك بقوله: "دخلت العمرة في الحج" فسقط فرضها بالحج. وقال الموجبون: إن عملها قد دخل في عمل الحج. فلا نرى على القارن أكثر من إحرام واحد. وقيل: بل معناه: أنها قد دخلت في وقت الحج وشهوره. وكان أهل الجاهلية لا يعتمرون في أشهر الحج. فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.

قارناً إذا لم يسق الهدي، وقد اتفق جمهور العلماء على جواز الأنساك الثلاثة، واختلفوا في أفضليتها، فقال الشافعي ومالك وآخرون: أفضلها الإفراد، وقال أبو حنيفة وآخرون: أفضلها القران، وقال أحمد وآخرون: أفضلها التمتع، وهو أن يحرم بالعمرة أولاً، فإذا فرغ منها أحرم بحج. وقد قال موفق الدين بن قدامة المقدسي الحنبلي في "المغني" (3/ 398): ومن كان مفرداً أو قارناً أحببنا له أن يفسخ إذا طاف وسعى ويجعلها عمرة، إلا أن يكون معه هدي فيكون على إحرامه، أما إذا كان معه هدي، فليس له أن يحل من إحرام الحج ويجعله بغير خلاف نعلمه. وأما من لا هدي معه ممن كان مفرداً أو قارناً فيستحب له إذا طاف وسعى أني فسخ نيته بالحج، وينوي عمرة مفردة، فيقصر ويحل من إحرامه متمتعاً إن لم يكن وقف بعرفة. قال: وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر أصحابه في حجة الوداع الذين أفردوا الحج وقرنوا أن يحلوا كلهم ويجعلوها عمرة، إلا من كان معه الهدي، وثبت ذلك في أحاديث كثيرة. قال: وقد روى فسخ الحج: ابن عمر، وابن عباس، وجابر، وعائشة، وأحاديثهم متفق عليها، ورواه غيرهم وأحاديثهم كلها صحاح. قال محقق الجامع: هذه هي أقوال جمهور الفقهاء باختصار في جواز الأنساك الثلاثة، وخلافهم في الأفضل منها فقط. وهو رأي جمهور المحدثين والمفسرين، وجل ما هنالك أن التمتع أفضل عند الإمام أحمد ومن تبعه، وقد خالف جمهور هؤلاء العلماء في هذا: ابن حزم في "المحلى" وابن قيم الجوزية في "زاد الميعاد" فقالا بوجوب فسخ الحج إلى العمرة لمن لم يسق الهدي، متبعين في ذلك بعض من خالف الجمهور قبلهم. 4207 - * روى ابن خزيمة عن عائشة، قالت: قدم النبي صلى الله عليه وسلم لأربع مضين من ذي الحجة أو خمس، فدخل علي وهو غضبان، فقلت: من أغضبك؟ فقال: "أما شعرت إني أمرت الناس بأمر فإذا هم يترددون. قال الحاكم: يترددون- أحسب- لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي حتى أشتريه ثم أحل كما حلوا".

_ 4207 - ابن خزيمة (4/ 165، 166) كتاب المناسك، 538 - باب استحباب التمتع بالعمرة إلى الحج ... إلخ، وهو حديث صحيح.

4208 - * روى البخاري عن أبي جمرة قال: "سألت ابن عباس (رضي الله عنهما) عن المتعة؟ فأمرني بها. وسألته عن الهدي؟ فقال: فيها جزور، أو بقرة. أو شاة، أو شرك في دم. قال: وكان ناس كرهوها، فنمت، فرأيت في المنام: كأن إنساناً ينادي: حج مبرور ومتعة متقبلة، فأتيت ابن عباس، فحدثته، فقال: الله أكبر، الله أكبر، سُنَّة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم". وفي رواية مسلم (1): قال أبو جمرة: "تمتعت، فنهاني ناس عن ذلك، فأتيت ابن عباس فسألته عن ذلك فأمرني بها، قال: ثم انطلقت إلى البيت فنمت، فأتاني آت في منامي، فقال: عمرة متقبلة، وحج مبرور، فأتيت ابن عباس فأخبرته، فقال: الله أكبر، سُنَّة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم". 4209 - * روى البخاري تعليقاً عن عكرمة قال: "إن ابن عباس (رضي الله عنهما) سئل عن متعة الحج؟ فقال: أهل المهاجرون والأنصار، وأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم: في حجة الوداع، وأهللنا، فلما قدمنا مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة، إلا من قلد الهدي" طفنا بالبيت وبالصفا والمروة، وأتينا النساء، ولبسنا الثياب، وقال: "من قلد الهدي فإنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله" ثم أمرنا عشية التروية: أن نهل بالحج، فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت،

_ 4208 - البخاري (3/ 534) 25 - كتاب الحج، 102 - باب {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ...}. (1) مسلم (2/ 911) 15 - كتاب الحج، 31 - باب جواز العمرة في أشهر الحج. (جزور): الجزور من الإبل: يقع على الذكر والأنثى. والجمع: الجزر، واللفظة مؤنثة. (مبرور): الحج المبرور: هو الذي لا يخالطه شيء من المأثم. (الشرك): هنا: الحصة والنصيب. بحيث يشترك أكثر من شخص في تقديم الهدي، بحيث يشترك حتى السبعة في البدنة من الإبل أو البقر. 4209 - البخاري (3/ 433) 25 - كتاب الحج، 37 - باب قول الله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} وقال البخاري بعد أن علقه: وقال أبو كامل: عن أبي معشر عن عثمان بن غياث عن عكرمة، وقد وصله الإسماعيلي. (قلد): تقليد الهدي: أن يجعل في أعناقه القلائد من أي شيء كان، علامة أنه هدي.

وبالصفا والمروة، وقد تم حجنا، وعلينا الهدي، كما قال تعالى: (فما استيسر من الهدي، فإن لم تجدوا، فصيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجعتم) إلى أمصاركم. الشاة تجزئ، فجمعوا نسكين في عام بين الحج والعمرة، فإن الله أنزله في كتابه، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأباحه للناس، غير أهل مكة، قال الله تعالى: (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام) وأشهر الحج التي ذكر الله: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة، فمن تمتع في هذه الأشهر: فعليه دم، أو صوم. والرفث: الجماع، والفسوق: المعاصي، والجدال: المراء". أقول: إنما يعتبر الإنسان متمتعاً أو قارناً إذا أدى العمرة في أشهر الحج (شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة)، فمن أدى العمرة في هذه الأشهر فإن أحل بعدها فهو متمتع وإن لم يحل فهو قارن، وفي الحالتين فإن عليه دماً، فإن لم يجد فعليه صيام ثلاثة أيام قبل العاشر من ذي الحجة وسبعة بعدها، والأفضل أن يؤخرها حتى يرجع إلى أهله، وقوله في النص: (غير أهل مكة): كذلك قوله تعالى في القرآن بعد أن أباح التمتع: (ذلك لمن يكن أهله حاضري المسجد الحرام): ذهب أبو حنيفة إلى أن قوله "ذلك" إشارة إلى التمتع المفهوم من قوله (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج ...) فلا متعة ولا قران لحاضري المسجد. وذهب الشافعي إلى أن قوله "ذلك" إشارة إلى لزوم الهدي على التمتع فيلزم الآفاقي المتمتع ولا يلزم المكي المتمتع. 4210 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: "أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعمرة، وأهل أصحابه بحج". 4211 - * روى ابن خزيمة عن عائشة (رضي الله عنها): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس عام حجة الوداع، فقال: "من أحب أن يرجع بعمرة قبل الحج فليفعل".

_ 4210 - أبو داود (2/ 160) كتاب المناسك، 24 - باب في الإقران، وإسناده صحيح. 4211 - ابن خزيمة (4/ 362) كتاب المناسك، 886 - باب إباحة العمرة في أشهر الحج .. إلخ، وإسناده حسن صحيح.

4212 - * روى مالك في الموطأ عن سعيد بن المسيب "أن عمر بن أبي سلمة استأذن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أن يعتمر في شوال، فأذن له، فاعتمر ثم قفل إلى أهله، ولم يحج". 4213 - * روى البخاري عن عكرمة بن خالد المخزومي (رحمه الله) قال: "سألت ابن عمر رضي الله عنهما عن العمرة قبل الحج؟ قال: لا بأس، اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم قبل الحج". 4214 - * روى الشيخان عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: "أهل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالحج، وليس مع أحد منهم هدي غير النبي وطلحة، فقدم علي من اليمن معه هدي، فقال: أهللت بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه: أن يجعلوها عمرة ويطوفوا، ثم يقصروا ويحلوا، إلا من كان معه الهدي، فقالوا: ننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لو استقبلت. من أمري ما استدبرت ما أهديت، ولولا أن معي الهدي لأحللت. وحاضت عائشة، فنسكت المناسك كلها، غير أن لم تطف بالبيت، فلما طافت بالبيت، قالت: يا رسول الله، تنطلقون بحجة وعمرة، وأنطلق بحجة؟ فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر: أن يخرج معها إلى التنعيم، فاعتمرت بعد الحج". وفي رواية للبخاري (1) "أنه حج مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ساق الهدي معه، وقد أهلوا بالحج مفرداً، فقال لهم: أحلوا من إحرامكم، واجعلوا التي قدمتم بها متعة، فقالوا: كيف نجعلها متعة وقد سمينا الحج؟ فقال: افعلوا ما أقول لكم، فلولا أني سقت الهدي

_ 4212 - الموطأ (1/ 343) 20 - كتاب الحج، 17 - باب العمرة في أشهر الحج، وإسناده صحيح. 4213 - البخاري (3/ 598، 599) 26 - كتاب العمرة، 2 - باب من اعتمر قبل الحج. 4214 - البخاري (3/ 504) 25 - كتاب الحج، 81 - باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت ... إلخ. مسلم (2/ 879) 15 - كتاب الحج، 17 - بيان وجوه الإحرام ... إلخ. (1) البخاري (3/ 422) 25 - كتاب الحج، 34 - باب التمتع والقران ... إلخ.

لفعلت مثل الذي أمرتكم، ولكن لا يحل مني حرام حتى يبلغ الهدي محله. ففعلوا". وفي رواية (1) له نحوه، وفيه "وقدمنا مكة لأربع خلون من ذي الحجة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم: أن نطوف بالبيت وبالصفا والمروة، ونجعلها عمرة ونحل، إلا من معه هدي". وفيه "ولقيه سراقة بن مالك وهو يرمي الجمرة بالعقبة، فقال: يا رسول الله، ألنا هذه خاصة؟ قال: بل للأبد- وذكر قصة عائشة، واعتمارها من التنعيم". وفي أخرى (2) له قال: "أهللنا- أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم- بالحج خالصاً وحده. فقدم النبي صلى الله عليه وسلم صبح رابعة مضت من ذي الحجة، فأمرنا: أن نحل". وذكر نحوه، وقول سراقة، ولم يذكر قصة عائشة. وفي أخرى (3) له: قال "أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج. فلما قدمنا مكة: أمرنا أن نحل ونجعلها عمرة، فكبر ذلك علينا، وضاقت به صدورنا، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فما ندري أشيء بلغه من السماء، أم شيء من قبل الناس؟ فقال: يا أيها الناس أحلوا، فلولا الهدي الذي معي فعلت كما فعلتم، قال: فأحللنا، حتى وطئنا النساء، وفعلنا ما يفعل الحلال، حتى إذا كان يوم التروية، وجعلنا مكة بظهر: أهللنا بالحج". وفي أخرى (4) للبخاري ومسلم مختصراً، قال: "قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن نقول: لبيك بالحج، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلناها عمرة".

_ (1) البخاري (13/ 218) 94 - كتاب التمني، 3 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "لو استقبلت من أمري ما استدبرت". (2) البخاري (13/ 337) 96 - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، 27 - باب نهي النبي صلى الله عليه وسلم على التحريم، إلا ما تعرف إباحته. (3) مسلم (2/ 884) 15 - كتاب الحج، 17 - باب بيان وجوه الإحرام ... إلخ. (4) البخاري (3/ 432) 25 - كتاب الحج، 35 - باب من لبى بالحج وسماه. مسلم (2/ 886) 15 - كتاب الحج، 18 - باب في المتعة بالحج والعمرة.

وفي رواية لمسلم (1): قال: "أقبلنا مهلين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحج مفرد، وأقبلت عائشة بعمرة، حتى إذا كنا بسرف عركت، حتى إذا قدمنا طفنا بالكعبة والصفا والمروة، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يحل منا من لم يكن معه هدي، قال: فقلنا: حل ماذا؟ قال: الحل كله، فواقعنا النساء، وتطيبنا بالطيب، ولبسنا ثياباً، وليس بيننا وبين عرفة إلا أربع ليال، ثم أهللنا يوم التروية، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة، فوجدها تبكي، فقال: ما شأنك؟ قالت: شأني أني قد حضت، وقد حل الناس، ولم أحلل، ولم أطف بالبيت، والناس يذهبون إلى الحج الآن. فقال: "إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم، فاغتسلي، ثم أهلي بالحج". ففعلت، ووقفت المواقف كلها، حتى إذا طهرت طافت بالكعبة والصفا والمروة، ثم قال: "قد حللت من حجك وعمرتك جميعاً، فقالت: يا رسول الله، إني أجد في نفسي: أني لم أطف بالبيت حين حججت، قال: "فاذهب بها يا عبد الرحمن، فأعمرها من التنعيم، وذلك ليلة الحصبة". زاد في رواية (2) "وكان النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً سهلاً، إذا هويت الشيء تابعها عليه". وفي أخرى (3) لمسلم نحوه، وقال: "فلما كان يوم التروية أهللنا بالحج، وكفانا الطواف الأول بين الصفا والمروة، وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر: كل سبعة منا في بدنة". وفي أخرى له (4) عن عطاء قال: سمعت جابر بن عبد الله في ناس معي، قال: "أهللنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بالحج خالصاً وحده، قال عطاء: قال جابر: فقدم النبي صلى الله عليه وسلم صبح رابعة من ذي الحجة، فأمرنا أن نحل- قال عطاء: قال: حلوا وأصيبوا النساء. قال عطاء: ولم يعزم عليهم، ولكن أحلهن لهم. فقلنا: لما لم يكن بيننا وبين عرفة إلا خمس، أمرنا أن نفضي إلى نسائنا، فنأتي عرفة تقطر مذاكيرنا المني- قال: يقول جابر

_ (1) مسلم (2/ 881) 15 - كتاب الحج، 17 - باب بيان وجوه الإحرام ... إلخ. (2) مسلم: الموضع السابق ص (882). (3) مسلم: نفس الموضع السابق. (4) مسلم: نفس الموضع السابق ص (883، 884). ... (عركت) المرأة: إذا حاضت. "التنعيم" أقرب الحل من طريق المدينة على فرسخين أو أربعة من مكة، وسمي بذلك، لأن عن يمينه جبلاً يقال له: نعيم. وعن شماله آخر يسمى: ناعم، والوادي بينهما نعمان. (ليلة الحصبة) التحصيب: النوم بالشعب الذي مخرجه إلى الأبطح ساعة من الليل وكان موضعاً نزله النبي صلى الله عليه وسلم من غير أن يسنه للناس فمن شاء حصب ومن شاء لم يحصب. والمحصب أيضاً: موضع الجمار بمنى، وليس هذا.

بيده- كأني أنظر إلى قوله بيده يحركها- قال: فقام النبي صلى الله عليه وسلم فينا، فقال: قد علمتم: أني أتقاكم لله عز وجل، وأصدقكم وأبركم، ولولا هديي لحللت كما تحلون، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، فحلوا، فحللنا، وسمعنا وأطعنا، قال عطاء: قال جابر: فقدم علي من سعايته فقال: بم أهللت؟ قال: بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأهد، وامكث حراماً، قال وأهدى له عليٌّ هدياً. فقال سراقة بن مالك ابن جعشم يا رسول الله، لعامنا هذا، أم للأبد؟ قال: للأبد". وفي أخرى (1) له قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما أحللنا: أن نحرم إذا توجهنا إلى منى، قال: فأهللنا من الأبطح". وفي أخرى (2) له قال: "لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه بين الصفا والمروة، إلا طوافاً واحداً: طوافه الأول". وأخرج أبو داود (3): "أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج خالصاً، لا يخالطه شيء. فقدمنا مكة لأربع ليال خلون من ذي الحجة فطفنا وسعينا، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحل، وقال: لولا الهدي لحللت. فقام سراقة بن مالك، فقال: يا رسول الله، أرأيت متعتنا هذه: ألعامنا، أم للأبد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل هي للأبد". أقول: من سياسات النبوة: أن يعلل رسول الله صلى الله عليه وسلم أفعاله ليكون قناعة عند أصحابه وهذا شيء يغفل عنه كثير من الكبراء مفترضين بالناس التسليم لفعالهم بلا قيد ولا شرط ولا قناعة وفي سياسات النبوة المياسرة فيما ليس فيه ضرر ولا حرج ولا إثم ولذلك رأينا في النص: "وكان النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً سهلاً إذا هويت الشيء تابعها عليه". وهو شيء يغفل عنه كثير من الناس، فبدلاً من أن يكون الأصل هو المطاوعة للزوجة والأتباع يجعلون الأصل هو المعاكسة، وهو شيء خلاف الأصل فيما لا ضرر ولا حرج ولا إثم فيه.

_ (1) مسلم: نفس الموضع السابق ص (882). (2) مسلم: نفس الموضع السابق ص (883). (3) أبو داود (2/ 155) كتاب المناسك، 23 - باب في إفراد الحج. (السعاية) العمل على جمع الصدقة. وكان علي قد أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ساعياً فقدم منها ومعه إبل ساقها هدياً.

4215 - * روى البخاري عن أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه) قال: "قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منيخ بالبطحاء، فقال: بم أهللت؟ قلت: بإهلال النبي صلى الله عليه وسلم. قال: هل سقت الهدي؟ قلت: لا. قال: فطف بالبيت والصفا والمروة، ثم حل، فطفت بالبيت وبالصفا والمروة، ثم أتيت امرأة من قومي فمشطتني وغسلت رأسي، وكنت أفتي بذلك الناس، فلم أزل أفتي بذلك من يسألني في إمارة أبي بكر، فلما مات وكان عمر: إني لقائم في الموسم، إذ جاءني رجل، فقال: اتئد في فتياك، إنك لا تدري ما يحدث أمير المؤمنين في شأن النسك، فقلت: أيها الناس، من كنا أفتيناه بشيء فليتئد، فهذا أمير المؤمنين قادم عليكم فبه فائتموا. فلما قدم قلت له: يا أمير المؤمنين، ما هذا الذي بلغني، أحدثت في شأن النسك؟ فقال: إن نأخذ بكتاب الله تعالى، فإن الله يقول: (وأتموا الحج والعمرة لله) (1) وإن نأخذ بسنة رسول الله- وقد قال: خذو عني مناسككم- فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحل حتى نحر الهدي". وفي رواية مسلم (2) والنسائي (3) أيضاً "أن أبا موسى كان يفتي بالمتعة، فقال لهر جل: رويدك ببعض فتياك، فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين، فلقيه بعد فسأله؟ فقال له عمر: قد علمت: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعله وأصحابه، ولكن كرهت: أن يظلوا معرسين بهن في الأراك، ثم يروحون في الحج تقطر رؤوسهم". أقول: قوله: (ثم أتيت امرأة من قومي فمشطتني وغسلت رأسي): الظاهر أنه قد جاء إلى زوجته وإلا فحاشاه أن يأتي إلى امرأة لا تحل له فتفعل به ذلك. 4216 - * روى ابن خزيمة عن جابر بن عبد الله، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا نرى إلا الحج حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، فطاف بالبيت سبعاً، وصلى خلف المقام

_ 4215 - البخاري (3/ 416) 25 - كتاب الحج، 32 - باب من أهل في زمن النبي .... إلخ. النسائي (5/ 154) 24 - كتاب مناسك الحج، 50 - باب التمتع. (1) البقرة: 196. (2) مسلم (2/ 896) 15 - كتاب الحج، 22 - باب في نسخ التحلل من الإحرام .. إلخ. (3) النسائي (5/ 153) الموضع السابق. (اتئد): أمر بالتؤدة، وهي التأني في الأمور والتثبت. 4216 - ابن خزيمة (4/ 170، 171) كتاب المناسك، 550 - باب إباحة الإحرام من غير تسمية حج ولا عمرة ... إلخ، وهو صحيح.

ركعتين، ثم قال: "نبدأ بالذي بدأ الله به"، فبدأ بالصفا، حتى فرغ من أخر سبعة على المروة، فجاءه علي بن أبي طالب بهديه من اليمن، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بم أهللت؟ " قال: قلت: "اللهم إني أهل بما أهل به رسولك. قال ابن خزيمة: فقد أهل علي بن أبي طالب بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم، وهو غير عالم في وقت إهلاله ما الذي به أهل النبي صلى الله عليه وسلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان مهلاً من طريق المدينة، وكان علي بن أبي طالب رحمه الله من ناحية اليمن، وإنما علم علي بن أبي طالب ما الذي أهل النبي صلى الله عليه وسلم عند اجتماعهما بمكة، فأجاز صلى الله عليه وسلم إهلاله بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم، وهو غير عالم في وقت إهلاله أهل النبي صلى الله عليه وسلم بالحج أو بالعمرة أو بهما جميعاً. وقصة أبي موسى الأشعري من هذا الباب لما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو منيخ بالبطحاء، فقال صلى الله عليه وسلم: قد أحسنت، غير أن النبي صلى الله عليه وسلم في المتعقب أمر علياً بغير ما أمر به أبا موسى، أمر علياً بالمقام على إحرامه إذ كان معه هدي، فلم يجد له الإحلال إلى أن بلغ الهدي محله، وأمر أبا موسى بالإحلال بعمرة إذ لم يكن معه هدي، ا. هـ. أقول: إذا أراد الإنسان النسك فهو بين أن يريد الحج مفرداً أو يريد التمتع أو يريد القرآن، فإذا أراد أن يدخل في نسكه لبس لباس الإحرام وصلى ركعتين ثم قال- إن كان يريد القران-: "اللهم إني أريد الحج والعمرة فيسرهما لي وتقبلهما مني، لبيك اللهم لبيك" ويتم التلبية، وإن أراد التمتع قال: "اللهم إني أريد العمرة" وإن أراد الحج قال: "اللهم إني أريد الحج" وبقية الأفعال واحدة ومنها المسنون ومنها الواجب. 4217 - * روى مسلم عن أبي ذر الغفاري (رضي الله عنه) قال: كانت لنا رخصة "يعني المعتة في الحج". وفي رواية (1) قال: "كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة". وفي أخرى (2) قال أبو ذر: "لا تصلح المتعتان إلا لنا خاصة، يعني: متعة النساء، ومتعة الحج".

_ 4217 - مسلم (2/ 897) 15 - كتاب الحج، 23 - باب جواز التمتع. (1) مسلم: الموضع السابق. (2) مسلم: نفس الموضع السابق.

وفي أخرى (1) نحو الأولى قال: "إنما كانت لنا رخصة دونكم". وفي رواية أبي داود (2) "أن أبا ذر كان يقول فيمن حج، ثم فسخها بعمرة: لم يكن ذلك غلا للركب الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم". وفي رواية النسائي (3) "قال في متعة الحج: ليست لكم، ولستم منها في شيء، إنما كانت رخصة لنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم". وفي أخرى (4) مختصراً قال: "كانت المتعة رخصة لنا". قال محقق الجامع: هذه الروايات موقوفة على أبي ذر رضي الله عنه. قال النووي في شرح مسلم: قال العلماء: معنى هذه الروايات كلها أن فسخ الحج إلى العمرة كان للصحابة في تلك السنة، وهي حجة الوداع، ولا يجوز بعد ذلك، وليس مراد أبي ذر إبطال التمتع مطلقاً، بل مراده: فسخ الحج إلى العمرة، كما ذكرنا، وحكمته إبطال ما كانت عليه الجاهلية من منع العمرة في أشهر الحج. "في قوله: لا تصلح المتعتان إلا لنا ... ". قال النووي في شرح مسلم: معناه: إنما صلحتا لنا خاصة في الوقت الذي فعلناهما، ثم صارتا حراماً بعد ذلك إلى يوم القيامة، والله أعلم. قال محقق الجامع: أما متعة النساء، فقد كانت مباحة، ثم نسخت وأصبحت حراماً إلى يوم القيامة، وأما متعة الحج، وهي فسخ الحج إلى العمرة، فهي عامة للناس جميعاً، وليست خاصة للصحابة في مذهب أحمد ومن تبعه. 4218 - * روى الشيخان عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أشهر الحج، وليالي الحج، وحرم الحج. فنزلنا بسرف، قالت: فخرج إلى أصحابه، فقال: من لم يكن منكم معه هدي فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل،

_ (1) مسلم: نفس الموضع السابق. (2) أبو داود (2/ 161) كتاب المناسك، 25 - باب الرجل يهل بالحج ثم يجعلها عمرة. (3) النسائي (5/ 179) 24 - كتاب مناسك الحج، 77 - إباحة فسخ الحج بالعمرة لمن لم يسق الهدي. (4) النسائي: نفس الموضع السابق. 4218 - البخاري (3/ 419) 25 - كتاب الحج، 33 - باب قول الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ...}. مسلم (2/ 875) 15 - كتاب الحج، 17 - باب بيان وجوه الإحرام ... إلخ.

ومن كان معه الهدي فلا. قالت: فالآخذ بها، والتارك لها من أصحابه، قالت: فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجال من أصحابه، فكانوا أهل قوة، وكان معهم الهدي، فلم يقدروا على العمرة، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال: ما يبكيك يا هنتاه؟ قلت: سمعت قولك لأصحابك: فمنعت العمرة، قال: وما شأنك؟ قلت: لا أصلي، قال: فلا يضرك، إنما أنت امرأة من بنات آدم، كتب الله عليك ما كتب عليهن، فكوني في حجك، فعسى الله أن يرزقكيها، قالت: فخرجنا في حجته". وفي رواية (1): "فخرجت في حجتي، حتى قدمنا مني، فطهرت، ثم خرجت من منى، فأفضت بالبيت، قالت: ثم خرجت معه في النفر الآخر، حتى نزل المحصب، ونزلنا معه، فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر، فقال: اخرج بأختك من الحرم، فلتهل بعمرة، ثم افرغا، ثم ائتيا ها هنا، فإني أنظركما حتى تأتيا، قال: فخرجنا، حتى إذا فرغت من الطواف جئته بسحر، فقال: هل فرغتم؟ قلت: نعم، فأذن بالرحيل في أصحابه، فارتحل الناس، فمر متوجهاً إلى المدينة". وفي أخرى (2) نحوه: وفي آخره: "فأذن في أصحابه بالرحيل، فخرج، فمر بالبيت، فطاف به قبل صلاة الصبح، ثم خرج إلى المدينة". وفي أخرى (3) قالت: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نذكر إلا الحج، حتى جئنا سرف، فطمثت، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال: ما يبكيك؟ فقلت: والله لوددت: أني لم أكن خرجت العام، فقال: مالك، لعلك نفست؟ قلت: نعم. قال: هذا شيء كتبه الله على بنات آدم، افعلي ما يفعل الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري، قالت: فلما قدمت مكة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

_ (هنتاه) ياهنتاه، كناية عن قلة المعرفة بالأمور. (لا يضيرك) يقال: لا يضرك ولا يضيرك ولا يضرك بمعنى. (1) البخاري: نفس الموضع السابق. (ويوم النفر الأول): هو اليوم الثاني من أيام التشريق. (ويوم النفر الآخر) هو اليوم الثالث. (المحصب): بضم الميم وبالحاء والصاد المهملتين المفتوحتين، وبالموحدة: مكان متسع بين مكة ومنى، وسمي به لاجتماع الحصباء فيه بحمل السيل، فإنه موضع منهبط، وهو الأبطح والبطحاء، وحدوده: بأنه ما بين الجبلين إلى المقابر، وليست المقبرة منه. والمحصب أيضاً: موضع الجمار من منى، ولكنه ليس هو المراد ها هنا، قاله الكرماني. (2) مسلم: نفس الموضع السابق ص (876). (3) مسلم: نفس الموضع السابق ص (873، 874). ... (فطمثت) طمثت المرأة: إذا حاضت.

اجعلوها عمرة، فأحل الناس، إلا من كان معه الهدي. قالت: فكان الهدي مع رسول الله وأبي بكر وعمر، وذوي اليسارة، ثم أهلوا حين أراحوا، قالت: فلما كان يوم النحر طهرت، فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأفضت. قالت: فأتينا بلحم بقر. فقلت: ما هذا؟ فقالوا: أهدى رسول الله عن نسائه بالبقر، فلما كانت ليلة الحصبة قلت: يا رسول الله، أيرجع الناس بحجة وعمرة، وأرجع بحجة؟ قالت: فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر، فأردفني على جمله، قالت: فإني لأذكر- وأنا حديثة السن أنعس فيصيب وجهي مؤخرة الرحل- حتى جئنا إلى التنعيم، فأهللنا منها بعمرة، جزاء بعمرة الناس التي اعتمروا". وفي أخرى (1) قالت: "خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج. فقدمنا مكة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحرم بعمرة، ولم يهد، فليحلل، ومن أحرم بعمرة وأهدى، فلا يحلل حتى يحل نحر هديه، ومن أهل بحج فليتم حجه، قالت: فحضت، فلم أزل حائضاً حتى كان يوم عرفة، ولم أهلل إلا بعمرة، فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن أنقض رأسي، وأمتشط وأهل بالحج وأترك العمرة. ففعلت ذلك، حتى قضيت حجي، فبعث معي عبد الرحمن بن أبي بكر، فأمرني: أن أعتمر مكان عمرتي من التنعيم". وفي أخرى (2) قالت: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فأهللنا بعمرة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً. فقدمت مكة- وأنا حائض- ولم أطف بالبيت، ولا بين الصفا والمروة، فشكوت ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: انقضي رأسك وامتشطي، وأهلي بالحج، ودعي العمرة، قالت: ففعلت. فلما قضينا الحج، أرسلني رسول الله مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت، فقال: هذه مكان عمرتك، قالت: فطاف الذين كانوا أهلوا بالعمرة بالبيت، وبين الصفا والمروة، ثم حلوا، ثم طافوا طوافاً آخر، بعد أن رجعوا من منى لحجهم. وأما الذين جمعوا الحج والعمرة طافوا طوافاً واحداً".

_ (ذوي اليسارة): اليسار واليسارة: الجدة والغنى. (1) البخاري (3/ 415) 25 - كتاب الحج، 31 - باب كيف تهل الحائض والنفساء؟ مسلم: نفس الموضع السابق ص (870). (2) مسلم: نفس الموضع السابق ص (871).

وفي أخرى (1) قالت: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة فليفعل، ومن أراد أن يهل بحج فليهل، ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل، قالت عائشة: فأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحج وأهل به ناس معه، وأهل معه ناس بالعمرة والحج، وأهل ناس بعمرة، وكنت فيمن أهل بعمرة". وفي أخرى (2) قالت: "خرجنا مع رسول الله موافقين لهلال ذي الحجة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يهل بعمرة فليهل، ومن أحب أن يهل بحجة فليهل، فلولا أني أهديت لأهللت بعمرة، فمنهم من أهل بعمرة، ومنهم من أهل بحج، وكنت فيمن أهل بعمرة، فحضت قبل أن أدخل مكة فأدركني يوم عرفة وأنا حائض، فشكوت ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر نحو ما سبق". وقال في آخره: "فقضى الله حجها وعمرتها، ولم يكن في شيء من ذلك هدي ولا صدقة، ولا صوم". وفي أخرى (3) قالت: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج وعمرة، ومنا من أهل بحج، وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج. فأما من أهل بعمرة: فحل. وأما من أهل بحج، أو جمع الحج والعمرة: فلم يحلوا حتى كان يوم النحر". وفي أخرى (4) قالت: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا نرى إلا أنه الحج. فلما قدمنا مكة تطوفنا بالبيت، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن ساق الهدي أن يحل، قالت: فحل من لم يكن ساق الهدي، ونساؤه لم يسقن الهدي فأحللن. قالت عائشة: فحضت فلم أطف بالبيت، فلما كانت ليلة الحصبة، قلت: يا رسول الله يرجع الناس بحجة وعمرة، وأرجع أنا بحجة؟ قال: أوما كنت طفت ليالي قدمنا مكة؟ قلت: لا، قال:

_ (1) مسلم نفس الموضع السابق ص (871). (2) البخاري (3/ 609) 26 - كتاب العمرة، 7 - باب الاعتمار بعد الحج بغير هدي. مسلم: نفس الموضع السابق ص (872). قوله "موافين لهلال ذي الحجة" أي مقارنين لاستهلاله، وكان خروجهم قبله، لخمس بقين من ذي القعدة، كما صرحت به في رواية. (3) مسلم: نفس الموضع السابق ص (873). (4) البخاري (3/ 421) 25 - كتاب الحج، 34 - باب التمتع والقران والإفراد ... إلخ. مسلم: نفس الموضع السابق ص (877، 878).

فاذهبي مع أخيك إلى التنعيم فأهلي بعمرة، ثم موعدك مكا كذا وكذا، قالت صفية: ما أراني إلا حابستكم، قال: عقري حلقي، أوما كنت طئفت يوم النحر؟ قالت بلى، قال: لا بأس عليك، انفري. قالت عائشة: فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مصعد من مكة، وأنا منهبطة عليها- أو أنا مصعدة، وهو منهبط منها". وفي أخرى (1) قالت: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نلبي، لا نذكر حجاً ولا عمرة ... " وذكر الحديث بمعناه. وفي أخرى (2) قالت: "قلت: يا رسول الله، يصدر الناس بنسكين، وأصدر بنسك واحد، قال: انتظري، فإذا طهرت فاخرجي إلى التنعيم، فأهلي منه، ثم ائتيا بمكان كذا، ولكنها على قدر نفقتك، أو نصبك". وفي أخرى (3) قالت: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقين من ذي القعدة، ولا نرى إلا أنه الحج، فلما كنا بسرف حضت، حتى إذا دنونا من مكة: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدي- إذا طاف بالبيت وبين الصفا والمروة- أن يحل، قالت عائشة: فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر، فقلت: ما هذا؟ فقيل: ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه". وفي أخرى (4) قالت: "خرجنا لا نرى إلا الحج، فلما كنا بسرف أو قريباً منها حضت، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال: مالك، أنفست؟ قلت: نعم، قال: إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم، فاقضي ما يقضي الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت، قالت: وضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر".

_ (عقرى حلقى): أي: أصابها بالعقر وبوجع في حلقها، ولا يراد ظاهره بل هو من دأب العرب في الخطاب حال السخط من المرأة. (1) مسلم: نفس الموضع السابق ص (878). (2) البخاري (3/ 610) 26 - كتاب العمرة، 8 - باب أجر العمرة على قدر النصب. مسلم: نفس الموضع السابق ص (876). (3) مسلم: نفس الموضع السابق ص (876). (4) البخاري (1/ 400) 6 - كتاب الحيض، 1 - باب الأمر بالنفساء إذا نفسن. مسلم: نفس الموضع السابق ص (873). (نفست) بفتح النون، أي: حضت، أما بمعنى الولادة: فبضم النون وفتحها، والفاء مكسورة فيهما، عزاه النووي للأكثرين، قاله الزركشي.

وللبخاري أطراف من هذا الحديث، قالت عائشة: "منا من أهل بالحج مفرداً، ومنا من قرن، ومنا من تمتع". وفي راوية (1) قال: "جاءت عائشة حاجَّة" لم يزد. وفي رواية (2): "أنها قالت: يا رسول الله أيرجع الناس بأجرين وأرجع بأجر؟ فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر: أن ينطلق بها إلى التنعيم، قالت: فأردفني خلفه على جمل له، قالت: فجعلت أرفع خماري، أحسره عن عنقي، فيضرب رجلي بعلة الراحلة، فقلت له: وهل ترى من أحد؟ قالت: فأهللت بعمرة، ثم أقبلنا حتى انتهينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو بالحصبة". ولمالك (3) قالت: "قدمت مكة وأنا حائض، فلم أطف بالبيت، ولا بين الصفا والمروة، فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: افعلي ما يفعل الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت، ولا بين الصفا والمروة، حتى تطهري". وفي رواية لأبي داود (4): أنر سول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت: لما سقت الهدي- قال أحد رواته: أحسبه قال: ولحللت مع الذين أحلوا من العمرة- قال: أراد: أن يكون أمر الناس واحداً".

_ (1) مسلم: نفس الموضع السابق ص (876). (2) مسلم: نفس الموضع السابق ص (880). (3) الموطأ (1/ 411) 20 - كتاب الحج، 74 - باب دخول الحائض مكة. (4) أبو داود (2/ 154) كتاب المناسك، 23 - باب في إفراد الحج. (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي) يقول: لو عن لي هذا الرأي الذي رأيته آخراً وأمرتكم به في أول أمري لما سقت الهدي معي. أي: لما جعلت علي هدياً وأشعرته وقلدته وسقته بين يدي. فإنه إذا ساق الهدي لا يحل حتى ينحره، ولا ينحر إلا يوم النحر، فلا يصح له فسخ الحج بعمرة، فمن لم يكن معه هدي لا يلتزم هذا، ويجوز له فسخ الحج. قال الخطابي: إنما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا القول لأصحابه تطييباً لقلوبهم، وذلك أنه كان يشق عليهم أن يحلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم محرم، ولم يعجبهم أن يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ويتركوا الاقتداء به، فقال عند ذلك هذا القول لئلا يجدوا في أنفسهم، وليعلموا أن الأفضل لهم ما دعاهم إليه. قال: وقد يستدل بهذا من يرى أن التمتع بالعمرة إلى الحج أفضل من الإفراد والقران.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

_ وقيل: بل كان قوله هذا مع تطييب قلوب أصحابه: دلالة على الجواز، وأن ما فعلوه جائز. (أحسره) حسرت اللثام عن وجهي: إذا كشفت وجهك. (بعلة الراحلة) أي: بسببها في الظاهر وهو يريد منعها من كشف وجهها.

أقول: من سياسات النبوة في الحج تخفيف الضغط عن مكة، يظهر ذلك في مبيت الناس في منى قبل الوقوف بعرفة وبعده، ويظهر ذلك في نزوله بالمحصب بعد منى، وفي منع عبد الرحمن أخته عائشة رضي الله عنهما من كشف الوجه دليل على أن تغطية المرأة وجهها كان موجوداً منذ عصر النبوة، والجمع بين ستر عائشة وجهها وبين كونها محرمة أن حجابها كان متجافياً عن وجهها. فإحرام المرأة في وجهها، وإذا أرادت أن تستره فإنها تضع عيداناً تتقدم على رأسها وتضع حجابها على وجهها فيبقى حجابها متجافياً عنه، ويرى الحنابلة: أن المرأة إذا سترت وجهها في الإحرام بسبب الرجال فلا حرج عليها. 4219 - * روى أبو داود عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: "لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافاً واحداً: طوافه الأول". أقول: إنما يجب على الحاج المفرد سعي واحد فإما أن يسعى بعد طواف القدوم وهذا يكفيه وإما أن يسعى بعد طواف الإفاضة، وعلى المعتمر أن يسع. والخلاف في القارن هل يجزئه سعي واحد لحجه وعمرته؟ 4220 - * روى مالك في الموطأ عن عائشة (رضي الله عنها): كانت تقول: "الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج لمن لم يجد هدياً: ما بين أن يهل بالحج إلى يوم عرفة، فإن لم يصم صام أيام منى". 4221 - * روى مالك في الموطأ عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) كان يقول: "من اعتمر في أشهر الحج: في شوال، أو ذي القعدة، أو ذي الحجة، قبل الحج، ثم أقام بمكة حتى يدركه الحج، فهو متمتع إن حج، وعليه ما استيسر من الهدي، فإن لم يجد، فصيام ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع". قال مالك: وذلك إذا أقام حتى الحج، ثم حج من عامه.

_ 4219 - أبو داود (2/ 180) كتاب المناسك، باب طواف القارن. النسائي (5/ 244) 24 - كتاب مناسك الحج، 182 - باب كم طواف القارن والمتمتع بين الصفا والمروة، وإسناده حسن، ورواه مسلم أيضاً في (2/ 883) 15 - كتاب الحج، 17 - باب بيان وجوه الإحرام ... إلخ. 4220 - الموطأ (1/ 426) 20 - كتاب الحج، 83 - باب صيام التمتع، وإسناده صحيح. 4221 - الموطأ (1/ 344) 20 - كتاب الحج، 19 - باب ما جاء في التمتع.

وفي راوية (1) له قال: "والله، لأن أعتمر قبل الحج وأهدي: أحب إلي من أن أعتمر بعد الحج، في ذي الحجة". 4222 - * روى الشيخان عن عبد الله مولى أسماء بنت أبي بكر (رضي الله عنهما) "كان يسمع أسماء تقول، كلما مرت بالحجون: صلى الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد نزلنا معه ها هنا، ونحن يومئذ خفاف الحقائب، قليل ظهرنا، قليلة أزوادنا، فاعتمرنا معه، أنا وأختي عائشة، ومعنا الزبير، وفلان وفلان، فلما مسحنا أحللنا، ثم أهللنا من العشي بالحج". أقول: تذكر الروايات الكثيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل، فالظاهر أن الذي أحل غيره ممن كان مع أسماء والظاهر أن هذه المجموعة أهلت بالحج في اليوم الذي أحلت فيه، بينما الروايات الأخرى تذكر أن من أحل أهل بالحج يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة. 4223 - * روى أحمد عن كريب مولى ابن عباس أنه قال: "يا أبا عباس أرأيت قولك:

_ (1) الموطأ: نفس الموضع السابق، وإسناده صحيح، وفي حديث ابن عمر هذا مبالغة في جواز التمتع، وفيه رد على أبيه وعثمان في كراهته (م). 4222 - البخاري (3/ 616) 26 - كتاب العمرة، 11 - باب متى يحل المعتمر؟ مسلم (2/ 908) 15 - كتاب الحج، 29 - باب ما يلزم من طاف بالبيت وسعى ... إلخ. (الحجون): هو بفتح الحاء وضم الجيم، وهو من حرم مكة، وهو الجبل المشرف على مسجد الحرس بأعلى مكة، على يمينك وأنت مصعد إلى المحصب. (خفاف الحقائب): جمع حقيبة، وهو كل ما حمل في مؤخر الرحل والقتب، ومنه احتقب فلان كذا، قاله النووي. (فلما مسحنا أحللنا) أي: لما مسحنا الركن أحللنا، وهذا متأول عن ظاهره، لأن الركن هو الحجر الأسود، ومسحه يكون في أول الطواف، ولا يحصل التحلل بمجرد مسحه بإجماع المسلمين. وتقديره: فلما مسحنا الركن وأتممنا طوافنا وسعينا وحلقنا أو قصرنا: أحللنا ولابد من تقدير هذا المحذوف، وإنما حذفته للعلم به، وقد أجمعوا على أنه لا يتحلل قبل إتمام الطواف، قاله النووي. (م). 4223 - أحمد (1/ 261). مجمع الزوائد (3/ 233) وقال الهيثمي: رواه أحمد، ورجاله ثقات.

ما حج رجل لم يسق الهدي معه ثم طاف بالبيت إلا حل بعمرة، وما طاف بها حاج قط ساق معه الهدى إلا اجتمعت له حجة وعمرة، والناس لا يقولون هذا؟ قال ويحك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ومن معه من أصحابه لا يذكرون إلا الحج فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه الهدي أن يطوف بالبيت ويحل بعمرة فجعل الرجل منهم يقول يا رسول الله إنما هو الحج فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه ليس بالحج ولكنها عمرة". 4224 - * روى أحمد عن أبي عمر، أن أسلم قال: "حججت مع موالي فدخلت على أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قلت: أعتمر قبل أن أحج؟ قالت: إن شئت فاعتمر قبل أن تحج وإن شئت فبعد أن تحج قال: فقلت إنهم يقولون من كان صرورة فلا يصلح أن يعتمر قبل أن يحج قال: فسألت أمهات المؤمنين فقلن مثل ما قالت فأخبرتها بقولهن قال: فقالت نعم وأشفيك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أهلوا يا آل محمد بعمرة في الحج. أقول: المراد بالصرورة في النص: من لم يحج قبل ذلك، فكأنه كانت هناك شائعة تقول من لم يحج فليس له أن يعتمر قبل الحج، فأبطل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم هذه الشائعة.

_ 4224 - أحمد (6/ 297، 298). مجمع الزوائد (3/ 235) وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى بنحوه وقال فسألت صفية أم المؤمنين، والطبراني في الكبير باختصار إلا أنه قال: أهلوا يا أمة محمد بحج وعمرة، ورجال أحمد ثقات.

الباب السادس في الإحصار والفوات والفدية والاشتراط

الباب السادس في الإحصار والفوات والفدية والاشتراط وفيه عرض إجمالي ونصوص

عرض إجمالي

عرض إجمالي يتعلق هذا الفصل بأحكام الإحصار والفوات ورفض الإحرام ولكل حكم: فأما الإحصار: فهو منع المحرم من إتمام الحج من كل الطرق، وعند الحنفية: الإحصار يكون بعدو أو مرض أو سد منافذ الطريق أو ضياع نفقة، وعند الجمهور: الإحصار يكون بعدو فقط أما من مرض أو ضاعت نفقته فإنه يصبر حتى يتمكن، فإن فاته الحج، لزمه المسير إلى مكة، فيتحلل بعمرة، وعليه القضاء. ومن ذهبت نفقته ومعه هدي، بعث بالهدي ليذبح بمكة، ويبقى على إحرامه.- ما دام سبب المنع غير العدو وسد المنافذ- حتى يصل إلى مكة فيتحلل بعمرة ويقضى. لكن له أن يشترط أن يتحلل بمرض أو عذر طارئ، فإذا أشترط، فلا شيء عليه عند الحنابلة. أما عند الحنفية والشافعي لا: فعليه دم. والتحلل يكون بأعمال العمرة فإن لم يقدر: يذبح هدياً في مكانه الذي حصر فيه عند الجمهور، وقال الحنفية: يرسله إلى مكة ليذبح عنه، أو يرسل ثمنه إن لم يكن، فإن كان قارناً؛ فعليه دمان عند الحنفية، ودم واحد عند الشافعية والحنابلة. فإن لم يكن مع المحصر هدي، ينتقل إلى بدله طعاماً عند الشافعية، فإن لم يقدر، يصوم عن كل مد يوماً. وعند الحنابلة: ينتقل إلى صوم عشرة أيام ثلاثة في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله، ولا يرى الحنفية والمالكية أن للهدي بدلاً، لأنه لم يذكر في القران مع الذبح، ينوي التحلل ثم يحلق رأسه أو يقصر عند الشافعية والحنابلة، فإذا تحلل حل له كل شيء. القضاء: وعليه قضاء حجة وعمرة وعلى القارن حجة وعمرتان عند الحنفية. فإن زال الحصر قبل التحلل وأدرك الهدي قبل الحج، لم يجز له التحلل، وإن أدرك

أما الفوات

الهدي دون الحج، تحلل. وإن قدر على إدراك الحج دون الهدي، يجوز له التحلل عند الحنفية. وعند الجمهور: إذا زال الحصر قبل تحلله يمضي لنسكه، وإن زال الحصر بعد فوات الحج تحلل بعمرة، وإن فات الحج قبل زوال الحصر تحلل بهدي. أما الفوات: فهو أن يفوت المحرم بالحج- نفلاً أو فرضاً- الوقوف بعرفة حتى طلوع فجر يوم النحر. فمن فاته الحج يتحلل بأفعال العمرة بإحرامه السابق ثم يقضي من عام قابل ولا دم عليه عند الحنفية. أما الجمهور فقالوا: يتحلل بعمرة ويقضي على الفور من القابل ويلزمه الهدي في وقت القضاء. ويقضي مثل ما كان قد أهل به، إن كان قارناً، وعليه دمان. ومن اختار البقاء على إحرامه إلى العام القادم جاز. وإذا أخطأ الناس في وقت الوقوف أجزأهم؛ لأنه بمثابة من غم عليه الهلال. فإن أصاب البعض وأخطأ الآخرين وعرف الخطأ، لم يجزئ المخطئين. رفض الإحرام: وهو ما لم يكن بعذر بأن يقول: أنا أرفض الإحرام وأحل، فعمل ما يعمل الحلال، فإنه يظل محرماً تلزمه أحكام المحرم فعليه في كل فعل فعله دم، وإن كان نوى ولم يتلبس بأفعال الحج ثم غير نيته؛ فليس عليه شيء. انظر (فتح القدير 2/ 295 - 303)، (الاختيار: 168)، (الشرح الصغير 2/ 130 - 136)، (المهذب 12/ 1/ 233 - 235)، (الفقه المنهجي: 175)، (المغني 3/ 526 فما بعد)، (الفقه الإسلامي 3/ 283 - 295).

النصوص

النصوص - التحلل لعذر المرض وغيره: 4225 - * روى أبو داود عن الحجاج بن عمرو الأنصاري (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من كسر أو عرج فقد حل، وعليه الحج من قابل". قال عكرمة: فسمعته يقول ذلك، فسألت ابن عباس وأبا هريرة عما قال، فصدقاه. وزاد أبو داود في رواية (1) أخرى: "أو مرض". 4226 - * روى مالك في الموطأ عن سليمان بن يسار (رحمه الله) "أن معبد بن حزابة المخزومي صرع ببعض طريق مكة وهو محرم، فسأل على ذلك الماء الذي كان عليه، فوجد عبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، ومروان بن الحكم، فذكر لهم ذلك الذي عرض له، فكلهم أمره أن يتداوى بما لابد منه ويفتدي، فإذا صح اعتمر فحل من إحرامه، ثم عليه حج قابل، ويهدي ما استيسر من الهدي". 4227 - * روى الشيخان عن كعب بن عجرة (رضي الله عنه) قال: "أتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أوقد تحت قدر لي، والقمل يتناثر على وجهين فقال: أيؤذيك هو أم رأسك؟ قال: قلت: نعم، قال: فاحلق، وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، أو انسك نسيكة- لا أدري بأي ذلك بدأ". وفي رواية (2) قال: "في نزلت هذه الآية: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ

_ 4225 - أبو داود (2/ 173) كتاب المناسك، باب الإحصار. الترمذي (3/ 277) 7 - كتاب الحج، 96 - باب ما جاء في الذي يهل بالحج فيكسر أو يعرج. النسائي (5/ 198) 24 - كتاب مناسك الحج، 102 - باب فيمن أحصر بعدو. (1) أبو داود: نفس الموضع السابق. 4226 - الموطأ (1/ 362) 20 - كتاب الحج، 32 - باب ما جاء فيمن أحصر بغير عدو، وإسناده صحيح. 4227 - البخاري (7/ 457) 64 - كتاب المغازي، 35 - باب غزوة الحديبية .. إلخ. مسلم (2/ 859، 860) 15 - كتاب الحج، 10 - باب جواز حلق الرأس للمحرم ... إلخ. (2) مسلم: نفس الموضع السابق ص (860).

رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (1) قال: فأتيته، فقال: ادنه، فدنوت، فقال: ادنه، فدنوت فقال: أيؤذيك هوآمك؟ - قال ابن عون: وأظنه قال: نعم- قال: فأمرني بفدية من صيام، أو صدقة، أو نسك: ما تيسر". وفي أخرى (2): "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف عليه ورأسه يتهافت قملاً، فقال: أيؤذك هوامك؟ قلت: نعم، قال: فاحلق رأسك، قال: ففي نزلت هذه الآية: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا ...} وذكر الآية، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: صم ثلاثة أيام، أو تصدق بفرق بين ستة، أو انسك ما تيسر". وفي أخرى (3): "أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به وهو بالحديبية قبل أن يدخل مكة وهو محرم، وهو يوقد تحت قدر، والقمل يتهافت على وجهه، ولم يتبين لهم أنهم يحلون بها، وهم على طمع أن يدخلوا مكة، فأنزل الله الفدية ... وذكر نحوه". وفي أخرى (4): "والفرق: ثلاثة آصع" وفيه: "أو انسك نسيكة". وفي أخرى (5): "أو اذبح شاة". وفي أخرى (6): "فدعا بالحلاق فحلقه" ثم ذكر الفداء. وفي أخرى (7): بنحوه، وفيها: "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى- أو ما كنت أرى الجهد بلغ بك ما أرى- أتجد شاة؟ قلت: لا قال: فصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع. قال كعب فنزلت في خاصة، وهي لكم عامة".

_ (1) البقرة: 196. (2) مسلم: نفس الموضع السابق ص (860، 861). (3) البخاري (4/ 18) 27 - كتاب المحصر، 8 - باب النسك شاة. (4) مسلم: نفس الموضع السابق ص (861). (5) مسلم: نفس الموضع السابق ص (861). (6) البخاري (10/ 123) 75 - كتاب المرضى، 16 - باب ما رخص للمريض أن يقول ... إلخ. مسلم: نفس الموضع السابق ص (862). (7) البخاري (4/ 16) 27 - كتاب المحصر، 7 - باب الإطعام في الفدية نصف صاع. مسلم: نفس الموضع السابق ص (862).

وفي رواية الموطأ (1): "أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرماً، فآذاه القمل، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلق رأسه، وقال له: صم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين مدين لكل إنسان، أو انسك بشاة، أي ذلك فعلت أجزأ عنك". وفي رواية أبي (2) داود: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به زمن الحديبية، فقال: "قد آذاك هوام رأسك؟ قال: نعم، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: احلق، ثم اذبح شاة نسكاً، أو صم ثلاثة أيام، أو أطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين". وفي أخرى (3) قال: "إن شئت فانسك نسيكة، وإن شئت فصم ثلاثة أيام، وإن شئت فأطعم ثلاثة آصع من تمر لستة مساكين". وفي أخرى (4) له قال: "أمعك دم؟ قال: لا ... فذكر نحوه، وقال: بين كل مسكينين صاع". وفي أخرى (5): "أنه كان قد أصاب في رأسه أذى، فحلق، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يهدي هدياً بقرة". وفي أخرى (6) له قال: أصابني هوام في رأسي، وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية، حتى تخوفت على بصري. قال: فأنزل الله عز وجل في: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ...} الآية. فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: احلق رأسك، وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين فرقاً من زببيب، أو انسك شاة، فحلقت رأسي ثم نسكت".

_ (1) الموطأ (1/ 417) 20 - كتاب الحج، 78 - باب فدية من حلق قبل أن ينحر. (2) أبو داود (2/ 172) كتاب المناسك، باب في الفدية. (3) أبو داود: نفس الموضع السابق. (4) أبو داود: نفس الموضع السابق. (5) أبو داود: نفس الموضع السابق. (6) أبو داود: نفس الموضع السابق ص (172، 173).

- الاشتراط في الحج

قال في رواية (1): "أي ذلك فعلت أجزأ عنك". 4228 - * روى مالك في الموطأ عن أبي أسماء مولى عبد الله بن جعفر (رحمه الله) "أنه كان مع عبد الله بن جعفر، فخرج معه من المدينة، فمروا على حسين ابن علي وهو مريض بالسقيا، فأقام عليه عبد الله بن جعفر، حتى إذا خاف الفوت خرج، وبعث إلى علي بن أبي طالب وأسماء بنت عميس- وهما بالمدينة- فقدما عليه، ثم إن حسينا أشار إلى رأسه، فأمر علي برأسه فحلق، ثم نسك عنه بالسقيا، فنحر عنه بعيراً". قال يحيى بن سعيد: وكان حسني خرج مع عثمان بن عفان في سفره ذلك إلى مكة. - الاشتراط في الحج: 4229 - * روى مسلم عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) "أن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني امرأة ثقيلة، وإني أريد الحج، فما تأمرني؟ قال: أهلي بالحج واشترطي: أن محلي حيث تحبسني، قال: فأدركت". وفي رواية (2): "أن ضباعة أرادت الحج، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تشترط، ففعلت ذلك عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم".

_ (1) أبو داود: نفس الموضع السابق ص (173). (ادنه): أمر من الدنو، وهو القرب، والهاء للسكت، زيدت لبيان الحركة. (بفرق): الفرق: تفتح راؤه وتسكن، والفتح أفصح، وهو مكيال معروف يسع ستة عشر رطلاً. (ثلاثة) آصع، الآصع: جمع قلة للصاع، والصاع: أربعة أمداد على اختلاف المذهبين. (هوامك) الهوام: جمع هامة، وهي الدبيب، كالقمل ونحوه مما يكون في الشعر والبدن. (يتهافت) التهافت: التساقط والانتشار. (مدين) المد: مقدار يسع رطلاً وثلثاً بالعراقي عند الشافعي، ورطلين عند أبي حنيفة والمد: ملء الكفين مجتمعين ممدودين. 4228 - الموطأ (1/ 388) 20 - كتاب الحج، 52 - باب الجامع الهدي، وفي سنده يعقوب بن خالد، وأبو أسماء مولى عبد الله بن جعفر، لم يوثقهما غير ابن حبان، لكن له شاهد من حيث المعنى. 4229 - مسلم (2/ 868) 15 - كتاب الحج، 15 - باب جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض ونحوه. (2) مسلم: نفس الموضع السابق ص (869).

الصبر على المرض حتى يتحلل بعمرة

وفي راوية الترمذي (1) وأبي داود (2): "أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إني أريد الحج، أفأشترط؟ قال: نعم، قالت: كيف أقول؟ قال: قولي: لبيك اللهم لبيك، محلي من الأرض حيث تحبسني". وللنسائي (3) مثل الثالثة، وزاد "فإن لك على ربك ما استثنيت". 4230 - * روى الشيخان عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير وقال لها: لعلك أردت الحج؟ قالت: والله ما أجدني إلا وجعة، فقال لها: حجي واشترطي وقولي: اللهم محلي حيث حبستني. وكانت تحت المقداد بن الأسود". أقول: إن الحنفية اعتبروا المرض عذراً من أعذار الإحصار سواء اشترط أو لم يشترط ولذلك قالوا: إذا اشترط ثم مرض وتحلل لا يسقط عنه الدم، ووافقهم الشافعية في عدم سقط الدم عنه. وقال الحنابلة: لا شيء عليه "أي المشترط". الصبر على المرض حتى يتحلل بعمرة: 4231 - * روى مالك في الموطأ عن أيوب بن أبي تميمة السختياني (رحمه الله) عن رجل من أهل البصرة- كان قديماً- أنه قال: "خرجت إلى مكة، حتى إذا كنت ببعض الطريق كسرت فخذي، فأرسلت إلى مكة وبها عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر، والناس، فلم يرخص لي أحد أن أحل، وأقمت على ذلك الماء سبعة أشهر حتى أحللت بعمرة". - الإحصار بالعدو والحبس: 4232 - * روى البخاري عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) كان

_ (1) الترمذي (3/ 278، 279) 7 - كتاب الحج، 97 - باب ما جاء في الاشتراط في الحج. (2) أبو داود (2/ 151، 152) كتاب المناسك، 22 - باب الاشتراط في الحج. (3) النسائي (5/ 168) 24 - كتاب مناسك الحج، 60 - باب كيف يقول إذا اشترط. 4230 - البخاري (9/ 132) 67 - كتاب النكاح، 15 - باب الأكفاء في الدين. مسلم (2/ 867، 868) 15 - كتاب الحج، 15 - باب جواز اشتراط المحرم التحلل ... إلخ. 4231 - الموطأ (1/ 361) 20 - كتاب الحج، 32 - باب ما جاء فيمن أحصر بغير عدو، وهو صحيح. 4232 - البخاري (4/ 8) 27 - كتاب المحصر، 2 - باب الإحصار في الحج. النسائي (5/ 169) 24 - كتاب مناسك الحج، 61 - باب ما يفعل من حبس عن الحج ولم يكن اشترط.

- ما يجب على المتحلل

يقول: "أليس حسبكم سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إن حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت والصفا والمروة، ثم حل من كل شيء، حتى يحج عاماً قابلاً، فيهدي، أو يصوم إن لم يجد هدياً؟ ". وفي رواية (1) الموطأ: قال: "المحصر بمرض لا يحل حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة". وفي أخرى (2) له: قال: "المحصر بمرض لا يحل حتى يطوف بالبيت وبين الصفا والمروة، فإن اضطر إلى لبس شيء من الثياب التي لابد له منها، أو الدواء، صنع ذلك، وافتدى". - ما يجب على المتحلل: 4233 - * روى البخاري عن ابن عباس (رضي الله عنه) قال: "أحصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحلق رأسه، ونحر هديه، وجامع نساءه، حتى اعتمر عاماً قابلاً". - بعث الهدي إلى الحرم لمن استطاع: 4234 - * روى البخاري عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: "إنما البدل على من نقض حجة بالتلذذ، فأما من حبسه عذر، أو غير ذلك، فإنه لا يحل ولا يرجع، وإن كان معه هدي- وهو محصر- نحره إن كان لا يستطيع أن يبعث به، وإن استطاع أن يبعث به، لم يحل حتى يبلغ الهدي محله". - التحلل بعمرة لمن فاته الوقوف بعرفة: 4235 - * روى مالك في الموطأ عن سليمان بن يسار "أن أبا أيوب الأنصاري رضي الله

_ (1) الموطأ (1/ 361) 20 - كتاب الحج، 32 - باب ما جاء فيمن أحصر بغير عدو. (2) الموطأ: نفس الموضع السابق. 4233 - البخاري (4/ 4) 27 - كتاب المحصر، 1 - باب إذا أحصر المعتمر. 4234 - البخاري (4/ 10) 27 - كتاب المحصر، 4 - باب من قال: ليس على الحصر بدل. 4235 - الموطأ (1/ 383) 20 - كتاب الحج، 49 - باب هدي من فاته الحج، وإسناده صحيح.

عنه خرج حاجاً، حتى إذا كان بالنازية من طريق مكة أضل رواحله، وإنه قدم على عمر ابن الخطاب يوم النحر، فذكر ذلك له، فقال عمر: اصنع ما يصنع المعتمر، ثم قد حللت، فإذا أدركك الحج قابلاً فاحجج، وأهد ما استيسر من الهدي". 4236 - * روى مالك في الموطأ عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس (رضي الله عنهم) قالا: "ما استيسر من الهدي: هو شاة". أقول: في النص إشارة وتفسير لقوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}.

_ (النازية) بالزاي وتخفيف الياء: عين ثرة على الطريق الآخذ من مكة إلى المدينة قرب الصفراء، وهي إلى المدينة أقرب، وإليها مضافة. 4236 - الموطأ (1/ 385) 20 - كتاب الحج، 51 - باب ما استيسر من الهدي، وقد أخرجه مالك عن علي مسنداً، وعن ابن عباس مرسلاً، وهو حسن بشواهده.

الباب السابع في الإحرام ولباسه وفي التلبية وما يحل للمحرم وما يحرم عليه وفي الجنايات على الإحرام والحج

الباب السابع في الإحرام ولباسه وفي التلبية وما يحل للمحرم وما يحرم عليه وفي الجنايات على الإحرام والحج وفيه عرض إجمالي ونصوص

عرض إجمالي

عرض إجمالي هناك حرم وإحرام، فالحرم له حقوق لا يصح تجاوزها، ومن تجاوزها، فقد ارتكب جناية بحسب نوع هتك حرمة الحرم، والإنسان إذا أحرم ترتبت عليه بسبب إحرامه واجبات، فإذا أخل بها فإن عليه أن يفعل شيئاً في مقابل الخلل على حسب ما رتبه الشارع. قال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (1) وقال تعالى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} (2) فهذان نموذجان على ما يحظر على المحرم، والإحرام- بمعناه العام- كما أوضحه ابن الأثير: مصدر أحرم الرجل يحرم إحراماً: إذا أهل بالحج أو العمرة، وباشر أسبابهما وشروطهما من خلع المخيط واجتناب الأشياء التي منعه الشرع منها، كالطيب والنكاح والصيد ونحو ذلك، والأصل فيه: المنع، وكأن المحرم منع من هذه الأشياء. وأحرم الرجل: إذا دخل في الشهور الحرم، وإذا دخل الحرم. ا. هـ. والإحرام مظهر من مظاهر تعظيم الحرم. وهو نية وعمل وامتناع عن أشياء، أما النية: فهي ركن من أركان الحج والعمرة ويترتب على الخلل فيما يلزم المحرم أو فيما يجب الامتناع عنه عقوبات. وإذا تم الإحرام، لا يخرج منه إلا بعمل النسك الذي أحرم به، فإن أفسده، وجب قضاؤه. وإن فاته الوقوف بعرفة، أتمه عمرة وعليه القضاء، وإن أحصر أي منع عن إكماله، ذبح هدياً وقضاه، ولا ينعقد الإحرام بدون النية. فإن اقتصر على النية ولم يلب أجزأه عند الشافعية والحنابلة، وإن لبى بلا نية، لم ينعقد إحرامه، ولا يشترط قرن النية بالتلبية خلافاً للحنفية والأفضل أن ينطق بما نواه فيقول: "اللهم إني أريد الحج أو العمرة، فيسره لي وتقبله مني". وإن أراد القران قال: "اللهم إني أريد العمرة والحج فيسرهما لي وتقبلهما مني". والأفضل أن يعين المحرم ما أحرم به من حج أو عمرة أو هما معاً للتعيين أفضل من الإطلاق، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بالإحرام بنسك معين.

_ (1) البقرة: 197. (2) المائدة: 95.

- قال الحنفية: لو أحرم بالحج ولم يعين حجة الإسلام وعليه حجة الإسلام، يقع عنها استحساناً؛ لأن الظاهر من حاله أنه لا يريد بإحرام الحج حجة التطوع. ويبقي نفسه في عهدة الفرض، فيحمل على حجة الإسلام بدلالة حاله، فكان الإطلاق فيه تعييناً كما في صوم رمضان. ويصح إبهام الإحرام، وهو أن يحرم بما أحرم به فلان فإن لم يكن فلان محرماً. انعقد إحرامه مطلقاً، وإن كان محرماً بنسك معين، انعقد إحرامه كإحرامه وإن تعذر معرفة إحرامه بموته كان حكمه كالناسي. وحكم الناسي: إذا أحرم بنسك ثم نسي ما عينه أهو حج أو عمرة أو هما معاً، يكون قراناً عند الجمهور، لأنه تلبس بالإحرام يقيناً فلا يتحلل إلا بيقين الإتيان بالمشروع فيه فيعمل أعمال النسكين ليتحقق الخروج عما شرع فيه فتبرأ ذمته من الحج بعد إتيانه بأعماله ولا تبرأ ذمته من العمرة لاحتمال أنه أحرم بالحج. وأجاز جمهور الفقهاء إدخال الحج على العمرة بشرط أن يكون الإدخال قبل الشروع في طواف العمرة واتفق العلماء على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه عام حجه بفسخ الحج إلى العمرة. فإنه عليه الصلاة والسلام أمر من لم يسق الهدي من أصحابه أني فسخ إهلاله بالحج إلى العمرة. ثم اختلف العلماء في هذا الفسخ هل هو خاص للصحابة في تلك السنة خاصة أم باق لهم ولغيرهم إلى يوم القيامة. فقال الجمهور منهم غير الحنابلة: هو مختص بهم في تلك السنة لا يجوز بعدها وإنما أمروا به تلك السنة ليخالفوا ما كانت عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج. ومما لا بأس به للمحرم: أن يتوسد عمامة أو وسادة أو ينغمس في ماء أو يستظل بمحمل أو نحوه ولا يضر وضع يده على رأسه، ولو طال، وللغير شد خيط عليه لصداع أو غيره ويجوز الاستظلال بمظلة أو بيت أو سيارة أو شجر أو خيمة. - وضابط ما يحرم لبسه على المحرم: هو الملبوس والمعمول على قدر البدن أو قدر عضو منه بحيث يحيط به، إما بخياطة وإما بغير خياطة. فيشمل القميص والسراويل والجبة والخف، والقميص المنسوج غير المخيط، والدرع والجورب والملزق بعضه ببعض والمعقود في سائر أجزاء بدنه والمعتبر في اللبس العادة في كل ملبوس، إذ به يحصل الترفه، فلو ارتدى بالقميص أو القباء أو التحف بهما أو أتزر بالسراويل، فلا بأس ولا فدية ولو ألقى على

جسده قباء أو عباءة وكان بحيث لو قام أو قعد لم يستمسك عليه إلا بمزيد عناية، ولم تلزمه الفدية فله أن يجعل المخيط على ظهره من غير لباس ملتحفاً به أو مرتدياً. وأجاز الشافعية والحنفية للمرأة المحرمة ستر وجهها بغير اختيارها بوجود حاجز عن الوجه فقالوا: للمرأة أن تسدل على وجهها ثوباً متجافياً عنه بخشبة ونحوها، سواء فعلته لحاجة من حر أو برد أو خوف فتنة ونحوها أو لغير حاجة، فإن وقعت الخشبة فأصاب الثوب وجهها ورفعته في الحال فلا فدية وإن كان عمداً أو وقعت بغير اختيارها فاستدامت، لزمتها الفدية. وضابط حرمة الطيب للمحرم: هو مس الطيب بحيث يلزق شيء منه بثوبه أو بدنه كاستعمال ماء الورد والمسك وغيرهما ولا بأس أن يغتسل المحرم ويدخل الحمام؛ لأنه طهارة فلا يمنع منها، وله أن يكتحل، لأن الكحل ليس له رائحة طيبة فلا يكون طيباً ولكن لا يغسل رأسه ولا لحيته بالخطمي؛ لأنه نوع طيب، وإزارة شعر المحرم من جميع بدنه ولو من أنفه بالحلق أو النتف أو تقليم الأظافر حرام بالاتفاق: فلا يقلم أظفاره، ولا ينتف إبطه، ولا يحلق عانته ولا شاربه وغيرهما من شعور البدن، ولا يقص شعره وشعر غيره ولا يقتل قملة ولا برغوثاً، ولا يحك ما لا يراه من بدنه حكاً عنيفاً؛ لئلا تكون فيه قملة فتقع، وذلك كله بغير عذر فإن كان بعذر، فلا إثم. ويحرم على المحرم عقد الزواج ولا يصح عند الجمهور إلا في حق النبي صلى الله عليه وسلم إن ثبت تزوجه ميمونة وهو محرم. فلا يتزوج المحرم ولو بوكيل غير محرم، ولا يزوج بولاية أو وكالة، فإن فعل فالزواج باطل، وتكره الخطبة للمحرم وخطبة المحرمة، ويكره للمحرم أن يخطب لحلال (غير محرم). ويحرم على المرأة الحلال تمكين زوجها المحرم من الجماع؛ لأنه إعانة على معصية، ويحرم على الرجل الحلال جماع زوجته المحرمة. ويجوز للمحرم بالاتفاق أن يتجر ويصنع البضائع، ويرتجع زوجته ما دامت في عدتها. وقال العلماء: لا يجوز للمحرم أن يتعرض لصيد البر المأكول وغير المأكول إلا المؤذي غالباً. والصيد الممنوع: كل حيوان بري متوحش بأصل الخلقة مباح أو مملوك، فلا يحرم على المحرم ذبح الإبل والبقر والغنم، لأنها ليست بصيد، لعدم الامتناع، والصيد: هو الممتنع المتوحش، ولا يحرم الدجاج والبط الذي في المنازل ويحل صيد البحر للحلال والمحرم.

والبحري: هو الذي توالده في البحر، سواء أكان لا يعيش في البحر أو يعيش في البحر والبر. والبري: ما يكون توالده في البر، سواء أكان يعيش إلا في البر أو البر والبحر، فالعبرة للتوالد. - ولا بأس بقتل البرغوث والبعوض والذباب والقراد والزنبور، لأنها ليست بصيد: لانعدام التوحش والامتناع، ولأن هذه الأشياء من المؤذيات المبتدئة بالأذى غالباً. - ولا يقتل المحرم القملة، لا لأنها صيد، بل لما فيها من إزالة التفث، والمحرم منهي عن إزالة التفث من بدنه، فإن قتلها تصدق بشيء كما لو أزال شعرة. وإن ذبح أو قتل المحرم صيداً فذبيحته ميتة بالاتفاق، لا يحل أكلها لأحد من محرم أو حلال. والجناية نوعان: أولاً: الجناية على الإحرام: وهي ارتكاب مخالفة لأعمال الحج أو العمرة، أو اقتراف محظور من محظورات الإحرام، وترك واجب من واجبات الحج ولو كان الجاني ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً أو محطئاً أو مغمى عليه. ثانياً: جناية على الحرم: وهي التعرض لصيد الحرم وشجره سواء من المحرم أو غيره. إذا كان الشخص مكلفاً ولو ناسياً أو جاهلاً أو مكرهاً أو مخطئاً، وذلك يوجب ضمان المثل أو القيمة، وقد مر معنا في الباب الأول نصوص كثيرة تبين محظورات الحرم. وقال الجمهور- غير الحنفية-: إذا لبس المحرم، أو حلق شعره، أو قلم أظفاره، أو تطيب، أو دهن، يخير في الفدية بين ذبح شاة يتصدق بها، أو صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع. وإذا حلق المحرم رأس حلال، أو قلم أظفاره؛ فلا فدية عليه عند الجمهور. وإن حلق محرم رأس محرم بإذنه لا للتحلل أو حلقه حلال بإذنه؛ فالفدية على المحلوق. وإن أتلف المحرم صيداً له مثل من النعم، ففيه مثله عند الشافعية والمالكية، وإن لم يكن له مثل، ففيه قيمة ويتخير في جزاء إتلاف الصيد المثلي بين ثلاثة أمور: ذبح مثله،

والتصدق به على مساكين الحرم، أو أن يقوم المثل بالدراهم ويشتري به طعاماً لمساكين الحرم، أو يصوم عن كل مد يوماً، وغير المثلي: يتصدق بقيمته طعاماً أو يصوم عن كل مد يوماً. وقاعدة الضمان: كل ما يضمن به الآدمي، يضمن به الصيد من مباشرة وتسبب وما جنت عليه دابته بيدها أو فمها من الصيد فالضمان على راكبها أو قائدها أو سائقها، وما جنت برجلها، فلا ضمان عليه؛ لأنه لا يمكن حفظ رجلها. وكلما قتل صيداً حكم عليه، فيجب الجزاء بقتل الصيد الثاني، كما يجب عليه إذا قتله ابتداء، لأنه كفارة عن قتل، فاستوى فيه المبتدئ والعائد كقتل الآدمي، ولأن هذه الكفارة بدل متلف يجب به المثل أو القيمة، فأشبه بدل مال الآدمي. محظورات الإحرام: وهي ما يحرم معلى المحرم حتى يحلق رأسه للتحلل، وهي أنواع كثيرة ترجع إلى أصول أربعة هي: لبس المخيط، وترفيه البدن، والصيد، والنساء. 1 - لبس المخيط: يحرم على الرجل وبمجرد الإحرام ستر جميع رأسه أو بعضه بكل ما يعد ساتراً سواء أكان مخيطاً أو غيره ويحرم أيضاً ستر الوجه وباقي الجسد بغير إزار ورداء. وأما المرأة فتستر بالمخيط رأسها وسائر بدنها سوى الوجه. 2 - ترفيه البدن: يحرم على المحرم استعمال الطيب في ثوب أو بدن ويحرم بالاتفاق تقليم الأظفار، وإزالة الشعر من جميع بدنه، ولو من أنفه بالحلق، أو النتف. 3 - النساء: ويحرم على المحرم كذلك النساء ويشمل أمرين: عقد الزواج، والجماع ومقدماته. أما عقد الزواج فيحرم ولا يصح عند الجمهور. وأما الجماع فيحرم على المحرم بالاتفاق الوطء في الفرج، ومقدمات الجماع من تقبيل، ولمس بشهوة، ومباشرة، وجماع فيما دون الفرج. والجماع مفسد للحج إن وقع قبل التحلل الأول عند الجمهور، وقبل الوقوف بعرفة عند الحنفية. وإذا فسد الحج بالجماع، فيجب المضي في فاسده، ويجب القضاء اتفاقاً على الفور من العام التالي.

4 - الصيد: فلا يجوز للمحرم قتل صيد البر واصطياده، أو الدلالة عليه، ويجوز له صيد البحر مطلقاً، وذبح المواشي الأنسية كالأنعام من الإبل والبقر والغنم. وإذا ذبح المحرم الصيد، صار ميتة يحرم أكله على جميع الناس بالاتفاق. ويباح للمحرم غسل الرأس بما ينظفه من الوسخ والاكتحال بما لا طيب فيه، وقتل الفواسق كالحدأة والفأرة وغير ذلك من الحيوانات التي نصت عليها السنة أنها من الفواسق، والاستظلال بالبيت والمحمل والمظلة، وأن يشد على وسطه حزام النقود وحمل السلاح وقتال العدو. جزاء الجنايات: الجناية على الإحرام قد توجب دماً واحداً، أو أكثر، أو صدقة، أو دون ذلك، أو قيمة. والجناية التي توجب بدنة: الجماع قبل التحلل الأول، وإذا طاف طواف الإفاضة جنباً أو حائضاً أو نفساء. والجناية التي توجب دمين هي: جناية القارن عند الحنفية، وهي كل جناية يجب فيها على المفرد دم واحد. والجناية التي توجب دماً واحداً إما على سبيل التخيير، أو الترتيب هي: لبس المخيط، وتغطية الرأس، والحلق، وقص الأظافر، والتطيب، ومقدمات الجماع، وترك واجب من واجبات الحج، أما ما يوجب الصدقة وهي: نصف صاع من بر، فهي عند الحنفية: إن طيب المحرم أقل من عضو، أو حلق أقل من ربع الرأس، أو طاف للقدوم أو الوداع محدثاً، أو ترك شوطاً من أشواط طواف الوداع أو السعي. أما ما يوجب أقل من نصف صاع فهو إن قتل جرادة، أو قملة عند الحنفية. أما الجناية التي توجب القيمة أو المثل فهي: جزاء الصيد وقطع النبات. وأوجب الجمهور المثل في المثلى أو القيمة. انظر: (الاختيار ص 143 و 161 - 168)، (كفاية الأخيار ص 135 و 143 - 145)، (المهذب 6/ 2005 - 212)، (والشرح الصغير 2/ 25 و 2/ 74 فما بعد)، (والمغني 3/ 284 وما بعدها)، (والفقه الإسلامي 3/ 124 فما بعد و 3/ 230 فما بعد).

- دخول مكة من غير إحرام لغير مريد النسك

- دخول مكة من غير إحرام لغير مريد النسك: 4237 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء" زاد في رواية (1): "بغير إحرام". وزاد النسائي (2) في أخرى: "أرخى طرف العمامة بين الكتفين". 4238 - * روى مالك في الموطأ عن نافع "أن ابن عمر أقبل من مكة حتى إذا جاء بقديد جاءه خبر من المدينة فرجع فدخل مكة بغير إحرام". أقول: هذان النصان أصلان لمن ذهب أن من لم يرد النسك وكانت له حاجة أخرى في مكة، فله أن يدخلها بلا إحرام. - من صد عن الحرم: 4239 - * روى ابن خزيمة عن سعيد بن جبير، قال: "أتى رجل ابن عباس، فقال: إني أجرت نفسي من قوم فتركت لهم بعض أجرتي أو أجري لو يخلوا بيني وبين المناسك، فهل يجزئ ذلك عني؟ فقال ابن عباس: نعم. هذا من الذين قال الله: {أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (3) ". - جواز الإتجار للحاج: 4240 - * روى ابن خزيمة عن أبي أمامة التيمي، قال: قلت لابن عمر: إنا قوم

_ 4237 - مسلم (2/ 990) 15 - كتاب الحج، 84 - باب جواز دخول مكة بغير إحرام. أبو داود (4/ 54) كتاب اللباس، 22 - باب في العمائم. الترمذي (4/ 225) 25 - كتاب اللباس، 11 - باب ما جاء في العمامة السوداء. النسائي (8/ 211) 48 - كتاب الزينة، 109 - باب لبس العمائم السود. (1) مسلم: (2/ 990) 15 - كتاب الحج، 84 - باب جواز دخول مكة بغير إحرام. (2) النسائي: نفس الموضع السابق ص (211)، 1110 - باب إرخاء طرف العمامة بين الكتفين. 4238 - الموطأ (1/ 423) 20 - كتاب الحج، 81 - باب جامع الحج. 4239 - ابن خزيمة (4/ 351) كتاب المناسك، 873 - باب حج الأجراء ... إلخ، وإسناده صحيح. (3) البقرة: 202. 4240 - ابن خزيمة (4/ 350) كتاب المناسك، 872 - باب حج الأكرياء ... إلخ، إسناده صحيح، ورجاله كلهم ثقات.

- بدأ الإحرام والتلبية لمريد النسك

نكرى في هذه الوجه، وإن قومي يزعمون أنه لا حج لنا. فقال ابن عمر: ألستم تطوفون بالبيت؟ ألستم تسعون بين الصفا والمروة، ألستم، ألستم؟ إن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله مثل ما سألتني، فلم يدر ما يرد عليه، حتى نزلت {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} (1). فدعاه، فتلاها عليه، وقال: "أنتم حجاج". أقول: هذا النص وأشباهه دليل لمن ذهب أنه يمكن أن يجتمع مع الحج عمل وإجارة وتجارة، وقوله: نكرى في هذا الوجه: أي نكرى في خدمة الحجيج. 4241 - * روى ابن خزيمة عن ابن عباس: "أن الناس كانوا في أول الحج يبتاعون بمنى وعرفة وسوق ذي المجاز ومواسم الحج، فخافوا البيع وهم حرم فأنزل الله (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم) في مواسم الحج، فحدثني عبيد بن عمير أنه كان يقرؤها في المصحف". - بدأ الإحرام والتلبية لمريد النسك: 4242 - * روى البخاري عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما): "أن إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ذي الحليفة، حين استوت به راحلته". وفي رواية (2): "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد الحج أذن في الناس فاجتمعوا، فلما أتى البيداء أحرم. في قوله "حين استوت به راحلته". قال الحافظ في "الفتح": وغرضه منه الرد على من زعم أن الحج ماشياً أفضل، لتقديمه في الذكر على الراكب، فبين أنه لو كان أفضل لفعله النبي صلى الله عليه وسلم، بدليل أنه لم يحرم حتى

_ (1) البقرة: 198. 4241 - ابن خزيمة (4/ 351، 352) كتاب المناسك، 874 - باب إباحة التجارة في الحج ... وإسناده صحيح. المستدرك: (481) من طريق ابن أبي ذئب، وليس فيه ذكر لقراءة عبيد بن عمير في المصحف. 4242 - البخاري (3/ 379) 25 - كتاب الحج، 2 - باب قول الله تعالى: {يَأْتُوكَ رِجَالًا ...}. (2) الترمذي (3/ 193) 7 - كتاب الحج، 17 - باب ما جاء من أي موضع أحرم النبي صلى الله عليه وسلم. (أذن) التأذين: الإعلام بالشيء والنداء به.

استوت به راحلته. وقال الحافظ أيضاً: قال ابن المنذر: اختلف في الركوب والمشي في الحج أيهما أفضل؟ فقال الجمهور: الركوب أفضل، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولكونه أعون على الدعاء والابتهال، ولما فيه من المنفعة. 4243 - * روى مالك في الموطأ عن عروة بن الزبير (رضي الله عنهما) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في مسجد ذي الحليفة ركعتين، فإذا استوت به راحلته أهل". 4244 - * روى البزار عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم "أحرم في دبر الصلاة". أقول: السنة لمن أراد الإحرام أن يغتسل ثم يصلي ركعتين ثم يلبي في مصلاه، والظاهر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: لبى بعد ما صلى، ولبى بعد ما استوت به راحلته، وكل من الناس حدث بما رأى. 4245 - * روى أبو داود عن سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان إذا أخذ طريق الفرع أهل إذا استقلت به راحلته، وإذا أخذ طريق أحد، أهل إذا أشرف على جبل البيداء". 4246 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) قال: "بيداؤكم هذه، التي تكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند المسجد، يعني: مسجد ذي الحليفة".

_ 4243 - الموطأ (1/ 332) 20 - كتاب الحج، 9 - باب العمل في الإهلال، وهو مرسل، وقد وصله البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر في إحدى رواياته: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يركب راحلته بذي الحليفة، ثم يهل حتى تستوي به قائمة، ووصله البخاري ومسلم أيضاً من حديث أنس. 4244 - كشف الأستار (2/ 12) كتاب المناسك باب الإهلال. مجمع الزوائد (3/ 221) وقال الهيثمي: رواه البزار: ورجاله رجال الصحيح خلا شيخ البزار، وقد حسن الترمذي حديثه. 4245 - أبو داود (2/ 151) كتاب المناسك، 21 - باب في وقت الإحرام، وفي إسناده محمد بن إسحاق، ولكنه صرح بالتحديث، فالحديث حسن. 4246 - البخاري (3/ 400) 25 - كتاب الحج، 20 - باب الإهلال عند مسجد ذي الحليفة. مسلم (2/ 843) 15 - كتاب الحج، 4 - باب أمر أهل المدينة بالإحرام من عند مسجد ذي الحليفة.

وفي رواية (1): "ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند الشجرة، حين قام به بعيره". وفي أخرى (2) قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وضع رجله في الغرز، واستوت به راحلته قائمة، أهل من عند مسجد ذي الحليفة". وفي أخرى (3): "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يركب راحلته بذي الحليفة، ثم يهل، حين تستوي به قائمة". قال النووي في شرح مسلم (1/ 376): قوله: "بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله- إلخ" قال العلماء: هذه البيداء هي: الشرف الذي قدام ذي الحليفة إلى جهة مكة، وهي بقرب ذي الحليفة. وسميت بيداء، لأنه ليس فيها بناء ولا أثر. وكل مفازة تسمى: بيداء. وأما هنا، فالمراد بالبيداء ما ذكرناه. وقوله: "تكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها" أي تقولون: إنه صلى الله عليه وسلم أحرم منها، ولم يحرم منها، وإنما أحرم قبلها من عند مسجد ذي الحليفة، ومن عند الشجرة التي كانت هناك، وكانت عند المسجد. وسماهم ابن عمر كاذبين، لأنهم أخبروا بالشيء على خلاف ما هو وقد سبق في أول هذا الشرح في مقدمة "صحيح مسلم": أن الكذب عند أهل السنة: هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه، سواء تعمده، أم غلط فيها وسها. وفيه دلالة: أن ميقات أهل المدينة من عند مسجد ذي الحليفة، ولا يجوز لهم تأخير الإحرام إلى البيداء، وبهذا قال جميع العلماء. وفيه: أن الإحرام من الميقات أفضل من دويرة أهله، لأنه صلى الله عليه وسلم ترك الإحرام من مسجده، مع كمال شرفه. فإن قيل: إنما أحرم من الميقات لبيان الجواز. قلنا: هذا غلط من وجهين. أحدهما: أن البيان قد حصل بالأحاديث الصحيحة في بيان المواقيت. والثاني: أن فعل رسول الله

_ (1) مسلم: نفس الموضع السابق. (2) البخاري (6/ 69) 56 - كتاب الجهاد، 53 - باب الركاب والغرز للدابة. (3) مسلم (2/ 845) 15 - كتاب الحج، 5 - باب الإهلال من حيث تنبعث الراحلة. (بيداؤكم): البيداء: البرية، والمراد به في الحديث: موضع مخصوص بين مكة والمدينة. (الغرز): ركاب الرحل الذي تركب به الإبل، إذا كان من جلد، فإن كان من خشب أو حديد فهو ركاب.

- ما يفعل من أراد الإحرام وجواز الطيب له

صلى الله عليه وسلم، إنما يحمل على بيان الجواز في شيء يتكرر فعله كثيراً، فيفعله مرة أو مرات على الوجه الجائز لبيان الجواز ويواظب غالباً على فعله على أكمل وجوهه، وذلك كالوضوء مرة ومرتين وثلاثاً، كله ثابت، والكثير أنه صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثاً ثلاثاً. وأما الإحرام بالحج، فلم يتكرر، وإنما جرى منه صلى الله عليه وسلم مرة واحدة، فلا يفعله إلا على أكمل وجوهه، والله أعلم. 4247 - * روى الشيخان عن نافع مولى ابن عمر قال: "كان ابن عمر (رضي الله عنه) إذا دخل أدنى الحرم: أمسك عن التلبية، ثم يبيت بذي طوى ثم يصلي بها الصبح ويغتسل، ويحدث: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك"ز وفي رواية (1) "كان إذا صلى الغداة بذي الحليفة: أمر براحلته فرحلت ثم ركب، حتى إذا استوت به، استقبل القبلة قائماً، ثم يلبي، حتى إذا بلغ الحرم أمسك، حتى إذا أتى ذا طوى بات به، فيصلي به الغداة، ثم يغتسل، وزعم: أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك". وأخرجه الموطأ مختصراً "أن ابن عمر: كان يصلي في مسجد ذي الحليفة، ثم يخرج فيركب، فإذا استوت به راحلته أحرم". قال الحافظ في "الفتح": قال ابن المنذر: الاغتسال عند دخول مكة مستحب عند جميع العلماء، وليس في تركه عندهم فدية. وقال أكثرهم: يجزئ منه الوضوء. - ما يفعل من أراد الإحرام وجواز الطيب له: 4248 - * روى البزار عن عائشة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يحرم غسل رأسه بخطمي وأشنان ودهنه بشيء من زيت غير كثير".

_ 4247 - البخاري (3/ 435) 25 - كتاب الحج، 38 - باب الاغتسال عند دخول مكة. مسلم (2/ 919) 15 - كتاب الحج، 38 - باب استحباب المبيت بذي طوى ... إلخ. (1) البخاري (3/ 412) 25 - كتاب الحج، 29 - باب الإهلال مستقبل القبلة. الموطأ (1/ 333) 20 - كتاب الحج، 9 - باب العمل في الإهلال. 4248 - كشف الأستار (2/ 11) كتاب المناسك، باب الاغتسال للإحرام. مجمع الزوائد (3/ 217) وقال الهيثمي: رواه البزار والطبراني في الأوسط باختصار، وإسناد البزار حسن.

4249 - * روى البزار عن ابن عمر قال: من السنة أن يغتسل الرجل إذا أراد أن يحرم". 4250 - * روى الطبراني في الكبير عن ابن عباس قال: "تطيب قبل أن تحرم". 4251 - * روى الشيخان عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: "طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين حين أحرم، ولحله حين أحل قبل أن يطوف، وبسطت يديها". وفي رواية (1) نحوه، وفيه: "قبل أن يفيض بمنى". وفي أخرى (2): "كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يحرم، ويوم النحر، قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك". وفي أخرى (3) قالت: "طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي بذريرة في حجة الوداع للحل والإحرام". وفي أخرى (4) قالت: "كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم عند إحرامه بأطيب ما أجد".

_ 4249 - كشف الأستار: نفس الموضع السابق. مجمع الزوائد (3/ 217) وقال الهيثمي: رواه البزار والطبراني في الكبير، إلا أنه قال عند إحرامه وعند دخول مكة، ورجال البزار ثقات كلهم. 4250 - الطبراني "الكبير" (11/ 183). مجمع الزوائد (3/ 218) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح. 4251 - البخاري (3/ 585) 25 - كتاب الحج، 143 - باب الطيب بعد رمي الجمار، والحلق قبل الإفاضة. مسلم (2/ 846) 15 - كتاب الحج، 7 - باب الطيب للمحرم. (1) البخاري (10/ 366) 77 - كتاب اللباس، 73 - باب تطيب المرأة زوجها بيديها. (2) مسلم: نفس الموضع السابق ص (849). (3) البخاري (10/ 371) 77 - كتاب اللباس، 81 - باب الذريرة. مسلم: نفس الموضع السابق ص 847. (4) البخاري (10/ 370) 77 - كتاب اللباس، 79 - باب ما يستحب من الطيب. (أحل): المحرم يحل إحلالاً، وحل يحل حلالاً، بمعنى: إذا حل له ما حرم عليه من محظورات الحج، ورجل حل من الإحرام، أي: حلال يقال: أنت حل، وأنت حرم. والحل أيضاً: ما جاوز الحرم، وحل الهدي يحل حلة وحلولاً: أي بلغ الموضع الذي يحل فيه نحره. وأحل الرجل: إذا خرج إلى الحل، وأحللنا، أي دخلنا في شهور الحل. (تفيض): الإفاضة: دفع الحجيج من عرفة ومن مزدلفة، ولا تكون الإفاضة إلا مسيراً في كثرة. (بذريرة): الذريرة: ضرب من الطيب مجموع من أخلاط.

وفي أخرى (1) قال: "سألت عائشة: بأي شيء طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إحرامه؟ قالت: بأطيب الطيب". وفي أخرى (2): "كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأطيب ما أقدر عليه قبل أن يحرم، ثم يحرم". وفي أخرى (3): "بأطيب ما أجد، حتى أجد وبيض الطيب في رأسه ولحيته". وفي أخرى (4) قالت: "كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم". وفي أخرى (5) قال: "كان ابن عمر يدهن بالزيت، فذكرته لإبراهيم النخعي فقال: ما تصنع بقوله: حدثني عن عائشة: كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم". زاد في رواية (6): "وذلك طيب إحرامه". وفي أخرى (7): قال محمد بن المنتشر "سألت عبد الله بن عمر: عن الرجل يتطيب، ثم يصبح محرماً؟ فقال: ما أحب أن أصبح محرماً أنضح طيباً، لأن أطلي بقطران أحب إلي من أن أفعل ذلك، فدخلت على عائشة فأخبرتها أن ابن عمر قال: ما أحب أن أصبح محرماً أنضح طيباً، لأن أطلي بقطران أحب إلي من أن أفعل ذلك، فقالت عائشة: أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إحرامه، ثم طاف في نسائه، ثم أصبح محرماً".

_ (1) مسلم: نفس الموضع السابق ص (847). (2) مسلم: نفس الموضع السابق. (3) البخاري (10/ 366) 77 - كتاب اللباس، 74 - باب الطيب في الرأس واللحية. (وبيص) الوبيص: البصيص والبريق. (4) البخاري (3/ 396) 25 - كتاب الحج، 18 - باب الطيب عند الإحرام ... إلخ. (5) البخاري: نفس الموضع السابق. (6) مسلم: نفس الموضع السابق ص (847). (7) مسلم: نفس الموضع السابق ص (849).

- متى يقطع الحاج والمعتمر التلبية

زاد في رواية (1): "ينضح طيباً". ولمسلم (2): "طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرمه، حين أحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت بيدي". وفي أخرى (3): "طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحله وحرمه". وفي أخرى (4): "كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يلبي". وللنسائي (5) عن عائشة: "طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرمه حين أحرم، ولحله بعد ما رمى العقبة، قبل أن يطوف بالبيت". وفي أخرى (6): "طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحلاله، وطيبته لإحرامه طيباً لا يشبه طيبكم هذا- تعني: ليس له بقاء". - متى يقطع الحاج والمعتمر التلبية: 4252 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يلبي المقيم، أو المعتمر، حتى يستلم الحجر".

_ (1) مسلم: نفس الموضع السابق ص (850). (ينضح): يفوح، وأصله: الرشح، فشبه كثرة ما يفوح من طيبه بالرشح، والنضوح: ضرب من الطيب. (2) مسلم: نفس الموضع السابق ص (846). (الحرمة): الحرم- بضم الحاء وسكون الراء-: الإحرام- وبكسر الحاء: الرجل المحرم، يقال: أنت حل، وأنت حرم. (3) مسلم: نفس الموضع السابق ص (846). (4) مسلم: نفس الموضع السابق ص (848). (5) النسائي: (5/ 137) 24 - كتاب مناسك الحج، 41 - باب إباحة الطيب عند الإحرام. (6) النسائي: نفس الموضع السابق. 4252 - أبو داود (2/ 163) كتاب المناسك، باب متى يقطع المعتمر التلبية؟ الترمذي (3/ 261) 7 - كتاب الحج، 79 - باب ما جاء متى تقطع التلبية في العمرة، وقد صححه الترمذي على كلام في أحد رواته، وقال: والعمل عليه عند أكثر أهل العلم. قالوا: لا يقطع المعتمر التلبية حتى يستلم الحجر. قال بعضهم: إذا انتهى إلى بيوت مكة قطع التلبية، والعمل على حديث النبي صلى الله عليه وسلم (يريد حديث ابن عباس هذا). وبه يقول سفيان، والشافعي، وأحمد وإسحاق. (يستلم): الاستلام: لمس الحجر الأسود، أو الإشارة إليه في بدء الطواف.

قال: وروى موقوفاً على ابن عباس. وفي رواية الترمذي عن ابن عباس- يرفع الحديث "أنه كان يمسك عن التلبية في العمرة، حين يستلم الحجر". 4253 - * روى ابن خزيمة عن ابن سخبرة، قال: "غدوت مع عبد الله من منى إلى عرفة، وكان عبد الله رجلاً آدم له ضفيرتان عليه مسحة أهل البادية، وكان يلبي فاجتمع عليه غوغاء من غوغاء الناس، يا أعرابي إن هذا ليس بيوم تلبية إنما هو تكبير. قال: فعند ذلك التفت إلي وقال: أجهل الناس أم نسوا، والذي بعث محمداً بالحق لقد خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من منى إلى عرفة فما ترك التلبية حتى رمى جمرة العقبة إلا أن يخلطها بتهليل أو تكبير". 4254 - * روى الطبراني في الكبير عن هلال بن يسار قال "حججت مع أنس بن مالك فرأيته قطع التلبية حين رأى بيوت مكة". 4255 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) "أن أسامة كان ردف النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة إلى المزدلفة، ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى، فكلاهما قال: لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يلبي حتى رمى جمرة العقبة". وللبخاري (1) أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم "أردف الفضل، فأخبر الفضل: أنه لم يزل يلبي حتى رمى الجمرة". وفي رواية (2) عن الفضل: للنسائي قال: "كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة، فرمى بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة".

_ 4253 - ابن خزيمة (4/ 250) كتاب المناسك، 688 - باب التكبير والتهليل والتلبية في الغدو من منى إلى عرفة، وإسناده حسن. 4254 - مجمع الزوائد (3/ 225) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، وإسناده حسن. 4255 - البخاري (3/ 404، 405) 25 - كتاب الحج، 22 - باب الركوب والارتداف في الحج. مسلم: (2/ 931) 15 - كتاب الحج، 45 - باب استحباب إدامة الحاج التلبية ... إلخ. (1) البخاري (3/ 532) 25 - كتاب الحج، 101 - باب التلبية والتكبير غداة النحر .. إلخ. (2) النسائي (5/ 275) 24 - كتاب مناسك الحج، 228 - باب التكبير مع كل حصاة.

- استحباب الاغتسال لمن أراد الإحرام وجواز غسل الرأس للمحرم

قال الحافظ في الفتح: وفي هذا الحديث أن التلبية تستمر إلى رمي الجمرة يوم النحر، وبعدها يشرع الحاج في التحلل، وروى ابن المنذر بإسناد صحيح عن ابن عباس أنه كان يقول: التلبية شعار الحج، فإن كنت حاجاً قلب حتى بدء حلك، وبدء حلك أن ترمي جمرة العقبة. قال: وباستمرارها قال الشافعي وأبو حنيفة والثوري وأحمد وإسحاق وأتباعهم. أقول: الظاهر أن المعتمر يقطع التلبية إذا استلم الحجر الأسود، وبعضهم يقطع التلبية إذا رأى بيوت مكة، أما الحاج فلا يقطع التلبية حتى يرمي جمرة العقبة، وفي كل من الحالين يتنقل من التلبية إلى غيرها من الأذكار كالدعاء والتكبير. - استحباب الاغتسال لمن أراد الإحرام وجواز غسل الرأس للمحرم: 4256 - * روى الجماعة- إلا الترمذي- عن عبد الله بن حنين (رحمه الله) "أن ابن عباس والمسور بن مخرمة اختلفا بالأبواء، فقال ابن عباس: يغسل المحرم رأسه، وقال المسور: لا يغسل المحرم رأسه، قال: فأرسلني ابن عباس إلى أبي أيوب الأنصاري، فوجدته يغتسل بين القرنين- وهو يستر بثوب- فسلمت عليه، فقال: من هذا؟ قلت: أنا عبد الله بن حنين، أرسلني إليك ابن عباس يسألك: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل رأسه وهو محرم؟ فوضع أبو أيوب يده في الثوب فطأطأه، حتى بدا لي رأسه، ثم قال لإنسان يصب عليه: اصبب، فصب على رأسه، ثم حرك رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر، فقال: هكذا رأيته صلى الله عليه وسلم يفعل". زاد في رواية (1): فقال المسور لابن عباس: "لا أماريك أبداً".

_ 4256 - الموطأ (1/ 323) 20 - كتاب الحج، 2 - باب من غسل المحرم، ولم يخرج الموطأ الزيادة التي أتت في الرواية رقم (1). البخاري (4/ 55) 28 - كتاب جزاء الصيد، 14 - باب الاغتسال للمحرم. مسلم (2/ 864) 15 - كتاب الحج، 13 - باب جواز غسل المحرم بدنه ورأسه. أبو داود (2/ 168) كتاب المناسك، باب المحرم يغتسل. النسائي (5/ 128، 129) 24 - كتاب مناسك الحج، 27 - باب غسل المحرم. ابن ماجة (2/ 978، 979) 25 - كتاب المناسك، 22 - باب المحرم يغسل رأسه. (1) مسلم: نفس الموضع السابق. (قرنين) قرنا البئر: العضادتان المبنيتان على جانبيها لتعلق عليها البكرة. (أماريك) المماراة: المجادلة.

4257 - * روى الترمذي عن خارجة بن زيد (رضي الله عنهما) عن أبيه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل". ويشهد للحديث من جهة المعنى ما رواه مسلم في صحيحه رقم (109) في الحج، باب إحرام النفساء واستحباب اغتسالها للإحرام، وكذا الحائض، عن عائشة رضي الله عنها قال: "نفست أسماء بنت عميس بمحمد بن أبي بكر بالشجرة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر يأمرها أن تغتسل وتهل" ومسلم رقم (110) عن جابر بن عبد الله في حديث أسماء بنت عميس حين نفست بذي الحليفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر فأمرها أن تغتسل. قال النووي: اتفق العلماء على أنه يستحب الغسل عند إرادة الإحرام بحج أو عمرة أو بهما، سواء كان إحرامه من الميقات الشرعي أو غيره. ولا يجب هذا الغسل، وإنما هو سنة متأكدة يكره تركها، نص عليه الشافعي في الأم، واتفق عليه الأصحاب. أقول: غسل مريد الإحرام يراد به النظافة ولذلك تؤمر به الحائض والنفساء، والحكمة فيه واضحة فهو بين يدي سفر فيه تعب ونصب وشعث وتفل. 4258 - * روى ابن خذيمة عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم "تجرد لإهلاله واغتسل". 4259 - * روى مالك في الموطأ عن نافع- مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب- (رضي الله عنهم) "أن عبد الله بن عمر كان يغتسل لإحرامه قبل أن يحرم، ولدخول مكة، ولوقوفه عشية بعرفة". أقول: الأغسال المسنونة في الحج والعمرة متعددة وكونها سنة ليست بواجب ولا فرض فالأمر واسع خاصة وأن الغسل لا تتيسر وسائله في كل حين.

_ 4257 - الترمذي (3/ 192، 193) 7 - كتاب الحج، 16 - باب ما جاء في الاغتسال عند الإحرام. (لإهلاله) أي لإحرامه. 4258 - ابن خزيمة (4/ 161) 529 - باب استحباب الاغتسال للإحرام، وله شاهد صحيح من حديث ابن عمر في "المستدرك" (1/ 447) وصححه هو والذهبي. 4259 - الموطأ (1/ 322) 20 - كتاب الحج، 1 - باب الغسل للإهلال، وإسناده صحيح. وروى البخاري (3/ 346) في الحج، باب الاغتسال عند دخول مكة: عن نافع قال: كان ابن عمر رضي الله عنه إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية، ثم يبيت بذي طوى ثم يصلي به الصبح ويغتسل، ويحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك. وروى الحاكم (1/ 447) عن ابن عمر أنه قال: إن من السنة أن يغتسل إذا أراد أن يحرم، وإذا أراد أن يدخل مكة، وصححه ووافقه الذهبي.

- صيغة التلبية

4260 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "لبد رأسه بالغسل". وفي رواية (1): "سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يهل ملبداً". 4261 - * روى البخاري عن قيس بن سعد الأنصاري (رضي الله عنه) - وكان صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم- "أراد الحج فرجل". 4262 - * روى البخاري تعليقاً عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: "يدخل المحرم الحمام". قال الحافظ في "الفتح": وصله الدارقطني والبيهقي من طريق أيوب عن عكرمة عنه قال: المحرم يدخل الحمام، وينزع ضرسه، وإذا انكسر ظفره طرحه، ويقول: أميطوا عنكم الأذى، فإن الله لا يصنع بأذاكم شيئاً. وروى البيهقي من وجه آخر عن ابن عباس أنه دخل حماماً بالجحفة وهو محرم وقال: إن الله لا يعبأ بأوساخكم شيئاً. وروى ابن أبي شيبة كراهة ذلك عن الحسن وعطاء. - صيغة التلبية: 4263 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل ملبداً يقول: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك". لا يزيد على هذه الكلمات.

_ 4260 - أبو داود (2/ 145) كتاب المناسك، 12 - باب التلبيد، وإسناده صحيح. (1) النسائي (5/ 136) 24 - كتاب مناسك الحج، 40 - باب التلبيد عند الإحرام. (لبد، ملبداً) التلبيد: هو أن يسرح شعره ويجعل فيه شيئاً من صمغ ليلتزق، ولا يتشعث في الإحرام. (الغسل) - بكسر الغين-: ما يغتسل به من خطمي وغيره، وبالضم: اسم الفعل، وبالفتح: المصدر. 4261 - البخاري (6/ 126) 56 - كتاب الجهاد، 121 - باب ما قيل في لواء النبي صلى الله عليه وسلم. (فرجل) الترجيل: تسريح الشعر وغسله. 4262 - البخاري "تعليقاً" (4/ 55) 28 - كتاب جزاء الصيد، 14 - باب الاغتسال للمحرم. 4263 - البخاري (10/ 360) 77 - كتاب اللباس، 69 - باب التلبيد. مسلم (2/ 842) 15 - كتاب الحج، 3 - باب التلبية وصفتها ووقتها.

زاد في رواية (1): وأن عبد الله بن عمر كان يقول: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركع بذي الحليفة ركعتين، ثم إذا استوت به الناقة قائمة، عند مسجد ذي الحليفة: أهل بهؤلاء الكلمات، وكان عبد الله بن عمر يقول: كان عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يهل بإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الكلمات، ويقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك وسعديك، والخير في يديك لبيك والرغباء إليك والعمل". وفي رواية (2) قال: تلقفت التلبية من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر نحوه مع الزيادة. وفي راوية (3) الموطأ والترمذي (4) وأبي داود (5) والنسائي (6): أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك". قال: وكان ابن عمر يزيد فيها: "لبيك لبيك وسعديك، والخير بيديك، لبيك والرغباء إليك والعمل". 4264 - * روى ابن خزيمة عن ابن عمر، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استوت به راحلته، عند مسجد ذي الحليفة في حجة أو عمرة أهل، فقال: "لبيك اللهم لبيك، لبيك

_ (1) مسلم: نفس الموضع السابق ص (843). (2) مسلم: نفس الموضع السابق ص (842). (3) الموطأ (1/ 331، 332) 20 - كتاب الحج، 9 - باب العمل في الإهلال، وفي رواية الموطأ هذه لبيك لبيك لبيك ثلاث مرات في زيادة ابن عمر. (4) الترمذي (3/ 187، 188) 7 - كتاب الحج، 13 - باب ما جاء في التلبية. (5) أبو داود (2/ 162) كتاب المناسك، باب كيف التلبية، وفي رواية أبي داود هذه: لبيك لبيك لبيك ثلاث مرات في زيادة ابن عمر. (6) النسائي (5/ 160، 161) 24 - كتاب مناسك الحج، 54 - باب كيف التلبية. (لبيك): لفظ يجاب به الداعي، وهو في تلبية الحج إجابة لدعاء الله الناس إلى الحج في قوله: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} (الحج: 27) ومعنى هذه التثنية فيه: أي: مرة بعد مرة، وهو من ألب بالمكان: إذا أقام به، كأنه قال: إقامة على إجابتك بعد إقامة. (سعديك): من الألفاظ المقرونة بلبيك، ومعناها: إسعاداً بعد إسعاد، والمراد: ساعدت على طاعتك مساعدة بعد مساعدة، وهما منصوبان على المصدر. (الرغبى إليك): الرغبى والرغباء، فالضم مع القصر، والفتح مع المد، كالنعمى والنعماء، ومعناهما: الرغبة. (تلقفت) الشيء: إذا أخذته وتعلمته. 4264 - ابن خزيمة (4/ 214) كتاب المناسك، 623 - باب التكبير عند استلام الحجر واستقباله عند افتتاح الطواف، وهو صحيح.

- رفع الصوت بالتلبية

لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك". فهذه تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا انتهى إلى البيت استقبله الحجر، فكبر ثم استقبل الحجر، ثم رمل ثلاثة أشواط، ومشى أربعة أشواط، ثم صلى ركعتين. 4265 - * روى أبو داود عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم- فذكر التلبية مثل حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم- قال: والناس يزيدون: ذا المعارج، ونحوه من الكلام، والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع، ولا يقول شيئاً. 4266 - * روى النسائي عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال: كان من تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك". 4267 - * روى النسائي عن أبي هريرة: كان من تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لبيك إله الحق". - رفع الصوت بالتلبية: 4268 - * روى مالك في الموطأ عن السائب بن خلاد الأنصاري (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن جبريل أتاني فأمرني أن آمر أصحابي- أو من معي- أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية أو بالإهلال، يريد أحدهما".

_ 4265 - أبو داود (2/ 162) كتاب المناسك، باب كيف التلبية. (ذا المعارج) المعارج: المراقي والدرج، وهذا اللفظ من صفات الله تعالى، قال عز من قائل: {مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ} (المعارج: 3) والمراد به: مصاعد السماء ومراقيها، أي: هو صاحبها. 4266 - النسائي (5/ 161) 24 - كتاب مناسك الحج، 54 - باب كيف التلبية، وإسناده حسن. 4267 - النسائي (5/ 161) 24 - كتاب مناسك الحج، 54 - باب كيف التلبية وإسناده صحيح. ورواه أيضاً أحمد (2/ 341، 352، 476) وابن ماجة (2/ 974) 25 - كتاب المناسك، 15 - باب التلبية، وابن حبان (6/ 42) كتاب الحج، باب ذكر الإباحة للمرء أن يزيد في تلبيته على ما ذكرنا، وصححه، والحاكم (1/ 450) وصححه كذا في النيل (4/ 338). 4268 - الموطأ (1/ 334) 20 - كتاب الحج، 10 - باب رفع الصوت بالإهلال. أبو داود (2/ 162، 163) كتاب المناسك، 26 - باب كيف التلبية. الترمذي (3/ 191، 192) 7 - كتاب الحج، 15 - باب ما جاء في رفع الصوت بالتلبية، وإسناده صحيح، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وفي الباب عن زيد بن خالد وأبي هريرة وابن عباس، ورواه أيضاً الحاكم في المستدرك (1/ 450) وصححه ووافقه الذهبي.

- كيف كان يلبي المشركون

وفي رواية النسائي (1) قال: جاءني جبريل: فقال لي: يا محمد، مر أصحابك: أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية. 4269 - * روى ابن خزيمة عن عبد المطلب بن عبد الله، قال، سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرني جبريل برفع الصوت بالإهلال فإنه من شعار الحج". 4270 - * روى ابن خزيمة عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف بعرفات، فلما قال: "لبيك اللهم لبيك"، قال: "إنما الخير خير الآخرة". - كيف كان يلبي المشركون: 4271 - * روى مسلم عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: "كان المشركون يقولون: لبيك لا شريك لك، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويلكم قد قد، فيقولون: إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك، يقولون هذا وهم يطوفون بالبيت". 4272 - * روى البزار عن أنس قال: "كان الناس بعد إسماعيل على الإسلام فكان الشيطان يحدث الناس بالشيء يريد أن يردهم عن الإسلام حتى أدخل عليهم في التلبية: لبيك اللهم لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك قال: فما زال حتى أخرجهم عن الإسلام إلى الشرك". - إحرام المرأة في وجهها إلا لعذر: 4273 - * روى أبو داود عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: "كان الركبان يمرون

_ (1) النسائي (5/ 162) 24 - كتاب مناسك الحج، 55 - باب رفع الصوت بالإهلال. 4269 - ابن خزيمة (4/ 174) كتاب المناسك، 55 - باب البيان أن رفع الصوت بالإهلال من شعار الحج .. إلخ، وإسناده صحيح. 4270 - ابن خزيمة (4/ 260) كتاب المناسك، 709 - باب إباحة الزيادة على التلبية ... إلخ، وإسناده حسن. 4271 - مسلم (2/ 843) 15 - كتاب الحج، 3 - باب التلبية وصفتها ووقتها. (قد، قد) "قد" بمعنى: حسب، وتكرارها لتأكيد الأمر. (الشريك) يعنون بالشريك، الصنم، يريدون: أن الصنم وما يمكن من الآلات التي تكون عنده وحوله، والنذور التي كانوا يتقربون بها إليه ملك لله تعالى، فذلك معنى قولهم: "تملكه وما ملك". 4272 - كشف الأستار (2/ 15) كتاب المناسك، باب تلبية أهل الجاهلية. مجمع الزوائد (3/ 223) وقال الهيثمي: رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح. 4273 - أبو داود (2/ 167) كتاب المناسك، باب في المحرمة تغطي وجهها، وهو حسن لغيره.

بنا، ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حاذوا بنا، سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه". 4274 - * روى مالك في الموطأ عن فاطمة بنت المنذر (رحمها الله) قالت: "كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر". 4275 - * روى ابن خزيمة عن أسماء، قالت: "كنا نغطي وجوهنا من الرجال وكنا نمتشط قبل ذلك". 4276 - * روى الطبراني في الكبير عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "كنا نكون مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن محرمات فيمر بنا الراكب فتسدل إحدانا الثوب على وجهها من فوق رأسها وربما قالت من فوق الخمار". 4277 - * روى الطبراني في الكبير عن أميمة بنت رفيقة "أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يجعلن عصائب فيها الورس والزعفران فيعصبن بها أسافل شعورهن عن جباههن قبل أن يحرمن ثم يحرمن كذلك". أقول: إذا أرادت المرأة أن تستر وجهها أثناء الإحرام فعليها أن تجافيه عن وجهها بأن تضع شيئاً ما على رأسها وتربط فيه حجابها ليكون متجافياً عن وجهها.

_ (1) (جلبابها): الجلباب: الإزار. 4274 - الموطأ (1/ 328) 20 - كتاب الحج، 6 - باب تخمير المحرم وجهه، وإسناده صحيح، ورواه الحاكم (1/ 454) وصححه ووافقه الذهبي. وفي الحديث مشروعية ستر الوجه للمرأة، لأنه كان معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأن نساء النبي صلى الله عليه وسلم كن يغطين وجوههن، حتى في الإحرام إذا مر الركبان بهن. 4275 - ابن خزيمة (4/ 203) كتاب المناسك، 604 - باب إباحة تغطية المحرمة وجهها من الرجال ... إلخ، وإسناده صحيح. 4276 - الطبراني "الكبير" (23/ 280). مجمع الزوائد (3/ 220) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، وفيه يزيد بن أبي زياد وثقة ابن المبارك، وغيره، وضعفه جماعة. 4277 - الطبراني "الكبير" (24/ 189، 190). مجمع الزوائد (3/ 220) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير وفيه حكيمة بنت أميمة روى عنها ابن جريج ولم يتكلم فيها أحد واحتج بروايتها أبو داود، وبقية رجاله رجال الصحيح.

- جواز السروال والخف لمن لم يجد غيرهما

4278 - * روى الطبراني في الكبير عن حقة بنت عمرو- وكانت قد صلت إلى القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم- "أنها كانت إذا أرادت أن تحرم وضعت عينيها في حجرها ولبست من ثيابها ما تشاء والمعصفر فتهل". 4279 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما): أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ينهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب، وما مس الورس والزعفران من الثياب، ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب، من معصفر، أو خز، أو حلي، أو سراويل، أو قميص، أو خف وفي راوية مختصراً إلى قوله: "من الثياب". أقول: مما ينبغي أن تلحظه المرأة ألا تشم منها رائحة الطيب لا في الإحرام ولا في غيره. 4280 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما): "كان يصنع ذلك، يعني: يقطع الخفين للمرأة المحرمة، ثم حدثته صفية بنت أبي عبيد: أن عائشة حدثتها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان رخص للنساء في الخفين، فترك ذلك". - جواز السروال والخف لمن لم يجد غيرهما: 4281 - * روى الجماعة- إلا الموطأ- عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من لم يجد إزاراً فليلبس سراويل، ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين".

_ 4278 - الطبراني "الكبير" (24/ 215، 216). مجمع الزوائد (3/ 220) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح. 4279 - أبو داود (2/ 166) كتاب المناسك، باب ما يلبس المحرم، وهو حديث حسن. 4280 - أبو داود (2/ 166، 167) كتاب المناسك، باب ما يلبس المحرم، وإسناده حسن. 4281 - البخاري (10/ 272) 77 - كتاب اللباس، 14 - باب السراويل. مسلم (2/ 835، 836) 15 - كتاب الحج، 1 - باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة ... إلخ. أبو داود (2/ 1266) كتاب المناسك، باب ما يلبس المحرم. الترمذي (3/ 195) 7 - كتاب الحج، 19 - باب ما جاء في لبس السراويل والخفين ... إلخ. النسائي (5/ 132، 133) 24 - كتاب مناسك الحج، 32 - باب الرخصة في لبس السراويل لمن لم يجد الغزار. ابن ماجة (2/ 977) 25 - كتاب المناسك، 20 - باب السراويل والخفين للمحرم ... إلخ.

وفي (1) رواية: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بعرفات، وهو يقول ... الحديث إلا أن لفظ الترمذي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "المحرم إذا لم يجد الإزار فليلبس السراويل، وإذا لم يجد النعلين فليلبس الخفين". وفي راوية أبي داود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "السراويل لمن لا يجد الإزار، والخف: لمن لا يجد النعلين". وفي رواية النسائي مثل الترمذي. أقول: هذا محمول على حالة الضرورة، وحالة الضرورة ترفع الدم والفدية عند جمهور أهل العلم. 4282 - * روى الطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يجد إزاراً وهو محرم فوجد سراويل فليلبسه ومن لم يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين". قال الحافظ في "الفتح" (3/ 320): قوله: وليقطعهما أسفل من الكعبين. والمراد: كشف الكعبين في الإحرام، وهما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم. ويؤيده ما روى ابن أبي شيبة عن جرير عن هشام عن عروة عن أبيه قال: إذا اضطر المحرم إلى الخفين خرق ظهورهما وترك فيهما قدر ما يستمسك رجلاه. وقال محمد بن الحسن ومن تبعه من الحنفية: الكعب هنا: هو العظم الذي في وسط القدم عند معقد الشراك. وقيل: إن ذلك لا يعرف عند أهل اللغة. وقيل: إنه لا يثبت عن محمد، وإن السبب في نقله عنه أن هشام بن عبيد الله الرازي سمعه يقول في مسألة المحرم إذا لم يجد النعلين حيث يقطع خفيه، فأشار محمد بيده إلى موضع القطع، ونقله هشام إلى غسل الرجلين في الطهارة. وبهذا يتعقب على من نقله عن أبي حنيفة كابن بطال أنه قال: الكعب: هو الشاخص في ظهر القدم، فإنه لا يلزم من نقل ذلك عن محمد بن الحسن على تقدير صحته عنه أن يكون قول أبي حنيفة، ونقل عن الأصمعي وهو قول الإمامية أن الكعب: عظم مستدير تحت عظم الساق، حيث مفصل الساق والقدم. وجمهور اهل اللغة على أن في كل قدم كعبين. ثم قال

_ (1) البخاري (4/ 58) 28 - كتاب جزاء الصيد، 16 - باب إذا لم يجد الإزار فليلبس السراويل. 4282 - مجمع الزوائد (3/ 219) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، وإسناده حسن.

- جواز إلقاء الثوب على البدن ووجوب خلع الثوب

الحافظ: وظاهر الحديث أنه لا فدية على من لبسهما إذا لم يجد النعلين، وعن الحنفية: تجب. وتعقب بأنها لو وجبت لبينها النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه وقت الحاجة. واستدل به على اشتراط القطع خلافاً للمشهور عن أحمد، فإنه أجاز لبس الخفين من غير قطع، لا طلاق حديث ابن عباس بلفظ "ومن لم يجد النعلين فليلبس خفين" وتعقب بأنه موافق على قاعدة حمل المطلق على المقيد، فينبغي أن يقول بها هنا. 4283 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يجد نعلين فليلبس خفين، ومن لم يجد إزاراً فليلبس سراويل". قال محقق الجامع: وقد تقدم أن الجمهور من العلماء قالوا: لا يجوز لبس الخفين إلا بعد قطعهما أسفل من الكعبين وقال أحمد: يجوز، لحديث جابر هذا وابن عباس الذي قبله وحديث جابر وما في معناه مطلق، فينبغي أن يحمل على المقيد. 4284 - * روى مالك في الموطأ عن يحيى بن يحيى (رحمه الله): سمعت مالكاً وقد سئل: عما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "فمن لم يجد إزاراً فليلبس سراويل" يقول: لم أسمع بهذا، ولا أرى أن يلبس المحرم سراويل، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس السراويلات، فيما نهى عنه من لبس الثياب التي لا ينبغي للمحرم أن يلبسها، ولم يستثن فيها كما استثنى في الخفين. "وهذا رأي مالك، والجمهور على خلافه، ويؤيدهم حديث جابر وابن عباس اللذين قبله" (م). - جواز إلقاء الثوب على البدن ووجوب خلع الثوب: 4285 - * روى أبو داود عن نافع مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهم) "أن ابن عمر وجد القر فقال: ألق علي ثوباً يا نافع، فألقيت عليه برنساً، فقال: تلقى علي هذا وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلبسه المحرم؟! ".

_ 4283 - مسلم (2/ 836) 15 - كتاب الحج، ما يباح للمحرم بحج أو عمرة .. إلخ. 4284 - الموطأ (1/ 325) 20 - كتاب الحج، 3 - باب ما ينهى عنه من لبس الثياب في الإحرام. 4285 - أبو داود (2/ 166) كتاب المناسك، باب ما يلبس المحرم. وإسناده حسن، قال المنذري: وأخرج البخاري والنسائي المسند منه بنحوه أتم منه. (القر): البرد.

- خلع الثوب للمحرم

أقول: لا حرج أن يتغطى المحرم بثياب ما دام لم يلبسها اللبس المعتاد وتحرج ابن عمر من ذلك ورع منه. 4286 - * روى مالك في الموطأ عن نافع مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهم) سمع أسلم مولى عمر يقول لابن عمر: رأى عمر رضي الله عنه على طلحة ثوباً مصبوغاً، وهو محرم، فقال: ما هذا؟ قال: إنما هو مدر، قال: إنكم أيها الرهط أئمة يقتدي بكم الناس، فلو أن رجلاً جاهلاً رأى هذا الثوب لقال: إن طلحة بن عبيد الله كان يلبس الثياب المصبغة في الإحرام، فلا تلبسوا أيها الرهط من هذه الثياب المصبغة. قال الزرقاني في "شرح الموطأ" إنما كره عمر ذلك لئلا يقتدي به جاهل، فيظن جواز لبس المورس والمزعفر، وقد أجاز الجمهور لبس المعصفر للمحرم (م). 4287 - * روى مالك في الموطأ عن عروة بن الزبير (رضي الله عنه) قال: "كانت أسماء بنت أبي بكر تلبس المعصفرات المشبعات، وهي محرمة، ليس فيها زعفران". - خلع الثوب للمحرم: 4288 - * روى الشيخان عن يعلى بن أمية (رضي الله عنه) قال: إن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو في الجعرانة، قد أهل بعمرة وهو مصفر لحيته ورأسه، وعليه جبة، فقال: يا رسول الله أحرمت بعمرة، وأنا كما ترى؟ فقال: "انزع عنك الجبة، واغسل عنك الصفرة". وأخرجه الموطأ عن عطاء بن أبي رباح، أن أعرابياً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بحنين ... وذكر الحديث بنحوه".

_ 4286 - الموطأ (1/ 326) 20 - كتاب الحج، 4 - باب لبس الثياب المصبغة في الإحرام، وإسناده صحيح. (مدر) المدر: طين مستحجر. 4287 - الموطأ (1/ 326) 20 - كتاب الحج، 4 - باب لبس الثياب المصبغة في الإحرام، وإسناده صحيح. (المعصفرات): الثياب المصبوغة بالعصفر، وهو نبت أصفر معروف لا رائحة له. 4288 - البخاري (3/ 393) 25 - كتاب الحج، 17 - باب غسل الخلوق ثلاث مرات من الثياب. مسلم (2/ 837، 838) 15 - كتاب الحج، 1 - باب ما يباح للمحرم بحج وعمرة ... إلخ. الموطأ (1/ 328) 20 - كتاب الحج، 7 - باب ما جاء في الطيب في الحج. الترمذي (3/ 196) 7 - كتاب الحج، 20 - باب ما جاء في الذي يحرم وعليه قميص أو جبة.

- النهي عن الطيب للمحرم

وأخرجه الترمذي مختصراً قال: "رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابياً قد أحرم، وعليه جبة، فأمره أن ينزعها". وأخرجه أبو داود، وفيه قال: "اغسل عنك أثر الخلوق- أو قال: أثر الصفرة- واخلع الجبة، واصنع في عمرتك ما صنعت في حجتك". وفي أخرى (1) له قال: "وأمره أن ينزعها، ويغسل، مرتين أو ثلاثاً". قال النووي: في الحديث أن العمرة يحرم فيها من الطيب واللباس وغيرهما من المحرمات ما يحرم في الحج. وفيه: أن من أصابه طيب ناسياً أو جاهلاً ثم علم، وجبت المبادرة إلى إزالته، وأنه لا كفارة عليه. وهذا مذهب الشافعي، وبه قال عطاء والثوري وإسحاق وداود، وقال مالك وأبو حنيفة والمزني وأحمد في أصح الروايتين عنه: عليه الفدية، لكن الصحيح من مذهب مالك أنه إنما تجب الفدية على المتطيب ناسياً أو جاهلاً إذا طال لبثه عليه، والله أعلم. 4289 - * روى مالك في الموطأ عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) كان يكره لبس المنطقة للمحرم". 4290 - * روى مالك في الموطأ عن نافع رحمه الله أن ابن عمر (رضي الله عنهما) كان يقول: "ما فوق الذقن من الرأس، فلا يخمره المحرم". قال الزرقاني: وبه قال مالك، وأبو حنيفة، ومحمد بن الحسن، وفيه الفدية على مشهور المذهب، يعني: مذهب مالك. ولا يجوز تغطية الرأس إجماعاً. - النهي عن الطيب للمحرم: 4291 - * روى ابن خزيمة عن عائشة، قالت: "طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى قبل أن يزور البيت".

_ (1) أبو داود: نفس الموضع السابق. (الخلوق): ضرب من الطيب أحمر أو أصفر. 4289 - الموطأ (1/ 326) 20 - كتاب الحج، 5 - باب لبس المحرم المنطقة، وإسناده صحيح. (المنطقة): ما يشد به الوسط. 4290 - الموطأ (1/ 327) 20 - كتاب الحج، 6 - باب تخمير المحرم وجهه، وإسناده صحيح. 4291 - ابن خزيمة (4/ 301) كتاب المناسك، 788 - باب إباحة التطيب يوم النحر ... إلخ، وإسناده صحيح.

4292 - * روى أبو داود عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: "كنا نخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة، فنضمد جباهنا بالسك المطيب عند الإحرام، فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها، فيراه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا ينهانا". 4293 - * روى مالك في الموطأ عن الصلت بن زييد (رحمه الله) عن غير واحد من أهله: "أن عمر وجد ريح طيب، وهو بالشجرة، فقال: ممن هذا الطيب؟ قال كثير ابن الصلت: مني، لبدت رأسي، وأردت أن أحلق. قال عمر: اذهب إلى شربة من الشربات فادلك رأسك، حتى تنقيه، ففعل كثير بن الصلت". 4294 - * روى مالك في الموطأ عن أسلم مولى عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) قال: إن عمر بن الخطاب وجد ريح طيب وهو بالشجرة، فقال: ممن ريح هذا الطيب؟ فقال معاوية بن أبي سفيان: مني يا أمير المؤمنين، قال عمر: منك لعمر الله!! فقال معاوية: إنما طيبتني أم حبيبة يا أمير المؤمنين، قال عمر: عزمت عليك لترجعن فلتغسلنه". قال الزرقاني في "شرح الموطأ": فهذا عمر رضي الله عنه قد أنكر على صحابيين وتابعي كبير الطيب بمحضر الجمع الكثير من الناس صحابة وغيرهم، وما أنكر عليه منهم أحد؛ فهو من أقوى الأدلة على تأويل حديث عائشة رضي الله عنها. أقول: إن ما يمكن أن يؤول به حديث عائشة، أن الطيب المستعمل كانت لا تدوم رائحته كثيراً بعد الإحرام، وأما طيب النساء فحتماً إنه من الطيب الذي ليس له رائحة. 4295 - * روى مالك في الموطأ عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) "كفن ابنه واقداً، وما بالجحفة محرماً، وخمر رأسه ووجهه، وقال: لولا أنا حرم لطيبناه".

_ 4292 - أبو داود (2/ 166) كتاب المناسك، باب ما يلبس المحرم، وإسناده حسن. (السك): نوع من الطيب معروف. 4293 - الموطأ (1/ 329) 20 - كتاب الحج، 7 - باب ما جاء في الطيب في الحج، وهو حسن بشاهده. (شربة): الشربة- بفتح الشين والراء: الماء المجتمع حول النخلة كالحوض. (الإنقاء): مصدر أنقيت الثوب أنقيه إنقاء: إذا بالغت في غسله. 4294 - الموطأ: نفس الموضع السابق، وإسناده صحيح. 4295 - الموطأ (1/ 327) 20 - كتاب الحج، 6 - باب تخمير المحرم وجهه، وإسناده صحيح. (خمر رأسه) تخمير الرأس: تغطيته.

- احتجام المحرم

4296 - * روى البخاري عن نافع مولى ابن عمر (رضي الله عنهما) قال: كان ابن عمر إذا أراد الخروج إلى مكة ادهن بدهن ليست له رائحة طيبة، ثم يأتي مسجد ذا الحليفة، فيصلي، ثم يركب، فإذا استوت به راحلته قائمة أحرم، وكان يقول: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل". - احتجام المحرم: 4297 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: "احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم". وللبخاري (1) أيضاً "أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم". وله في أخرى (2) قال: "احتجم النبي صلى الله عليه وسلم في رأسه وهو محرم، من وجع كان به، بماء يقال له: لحي جمل". 4298 - * روى الطبراني في الكبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم "احتجم وهو محرم، من وجع كان به وتسوك وهو محرم". 4299 - * روى الشيخان عن عبد الله بن مالك بن بحينة (رضي الله عنه) قال: "احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم بلحي جمل من طريق مكة، في وسط رأسه".

_ 4296 - البخاري (3/ 413) 25 - كتاب الحج، 29 - باب الإهلال مستقبل القبلة. وأيضاً البخاري (10/ 150) 76 - كتاب الطب، 12 - باب الحج في السفر والإحرام. 4297 - البخاري (4/ 50) 28 - كتاب جزاء الصيد، 11 - باب الحجامة للمحرم. مسلم (2/ 862) 15 - كتاب الحج، 11 - باب جواز الحجامة للمحرم. (1) البخاري (4/ 174) 30 - كتاب الصوم، 32 - باب الحجامة والقيء للصائم. (2) البخاري (10/ 153) 76 - كتاب الطب، 15 - باب الحجامة من الشقيقة والصداع. "لحي جمل" بكسر اللام وفتحها، هو موضع على سبعة أيام من المدينة. قال ابن وضاح: هو عقبة الجحفة. وفي رواية "لحيي جمل" بالتثنية. 4298 - الطبراني "الكبير" (11/ 203). مجمع الزوائد (3/ 232) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله ثقات. 4299 - البخاري (10/ 152) 76 - كتاب الطب، 14 - باب الحجامة على الرأس.

وأخرج الموطأ عن سليمان بن يسار مرسلاً، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم، فوق رأسه، وهو يومئذ بلحي جملك مكان بطريق مكة. وفي نسخة: بلحيي جمل. قال النووي في "شرح مسلم" (1/ 383): وفي هذا الحديث دليل لجواز الحجامة للمحرم، وقد أجمع العلماء على جوازها له في الرأس وغيره إذا كان له عذر في ذلك، وإن قطع الشعر حينئذ، لكن عليه الفدية لقطع الشعر، فإن لم يقطع فلا فدية عليه. وهذا الحديث محمول على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له عذر في الحجامة في وسط الرأس لأنه لا ينفك عن قطع شعر. أما إذا أراد المحرم الحجامة لغير حاجة، فإن تضمنت قلع شعر فهي حرام، كتحريم قطع الشعر، وإن لم تتضمن ذلك، بأن كانت في موضع لا شعر فيه، فهي جائزة عندنا وعند الجمهور، ولا فدية فيها، وعن ابن عمر ومالك كراهتها. قال الحافظ في "الفتح" 4/ 44: وعن الحسن: فيها الفدية وإن لم يقطع شعراً، وإن كان لضرورة، جاز قطع الشعر، وتجب الفدية. وخص أهل الظاهر الفدية، لشعر الرأس. وقال الداودي: إذا أمكن مسك المحاجم بغير حق لم يجز الحلق. واستدل بهذا الحديث على جواز الفصد، وربط الجرح والدمل، وقطع العرق وقلع الضرس، وغير ذلك من وجوه التداوي إذا لم يكن في ذلك ارتكاب ما نهي عنه المحرم من تناول الطيب وقطع الشعر، ولا فدية عليه في شيء من ذلك، والله أعلم. 4300 - * روى النسائي عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) "أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم من داء كان به". 4301 - * روى أبو داود عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ مسلم (2/ 862، 863) 15 - كتاب الحج، 11 - باب جواز الحجامة للمحرم. النسائي (5/ 194) 24 - كتاب مناسك الحج، 95 - باب حجامة المحرم وسط رأسه. الموطأ (1/ 349) 20 - كتاب الحج، 23 - باب حجامة المحرم. 4300 - النسائي (5/ 193) 24 - كتاب مناسك الحج، 93 - حجامة المحرم من علة تكون به، وإسناده صحيح. 4301 - أبو داود (2/ 168) كتاب المناسك، باب المحرم يحتجم، وإسناده صحيح. النسائي (5/ 194) كتاب مناسك الحج، 94 - حجامة المحرم على ظهر القدم. (وثي) وثئت يده فهي موثوءة، ووثأتها أنا: أصابه وثء. والعامة تقول: وثي، وهو أن يصيب العظم وصم لا يبلغ الكسر.

- النهي عن الكحل وجواز تضميد العين

"احتجم وهو محرم على ظهر القدم، من وجع كان به". وفي رواية النسائي: "من وثء كان به". 4302 - * روى مالك في الموطأ عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنه كان يقول: لا يحتجم المحرم، إلا أن يضطر إليه مما لابد منه. أقول: هناك حالة وهي أنه قد يخرج للمحرم حبيبات مائية لسبب كثرة المشي فهو يستطيع أن يزيلها قياساً على الاحتجام. - النهي عن الكحل وجواز تضميد العين: 4303 - * روى مسلم عن نبيه بن وهب (رحمه الله) "أن عمر بن عبيد الله بن معمر اشتكى عينه، وهو محرم، فأراد أن يكحلها، فنهاه أبان بن عثمان، وأمره بأن يضمدها بالصبر، وحدثه عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يفعله". وفي رواية (1) لمسلم قال: خرجنا مع أبان بن عثمان، حتى إذا كنا بملل اشتكى عمر بن عبيد الله عينيه، فلما كان بالروحاء اشتد وجعه، فأرسل إلى أبان بن عثمان يسأله؟ فأرسل إليه: أن اضمدهما بالصبر، فإن عثمان حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرجل إذا اشتكى عينيه وهو محرم: ضمدهما بالصبر". وفي رواية أبي داود (2) قال: اشتكى عينيه، فأرسل إلى أبان بن عثمان- وهو أمير

_ 4302 - الموطأ (1/ 350) 20 - كتاب الحج، 23 - باب حجامة المحرم، وإسناده صحيح. 4303 - مسلم (2/ 863) 15 - كتاب الحج، 12 - باب جواز مداواة المحرم عينه. الترمذي (3/ 287) 7 - كتاب الحج، 106 - باب ما جاء في المحرم يشتكي عينه فيضمدها بالصبر. (1) مسلم: نفس الموضع السابق. (2) أبو داود (2/ 168) كتاب المناسك، باب يكتحل المحرم. (فيضمد) ضمدت الجرح: إذا جعلت عليه الدواء. (الموسم) مجتمع الحاج، سمي بذلك لأنه معلم لهم، فكأنه مفعل من الموسم. (الصبر) - بفتح الصاد وكسر الباء- ويجوز إسكانها: دواء معروف. (ملل): على وزن: جبل، موضع في طريق مكة على ثمانية وعشرين ميلاً من المدينة، وقيل اثنان وعشرون، حكاهما القاضي عياض في المشارق.

- نكاح المحرم وخطبته

الموسم- ما يصنع بهما؟ قال: اضمدهما بالصبر فإني سمعت عثمان يحدث ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال النووي في "شرح مسلم": واتفق العلماء على جواز تضميد العين وغيرها بالصبر ونحوه، مما ليس بطيب، ولا فدية في ذلك، فإن احتاج إلى ما فيه طيب جاز له فعله وعليه الفدية. واتفق العلماء: على أن للمحرم أن يكتحل بكحل لا طيب فيه إذا احتاج إليه، ولا فدية عليه فيه وأما الاكتحال للزينة، فمكروه عند الشافعي وآخرين، ومنعه جماعة، منهم الإمام أحمد وإسحاق وفي مذهب مالك قولان: كالمذهبين، وفي إيجاب الفدية عندهم بذلك خلاف، والله أعلم. (م). - نكاح المحرم وخطبته: 4304 - * روى الجماعة إلا الموطأ عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "تزوج ميمونة وهو محرم". وفي رواية للبخاري (1) قال: "تزوج ميمونة في عمرة القضاء". وفي أخرى له قال (2): "تزوج ميمونة وهو محرم، وبنى بها وهو حلال، وماتت بسرف". قال أبو داود: قال ابن المسيب: "وهم ابن عباس في تزويج ميمونة وهو محرم". وفي رواية للنسائي (3) قال: "تزوج نبي الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهما محرمان".

_ 4304 - البخاري (4/ 51) 28 - كتاب جزاء الصيد، 12 - باب تزويج المحرم. مسلم (2/ 1031) 16 - كتاب النكاح، 5 - باب تحريم نكاح المحرم، وكراهة خطبته. أبو داود (2/ 169) كتاب المناسك، باب المحرم يتزوج. الترمذي (3/ 201) 7 - كتاب الحج، 24 - باب ما جاء في الرخصة في ذلك. النسائي (5/ 191، 192) 24 - كتاب مناسك الحج، 90 - باب الرخصة في النكاح للمحرم. ابن ماجة (1/ 632) 9 - كتاب النكاح، 45 - باب المحرم يتزوج. (1) البخاري (7/ 509) 64 - كتاب المغازي، 43 - باب عمرة القضاء. (2) البخاري: نفس الموضع السابق. (3) النسائي: نفس الموضع السابق ص (191).

وفي أخرى (1) له قال: "تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم، ولم يذكر ميمونة". وزاد أيضاً في أخرى (2): "جعلت أمرها إلى العباس، فأنكحها إياه". قال محقق الجامع: وقد عارض حديث ابن عباس هذا حديث عثمان ولفظه: "لا يَنكِح المحرم ولا يُنكح ولا يخطب" قال الحافظ في "الفتح": ويجمع بينه وبين حديث ابن عباس بحمل حديث ابن عباس، على أنه من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عبد البر: اختلفت الآثار في هذا الحكم، لكن الرواية أنه تزوجها وهو حلال، جاءت من طرق شتى، وحديث ابن عباس صحيح الإسناد، لكن الوهم على الواحد أقرب إلى الوهم من الجماعة، فأقل أحوال الخبرين أن يتعارضا، فتطلب الحجة من غيرهما، وحديث عثمان صحيح في منع نكاح المحرم فهو المعتمد. 4305 - * روى الترمذي عن أبي رافع (رضي الله عنه) قال: "تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو حلال، وبنى بها وهو حلال، وكنت أنا الرسول فيما بينهما". أقول: كل الروايات التي تتحدث عن عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ميمونة رضي الله عنها محمولة إما على توهم الرواة أو على أنها مؤولة أو على أنها خصوصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا وقد ثبتت روايات على أن النبي صلى الله عليه وسلم عقد على ميمونة وهما حلالان. 4306 - * روى أبو داود عن ميمونة بنت الحارث (رضي الله عنها) قالت: "تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان بسرف". وفي رواية (3) مسلم: "أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال. قال الراوي- وهو زيد بن الأصم- وكانت خالتي وخالة ابن عباس".

_ (1) النسائي: نفس الموضع السابق. (2) رواها النسائي. (بنى بها) بنى بزوجته: دخل بها، والمستعمل في اللغة: بنى عليها. قال الجوهري: ولا يقال: بنى بها. (وهم): بفتح الهاء: ذهب وهمه إليه. وبكسرها: غلط. 4305 - الترمذي (3/ 200) 7 - كتاب الحج، 23 - باب ما جاء في كراهية تزويج المحرم، وهو حسن بشواهده. 4306 - أبو داود (2/ 169) كتاب المناسك، باب المحرم يتزوج. (3) مسلم (2/ 1032) 16 - كتاب النكاح، 5 - باب تحريم نكاح المحرم، وكراهة خطبته.

وفي رواية (1) الترمذي: "أن النبي تزوجها وهو حلال، وبنى بها حلالاً، وماتت بسرف، ودفناها في الظلة التي بنى بها فيها". 4307 - * روى مالك في الموطأ عن سليمان بن يسار (رحمه الله) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "بعث أبا رافع مولاه، ورجلاً من الأنصار، فزوجاه ميمونة بنت الحارث، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة قبل أن يخرج". 4308 - * روى مسلم عن عثمان بن عفان (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب". وفي رواية له (2) وللموطأ (3) وأبي داود (4): أن نبيه بن وهب- أخا بني عبد الدار- قال: إن عمر بن عبيد الله أرسل إلى أبان بن عثمان، وأبان يومئذ أمير الحاج، وهما محرمان: إني قد أردت أن أنكح طلحة بن عمر بنت شيبة بن جبير، وأردت أن تحضر، فأنكر ذلك عليه، وقال: سمعت عثمان ابن عفان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَنْكح المحرم، ولا يُنْكِحُ، ولا يخطب". ولأبي داود (5) أيضاً مثله، وأسقط منه "ولا يخطب". وفي رواية (6) الترمذي: قال نبيه: "أراد ابن معمر: أن ينكح ابنه، فبعثني إلى أبان ابن عثمان، وهو أمير الموسم، فقلت: إن أخاك يريد: أن ينكح ابنه، فأحب أن يشهدك ذلك، قال: لا أراه إلا أعرابياً جافياً، إن المحرم لا يَنْكِحُ ولا يُنْكِحُ أو كما قال- ثم حدث عن عثمان مثله، يرفعه".

_ (1) الترمذي (3/ 203) 7 - كتاب الحج، 24 - باب ما جاء في الرخصة في ذلك. 4307 - الموطأ (1/ 348) 20 - كتاب الحج، 22 - باب نكاح المحرم، وإسناده صحيح. 4308 - مسلم (2/ 1030) 16 - كتاب النكاح، 5 - باب تحريم نكاح المحرم، وكراهة خطبته، وهذه رواية مسلم، بالجزم والرفع في "ينكح" و"يخطب" على النفي والنهي. (2) مسلم: نفس الموضع السابق ص (1301). (3) الموطأ (1/ 348) 20 - كتاب الحج، 22 - باب نكاح المحرم. (4) أبو داود (2/ 169) كتاب المناسك، باب المحرم يتزوج. (5) أبو داود: الموضع السابق. (6) الترمذي (3/ 199، 200) 7 - كتاب الحج، 23 - باب ما جاء في كراهية تزويج المحرم.

- النهي عن الصيد للمحرم، وجواز أن يأكل من صيد لم يصد له ولم يعن عليه

وفي رواية النسائي (1) قال: أرسل عمر بن عبيد الله إلى أبان بن عثمان يسأله: أينكح المحرم؟ قال أبان: حدث عثمان: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا ينكح المحرم، ولا يخطب". وفي أخرى (2) مختصراً مثل مسلم. 4309 - * روى مالك في الموطأ عن نافع: أن ابن عمر (رضي الله عنهما) كان يقول: لا ينكح المحرم ولا ينكح، ولا يخطب على نفسه، ولا على غيره". 4310 - * روى مالك في الموطأ عن أبي غطفان المري (رحمه الله): "أن أباه طريفاً تزوج امرأة وهو محرم، فرد عمر نكاحه". - النهي عن الصيد للمحرم، وجواز أن يأكل من صيد لم يصد له ولم يعن عليه: 4311 - * روى الشيخان عن أبي قتادة (رضي الله عنه) قال: "كنت يوماً جالساً مع رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في منزل في طريق مكة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أمامنا، والقوم محرمون، وأنا غير محرم، عام الحديبية فأبصروا حماراً وحشياً، وأنا مشغول، أخصف نعلي، فلم يؤذنوني، وأحبوا لو أني أبصرته، والتفت فأبصرته، فقمت إلى الفرس فأسرجته، ثم ركبت ونسيت السوط والرمح، فقلت لهم: ناولوني السوط والرمح قالوا: لا، والله لا نعينك عليه، فغضبت، فنزلت فأخذتهما، ثم ركبت فشددت على الحمار، فعقرته، ثم جئت به وقد مات، فوقعوا فيه يأكلونه، ثم إنهم شكوا في أكلهم إياه وهم حرم، فرحنا

_ (1) النسائي (5/ 192) 24 - كتاب مناسك الحج، 91 - باب النهي عن ذلك. (2) النسائي: الموضع السابق. (أعرابياً جافياً) الأعرابي: ساكن البادية: وهو موصوف بالجفاء والغلظة، لبعده ن مجاورة الأكياس، ومعاشرة أهل الحضر. 4309 - الموطأ (1/ 349) 20 - كتاب الحج، 22 - باب نكاح المحرم، وإسناده صحيح. 4310 - الموطأ: نفس الموضع السابق، وإسناده صحيح. 4311 - البخاري (5/ 200) 51 - كتاب الهبة، 3 - باب من استوهب من أصحابه شيئاً. مسلم (2/ 852) 15 - كتاب الحج، 8 - باب تحريم الصيد للمحرم. (اخصف) خصف نعله يخصفها: إذا أطبق طاقاً عل طاق. وأصل الخصف: الضم والجمع. (فعقرته) عقرت الصيد: إذا أصبته بسهم أو غيره فقتلته.

وخبأت العضد معي، فأدركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألناه عن ذلك. فقال: "هل معكم منه شيء؟ فقلت: نعم فناولته العضد، فأكلها وهو محرم". زاد في رواية (1) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: "إنما هي طعمة أطعمكموها الله". وفي أخرى (2): "هو حلال فكلوه". وفي أخرى (3) عن عبد الله بن أبي قتادة قال: انطلق أبي عام الحديبية فأحرم أصحابه ولم يحرم، وحدث النبي صلى الله عليه وسلم أن عدوا يغزوه، فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم، فبينما أنا مع أصحابه يضحك بعضهم إلى بعض، فنظرت فإذا أنا بحمار وحش، فحملت عليه، فطعنته فأثبته، واستعنت بهم، فأبوا أن يعينوني، فأكلنا من لحمه، وخشينا أن نقتطع، فطلبت النبي صلى الله عليه وسلم: أرفع فرسي شأواً، وأسير شأواً، فلقيت رجلاً من بني غفار في جوف الليل، فقلت: أين تركت النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: تركته بتعهن، وهو قائل السقيا، فلحقته، فقلت: يا رسول الله، إن أهلك- وفي رواية أصحابك- يقرؤون عليك السلام ورحمة الله، إنهم قد خشوا أن يقتطعوا دونك، فانتظرهم، ففعل، قلت: يا رسول الله، إني أصبت حمار وحش، وعندي منه فاضلة، فقال للقوم: "كلوا، وهم محرمون". وفي أخرى (4) قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بالقاحة على ثلاث، ومنا المحرم ومنا غير المحرم، فرأيت أصحابي يترأون شيئاً، فنظرت فإذا حمار وحش .. الحديث. وفي أخرى (5) قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حاجاً، فخرجوا معه فصرف طائفة

_ (1) مسلم: الموضع السابق. (2) مسلم: نفس الموضع السابق. (3) مسلم: الموضع السابق ص (853). (فأثبته) أي: حبسته وجعلته ثابتاً في مكانه. (تقتطع) اقتطعت الشيء: إذا أخذته لنفسك، والمراد: أن يحال بينك وبينهم. (شأواً) الشأو: الشوط والطلق. (بتعهن- والسقيا): موضعان. (قائل السقيا) أي: أن يكون في القائلة عندها. (4) البخاري (4/ 26، 27) 28 - كتاب جزاء الصيد، 4 - باب لا يعين المحرم الحلال في قتل الصيد. (القاحة) على نحو ميل من السقيا وعلى ثلاث مراحل من المدينة. (5) مسلم: نفس الموضع السابق ص (853، 854).

منهم، فيهم أبو قتادة، قال: خذوا ساحل البحر، حتى نلتقي، فأخذوا ساحل البحر، فلما انصرفوا أحرموا كلهم، إلا أبا قتادة لم يحرم، فبيناهم يسيرون، إذ رأوا حمر وحش، فحمل أبو قتادة على الحمر، فعقر منها أتانا ... وذكر الحديث. وفيه: فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها، أو أشار إليها؟ " قالوا: لا، قال: "فكلوا ما بقي من لحمها". وفي رواية لمسلم (1) قال: "أشرتم، أو أعنتم، أو أصدتم؟ " قال: شعبة: لا أدري قال: أعنتم، أو أصدتم. قال النووي: قوله: "فمنا المحرم، ومنا غير المحرم" قد يقال: كيف كان أبو قتادة وغيره غير محرمين، وقد جاوزوا ميقات المدينة، وقد تقرر أن من أراد حجاً أو عمرة، لا يجوز له مجاوزة الميقات غير محرم؟ قال القاضي في جواب هذا: قيل: إن المواقيت لم تكن وقتت بعد. وقيل: لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا قتادة ورفقته لكشف عدو لهم بجهة الساحل، كما ذكره مسلم في الرواية الأخرى. وقيل: إنه لم يكن خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة، بل بعثه أهل المدينة بعد ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليعلمه أن بعض العرب يقصدون الإغارة على المدينة وقيل: إنه خرج معهم، ولكنه لم ينو حجاً ولا عمرة. قال القاضي: وهذا بعيد. والله أعلم (م). 4312 - * روى ابن خزيمة عن أبي قتادة قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية فأحرم أصحابي ولم أحرم، فرأيت حماراً فحملت عليه، فاصطدته، فذكرت شأنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وذكرت إني لم أكن أحرمت، وإني إنما اصطدته لك، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فأكلوا ولم يأل منه حين أخبرته إني اصطدته له".

_ (الأتان) (الأنثى) من الحمير، ولا يقال: أتانة. كذا قال الجوهري. (1) مسلم: نفس الموضع السابق ص (854). (أصدتم؟) تقول: صدت الصيد وأصدت غيري: إذا حملته على الصيد وأغريته به. 4312 - ابن خزيمة (4/ 180) كتاب المناسك، 564 - باب ذكر الخبر المفسر ... إلخ، وإسناده صحيح.

قال ابن خزيمة: هذه الزيادة: إنما اصطدته لك، وقوله: ولم يأكل منه حين أخبرته، إني اصطدته لك، لا أعلم أحداً ذكره في خبر أبي قتادة غير معمر في هذا الإسناد، فإن صحت هذه اللفظة فيشبه أن يكون صلى الله عليه وسلم أكل من لحم ذلك الحمار قبل أن يعلمه أبو قتادة إنه اصطاده من أجله، فلما أعلمه أبو قتادة أنه اصطاده من أجله امتنع من أكله بعد إعلامه إنه اصطاده من أجله، لأنه قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قد أكل من لحم ذلك الحمار. 4313 - * روى البزار عن أبي سعيد الخدري قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا قتادة الأنصاري على الصدقة وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه محرمين حتى نزلوا عسفان فإذا هم بحمار وحش وجاء أبو قتادة وهو حل ونكسوا رؤوسهم كراهية أن يبدوا أبصارهم فيعلم فرآه أبو قتادة فركب فرسه وأخذ الرمح فسقط منه الرمح فقال: ناولونيه فقالوا: نحن ما نعينك عليه فحمل عليه فعقره فجعلوا يشوون منه ثم قالوا: رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا وكان تقدمهم فلحقوه فسألوه فلم ير به بأساً قال: فاحسبه قال: هل معكم منه شيء شك عبيد الله". 4314 - * روى الشيخان عن الصعب بن جثامة (رضي الله عنه): "أنه أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حماراً وحشياً، وهو بالأبواء أبو بودان فرده عليه، فلما رأى ما في وجهه، قال: إنا لم نرده عليك، إلا أنا حرم". وفي رواية (1) قال: فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في وجهي قال: "إنا لم نرده عليك، إلا أنا حرم". ومن الرواة من قال: عن ابن عباس: "أن الصعب بن جثامة أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم حمار وحش وهو محرم". فجعله من مسند ابن عباس.

_ 4313 - كشف الأستار (2/ 18، 19) كتاب المناسك، باب جواز أكله لمن لم يقصد بصيده. مجمع الزوائد (3/ 230) وقال الهيثمي: رواه البزار، ورجاله ثقات. 4314 - البخاري (4/ 31) 28 - كتاب جزاء الصيد، 6 - باب أهدى للمحرم حماراً وحشياً ... إلخ. مسلم (2/ 850) 15 - كتاب الحج، 8 - باب تحريم الصيد للمحرم. (1) مسلم: نفس الموضع السابق.

وفي أخرى (1) للنسائي: قال ابن عباس: "إن الصعب بن جثامة أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجل حمار وحش تقطر دماً، وهو محرم، وهو بقديد، فردها عليه". أقول: ترك الأكل كما ورد في النص ورع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلا فالأكل جائز لأنه صيد غير محرم. 4315 - * روى مسلم عن طاوس قال: قدم زيد بن أرقم، فقال له عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) يستذكره: كيف أخبرتني عن لحم صيد أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو حرام؟ قال: أهدي له عضو من لحم صيد، فرده، وقال: "إنا لا نأكله، إنا حرم". وللنسائي (2) أيضاً، قال ابن عباس لزيد بن أرقم: هل علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدي إليه عضو صيد فلم يقبله، وقال: "إنا حرم"؟ قال: نعم. 4316 - * روى أبو داود عن عبد الله بن الحارث، وكان الحارث خليفة عثمان رضي الله عنه على الطائف، فصنع لعثمان طعاماً من الخجل واليعاقيب، ولحوم الوحش، فبعث عثمان إلى علي، فجاءه الرسول وهو يخبط لأباعر له، وهو ينفض الخبط عن يده، فقالوا له: كل، فقال: أطعموه قوماً حلالاً، فإنا حرم، ثم قال علي: أنشد الله من كان ها هنا من أشجع، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدي له رجل حمار وحش وهو محرم، فأبى أن يأكله؟ قالوا: نعم.

_ (1) النسائي (5/ 185) 24 - كتاب مناسك الحج، 79 - ما لا يجوز للمحرم أكله من الصيد. (رجله) أراد برجله: فخذه، وقد جاء في حديث آخر، وعنى به أحد شقي الذبيحة. (الأبواء) - بفتح الهمزة وإسكان الموحدة وبالمد- و (ودان) - بفتح الواو وتشديد الدال المهملة- وهما مكانان بين مكة والمدينة. 4315 - مسلم (2/ 851) نفس الموضع السابق. أبو داود (2/ 170) كتاب المناسك، باب لحم الصيد للمحرم. النسائي (5/ 184) 24 - كتاب مناسك الحج، 79 - ما لا يجوز للمحرم أكله من الصيد. (2) النسائي: الموضع السابق. 4316 - أبو داود (2/ 170) الموضع السابق، وإسناده حسن. (اليعاقيب) جمع: يعقوب، وهو ذكر الحجل. (يخبط) خبطت بالعصا خبطاً ليتناثر ورقها، واسم الورق المتناثر: الخبط، وهو من علف الإبل. (الأباعر) الذكور والإناث من الإبل، واحدها بعير. (أنشد) نشدتك الله، أي: سألتك به.

أقول: الذي استقر عليه الاجتهاد أن فعل عثمان جائز وأن ما سواه ورع وليس بحرام وإن فهم بعض الناس أن امتناع رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لعدم الجواز. 4317 - * روى أبو داود عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صيد البر لكم حلال وأنتم حرم، ما لم تصيدوه، أو يصد لكم". أقول: لم يأخذ كل أهل العلم بهذا الحديث، لأن اصطياد غير المحرم للمحرم قد وجد في عصر الصحابة وأكلوه، والروايات التي تروي امتناع الأكل محمولة على الورع. 4318 - * روى مسلم عن عبد الرحمن بن عثمان (رضي الله عنهما) "كنا مع طلحة ونحن حرم، فأهدي لنا طير، وطلحة راقد، فمنا من أكل، ومنا من تورع ولم يأكل، فلما استيقظ طلحة، وفق من أكل، وقال: أكلناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم". 4319 - * روى مالك في الموطأ عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: "رأيت عثمان رضي الله عنه بالعرج في يوم صائف وهو محرم، وقد غطى وجهه بقطيفة أرجوان، ثم أتي بلحم صيد، فقال لصحابه: كلوا، فقالوا: أو لا تأكل أنت؟ فقال: إني لست كهيئتكم، إنما صيد من أجلي". 4320 - * روى مالك في الموطأ عن عروة بن الزبير (رضي الله عنهما) "أن عائشة قالت له- وقد سألها عن لحم صيد لم يصد من أجله؟ -: يا ابن أختي، إنما هي عشر ليال، فإن تخلج في نفسك شيء فدعه".

_ 4318 - مسلم (2/ 855) 15 - كتاب الحج، 8 - باب تحريم الصيد للمحرم. النسائي (5/ 182) 24 - كتاب مناسك الحج، 78 - باب ما يجوز للمحرم أكله من الصيد. (وفق من أكل): صوبه. 4319 - الموطأ (1/ 354) 20 - كتاب الحج، 25 - باب ما لا يحل للمحرم أكله من الصيد، وإسناده صحيح. (بقطيفة): كساء له خمل. (أرجوان): الأحمر الشديد الحمرة. العرج- بفتح ثم سكون-: هو موضع من أول تهامة. 4320 - الموطأ (1/ 354) 20 - كتاب الحج، 25 - باب ما لا يحل للمحرم أكله من الصيد، وإسناده صحيح. (تخلج) تخلج في صدري من هذا الأمر شيء: إذا ارتبت به وكذلك تخالج.

4321 - * روى مالك في الموطأ عن سعيد بن المسيب قال: عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أنه أقبل من البحرين، حتى إذا كان بالربذة وجد ركباً من أهل العراق محرمين، فسألوه عن صيد وجدوه عند أهل الربذة؟ فأمرهم بأكله، قال: ثم إني شككت فيما أمرتهم به، فلما قدمت المدينة، ذكرت ذلك لعمر بن الخطاب، فقال عمر: ماذا أمرتهم به؟ فقلت: أمرتهم بأكله، فقال عمر بن الخطاب: لو أمرتهم بغير ذلك لفعلت بك، يتواعده". وفي رواية (1) عن سالم بن عبد الله: "أنه سمع أبا هريرة يحدث عبد الله بن عمر: أنه مر به قوم محرمون بالربذة، فاستفتوه" .. وذكر نحوه. وفي آخره قال: "لو أفتيتهم بغير ذلك، لأوجعتك". 4322 - * روى مالك في الموطأ عن البهزي (رضي الله عنه): "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يريد مكة وهو محرم، حتى إذا كان بالروحاء، إذا حمار وحشي عقير، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: دعوه، فإنه يوشك أن يأتي صاحبه، فجاء البهزي، وهو صاحبه، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، شأنكم بهذا الحمار فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر، فقسمه بين الرفاق، ثم مضى، حتى إذا كان بالأثاية، بين الرويثة والعرج، إذا ظبي حاقف في ظل، وفيه سهم، فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً أن يقف عنده، لا يريبه أحد من الناس، حتى يجاوزوه". وفي أخرى (2) للنسائي قال: بينا نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أثاية والروحاء،

_ 4321 - الموطأ (1/ 351، 352) 20 - كتاب الحج، 24 - باب ما لا يجوز للمحرم أكله من الصيد، وإسناده صحيح. (1) الموطأ (1/ 352) الموضع السابق. 4322 - الموطأ (1/ 351) الموضع السابق. النسائي (5/ 183) 24 - كتاب مناسك الحج، 78 - باب ما يجوز للمحرم أكله من الصيد. (2) النسائي (7/ 205) 42 - كتاب الصيد والذبائح، 32 - باب إباحة أكل لحوم حمر الوحش، وإسناده صحيح. قال الحافظ في "الفتح" (4/ 28): وأخرجه مالك وأصحاب السنن. وصححه ابن خزيمة وغيره. (شأنكم به) أي: افعلوا به ما تحبون. (يوشك) أوشك الشيء: قرب وأسرع. والوشك: السرعة. (حاقف) الظبي الحاقف: الذي انحنى وتثنى في نومه. (لا يريبه) أي: لا يزعجه ولا يتعرض إليه. (معقور) المعقور: المقتول أو المجروح.

- حكم من صاد صيدا

وهم حرم، إذا حمار وحشي معقور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوه، فيوشك صاحبه أن يأتيه، فجاء رجل من بهز، هو الذي عقر الحمار، فقال: يا رسول الله، شأنكم هذا الحمار فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقسمه بين الناس". 4323 - * روى مالك في الموطأ عن عروة بن الزبير أن الزبير رضي الله عنه كان يتزود صفيف قديد الظباء وهو محرم". 4324 - * روى أحمد عن عائشة قالت: "أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم وشيقة ظبي وهو محرم فردها". 4325 - * روى ابن خزيمة عن ابن عباس: "أنه قال: يا زيد بن أرقم، هل علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدي له بيضاة نعام وهو حرام فردهن؟ قال: نعم". في خبر جابر: لحم الصيد حلال لكم وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصد لكم دلالة على أن بيض الصيد مباح للمحرم إذا لم يؤخذ من أجل المحرم لأن حكم بيض الصيد لا يكون أكثر من حكم لحمه. - حكم من صاد صيداً: 4326 - * روى مالك في الموطأ عن محمد بن سيرين قال: قال رجل لعمر رضي الله

_ 4323 - الموطأ (1/ 350) 20 - كتاب الحج، 24 - باب ما يجوز للمحرم أكله من الصيد، وإسناده صحيح. (صفيف): الصفيف والقديد: اللحم المملوح المجفف في الشمس، سمي صفيفاً، لأنه يصف في الشمس ليجف. قال مالك: والصفيف: القديد. قال في القاموس: صفيف كأمير: ما صف في الشمس ليجف، وعلى الجمر لينشوي. 4324 - أحمد (6/ 40، 225). أبو يعلى (8/ 4616، 4617، 4827). مجمع الزوائد (3/ 230) وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى وزاد: قال سفيان: الوشيقة: لحمي طبخ ثم ييبس، ورجال أحمد رجال الصحيح. 4325 - ابن خزيمة (1/ 181) كتاب المناسك، 565 - باب الزجر عن أكل المحرم بيض الصيد، وإسناده حسن. 4326 - الموطأ (1/ 414، 415) 20 - كتاب الحج، 76 - باب فدية ما أصيب من الطير والوحش، وهو موصول عند الحاكم، وصححه.

عنه: إني أجريت أنا وصاحب لي فرسين، نستبق إلى ثغرة ثنية، فأصبنا ظبياً، ونحن محرمان، فما ترى؟ فقال عمر لرجل إلى جنبه: تعال نحكم، قال: فحكما عليه بعنز، فولى الرجل، وهو يقول: هذا أمير المؤمنين، لا يستطيع أن يحكم في ظبي، حتى دعا رجلاً يحكم معه، فسمع عمر قول الرجل، فدعاه عمر، فقال: هل تقرأ المائدة؟ قال: لا، قال: فهل تعرف هذا الرجل الذي حكم؟ قال: لا، قال: لو أخبرتني أنك تقرؤها لأوجعتك ضرباً، ثم قال: إن الله قال في كتابه: (يحكم به ذوا عدل منكم، هدياً بالغ الكعبة) (1) وهذا عبد الرحمن بن عوف. 4327 - * روى الطبراني في الكبير عن قبيصة بن جابر قال: "كنت محرماً فرأيت ظبياً فرميته فأصبت خششاءه يعني أصل قرنه فركب ردعه فوقع في نفسي من ذلك شيء فأتيت عمر بن الخطاب أسأله فوجدت إلى جنبه رجلاً أبيض رفيق الوجه فإذا هو عبد الرحمن ابن عوف فقال: ترى شاة تكفيه قال نعم فأمرني أن أذبح شاة فلما قمنا من عنده قال صاحب لي إن أمير المؤمنين لم يحسن يفتيك حتى سأل الرجل فسمع عمر بعض كلام فعلاه بالدرة ضرباً ثم أقبل علي ليضربني فقلت يا أمير المؤمنين لم أقل شيئاً إنما هو قاله فتركني وقال: إن أردت أن تقتل الحرام وتتعدى الفتيا، ثم قال إن في الإنسان عشرة أخلاق: تسعة حسنة وواحد سيء يفسدها ذلك السيء، ثم قال إياك وعشرة الشباب، وفي رواية فاجتنح إلى رجل والله لكأن وجهه قلب".

_ (نستبق) استباق: افتعال من المسابقة. (ثغرة) الثغرة في الأصل: نقرة النحر التي بين الترقوتين. (ثنية) الثنية: الموضع المرتفع في العقبة، وثغرتها: موضع متفرج فيها. (1) المائدة: 95. 4327 - مجمع الزوائد (3/ 231، 232) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله ثقات. (الردع): العنق، أي سقط على رأسه فاندقت عنقه، وقل ركب ردعه أي: خر صريعاً لوجهه فكلما هم بالنهوض ركب مقاديمه. وقال الزمخشري: الردع ههنا اسم للدم على سبيل التشبيه بالزعفران، ومعنى ركوبه دمه أنه جرح فسال دمه فسقط فوقه مشحطاً فيه، ومن جعل الردع العنق فالتقدير ركب ذات ردعه أي عنقه فحذف المضاف أو سمى العنق ردعاً على سبيل الاتساع.

- جواز قتل المحرم الفواسق

- جواز قتل المحرم الفواسق: 4328 - * روى الشيخان عن عائشة (رضي الله عنها) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خمس من الدواب كلهن فاسق، يقتلن في الحرم: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور". ولمسلم (1) قالت: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل خمس فواسق في الحل والحرم" قال: ثم ذكر مثل حديث يزيد بن زريع. وفي حديث يزيد: "الحديا" مكان "الحدأة" وله قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربع كلهن فواسق يقتلن في الحل والحرم: الحدأة، والغراب، والفأرة، والكلب العقور، قال: فقلت للقاسم بن محمد: أفرأيت الحية؟ قال: تقتل بصغر لها". وفي أخرى (2) "خمس فواسق يقتلن في الحرم: العقرب، والفأرة، والحديا، والغراب، والكلب العقور". وفي رواية النسائي (3) قال: "خمس يقتلهن المحرم: الحية، والعقرب، والفأرة، والغراب الأبقع، والكلب العقور". ولمسلم (4) بنحوه، وفيه: "والغراب الأبقع، والحية بدل العقرب".

_ 4328 - البخاري (4/ 34) 28 - كتاب جزاء الصيد، 7 - باب ما يقتل المحرم من الدواب. مسلم (2/ 857) 15 - كتاب الحج، 9 - باب ما يندب للمحرم وغيره، قتله من الدواب في الحل والحرام. (1) مسلم: الموضع السابق ص (856، 857). (2) مسلم: نفس الموضع السابق ص (857). (3) النسائي (5/ 188) 24 - كتاب مناسك الحج، 83 - باب قتل الحية. (4) مسلم: نفس الموضع السابق ص (856). (فواسق) أصل الفسق: الخروج عن الاستقامة، والجور، وقيل للعاصي: فاسق لذلك، وإنما سميت هذه الحيوانات الخمس فواسق على سبيل الاستعارة لخبثهن، وقيل: لخروجهن من الحرمة بقوله صلى الله عليه وسلم، وأراد بالكلب العقور: كل سبع يعقر، كالأسد، والذئب، والنمر، والكلب، ونحو ذلك، وقيل: أراد بفسقها تحريم أكلها، لقوله تعالى وقد ذكر ما حرم من الميتة والدم ولحم الخنزير إلى آخر الآية، ثم قال: {ذَلِكُمْ فِسْقٌ} المائدة 3. (الغراب الأبقع): الذي فيه سواد وبياض، والبقع في الطير والكلاب كالبلق في الدواب. (بصغر لها) أي بمذلة وإهانة.

4329 - * روى أبو داود عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خمس قتلهن حلال في الحرم: الحية، والعقرب، والحدأة، والفأرة، والكلب العقور". 4330 - * روى الشيخان عن حفصة (رضي الله عنها) قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خمس من الدواب لا حرج على من قتلهن: الغراب، والحدأة، والعقرب، والكلب العقور". وفي أخرى (1): "خمس من الدواب كلها فاسق ... " وذكره بتقديم وتأخير. وفي رواية (2): أن رجلاً سأل ابن عمر رضي الله عنهما: "ما يقتل المحرم من الدواب؟ فقال: أخبرتني إحدى نسوة رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه أمر- أو أمر- أن تقتل الفأرة، والعقرب، والحدأة والكلب العقور، والغراب". ولمسلم (3) قال: "حدثتني إحدى نسوة النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يأمر بقتل الكلب العقور، والفأرة، والعقرب، والحديا، والغراب، والحية" كذا في رواية شيبان بن فروخ قال: "وفي الصلاة أيضاً". 4331 - * روى أبو داود عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: عما يقتل المحرم؟ فقال: "الحية، والفويسقة، والكلب العقور، والسبع العادي، ويرمىلغراب ولا يقتل، والحدأة".

_ 4329 - أبو داود (2/ 170) كتاب المناسك، باب ما يقتل المحرم من الدواب، وهو حديث صحيح. 4330 - البخاري (4/ 34) 28 - كتاب جزاء الصيد، 7 - باب ما يقتل المحرم من الدواب. مسلم (2/ 858) 15 - كتاب الحج، 9 - باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب ... إلخ. (1) مسلم: الموضع السابق. (2) مسلم: نفس الموضع السابق. (3) مسلم: نفس الموضع السابق. (لا حرج): الحرج: الضيق والإثم. 4332 - أبو داود (2/ 170) كتاب المناسك، باب ما يقتل المحرم من الدواب. الترمذي (3/ 198) 7 - كتاب الحج، 21 - باب ما يقتل المحرم من الدواب.

وفي أخرى (1): الحية، والعقرب، والحدأة، والفأرة، والكلب العقور. قال محقق الجامع: ولبعضه شواهد، ولذلك حسنه الترمذي وقال: والعمل على هذا عند أهل العلم، قالوا: المحرم يقتل السبع العادي، والكلب، وهو قول سفيان الثوري والشافعي. وقال الشافعي: كل سبع عدا على الناس أو على دوابهم فللمحرم قتله. 4332 - * روى مالك في الموطأ عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خمس من الدواب، ليس على المحرم في قتلهن جناح: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور". وفي رواية (2): "خمس لا جناح على من قتلهن في الحرم والإحرام". قال الحافظ في "الفتح 4/ 30": قوله: خمس. التقييد بالخمس وإن كان مفهومه اختصاص المذكورات بذلك. لكنه مفهوم عدد، وليس بحجة عند الأكثر. وعلى تقدير اعتباره، فيحتمل أنه قاله صلى الله عليه وسلم أولاً، ثم بين بعد ذلك أن غير الخمس يشترك معها في الحكم. فقد ورد في بعض طرق عائشة رضي الله عنها بلفظ "وأربع" وفي بعض طرقها بلفظ "ست" فأما طريق "أربع" فأخرجها مسلم من طريق القاسم عنها، فأسقط "العقرب". وأما طريق "ست" فأخرجها أبو عوانة في المستخرج من طريق المحاربي عن هشام عن أبيه عنها فأثبتها وزاد "الحية" ويشهد لها طريق شيبان التي تقدمت من عند مسلم، وإن كانت خالية عن العدد. وأغرب عياض فقال: وفي غير كتاب مسلم ذكر

_ (1) أبو داود: نفس الموضع السابق. (العادي): الظالم المتجاوز الحد في العدوان، والمراد به: الذي يعدو على الإنسان من السباع فيفترسه. 4332 - الموطأ (1/ 356) 20 - كتاب الحج، 28 - باب ما يقتل المحرم من الدواب. البخاري (4/ 34) 28 - كتاب جزاء الصيد، 7 - باب ما يقتل المحرم من الدواب. مسلم (2/ 858) 15 - كتاب الحج، 9 - باب ما يندب للمحرم وغيره قتله ... إلخ. النسائي (5/ 189) 24 - كتاب مناسك الحج، 84 - باب قتل الفأرة. (2) مسلم: نفس الموضع السابق ص (857).

الأفعى صارت سبعاً، وتعقب بأن الأفعى داخلة في مسمى الحية، والحديث الذي ذكرت فيه أخرجه أبو عوانة في المستخرج من طريق ابن عون عن نافع في أحاديث الباب قال: قلت لنافع: فالأفعى؟ قال: ومن يشك في الأفعى. انتهى. وقد وقع في حديث أبي سعيد عند أبي داود نحو رواية شيبان وزاد: السبع العادي فصارت سبعاً، وفي حديث أبي هريرة عند ابن خزيمة وابن المنذر زيادة ذكر الذئب والنمر على الخمس المشهورة، فتصير بهذا الاعتبار تسعاً. لكن أفاد ابن خزيمة عن الذهلي أن ذكر الذئب والنمر من تفسير الراوي للكلب العقور. ووقع ذكر الذئب في حديث مرسل، أخرجه ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور وأبو داود من طريق سعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقتل المحرم الحية، والذئب، ورجاله ثقات. وأخرج أحمد من طريق حجاج بن أرطاة عن وبرة عن ابن عمر قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الذئب للمحرم، وحجاج ضعيف. وخالفه مسعر عن وبرة، فرواه موقوفاً. أخرجه ابن أبي شيبة، فهذا جميع ما وقعت عليه الأحاديث المرفوعة زيادة على الخمس المشهورة، ولا يخلو شيء من ذلك من مقال، والله أعلم. (م). 4333 - * روى الشيخان عن زيد بن جبير (رحمه الله) "أن رجلاً سأل ابن عمر عما يقتل المحرم من الدواب؟ فقال: أخبرتني إحدى نسوة رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه أمر- أو أمر- أن تقتل الفأرة، والعقرب، والحدأة، والكلب العقور، والغراب". ولمسلم (1): "أنه كان يأمر بقتل الكلب العقور، والفأرة، والعقرب، والحديا، والغراب، والحية، قال: وفي الصلاة أيضاً".

_ 4333 - البخاري (4/ 34) 28 - كتاب جزاء الصيد، 7 - باب ما يقتل المحرم من الدواب. مسلم (2/ 858) 15 - كتاب الحج، 9 - باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب ... إلخ. (1) مسلم: نفس الموضع السابق. (العقور): العضوض، فعول بمعنى فاعل، وهو من أبنية المبالغة، والمراد به: كل سبع عاقر كالكلب والأسد والنمر ونحوها. (الحدأ) بكسر الحاء المهملة، وفتح الدال المهملة، وبالهمز، مع التاء وعدمه على وزن: عنبة وعنب: قاله الكرماني.

- ما تصنع الحائض والنفساء

قال الحافظ في "الفتح": وزاد مسلم في آخره ذكر الصلاة لينبه بذلك على جواز قتل المذكورات في جميع الأحوال. 4334 - * روى ابن خزيمة عن عبد الله: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر محرماً بقتل حية في الحرم". 4335 - * روى ابن خزيمة عن أنس بن مالك: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاءه رجل، فقال: يا رسول الله ابن أخطل متعلق بأستار الكعبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أقتلوه" قال ابن شهاب: ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ محرماً". - ما تصنع الحائض والنفساء: 4336 - * روى النسائي عن أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) "أنه خرج حاجاً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، ومعه امرأته أسماء بنت عميس الخثعمية، فلما كانوا بذي الحليفة، ولدت أسماء محمد بن أبي بكر، فأتى أبو بكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يأمرها أن تغتسل، ثم تهل بالحج، وتصنع ما يصنع الناس، إلا أنها لا تطوف بالبيت". 4337 - * روى مالك في الموطأ عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) "كان يقول: المرأة الحائض التي تهل بالحج أو العمرة: إنها تهل بحجها أو عمرتها إذا أرادت، ولكن لا تطوف بالبيت، ولا بين الصفا والمروة، وهي تشهد المناسك كلها مع الناس، غير أنها لا تطوف بالبيت ولا بين الصفا والمروة ولا تقرب المسجد حتى تطهر". 4338 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "النفساء والحائض- إذا أتتا على الميقات- تغتسلان وتحرمان، وتقضيان

_ 4334 - ابن خزيمة (4/ 191) 584 - باب إباحة قتل المحرم الحية ... إلخ، وإسناده صحيح. 4335 - ابن خزيمة (4/ 355) 877 - باب الرخصة في دخول مكة بغير إحرام ... إلخ وهو صحيح. 4336 - النسائي (5/ 127، 128) 24 - كتاب مناسك الحج، 26 - باب غسل للإهلال، وإسناده صحيح. 4337 - الموطأ (1/ 342) 20 - كتاب الحج، 16 - باب ما تفعل الحائض في الحج، وإسناده صحيح. 4338 - أبو داود (2/ 144) كتاب المناسك، باب الحائض تهل بالحج، وهو حسن بشاهده. الترمذي (3/ 282) 7 - كتاب الحج، 100 - باب ما جاء ما تقضي الحائض من المناسك.

- تنظيف المحرم دابته

المناسك كلها غير الطواف بالبيت". وفي رواية (1) مثله، وأسقط: كلها. 4339 - * روى مالك في الموطأ عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه قالت: سمعت عائشة (رضي الله عنها) زوج النبي صلى الله عليه وسلم تسأل عن المحرم يحك جسده؟ قالت: نعم، فليحككه وليشدد، قالت عائشة: لو ربطت يداي، ولم أجد إلا رجلي لحككت". - تنظيف المحرم دابته: 4340 - * روى مالك في الموطأ عن ربيعة بن عبد الله أنه رأى عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) "يقرد بعيراً له في طين بالسقيا، وهو محرم". قال مالك: وأنا أكرهه. قال الزقاني: لأنها من دواب البعير، كالحلم والحمنان، فلا يلقيه المحرم عن البعير لأن ذلك سبب هلاكه- أي القرد- إلا أن يضر بالبعير فيزيلها ويطعم حفنة من طعام. 4341 - * روى مالك في الموطأ عن نافع مولى ابن عمر قال: كان ابن عمر (رضي الله عنهما) يكره أن ينزع المحرم حلمة أو قراداً عن بعيره. وقال مالك: وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك، قال الزرقاني: لأن تقريده سبب لإهلاكه- يعني إهلاك القراد- وهو لا يجوز، وهذا مما خالف ابن عمر أباه فيه.

_ (1) أبو داود: نفس الموضع السابق. (المناسك) جمع منسك: وهو المتعبد، وأمور الحج كلها مناسك. 4339 - الموطأ (1/ 358) 20 - كتاب الحج، 29 - باب ما يجوز للمحرم أن يفعله، وفي سنده مرجانة أم علقمة لم يوثقها غير ابن حبان والعجلي، وبقية رجاله ثقات. 4340 - الموطأ (1/ 357) الموضع السابق. (يقرد بعيره) قرد بعيره: إذا نزع منه القردان، جمع قراد، وهو دويبة معروفة تكون في أوبار الإبل ونحوها. (السقيا): قرية جامعة بين مكة والمدينة. 4341 - الموطأ (1/ 358) الموضع السابق. (حلمة) والجمع: الحلم وهو العظيم من القراد.

- من أصاب أهله قبل أن يفيض

- من أصاب أهله قبل أن يفيض: 4342 - * روى مالك في الموطأ عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) "سئل عن رجل وقع بأهله- وهو بمنى، قبل أن يفيض؟ - فأمره: أن ينحر بدنة". وفي رواية (1) له عن عكرمة قال: "لا أظنه إلا عن ابن عباس، أنه قال الذي يصيب أهله قبل أن يفيض: يعتمر ويهدي". 4343 - * روى ابن خزيمة عن جابر بن عبد الله، قال: "جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضبع يصيبه المحرم كبشاً نجدياً، وجعله من الصيد". علق ابن خزيمة على هذا الحديث أن الله عز وجل أراد بقوله: فجزاء مثل ما قتل من النعم، أقرب الأشياء شبهاً بالبدن من النعم، لا مثله في القيمة كما قاله بعض العراقيين، إذا العلم محيط أن قيمة الضبع تختلف في الأزمان والبلدان، وكذلك قيمة الكبش قد تزيد وتنقص في بعض الأزمان والبلدان، ولو كان المثل في القيمة لم يجعل صلى الله عليه وسلم جزاء الضبع كبشاً في كل وقت وزمان وفي كل بلد. 4344 - * روى ابن خزيمة عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الضبع صيد فإذا أصابه المحرم ففيه جزاء كبش مسن، وتوكل".

_ 4342 - الموطأ (1/ 384) 20 - كتاب الحج، 50 - باب من أصاب أهله قبل أن يفيض، وهو حسن لغيره. (1) الموطأ: الموضع السابق، وإسناده صحيح. (بدنة): البدنة: الناقة أو البقرة تنحر بمكة، سميت بذلك لأنهم كانوا يسمنونها، والبدانة: السمن والاكتناز، وقيل: البدنة لا تكون إلا من الإبل خاصة. 4343 - ابن خزيمة (1/ 182) كتاب المناسك، 567 - باب ذكر جزاء الضبع إذا قتله المحرم، وإسناده صحيح. 4344 - ابن خزيمة (1/ 183) 568 - باب الدليل على أن الكبش الذي قضى به ... إلخ، وإسناده صحيح، وصححه الحاكم والذهبي. (توكل): تؤكل.

- حكم من ترك شيئا من الواجبات

4345 - * روى ابن خزيمة عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار، قال: "لقيت جابر بن عبد الله فسألته عن الضبع أنأكلها؟ قال: نعم. قلت أصيد هي؟ قال: نعم. قلت: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم". - حكم من ترك شيئاً من الواجبات: 4346 - * روى مالك في الموطأ عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: "من نسي شيئاً من نسكه أو تركه، مما بعد الفرائض، فليهرق دماً، قال أيوب: لا أدري، قال: ترك، أم نسي".

_ 4345 - ابن خزيمة (1/ 182) 566 - باب الزجر عن قتل الضبع في الإحرام، وإسناده صحيح. 4346 - الموطأ (1/ 419) 20 - كتاب الحج، 79 - باب ما يفعل من نسي من نسكه شيئاً، وإسناده صحيح.

الباب الثامن في الطواف وأنواعه

الباب الثامن في الطواف وأنواعه

عرض إجمالي

عرض إجمالي قال تعالى: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (1)، فالطواف حول البيت من أعظم أنواع العبادات، وهو إما مفروض كطواف الحج والعمرة والطواف المنذور، وإما واجب كطواف الوداع لغير الحائض والنفساء، وإما مسنون كطواف القدوم، وإما مندوب في كل وقت وحين. والأصل في الطواف أن يكون سبعة أشواط، ويجب بعد كل طواف صلاة ركعتين عند الحنفية في وقت مباح، ويسن ذلك عند الشافعية والحنابلة، ويستطيع الإنسان أن يجمع بين أطوفة متعددة بشكل متوال ثم يصلي بعد ذلك عن كل سبعة أشواط ركعتين، وكل طواف بعده سعي يُسن فيه الرمل والاضطباع في الأشواط الثلاثة الأولى، ولقد فعل الاضطباع والرمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يوم عمرة القضاء فكانت سنة دائمة. والطواف: الركن في الحج يسمى طواف الإفاضة أو طواف الزيارة، والأطوفة المسماة في الحج ثلاثة: طواف القدوم، وطواف الإفاضة، وطواف الوداع، وما زاد على هذه الأطوفة فهو نفل. أما السعي فواحد، ولا يكون السعي إلا بعد طواف، فإن سعي مع طواف القدوم لم يسع بعده وإن لم يسع معه، سعى مع طواف الزيارة. أما طواف القدوم: فهو سنة عند الجمهور لحاج دخل مكة قبل الوقوف بعرفة ولا يُسن للحاج بعد الوقوف بعرفة، ولا للمعتمر؛ لأن المعتمر يبدأ بالطواف المفروض عليه، والحكمة فيه أنه تحية البيت، فيبدأ به لا بصلاة تحية المسجد، لأن القصد من إتيان المسجد البيت وتحيته الطواف، لوا يبدأ بالطواف إذا خاف فوات الصلاة المفروضة أو السنة المؤكدة، أو وجد جماعة قائمة، أو تذكر فائتة مكتوبة، فإنه يقدم ذلك على الطواف، ولو أقيمت الصلاة وهو في أثناء الطواف قطعه وصلَّى، وكذا لو حضرت جنازة قطعه إن كان نفلاً، ولا يفوت طواف القدوم بالجلوس في المسجد، كما تفوت به تحية المسجد، لكنه يفوت

_ (1) البقرة: 125.

بالوقوف بعرفة لا بالخروج من مكة. وأما طواف الإفاضة أو الزيارة فهو ركن باتفاق الفقهاء لا يتم الحج إلا به، فمن ترك طواف الزيارة ورجع إلى بلده، فإنه لا يحل إلا بالعودة وأداء الطواف، فإن نوى التحلل ورفض إحرامه، لم يحل بذلك، لأن الإحرام لا يخرج منه بنيَّة الخروج بل بالطواف الفعلي، وعلى هذا فإذا فات طواف الإفاضة عن أيام النحر لا يسقط، بل يجب أن يأتي به، لأن سائر الأوقات وقته. وأما طواف الوداع فهو مندوب عند المالكية، واجب عند الجمهور، يجبر تركه بدم كسائر الواجبات، فلو خرج الحاج من مكة بلا وداع عامداً أو ناسياً أو جاهلاً بوجوبه؛ عليه أن يرجع إن كان قريباً من مكة، والقريب: هو الذي بينه وبين مكة دون مسافة القصر، وإن كان بعيداً بعث بدم، والبعيد: من بلغ مسافة القصر، ويكون طواف الوداع عند خروج الحاج ليكون آخر عهده بالبيت، فإن طاف للوداع ثم اشتغل بتجارة أو إقامة فعليه إعادته، لأنه إذا أقام بعده خرج عن أني كون وداعاً في العادة، فلم يجْزِه، والأدب أن يخرج المودع بعد طواف الوداع ويولي ظهره إلى الكعبة، ولا يمشي قهقري كما يفعله كثير من الناس، قالوا: بل المشي قهقري مكروه، فإنه ليس فيه سنة مروَّية ولا أثر محكي، وما لا أصل له لا يعرج عليه، قال مجاهد: إذا كدت تخرج من باب المسجد فالتفت، ثم انظر إلى الكعبة، ثم قل: اللهم لا تجعله آخر العهد. وإذا حاضت المرأة قبل أن تودع خرجت ولا وداع عليها ولا فدية بالاتفاق، وإذا حاضت أو نفست عند الإحرام اغتسلت للإحرام وأحرمت وصنعت كما يصنعه الحاج، غير أنها لا تطوف بالبيت حتى تطهر، وعلى هذا فلا تُلزم بطواف القدوم ولا بقضائه، وإذا كانت متمتعة ثم حاضت قبل الطواف للعمرة لم يكن لها أن تطوف بالبيت لأن الطواف بالبيت صلاة، وهي ممنوعة من دخول المسجد فإن خشيت فوات الحج أحرمت بالحج مع عمرتها، وإذا حاضت بعد الوقوف بعرفة وطواف الزيارة انصرفت من مكة ولا شيء عليها لطواف الصدر، فليس على المرأة الحائض وداع ولا فدية إذا حاضت قبل أن تودع، وإذا اضطرت اضطراراً شديداً لمغادرة مكة قبل انتهاء مدة الحيض، أو النفاس ولم تكن قد طافت طواف الإفاضة، فتغتسل وتشد الحفاظ، شداً محكماً، ثم تطوف بالبيت سبعاً طواف

الإفاضة، ثم تسعى بين الصفا والمروة سبعاً، وعليها ذبح بدنة وذلك تقليداً للحنفية الذين يقولون بصحة الطواف حينئذ، مع الحرمة، ووجوب إهداء البدنة. وسنن الطواف: استلام الحجر الأسود وتقبيله بلا صوت، والدعاء، والرَّمَل للرجال، والاضطباع عند الجمهور - غير مالك - والدُّنو من البيت للذكور، ومن سنن الطواف عند الشافعية والحنابلة: المشي لقادر عليه، وصلاة ركعتي الطواف بعده، وصلاة الركعتين واجب عند الحنفية. وشروط طواف الإفاضة عند الحنفية خمسة: نية الطواف، وأن يطوف القادر ماشياً، وأن يقع الطواف حول البيت، وداخل المسجد، وبعد فجر يوم النحر، وأن يطوف المقدار المفروض منه وهو ثلاثة أشواط وأكثر الشوط الرابع أما الإكمال إلى سبعة فهو واجب، وزاد المالكية: الطهارة من الحدث والنجس، وستر العورة، وكون الطواف سبعة أشواط، والابتداء بالحجر الأسود، وجعل البيت عن يساره، والموالاة، وصلاة ركعتين بعد الطواف، ولم يعتبروا النية والمشي من الشروط. وأوصل الحنابلة شروط الطواف إلى أربعة عشر شرطاً.

_ انظر: (فتح القدير)، (المجموع 8/ 12 فما بعد)، (الشرح الصغير 2/ 42) (والمغني 2/ 370) (والفقه الإسلامي 3/ 142 فما بعد).

النصوص

النصوص - في طواف الجاهلية، والنهي عن الطواف عرياناً: 4347 - * روى ابن خزيمة عن ابن عباس، قال: كانت المرأةُ في الجاهلية تطوفُ بالبيت وهي عُريانة وتقولُ: اليوم يبدو بعضهُ أو كُلُّهُ. فما بدا منه، فلا أُحِلُّه. فنزلت {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (1). 4348 - * روى البخاري عن حميد أن أبا هريرة (رضي الله عنه) أخبره أن أبا بكر الصديق (رضي الله عنه) بعثه في الحجة التي أمَّره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع يوم النحر في رهط يُؤَذِّنُ في الناس: "ألا يحجَّ بعد العام مشركٌ، ولا يطوفُ بالبيت عُريانٌ". قال جمهور من الفقهاء: يشترط ستر العورة في الطواف أخذاً من هذا الحديث. وقال الحنفية: ستر العورة واجب، فإن طاف وهو غير ساتر أعاد ما دام بمكة، وإن خرج من مكة لزمه دم. - في الرمل في الطواف والسعي، والاضطباع واستلام الركن والحجر: 4349 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: "قدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابهُ مكَّة، وقد وهنتْهُمْ حُمَّى يثرِبَ، فقال المشركون: إنه يقدُمُ عليكم غداً قومٌ قد وهنتهُمُ الحمى، ولقُوا منها شدةً، فجلسُوا مما يلي الحِجْرَ، وأمرَهُم النبي صلى الله عليه وسلم: أن يرْمُلُوا ثلاثة أشْواطٍ، ويمشُوا بين الرُّكْنَيْنِ، ليرى المُشْرِكون جلدهُم فقال المشركون: هؤلاء الذين زعمتم أن الحُمَّى قد وهنتهُم؟ هؤلاء أجْلَدُ من كذا وكذا".

_ 4347 - ابن خزيمة (4/ 208) كتاب المناسك، 612 - باب الأمر بالتزين عند إرادة الطواف بالبيت ... إلخ، وإسناده صحيح. (1) (سورة الأعراف آية 31). 4348 - البخاري (3/ 483) 25 - كتاب الحج، 67 - لا يطوف بالبيت عريان، ولا يحج مشرك. 4349 - البخاري (3/ 469) 25 - كتاب الحج، 55 - باب كيف كان بدء الرَّمَل؟ مسلم (2/ 923)، 15 - كتاب الحج، 39 - باب استحباب الرمل في الطواف والعمرة ... إلخ.

قال ابن عباس: ولم يمنعه أن يأمرهم أنْ يرمُلُوا الأشواط كُلَّها: إلا الإبقاءُ عليهم. وفي رواية (1): قال البخاري: وزاد حمادُ بنُ سلمة عن أيوب عن سعيد ابن جُبيرٍ عن ابن عباس قال: "لما قَدِمَ النبي صلى الله عليه وسلم لعامِه الذي استأمن فيه، قال: ارمُلُوا، ليُري المشركين قوَّتَهُم، والمشركون من قِبَلِ قُعَيْقِعَان". وفي رواية (2) مختصراً: قال ابن عباسٍ: "إنما سعى رسول الله صلى الله علي وسلم بالبيت وبين الصفا والمروة ليُريَ المشركين قُوَّتَهُ". وفي رواية لأبي داود (3) "إنَّ هؤلاء أجْلَدُ مِنَّا". وفي أخرى (4) "أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم اضْطبعَ، فاستلم وكبَّر، ثم رمَلَ ثلاثة أطوافٍ، فكانوا إذا بلغوا الرُّكْنَ اليمانيَّ، وتغيبوا عن قريش، مشوا، ثم يطلعُون عليهم يرملون، فتقول قريشٌ: كأنهم الغِزْلانُ. قال ابن عباس: فكانت سُنَّةً". 4350 - * روى أحمد عن ابن عباسٍ: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل مرَّ الظهران في عمرتِهِ

_ (1) البخاري (7/ 508، 509) 64 - كتاب المغازي، 43 - باب عمرة القضاء. (2) مسلم: نفس الموضع السابق. (3) أبو داود (2/ 178) كتاب المناسك، باب في الرمل. (4) أبو داود: نفس الموضع السابق ص 179. (وهنتهُمْ): أي أضعفتهم ووعكتهم. (أن يرمُلوا) الرملُ: سُرعة المشي والهرولة. (أشواط): جمع شوط. والمراد به: المرة الواحدة من الطواف بالبيت. (جلدهم) الجلدْ: القوة والصبر. (أطواف) جمع طوْف والطوْفُ: مصدر طُفْتُ بالبيت أطوفُ به طوفاً وطوافاً. (استأمن) الرجل: طلب الأمان. (اضطبع) الاضطباعُ المأمور به في الطواف: هو أن تُدخل الرداء من تحت إبطك الأيمن وتجمع طرفيه على عاتقك الأيسر فيبدو منكبُك الأيمن ويتغطى الأيسر. وسُمِّيَ بذلك: لإبداء الضبعين، وهما العضُدان ما تحت الإبط. "إلا الإبقاء عليهم" بكسر الهمزة، وبالباء الموحدة والمد: أي الرفق بهم. يقال: أبقيت عليه إبقاءاً: إذا رحمته، وأشفقت عليه والاسم: البقيا: نهاية. [م]. (قعيقعان) على وزن: زعيفران: جبل بمكة، وجهه إلى أبي قبيس. 4350 - أحمد (1/ 350). =

بلغَ أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قُريشاً تقول: ما يتباعثون من العَجْفِ، فقال أصحابُه: لو انتحرْنا منْ ظهرنا فأكلْنا منْ لحْمِهِ وحسوْنا من مرقِه لأصبحنا غداً حين ندْخُل على القوم وبنا جَمامةً. قال: لا تفعلوا ولكن اجمعُوا لي منْ أزوادِكُم، فجمعوا له وبسطوا الأنطاع فأكلُوا حتى تولَّوْا وحثا كُلُّ واحدٍ منهم في جرابِه ثمَّ أقْبَل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل المسجد وقعدتْ قريشٌ نحو الحِجْرِ فاضطبع بردائه ثم قال: لا يرى القومُ فيكم غميزة فاستلم الرُّكْن ثم دخل حتى إذا تغيب بالرُّكن اليماني مشى إلى الرُّكْنِ الأسود فقالت قريشٌ ما يرضون بالمشي أما إنهم لينقِزون نقْزَ الظِّباء ففعل ذلك ثلاثة أشواطٍ فكانت سُنَّةً، قال أبو الطُّفيل فأخبرني ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم فعَلَ ذلك في حجَّةِ الوداعِ". 4351 - * روى مسلم عن أبي الطُّفَيلِ (رضي الله عنه) قال: قلت لابن عباس: "أرأيْتَ هذا الرَّمَلَ بالبيتِ ثلاثة أطوافٍ، ومشيّ أربعةِ أطواف: أسْنُّةٌ هو؟ فإن قومك يزعمون أنه سُنة، قال: فقال: صدقوا وكذبوا، قال: قلتُ: ما قولك: صدقوا وكذبوا؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَدِمَ مكة، فقال المشركون: إن محمداً وأصحابه لا يستطيعون أني طوفوا بالبيت من الهُزالِ، وكانوا يحسُدونه، قال: فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يرمُلوا ثلاثاً، ويمشُوا أربعاً، قال: قلت له: أخبرني عن الطوافِ بين الصفا والمروة راكباً: أسُنةٌ هو؟ فإن قومك يزعمون أنه سُنة، قال: صدقوا وكذبوا، قال: قلت: وما قولك: صدقوا وكذبوا؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثُرَ عليه الناسُ، يقولون: هذا محمدٌ، هذا محمدٌ، حتى خرج العواتِقُ من البيوت، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُضْرَبُ الناس بين يديه، فلما كثُر عليه ركب، والمشيُ والسعيُ أفضلُ". وفي رواية أبي داود (1) قال: قلت لابن عباس: "يزعُم قومُك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رملَ بالبيت، وأن ذلك سُنةٌ؟ قال: صدقوا وكذبوا، قلت: ما صدقوا، وما كذبوا؟ قال: صدقوا: قد رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذبوا: ليس بسُنةٍ، إنَّ قريشاً قالت - زمن

_ = مجمع الزوائد (3/ 278) وقال الهيثمي: رواه أحمد، وهو في الصحيح باختصار، ورجال أحمد رجال الصحيح. (العجف): الهزال والضعف. (جمامة): راحة وشبع وري. 4351 - مسلم (3/ 921، 922) 15 - كتاب الحج، 39 - باب إستحباب الرمل في الطواف والعمرة ... (1) أبو داود (2/ 177، 178) كتاب المناسك، باب في الرمل.

الحديبية: دعوا محمداً وأصحابهُ، حتى يموتُوا موت النغف، فلما صالحوه على أن يجيؤوا من العامِ المقبلِ، فيقيموا بمكةَ ثلاثة أيامِ. فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمشركون من قِبَلِ قُعَيْقِعان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ارْمُلُوا بالبيتِ ثلاثاً، وليس بسنةٍ، قلت: يزعُم قومُك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بين الصفا والمروة على بعيرٍ، وأن ذلك سُنة؟ قال: صدقوا وكذبوا، قلت: ما صدقوا، وما كذبوا؟ قال: صدقوا، قد طاف رسول الله بين الصفا والمروة على بعيرٍ، وكذبوا، ليست بسُنةٍ: كان الناسُ لا يُدفعون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يُضْرَبُون عنه، فطاف على بعيرٍ ليسمعوا كلامه، وليروا مكانه، ولا تناله أيديهم". 4352 - * روى مالك في الموطأ عن: جابرٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "رمَلَ الثلاثة الأطواف من الحجرِ إلى الحجر". 4353 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يقدُم مكة: إذا استلم الرُّكن الأسود، أول ما يطوف: يخُبُّ ثلاثةَ أطوافٍ من السبْعِ" (1).

_ = (النغفُ) جمع نغفة، وهي الدُّودة البيضاء التي تكون في أنف الغنم والإبل. (صدقوا وكبوا): قال النووي في شرح مسلم: يعني صدقوا في أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، وكذبوا في قولهم: إنه سنة مقصودة متأكدة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعله سنة مطلوبة دائماً على تكرار السنين، وإنما أمر به تلك السنة لإظهار القوة عند الكفار وقد زال ذلك في المعنى، هذا معنى كلام ابن عباس، وهذا الذي قاله من كون الرمل ليس سنة مقصودة هو مذهبه، وخالفه جميع العلماء من الصحابة والتابعين وأتباعهم من بعدهم فقالوا: هو سنة في الطوفات الثلاث من السبع، فإن تركه فقد ترك سنة وفاتته فضيلة، ويصح طوافه ولا دم عليه. (العواتق) جمع عاتق، وهي البكر البالغة، المقاربة للبلوغ. وقيل: التي لم تتزوج، سميت بذلك لأنها عتقت من استخدام أبويها وابتذالها في الخروج والتصرف الذي تفعله الطفلة الصغيرة، قاله النووي [م]. 4352 - الموطأ (1/ 364) 20 - كتب الحج، 34 - باب الرمل في الطواف. مسلم (2/ 921) 15 - كتاب الحج، 39 - باب استحباب الرمل في الطواف والعمرة ... إلخ. الترمذي (3/ 212) 7 - كتاب الحج، 34 - باب ما جاء في الرمل من الحجر إلى الحجر. النسائي (5/ 230) 24 - كتاب مناسك الحج، 154 - باب الرَّمل من الحجر إلى الحجر. 4353 - البخاري (3/ 470) 25 - كتاب الحج، 56 - باب استلام الحجر الأسود ... إلخ. مسلم (2/ 920، 921) 15 - كتاب الحج، 39 - باب استحباب الرمل في الطواف ... إلخ.

- في استلام الحجر

وفي رواية (1): "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول: خبَّ ثلاثاً، ومشى أربعاً، وكان يسعى ببطن المسيل، إذا طاف بين الصفا والمروة، وكان ابنُ عمر يفعلُ ذلك". وفي أخرى (2) قال: "رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحَجَرِ إلى الحجر ثلاثاً ومشى أربعاً". وفي أخرى (3) بنحوه، وزاد "ثم يُصلي سجدتين - يعني: بعد الطواف بالبيت - ثم يطوف بين الصفا والمروة". فوائد: - لا يشرع تدارك الرمل، فلو تركه في الثلاث لم يقضه في الأربع. - يختص الرمل بالرجال دون النساء ولا فرق بين الماشي والراكب ولا دم بتركه (انظر الفتح 3/ 472). - في استلام الحجر: 4354 - * روى الترمذي عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: "لما قَدِم النبيُّ صلى الله عليه وسلم مكة، دخل المسجد، فاستلم الحجر، ثم مضى على يمينه فرمل ثلاثاً، ومشى أربعاً،

_ (1) مسلم: نفس الموضع السابق ص 920. (2) مسلم: نفس الموضع السابق ص 921. (3) مسلم: نفس الموضع السابق ص 920. (الاستلام): افتعال من السلام، وهو: التحية، كماي قال: اقترأتُ، من القراءة، ولذلك أهل اليمن يُسمُّون الركن الأسود: المحيا، ومعناه: أن الناس يحيونه، وقيل: هو افتعالٌ من السلام - بكسر السين - جمع سلمة، وهي الحجر، تقول: استلمت الحجر: إذا لمسته، كما تقول: اكتحلتُ من الكحل. قوله (من الحجر إلى الحجر): أي من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود، و"الرمل": سير سريع مع تقراب الخطا، لإظهار النشاط والقوة، قال النووي في شرح مسلم: واتفق العلماء على أن الرمل لا يشرع للنساء، كما لا يشرع لهن شدة السعي بين الصفا والمروة. 4354 - الترمذي (3/ 211) 7 - كتاب الحج، 33 - باب ما جاء كيف الطواف. النسائي (5/ 229) 24 - كتاب مناسك الحج، 149 - باب كيف يطوف أول ما يقدم ... إلخ.

- في الاضطباع

ثم أتى المقام. فقال: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (1) وصلى ركعتين، والمقامُ بينه وبين البيت، ثم أتى الحجر بعد الركعتين، فاستلمه، ثم خرج إلى الصفا، أظنه قال: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (2). - في الاضطباع: 4355 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابهُ اعتمروا من الجعرانة، فرملُوا بالبيت، وجعلوا أرديتهم تحت آباطِهِمْ، قد قذفُوها على عواتقهم اليُسرى". وفي أخرى (3): "فرملوا بالبيت ثلاثاً، ومشوا أربعاً". لم يزِدْ على هذا. 4356 - * روى مالك في الموطأ عن عروة بن الزبير (رضي الله عنهما) قال: "إنه رأى عبد الله بن الزبير أحرم بعمرةٍ من التنعيم، قال: ثم رأيته يسعى حول البيت الأشواط الثلاثة". 4357 - * روى مالك في الموطأ عن نافعٍ مولى ابن عمر "أن ابن عمر (رضي الله عنهما) كان إذا أحرم من مكة لم يطفْ بالبيت، ولا بين الصفا والمروة، حتى يرجع من منى، وكان لا يرمُل إذا طاف حول البيت إذا أحرم من مكة". أقول: كل طواف بعده سعي يسن فيه الرمل والاضطباع، أما إذا لم يكن بعده سعي بين الصفا والمروة فلا يسن فيه الرمل ولا الاضطباع. 4358 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ (1) (سورة البقرة آية 125). (2) (سورة البقرة آ] ة 159). 4355 - أبو داود (2/ 177) كتاب المناسك، باب الاضطباع في الطواف. (3) أبو داود (2/ 179) باب في الرمل، وإسناده حسن. 4356 - الموطأ (1/ 365) 20 - كتاب الحج، 34 - باب الرمل في الطواف، وإسناده صحيح. 4357 - الموطأ (1/ 365) 20 - كتاب الحج، 34 - باب الرمل في الطواف، وإسناده صحيح. 4358 - أبو داود (2/ 207) كتاب المناسك، باب الإفاضة في الحج. =

- في استلام الركنين واليمانيين

لم يرْمُل في السبعِ الذي أفاض فيه". أقول: الظاهر أنه عليه الصلاة والسلام قد سعى من قبل فلم يحتجْ إلى سعي بعد طواف الإفاضة والسنة أن يرمل الإنسان في طواف بعده سعي، ولا سعي هنا. 4359 - * روى أبو داود عن أسلم مولى عُمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) قال: سمعتُ عمر بن الخطاب يقول: "فيم الرَّملانُ والكشفُ عن المناكب، وقد أطأ الله الإسلام، ونفى الكفر وأهلهُ، ولكن مع ذلك لا ندعُ شيئاً كُنَّا نفعله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم". 4360 - * روى أبو داود عن يعلي بن أُمَيَّة (رضي الله عنه) قال: "طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم مُضطبعاً بِبُرْدٍ أخضرَ". وفي رواية (1) الترمذي: "طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم مُضطبعاً عليه بُرْدٌ". - في استلام الركنين واليمانيين: 4361 - * روى الشيخان عن عُبيد بن جُريجٍ قال لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما:

_ = ابن ماجة (2/ 1017) 25 - كتاب المناسك، 77 - باب زيارة البيت. الحاكم (1/ 475) كتاب المناسك، باب شرب ماء زمزم من السقاية ... إلخ، ورواه النسائي وابن خزيمة، وهو صحيح. 4359 - أبو داود (2/ 178، 179) كتاب المناسك، باب في الرمل، وإسناده حسن. (أطأ): مهد وثبت، وإلا فهو وطأ، والهمزة فيه مُبدلة من الواو مثل: وقتتْ وأقتتْ. 4360 - أبو داود (2/ 177) كتاب المناسك، باب الاضطباع في الطواف، وإسناده صحيح. (1) الترمذي (3/ 214) 7 - كتاب الحج، 36 - باب ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف مضطبعاً. 4361 - البخاري (1/ 267، 268) 4 - كتاب الوضوء، 30 - باب غسلِ الرجلين في النعلين، ولا يمسح على النعلين. مسلم (2/ 844، 845) 15 - كتاب الحج، 5 - باب الإهلال من حيث تنبعث الراحلة. الموطأ (1/ 333)، 20 - كتاب الحج، 9 - باب العمل في الإهلال. أبو داود (2/ 150، 151) كتاب المناسك، 21 - باب في وقت الإحرام. (السبتية) النعال السبتيةُ: التي لا شعر عليها، كأن شعرها قد سُبت عنها، أي: حُلق وأُزيل، وقيل: هي منسوبة إلى السبت، وهي جلود البقر المدبوغة بالقرظِ. (لا يصنعها غيرك) قال النووي في شرح مسلم: قال المازري: يحتمل أن مرادهُ: لا يصنعها غيرك مجتمعة، وإن كان يصنع بعضها (م).

"رأيتُك تصنعُ أربعاً لم أر أحداً من أصحابك يصنعها؟ قال: ما هي يا ابن جُريجٍ؟ قال: رأيتُك لا تمسُّ من الأركان إلا اليمانيين، ورأيتُك تلتبسُ النعال السبتية، ورأيتك تصبغُ بالصُّفرة، ورأيتُك إذا كنت بمكة أهل الناس إذا رأوا الهلال، ولم تهلل حتى يكون يوم التروية؟ فقال عبد الله بن عمر: أما الأركان، فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسُّ إلا اليمانيين، وأما النعالُ السبتية، فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسُ النعال التي ليس فيها شعرٌ، ويتوضأ فيها، فأنا أحب أن ألبسها، وأما الصفرة، فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغُ بها، فأنا أحب أن أصبغ بها، وأما الإهلال، فإني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يُهِلُّ حتى تنبعث به راحلته". 4362 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) قال: "لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم من البيت إلا الرُّكنين اليمانيين". وفي رواية (1) "يمسحُ" مكان "يستلم". وفي رواية (2) لمسلم: "لم يكن يستلم من أركان البيت إلا الرُّكن الأسود، والذي يليه، من نحو دور الجُمحيين". وفي أخرى (3) للبخاري ومسلم قال: "ما تركنا استلام هذين الركنين: اليماني والحجر

_ = (الركنان اليمانيان) قال العلماء: ويقال للركنين الآخرين اللذين يليان الحِجْرَ- بكسر الحاء-: الشاميان لكونهما بجهة الشام. قالوا: فاليمانيان باقيان على قواعد إبراهيم صلى الله عليه وسلم، بخلاف الشاميين، فلذلك لم يستلما. واستلم اليمانيين لبقائهما على قواعد إبراهيم عليه السلام، ثم إن العراقي من اليمانيين اختص بفضيلة أخرى وهي الحجر الأسود. فاختص لذلك مع الاستلام بتقبيله ووضع الجبهة عليه، بخلاف اليماني. والله أعلم. قال القاضي: وقد اتفق أئمة الأمصار والفقهاء على أن الركنين الشاميين لا يستلمان. وإنما كان الخلاف في ذلك في العصر الأول من بعض الصحابة وبعض التابعين رضي الله تعالى عنهم. ثم ذهب، قاله النووي [م]. (ويتوضأ فيها): قال النووي في شرح مسلم: معناه: يتوضأ ويلبسها ورجلاه رطبتان. 4362 - البخاري (3/ 473) 25 - كتاب الحج، 59 - باب من لم يستلم إلا الركنين اليمانيين. مسلم (2/ 925) 15 - كتاب الحج، 40 - باب استحباب استلام الركنين ... إلخ. (1) مسلم: نفس الموضع السابق ص 924. (2) مسلم: نفس الموضع السابق ص 924. (3) البخاري (3/ 471) 25 - كتاب الحج، 57 - باب الرمل في الحج والعمرة. مسلم: نف سالموضع السابق ص 924.

في شدةٍ ولا رخاء، منذُ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمُهما". وفي أخرى (1) لهما: قال نافع: "رأيتُ ابن عمر يستلمُ الحجر بيده، ثم قبل يده، وقال: ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله". وفي أخرى (2): قال: "قلت لنافعٍ: أكان ابن عمر يمشي بين الركنين؟ قال: إنما كان يمشي ليكون أيسر لاستلامه". وللنسائي (3): "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستلمُ الرُّكن اليماني والحجر في كل طوافه". وفي أخرى (4): "كان لا يستلمُ إلا الحجر والرُّكن اليماني". وفي رواية (5) للبخاري والنسائي: قال "سأل رجلٌ ابن عمر عن استلام الحجر، فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويُقبِّلُهُ، قال: أرأيت: إن زُحِمْتُ؟ أرأيت: إن غُلبتُ؟ قال: اجعلْ "أرأيت" باليمن، رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبِّله". قال النووي في شرح مسلم (1/ 412): فالركنان اليمانيان: هما الركن الأسود والركن اليماني، وإنما قيل لهما "اليمانيان" للتغليب، كما قيل في الأب والأم: الأبوان، وفي الشمس والقمر: القمران، وفي أبي بكر وعمر: العمران، وفي الماء والتمر: الأسودان، ونظائره مشهورة. واليمانيان: بتخفيف الياء، هذه هي اللغة الفصيحة المشهورة، وحكى سيبويه والجوهري وغيرهما فيها لغة أخرى: بالتشديد، واعلم: أن للبيت أربعة أركان: الركن الأسود، والركن اليماني - ويقال لهما: اليمانيان كما سبق - وأما الركنان الآخران، فيقال لهما:

_ (1) البخاري (3/ 475) 25 - كتاب الحج، 60 - باب تقبيل الحجر. مسلم: نفس الموضع السابق ص 924. (2) البخاري (3/ 471) 57 - باب الرمل في الحج والعمرة. (3) النسائي (5/ 231) 24 - كتاب مناسك الحج، 156 - باب استلام الركنين في كل طواف. (4) النسائي: نفس الموضع السابق. (5) البخاري (3/ 475) 25 - كتاب الحج، 60 - باب تقبيل الحجر. النسائي (5/ 231) 24 - كتاب مناسك الحج، 155 - باب العلة التي من أجلها سعى النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت. (اجعل "أرأيت" باليمن) أي: اجعل سؤالك هذا واعتراضك بعيداً عنك حتى كأنه باليمن، وأنت بموضعك هذا.

الشاميان. فالركن الأسود فيه فضيلتان، إحداهما: كونه على قواعد بناء إبراهيم. والثانية: كونه فيه الحجر السود. وأما اليماني: ففيه فضيلة واحدة، وهي كونه على قواعد إبراهيم عليه السلام. وأما الركنان الآخران: فليس فيهما شيء من هاتين الفضيلتين، فلهذا خص الحجر الأسود بشيئين: الاستلام والتقبيل، للفضيلتين، وأما اليماني: فيستلمه ولا يقبله، لأن فهي فضيلة واحدة. وأما الركنان الآخران: فلا يقبلان، لا يستلمان، والله أعلم. وقد أجمعت الأمة على استحباب استلام الركنين اليمانيين، واتفق الجماهير على أنه لا يمسح الركنين الآخرين، واستحبه بعض السلف. وممن كان يقول باستلامهما: الحسن والحسين ابنا علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، وابن الزبير، وجابر بن عبد الله، وأنس ابن مالك، وعروة بن الزبير، وأبو الشعثاء جابر بن زيد رضي الله عنهم. قال القاضي أبو الطيب: أجمعت أئمة الأمصار والفقهاء على أنهما لا يستلمان، قال: وإنما كان فيه خلاف لبعض الصحابة والتابعين، وانقرض الخلاف، وأجمعوا على أنهما لا يستلمان. والله أعلم. [انظر الفتح: (3/ 474 - 475)]. 4363 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال أبو الطُّفيل: "كُنتُ مع ابن عباس، ومعاويةُ لا يمرُّ بركنٍ إلا استلمه، فقال له ابن عباس: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يستلمُ إلا الحجر الأسود والركن اليماني، فقال معاوية: ليس شيء من البيت مهجوراً". وفي رواية (1) مسلم: أنه سمع ابن عباس يقول: "لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمُ غير الركنين اليمانيين". وفي رواية (2) للبخاري عن أبي الشعثاء- جابر بن زيد - قال: "ومن يتقي شيئاً من البيت؟ وكان معاويةُ يستلم الأركان، فقال له ابن عباس: إنه لا يستلم هذان الركنان،

_ 4363 - الترمذي (3/ 213) 7 - كتاب الحج، 35 - باب ما جاء في استلام الحجر ... إلخ. (1) مسلم (2/ 925) 15 - كتبا الحج، 40 - باب استحباب استلام الركنين ... إلخ. (2) البخاري (3/ 473) 25 - كتاب الحج، 59 - باب من لم يستلم إلا الركنين اليمانيين.

- في استلام الركن بمحجن

فقال: ليس شيءٌ من البيت مهجوراً، وكان ابن الزبير يستلمهُنَّ كلهُنَّ". قال الحافظ في الفتح: "من" في قوله: "ومن يتقي" استفهامية على سبيل الإنكار. - في استلام الركن بمحجن: 4364 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: "طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على بعيرٍ، يستلمُ الركن بمحجنٍ". وفي أخرى (1) للبخاري والنسائي والترمذي قال: "طاف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت على بعيرٍ، كُلما أتى على الركن أشار إليه". زاد البخاري في رواية أخرى (2) "بشيءٍ كان في يده وكبَّرَ". وفي أخرى (3) لأبي داود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "قدِمَ مكةَ - وهو يشتكي - فطاف على راحلته، كُلَّما أتى على الرُّكن استلمه بمحجنٍ، فلما فرغ من طوافه أناخ، وصلى ركعتين". أقول: قوله "وهو يشتكي" دليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان معذوراً حتى طاف محمولاً، وكذلك كل معذور يصح أن يطاف به محمولاً. 4365 - * روى مسلم عن عائشة (رضي الله عنها) طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع

_ 4364 - البخاري (3/ 472، 473) 25 - كتاب الحج، 42 - 58 - باب استلام الركن بالمحجن. مسلم (2/ 926) 15 - كتاب الحج، باب جواز الطواف على بعير وغيره ... إلخ. أبو داود (2/ 176) كتاب المناسك، باب الطواف الواجب. النسائي (5/ 233) 24 - كتاب مناسك الحج، 159 - باب استلام الركن بالمحجن. (1) البخاري (3/ 476) 25 - كتاب الحج، 61 - باب من أشار إلى الركن إذا أتى عليه. النسائي (5/ 233) 24 - كتاب مناسك الحج، 160 - باب الإشارة إلى الركن. الترمذي (3/ 218) 7 - كتاب الحج، 40 - باب ما جاء في الطواف راكباً. (2) البخاري (3/ 476) 25 - كتاب الحج، 62 - باب التكبير عند الركن، وطرف هذا الحديث في البخاري رقم (1632). (3) أبو داود (2/ 177) كتاب المناسك، باب الطواف الواجب. (بمحجن) المحجن: عصاً كالصولجان. 4365 - مسلم (2/ 927) 15 - كتاب الحج، 42 - باب جواز الطواف على بعير وغيره ... إلخ.

حول الكعبة على بعيرٍ، يستلم الركن، كراهية أن يُصرف عنه الناس. وفي رواية النسائي (1) قالت: "طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم حول الكعبة، على بعيره ويستلمُ الرُّكن بمحجنه". 4366 - * روى ابن خزيمة عن أبي الطفيل: "رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوفُ على راحلته بالبيت، ويستلمُ الأركان بمحجنه. قال: وأراهُ يُقبِّلُ طرف المحجن، ثم خرج إلى الصفا فطاف على راحلته". 4367 - * روى أبو داود عن صفية بنت شيبة (رضي الله عنها) قالت: "لم طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفتح، طاف على بعيرٍ، يستلمُ الرُّكن بمحجنٍ في يده، قالت: وأنا أنظر إليه". 4368 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: "طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت يستلمُ الحجر بمحجنه، وبين الصفا والمروة، ليراهُ الناس، وليشرف، وليسألوه، فإن الناس غشوهُ". 4369 - * روى مسلم عن أبي الطفيل قال: "قلت لابن عباس رضي الله عنهما: أراني قد رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فصفْهُ لي، قلت: رأيته عند المروة عل ناقةٍ، وقد كثُرَ الناس عليه، قال ابن عباس: ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنهم كانوا لا يُدَعُّون عنه، ولا يُكْرَهُون".

_ (1) النسائي (5/ 224) 24 - كتاب مناسك الحج، 140 - باب الطواف بالبيت على الراحلة. 4366 - ابن خزيمة (4/ 241) كتاب المناسك، 671 - باب تقبيل طرف المحجن إذا استلم به الركن ... إلخ، وهو صحيح. 4367 - أبو داود (2/ 176) كتاب المناسك، باب الطواف الواجب، وإسناده حسن. 4368 - مسلم (2/ 926، 927) 15 - كتاب الحج، 42 - باب جواز الطواف على بعير غيره ... إلخ. أبو داود (2/ 176، 177) كتاب المناسك، باب الطواف الواجب، إلا أن أبا داود ليس عنده: "ويستلمُ الركن بمحجنه". النسائي (5/ 241) 24 - كتاب مناسك الحج، 173 - باب الطواف بين الصفا والمروة على الراحلة. (غشوهُ) أي: كثروا عليه وازدحموا. 4369 - مسلم (2/ 922، 923) 15 - كتاب الحج، 39 - باب استحباب الرمل ... إلخ.

- في تقبيل الحجر الأسود

وفي رواية (1) قال: "رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوفُ بالبيت، ويستلمُ الرُّكْنَ بمحجنٍ معه، ويُقبِّلُ المحْجَنَ". وأخرج أبو داود (2) الرواية الثانية، وزاد في بعض طُرُقِه "ثم خرج إلى الصفا والمروة، فطاف سبعاً على راحلته". أقول: إذا كانت هناك أسباب عارضة أو طارئة، فإن تلك الأسباب تبيح للطائف والساعي الطواف والسعي وهو محمول. - في تقبيل الحجر الأسود: 4370 - * روى النسائي عن حنظلة (رحمه الله) قال: "رأيتُ طاوساً يمُرُّ بالركن، فإن وجد عليه زحاماً مر ولم يُزاحم، وإذا رآه خالياً، قبَّله ثلاثاً، ثم قال: رأيت ابن عباس فعل ذلك، وقال ابن عباس: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فعل مثل ذلك، ثم قال: إنك حجرٌ لا تنفع ولا تضر، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبَّلك ما قبلتك، ثم قال عمر: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك". فائدة: استنبط بعض الفقهاء من مشروعية تقبيل الأركان: جواز تقبيل ما يستحق التعظيم كالمصحف ومنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبره. [انظر الفتح (3/ 475)]. 4371 - * روى الجماعة عن عابس بن ربيعة (رحمه الله) قال: رأيتُ عمر يُقبِّلُ

_ (1) مسلم (2/ 927) 15 - كتاب الحج، 42 - باب جواز الطواف على بعير غيره ... إلخ. (2) أبو داود (2/ 176) كتاب المناسك، باب الطواف الواجب. (يُدعون): يُدفعون ويطردون. 4370 - النسائي (5/ 227) 24 - كتاب مناسك الحج، 148 - باب كيف يقبل: وهو حسن بشواهده. 4371 - البخاري (3/ 462) 25 - كتاب الحج، 50 - باب ما ذكر في الحجر الأسود. مسلم (2/ 925، 926) 15 - كتاب الحج، 41 - باب استحباب تقبيل الحجر الأسود تقبيل الحجر الأسود في الطواف. الموطأ (1/ 367) 20 - كتاب الحج، 36 - باب تقبيل الركن الأسود في الاستلام، إلا أن الموطأ أخرجه عن عروة "أنه رأى عمر". أبو داود (2/ 175) كتاب المناسك، باب في تقبيل الحجر. الترمذي (3/ 214، 215) 7 - كتاب الحج، 37 - باب ما جاء في تقبيل الحجر. النسائي (5/ 227) 24 - كتاب مناسك الحج، 147 - باب تقبيل الحجر.

الحجر، ويقول: إني لأعلمُ أنك حجرٌ ما تنفع ولا تضر، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقبلُك ما قبلْتُك". وزاد مسلم (1) والنسائي (2) في إحداهما: "ولكنْ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بك حفياً" ولم يقل: "رأيت رسول الله يُقبلك". قال الحافظ في [الفتح: 3/ 370]: قال الطري: إنما قال ذلك عمر، لأن النسا كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام، فخي عمر أن يظن الجهَّال أن استلام الحجر من باب تعظيم بعض الأحجار، كما كانت العرب تفعل في الجاهلية، فأراد عمر أني علم الناس أن استلامه اتباع لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا لأن الحجر ينفع ويضر بذاته، كما كانت تعتقده في الأوثان. وقال الحافظ: وفي قول عمر هذا التسليم للشارع في أمور الدين وحسن الاتباع فيما لم يكشف عن معانيها، وهو قاعدة عظيمة في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيما يفعله ولو لم يعلم الحكمة فيه، وفيه دفع ما وقع لبعض الجهال من أن في الحجر الأسود خاصة ترجع إلى ذاته، وفيه بيان السنن بالقول والفعل، وأن الإمام إذا خشي على أحد من فعله فساد اعتقاد أن يبادر إلى بيان الأمر وبوضوح ذلك. 4372 - * روى مالك في الموطإ عن عروة بن الزبير (رضي الله عنهما): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابن عوفٍ: "كيف صنعت يا أبا محمد في استلام الركن الأسود؟ قال استلمتُ، وتركتُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصبتَ". 4373 - * روى الطبراني في الكبير عن محمد بن المنكدر عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من طاف بالبيت أسبوعاً لا يلغو فيه كان كعدْل رقبةٍ يعتقُها". أقول: المراد بالأسبوع هنا الطواف: بالبيت سبعة أشواط.

_ (1) مسلم: نفس الموضع السابق ص 926. (2) النسائي (5/ 226، 227) 146 - باب إستلام الحجر الأسود. (حفياً) يقال: حفيتُ حفاوةٌ، وتحفيتُ به، فأنا به حفيُّ أي بالغتُ في إكرامه والعناية به. 4372 - الموطأ (1/ 366) 20 - كتاب الحج، 35 - باب الاستلام في الطواف، وهو مرسل، ووصله ابن عبد البر. 4373 - الطبراني "الكبير" (20/ 360). مجمع الزوائد (3/ 245) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله ثقات، وهو حديث صحيح.

- في فضل الطواف واستلام الركنين

4374 - * روى أبو يعلي عن ابن عباس قال: "ما طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيءٍ إلا وهو من البيتِ". 4375 - * روى أحمد عن يعلي بن أمية قال: "طُفْتُ مع عمر بن الخطاب فلما كنتُ عند الركن الذي يلي الباب مما يلي الحجرَ أخذتُ بيده ليستلِمَ فقال: أما طُفْتَ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: بلى قال: فهل رأيتهُ يستلِمُهُ؟ قلتُ: لا قال فابعُدْ عنه فإنَّ لك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوةٌ حسنةٌ". 4376 - * روى الطبراني في الكبير عن نُسيْرِ بن ذُعلُوقٍ قال: "رأيت ابن الزبير يطوف في مِرْطٍ له". أقول: من استعمل شيئاً من اللابس المخيط كهيئة المئزر دون أن يلبسه اللباس المعتاد فلا حرج عليه. 4377 - * روى عبد الله بن أحمد عن عليِّ بن أبي طالبٍ أنه "رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم كاشفاً عن ثوبه حتى بلغ ركبتيه". أقول: الخلاف مشهور حول الركبة: هي من العورة أم ليست من العورة، وليس في النص دليل لأحد المذهبين ولكن فيه أن رفع المئزر إلى الركبة عند الطواف لا حرج فيه. - في فضل الطواف واستلام الركنين: 4378 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) "أنهُ أُخبرَ بقول عائشة: إنَّ الحِجْرَ بعضه ليس من البيت، قال ابن عمر (1): واللهِ، إني لأظنُّ

_ 4374 - أبو يعلي (4/ 440). مجمع الزوائد (3/ 247) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلي، وإسناده حسن. 4375 - مسند أحمد (1/ 37). مجمع الزوائد (3/ 240) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، ورواه من طريق آخر، وفيه رجل لم يسم، ورواه الطبراني في الأوسط. 4376 - مجمع الوزائد (3/ 244) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله ثقات. 4377 - مجمع الزوائد (3/ 247) وقال الهيثمي: رواه عبد الله بن أحمد والبزار، ورجاله ثقات. 4378 - أبو داود (2/ 176) كتاب المناسك، باب استلام الأركان، وإسناده صحيح.

عائشة- إنْ كانت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم - إني لأظن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يترُك استلامهما إلا لأنهما ليسا على قواعد البيت، ولا طاف الناس من وراء الحِجْرِ إلا لذلك. 4379 - * روى الترمذي عن عُبيد بن عُميرٍ (رحمه الله) "أن ابن عمر كان يُزاحم على الركنين، فقلت: يا أبا عبد الرحمن، إنك تزاحم على الركنين زحاماً ما رأيت أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يزاحمه؟ فقال: إنْ أفعلْ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن مسحهُما كفارةٌ للخطايا، وسمعته يقول: من طاف بهذا البيت أسبوعاً فأحصاه: كان كعتق رقبةٍ، وسمعته يقول: لا يرفع قدماً، ولا يضعُ قدماً، إلا حط الله عنه بها خطيئة، وكتب له بها حسنةً". وقال الترمذي: وروى أيضاً عن ابن عبيد بن عميرٍ، ولم يذكر: عن أبيه. وفي رواية النسائي (1) أنه قال له: طيا أبا عبد الرحمن، ما أراك تستلم إلا هذين الركنين؟ قال: إني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنَّ مسحهُما يحُطان الخطيئة، وسمعته يقول: من طاف سبعاً، فهو كعتق رقبةٍ". 4380 - * روى ابن خزيمة عن عبد الله بن عبيد بن عمير، أنه سمع أباه، يقول لابن عمر: مالي لا أراك تستلمُ إلا هذين الركنين: الحجرَ الأسود والركن اليماني؟ فقال ابن عمر: إن أفعلْ فقد سمعتُ رسول الله صلى الله لعيه وسلم يقول: "إن مسحهما يحُطُّ الخطايا". 4381 - * روى ابن خزيمة عن جعفر بن عبد الله، قال: رأيتُ محمد بن عبادِ بن

_ 4379 - الترمذي (3/ 292) 7 - كتاب الحج، 111 - باب ما جاء في استلام الركنين، وفي سنده عطاء بن السائب، وهو صدوق لكن اختلط، روايته عند الترمذي عن جرير عن عطاء بن السائب، وما سمع منه جرير ليس من صحيح حديثه. لكن روايته عند النسائي عن حماد بن زيد، وقد سمع من حماد بن زيد قبل أن يتغير، وروايته عنه جيدة، ولذلك قال الترمذي: حديث حسن [م]. وروى الطبراني في الكبير نحوه (20/ 360) عن محمد بن المنكدر عن أبيه مختصراً ورجاله ثقات (مجمع) 3/ 245. (1) النسائي (5/ 221) 24 - كتاب مناسك الحج، 134 - باب ذكر الفضل في الطواف بالبيت. 4380 - ابن خزيمة (4/ 218) كتاب المناسك، 635 - باب فضل استلام الركنين وذكر حط الخطايا بمسحها، وسناده حسن. 4381 - ابن خزيمة (4/ 213) 621 - باب السجود على الحجر الأسود ... إلخ، وإسناده صحيح.

- في ركعتي الطواف

جعفر قبّلَ الحجر وسجد عليه، ثم قال: رأيت خالك ابن عباس يُقبِّلُه ويسجد عليه، وقال ابن عباس: رأيت عمر بن الخطاب قبَّل وسجد عليه، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله علي وسلم فعل هكذا ففعلتُ". أقول: المراد بالسجود هنا وضع الجبهة والأنف على الحجر الأسود. 4382 - * روى ابن خزيمة عن نافعٍ، قال: "رأيتُ ابن عمر استلم الحجر بيده، وقبل يده، وقال: ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله". 4383 - * روى الطبراني في الكبير عن زيد بن جبير "أن رجلاً ذكر لابن عمر الحجر ومسحه يُحال بيني وبينه فلا نستطيع أن نمسحه، فقال عبد الله: كنا نقرعه بالعصى إذا لم نستطع مسحهُ". أقول: من استطاع أن يمس الحجر الأسود عند كل طواف فحسن، فإن لم يكن ففي الطواف الأول، فإن لم يستطع الوصول إليه يمسه بصعا إن أمكن، فإن لم يستطع ذلك اكتفى بالإشارة إليه في كل طواف بما في ذلك الطواف الأول. - في ركعتي الطواف: 4384 - * روى البخاري تعليقاً عن نافع مولى عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) قال: "كان ابن عمر يصلي لكل أسبوع ركعتين". 4385 - * روى مالك في الموطأ عن عبد الرحمن بن عبد القاريِّ "أنه طاف بالبيت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بعد صلاة الصُّبْحِ، فلما قضى عمر طوافه نظر (1)، فلم ير

_ 4382 - ابن خزيمة (4/ 231) 622 - باب استلام الحجر باليد ... إلخ، وهو صحيح. 4383 - مجمع الزوائد (3/ 241) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير بأسانيد وبعضها رجاله ثقات. 4384 - البخاري (3/ 484) 25 - كتاب الحج. وقد أخرجه تعليقاً بصيغة الجزم في الحج باب صلى الله عليه وسلم إسبوعه ركعتين. قال الحافظ في الفتح: وصله عبد الرزاق عن الثوري عن موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر أنه كان يطوف بالبيت سبعاً ثم يصلي ركعتين. وعن معمر عن أيوب عن نافع أن ابن عمر كان يكره قرن الطواف، ويقول: على كل سبع صلاة ركعتين، وكان لا يقرنُ. (أسبوع) الأسبوع: سبع مرات، ومنه أسبوع الأيام لاشتماله علىس بعة أيامٍ. 4385 - الموطأ (1/ 368) 20 - كتاب الحج، 38 - باب الصلاة بعد الصبح والعصر في الطواف، وإسناده صحيح.

الشمس، فركب حتى أناخ بذي طُوى، فصلى ركعتين". أقول: الظاهر أن عمر رضي الله عنه لم يكن يرى الصلاة عند طلوع الشمس ولم يكن يرى وجوب ركعتي الطواف عند الكعبة فصلاهما فيما بعد بذي طوى وهو من الحرم، واستدل بعض الفقهاء بهذا أن من نسي ركعتي الطواف قضاهما حيث ذكرهما من حِلِّ أو حرم، وهو قول الجمهور، وعن الثوري: يركعهما حيث شاء ما لم يخرج من الحرم وعن مالك: إن لم يركعهما حتى تباعد ورجع إلى بلده؛ فعليه دم. [انظر الفتح (3/ 487)]. 4386 - * روى البخاري تعليقاً عن إسماعيل بن أُمَّية (رحمه الله) قال: "قُلْتُ للزهريِّ: إن عطاء يقول تُجزئُهُ المكتوبة من ركعتي الطوافِ، فقال: اتباعُ السنة أفضل، لم يطف رسول الله صلى الله عليه وسلم قط أسبوعاً إلا صلى له ركعتين". 4387 - * روى أبو داود عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: "أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل مكة، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحجر فاستلمه، ثم طاف بالبيت، ثم أتى الصفا، فعلاه حيث ينظرُ إلى البيت، فرفع يديه، فجعل يذكر الله ما شاء أن يذكره ويدعوه، قال: والأنصار تحته، قال هشام وهو ابن القاسم: فدعا فحمد الله ودعا بما شاء أن يدعو". وفي روايةمختصراً (1): قال: "لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة طاف بالبيت، وصلى ركعتين خلف المقام - يعني يوم الفتح".

_ 4386 - البخاري (3/ 484) 20 - كتاب الحج، وقد أخرجه تعليقاً بصيغة الجزم في الحج باب النبي صلى الله عليه وسلم لسبوعه ركعتين. قال الحافظ في الفتح: وصله ابن أبي شيبة مختصراً، قال: حدثنا يحيى بن سليم عن إسماعيل بن أمية عن الزهري قال: مضت السنة أن مع كل أسبوع ركعتين، ووصله عبد الرزاق عن معمر عن الزهري بتمامه. وأراد الزهري أن يستدل على أن المكتوبة لا تجزئ عن ركعتي الطواف بما ذكره من أنه صلى الله عليه وسلم لم يطف أسبوعاً قط إلا صلى ركعتين، وفي الاستدلال بذلك نظر، لأن قوله: إلا صلى ركعتين، أعم من أن يكون نفلاً أو فرضاً، لأن الصبح ركعتان، فيدخل في ذلك، لكن الحيثية مرعية، والزهري لا يخفى عليه هذا القدر، فلم يرد بقوله: إلا صلى ركعتين، أي من غير المكتوبة. انظر الفتح 3/ 485. 4381 - أبو داود (2/ 175) كتاب المناسك "الحج" باب في رفع اليدين إذا رأى البيت، وإسناده صحيح. (1) أبو داود: الموضع السابق، وإسناده صحيح.

- في القراءة والذكر في ركعتي الطواف

4388 - * روى ابن خزيمة عن جابرٍ: "أن النبي صلى الله عليه وسلم حين صلى ركعتين عاد إلى الحجرِ فاستلمه". 4389 - * روى ابن خزيمة عن ابن عمر: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدِمَ فطاف بالبيت سبعاً وصلى خلف المقام ركعتين، وسعى بين الصفا والمروة سبعاً {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (1). 4390 - * روى ابن خزيمة عن ابن عمر، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور البيت فيطوفُ به أسبوعاً ويصلي ركعتين وتحِل له النساءُ". أقول: الظاهر أن هذا النص يتحدث عن طواف الإفاضة. - في القراءة والذكر في ركعتي الطواف: 4391 - * روى الترمذي عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "قرأ في ركعتي الطواف: سُورتي الإخلاص: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}. 4392 - * روى الجماعة إلا الترمذي عن أم سلمة (رضي الله عنها) قالت: "شكوتُ إلى

_ 4388 - ابن خزيمة (4/ 229) كتاب المناسك، 654 - باب الرجوع إلى الحجر ... إلخ، وهو صحيح. 4389 - ابن خزيمة (4/ 231) كتاب المناسك، 658 - باب ذكر خبر روي في السعي بين الصفا والمروة ... إلخ، وهو صحيح. (1) الأحزاب: 21. 4390 - ابن خزيمة (4/ 305) 794 - باب ذكر الدليل على أن الوطءي يحل بعد ركعتي طواف الزيارة .. إلخ، وهو صحيح. 4391 - الترمذي (3/ 221) 7 - كتاب الحج، 43 - باب ما جاء ما يُقرأ في ركعتي الطواف. ويشهد لهذا الحديث حديث جابر الطويل عند مسلم في صفة حجة النبي صلى الله لعي وسلم: كان يقرأ (يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم) في الركعتين (أي ركعتي الطواف) (قل هو الله أحد)، و (قل يا أيها الكافرون). 4392 - البخاري (1/ 557) 8 - كتاب الصلاة، 78 - باب إدخال البعير في المسجد للعلة. مسلم (/927) 15 - كتاب الحج، 42 - باب جواز الطواف على بعير وغيره ... إلخ الموطأ (1/ 370، 371) 20 - كتاب الحج، 40 - باب جامع الطواف. أبو داود (2/ 177) كتاب المناسك، باب الطواف الواجب. النسائي (5/ 223) 24 - كتاب مناسك الحج، 138 - باب كيف طواف المريض.

رسول الله صلى الله عليه وسلم: أني أشتكي، فقال: طوفي من وراء الناس وأنت راكبةٌ، فطفْتُ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلي إلى جنبِ البيت يقرأ بـ {وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ}. قال النووي في شرح مسلم: إنما أمرها صلى الله عليه وسلم بالطواف من وراء الناس لشيئين. أحدهما: أن سنة النساء التباعد عن الرجال في الطواف، والثاني: أن قربها يخاف منه تأذي الناس بدابتها، وكذا إذا طاف الرجل راكباً، وإنما طافت في حال صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ليكون أستر لها. 4393 - * روى أبو داود عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما جُعِلَ الطوافُ بالبيت وبين الصفا والمروة، ورميُ الجمار: لإقامة ذكر الله". وفي رواية الترمذي "إنما جُعِلَ رميُ الجمارِ، والسعيُ بين الصفا والمروة، لإقامة ذكر الله". 4394 - * روى أبو داود عن عبد الله بن السائب (رضي الله عنه) قال: "سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ في الطوافِ ما بين الركنين: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (1). 4395 - * روى الطبراني في الأوسط عن نافعٍ قال: "كان ابن عمر إذا استلم الحجر قال: اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك وسُنَّةِ نبيك ثم يُصلي على النبي صلى الله عليه وسلم".

_ 4393 - أبو داود (2/ 179) كتاب الحج، باب في الرمل، وإسناده حسن. الترمذي (3/ 246) 7 - كتاب الحج، 64 - باب ما جاء كيف تُرمي الجمار. 4394 - أبو داود (2/ 179) كتاب المناسك، باب الدعاء في الطواف، وفي سنده عبيد مولى السائب بن أبي السائب المخزومي، لم يوثقه غير ابن حبان، وباقي رجاله ثقات. (1) (البقرة آية/201) 4395 - مجمع الزوائد (3/ 240) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ف يالأوسط، ورجاله رجال الصحيح.

- ترك ركعتي الطواف وقت الكراهة

- ترك ركعتي الطواف وقت الكراهة: 4396 - * روى البخاري عن عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها "رأتْ أناساً طافوا بالبيت بعد صلاة الصبح، ثم جلسوا عند المذكر، حتى بدا حاجبُ الشمس قاموا يُصلون، فقالت عائشة: قعدوا حتى إذا كانت الساعة التي تُكرهُ فيها الصلاة قاموا يُصلون؟! ". قولها: (الساعة التي تكره فيها الصلاة): قال الحافظ في [الفتح: (3/ 389)]: أي التي عند طلوع الشمس، وكأن المذكورين كانوا يتحرون ذلك الوقت، تأخروا الصلاة إليه قصداً، فلذلك أنكرت عليهم عائشة. هذا إن كانت ترى أن الطواف سبب لا تكره مع وجوده الصلاة في الأوقات المنهية. ويحتمل أنها كانت تحمل النهي على عمومه، ويدل لذلك ما رواه ابن أبي شيبة عن عطاء عن عائشة أنها قالت: "إذا أردت الطواف بالبيت بعد صلاة الفجر أو صلاة العصر، فطف، وأخر الصلاة حتى تغيب الشمس أو حتى تطلع، وصل لكل أسبوع ركعتين، وهذا إسناد حسن. أقول: للفقهاء مذهبان حول هل تجوز الصلاة التي لها سبب في الأوقات المنهي عنها: فمذهب يجيز ذلك بلا كراهة، مذهب يكرهه ويبطل الصلاة في بعض الأوقات، والخلاف مشهور، وكثير من النصوص تصلح دليلاً لأحد المذهبين. 4397 - * روى النسائي عن نصر بن عبد الرحمن (رحمه الله) عن جدِّه مُعاذٍ: أنه طاف مع معاذ بن عفراء، فلم يُصلِّ، فقلت: ألا تُصَلِّي؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمسُ، ولا بعد الصُّبح حتى تطلع الشمسُ" (1).

_ 4396 - البخاري (3/ 488) 25 - كتاب الحج، 73 - باب الطواف بعد الصبح والعصر. (المذكر: موضع الذكر. 4397 - النسائي (1/ 258) 6 - كتاب المواقيت، 11 - باب من أدرك ركعتين من العصر، وله شواهد يتقوى بها.

- في التنفل بالطواف أي وقت شاء

- في التنفل بالطواف أي وقت شاء: 4398 - * روى الترمذي عن جُبير بن مُطعمٍ (رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا بني عبد منافٍ، لا تمنعوا أحداً طاف بهذا النبي، وصلى أيةَ ساعةٍ شاء من ليلٍ أو نهارٍ". أقول: هذا النص حجة لمن ذهب إلى أن الطواف والصلاة بعده جائزان في وقت من ليل ونهار بما في ذلك الأوقات التي نُهي عن الصلاة فيها، وهي قضية خلافية والنصوص الثلاثة اللاحقة دليل لوجهة النظر الأخرى. 4399 - * روى مالك في الموطأ عن أبي الزبير قال: "رأيت ابن عباس (رضي الله عنهما) يطوفُ بعد العصر أسبوعاً، ثم يدخلُ حُجرته، فلا ندري ما يصنع؟ قال: ولقد رأيت البيت يخلو بعد صلاة الصبح، حتى تطلع الشمس، وبعد صلاة العصر، ما يطوف به أحدٌ حتى عند الغروب". 4400 - * روى رزين عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: "إن الكعبة كانت تخلو بعد الصبح من الطائفين حتى تطلُعَ الشمسُ، وبعد العصر حتى تغرُبَ". 4401 - * روى الطبراني في الكبير عن عمرو بن دينارٍ قال: رأيتُ ابن عمر طاف بعد العصر أسبوعاً ثم صلى ركعتين ثم قال: إنما تُكرهُ عند طلوع الشمس؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الشمس تطلعُ بين قرني شيطانٍ" (1).

_ 4398 - الترمذي (3/ 220) 7 - كتاب الحج، 42 - باب ما جاء في الصلاة بعد العصر وبعد الصبح لمن يطوف، وإسناده حسن. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، قال: وفي الباب، عن ابن عباس وأبي ذر. أبو داود (2/ 180) كتاب المناسك، باب الطواف بعد العصر. النسائي (5/ 223) 24 - كتاب مناسك الحج، 137 - باب إباحة الطواف في كل الأوقا. 4399 - الموطأ (1/ 369) 20 - كتاب الحج، 38 - باب الصلاة بعد الصبح والعصر في الطواف، وإسناده صحيح. 4400 - أخرجه رزين في مسنده، وأخرجه أحمد (3/ 393) بمعناه، وهو حخديث حسن. 4401 - مجمع الزوائد (3/ 245) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله موثقون.

- في الكلام في الطواف

- في الكلام في الطواف: 4402 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الطوافُ حول البيت مثلُ الصلاة، إلا أنكم تتكلمون فيه، فمن تكلم فيه فلا يتكلم إلا بخير". وفي رواية النسائي (1) عن طاوُسٍ عن رجُلٍ أدرك النبي صلى الله عليه وسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الطوافُ بالبيت صلاةٌ، فأقِلُّوا الكلام". هكذا ذكره النسائي، ولم يُسمِّ الرجل، فيجوز أن يكون الرجل ابن عباس، ويجوز أن يكون ابن عمر، كما سيأتي حديثه، وهو الأظهر والله أعلم. 4403 - * روى النسائي عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) قال: "أقلُّوا من الكلام في الطواف، فإنما أنتم في صلاة". قال ابن المنذر: أولى ما شغل المرء نفسه في الطواف كر الله وقراءة القرآن، ولا يحرم الكلام المباح إلا أن الذكر أسلم. وقال ابن المبارك: ليس شيء أفضل من قراءة القرآن، وقُيِّدَ ذلك بأن يكون سراً، انظر (فتح الباري" 3/ 483). 4404 - * روى البخاري عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) أن النبي صلى الله عليه وسلم "رأى رجلاً يطوفُ بالكعبة بزمامٍ أو غيره، فقطعهُ". وفي رواية (2) "يقودُ إنساناً بخزامةِ في أنفه، فقطعها النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أمره أن يقود بيده".

_ 4402 - الترمذي (3/ 293) 7 - كتاب الحج، 112 - باب ما جاء في الكلام في الطواف، ومعنى هذا الحديث عند الحاكم (1/ 459) بإسناد رجاله ثقات. (1) النسائي (5/ 222) 24 - كتاب مناسك الحج، 136 - باب إباحة الكلام في الطواف، وإسناده حسن. 4403 - النسائي: نفس الموضع السابق. 4404 - البخاري (3/ 483) 25 - كتاب الحج، 66 - باب إذا رأى سيراً أو شيئاً يُكره في الطواف قطعه. (2) البخاري (11/ 586) 83 - كتاب الأيمان والنذور، 31 - باب النر فيما لا يملك وفي معصية.

- في الطواف قبل الوقوف بعرفة وإلى أن يعود

وأخرج أبو داود (1) والنسائي (2) الثانية. وللنسائي (3) أيضاً قال: "مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجلٍ يقودُ رجلاً بشيءٍ ذُكِرَ في يده، فتناوله النبي صلى الله عليه وسلم فقطعه فقال: إنه نَذْرٌ". وفي أخرى (4) للنسائي: "مرَّ بإنسان ربط يدهُ إلى إنسان بسيرٍ، أو بخيطٍ، أو بشيء غير ذلك، فقطعه، ثم قال: قُدْهُ بيدك". - في الطواف قبل الوقوف بعرفة وإلى أن يعود: 4405 - * روى مسلم عن وبرة بن عبد الرحمن (رحمه الله) قال: "كنت جالساً عند ابن عمر، فجاءه رجلٌ، فقال: أيصلحُ لي أن أطُوف بالبيت قبل أنْ آتي الموقف؟ قال: نعم، قال: فإن ابن عباس يقول: لا تطُفْ بالبيت حتى تأتي الموقف، فبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أحقُّ أن تأخُذْ، أو بقول ابن عباس إن كنت صادقاً؟ ". وفي رواية (5) قال: "سأل رجل ابن عمر: أطوف بالبيت وقد أحرمت بالحج؟ فقال: وما يمنعك؟ قال: إني رأيت ابن فلانٍ يكرهه، وأنت أحبُّ إلينا منه، رأيناه قد فتنته الدنيا، قال: وأينا - أو قال: وأيك - لم تفتنه الدنيا؟ ثم قال: رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم بالحج، وطاف بالبيت، وسعى بين الصفا والمروة، فسُنَّةُ الله ورسوله أحقُّ أنْ تُتبع من سنة فلان إن كنت صادقاً". 4406 - * روى البخار يعن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) "أن رسول الله

_ (1) أبو داود (3/ 235) كتاب الأيمان والنذور، 22 - باب من رأي عليه كفارة إذا كان في معصية. (2) النسائي (5/ 221، 222) 24 - كتاب مناسك الحج، 135 - باب اكللام في الطواف. (3) النسائي: نفس الموضع السابق ص 222. (4) النسائي (7/ 18، 19) 35 - كتاب الأيمان والنذور، 30 - باب النذر فيما لا يراد به وجه الله. (بخزامة) الخزامة: ما يُجعل في أنف البعير من شعر، كالحلقة ليُقاد به، والزمام للناقة كالرسن للدابة، يُجعل على أنفها لتنقاد. 4405 - مسلم (2/ 905) 15 - كتاب الحج، 28 - باب ما يلزم من أحرم بالحج ... إلخ. (5) مسلم: نفس الموضع السابق ص 905، 906. 4406 - البخاري (3/ 485) 25 - كتاب الحج، 70 - باب من لم يقرب الكعبة ولم يطف ... إلخ.

- طواف الإقامة

صلى الله عليه وسلم قَدِمَ مكة فطاف وسعى بين الصفا والمروة، ولم يقرب الكعبة بعد طوافه بها حتى رجع من عرفة". قال الحافظ في الفتح: وهذا لا يدل على أن الحاج منع من الطواف قبل الوقوف، فلعله صلى الله عليه وسلم ترك الطواف تطوعاً، خشية أن يظن أحد أنه واجب، وكان يحب التخفيف على أمته، واجتزأ عن ذلك بما أخبرهم به من فضل الطواف بالبيت. انظر [الفتح: 3/ 486]. - طواف الإقامة: 4407 - * روى أبو داود عن عائشة (رضي الله عنها) "أنَّ أصْحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كانُوا معهُ لم يطوفُوا حتى رمَوْا الجمْرة". أقول: المراد بالطواف هنا هو طواف الإفاضة فهو بعد رمي جمرة العقبة. 4408 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عباسٍ (رضي الله عنهم) "أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أخَّرَ طوافَ الزيارة إلى الليل". وفي رواية أبي داود (1) "أَخَّر الطواف يوْمَ النحرِ إلى الليل". وقال البخاري أيضاً تعليقاً: ويذكر عن أبي حسان عن ابن عباس (رضي الله عنهما) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور البيت أيام منى. قال الحافظ في الفتح: قال ابن القطان الفاسي: هذا الحديث - يريد حديث أبي الزبير عن عائشة وابن عباس - مخالف لما رواه ابن عمر وجابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه طاف يوم النحر نهاراً. اهـ. فكأن البخاري عقب هذا بطريق أبي حسان ليجمع بين الأحاديث بذلك، فيحمل حديث جابر وابن عمر على اليوم الأول، وحديث ابن عباس على بقية الأيام.

_ 4407 - أبو داود (2/ 180) كتاب المناسك، باب طواف القارن، وإسناده صحيح. 4408 - الترمذي (3/ 262) 7 - كتاب الحج، 80 - باب ما جاء في طواف الزيارة بالليل. (1) أبو داود (2/ 207) كتاب المناسك، باب الإفاضة في الحج، وإسناده حسن. وقد أخرجه البخاري تعليقاً (3/ 567) 25 - كتاب الحج، 129 - باب الزيارة يوم النحر.

طواف الوداع، وبيان وجوبه إلا على الحائض والنفساء

4409 - * روى أحمد عن عائشة وابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم "زار البيت ليلاً". أقول: السنة في طواف الإفاضة أن يكون يوم النحر، إلا أن من أخره إلى الليل أو إلى أيام أخرى فلا حرج عليه. 4410 - * روى الشيخان عن نافعٍ مولى ابن عُمر (رضي الله عنهما) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر ثم رجع، فصلى الظُّهر بمنى. قال نافعٌ: وكان ابن عمر يُفيض يوم النحر، ثم يرجعُ، فيُصلي الظُّهر بمنى. ويذكر: أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله". طواف الوداع، وبيان وجوبه إلا على الحائض والنفساء: 4411 - * روى مسلم عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: "كان الناسُ ينصرفون في كل وجهٍ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا ينفِرَ أحدٌ حتى يكو آخرُ عهده بالبيت". قال النووي في [شرح مسلم: 1/ 427]: فيه دلالة لمن قال بوجوب طواف الودع، وأنه إذا تركه لزمه دم، وهو الصحيح في مذهبنا - يعني الشافعية- وبه قال أكثر العلماء، منهم الحسن البصري، والحكم، وحماد، والثوري، وأبو حنيفة، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور. وقال مالك، وداود، وابن المنذر: هو سنة لا شيء في تركه. وعن مجاهد روايتان كالمذهبين (1).

_ 4409 - أحمد (6/ 207) مجمع الزوائد (3/ 765) وقال الهيثمي: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. 4410 - البخاري (3/ 567) 25 - كتاب الحج، 129 - باب الزيارة يوم النحر، وأخرجه البخاري أيضاً موقوفاً. وقال الحافظ في الفتح 3/ 452: وصله ابن خزيمة والإسماعيلي من طريق عبد الرزاق بلفظ أبي نعيم وزاد في آخره: ويذكر - أي ابن عمر - أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، وفيه التنصيص على الرجوع إلى منى بعد القيلولة في يوم النحر. ومقتضاه أن يكون خرج منها إلى مكة لأجل الطواف قبل ذلك. ورواه مسلم، وأبو داود، وأخرجه أيضاً أحمد. مسلم (2/ 950) 15 - كتاب الحج، 58 - باب استحباب طواف الإفاضة يوم النحر. 4411 - مسلم (2/ 963) 15 - كتاب الحج، 67 - باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض. أبو داود (2/ 208) كتاب المناسك، باب الوداع.

4412 - * روى ابن خزيمة عن ابن عمر قال: "من حجَّ فليكنْ آخرُ عهده بالبيت إلا الحيض، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لهُنَّ". 4413 - * روى رزين عن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) "ودَّع البيت بعد صلاة الصبح، فلما رأى قد أسفر جداً، لم يركعْ حتى أتى ذا طُوى أنخ وركع، وفعلته أم سلمة، وركعت في الحِلِّ". 4414 - * روى ابن خزيمة عن عائشة: "خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر الحديث بطوله - وقال في الخبر: فأذن بالرحيل في أصحابه - يعني من المحَصَّبِ - فارتحل الناسُ فمر بالبيت قبل صلاة الصبح، فطاف به، ثم خرج، فركب، ثم انصرف متوجهاً إلى المدينة". 4415 - * روى مالك في الموطأ عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) أن عمر ابن الخطاب قال: "لا يصدُرَنَّ أحدٌ من الحاج حتى يطوف بالبيت، فإن آخِرَ النُّسُك: الطواف بالبيتِ". 4416 - * روى الشيخان عن أم سلمة (رضي الله عنها): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو بمكة، وأراد الخُروج، ولم تكن أم سلمة طافت بالبيت، وأرادت الخروج، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك والناسُ يُصلُّون" ففعلتْ ذلك، فلم تُصَلِّ حتى خرجتْ" (1). قوله: حتى خرجت أي: من المسجد، أو من مكة، فدل على جواز ركعتي الطوافِ

_ 4412 - ابن خزيمة (4/ 328) كتاب المناسك، 835 - باب الدليل على أن اللقطة ... إلخ، وإسناده صحيح. 4413 - أخرجه رزين، وقد رواه مالك في الموطأ (1/ 368) من حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عبد القاري أخبره أنه طاف بالبيت مع عمر بن الخطاب بعد صلاة الصبح فلما قضى عمر طوافه نظر فلم ير الشمس طلعت، فركب حتى أناخ ذبي طوى، فصلى ركعتين وإسناده صحيح. 4414 - ابن خزيمة (4/ 327) كتاب المناسك، 833 - باب استحباب الإدلاج بالارتحال من الحصبة ... إلخ، وإسناده صحيح على شرط الشيخين. 4415 - الموطأ (1/ 369) 20 - كتاب الحج، 39 - باب وداع البيت، وإسناده صحيح. 4416 - البخاري (3/ 486) 25 - كتاب الحج، 71 - باب من صلى ركعتي الطواف خارجاً من المسجد. مسلم (2/ 927) 15 - كتاب الحج، 42 - باب جواز الطواف على بعير وغيره.

خارجاً من المسجد، إذ لو كان شرطاً لازماً لما أقرها النبيُّ على ذلك، قاله الحافظ في الفتح. 4417 - * روى أبو داود عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: "أحرمْتُ من التنعيم بعمرةٍ، فدخلتُ، فقضيتُ عمرتي، وانتظرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبطح حتى فرغتُ، وأمر الناس بالرحيل، قالت: وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت، فطاف به ثم خرج". وفي رواية (1) قالت: فخرجْتُ معه- تعني النبي صلى الله عليه وسلم - في النفر الآخر، ونزل المُحَصَّبَ". 4418 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: "رُخِّصَ للحائض أن تنفرَ إذا حاضتْ، وكان ابن عمر يقول في أول أمره: إنها لا تنفرُ، ثم سمعت يقول: تنفرُ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لهُنَّ". وفي رواية (2) قال: "أُمِرَ الناس أن يكون آخرُ عهدهم بالبيت، إلا أنه خُفِّفَ عن المرأة الحائض". ولمسلم (3) أيضاً: قال طاوُسٌ: "كنت مع ابن عباس، إذ قال له زيد بن ثابت: تُفْتي أنْ تصدُرَ الحائض قبل أن يكون آخر عهدها بالبيت؛ فقال له ابن عباس: إما لا، فسل فلانة الأنصارية: هل أمرها بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فرجع زيدٌ إلى ابن عباس يضحكُ، وهو يقول: ما أراك إلا وقد صدقت". وللبخاري (4) أيضاً: "أنَّ أهل المدينة سألوا ابن عباس عن امرأةٍ طافتْ، ثم

_ 4417 - أبو داود (2/ 208، 209) كتاب المناسك، باب طواف الوداع، وإسناده صحيح. (1) أبو داود: نفس الموضع السابق ص 209. 4418 - البخاري (1/ 428) 6 - كتاب الحيض، 27 - باب المرأة تحيض بعد الإفاضة. مسلم (2/ 964) 6 - كتاب الحيض، 27 - باب المرأة تحيض بعد الإفاضة. مسلم (2/ 964) 15 - كتاب الحج، 67 - باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض. (2) مسلم: الموضع السابق ص 963. (3) مسلم: الموضع السابق ص 963، 964. (إما لا): أصل هذه الكلمة يدل أن تقول: إما لا فافعل كذا، بالإمالة و"ما" زائدة ومعناه: إن لا يكن ذلك الأمر فافعل كذا. (4) البخاري (3/ 586) 25 - كتاب الحج، 145 - باب إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت.

حاضت. قال لهم: تنفِرُ، قالوا: لا نأخُذُ بقولك وندعُ قول زيدٍ، قال: إذا قدمِتُمْ المدينة فسلُوا، فقدموا المدينة فسألوا، فكان فيمن سألوا أمُّ سُليمٍ، فذكرت حديث صفية - تعني: في الإذن لها بأن تنفر-". 4419 - * روى الطبراني في الأوسط عن أنس أن أمَ سُليمٍ حاضت بعد ما أفاضتْ فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تنفرَ. 4420 - * روى الشيخان عن عائشة (رضي الله عنها) "أن صفية بنت حُييِّ - زوج النبي صلى الله عليه وسلم - حاضتْ، فذُكِرَ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: أحابستُنا هي؟ قالوا: إنها قد أفاضت، قال: فلا إذاً". وفي رواية (1) قالت: "حاضت صفيةُ بعد ما أفاضتْ، قالت عائشة: فذكرتُ حيضتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحابستُنا هي؟ قلت: يا رسول الله، إنها قد كانت أفاضت وطافت بالبيت، ثم حاضت بعد الإفاضة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلتنفرْ". وفي أخرى (2) "طَمِثَتْ صفية بنت حُييِّ في حجة الوداع بعد ما أفاضت طاهراً". وفي أخرى (3) قالت: لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينفر، رأى صفية على باب خبائِها كئيبةً حزينةً، لأنها حاضتْ، فقال: عقري أو حلقي- لغة قريش - إنك لحابستُنا؟ ثم قال: أكنتِ أفضتِ يوم النحر؟ يعني الطواف، قالت: نعم. قال: فانفري إذاً". وفي أخرى (4) قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نذكُر إلا الحجَّ، فلما قدِمْنا أمرنا

_ 4419 - مجمع الزوائد (3/ 281) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح. 4420 - البخاري (3/ 586) 25 - كتاب الحج، 145 - باب إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت. مسلم (2/ 964) 15 - كتاب الحج، 67 - باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض. (1) مسلم: نفس الموضع السابق. (2) مسلم: نفس الموضع السابق. (3) البخاري (10/ 550) 78 - كتاب الأدب، 93 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "تربت يمينك" و"عقري، حلقي". (4) البخاري (3/ 595) 25 - كتاب الحج، 151 - باب الادلاج من المحصِّب.

- طواف النساء مع الرجال

أن نحِلَّ، فلما كانت ليلة النفر. حاضت صفيةُ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حلقي عقري ما أراها إلا حابستنا، ثم قال: كنتِ طُفُتِ يوم النحر؟ قالت: نعم، قال: فانفري. قلت: يا رسول الله، لم أكن أحللْتُ، قال: فاعتمري من التنعيم، فخرج معها أخوها، فلقيناه مُدلجا، فقال: موعدنا مكان كذا وكذا". وفي أخرى (1) نحوه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعلها تحبسنا، ألم تكُنْ طافتْ معكن بالبيت؟ قالوا بلى، قال: فاخْرُجْنَ". وفي الموطأ (2) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر صفية بنت حُيَيِّ، فقيل له: إنها قد حاضتْ، فقال رسول الله: لعلها حابستُنا؟ قالوا: يا رسول الله، إنها قد طافتْ، فقال رسول الله: فلا إذاً، قال عروة: قالت عائشة: فلِمَ يُقدم الناس نساءهم، إن كان ذلك لا ينفعهم؟ ولو كان الذي يقولون لأصبح بمنى أكثر من ستة آلاف امرأةٍ حائضٍ، كلهن قد أفضن". 4421 - * روى مالك في الموطأ عن عمرة بنت عبد الرحمن "أن عائشة أم المؤمنين كانت إذا حجتْ، ومعها نساءٌ تخافُ أن يحضنَ، قدمتهُن يوم النحر فأفضن، فإنْ حِضْنَ بعد ذلك لم تنتظرهُنَّ تنفرُ بهن وهُنَّ حُيَّضٌ، إذا كُنَّ قد أفضن". - طواف النساء مع الرجال: 4422 - * روى البخاري عن ابن جريجٍ (رحمه الله) قال: أخبرني عطاءُ إذ منع ابنُ

_ (1) مسلم: نفس الموضع السابق، ص 965. (2) الموطأ (1/ 413) 20 - كتاب الحج، 75 - باب إفاضة الحائض. (مُدلجاً): أدلج الساري: إذا سرى من أول الليل. وادَّلج: إذا سرى من آخره. (النفر): بفتح الفاء وإسكانها، قال الجوهري: يوم النفر وليلة النفر: لليوم الذي نفر الناس فيه من منى، وهو بعد يوم القر. ويكون الثالث عشر لمن تأخر، والثاني عشر لمن تعجل. قوله (فلا إذا) أي: إذا كانت أفاضت فليست بحابستنا، لأنها أتت بالفرض الذي هو ركن الحج. (عقري، حلقي): دعاء بمعنى أصابها الله بعقر في جسدها أي جرح ونحوه ووجع في حلقها. وظاهره الدعاء وليس هو بدعاء في الحقيقة كما هو معروف عند العرب (النهاية). 4421 - الموطأ (1/ 413) الموضع السابق، وإسناده صحيح. 4422 - البخاري (3/ 479، 480) 25 - كتاب الحج، 64 - باب طواف النساء مع الرجال. =

- في الطواف من وراء الحجر

هشام النساء الطواف مع الرجال، قال: كيف تمنعُهُنَّ وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال؟ قال: قلت: أبَعْدَ الحجاب، أو قبله؟ قال: إي لعمري، لقد أدركته بعد الحجاب. قلت: كيف يخالطن الرجال؟ قال: لم يكن يخالطن، كانت عائشة تطوف حجرة من الرجال لا تخالطهم، فقالت امرأة: انطلقي نستلِمُ يا أم المؤمنين، قالت: انطلقي عنك، وأبتْ وكن يخرجن متنكرات بالليل، فيطُفن مع الرجال، ولكنهن كن إذا دخلن البيت فمن حتى يدخلن، وأُخْرج الرجال، وكنت آتي عائشة أنا وعُبيد بن عمير، وهي مُجاورة في جوف ثبيرٍ، قلت: وما حجابها؟ قال: هي في قُبَّةِ تُرْكيةٍ لها غشاء، وما بيننا وبينها غيرُ ذلك، ورأيتُ عليها درعاً مُورَّداً". - في الطواف من وراء الحِجْر: 4423 - * روى البخاري عن أبي السَّفَرِ سعيد بن يُحمِد (رحمه الله) قال: سمعت ابن عباس يقول: "يا أيها الناس، اسمعوا مني ما أقول لكم، وأسمعُوني ما تقولون، ولا تذهبوا فتقولوا: قال ابن عباس، قال ابن عباس، من طاف بالبيت فليطُفْ من وراء الحِجر، ولا تقولوا: الحطيم، فإن الرجل في الجاهلية كان يحْلِفُ، فيُلْقي سوطه أو نعله أو قوسه". - في فضل الحجر الأسود: 4424 - * روى الطبراني في الكبير عن عبد الله بن عمرو قال: طوفوا بهذا البيت واستلموا هذا الحجر فإنهما كانا حجرين أُهبطا من الجنة فرُفع أحدهما وسيُرْفعُ الآخر فإن لم يكن كما قلت فمن مر بقبري فليقل هذا قبر عبد الله بن عمرو الكذاب. وفي رواية عن عبد الله بن عمرو أيضاً قال (1): نزل جبريل عليه السلام بهذا الحجر من الجنة فتمتعوا به فإنكم لا تزالون بخيرٍ ما دام أظهركم فإنه يوشك أن يأتي فيرجعُ من حيثُ

_ = (حجرةً): قعد فلان حجرةً من الناس، أي: منفرداً. (قبة تركية): قال الحافظ في الفتح: قال عبد الرزاق: هي قبة صغيرة من لبود، تضرب في الأرض مُورداً: أي: قميصاً لونه لون الورد. 4423 - البخاري (7/ 156) 63 - كتاب مناقب الأنصار، 27 - باب القسامة في الجاهلية. قوله "اسمعوا" أي: سماع ضبط وإتقان، "ولا تقولوا: قال ابن عباس كذا، من غير أن تضبطوا قولي". 4424 - مجمع الزوائد (2/ 243) وقال الهيثمي: رواه كله الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح.

- في العمل في الطواف

جاء به. - في العمل في الطواف: 4425 - * روى ابن خزيمة عن ابن عباس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب ماءً في الطواف". - في استحباب دخول الكعبة ما لم توجد مشقة: 4426 - * روى أبو داود عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من عندها وهو مسرورٌ، ثم رجع إليَّ وهو كئيبٌ، فقال: إني دخلتُ الكعبة، ولو استقبلت من أمري ما استدبرتُ ما دخلتُها، إني أخافُ أن أكون قد شققتُ على أمتي". وفي رواية الترمذي قالت: "خرج النبي صلى الله عليه وسلم من عندي، وهو قرير العين، طيبُ النفس، فرجع وهو حزين، فقلت له، فقال: إني دخلت الكعبة، وودتُ أني لم أكن فعلت، إني أخاف أن أكون أتعبتُ أمتي من بعدي". - في ما يفعل إذا دخل الكعبة: 4427 - * روى الطبراني في الكبير عن عبد الرحمن بن صفوان قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فدخلت بني رجلين منهم فقلت: كيف صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى في البيت قال: صلى ركعتين بين الإسطوانتين عن يمين البيت. 4428 - * (1) روى الطبراني في الكبير عن أم ولد شيبة - وكانت قد بايعت النبي صلى الله عليه وسلم - أن

_ 4425 - ابن خزيمة (4/ 227) كتاب المناسك، 649 - باب الرخصة في الشرب في الطواف، وإسناده صحيح. 4426 - أبو داود (2/ 215) كتاب المناسك، باب في الحجر. الترمذي (3/ 223) 7 - كتاب الحج، 45 - باب ما جاء في دخول الكعبة، وقال: حديث سحن صحيح. اهـ. وفي الحديث دليل على أن دخول الكعبة ليس من مناسك الحج، وهو قول الجمهور، وقد ذهب جماعةٌ من أهل العلم إلى أن دخولها مُستحبَّ، ومحل الاستحباب ما لم يؤذ أحداً بدخوله. 4427 - مجمع الزوائد (3/ 296) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح. 4428 - مجمع الزوائد (3/ 296) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح.

النبي صلى الله عليه وسلم: "دعا شيبة ففتح البيت فلما دخلهُ ركع وقرع جبينهُ". 4429 - * روى مسلم عن أسامة بن زيد وابن عباس (رضي الله عنهم) قال ابن جريجٍ: "قلت لعطاءٍ: أسمعت ابن عباس يقول: إنما أُمرتُمْ بالطواف، ولم تؤمروا بدخوله؟ قال: لم يكن ينهى عن دخوله: ولكن سمعته يقول: أخبرني أسامة بن زيدٍ: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل البيت دعا في نواحيه كلها، ولم يُصلِّ في حتى خرج، فلما خرج ركع في قُبُلِ البيت ركعتين، وقال: هذه القِبْلَةُ، قلت: ما نواحيها؟ أفي: زواياها؟ قال: بل في كل قِبْلَةٍ من البيت". وأخرجه البخاري (1) بنحوها عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر أسامة. وأخرج أخرى (2) "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة وفيها ستَّ سوارٍ. فقام عند كل ساريةٍ، فدعا، ولم يصل". وفي رواية النسائي (3) عن ابن عباس عن أسامة (رضي الله عنهم) قال: "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة، فسبح في نواحيها، ولم يصل، ثم خرج. فصلى خلف المقام ركعتين". وفي أخرى (4) له عن أسامة أيضاً قال: "دخل هو ورسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بلالاً، فأجاف الباب، والبيت إذ ذاك على ستة أعمدةٍ، فمضى حتى إذا كان بين الأسطوانتين اللتين تليان الباب- باب الكعبة- جلس، فحمد الله، وأثنى عليه، وسأله، واستغفر، ثم قام حتى أُتي ما استقبل من دُبُر الكعبة، فوضع وجهه وخدهُ عليه، وحمد الله، وأثنى عليه، وسأله، واستغفره، ثم انصرف إلى كل ركن من أركان الكعبة، فاستقبله بالتكبير والتهليل والتسبيح، والثناء على الله تعالى، والمسألة والاستغفار، ثم خرج فصلى ركعتين مستقبلَ وجه الكعبة، ثم انصرف، فقال: هذه القِبلةُ، هذه القبلة".

_ 4429 - مسلم (2/ 968) 15 - كتاب الحج، 68 - باب استحباب دخول الكعبة للحاج وغيره .. إلخ. (1) البخاري (3/ 468) 25 - كتاب الحج، 54 - باب من كبر في نواحي الكعبة. (2) مسلم: نفس الموضع السابق. (3) النسائي (5/ 218) 24 - كتاب مناسك الحج، 127 - باب موضع الصلاة في البيت. (4) النسائي (5/ 219، 220) 24 - كتاب مناسك الحج، 131 - باب الذكر والدعاء في البيت. (فأجاف) أجفتُ الباب: إذا رددتُه.

قال النووي في [شرح مسلم: 1/ 429]: قوله: "قبل البيت" هو بضم القاف والياء، ويجوز إسكان الباء، كما في نظائره. قيل: معناه: ما استقبلك منها، وقيل: مقابلها. وفي رواية في الصحيح: "فصلى ركعتين في وجه الكعبة" وهذا هو المراد بقبلها، ومعناه: عند بابها. وأما قوله: "ركع في البيت" فمعناه: صلى. وقوله: "ركعتين". دليل لمذهب الشافعي والجمهور: أن تطوع النهار يستحب أن يكون مثنى. قال النووي: وقوله صلى الله عليه وسلم: "هذه القبلة" قال الخطابي: معناه: أن أمر القبلة قد استقر على استقبال هذا البيت، فلا ينسخ بعد اليوم، فصلوا إليه أبداً. قال: ويحتمل أنه علمهم سنة موقف الإمام، وأنه يقف في وجهها دون بقية أركانها وجوانبها، وإن كانت الصلاة في جميع جهاتها مجزئة. هذا كلام الخطابي. قال النووي: ويحتمل معنى ثالثاً: وهو أن معناه: هذه الكعبة هي المسجد الحرام الذي أمرتم باستقباله، لا كل الحرم، ولا مكة، ولا كل المسجد الذي حول الكعبة، بل هي الكعبة نفسها فقط. والله أعلم. 4430 - * روى البخاري عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدِمَ أبي أنْ يدخُل البيت وفيه الآلهةُ، فأمر بها فأخرجت، فأخرجُوا صورة إبراهيم وإسماعيل، وفي أيديهما الأزلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قاتلهم الله، أما والله، لقد علموا: أنهما لم يستقسما بها قطُّ، فدخل البيت، فكبر في نواحيه، ولم يُصَلِّ فيه". 4431 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت هو وأسامة بن زيدٍ، وبلالٌ، وعثمانُ ابن طلحة، فأغلقوا عليهم، فلما فتحوا، كنتُ أول من ولج، فلقيتُ بلالاً، فسألته: هل صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، بين العمُودين اليمانيين" (1).

_ 4430 - البخاري (3/ 468) 25 - كتاب الحج، 54 - باب من كبر في نواحي الكعبة. (الأزلام): القِداحُ التي كانوا يستقسمون بها. 4431 - البخاري (3/ 463) 25 - كتاب الحج، 51 - باب إغلاق البيت ... إلخ. مسلم (2/ 967) 15 - كتاب الحج، 68 - باب استحباب دخول الكعبة للحاج وغيره ... إلخ.

زاد في رواية (1): قال ابن عمر: "فذهب عني أن أسأله: كم صلى؟. وفي رواية (2): "فسألت بلالاً: أين صلى؟ قال: بين العمودين المقدمين". وفي أخرى (3): "فسألت بلالاً - حين خرج-: " ما صنع النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: جعل عموداً عن يمينه، وعموداً عن يساره، وثلاثة أعمدة وراءه- وكان البيتُ يومئذٍ على ستة أعمدةٍ - ثم صلى". وفي أخرى (4): "جعل عمودينِ عن يمينه". وفي أخرى (5): "فسألته، فقلت: هل صلى النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة؟ قال: نعم، ركعتين بين السارتين عن يسارك إذا دخلت، ثم خرج فصلى في وجه الكعبة ركعتين". وفي أخرى (6) قال: "أقبل النبيُّ صلى الله عليه وسلم عام الفتح، وهو مُردِفٌ أسامة على القصواء، ومعه بلال وعثمانُ، حتى أناخ عند البيت، ثم قال لعثمان: ايتنا بالمفتاح، ففتح له الباب، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وأسامة وبلالٌ وعثمان، ثم أغلقوا عليهم الباب، فمكث نهاراً طويلاً، ثم خرج، فابتدر الناس الدخول، فسبقتُهم، فوجدت بلالاً قائماً من وراء الباب، فقلت له: أين صلى النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: صلى بين ذينك العمودين المقدمين - وكان البيت على ستة أعمدة سطرين - صلى بني العمودين من السطر المقدم، وجعل باب البيت خلف ظهره، واستقبل بوجهه الذي يستقبلك حين تلج البيت بينه وبين الجدار. قال: ونسيتُ أنْ أسأله: كم صلى؟ وعند المكان الذي صلى فيه مرمرةٌ حمراءُ". وفي أخرى (7) قال: "فأخبرني بلالٌ - أو عثمان بن طلحة-: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى

_ (1) البخاري (1/ 559، 560) 8 - كتاب الصلاة، 81 - باب الأبواب والغلق للكعبة والمساجد. (2) البخاري (1/ 578) 8 - كتاب الصلاة، 96 - باب الصلاة بين السواري في غير جماعة. (3) مسلم: نفس الموضع السابق ص 966. البخاري: (1/ 578) الموضع السابق. (4) البخاري (1/ 578) الموضع السابق. (5) البخاري (3/ 49) 19 - كتاب التهجد، 25 - باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى. (6) البخاري (8/ 105، 106) 64 - كتاب المغازي، 77 - باب حجة الوداع. (7) مسلم: نفس الموضع السابق ص 967.

في جوف الكعبة بين العمودين اليمانيين". وفي أخرى (1) لمسلم: "أقبَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح على ناقةٍ لأسامة، حتى أناخ بفناء الكعبة، ثم دعا عثمان بن طلحة، فقال: ايتني بالمفتاح، فذهب إلى أمهِ، فأبتْ أن تُعطيهُ. فقال: والله لتعطينيه أو ليخرجن هذا السيف من صُلبي، قال: فأعطته إياه، فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فدفعه إليه ففتح الباب. ثم ذكر نحوه". وفي رواية (2) لأبي داود: ولم يذكر السواري، قال: ثم صلى وبينه وبين القِبْلةِ ثلاثة أذرُعٍ". قال الحافظ في [الفتح: 3/ 466]: وفي هذا الحديث من الفوائد رواية الصاحب عن الصاحب، وسؤال المفضول مع وجود الأفضل، والاكتفاء به، والحجة بخبر الواحد، وفيه أيضاً اختصاص السابق بالبقعة الفاضلة، وفيه السؤال عن العلم والحرص فيه، وفضيلة ابن عمر لشدة حرصه على تتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم ليعمل بها، وفيه أن الفاضل من الصحابة قد كان يغيب عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض المشاهد الفاضلة ويحضره من هو دونه فيطلع على ما لم يطلع عليه، واستدل به على جواز الصلاة بني السواري في غير الجماعة، وعلى مشروعية الأبواب والغلق للمساجد، وفيه أن السترة إنما تشرع حيث يخشى المرور، فإنه صلى الله عليه وسلم صلى بين العمودين ولم يصلِّ إلى أحدهما، والذي يظهر أنه ترك ذلك للاكتفاء بالقرب من الجدار، وفيه استحباب دخول الكعبة، وفيه استحباب الصلاة في الكعبة. أقول: دخل الرسول صلى الله عليه وسلم الكعبة أكثر من مرة، ومن دخل معه في أول مرة فقد وصف فعله عليه الصلاة والسلام، فلا تناقض بين الروايات، فإن اختلاف الروايات محصول على اختلاف الحالات. 4432 - * روى البخاري عن نافع مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) قال: "كان ابنُ عمر إذا دخل الكعبة مشى قِبَل وجهِه، حين يدخُلُ، ويجعلُ الباب قِبلَ

_ (1) مسلم: نفس الموضع السابق ص 966. (2) أبو داود (2/ 214) كتاب المناسك، باب في دخول الكعبة. 4432 - البخاري (3/ 467) 25 - كتاب الحج، 52 - باب الصلاة في الكعبة، ولم يذكره الحميديُّ. (يتوخى) توخيت الشيء: إذا اقصدتَهُ واعتمدت فعلهُ.

- في أن الحجر من الكعبة

طهرهِ، ويمشي حتى يكون بينه وبين الجدار الذي قِبَل وجهه قريبٌ من ثلاث أذرع، فيُصلي، يتوخى المكان الذي أخبره بلال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى فيه، قال: وليس على أحدٍ بأسٌ: أن يُصلي في أي نواحي البيت شاء". - في أن الحِجر من الكعبة: 4433 - * روى أبو يعلي عن عائشة (رضي الله عنها) أنها قالت: "ما أبالي صليتُ في الحِجر أو في البيت". 4434 - * روى الترمذي عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: "كنتُ أحبُّ أن أدخُل البيت فأصلي فيه، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأدخلني في الحجر فقال لي: صلي فيه إنْ أردت دخول البيت، فإنما هو قطعةٌ من البيت، وإن قومك اقتصروا حين بنوا الكعبة، فأخرجوه عن البيت". وفي أخرى (1) للنسائي قالت: "قلت: يا رسول الله، ألا أدخل البيت؟ قال: أدخُلي الحجْر، فإنه من البيت". وأخرج الموطأ (2) عنها: هذا المعنى، أو قريباً منه، قالت: "ما أبالي: أصليتُ في الحِجْرِ، أم في البيت". * * *

_ 4433 - مسند أبي يعلي (7/ 328) مجمع الزوائد (3/ 247) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلي، ورجاله رجال الصحيح. 4434 - الترمذي (3/ 225) 7 - كتاب الحج، 48 - باب ما جاء في الصلاة في الحجر، وقال الترمذي: حسن صحيح. أبو داود (2/ 214) كتاب المناسك، باب في الحجر. النسائي (5/ 219) 24 - كتاب مناسك الحج، 129 - باب في الصلاة في الحجر. (1) النسائي (5/ 219) 24 - كتاب مناسك الحج، 128 - باب الحجر، وإسناده صحيح. (2) الموطأ (1/ 364) 20 - كتاب الحج، 33 - باب ما جاء في بناء الكعبة، وإسناده صحيح.

الباب التاسع في السعي بين الصفا والمروة

الباب التاسع في السعي بين الصفا والمروة

عرض إجمالي

عرض إجمالي قال تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} (1) فمن قوله {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} نفهم أن السعي بين الصفا والمروة مرتبط بالحج والعمرة، فلا يشرع السعي بين الصفا والمروة إلا لحج أو عمرة، والسعي بين الصفا والمروة ركن في العمرة، وركن في الحج عند عامة الفقهاء، واجب عند الحنفية لا يبطل الحج بتركه، بل يجب فيه دم، والهرولة ين الميلين الأخضرين للرجال سنة، وقد كان السعي بين الصفا والمروة مشروعاً نتيجة لفعل أُمِّنا هاجر التي سعت بين الصفا والمروة باحثة عن الماء. فكان أن جعل ذلك شريعة ثابتة دائمة ليرينا الله تعالى نتيجة الصبر والتسليم بأن يجعل أصحابه قدوة، قال تعالى: {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} (2) وقال تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} (3) والمنعم عليهم هم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون، فالاقتداء بهؤلاء مطلوب. ويزداد الطلب إذ ما ورد نص خاص، والسعي بين الصفا والمروة وإن كان معلوم الابتداء والتشريع فالحِكَم فيه كثيرة، فهو مظهر للتسليم لله في تشريعه، والهرولة فيه إظهار للعبودية لله، فالمسلم لا يستعبده وقار أو رزانة إذا كانت العبودية تقتضي ترك ذلك. وكل طواف بعده سعي تسن الهرولة والاضطباع في الأشواط الثلاثة الأولى منه، وسعي الحج أمره واسع يستطيع أن يقيمه الحاج بعد طواف القدوم ويستطيع أن يؤخره إلى ما بعد طواف الإفاضة، ولا خلاف أن المتمتع عليه سعيان، سعي لعمرته وسعي لحجه، وهناك خلاف هل يجب سعيان على القارن، سعي لعمرته وسعي لحجه أو يكفيه سعي واحد لهما؟ وإذا أخر السعي عن وقته الأصلي وهي أيام النحر، بعد طواف الزيارة:

_ (1) البقرة: 158. (2) لقمان: 15. (3) الفاتحة: 6، 7.

أ- فإن كان لم يرجع إلى أهله، فإنه يسعى، ولا شيء عليه، لأنه أتى بما وجب عليه، ولا يلزمه بالتأخير شيء، لأن فعله في وقته الأصلي: وهو ما بعد طواف الزيارة. ب- وإن كان رجع إلى أهله فعليه عند الحنفية دم لتركه السعي بدون عذر والسعي عندهم واجب، أما عند الجمهور: فالسعي ركن لا يتم الحج إلا به ولا يُجبر تركه بدم. والسعي ركن عند الجمهور (غير الحنفية)، وشروطه أن يتقدمه طواف صحيح وأن يبدأ بالصفا ويختم بالمروة وأن يكون سبعة أشواط وأن يستوعب ما بين الصفا والمروة، والموالاة عند الحنابلة والمالكية شرط، وأضاف الحنابلة شروطاً أخرى هي الإسلام والعقل ونية معينة والمشي لقادر، وسنن السعي عند الجمهور: اتصاله بالطواف والطهارة عن الحدث والخبث، وستر العورة، والمشي لقادر، والصعود على الصفا والمروة، والدعاء، والعدْو في وسط المسعى. [انظر الدر المختار، والشرح الصغير (2/ 50) ومغني المحتاج (1/ 493) والمغني (3/ 385) والفقه الإسلامي (3/ 170)].

- وجوب السعي وأنه من شعائر الله

- وجوب السعي وأنه من شعائر الله: 4435 - * روى الجماعة عن عروة بن الزبير قال: "قلت لعائشة رضي الله عنها - وأنا يومئذٍ حديث السنِّ - أرأيت قوْلَ الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} (1) ما أرى على أحدٍ شيئاً أن لا يطوَّف بهما؟ فقالت عائشةُ: كلا، لو كانت كما تقول كانت: فلا جناح عليه أن لا يطوَّف بما، إنها إنما أُنزلتْ هذه الآية في الأنصار، كانوا يُهِلُّون لمناة، وكانت مناة حذو قُديدٍ، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة، فلما جاء الإسلام، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فأنزل الله عز وجل: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}. 4436 - * روى ابن خزيمة عن صفية بنت شيبة أن امرأةً أخبرتها: أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة يقول: "كُتِبَ عليكم السعيُ، فاسعوْا". - البدء بالصفا في السعي: 4437 - * روى مالك في الموطأ عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: سمعتُ

_ (1) البقرة: 158. 4435 - الموطأ (1/ 373) 20 - كتاب الحج، 42 - باب جامع السعي. البخاري (8/ 175) 65 - كتاب التفسير، 21 - باب قوله (إن الصفا والمروة من شعائر الله ...) الآية. مسلم (2/ 930) 15 - كتاب الحج، 43 - باب بيان أن السعي بين الصفا والمروة ... إلخ. أبو داود (2/ 181، 182) كتاب المناسك، باب أمر الصفا والمروة. النسائي (5/ 238) 24 - كتاب مناسك الحج، 168 - باب ذكر الصفا والمروة. (فيُهلُّون لمناة) مناة: صنم كان يُعبد في الجاهلية، والإهلالُ: رفع الصوت بالتلبية، أي: كانوا يحجون لها. (يتحرجون) التحرُّجُ: التأثُّم. وهو الخروج من الإثم أو الضيق. 4436 - ابن خزيمة (4/ 233) كتاب المناسك، 660 - باب ذكر البيان أن السعي بين الصفا والمروة واجب، وهو حديث صحيح. 4437 - الموطأ (1/ 372) 20 - كتاب الحج، 41 - باب البدء بالصفا في السعي. النسائي (5/ 239) 24 - كتاب مناسك الحج، 168 - باب ذكر الصفا والمروة. الترمذي (3/ 216) 7 - كتاب الحج، 38 - باب ما جاء أنه يبدأ بالصفا قبل المروة. النسائي (5/ 240، 241) 24 - كتاب مناسك الحج، 172 - باب الذكر والدعاء على الصفا، وهو صحيح.

- في أذكار وأعمال السعي

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - حين خرج من المسجد وهو يريد الصفا - وهو يقول: "نبدأُ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا". وفي رواية الترمذي والنسائي: "أن النبي صلى الله عليه وسلم- حين قدم مكة - وطاف بالبيت سبعاً، فقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (1) فصلى خلف المقام، ثم أتى الحجر فاستلمه، ثم قال: نبدأُ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا: وقرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (2). - في أذكار وأعمال السعي: 4438 - * روى مالك في الموطأ عن نافع مولى ابن عمر بن الخطاب أنه سمع ابن عمر رضي الله عنهما يدعو على الصفا يقول: "اللهم إنك قلت: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (3) وإنك لا تخلفُ الميعاد، وإني أسألك كما هديتني للإسلام: أن لا تنزعه مني، حتى تتوفاني وأنا مسلم". 4439 - * روى أحمد عن نافع قال: كان بن عمر إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية فإذا انتهى إلى ذي طُوى بات بها حتى يُصبح ثم يُصلي الغداة ويغتسلُ ويُحدِّثُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله ثم يدخل مكة ضحى فيأتي البيت فيستلم الحجر ويقول: باسم الله والله أكبر ثم يرمُل ثلاثة أطوافٍ يمشي ما بين الركنين فإذا أتى على الحجر استلمه وكبر أربعة أطوافٍ مشياً ثم يأتي المقام فيُصلي ركعتين ثم يرجع إلى الحجر فيستلمه ثم يخرج إلى الصفا من الباب الأعظم فيقوم عليه فيُكبِّرُ سبع مراتٍ ثلاثا، يكبرُ ثم يقول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير". ولعل رواية زين عن نافع توضح هذا الأثر وهذه هي: "أن ابن عمر كان إذا طاف

_ (1) البقرة: 126. (2) البقرة: 158. 4438 - الموطأ (1/ 372، 373) 20 - كتاب الحج، 41 - باب البدء بالصفا في السعي، وإسناده صحيح. (3) غافر: 60. 4439 - أحمد (2/ 14، 48). مجمع (3/ 239) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

بين الصفا والمروة فرقِي عليه، حتى يبدو له البيتُ، يُكبرُ ثلاث تكبيراتٍ، ويقول: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير - يصنعُ ذلك سبع مراتٍ، وذلك: إحدى وعشرون من التكبير، وسبعٌ من التهليل، ويدعو فيما بين ذلك، يسأل الله عز وجل، ويهبطُ حتى إذا كان ببطن المسيل سعى حتى يظهر منه، ثم يمشي حتى يأتي المروة فيرقى عليها، فيصنع عليها مثل ما صنع على الصفا، يصنع ذلك سبع مرات، حتى يفرُغَ من سعيه". 4440 - * روى مالك في الموطأ عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان إذا وقف على الصفا يُكَبِّرُ ثلاثاً، ويقول: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير، يصنع ذلك ثلاث مراتٍ، ويدعو، ويصنعُ ذلك ثلاث مراتٍ، ويدعو، ويصنع على المروة مثل ذلك". 4441 - * روى البخاري عن عبد الله بن أبي أوفى (رضي الله عنه) قال: "اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعتمرنا معه، فلما دخل مكة طاف، فطفنا معه، وأتى الصفا والمروة، وأتيناها معه، وكُنا نستره من أهل مكة: أنْ يرميه أحدٌ، فقال له صاحب لي: أكان دخل الكعبة؟ قال: لا". وأخرج أبو داود (1): قال: "اعتمرنا مع نبي الله صلى الله عليه وسلم، فطاف بالبيت سبعاً، وصلى ركعتين عند المقام، ثم أتى الصفا والمروة فسعى بينهما سبعاً، ثم حلق رأسهُ". 4442 - * روى ابن خزيمة عن عبد الله بن أبي أوفى، قال: اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطاف بالبيت، ثم خرج يطوفُ بين الصفا والمروة، فجعلنا نسترُه من أهل مكة أن يرميه أحدٌ منه، أو يصيبهُ بشيءٍ، فسمعته يدعو على الأحزاب، يقول: "اللهم مُنْزِلَ الكتاب، سريع الحساب اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهُمْ".

_ 4440 - الموطأ (1/ 372) 20 - كتاب الحج، 41 - باب البدء بالصفا في السعي، وهو عند مسلم في الحديث الطويل، في صفة الحجة النبوية، عن جابر في: 15 - كتاب الحج، 19 - باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، حديث (147). 4441 - البخاري (3/ 615) 26 - كتاب العمرة، 11 - باب متى يحل المعتمر؟. (1) أبو داود (2/ 182) كتاب المناسك، باب أمر الصفا والمروة. 4442 - ابن خزيمة (4/ 238) كتاب المناسك، 665 - باب الدعاء على أله الملل والأوثان ... إلخ، وإسناده صحيح.

- المشي في السعي والرمل بين الميلين

- المشي في السعي والرمل بين الميلين: 4443 - * روى الترمذي عن كثير بن جُمْهان (رحمه الله) قال: "رأيتُ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يمشي في السعي، فقلتُ له: أتمشي في المسعى؟ قال: لئن سعيتُ لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى، ولئن مشيتُ لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي، وأنا شيخ كبير". وفي رواية أبي داود (1) عن كثيرٍ: "أن رجلاً قال لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما- بين الصفا والمروة-: يا أبا عبد الرحمن، أراك تمشي والناسُ يسعون - وذكر الحديث- إلا أنه قدم ذِكر المشي على السعي". 4444 - * روى ابن خزيمة عن جُمهان السُّلمي قال: "رأيتُ ابن عمر يمشي في المسعى. فقلت له: تمشي في المسعى بين الصفا والمروة؟ فقال: لئن سعيتُ لقد رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يسعى، ولئن مشيتُ لقد رأيتُ رسول الله صلى الله عليه ونسلم يمشي، وأنا شيخٌ كبيرٌ". 4445 - * روى مالك في الموطأ عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان إذا نزل من الصفا مشى، حتى إذا انصبتْ قدماهُ في بطن الوادي: سعى، حتى يخرُج منه". 4446 - * روى البخاري عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: "ليس السعيُ في بطن الوادي بين الصفا والمروة سُنَّة، إنما كان أهل الجاهلية يسعونها، ويقولون: لا نُجيزُ البطحاء إلا شدَّا".

_ 4443 - الترمذي (3/ 217) 7 - كتاب الحج، 39 - باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة. النسائي (5/ 241، 242) 24 - كتاب مناسك الحج، 174 - باب المشي بينهما. (1) أبو داود (2/ 182) كتاب المناسك، باب آمر الصفا والمروة، وللحديث شاهد صحيح من حيث المعنى. 4444 - ابن خزيمة (4/ 236) 663 - باب الدليل على أن السعي ... إلخ، وهو صحيح. 4445 - الموطأ (1/ 374، 375) 20 - كتاب الحج، 42 - باب جامع السعي، وإسناده صحيح. النسائي (5/ 243) 24 - كتاب مناسك الحج، 178 - باب موضع المشي. (انصبتْ قدماهُ) أي: انحدرتْ في المسعى. 4446 - البخاري (7/ 156) 63 - كتاب مناقب الأنصار، 27 - باب القسامة في الجاهلية. (شداً) الشدُّ: العدو. (بالبطحاء) المراد بالبطحاء هاهنا: بطنُ المسعى.

قال الحافظ في الفتح: إن أراد به أنه لا يستحب، فهو يخالف ما عليه الجمهور، وهو نظير إنكاره استحباب الرمل في الطواف، ويحتمل أن يريد بالسنة: الطريقة الشرعية، وهي تطلق كثيراً على المفروض، ولم يرد السنة باصطلاح أهل الأصول، وهو ما ثبت دليل مطلوبيته من غير تأثيم تاركه (م). 4447 - * روى النسائي عن صفية بنت شيبة (رضي الله عنها) عن امرأةٍ قالت: "رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى في بطن المسيل، يقول: لا يُقطع الوادي إلا شداً". 4448 - * روى النسائي عن الزهري قال: "سألوا ابن عمر رضي الله عنهما: هل رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل بين الصفا والمروة؟ قال: كان في جماعة الناس، فرملُوا، فما أُراهم رملُوا إلا برمله". 4449 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: إنما سعى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة: ليُري المُشْرِكينَ قوتَهُ" (1). * * *

_ 4447 - النسائي (5/ 242) 24 - كتاب مناسك الحج، 177 - باب السعي في بطن المسيل، وهو حسن. 4448 - النسائي (5/ 242) 175 - باب الرمل بينهما، وإسناده صحيح. 4449 - النسائي (5/ 242) 176 - باب السعي بين الصفا والمروة، وإسناده صحيح.

الباب العاشر في الوقوف بعرفة ثم بالمزدلفة والإفاضة منهما

الباب العاشر في الوقوف بعرفة ثم بالمزدلفة والإفاضة منهما

عرض إجمالي

عرض إجمالي الوقوف بعرفة ركن من الحج، والركنية تتحقق بمجرد الوقوف أو المرور ولو لحظة فيما بين ظهر اليوم التاسع وفجر اليوم العاشر، ويجب أن يقضي الحاج لحظة من ليل ولحظة من نهار، والسنة أن يفيض الحجاج من عرفات بعد الغروب ليقفوا في المزدلفة ثم لينطلقوا منها إلى منى فيرموا جمرة العقبة ثم يطوفوا بالبيت الطواف الركن. والحكمة واضحة في ذلك كله، فأن يجتمع الناس في عرفات فذلك هو الحشد الأكبر للانطلاق بأعظم مسيرة سنوية لتعظيم البيت، والوقوف بمزدلفة راحة للحاج ليصلي بها ويأخذ الحصيات ثم ينطلق منها فيرمي جمرة العقبة إعلاناً منه على أنه حرب لمن حارب الله، فإذا رمى وذبح وحلق حل له أن يلبس أفخر لباسه، فينطلق إلى البيت معظماً له على أكمل هيئة بعد أن أكد إيمانه بالله وحربه للشيطان. والوقوف بعرفات ثم الانطلاق منها إلى ما سواها مظهر من مظاهر التنظيم في عبادة الحج، ولو أننا تأملنا أفعال الحج لرأينا التنظيم العفوي على أكمل ما يكون: فالإقامة يعني يوم التروية ثم الخروج إلى عرفات. ثم المبيت بمزدلفة ثم المبيت بمنى يخفف الضغط عن مكة، عدا عن كونه يرمز إلى معان متعددة، فتجمع عظيم للانطلاقة إلى إعلان حرب الشيطان ثم تعظيم البيت بالطواف لا تخفى حكمته. وعرفة كلها موقف، فمن وقف بعرفة في أي مكان فقد تم حجه مطلقاً من غير تعيين موضع دون موضع إلا أنه ينبغي ألا يقف في بطن عُرنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك. ولا يجزيء الوقوف بل عرفة كنمرة مثلاً. وحد عرفة: من الجبل المشرف على عرنة إلى الجبال المقابلة له إلى ما يلي حوائط بني عامر، وهي الآن معروفة بحدود معينة، وليس منها عُرنة ولا نَمِرة، ومسجد إبراهيم عليه الصلاة والسلام فإن آخره منها وصدره من عرنة. ومن وقف بعرفة قبل الزوال وأفاض منها قبل الزوال لا يعتد بوقوفه بالإجماع، وفاته الحج إن لم يرجع فيقف بعد الزوال أو جزءاً من ليلة النحر قبل طلوع الفجر. والوقوف بالمزدلفة واجب باتفاق المذاهب لا ركن، فمن تركه لزمه دم. وأما إتيان

المشعر الحرام: وهو جبل قزح في المزدلفة فهو سنة عند الجمهور مستحب عند الحنفية. وحد المزدلفة: من مأزمي عرفة إلى قرن مُحَسر. وما على يمين ذلك وشماله في الشعاب. وينزل في أي موضع منها شاء إلا وادي مُحَسِّر. وحد مني: ما بين وادي محسِّر وجمرة العقبة، ومنى شعب بطوله نحو ميلين، وعرضه يسير، أما الجبال المحيطة به فما أقبل منها عليه فهو من منى، وما أدبر منها فليس منها. والوقوف بعرفة هو الركن الأصًلي من أركان الحج فمن فاته فعليه الحج من عام قابل والهدي في قول أكثرهم، ويجب عند الجمهور- غير الشافعية - الوقوف إلى غروب شمس يوم عرفة على أنه يكفي الوقوف في أي جزء من أرض عرفة ولو في لحظة لطيفة. وسنن الوقوف بعرفة: الاغتسال بنمرة، وأن لا يدخل أحد عرفات إلا بعد الزوال، والصلاتين، وأن يخطب الإمام خطبتين ويجمع الصلاتين، ومن السنن استقبال القبلة، وستر العورة، والدعاء. [انظر فتح القدير والشرح الصغير (2/ 53 - 57) والبداية (1/ 335) ومغني المحتاج (1/ 496) والمغني (3/ 407) والفقه الإسلامي (3/ 174 فما بعد)].

- التلبية بجمع

- التلبية بجمعٍ: 4450 - * روى مسلم عن عبد الرحمن بن يزيد (رحمه الله) قال: قال عبد الله بن مسعودٍ - ونحن بجمعٍ-: "سمعتُ الذي أُنزلتْ عليه سورة البقرة يقول في هذا المقام: لبيك اللهم لبيك". - في الصلاة في منى التروية: 4451 - * روى الشيخان عن عبد العزيز بن رفيع (رحمه الله) قال: "سألت أنس ابن مالكٍ: قلت: أخبرني بشيء عقلته عن النبي صلى الله علي وسلمك أين صلى الظهر والعصر يوم التروية؟ قال: بمنى. قلت: فأين صلى العصر يوم النفر؟ قال: بالأبطحِ، ثم قال: افعلْ كما يفعلُ أمراؤُكَ". وفي رواية (1) قال: "خرجتُ إلى مِنَى يوم التروية، فلقيتُ أنساً ذاهباً على حمارٍ، فقلت له: أين صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر هذا اليوم؟ قال: انظر حيث يُصلي أمراؤُك". وفي رواية الترمذي (2)، وأبي داود (3)، والنسائي (4): "أين صلى الظُّهر يوم التروية؟ ".

_ 4450 - مسلم (2/ 932) 15 - كتاب الحج، 45 - باب استحباب إدامة الحاج التلبية ... إلخ. النسائي (5/ 265) 24 - كتاب مناسك الحج، 212 - باب التلبية بالمزدلفة. (جمعٌ): هي مزدلفة. 4451 - البخاري (3/ 507) 25 - كتاب الحج، 83 - باب أين يصلي الظهر يوم التروية؟. مسلم (2/ 950) 15 - كتاب الحج، 58 - باب استحباب طواف الإفاضة يوم النحر. (1) البخاري: نفس الموضع السابق. (2) الترمذي (3/ 296) 7 - كتاب الحج، 116 - باب منه. (3) أبو داود (2/ 188) كتاب المناسك، باب الخروج إلى منى. (4) النسائي (5/ 249، / 250) 24 - كتاب مناسك الحج، 190 - باب أين يصلي الإمام الظهر يوم التروية؟ (يوم التروية): هو اليوم الثامن من ذي الحجة وسمي بذلك لأنهم كانوا يروون فيها إبلهم ويرتوون من الماء لأن تلك الأماكن لم يكن بها ماء وقيل أقوال أخرى شاذة لا تصح. (الأبطح): البطحاء التي بين مكة ومنى، هي ما انبطح من الوادي واتسع وهي التي يقال لها المحصب والمعرس، ما بين الجبلين إلى المقبرة.

4452 - * روى ابن خزيمة عن جابر بن عبد الله: قَدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم صُبْحَ رابعة مضت من ذي الحجة. قال ابن خزيمة: فقدِمها صلى الله عليه وسلم صُبْحَ رابعةٍ مضتْ من ذي الحجة، فأقام بمكة أربعة أيام خلا الوقت الذي كان سائراً فيه من البدء الرابع إلى أن قدمها وبعض يوم الخامس مُزمعاً على هذه الإقامة عند قدومه مكة، فأقام باقي الرابع والخامس والسادس والسابع والثامن إلى مُضي بعض النهار وهو يوم التروية، ثم خرج من مكة يوم التروية فصلى الظهر بمنى. 4453 - * روى ابن خزيمة عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خمس صلوات بمنى. أقول: وذلك محمول على ما قبل عرفة. 4454 - * روى ابن خزيمة عن ابن الزبير يقول: "من سُنَّةِ الحج - وقال مرةً من سُنَّةِ الإمام - أن يُصلي الظهر والعصر والغروب والعشاء والصبح بمنى". أقول: من السنة أن يبيت الإنسان بمنى مساء يوم التروية، وهو يوم الثامن من ذي الحجة أي يبيت ليلة التاسع من ذي الحجة بمنى ثم يذهب إلى عرفة في اليوم التاسع فيصلي المغرب والعشاء جمع تأخير في مزدلفة ثم يبيت فيها فيصلي الفجر ثم ينطلق بعد صلاة الفجر فيرمي جمرة العقبة يوم النحر ثم يذبح إن كان عليه ذبح أو يريد أن يتطوع ثم يحلق ثم يطوف طواف الإفاضة وقد حل من إحرامه فلم يبق عليه إلا رمي الجمار في اليومين الثاني والثالث إن أراد أن يتعجل وفي اليوم الرابع إن أراد أن يتأخر، وعليه أن يبيت في منى في هذه الأيام وقد قضى حجه، فإن أراد أن يرجع إلى أهله طاف طواف الوداع. 4455 - *روى الطبراني في الكبير عن عبد الله بن عمرو قال (1): "أفاض جبريل بإبراهيم

_ 4452 - رواه ابن خزيمة، إسناده صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه مسلم وغيره. 4453 - ابن خزيمة (4/ 247) كتاب المناسك، 682 - باب ذكر عدد الصلوات التي يصلي الإمام ... إلخ، وإسناده صحيح لغيره. 4454 - ابن خزيمة (4/ 246، 247) كتاب المناسك، 682 - باب ذكر عدد الصلوات التي يصلي الإمام ... إلخ، وإسناده صحيح. 4455 - مجمع الزوائد (3/ 250) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير بأسانيد، ورجال بعضها رجال الصحيح.

- في الذهاب من منى إلى عرفة

عليهم السلام إلى منى فصلى به الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح ثم أتى به المزدلفة فنزل بها فبات بها فصلى كأعجل ما يُصلي أحدٌ من المسلمين، ثم دفع به إلى منى فرمى وذبح وحلق، ثم أوحى الله عز وجل إلى مُحمد صلى الله عليه وسلم أن اتبعْ ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين". 4456 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى: الظُّهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم غدا إلى عرفاتٍ". وفي رواية أبي داود (1) قال: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظُّهر يوم التروية، والفجر يوم عرفة بمنى". - في الذهاب من منى إلى عرفة: 4457 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) قال: "غدا رسول الله صلى الله عليه وسلم من منى - حين صلى الصُّبح صبيحة يوم عرفة، حتى أتى عرفة، فنزل بنمرة - وهي منزلُ الآمر، الذي ينزلُ فيه بعرفة - حتى إذا كان عند صلاة الظُّهر راح رسول الله صلى الله عليه وسلم مُهجراً، فجمع بين الظهر والعصر، ثم خطب الناس، ثم راح، فوقف على الموقف من عرفة". 4458 - * روى مالك في الموطأ عن نافعٍ مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهم) "أن ابن عمر كان يُصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح بمنى ثم يغدو إذا طلعت الشمس إلى عرفة". 4459 - * روى أحمد عن عبد الله بن عمر (رحم الله) "أنهُ كان يستحبُّ -إذا استطاع- أن يُصلي الظهر يوم التروية وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر يوم التروية بمنى".

_ 4456 - الترمذي (3/ 227) 7 - كتاب الحج، 50 - باب ما جاء في الخروج إلى منى والمقام بها، وهو حسن بشواهده. (1) أبو داود (2/ 188) كتاب المناسك، باب الخروج إلى منى، وهو حسن بشواهده. 4457 - أبو داود (2/ 188) كتاب المناسك، باب الخروج إلى عرفة، وسنده حسن. 4458 - الموطأ (1/ 400) 20 - كتاب الحج، 64 - باب الصلاة بمنى يوم التروية والجمعة بمنى وعرفة وإسناده صحيح. 4459 - أحمد (2/ 129). مجمع الزوائد (3/ 250) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات.

- التلبية والتكبير إذا غدا من منى إلى عرفات

- التلبية والتكبير إذا غدا من منى إلى عرفات: 4460 - * روى الطبراني عن أنس قال: "نزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا المكبرُ ومنا المهِلُّ فلم يعبْ مكبرنا على مهلنا ولا مهلنا على مكبرنا". 4461 - * روى مالك في الموطأ عن القاسم بن محمدٍ (رحمه الله) قال: "كانت عائشة تترك التلبية، إذا راحتْ إلى الموقف". 4462 - * روى مالك في الموطأ عن نافع مولى ابن عمر (رضي الله عنهما) قال: "كان ابن عمر يقطع التلبية في الحج، إذا انتهى إلى الحرم، حتى يطوف بالبيت، ثم يسعى، ثم يُلبي حين يغدو من منى إلى عرفة، فإذا غدا ترك التلبية في العمرة، حين يدخل الحرم". أقول: يقطع الحاج التلبية بعد رميه جمرة العقبة يوم النحر، وهو الذي عليه الجمهور. 4463 - * روى مسلم عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) قال: "غدونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من منى إلى عرفاتٍ، منا المُلبي، ومنا المُكبرُ". وفي رواية (1) "فمنا المُكبر، ومنا المهلل، فأما نحن فنكبرُ، قال: قلت: والله، لعجباً منكم: كيف لم تقولوا له: ماذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعُ؟ ". وفي رواية أبي داود (2) والنسائي (3) إلى قوله: "ومِنَّا المُكبرُ". 4464 - * روى النسائي عن سعيد بن جبيرٍ قال: "كنتُ مع ابن عباس رضي الله

_ 4460 - مجمع الزوائد (3/ 258) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. 4461 - الموطأ (1/ 338) 20 - كتاب الحج، 13 - باب قطع التلبية، وإسناده صحيح. 4462 - الموطأ (1/ 338) نفس الموضع السابق. 4463 - مسلم (2/ 932) 15 - كتاب الحج، 46 - باب التلبية والتكبير في الذهاب ... إلخ. (1) مسلم: نفس الموضع السابق. (2) أبو داود (2/ 163) كتاب المناسك، باب متى يقطع التلبية؟ (3) النسائي (5/ 250) 24 - كتاب مناسك الحج، 191 - باب الغدو من منى إلى عرفة. 4464 النسائي (_5/ 253) 24 - كتاب مناسك الحج، 197 - باب التلبية بعرفة، وإسناده حسن. (فسطاطه) الفُسطاط: الخيمةُ الكبيرة دون السُّرادق.

- الوقوف بعرفة

عنهما بعرفاتٍ، فقال: مالي لا أسمعُ الناس يلبون؟ قلت: يخافون من معاوية، فخرج ابن عباس من فُسطاطه، فقال: لبيك اللهم لبيك، فإنهم قد تركوا السُّنَّة عن بُغْضِ عليِّ". أقول: الظاهر أنه من المشهور أن مذهب علي: التلبية في عرفات وهو السنة، وكان الأمويون يرغبون عن مذهب علي للصراع الذي جرى بينهم وبينه، وقد أنكر ابن عباس أن يكون أثر للصراع السياسي في ترك سنة، ولذلك جهر بالتلبية ليبين للناس سنيتها. 4465 - * روى الشيخان عن محمد بن أبي بكر الثقفي (رحمه الله) قال: "سألتُ أنس بن مالكٍ، ونحنُ غاديان من منى إلى عرفاتٍ عن التلبية: كيف كنتم تصنعون مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: كان يُلبي المُلبي، فلا يُنكرُ عليه ويكبر المكبر فلا ينكر عليه". وفي رواية (1) قال: "قلت لأنسٍ - غداة عرفة -: ما تقول في التلبية هذا اليوم؟ قال: سِرْتُ هذا المسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فمنا المُكبرُ، ومنا المهللُ، لا يعيبُ أحدنا على صاحبه". 4466 - * روى ابن خزيمة عن الفضل بن عباس، قال: "كنتُ ردفَ النبي صلى الله عليه وسلم فلم يزل يُلبي حتى رمى جمرة العقبة: رماها بسبع حصيات يكبرُ مع كل حصاةٍ". - الوقوف بعرفة: 4467 - * روى الجماعة إلا الموطأ عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: "كانت قريشٌ

_ 4465 - البخاري (2/ 461) 13 - كتاب العيدين، 12 - باب التكبير أيام منى ... إلخ، وطرف هذا الحديث عند البخاري في (1659). مسلم (2/ 933) 15 - كتاب الحج، 46 - باب التلبية والتكبير في الذهاب من منى ... إلخ. الموطأ (1/ 337) 20 - كتاب الحج، 13 - باب قطع التلبية. النسائي (5/ 250، 251) 24 - كتاب مناسك الحج، 192 - باب التكبير في المسير إلى عرفة. (1) مسلم: نفس الموضع السابق ص 934. 4466 - ابن خزيمة (4/ 279) كتاب المناسك، 748 - باب التكبير مع كل حصاة يرميها للجمار، وإسناده صحيح. 4467 - البخاري (8/ 186، 187) 56 - كتاب التفسير، 35 - باب (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس). =

ومن دان دينها، يقفون بالمزدلفة، وكانوا يسمون الحُمْسَ، وكان سائر العرب يقفون بعرفة، فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأتي عرفات، فيقف بها، ثم يُفيض منها. فذلك قوله عز وجل: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} (1). 4468 - * روى الترمذي عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: "كانت قريش ومن كان على دينها وهم الحمس يقفون بالمزدلفة، يقولون: نحن قطينُ الله، وكان من سواهم يقفون بعرفة، فأنزل الله عز وجل: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}. قال الترمذي: ومعنى هذا الحديث، أن أهل مكة كانوا لا يخرجون من الحرم، وعرفاتٌ خارجٌ من الحرم، فأهل مكة كانوا يقفون بالمزدلفة ويقولون: نحن قطينُ الله يعني سكان الله، ومن سوى أهل مكة كانوا يقفون بعرفات، فأنزل الله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}. 4469 - * روى الشيخان عن جبير بن مُطعمٍ (رضي الله عنه) قال: "أضللْتُ بعيراً لي، فذهبتُ أطلبه يوم عرفة، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم واقفاً مع الناس بعرفة، فقلت: هذا والله من الحُمْسِ، فما شأنه هاهنا؟ وكانت قريشٌ تُعدُّ من الحُمْسِ". كان هذا قبل الهجرة ولذلك استغرب جبير قبل إسلامه. 4470 - * روى خزيمة عن جبير بن مطعمٍ، قال: "كانت قريشٌ إنما تدفعُ من المزدلفة، ويقولون: نُحْنُ الحُمْسُ فلا نخْرُجُ من الحرمِ، وقد تركوا الموقف على عرفة.

_ = مسلم (2/ 893) 15 - كتاب الحج، 21 - باب في الوقوف ... إلخ. أبو داود (2/ 187) كتاب المناسك، باب الوقوف بعرفة. الترمذي (3/ 231) 7 - كتاب الحج، 53 - باب ما جاء في الوقوف بعرفات والدعاء بها. النسائي (5/ 255) 24 - كتاب مناسك الحج، 202 - باب رفع اليدين في الدعاء بعرفة. (1) البقرة: 199. 4468 - الترمذي (3/ 231) 7 - كتاب الحج، 53 - باب ما جاء في الوقوف بعرفات والدعاء بها، قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وهو كما قال. 4469 - البخاري (3/ 515) 25 - كتاب الحج، 91 - باب الوقوف بعرفة. مسلم (2/ 894) 15 - كتاب الحج، 21 - باب في الوقوف ... إلخ. النسائي (5/ 255) 24 - كتاب مناسك الحج، 202 - باب رفع اليدين في الدعاء بعرفة. 4470 - ابن خزيمة (4/ 257، 258) كتاب المناسك، 703 - باب الوقوف بعرفة على الرواحل، وإسناده حسن.

- حدود عرفة

قال: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية يقفُ مع الناس بعرفة على جملٍ له، ثم يُصبحُ مع قومه بالمزدلفة فيقفُ معهم يدفعُ إذا دفعُوا". 4471 - * روى أبو داود عن عمرو بن عبد الله بن صفوان (رضي الله عنه) عن يزيد بن شيبان قال: "أتانا ابنُ مربعٍ الأنصاريُّ - ونحن وقوفٌ بالموقف - مكاناً يُباعدهُ عمرو عن الإمام - فاقل: إني رسول رسول الله إليكم، يقول: كونوا على مشاعركم فإنكم على إرثٍ من إرثِ إبراهيم". - حدود عرفة: 4472 - * روى أبو داود عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: "لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة قال: وقُفْتُ هاهنا، وعرفةُ كلها موقفٌ، ووقفتُ هاهنا بجمعٍ، وجمعٌ كلها موقفٌ، ونحرتُ هاهنا، ومنى كلها منحرٌ، فانحروا في رحالِكُم". وفي رواية (1): "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل عرفة موقفٌ، وكل منى منحرٌ، وكل المزدلفة موقفٌ، وكل فجاج مكة طريقٌ ومنحرٌ". 4473 - * روى مالك في الموطأ عن عبد الله بن الزبير بن العوام (رضي الله عنهما) قال: "عرفةُ كُلُّها موقفٌ، إلا عُرنة، والمزدلفة كلها موقفٌ إلا محسراً". 4474 - * روى مالك بن أنس (رضي الله عنه) في الموطأ بلغهُ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ 4471 - أبو داود (2/ 189) كتاب المناسك، باب موضع الوقوف بعرفة. الترمذي (3/ 230) 7 - كتاب الحج، 53 - باب ما جاء في الوقوف بعرفات والدعاء بها. النسائي (5/ 255) 24 - كتاب مناسك الحج، 202 - باب رفع اليدين في الدعاء بعرفة، إلا أن عند النسائي: "على إرثٍ من إرث أبيكم إبراهيم"؟ (مشاعركم): جمع معشر، وهو المعلمُ، والمراد به معالم الحج. 4472 - أبو داود (2/ 193) كتاب المناسك، باب الصلاة بجمع، وإسناده صحيح. (1) أبو داود: الموضع السابق ص 193، 194. (فجاج) الفِجَاجُ: جمعُ فجٍّ، وهو المسلك والزُّقاق. 4473 - الموطأ (1/ 388) 20 - كتاب الحج، 53 - باب الوقوف بعرفة والمزدلفة، وإسناده صحيح. 4474 - الموطأ: نفس الموضع السابق، وهو حسن لغيره.

- الوقوف على الدابة بعرفة

قال: "عرفة كلُّها موقفٌ، وارتفعُوا عن بطن مُحسرِ". 4475 - * روى ابن خزيمة عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ارفعوا عن بطن عُرنة وارفعوا عن بطن مُحسِّرٍ". 4476 - * روى ابن خزيمة عن عليٍّ: "وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة، ثم أفاض حين غابت الشمس، وأردف أسامة بن زيدٍ". 4477 - * روى أحمد عن جبير بن مُطعمٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كلُّ عرفاتٍ موقفٌ وارفعوا عن عُرنة وكل مزدلفة موقفٌ وارفعوا عن مُحسرٍ وكل فجاج منى منحرٌ وكل أيام التشريق ذبحٌ". 4478 - * روى البزار عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عرفةُ كلها موقفٌ ومنى كلها منحرٌ". - الوقوف على الدابة بعرفة: 4479 - * روى أبو داود عن نُبيطٍ ويكنى: أبا سلمة (رضي الله عنه) قال: "رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة واقفاً على جملٍ أحمر يخطبُ" (1).

_ 4475 - ابن خزيمة (4/ 254) كتاب المناسك، 698 - باب الزجر عن الوقوف بعرنة، وإسناده صحيح. 4476 - ابن خزيمة (4/ 262) كتاب المناسك، 713 - باب وقت الدفعة من عرفة ... إلخ، وإسناده صحيح. 4477 - أحمد (4/ 82). كشف الأستار (2/ 27) كتاب المناسك، باب عرفة كلها موقف. الطبراني "الكبير" (2/ 138). مجمع الزوائد (3/ 251) وقال الهيثمي: رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير، إلا أنه قال: "وكل فجاج مكة منحر" ورجاله موثقون. ورواه ابن حبان (الموارد 1008). 4478 - كشف الأستار (2/ 28) كتاب المناسك، باب عرفة كلها موقف. مجمع الزوائد (3/ 251) وقال الهيثمي: رواه البزار، ورجاله ثقات. 4479 - أبو داود (2 م 189) كتاب المناسك، باب الخطبة على المنبر بعرفة. النسائي (5/ 253) 24 - كتاب مناسك الحج، 198 - باب الخطبة بعرفة قبل الصلاة، وزاد النسائي: "قبل الصلاة" وإسناد النسائي حسن.

- وقت الوقوف بعرفة

4480 - * روى أبو داود عن العَدَّاء بن خالد بن هوذة (رضي الله عنه) قال: "رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، يخطبُ الناس يوم عرفة على بعيرٍ قائماً في الركابين". - وقت الوقوف بعرفة: 4481 - * روى الترمذي عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي (رضي الله عنه) "أن ناساً من أهل نجدٍ أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة، فسألوه؟ فأمر مُنادياً يُنادي: الحجُّ عرفة، من جاء ليلة جمعٍ قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج، أيام منى: ثلاثةٌ، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه". زاد في رواية (1) "وأردف رجلاً، فنادى". وفي رواية أبي داود (2) قال: "أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة، فجاء ناسٌ - أو نفرٌ - من أهل نجد، فأمرُوا رجلاً فنادى رسول الله: كيف الحجُّ؟ فأمر رجلاً فنادى: الحجُّ الحجُّ يومُ عرفة، ومن جاء قبل صلاة الصبح من ليلة جمعٍ تم حجُّهُ". وفي أخرى (3) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحج عرفات، الحج عرفات، أيام منى ثلاثٌ فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه ومن أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحجَّ". وفي رواية النسائي (4) قال: "شهدتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأتاهُ ناسٌ فسألوهُ عن الحجِ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحجُّ عرفةُ، فمن أدرك عرفة قبل طُلوع الفجر من ليلة جمعٍ، فقد تم حجُّهُ".

_ 4480 - أبو داود (2/ 189) نفس الموضع السابق، وإسناده حسن. 4481 - الترمذي (3/ 237) 7 - كتاب الحج، 57 - باب ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج. النسائي (5/ 264، 265) 24 - كتاب مناسك الحج، 211 - باب فيمن لم يدرك صلاة الصبح مع الإمام بالمزدلفة. (1) الترمذي: نفس الموضع السابق. (2) أبو داود (2/ 196) كتاب المناسك، باب من لم يدرك عرفة. (3) الترمذي (5/ 214) 48 - كتاب تفسير القرآن، 3 - باب منه. (4) النسائي (5/ 256) 24 - كتاب مناسك الحج، 203 - باب فرض الوقوف بعرفة، وإسناده صحيح. (ليلة جمع) جمعٌ: اسم علم للمزدلفة.

4482 - * روى ابن خزيمة عن نافعٍ مولى عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) أن ابن عمر كان يقول: "من لم يقف بعرفة من ليلة المزدلفة من قبل أن يطلع الفجر، فقد فاته الحج، ومن وقف بعرفة من ليلة المزدلفة من قبل أن يطلع الفجرُ، فقد أدرك الحج". 4483 - * روى ابن خزيمة عن عبد الرحمن بن يعمر. قال: أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة وأتاه أناسٌ من أهل نجد وهم بعرفة، فسألوه، فأمر منادياً فنادى: "الحجُّ عرفة، من جاء ليلة جمعٍ قبل طلوع الفجر، فقد أدرك الحج، أيام منى ثلاثةٌ، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه"، وأردف رجلاً ينادي. قال ابن خزيمة: هذه اللفظة: الحج عرفة، من الجنس الذي أعلمتُ - في كتاب الإيمان - أن الاسم باسم المعرفة قد يقع على بعض أجزاء الشيء ذي الشُّعب والأجزاء، قد أوقع النبي صلى الله عليه وسلم اسم الحج باسم المعرفة على عرفة، أراد الوقوف بها، وليس الوقوفُ بعرفة جميع الحج، إنما هو بعض أجزاءه لا كُله. 4484 - * روى ابن خزيمة عن ابن عباس، قال: "كان أهلُ الجاهلية يقفون بعرفة حتى إذا كانت الشمس على رؤوس الجبال كأنها العمائم على رؤوس الرجال دفعوا، فيقفون بالمزدلفة، حتى إذا طلعت الشمس فكانت على رؤوس الجبال كأنها العمائم على رؤوس الرجال، دفعوا، فأخر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدَّفعة من عرفة حتى غربت الشمسُ، ثم صلى الصبح بالمزدلفة حين طلع الفجرُ، ثم دفع حين أسفر كل شيءٍ في الوقت الآخر قبل أن تطلع الشمسُ". 4485 - * روى أبو داود عن عُروة بن مُضرسٍ الطائيِّ (رضي الله عنه) قال: "أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: بالمزدلفة، حين أقام الصلاة - وعند أبي داود: بالموقف، يعني: بجمعٍ - فقلت: يا رسول الله، إني جئتُ من جبلي طيءٍ (1)، أكللتُ راحلتي - وعند أبي داود:

_ 4482 - الموطأ (1/ 390) 20 - كتاب الحج، 55 - باب وقوف من فاته الحج بعرفة، وإسناده صحيح. 4483 - ابن خزيمة (4/ 257) كتاب المناسك، 702 - باب ذكر الدليل ... إلخ، وإسناده صحيح. 4484 - ابن خزيمة (4/ 262) كتاب المناسك، 713 - باب وقت الدفعة من عرفة ... إلخ، وهو حسن لغيره. 4485 - أبو داود (2/ 196، 197) كتاب المناسك، باب من لم يدرك عرفة. الترمذي (3/ 238، 239) 7 - كتاب الحج، 57 - باب ما جاء فيمن أدرك الإمام ... إلخ.

مطيتي - وأتعبت نفسي، والله، يا رسول الله، ما تركت من حبلٍ - وفي روايةٍ: من جبلٍ - إلا وقفتُ عليه، فهل لي من حجِّ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا، حتى يدفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً، فقد تم حجه، وقضى تفثَهُ". وفي رواية النسائي (1) قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم: واقفاً بالمزدلفة. فقال: "منْ صلى معنا صلاتنا هذه هاهنا، ثم أقام معنا، وقد وقف قبل ذلك بعرفة، ليلاً أو نهاراً، فقد تم حجُّهُ". وفي أخرى (2) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أدرك جمعاً مع الإمام والناس، حتى يُفيض منها، فقد أدرك الحجَّ، ومن لم يدرك مع الناس والإمام، فلم يدركه". وله في أخرى (3) مثل رواية أبي داود. زمن الوقوف في عرفة: من حين زوال الشمس يوم التاسع إلى طلوع الفجر الثاني من يوم النحر. وقال الحنابلة: بل زمنه: من طلوع فجر يوم عرفة إلى فجر اليوم الثاني، ويجب عند الجمهور - عدا الشافعية - أن يجمع الحاج في الوقوف بين جزء من النهار والليل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف بعرفة حتى غربت الشمس، فإن دفع قبل الغروب أو دخل عرفة بعد الغروب، فحجه تام صحيح عند أكثر أهل العلم وعليه دم. وقال الشافعية: يسن الجمع بين الليل والنهار فقط، وقال المالكية: الواجب الوقوف بالليل. ولا يشترط للوقوف طهارة، ولا استقبال قبلة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: "افعلي ما يفعله الحاج غير الطواف بالبيت".

_ (1) النسائي (5/ 263) 24 - كتاب مناسك الحج، 211 - باب فيمن لم يدرك صلاة الصبح مع الإمام بالمزدلفة، وإسناده صحيح. (2) النسائي: نفس الموضع السابق. (3) النسائي: نفس الموضع السابق ص 264. (حبل) الحبل: أحد حبال الرمل، وهو ما اجتمع من واستطال وارتفع. (تفثه) التفثُ: كل ما يفعله المحرم إذا حل من الحلق والتقليم والطيب، ونحو ذلك. (المزدلفة) قال عطاء: إذا أفضت من عرفة: فهي المزدلفة، وسميت بذلك: لازدلاف القوم بها، أي اجتماعهم. وقيل: لأنها يتقرب ويزدلف إلى الله تعالى فيها بالدعاء. وقيل: غير ذلك. قاله الحافظ في مقدمة "فتح الباري" [م].

- في الجمع بين الصلاتين والتهجير بها في عرفة

- في الجمع بين الصلاتين والتهجير بها في عرفة: 4486 - * روى البخاري عن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهم) قال: كتب عبد الملك إلى الحجاج: أنْ لا تُخالف ابن عمر في الحج، فجاء ابن عمر - وأنا معه يوم عرفة - حين زالت الشمس، فصاح عند سُرادق الحجاج فخرج وعليه ملحفة معصفرة، فقال: مالك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: الرَّواح إن كنت تُريد السُّنة، قال: هذه الساعة؟ قال: نعم، قال: فأنظرني حتى أُفيض على رأسي ماء، ثم أخرج، فنزل حتى خرج الحجاج، فسار بيني وبين أبي، فقلت: إنْ كنت تريد السنة فأقصر الخطبة، وعجل الوقوف، فجعل ينظر إلى عبد الله، فلما رأى بعد الله ذلك، قال: صدق". وفي رواية (1): "أن الحجاج - عام نزل بابن الزبير - سأل عبد الله: كيف تصنعُ في الموقف يوم عرفة؟ فقال سالم: إن كنت تريد السنة، فهجر بالصلاة يوم عرفة، فقال عبد الله: صدق إنهم كانوا يجمعُون بين الظهر والعصر في السُّنة، فقلت لسالم: أفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال سالم: وهل تتبعُون في ذلك إلا سُنَّتَهُ؟ ". وأخرج أبو داود (2) قال: "لمَّا قتَل الحجاج ابن الزبير، أرسل إلى ابن عمر: أية ساعة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يروحُ في هذا اليوم؟ قال: إذا كان ذاك رُحنا، قال: فلما أراد ابن عمر أن يروح، قال: قالوا: لم تزغ الشمسُ، قال: أزاغتْ؟ قالوا: لم تزغ، أو زاغتْ، فلما قالوا: قد زاغتْ، ارتحل". قال الحافظ في [الفتح: 3/ 512]: قال ابن بطال: وفي هذا الحديث الغسل للوقوف بعرفة، لقول الحجاج لعبد الله: أنظرني، فانتظره، وأهل العلم يستحبونه. اهـ. ويحتمل أن يكون ابن عمر إنما انتظره لحمله على أن اغتساله عن ضرورة. نعم روى مالك في الموطأ عن نافع أن ابن عمر كان يغتسل لوقوفه عشية عرفة، قال: وفيه أن إقامة الحج إلى

_ 4486 - البخاري (3/ 511) 25 - كتاب الحج، 87 - باب التهجير بالرواح يوم عرفة. (1) البخاري (3/ 513) 89 - باب الجمع بين الصلاتين بعرفة. (2) أبو داود (2/ 188، 189) كتاب المناسك، باب الرواح إلى عرفة (انظروني) الإنظارُ: التأيخر. (زاغت) الشمسُ: إذا مالت عن وسط السماء، وهو وقت الزوال. (السرادق): الخيمة.

- الدعاء في عرفات

الخلفاء، وأن الأمير يعمل في الدين بقول أهل العلم، ويصير إلى رأيهم، وفيه مداخلة العلماء بالسلاطين، وأنه لا نقيصة عليهم في ذلك، وفيه فتوى التلميذ بحضرة معلمه عند السلطان وغيره، وفيه الفهم بالإشارة، وفيه طلب العلو في العلم لتشوّف الحجاج إلى سماع ما أخبر به سالم عن أبيه ابن عمر، ول ينكر ذلك ابن عمر، وفيه تعليم الفاجر السنن لمنفعة الناس، وفيه احتمال المفسدة الخفيفة لتحصيل المصلحة الكبيرة، يؤخذ ذلك من مضي ابن عمر إلى الحجاج، وتعليمه، وفيه الحرص على نشر العلم لانتفاع الناس به، وفيه صحة للصلاة خلف الفاسق، وأن التوجه إلى المسجد الذي بعرفة حين تزول الشمس للجمع بين الظهر والعصر في أول وقت الظهر سنة، ولا يضر التأخر بقدر ما يشتغل به المرء من متعلقات الصلاة كالغسل ونحوه. - الدعاء في عرفات: 4487 - * روى النسائي عن أسامة بن زيدٍ مولى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، (رضي الله عنه) قال: "كنتُ ردفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفاتٍ، فرفع يديه يدعو، فمالت به ناقته، فسقط خِطامُها، فتناول الخطام بإحدى يديه، وهو رافعٌ يده الأخرى. ينبغي للحاج أن يجتهد يوم عرفة بالدعاء بما يستطيع. - في فضل عرفة: 4488 - * روى أحمد عن عبد العزيز بن قيس العبدي قال: سمعت ابن عباس يقول (1): كان فلانٌ رِدْفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فجعل الفتى يلاحظُ النساء وينظرُ إليهن فقال له

_ 4487 - النسائي (5/ 254) 24 - كتاب مناسك الحج، 202 - باب رفع اليدين في الدعاء بعرفة، وإسناده حسن. 4488 - أحمد (1/ 329، 356) بإسناد صحيح. أبو يعلي (4/ 330) حديث رقم (2441). الطبراني "الكبير" (12/ 232). مجمع الزوائد (3/ 251) وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلي والطبراني في الكبير وقال: "كان الفضل بن عباس رديفه"، ورجال أحمد ثقات. ابن خزيمة (4/ 260، 261) 710 - باب فضل حفظ البصر والسمع واللسان يوم عرفة. ورواه البيهقي (4/ 328) كتاب الحج، باب بيان السبيل الذي بوجوده يجب الحج.

- في صوم يوم عرفة للحاج وأنه لا يستحب له ذلك

رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ابن أخي إن هذا يومٌ من ملك فيه سمعهُ وبصره ولسانهُ غُفر له". - في صوم يوم عرفة للحاج وأنه لا يستحب له ذلك: 4489 - * روى البخاري عن أم الفضل بنت الحارث "أن ناساً اختلفوا عندها يوم عرفة في صوم النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: هو صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم، فأرسلت بقدح لبن وهو واقف على بعيره فشربه". - الدفع إلى المزدلفة والجمع بين الصلاتين فيها: 4490 - * روى الشيخان عن أسامة بن زيدٍ (رضي الله عنهما) قال: "دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة، حتى إذا كان بالشعْبِ نزل فبال، ثم توضأ، ولم يُسبغْ الوضوء فقلت: الصلاة يا رسول الله، فقال: الصلاة أمامك، فركب، فلما جاء المزدلفة. نزل فتوضأ، فأسبغ الوضوء ثم أقيمت الصلاة، فصلى المغرب، ثم أناخ كل إنسان بعيرهُ في منزله، ثم أقيمت العشاء، فصلى، ولم يُصلِّ بينهما". وفي رواية (1) قال: "ردفْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفاتٍ، فلما بلغ الشعب الأيسر، الذي دُون المزدلفة، أناخ فبال ثم جاء، فصببتُ عليه الوضوء، فتوضأ وضوءاً خفيفاً، فقلت: الصلاة يا رسول الله، فقال: الصلاة أمامك، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأتي المزدلفة، فصلى، ثم ردف الفضلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة جمعِ". وفي أخرى (2) نحوه، وفيه: "فركبَ، حتى إذا جئنا المزدلفة، فأقام المغرب، ثم أناخ الناس في منازلهم، ولم يحلُّوا، حتى أقام العشاء الآخرة، فصلى، ثم حلوا، قلتُ:

_ 4489 - البخاري (3/ 513) 25 - كتاب الحج، 88 - باب الوقوف على الدابة بعرفة، وطرف هذا الحديث عند البخاري في رقم (1658، 1988، 5604، 5618، 5636). 4490 - البخاري (1/ 239، 240) 4 - كتاب الوضوء، 6 - باب إسباغ الوضوء. مسلم (2/ 934) 15 - كتبا الحج، 47 - باب الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة ... إلخ. (1) البخاري (3/ 519) 25 - كتاب الحج، 93 - باب النزول بين عرفة وجمع. (2) مسلم: نفس الموضع السابق ص 935.

فكيف فعلتُمْ حين أصبحتُم؟ قال: ردِفَه الفضْلُ بن عباس، وانطلقتُ أنا في سُبَّاقِ قريش على رجلي". وفي أخرى (1): "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما أتى النَّقْبَ الذي ينزله الأمراءُ، نزل فبال- ولم يقل: أهراق - ثم دعا بوضوء فتوضأ وضوءاً خفيفاً، فقلت: يا رسول الله، الصلاة، قال: الصلاةُ أمامك". وفي أخرى (2) نحو هذه، وفيها: "أناخ راحلته، ثم ذهب إلى الغائط فلما رجع، صببتُ عليه من الإداوة، فتوضأ، ثم ركب، ثم أتى المزدلفة، فجمع بين المغرب والعشاء". وفي رواية (3) لأبي داود والنسائي عن كُريْبٍ قال: "سألتُ أسامة بن زيدٍ، قلت: أخبرني: كيف فعلتُمْ - أو صنعتمْ - عشيةَ ردفتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: جئنا الشعب الذي يُنيخُ فيه الناس للمُعَرَّسِ، فأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقته ... " وذكر الحديث مثلَ الرواية الثالثة للبخاري ومسلم. وفي رواية للنسائي (4) قال: "أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا رديفهُ فجعل يكبحُ راحلتهُ، حتى إن ذِفْرَاها لتكادُ تُصيبُ قادمةَ الرحْلِ، وهو يقول: يا أيها الناس، عليكم السكينة والوقار، فإن البرَّ ليس في إيضاع الإبل". وفي أخرى (5) له مختصراً "أن النبي صلى الله عليه وسلم حيثُ أفاض من عرفة مال إلى الشعب، فقلتُ له: صل المغرب، فقال: المُصلَّى أمامك". وفي أخرى (6) له: "أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل الشعب، الذي ينزله الأمراء، فبال، ثم

_ (1) مسلم: نفس الموضع السابق ص 935، 936. (2) مسلم: نفس الموضع السابق ص 936. (3) أبو داود (2/ 190) كتاب المناسك، باب الدفعة من عرفة. النسائي (5/ 260، 261) 24 - كتاب مناسك الحج، 206 - باب النزول بعد الدفع من عرفة. (4) النسائي (5/ 257) 203 - باب فرض الوقوف بعرفة. (5) النسائي (5/ 259) 206 - باب النزول بعد الدفع من عرفة. (6) النسائي: نفس الموضع السابق.

- السير في الدفع إلى المزدلفة

توضأ وضوءاً خفيفاً. فقلت: يا رسول الله، الصلاة، فقال: الصلاةُ أمامك، فلما أتينا المزدلفة، لم يحل آخر الناس حتى صلى". قال الحافظ في الفتح: فائدة: الماء الذي توضأ به صلى الله عليه وسلم ليلتئذ كان من ماء زمزم، أخرجه عبد الله بن أحمد بن حنبل في زيادات سنن أبيه بإسناد حسن من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فيستفاد منه الرد على منع استعمال ماء زمزم لغير الشرب. 4491 - * روى ابن خزيمة عن أسامة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أردفَهُ حين أفاض من عرفة، فأفاض بالسكينة. وقال: "أيُّها الناس عليكم بالسكينة، فإن البر ليس بإيجاف الخيل والإبل". قال: فما رأيت ناقته رافعةً يدها، حتى أتى جمع، ثم أردف الفضل فأمر الناس بالسكينة، وأفاض، وعليه السكينة، وقال: "ليس البر بإيجاف الخيل والإبل" فما رأيت ناقته رافعةً يدها حتى أتى منى. - السير في الدفع إلى المزدلفة: 4492 - * روى الجماعة- إلا الترمذي- عن أسامة بن زيدٍ (رضي الله عنهما) قال عروةُ: "سُئل أسامة بن زيد- وأنا جالسٌ معه-: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسيرُ في حجةِ الوداعِ حين دفع؟ فقال: كان يسيرُ العنق، فإذا وجد فُرْجَةً نصَّ - قال هشام: والنصُّ: فوق الْعَنَقِ" (1).

_ = (المُعَرَّسُ): موضع التعريس، وهو نزول المسافر آخر الليل نزلةً للاستراحة. (يكبحُ) كبحتُ الدابة: إذا جذبت رأسها إليك - وأنت راكب - ومنعتها من الجماح وسرعة السير. (ذِفرى) البعير: هي الموضع الذي يعرَقُ من قفاه خلف الأذن، وهي مؤنثة لا تنونُ. (قادمة الرحْلِ) الرحل: هو الكوْر الذي يركب به البعير. وقادِمَتُهُ: الخشبةُ في مقدمته، بمنزلة قربوس السرج. (الإيضاع): السير السريع. 4491 - ابن خزيمة (4/ 265) كتاب المناسك، 718 - باب ذكر البيان أن إيجاف الخيل ... إلخ، وإسناده صحيح. 4492 - البخاري (3/ 518) 25 - كتاب الحج، 92 - باب السير إذا رفع م عرفة. مسلم (2/ 936، 937) 15 - كتاب الحج، 47 - باب الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة. الموطأ (1/ 392) 20 - كتاب الحج، 57 - باب السير في الدفعة. أبو داود (2/ 191) كتاب المناسك، باب الدفعة من عرفة. النسائي (5/ 258، 259) 24 - كتاب مناسك الحج، 205 - باب كيف السير من عرفة.

- السكينة عند الإفاضة

وفي رواية (1): "فجوةٌ" بدل "فرجة". وفي رواية (2) نحوه، وفيه: "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أردفه من عرفاتٍ. قال: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسيرُ، حين أفاض من عرفاتٍ؟ ... وذكره". - السكينة عند الإفاضة: 4493 - * روى أحمد عن عبد الرحمن بن يزيد قال: "حججنا مع ابن مسعودٍ في خلافة عثمان قال: وقفنا بعرفة قُلنا: غابت الشمس، قال ابن مسعود: لو أن أمير المؤمنين أفاض الآن كان قد أصاب قال: فلا أدري كلمة ابن مسعود كانت أسرع أو إفاضة عثمان، قال: فاوْضع الناس ولم يزد ابن مسعود على العنقِ حتى أتينا جمعاً. فذكر الحديث. 4494 - * روى أبو داود عن عليِّ بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال: "ثم أردفَ أسامة، فجعل يُعْنِقُ على ناقته، والناسُ يضربون الإبل يميناً وشمالاً، لا يلتفتُ إليهم، ويقول: السكينة، أيها الناس، دفع حين غابت الشمس". - من أذن وأقام لكل صلاة ووقت صلاة الفجر: 4495 - * روى ابن خزيمة: "أفاض عبد الله بن مسعود من عرفاتٍ على هينته لا يضربُ بعيرهُ، حتى أتى جمعَ، فنزل، فأذن فأقام، ثم صلى المغرب، ثم تعشى، ثم قام فأذن وأقام، وصلى العشاء، ثم بات بجمعٍ، حتى إذا طلع الفجر قام فأذن، وأقام ثم صلى الصبح، ثم قال: إن هاتين الصلاتين يؤخران عن وقتهما، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ (1) البخاري (6/ 138، 139) 56 - كتاب الجهاد، 136 - باب السُّرعة في السير. (2) مسلم: نفس الموضع السابق ص 936. (العنَقُ): ضربٌ من السير سريعٌ. (نص) النصُ: ضرب من سير الإبل، وهو فوق العنق. (فجوةٌ) الفجوةُ: المُتسعُ من الأرض. 4493 - أحمد (1/ 410). مجمع الزوائد (3/ 255، 256) وقال الهيثمي: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. 4494 - أبو داود (2/ 190) كتاب المناسك، باب الدفعة من عرفة، وإسناده حسن. (آنفاً) فعلتُ الشيء آنفا: أي الآن. 4495 - ابن خزيمة (4/ 269) كتاب المناسك، 726 - باب إباحة الأكل بين الصلاتين .. إلخ، وإسناده صحيح.

لا يُصليهما في هذا اليوم إلا في هذا المكان ثم وقفَ". قال ابن خزيمة: لم يرفع ابن مسعودٍ قصة عشائه بينهما، وإنما هذا من فعلْهِ، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم. 4496 - * روى البخاري عن عبد الرحمن بن يزيد (رحمه الله) قال: "خرجتُ مع عبد الله بن مسعودٍ إلى مكة، ثم قدمنا جمعاً، فصلى الصلاتين، كل صلاةٍ بأذانٍ وإقامة، والعشاء بينهما، ثم صلى الفجر حين طلع الفجرُ، وقائلٌ يقول: طلع الفجر، وقائل يقول: لا، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن هاتين الصلاتين حُوِّلتا عن وقتهما في هذا المكان: المغرب والعشاء فلا يقدم الناسُ جمعاً حتى يُعتموا، وصلاة الفجر هذه الساعة. ثم وقف حتى أسفر، ثم قال: لو أن أمير المؤمنين أفاض الآن أصاب السُّنة، فما أدري: أقوله كان أسرعُ، أم دفعُ عثمان؟ فلم يزل يُلبي حتى رمى جمرة العقبة يوم النحر". 4497 - * روى البخاري عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: "دفع مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم وراءهُ زجراً شديداً، وضرباً للإبل وراءهُ، فأشار بسوطه إليهم، وقال: أيُّها الناسُ عليكم بالسكينة، فإن البِرَّ ليس بالإيضاع". وفي رواية (1) مسلم والنسائي (2): عنه عن اخيه الفضل - وكان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم - أنه قال في عشية عرفة، وغداة جمع للناس، حين دفعُوا: "عليكم بالسكينة - وهو كاف ناقتهُ- حتى دخل مُحسراً- وهو من منى - قال: عليكم بحصى الخذْفِ، الذي يُرْمَى به الجمرةُ، وقال: لم يزلْ رسول الله صلى الله عليه وسلم يُلبِّي حتى رمى الجمرة".

_ 4496 - البخاري (3/ 530) 25 - كتاب الحج، 99 - باب متى يصلي الفجر بجمع. (يُعتموا) أعتم القوم: إذا دخلوا في العتمة، وهي ظلمة أول الليل. 4497 - البخاري (3/ 522) 25 - كتاب الحج، 94 - باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسكينة عند الإفاضة. (1) مسلم (2/ 931، 932) 15 - باب إستحباب إدامة الحاج التلبية ... إلخ. (2) النسائي (5/ 258) 24 - كتاب مناسك الحج، 204 - باب الأمر بالسكينة في الإفاضة من عرفة.

زاد في رواية (1) بعد قوله: "حصى الخذْفِ" قال: والنبي صلى الله عليه وسلم يُشير بيده، كما يَخْذِفُ الإنسان". وفي أخرى لمسلم (2) عن ابن عباس: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض من عرفة، وأسامة ردفُهُ، قال أسامة: فما زال يسيرُ على هينته، حتى أتى جمعاً". وفي رواية (3) أبي داود قال: "أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة، وعليه السكينة، ورديفه أسامة، فقال: يا أيها الناس، عليكم بالسكينة، فإن البر ليس بإيجاف الخيل والإبل، فما رأيتها رافعةً يديها غادية، حتى أتى جمعاً. زاد في رواية (4): "ثم أردف الفضل بن عباس، فقال: أيها الناس، إن البر ... وذكر الحديث - وقال عوض جمعٍ: منى". وفي رواية النسائي (5): عنه عن أخيه الفضل قال: "أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفاتٍ، ورديفُهُ أسامة بن زيدٍ، فجالتْ به الناقةُ، وهو رافعٌ يديه، لا تُجاوزان رأسه، فما زال يسير على هينته حتى انتهى إلى جمعٍ". 4498 - * روى ابن خزيمة عن جعفر عن أبيه قال: دخلنا على جابرٍ، فقلت: اخبرني عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر بعض الحديث، وقال: ركب القصواء حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته إلى الصخراتِ، وجعل حبلَ المشاة بين يديه، واستقبل القِبْلَة، فلم يزلُ

_ (1) مسلم: نفس الموضع السابق ص 932. (2) مسلم: (2/ 936) 50 - كتاب الحج، 47 - باب الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة ... إلخ. (3) أبو داود (2/ 190) كتاب المناسك، باب الدفعة من عرفة. (4) أبو داود: نفس الموضع السابق. (5) النسائي (5/ 256، 257) 24 - كتاب مناسك الحج، 203 - باب فرض الوقوف بعرفة. (الإيضاعُ): ضربٌ من سير الإبل سريع. (حصى الخذف) الخذفُ- بالخاء المعجمة-: رمي الحصاة بطرفي الإبهام والسبابة أو غيرها من الأصابع. (بإيجاف الخيل) الإيجاف: حثُ الركائب على السير والسرعة فيه. بين صلى الله عليه وسلم: أن تكلف الإسراع في السير ليس من البر، أي: ليس مما يتقرب به إلى الله، ومن هذا أخذ عمر بن عبد العزيز قوله، لما خطب بعرفة: "ليس السابق من سبق بعيره وفرسه، ولكن السابق من غفر له". 4498 - ابن خزيمة (4/ 258، 259) كتاب المناسك، 705 - باب استقبال القبلة عند الوقوف بعرفة، وهو صحيح. (حبل المشاة): طريقهم الذي يسلكونه في الرَّمل، وقيل: أراد صفهم ومجتمعهم في مشيهم تشبهاً بحبل الرَّمل.

واقفاً، حتى غربت الشمس وذهبت الصُّفرةُ قليلاً حين غاب القُرْصُ. 4499 - * روى الترمذي عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) "أن النبي صلى الله عليه وسلم أوضع في وادي مُحسرِ". زاد فيه بشر بن السري "وأفاض من جمعٍ وعليه السكينةُ، وأمرهُمْ بالسكينةِ". وزاد فيه أبو نعيمٍ: "وأمرهُم: أن يرْمُوا بمثل حصى الخْذْفِ، قوال لعلي: لا أراكم بعد عامي هذا". وفي رواية أبي داود (1) والنسائي (2): "أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه السكينةُ، وأمرهُمْ أن يرموا بمثل حصى الخذفِ، وأوضع في وادي مُحَسِّرِ". وفي أخرى للنسائي (3): "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أفاض من عرفة جعل يقول: السكينة عباد الله، ويقول بيده هكذا، وأشار أيوبُ بباطن كفه إلى السماء". 4500 - *روى مالك في الموطأ عن نافع مولى عبد الله بن عمر (رضي الله عنه) "أن ابن عمر كان يُحرك راحلته في بطن مُحسرٍ قدر رميةٍ بحجرٍ". 4501 - * روى أبو داود عن عليِّ بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال: "لما أصبح - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم- وقف على قُزَحَ. فقال: "هذا قُزَحُ، وهو الموقفُ، وجمعٌ كله موقفٌ، ونحرت هاهنا، ومنى كُلها منحرٌ، فانحروا في رحالكُمْ".

_ 4499 - الترمذي (2/ 234) 7 - كتاب الحج، 55 - باب ما جاء في الإفاضة من عرفاتٍ. (1) أبو داود (2/ 195) كتاب المناسك، باب التعجيل من جمع. (2) النسائي (5/ 258) 24 - كتاب مناسك الحج، 204 - باب الأمر بالسكينة في الإفاضة من عرفة. (3) النسائي: نفس الموضع السابق، وإسناده حسن. (أوضع): إذا أسرع في السير. 4500 - الموطأ (1/ 392) 20 - كتاب الحج، 57 - باب السير في الدفعة، وإسناده صحيح. 4501 - أبو داود (2/ 193) كتاب الحج، باب الصلاة بجمع، وهو حسن بشواهده. قزح- بضم ففتح، بوزن عمر وزفر - موقف الإمام بمزدلفة، وهو ممنوع من الصرف للعلمية والعدل [م].

وقت الإفاضة من مزدلفة

وقت الإفاضة من مزدلفة: 4502 - * روى البخاري عن عمرو بن ميمون (رحمه الله) قال: قال عمر: "كان أهل الجاهلية لا يُفيضُون من جمعٍ حتى تطلُع الشمسُ، وكانوا يقولون: أشرِقْ ثبيرْ، فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم، فأفاض قبل طلُوع الشمس". وفي رواية (1) قال: "شَهِدْتُ عمر صلى بجمعٍ الصُّبْحَ، ثم وقف، فقال: إن المشركين كانوا لا يُفيضون حتى تطلُع الشمس ... " الحديث. وللترمذي وأبي داود قالا فيه: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خَالفَهُمْ، فأفاض عُمرُ قبل أنْ تطلع الشمسُ". - تقديم الضعفاء في الإفاضة من المزدلفة: 4503 - * روى الجماعة- إلا الموطأ - عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: "أنا ممن قدم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة في ضعفة أهلهِ".

_ 4502 - البخاري (7/ 148) 63 - كتاب مناقب الأنصار، 26 - باب أيام الجاهلية. وأخرجه الترمذي (3/ 242) 7 - كتاب الحج، 60 - باب ما جاء أن الإفاضة من جمع قبل طلوع الشمس، وأبو داود (2/ 194) كتاب المناسك، باب الصلاة بجمع، إلا أنهما - أي الترمذي وأبو داود - قالا فيه: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خالفهم، فأفاض عمر قبل أن تطلُع الشمسُ". وأخرجه النسائي (5/ 265) 24 - كتاب مناسك الحج، 213 - باب وقت الإفاضة من جمع. (1) البخاري (3/ 531) 25 - كتاب الحج، 100 - باب متى يُدفعُ من جمعٍ. (أشرِق ثبيرُ) ثبيرُ: جبلٌ عند مكة، والمعنى: ادخُلْ أيها الجبل في الشروق، أي: في نور الشمس، لأنهم كانوا لا يفيضون من هناك إلا بعد ظهور الشمس على الجبال، يقال: شَرِقت الشمس: إذا طلعتْ وأشرقتْ: إذا أضاءتْ. 4503 - البخاري (3/ 526) 25 - كتاب الحج، 98 - باب من قدم ضعفة أهله بليل ... إلخ. مسلم (2/ 941) 15 - كتاب الحج، 49 - باب استحباب تقديم دفع الضعفة ... إلخ. أبو داود (2/ 194) كتاب المناسك، باب التعجيل من جمع. الترمذي (3/ 239) 7 - كتاب الحج، 58 - باب ما جاء في تقديم الضعفة من جمع بليل. النسائي (5/ 261) 24 - كتاب مناسك الحج، 208 - باب تقديم النساء والصبيان إلى منازلهم بمزدلفة.

وفي أخرى (1) للترمذي وأبي داود والنسائي مثله، وزاد: "وقال لهم: لا ترمُوا الجمرة، حتى تطلع الشمسُ". وفي أخرى (2) لأبي داود والنسائي قال: "قدمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة جمعٍ: أغيلمَهَ بني عبد المطلب، على حُمراتٍ، فجعل يلطحُ أفخاذنا، ويقول: أبينيَّ، لا ترموا الجمرة، حتى تطلع الشمسُ". وفي أخرى للنسائي (3) عنه عن الفضلِ: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ضعفة بني هاشم: أن ينفروا من جمعٍ بليلٍ". وفي أخرى له (4) عن عبد الله بن عباس قال: "أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ضعفة أهله، فصلينا الصُّبح بمنى، ورمينا الجمرة". 4504 - * روى الشيخان عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: استأذنَتْ سودةُ النبي صلى الله عليه وسلم ليلة جمعٍ، كانت ثقيلةً ثبطةً فأذن لها". وفي رواية (5) قالت: "كانت سودةُ امرأةً ضخمةً ثَبَطةً، فاستأذنتْ رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن

_ (1) الترمذي: نفس الموضع السابق ص 240. أبو داود: نفس الموضع السابق ص 194. النسائي (5/ 272) 24 - كتاب مناسك الحج، 222 - باب النهي عن رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس. (2) أبو داود: نفس الموضع السابق ص 194. النسائي (5/ 271) 222 - باب النهي عن رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس. (3) النسائي (5/ 261) 208 - باب تقديم النساء والصبيان إلى منازلهم بمزدلفة. (4) النسائي (5/ 266) 214 - الرخصة للضعفة أن يصلوا يوم النحر الصبح بمنى، وهو حديث حسن. (ضعفه): جمع ضعيف. يريد بهم: النساء والصبيان والمرضى ونحوهم. (أغيلمة): تصغير أغلمة قياساً، ولم تجيء، كما أن أصيبية تصغير أصبية، ولم تُستعمل. إنما المستعمل صبيةً وغِلمةً. (حُمراتٍ): جمع حمر، والحمر: جمع حِمار. (يلطح) اللطحُ- بالحاء المهملة -: ضرب لين ببطن الكف. (الأبيني) بوزن الأعيمي: تصغير الأبني بوزن الأعمى، وهو جمع ابن. 4504 - البخاري (3/ 526) 25 - كتاب الحج، 98 - باب من قدم ضعفة أهله بليلٍ ... إلخ. مسلم (2/ 939) 15 - كتاب الحج، 49 - باب استحباب تقديم دفع الضعفة ... إلخ. (5) مسلم: نفس الموضع السابق.

تُفيض من جمعٍ بليلٍ، فأذن لها، فقالت عائشة: فليتني كنتُ استأذنتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما استأذنته سودةُ، وكانت عائشةُ لا تُفيضُ إلا مع الإمام". وفي أخرى (1) قالت: "ودِدْتُ: أني كنتُ استأذنتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما استأذنتهُ سودة، فأصلي الصُّبح بمنى، فأرمي الجمرة قبل أن يأتي الناسُ. قال القاسم: فقلتُ لعائشة: فكانت سودة استأذنته؟ قالت: نعم، إنها كانتْ امرأةً ثقيلةً ثبطةً، فاستأذنتْ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأذن له". وفي أخرى (2) قالت: "نزلنا المزدلفة. فاستأذنتْ النبي صلى الله عليه وسلم سودةُ: قبْلَ حَطْمَةِ الناس - وكانت امرأةً بطيئةً -فأذن لها، فدفعتْ قبل حطمةِ الناس، وأقمنا حتى أصبحنا نحن، ثم دفعنا بدفعه، فلأنْ أكون استأذنتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما استأذنت سودةُ، أحبُّ إليَّ من مفْرُوحٍ به". وفي أخرى (3) نحوه، وفيه يقول القاسم: "الثبطةُ: الثقيلةُ". وفيه: "وحُبسنا، حتى أصبحنا". وفيه: "كما استأذنته سودة، فأكون أدفعُ بإذنه". وللنسائي (4) عن عائشة قالت: "إنما أذِنَ النبي صلى الله عليه وسلم لسودة في الإفاضة قبل الصبح، لأنها كانت امرأةً ثبطةً". 4505 - * روى أبو داود عن عائشة (رضي الله عنها) قالتْ: "أرسل النبيُّ صلى الله عليه وسلم بأمِّ سلمة ليلة النحر، فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضتْ. فكان ذلك اليومُ اليومَ الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم - تعني: عندها".

_ (1) مسلم: نفس الموضع السابق. (2) البخاري: نفس الموضع السابق ص 527. (3) مسلم: نفس الموضع السابق ص 939. (4) النسائي (5/ 262) 24 - كتاب مناسك الحج، 209 - باب الرخصة للنساء في الإفاضة من جمع قبل الصبح. (حطمة) حطمةُ السيل: دفعتهُ. والمعنى في الحديث: أن يدفع قبل دفع الناس. 4505 - أبو داود (2/ 194) كتاب المناسك، باب التعجيل من جمع.

وفي رواية النسائي (1): "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر إحدى نسائه أن تنفر من جمعٍ، فتأتي جمرة العقبة فترميها، وتصبح في منزلها". 4506 - * روى مسلم عن أم حبيبة بنت أبي سفيان (رضي الله عنهما) "أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بها من جمعٍ بليلٍ إلى منى". وفي رواية (2) قالت أم حبيبة: "كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، نُغَلِّسُ من جمعٍ إلى منى". وفي أخرى (3) "نُغَلِّسُ من مزدلفة". 4507 - * روى الشيخان عن سالم بن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهم) "أن عبد الله ابن عمر: كان يُقدم ضعفة أهله، فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بالليل، فيذكرون الله ما بدا لهم، ثم يدفعون قبل أن يقف الإمام، وقبل أن يدفع، فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر، ومنهم من يقدم بعد ذلك، فإذا قدموا رموا الجمرة، وكان ابن عمر يقول: أرخص في أولئك رسول الله صلى الله عليه وسلم". وأخرج الموطأ (4) عنه وعن أخيه عبيد الله: "أن أباهما كان يُقدم ضعفة أهله وصبيانه من المزدلفة، حتى يُصلوا الصبح بمنى، ويرموا قبل أن يأتي الناسُ". 4508 - * روى مالك في الموطأ عن فاطمة بنت المنذر (رضي الله عنها) كانت ترى أسماء بنت أبي بكر بالمزدلفة، تأمر الذي يُصلي لها ولأصحابها الصبح: يُصلي لهم الصبح حين يطلع الفجرُ، ثم تركبُ، فتسير إلى مِنىً، ولا تقفُ.

_ (1) النسائي (5/ 272) 24 - كتاب مناسك الحج، 223 - باب الرخصة في ذلك للنساء، وإسناده حسن. 4506 - مسلم (2/ 940) 15 - كتاب الحج، 49 - باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء ... إلخ. النسائي (5/ 262) 24 - كتاب مناسك الحج، 208 - باب تقديم النساء والصبيان إلى منازلهم بمزدلفة. (2) مسلم: نفس الموضع السابق. (3) مسلم: نفس الموضع السابق. (نُغلس) التغليس: القيام وقت الغلس، وهو ظلمة آخر الليل. 4507 - البخاري (2/ 526) 25 - كتاب الحج، 98 - باب من قدَّم ضعفة أهله بليلٍ. مسلم (2/ 941) 15 - كتاب الحج، 49 - باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء .... إلخ. (4) الموطأ (1/ 391) 20 - كتاب الحج، 56 - باب تقديم النساء والصبيان. 4508 - الموطأ (1/ 392) نفس الموضع السابق، وإسناده صحيح.

4509 - * روى مالك في الموطأ عن نافعٍ مولى ابن عمر (رضي الله عنهما) "أن ابنة أخٍ لصفية بنت أبي عُبيدٍ - امرأة عبد الله بن عمر - نُفِسَتْ بالمزدلفة، فتخلفتْ هي وصفية، حتى أتتا منىً، بعد أنْ غربتْ الشمسُ من يوم النحْر، فأمرهُما ابن عمر: أن ترميا حين قدمتا منىً، ولم ير عليهما شيئاً". 4510 - * روى مالك في الموطأ عن عطاء بن أبي رباحٍ (رحمه الله) قال: إن مولاة أسماء بنت أبي بكر أخبرته: قالت: "جئنا مع أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما منىً بغلسٍ، قال: فقلتُ لها: لقد جئنا منىً بغلس، فقالت: قد كُنَّا نصنعُ ذلك مع منْ هو خيرٌ منك". وأخرج أبو داود (1) قال عطاء: أخبرني مُخبرٌ عن أسماء: "أنها رمتِ الجمرة، قلت: إنا رمينا الجمرة بليلٍ، قالت: إنا كنا نصنعُ هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم". وقد أخرج البخاري (2) ومسلم (3) والموطأ والنسائي هذا المعنى بزيادة عن عبد الله مولى أسماء "أنها نزلت ليلة جمعٍ عند المزدلفةِ، تُصلِّي، فصلَّتْ ساعةً، ثم قالت: هل غاب القمرُ؟ قلتُ: لا، ثم صلتْ ساعةً، ثم قالت: هل غاب القمرُ؟ فقلتُ نعم، قالت: فارتحلوا، فارتحلنا، فمضينا، حتى رمت الجمرة، ثم رجعتْ، فصلت الصبح في منزلها، فقلت لها: يا هنتاهُ، ما ُأرانا إلا قد غسلنا، قالت: يا بُنيَّ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أذِنَ للظعُن" وفي رواية (4) "قد أذن لظُعُنِهِ".

_ 4509 - الموطأ (1/ 409) 20 - كتاب الحج، 72 - باب الرخصة في رمي الجمار، وإسناده صحيح. 4510 - الموطأ (1/ 391) 20 - كتاب الحج، 56 - باب تقديم النساء والصبيان. النسائي (5/ 266، 267) 24 - كتاب مناسك الحج، 214 - باب الرخصة للضعفة أن يصلوا يوم النحر الصبح بمنى. (1) أبو داود (2/ 195) كتاب المناسك، باب التعجيل من جمع. (2) البخاري (3/ 526) 25 - كتاب الحج، 98 - باب من قدَّم ضعفة أهله بليل ... إلخ. (3) مسلم (2/ 940) 15 - كتاب الحج، 49 - باب إستحباب تقديم دفع الضعفة من النساء .... إلخ. (4) مسلم: نفس الموضع السابق. (الظعن): جمع ظعينةٍ. وهي المرأة ما دامت في الهودج. (والظعائن): الهوادجُ على الجمال، كان فيها النساء أو لم يكُنَّ، وهو أيضاً جمع ظعينة للمرأة.

قال الحافظ في الفتح: واستدل بهذا الحديث على جواز الرمي قبل طلوع الشمس عند من خص التعجيل بالضعفة وعند من لم يخصص. وخالف في ذلك الحنفية فقالوا: لا يرمي جمرة العقبة إلا بعد طلوع الشمس، فإن رمى قبل طلوع الشمس وبعد طلوع الفجر، جاز، وإن رماها قبل الفجر أعادها، وبهذا قال أحمد، وإسحاق، والجمهور، وزاد إسحاق: ولا يرميها قبل طلوع الشمس، وبه قال النخعي، ومجاهد، والثوري، وأبو ثور، ورأى جواز ذلك قبل طلوع الفجر: عطاء، وطاوس، والشعبي، والشافعي، واحتج الجمهور بحديث ابن عمر الماضي واحتج إسحاق بحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لغلمان بني عبد المطلب: "لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس"، وهو حديث حسن. قال: وإذا كان من رخص له منع أن يرمي قبل طلوع الشمس، فمن لم يرخص له أولى، واحتج الشافعي بحديث أسماء هذا، ويجمع بينه وبين حديث ابن عباس، بحمل الأمر في حديث ابن عباس على الندب، ويؤيده ما أخرجه الطحاوي من طريق شعبة مولى ابن عباس عنه قال: "بعثني النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله وأمرني أن أرمي مع الفجر". وقال ابن المنذر: السنة أن لا يرمي إلا بعد طلوع الشمس كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز الرمي قبل طلوع الفجر، لأن فاعله مخالف للسنة، ومن رمى حينئذ فلا إعادة عليه، إذا لا أعلم أحداً قال: لا يجزئه، واستدل به أيضاً على إسقاط الوقوف بالمشعر الحرام عن الضعفة، ولا دلالة فيه، لأن رواية أسماء ساكتة عن الوقوف، وقد بينه برواية ابن عمر التي قبلها. وقد اختلف السلف في هذه المسألة، فكان بعضهم يقول: من مر بمزدلفة فلم ينزل بها فعليه دم، ومن نزل بها ثم دفع فيها في أي وقت كان من الليل فلا دم عليه ولو لم يقف مع الإمام. وقال مجاهد وقتادة والزهري والثوري: من لم يقف بها فقد ضيع نسكاً وعليه دم، وهو قول أبي حنيفة وأحمد وإسحاق وأبي ثور، ورُوي عن عطاء. وبه قال الأوزاعي: لا دم عليه مطلقاً، وإنما هو منزل، ومن شاء به نزل، ومن شاء لم ينزل به. قال الحافظ: وذهب ابن بنت الشافعي وابن خزيمة إلى أن الوقوف بها ركن لا يتم الحج إلا به، وأشار ابن المنذر إلى ترجيحه، ونقله ابن المنذر عن علقمة والنخعي، والعجب أنهم قالوا: من لم يقف بها فاته الحج، ويجعل إحرامه عمرة، واحتج الطحاوي بأن الله لم يذكر الوقوف، وإنما قال: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}، وقد أجمعوا على

أن من وقف بها بغير ذكر أن حجه تام، فإذا كان الذكر المذكور في الكتاب ليس من صلب الحج، فالموطن الذي يكون الذكر فيه أحرى أن لا يكون فرضاً، قال: وما احتجوا به من حديث عروة بن مضرس رفعه قال: "من شهد معنا صلاة الفجر بالمزدلفة وكان قد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجة" لإجماعهم أنه لو بات بها ووقف ونام عن الصلاة فلم يصلها مع الإمام حتى فاتته أن حجه تام. اهـ. وحديث عروة أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان والدارقطني والحاكم، ولفظ أبي داود عنه: "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالموقف، يعني بجمع، قلت: جئت يا رسول الله من جبل طيئ فأكللت مطيتي وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت علي، فهل لي من حج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أدرك معنا هذه الصلاة وأتى عرفات قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد تم حجه وقضى تفثه". وللنسائي "من أدرك جمعاً مع الإمام والناس حتى يفيضوا فقد أدرك الحج، ومن لم يدرك مع الإمام والناس، فلم يدرك". ولأبي يعلي: "ومن لم يدرك جمعاً فلا حج له". وقد صنف أبو جعفر العقيلي جزءاً في إنكار هذه الزيادة، وبين أنها من رواية مطرف عن الشعبي عن عروة، وأن مطرفاً يهتم في المتون، وقد ارتكب ابن حزم الشطط، فزعم أنه لم يصل صلاة الصبح بمزدلفة مع الإمام، أن الحج يفوته التزاماً لما ألزمه به الطحاوي، وعند الحنفية: يجب بترك الوقوف بها دم لمن ليس به عذر، ومن جملة الأعذار عندهم الزحام. * * *

الباب الحادي عشر في رمي جمرة العقبة يوم النحر وفي رمي الجمار بعد ذلك

الباب الحادي عشر في رمي جمرة العقبة يوم النحر وفي رمي الجمار بعد ذلك

عرض إجمالي

عرض إجمالي عندما فهم إبراهيم عليه السلام أن الله يأمره بذبح ابنه إسماعيل عليه السلام واستسلم إسماعيل، أخرجه إبراهيم إلى خارج الحرم ليذبحه فعرض له إبليس أول عرضة ليثني الوالد والولد عن تنفيذ أمر الله. فحصبه إبراهيم، ثم عرض له الثانية والثالثة، وفي كل منهما كان يحصبه، فحيثما عرض إبليس لإبراهيم في الأمكنة الثلاث التي تسمى الآن بالجمرات الثلاث. شرع لنا أن نرمي ذلك المكان تأسياً بإبراهيم عليه السلام، وإعلاناً منا أنها حرب على الشيطان، نرمي يوم النحر جمرة العقبة وحدها ونرمي في الأيام التالية الجمرات الثلاث وهذا عرض إجمالي لرمي الجمار وأحكامه: رمي الجمار لغة: القذف بالأحجار الصغار وهي الحصى في زمان مخصوص ومكان مخصوص وعدد مخصوص. حكمته: أنه رمز لمقاومة الشيطان الذي يريد إيقاع الناس بالمعاصي، اقتداءً بفعل سيدنا إبراهيم عليه السلام حين أراد ذبح ولده. والجمرات ثلاث: الأولى أو الصغرى وتلي مسجد الخيف، والوسطى، وجمرة العقبة: في آخر منى من جهة مكة. وتبعد الأخيرة عن الوسطى نحو (155 متراً) ويبدأ الحاج بالأولى ويختم بالثالثة. وجوب الرمي والإنابةُ فيه: رمي الجمار- جمرة العقبة يوم النحر، والجمار الثلاث أيام التشريق - واجب اتفاقاً، وتجوز الإنابة في الرمي لمن عجز عن الرمي بنفسه لمرض أو حبس أو كبر سن أو حمل المرأة. ويجوز التوكل عن عدة أشخاص على أن يرمي الوكيل عن نفسه أولاً كل جمرة من الجمرات الثلاث، ويستحب أن يناول النائب الحصى إن قدر ويكبر هو فيقول: (الله أكبر - ثلاثاً - لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد) كما نقل عن الشافعي رحمه الله ولكن يجب عند المالكية على الموكِّل دم. وقت الرمي: أ- رمي جمرة العقبة (أو الكبرى): يدخل وقته عند الشافعية والحنابلة من نصف ليلة النحر، وعند الحنفية والمالكية بطلوع الفجر، والأفضل أن يكون بعد طلوع الشمس فهو السنة، ويستمر وقته إلى الغروب ويكره بعد ذلك لغير عذر، ويقطع المفرد بالحج والقارن التلبية عند الجمهور عند ابتداء رمي هذه الجمرة عند أول

مكان الرمي

حصاة، والمعتمر يقطع التلبية عند بدء الطواف. وقال المالكية: تقطع التلبية إذا زالت الشمس من يوم عرفة إذا راح إلى الموقف، ويستمر وقت رمي هذه الجمرة إلى آخر النهار. ب- ورمي الجمرات الثلاث أيام التشريق بعد زال الشمس في كل يوم أي بعد الظهر بالاتفاق فلا يجوز الرمي قبل الزوال ويستمر الوقت للغروب، وإنْ أخَّر الرمي إلى الليل كان قضاءاً عند المالكية، لخروج وقت الأداء وهو النهار الذي يجب فيه الرمي، وعليه دم التأخير، وقال الحنفية: إن أخر الرمي إلى الليل، ورمى قبل طلوع الفجر، جاز ولا شيء عليه، وقال الحنابلة: لا يجزيء رمي إلا نهاراً بعد الزوال، غير سقاة ورعاة فيرمون ليلاً ونهاراً. وقال الشافعية: وقت الرمي: من الزوال إلى الغروب، فلو ترك رمي يوم تداركه في باقي الأيام. مكان الرمي: الرمي في يوم النحر: عند جمرة العقبة، وفي الأيام الأخر عند ثلاثة مواضع: عند الجمرة الأولى، والوسطى، والعقبة، بشرط وقوع ذلك كله مكان وقوع الجمرة لا مكان الرمي، إلا إذا وقعت عند الحنفية بقرب منها. شروط الرمي: 1 - أن يكون الرمي بيد، ويكون المرمي عند الجمهور حجراً، اتباعاً للسنة. 2 - أن يكون الحصى كحصى الخذف. 3 - أن يُسمى الفعل رمياً، فلا يكفي الوضع في المرمى ويشترط صد الجمرة بالرمي، فلو رمى إلى غيرها كأن رمى في الهواء فوقع في المرمى لم يكف. 4 - أن يقع الحصى في المرمى، فإن وقع دونه، لم يجزئه بالاتفاق. 5 - رمى السبع: واحدة واحدة، أي سبع رميات، وترتيب الجمرات بأن يبدأ بالجمرة الأولى ثم الوسطى ثم جمرة العقبى اتباعاً للسنة، هذا عند الجمهور، فلو خالف الترتيب بأن قدم العقبة أو الوسطى لم يجزيء. وقال الحنفية: الترتيب بين الجمرات سنة، وإنْ شك في

مقدار ما يرمى كل يوم عند كل موضع

عدة الحصيات السبع بنى على الأقل، وحقق المطلوب يقيناً، وإن رمى دفعة واحدة لم يجزيء وحُسِبَ ذلك واحدة. 6 - أن يكون الرمي من المحرم بنفسه، ويستنيب لعجزه، ولا يشترط بقاء الحجر في المرمى ولا كون الرامي خارجاً عن الجمرة ولا الطهارة ولا طهارة الحصى، فتجزيء حصاة نجسة مع الكراهة. وتؤخذ حصى الجمار من مزدلفة أو من الطريق من مُحَسِّر وغيره أو من أي مكان غير نجس، وأخذ الحصى من مزدلفة: سنة فقط. ويكره عند الحنابلة أخذ الحصى من منى وسائر الحرم، ومن المرحاض، وإن رمى بحصاة أخذها من الجمرة أجزأه مع الكراهة عند الحنفية، ولا يجزئه في رأي الفقهاء الآخرين، لأنها حصى مستعملة، وقد رُوي أن ما تقبل رفع، ولم يصح الحديث مرفوعاً في هذا الشأن. مقدار ما يُرمى كل يوم عند كل موضع: تُرمى جمرة العقبة يوم النحر بسبع حصيات وترمى كل جمرة من الجمرات الثلاث في أيام التشريق بسبع حصيات، فيكون الرمي في كل يوم إحدى وعشرين حصاة. كيفية الرمي وسننه: 1 - يرفع الرجل أو الصبي بيده بالرمي حتى يرى بياض إبطه. بخلاف المرأة والخنثى. 2 - يكون الرمي باليد اليمنى. 3 - يرمي جمرة العقبة من بطن الوادي، فيجعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه، ويستقبل العقبة ثم يرمي ولا يقف عندها لأنه لا رمي بعده، والأصل أن كل رمي بعده رمي يقف عنده، ويدعو. 4 - يرمي - عند الشافعية- راجلاً لا راكباً إلا في يوم النفر، فالسنة أن يرمي راكباً لينفر عقبه، وقال الجمهور: يرمي راكباً أو راجلاً كيفما شاء. 5 - يكبر مع كل حصاة، ثم يقف مستقبل القبلة ويدعو، ويذكر الله تعالى، ويهلل ويسبح بعد رمي الجمرة الأولى، بقدر قراءة سورة البقرة، وكذا بعد رمي الثانية، لا الثالثة، بل يمضي في طريقه بعد رميها للاتباع في ذلك. 6 - يقطع التلبية عند الجمهور مع أول حصاة في رمي جمرة العقبة، وقال المالكية يقطع

حكم تأخير الرمي عن وقته

التلبية من ظهر يوم عرفة. 7 - يستحب أن يكون الحجر عند الجمهور مثل حصى الخذف لا أكبر ولا أصغر وشرط المالكية ذلك، فلو رمى بأكبر منه كُرِه وأجزأه بالاتفاق. 8 - ويستحب أن يكون الحجر طاهراً، فلو رمى بنجس كره وأجزأه، ويكره أن يرمي بما أخذه من المسجد أو من الحرم أو من الموضع النجس، ويندب عند المالكية وغيرهم تتابع الحصيات بالرمي. حكم تأخير الرمي عن وقته: رمي الجمار واجب فإن تأخر عن وقته أو فات، وجب دم على النحو المقرر فقهاً، فقال الحنفية: إذا ترك من جمار يوم النحر حصاة أو حصاتين أو ثلاثاً إلى الغد، فإنه يرمي ما ترك أو يتصدق لكل حصاة نصف صاع من حنطة إلا أن يبلغ قدر الطعام دماً فينقض ماشاء، والأصل أن ما يجب في جميعه دم يجب في أقله صدقة، وإن ترك الرمي كله في سائر الأيام إلى آخر أيام الرمي، وهو اليوم الرابع فإنه يرميها فيه على الترتيب وعليه دم عند أبي حنيفة، ولو ترك رمي الكل وهو الجمار الثلاث لزمه دم عند أبي حنيفة، لأن جنس الجناية واحد، حظَرَها إحرام واحد، فيكفيها دم واحد، فإذا ترك رمي الكل حتى غربت الشمس من آخر أيام التشريق وهو آخر أيام الرمي، يسقط عنه الرمي، وعليه دم واحد باتفاق الحنفية. وقال المالكية: إذا أخر رمي حصاة فأكثر من الجمار لليل أو ليوم بعده، وجب عليه دم، لخروج وقت الأداء وهو النهار ويقضي رمي جمرة العقبة أو اليوم الثاني أو الثالث قبل غروب اليوم الرابع، سواء آخره لعذر أم لا، أو خالف ترتيب الجمرات، وعليه دم، ويفوت الرمي بغروب الرابع وعليه دم، وقال الشافعية: إذا ترك رمي يوم أو رمي جمرة العقبة يوم النحر تداركه في باقي الأيام من أيام التشريق في الأظهر، وإن لم يتداركه فعليه دم في يوم أو يومين أو ثلاثة أو يوم النحر مع أيام التشريق، لاتحاد جنس الرمي، والمذهب: وجوب دم كامل في ترك ثلاث حصيات وفي ترك حصاة الواحدة مُدٌّ، وفي الثنتين مُدَّان، وقال الحنابلة: إذا أخر رمي يوم إلى ما بعده أو أخر الرمي كله إلى آخر أيام التشريق، ترك السنة، ولا شيء عليه، ولا يكون رميه في اليوم الثاني قضاء وإنما هو أداء مع ترك الأفضل، لأنه وقت واحد، فإن ترك الرمي أو خالف ترتيب الجمرات، وجب دم، وإن نقص حصاة أو

ورمي الجمار يكون في أربعة أيام

حصاتين فلا بأس، ولا ينقص أكثر من ذلك. ورمي الجمار يكون في أربعة أيام: اليوم الأول وهو يوم النحر تُرمى فيه جمرة العقبة فقط، والأيام الثلاثة اللاحقة ترمى فيها الجمرات الثلاث، ووقت الرمي في اليوم الرابع يبدأ منذ طلوع الفجر، ومن أراد التعجل فله أن ينفر في اليوم الثاني من أيام التشريق على أن يرمي الجمرات بعد الزوال، وينفر قبل الغروب، وهناك قول ضعيف عند فقهاء الحنفية ذكره ملا علي القاري: وهو أنه يصح لمن يريد النفر في منى في اليوم الثاني من أيام التشريق أن يرمي بعد طلوع الفجر ثم ينفر قياساً على اليوم الثالث، ومع ضعف هذا القول فإن كثيراً من العلماء يعملون به بسبب كثرة الحجيج وكثرة الزحام. [انظر: (الدر المختار: 2/ 245 - 249) و (البدائع: 2/ 136) و (الشرح الصغير: 2/ 58 فما بعد) و (المهذب والمغني: 3/ 424 فما بعد) و (الفقه الإسلامي: 3/ 192 فما بعد)].

النصوص

النصوص - مناسك إبراهيم عليه السلام: 4511 - * روى أحمد عن أبي الطفيل: "قلتُ لابن عباس: يزعمُ قومُك أنه صلى الله عليه وسلم سعى بين الصفا والمروة وأنه سُنَّةٌ، قال: صدقوا إن إبراهيم لما أُمِرَ بالمناسك اعترض له الشيطانُ فسابقهُ فسبقه إبراهيم، ثم ذهب به جبريل إلى جمرة العقبة فعرض له الشيطانُ فرماهُ بسبع حصاتٍ حتى ذهب، ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماهُ بسبعٍ ثم تلهُ للجبين وعلى إسمعيلَ قميصٌ أبيضٌ، قال يا أبت إنه ليس لي ثوبٌ تكفنني فيه غيرهُ فاخلعْهُ حتى تكفنني فيه فعالجه ليخلعَهُ فنودي من خلفهِ أن يا إبراهيم قد صدقْتَ الرؤيا فالتفت إبراهيم فإذا هُوَ بكبشٍ أبيض أقْرَن أعْيَن، قال ابن عباس: لقد رأيتنا نتْبَعُ ذلك الضرب من الكباش، قال: ثُمَّ ذهب به جبريل إلى الجمرة القصوى فعرض له الشيطانُ فرماه بسبعٍ حتى ذهب ثم ذهب به جبريل إلى مِنى، قال: هذا منى مناخُ الناس ثم أتى به جمعاً قال هذا المشعرُ الحرامُ، ثم ذهب به إلى عرفة هل تدري لِمَ سُميتْ عرفة؟ قلت لا، قال: إن جبريل قال لإبراهيم هل عرفت؟ قال: نعم فمن ثُمَّ سُميتْ عرفة، هل تدري لِمَ كانت التلبيةُ؟ قلتُ وكيف كانتْ؟ قال إن إبراهيم لما أُمِرَ أنْ يؤذن في الناس بالحج خفضتْ له الجبالُ رؤسها ورُفِعَتْ له القُرى فأذَّنَ في الناس بالحج". - في وقت الرمي: 4512 - * روى أبو يعلي عن أم سلمة (رضي الله عنها) "أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أنْ توافي صلاة الصُّبْح يوم النحْرِ بمكةَ". أقول: هذا حجة لمن ذهب أنه يجوز رمي جمرة العقبة قبل الفجر (1).

_ 4511 - أحمد (1/ 297، 298). مجمع الزوائد (3/ 259) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورجاله ثقات. وقال في المجمع (8/ 201) رجاله رجال الصحيح غير أبي عاصم الغنوي، وهو ثقة. 4512 - أبو يعلي (12/ 432). مجمع الزوائد (3/ 264) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلي ورجاله رجال الصحيح.

4513 - * روى مالك في الموطأ عن نافع مولى ابن عمر أن عمر رضي الله عنهما كان يقول: "من غربتْ له الشمسُ من أوسط أيام التشريق، وهو بمنى، فلا ينفِرَنَّ حتى يرمي الجمارَ من الغدِ". أقول: يجوز للإنسان أن يتعجل النفر من منى في اليوم الثاني من أيام التشريق على شرط أن يكون قد رمى الجمرات قبل الغروب، فإن فاته الرمي قبل الغروب فعليه أن يبيت في منى ليرمي الجمرات في اليوم الثالث ثم ينفر. 4514 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: "رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي يوم النحر ضُحى، وأما بعد ذلك، فبعد زوال الشمس". 4515 - * روى البخاري عن وبرة بن عبد الرحمن السُّلَمِيِّ قال: "سألتُ ابن عمر رضي الله عنهما: متى أرمي الجِمارَ؟ قال: إذا رمى إمامُك فارْمِهْ، فأعدتُ عليه المسألة، فقال: كُنَّا نتحينُ، فإذا زالت الشمس رمينا". وفي رواية الموطأ (1) عن نافعٍ "أن ابن عمر كان يقول: "لا تُرْمى الجمارُ في الأيام الثلاثة حتى تزول الشمسُ".

_ 4513 - الموطأ (1/ 407) 20 - كتاب الحج، 71 - باب رمي الجمار، وإسناده صحيح. (التشريقُ) أيامُ التشريق: هي الأيام الثلاثة التي تلي عيد النحر، وإنما سميت بذلك لأنهم كانوا يُشرِّقُون فيها لحوم الأضاحي، أي يقطعونها ويُقددُونها. وتشريقُ اللحم: تَقْديدهُ، وقيل: سميت بذلك لقولهم: أشرِقُ ثبير كيما نغيرُ، وقيل: سميت بذلك؛ لأن الهدي لا ينحر حتى تُشْرق الشمسُ لأن لحم الأضاحي يشرق فيها للشمس. 4514 - مسلم (2/ 945) 15 - كتاب الحج، 53 - باب بيان وقت استحباب الرمي. أبو داود (2/ 201) كتاب المناسك، باب في رمي الجمار. الترمذي (3/ 241) 7 - كتاب الحج، 59 - باب ما جاء في رمي يوم النحر ضُحىً. النسائي (5/ 270) 24 - كتاب مناسك الحج، 221 - باب وقت رمي جمرة العقبة يوم النحر. وقد أخرجه البخاري تعليقاً (3/ 579) 25 - كتاب الحج، 134 - باب رمي الجمار وقال الحافظ في الفتح: وصله مسلم، وابن خزيمة وابن حبان من طريق ابن جريج أخبرني أبو الزبير عن جابر ... 4515 - البخاري (3/ 579) 25 - كتاب الحج، 134 - باب رمي الجمار. أبو داود (2/ 201) كتاب المناسك، باب في رمي الجمار. (1) الموطأ (1/ 408) 20 - كتاب الحج، 71 - باب رمي الجمار. (نتحينُ) تحينتُ الوقت: أي طلبتُ الحِين، وهو الوقت.

- كيف يأتي الجمار

قال الحافظ في الفتح: وفي الحديث دليل على أن السنة أن يرمي الجمار في غير يوم الأضحى بعد الزوال، وبه قال الجمهور، وخالف فيه عطاء وطاوس فقالا: يجوز قبل الزوال مطلقاً، ورخص الحنفية في الرمي في يوم النفر قبل الزوال. قال إسحاق: إن رمي قبل الزوال، أعاد، إلا في اليوم الثالث فيجزئه. 4516 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان يرمي الجمار إذا زالت الشمسُ". أقول: السنة رمي الجمار بعد الزوال في أيام التشريق الثلاثة، لكن رخص بعضهم أن ترمي الجمار في اليوم الثالث بعد طلوع الشمس، وقاس بعضهم اليوم الثاني على اليوم الثالث للمتعجل، فأجازوا رمي الجمار في اليوم الثاني من أيام التشريق بعد طلوع الشمس للمتعجل، وقد ذكر هذه الرخصة ملاَّ علي القاري في كتابه المناسك، وأخذ بهذه الرخصة قسم كبير من الناس. 4517 - * روى ابن خزيمة عن أبي بَداحٍ، عن أبيه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء أن يرموا بالليل، وأن يجمعوا الرمي". أقول: الرُّعاة من أصحاب الأعذار لأن وادي منى لا نبات فيه، ولذلك رخص لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرموا بالليل أي الليل التالي لا السابق، وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أنه إن أخر الرمي عن الغروب قضاه في الليل ولا شيء عليه، وقيد بعضهم ذلك بأصحاب الأعذار وفي الحديث رخصة للرعاة وأصحاب الأعذار أن يجمعوا الرمي، أي أن يجمعوا رمي يومين في يوم. - كيف يأتي الجمار: 4518 - * (1) روى الترمذي عن عبد الله بن عُمر (رضي الله عنهما) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ 4516 - الترمذي (3/ 243) 7 - كتاب الحج م 62 - باب ما جاء في الرَّمي بعد زوال الشمس، وقال الترمذي: حديث حسن. وأخرجه أيضاً أحمد في المسند (6/ 90) وإسناده حسن. 4517 - ابن خزيمة (4/ 319) كتاب المناسك، 822 - باب الرخصة للرعاء في رمي الجمار بالليل، وإسناده صحيح. 4518 - الترمذي (3/ 244، 425) 7 - كتاب الحج، 63 - باب ما جاء في رمي الجمار راكباً وماشياً وقال الترمذي: =

كان إذا رمى الجِمار مشى إليها ذاهباً وراجعاً". وفي رواية (1) أبي داود: "أن ابن عمر كان يأتي الجِمارَ في الأيام الثلاثة بعد يومِ النحر ماشياً: ذاهباً وراجعاً، ويُخبِرُ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعَلُ ذلك". 4519 - * روى مالك في الموطأ عن القاسم بن محمدٍ (رحمه الله) "أن الناس كانوا إذا رموا الجمار مشوا ذاهبين وراجعين، وأولْ من ركب: معاوية بن أبي سفيان". 4520 - * روى أحمد عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) أخبر ما معناه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى يوم النحر راكباً، وسائر الناس ماشياً". 4521 - * روى رزين عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) مثله، وزاد "وكان يرمي الثلاثة الأيام بعد يوم النحر، بعد الزوال". وفي أخرى (2): "أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمْرة يوم النحر راكباً". قال الترمذي: والعمل عليه عند بعض أهل العلم. قال النووي: مذهب مالك والشافعي وغيرهما أنه يستحب لمن وصل منى راكباً أن يرمي جمرة العقبة يوم النحر راكباً، ولو رماها ماشياً جاز، وأما من وصلها ماشياً فيرميها ماشياً، وهذا في يوم النحر، وأما اليومان الأولان من أيام التشريق، فالسنة أن يرمي فيهما جميع الجمرات ماشياً، وفي اليوم الثالث: يرمي راكباً وينفر، هذا كله مذهب مالك والشافعي وغيرهما، وقال أحمد وإسحاق: يستحب يوم النحر أن يرمي ماشياً. قال ابن المنذر: وكان ابن عمر وابن الزبير

_ = حسن صحيح، قال: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم. وقال بعضهم: يركبُ يوم النحر، ويمشي في الأيام التي بعد يوم النحر. (1) أبو داود (2/ 200، 201) كتاب المناسك، باب في رمي الجمار، وإسناده حسن. 4519 - الموطأ (1/ 470) 20 - كتاب الحج، 71 - باب رمي الجمار، وإسناده صحيح. قال الزرقاني في شرح الموطأ: لعذره بالسمن، ولابن شيبة: أن جابر بن عبد الله كان لا يركب إلا من ضرورة. 4520 - أحمد (2/ 114، 138) وإسناده حسن. 4521 - رواه رزين في مسنده. (2) الترمذي (3/ 244) 7 - كتاب الحج، 63 - باب ما جاء في رمي الجمار راكباً وماشياً، وهو حديث حسن.

وسالم يرمون مشاة، قال: وأجمعوا على أن الرمي يجزئه على أي حال رماه إذا وقع في المرمى. [م]. 4522 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: "رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر، وهو يقولُ: خُذوا عني مناسككُمْ، لا أدري، لعلي لا أحُجُّ بعد حجتي هذه". وفي رواية النسائي (1): "فإني لا أدري، لعلي لا أعيشُ بعد عامي هذا". قوله (خذوا عني) لفظه في مسلم وأبي داود: لتأخذوا. وقال النووي في شرح مسلم: هذه اللام لام الأمر. ومعناه خذوا مناسككم، وتقديره: هذه الأمور التي أتيت بها في حجتي من الأقوال والأفعال والهيئات هي أمور الحج وصفته، وهي مناسككم، فخذوها عني، واقبلوها واحفظوها، واعملوا بها وعلموها الناس. قال: وهذا الحديث أصل عظيم في مناسك الحج، وهو نحو قوله صلى الله عليه وسلم في الصلاة: "صلوا كما رأيتموني أصلي". في قوله (لعلي لا أعيش) قال النووي: فيه إشارة إلى توديعهم وإعلامهم بقرب وفاته صلى الله عليه وسلم، وحثهم على الاعتناء بالأخذ عنه وانتهاز الفرصة من ملازمته وتعلم أمور الدين، وبهذا سميت حجة الوداع. 4523 - * روى الترمذي عن قدامة بن عبد الله (رضي الله عنه) قال: "رأيتُ رسول الله صلى اله عليه وسلم يرمي الجِمارَ على ناقتِه، ليس ضرْبٌ ولا طرْدٌ، ولا إليك إليكَ".

_ 4522 - مسلم (2/ 943) 15 - كتاب الحج، 51 - باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكباً. أبو داود (2/ 201) 24 - كتاب المناسك، باب في رمي الجمار. (1) النسائي (5/ 270) 24 - كتاب مناسك الحج، 220 - باب الركوب إلى الجمار واستظلال المحرم. 4523 - الترمذي (3/ 247) 7 - كتاب الحج، 65 - باب ما جاء في كراهية طرد الناس عند رمي الجمار، وإسناده حسن. النسائي (5/ 270) 24 - كتاب مناسك الحج، 220 - باب الركوب إلى الجمار واستظلال المحرم، وزاد النسائي: "على ناقة له صهباء". (صهباء) الصهبة: من الألوان، وهي في الإبل: الذي يخالط بياضه حمرة، وذلك أن يحمرَّ أعلى الوبر وتبيض أجوافهُ.

في وصف الجمار

4524 - * روى أبو داود عن أم الحُصين (رضي الله عنها) قالت: "حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداعِ، فرأيتُ أسامة وبلالاً، أحدهما: آخِذٌ بخطام ناقةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، والآخر: رافعٌ ثوبه يسترُه من الحرِّ، حتى رمى جمرة العقبةِ". وفي الحديث جواز تظليل المحرمِ على رأسه وغيره، وإلى ذلك ذهب الجمهور. في وصف الجمار: 4525 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الاستجمارُ تَوٌّ، ورميُ الجمار تَوٌّ، والسعيُ بين الصفا والمروة تَوٌّ، والطوافُ تَوٌّ، وإذا استجمر أحدكم، فليستجمرْ بتوٍّ". 4526 - * روى النسائي عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما 9 قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم- غداة العقبة، وهو على راحلته-: "هاتِ، القُطْ لي، فلقطْتُ حصياتٍ من حصى الخذفِ، فلما وضعتُهن في يده، قال: بأمثال هؤلاء، وإياكم والغُلو في الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين". 4527 - * روى مسلم عن جابرٍ (رضي الله عنه) قال: "رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: رمى الجمرة بمثل حصى الخَذْفِ". 4528 - * روى الطبراني - في الكبير - عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي قال (1): أمرنا

_ 4524 - أبو داود (2/ 167) كتاب المناسك، باب في المحرم يظلل، وإسناده صحيح. النسائي (5/ 269، 270) 24 - كتاب مناسك الحج، 220 - باب الركوب إلى الجمار واستظلال المحرم، وزاد النسائي: "ثم خطب، فحمد الله، وأثنى عليه، وذكر قولاً كثيراً". 4525 - مسلم (2/ 945) 15 - كتاب الحج، 54 - باب بيان أن حصى الجمار سبع. (الاستجمارُ): إستعمالُ الحجارة في الاستنجاء. (توٌّ) التوُّ: الفرْدُ. 4526 - النسائي (5/ 268) 24 - كتاب مناسك الحج، 217 - باب التقاط الحصى، وإسناده صحيح. 4527 - مسلم (2/ 944) 15 - كتاب الحج، 52 - باب استحباب كون حصى الجمار بقدر حصى الخذف. الترمذي (3/ 242، 243) 7 - كتاب الحج، 61 - باب ما جاء أن الجمار التي يُرمى بها مثلُ حصى الخذف. النسائي (5/ 274) 24 - كتاب مناسك الحج، 226 - باب المكان الذي ترمي منه جمرة العقبة. 4528 - مجمع الزوائد (3/ 258، 259) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح.

- عدد الجمار وكيف يفعل عند الرمي

رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نرمي الجمار بمثل حصى الخذفِ في حجة الوداعِ. - عدد الجمار وكيف يفعل عند الرمي: 4529 - * روى البخاري عن سالم بن عبد الله (رحم الله) "أن ابن عمر كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات، يُكبرُ مع كل حصاةٍ، ثم يتقدم فيُسهلُ، فيقوم مُستقبل القبلة طويلاً، ويدعو، ويرفع يديه، ثم يرمي الوسطى، ثم يأخذ ذات الشمال، فيسهل، فيقوم مستقبل القبلة، ثم يدعو، ويرفعُ يديه، ويقومُ طويلاً، ثم يرمي الجمرة ذات العقبة من بطن الوادي، ولا يقف عندها، ثم ينصرفُ، ويقول: هكذا رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يفعله". وفي رواية (1) الزهري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رمى الجمرة التي تلي المنحرَ ومسجد منى، رماها بسبع حصياتٍ، يُكبرُ كُلَّما رمى بحصاةٍ، ثم تقدم أمامها، فوقف مستقبل القبلة رافعاً يديه يدعو، ويطيل الوقوف، ثم يأتي الجمرة الثانية، فيرميها بسبع حصيات، يكبر كلما رمى بحصاةٍ، ثم ينحرف ذات الشمال، فيقفُ مستقبل البيت، رافعاً يديه يدعو، ثم يأتي الجمرة التي عند العقبة، فيرميها بسبع حصياتٍ، ولا يقف عندها" قال الزهري: سمعتُ سالماً يحدثُ بهذا عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ابن عمر يفعله". 4530 - * روى الشيخان عن عبد الرحمن بن يزيد (رحمه الله) قال: "رمى عبدُ الله ابن مسعود رضي الله عنه جمرة العقبة، من بطنِ الوادي، بسبع حصياتٍ، يكبرُ مع كل حصاةٍ". وفي رواية (2): "فجعل البيت عن يساره، ومِنَى عن يمينه، قال: فقيل له: إنَّ

_ 4529 - البخاري (3/ 583) 25 - كتاب الحج، 141 - باب رفع اليدين عند جمرة الدنيا والوسطى. (1) البخاري (3/ 584) 142 - باب الدعاء عند الجمرتين، ووافقه النسائي على هذه الرواية في (5/ 276 - 277) 24 - كتاب مناسك الحج، 220 - باب الدعاء بعد رمي الجمار. (يُسهِلُ) أسهل الرجل: إذا صار إلى السهل من الأرض، وهو ضد الحزنِ. 4530 - البخاري (3/ 581) 25 - كتاب الحج، 138 - باب يُكبر مع كل حصاة. مسلم (2/ 942) 15 - كتاب الحج، 50 - باب رمي جمرة العقبة من بطن الوادي ... إلخ. (2) البخاري (3/ 581) 137 - باب من رمى جمرة العقبة فجعل البيت عن يساره. مسلم (2/ 942، 943) الموضع السابق.

(جمرة العقبة)

أناساً يرمُونها من فوقها، فقال: هذا- والذي لا إله غيره - مقام الذي أُنزلتْ عليه سورة البقرة". وفي رواية (1) الترمذي النسائي قال: "لمَّا أتى عبد الله جمرة العقبة استبطن الوادي، واستقبل الكعبة، وجعل يرمي الجمرة على حاجبه الأيمن، ثم رمى بسبع حصيات، يُكبر مع كل حصاة، ثم قال: والله الذي لا إله غيره، من هاهنا رمى الذي أنزلتْ عليه سورة البقرة". وفي رواية أبي داود (2) قال: لما انتهى عبد الله إلى الجمرة الكبرى جعل البيت عن يساره، وعرفة عن يمينه، ورمى الجمرة بسبع حصياتٍ، وقال: هكذا رمى الذي أُنزِلتْ عليه سورة البقرة". (جمرة العقبة): قال الحافظ في الفتح: هي الجمرة الكبرى، وليست من منى، بل هي حدُّ منى من جهة مكة، وهي التي بايع النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار عندها على الهجرة. والجمرة: اسم لمجتمع الحصا، سميت بذلك، لاجتماع الناس بها، يقال: تجمر بنو فلان: إذا اجتمعوا. وقيل: إن العرب تسمي الحصى الصغار جماراً، فسميت تسمية الشيء بلازمه. وقيل: لأن إبراهيم لما عرض إبليس له فحصبه، جمر بين يديه، أي أسرع، فسميت بذلك. (هذا الذي أنزلت عليه سورة البقرة): قال الحافظ في الفتح: قال ابن المنير: خص عبد الله سورة البقرة بالكر، لأنها التي ذكر فيها الرمي، فأشار إلى أن فعله صلى الله عليه وسلم مبين لمراد كتاب الله تعالى. قلت- القائل ابن حجر-: ولم أعرف موضع ذكر الرمي من سورة البقرة، والظاهر أنه أراد أن يقول: إن كثيراً من أفعال الحج مذكور فيها، فكأنه قال: هذا مقام الذي أنزلت عليه أحكام المناسك، منبهاً بذلك على أن أفعال الحج توقيفية، وقيل: خص البقرة بذلك لطولها وعظم قدرها وكثرة ما فيها من الأحكام، أو أشار بذلك إلى أنه يشرع الوقوف عندها بقدر

_ (1) الترمذي (3/ 245، 246) 7 - كتاب الحج، 64 - باب ما جاء كيف تُرمى الجمارُ. النسائي (5/ 273) 24 - كتاب مناسك الحج، 226 - باب المكان الذي ترمي منه جمرة العقبة. (2) أبو داود (2/ 201) كتاب المناسك، باب في رمي الجمار.

- ما يقول عند رمي الجمار

سورة البقرة، والله أعلم. قال الحافظ: واستدل بهذا الحديث على اشتراط رمي الجمرات واحدة واحدة، لقوله: يكبر مع كل حصاة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "خذوا عني مناسككم" وخالف في ذلك عطاء وصاحبه أبو حنيفة فقالا: لو رمى السبعة دفعة واحدة أجزأه، وفيه ما كان الصحابة عليه من مراعاة النبي صلى الله عليه وسلم في كل حركة وهيأة، ولا سيما في أعمال الحج، وفيه التكبير عند رمي حصى الجمار، وأجمعوا على أن من لم يكبر، فلا شيء عليه. 4531 - * روى أبو داود عن أبي مِجْلَزٍ قال: "سألتُ ابن عباس رضي الله عنهما عن شيء من أمر الجمار؟ فقال: ما أدري: رماها رسول الله صلى الله عليه وسلم بستٍ، أو سبعٍ". أقول: من رمى بأقل من السبع كأن رمى بخمسة أو ستة فعليه صدقة ولا دم عليه. 4532 - * روى النسائي عن سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) قال: "رجعنا في الحجة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضُنا يقول: رميتُ بسبعٍ، وبعضنا يقول: رميتُ بستٍ فلم يعبْ بعضهم على بعضٍ". - ما يقول عند رمي الجمار: 4533 - * روى رزين عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) "كان يقولُ حين يرمي الجِمار: اللهم حج مبرورٌ، وذنبٌ مغفورٌ" (1). ...

_ 4531 - أبو داود (2/ 202) كتاب المناسك، باب في رمي الجمار، وإسناده صحيح. النسائي (5/ 275) 24 - كتاب مناسك الحج، 227 - باب عدد الحصى التي يرمي بها الجمار. (الجِمارُ): الحصى الصغار، وبه سُميت جمار مكة، وهي المواضع المعروفة بمنى تُرمى بالجمار. 4532 - النسائي: نفس الموضع السابق، وإسناده حسن. 4533 - رواه رزين، وقد ذكره محب الدين الطبري في كتابه "القرى لقاصد أم القرى" عن ابن عمر، وابن مسعود، وذكر عن إبراهيم النخعي أنهم كانوا يحبون للرجل إذا رمى جمرة العقبة أن يقول: اللهم اجعله حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً .. ثم قال: أخرجه سعيد بن منصور. وذكر هذا الدعاء أيضاً ابن الجزري القاريء الشهير في كتابه "عدة الحصن الحصين" من رواية ابن أبي شيبة في المصنف، ورواه أحمد في المسند رقم (4061) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه انتهى إلى جمرة العقبة، فرمى من بطن الوادي بسبع حصيات وهو راكب، يكبر مع كل حصاة، وقال: "اللهم اجعله حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً" ثم قال: هاهنا كان يقوم الذي أنزلت عليه سورة البقرة. وإسناده حسن. وخص سورة البقرة بالذكر، لأن معظم أحكام الحج فيها.

الباب الثاني عشر في الحلق والتقصير للحج والعمرة وفي التحلل الأصغر والأكبر

الباب الثاني عشر في الحلق والتقصير للحج والعمرة وفي التحلل الأصغر والأكبر

عرض إجمالي

عرض إجمالي من المعروف أنه متى دخل الإنسان في الحج أو في العمرة أو في كليهما فقد حَرُمت عليه أشياء، وهي التي تسمى بمحظورات الإحرام، والشيء الذي يحرم بالإحرام لا يحل للإنسان إلا بالتحلل، والتحلل بالنسبة للمعتمر يكون بالحلق فإن لم يكن قارناً فقد حل له كل شيء حرم عليه بسبب الإحرام، أما الحاج فالتحلل في حقه على ضربين: تحلل أصغر وبه يحِل للحاج كل شيء إلا النساء، وذلك يكون بعد الحلق يوم النحر وقبل طواف الإفاضة فيصح له أن يلبس المخيط وأن يتطيب وأن يقص أظافره، لكن لا يصح له أن يجامع زوجته أو يباشرها فإذا طاف طواف الزيارة حل له ما حرم عليه بسبب الإحرام، وذلك هو التحلل الأكبر. وقد نص ملا علي القاري في كتابه "مناسك الحج" على أن المحرم يتحلل بأن يحلق لنفسه أو يحلق له غيره فذلك سواء. وهذا بيان لبعض آراء الفقهاء فيما يخص الحلق والتقصير: - حكم الحلق والتقصير: الجمهور على أن الحلق أو التقصير نسك واجب، ورأي الشافعية: أن الحلق أو التقصير ركن في الحج والعمرة، لأنه نسك على المشهور، ولا حلق على المرأة بالاتفاق، وإنما عليها التقصير، فهو سنة المرأة، وتقصيرها بأن تأخذ من أطراف شعرها قدر أنملة، وليس على الحاج عند الحنفية إذا حلق أن يأخذ شيئاً من لحيته، لأن الواجب حلق الرأس بالنص. وقال الشافعية: يسن أن يأخذ من شاربه أو شعر لحيته شيئاً، ليكون قد وضع من شعره شيئاً لله تعالى، والأصلع الذي لا شعر على رأسه يجب عند الحنفية أن يُمِرَّ الموسي على رأسه، ويستحب عند الجمهور إمرار الموسي على رأس الأصلع. - مقدار الواجب: الأفضل حلق جميع الرأس بالاتفاق، والرأس يقع على جميعه، فإن حلق بعض الرأس لم يجزه عند الحنفية أقل من الربع، وإن حلق ربع الرأس أجزأه مع الكراهة، والكراهة لترك المسنون. وأما تقدير التقصير: فهو عند المالكية والحنابلة بقدر الأنملة أو أزيد أو أنقص بيسير، وأوجب الحنفية ما يزيد على قدر الأنملة، حتى يحقق

- زمان الحلق ومكانه

التقصير من جميع الشعر، ويتيقن من استيفاء قدر الواجب، فيخرج عن العهدة بيقين، وقال الشافعية: أقل إزالة شعر الرأس أو التقصير: ثلاث شعرات. - زمان الحلق ومكانه: يرى أبو حنيفة أن الحلق يختص بالزمان والمكان فلو أخر الحلق عن أيام النحر أو حلق خارج الحرم، يجب عليه دم، وقال المالكية: لو أخر الحلق ولو سهواً لبله، ولو قربت فعليه دم، أما لو أخر الحلق عن أيام الرمي الثلاثة بعد يوم النحر، فإن حلق بمكة أيام التشريق أو بعدها، أو حلق في الحل في أيام منى، فلا شيء عليه، وقال الشافعية والحنابلة في الراجح من الروايتين عندهم: يدخل وقت الرمي والذبح والحلق بنصف ليلة النحر، لكن السنة: رمي، فنحر، فحلق، فطواف إفاضة، ولا آخر عندهم لوقت الحلق وطواف الإفاضة، فلا دم على من أخر الحلق عن أيام منى. - الأثر المترتب على الحلق أو التقصير وحكمه: هو صيرورة المحرم حلالاً، فيحل له كل شيء إلا النساء عند الحنفية، علماً أن الحلق عندهم مؤخر عن الرمي وجوباً فيحصل التحلل الأصغر بالرمي والحلق، فيبقى ما كان محرماً عليه من النساء من الوطء والقبلة واللمس لشهوة وعقد الزواج عند الجمهور غير الحنفية، ويحل له ما سواه، فإن حلق أو قصر ورمى العقبة، حل له عندهم كل شيء إلا النساء، وقال الشافعية والحنابلة: يحل كل شيء باثنين من ثلاثة: الرمي والحلق والطواف إلا عقد النكاح والوطء والمباشرة فيما دون الفرج وقال المالكية: يحل بالرمي والحلق كل شيء إلا النساء والصيد والطيب ولا يحل شيء من هذه الأمور إلا بطواف الإفاضة. [انظر البدائع (2/ 140) الشرح الصغير (2/ 59) والمغني (3/ 44) والفقه الإسلامي (3/ 206)].

النصوص

النصوص - في ترتيب أعمال ما قبل التحلل: 4534 - * روى مسلم عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أتى مِنَى، فأتى الجمرة فرماها، ثم أتى منزله بمنى، ونحر، ثم قال للحلاقِ: خُذْ، وأشار إلى جانبه الأيمن، ثم الأيسر، ثم جعل يُعطيه الناس". وفي رواية (1): "أنه قال للحلاق: ها، وأشار بيده إلى الجانب الأيمن، فقسم شعرهُ بين من يليه، ثم أشار إلى الحلاق إلى الجانب الأيسر، فحلقهُ، فأعطاه أم سُليمٍ". وفي أخرى (2): أنه قال: "فبدأ بالشق الأيمن، فوزعهُ: الشعرة والشعرتين بين الناس، ثم قال: بالأيسر، فصنع مثل ذلك، ثم قال: هاهنا أبو طلحة؟ فدفعه إلى أبي طلحة". وفي أخرى (3) له: "أنهُ رمى جمرة العقبة، ثم انصرف إلى البُدْن فنحرها والحجامُ جالسٌ، وقال بيده- عن رأسه- فحلق شقهُ الأيمن فقسمه بين من يليه، ثم قال: احْلِقْ الشق الآخر، فقال: أين أبو طلحة؟ فأعطه إياه". وفي أخرى (4): "أنه لما رمى الجمرة، ونحر نُسكه وحلق، ناول الحلاق شِقَّهُ الأيمن فحلقهُ، ثم دعا أبا طلحة الأنصاري فأعطاه إياه، ثم ناوله الشق الأيسر، فقال: احْلِقْ، فحلقه، فأعطاه أبا طلحة فقال: اقسمه بين الناس". وفي أخرى (5): "أنه لما حلق رأسه كان أبو طلحة أول من أخذ من شعره".

_ 4534 - مسلم (2/ 947) 15 - كتاب الحج، 56 - باب بيان أن السنة يوم النحر أن يرمي ثم ينحر ثم يحلق ... إلخ. (1) مسلم: الموضع السابق. (2) مسلم: الموضع السابق. (3) مسلم: الموضع السابق. (4) مسلم: الموضع السابق، ص 948. (5) البخاري (1/ 273) 4 - كتاب الوضوء، 33 - باب الماء الذي يُغسلُ به شعر الإنسان.

وأخرج أبو داود (1): الرواية الثالثة، وأولُ روايته: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "رمى جمرة العقبة يوم النحر، ثم رجع إلى منزله بمنى، فدعا بذبحٍ، فذبحهُ، ثم دعا بالحلاق .. وذكر نحوها". أقول: الملاحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم رتب بين الرمي والذبح والحلق يوم النحر، وبناء عليه فقد اعتبر الحنفية أن هذا الترتيب واجب لمن عليه ذبح أو يريد الذبح، وما أفتى به الرسول صلى الله عليه وسلم مما يخالف ذلك كان رخصة لذلك العام؛ لأنه لم يسبقه تعليم ولا بلاغ. والحلق أو التقصير: به يتم التحلل الكامل من العمرة وبه يتم التحلل الأصغر في الحج فمن حلق فقد حل له كل شيء إلا النساء كلبس مخيط إلى غير ذلك، فإذا طاف طواف الإفاضة فقد حل له كل شيء وذلك هو التحلل الأكبر. 4535 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "حلق في حجة الوداع وأناساً من أصحابه، وقصر بعضهم". وفي رواية للبخاري (2) ومسلم أيضاً، وأبي داود إلى قوله: "حجة الوداع" لم يزِدْ. 4536 - * روى ابن ماجة عن ابن عمر: أن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قلت:

_ (1) أبو داود (2/ 203) كتاب المناسك، باب الحلق والتقصير. (فوزعه): توزيع الشيء: قسمتهُ وتفريقه. (البُدْنُ): جمع بدنة وهو ما يهدي إلى البيت من الإبل والبقر، وقيل: من الإبل خاصة. (نسُكَهُ) النسك هنا: الذبيحة. (بذبحٍ) -بكسر الذال- ما يُذبح، وهو المراد هنا- وبفتح الذال - الفعل. 4535 - البخاري (8/ 109) 64 - كتاب المغازي، 77 - باب حجة الوداع. مسلم (2/ 945) 15 - كتاب الحج، 55 - باب تفضيل الحلق على التقصير وجواز التقصير. الترمذي (3/ 256) 7 - كتاب الحج، 74 - باب ما جاء في الحلق والتقصير. (2) البخاري: الموضع السابق. مسلم: الموضع السابق ص 947. أبو داود (2/ 202) كتاب المناسك، باب الحلق والتقصير. 4536 - ابن ماجة (2/ 1012، 1013) 25 - كتاب المناسك، 72 - باب من لبد رأسه. (لبدَ) تلبيدُ الشعر: جعل شيء عليه كالزيت يمنع سقوطه وتقمله وإنما جُعِلَ على من لبد أو عقص أو صفر: الحلقُ، دون التقصير، لأن هذه الأشياء تقي شعرَهُ من الشعثِ والغُبَارِ، فجُعِلَ الحَلقُ عقوبةً له. اهـ.

- في الأخذ من اللحية والشارب

يا رسول الله! ما شأن الناس، حلُّوا ولم تحِل أنت من عمرتك؟ قال: "إني لبدْتُ رأسي، وقلدْتُ هديِ، فلا أُحِلُّ حتى أنْحَرَ". 4537 - * روى مالك في الموطأ عن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) قال: "مَنْ عقص رأسهُ، أو ضفرَ، أو لبَّدَ، فقد وجب عليه الحِلاقُ". وفي أخرى (1) قال: "من ضفر فليحْلِقْ، ولا تُشَبِّهُوا بالتلبيدِ". قال الزرقاني في شرح الموطأ: ولا يجزيه التقصير، وإلى ذلك ذهب الجمهور، منهم: مالك، والثوري، وأحمد، والشافعي في القديم. وقال في الجديد كالحنفية: لا يتعين إلا إن نذر، أو كان شعره خفيفاً لا يمكن تقصيره. (لا تشبهوا بالتلبيد): لا تشبهوا الضفر بالتلبيد، لأنه أشد منه فيجوز التقصير عند عمر رضي الله عنه لمن لبد دون من ضفر (م). 4538 - * روى الطبراني في الكبير عن الأزْرَقِ بن قيسٍ قال: "كنتُ جالساً إلى ابن عمر فسأله رجلٌ فقال: يا أبا عبد الرحمن إني أحرمْتُ وجمعتُ شعري، فقال: أما سمعتَ عمر في خلافته قال: منْ ضفَرَ رأسهُ أو لبدَهُ فليحْلِقْ، فقال: يا أبا عبد الرحمن إني لم أضفِرْهُ ولكني جمعتُه فقال ابن عمر: عنز وتيسٌ وتيسٌ وعنزٌ". أقول: قول ابن عمر (عنز وتيس وتيس وعنز) أي أنهما واحد، وإن اختلفت المسميات. - في الأخذ من اللحية والشارب: 4539 - * روى مالك في الموطأ عن نافع - مولى ابن عُمَرَ رضي الله عنهما - كان إذا حلقَ

_ 4537 - الموطأ (1/ 398) 20 - كتاب الحج، 62 - باب التلبيد، وإسناده صحيح. (1) الموطأ: نفس الموضع السابق. (عقص): شعرهُ: لواهُ على رأسه وأدخلَ أطرافه في أصوله لئلا ينتشر. 4538 - الطبراني "الكبير" (12/ 265). مجمع الزوائد (3/ 263) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح. 4539 - الموطأ (1/ 396) 20 - كتاب الحج، 61 - باب التقصير، وإسناده صحيح.

- ترك شعر الرأس لمن أراد الحج خلال الأشهر الحرم

في حج أو عمرةٍ أخذ من لحيته وشاربه". - ترك شعر الرأس لمن أراد الحج خلال الأشهر الحرم: 4540 - * روى مالك في الموطأ عن نافعٍ "أنْ ابن عمر كان إذا أفطرَ من رمضان، وهو يريدُ الحج، لم يأخذْ من رأسه ولا من لحيته شيئاً، حتى يحُجَّ". قال مالك: وليس ذلك على الناس. - سنة النساء التقصير: 4541 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عباسٍ (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليسَ على النساء الحلقُ، وإنما على النساء التقصيرُ". 4542 - * روى الترمذي عن عليِّ بن أبي طالبٍ (رضي الله عنه) قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن تحْلِقَ المرأةُ رأسها". وزاد رزينٌ في كتابه في الحج والعمرة فقال: "إنما عليها التقصيرُ". قال الترمذي: وروى هاذ الحديث عن حماد بن سلمة عن قتادة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تحلق المرأة رأسها، قال: والعمل على هذا عند أهل العلم لا يرون على المرأة حلقاً، ويرون أن عليها التقصير. 4543 - * روى مالك في الموطأ عن نافعٍ مولى ابن عمر أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول: "المرأة المُحْرِمة: إذا أحَلَّتْ لم تمتشط حتى تأخُذَ من قُرُون رأسها، وإن كان لها هديٌ لم تأخُذْ من شعرِها شيئاً حتى تنحَرَ هدْيَهَا" (1).

_ 4540 - الموطأ: نفس الموضع السابق، وإسناده صحيح. 4541 - أبو داود (2/ 203) كتاب الحج، باب الحلق والتقصير، وإسناده حسن. 4542 - الترمذي (3/ 257) 7 - كتاب الحج، 75 - باب ما جاء في كراهية الحلق للنساء، وإسناده حسن. 4543 - الموطأ (1/ 387) 20 - كتاب الحج، 52 - باب جامع الهدي، وإسناده صحيح. (قُرون رأسها) قرون الرأس: هي الضفائرُ من الشعرِ.

- فضل التحليق

- فضل التحليق: 4544 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم ارْحَم المُحَلِّقينَ، قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: اللهم ارحم المحلقين، قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: والمقصرين". قال البخاري: وقال الليثُ عن نافعٍ: "رَحِمَ اللهُ المُحَلِّقِينَ: مرة، أو مرتَيْنِ". وقال عُبيدُ الله: "حدثني نافع قال في الرابعة: والمُقْصِّرينَ". وفي رواية (1) قال: "حَلَقَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وحلق طائفةٌ من أصحابه، وقصر بعضهم، فقال رسول الله: رَحِمَ الله المُحَلِّقينَ، مرة أو مرتين، ثم قال: والمقصرين". 4545 - * روى أحمد عن مالك بن ربيعة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقولُ: "اللهم اغفر للمُحَلِّقينَ اللهم اغفر للمُحَلِّقينَ" قال: يقول رجلٌ من القومِ: والمقصرين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - في الثالثة أو الرابعة-: والمقصرين. ثم قال: فأنا يومئذٍ محلوقُ الرأسِ فما يسُرُّني بحلْقِ رأسي حُمُرُ النعم أو خطر عظيم". أقول: قوله (وأنا يومئذ محلوق الرأس): القائل هو راوي الحديث. 4546 - * روى ابن ماجة عن ابن عباس "قيل: يا رسول الله لم ظاهرت للمحلقين

_ 4544 - البخاري (3/ 561) 25 - كتاب الحج، 127 - باب الحلق والتقصير عند الإحلال. مسلم (2/ 945) 15 - كتاب الحج، 55 - باب تفضيل الحلق على التقصير وجواز التقصير. الموطأ (1/ 395) 20 - كتاب الحج، 60 - باب الحلاق. أبو داود (2/ 202) كتاب المناسك، باب الحلق والتقصير. (1) مسلم: نفس الموضع السابق. الترمذي (3/ 256) 7 - كتاب الحج، 74 - باب ما جاء في الحلق والتقصير. (ارحَمِ المحلقين) المحَلِّقُون: الذين حلقوا شعورهم يوم النحر بمنى. 4545 - أحمد (4/ 177). مجمع الزوائد (3/ 263) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الأوسط، وإسناده حسن. 4546 - ابن ماجة (2/ 1012) 25 - كتاب المناسك، 71 - باب الحلق، وهو حسن. (ظاهرت): المعنى هنا: ضاعفت لهم دعاءك بالرحمة. (لم يشكوا): المعنى هنا: أطاعوا دون تردد.

- ماذا يحل بالتحلل الأصغر

ثلاثاً وللمقصرين واحدة؟ قال: "إنهم لم يشكوا". 4547 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم اغفرْ للمحلقين، قالوا: يا رسول الله، وللمُقصرين؟ قال: اللهم اغفر للمحلقين، قالوا: يا رسول الله، وللمقصرين؟ قال: وللمقصرين". 4548 - * روى مسلم عن أم الحُصين (رضي الله عنها) "أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم في حجةِ الوداع، دعا للمُحلقين ثلاثاً، وللمُقصرين مرة واحدةً". هذا الحديث يدل على أن هذه الواقعة كانت في حجة الوداع. قال النووي في شرح مسلم: هذا هو الصحيح المشهور، وحكى القاضي عياض عن بعضهم أن هذا كان يوم الحديبية حين أرهم بالحَلْقِ، فما فعله أحد لطمعهم بدخولِ مكة في ذلك الوقت، وذكر عن ابن عباس قال: حلق رجال يوم الحديبية، وقصر آخرون، ثم قال النووي: فلا يبعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله في الموضعين، قال الحافظ في الفتح: بل هو المتعين، لتضافر الروايات بذلك في الموضعين، إلا أن السبب في الموضعين مختلف، فالذي في الحديبية كان بسبب توقف من توقف من الصحابة عن الإحلال لما دخل عليهم من الحزن، لكونهم منعوا من الوصول إلى البيت مع اقتدارهم في أنفسهم على ذلك، فخلفهم النبي صلى الله عليه وسلم وصلح قريشاً على أن يرجع من العام المقبل، فلما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالإحلال توقفوا، فأشارت أم سلمة أن يحل هو صلى الله عليه وسلم قبلهم، ففعل فتبعوه، فحلق بعضهم، وقصر بعض، وكان من بادر إلى الحلق أسرع إلى امتثال الأمر ممن اقتصر على التقصير، وقد وقع التصريح بهذا السبب في حديث ابن عباس، فإن في آخره عند ابن ماجة وغيره أنهم قالوا: يا رسول الله، ما بال المحلقين ظاهرت لهم بالرحمة، قال: "لأنهم لم يَشُكُّوا". - ماذا يحل بالتحلل الأصغر: 4549 - * روى مالك في الموطأ عن عبد الله بن عُمر (رضي الله عنهما) "أن عمر قال (1):

_ 4547 - البخاري (3/ 561) 25 - كتاب الحج، 127 - باب الحلق والتقصير عند الإحلال. مسلم (2/ 946) 15 - كتاب الحج، 55 - باب تفضيل الحلق على التقصير وجواز التقصير. 4548 - مسلم: نفس الموضع السابق. 4549 - الموطأ (1/ 410) 20 - كتاب الحج، 73 - باب الإفاضة، وإسناده صحيح.

- متى يتم التحلل الأكبر

"من رمى الجمرة، ثم حلق، أو قصر، ونحر هدياً - إن كان معه - فقد حل له ما حرُمَ عليه، إلا النساء والطيب، حتى يطوف بالبيتِ". وفي رواية (1): "أن عمر: خطبَ الناس في عرفة، فعلمَهُمْ أمر الحجِّ، فقال لهم فيما قال: إذا جئتُمْ مني غداً، فمن رمى الجمرة فقد حل له ما حرُمَ على الحاجِ إلا النساء والطيب، لا يمس أحدٌ نساءاً ولا طيباً حتى يطُوفَ بالبيتِ". أقول: هذا مذهب عمر: أن الطيب كالنساء لا يحل لمن رمى وحلق، والمعتمد أن الطيب يحل وهو الذي ترجحه النصوص. 4550 - * روى البزار عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رمى الجمرة بسبعِ حصياتٍ: الجمرة التي عند العقبةِ ثم انصرف فنحر هدياً ثم حلق فقد حل له ما حرُمَ عليه من شأن الحج" قال الهيثمي: له أثرٌ موقوفٌ عليه وفيه "إلا النساء". 4551 - * روى ابن خزيمة عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رميْتُم وحلقْتُمْ فقد حلَّ لكم الطيبُ والثيابُ إلا النكاحَ". - متى يتم التحلل الأكبر: 4552 - * روى الشيخان عن عمرو بن دينارٍ (رحمه الله) قال: "سألنا ابن عمر: أيقعُ الرجلُ على امرأتِه في العمرة قبل أنْ يطوف بين الصفا والمروة؟ فقال: قدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطاف بالبيت سبعاً، ثم صلى خلف المقام ركعتين، وطاف بين الصفا والمروة وقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (2).

_ (1) الموطأ: الموضع السابق. 4550 - كشف الأستار (2/ 30) كتاب المناسك، باب متى يحل الحاج. مجمع الزوائد (3/ 261) وقال الهيثمي: رواه البزار، رجاله ثقات رجال الصحيح. 4551 - ابن خزيمة (4/ 302) كتاب المناسك، 791 - باب الرخصة في الاصطياد ... إلخ، وإسناده حسن لغيره، وهو حسن. 4552 - البخاري (3/ 484، 485) 25 - كتاب الحج، 69 - باب صلى النبي صلى الله عليه وسلم لسبوعه ركعتين. مسلم (2/ 906) 15 - كتاب الحج، 28 - باب ما يلزم من أحرم بالحج ... إلخ. (2) الأحزاب: 21.

زاد في (1) روايةٍ: "وسألتُ جابر بن عبد الله؟ فقال: لا يقرُبُ امرأته، حتى يطوف بين الصفا والمروة". وأخرج النسائي (2) الأولى، ولم يذكر الزيادة. 4553 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) كان يقول: "لا يطوفُ بالبيت حاج ولا غيرُ حاج إلا حل، قيل لعطاء: من أين يقول ذلك؟ قال: منْ قول الله عز وجل: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (3) قيل: فإن ذلك بعد المُعرَّفِ؟ فقال: كان ابن عباسٍ يقول: هو بعْدَ المُعَرَّفِ وقبْلَهُ. وكان يأخْذُ ذلك من أمرِ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمرهُمْ أن يحِلُّوا في حجةِ الوداع". وفي رواية (4) "قال: قال له رجلٌ من بني الهُجيم: ما هذه الفُتيا التي تشغَّفَتْ - أو تشعَّبَتْ - بالناس: إن منْ طاف بالبيت فقد حلَّ؟ فقال: سُنَّةُ نبيكم صلى الله عليه وسلمن وإنْ رَغِمْتُمْ". وفي أخرى (5): قال: "قِيلَ لابن عباسٍ: إنَّ هذا الأمر قد تفَشَّغَ النّاسِ ... وذكر الحديث". قال النووي في شرح مسلم: وهذا الذي ذكره ابنُ عباسٍ هو مذهبه، وهو خلاف مذهب الجمهور من السلف والخلف، فإن الذي عليه العلماء كافة سوى ابن عباس أن الحاج لا يتحلل بمجرد طواف القدوم، بل لا يتحلل حتى يقف بعرفاتٍ ويرمي ويحلق ويطوف

_ (1) البخاري: نفس الموضع السابق ص 485. (2) النسائي (5/ 225) 24 - كتاب مناسك الحج، 142 - باب طواف من أهل بعمرة. 4553 - البخاري (8/ 104) 64 - كتاب المغازي، 77 - باب حجة الوداع. مسلم (2/ 913) 15 - كتاب الحج، 32 - باب تقليد الهدي وإشعاره عند الإحرام. (3) الحج: 33. (4) مسلم: نفس الموضع السابق ص 912. (5) مسلم: نفس الموضع السابق ص 913. (مُعرف) المعرَّفُ: شهود عرفة في الحج. (تشغفت) أي: دخلت شِغاف قلوبهم - وهو حجاب القلب- فشغلتْها. (تشعبتْ): تفرقتْ بهم، وأخذتهم كل مأخذٍ من الآراء والمذاهب. (فتيا): يقال فتوى وفتيا. (تفشغ) الأمر: إذا انتشر وظهر.

طواف الزيارةِ، فحينئذ يحصل له التحللان، ويحصل التحلل الأول باثنين من هذه الثلاثة التي هي جمرةُ العقبةِ، والحَلْقُ، والطَّوافُ. أقول: يحتمل أن يكون هناك توهمات عند الرواة ودمج للكلام بعضه ببعض، فقد يكون قسم من الكلام له علاقة بالعمرة فحمله الناس على الحج، وحتى لو كان الكلام عن العمرة فقد يكون قد حذف شيء من كلامه. 4554 - * روى الشيخان عن حفصة أم المؤمنين (رضي الله عنها) قالت: "إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أزواجَهُ أنْ يحلُلْنَ عام حجةِ الوداعِ، قالت حفصةُ، فقلت: فما يمنعُك أنْ تحِلَّ؟ قال: إني لبدْتُ رأسي، وقلدْتُ هديي، فلا أحِلُّ حتى أنْحَرَ هديي". وفي رواية (1): أنَّ حفصة قالت: "قلتُ للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شأنُ الناس حلُّوا ولمْ تَحِلَّ من عُمْرَتِكَ؟ قال: إني قَلَّدْتُ هديي، ولبَّدتُ رأسي، فلا أحِلُّ حتى أحِلَّ من الحجِّ". وفي رواية (2): "فلا أُحِلُّ حتى أنْحَرَ". في النص اختصار، فالتحلل يكون بالحلق بعد النحر، إنما لم يتحلل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أحل أصحابه لأنه لم يتمتع، وقد مر معنا هذا من قبل. 4555 - * روى مالك في الموطأ عن مالك بن أنسٍ (رحمه الله) عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال: جاء رجلٌ إلى القاسم بن محمدٍ فقال: "إني أفضْتُ، وأفضْتُ معي بأهلي، ثم عدلْتُ إلى شعبٍ، فذهبتُ لأدنُوَ منها، فقالتْ: إني لم أُقَصِّرْ منْ شعْرِي بعدُ،

_ 4554 - البخاري (3/ 422) 25 - كتاب الحج، 34 - باب التمتع والقران والإفراد بالحج ... إلخ. مسلم (2/ 902، 903) 15 - كتاب الحج، 25 - باب بيان أن القارن لا يتحلل ... إلخ. (1) مسلم: نفس الموضع السابق ص 902. (2) مسلم: نفس الموضع السابق ص 902. 4555 - الموطأ (1/ 397) 20 - كتاب الحج، 61 - باب التقصير، وإسناده صحيح. (الجَلَم): الذي يجز به، وهما جلمان.

فأخذتُ من شعرها بأسناني، ثم وقعتُ بها، فضحِكَ القاسمُ، فقال: مُرْها فلتأخُذ بالجَلَمَيْن من شعرها". قال مالك: وأنا أستحِبُّ أن يُهراق في مثل هذا دمٌ، لقول ابن عباسٍ: "من نسي من نُسكه شيئاً فليُهْرقْ دماً". أقول: أجاز الحنفية للمحرم أن يحلل غيره بالحلق والتقصير، فمتى أنهى الإنسان أفعال الحج أو العمرة لم يحرم على محرم آخر أن يحلله بالحلق وهي قضية خلافية.

الباب الثالث عشر في ترتيب أفعال يوم النحر

الباب الثالث عشر في ترتيب أفعال يوم النحر

عرض إجمالي

عرض إجمالي الأفعال المطلوبة من الحاج يوم النحر وهو العاشر من ذي الحجة هي: الرمي، والنحر، والحلق، وطواف الإفاضة. والرمي المطلوب في هذا اليوم هو: رمي جمرة العقبة. والسنة تقديم الرمي ثم الذبح ثم الحلق ثم طواف الإفاضة، وذهب الحنفية إلى وجوب الترتيب بتقديم الرمي ثم الذبح - إن كان- ثم الحلق ثم الطواف. وذهب المالكية إلى وجوب تقديم الرمي على الحلق والطواف ولا يجب تقديم الرمي على النحر، ولا النحر على الحلق والطواف، ولا الحلق على الطواف. وذهب الشافعية والحنابلة إلى عدم وجوب الترتيب بين هذه الأفعال. ويحصل التحلل الأصغر عند الحنفية بالرمي والحلق، فيحل له ما كان محظوراً بسبب الإحرام، إلا النساء ويحصل التحلل الأكبر بطواف الإفاضة. ويحصل التحلل الأصغر عند المالكية برمي جمرة العقبة والحلق. ويحصل التحلل الأصغر عند الشافعية والحنابلة باثنين من ثلاثة: الرمي والحلق والطواف.

النصوص

النصوص 4556 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وقف في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه، فجاء رجلٌ، فقال: لم أشعر، فحلقتُ قبل أن أذبح؟ فقال: أذبح ولا حرج، فجاء آخرُ، فقال: لم أشعُر، فنحرتُ قبل أن أرمي؟ قال: أرْمِ، ولا حرج، فما سُئِلَ النبي صلى الله عليه وسلم يومئذٍ عن شيءٍ قُدِّمَ ولا أُخِّرَ، إلا قال: افعَلْ، ولا حرج". وفي رواية (1): "أنهُ شهد النبي صلى الله عليه وسلم يخطُبُ يوم النحْرِ، فقام إليه رجل، فقال: كنتُ أحسِبُ أن كذا قبل كذا، ثم قام آخر، فقال: كنت أحسِبُ أن كذا قبل كذا، حلقْتُ قبل أن أنْحَر، نحرتُ قبل أنْ أرمي، وأشباه ذلك. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: افعَلْ، ولا حرج، لهن كلهن، فما سُئل يومئذٍ عن شيءٍ، إلا قال: افعَلْ، ولا حرج". وفي أخرى (2) قال: "وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته - ثم ذكر نحوه". وفي أخرى (3) قال: فما سمعته سُئل يومئذٍ عن أمرٍ مما ينسى المرءُ، أو يجهلُ: من تقديم بعض الأمور على بعضٍ، وأشباهها، إلا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "افعَلُوا ذلك، ولا حرج". وفي أخرى (4) قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم - وأتاه رجلٌ يوم النحر وهو واقفٌ عند الجمرة - فقال: يا رسول الله، حلقتُ قبل أنْ أرمي؟ قال: أرمِ، ولا حرج، وأتاه آخر، فقال: إني ذبحتُ قبل أن أرمي؟ قال: أرمِ ولا حرج، وأتاه آخر، فقال: إني أفضتُ إلى البيت، قبل أن أرمي؟ قال: أرْمِ ولا حرج".

_ 4556 - البخاري (3/ 569) 25 - كتاب الحج، 131 - باب الفتيا على الدابة عند الجمرة. مسلم (2/ 948) 15 - كتاب الحج، 57 - باب من حلق قبل النحر ... إلخ. (1) البخاري (2/ 569) الموضع السابق. (2) البخاري: الموضع السابق. (3) مسلم: نفس الموضع السابق. (4) مسلم: نفس الموضع السابق 949، 950.

وفي رواية الترمذي (1) مختصراً: "أن رجلاً سألهُ، فقال: حلقْتُ قبل أنْ أذبح؟ قال: أذبح ولا حرج، وسأله آخر، فقال: نحرتُ، ولم أرمِ؟ قال: ارمِ، ولا حرج". أقول: الترتيب بين الرمي والذبح والحلق من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد آوجب الحنفية الدم على من لم يرتب، واعتبروا تساهله عليه الصلاة والسلام مع الناس يومذاك لأنه لم يكن سبق إليهم بشيء، فالأحاديث التي تنفي الترتيب كلها منسوخة عندهم. 4557 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) "أن النبي صلى الله عليه وسلم قِيلَ له في الذبحِ، والحَلْقِ، والرَّمي، والتقديم، والتأخير؟ فقال: لا حرج". وفي رواية (2) للبخاري أيضاً قال: "كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُسألُ يوم النحرِ بمنى؟ فيقول: لا حرج، فسأله رجلٌ، فقال: حلقْتُ قبل أنْ أذبح؟ فقال: اذبح، ولا حرج، قال: رميتُ بعدما أمسيتُ؟ فقال: لا حرج". وفي أخرى (3) له "أنه سُئِلَ عمن حلقَ قبل أن يذْبَح، ونحوه؟ فقال: لا حرج، لا حرجَ". وفي أخرى (4) له قال: "قال رجلٌ للنبي صلى الله عليه وسلم: زُرتُ قبل أن أرمي؟ قال: لا حرج". وفي أخرى (5): "أنه سُئلَ في حجته عن الذبح قبْلَ الرمي؟ وعن الحلق قبل الذبح؟ فأومأ بيده: لا حرج". أقول: قوله: (زرت قبل أن أرمي): مقصود به طوفا الزيارة.

_ (1) الترمذي (3/ 258) 7 - كتاب الحج، 76 - باب ما جاء فيمن حلق قبل أن يذبح، أو نحر قبل أن يرمي. (لا حرج) الحرجُ: الإثمُ والضيقُ. 4557 - البخاري (3/ 568) 25 - كتاب الحج، 130 - باب إذا رمى بعد ما أمسى ... إلخ. مسلم (2/ 950) 15 - كتاب الحج، 57 - باب من حلق قبل النحر، أو نحر قبل الرمي. (2) البخاري: نفس الموضع السابق. (3) البخاري: (3/ 559) 125 - باب الذبح قبل الحلق. (4) البخاري: نفس الموضع السابق، و (11/ 549) كتاب الأيمان والنذور. (5) البخاري (1/ 181) 3 - كتاب العلم، 24 - باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس.

4558 - * روى البخاري تعليقاً عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: سُئلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: عَمَّنْ حلق قبل أن يذبح، ونحوه؟ فقال: لا حرج لا حرج". 4559 - * روى أبو داود عن أسامة بن شريك (رضي الله عنه) قال: "خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجاً، فكان الناسُ يأتونه، فمن قائل: يا رسول الله، سعيتُ قبْلَ أن أطوف، وأخرْتُ شيئاً أو قدمْتُ شيئاً؟ فكان يقول: لا حرج، إلا على رجلٍ اقترضَ عرض رجلٍ مُسْلمٍ وهو ظالمٌ، فذلك الذي حَرِجَ وهلك". 4560 - * روى مالك في الموطأ عن نافع مولى ابن عمر "أن ابن عمر رضي الله عنهما لقي رجلاً من أهله يُقال له: المُجَبَّرِ، قد أفاض، ولم يحْلِقْ ولم يُقصِّرْ، جهِلَ ذلك، فأمرَهُ عبد الله بن عمر أن يرجع فيَحْلِقَ، أو يُقَصِّرَ، ثم يرجع إلى البيت، فيُفِيضَ". مسألة: الحلق والطواف والسعي لا آخر لوقتها عند الشافعية والحنابلة، فلا دم على من أخر الحلق عن أيام منى أو قدمه على رمي، أو نحر أو طاف قبل رمي ولو كان عالماً، فمتى أتى به أجزأه كطواف الزيارة والسعي، ولأن الأصل عدم التوقيت ويبقى الحاج محرماً حتى يأتي بما عليه من الحلق والطواف والسعي، ولكن الأفضل عملها يوم النحر، ويكره تأخيرها عن يوم النحر، ويكون تأخيرها عن أيام التشريق أو عن خروجه من مكة أشد كراهة (1). * * *

_ 4558 - أخرجه البخاري تعليقاً (3/ 559) 25 - كتاب الحج. قال الحافظ في الفتح: هذه الطريق وصلها النسائي والطحاوي، والإسماعيلي وابن حبان من طرق عن حماد بن سلمة به نحو سياق عبد العزيز بن رفيع، والطريق الرابعة من طريق عكرمة عن ابن عباس. 4559 - أبو داود (2/ 211) كتاب المناسك، باب فيمن قدم شيئاً قبل شيء في حجه، وإسناده جيد. (اقترض) الاقتراض: افتعال من القرض، وهو القطع، كأنه يقطعُ بالمقراض، المرادُ به: الغيبةُ. 4560 - الموطأ (1/ 397) 20 - كتاب الحج، 61 - باب التقصير، وإسناده صحيح.

الباب الرابع عشر في المبيت بمنى أيام التشريق

الباب الرابع عشر في المبيت بمنى أيام التشريق

عرض إجمالي

عرض إجمالي حد منى: ما بين وادي مُحَسِّر وجمرة العقبة، وهي شعب طوله نحو ميلين وعرضه يسير أما الجبال المحيطة به فما أقبل منها عليه فهي من منى وما أدبر منها فليس من منى. حكم المبيت بمنى: المبيت بمنى ليلة الثامن من ذي الحجة سنة اتفاقاً، لكن للفقهاء رآيان في المبيت بمنى ليلة التشريق، أما الرأي الأول: فهو للحنفية فإنهم قالوا: المبيت بمنى ليلة الثامن من ذي الحجة سنة، وكذلك المبيت بمنى ليلة الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجة سنة أيضاً. وأما الرأي الثاني فهو للجمهور: وهو أن المبيت بمنى ليلتي التشريق واجب، فمن تركه كان عليه دم عند المالكية والشافعية. قال المالكية: المبيت ليلة الحادي عشر والثاني عشر واجب، لكن رخص مالك جوازاً لراعي الإبل فقط بعد رمي العقبة يوم النحر أن ينصرف إلى رعيه، ويترك المبيت في هاتين الليلتين، ويأتي اليوم الثالث من أيام النحر، فيرمي لليومين: اليوم الثاني الذي فاته وهو في رعيه. والثلث الذي حضر فيه، ثم إن شاء أقام لرمي الثالث من أيام الرمي، وكذا رخص لصاحب السقاية في ترك المبيت خاصة. وقال الشافعية: المبيت بمنى ليلتي التشريق واجب اتباعاً للسنة، فمن ترك المبيت في منى وجب عليه دم، ويسقط مبيت منى ومزدلفة والدم عن المعذورين وهم الرِّعاء وأهل السقاية، ويسقط مبيت منى ومزدلفة أيضاً عمن له عذر آخر، كمن له مال يخاف ضياعه لو اشتغل بالمبيت، أو يخاف على نفسه أو مال معه، أو له مريض يحتاج إلى تعهده، أو يكون به مرض يشق معه المبيت أو نحو ذلك، وقال الحنابلة: السنة لمن أفاض يوم النحر أن يرجع إلى منى، والمبيت بمنى ليالي منى واجب، لكن إن ترك المبيت بمنى، فلا شيء عليه كما قال الحنفية، وروي عن أحمد أيضاً: في الليالي الثلاث دم.

النصوص

النصوص 4561 - * روى مالك في الموطأ عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) أنه كان يقول ليالي منىً: "لا يبيتن أحدٌ من الحاج وراء عقبةِ منى". للعلماء مذهبان في المبيت بمنى أيام الرمي، فمنهم من أوجبه ومنهم من اعتبره سنة. 4562 - * روى مالك في الموطأ عن نافع مولى ابن عمر (رضي الله عنهما) قال: زعموا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يبعثُ رجالاً يدخلون الناس من وراء العقبة". 4563 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) "أن العباس استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمكُث ليالي منى من أجل سقايته، فأذن له". 4564 - * روى مالك في الموطأ عن أبي البداح عاصم بن عدي (رحمه الله) عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رخص لرعاءِ الإبل في البيتوتة عن منىً، يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغد ليومين، ثم يرمون يوم النفْرِ". قال مالك: تفسير ذلك - فيما نُرى، والله أعلم-: أنهم يرمون يوم النحر، فإذا مضى اليوم الذي يلي يوم النحر رموا من الغد، وذلك يوم النفْر الأول، ويرمون لليوم الذي مضى، ثم يرمون ليومهم ذلك لأنه لا يقضي أحدٌ شيئاً حتى يجب، عليه فإذا وجب عليه ومضى، كان القضاء بعد ذلك، فإن بدا لهم في النفر فقد فرغُوا، وإن أقاموا إلى الغَدِ رموْا مع الناس يوم النفْرِ الآخر، ونفرُوا. وفي رواية الترمذي (1) قال: "أرخص لرعاءِ الإبل في البيتُوتَةِ عن منىً، يرمون يومَ

_ 4561 - الموطأ (1/ 406) 20 - كتاب الحج، 70 - باب البيتوتة بمكة ليالي منى، وإسناده صحيح. 4562 - الموطأ: الموضع السابق، وإسناده صحيح. 4563 - البخاري (3/ 490، 491) 25 - كتاب الحج، 75 - باب سقاية الحج. مسلم (2/ 953) 15 - كتاب الحج، 60 - باب وجوب المبيت بمنى ليالي أيام التشريق ... إلخ. أبو داود (2/ 199) كتاب المناسك، باب يبيت بمكة ليالي منىً. 4564 - الموطأ (1/ 408) 20 - كتاب الحج، 72 - باب الرخصة في رمي الجمار. (1) الترمذي (3/ 289، 290) 7 - كتاب الحج، 108 - باب ما جاء في الرخصة للرِّعاء أن يرموا يوماً، ويدعو يوماً.

النحر، ثم يجمعون رمي يومين بعد يوم النحر، فيرمونهُ في أحدهما". قال: قال مالك: ظننتُ: أنه قال: في الأول منهما، ثم يرمون يوم النفرِ. وفي أخرى (1) له ولأبي داود والنسائي: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء: أن يرمُوا يوماً، ويدعو يوماً". وفي أخرى للنسائي (2): "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء في البيتوتة، يرمون يوم النحر، واليومين اللذين بعدهُ، يجمعونهما في أحدهما". * * *

_ (1) الترمذي: نفس الموضع السابق ص 289. أبو داود (2/ 202) كتاب المناسك، باب في رمي الجمار. النسائي (5/ 273) 24 - كتاب مناسك الحج، 225 - باب رمي الرعاة. (2) النسائي: نفس الموضع السابق، وهو حديث صحيح.

الباب الخامس عشر في التكبير في أيام التشريق وما قبلها

الباب الخامس عشر في التكبير في أيام التشريق وما قبلها

عرض إجمالي

عرض إجمالي من السنن المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم: التكبير في يوم عرفة وأيام التشريق. وذهب الجمهور إلى أن هذا التكبير سنة وذهب الحنفية إلى وجوب هذا التكبير مرة، ويندب ما زاد على هذا، ومدته عند أبي حنيفة من فجر يوم عرفة إلى عصر يوم العيد أي ثماني صلوات، وعند الصاحبين وعند الحنابلة وفي قولٍ عند الشافعية: من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق أي ثلاث وعشرون صلاة. وعند المالكية وفي الأظهر عند الشافعية: من ظهر يوم النحر؛ لأنها أول صلاته بمنى بعد انتهاء التلبية إلى صبح آخر أيام التشريق لأنها آخر صلاته بمنى أي خمس عشرة فريضة. وذهب بعض الفقهاء إلى أنه يسن التكبير في المنازل والطرقات والأسواق قال تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} (1) وهي أيام التشريق. ويسن التكبير لرؤية الأنعام في عشر ذي الحجة وهي الأيام المعلومات قال تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} (2).

_ (1) البقرة: 203. (2) الحج: 28.

4565 - * روى البخاري عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) "كان يُكبرُ في فُسطاطِه، ويكبرُ الناس لتكبيره دُبُر الصلاة، وفي غير وقت الصلاة، وإذا ارتفع النهار، وعند الزوال، وإذا ذهب يرْمي". وفي رواية (1): "أنه كان يُكبرُ في قُبته بمنى، فيسمعه أهل المسجد فيُكبرون، ويكبرُ أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيراً". وفي أخرى (2): "كان يُكبرُ بمنى تلك الأيام، وخلفَ الصلاة، وعلى فراشه، وفي فُسطاطه، ومجلسه، وممشاهُ في تلك الأيام جميعاً". 4566 - * روى البخاري تعليقاً عن أبي هريرة وعبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهم) "كانا يخرُجان إلى السُّوقِ في أيام العَشْرِ يُكبِّرانِ، ويُكبِّرُ الناسُ بتكبيرهما". * * *

_ 4565 - أخرجه البخاري تعليقاً. (1) البخاري (2/ 461) 13 - كتاب العيدين، 12 - باب التكبير أيام منى ... إلخ. (2) البخاري: الموضع السابق. قال الحافظ في الفتح: قوله: "وكان ابن عمر ... إلخ" وصله ابن المنذر والفاكهي في أخبار مكة من طريق ابن جريج: أخبرني نافع، أن ابن عمر ... فذكره سواء. 4566 - البخاري "تعليقاً" (2/ 457) 13 - كتاب العيدين، 11 - باب فضل العمل في أيام التشريق. قال الحافظ في الفتح: لم أره موصولاً عنهما، وقد ذكره البيهقي أيضاً معلقاً عنهما وكذا البغوي، قوال الطحاوي: كان مشايخنا يقولون بذلك - أي بالتكبير أيام الشعر - وقد اعترض على البخاري ف يذكر هذا الأثر في ترجمة العمل في أيام التشريق، وأجاب الكرماني بان عادته أن يضيف إلى الترجمة ما له بها أدنى ملابسة استطراداً. اهـ. والذي يظهر أنه أراد تساوي أيام التشريق بأيام العشر يجامع ما بينهما مما يقع فيهما من أعمال الحج، ويدل على ذلك أن أثر أبي هريرة وابن عمر صريح في أيام العشر واثر الذي بعده في أيام التشريق (م).

الباب السادس عشر في خطبه عليه الصلاة والسلام في عرفة ومنى

الباب السادس عشر في خطبه عليه الصلاة والسلام في عرفة ومنى

4567 - * روى الطبراني في الكبير عن المِسْوَرِ بن مخرمة قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفاتٍ فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعدُ: فإنَّ أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون من هذا الموضع إذا كانت الشمسُ على رؤوس الجبال كأنها عمائمُ الرجال في وجوهها وإنا ندفَعُ بعد أن تغيب، وكانوا يدفعون من المشعر الحرام إذا كانت الشمسُ منبسطةً". أقول: الضمير في قوله: (وكانوا) يعود إلى أهل الشرك والجاهلية، فهم الذين كانوا يفيضون من مزدلفة بعد طلوع الشمس. 4568 - * روى البخاري عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: في حجةِ الوداعِ: "ألا أيُّ شهرٍ تعلمونه أعظمُ حُرْمةً؟ "ٍقالوا: ألا بلدُنا هذا، قال: "ألا أيُّ يومٍ تعلمونه أعظمُ حرمةً؟ " قالوا: ألا يومنا هذا. قال: "فإنَّ الله تبارك وتعالى قدْ حرَّم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم إلا بحقِّها، كحُرَمةِ يومكم هذا في بلدكُمْ هذا، في شهرِكُم هذا، ألا هلْ بلَّغتُ؟ "، ثلاثاً - كلُّ ذلك يُجيبونه: ألا نعمْ! - قال: ويْحَكم، - أو ويلكمْ - لا ترجِعُنَّ بعدي كفاراً يضرِبُ بعضُكم رقابَ بعضٍ". قوله: (لا تَرْجِعنَّ بعدي كفاراً): قال الإمام النووي في شرح (مسلم: 2/ 55، 56): في معناه سبعة أقوال: أحدها: أن ذلك كفر في حق المستحل بغير حق. والثاني: كفر النعمة وحق الإسلام.

_ 4567 - الطبراني "الكبير" (20/ 24، 25). مجمع الزوائد (3/ 255) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح. 4568 - البخاري (12/ 85) 86 - كتاب الحدود، 9 - باب ظهر المؤمن من حمى، إلا في حد أو حق. مسلم (1/ 82) 1 - كتاب الإيمان، 29 - باب معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم "لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض".

والثالث: أنه يقرب من الكفر ويؤدي إليه. والرابع: فعل كفعل الكفار. والخامس: حقيقة الكفر، ومعناه: لا تكفروا، بل دوموا مسلمين. والسادس: -حكاه الخطابي وغيره- أن المراد بالكفار المتكفرون بالسلاح، يقال: تكفر الرجل بسلاحه: إذا لبسه. قال الأزهري في كتاب "تهذيب اللغة": يقال للابس السلاح: كافر. والسابع: قاله الخطابي: لا يكفر بعضكم بعضاً، فتستحلوا قتال بعضكم بعضاً، وأظهر الأقاويل، الرابع، وهو اختيار القاضي رحمه الله. ثم إن الرواية "يضرب" برفع الباء، هذا هو الصواب. وكذا رواه المتقدمون والمتأخرون وبه يصح المقصود هنا. ونقل القاضي عياض أن بعض العلماء ضبطه بإسكان الباء، قال القاضي: وهو إحالة للمعنى، والصواب الضم. وأما قوله عليه الصلاة والسلام: "بعدي" فقال القاضي عياض: قال الهروي: معناه: بعد فراقي من موقفي هذا، وكان هذا يوم النحر يعني في حجة الوداع، أو يكون بعدي، أي خلافي، أي لا تخلفوني في أنفسكم بغير الذي أمرتكم به، أو يكون قد تحقق عليه الصلاة والسلام أن هذا لا يكون في حياته، فنهاهم عنه بعد مماته. 4569 - * روى البخاري عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر، فقال: "يا أيها الناس، أي يوم هذا؟ " قالوا: يومٌ حرامٌ، قال: "وأيُّ بلدٍ هذا؟ " قالوا: بلدٌ حرام، قال: "فأيُّ شهرٍ هذا؟ " قالوا: شهرٌ حرامٌ، قال: "فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرامٌ، كحُرْمةِ يومكُم هذا، في بلدكُم هذا، في شهركم هذا"- فأعادها مراراً - ثم رفع رأسه فقال: "اللهم مهل بلغتُ؟ اللهم هل بلغتُ" قال ابن عباس: فوالذي نفس يبيده إنها لوصيته إلى أُمَّته (1)،

_ 4569 - البخاري (3/ 573) 25 - كتاب الحج، 132 - باب الخطبة أيام منى.

"فليُبلغ الشاهد الغائب، لا ترجعوا بعدي كفاراً يضربُ بعضكمْ رقابَ بعضٍ". 4570 - * روى أحمد عن عبد المجيد العُقيلي قال: "انطلقنا حُجاجاً ليالي خرج يزيدُ ابن المهلب وقد ذُكِرَ لنا أن ماءً بالعالية يقال له الرجيعُ فلما قضينا مناسكنا جئنا حتى أتينا على بئر عليها أشياخُ مخضوبون يتحدثون، قلنا هذا الذي صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أين بيتُهُ قالوا نِعْمَ بيته وأومؤا: ها ذاك بيته قال: فانطلقنا حتى أتينا البيت فسلمنا فأذن لنا فإذا شيخٌ كبيرٌ مضطجعٌ يقال له: العَدَّاءُ بن خالدٍ الكلابيُّ قلت أنت الذي صحبتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم ولولا هُو الليل لأقرأتُكم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليَّ، فمن أنتم؟ قلنا من أهل البصرة قال: مرحباً بكم، ما فعل يزيد ابن المهلب؟ قلنا هو هناك يدعو إلى كتاب الله عز وجل وسُنة النبي صلى الله عليه وسلم قال: فيما هو من ذاك قلنا أيا نتبعُ؟ هؤلاء أو هؤلاء يعني أهل الشام أو يزيد؟ قال: إن تقعدوا تفلحوا وترشدوا ولا أعلمه إلا قال ثلاث مرات: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة وهو قائمٌ في الركابين ينادي بأعلى صوته يا أيها الناسُ: أيُّ يوم يومُكم هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلمُ قال: أيُّ شهرٍ شهرُكُم هذا؟ قالوا: الله ورسول أعلم قال: فأيُّ بلدٍ بلدُكم هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلمُ قال: شهركم شهرٌ حرامٌ قال: فقال: ألا إن دماءكم وأموالكم عليكم حرامٌ كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم تبارك وتعالى فيسألكم عن أعمالكم، قال: ثم رفع يديه إلى السماء قال: اللهم اشهد عليهم، ذكر مراراً فلا أدري كم ذكر". 4571 - * روى الطبراني في الكبير عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم يومئذٍ في أصحابه غنماً فأصاب سعدُ بن أبي وقاصٍ تيساً فذبحهُ فلما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة أمر ربيعة بن أمية بن خلفٍ فقام تحت ثدي ناقته وكان رجُلاً صيتاً فقال: اصرخْ: أيها الناس، أتدرون أي شهرٍ هذا فصرخ فقال الناس: الشهر الحرام فقال: اصرخْ (1):

_ 4570 - أحمد (5/ 30). مجمع الزوائد (3/ 253، 254) وقال الهيثمي: قال بماءٍ يقال له الرجيعُ وقال أليس هذا شهرٌ حرامٌ وبلدٌ حرام ويومٌ حرام. ورجال الطبراني موثقون. 4571 - الطبراني "الكبير" (11/ 172). مجمع الزوائد (3/ 271) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله ثقات. (قزح): هو موقف الإمام بالمزدلفة.

أتدرون أي بلدٍ هذا؟ قالوا: البلد الحرام قال: اصرخْ أتدرون أي يومٍ هذا، قالوا: الحج الأكبر فقال: اصرخ فقل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدْ حرم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمةِ شهركم هذا وكحُرْمةِ بلدكُم هذا وكحُرْمة يومكم هذا، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حجهُ وقال حين وقف بعرفة: هذا الموقفُ وكلُّ عرفة موقفٌ، وقال حين وقف على قُزَحٍ: هذا الموقِفُ وكل مزدلفة موقفٌ". 4572 - * روى ابن خزيمة عن عمرو، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خُطبته يوم عرفة في حجة الوداع: "اعلموا: إنَّ دماءكُم وأموالكمُ وأعراضكُمْ حرامٌ عليكم كحُرْمةِ يومكُم هذا وكحُرْمَةِ شهركم هذا وكحرمة بلدكم هذا". 4573 - * روى الطبراني في الأوسط عن سراء بنت نبهان وكانتْ - ربةَ بيتٍ في الجاهلية - قالت: "سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع: هل تدرون أي يومٍ هذا؟ وهو الذي تدعون يوم الرَّوسِ؟ قالوا: اللهُ ورسوله أعلم، قال: إنَّ ذا أوسطُ أيام التشريق: قال: هل تدرون أي بلدٍ هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلمُ، قال: هذا مشعرُ الحرام، ثم قال: إني لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا، ألا وإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرامٌ كحُرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا حتى تلقوا ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا فليُبلغْ أقصاكم أدناكم ألا هل بلغْتُ، فلما قَدِمنا المدينة لم نلبَثْ إلا قليلاً حتى مات صلى الله عليه وسلم". 4574 - * روى البزار عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال: "أيُّ يومٍ هذا" قالوا: يومٌ حرامٌ. قال: "فإنَّ دماءَكُم وأموالكمُ عليكُمْ حرامٌ كحُرْمَةِ يومِكُم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا". 4575 - * روى الطبراني في الكبير عن كلثوم بن جبير بقصةٍ فيها (1): إن الذي قتل عماراً

_ 4572 - ابن خزيمة (4/ 250، 251) كتاب المناسك، 690 - باب صفة الخطبة يوم عرفة، وإسناده حسن لغيره. 4573 - مجمع الزوائد (3/ 273) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات. 4574 - كشف الأستار (4/ 121) كتاب الفتن، باب إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام. مجمع الزوائد (7/ 295) وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. 4575 - مجمع الزوائد (3/ 273) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح.

بصفين أخبر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوم العقبة فقال: "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرامٌ كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا لا ترجعوا بعدي كفاراً يضربُ بعضكم رقاب بعض" وفي القصة: لا رجل أبين ضلالاً منه، لأنه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم ما سمع ثم قتل عماراً. 4576 - * روى أحمد عن أبي نضرة قال: حدثني من سمع خُطبة النبي صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق فقال: "يا أيها الناسُ: إن ربَّكُم واحدٌ ألا لا فضل لعربيّ على عجمي ولا لعجميٍّ على عربيٍّ ولا أسود على أحمر ولا أحمر على أسود إلا بالتقوى، أبلغت؟ قالوا: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: أيُّ يومٍ هذا؟ قالوا: يومٌ حرامٌ ثم، قال: أيُّ بلدٍ هذا؟ قالوا: بلدٌ حرامٌ قال: فإن الله عز وجل قد حرم بينكم دماءكم وأموالكم- قال ولا أدري قال: وأعراضكْم أم لا- كحُرمةِ شهركم هذا في بلدكم هذا. أبلَّغْتُ؟ قالوا: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليُبَلِّغْ الشاهد الغائب". أقول: الظاهر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب في موقفه بعرفة، وخطب يوم النحر في أكثر من مكان وعند جمرة العقبة، وخطب أوسط أيام التشريق وكان يلح على حرمة الدماء والأموال، لتأصل عادة سفك الدماء وسلب الأموال عند العرب، ولما يعلم بما سيجري على أمته. 4577 - * روى الطبراني في الكبير عن عبادة بن عبد الله بن الزبير قال: كان ربيعةُ ابن أمية بن خلفٍ الجُمحيِّ وهو الذي كان يصرخُ يوم عرفة تحت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصرخْ، وكان صيتاً: أيُّها الناسّ أتدرون أي شهرٍ هذا فرخ فقالوا: نعمْ الشهر الحرام، قال: فإن الله عز وجل قد حرم دماءكم وأموالكم إلى أنْ تلقوا ربكم كحُرْمةِ شهركم هذا ثم قال: اصرخْ: هل تدرون أيَّ بلدٍ هذا؟ فصرخ (1). فقالوا: البلدُ الحرامُ قال: فإن دماءكُم وأموالكُم عليكم حرامٌ إلى يوم تلقونه كحرمة

_ 4576 - أحمد (5/ 411). مجمع الزوائد (3/ 266) وقال الهيثمي: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. 4577 - الطبراني "الكبير" (5/ 67). مجمع الزوائد (3/ 270) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير مرسلاً كما تراه، ورجاله ثقات.

بلدكم هذا، ثم قال: اصرخ: أيُّ يومٍ هذا فصرخَ فقالوا: هذا يومٌ حرامٌ وهذا يومُ الحجِّ الأكبر قال: فإن الله عز وجل قد حرم عليكم دماءكم إلى يوم تلقونه كحُرمةِ يومكم هذا". 4578 - * روى أبو يعلي عن وابصة بن معبد الجهني قال: "شهدتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو يخطب وهو يقول: يا أيها الناس أي شهرٍ أحرمُ؟ قالوا: هذا الشهر قال: أي يومٍ أحرمُ، قالوا: هذا وهو يوم النحر قال: فأيُّ بلد أعظمُ عند الله حرمةً قالوا: هذا قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم محرمةٌ عليكم كحرمةِ يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلغت؟ قال الناس: نعم، فرفع يديه إلى السماء ثم قال: اللهم اشهدْ ثم قال: ليُبلغ الشاهدُ منكم الغائب، قال وابصةُ وإنا شهدنا وغِبْتُمْ ونُبَلِّغْكُم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم". 4579 - * روى ابن خزيمة عن جعفر بن محمدٍ، عن أبيه، قال: دخلنا على جابر بن عبد الله، فذكر الحديث، وقال: فأجاز رسول الله حتى أتى عرفة، حتى إذا زاغتُ الشمس أمر بالقصواء فرُحلت له، فركب حتى أتى بطن الوادي فخطب الناس، فقال: "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرامٌ كحُرْمة يومكم هذا، في بلدكم هذا. ألا وإن كل شيء من أهل الجاهلية موضوعٌ تحت قدمي هاتين، ودماءُ الجاهلية موضوعةٌ، وأول دم أضعهُ، دماءنا: دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مُسترضعاً في بني سعدٍ فقتلته هُذيل. وربا الجاهلية موضوعٌ، وأولُ ربا أضعه ربانا، ربا العباس بن عبد المطلب، فإنه موضوعٌ، اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، وإن لكم عليهن أن لا يُوطين فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مُبرحٍ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وإني قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله، وأنتم مسئولون عني ما أنتم قائلون؟ " فقالوا (1): نشهد إنكَ

_ 4578 - أبو يعلي (3/ 163) حديث رقم (1589). مجمع الزوائد (3/ 269، 270) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، ورواه أبو يعلي، ورجاله ثقات. 4579 - ابن خزيمة (4/ 251) كتاب المناسك، 691 - باب ذكر البيان أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما خطب بعرفة راكبا لا نازلاً بالأرض، وهو صحيح.

قد بلغت رسالات ربك، ونصحت لأمتك، وقضيت الذي عليك، فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء ويُنكسها إلى الناس: "اللهم اشهد، اللهم اشهد". قال ابن خزيمة: قد بينتُ في كتاب النكاح، أن قوله: لا يُوطين فرشكم أحداً تكرهونه، إنما أراد وطء الفراش بالأقدام، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لاتجلسْ على تكرمتِه إلا بإذنه" وفراشُ الرجل تكرمته ولم يردْ ما يتوهمه الجهال إنما أراد وطأ الفروج. 4580 - * روى أبو داود عن عبد الرحمن بن معاذ التيمي (رضي الله عنه) قال: "خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في منازلنا، ففُتِّحتْ أسماعُنا حتى كنا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا، فطفق يُعلمهمْ مناسكهم حتى بلغ الجمار، فوضع إصبعيه السبابتين، ثم قال: بحصى الخذف، ثم أمر المهاجرين فنزلوا في مُقدم المسجد، وأمر الأنصار أن ينزلوا من وراء المسجد. قال: ثم نزل الناس بعدُ". وفي رواية (1): عن عبد الرحمن بن معاذٍ عن رجلٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس بمنى، ونزلهم منازلهم، فقال: لينزل المهاجرون هاهنا - وأشار إلى ميمنة القِبْلة - والأنصار هاهنا - وأشار إلى ميسرة القبلة - ثم قال: لينزل الناس حولهم". أقول: فيما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم أصل في الترتيب والتنظيم، وأنه يراعى في الترتيب لذوي الفضل حقوقهم. 4581 - * روى أبو داود عن الهِرْماس بن زيادٍ الباهلي (رضي الله عنه) قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبُ الناس على ناقته العضباء يوم الأضحى بمنى". 4582 - * روى أبو داود عن ابن أبي نجيحٍ (رحمه الله) عن أبيه، عن رجلين من بني بكرٍ قالا: "رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطُبُ بين أوسط أيام التشريق ونحن عند راحلته،

_ 4580 - أبو داود (2/ 198) كتاب المناسك، باب ما يذكر الإمامُ في خطبته بمنى، وإسناده حسن. النسائي (5/ 249) 24 - كتاب مناسك الحج، 189 - باب ما ذكر في منى. (1) أبو داود (2/ 197) باب النزول بمنى. 4581 - أبو داود (2/ 198) باب من قال: خطب يوم النحر، وإسناده صحيح. 4582 - أبو داود (2/ 197) باب أي يوم يخطب بمنى، وإسناده جيد.

وهي خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي خطب بمِنَى". 4583 - * روى الطبراني في الأوسط عن عبد الله بن عمر قال: كان العربُ يُحِلُّون عاماً شراً وعاماً شهرين ولا يُصيبون الحج إلا في كل ستةٍ وعشرين سنةً مرةً وهو النسيءُ الذي ذكر الله عز وجل في كتابه فلما كان عام حجَّ أبو بكر بالناس وافق ذلك العام الحج فسماه الله الحج الأكبر ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم من العام المقبل فاستقبل الناس الأهلةَ فقال رسول الله صلى الله لعيه وسلم: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض" (1).

_ 4583 - مجمع الزوائد (7/ 29) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد من كلام الفقهاء في خطب الحج: للفقهاء رأيان في عدد خطب الحج: أما الرأي الأول: فهو للحنفية والمالكية والحنابلة أن الخطب ثلاثة: الخطبة الأولى: في السابع من ذي الحجة. تسن هذه الخطبة في مكة عند الكعبة في سابع ذي الحجة بعد صلاة الظهر، وهي أول الخطب، يعلمهم فيها الإمام مناسك الحج، وهي خطبة واحدة لا جلوس فيها، وكون هذه الخطبة هي الأولى هو مذهب الجمهور، واعتبر عند الحنابلة خطبة يوم عرفة في الأولى، وإذا كان يوم التروية يوم الجمعة، خرج بهم الإمام عند الشافعية قبل الفجر، لأن السفر يومها بعد الفجر وقبل الزوال حرام، وإذا كان يوم عرفة يوم جمعة، جاز خروج الحجاج بعد الفجر، وجاز الخروج مطلقاً يوم التروية وغيره عند الحنابلة، سواء قبل الفجر أو قبل الزوال. الخطبة الثانية يوم عرفة: وهي خطبتان خفيفتان بعرفات قبل الصلاة اتفاقاً يجلس بينهما الخطيب كما في الجمعة، يعلمهم في الأولى المناسك من موضع الوقوف بعرفة ووقته، والدفع من عرفات، ومبيتهم في المزدلفة، وأخذ الحصى لرمي الجمار ويحثهم على إكثار الذكر والدعاء بالموقف، وقال المالكية والشافعية: يبدأ المؤذن والإمام يخطب أو بعد فراغه من الخطبة، ويفرغ من الخطبة الثانية مع فراغ المؤذن، وقال الحنابلة: يأمر الإمام بالأذان بعد الخطبة، ثم يصلي الإمام بالناس الظهر والعصر قصراً وجمع تقديم، اتباعاً للسنة. الخطبة الثالثة: عند الشافعية، وهي الثانية عند الحنابلة: يوم النحر (العيد) بمنى: وهي خطبة واحدة، يعلِّم الإمام فيها الناس مناسكهم من النحر والإفاضة والرمي، ولأن يوم النحر تكثر فيه أفعال الحج، ويحتاج الناس إلى تعلم أحكام ذلك فكانت الخطبة محتاجاً إليها؛ لأجل هذا الغرض، كيوم عرفة، والخطبة الثالثة عند الجمهور: وهي الرابعة عند الشافعية: ثاني أيام منى، وهي خطبة واحدة متفق عليها، يعلم الإمام فيها الناس حكم التعجيل والتأخير وتوديعهم. [البدائع (2/ 151)، والدر المختار (2/ 236)، الشرح الصغير (2/ 54)، مغني المحتاج 01/ 495)، المغني (3/ 407 و 445 فما بعد)، الفقه الإسلامي (3/ 212)]. * * *

الباب السابع عشر في التحصيب

الباب السابع عشر في التحصيب

عرض إجمالي

عرض إجمالي من سنن الحج - في مذهب الحنفية - التحصيب: وهو النزول بوادي المحَصَّب أو الأبطح: وهو موضع بين منى ومكة عند مدخل مكة بين الجبلين إلى المقبرة المسماة بالحجون، ينزل بها ساعة، فإنه سنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم نزلوا بالأبطح. ومن مندوبات الرمي بمنى - في مذهب المالكية - وما بعده التحصيب: نزول غير المتعجل بعد رمي جمار اليوم الثالث بالمحصب- بطحاء خارج مكة - ليصلي فيه أربع صلوات: الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وأما المتعجل فلا يندب له ذلك. ومن سنن الرمي في منى- على مذهب الحنابلة- يسن إذا نفر من منى النزول بالأبطح وهو المحصب وهو ما بين الجبلين إلى المقبرة، فيصلي به الظهرين والعشاءين، ويهجع يسيراً، ثم يدخل مكة. والخلاصة أن التحصيب: سنة عند الحنفية والحنابلة، ومستحب عند غيرهم، مع الاتفاق أنه ليس من المناسك التي يلزم فعلها.

4584 - * روى البخاري عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) قال خالد بن الحارث: "سُئل عبيد الله عن المحصب؟ فحدثنا عن نافعٍ قال: نزل بها النبي صلى الله عليه وسلم وعمرُ وابن عمر". وعن نافع أن ابن عمر: "كان يصلي بها - عيني بالمُحصَّبِ- الظهر والعصر - أحسبه قال: والمغرب - قال خالد: لا أشك في العشاء - ويهجعُ، ويذكر ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم". وفي رواية مسلم (1) عن نافعٍ: "أن ابن عمر كان يرى التحصيب سُنَّةً وكان يُصلي الظهر يوم النفر بالحصبة. وقال نافع: قد حصب رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاءُ بعدهُ". وفي أخرى (2) عن سالم: "أن أبا بكرٍ وعمر وابن عمر كانوا ينزلون الأبطح". وفي رواية الموطأ (3) عن نافع: "أن ابن عمر كان يُصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمحصب، ثم يدخل مكة من الليل، فيطوفُ بالبيت". وفي رواية الترمذي (4): قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكرٍ وعمر وعثمان ينزلون الأبطح". وفي رواية أبي داود (5) قال: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظُّهر والعصر والمغرب والعشاء بالبطحاء، ثم هجع بها هجعةً، ثم دخل مكة وطاف، وكان ابن عمر يفعله". وفي أخرى له (6): "أن ابن عمر كان يهجعُ هجعةً بالبطحاء، ثم يدخُل مكة، ويزعُمُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك".

_ 4584 - البخاري (3/ 592) 25 - كتاب الحج، 148 - باب النزول بذي طُوى قبل أن يدخل مكة ... إلخ. (1) مسلم (2/ 951) 15 - كتاب الحج، 59 - باب استحباب النزول بالمحصب يوم النفر، والصلاة به. (2) مسلم: الموضع السابق. (3) الموطأ (1/ 405) 20 - كتبا الحج، 69 - باب صلاة المعرس والمحصب. (4) الترمذي (3/ 262، 263) 7 - كتاب الحج، 81 - باب ما جاء في نزول الأبطح. (5) أبو داود (2/ 210) كتاب المناسك، باب التحصيب. (6) أبو داود: الموضع السابق. (المحصبُ): موضع بمنى، وموضع بالأبطح، والتحصيب: النزول به، والمراد الأبطحُ.

قال النووي في شرح مسلم: ذكر مسلم في هذا الباب الأحاديث في نزول النبي صلى الله عليه وسلم بالأبطح يوم النفر وهو المحصب، وأن أبا بكر وعمر وابن عمر والخلفاء كانوا يفعلونه، وأن عائشة وابن عباس كانا لا يقولان به، ويقولان: هو منزل اتفاقي لا مقصود، فحصل خلاف بين الصحابة رضي الله عنهم، ومذهب الشافعي ومالك والجمهور: استحبابه اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين وغيرهم، وأجمعوا على أن من تركه لا شيء عليه، ويستحب أن يصلي به الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ويبيت به بعض الليل أو كله اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم. 4585 - * روى البخاري عن أنس بن مالك وعبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهم) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ثالثةٍ في المحصبْ ورقد رقدةً، ثم ركب إلى البيت، فطاف به يُودِّعهُ". 4586 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: "ليس التحصيبُ بشيءٍ، إنما هو منزلٌ نزلهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم". 4587 - * روى الشيخان عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: "نُزول الأبطح ليس بسُنةٍ إنما نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان أسمح لخروجه إذا خرج". وفي أخرى (1) لمسلم عن سالم: "أن أبا بكرٍ وعمر وابن عمر كانوا ينزلُون الأبطح".

_ 4585 - أخرجه رزين، وهو بمعناه عن أنس في البخاري (3/ 590) في الحج، باب من صلى العصر يوم النفر بالأبطح، والدارمي (2/ 55) في الحج، باب كم يصلي بمنى حتى يغدو إلى عرفات، ولفظه عند البخاري: عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ورقد رقدة بالمحصب ثم ركب إلى البيت فطاف به. 4586 - البخاري (3/ 591) 25 - كتاب الحج، 147 - باب المحَصَّبِ. مسلم (2/ 952) 15 - كتاب الحج، 59 - باب استحباب النزول بالمحصب يوم النفر، والصلاة به. الترمذي (3/ 263) 7 - كتاب الحج، 81 - باب ما جاء في نزول الأبطح. 4587 - البخاري: نفس الموضع السابق. مسلم: نفس الموضع السابق ص 951. أبو داود (2/ 209) كتاب المناسك، باب التحصيب. الترمذي (3/ 264) 7 - كتاب الحج، 82 - باب من نزل الأبطح. (1) مسلم: نفس الموضع السابق ص 951.

قال الزهري: وأخبرني عروةُ عن عائشة: "أنها لم تكُنْ تفعلُ ذلك، وقالت: إنما نزلهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان منزلاً أسمح لخروجه". 4588 - * روى مسلم عن أبي رافعٍ (رضي الله عنه) قال: "لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنزل الأبطح حين خرج من منى، ولكني جئتُ فضربتُ فيه قبتهُ، فجاء فنزل". 4589 - * روى الشيخان عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من الغد يوم النحر - وهو بمنى - نحن نازلون غداً بخيف بني كنانة حيثُ تقاسموا على الكفر - يعني بذلك المحصب وذلك أن قريشاً وكنانة تحالفت على بني هاشم وبني عبد المطلب - أو بني المطلب - أن لا ينكاحوهم ولا يبايعوهم حتى يُسلموا إليهم النبي صلى الله عليه وسلم. 4590 - * روى الطبراني في الأوسط عن عمر بن الخطاب قال: "من السُّنة النزولُ بالبطح عشية النفرِ". 4591 - * روى الطبراني في الكبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلَ يوم التروية بيومٍ: "منزلنا غداً إن شاء الله بالخيفِ الأيمن حيثُ استقسمَ المشركون". أقول: فالمحصب كان محط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء دخوله مكة وأثناء خروجه إلى عرفات وأثناء نفره من منى، وأثناء سفره من مكة، وهذا يستأنس به بأن يكون لكل حاج محط رحل فإن كان المحصب فهو أجود لكنه لا يسع الناس الآن (1). * * *

_ 588 - مسلم: نفس الموضع السابق ص 952. وقد أخرجه أبو داود بمعناه في (2/ 209) كتاب الحج، باب التحصيب. 4589 - البخاري (3/ 453) 25 - كتاب الحج، 45 - باب نزول النبي صلى الله عليه وسلم مكة. مسلم (2/ 952) 15 - كتاب الحج، 59 - باب استحباب النزول بالمحصب يوم النفر، والصلاة به. أبو داود (2/ 210) كتاب المناسك، باب التحصيب. 4590 - مجمع الزوائد (3/ 282) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، وإسناده حسن. 4591 - الطبراني "الكبير" (11/ 61، 62). مجمع الزوائد (3/ 250) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط، ورجاله ثقات.

الباب الثامن عشر في عدد حجاته عليه الصلاة والسلام وعمراته

الباب الثامن عشر في عدد حجاته عليه الصلاة والسلام وعمراته

4592 - * روى ابن خزيمة عن أبي هريرة في قوله: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} قال: "لما قفل النبي صلى الله عليه وسلم من حُنينٍ اعتمر من الجعرانة ثم أمر أبا بكرٍ على تلك الحجةِ". أقول: في لفظ الجعرانة لغتان: (الجِعْرانة) و (الجِعِرانة) ". 4593 - * روى الطبراني في الكبير عن زيد ابن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "حجَّ بعد ما هاجر حجةٌ واحدةٌ لم يحُجَّ بعدها: حَجَّةَ الوداعِ". 4594 - * رو الشيخان عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "اعتمر أربع عمرٍ من العام المقُبل في ذي القعدة وعمرة من جعرانة حيثُ قسم غنائم حُنينٍ في ذي القعدة وعمرةً في حجته". 4595 - * روى البزار عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم "اعتمر ثلاث عمرٍ كلها في ذي القعدة: إحداهن زمن الحديبية والأخرى في صلح قريش والأخرى مرجعه من الطائف زمن حُنينٍ من الجعرانة". 4596 - * روى الترمذي عن مُحرش الكعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "خرج من الجعرانة ليلاً معتمراً فدخل مكة ليلاً فقضى عمرته ثم خرج من ليلته فأصبح بالجعرانة كبائتٍ، فلما زالت الشمس من الغد خرج في بطن سرفٍ حتى جاء مع الطريق طريق جعٍ ببطن سرف فمنْ أجل ذلك خفيتْ عمرتهُ على الناس" (1).

_ 4592 - ابن خزيمة (4/ 362) كتاب المناسك، 885 - باب إباحة العمرة من الجعرانة، وإسناده صحيح. 4593 - الطبراني "الكبير" (5/ 189). مجمع الزوائد (3/ 236) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح. 4594 - البخاري (7/ 439) 64 - كتاب المغازي، 35 - باب غزوة الحديبية ... إلخ. مسلم (2/ 916) 15 - كتاب الحج، 35 - باب بيان عدد عُمَرِ النبي صلى الله عليه وسلم وزمانهن .. أبو داود (2/ 206) كتاب المناسك، باب العمرة. الترمذي (3/ 179، 180) 7 - كتاب الحج، 6 - باب ما جاء: كم حجَّ النبي صلى الله عليه وسلم. 4595 - كشف الأستار (2/ 38) كتاب المناسك، باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم. مجمع الزوائد (3/ 279) وقال الهيثمي: رواه البزار والطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح. 4596 - الترمذي (3/ 273، 274) 7 - كتاب الحج، 92 - باب ما جاء في العمرة من الجعرانة، وقال: حسن غريب، ولا نعرف لمحرش عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث. النسائي (5/ 199، 200) 24 - كتاب مناسك الحج، 104 - باب دخول مكة ليلاً.

4597 - * روى أبو داود: "دخل النبي صلى الله عليه وسلم الجعرانة فجاء إلى المسجد فركع في المسجد ما شاء الله ثم احرم ثم استوى على راحلته فاستقبل بطن سرف حتى أتى طريق المدينة فأصبح بمكة كبائتٍ". 4598 - * روى البخاري عن عروة "كنت أنا وابن عمر مستندين إلى حجرة عائشة وإنا لنسمع صوتها بالسواك تستن فقلت: يا أبا عبد الرحمن، اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في رجب؟ قال: نعم فقلت لعائشة: أي أمتاه، ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن؟ قالت: وما يقول؟ قلت: يقول: اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في رجب فقالت: يغفر الله لأبي عبد الرحمن، لعمري ما اعتمر في رجب وما اعتمر من عمرة إلا وأنا معه، وابن عمر يسمع، ما قال: لا ولا نعم سكت" (1). * * *

_ 4597 - أبو داود (2/ 206) كتاب المناسك، باب العمرة، وأخرجه الترمذي والنسائي أتم منه، وقال الترمذي: حسن غريب، ولا نعرف لمحرش الكعبي عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث وقال أبو عمر النمري: روى عنه حديث واحد، وذكر هذا الحديث. كذا في تخريج السنن 2/ 425. 4598 - البخاري (3/ 599) 26 - كتاب العمرة، 3 - باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم.

الباب التاسع عشر في معالم من مسيره عليه الصلاة والسلام من المدينة وإليها

الباب التاسع عشر في معالم من مسيره عليه الصلاة والسلام من المدينة وإليها

4599 - * روى البخار يعن عبد الله بن عباس "رضي الله عنهما" قال: "لما قَدِمَ النبي صلى الله عليه وسلم مكة، استقبله أغيْلِمةُ بني عبد المطلب، فحمل واحداً بين يديه، وآخرَ خلفه". وفي رواية (1) قال: "ذُكِر عند عكرمة شرُّ الثلاثة، فقال: قال ابن عباس: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد حمل قُثَمَ بين يديه، والفضل خلفه- أو قُثَم خلفه، والفضل بين يديه - فأيهم أشرُّ؟ وأيهم أخيرُ؟ ". أقول: قوله (أيهم أشر): أي لا شرير بينهم. 4600 - * روى الستة إلا مالكاً عن العلاء بن الحضرمي رفعه: "يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نُسكه ثلاثاً". وفي رواية (2) "للمهاجر إقامةُ ثلاثٍ بعد الصدْر، كأنه لا يزيد عليها". أقول: كأن الراوي يرى أن من طاف طواف الوداع ثم بقي ثلاثة أيام في مكة بعده فلا عليه أن يعيد طواف الوداع فإن زاد على ذلك أعاد الطواف، ومن الفقهاء من ذهب إلى أن أي طواف بعد طواف الإفاضة ينوب مناب طواف الوداع.

_ 4599 - (3/ 619) 26 - كتاب العمرة، 13 - باب استقبال الحاج القادمين ... إلخ. النسائي (5/ 212) 24 - كتاب مناسك الحج، 121 - باب استقبال الحج. (1) البخاري (10/ 396) 77 - كتاب اللباس، 99 - باب الثلاثة على الدابة. (أغيلمة): تصغير أغلمة، قياساً، وإن لم يجيء، والمستعمل غِلمة، وهو جمع غلام، يعنون: الصغير. 4600 - البخاري (7/ 266، 267) 63 - كتاب مناقب الأنصار، 47 - باب إقامة المهاجر بمكة، بعد قضاء نسكه. مسلم (2/ 985) 15 - كتاب الحج، 81 - باب جواز الإقامة بمكة للمهاجر منها ... إلخ. أبو داود (2/ 213) كتاب المناسك، باب الإقامة بمكة. الترمذي (3/ 284) 7 - كتاب الحج، 103 - باب ما جاء أن يمكث المهاجر بمكة بعد الصدر ثلاثاً. النسائي (3/ 122) 15 - كتاب تقصير الصلاة، 4 - باب المقام الذي يقصر بمثله الصلاة. (2) مسلم: نفس الموضع السابق.

4601 - * روى البخار يعن نافع مولى ابن عمر: أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينزل بذي الخليفة- حين يعتمرُ، وفي حجتهِ حين حج - تحتَ سمرة في موضع المسجد الذي بذي الحليفة، وكان إذا رجع من غزو، وكان في تلك الطريق، أو حج أو عمرةٍ: هبط بطن وادٍ، فإذا ظهر من بطن وادٍ أناخ بالبطحاء التي على الشفير الوادي الشرقية، فعرس ثم حتى يُصبح، ليس عند المسجدِ الذي بحجارةٍ، ولا على الأكمة التي عليها المسجدُ، كان ثم خليجٌ يُصلي عبد الله نده، في بطنه كُتبٌ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي، فدحا السيلُ فيه بالبطحاء حتى دفن ذلك المكان الذي كان عبدُ الله يصلي فيه، قال نافع: وإنَّ عبد الله بن عمر حدثهُ: أن رسول الله صلى جنب المسجد الصغير الذي دون المسجد الصغير الذي دون المسجد الذي بشرف الروحاء وقد كان عبد الله يعلمُ المكان الذي صلى فيه النبي صلى الله، تنزلُ ثم عن يمينك حين تقومُ في المسجد وتصلي، وذلك المسجدُ على حافةِ الطريق اليُمنى، وأنت ذاهبٌ إلى مكة، بينه وبين المسجد الأكبر: رميةٌ بحجرٍ أو نحوُ ذلك، وإن ابن عمر كان يصلي إلى العِرْقِ الذي عند مُنْصَرَفِ الروْحاء، وذلك العرق انتهاء طرفه على حافة الطريق دون المسجد الذي بينه وبين المنصرف وأنت ذاهب إلى مكة، وقد ابتنى ثَمَّ مسجدٌ، فلم يكن عبد الله يُصلي في ذلك المسجد، كان يتركه عن يساره وراءه، ويُصلي أمامه إلى العرقِ نفسه، وكان عبد الله يروحُ من الروحاء، فلا يصلي الظهر حتى يأتي ذلك المكان، فيصلي فيه الظهر، وإذا أقبل من مكة، فإن مر به قبل الصبح بساعةٍ أو من آخر السحر: عرسَ حتى يُصلي بها الصُّبح، وإن عبد الله حدثه (1): أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينزل تحت سرحة ضخمة دون الرويثة عن يمين

_ 4601 - البخاري (1/ 567، 568، 569) 8 - كتاب الصلاة، 89 - باب المساجد التي على طرق المدينة والمواضع التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم. (شفير) كل شيء: حرفه وطرفهُ، كجانب الوادي وغيره، وكذا شفا كل شيء: حرفُهُ. (خليجٌ) الخليج: جانب النهر، كأنه مختلجٌ منه، أي مقطوع. (فعرس) التعريس: نزول المسافر آخر الليل نزلةً للاستراحة أو النوم. (كثُبٌ): جمع كثيب، وهو ما اجتمع من الرمل وارتفع. (فدحا) دحا السيل فيه بالبطحاء: أي دفع ورمى إليه بحصى الحصباء، وبسطها فيه حتى خفي. (بشرف الروحاء): هو ما ارتفع من ذلك المكان، والروحاء: موضعٌ في ذلك المنزل. (العِرق) من الأرض: سبخة تنبتُ الطرفاء. (سرحةٍ) السرحةُ: الشجرةُ الطويلة. (الرويثة): موضعٌ في طريق مكة من المدينة.

الطريق، ووُجاه الطريق في مكان بطح سهل حين يُفضِي في أكمةٍ دوين بريدِ الرُّويثة بميلين، وقد انكسر أعلاها فانثنى في جوفها وهي قائمة على ساقٍ، وفي ساقها كُثُبٌ كثيرةٌ، وإن عبد الله بن عمر حدثه: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في طرف تلعةٍ تمضي وراء العرْجِ، وأنت ذاهبٌ إلى هضبةٍ عند ذلك المسجد قبران أو ثلاثةٌ، على القبور رَضْمٌ من حجارة عن يمين الطريق عند سلمات الطريٌ، بين أولئك السلمات كان عبد الله يروح من العرج بعد أن تميل الشمس بالهاجرة، فيُصلي الظهر في ذلك المسجد، وإن عبد الله بن عمر حدثه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عند سرحاتٍ بكُراعٍ هرشى، عند يسار الطريق في مسيل دون هرشي، لك المسيل لاصقٌ بكُراع هرشى، بينه وبين الطريق قريبٌ من غَلْوةٍ، وكان عبد الله يُصلي إلى سرحةٍ هي أقرب السرحات إلى الطريق، وهي أطولهن، وإن عبد الله بن عمر حدثه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينزل في المسيل الذي في أدنى مر الظهران قِبَلَ المدينةِ حين تنزلُ من الصفراء وأنت تنزل في بطن ذلك المسيل عن يسار الطريق، وأنت ذاهبٌ إلى مكة ليس بين منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الطريق إل رميةٌ بحجرِ، وإن عبد الله بن عمر حدثه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينزل بذي طُوى، ويبيت حتى يُصبح، يُصلي الصبح حين يقدم مكة، ومُصلى رسول الله صلى الله لعيه وسلم ذلك على أكمةٍ غليظةٍ، ليس في المسجد الذي بُني ثَمَّ، ولكن أسفل من ذلك على أكمةٍ غليظةٍ، وإن عبد الله حدثه (1): أن النبي صلى الله عليه وسلم استقبل فُرضتي الجبل الذي بينه وبين الجبل الطويل نحو الكعبة، فجعل المسجد الذي بُني ثم يسار المسجد

_ (بريد) البريدُ: المسافة من الأرض مقدرة، يقال: إنها فرسخان، وقيل: أربعةُ فراسخ. (هضبةٌ) الهضبة: الرابية الملساء القليلة النبات. (رضم) حِجارةً مجتمعة، وجمعها رضامٌ، وواحد الرضم: رضمة. (سلمات) السلماتُ: شجر، واحدها: سلمة، وجنسها السلم. (غلوةٍ) يقال: غلا الرجلُ بسهمه غلواً: إذا رمى به أقصى الغاية، وكل مرماةٍ: غلوةً. (كُراع هرشى) هرشيى: مكان، وكُراعه: طرفه. (فرضتي الجبل) الفُرضة: ما انحدر من وسط الجبل، وتُسمى مشرعة النهرِ: فُرضة. (بطح) البطحُ: المتسعُ من الأرض. (تلعة) التلعةُ: كالرابية، وقيل: هو منخفض من الأرض، فهو من الأضداد. (الروحاء): قال الحافظ في "الفتح: 1/ 470": هي قرية جامعة على ليلتين من المدينة، وهي آخر السيالة للمتوجه إلى مكة، والمسجد الأوسط: هو في الوادي المعروف الآن بوادي بني سالم، وفي الأذان من "صحيح مسلم" أن بينهما ستة وثلاثين ميلاً. (العرق): أي عرق الظبية، وهو واد معروف، قاله الحافظ في الفتح.

بطرفٍ الأكمة، ومصلى النبي صلى الله عليه وسلم أسفل منه على الأكمة السوداء، تدعُ من الأكمة عشرةَ أدرعٍ أو نحوها، ثم تصلي مستقبل الفرضتين من الجبل الذي بينك وبين الكعبة". وأخرج البخاري من حديث موسى بن عُقبة قال: "رأيت سالم بن عبد الله يتحرى أماكن من الطريق فيصلي فيها، ويُحدث: أن أباه كان يُصلي فيها، وأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يُصلي في تلك الأمكنة، وسألت سالماً؟ فلا أعلم إلا أنه وافق نافعاً في الأمكنة كلها، إلا أنهما اختلفا في مسجد بشرف الروحاء". 4602 - * روى ابن خزيمة عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "دخل مكة من الثنية العليا التي عند البطحاء، وخرج من الثنية السُّفْلى". قال ابن خزيمة: فقول ابن عمر: "دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة من الثنية العليا" دالٌّ على أن الثنية ليست من مكة، والثنية من الحرم ووراءها أيضاً من الحرم، وكذا من الحرم وما وراءها أيضاً من الحرم إلى العلامات التي أعلمت بني الحرم وبين الحلِّ. فكيف يجوز أن يقال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة من مكة، فلو كانت الثنية من مكة وكداء من مكة لما جاز أن يقال دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة من الثنية ومن كداء. وقد يجوز أن يحتج بأن جميع الحرم من مكة لقوله صلى الله عليه وسلم "إن مكة حرّمها الله يوم خلق السماوات والأرض" فجميع الحرم قد يجوز أن يقع عليه اسم مكة، إلا أن المتعارف عند الناس أن مكة موضع البناء المتصل بعضه ببعض، يقول القائل: خرج فلان من مكة إلى منى ورجع من منى إلى مكة، وإذا تدبرت أخبار النبي صلى الله عليه وسلم في المناسك وجدت ما يشبه هذه اللفظة كثيراً في الأخبار، فأما عرفة وما وراء الحرم فلا شك ولا مرية أنه ليس من مكة. والدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم نفر من منى يوم الثالث من أيام التشريق. 4603 - * روى ابن خزيمة عن ابن عمر، قال: أهل مرةٌ من ذي الحُليفة من عند الشجرة، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاء ذا طوى بات حتى يُصلي الصُّبح، فاغتسل ثم دخل من أعلى مكة من كُداي، وخرج حين خرج من كُدي من أسفل مكة (1).

_ 4602 - ابن خزيمة (4/ 204، 205) كتاب المناسك، 607 - باب استحباب دخول مكة من الثنية العليا ... إلخ، وهو صحيح. 4603 - ابن خزيمة (4/ 205) 608 - باب استحباب الاغتسال لدخول مكة ... إلخ، وهو صحيح.

4604 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) قال: "إن النبي صلى الله عليه وسلم أُتِيَ وهو في مُعَرَّسِه من ذي الحُليفةِ في بطن الوادي، فقيل له: إنك ببطحاء مباركةٍ. قال موسى - هو ابن عقبة - وقد أناخ بنا سالمٌ في المناخ من المسجد الذي كان عبد الله يُنيخ به، يتحرى مُعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أسفل من المسجد الذي ببطن الوادي، بينه وبني القِبلَةِ، وسطاً من ذلك" وللنسائي (1): "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة، وصلى بها". أقول: قوله: (أُتِيَ): إشارة إلى أنه أوحي إليه، وفي النص دلالة على أن مُعَرَّس رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذي الحليفة مُبارك. 4605 - * روى الشيخان عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم "دخل مكة من كداء من الثنية العليا التي عند البطحاء وخرج من الثنية السفلى". وزاد في رواية (2): "إذا خرج من مكة يصلي في مسجد الشجرة وإذا رجع صلى بذي الحليفة ببطن الوادي وبات حتى يصبح". 4606 - * روى الشيخان عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "دخل عام الفتح من كداء من أعلى مكة ودخل في العمرة من كُدي وكان عروة يخل منهما جميعاً وكان أكثر ما يدخل

_ 4604 - البخاري (3/ 392) 25 - كتاب الحج، 16 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "العقيق وادٍ مبارك". مسلم (2/ 981، 982) 15 - كتاب الحج، 77 - باب التعريس بذي الحليفة .... إلخ. (1) النسائي (5/ 127) 24 - كتاب مناسك الحج، 24 - باب التعريس بذي الحليفة. (المعرسُ): موضع التعريس، وهو نزول المسافر آخر الليل نزلةً للاستراحة والنوم. (التحري): القصد والاعتماد لتحقيق الغرض المطلوب. 4605 - البخاري (3/ 436) 25 - كتاب الحج، 41 - باب من أين يخرج من مكة. مسلم (2/ 918) 15 - كتاب الحج، 37 - باب استحباب دخول مكة من الثنية العليا ... إلخ. أبو داود (2/ 174) كتاب المناسك، باب دخول مكة. النسائي (5/ 200) 24 - كتاب المناسك، 105 - باب من أين يدخل مكة. (2) للبخاري (3/ 619) 6 - كتاب العمرة، 14 - باب القدوم بالعداة. 4606 - البخاري (3/ 437) 25 - كتاب الحج، 41 - باب من أين يخرج من مكة. مسلم (2/ 919) الموضع السابق. أبو داود (2/ 174) الموضع السابق. الترمذي (3/ 209) 7 - كتاب الحج، 30 - باب ما جاء في دخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة ... إلخ.

من كداء وكان أقربهما إلى منزله". 4607 - * روى مسلم عن نافع أن ابن عمر كان يغتسل لدخول مكة (1). * * *

_ 4607 - مسلم (2/ 919) الموضع السابق. الترمذي (3/ 208) 29 - باب ما جاء في الاغتسال لدخول مكة.

الباب العشرون في الحج عن الغير وحج الصبي والعبد والمجنون

الباب العشرون في الحج عن الغير وحج الصبي والعبد والمجنون

عرض إجمالي

عرض إجمالي العبادات ثلاثة أنواع: أ- عبادات مالية محضة: كالزكاة والكفارة وتوزيع الأضاحي، ويجوز النيابة فيها بالاتفاق في حالتي الاختيار والضرورة، لأن المقصود انتفاع أهلها بها، وذلك حاصل بأي شخص أصيل أو نائب. ب- عبادة بدنية محضة: كالصلاة والصوم، لا تجوز فيها النيابة لأن المقصود هو إتعاب النفس ولا يحصل بالإنابة. ج- عبادة مركبة - بدنية ومالية معاً-: كالحج يجوز فيها النيابة عند العجز أو الضرورة لأن المشقة المقصودة تحصل بفعل النفس، وتحصل أيضاً بفعل الغير إذا كان بماله، فهذه العبادة تختلف عن الصلاة باشتمالها على القربة المالية غالباً بالإنفاق في الإسفار. وجمهور العلماء على وصول ثواب الدعاء والصدقة والهدي للميت وقالوا: للإنسان أني جعل ثواب عمله لغيره صلاة أو صوماً أو صدقة أو تلاوة قرآن بأن يقول: اللهم اجعل ثواب ما أفعل لفلان، وقال الحنفية: من لم يجب عليه الحج بنفسه لعذر كالمريض ونحوه وله مال، يلزمه أن يحج رجلاً عنه ويجزئ عن حجة الإسلام، أي أنه تجوز النيابة في الحج عند العجز فقط لا عند القدرة بشرط دوام العجز إلى الموت، وتجب عند الشافعية الاستنابة عن الميت إذا كان قد استطاع في حياته، ولم يحج، إذا كان له تركة، وإلا فلا يجب على الوارث، ويجوز للأجنبي الحج عنه سواء أوصى به أم لا. ويجوز أن يكون النائب رجلاً عن امرأة والعكس: امرأة عن رجل بلا خلاف بين العلماء. لكن يكره عند الحنفية إحجاج المرأة لاشتمال حجها عادة على نوع من النقصان، فإنها لا ترمل في الطواف وفي السعي بين الصفا والمروة ولا تحلق. ويجوز عند الجمهور الحج عن الغير الذي مات ولم يحج أو عن المريض الحي الذي عجز عن الحج وله مال، واشترط الحنفية لذلك عشرين شرطاً أهمها: نية النائب عن الأصيل عند الإحرام، وأن يكون الأصيل عاجزاً عن أداء الحج بنفسه وله مال، ووجوب الحج عن الأصيل وأن يحرم النائب من الميقات على النحو الذي طالب به الأصيل، وأهلية النائب

لصحة الحج، وأن يحرم بحجة واحدة، وأن يفرد الحج عن احد لو أمره رجلان بالحج. أما المجنون فلا حج عليه، وإن حج ثم صحا فعليه أن يعيد الحج، وكذلك الصبي غير البالغ لا حج عليه، فإن حج وبلغ أعاد الحج. [البدائع (2/ 124) الشرح الصغير (2/ 15)، بداية المجتهد (1/ 309)، مغني المحتاج (1/ 468)، المغني (3/ 227)، الفقه الإسلامي (3/ 38)].

4608 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: "كان الفضلُ ابن عباس رديفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجائَتْه امرأةٌ من خثعم تستفتيه، فجعل الفضل ينظرُ إليها وتنظر إليه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرفُ وجه الفضل إلى الشقِّ الآخرِ، قالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركتْ أبي شيخاً كبيراً لا يستطيعُ أن يثبت على الراحلة، أفأحجُّ عنه؟ قال: نعم، وذلك في حجة الوداع". وفي أخرى (1) للنسائي عنه: قال: "إن رجلاً قال: يا نبي الله، إن أبي مات ولم يحج، أفأحُجُّ عنه؟ قال: أرأيت لو كان على أبيك دينٌ أكنت قاضيه؟ قال: نعم، قال: فدينُ الله أحقُّ". وفي أخرى (2) له نحوه، وقال فيها: "وهو شيخٌ كبيرٌ لا يثبتُ على الراحلة، وإن شددتُه خشيتُ أن يموتَ". 4609 - * روى ابن خزيمة عن ابن عباس يقول: قال فلان الجُهنيُّ: يا رسول الله، إن أبي مات وهو شيخٌ كبيرٌ لم يحُجَّ، أو لا يستطيعُ الحجَّ. قال: "حُجَّ عنْ أبيكَ". 4610 - * روى أحمد عن سودة قالت: جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن أبي شيخٌ كبيرٌ لا يستطيع الحج قال: "أرأيتك لو كان على أبيك دينٌ فقضيت عنه قُبِلَ منك؟ قال: نعم قال: فاللهُ أرحم، حُجَّ عنْ أبيكَ".

_ 4608 - البخاري (3/ 378) 25 - كتاب الحج، 1 - باب وجوب الحج وفضله. مسلم (2/ 973) 15 - كتاب الحج، 71 - باب الحج عند العاجز لزمانة وهرم ونحوهما، أو للموت. الموطأ (1/ 359) 20 - كتاب الحج، 30 - باب الحج عمن يحج عنه. أبو داود (2/ 161، 162) كتاب المناسك، باب الرجل يحج عن غيره. (1) النسائي (5/ 118) 24 - كتاب مناسك الحج، 11 - باب تشبيه قضاء الحج بقضاء الدين. (2) النسائي: الموضع السابق. 4609 - ابن خزيمة (4/ 343، 344) كتاب مناسك، 859 - باب الحج عن الميت ... إلخ، وإسناده صحيح. 4610 - أحمد (6/ 429). الطبراني "الكبير" (24/ 37). مجمع الزوائد (3/ 282) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورجاله ثقات.

4611 - * روى الترمذي عن أبي رزين العُقيلي (رضي الله عنه) قال: "يا رسول الله، إن أبي شيخ كبيرٌ، لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن؟ قال له: حُجَّ عن أبيك واعتمر". 4612 - * روى البزار عن أنس بن مالك، قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي مات ولم يحج حجة الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرأيت لو كان على أبيك دينٌ أكنت تقضيه عنه قال: نعم، قال: فإنه دينٌ عليه فاقضه". 4613 - * روى النسائي عن عبد الله بن الزبير (رضي الله عنهما) "أن رجلاً من خثعم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن أبي شيخٌ كبيرٌ لا يستطيعُ الركوب، وأدركتهُ فريضةُ الله في الحج، فهل يُجزيء أن أحُجَّ عنه؟ قال: أنت أكبرُ ولده؟ قال: نعم، قال: أرأيت لو كان على أبيك دينٌ، أكنت تقضيه؟ قال: نعم، قال: فحُجَّ عنه". 4614 - * روى البخاري عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: "أتى رجلٌ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن أختي نذرتْ أن تحُجَّ، وإنها ماتتْ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو كان عليها دينٌ أكنت قاضيهُ؟ قال: نعم، قال: فاقض الله فهو أحقُّ بالقضاء". وفي رواية (1): "أن امرأةً من جُهينة جاءتْ إلى النبي صلى اله عليه وسلم، فقالت: إن أُمِّي نذرت

_ 4611 - الترمذي (3/ 269، 270) 7 - كتاب الحج، 87 - باب منه، وإسناده صحيح، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. أبو داود (2/ 162) كتاب المناسك، باب الرجل يحج عن غيره. النسائي (5/ 117) 24 - كتاب مناسك الحج، 10 - باب العمرة عن الرجل الذي لا يستطيع. 4612 - كشف الأستار (2/ 36) كتاب المناسك، باب فيمن مات وعليه حج. الطبراني "الكبير" (1/ 258). مجمع الزوائد (3/ 282) وقال الهيثمي: رواه البزار والطبراني في الأوسط والكبير، وإٍناده حسن. 4613 - النسائي (5/ 117، 118) 24 - كتاب مناسك الحج، 11 - باب تشبيه قضاء الحج بقضاء الدين، وهو حسن لغيره. 4614 - البخاري (11/ 584) 83 - كتاب الأيمان والنذور، 30 - باب من مات وعليه نذر. النسائي (5/ 116) 24 - كتاب مناسك الحج، 7 - باب الحج عن الميت الذي نذر أن يحج. (1) البخاري (4/ 64) 28 - كتاب جزاء الصيد، 22 - باب الحج والنذور عن الميت ... إلخ.

أن تحُج، فلم تحُج حتى ماتتْ، أفأحُجُّ عنها؟ قال: حُجِّي عنها، أرأيت لو كان على أمك دينٌ أكنت قاضيته؟ قالت: نعم، قال: اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء". وللنسائي (1): "أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أبيها مات ولم يحُجَّ؟ قال: حُجِّي عن أبيك". قال الحافظ في الفتح: وفي الحديث: قضاء الحقوق الواجبة عن الميت، وفيه استفتاء الأعلم، وفيه فضل بر الوالدين بعد الوفاة، والتوصل إلى براءة ما في ذمتهم. 4615 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عباسٍ (رضي الله عنهما) قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: لبيك عن شُبْرُمة، قال: ومنْ شُبْرُمة؟ قال: أخٌ لي، أو قريبٌ لي، فقال: أحججت عن نفسك؟ قال: لا، قال: فحُجَّ عن نفسك، ثم حُجَّ عن شُبْرُمة". أقول: يجوز للإنسان أن يحج عن غيره، ولو لم يحج عن نفسه مع الكراهة. والحديث محمول على الكراهة لا على نفي الجواز. 4616 - * روى مسلم عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) "أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيَ ركباً بالروحاء. فقال: مَنِ القومُ؟ قالوا: المسلمون، فقالوا: منْ أنتَ؟ قال: رسول الله، فرفعت إليه امرأةٌ صبياً، فقالت: ألهذا حجٌّ؟ قال: نعم، ولك أجر". وفي رواية (2): عن كُريبٍ مرسلاً: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بامرأةٍ وهي في محفتها، فقيل لها: هذا رسول الله، فأخذت بضبعَي صبيٍّ كان معها، فقالت: ألهذا حجٌّ

_ (1) النسائي (5/ 116، 117) 8 - باب الحج عن الميت الذي لم يحج. 4615 - أبو داود (2/ 162) كتاب المناسك، باب الرجل يحج عن غيره. قال البيهقي: إسناده صيح، وليس في هذا الباب أصح منه. 4616 - مسلم (2/ 974) 15 - كتاب الحج، 72 - باب صحة حج الصبي، وأجر من حج به. أبو داود (2/ 142، 143) كتاب المناسك، باب في الصبي يحج. النسائي (5/ 120، 121) 24 - كتاب مناسك الحج، 15 - باب الحج بالصغير. (2) الموطأ (1/ 422) 20 - كتاب الحج، 81 - باب جامع الحج. (بضبعي صبيِّ) ضبعُ الإنسان: ما تحت الإبط إلى الخاصرة.

يا رسول الله؟ فقال: نعم، ولك أجرٌ". قال النووي في شرح مسلم: وفي هذا حجة للشافعي ومالك وأحمد وجماهير العلماء: أن حج الصبي منعقد صحيح يثاب عليه وإن كان لا يجزئه عن حجة الإسلام، بل يقع تطوعاً، وهذا الحديث صريح فيه، وقال أبو حنيفة: لا يصح حجه قال أصحابه: وإنما فعلوه تمريناً له ليعتاده فيفعله إذا بلغ، وهذا الحديث يرد عليهم. قال القاضي: لا خلاف بين العلماء في جواز الحج بالصبيان، وإنما منعه طائفة من أهل البدع، ولا يلتفت إلى قولهم، بل هو مردود بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وإجماع الأمة، وإنما خلاف أبي حنيفة في أنه هل ينعقد حجه ويجري عليه أحكام الحج ويجب فيه الفدية ودم الجيران وسائر أحكام البالغ؟ فأبو حنيفة يمنع ذلك كله ويقول: إنما يجنب ذلك تمريناً على التعليم، والجمهور يقولون: تجري عليه أحكام الحج في ذلك، ويقولون: حجه منعقد يقع نفلاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل له حجاً. قال القاضي: وأجمعوا على أنه لا يجزئه إذا بلغ عن فريضة الإسلام إلا فرقة شذت فقالت: يجزئه ولم يلتفت العلماء إلى قولها وقال النووي: قوله: "ولك أجر" معناه بسبب حملها له وتجنبها إياه. وما يجتنبه المحرم وفعل ما يفعله المحرم والله أعلم. وأما الولي الذي يحرم عن الصبي، فالصحيح عند أصحابنا: أنه الذي يلي ماله، وهو: أبوه، أو جده، أو الوصي، أو القيم من جهة القاضي، أو القاضي أو الإمام، وأما الأم، فلا يصح إحرامها عنه، إلا أن تكون وصيته أو قيمته من جهة القاضي. وقيل: إنه يصح إحرامها وإحرام العصبة وإن لم يكن لهم ولاية المال. هذا كله إذا كان صغيراً لا يميز، فإن كان مميزاً أذن له الولي فأحرم، فلو أحرم بغير إذن الولي، أو أحرم الولي عنه، لم ينعقد على الأصح، وصفة إحرام الولي عن غير المميز أن يقول بنفسه: جعلنه محرماً والله أعلم. 4617 - * روى الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما صبي حجَّ ثم بلغ الحنث عليه حجةٌ أخرى. وأيما أعرابيٍّ حجَّ ثم هاجر فعليه أنْ يحُجَّ حجةً أخرى. وأيما عبدٍ حجَّ ثم عُتِقَ فعليه حجةٌ أخرى" (1).

_ 4617 - مجمع الزوائد (3/ 205، 206) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح، وكذلك رواه الخطيب البغدادي، وهو حديث صحيح.

أقول: إن إعادة الأعرابي حجته بعد الهجرة كانت ثم نسخت. 4618 - * روى البخاري عن السائب بن يزيد (رضي الله عنه) قال: "حجَّ بي أبي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداعِ، وأنا ابن سبع سنين". 4619 - * روى ابن خزيمة عن ابن عباس، قال: مر عليُّ بن أبي طالب بمجنونة بني فلان قد زنتْ، أمر عمر برجمها، فردها عليٌّ، وقال لعمر: يا أمير المؤمنين أترجم هذه؟ قال: نعم. قال: أما تذكُر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رُفِعَ القلم عن ثلاثةٍ، عن المجنون المغلوب على عقله، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبيِّ حتى يحتلم". قال: صدقت، فخلى عنها. قال ابن خزيمة: وفيه دليل عندي على أنَّ المجنون إذا حجَّ به في حال جُنونه ثم أفاق لم يُجْزِه كالصبيِّ. 4620 - * روى ابن خزيمة عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا حج الصبيُّ فهي له حجةٌ حتى يعقل، فإذا عقل فعليه حجةٌ أخرى، وإذا حج الأعرابيُّ فهي له حجةٌ، فإذا هاجر فعليه حجةٌ أخرى". قال ابن خزيمة: هذه اللفظة: "وإذا حج الأعرابيُّ" من الجنس التي كنت أقول إنه في بعض الأوقات دون جميع الأوقات. وهذه اللفظة إن صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنما كان هذا الحكم قبل فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة، فلما فتحها وخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا هجرة بعد الفتح استوى الأعرابيُّ والمهاجرُ في الحجِّ، فجاز عن الأعرابي إذا حج، كما يجوز عن المهاجر لسقوط الهجرة وبطلانها بعد فتح مكة (1). * * *

_ 4618 - البخاري (4/ 71) 28 - كتاب جزاء الصيد، 25 - باب حج الصبيان. الترمذي (3/ 265) 7 - كتاب الحج، 83 - باب ما جاء في حج الصبي. 4619 - ابن خزيمة (4/ 348) كتاب المناسك، 869 - باب ذكر إسقاط فرض الحج عن الصبي قبل البلوغ، وعن المجنون حتى يفيق، وهو حديث صحيح، ورجاله ثقات. 4620 - ابن خزيمة (4/ 349) 871 - باب الصبي يحج قبل البلوغ ثم يبلغ، وإسناده صحيح.

الباب الحادي والعشرون في الهدي

الباب الحادي والعشرون في الهدي

عرض إجمالي

عرض إجمالي للهدْي شأن كبير في الحج، فإذا كان للأضحية شأنها، فشأن الهدي أكبر، ومن قرأ القرآن وفهم معناه وقرأ نصوص السنة أدرك ما للهدي من شأن كبير في الحج. والهدي: يطلق على ما يذبحه الحاج أو المعتمر سواء لقرانه أو تمتعه أو بسبب حصره أو بسبب جنايته على الحج أو العمرة أو كان تطوعاً، فقد سمى الله كل ذلك هدياً، قال تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (1) وقال تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ} (2) وقال تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} (3) وقال تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (4). والتعبد بإراقة دم الأنعام شريعة دائمة، فهي من أعظم الشعائر التعبدية وبقدر ما يعتني الإنسان بها يكون له أجره، فذلك من تعظيم شعائر الله {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} (5). والهدي في اللغة: اسم لما يُهدى، وفي الشرع: هو ما يهدى إلى الحرم من الأنعام. وسوقُ الهدي سنة لمن أراد أن يحرم بحج أو عمرة، والهدي: بدنة أو بقرة أو شاة، وقد يطلق الدم أو النسك على الهدي، والمراد بالنسك أو الدم هو الذبيحة وهي الشاة لإجماع المسلمين على أن الشاة مجزية في الفدية عن حلق الشعر أو قلم الظفر ونحو ذلك، والمجزيء من الهدي بالاتفاق: ما يجزيء في الأضحية، وهو الثني فصاعداً (أي ما تم له سنة من الغنم وما تم له سنتان من البقر وما تم له خمس سنين من الإبل) ولا يجزيء في الهدي مقطوع الأذن أو أكثرها، ولا مقطوع الذنب، ولا اليد ولا الرجل ولا الذاهبة العين، ولا العجفاء ولا العرجاء، والذكر والأنثى في الهدي سواء. والهدي نوعان: واجب وتطوع، أما هدي التطوع: فهو ما يقدمه الإنسان قربة إلى الله تعالى بدون إيجاب سابق، والأفضل عند الجمهور سوق الهدي من بلده، فإن لم يكن،

_ (1) البقرة: 196. (2) المائدة: 97. (3) المائدة: 95. (4) البقرة: 196. (5) الحج: 32.

الهدي الواجب نوعان

فمن طريقه من الميقات أو غيره، والمستحب أن يكون ما يهديه سميناً حسناً. والهدي الواجب نوعان: واجب بالنذر في ذمته للمساكين أو على الإطلاق، فإن نذر وجب عليه، لأنه قربة، فيلزمه بالنذر، وواجب بغير النذر، كدم التمتع والقرآن، والدماء الواجبة تكون بترك واجب أو فعل محظور، والواجب من الهدي بغير النذر عند المالكية خمسة أنواع: هدي المتعة والقرآن، وكفارة الوطء، وجبر ما تركه من الواجبات كرمي الجمار والمبيت بمنى والمزدلفة وغير ذلك، وهدي الفوات، وجزاء الصيد، وعند الشافعية والحنابلة الهدي الواجب بغير النذر ينقسم إلى قسمين: منصوص عليه في القرآن، ومقيس على المنصوص، أما المنصوص عليه: فهو أربعة أنواع: دم التمتع، وجزاء الصيد، وفدية دفع الأذى كحلق، وفدية الإحصار، وأما المقيس على المنصوص عليه فهو نوعان: أحدهما لترك نسك يجبر تركه وهو خمسة: ترك الإحرام من الميقات، وترك المبيت بمزدلفة، وبمنى، وترك الرمي، وطواف الوداع، ويقاس على دم التمتع، ويقاس عليه أيضاً دم الفوات، وهو ذبح شاة، فإن عجز صام عشرة أيام، والثاني: الترفه وهو خمسة أيضاً: الوطء في فرج أو غيره، واللمس بشهوة، والقبلة، والتطيب، واللباس. شروط هدي التمتع: من اعتمر في أشهر الحج، فطاف وسعى، ثم أحرم بالحج من عامه ولم يكن خرج من مكة إلى ما تقصر فيه الصلاة، عليه دم بالإجماع، ويمكن تلخيص شروط وجوب الدم على التمتع بما يأتي وهي خمسة: 1 - أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج. 2 - أن يحج من عامه. 3 - ألا يسافر بين العمرة والحج سفراً بعيداً تقصر في مثله الصلاة، وهذا رأي الحنابلة. 4 - أن يحل من إحرام العمرة قبل إحرامه بالحج. 5 - ألا يكون من حاضري المسجد الحرام: وهذا متفق عليه، فلا يجب دم المتعة على حاضري المسجد الحرام، فإن لم يجد المتمتع الهدي ينتقل إلى صوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى وطنه، وإذا لم يصم المتمتع الثلاثة أيام في الحج فإنه يصومها بعد ذلك باتفاق أئمة المذاهب، والأظهر عند الشافعية أنه يلزمه أن يفرق في قضائها بينها بين السبعة. الأكل من الهدي: يرى الحنفية أنه يجوز الأكل من هدي التطوع والمتعة والقرآن، إذا

بلغ الهدي مَحِلَّه، لأنه دم نسك، ولا يجوز الأكل من بقية الهدايا كدماء الكفارات والنذور وهدي الإحصار والتطوع إذا لم يبلغ محله، ومحله: منى أو مكة، وقرر المالكية: أن صاحب الهدايا يأكل منها كلها إلا من أربعة: جزاء الصيد، ونسك الأذى، ونذر المساكين وهدي التطوع إذا عطب قبل محله، فنحره، فإن أكل من هذه الأربعة، فعليه بدل البهيمة إلا النذر المعين للمساكين يضمن فقط بقدر أكله منه، وما سوى هذه الأربعة يجوز لصاحبها الأكل منها مطلقاً: قبل المحل وبعده، وهو كل هدي وجب أو ندب في حج أو عمرة. والمتطوع به يجوز لصاحبه - كالأضحية- الأكل منه اتفاقاً. ويلزمه التصدق بقدر ما ينطلق عليه الاسم، وهو أقل متموَّل، والأفضل إذا أراد تقسيمه أن يأكل منه ثلثه، ويهدي للأغنياء ثلثه ويتصدق بثلثه، وقال الحنابلة: لا يأكل الإنسان من كل واجب بنذر أو بتعين إلا من هدي التمتع والقرآن دون ما سواهما، ولأن دم المتعة والقرآن دماً نسك فأشبها التطوع، ويستحب أن يأكل من هدي التطوع، والمستحب أن يأكل اليسير منها، وإن أكل مما منع من أكله أو أعطى الجازر منها شيئاً أو باع شيئاً منها أو أتلفه، ضمنه بمثله لحماً، وإن أطعم غنياً مما يجوز له الأكل منه على سبيل الهدية جاز. قال الحنفية: لا يجوز ذبح هدي المتعة والقرآن إلا في يوم النحر لأنه دم نسك، والصحيح أن يجوز دم التطوع قبل يوم النحر، وذبحه يوم النحر أفضل، ويجوز ذبح بقية الهدايا أي وقت شاء، ولا يجوز ذبح الهدايا إلا في الحرم، وقال المالكية: يجب على المتعمد نحر الهدي بمنى بشروط ثلاثة: إن سبق الهدي في إحرامه بحج، ووقف به بعرفة كوقوفه هو في كونه بجزء من الليل، وكان النحر في أيام النحر، أما فدية المحظور من لبس أو طيب ونحوهما: وهي الشاة أو إطعام ستة مساكين أو صيام ثلاثة أيام ولو أيام منى فلا تختص بأنواعها الثلاثة بمكان أو زمان فيجوز تأخيرهما لبلده أو غيره في أي وقت شاء. وقال الشافعية: وقت ذبح الهدي إن كان تطوعاً أو بنذر: وقت الأضحية، أما إن كان بسبب فعل حرام أو ترك واجب فلا يختص بوقت، ومكان الذبح للمحصر مكان حصره أو الحرم، ولغير المحصر: جميع الحرم، وقال الحنابلة: فدية الأذى بحلق رأس أو غيره: في الموضع الذي حلق في، وما عدا فدية الشعر من الدماء يكون بمكة، وأما جزاء الصيد فهو لمساكين الحرم، والأفضل نحر ما وجب بحجٍ بمنى، وما وجب بعمرةٍ بمكة، ويجزئ

ما وجب بفعل محظور غير صيد، خارج الحرم، ولو بلا عذر، والأفضل عند الجمهور في البدن: النحر، وفي البقر والغنم: الذبح، والأولى بالاتفاق أن يتولى الإنسان ذبح الهدي بنفسه إن كان يحسن ذلك، لأنه قربة، وإن ذبح الهدي غير صاحبه أجزأه، والمستحب أن يشهد ذبحه، والأفضل أن يتولى تفريق اللحم بنفسه، ويباح للفقراء الأخذ من الهدي إذا لم يدفع إليهم إما بالإذن الصريح أو بالإذن دلالة، وأجاز الحنفية أن يتصدق بلحم الهدي على مساكين الحرم وغيرهم، وعلى مساكين الحرم أفضل إلا أن يكون غيرهم أحوج، ويتصدق بجلال الهدايا وخطامها، وقال المالكية كالحنفية: يوزع لهم الهدي والخطام والجلال على المساكين، ويرى الشافعية أن جزاء الصيد وفدية الأذى كحلق وتقليم أظفار ودم التمتع والقرآن يذبح ويتصدق به على مساكين الحرم. وأما رأي الحنابلة: فهو أن كل هدي أو إطعام لترك نسك أو فوات أو فعل محظور فهو لمساكين الحرم، إن قدر على إيصاله إليهم إلا أن فدية الأذى توزع على المساكين في الموضع الذي حلق فيه، ويصح تفرقة اللحم أو إعطاؤه لمساكين الحرم مذبوحاً أو حياً لينحروه، وإلا استرده ونحره، فإن أبى أو عجز، ضمنه. ومساكين الحرم: من كان فيه من أهله، أو وارد إليه من الحاج وغيرهم وهم الذين يجوز دفع الزكاة إليهم، ويجوز إباحة الذبيحة لهم، وما جاز تفريقه بغير الحرم، لم يجز دفعه إلى فقراء أهل الذمة في رأي الجمهور، ويجوز الانتفاع بالهدي عند الضرورة أو الحاجة. فقال المالكية: يجوز له ركوبه إن احتاج إليه، ولا يشرب من اللبن وإن فضل عن الفصيل، وقال الحنفية: من ساق بدنة، فاضطر إلى ركوبها أو حَمْلِ متاعه عليها، ركبها وحملها، وإن استغنى عن ذلك لم يركبها وإذا ركبها أو حملها فانتقصت فعليه ما انتقص منها، وإن كان لها لبن لم يحلبها، وإن صرفه لنفسه تصدق بمثله أو قيمته لأنه مضمن عليه. وقال الحنابلة: له ركوب الهدي على وجه لا يضر به، وللمهدي شرب لبن الهدي، لأن بقاءه في الضرع يضر به، فإذا كان ذا ولد لم يشرب إلا ما فضل عن ولده، وقال الشافعية: للمحتاج دون غيره أن يركب الهدي المنذور ويشرب من لبنه ما فضل عن ولده، ولو تصدق به، كان أفضل، ولو كان عليه صوف لا منفعة له في جزه، ولا ضرر عليه في تركه، لم يجز له جزه، وإن كان عليه في بقائه ضرر، جاز له جزه، وينتفع به، فلو تصدق به كان أفضل.

تقليد الهدي

وتقليد الهدي: هو أن يعلق في عنق الهدي قلادة مضفورة من حبل أو غيره ويعلق بها نعلان أو نعل. والإشعار: أن يشق سنام البدنة اليمن عند الشافعية والحنابلة، أو الأيسر عند المالكية، والتقليد هو المستحب بالاتفاق، أما الإشعار فمختلف فيه، فقال الحنفية: الإشعار مكروه لأنه مثلة، ولا يجب. التعريف بالهدايا: وهو إحضارها عرفة، فإن عرَّف بهدي المتعة والقرآن والتطوع فحسن، ويقلد هدي التطوع والمتعة والقرآن إذا كان من الإبل والبقر لأنه دم نسك، فيليق به الإظهار والشهرة، تعظيماً لشعائر الإسلام، وأما الغنم فلا يقلد، وكل ما يقلد يخرج به إلى عرفات، ومالا فلا. وقال المالكية: يستحب تقليد الهدي وإشعاره وتجليله، والإشعار والتقليد والتحليل كله في الإبل، وأما البقر فتقلد وتشعر ولا تحلل وأما الغنم فلا تقلد ولا تشعر ولا تحلل. وقال الشافعية: إن ساق هدياً تطوعاً أو منذوراً، فإن كان بدنة، أو بقرة استحب له أن يقلدها نعلين لهما قيمة ليتصدق بهما، وأن يشعرها أيضاً، وإن ساق غنماً قلدها خُرَبَ القُرَب: وهي عراها وآذانها ولا يشعرها، ويكون تقليد الجميع والإشعار وهي مستقبلة القبلة، والبدنة باركة، وإذا قلد النعم وأشعرها، لم تصر هدياً واجباً، على المذهب الصحيح المشهور، وقال الحنابلة كالشافعية: يسن التقليد للهدي سواء أكان إبلاً أو بقراً أو غنماً، ويسن إشعار الإبل والبقر. وقال الحنفية: من ساق هدياً فعطب- أي هلك - فإن كان تطوعاً فليس عليه غيره، وإن كان عن واجب فعليه أن يقيم غير مقامه، وإن أصابه عيب كبير، أقام غيره مقامه، وإذا عطبت البدنة في الطريق: فإن كان تطوعاً نحرها، وصبغ نعلها بدمها، وضرب بقلادتها المصبوغة بدمها صفحتها، ولم يأكل منها صاحبها ولا غيره من الأغنياء، ليعلم الناس أنه هدي، فيأكل منه الفقراء دون الأغنياء، وإن كانت البدنة واجبة، أقام غيرها مقامها، وصنع بها ما شاء لأنها ملكه كسائر أملاكه، قال المالكية: إذا عطب هدي التطوع قبل محله، ينحره ويخلي بينه وبين الناس، ولا يأكل منه، فإن أكل منه، فعليه بدله، وأما ولد الهدي المولود: فإن ولد قبل التقليد فيستحب نحره، وإن ولد بعد التقليد أو

الإشعار، فيجب حمله إلى مكة على غير أمه إن لم يمكن سوقه، وكذلك قال الشافعية: إن عطب الهدي وخاف أن يهلك، نحره وغمس نعله التي قلده إياها في دمه، وضرب به صفحته تركه موضعه ليعلم من مر به أنه هدي فيأكله، فإن كان تطوعاً فله أن يفعل به ما شاء من بيع وذبح وأكل وإطعام لغيره، وتركه وغير ذلك، وإن كان منذوراً: لزمه ذبحه، فإن تركه حتى هلك لزمه ضمانه ولا يجوز للمهدي ولا للسائق هذا الهدي وقائده الأكل منه بلا خلاف، ولا يجوز للأغنياء الأكل منه بلا خلاف، ويجوز للفقراء من يغر رفقة صاحب الهدي الأكل منه بالإجماع، وإذا تلق المهدي الهدي لزمه على المذهب ضمانه بأكثر الأمرين من قيمته ومثله وإن أتلف الهدي أجنبي وجبت عليه القيمة ويشتري بها المثل، وإذا اشترى هدياً ثم نذر إهداءه ثم وجد به عيباً لم يجز له رده بالعيب لأنه تعلق به حق الله تعالى فلا يجوز إبطاله وإذا تلف الهدي قبل بلوغ المنسك أو بعده وقبل التمكن من ذبحه فلا شيء عليه لأنه أمانة لم يفرط فيها، وإن ذبح الهدي أجنبي بغير إذن صاحبه، أجزأه عن النذر لأن ذبحه لا يحتاج إلى قصده، ويلزم الذابح أرش نقصه، وإذا ولد الهدي أو الأضحية المتطوع بهما، فالولد ملك لصاحبه كالأم، يتصرف فيه بما شاء من بيع وغيره كالأم، وأما ولد المنذور فيتبع الأم بلا خلاف، ومذهب الحنابلة كالشافعية إجمالاً. [فتح القدير (2/ 321 فما بعده)، اللباب شرح الكتاب (1/ 215 - 220)، الشرح الصغير (2/ 119 - 129)، المهذب (1/ 235 - 227)، المغني (3/ 470 فما بعد و 3/ 543 - 554)، الفقه الإسلامي (3/ 295 فما بعد)].

النصوص

النصوص - اختيار الهدي: 4621 - * روى مالك في الموطأ عن عُروة بن الزُّبير (رضي الله عنهما) "كان يقولُ لبنيه: يا بنيَّ، لا يُهدينَّ أحدُكم من البُدْنِ شيئاً يستحيي أن يُهديهُ لكريمه، فإن الله أكرمُ الكُرماء وأحقُّ من اختير له". - هدي النبي صلى الله عليه وسلم: 4622 - * روى أحمد عن جابرٍ قال: "أهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيت غنماً". 4623 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى عام الحديبية هدايا كان فيها جملٌ لأبي جهلٍ كان في رأسه بُرة فضةٍ"، وقال ابن منهالٍ: "من ذهب". زاد النُّفيلي: "يُغيظُ بذلك المشركين". - ما يسن في الهدي وما لا يسن: 4624 - * روى مالك في الموطأ عن ربيعة عن عبد الله بن الهُدير التيمي المدني (رحمه الله) "رأى رجلاً متجرداً بالعراق، فسأل الناس عنه؟ فقالوا: أمر بهديه أن يُقلدَ، فلذلك تجرد، قال ربيعة: فلقيتُ عبد الله بن الزبير، فذكرتُ له ذلك، فقال: بدعةٌ، وربِّ الكعبة" (1).

_ 4621 - الموطأ (1/ 380) 20 - كتاب الحج، 46 - باب العمل في الهدي حين يساق، وإسناده صحيح. 4622 - أحمد (3/ 361). كشف الأستار (2/ 20) كتاب المناسك، باب. مجمع الزوائد (3/ 228) وقال الهيثمي: رواه أحمد والبزار، ورجال أحمد ثقات. 4623 - أبو داود (2/ 145) كتاب المناسك، باب في الهدي، وهو حديث حسن. (بُرةً) البرة: حلقةٌ تكون في أنف البعير يشدُّ فيها الزمام. 4624 - الموطأ (1/ 341) 20 - كتاب الحج، 15 - باب ما لا يوجب الإحرام من تقليد الهدي، وإسناده صحيح. قال ابن الأثير: (بدعةٌ) البدعةُ: الشيء المبتدعُ الذي لم يسبق إليه. وهو في الشرع: كل ما لا يُوافق السُّنة، ولم تجر به عادةٌ من عوائد الشرع، إلا أن منه حسناً وليس بمكروه، ومنه قبيحاً، وهو المكروه.

4625 - * روى مالك في الموطأ عن نافعٍ مولى ابنتِ عمر "أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا أهدى هدياً من المدينة قلده وأشعره بذي الحُليفةِ، يُقلده قبل أن يُشعره، وذلك في مكان واحد، وهو موجهٌ للقبلة، يُقلده بنعلين، ويُشعره من الشق الأيسر، ثم يُساق معه، حتى يُوقف به مع الناس بعرفة، ثم يدفعُ به معهم إذا دفعوا، فإذا قدِمَ منى غداة النحر نحره قبل أن يحْلِقَ أو يقصر، وكان هو ينحرُ هديهُ بيده، يصفُّهُنَّ قياماً، ويوجههن إلى القبلة، ثم يأكل ويُطعِمُ". وفي رواية (1): "أن ابن عمر كان إذا طعن في سنام هدي هوهو يشعره، قال: باسم الله، والله أكبر". وفي أخرى (2): "أن ابن عمر كان يقول: الهديُ ما قُلد وأُشعر ووُقف به بعرفة". 4626 - * روى الترمذي عن وكيع (رحمه الله) قال: "إشعارُ البُدْنِ وتقليدُها سُنَّةٌ، فقال له رجل من أهل الرأي: روى عن إبراهيم النخعي، أنه قال: هو مُثْلَةٌ، فغضب وكيع، وقال: أقول لك: أشعر رسول الله صلى الله عليه وسلم بُدنةُ، وهو سُنَّة، وتقول: قال إبراهيم؟ ما أحقك أن تُحبس حتى تنزع، ثم لا تخرج حتى تنزع عن مثل هذا القول". وقد أخرجه الترمذي، إلا أن أول لفظه: "إن وكيعاً قال لرجل ممنْ ينظرُ في الرأي: أشعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول أبو حنيفة، هو مُثلةٌ، فقال الرجل: إنه قد رُوي عن إبراهيم ... " وذكر الحديث. 4627 - * روى أحمد ع عطاء بن يسار عن نفرٍ من بني سلمة قالوا: كان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً فشق ثوبه فقال: "إني واعدتُ هدياً يُشعرُ اليوم".

_ 4625 - الموطأ (1/ 379) 20 - كتاب الحج، 46 - باب العمل في الهدي حين يساق، وإسناده صحيح. (1) الموطأ: الموضع السابق. (2) الموطأ: الموضع السابق. 4626 - الترمذي (3/ 249، 250) 7 - كتاب الحج، 67 - باب ما جاء في إشعار البُدْن، وإسناده صحيح. (المُثلةُ) الشهرة وتشويه الخلق كجدع الأنف. 4627 - أحمد (5/ 426). مجمع الزوائد (3/ 227) وقال الهيثمي: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح.

- ركوب البدن بالمعروف حتى يجد ظهرا

4628 - * روى أحمد عن جابر بن عبد الله قال: كنتُ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قميصه من جيبه حتى أخرجه من رجليه فنظر القومُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إني أُمرْتُ ببُدني التي بعثتُ بها أن تُقلدَ اليوم وتُشعرَ على ما كذا وكذا فلبستُ قميصاً ونسيتُ فلم أكُنْ أُخْرِجُ قميصي من رأٍي" وكان بعث ببدنةٍ من المدينة وأقام بالمدينة. - ركوب البُدْن بالمعروف حتى يجد ظهراً: 4629 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يسوقُ بدنة، فقال: اركبها، فقال: إنها بدنة، فقال: اركبها، فقال إنها بدنة، فقال: اركبها، ويلكَ، في الثانية، أو في الثالثة". وللبخاري (1): "أن نبي الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يسوقُ بدنة، قال: اركبها، قال: إنها بدنةٌ، قال: اركبها، قال: إنها بدنةٌ، قال: اركبها، قال: فلقد رايته راكبها يساير النبي صلى الله عليه وسلم، والنعلُ في عُنُقها". ولمسلم (2) نحوه، وقال فيه: "بدنةً مُقلدةً". وله في أخرى (3) بنحوه، وفيه أنه قال: "ويلك، اركبها، فقال: بدنةٌ يا رسول الله، فقال: ويلك اركبها، ويلك اركبها". قال الحافظ في الفتح: واستدل به على جواز ركوب الهدي سواء كان واجباً أو متطوعاً به، لكونه صلى الله عليه وسلم لم يستفصل صاحب الهدي عن ذلك، فدل على أن الحكم لا يختلف بذلك.

_ 4628 - أحمد (3/ 400). كشف الأستار (2/ 20) كتاب المناسك، باب فيمن بعث بهدي وأقام. مجمع الزوائد (3/ 227) وقال الهيثمي: رواه أحمد والبزار باختصار، ورجال أحمد ثقات. 4629 - البخاري (3/ 536) 25 - كتاب الحج، 103 - باب ركوب البُدن. مسلم (2/ 960) 15 - كتاب الحج، 65 - باب جواز ركوب البدنة المهداة لمن احتاج إليها. (1) البخاري (3/ 548) 112 - باب تقليد النعل. (2) مسلم: الموضع السابق. (3) مسلم: الموضع السابق. (ويلك) كلمة تُقال لمن ينكر عليه فعله مع حردٍ وغضبٍ. و"ويحك" تُقال له مع تَرفُّقٍ ورحمةٍ.

وقال - القائل هو الحافظ-: وفي الحديث تكرير الفتوى، والندب إلى المبادرة إلى امتثال الأمر، وزجر من لم يبادر إلى ذلك، وتوبيخه، وجواز مسايرة الكبار في السفر، وأن الكبير إذا رأى مصلحة للصغير لا يأنف عن إرشاده إليها. 4630 - * روى البخاري عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) "أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يسوقُ بدنةً، قال: اركبها، قال: إنها بدنةٌ، قال: اركبها، قال: إنها بدنةٌ، قال: اركبها- ثلاثاً". وفي رواية (1) نحوه، وقال في الثالثة: "اركبها ويلك". وفي رواية (2) مسلم نحوه، وفي آخره: "فقال- في الثالثة، أو الرابعة-: اركبها، ويلك، أو ويحَكَ". وفي أخرى (3) قال: "مُرَّ على النبي صلى الله عليه وسلم ببدنةٍ - أو هديةٍ - فقال: اركبها، قال: إنها بدنة أو هديةٌ، فقال: اركبها، قال: إنها بدنةٌ أو هديةٌ قال: "وإنْ". 4631 - * روى مسلم عن جابر (رضي الله عنه) "سُئِلَ عن ركوب الهدي؟ فقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اركبها بالمعروفِ، إذا أُلْجِئتَ إليها حتى تجد ظهراً". وفي رواية (4) مثله، ولم يقل: "إذا أُلْجِئْتَ إليها".

_ 4630 - البخاري (3/ 536) 25 - كتاب الحج، 103 - باب ركوب البُدن. (1) البخاري (10/ 551) 78 - كتاب الأدب، 59 - باب ما جاء في قول الرجل "ويلك". (2) مسلم (2/ 960) 15 - كتاب الحج، 65 - باب جواز ركوب البدنة المهداة لمن احتاج إليها. الترمذي (3/ 254) 7 - كتاب الحج، 72 - باب ما جاء في ركوب البدنة. النسائي (5/ 176) 24 - كتاب مناسك الحج، 74 - باب ركوب البدنة. (3) مسلم: نفس الموضع السابق ص 961. (قال: وإن) يريد به: وإن كانت بدنة، لأنه لما أمر بركوبها وكرر القول عليه: إنها بدنةٌ، قال: "وإنْ" فذكر الشرط وحذف ما بعده، لأن الكلام قبله يدل عليه. 4631 - مسلم (2/ 961) 15 - كتاب الحج، 65 - باب جواز ركوب البدنة المهداة لمن احتاج إليها. أبو داود (2/ 147) كتاب المناسك، باب في ركوب البدن. النسائي (5/ 177) 24 - كتاب مناسك الحج، 76 - باب ركوب البدنة بالمعروف. (4) مسلم: نفس الموضع السابق.

- التقليد والإشعار للهدي

- التقليد والإشعار للهدي: 4632 - * روى مسلم عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: "صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بذي الحُليفةِ، ثم دع بناقته، فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن، وسلت الدم عنها، وقلدها نعلين، ثم ركب راحلته، فلما استوتْ به على البيداء أهل بالحج". وفي رواية الترمذي (1): "أن النبي صلى الله عليه وسلم قلد نعليْنِ، وأشعر الهدي في الشقِّ الأيمنِ بذي الحُليفةِ، وأماط عنه الدم". وفي رواية لأبي داود (2) بمعناه وقال: "ثم سلت الدم بيده". وفي أخرى (3): "بإصبعه". وفي رواية النسائي (4): "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشعر بُدْنَهُ من الجانب الأيمن وسلت الدم عنها وأشعرها". وفي أخرى (5) له: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان بذي الحُليفةِ أمر ببُدْنِهِ فأشعر في سنامها من الشق الأيمن، ثم سلت عنها الدم، وقلدها نعلين. فلما استوتْ به راحلتهُ على البيداء أهل". زاد في أخرى (6): "فلما استوتْ به على البيداء، لبَّى وأحْرَم عند الظُّهَرِ وأهلَّ بالحجِّ".

_ 4632 - مسلم (2/ 912) 15 - كتاب الحج، 32 - باب تقليد الهدي وإشعاره عند الإحرام. أبو داود (2/ 146) كتاب المناسك، باب في الإشعار. (1) الترمذي (3/ 249) 7 - كتاب الحج، 67 - باب ما جاء في إشعار البُدنِ. (2) أبو داود: الموضع السابق. (3) أبو داود: الموضع السابق. (4) النسائي (5/ 170) 24 - كتاب مناسك الحج، 63 - باب أي الشقين يشعر. (5) النسائي (5/ 170، 171) 64 - باب سلت الدم عن البدن. (6) النسائي (5/ 172) 67 - باب تقليد الهدي. (الإشعارُ) إشعار الهدي: تعليمه بشيءٍ يُعرفُ به أنه هديٌ، فكانوا يشقون أسنمة الهدي ويرسلونها والدم يسيل منه، فيُعرفُ أنه هديٌ فلا يُتعرضُ إليه. (سلتَ) الدم عنها، أي مسحهُ.

قال النووي في شرح مسلم: إشعار الهدي علامة له. وهو مستحب ليعلم أن هدي. فإن دخل رده واجده، وإن اختلط بغيره تميز، ولأن فيه إظهار شعار، وفيه تنبيه غير صاحبه على فعل مثل فعله. وقال النووي: في هذا الحديث استحباب الإشعار والتقليد في الهدايا من الإبل وبهذا قال جماهير العلماء من السلف والخلف. وقال أبو حنيفة: الإشعار بدعة لأنه مثلة، وهذا يخالف الأحاديث الصحيحة المشهورة في الإشعار، وأما قوله: إنه مثلة، فليس كذلك، بل هذا كالفصد والحجامة والختان والكي والوسم، وأما محل الإشعار، فمذهبنا ومذهب جماهير العلماء من السلف والخلف انه يستحب الإشعار في صفحة السنام اليمني، وقال مالك: في اليسرى، وهذا الحديث يرد عليه. أقول: هناك أفعال يراعى بها ظرف آنيّ ولا يكون لها حكم التشريع الدائم، وهذه الأفعال لا يعرفها إلا المجتهد، والظاهر أن أبا حنيفة اعتبر الإشعار مراعاة لظرف، فإذا انتهى هذا الظرف لم يعد الحكم على حاله، ومن هاهنا كره الإشعار، وهذا الباب الذي ذكرناه لا يعطى إلا لمجتهد إلا تعطلت أحكام الشريعة. 4633 - * روى النسائي عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: "إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أشعر بُدْنَهُ". 4634 - * روى البخاري عن المِسْوَرِ بن مخرمة ومروان بن الحكم (رضي الله عنهما) قالا: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحُديبية في بضع عشرة مائةٍ من أصحابه، حتى إذا كانوا بذي الحُليفة قلد رسول الله الهدي، وأشعره، وأحرم بالعمرة". قال الحافظ في الفتح: وفي هذا الحديث مشروعية الإشعار، وفائدته: الإعلام بأنها صارت هدياً ليتبعها من يحتاج إلى ذلك، حتى لو اختلطت بغيرها تميزت (1)، أو ضلت

_ 4633 - النسائي (5/ 170) 24 - كتاب مناسك الحج، 62 - باب إشعار الهدي. 4634 - البخاري (3/ 542) 25 - كتاب الحج، 106 - باب من أشعر وقلد بذي الحليفة ثم أحرم. النسائي (5/ 170) 24 - كتاب مناسك الحج، 62 - باب إشعار الهدي. أبو داود (2/! 46) كتاب المناسك، باب في الإشعار، وأسقط أبو داود من الحديث قوله: "بضعَ عشرة مائةٍ من أصحابه" وقوله: "بالعُمرةِ".

عرفت، أو عطبت عرفها المساكين بالعلامة فأكلوها، مع ما في ذلك من تعظيم الشرع وحث الغير عليه، وأبعد من منع الإشعار، واعتل باحتمال أنه كان مشروعاً قبل النهي عن المُثلة، فإن النسخ لا يصارُ إليه بالاحتمال، بل رفع الإشعار في حجة الوداع، وذلك بعد النهي عن المُثلة بزمان. 4635 - * روى مسلم عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: "أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرةٌ إلى البيت غنماً فقلدها". وفي رواية (1) البخاري ومسلم أيضاً وأبي داود مثله، وأسقط "فقلدها". وفي أخرى (2) للبخاري ومسلم قالت: "فتلْتُ لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم - تعني: القلائد - قبل أنْ يُحرِمَ". وفي رواية (3) الترمذي والنسائي، قالت: "كنتُ أفْتِلُ قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلها غنماً، ثم لا يُحْرِمُ". وفي أخرى (4) للنسائي إلى قوله "غنماً" ولم يذكر الإحرام. قال النووي في شرح مسلم: أما تقليد الغنم، فهو مذهبنا ومذهب العلماء كافة من السلف والخلف إلا مالكاً، فإنه لا يقول بتقليدها. قال القاضي عياض: ولعله لم يبلغه الحديث الثابت في ذلك، قلت: - القائل النووي - قد جاءت أحاديث كثيرة صحيحة بالتقليد، فهي حجة صريحة في الرد على من خالفها، واتفقوا على أن الغنم لا تشعر لضعفها

_ 4635 - مسلم (2/ 958) 15 - كتاب الحج، 64 - باب استحباب بعث الهدي إلى الحرم ... إلخ. النسائي (5/ 173) 24 - كتاب مناسك الحج، 69 - باب تقليد الغنم. (1) البخاري (3/ 547) 25 - كتاب الحج، 120 - باب تقليد الغنم. مسلم: الموضع السابق. أبو داود (2/ 146) باب في الإشعار. (2) البخاري (3/ 547) الموضع السابق. مسلم (2/ 959) 15 - كتاب الحج، 64 - باب استحباب بعث الهدي إلى الحرم. (3) الترمذي (3/ 252) 7 - كتاب الحج، 70 - باب ما جاء في تقليد الغنم. النسائي (5/ 173، 174) 69 - باب تقليد الغنم. (4) النسائي: الموضع السابق ص 173.

- تجليل البدن

عن الجرح، ولأنه يستتر بالصوف، وأما البقرة يستحب عند الشافعي وموافقيه الجمع فيها بين الإشعار والتقليد كالإبل. - تجليل البُدْن: 4636 - * روى مالك في الموطأ عن نافعٍ مولى ابن عمر أن ابن عمر (رضي الله عنهما) كان يُحل بدنُه القباطي والأنماط والحُلل، ثم يبعثُ بها إلى الكعبةِ، فيكسُوها إياها". وفي رواية (1): "أن مالكاً سأل عبد الله بن دينارٍ: ما كان عبد الله ابن عمر يصنعُ بجلال بُدْنِه حين كُسيتِ الكعبةُ هذه الكسوة؟ قال: كان يتصدق بها". وفي رواية (2): "أن ابن عمر كان لا يشُقُّ جلال بُدنهِ، ولا يُجللُها حتى يغدو من منَى إلى عرفة". - عن كم تجزيء البقرة والبدنة: 4637 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: "كنَّا نتمتعُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعُمرة، فنذبحُ البقرة عن سبعةِ، نشتركُ فيها". وفي رواية (3): قال: "نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية: البدنة عن سبعةٍ، والبقرة عن سبعةٍ".

_ 4646 - الموطأ (1/ 379) 20 - كتاب الحج، 46 - باب العمل في الهدي حين يساق، وإسناده صحيح. (1) الموطأ: الموضع السابق. (2) الموطأ: الموضع السابق ص 380. (القِباطي): ثياب بيضٌ دقاقٌ من كتان تتخذ بمصر، واحدها: قبطية. ويجوز أن يكون هذا النسب فيها إلى القبط. (الأنماطُ) ضرب من البسط. واحدها: نمط. (الحللُ): جمع حُلة، ولا تكون الحلة إلا إذا كانت ثوبين من نوع واحد. 4637 - مسلم (2/ 956) 15 - كتاب الحج، 62 - باب الاشتراك في الهدي ... إلخ. (3) مسلم: نفس الموضع السابق ص 955.

وفي أخرى (1): قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مُهلين بالحجِّ، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه ونسلم: أن نشترك في الإبل والبقر، كلُّ سبعةٍ منا في بدنةٍ". وفي أخرى (2) قال: "اشتركنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج والعُمرة، كل سبعةٍ في بدنة، فقال رجلٌ لجابرٍ: أيُشتركُ في البدنة ما يُشترك في الجزُور؟ قال: ما هي إلا من البُدْن، وخص جابر الحديبية. فقال: نحرنا يومئذٍ سبعين بدنةً، اشتركنا: كل سبعةٍ في بدنة". وفي رواية (3): لأبي داود قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "البقرةُ عن سبعةٍ، والجزورُ عن سبعة". قال النووي في شرح مسلم: قال العلماء: الجزور - بفتح الجيم - وهي البعير. قال القاضي: وفرق هنا بين البدنة والجزور، لأن البدنة والهدي: ما ابتديء إهداؤه عند الإحرام، والجزور: ما اشترى بعد ذلك لينحر مكانها، فتوهم السائل: أن هذا أخف في الاشتراك، فقال في جوابه: إن الجزور لما اشتريت للنسك صار حكمهما كالبدن. 4638 - * روى أحمد عن حُذيفة قال: "شرك رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته بين المسلمين في البقرة سبعةً". 4639 - * روى مالك في الموطأ عن عبد الله بن دينارٍ (رحمه الله) قال: "كان يرى عبد الله بن عمر يُهدي في الحج بدنتين، وفي العُمرة بدنةً، بدنةً، قال: ورأيته في العمرة ينحرُ بدنةً وهي قائمةٌ في دار خالد بن أسيدٍ، وكان فيها منزلهُ، قال: ولقدْ رأيته طعنَ في لبةِ بدنتهِ، حتى خرجت الحربةُ من تحتِ كتفها".

_ (1) مسلم: نفس الموضع السابق ص 955. (2) مسلم: نفس الموضع السابق ص 955، 956. (3) أبو داود (3/ 98) كتاب الأضاحي، باب في البقر والجزور عن كم تجزيء. 4638 - أحمد (5/ 406). مجمع الزوائد (3/ 226) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات. 4639 - الموطأ (1/ 378) 20 - كتاب الحج، 45 - باب ما يجوز من الهدي، وإسناده صحيح. (لبة): موضع القلادة في الصدر، واللببُ: المنحر.

- مكان نحرها

- مكان نحرها: 4640 - * روى ابن خزيمة عن جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وكُلُّ فجاج مكة طريقٌ ومنحرٌ". 4641 - * روى مالك في الموطأ عن نافع مولى ابن عمر (رضي الله عنهما) قال: "منْ نذر بدنةً فإنه يُقلدها بنعلين، ويُشعرها ثم ينحرها عند البيت أو بمنى يوم النحر، ليس لها محل دون ذلك، ومن نذر جزوراً من الإبل والبقر فلينحرها حيثُ شاء". - النحر عن الغير: 4642 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: "نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه في حجته بقرةً". وفي رواية (1) قال: "نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عائشة بقرة يوم النحرِ". 4643 - * روى أبو داود عن أبي هريرة (رضي الله عنه) "أن رسول الله صلى الله عيه وسلم ذبح عمن اعتمر من نسائه بقرة بينهُن". 4644 - * روى أبو داود عن عائشة (رضي الله عنها) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر عن آل محمدٍ في حجة الوداع بقرةً واحدةً". 4645 - * روى ابن خزيمة تحت عنوان إجازة الذبح والنحر عن المتمتعة بغير أمرها وعلمها عن عائشة "فلما كنا بمنى أُتيتُ بلحمِ بقرةٍ، فقلت: ما هذا؟ قالوا: هذا لحمُ بقرٍ ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نساءه بالبقر".

_ 4640 - ابن خزيمة (4/ 242) كتاب المناسك، 674 - باب ذبح المعتمر ونحره هديه حيث شاء من مكة وإسناده صحيح. 4641 - الموطأ (1/ 394) 20 - كتاب الحج، 59 - باب العمل في النحر، وإسناده صحيح. 4642 - مسلم (2/ 956) 15 - كتاب الحج، 62 - باب الاشتراك في الهدي ... إلخ. (1) مسلم: نفس الموضع السابق. 4643 - أبو داود (2/ 145) كتاب المناسك، باب في هدي البقر، وهو حسن بشاهده. 4644 - أبو داود: نفس الموضع السابق، وهو حسن لغيره. 4645 - ابن خزيمة (4/ 289) كتاب المناسك.

4646 - * روى أبو داود عن غرفة بن الحاث الكندي (رضي الله عنه) قال: "شهدتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وأُتي بالبُدْنِ فقال: أدْعُوا لي أبا حسنٍ، فدُعي له عليٍّ رضي الله عنه فقال: خُذْ بأسفل الحربة، ففعل، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلاها، ثم طعنا بها البُدْن وهي معقُلةُ اليد اليسرى، قائمةٌ على ما بقي من قوائمها، وذلك يوم النحر بمنى، فلما فرغ ركب بغلتَهُ وأردف علياً". 4647 - * روى أبو داود عن جابر (رضي الله عنه) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا ينحرُنَ البدنة معقولة اليُسْرى قائمةً على ما بقي من قوائمها". 4648 - * روى الشيخان عن زياد بن جُبيرٍ قال: "رأيتُ ابن عمر رضي الله عنهما أتى على رجلٍ قد أناخ بدنته ينحرُها، فقال: ابعثها قياماً مقيدةً، فهذه سُنةُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم". قال الحافظ في الفتح: وفي هذا الحديث استحباب نحر الإبل على الصفة المذكورة. وعن الحنفية: يستوي نحرها قائمة وباركة في الفضيلة، وفيه تعليم الجاهل وعدم السكوت على مخالفة السنة وإن كان مباحاً، وفيه أن قول الصحابي: من السنة كذا، مرفوع عند الشيخين لاحتجاجهما بهذا الحديث في صحيحهما (1).

_ 4646 - أبو داود (2/ 149) كتاب المناسك، باب في الهدي إذا عطب قبل أن يبلغ. قال ابن الأثير: أخرجه أبو داود. إلا قوله: "هي معقولةٌ - إلى قوله - بمنى" فإني لم أجدهُ فيما قرأتهُ من كتابه، وذكره رزينٌ. وفي سنده عبد الله بن الحارث الكندي الأزدي المصري لم يوثقه غير ابن حبان، وباقي رجاله ثقات. "غرفة" بالغين المعجمة والراء مفتوحتين - كما في "المشتبه" للذهبي - وضبطه بعضهم بسكون الراء، وضبطه بعضهم بالعين المهملة والراء مفتوحتين. والصواب الأول، ويكنى أبا الحارث، له صحبة. 4647 - أبو داود (2/ 149) كتاب المناسك، باب كيف تنحر البدن، وللحديث شواهد بمعناه يرتقي بها إلى درجة الحسن. 4648 - البخاري (3/ 553) 25 - كتاب الحج، 118 - باب نحر الإبل مُقيدةً. مسلم (2/ 956) 15 - كتاب الحج، 63 - باب نحر البدن قياماً مقيدة. أبو داود (2/ 149) كتاب المناسك، باب كيف تنحر البدن؟

- ما يصنع بالهدي إذا هلك في الطريق

4649 - * روى رزين عن أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه) "أمر بناته أن يُضحينَ بأيديهن، ووضع القدم على صفحة الذبيحة، والتكبير والتسمية عند الذبح". 4650 - * روى أبو داود عن عليٍّ (رضي الله عنه) قال: "لما نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بُدنهُ، فنحر ثلاثين بيده، وأمرني فنحرتُ سائرها". وفي رواية (1): "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر بعض هديه ونحر غيره بعضه". - ما يصنع بالهدي إذا هلك في الطريق: 4651 - * روى مسلم عن موسى بن سلمة المُحبقِ الهُذلي (رحمه الله) قال: "انطلقتُ أنا وسنانُ بن سلمة معتمرين، قال: وانطلق سنان معه ببدنة، يسوقها، فأزحفت عليه بالطريق، فعيي بشأنها، إن هي أُبدعتْ كيف يأتي بها؟ فقال: لئن قدمتُ البلد لأستخفين عن ذلك، فأصبحت فلما نزلنا البطحاء قال: انطلقْ إلى ابن عباس نتحدثْ إليه، قال: فذكر له شأن بدنته، فقال: على الخبير سقطت: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ست عشرة بدنة مع رجلٍ، وأمرهُ فيها. فمضى، ثم رجع، فقال: يا رسول الله" كيف أصنعُ بما أُبدع عليَّ منها؟ قال: انحرها ثم اصبُغَ نعلها في دمها، ثم اجعلهُ على صفحتها، ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أهل رُفقتك". وفي رواية (2): "أن ابن عباس قال: إن ذُؤيباً أبا قُبيصة حدثه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث معه بالبُدن، ثم يقول: إن عطب منها شيءٌ، فخشيت عليها موتاً فانحرها، ثم اغمس نعلها في دمها ثم، اضرب به صفحتها، ولا تطعمها أنت ولا أحدٌ من أهل رُفقتك". وفي رواية أبي داود (3): "أن ابن عباس قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فُلاناً الأسلميَّ،

_ 4649 - أخرجه رزين، وهذا المعنى موجود في أحاديث صحيحة. 4650 - أبو داود (2/ 148) كتاب الماسك، باب في الهدي إذا عطب قبل أن يبلغ. (1) الموطأ (1/ 394) 20 - كتاب الحج، 59 - باب العمل في النحر. قال ابن عبد البر: والمتن صحيح ثابت عن جابر وعلي. 4651 - مسلم (2/ 962) 15 - كتاب الحج، 66 - باب ما يفعل بالهدي إذا عطب في الطريق. (2) مسلم: نفس الموضع السابق ص 963. (3) أبو داود (2/ 148) كتاب المناسك، باب في الهدي إذا عطب قبل أن يبلغ.

وبعث معه بثماني عشرة بدنة، فقال: أرأيت إن أزحف عليَّ منها شيءٌ؟ قال: تنحرُها، ثم تصبُغُ نعلها في دمها، ثم اضربها على صفحتها ولا تأكل منها أنت ولا أحد من أصحابك- أو قال: من أهل رُفقتك". وفي رواية (1): "ثم اجعلهُ على صفحتها" مكان "اضربها". 4652 - * روى الترمذي عن ناجية الخزاعي (رضي الله نه) قال: قلت: يا رسول الله، كيف أصنع بما عطبتْ من الهدي؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل بدنة عطبت من الهدي فانحرها، ثم ألق قلائدها في دمها، ثم خل بينها وبين الناس يأكلونها". وأخرجه أبو داود (2)، وقال: ناجية الأسلميُّ، وهذا لفظه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معه بهديٍ، وقال: إنْ عطبت منها شيءٌ فانحرهُ، ثم اصبْغْ نعله في دمه، ثم خل بينه وبين الناس". وأخرجه الموطأ (3)، عن عروة: "أن صاحب هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله، كيف أصنع بما عطبتْ من الهدي؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل بدنة عطبت من الهدي فانحرها، ثم ألق قلائدها في دمها، ثم خل بينها وبين الناس يأكلونها". وقال الترمذي: حديث ناجية حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل

_ (1) أبو داود: نفس الموضع السابق. (فأزحفتْ) أزحفت الناقة والشاة: إذا أعيتْ، كأن أمرها أفضى إلى الزحف. (فعيي بشأنها) عييتُ بالشيء: إذا عجزت في أمره، يقال: عيي وعيَّ - بإظهار الياءين والإدغام. (أبدعت) الناقة: إذا انقطعت عن السير بكلالٍ أو ظلعٍ، جعل انقطاعها عما كانت مستمرة عليه من عادة السير إبداعاً، أي إنشاء أمرٍ خارجٍ عما اعتيد منها. (ولا تأكل منها) قال الخطابي: يشبه أن يكون إنما حرمها عليه وعلى أصحابه حسماً لباب التهمة، لئلا يعتلوا بأن بعضها قد أزحف فينحرونه إقداماً على أكل لحمه. (لأستخفين) الاستحفاء: المبالغة في السؤال عن الشيء. (فأصحبتْ) أصحبت الناقة وغيرها: إذا انقادت وتبعت صاحبها. (البطحاءُ) في الأصل: المكان المتسع من الأرض، ثم تُسمى به مواضع مخصوصةٌ. 4652 - الترمذي (3/ 253) 7 - كتاب الحج، 71 - باب ما جاء إذا عطب الهديُ ما يُصنع به. (2) أبو داود (2/! 48) كتاب المناسك، باب في الهدي إذا عطب قبل أن يبلغ. (3) الموطأ (1/ 380) 20 - كتاب الحج، 47 - باب العمل في الهدي إذا عطب أو ضل، كذا أخرجه الموطأ، ولم يُسم الرجل، وهو هذا ناجيةُ؛ لأن عروة يروي عنه، وإسناده صحيح.

- ذبح ولد الهدي معه

العلم، قالوا في هدي التطوع إذا عطب: لا يأكل هو ولا أحد من أهل رفقته، ويخلي بينه وبين الناس يأكلونه، وقد أجزأ عنه، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق، وقالوا: إن أكل منه شيئاً غرم مقدار ما أكل منه. 4653 - * روى مالك في الموطأ عن سعيد بن المسيب (رحمه الله) قال: "من ساق بدنة تطوعاً فعطبتْ، فنحرها ثم خلي بينها وبين الناس يأكلونها، فليس عليه شيء. وإن أكل منها أو أمر من يأكل منها غرمها". قال مالك: وحدثني ثورُ بن زيد عن ابن عباس مثل ذلك. قال الزرقاني في شرح الموطأ: مثل ذلك المروي عن سعيد بن المسيب، وروي ذلك أيضاً عن عمر وعلي وابن مسعود وعليه جماعة فقهاء الأمصار. 4654 - * روى مالك في الموطأ عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) قال: "من أهدى بدنةً، ثم ضلت أو ماتتْ، فإنها إنْ كانت نذراً أبدلها، إنْ كانت تطوعاً، فإن شاء أبدلها، وإن شاء تركها". 4655 - * روى ابن خزيمة عن عائشة "أنها ساقتْ بدنتين فأضلتهما، فأرسل إليها ابن الزبير بدنتين فنحرتهما ثم وجدت الأوليين فنحرتهما أيضاً، ثم قالت: هكذا السنةُ في البدن". - ذبح ولد الهدي معه: 4656 - * روى الترمذي عن حُجية بن عديٍّ (رحمه الله قال: قال عليٌّ رضي الله عنه: "البقرةُ: عن سبعةٍ، قلت: فإن ولدتْ؟ قال: اذبحْ ولدها معها. قلتُ (1):

_ 4653 - الموطأ (1/ 381) الموضع السابق، وإسناده صحيح. 4654 - الموطأ (1/ 381) 20 - كتاب الحج، 47 - باب العمل في الهدي إذا عطب أو ضل، وإسناده صحيح. 4655 - ابن خزيمة (4/ 298) كتاب المناسك، 782 - باب الهدي يضل فينحر مكانه آخر، ثم يوجد الأول، وإسناده صحيح. 4656 - الترمذي (4/ 90) 20 - كتاب الأضاحي، 9 - باب في الضحية بعضباء القرن والأذن، وهو حسن بشواهده. (نستشرف) الاستشرافُ: هو أن تضع يدك على حاجبك كالذي يستظلُّ من الشمس، حتى يستبين الشيء. والمعنى في الحديث: أمرنا أن تختبر العين والأذن، فنتأمل سلامتهُما من آفةٍ تكونُ بهما.

- الأكل من لحوم الهدي

فالعرجاءُ؟ قال: إذا بلغت المنسك، قلت: فمكسورةُ القرن؟ قال: لا بأس. أُمرنا- أو أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن نستشرف العينين والأذنين". أقول: قوله: (فالعرجاء؟ قال: إذا بلغت المنسك): يفيد أن مذهب الإمام علي رضي الله عنه أن العرجاء إذا كانت قادرة أن تمشي إلى المذبح بنفسها فإنه يجوز ذبحها في الهدي. 4657 - * روى مالك في الموطأ عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) قال: "إذا نُتجت البدنةُ فليُحمل ولدُها حتى يُنحر معها، فإن لم يوجد له محملٌ حُمل على أمه حتى يُنحر معها". - الأكل من لحوم الهدي: 4658 - * روى مسلم عن عطاء بن أبي رباح قال: قال جابر رضي الله عنه: "كُنَّا لا أنكل من لحوم بُدننا فوق ثلاثٍ، فأرخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: كلُوا وتزودوا. قال ابن جريج: قلت لعطاء: قال جابر: حتى جئنا المدينة؟ قال: نعم". وفي رواية (1) قال: "كُنا نتزودُ لحوم الهدي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة". وفي رواية (2): "لحومَ الأضاحي". وفي أخرى (3) قال: "كُنا لا نُمسك لحوم الأضاحي فوق ثلاثٍ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن نتزود منها، ونأكُلَ منها - يعني: فوق ثلاث".

_ 4657 - الموطأ (1/ 378) 20 - كتاب الحج، 45 - باب ما يجوز من الهدي، وإسناده صحيح. 4658 - مسلم (3/ 1562) 35 - كتاب الأضاحي، 5 - باب بيان ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث ... إلخ، وورد هذا الحديث عند البخاري (3/ 557) 25 - كتاب الحج، 124 - باب ما يأكل من البدن وما يُتصدق، ولكن فيه: "قلت لعطاء: أقال حتى جئنا المدينة؟ قال: لا". (1) البخاري (9/ 552) 70 - كتاب الأطعمة، 27 - باب ما كان السلف يدخرون في بيوتهم وأسفارهم من الطعام واللحم وغيره. (2) البخاري (6/ 129) 56 - كتاب الجهاد، 123 - باب حمل الزاد في الغزو. وأيضاً جاء في (10/ 23) 73 - كتاب الأضاحي، 16 - باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي .. إلخ. (3) مسلم: نفس الموضع السابق.

وفي أخرى (1) لمسلم: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث، ثم قال بعد: كلوا وتزودوا وادخروا". وأخرج (2) الموطأ والنسائي هذه الرواية الآخرة، وزادا فيها: "وتصدقُوا". 4659 - * روى البخاري عن سالم بن عبد الله (رحمه الله) أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كلوا من الأضاحي ثلاثاً، فكان عبد الله يأكل بالزيت حين ينفرُ من منى، من أجل لحُوم الهدْي". وفي رواية (3): أنه صلى الله عليه وسلم "نهى أنْ تُؤكل لحوم الأضاحي فوق ثلاثٍ، قال سالم: فكان ابن عمر لا يأكل لحوم الأضاحي فوق ثلاثٍ". ولمسلم (4) من رواية نافع: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يأكلْ أحدٌ من أضحيته فوق ثلاثة أيامٍ". قال الحميدي: وزاد أبو مسعود الدمشقي: "أن ابن مر كان إذا كان بمنى فأمسى من اليوم الثالث من أيام مني سأل الذي يصنعُ طعامه: من أين لحمه الذي قدمه؟ فإن أخبره أنه من هديه، لم يأكلهُ". أقول: كل ما ورد من نهي عن الأكل فوق ثلاث من لحوم الأضاحي أو الهدي فهو منسوخ. 4660 - * روى النسائي عن عليِّ بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهاكم أن تأكلوا لحوم نُسُككم فوق ثلاث ليالٍ".

_ (1) مسلم: نفس الموضع السابق. (2) الموطأ (2/ 484) 23 - كتاب الضحايا، 4 - باب ادخار لحوم الأضاحي. النسائي (7/ 235) 43 - كتاب الضحايا، 37 - باب الادخار من الأضاحي. 4659 - البخاري (10/ 24) 35 - كتاب الأضاحي، 16 - باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي ... إلخ. (3) مسلم (3/ 1561) 35 - كتاب الأضاحي، 5 - باب بيان ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث في أول الإسلام وبيان نسخه وإباحته إلى متى شاء. (4) مسلم: الموضع السابق ص 1560. 4660 - النسائي (7/ 233) 43 - كتاب الضحايا، 35 - باب النهي عن الأكل من لحوم الأضاحي بعد ثلاث وعن إمساكه، وإسناده صحيح.

4661 - * روى أبو داود عن نُبيشة الهذلي (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنا كُنا نهيناكم عن لُحومها: أن تأكلوها فوق ثلاث لكي تسعكم، جاء الله بالسعة، فكلوا وادخرو وائتجروا، ألا ون هذه الأيام أيام أكلٍ وشربٍ وذكر الله". 4662 - * روى مسلم عن ثوبان (رضي الله عنه) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بأضحيةٍ، ثم قال لي: أصلحْ لنا لحمها. قال: فما زلتُ أطعمه منها حتى قدِمنا المدينة". قوله: "أصلح لي لحم هذه" إلخ فيه تصريح بجواز ادخار لحم الأضحية فوق ثلاث وجواز التزود منه وأن التزود منه في الأسفار لا يقدح في التوكل ولا يخرج المتزود عنه وأن الأضحية مشروعة للمسافر كما تشرع للمقيم، وبه قال الجمهور. وقال النخعي وأبو حنيفة: لا أضحية على المسافر. قال النووي: وروي هذا عن علي رضي الله عنه. وقال مالك وجماعة: لا تشرع للمسافر بمنى ومكة. 4663 - * روى الطبراني في الكبير عن علقمة أن عبد الله بن مسعودٍ "بعث معه بهدي فقال: كل أنتَ وأصحابُك ثلثاً وتصدقْ بثلثٍ وابعثْ إلى أخي عُتبة بثلثٍ، قلت لسفيان: تطوعٌ؟ قال: نعم". 4664 - * روى ابن خزيمة عن جابرٍ، قال: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل جزورٍ ببضعةٍ فجُعلتْ في قدرٍ فطُبِخَتْ، وأكلوا من اللحم وحسوا من المرقِ" (1).

_ 4661 - أبو داود (3/ 100) كتاب الأضاحي، 9 - باب في حبس لحوم الأضاحي، وإسناده حسن. (وائتجروا) أمرٌ من الأجر، أي: اطلبوا به الأجر والثواب. ولو كان من التجارة لكان بتشديد التاء، والتجارة في الضحايا لا تصحُّ، لأن بيعها فاسد، إنما تؤكل ويتصدق منها. 4662 - مسلم (3/ 1563) 35 - كتاب الأضاحي، 5 - باب بيان ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي ... إلخ أبو داود (3/ 100) كتاب الأضاحي، 10 - باب في المسافر يضحي. 4663 - الطبراني "الكبير" (9/ 399). مجمع الزوائد (3/ 228) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح. 4664 - ابن خزيمة (4/ 297) كتاب المناسك، 781 - باب الأكل من لحم الهدي إذا كان تطوعاً.

- لا يعطى الجزار من البدن

4665 - * روى أبو داود عن عبد الله بن قُرْطٍ (رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أعظم الأيام عند الله عز وجل يوم النحر، ثم يوم القرِّ - قال ثور: وهو اليوم الثاني - قال: وقرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم بدناتٌ خمسٌ، أو ستٍّ، فطفقن يزدلفن إليه، بأيتهن يبدأ؟ قال: فلما وجبت جنوبُها - قال: فتكلم بكلمةٍ خفيفةٍ لم أفهمها، فقلت: ما قال؟ قال: من شاء اقتطع". قال في النيل: قوله "يزدلفن" أي يقتربن وأصل الدال تاء ثم أبدلت منه ومنه المزدلفة لاقترابها إلى عرفات ومنه قوله تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ} وفي هذه معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث تسارع إليه الدواب التي لا تعقل لإراقة دمها تبركاً به فيالله العجب من هذا النوع الإنساني كيف يكون هذا النوع البهيمي أهدى من أكثره وأعرف، تقرب إليه هذه العجم لإزهاق أرواحها؟! وفري أوداجها وتتنافس في ذلك وتتسابق إليه ومع كونها لا ترجو جنة ولا تخاف ناراً ويبعد ذلك الناطق العاقل عنه مع كونه ينال بالقرب منه النعيم الآجل والعاجل ولا يصيبه ضرر في نفس ولا مال حتى قال القائل مظهراً لشدة حرصه على قتل المصطفى صلى الله عليه وسلم. أين محمد لا نجوت إن نجا وأراق الآخر دمه وكسر ثنيته فانظر إلى هذا التفاوت الذي يضحك منه إبليس ولأمر ما كان الكافر شر الدواب عند الله. قوله "من شاء اقتطع" أي من شاء أن يقتطع منها فليقتطع. هذا محل الحجة على جواز انتهاب الهدي والأضحية. - لا يعطى الجزار من البدن: 4666 - * روى الشيخان عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال: "بعثني النبي صلى الله عليه وسلم، فقمت على البُدْنِ، فقسمتُ لحومها، ثم أرمني فقسمتُ جلالها وجُلودها" (1).

_ 4665 - أبو داود (2/ 148، 149) كتاب المناسك، باب في الهدي إذا عطب قبل أن يبلغ، وإسناده قوي. (يوم القر): هو اليوم الذي يلي يوم النحر، سُمي بذلك لأن النسا يقرون فيه بمنى، وقد فرغوا من طواف الإفاضة والنحر فاستراحوا وقروا. (يزدلفن) الازدلافُ: الاقتراب. زلف الشيء: إذا قرُبَ. (وجبت جنوبُها) أي: سقطت إلى الأرض، لأنها تُنحرُ قائمةً. 4666 - البخاري (3/ 555) 25 - كتاب الحج، 120 - باب لا يُعطى الجزار من الهدي شيئاً. مسلم (2/ 954) 15 - كتبا الحج، 61 - باب في الصدقة بلحم الهدي وجلودها وجلالها.

وفي رواية (1): "قال: أمرني النبي صلى الله عليه وسلم: أن أقوم على البُدْنِ، ولا أعطي عليها شيئاً في جزارتها". وفي رواية (2): قال: أمرني النبي صلى الله عليه وسلم: أن أقوم على بدنهِ، وأتصدق بلحمها وجلودها وأجلتها، ولا أُعطيَ الجزار منها. وقال: نحن نعطيه من عندنا". قال في نيل الأوطار: قوله "وأن لا أعطي الجازر منها شيئاً" فيه دليل على أنه لا يُعطى الجازر شيئاً البتة وليس ذلك المراد أنه لا يُعطى لأجل الجزارة لا لغير ذلك. وقد بين النسائي ذلك في روايته من طريق شعيب بن إسحق عن ابن جريج. قال ابن خزيمة: والمراد أنه يقسمها كلها على المساكين إلا ما أمر به من أن يأخذ من كل بدنة بضعة كما في حديث جابر عن مسلم "والحديث" يدل على أنه لا يجوز إعطاء الجازر من لحم الهدي الذي نحره على وجه الأجرة. قال القرطبي: ولم يرخص في إعطاء الجازر منها لأجل أجرته إلا الحسن البصري وعبد الله بن عبيد بن عمير انتهى. وقد روي عن ابن خزيمة والبغوي أنه يجوز إعطاؤه منها إذا كن فقيراً بعد توفير أجرته من غيرها. وقال غيرهما: إن القياس ذلك لولا إطلاق الشارع المنع، وظاهره عدم جواز الصدقة والهدية كما لا يجوز الأجرة؛ وذلك لأنها قد تقع مسامحة من الجازر في الأجرة لأجل ما يعطاه من اللحم وإعطائها حكمه، وقد اتفقوا على أن لحمها لا يباع، فكذلك الجلود والجلال. وأجاز الأوزاعي وأحمد وإسحق وأبو ثور، وهو وجه عند الشافعية، قالوا: ويصرف عنه مصرف الأضحية. 4667 - * روى أحمد عن عبد الله بن زيدٍ أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم عند المنحَرِ هو ورجلٌ

_ (1) البخاري: نفس الموضع السابق. (2) مسلم: نفس الموضع السابق. أبو داود (2/ 149) كتاب المناسك، 20 - باب كيف تنحر البدن؟ (جزارتها) الجزارةُ: ما يأخذ الجزارُ من الذبيحة عن أجرته. 4667 - أحمد (4/ 42). مجمع الزوائد (4/ 19) وقال الهيثمي: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. (الكتم): نبت يُصبغ به الشعر.

من الأنصار فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحايا فلم يُصبهُ ولا صاحبهُ شيءٌ وحلقَ رأسَهُ في ثوبه وأعطى فقسم منه على رجال وقلَّم أظفاره فأعطى صاحبه من شعره فإنه عندنا لمخضوبٌ بالحنياء والكتْم. وفي رواية أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم عند المنحرِ ورجلٌ من قريشٍ وهو يقسمُ أضاحي فلم يصبه شيء ولا صاحبه فحلق رسول الله صلى الله لعيه وسلم رأسه في ثوبٍ فأعطاهُ فقُسمَ على رجال - فذكر نحوه.

الباب الثاني والعشرون في الأضاحي والعقيقة والعتيرة والفرع

الباب الثاني والعشرون في الأضاحي والعقيقة والعتيرة والفرع وفيه عرض إجمالي وفصول الفصل الأول: في الأضحية الفصل الثاني: في العقيقة الفصل الثالث: في العتيرة والفرع

العرض الإجمالي

العرض الإجمالي - الأضحية: هي ما يذبح من النعم تقرباً إلى الله تعالى في أيام النحر، وهي سنة مؤكدة عند الجمهور غير الحنفية، ويكره تركها للقادر عليها، وهي عند الحنفية واجبة مرة كل عام على المقيمين من أهل الأمصار. ويشترط لصحة الأضحية سلامة الحيوان المضحى به من العيوب الفاحشة وكون التضحية في وقت مخصوص. والفقهاء على أن المُطالب بالأضحية هو المسلم الحر البالغ العاقل المستطيع، ويشترط لجواز إقامة التضحية على المكلف نية الأضحية، واشترط الحنفية أيضاً أن لا يشارك المضحي فيماي صح فهي الشركة من لا يريد القربة رأساً، وإنما أراد اللحم. ويدخل وقت التضحية عند الحنفية عند طلوع فجر يوم الأضحى إلا أنه لا يذبح من كان مقيماً إلا بعد أداء صلاة العيد ولو قبل الخطبة، وعند المالكية يبتديء وقت التضحية لإمام صلاة العيد بعد الصلاة والخطبة وغير الإمام يذبح في اليوم الأول بعد ذبح الإمام، وقال الشافعية والحنابلة: يدخل وقت التضحية بمضي قدر ركعتين وخطبتين خفيفتان بعد طلوع شمس يوم النحر. ويستمر وقت التضحية إلى قبيل غروب شمس اليوم الثالث من أيام النحر على أن أفضل وقت لها هو اليوم الأول قبل زوال الشمس، وقال الشافعية إلى آخر أيام التشريق وهو اليوم الثالث بعد العاشر. - واتفق العلماء على أن الأضحية لا تصح إلا من نعمٍ: إبل وبقر وغنم بسائر أنواعها. واتفق الفقهاء على جواز التضحية بالثني فما فوقه من الإبل والبقر والغنم، واختلفوا في الجذع من الضأن فقال الحنفية والحنابلة: يجزيء الجذع العظيم أو السمين من الغنم ابن ستة أشهر ودخل في السابع، وقال الشافعية والمالكية: يجزيء الجذع من الضأن إذا أتم السنة الأولى ودخل في الثانية. واتفق الفقهاء على أن الشاة والمعز لا تجوز أضحيتهما إلا عن واحد- إلا ما روي عن

مالك بأن الشاة تجزيء عن أهل البيت الواحد جميعاً - وتجزيء البدنة أو البقرة عن سبعة أشخاص. - وأربع لا تجوز في الأضاحي بالاتفاق: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها والعرجاء، والعجفاء، ويجوز أن يضحي بالجمَّاء والخصي والجرباء السمينة، وتكره التضحية بالشرقاء والخرقاء والجذعاء. ويستحب للمضحي عند الحنفية ربط الأضحية قبل أيام النحر بأيام وأن يذبح بنفسه أو أن يحضر الذبح إن لم يكن يحسن الذبح ويستحب أن يتوجه الذابح إلى القبلة، ويكره لمن اشترى أضحية أن يحلبها أو يجز صوفها أو ينتفع بها ركوباً أو حملاً. ويجوز الأكل من الأضحية المتطوع بها، أما المنذورة فيحرم الأكل منها. والمستحب أن يجمع المضحي في حالة التطوع بين الأكل منها والتصدق والإهداء. ويستحب لمن أراد الأضحية أن يمسك عن حلق شعره وأظفاره من بداية شهر ذي الحجة. وأجمع المسلمون على مشروعية الأضحية، ودلت الأحاديث على أنها أحب الأعمال إلى الله يوم النحر، وأنها تأتي يوم القيامة على الصفة التي ذبحت عليها، ويقع دمها بمكان من القبول قبل أن يقع على الأرض. - والحكمة من تشريع الأضحية: هي شكر الله على نعمه المتعددة، وعلى بقاء الإنسان من عام لعام، ولتكفير السيئات عنه، وللتوسعة على أسرة المضحي وغيرهم، فلا يجزيء فيها دفع القيمة، بخلاف صدقة الفطر التي يقصد منها سد حاجة الفقر، وإن اختلف في صدقة الفطر هل تدفع القيمة فيها أم لا؟ [اللباب شرح الكتاب (2/ 232)، المهذب (1/ 240)، الشرح الصغير (2/ 141)، الفقه الإسلامي (3/ 594)].

الفصل الأول في الأضاحي

الفصل الأول في الأضاحي

- في أضحية الرسول صلى الله عليه وسلم

- في أضحية الرسول صلى الله عليه وسلم: 4668 - * روى الترمذي عن أبي بكرة (رضي الله عنه) "أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب، ثم نزل، فدعا بكبشين، فذبحهما". وفي رواية النسائي (1): "ثم انصرف يوم النحر إلى كبشين أملحيْن، فذبحهُما، وإلى جزيعةٍ من الغنم فقسمها فينا". 4669 - * روى الطبراني في الكبير عن النعمان بن أبي فاطمة "انه اشترى كبشاً أقرن أعين وأن النبي صلى الله عليه وسلم رآه فقال: كأن هذا الكبش الذي ذبح إبراهيمُ، فعمد رجلٌ من الأنصار فاشترى للنبي صلى الله عليه وسلم من هذه الصفة فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فضحى به". 4670 - * روى الترمذي عن أبي سعيد الخُدري (رضي الله عنه) قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُضحي بكبشٍ أقرن فحيلٍ، ينظرُ في سوادٍ، ويأكل في سوادٍ، ويمشي في سوادٍ". 4671 - * روى أبو داود عن نافع أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يذبحُ أضحيتهُ بالمصلى، وكان ابن عمر يفعله".

_ 4668 - الترمذي (4/ 100) 20 - كتاب الأضاحي، 21 - باب. (1) النسائي (7/ 220) 43 - كتاب الضحايا، 14 - باب الكبش. (جُزيعة) الجزيعة: القطيعة من الغنم. (أملحين): مثنى أملح: اسم تفضيل: ما لونه الملحة: بياض يخالطه سواد. 4669 - مجمع الزوائد (4/ 85) 20 - كتاب الأضاحي، 4 - باب ما جاء ما يُستحب من الأضاحي. وإسناده حسن. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من حديث حفص ابن غياث. وقد روى مسلم رقم (1967) في الأضاحي، باب استحباب الضحية وذبحها مباشرة بلا توكيل والتسمية والتكبير من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد، ويبرك في سواد، وينظر في سواد فأتي به يضحي به ... الحديث. أبو داود (3/ 94) كتاب الضحايا، 3 - باب ما يستحب من الضحايا. النسائي (7/ 221) 43 - كتاب الضحايا، 14 - باب الكبش. (فحيل) الفحيلُ: هو الذي يشبه الفحولة في نُبْلِه وعظم خلقه. ويقال: هو المُنْجِب في ضرابه. والذي يُراد من الحديث: أنه اختار الفحل على الخصي والنعجة، وطلب نُبله. 4671 - أبو داود (3/ 99) كتاب الأضاحي، 8 - باب الإمام يذبح بالمصلى. النسائي (7/ 213) 43 - كتاب الضحايا، 3 - باب ذبح الإمام أضحيته بالمصلى. =

قال في النيل: قوله "كان يذبح وينحر بالمصلى" فيه استحباب أن يكون الذبح والنحر بالمصلى وهو "الجبانة" والحكمة في ذلك أن يكون بمرأى من الفقراء فيصيبون من لحم الأضحية. 4672 - * روى أبو داود عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر سبعَ بدناتٍ بيده قياماً، وضحى في المدينة بكبشين أقرنين أملحين". وفي رواية (1): "ضحى بكبشين أقرنين أملحين، يذبَحُ، ويُكَبِّرُ، ويسمي، ويضع رجله على صفحتهما". وفي رواية (2) البخاري ومسلم قال: "ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين، فرأيته واضعاً قدمهُ على صفاحهما، يُسمي ويكبر، فذبحهما بيده". زاد في رواية (3): "أقرنين". وفي أخرى (4) للبخاري: "أنه كان يضحي بكبشين أقرنين، ويضع رجلهُ على صفحتهما، ويذبحهما بيده". وفي أخرى (5) لمسلم بنحوه، ويقول: "بسم الله، والله أكبر". وفي أخرى (6) للبخاري قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يُضحي بكبشين وأنا أضحي

_ = وقد روى هذا الحديث أيضاً البخاري في (2/ 471) 13 - كتاب العيدين، 22 - باب النحر والذبح يوم النحر بالمصلى. وكذلك رواه ابن ماجة (2/ 1055) 26 - كتاب الأضاحي، 17 - باب الذبح بالمصلى. كذا في النيل (5/ 129). 4672 - أبو داود (3/ 95) كتاب الضحايا، 3 - باب ما يستحب من الضحايا. (1) أبو داود: الموضع السابق. (2) البخاري (10/ 18) 73 - كتاب الأضاحي، 9 - باب من ذبح الأضاحي بيده. مسلم (3/ 1557) 35 - كتاب الأضاحي، 3 - باب استحباب الضحية .... إلخ. (3) البخاري (10/ 23) 14 - باب التكبير عند الذبح. (4) البخاري (10/ 22) 13 - باب وضع القدم على صفح الذبيحة. (5) مسلم (3/ 1557) الموضع السابق. (6) البخاري (10/ 9) 7 - باب أضحية النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أقرنين.

- فضل الأضحية

وللنسائي (1) قال: "خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم انكفأ إلى كبشين أملحين، فذبحهما". قال في النيل: قوله "فذبحهما بيده"" فيه استحباب تولي الإنسان ذبح أضحيته بنفسه، فإن استناب، قال النووي: جاز بلا خلاف، وإن استناب كتابياً، كره كراهة تنزيه، وأجزأه ووقعت التضحية عن الموكل. هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة إلا مالكاً في إحدى الروايتين عنه؛ فإنه لم يجوزها، ويجوز أن يستنيب صبياً وامرأة حائضاً، لكن يكره توكيل الصبي. وفي كراهة توكيل الحائض وجهان. انتهى. 4673 - * روى أحمد عن أبي الخير أن رجلاً من الأنصار حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أضجع أضحيته ليذبحها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل: "أعني على ضحيتي" فأعانه. 4674 - * روى ابن خزيمة عن جابر بن عبد الله: "أن رسول الله صلى الله عيه وسلم ذبح يوم العيد كبشين، ثم قال حين وجههما: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (2) {إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (3) بسم الله، الله أكبرُ، اللهم منكَ ولكَ منْ محمدٍ وأمتهِ". قوله "فقال حين وجههما، وجهت" إلخ فيه استحباب تلاوة هذه الآية عند توجيه الذبيحة للذبح (النيل). - فضل الأضحية: 4675 - * روى ابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما عمِلَ

_ (1) النسائي (7/ 220) 43 - كتاب الضحايا، 14 - باب الكبش. (أملحين) كبش أملحُ: إذا كان بياضه أكثر من سواده، وقيل: هو النقي البياض. 4673 - أحمد (5/ 373). مجمع الزوائد (4/ 25) وقال الهيثمي: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. 4674 - ابن خزيمة (4/ 287) كتاب المناسك، 762 - باب استحباب توجيهه الذبيحة للقبلة، والدعاء عند الذبح، وإسناده صحيح. (2) الأنعام: 79. (3) الأنعام: 162 - 163. 4675 - ابن ماجة (2/ 1045) 26 - كتاب الأضاحي، 3 - باب ثواب الأضحية. الترمذي (4/ 83) 20 - كتاب الأضاحي، 1 - باب ما جاء في فضل الأضحية، وقال: هذا حديث حسن غريب.

- هل هي واجبة؟

ابنُ آدم يوم النحر عملاً أحبَّ إلى الله من هراقةِ دمٍ وإنه لتأتي يوم القيامةِ بقرونِها وأظلافها وأشعارها وإن الدم ليقعُ من الله عز وجل بمكانٍ قبْلَ أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفساً". قال في النيل: وأحاديث الباب تدل على مشروعية الأضحية؛ ولا خلاف في ذلك كما في "البحر" وأنها أحب الأعمال إلى الله يوم النحر، وأنها تأتي يوم القيامة على الصفة التي ذبحت عليها، ويقع دمها بمكان من القبول قبل أن يقع على الأرض، وأنها سنة إبراهيم لقوله تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}، وأن للمضحي بكل شعرة من شعرات أضحيته حسنة، وأن يُكره لمن كان ذا سعة تركها، وأن الدراهم لم تنفق في عمل صالح أفضل من الأضحية، ولكن إذا وقعت لقصد النسك وتجردت عن المقاصد الفاسدة، وكانت على الوجه المطابق للحكمة في شرعها. - هل هي واجبة؟ 4676 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) "أن رجلاً سأل ابن عمر عن الأضحية: أواجبةٌ هي؟ فقال: ضحى رسول الله والمسلمُون، فأعادها عليه، فقال: أتعقِلُ؟ ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمونَ". وقد اختلف العلماء في الأضحية، فمنهم من قال: سنة مؤكدة، كسفيان الثوري، أو ابن المبارك، والشافعين ورواية عن أحمد وأبي يوسف، ومنهم من قال بالوجوب الذي بين الفرض والسنة، كأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وزفر، ومنهم من قال بالفرض الذي هو والوجوب شيء واحد، وهو رواية عن أحمد وقول بعض المحدثين. 4677 - * (1) روى ابن ماجة عن أبي هريرة: رفعه: "من كان له سعة ولم يضحِّ فلا

_ 4674 - الترمذي (4/ 92) 20 - كتاب الأضاحي، 11 - باب الدليل على أن الأضحية سُنة، وهو حسن لغيره، وذكر الحافظ في الفتح تحسين الترمذي وسكت عليه. 4677 - ابن ماجة (2/ 1044) 26 - كتاب الأضاحي، 2 - باب الأضاحي واجبة هي أم لا؟، وكذلك روى أحمد هذا الحديث في (2/ 321) وهو حسن، وصححه الحاكم في (4/ 232) كتاب الأضاحي، قال في النيل 5/ 17: قال ابن حجر في بلوغ المرام: لكن رجح الأئمة- غيره - وقفه، وقال في الفتح، رجاله ثقات، لكن اختلف في رفعه ووقفه، والموقوف.

- ما يستحب لمن أراد الأضحية: من ترك شعر رأسه وأظفاره

يقربنَّ مصلانا". العلماء مختلفون في حكم الأضحية فمنهم، من قال إن الأضحية غير واجبة بل سنة وهم الجمهور. وقال النووي: وممن قال بهذا: أبو بكر، وعمر، وبلال، وأبو مسعود البدري، وسعيد بن المسيب، وعلقمة والأسود، وعطاء، ومالك، وأحمد، وأبو يوسف، وإسحق، وأبو ثور، والمزني، وابن المنذر، وداود، وغيرهم انتهى. وحكاه في "البحر" أيضاً عمن ذكر من الصحابة وعن ابن مسعود وابن عباس وحكاه أيضاً عن العترة والشافعي وأبي يوسف ومحمد. وقال ربيعة والأوزاعي وأبو حنيفة والليث وبعض المالكية: إنها واجبة على الموسر، وحكاه في "البحر" عن مالك، وقال النخعي: واجبة على الموسر إلا الحاج بمنى وقال محمد بن الحسن: واجبة على المقيم بالأمصار. والمشهور عن أبي حنيفة أنه قال: إنما نوجبها على مقيم يملك نصاباً، كذا قال النووي. قال ابن حزم: لا يصح عن أحد من الصحابة أنها واجبة، وصح أنها غير واجبة عن الجمهور، ولا خلاف في كونها من شرائع الدين. - ما يستحب لمن أراد الأضحية: من ترك شعر رأسه وأظفاره: 4678 - * روى مسلم عن أم سلمة (رضي الله عنها) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيتُمْ هلال ذي الحجة، وأراد أحدكم أن يُضحي: فليُمْسكْ عن شعره وأظفاره". وفي أخرى (1): قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كان له ذبحٌ يذبحه، فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يُضحِّيَ". ولمسلم (2) عن عمرو بن مسلم بن عمار الليثي قال: "كُنا في الحمام قُبيل الأضحى، فاطلى فيه أناسٌ، فقال بعض أهل الحمام: إن سعيد بن المسيب يكره هذا وينهى عنه،

_ 4678 - مسلم (3/ 1565) 35 - كتاب الأضاحي، 7 - باب نهي منْ دخل عليه عشر ذي الحجة ... إلخ. الترمذي (4/ 102) 20 - كتاب الأضاحي، 24 - باب ترك أخذ الشعر لمن أراد أن يضحي. النسائي (7/ 211، 212) 43 - كتاب الضحايا، 1 - باب. (1) مسلم: نفس الموضع السابق ص 1566. أبو داود (3/ 94) كتاب الضحايا، 2 - باب الأضحية عن الميت. (2) مسلم: نفس الموضع السابق ص 1566.

فلقيت سعيد بن المسيب، فذكرت ذلك له، فقال: يا ابن أخي، هذا حديث قد نُسيَ وتُرك، حدثتني أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... وذكر الحديث بمعناهُ". قال النووي في شرح مسلم: اختلف العلماء فيمن دخلت عليه عشر ذي الحجة وأراد أن يضحي، فقال سعيد بن المسيب وربيعة وأحمد وإسحاق وداود وبعض أصحاب الشافعي: إنه يحرم عليه أخذ شيء من شعره وأظفاره حتى يضحي في وقت الأضحية. وقال الشافعي وأصحابه: هو مكروه كراهة تنزيه وليس بحرام. وقال أبو حنيفة: لا يكره. وقال مالك في رواية: لا يكره. وفي رواية: يكره، وفي رواية: يحرم في التطوع دون الواجب. واحتج من حرم، بهذه الأحاديث، واحتج الشافعي والآخرون بحديث عائشة، قالت: "كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقلده ويبعث به ولا يحرم عليه شيء أحله الله له حتى ينحر هديه" رواه البخاري ومسلم. قال الشافعي: البعث بالهدي، أكثر من إرادة التضحية، فدل على أنه لا يحرم ذلك، وحمل أحاديث النهي على كراهة التنزيه. 4679 - * روى مالك في الموطأ عن نافعٍ مولى ابن عمر "أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ضحى مرة بالمدينة، قال نافع: فأمرني أن أشتري له كبشاً فحيلاً أقرنَ، ثُمُّ أذبحه يوم الأضحى في مُصلى الناس، قال نافع: ففعلتُ، ثم حُمل إلى عبد الله بن عمر، فحلق رأسه حين ذُبح الكبشُ، وكان مريضاً لم يشهد العيد مع الناس. قال نافع: فكان عبد الله بن عمر يقول: ليس حِلاقُ الرأس بواجب على من ضحى، فقد فعله ابن عمر". 4680 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أُمِرتُ بيومِ الأضحى عيداً جعلهُ الله لهذه الأمة" (1) قال لهُ

_ 4679 - الموطأ (2/ 483) 23 - كتاب الضحايا، 2 - باب ما يستحب من الضحايا، وإسناده صحيح. (الفحيل): الذي يشبه الفحولة في نبله وعظم خلقِهِ. 4680 - أبو داود (3/ 93، 94) كتاب الضحايا، 1 - باب ما جاء في إيجاب الأضاحي، وإسناده صحيح. النسائي (7/ 212، 213) 43 - كتاب الضحايا، 2 - باب من لم يجد الأضحية. (منيحة): ناقة أو شاة تعار لينتفع بلبنها، وتعاد إلى صاحبها.

- وقت ذبح الأضاحي بعد صلاة العيد

رجل: يا رسول الله! أرأيت إن لم أجدْ إلى منيحةٍ أنثى، أفأضحي بها؟ قال: "لا، ولكن خذْ من شعرك وأظفارك، وتقصُّ شاربك، وتحلقُ عانتك، فذلك تمامُ أضحيتك عند الله". - وقت ذبح الأضاحي بعد صلاة العيد: 4681 - * روى الشيخان عن جُندب بن عبد الله البجلي (رضي الله عنه) قال: "شهدت الأضحى يوم النحر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يعدُ أن صلى، وفرغ من صلاته وسلم، فإذا هو يرى لحم أضاحي قد ذبحتْ قبل أن يفرغ من صلاته، فقال: من كان ذبح قبل أن يُصلي فليذبح مكانها أخرى". وفي أخرى (1) قال: "صلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر، ثم خطب، ثم ذبح، وقال: منْ ذبح قبل أن يُصلي فليذبح أخرى مكانها، ومن لم يذبح فليذبح باسم الله". 4682 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر بالمدينة، فتقدم رجالٌ، فنحروا، فظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نحر، فأمر النبي صلى الله عليه ومسلم من كان نحر قبلهُ أنْ يعيد بنحرٍ آخر، ولا ينحروا حتى ينحر النبي صلى الله عليه وسلم. 4683 - * روى مالك في الموطأ عن عويمر بن الأشقر (رضي الله عنه): "ذبح صحيته قبل أن يغدو يوم الأضحى، وأنه ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمره أن يعود بضحيةٍ أخرى".

_ 4681 - البخاري (10/ 20) 73 - كتاب الأضاحي، 12 - باب من ذبح قبل الصلاة أعاد. مسلم (3/ 1551) 35 - كتاب الأضاحي، 1 - باب وقتها. النسائي (7/ 214) 43 - كتاب الضحايا، 4 - باب ذبح الناس بالمصلى. (1) البخاري (2/ 472) 13 - كتاب العيدين، 23 - باب كلام الإمام والنسا في خطبة العيد. (فلمْ يعدُ) لم يعد أن فعل كذا، أي لم يُجاوز أن فعلهُ. 4683 - مسلم (3/ 1555) 35 - كتاب الأضاحي، 2 - باب سن الأضحية. 4683 - الموطأ (2/ 484) 23 - كتاب الضحايا، 3 - باب النهي عن ذبح الضحية قبل انصراف الإمام، وإسناده صحيح.

4684 - * روى مالك في الموطأ عن بُشير بن يسارٍ "أن أبا بُردة بن نيارٍ (رضي الله عنه) ذبح ضحيتهُ قبل أن يذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى، فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يعُود بضحيةٍ أخرى، قال أبو بُردة: لا أجدُ إلا جذعاً، قال: وإنْ لم تجدْ إلا جذعاً فاذبحْ". 4685 - * روى الشيخان عن البراء بن عازب (رضي الله عنه) قال: "ذبح أبو بُردة ابن نيار قبْلَ الصلاة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أبدِلْهَا، فقال: يا رسول الله، ليس عندي إلا جذعةٌ؟ - قال شعبةُ: وأظُنُّه قال: هي خيرٌ من مُسنَّةٍ- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعلها مكانها، ولنْ تُجْزِيء عن أحدٍ بعدك". ومنهم من لمْ يذكُرِ الشكَّ في قوله: "هي خيرٌ من مُسنَّةٍ". وفي رواية (1): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أول ما نبدأ به في ومنا هذا: نُصلِّي، ثم نرجعُ فننحرُ، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبلُ، فإنما هو لحم قدمَهُ لأهله، ليس من النُّسُك في شيءٍ وكان أبو بُردة بن نيارٍ قد ذبح، فقال: عندي جذعةٌ خيرٌ من مُسنةٍ، فقال: اذبحها، ولن تُجزئ عنْ أحدٍ بعدكَ". وفي أخرى (2) قال: "ضحى خالٌ له: أبو بُردة - قبل الصلاة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: شاتُكَ شاةُ لحمٍ، فقال: يا رسول الله، إن عندي داجناً جذعةً من المعزِ؟ قال: اذبحها ولا تصلح لغيرك، ثم قال: من ذبح قبل الصلاة فإنما ذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نُسكه، وأصاب سُنَّة المسلمين". قال الحافظ في الفتح: وفي الحديث من الفوائد: أن المرجع في الأحكام إنما هو إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه قد يخص بعض أمته بحكم ويمنع غيره عنه ولو كان بغير عذر، وأن خطابه للواحد يعم جميع المكلفين حتى يظهر دليل الخصوصية، وفيه إن الإمام يعلم الناس في خطبة

_ 4684 - الموطأ: نفس الموضع السابق ص 483، وإسناده صحيح. 4685 - البخاري (10/ 12، 13) 73 - كتاب الأضاحي، 10 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بردة: ضح بالجذع من المعز ... إلخ. مسلم (3/ 1554) 35 - كتاب الأضاحي، 1 - باب وقتها. (1) مسلم: الموضع السابق ص 1553. (2) البخاري نفس الموضع السابق ص 12.

العيد أحكام النحر، وفيه جواز الاكتفاء في صحة الأضحية بالشاة الواحدة عن الرجل وعن أهل بيته، وبه قال الجمهور، وفيه أن العمل وإن وافق نية حسنة لم يصح إلا إذا وقع على وفق الشرع، وفيه جواز أكل اللحم يوم العيد من غير لحم الأضحية، لقوله: إنما هو لحم قدمه لأهله، وفيه كرم الرب سبحانه وتعالى، لكونه شرع لعبيده الأضحية مع ما لهم فيها من الشهوة بالأكل والادخار، ومع ذلك فأثبت لهم الأجر في الذبح، ثم من تصدق أثيب وإلا لم يأثم. 4686 - * روى أحمد عن جابر بن عبد الله أن رجلاً ذبح قبل أن يُصلي النبي صلى الله عليه وسلم عتوداً جذعاً فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تجزيء عن أحدٍ بعدك، ونهى أن يذبحوا حتى يُصلوا". 4687 - * روى أحمد عن أبي بُردة بن نيارٍ قال: شهدتُ العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فخالفتْ امرأتي حيث غدوتُ إلى الصلاة إلى أُضحيتي فذبحتها فصنعت منها طعاماً، قال: فلما صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرفتُ إليها جاءتني بطعامٍ قد فُرغ منه فقلت: أني هذا؟ فقالت: أضحيتك ذبحناها وصنعنا لك طعاماً لتغدَّى منها إذا جئت، قال فقلتُ لها: والله لقد خشيت أن يكون هذا لا ينبغي، قال: فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرتُ ذلك له فقال: ليستْ بشيءٍ فضحِّ، قال: فالتمستُ مُسنةً فما وجدتها، قال: فالتمسْ جذعاً من الضأن فضحِّ، قال: فرخص له رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجذع من الشأن فضحى به حيث لم يجد المُسنة". فهذا يدل على أن وقت الأضحية بعد صلاة العيد مع الإمام (1).

_ 4686 - أحمد (3/ 364). أبو يعلي (3/ 316). مجمع الزوائد (4/ 24) وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلي، ورجالهما رجال الصحيح. (العتود): الحولي من أولاد المعز. 4687 - أحمد (4/ 45). مجمع الزوائد (4/ 24) وقال الهيثمي: رواه أحمد، ورجاله ثقات.

- مدة أيام النحر للأضحية

قال ابن المنذر: وأجمعوا على أنها لا يجوز التضحية قبل طلوع الفجر، وأما إذا لم يكن ثم إمام فالظاهر أنه يعتبر لكل مضح بصلاته. وقال ربيعة فيمن لا إمام له: إن ذبح قبل طلوع الشمس؛ لا تجزئه، وبعد طلوعها تجزئه. - مدة أيام النحر للأضحية: 4688 - * روى مالك في الموطأ عن نافع أن ابن عمر (رضي الله عنهما) قال: "الأضحى: يومان بعد يوم الأضحى". قال مالكُ: وبلغني عن علي بن أبي طالب مثلهُ. قال الزرقاني في شرح الموطأ: وإلى هذا ذهب مالك وأبو حنيفة وأحمد وأكثر العلماء، وقال الشافعي وجماعة: الأضحى يوم النحر وثلاثة أيام بعده. 4689 - * روى أحمد عن جبير بن مطعمٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل عرفاتٍ موقفٌ وارفعوا عن عُرنة، وكلُّ مزدلفة موقفٌ وارفعوا عن محسرٍ، وكل فجاج منى منحرٌ وكل أيام التشريق ذبحٌ". وقد استدل بالحديث على أن أيام التشريق كلها أيام ذبح وهي يوم النحر وثلاثة أيام بعده وكذلك روي في الهدي عن علي عليه السلام أنه قال: أيام النحر: يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده، وكذا حكاه النووي عنه في شرح مسلم وروي من وجهين مختلفين يشد أحدهما الآخر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "كل منى منحر وكل أيام التشريق ذبح" وروي من حديث جبير بن مطعم وفيه انقطاع. ومن حديث أسامة بن زيد عن عطاء عن جابر قال يعقوب بن سفيان أسامة بن زيد عند أهل المدينة ثقة مأمون انتهى. وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد: إن وقت الذبح يوم النحر ويومان بعده. قال النووي: وروي هذا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعلي عليه السلام وابن عمر وأنس حكى ابن القيم عن أحمد أنه قال (1): هو قول غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقع الخلاف في

_ 4688 - الموطأ (2/ 487) 23 - كتاب الضحايا، 6 - باب الضحية عما في بطن المرأة، وذكر أيام الأضحى، وإسناده صحيح. 4689 - أحمد (4/ 82). مجمع الزوائد (4/ 24، 25) وقال الهيثمي: رواه أحمد، وروى الطبراني في الأوسط عنه: "أيام التشريق كلها ذبح"، ورجال أحمد وغيره ثقات.

- كم سن الأضحية؟

جواز التضحية في ليالي أيام الذبح. فقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحق وأبو ثور والجمهور: إنه يجوز مع كراهة. وقال مالك في المشهور عنه وعامة أصحابه ورواية عن أحمد: أنه لا يجزيء؛ بل يكون شاة لحم، ولا يخفى أن القول بعدم الإجزاء وبالكراهة يحتاج إلى دليل، ومجرد ذكر الأيام في حديث الباب وإن دل على إخراج الليالي بمفهوم اللقب؛ لكن التعبير بالأيام عن مجموع الأيام والليالي والعكس مشهور متداول بين أهل اللغة لا يكاد يتبادر غيره عند الإطلاق (النيل). - كم سن الأضحية؟ 4690 - * روى مالك في الموطأ عن نافع مولى ابن عمر أن ابن عمر (رضي الله عنهما) كان يقول في الضحايا والبُدن "الثنيُّ، فما فوقهُ". 4691 - * روى مالك في الموطأ عن نافع مولى ابن عمر قال: "كان ابن عمر (رضي الله عنهما) ينفي منها ما لم تُسن - يعني: ما ليس بثني - وينفي منها ما نقص من خلقها". قال محقق الجامع: في الموطأ: "كان ابن عمر يتقي من الضحايا والبدن التي لم تسن" قال الزرقاني في شرح الموطأ: روي بكسر السين من السن، لأن معروف مذهب ابن عمر أنه لا يضحي إلا بثني المعز والضأن والإبل والبقر. وروي بفتح السين. قال ابن قتيبة: أي لم تنبت أسنانها، كأنها لم تعط أسنانها. كما تقول: لم يلبن، ولم يسمن، ولم يعسل: أي لم يعط ذلك وقال غيره: معناه: بل تبدل أسنانها. وهذا أشبه مذهب ابن عمر، لأنه يقول بالأضاحي والبدن الثني فما فوقه، ولا يجوز عنده الجذع من الضأن، وهذا خلاف الآثار المرفوعة وخلاف الجمهور الذين هم حجة على من شذ عنهم قاله ابن عبد البر. 4692 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال (1): قال رسول الله

_ 4690 - الموطأ (1/ 380) 20 - كتاب الحج، 46 - باب العمل في الهدي حين يساق، وإسناده صحيح. (الثنيُّ) من ذوات الظلف والحافر: ما دخل في السنة الثالثة، ومن ذوات الخُف: ما دخل في السنة السادسة، والجمع: ثنيان، والأنثى: ثنيةً، والجمعُ ثنياتٌ. 4691 - الموطأ (2/ 482) 23 - كتاب الضحايا، 1 - باب ما ينهى عنه من الضحايا، وإسناده صحيح. 4692 - مسلم (3/ 1555) 35 - كتاب الأضاحي، 2 - باب سن الأضحية.

صلى الله عليه وسلم: "لا تذبحوا إلا مُسنَّة إلا أن يعسُر عليكم فتبحوا جذعةَ من الضأن". قال النووي: قال العلماء: المسنة: هي الثنية من كل شيء من الإبل والبقر والغنم فما فوقها، وهذا تصريح بأنه لا يجوز الجذع من غير الضأن في حال من الأحوال، وهذا مجمع عليه ما نقله القاضي عياض. قال النووي: وأما الجذع من الضأن فمذهبنا ومذهب كافة العلماء أنه يجزيء سواء وجد غيره أم لا. والجذع من الضأن: ما أكمل سنة، وهو قول الجمهور، وقيل: دونها، والضأن أسرع إجذاعاً من الماعز، وأما الجذع من المعز: فهو ما دخل في السنة الثانية، ومن البقر: ما أكمل السنة الثالثة، ومن الإبل، ما دخل في السنة الخامسة، قاله الحافظ في الفتح. وقال في النيل: المسنة هي الثنية من كل شيء من الإبل والبقر والغنم فما فوقها وهذا تصريح بأنه لا يجوز الجذع ولا يجزيء إلا إذا عسر على المضحي وجود المسنة. وقد قال ابن عمر والزهري إنه لا يجزيء الجذع من الضأن ولا من غيره مطلقاً. قال النووي: ومذهب العلماء كافة أنه يجزيء سواء وجد غيره أم لا، وحملوا هذا الحديث على الاستحباب، والأفضل وتقديره: يستحب لكم أن لا تذبحوا إلا مسنة فإن عجزتم فجذعة ضأن، وليس فيه تصريح بمنع جذعة الضأن وأنها لا تجزيء بحال وقد أجمعت الأمة على أنه ليس على ظاهره، لأن الجمهور يجوِّزون الجذع من الضأن مع وجود غيره وعدمه، وابن عمر والزهري يمنعانه مع وجود غيره وعدمه فيتعين تأويل الحديث على ما ذكرنا من الاستحباب كذا قال النووي. وقوله "جذعة من الضأن" الجذع من الضأن ماله سنة تامة. هذا هو الأشهر عن أهل اللغة وجمهور أهل العلم من غيرهم. وقيل: ماله ستة أشهر. وقيل: سبعة. وقيل: ثمانية. وقيل: عشرة. وقيل: إن كان متولداً بين شاتين فستة أشهر، وإن كان بين هرمين ثمانية (1).

_ = أبو داود (3/ 95) كتاب الضحايا، باب ما يجوز من السن في الضحايا. النسائي (7/ 218) 43 - كتاب الضحايا، 13 - باب المسنة والجذعة. (مُسنة) المسنة: التي لها سنون والمراد: الكبيرة التي ليست من الصغار. (جذعة) الجذعُ من الشاء: ما دخل في السنة الثانية، ومن البقر وذوات الحافر: ما دخل في الثالثة، ومن الإبل: ما دخل في الخامسة، والأنثى في الجميع: جذعة والجمعُ: جُذعانٌ وجذاعٌ وجذعاتٌ.

وفيه دليل على أن جذعة المعز لا تجزئ في الأضحية. قال النووي: وهذا متفق عليه اهـ. 4693 - * روى الشيخان عن عقبة بن عامرٍ (رضي الله عنه) "أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه غنماً يقسمها على صحابته، فبقي عتودٌ، أو جديٌ، فذكره للنبي صلى الله عيه وسلم فقال: ضحِّ به أنت". وفي رواية (1) قال: "قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه ضحايا، فصارت لعُقبة جذعة، فقلت: يا رسول الله، أصابني جذعٌ، فقال: ضحِّ به". قال الحافظ في الفتح: زاد البيهقي في رواية من طريق يحيى بن أبي كثير عن الليث: "ولا رخصة فيها لأحد بعدك". قال البيهقي: إن كانت هذه الزيادة محفوظة، كان هذا رخصة لعقبة كما رخص لأبي بردة. 4694 - * روى أبو داود عن عاصم بن كُليبٍ عن أبيه (رضي الله عنه) قال: "كُنا مع رجلٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يُقال له: مُجاشعٌ من بني سُليمٍ، فعزت الغنمُ، فأمر منادياً فنادى: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: إن الجذع من الضأن يُوفيْ مما يُوفي منه الثنيُ". وفي رواية (2): "الجذعُ يُوفي مما يُوفيِّ منه الثنيُّ". وفي رواية (3) النسائي: قال: كنا في سفرٍ، فحضر الأضحى، فجعل الرجل يشتري منا المُسنة بالجذعتين والثلاثة. فقال لنا رجلٌ من بني مُزينة: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فحضر هذا اليوم، فجعل الرجل يطلب المسنة بالجذعتين والثلاثة، فقال رسول الله

_ 4693 - البخاري (10/ 9) 73 - كتاب الأضاحي، 7 - باب أضحية النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أقرنين. مسلم (3/ 1556) 35 - كتاب الأضاحي، 2 - باب سن الأضحية. الترمذي (4/ 88) 20 - كتاب الأضاحي، 7 - باب ما جاء في الجذع من الضأن في الأضاحي. النسائي (7/ 218) 34 - كتاب الضحايا، 13 - باب المسنة والجذعة. (1) النسائي: نفس الموضع السابق. (عتود) العتود من أولاد المعز: ما رعى وقوي وأتى عليه الحولُ. 4694 - أبو داود (3/ 96) كتاب الأضاحي، باب ما يجوز من السن في الضحايا. (2) أبو داود: الموضع السابق. (3) النسائي (7/ 219) 43 - كتاب الضحايا، 13 - باب المسنة، وإسناده صحيح.

- ما لا يجوز في الأضاحي

صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الجذع يُوفيِّ مما يُوفيِّ منه الثنيُّ". 4695 - * روى أحمد عن أم بلالٍ أن رسول الله صلى الله عليه سلم قال: "ضحُّوا بالجذع من الضأن فإنه جائزٌ". 4696 - * روى الترمذي عن أبي كباشٍ (رحمه الله) قال: جلبتُ غنماً جُذعانا إلى المدينة، قُرب الأضحى، فكسدتْ عليَّ، فلقيتُ أبا هريرة فسألته؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نِعمَ- أو نعمتِ - الأضحيةُ الجذعُ من الضأن، فانتهبها الناس". أقول: الجذع عند الحنفية الذي تجوز الأضحية به ما زاد سنه على ستة أشهر، لكنه لو أدخل بني أبناء العام لم يعرف. 4697 - * روى الترمذي عن أبي أُمامة الباهلي (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خيرُ الأضحية: الكبشُ، وخير الكفن: الحُلَّةُ". - ما لا يجوز في الأضاحي: 4698 - * روى أبو داود عن عُبيد بن فيروز (رحمه الله) قال: سألنا البراء عما لا يجوز في الأضاحي؟ فقال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصابعي أقصر من أصابعه، وأناملي أقصر من أنامله، فقال: أربعٌ - وأشار بأبرع أصابعه (1) - لا تجوز في الأضاحي: العوراء بيِّن عورها، والمريضة بيِّن مرضها، والعرجاء بَيِّنٌ ظلعها، والكسيرُ التي لا تُنقي

_ 4695 - أحمد (6/ 368). الطبراني "الكبير" (15/ 164). مجمع الزوائد (4/ 19) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورجاله ثقات. 4696 - الترمذي (4/ 87) 20 - كتاب الأضاحي، 7 - باب ما جاء في الجذع من الضأن في الأضاحي، وقال الترمذي: وقد رُوي موقوفاً على أبي هريرة، وهو حسن لغيره قال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن الجذع من الضأن يجزيء في الأضحية. 4697 - الترمذي (4/ 98) 20 - كتاب الأضاحي، 18 - باب، وهو حسن لغيره. الحُلة: ثوب ساتر لجميع البدن. 4698 - أبو داود (3/ 97) كتاب الأضاحي، باب ما يكره من الضحايا. النسائي (7/ 214، 215) 43 - كتاب الضحايا، 5 - باب ما نهى عنه من الأضاحي: العوراء.

قال: قلت: فإني أكره أن يكون في السن نقصٌ؟ قال: ما كرهت فدعه، ولا تُحرمه على أحدٍ". وفي رواية (1) الترمذي: "أن البراء قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يُضحي بالعرجاء بين ظلعها، ولا العوراء بين عورها، ولا بالمريضة بينٌ مرضها، ولا بالعجفاء التي لا تنقي". وفي رواية (2) الموطأ نحو رواية أبي داود والنسائي، إلى قوله: "لا تُنْقي" وجعل بدل "الكسير": "العجفاء". وقال النووي: وأجمعوا أن العيوب الأربعة المذكورة في حدي البراء لا تجزيء التضحية بها، وكذا ما كان في معناها أو أقبح منها، كالعمى وقطع الرجل وشبهه. قوله "أربع لا تجوز" إلخ فيه دليل على أن متبينة العور والعرج والمرض لا يجوز التضحية بها إلا ما كان من ذلك يسيراً غير بين، وكذلك الكسير التي لا تنقي بضم التاء الفوقية وإسكان النون وكسر القاف أي التي لا نِقْي لها بكسر النون وإسكان القاف وهو المخ وفي رواية الترمذي والنسائي والعجفاء بدل الكسير. (النيل). 4699 - * روى الترمذي عن عليِّ بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العينَ والأذُنَ، وأنْ لا نُضحي بمقابلة: ولا مدابرةٍ، ولا شرقاء". زاد في رواية (3): "والمقابلة: ما قُطع طرفُ أذنها، والمدابرةُ: ما قطع من جانب الأذن، والشرقاء، والخرقاء: المثقوبة".

_ (1) الترمذي (4/ 85، 86) 20 - كتاب الأضاحي، 5 - باب ما لا يجوز من الأضاحي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم. (2) الموطأ (2/ 482) 23 - كتاب الضحايا، 1 - باب ما ينهى عنه من الضحايا، وإسناده صحيح. (ظلعها) الظلعْ: العرج. والظالع: الغامز في مشيته. (تُنقي) النقي: مُخ العظم، يقال: أنقت الإبل وغيرها، أي صار فيها نقي، ويقال: هذه ناقة منقية، وهذه لا تنقي. (بالعجفاء) العجف- بالتحريك - الهُزال والضعف. 4699 - الترمذي (4/ 86) 20 - كتاب الأضاحي، 6 - باب ما يُكره من الأضاحي. (3) الترمذي: نفس الموضع السابق ص 87.

- عمن تجزئ الأضحية؟

وفي رواية (1) أبي داود والنسائي قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العينُ والأذن، ولا نضحي بعوراء، ولا مقابلة ولا مدابرةٍ، ولا خرقاء، ولا شرقاء". قال أبو داود: قال زهيرٌ وهو ابن معاوية: فقلت لأبي إسحاق: - وهو السبيعي - أذكر "عضباء؟ " قال: لا. قلتُ: فما المقابلة؟ قال: يُقطعُ طرفُ الأذن: قلت: فما المدابرةُ؟ قال: يقطع من مؤخرِ الأذن قلت: فما الشرقاءُ؟ قال: تُشقُّ الأذن. قلت: فما الخرقاء؟ قال: تُخرقُ أذنها للسمة. وأخرج النسائي (2) مثل رواية الترمذيُّ الأولى بغير زيادةٍ. وفي أخرى (3) لهم: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: نهى أن يُضحى بعضباء الأذن والقرن". قيل لابن المسيب: ما الأعضبُ؟ قال: المكسور النصف فما فوقه. - عمن تجزئ الأضحية؟ 4700 - * روى مالك في الموطأ عن نافع مولى ابن عمر "أن ابن عمر رضي الله عنهما لم يكن يُضحي عما في بطن المرأة".

_ (1) أبو داود (3/ 97، 98) كتاب الأضاحي، باب ما يكره من الضحايا. النسائي (7/ 216) 43 - كتاب الضحايا، 8 - باب المقابلة وهي ما قطع طرف أذنها. (2) النسائي (7/ 217) 43 - كتاب الضحايا، 9 - باب المدابرة وهي ما قطع من مؤخر أذنها. (3) أبو داود (3/ 98) الموضع السابق. الترمذي (4/ 90) 20 - كتاب الأضاحي، 9 - باب في الضحية بعضباء القرن والأذن. النسائي (7/ 217، 218) 12 - باب العضباء. وروى هذا الحديث أيضاً ابن ماجة مختصراً في (2/ 1050) 26 - كتاب الأضاحي، 8 - باب ما يكره أن يضحى به، وأحمد في المسند (1/ 80) وفي إسناده أبو إسحاق السبعيي، وهو ثقة، لكنه اختلط بأخره، والجملة الأولى منه رواها ابن ماجة بإسناد حسن، وهي أيضاً عند النسائي وأحمد في المسند. (مقابلة) شاة مقابلة: إذا قطع من مقدم أذنها قطعةٌ وتركت معلقة فيها كأنها زنمةٌ. (مدابرة) المدابرة: التي فُعل بها ذلك من مؤخر أذنها، واسم الجلدة فيها: الإقبالة والإدبارةُ. (شرقاء) الشرقاء: التي شُقتْ أذنها، وقد شرقت الشاة - بالكسر- فهي شاةٌ شرقاءُ. (الخرقاء) من الغنم: التي في أذنها خرقٌ، وهو ثقبٌ مستدير. (عضباء) العضباء: المشقوقة الأذن والمكسورة القرن. 4700 - الموطأ (2/ 487) 23 - كتاب الضحايا، 5 - باب الشركة في الضحايا ... إلخ، وإسناده صحيح.

4701 - * روى مالك في الموطأ عن أبي أيوب الأنصاري (رضي الله عنه) قال: "ما كنا نضحي بالمدينة إلا بالشاة الواحدة، يذبحها الرجل عنه وعن أهل بيته، ثم تباهى الناس بعد، فصارت مباهاة". 4702 - * روى الطبراني في الكبير عن عبد الله بن هشام- وقد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم- "أن أمة أتت به النبي صلى الله عليه وسلم فمسح برأسه ودعا له، كان يُضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله". 4703 - * روى الطبراني في الكبير عن حُذيفة بن أسيدٍ قال: "رأيتُ أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وما يضحيان مخافة يُستنُّ فحملني أهلي على الجفا بعد أن علمتُ من السنة حتى أني لأضحي عن كل". قال ابن رشد: "في عدد ما يجزئ من الضحايا عن المضحين، فإنهم اختلفوا في ذلك، فقال مالك: يجوز أن يذبح الرجل الكبش أو البقرة أو البدنة مضحياً عن نفسه وعن أهل بيته الين تلزمهم نفقته بالشرع، وكذلك عنده بالهدايا، وأجاز الشافعي وأبو حنيفة وجماعة: أن ينحر الرجل البدنة عن سبع، وكذلك البقرة مضحياً أو مهدياً، وأجمعوا على أن الكبش لا يجزئ إلا عن واحد، إلا ما رواه مالك من أنه يجزئ أن يذبحه الرجل عن نفسه وعن أهل بيته لا على جهة الشركة بل إذا اشتراه مفرداً". قال في نيل الأوطار: قوله "يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته" فيه دليل على أن الشاة تجزئ عن أهل البيت؛ لأن الصحابة كانوا يفعلون ذلك في عهده صلى الله عليه وسلم والظاهر اطلاعه فلا ينكر عليهم ويدل على ذلك أيضاً حديث: "على كل أهل بيتٍ في كل عامٍ أضحيةٌ" نيل الأوطار (1).

_ 4701 - الموطأ: نفس الموضع السابق ص 486، وإسناده صحيح. الترمذي (4/ 91) 20 - كتاب الأضاحي، 10 - باب ما جاء أن الشاة الواحدة تجزيء عن أهل البيت. وقال الترمذي: حسن صحيح، قال: والعمل على هذا عنده بعض أهل العلم، وهو قول أحمد وإسحاق اهـ. وكذلك هو قول مالك والليث والأوزاعي وغيرهم أن الشاة الواحدة تجزئ عن أكثر من واحد. (تباهى): تفاخر. 4702 - مجمع الزوائد (4/ 21) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح. 4703 - الطبراني "الكبير" (3/ 182). مجمع الزوائد (4/ 18) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح.

4704 - * روى أحمد عن الشعبي قال: سألت ابن عمر قلت: الجزور والبقرة تجزئ عن سبعةٍ؟ قال يا شعبي ولها سبعة أنفس قال: قلت: إن أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سن الجزور عن سبعةٍ والبقرة عن سبعةٍ قال: فقال ابن عمر لرجل أكذاك يا فلان قال: نعم قال: ما شعرتُ بهذا. 4705 - * روى الترمذي عن ابن عباس "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ فحضر الأضحى فاشتركنا في البقرة سبعةٌ وفي البعير عشرةٌ". وأجمعوا على أنه لا يجوز أن يشترك في النسك أكثر من سبعة. وإن كان قد روي من حديث رافع بن خديج ومن طريق ابن عباس وغيره "البدنة عن عشرة" وقال الطحاوي: وإجماعهم على أنه لا يجوز أن يشترك في النسك أكثر من سبعة دليل على أن الآثار في ذلك غير صحيحة، وإنما صار مالك لجواز تشريك الرجل أهل بيته في أضحيته أو هديه. وخالفه في ذلك أبو حنيفة والثوري على وجه الكراهة لا على وجه عدم الإجزاء (النيل). 4706 - * روى أبو يعلي عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتي بكبشين أقرنين أملحين عظيمين موجوءين فأضجع أحدهما وقال: "بسم الله والله أكبر عن محمدٍ وأمته من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ". 4707 - * روى الطبراني في الأوسط والكبير عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أقرنين أملحين أحدهما عنه وعن أهل بيته، والآخر عنه وعن منْ لم يُضحي من أمته" (1).

_ 4704 - أحمد (5/ 409) وهذا الحديث رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح، كذا قال الهيثمي في مجع الزوائد. 4705 - الترمذي (4/ 89) 20 - كتاب الأضاحي، 8 - باب ما جاء في الاشتراك في الأضحية. النسائي (7/ 222) 43 - كتاب الضحايا، 15 - باب ما تجزئ عنه البدنة في الضحايا. روى هذا الحديث أيضاً ابن ماجة في (2/ 1047) 26 - كتاب الأضاحي، 5 - باب عن كم تجزئ البدنة والبقرة، وأحمد (1/ 275) وحسنه الترمذي، وهو كذلك. 4706 - أبو يعلي (3/ 327). مجمع الزوائد (4/ 22) وقال الهيثمي: رواه أبوي علي، وإسناده حسن. ولجابر حديث رواه أبو داود باختصار. (موجوءين): خصيين. (أملح): الذي بياضه أكثر من سواده، وقيل: هو النقي البياض. 4707 - مجمع الزوائد (4/ 22) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط والكبير، وهذا لفظه، وإسناده حسن.

- جواز الأكل من الأضحية

4708 - * روى البزار عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين فإذا صلى وخطب أتى بأحدهما وهو في مُصلاه فذبحه ثم قال: "اللهم هذا عن أمتي جميعاً من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ" ثم يؤتى بالآخر فيذبحه ثم يقول: اللهم هذا من محمد وآل محمدٍ" فيطعمهما جميعاً المساكين. ويأكل هو وأهله منهما، قال فلبثنا سنين ليس أحد من بني هاشم يُضحِّي، قد كفانا الله برسول الله صلى الله عليه وسلم الغرمَ والمؤونة. قال الشوكاني: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم قول أحمد وإسحق واحتجَّا بحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبش فقال: "هذا عمن لم يضح من أمتي". وقال بعض أهل العلم: لا تجزئ الشاة إلا عن نفس واحدة، وهو قول عبد الله بن المبارك وغيره من أهل العلم. اهـ. - جواز الأكل من الأضحية: 4709 - * روى أحمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ضحى أحدكم فليأكلْ من أضحيته". 4710 - * روى البخاري عن عابس بن ربيعة (رضي الله عنه) قال: قلت لعائشة: "أنهى النبي صلى الله عليه وسلم أنْ تؤكل لحم الأضاحي فوق ثلاث؟ قالت: ما فعله إلا في عام جاع الناس فيه، فأراد أن يُطعم الغنيُّ الفقير، وإنْ كنا لنرفعُ الكراع فنأكله بعد خمس عشرة ليلة، قلت: وما اضطركم إليه؟ فضحكت وقالت: ما شبع آل محمد من خبز مأدوم ثلاثة أيام، حتى لحق بالله تعالى" (1).

_ 4708 - كشف الأستار (2/ 62) كتاب الأضاحي، باب أضحية رسول الله صلى الله عليه وسلم. مجمع الزوائد (4/ 22) وقال الهيثمي: رواه البزار وأحمد بنحوه، ورواه الطبراني في الكبير بنحوه. 4709 - أحمد (2/ 391). مجمع الزوائد (4/ 25) وقال الهيثمي: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. 4710 - البخاري (9/ 552) 70 - كتاب الأطعمة، 27 - باب ما كان السلف يدخرون في بيوتهم وأسفارهم من الطعام واللحم وغيره.

وفي رواية الترمذي (1): قال عابس: قلت لأمِّ المؤمنين عائشة: "أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن لحوم الأضاحي؟ قالت: لا، ولكن قلما كان يُضحيَّ من الناس، فأحبَّ أنْ يطعم من لم يُضحِّ، فلقد كنا نرفعُ الكراع فنأكله بعد عشرة أيام". وأخرج النسائي (2) الأولى. وله في أخرى (3) قال: "سألت عائشة عن لحوم الأضاحي؟ فقالتْ: كنا نخبأ الكراع لرسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً، ثم يأكله". وفي رواية البخاري (4) عن عمرة بنت عبد الرحمن: "أن عائشة قالت: الضحيةُ كُنَّا نُملح منه، فنقدم به النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فقال: لا تأكلوا إلا ثلاثة أيامٍ، وليست بعزيمة، ولكن أراد أن نُطعم منه، والله أعلم". وفي رواية لمسلم (5) عن عبد الله بن واقدٍ قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاثٍ. قال عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: فذكرتُ ذلك لعمرة فقالت: صدق. سمعتُ عائشة تقول: دفَّ أهل أبياتٍ من أهل البادية حضرة الأضحى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله: ادخروا ثلاثاً". وفي رواية (6): "لثلاثٍ، ثم تصدقوا بما بقي، فلما كان بعد ذلك قالوا: يا رسول الله إن الناس يتخذون الأسقية من ضحاياهم، ويجملون منها الودك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما ذاك؟ قالوا: نهيت أن تؤكل لحوم الضحايا بعد ثلاثٍ، فقال: إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفتْ، فكلوا وتصدقوا وادخروا".

_ (1) الترمذي (4/ 95) 20 - كتاب الأضاحي، 14 - باب ما جاء في الرخصة في أكلها بعد ثلاث. (2) النسائي (7/ 235، 236) 43 - كتاب الضحايا، 37 - باب الادخار من الأضاحي. (3) النسائي: الموضع السابق ص 236. (4) البخاري (10/ 24) 73 - كتاب الأضاحي، 16 - باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي .... إلخ. (5) مسلم (3/ 1561) 35 - كتاب الأضاحي، 5 - باب بيان ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث في أول الإسلام. (6) مسلم: نفس الموضع السابق. (دف) يقال: جاءت دافة من الأعراب، وهم من يردُ منهم المصر. يقال: دفت دافةٌ منهم. (ويجملون) جملتُ الشحم وأجملته: إذا أذبته. (الودك): دسمْ اللحم ودهنه.

قال في النيل: وفي الباب عن نبيشة الهذلي عند أحمد وأبي داود وزاد بعد قوله "وادخروا وائتجروا" أي اطلبوا الأجر بالصدقة. 4711 - * روى الشيخان عن سلمة بن الأكوع (رضي الله عنه) قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من ضحى منكم فلا يُصبحن بعد ثالثةٍ وفي بيته منه شيءٌ، فلما كان العام المقبل قالوا: يا رسول الله، نفعل كما فعلنا العام الماضي؟ قال: كلوا وأطعموا وادخروا، فإن ذلك العام كان بالناس جهدٌ فأردتُ أن تُعينوا فيهم". 4712 - * روى البخاري عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) "كان غائباً فقدم، فقدم إليه لحمٌ، قيل: هذا لحمُ ضحايانا. فقال: أخروه لا أذوقه. قال: ثم قمتُ فخرجتُ، حتى آتي أخي قتادة بن النعمان - وكان أخاه لأمه -، وكان بدرياً فذكرت ذلك له، فقال: إنه قد حدث بعدك أمرٌ". وفي رواية (1): "وقد حدث بعدك أمر نقضاً لما كانوا ينهون عنه من أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيامٍ". وفي رواية (2) الموطأ: "فخرج أبو سعيد فسأل عن ذلك، فأُخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "نيتكم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاثٍ، فكلوا وتصدقوا وادخروا ونهيتكم عن الانتباذ فانتبذوا، وكل مسكرٍ حرامٌ، ونهيتكم عن زيارة القبور فزوروها

_ = قال الحافظ في الفتح: "فنقدم" بسكون القاف وفتح الدال من القدوم. وفي رواية: بفتح القاف وتشديد الدال: أي تضعه بين يديه، وهو أوجه. قال النووي في شرح مسلم: "حضرة الأضحى" هي بفتح الحاء وضمها وكسرها. والضاد ساكنة فيها كلها، وحكى فتحها، وهو ضعيف، وإنما تفتح إذا حذفت الهاء، فيقال: بحضرة فلان. 4711 - البخاري (10/ 24) 73 - كتاب الأضاحي، 16 - باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي ... إلخ. مسلم (3/ 1563) 35 - كتاب الأضاحي، 5 - باب بيان ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث في أول الإسلام ... إلخ. 4712 - البخاري (10/ 23، 24) 73 - كتاب الأضاحي، 16 - باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي ... إلخ. (1) البخاري (7/ 313) 64 - كتاب المغازي، 12 - باب. (2) الموطأ (2/ 485) 23 - كتاب الضحايا، 4 - باب ادخار لحوم الأضاحي.

ولا تقولوا هجراً- يعني - لا تقولوا سوءاً". وفي رواية (1) النسائي نحو رواية البخاري. وفي أخرى (2) له: "أن أبا سعيدٍ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيامٍ، فقدم قتادة بن النعمان وكان أخا أبي سعيد لأمه، وكان بدرياً، فقدموا إليه من لحم الأضاحي، فقال: أليس قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه؟ قال أبو سعيد: إنه قد حدث فيه أمرٌ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن نأكله فوق ثلاثة أيامٍ، ثم رخص لنا أن نأكله وندخر". 4713 - * روى أحمد عن أبي سعيد قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن نأكل لحوم نسكنا فوق ثلاثٍ قال: فخرجتُ في سفر ثم قدمتُ على أهلي وذلك بعد الأضحى بأيامٍ قال فأتتني صاحبتي بسلقٍ قد جعلتْ فيه قديداً فقلت لها: أني لك هذا القديدُ؟ قالت: من ضحايانا، فقلت لها: ألم ينهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن نأكلها فوق ثلاثٍ؟ قال: فقالت: إنه قد رخص للناس بعد ذلك". 4714 - * روى مسلم عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تأكلوا لحوم الأضاحي فوق ثلاثٍ، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن لهم عيالاً وحشماً وخدماً، فقال: كلوا وأطعموا وادخروا- أو قال: واحبسُوا - شكَّ الراوي".

_ (1) النسائي (7/ 233، 234) 34 - كتاب الضحايا، 36 - باب الإذن في ذلك. (2) النسائي: الموضع السابق. (هُجراً) الهجرُ: الفُحشُ من القول، والرديء. 4713 - أحمد (4/ 16). مجمع الزوائد (4/ 26) وقال الهيثمي: رواه أحمد، ورجاله ثقات. 4714 - مسلم (3/ 1562) 35 - كتاب الأضاحي، 5 - باب بيان ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي ... إلخ.

4715 - * روى الترمذي عن بريدة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث ليتسع ذو الطول على من لا طول له. فكلوا ما بدا لكم، وأطعمُوا وادخروا" (1).

_ 4715 - الترمذي (4/ 94، 95) 20 - كتاب الأضاحي، 14 - باب ما جاء في الرخصة في أكلها بعد ثلاث، وقد أخرج هذا المعنى مسلم في (3/ 1563، 1564) 35 - كتاب الضحايا، 5 - باب بيان ما كان من النهي .... إلخ، والنسائي (7/ 234، 235) 36 - باب الإذن في ذلك، وأبو داود (3/ 100) كتاب الأضاحي، 9 - باب في حبس لحوم الأضاحي. (ذو الطول) الطولُ: الغنى والجدةُ.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد - إن اشترى فقير شاة بنية الأضحية، صارت واجبة، لأن الشراء للأضحية ممن لا أضحية عليه، يجري مجرى الإيجاب، وهو النذر بالتضحية عرفاً. - إن ولدت الأضحية ولداً يذبح ولدها مع الأم، وإن باعه يتصدق بثمنه، لأن الأم تعينت للأضحية. - يجوز عند الجمهور الاشتراك في الأضحية إذا كانت من الإبل أو البقر، فيصح اشتراك سبعة في بقرة أو ناقة إذا ساهم كل واحد منهم بالسبع، ولا يصح أكثر من سبعة وله المساهمة بأقل من سبع. - يشترط لجواز إقامة التضحية على المكلف بها: نية الأضحية، فلا تجزئ الأضحية بدونها لأن الذبح قد يكون للحم وقد يكون للقربة، والفعل لا يقع قربة بدوننية. - اشترط الحنفية أن لا يشارك المضحي فيما يصح فيه الشركة من لا يريد القربة رأساً، وإنما أراد اللحم، فلو اشترك سبعة في بعير أو بقرة كلهم يريد القربة إلا واحداً منهم يريد اللحم، لا تجزئ الأضحية عن الجميع، لأن القربة في إراقة الدم وذلك لا يتجزأ، لأنها فعل أو ذبح واحد. - اتفق العلماء على أن أفضل وقت التضحية هو اليوم الأول قبل زوال الشمس، لأنه هو السُّنة. - قال الحنفية: إن ضلت الشاة أو سرقت، فاشترى أخرى ثم وجدها فالأفضل ذبحهما، وإن ذبح الأولى جاز، وكذا الثانية لو قيمتها كالأولى أو أكثر. - إذا أخطأ الناس في تعيين يوم العيد، فصلوا وضحوا، ثم بان لهم أنه يوم عرفة، أجزأتهم الصلاة والتضحية عند الحنفية، لأنه لا يمكن التحرز عن مثل هذا الخطأ، فيحكم بالجواز صيانة لجمع المسلمين. - إذا وجبت الأضحية بإيجاب صاحبها، فضلت أو سرقت بغير تفريط منه، فلا ضمان

عليه عند الحنابلة لأنها أمانة في يده، فإن عادت إليه ذبحها سواء أكان في زمن الذبح أو فيما بعده. - إذا أوجب المرء أضحية صحيحة سليمة من العيوب، ثم حدث بها عيب يمنع الإجزاء، ذبحها وأجزأته عند غير الحنفية. - إن عين الشخص أضحية، فذبحها فضولي غيره بغير إذنه، أجزأت ن صاحبها ولا ضمان عليه. - يحرم بيع جلد الأضحية وشحمها ولحمها وأطرافها ورأسها وصوفها وشعرها ووبرها ولبنها الذي يحلبه منها بعد شرائها، واجبة كانت أو تطوعاً. -لا يجوز إعطاء الجزار أو الذابح جلدها أو شيئاً منها كأجرة للذبح، فإن أعطي شيئاً من الأضحية لفقره أو على سبيل الهدية فلا بأس؛ لأنه مستحق للأخذ فهو كغيره بل هو أولى؛ لأنه باشرها وتاقت نفسه إليها.

الفصل الثاني في العقيقة

الفصل الثاني في العقيقة

مقدمة

مقدمة العقيقة: هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، والأصل في معناها اللغوي: أنها الشعر الذي على المولود ثم سمت العرب الذبيحة عند حلق شعر المولود عقيقة على عادتهم في تسمية الشيء باسم سببه أو ما يجاوره. وتذبح العقيقة يوم سابع ولادة المولود، ويحسب يوم الولادة من السبعة، فإن ولدت ليلاً حسب اليوم الذي يليه، ولو ذبح قبل السابع أو بعده أجزأه، ويكره لطخ رأس المولود بدم العقيقة خلافاً لما كان عليه الجاهلية من تلطيخ رأسه بدمها. والعقيقة عند الجمهور سنة للأب من ماله، وقال الحنفية: تستحب، وما نقل عن أبي حنيفة فهو محمول على كراهته للاسم لاشتقاقه هو والعقوق من فعل واحد. وهي مثل الأضحية من الأنعام: الإبل والبقر والغنم. يؤكل من لحم العقيقة ويتصدق منه ولا يباع شيء منها.

- استحباب العقيقة

- استحباب العقيقة: 4716 - * روى أبو داود عن سمُرة بن جُندب (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل غُلامٍ رهينةٌ بعقيقته، تُذبح عنه يوم السابع، ويحلقُ رأسه، يُصنع به؟ قال: "إذا ذبحت العقيقة أخذت منها صوفة، واستقبلت بها أوداجها، ثم توضع على يأفُوخ الصبيِّ، حتَّ تسيلَ على رأسه مثل الخيط، ثم يغسل رأسه بعد ويُحلقُ". وقال أبو داود: هذا وهم من همامٍ، يعني "ويُدمي" وجاء بتفسيره عن قتادة، وهو منسوخٌ، قال: "ويسمى" أصحُّ، هكذا قال سلام بن أبي مطيعٍ عن قتادة، وإياس بن دُغفُلٍ عن الحسن قال: "ويسمى" ورواه أشعثُ عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ويسمى". وفي رواية (1) الترمذي قال: "الغُلام مرتهنٌ بعقيقته، تُذبح عنه يوم السابع ويسمى، ويحلق رأسه" وفي روايةٍ نحوهُ.

_ 4716 - أبو داود (3/ 106) كتاب الأضاحي، 20 - باب في العقيقة. (1) الترمذي (4/ 101) 20 - كتاب الأضاحي، 23 - باب من العقيقة، وإسناده صحيح، فقد صرح النسائي بسماع الحسن حخديث العقيقة من سمرة، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، قال: والعلم على هذا عند أهل العلم، يستحبون أن تذبح عن الغلام يوم السابع، فإن لم يتهيأ يوم السابع فيوم الرابع عشر، فإن لم يتهيأ عق عنه يوم إحدى وعشرين. "العقيقة" في الأصل من العق، وهو الشق والقطع، وسمي الشعر الذي يخرج به المولود من بطن أمه عقيقة، لأنه يُحلق عنه. وقيل للذبيحة التي تُذبح عنه: عقيقة، لأنه يشق حلقها بسببه. قال الترمذي: العق: القطع، وهو في المعنى راجع إلى الافتراق، ومنه: شق العصا، أي: فارق الجماعة، والمراد به في العقيقة: إما قطع شعر الصبي، وإما شق أوداج الشاة بالذبح. (اليافوخ): هو عظم وسط الرأس عند التقاء عظمتي الجمجمة الأمامية والخلفية ويكون ليناً بعد الولادة.

قال في النيل: قوله: "كل غلام رهينة بعقيقته" قال الخطابي: اختلف الناس في معنى هذا، فذهب أحمد بن حنبل إلى أن معناه أنه إذا مات وهو طفل ولم يعق عنه لم يشفع لأبويه وقيل: المعنى أن العقيقة لازمة لابد منها فشبه لزومها للمولود بلزوم الرهن للمرهون في يد المرتهن. وقيل: إنه مرهون بالعقيقة بمعنى أنه لا يسمى ولا يحلق شعره إلا بعد ذبحها، وبه صرح صاحب المشارق والنهاية. 4717 - * روى الطبراني في الأوسط والكبير عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا كان يوم سابعه فاهر يقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى وسموه". قال في النيل: قوله "فاهريقوا عنه دماً" تمسك بهذا وببقية الأحاديث القائلون بأنها واجبة وهم: الظاهرية والحسن البصري، وذهب الجمهور من العترة وغيرهم إلى أنها سنة. وذهب أبو حنيفة إلى أنها ليست فرضاً ولا سنة وقيل: إنها عنده تطوع قوله: "وأميطوا عنه الأذى" المراد احلقوا عنه شعر رأسه كما في الحديث الذي بعده. 4718 - * روى الطبراني في الكبير والأوسط عن يزيد بن عبد الله المزني عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "في الإبل فرعٌ ويُعقُّ عن الغلام ولا يمس رأسه بدمٍ". 4719 - * روى أبو داود عن بريدة (رضي الله عنه) قال: "كنا في الجاهلية إذا وُلد لأحدنا غلامٌ، ذبح شاة، ولطخ رأسه بدمها، فلما جاء الإسلام، كنا نذبح الشاة يوم السابع، ونحلق رأسه، ونلطخه بزعفرانٍ". قال في النيل: قوله "فلما جاء الله بالإسلام" إلخ فيه دليل على أن تلطيخ رأس المولود بالدم من عمل الجاهلية وأنه منسوخ كما تقدم (1)، وأصرح منه في الدلالة على النسخ

_ 4717 - مجمع الزوائد (4/ 58) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط والكبير، رجاله ثقات. 4718 - مجمع الزوائد (4/ 58) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط بنحوه، ورجاله ثقات، وقد رواه ابن ماجه عن يزيد عن عبد الله المزني، ولم يقل عن أبيه، وهنا يزيد بن عبد الله عن أبيه، فالله أعلم. 4719 أبو داود (3/ 107) كتاب الأضاحي، باب في العقيقة، وإسناده حسن. (تلطخ): تطيب. (زعفران): نبات أصفر الزهر له أصل كالبصل يصبغ أو يتطيب به.

- مقدارها

حديث عائشة عند ابن حبان وابن السكن وصححاه "فأمرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يجعلوا مكان الدم خلوقاً": قوله: "ونلطخه بزعفران" فيه دليل على استحباب تلطيخ رأس الصبي بالزعفران أو غيره من الخلوق كما في حديث عائشة المذكور. - مقدارها: 4720 - * روى الترمذي عن عائشة (رضي الله عنها) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاةٌ". 4721 - * روى أحمد بن أسماء بنت يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العقيقة حقٌ: على الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة". 4722 - * روى أبو داود عن أم كُرزٍ (رضي الله عنها) قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاةٌ". وفي أخرى (1) قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أقرُّوا الطير على مكناتها، قالت: وسمعته يقول: عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاةٌ، ولا يضركم ذُكراناً كن أم إناثاً". وفي أخرى (2) قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عن الغلام شاتان مثلان، وعن الجارية شاةُ".

_ 4720 - الترمذي (4/ 96، 97) 20 - كتاب الأضاحي، 16 - باب ما جاء في العقيقة، وأخرجه أيضاً ابن ماجة رقم (3163) في الذبائح، باب العقيقة، كما رواه أحمد (6/ 31)، وابن حبان (7/ 356) باب العقيقة، ذكر البيان: بأن قول أنس بكبشين أراد به عن كل واحد منهما، والبيهقي (9/ 301) كتاب الضحايا، باب ما يعق عن الغلام وما يعق عن الجارية، وغيرهم وقال الترمذي: حديث عائشة حديث حسن صحيح، وهو كما قال، وقال الترمذي: وفي الباب عن علي وأم كرز وبريدة وأبي هريرة وعبد الله بن عمر، وأنس وسلمان بن عامر وابن عباس. 4721 - أحمد (6/ 456) والطبراني "الكبير" (24/ 183). مجمع الزوائد (4/ 57) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورجاله محتج بهم. 4722 - أبو داود (3/ 105) كتاب العقيقة، 3 - باب العقيقة عن الجارية. (1) أبو داود: الموضع السابق. (2) أبو داود: الموضع السابق ص 106.

وللنسائي في أخرى (1) قالت: "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية أسأله عن لحوم الهدي؟ فسمعته يقول: عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاةٌ، لا يضركم ذكراناً كن أم إناثاً". وفي رواية الترمذي (2) قالت: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة؟ فقال: عن الغلام شاتان، وعن الجارية واحدةٌ، ولا يضركم أذكراناً كن أم إناثاً". 4723 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عباس (ري الله عنهما) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين كبشاً كبشاً" وعند النسائي "بكبشين كبشين". قال في النيل: قوله: "عق عن الحسن والحسين" فيه دليل على أنها تصح العقيقة من غير الأب مع وجوده وعدم امتناعه، وهو يرد ما ذهبت إليه الحنابلة من أنه يتعين الأب إلا أن يموت أو يمتنع. وروي عن الشافعي أن العقيقة تلزم من تلزمه النفقة ويجوز أن يعق الإنسان عن نفسه إن صح ما أخرجه البيهقي عن أنس "أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد البعثة" ولكنه قال: إنه منكر، وفيه عبد الله بن محرر بمهملات وهو ضعيف جداً كما قال

_ (1) النسائي (7/ 165) 4 - باب كم يعق عن الجارية. (2) الترمذي (4/ 98) 20 - كتاب الأضاحي، 17 - باب الأذان في أذن المولود، ورواه أيضاً الدارقطني، والحاكم (4/ 237)، وابن حبان (7/ 356)، وهو حديث حسن، وقال الترمذي: هذا حديث صحيح. (مكافئتان) قال أبو داود السجستاني رحمه الله: سمعت أحمد بن حنبل رحمه الله يقول: "مكافئتان" مستويتان أو مقاربتان، قال الخطابي: وقد فسره أبو عبيد قريباً من هذا، إلا أن المراد بذلك: التكافؤ في السن، يريد: شاتين مسنتين تجوزان في الضحايا، لا تكون إحداهما مسنة، والأخرى غير مسنة، واللفظة "مكافئتان" بكسر الفاء، كافأه يكافئه فهو مكافئه، أي: مساويه. قال أبو عبيد: وتفسير المكنات يقول: لا تزجروا الطير ولا تلتفتوا إليها، وأقروها على مواضعها التي جعل الله لها، من أنها لا تضر ولا تنفع، ويحكى عن الشافعي رحمه الله أنه قال: كانت العرب إذا خرج أحدهم من بيته غادياً في بعض الحاجة، نظر: هل يرى طائراً يطير، فيزجر سُنوحه أو بروحه، فإذا لم ير ذلك، عمد إلى الطير الواقع على الشجر، فحركه ليطير، ثم نظر إلى أي جهة يأخذ، وزجره، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "أقروا الطير على أمكنتها: لا تطيروها ولا تزجروها". 4723 - أبو داود (3/ 107) كتاب الأضاحي، باب في العقيقة. النسائي (7/ 166) 40 - كتاب العقيقة، 4 - باب كم يعق عن الجارية، وإسناده صحيح، وصححه أيضاً عبد الحق الأشبيلي، وابن دقيق العيد.

الحافظ. وقال عبد الرزاق: إنما تكلموا فيه لأجل هذا الحديث. قال البيهقي: وروي من وجه آخر عن قتادة عن أنس وليس بشيء. وأخرجه أبو الشيخ من وجه آخر عن أنس وأخرجه أيضاً ابن أيمن في مصنفه والخلال من طريق عبد الله بن المثنى عن ثُمامة بن عبد الله عن أنس عن أبيه. وقال النووي في شرح المهذب: هذا حديث باطل، وأخرجه أيضاً الطبري والضياء من طريق فيها ضعف، وقد احتج بحديث أنس هذا من قال إنها تجوز العقيقة عن الكبير، وقد حكاه ابن رشد عن بعض أهل العلم. وقال أيضاً - في النيل-: المشروع في العقيقة شاتان عن الذكر وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور وداود والإمام يحيى وحكاه للمذهب. وحكاه في الفتح عن الجمهور. وقال مالك: إنها شاة عن الذكر والأنثى. قال في البحر: وهو المذهب. واستدل على ذلك بحديث بريدة بلفظ "كنا نذبح شاة" إلخ. وبحديث ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عق عن الحسن والحسين عليهما السلام كبشاً كبشاً" ويجاب عن ذلك بأن أحاديث الشاتين مشتملة على الزيادة فهي من هذه الحيثية أولى بالقبول. وأما حديث ابن عباس فسيأتي أيضاً في رواية منه أنه عق عن كل واحد بكبشين وأيضاً القول أرجح من الفعل. وقيل: إن في اقتصاره صلى الله عليه وآله وسلم على شاة دليلاً على أن الشاتين مستحبة فقط بمتعينه والشاة جائزة غير مستحبة. وقيل: إنه لم يتيسر إلا شاة، وأما الأنثى فالمشروع في العقيقة عنها شاة واحدة إجماعاً كما في البحر. قوله "ولا يضركم ذكرانا أو إناثاً" فيه دليل على أنه لا فرق بين ذكور الغنم وإناثها". 4724 - * روى الطبراني في الأوسط عن أنس قال: "عقَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين". 4725 - * روى النسائي عن بريدة (رضي الله عنه) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحُسينِ" (1).

_ 4724 - مجمع الزوائد (4/ 58) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح. 4725 - النسائي (7/ 164) 40 - كتاب العقيقة، أول باب، وإسناده حسن.

4726 - * روى الترمذي عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسين بشاةٍ، وقال: يا فاطمة، احلقي رأسه، وتصدقي بزنة شعره فضة، فوزناه، فكان وزنه درهماً، أو بعض درهمٍ". 4727 - * روى مالك في الموطأ عن جعفر بن محمد عن أبيه "أن فاطمة وزنت شعر الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم، وتصدقت بزنة ذلك فضةً". وفي (1) رواية: "ن فاطمة وزنت شعر حسن وحُسينٍ، فتصدقت بزنته فضةً". 4728 - * روى أحمد عن أبي رافعٍ مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم "أن حسن بن علي الأكبر حين ولد أرادت فاطمة أن تعق عنه بكبشين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تعُقِّي عنه ولكن الحقي رأسه ثم تصدقي بوزنه من الورق في سبيل الله، ثم ولدت حسيناً بعد ذلك فصنعتْ به مثل ذلك. وفي رواية عن أبي رافع قال لما ولدت فاطمة حسناً قالت: ألا أعقُّ عن ابني بدمٍ قال: لا ولكن احلقي رأسه ثم تصدقي بوزن شعره فضة على المساكين والأوفاض" وكان الأوفاض ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم محتاجين في الصُّفة أو في المسجد فذكر نحوه. قال في النيل: (فائدة) قد وقع الخلاف في أبحاث تتعلق بالعقيقة: الأول: هل يجزئ منها غير الغنم أم لا؟ فقيل: لا يجزيء وقد نقله ابن المنذر عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه. وقال البوشنجي: لا نص للشافعي في ذلك، وعندي لا يجزئ غيرها انتهى. ولعل وجه ذلك ذكرها في الأحاديث دون غيرها ولا يخفى أن مجرد ذكرها لا ينفي إجزاء غيرها. واختلف قول مالك في الإجزاء وأما الأفضل عنده فالكبش مثل الأضحية كما تقدم، والجمهور على إجزاء البقر والغنم. ويدل عليه ما عند الطبراني وأبي الشيخ من حديث أنس مرفوعاً بلفظ: "يعق عنه من الإبل

_ 4726 - الترمذي (4/ 99) 20 - كتاب الأضاحي، 2 - باب العقيقة بشاة، وأخرجه الترمذي من حديث الباقر محمد بن علي بن الحسين عن علي رضي الله عنه، وإسناده منقطع، ولكن للحديث شواهد بمعناه يقوى بها. 4727 - الموطأ (2/ 501) 26 - كتاب العقيقة، 1 - باب ما جاء في العقيقة. (1) الموطأ: نفس الموضع السابق، وقد أخرجه الموطأ مرسلاً، وفي سنده انقطاع، ولكن له وشاهد، فهو حديث حسن بشواهده. 4728 - أحمد (6/ 390، 391). مجمع الزوائد (4/ 57) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير، وهو حديث حسن.

والبقر والغنم" ونص أحمد على أنها تشترط بدنة أو بقرة كاملة. وذكر الرافعي أنه يجوز اشتراك سبعة في الإبل والبقر كما في الأضحية ولعل من جوز اشتراك عشرة هناك يجوز هنا. الثاني: هل يشترط فيها ما يشترط في الأضحية؟ وفيه وجهان للشافعية، وقد استدل بإطلاق الشاتين على عدم الاشتراط وهو الحق لكن لا لهذا الإطلاق بل لعدم ورود ما يدل ههنا على تلك الشروط والعيوب المذكورة في الأضحية وهي أحكام شرعية لا تثبت بدون دليل. 4729 - * روى النسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة؟ فقال: لا يحبُّ الله العقوق، كأنه كره الاسم، قال: ومن وُلد له ولدٌ فأحبَّ أن ينسك عنه: فلينسُكْ عن الغلام شاتين، وعن الجارية شاةً". أقول: على هذا النص وأشباهه دار كلام أبي حنيفة وقد فهم كلامه فهماً خاطئاً (1).

_ 4729 - النسائي (7/ 162، 163) 40 - كتاب العقيقة، وإسناده حسن. (لا يحب العقوق) قوله: لا يحب العقوق، ليس فيه توهين لأمر العقيقة ولا إسقاط لها، وإنما استبشع الاسم، وأحب أن يسمى بأحسن منه، على عادته في تغيير الاسم القبيح إلى ما هو أحسن منه فيسميها النسيكة والذبيحة.

الفصل الثالث في الفرع والعتيرة

الفصل الثالث في الفرع والعتيرة

مقدمة

مقدمة العتيرة: ذبيحة جاهلية، قد كان العرب يذبحونها في رجب تقريباً إلى الله تعالى، والعلماء مختلفون فيها، فبعضهم قال بوجوبها، وبعضهم قال بندبها، وبعضهم قال بأنها منسوخة، وهذا الذي عليه العمل. فالمسلمون خلال العصور أماتوا عادة العتيرة، حتى لو ذكر أمام الواحد منهم كلمة العتيرة أو الرجبية لم يفهم المراد إلا إذا كان عالماً. الفرع: كذلك ذبيحة جاهلية، وهي في الأصل ذات مظهر وثني، ويبدو أن الشارع نقلها من أن تكون للأوثان إلى أن تكون لله ثم نسخها وهو الذي عليه العمل، وإن وجدت أقوال أخرى تقول بالاستحباب أو بالوجوب كما سترى في النصوص التي ذكرتها، وهناك سترى تعريفها كذلك.

النصوص

النصوص 4730 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا فرع ولا عتيرة والفرعُ: أول النتاج، كانوا يذبحونه لطواغيتم، والعتيرة في رجب". وأخرجه (1) الترمذي إلى قوله: "أول النتاج" وقال: "كان ينجُ لهم فيذبحونهُ" قال: وفي الباب عن نبيشة ومخنف بن سُليمٍ، وهذا حديث حسنٌ صحيحٌ. والعتيرة ذبيحةٌ كانوا يذبحونها في رجبٍ، يعظمون شهر رجب، لأنه أول شهر من الأشهر الحرم، وأشهر الحرم: رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، وأشهر الحج: شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة، كذلك روي عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم في أشهر الحج. وفي رواية (2) أبي داود أنه قال: "لا فرع ولا عتيرة" قال ابن المسيب: الفرع: أول النتاج كان ينتجُ لهم فيذبحونهُ. وقال في أخرى (3): قال ابن المسيب: الفرعُ: أول ما تنتجُ الإبل، كانوا يذبحونه لطواغيتهم، ثم يأكله، ويُلقي جلده على الشجر، والعتيرة في العشر الأول من رجب. وفي رواية النسائي (4) قال:: "لا فرع ولا عتيرة". وفي رواية (5) "نهى رسول الله صلى الله عن الفرع والعتيرة".

_ 4730 - البخاري (9/ 596) 71 - كتاب العقيقة، 3 - باب الفرع، 4 - باب العتيرة. مسلم (3/ 1564) 35 - كتاب الأضاحي، 6 - باب الفرع والعتيرة. (1) الترمذي (4/ 95، 96) 20 - كتاب الأضاحي، 15 - باب ما جاء في الفرع والعتيرة. (2) أبو داود (3/ 105) كتاب الأضاحي، 19 - باب في العتيرة. (3) أبو داود: الموضع السابق. (4) النسائي (7/ 167) 41 - كتاب الفرع والعتيرة. (5) النسائي: نفس الموضع السابق. (طواغيتهم) الطواغيت هاهنا: الأصنام.

4731 - * روى أبو داود عن نُبيشة الهذلي (رضي الله عنه) قال: "نادى رجلٌ: يا رسول الله، إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب، فما تأمرنا؟ قال: اذبحوا لله في أي شهر كان، وبروا الله، وأطعموا لله، قال: إنا كنا نُفرعُ فرعاً في الجاهلية: فما تأمرنا؟ قال: في كل سائمة فرعٌ تغذوه ماشيتُك، حتى إذا استحمل - زاد في رواية: استحمل للحجيج- ذبحته، فتصدقت بلحمه- قال أحد رواته: أحسبه قال: على ابن السبيل - فإن ذلك خيرٌ، قيل لأبي قلابة: كم السائمة؟ قال: مائةٌ". وفي رواية النسائي (1) مثله، وفيه "نادى رجلٌ وهو بمنى، وقال: حتى إذا استحمل ذبحته تصدقت بلحمه". وله في أخرى (2) قال: ذُكر للنبي صلى الله عليه وسلم قال: كنا نعترُ في الجاهلية؟ قال: اذبحوا لله عز وجل في أي شهر كان، وبرُّوا الله عز وجل، وأطعموا". وفي أخرى (3) قال نُبيشةُ- رجلٌ من هُذيل - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إني كنتُ نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاثٍ، كيما تسعكم، فقد جاء الله بالخير، فكلوا وادخروا، فإن هذه الأيام أيام أكلٍ وشربٍ، وذكر لله عز وجل، قال رجل: إن كنا نعترُ عتيرةً في الجاهلية في رجبٍ، فما تأمرنا؟ فقال: اذبحوا لله عز وجل في أي شهر كان، وبروا الله عز وجل، وأطعموا، فقال رجل: يا رسول الله، إنا كنا نُفرعُ فرعاً في الجاهلية، فما تأمرنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: في كل سائمة من الغنم فرعٌ تغذوه غنمُك، حتى إذا استحمل ذبحته، وتصدقت بلحمه على ابن السبيل، فإن ذلك خيرٌ".

_ 4731 - أبو داود (3/ 104، 105) كتاب الأضاحي، 19 - باب في العتيرة. (1) النسائي (7/ 169، 170) 41 - كتاب العتيرة، 2 - باب تفسير العتيرة. (2) النسائي: الموضع السابق ص 169. (3) النسائي: الموضع السابق ص 170، وإسناده حسن. (الفرعُ والعتيرة) قد جاء شرح الفرع والعتيرة في متن الحديث، وكانت الجاهلية تذبحهما، وكذلك كان المسلمون في صدر الإسلام، ثم نهوا عن ذلك، وقوله صلى الله عليه وسلم: "على كل مسلم في كل عام أضحية وعتيرة" منسوخ، وليس الآن إلا الأضحية لا غير، و"العتيرة" هي الذبيحة التي تُعترُ، أي: تُذْبح.

4732 - * روى أبو داود عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل خمسين شاة: شاةٌ". وقال في رواية رزين: "أمرنا أن نذبح". أقول: هذا النص منسوخ، وإن لم يكن منسوخاً فهو محمول على الندب، فإطعام الطعام من أخلاق الإسلام. 4733 - * روى الطبراني في الكبير عن يزيد بن عبد الله المزني عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "في الإبل فرعٌ وفي الغنم فرعٌ". أقول: هذا النص محمول على الاستحباب وكان من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصحح النية في فعل الخير، فبدلاً من أن يكون الفرع يذبح للأوثان جعله مطلقاً عن كونه النتاج الأول وجعله مستحباً يذبح لله. 4734 - * روى الطبراني في الكبير عن سمُرة قال: أتاه - يعني النبي صلى الله عليه سلم - رجلٌ من الأنصار يستفتيه عن الرجل: ما الذي يحلُّ له والذي يحرُم عليه من ماله ونسكه وماشيته وعتره وفرعه من نتاج إبله وغنمه؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأما مالك فإنه ميسورٌ كلُّه ليس فيه حرامٌ غير أن في نتاجك من إبلك فرعاً وفي نتاجك من غنمك فرعاً لغدوة ماشيتك حتى تستغني ثم إن شئت فأطعمهُ أهلك وإن شئت تصدقت بلحمه" وأمرهُ أن يعتر من الغنم من كل مائةٍ عترٌ. أقول: قوله "لغدوة ماشيتك حتى تستغني" أي ليبارك الله لك في مغدي نعمك ورواحهم فيزيدها الله نماء، وكما قلنا فالفرع والعتيرة منسوخان، لكن من أحب أن يذبح لله فهو مستحب (1).

_ = (سائمة) السائمة: الإبل أو البقر أو الغنم الراعية التي ليست بمعلوفة، وإنما تأكل من العُشب في الصحراء. (استحمل) أي: قوي على الحمل وصلُح له. 4732 - أبو داود (3/ 105) كتاب الأضاحي، 19 - باب في العتيرة، وإسناده حسن. 4733 - مجمع الزوائد (4/ 28) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجاله ثقات. 4734 - الطبراني "الكبير" (7/ 252، 253). مجمع الزوائد (4/ 28) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، وإسناده حسن.

خاتمة

خاتمة من الملاحظ أن كل عبادة من عبادات الإسلام تندرج فيها عبادات كثيرة، ولعل ما مر معك في بحث الحج وماله علاقة به نموذج على ذلك، والملاحظ أن كل ركن من أركان الإسلام يقوم عليه شيء من بناء الإسلام، فالزكاة ركن نظام المال في الإسلام، والصوم ركن ضبط النفس في الإسلام، والحج ركن في ارتباط المسلم بتاريخ أمته وفي ارتباطه بأمته وبنظامه السياسي، والصولات ركن الذكر والشكر، فالأركان تتكامل وبها يتكامل بناء الإسلام وبها وبما يقوم عليها تتكامل أنظمة الإسلام، ومن الملاحظ أن هذا التكامل في البناء يأتي بشكل فطري، فهو يتفق مع الفطرة ولا يخالفها، وفيه خصائص الفطرة كلها من سهولة ويسر وعمق.

الجزء الثامن في الجهاد وما يتعلق به

الجزء الثامن في الجهاد وما يتعلق به

مقدمة

مقدمة بدأنا قسم العبادات الرئيسية بالعلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير والنصيحة، وجعلنا الجزء الثامن وهو الجزء الأخير منه في الجهاد، لأن بهذا وهذا تقوم العبادة ويبقى الإسلام ويُحفظ أهله. وجعلنا في وسط هذا القسم أركان الإسلام والأذكار والدعوات والتلاوة، لأنها عبادات وعليها يرتكز الإسلام كله، ووضعنا مع كل ركن من أركان الإسلام ما هو ألصق به لمناسبته لذلك. والجهاد: هو بذل الجهد والوسع لنصرة دين الله لتكون كلمة الله هي العليا، ويأتي بمعنى عام وبمعنى خاص، فهو بمعناه العام يدخل فيه: العلم، والتعليم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الخير والنصيحة على مستوى الفرد والشعب والحكم، ويدخل فيه: الجهاد بالمال، ويدخل فيه: القتال. والجهاد بمعناه الخاص: يطلق على القتال في سبيل الله تعالى، وهو المراد في هذا الجزء. والقتال في الإسلام فريضة من الفرائض، قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} (1). وجاءت نصوص الكتاب والسنة لتفصل هذه الفريضة وكل ما يتعلق بها أو يترتب عليها، وكانت سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سيرة الخلفاء الراشدين هي التطبيق العملي لفريضة القتال على ضوء الظروف التي واجهها المسلمون وقتذاك، ومن خلال النصوص والتطبيقات العملية لمرحلتي النبوة والخلافة الراشدة يعترف المسلمون كيف يقيمون فريضة القتال في سبيل الله. وقد تحدثنا في تفسيرنا بمناسبة الكلام عن نصوص القتال ما فيه الكفاية، وهاهنا نتحدث بمناسبة نصوص السنة بما فيه الكفاية إن شاء الله تعالى. ولكن كيف تقام فريضة الجهاد في عصرنا ذي التعقيدات الكثيرة والمستجدات الكبيرة؟ فذلك يحتاج إلى نظر فقهي دقيق ومعرفة كبيرة بالمصالح والمفاسد، وإلى موازنات كثيرة، كما يحتاج إلى اجتهاد من أهله.

_ (1) سورة البقرة آية/216.

والمجتهد لابد أن يستهدي بالنصوص أولاً، وبالتطبيق العملي لمرحلتي النبوة والخلافة الراشدة ثانياً، وبأقوال الفقهاء خلال العصور ثالثاً، فلم يزل المسلمون يقاتلون تطبيقاً لفريضة الجهاد وهم في الغالب يستهدون في قتالهم بأقوال العلماء والفقهاء. من هاهنا فإن دراسة أقوال العلماء والفقهاء في مسائل القتال مهمة وهادية للفقيه المعاصر الذي يفتي في مسائل القتال. وقد مرت وستمر معنا مسائل لها علاقة بالقتال ذكرناها أو نذكرها بجانب ما هو ألصق بها كالصلاة على الشهيد، وهاهنا نذكر ما هو ألصق بموضوع القتال سواء في ذلك أحواله أو أسبابه أو آثاره. وقد جعلنا هذا الجزء في مقدمة هي هذه، وعرض إجمالي وفصول هي: الفصل الأول: في فضل الرباط والجهاد في سبيل الله. الفصل الثاني: في وجوب الجهاد وصدق النية فيه وآدابه، وفي بعض أحكامه وأسباب تتعلق به. الفصل الثالث: في فضل الشهادة والشهداء، وأنواع الشهداء وبعض أحكامهم. الفصل الرابع: في الفروسية، والرمي، وذكر الخيل. الفصل الخامس: في الأمان، والهدنة، والجزية، ونقض العهد، والغدر. الفصل السادس: في الغنائم، والنفل، والفيء، وفي سهم النبي صلى الله عليه وسلم، والخمس، والغلول، والنهبة.

العرض الإجمالي

العرض الإجمالي القتال كريه للنفس، قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} (1) ولكنه لابد منه. فما دام هناك ظلم وبغي واعتداء على الأنفس والأموال والأعراض والأديان فلابد من قتال وإلا فإن العدل يضيع، وإن الحق يضيع، وإن الحرية تضيع. قال تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} (2) وقال تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ} (3) وقال تعالى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} (4). وقال تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (5). وقال تعالى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} (6). وبما أنه لا تزول العقبات أمام إيصال الدين الحق، وأمام حرية الإنسان في اختياره إلا إذا كان السلطان لكلمة الله، فقد أمر الله بالقتال لتكون كلمة الله هي العليا، وقد قاتل المسلمون زمن النبي صلى الله عليه وسلم وزمن الخلافة الراشدة أصنافاً من الناس لتكون كلمة الله هي العليا، ولم يكن ذلك لإكراه الناس (7) على الإسلام. قال تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (8). ولكن إما لإزالة الحواجز وإما لإنهاء أوضاع غير معقولة، وإما لإيصال كلمة الله إلى الخلق بحرية كاملة. وقد قاتل المسلمون في مرحلتي النبوة والخلافة الراشدة أنواعاً من القتال: قتالاً

_ (1) سورة البقرة آية: 216. (2) سورة الحج آية: 40. (3) سورة البقرة آية: 251. (4) سورة الشورى آية: 41. (5) سورة البقرة آية: 190. (6) سورة الحجرات آية: 9. (7) استثنى الفقهاء من عدم جواز الإكراه، العرب الوثنيين، فهؤلاء لهم حكم خاص. (8) سورة البقرة آية: 256.

هجومياً، وقتالاً دفاعياً. وقتالاً وقائياً، وقاتلوا على طريقة حرب العصابات وعلى طريقة الجيوش، وقاتلوا بغاة. وقاتلوا خوارج، وكل ذلك كان له ما يدل عليه من النصوص، وكل ذلك سوابق تستهدي بها الأمة فيما يواجهها. فمن النصوص التي يستهدي بها في حرب العصابات مثلاً قوله تعالى: {فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} (1): وقال تعالى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} (2). وقد جعل الفقهاء القتال على أضْرب فمنه: فرض كفاية، ومنه فرض عين، ومنه جائز. فأما فرض الكفاية: فذلك قتال يراد به توسعة دار الإسلام، قال تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} (3). فالأصل بين دار الإسلام ودار الكفر هو الحرب. ولا تنتهي حالة الحرب إلا في صور خمسة: أولاً: الإسلام. ثانياً: العهد. ثالثاً: الأمان. رابعاً: الخضوع بإعطاء الجزية. خامساً: الهدنة، ويبدو أن ظروف عصرنا تفرض على المسلمين أن تكون علاقتهم مع كثير من ديار الكفر علاقة معاهدات، وأصلاً فإن التزام دول العالم كلها بميثاق الأمم المتحدة يعتبر معاهدة عامة للبشرية. فإذا التزم المسلمون به فلا يحق لهم أن يقاتلوا ابتداءً إلا إذا كانت خيانة أو كان غدر أو كان إعداد لغدر. وأما فرض العين فمن صوره: قتال الحاكم إذا أظهر الكفر البواح وكان قتاله مستطاعاً، فإن لم يكن قتاله مستطاعاً للجميع فعلى طريقة حرب العصابات، ويكون قتاله في حق

_ (1) سورة النساء آية: 71. (2) سورة النساء آية: 84. (3) سورة التوبة آية: 123.

بعض الناس فريضة عينية وهذا النوع من القتال يحتاج إلى موازنات كثيرة، وفتيا من أهلها، وقرار من أهله. ومن صور فرض العين: أن يقاتل المسلمون من اعتدى على ديارهم أو جزء منها أو أسر بعضاً منهم، فإن كان ينتهي الاعتداء بقتال جزء من الأمة فعلى هؤلاء أن يقاتلوا وإلا فقد افترض على المسلمون جميعاً فريضة عينية أن يقاتلوا، وهناك صور أخرى لما يدخل في فريضة القتال عيناً أو كفاية. وأما القتال الجائز: فهناك صور يجوز للإنسان أن يتساهل فلا يقاتل، ويجوز له أن يقاتل، فإذا أراد أحد من المسلمين قتل مسلم آخر، وكان المرادُ قتله لا يستطيع منعه من القتل فله أن يقاتل وله أن يستسلم. والقتال ضمن حد معين يتطلب تدريباً وإعداداً وعتاداً، وهذا كله يقتضي تنظيماً، ومن هاهنا نشأت فكرة الجيوش النظامية، والصناعات الحربية، والبحث عن فنون في القتال واختيار أفضل الوسائل والأساليب لكل شيء يتعلق بالحرب، ووجدت العلوم العسكرية التي تكاد تصل إلى مائة علم. ووجد ما يسمى بعلم الاستراتيجية العسكرية، وعلم الحركة العسكرية، وعلم العمليات العسكرية، وهذا كله داخل في التكليف الإلهي للمسلم قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} (1). فـ (من) في الآية: لبيان الجنس، فيدخل في القوة كل ما يمكن أن يسمى قوة، ويدخل في رباط الخيل كل ما يركب للمعركة، ويدخل في الآية أن علينا أن نعد كل ما يرهب عدواً، فدخل في التكليف إعداد كل أنواع ما يُرمى به وكل ما يساعد على القتال وكل ما يعطينا تفوقاً على العدو، كالدبابات، والطائرات، والبوارج، والصواريخ، والمدفعية، والتنظيم والإدارة إلى غير ذلك. ولا قتال إلا بإرادة قتال، ولا إرادة قتال إلا بحب الشهادة في سبيل الله. ولذلك كان للشهيد فضله وأجره. ويترتب على القتال آثار تحتاج إلى معرفة أحكامها، وهكذا يتوضع

_ (1) سورة الأنفال آية: 60.

يشترط لوجوب الجهاد سبعة شروط

حول موضوع القتال موضوعات شتى، فحالة إنهاء الحرب يتوضع حولها مباحث الدخول في الإسلام، ومباحث الأمان والمعاهدات والهدنة والجزية. والقتال يترتب عليه غنائم وخسائر، وهكذا فإن موضوعات شتى تتوضع حول القتال، وها نحن نذكر لك بعض ماله علاقة في أهم موضوعات القتال: أولاً: من كلام العلماء في فرضية القتال وشروطه ومن يشارك فيه ومن يُقتَل ومن لا يقتل من الأعداء: إن لم يكن النفير عاماً: فالجهاد فرض كفاية، ومعناه أنه يفترض على جميع من هو أهل للجهاد، لكن إذا قام به البعض الذي يقوم بالمطلوب سقط عن الباقين، وإن ضعفوا عن مقاومة الكفرة فعلى من يجاورهم من المسلمين، الأقرب فالأقرب: أن يجاهدوا معهم وأن يمدوهم بالسلاح والمال، وأقل الجهاد مرة في السنة، فإن كان النفير عاماً: كأن هجم العد على بلد إسلامي، فالجهاد فرض عين على كل قادر من المسلمين، ويتعين الجهاد في ثلاثة مواضع: 1 - إذا التقى الزحفان وتقابل الصفان، حرُم على من حضر الانصراف وتعين عليه المقام. 2 - إذا نزل الكفار ببلد، تعين على أهله قتالهم ودفعهم. 3 - إذا استنفر الإمام قوماً، لزمهم النفير معه، وهذا الحكم المذكور في فرضية الجهاد باتفاق الفقهاء (1). ويشترط لوجوب الجهاد سبعة شروط: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والحرية، والذكورة، والسلامة من المرض والعاهة والعجز، ووجود النفقة إن كان يحتاج إلى نفقة، وأحياناً وجود الآلة إن كان يحتاج إلى آلة (2). ولا يجوز للمرأة الاشتراك في الجهاد إذا كن فرض كفاية إلا بإذن زوجها، لأن القيام

_ (1) (الفقه الإسلامي: 6/ 416، 417) (المغني: 8/ 346) (البدائع: 7/ 97) (مغني المحتاج: 4/ 209). (2) (الفقه الإسلامي: 6/ 418) (والمغني: 8/ 347).

ثانيا: هل يجب التبليغ والدعوة والإنذار قبل نوع من القتال؟

بحقوق الزوجية فرض عين، كما لا يجوز الجهاد للولد بدون إذن أبويه أو أحدهما إذا كان الآخر ميتاً، لأن بر الوالدين فرض عين، فيكون مقدماً على فرض الكفاية. ولكن إذا عم النفير خرجت المرأة بغير إذن زوجها، وجاز للولد أن يخرج بدون إذن والديه. يجوز قتل المقاتلة يشتركون في الحرب برأي أو تدبير أو قتال، ولا يجوز قتل غير المقاتلة من امرأة أو صبي أو مجنون أو شيخ هرم، أو مريض مقعد، أو أشل أو أعمى، أو مقطوع اليد والرجل من خلال أو مقطوع اليد اليمنى، أو معتوه، أو راهب في صومعته، أو قوم في دار أو كنيسة ترهبوا أو العجزة عن القتال والفلاحين في حرثهم، إلا إذا قاتلوا بقول أو فعل أو رأي أو إمداد بمال (1). يجوز قتل المرأة إذا كانت ملكة الأعداء، لأن في قتلها تفريقاً لجمعهم، وكذلك إذا كان ملكهم صبياً صغيراً وأحضروه في المعركة لا بأس بقتله إذا كان في قتله تفريق جمعهم. - ثانياً: هل يجب التبليغ والدعوة والإنذار قبل نوع من القتال؟ رأينا أنه من صور القتال في الإسلام صورة توسعة دار الإسلام على حساب دار الكفر، وذلك فريضة كفائية بوجود أسبابها، وعندئذ لابد أن يعرف الكافرون لماذا نقاتلهم وأن قتالهم من أجل الإسلام وحده، وهذا يقتضي عملية تبليغ ودعوة وإنذار، وقد اختلف الفقهاء في حكم إبلاغ الدعوة على ثلاث آراء: الأول: يجب قبل القتال تقديم الدعوة الإسلامية مطلقاً: أي سواء بلغت الدعوة العدو أم لا، وبه قال مالك. الثاني: لا يجب مطلقاً، وهو رأي قوم كالحنابلة. الثالث: تجب الدعوة لمن لم يبلغهم الإسلام، فإن انتشر الإسلام، وظهر كل الظهور وعرف الناس إلى ماذا يُدعَوْنَ، وعلى ماذا يقاتَلُون، فالدعوة مستحبة تأكيداً للإعلام والإنذار وليست بواجبة، وهذا رأي الجمهور قال ابن المنذر: هو قول جمهور أهل العلم (2).

_ (1) البدائع 7/ 101. (2) انظر (المغني: 8/ 361) (ونيل الأوطار: 7/ 231) (وفتح القدير: 5/ 446) (والفقه الإسلامي: 6/ 419).

أقول: إن عمدة القائلين بعدم جواز المبادأة ومباغتة العدو: حديث سلمان بن بريدة: "إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال ... فإن أبوا، فاستعن بالله وقاتلهم" (1). وعمدة من قال بجواز المباغتة إن بلغتهم الدعوة: حديث نافع عن ابن عمر: "إن نبي الله أغار على بني المصطلق وهم غارّون، أنعامهم تسقي على الماء. فقتَل مقاتلته وسبى سبيهم، وأصاب يومئذ جويرية بنت الحارث" (2). ولا أرى أن حديث نافع يناقض حديث سليمان بن بريدة إذا ما حرر موضع النزاع تحريراً دقيقاً، لأن أحداً لا يقول بقتال قوم لا يعلمون لماذا يقاتلون؟ وماذا عليم فعله .. وهذا ما أراد بيانه حديث سليمان. أما مقصود حديث نافع فهو بيان جواز مباغتة القوم، فالحرب خدعة، بعد أن يكونوا قد بلغتهم الدعوة، فلا يسلم لشيخنا الغزالي قوله: (فإن رواية الصحيحين تشعر بأن الرسول صلى الله عليه وسلم، باغت القوم وهم غارون، ما عرضت عليهم الدعوة ... ولا بدا من جانبهم نكوص ولا عرف من أحوالهم ما يقلق، وقتال يبدؤه المسلمون على هذا النحو مستنكر في منطق الإسلام) (3). أقول: لا يسلم لشيخنا هذا الاستنتاج إذ لا يفهم الحديث أن الواقع كذلك بل الواقع كما جاء على لسان الشيخ نفسه بعد صفحة: (إن الحديث بيّن مرحلة متقدمة من مراحل المعركة وأنه بعد وقوع الخصومة وقد أمسى كل فريق يعد العدة ..). أقول: وبذلك تنسجم النصوص ولا نتهم رواية نافع ونتكلف في نقضها. إنَّ فهْم الحديث على وجهه يغنينا عن تخطئة الآخرين، وتحريرُ محل النزاع أمر جوهري، ولقد كان الإمام النووي دقيقاً في تحرير محل النزاع إذ قال: (باب جواز الإغارة

_ (1) انظر معالم السنن: 3/ 416. (2) أخرجه البخاري: (2541) فتح الباري، ومسلم: (1730) وأبو داود: (3622). وهذا حديث لا مطعن فيه، لا سنداً ولا متناً. (3) انظر فقه السيرة: ص 10 ط 7.

ثالثا: في وسائل مقاتلة العدو

على الكفار الذين بلغتهم دعوة الإسلام من غير تقدم إعلام بالإغارة (1). وهذا الفهم يتفق مع السنن والعقل والمنطق العسكري، وقضية تبييت العدو ثابتة في السنة في أكثر من حديث (2). ثالثاً: في وسائل مقاتلة العدو: 1 - الأسلحة المستعملة، وحكم التدمير والتخريب: لا شك أن الإسلام دين الرحمة ومقصده الأسمى إنقاذ الإنسانية وهدايتها إلى صراط الله المستقيم، ومهما أمكن تجنب الحرب طريقاً للوصول إلى إقامة شرع الله كان ذلك أحب، بل لا يجوز -كما رأينا - المبادأة دون استنفاد أسباب الدعوة إلى الله، لكن إذا تحتمت الحرب طريقاً للدعوة وإقامة حكم الله فما هي الأسلحة التي يجوز استعمالها؟ في صدر الإسلام كما هو معروف كانت الأسلحة المستعملة محدودة التأثير والانتشار، تقتصر في الغالب على أرض المعركة والمشتركين فيها، إلا في حالات محدودة كنصب المنجنيق وتسميم المياه ونحو ذلك، ولاحظنا أن المسلمين استعملوا ما تيسر لهم من أسلحة في سبيل إخضاع العدو لحكم الله. وروي في ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف، إلا أن سند هذه الرواية ضعيف، مع كون رواة السير ذكروا ذلك (3). ومما هو متفق عليه جواز استعمال الأسلحة التي يقتصر تأثيرها على أرض المعركة والمقاتلين المباشرين للقتال. فما حكم استعمال أسلحة يتعدى تأثيرها على المباشرين للقتال من أسلحة التدمير؟ نقول: ههنا حالتان: الأولى: أن يستعمل العدو هذه الأسلحة:

_ (1) شرح النووي على مسلم: 13/ 35. (2) انظر فتح الباري 6/ 146. (3) انظر نصب الراية: 3/ 382.

فههنا لابد من مقابلة العدو بالمثل ردعاً له إن أمكن أو إخضاعاً إن لزم الأمر، لقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (1) {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} (2).وقد أوصى أبو بكر خالد بن الوليد فقال: "إذا لقيت عدوك فقاتلهم بالسلاح الذي يقاتلونك به"، وهذا يوجب على المسلمين أن يمتلكوا الأسلحة التي تكافئ العدو وتردعه. أما في حالة عدم استعمال العدو لها: فههنا احتمالان: الأول: أن يمكن ردع العدو دون استعمالها، وإقامةُ شرع الله، فههنا لا يجوز استعمال الأسلحة التي يتعدى أثرها المقاتلين وتزيد عن حاجة المعركة. وقد نص المالكية وغيرهم على هذا، من ذلك قولهم: "وقاتلوا بجميع أنواع السلاح إن لم يكن غيرها، وإلا لم يقاتلوا بها" أي إذا أمكن تحقيق المراد دون استعمال جميع أنواع السلاح. الاحتمال الثاني: ألا يمكن تحقيق المراد إلا باستعمال أسلحة التدمير فما الحكم؟ بين الفقهاء أنه لا بأس عند الضرورة الحربية بإحراق حصون العدو بالنار وإغراقها بالماء وتخريبها وهدمها عليهم، وقطع أشجارهم وإفساد زروعهم ونصب المجانيق ونحها من وسائل القتال الحديثه البرية والبحرية والجوية، وإن كان فيهم مسلمون من الأسارى والتجار، لأن رميهم ضرورة، ويُقصدُ الكفارُ بالضرب لا المسلمون، لأنه لا ضرورة في القصد إلى قتل مسلم بغير حق، وكذا يجوز ضرب الكفار إن تترَّسوا بأطفال المسلمين وأسراهم، للضرورة وسداً لذريعة الفساد التي قد تترتب على ترك قتلهم، لكن يقصد الكفار بالضرب، وإن أصيب مسلم فلا دية ولا كفارة (3). وقال النووي: يجوز حصار الكفار في البلاد والقلاع وإرساء الماء عليهم ورميهم بنار ومنجنيق (4).

_ (1) سورة البقرة آية: 194. (2) سورة الشورى: 40. (3) انظر البدائع 7/ 100، وفتح القدير 5/ 447، والفقه الإسلامي 6/ 423. (4) مغني المحتاج 4/ 223.

2 - الحرب الاقتصادية وحرب إضعاف القوة

وقال ابن رشد: اتفق عامة الفقهاء على جواز رمي الحصون بالمنجنيق سواء كان فيها نساء وذرية أو لم يكن (1). أقول: وعلى هذه الأقوال يقاس الأسلحة المدمرة الأخرى المعاصرة عند الضرورة الداعية إلى ذلك وفق ما قدمناه، والله أعلم. 2 - الحرب الاقتصادية وحرب إضعاف القوة: من الوسائل التي تستعمل في عصرنا الحرب الاقتصادية والحصار الاقتصادي والتحكم في بيع السلاح، تجد لهذا النوع من الحروب أصلاً في السيرة وفي كلام الفقهاء، فلقد كان المسلمون يغيرون على قوافل قريش في مرحلة من المراحل، ونص فقهاء المسلمين على أن الجيش الإسلامي إذا اضطر للانسحاب ولم يستطع أن يحمل معه غنائمه، فإنه يتلفها ولا يبقيها للكافرين يتقوون بها، كما أن للفقهاء كلاماً في بيع السلاح للكافرين إذا كان هذا يؤذي المسلمين أو حلفائهم. فقد بيَّنوا أنه يحرم على المسلمين بيع أهل الحرب السلاح والخيول - وما يقوم مقامها الآن - ونحوها من وسائل القتال التي تُقوي العدو (2) بل نص بعض العلماء على أن أهل الذمة يمنعون من ركوب الخيل لقوله تعالى {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} (3) وأنه يمنعون من تقلد السيوف وحمل السلاح- وما يقوم مقامها- (4). 3 - الحيلة والخداع في الحرب: الخداع والكذب والغدر من أعظم الكبائر في شرعنا الإسلام، لكن للحرب حالاتها الاستثنائية الخاصة، قال الإمام النووي: اتفق العلماء على جواز خداع الكفار في الحرب كيف أمكن الخداع إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يحل (5).

_ (1) بداية المجتهد 2/ 204. (2) انظر اللباب شرح الكتاب 4/ 123. (3) سورة الأنفال آية: 60. (4) انظر كفاية الأخيار 2/ 136، وانظر فتح القدير 5/ 460 - 461، والبدائع 7/ 102. (5) شرح مسلم 12/ 45.

4 - هل تجوز الاستعانة بكافر في الحرب؟

وقال ابن العربي: "الكذب في الحرب من المستثنى الجائز بالنص رفقاً بالمسلمين لحاجتهم إليه وليس للعقل فيه مجال، ولو كان تحريم الكذب بالعقل ما انقلبت حلالاً". ومن أدلة ذلك في السيرة: حديث (الحرب خدعة) وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم نعيم بن مسعود أن يخدِّل عن المسلمين ما استطاع. وحادثة قتل كعب بن الأشرف على يد محمد بن مسلمة، إذ قال محمد لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتحب أن أقتله يا رسول الله؟ قال: نعم، قال: فائذن لي فأقول، قال: "قد فعلت" ... القصة في البخاري ومسلم (1). ولكن هذا لا يعني جواز الغدر، فالغدر شيء والكذب لمصلحة المعركة شيء آخر، إذ الغدر نقض عهد صادر من المؤمِّن إلى مؤمَّنه، لذا فقد قال عمر بن الخطاب في كتاب بعثه إلى عامل على جيش كان قد بعثه: "وقد بلغني أن رجالاً منكم يطلبون العلج حتى إذا اشتد في الجبل وامتنع يقول: لا تخف، فإذا أدركه قتله، وإني والذي نفسي بيده لا يبلغني أن أحداً فعل ذلك إلا ضربت عنقه". 4 - هل تجوز الاستعانة بكافر في الحرب؟ استعان رسول الله صلى الله عليه وسلم في هجرته بمشرك كدليل، واستعار من صفوان بن أمية عارية للاستعانة في حربه ضد هوازن، وورد عنه عليه السلام قوله: "لا أستعين بمشرك"، ولذلك اختلف الفقهاء في جواز الاستعانة بالكافرين في أمر الحرب. لكن مما لا خلاف فيه أنه لا يصح الاستعانة بكافر له الغلبة على المسلمين، أو كان سيء الرأي فيهم أو يتربص بهم الدوائر. كما لا يجوز أن يكون المسلمون تبعاً للكافر في حربه وقتالهم، لأن ذلك مما ينافي الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، وقيد الفقهاء الاستعانة بالحاجة أخذاً من حديث "لا أستعين بمشرك" أما ما حصل من استعانة رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفوان ونحوها فهي للحاجة، وفي أمر لا يضر بالمسلمين ولا يترتب فيه على المسلمين أمور تخرج بهم عن حد الولاء أو الأمر والقيادة، قال الإمام الكاساني: "ولا ينبغي للمسلمين أن يستعينوا بالكفار على قتال الكفار لأنه لا يُؤمنُ غدرهم، إذ العداوة الدينية تحملهم عليه،

_ (1) انظر الفتح 6/ 158 وشرح مسلم 12/ 160.

رابعا: وسائل إنهاء الحرب

إلا إذا اضطروا إليهم، والله أعلم". وبين الإمام ابن الهمام: أنه يشترط في الاستعانة بالمشرك أن لا يكون لهم راية تخصهم (1). الكلام كله فيما يتعلق بالاستعانة بالكافر على الكافر، أما الاستعانة بالكافر على المسلم فأمر لم يرد في كتاب ولا سنة ولا قول فقيه (2). - رابعاً: وسائل إنهاء الحرب: 1 - الدخول في الإسلام: رأينا أن هناك حالة من حالات إنهاء الحرب تكون فيما لو دخل إنسان أو بلد أو شعب في الإسلام وعندئذ فإن على إمام المسلمين أن يتفاهم معهم على صيغة للعلاقات فيما بينهم، وعلى صيغة تربطهم بدولة الإسلام المركزية وقد أشرنا إلى ذلك في كتابنا (فصول في الإمرة والأمير)، ومما قاله العلماء في موضوع الدخول في الإسلام: أما طُرق اعتناق الإسلام فمنها الصريح ومنها الضمني، ومنها التبعي. فإعلان الإسلام صراحة: يكون بالنطق بالشهادتين أو بالشهادة مع التبري من عقيدته السابقة، والكفار في هذا الأمر أصناف أربعة: صنف ينكرون وجود الله وهم الدهرية، وصنف ينكرون وحدانية الخالق وهم الوثنية والمجوس، وصنف يقرون بوجود الله ووحدانيته إلا أنهم ينكرون النبوة والرسالة، وصنف ينكرون نبوة بعض الأنبياء. فإن كان الكافر من الصنف الأول والثاني، فيكفي أن يقول ليُحكم بإسلامه: "لا إله إلا الله" أو يقول: "أشهد أن محمداً رسول الله". وإن كان الكافر من الصنف الثالث: فلا يكفي أن يقول: "لا إله إلا الله" وإنما لابد من أن ينطق بالشهادة الأخرى وحينئذ يحكم بإسلامه. وإن كان من الصنف الرابع فالمفتي به ما قاله ابن عابدين: يكفي أن يقول اليهودي

_ (1) البدائع 7/ 101 وفتح القدير 5/ 502 - 503. (2) المراجع.

والنصراني: أنا مسلم لأن اليهود والنصارى يمتنعون من قول: (أنا مسلم) فإذا قال أحدهم (أنا مسلم) فهو دليل إسلامه. وأما الوثني مثلاً فيحكم بإسلامه إذا قال، أنا مسلم ونحوه. وأما إعلان الإسلام ضمناً: فمثل أن يصلي الكتابي أو المشرك مع جماعة من المسلمين لأن الصلاة على هذه الهيئة لم تكن في شرائع من قبلنا فكان ذلك دليلاً على الدخول في الإسلام هذا عند الحنفية والحنابلة. وقال الشافعي: لا يحكم بإسلامه لأن الصلاة ليست دليلاً على الإيمان حال الانفراد، فكذلك حال الاجتماع. وأما الحكم بالإسلام تبعاً: فهو أن الصبي يحكم بإسلامه تبعاً لأبويه عند وجودهما، أو وجود أحدهما على الإسلام، كما أنه يحكم بإسلامه أيضاً إذا سُبي الصبي وحده وأدخل في دار الإسلام فهو مسلم تبعاً للدار. وأما الأحكام المترتبة على اعتناق الإسلام من قِبَل الكفار فهي: عصمة الدماء والأموال والأراض، وبناء عليه إذا أسلم أهل بلدة من أهل دار الحرب قبل أن يتغلب عليهم المسلمون حرُم قتلهم، ولا سبيل لأحد على أموالهم التي في أيديهم أو الودائع في بلاد الإسلام وعلى أعراضهم، فإن تغلبنا عليم بالحرب كان عقار من أسلم وزوجته وأولاده الكبار فيئاً للمسلمين، لأن العقار من جملة دار الحرب وزوجته كافرة حربية لا تتبعه في الإسلام، وكذا أولاده كفار حربيون، ولا تبعية لهم، لأنهم على حكم أنفسهم. كذلك يعصم الإسلام عند جمهور العلماء صغار الأولاد والحَمْلَ إذا أسلم الأب أو الأم، سواء أكان في دار الحرب أو في دار الإسلام، لأن الطفل تابع لأبيه أو لأمه في الإسلام مطلقاً، إذ الولد يتبع خير الأبوين ديناً بالاتفاق، وقال الحنفية: إذا أسلم كافر في در الإسلام لم يكن أولاده الصغار مسلمين بإسلامه، إذا كانوا في دار الحرب، لانقطاع التبعية بتباين الدارين فكانوا من جملة الأموال يدخلون في الفيء. وأما الزوجة والأولاد الكبار: فقد اتفق أئمة المذاهب الأربعة: على أن إسلام الشخص لا يعصم زوجته ولا أولاده الكبار البالغين إذ أن للزوجة والأولاد الراشدين حكم أنفسهم كفراً وإسلاماً. والكلام كله في الحكم لهم بالإسلام دنيا، أما عند الله فذاك أمر منوط بصدقهم وهو تعالى أعلم بالسرائر (1).

_ (1) الفقه الإسلامي 6/ 426 - 429، البدائع 7/ 102، المغني 8/ 143.

2 - إعطاء الأمان

2 - إعطاء الأمان: رأينا أن من صور إنهاء الحرب إعطاء الأمان، وإذا جاز لنا أن نعطي الأمان لفرد أو جيش فهل يجوز لنا أن نعطي الأمان لقطر أو شعب؟ الظاهر أن لأمير المؤمنين إذا رأى مصلحة في ذلك فله ذلك بأن يكتب معهم معاهدة عدم اعتداء وعندئذ يصبح الأمان والعهد شيئاً واحداً، والصورة التي واجهها المسلمون في الماضي في موضوع الأمان هي صورة إعطاء الأمان لفرد أو لمجموعة، ولذلك أدخلها العلماء في مباحثهم، ومما قالوه في ذلك: الأمان في اللغة: ضد الخوف، وفي اصطلاح الشرع كما عرفه الشافعية: عقد يفيد ترك القتل والقتال مع الحربين. وركنه: اللفظ الدال على الأمان، نحو قول المجاهد: أمنتكم أو أنتم آمنون، وهو إما عام أو خاص: فالعام: ما يكون لجماعة غير محصورين كأهل ولاية ولا يعقده إلا الإمام أو نائبه كعقد الهدنة وعقد الذمة. والخاص: ما يكون للواحد أو لعدد محصور كعشرة فما دون، ولا يجوز لأكثر من ذلك كأهل بلدة كبيرة، لما فيه من افتيات على الإمام، وتعطيل للجهاد. والعام: إما مؤقت: وهو الهدنة أو مؤبد: وهو عقد الذمة. شروط الأمان: اشترط الحنفية لصحة الأمان شروطاً أربعة: 1 - أن يكون المسلمون في حال ضعف، والكفار في حال القوة. 2 - العقل. 3 - البلوغ. 4 - الإسلام، ولا تشترط الحرية، فيصح أمان العبد عند الجمهور ولم يجز أبو حنيفة أمان العبد المحجور عن القتال إلا أن يأذن له مولاه بالقتال وقال الصاحبان: يصح أمان العبد وكذلك لا تشترط الذكورة، وكذلك الجماعة ليست بشرط فيصح أمان الواحد. ويوافق الحنفية في أغلب هذه الحالات جمهور الفقهاء: فهم يرون أن الأمان يصح من كل مسلم بالغ عاقل مختار ولو كان عبداً لمسلم أو كافر، أو فاسقاً أو محجوراً عليه لسفه أو تفليس أو امرأةً أو أعمى أو مقعداً أو زمناً أو مريضاً أو خارجاً على الإمام.

حكم الأمان

حكم الأمان: يقتضي الأمان ثبوت الأمن والطمأنينة للمستأمنين، فيحرم قتل رجالهم وسبي نسائهم وأولادهم واغتنام أموالهم واسترقاقهم ولا يجوز أيضاً ضرب الجزية عليهم، لأن فعل شيء مما ذكر غدر والغدر حرام، ويشمل حكم الأمان نفس المستأمن وأولاده الصغار وماله عند الحنابلة والحنفية استحساناً لأن الإذن بالدخول يقتضي ذلك وقال الشافعية: يدخل في الأمان: مال المستأمن وأهله بلا شرط إن كان الإمام هو الذي أعطى الأمان ويرى المالكية: أن الأمان يتبع الشرط. صفة الأمان: يرى الحنفية أن الأمان عقد غير لازم حتى لو رأى الإمام المصلحة في النقض نقضه، لأن جوازه عندهم مشروط بتحقيق المصلحة، ويرى جمهور الفقهاء أن الأمان عقد لازم من جانب المسلمين، ويبقى اللزوم مع بقاء عدم الضرر، لأن الأمان حق على المسلم فليس له نبذه إلا لتهمة أو مخالفة. ما ينتقض به الأمان: إذا كان الأمان مؤقتاً إلى مدة معلومة ينتهي بمضي الوقت من غير حاجة إلى النقض، وإن كان الأمان مطلقاً غير محدد بوقت: فانتقاضه عند الحنفية إما بنقض الإمام لكن يخبرهم بالنقض ثم يقاتلهم، وإما بطلب العدو نقضه. وأجاز جمهور الفقهاء للإمام أن ينبذ عقد الأمان إذا حصل فقط ضرر للمسلمين. مدة الأمان: إذا دخل الحربي إلى دار الإسلام مستأمناً، لم يمكن من الإقامة فيها سنة فما فوقها، لئلا يصير عيناً للأعداء وعوناً علينا. أقول: ومدة الإقامة للحربي يقدرها أهل الحل والعقد في دار الإسلام. ومكان الأمان: دار الإسلام: فللمستأمن التنقل في كل البلاد الإسلامية إلا إذا قيد الأمان في موطن معين أو كان القيد شرعياً، والقيد الشرعي مختلف في تحديده بين الفقهاء ففي رأي أبي حنيفة: يجوز للكافر دخول أي مكان في دار الإسلام. ومنع الشافعية والحنابلة غير المسلم ولو لمصلحة من دخول حرم مكة. وأجاز المالكية لغير المسلم دخول حرم مكة دون البيت الحرام بأمان لمدة ثلاثة أيام أو بحسب الحاجة في تقدير المصلحة من قبل الإمام. ولا يجوز عند المالكية لغير المسلم استيطان جزيرة العرب. وعلى الإمام مراقبة كل أمان يصدر من الأفراد، وعلى التخصيص، أمان المرأة والعبد والصبي ونحوهم، ولكن لا يتوقف عند أكثر الفقهاء نفاذ الأمان على إجازة الإمام.

3 - الهدنة

واشترط الحنفية والمالكية: أن يكون الأمان لمصلحة، لأن الحرب مع العدو مستمرة، واكتفى الشافعية والحنابلة عدم وجود الضرر من الأمان ولا تشترط المصلحة. فلا يجوز الأمان لجاسوس ونحوه، إذ لا ضرر ولا ضرار في الإسلام (1). 3 - الهدنة: إنه لا يصح أن تقاد الحروب بلا نظر إلى الأرباح والخسائر، ولا يصح أن تقاد دون مراعاة لطاقات الأمة وطاقات الأفراد ودون مراعاة الظروف، ومن هاهنا كانت الهدنة جزءاً مما اعتادته الأمم في حروبها، وقد أقر الإسلام مبدأ الهدنة، وأشرنا من قبل إلى أنه من الحالات التي تُنهى بها الحرب حالة الهدنة، وللفقهاء في الهدنة كلام كثير، وللمسلمين خلال التاريخ قراراتهم الكثيرة في موضوع الهدنة وذلك كله مما يُستأنس به إذا ما كتبت أحكام الهدنة وتاريخها. والهدنة: هي مصالحة أهل الحرب على ترك القتال مدة معينة بعوض أو غيره، سواء فيهم من يقر على دينه ومن لم يقر دون أن يكونوا تحت حكم الإسلام. وعاقدُها هو الإمام أو نائبه باتفاق الفقهاء فإن عقدها أحد الأفراد عُد ذلك افتياتاً على الإمام أو نائبه، ولم يصح العقد عند الجمهور ويصح عند الحنفية إذا تلاه فريق من المسلمين بغير إذن الإمام وإذا توافرت المصلحة للمسلمين فيه، وصيغتها: لفظ الموادعة أو المصالحة، وركنها: الإيجاب والقبول. وشرطها: أن يكون المسلمون في حال من ضعف والكفار أقوياء. والحقيقة أن هذا الشرط حالة من الحالات التي يطلب فيها باتفاق العلماء وجود المصلحة من عقد الهدنة، والمصلحة كما تتحقق حال ضعفنا، تتحقق بأغراض أخرى كرجاء إسلام الكفار أو قعد الذمة أو التعاون معهم لدفع عدوان غيرهم أو لإقرار السلام، وتبادل المنافع الاقتصادية ونحوها. ولا بأس بأن يتم الصلح على عوض مالي يدفعه المسلمون إلى الكفار عند الاضطرار، أو يدفعه الأعداء للمسلمين إذا كان في الدفع مصلحة للمسلمين، لأن الله تعالى أباح لنا الصلح مطلقاً فيجوز ببدل أو بغير بدل ولأن المقصد من الصلح هو دفع الشر والخطر فيجوز بأية وسيلة هذا باتفاق الفقهاء.

_ (1) انظر البدائع 7/ 106 - 107، وفتح القدير 6/ 462، والمغنى 8/ 396 والفقه الإسلامي 6/ 430.

صفة عقد الهدنة

حكم الهدنة: يترتب على المصالحة إنهاء الحرب بين المتحاربين ويأمن الأعداء على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم. صفة عقد الهدنة: قرر الجمهور أن الهدنة عقد لازم لا يجوز نقضه إلا إذا وجدت خيانة أو غدر من العدو، بقيام أمارات تدل عليه، وإن لم توجد فيجب الوفاء لهم بالعهد. ما ينتقض به عقد الهدنة: قال الحنفية: إذا كانت الهدنة مؤقتة ينتهي العقد بانتهاء المدة المحددة دون حاجة إلى النبذ، وقال الجمهور: تنتقض الهدنة إذا نقضها العدو بقتال أو بمناصرة عدو آخر أو قتل مسلم أو أخذ مال، أو بسب الله تعالى أو القرآن الكريم أو رسوله صلى الله عليه وسلم أو التجسس على المسلمين، أو الزنا بمسلمة ونحوها. مدة الهدنة: اتفق الفقهاء على إن عقد الصلح مع العدو لابد من أن يكون مقدراً بمدة معينة، فلا تصلح المهادنة إلى الأبد من غير تقدير بمدة وإنما هي عقد مؤقت لأن الصلح الدائم يفضي إلى ترك الجهاد ومع هذا الاتفاق فإنهم اختلفوا في المدة التي تجوز بها الهدنة فقال الشافعية: إذا كان بالمسلمين قوة فتجوز الهدنة لمدة أربعة أشهر فما فوقها إلى ما دون سنة في الأظهر، فإن كان بالمسلمين ضعف فتجوز لعشر سنين فقط فما دونه بحسب الحاجة لأن هذا غاية مدة الهدنة، لأنه صلى الله عليه وسلم هادن قريشاً في الحديبية هذه المدة على المعتمد. فإن لم يقو المسلمون طوال تلك المدة فلا بأس أن يجدد الإمام مدة مثلها أو دونها على رجاء أن يقوموا، وإذا انقضت المدة والحاجة باقية استؤنف العقد وهذا ظاهر كلام الإمام أحمد. وقال الحنفية والمالكية: ليس للهدنة مدة معينة وإنما تقدير المدة راجع إلى اجتهاد الإمام قدر الحاجة، لأن المهادنة عقد جاز لمدة عشر سنين فتجوز الزيادة عليها كعقد الإجارة (1). الذمة والجزية: إن من صور انتهاء الحرب بين المسلمين وغيرهم صورة قبول الكافين باعطاء الجزية والدخول في ذمة المسلمين على شروط متفق عليها أو على شروط يمليها أمير المسلمين. والجزية: هي رمز الخضوع للإسلام والمسلمين وهي لا توضع إلا على من يستطيع القتال بالقوة أو بالفعل فلا توضع على غيرهم، وتسقط عنهم إذا شاركوا المسلمين في قتالهم أو لم يستطع المسلمون أن يحموهم، وهي تشبه في عصرنا البدل العسكري عن الخدمة الإجبارية من وجه ما.

_ (1) انظر البدائع 7/ 108 - 109، وفتح القدير 5/ 455 فما بعد، والمغني 8/ 459 فما بعد.

الذمة في اللغة

وباحث الجزية في الفقه الإسلامي واسعة اقتضتها كثرة الصور التي واجهها المسلمون، وأما الشروط التي يمكن أن تكون بين المسلمين وبين غيرهم في حالة خضوع غير المسلمين للمسلمين فهي منوطة برأي الأمير على حسب المصلحة، وقد كان بعض الأمراء يكثرون من الشروط وبعضهم يُقِل. ولا شك أن عصرنا يحتاج إلى مواثيق جديدة بين المسلمين وبين غيرهم في أقطارهم، ويمكن أن يلحظ في هذه المواثيق القوة والضعف والمصلحة وعدمها، والوضع المحلي والوضع العالمي. وكل ما قاله الفقهاء وما حدث في التاريخ مما أجازه الفقهاء يمكن أن نستأنس به في أوضاعنا المعاصرة، ومما قاله العلماء في موضوع الذمة والجزية: الذمة في اللغة: العهد وهو الأمان، وعند الفقهاء: هو التزام تقرير الكفار في ديارنا وحمايتهم والذب عنهم ببذل الجزية والاستسلام من جهتهم، ولا يعقدها إلا الإمام أو نائبه لكن قال المالكية: إن عقدها غير الإمام فيأمنون، ويسقط عنهم القتل والأسر، وللإمام النظر بأن يمضيها أو يردهم لمأمنهم. وصيغة العقد: إما لفظ صريح يدل عليه مثل لفظ العهد والعقد على أسس معينة، وإما فعل يدل على قبول الجزية. شروط العقد ثلاثة: 1 - ألا يكون المعاهد من مشركي العرب، فإنه لا يقبل منهم إل الإسلام أو القتال وإنما يعقد عقد الذمة مع أهل الكتاب، ويعقد هذا العقد أيضاً مع المجوس لأن لهم شبهة كتاب، وهذا الشرط متفق عليه بين الحنفية والشافعية والحنابلة. 2 - ألا يكون المعاهد مرتداً، لأن حكمه القتل إذا لم يتب، وهذا الشرط متفق عليه بين الفقهاء. 3 - أن يكون العقد مؤبداً. وهذا شرط متفق عليه أيضاً. شروط المكلفين بالجزية: في الجملة: اتفق الفقهاء على اشتراط البلوغ والحرية

والذكورة، فلا جزية على امرأة ولا صبي ولا مجنون ولا معتوه ولا زَمِنٍ ولا أعمى ولا مفلوج ولا شيخ كبير، لأنها وجبت بدلاً عن القيام بقتال الأعداء وهم لا يقاتلون لعدم الأهلية، ولا جزية على فقير غير مكتسب لعدم الطاقة ولا على الرهبان الذي لا يخالطون الناس إذ لا يقاتلون، ولا جزية على العبد بأنواعه، وخالف الشافعية والحنابلة في الأرجح عندهم في الفقير والمريض فلم يجيزوا إسقاط الجزية بالأعذار. ويترتب على عقد الذمة إنهاء الحرب بين المسلمين وغيرهم وعصمة نفوس الكفار وأموالهم وبلادهم وأعراضهم فلا يجوز استباحتها بعد انعقاد العقد. والجزية نوعان: جزية صُلحية، وهي جزية توضع بالتراضي والصلح، فتقدر بحسب ما يقع عليه الاتفاق فلا حد لها ولا لمن تؤخذ منه إلا ما يقع عليه الصلح - وجزية عُنوية تفرض فرضاً: وهي التي يبتدئ الإمام وضعها إذا غلب المسلمون على الكفار واستولوا على بلادهم وأقرهم الإمام على أمرهم، واتفق الفقهاء على أن عقد الذمة عقد لازم من ناحية المسلمين فلا يملك المسلمون نقضه بأي حال. وأما بالنسبة لغير المسلمين فهو عقد غير لازم لكنه لا ينتقض عند الحنفية إلا بأحد أمور ثلاثة: وهي أن يسلم الذمي أو يلحق بدار الحرب، أو يغلب الذميون على موضع فيحاربوننا، ولا ينتقض عهدهم بغير المذكور، لأن التزام الجزية باق ويستطيع الحاكم أن يجبرهم على أدائها. ويرى جمهور الفقهاء: أن عهد الذمي ينتقص بمنعه أداء الجزية، أو امتناعه من تطبيق أحكام الإسلام العامة أو الاجتماع على قتال المسلمين لأن هذه الأمور من مقتضى عقد الذمة فارتكابها يخالف مقتضى العقد فيوجب نقض المعاهدة، وكذلك قالوا - ما عدا الشافعية-: ينتقض العقد بارتكاب المعاصي. واتفق الفقهاء على أن أهل الذمة ملتزمون بتطبيق أحكام الإسلام المدنية والجنائية وأما العبادات ونحوها مما يدينون به كشرب الخمور وتربية الخنازير وأكلها فيتركون وما يدينون بدون تظاهر. آراء الفقهاء في مقدار الجزية ووقت أدائها ومسقطاتها: يرى الحنفية والحنابلة أن الجزية يختلف مقدارها بحسب حال المكلف بها، فإن كان غنياً فيجب عليه ثمانية وأربعون درهماً في السنة، وإن كان متوسط الحال فعليه أربعة وعشرون درهماً: وإن كان فقيراً عاملاً فعليه اثنا عشر درهماً. وقال المالكية: مقدار الجزية أربعون درهماً وينقص عن

- ولأهل الذمة حقوق هي

الفقير بحسب وسعه وطاقته، وقال الشافعية مثل الحنفية والحنابلة: أقل الجزية دينار لكل سنة، ويؤخذ من متوسط الحال ديناران ومن غني أربعة دنانير، وتسقط الجزية باعتناق الإسلام باتفاق الفقهاء وتسقط بالموت عند الحنفية والمالكية، ولا تسقط بالموت عند الشافعية والحنابلة، وعند الصاحبين وسائر الأئمة: لا تتداخل الجزية، وتجب الجزيات كلها لأنها عوض فتعتبر بمنزلة سائر الحقوق المالية كالدية والزكاة وغيرهما. - ولأهل الذمة حقوق هي: 1 - التزام تقريرهم في بلادنا إل الحرم المكي في رأي الجمهور غير أبي حنيفة. 2 - وجوب الكف عنهم بسبب عصمة أنفسهم وأموالهم بالعقد. 3 - عدم التعرض لكنائسهم ولا لخمورهم وخنازيرهم ما لم يظهروها. وقال الأوزاعي والثوري وفقهاء الشام والمالكية على المشهور في مذهبهم: تؤخذ الجزية من كل كافر سواء أكان من العرب أم من العجم من أهل الكتاب أم من عبدة الأصنام. ويجب أداء الجزية عند الحنفية في أول السنة لأنها تجب لحماية الذمي في المستقبل، وعند سائر المذاهب: تجب الجزية في آخر السنة لأنه مال يتكرر بتكرار الحول، أو يؤخذ في آخر كل حول كالزكاة (1). 5 - متى يجوز التحيز والتحرّف للقتال؟ يجوز للمسلم ولظروف صعبة أن يقاتل حتى يستشهد، ويجوز له أن يرمي بنفسه على العدو حتى يستشهد على شرط أن يُنكي فيهم، لكن الله تعالى أجاز للمسلمين التحرف لقتال أو التحيز إلى فئة، ومما قاله العلماء: ويجب على المجاهدين حال التحام القتال وفي أثناء المعركة الثبات أمام عدوهم إذا غلب على ظنهم أنهم يقاومونهم، فإن غلب على ظن المقاتلين المسلمين أنهم سيُغلبون ويُقتلون، فلا بأس أن يفروا من عدوهم منحازين إلى فئة يستنصرون بها من المسلمين، ولا عبرة بالعدد، حتى إن الواحد إذا لم يكن معه سلاح فلا بأس أن يفر من اثنين مسلحين أو من واحد

_ (1) انظر فتح القدير 6/ 43 - 57 وآثار الحرب 691 فما بعد والبدائع 7/ 110 فما بعد والمغني 8/ 495 فما بعد.

خامسا: أثر الحرب

مسلح أو بسبب عجز لمرض ونحوه (1). - خامساً: أثر الحرب: 1 - في أموال العدو: في الأنفال والسَّلَب والغنائم: ما يكون على قتيل الكفار في المعركة من ثياب، وما يملكه من سلاح وعتاد ومركوب، يسمى سلباً، ولمن قتله من المسلمين أن يأخذه إما بشكل مطلق، أو بأن أعلن الأمير أن له ذلك، وقد يُنَفِّل الأمير فرداً أو عصابة أو جيشاً كل ما يغنمون، فهذا الذي يسمى نفلاً في بعض الاصطلاحات، وهو مهم في التشجيع على القتال إذ أن للأمير أن يقول من قتل قتيلاً فله سلبه وما يملك، فهذا يشجع بعض المسلمين على قتال الكافرين وخاصة في حروب المرتدين الذين يظلمون المسلمين ويأخذون أموالهم. وإذا ربح المسلمون معركة فهناك الغنائم والأصل فيها أن تكون أربعة أخماسها للمقاتلين، وخمسها لأهل الخمس كما نص عليهم القرآن وسنن عمر رضي الله عنه بموافقة كثير من الصحابة أن تستثنى الأراضي، فتُحبس على ملك المسلم، وقد جدتْ مستجدات في عصرنا بأن أصبحت هناك جيوش نظامية يأخذ أفرادها رواتبهم من الدولة، وأثناء الحرب يدخل في القتال جنود احتياطيون يأخذون رواتبهم من الدولة، فهل تكون الغنائم- إذا لم ينص الأمير على شيء - للدولة، أو أن الأراضيين وما يدخل في دائرة السلاح والعتاد يكون للدولة ولأمة، وما سواها يكون للمقاتلين؟ الظاهر أن كلاً من الأمرين تجيزه الفتوى، وقد تكلم الفقهاء في الغنائم والأنفال والسلب وجاءت نصوص في ذلك، وفي هذه السلسلة كلام عند النصوص إذا اقتضت الحاجة، وهاهنا ننقل بعض ما قاله العلماء في السلب والنفل والغنيمة. 1 - النفل في اللغة: عبارة عن الزيادة. وفي الاصطلاح: عبارة عما خصه الإمام لبعض المجاهدين تحريضاً لهم على القتال، والتنفيل: تخصيص بعض المجاهدين بالزيادة كأني قول ولي الأمر: من قتل قتيلاً فله سلبه أو يقول لسرية: ما أصبتم فهو لكم. وهذا جائز لما فيه من تحريض على القتال. والسلبُ: هو ثياب المقتول وسلاحه الذي معه ودابته التي ركبها

_ (1) الفقه الإسلامي 6/ 424، البدائع 7/ 98.

2 - الفيء في اللغة

بما عليها وما كان معه من مال. مذهب الحنفية والمالكية: أن القاتل لا يستحق سلب المقتول إلا بإذن الإمام وقال الشافعية والحنابلة: يستحق للقاتل سلب المقتول في كل حال بدون إذن الإمام. 2 - الفيء في اللغة: الرجوع، واصطلاحاً: هو المال الذي يؤخذ من الحربيين من غير قتال أي بطريق الصلح كالجزية والخراج. 3 - الغنيمة في اللغة: الفوز بالشيء بلا مشقة، واصطلاحاً هي ما أخذ من أموال أهل الحرب عنوة بطريق القهر والغلبة. وبعد أن بينا أن عصرنا يحتاج إلى الأخذ بأكثر من رأي في الغنائم فيما يشبه رأي الإمام مالك رضي الله عنه، نبين حكم الغنائم عند الفقهاء، فخلاصة الأحكام الأصلية في تقسيم الغنائم: أنها تقسم إلى خمسة أخماس فالأربعة الأخماس للغانمين ويسهم فيها للرجل المقاتل ممن دخل المعركة واقعاً أو حكماً. أما المرأة والصبي المميز والذمي فيُرْضخ لهم أي يعطون من خمس الغنيمة الذي سنذكره حسب رأي الإمام. وأما مقدار استحقاق المقاتل فيرى الحنفية أنه للفارس سهمان وللراجل سهم، ويرى الجمهور أن للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم. أما الخمس الآخر فالجمهور يرون أنه خمسة أسهم: سهم المصالح: وهو سهم لله ولرسوله وسهم لذوي القربى: وهم بنو هاشم من أولاد فاطمة وغيرها، وثلاثة أسهم كما هو نص الآية: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} (1) ويرى الحنفية أن الخمس يقسم ثلاثة أسهم: سهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لأبناء السبيل. أما ذكر الله تعالى في الخمس فهو افتتاح للتبرك، وسهم النبي صلى الله عليه وسلم سقط بموته، وسهم ذوي القربى ينتقل عندهم إلى من كان فقيراً منهم تحت سهم المساكين ...

_ (1) سورة الأنفال: 41.

2 - أثر الحرب في أشخاص العدو وأساراه وسباياه

أما الإمام مالك فيرى أن أمر القسمة موكول إلى نظر الإمام ومصروف في مصالح المسلمين (1). 2 - أثر الحرب في أشخاص العدو وأساراه وسباياه: الأسارى والسبى: لاشك أنه جد جديد في عصرنا ينبغي أن يلاحظ في موضوع الأسارى والسبي، وفي الأصل فإن الأمير وُضِعَ أمام خيارات متعددة في شأن الأسارى والسبي، فالأمير في عصرنا يستطيع أن يختار من الاجتهادات ما يناسب المصلحة والعصر، كأن يعفو أو يفادي مثلاً، وها نحن ننقل شيئاً من كلام الفقهاء لنرى سعة الاجتهادات التي يمكن أن يتخير منها الأمير. الأسرى: هم الرجال المقاتلون من الكفار إذا ظفر المسلمون بأسرهم أحياء. والسبي: هم النساء والأطفال. حكم السبي: يعرف حكم السبي ببحث الأحوال التي قد يتعرضون لها وهي: القتل والاسترقاق، والمن والفداء، أما القتل بعد الأسر فلا يجوز للنساء والذراري أي الأولاد باتفاق العلماء سواء أكانوا من أهل الكتاب، أو من قوم ليس لهم كتاب، فإن اشترك النساء والأولاد في القتال مع قومهم بالفعل، أو بالرأي، جاز قتلهم في أثناء القتال وبعد الأسر عند جمهور الأئمة لوجود العلة في قتل الأعداء وهي المقاتلة. خالف الحنفية في حالة القتل بعد الأسر، فلم يجيزوا قتل المرأة والصبي والمعتوه الذي لا يعقل، لأن القتل بعد الأسر بطريق العقوبة، وهم ليسوا من أهل العقوبة، وأما الرق: فإنه إذا لم يجز قتل السبي بعد الأسر، فإن المالكية يرون أن الإمام يخير حينئذ بين الاسترقاق والمن والفداء في شأن السبايا، وقال الحنفية: يسترقهم الإمام، سواء أكانوا من العرب أم من العجم، وقال الشافعية والحنابلة: يصيرون أرقاء بنفس السبي ويقسمون مع الغنائم، وأما المن: فقد أجاز المالكية أن يمن الإمام على السبي بإطلاق سراحهم إلى بلادهم بدون مقابل. وكذلك أجاز الشافعية والحنابلة لولي الأمر المنَّ على السبي ولكن بشرط استطابة أنفس الغانمين. ولم يجز الحنفية المن مطلقاً.

_ (1) البدائع 4/ 114 فما بعد فتح القدير 5/ 492 فما بعد، مغني المحتاج 3/ 92 فما بعد، المغني 8/ 402، والفقه الإسلامي 6/ 452 فما بعد.

حكم الأسرى

وأما الفداء: فقد أجازه المالكية، وأجازه الشافعية على مال أو أسرى من المسلمين في أيدي الأعداء بعد تعويض الغانمين عنهم من سهم المصالح، ولم يجز الحنفية والحنابلة الفداء بالسبي، لا على مال ولا على أسرى من المسلمين في أيدي قومهم. حكم الأسرى: اتفق الفقهاء على أن لولي الأمر أن يفعل بالنسبة للأسرى ما يراه الأوفق لمصلحة المسلمين، ويختار أحد أمور حددها كل واحد من أصحاب المذاهب بما هداه إليه اجتهاده؛ فمذهب الحنفية: أن ولي الأمر مخير في الأسرى بين أمور ثلاثة: إما القتل وإما الاسترقاق وإما تركهم أحراراً ذمة للمسلمين إلا مشركي العرب والمرتدين، ويجوز باتفاق الحنفية المن على الأسرى تبعاً للأراضي، كيلا يُشغَل الفاتحون بالزراعة عن الجهاد، ومذهب الشافعية والحنابلة: أن الإمام أو من استنابه يفعل ما هو الأصلح والأحفظ للإسلام والمسلمين، يفعل ذلك بالاجتهاد لا بالتشهي. فخلاصة مذهب الحنفية في الأسرى: أن الإمام مخير بين القتل والاسترقاق استدلالاً بواقعة بني قريظة وبقوله تعالى: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ} (1) وأن ذلك لا يكون إلا لمن كان مأسوراً أما غير الأسير فلا تتحكم بقتله فدل ذلك على جاز قتله. واعتبروا قوله تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} (2) منسوخاً بقوله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ} (3) لكن أجازوا المفاداة بالمال أو الأسرى عند الحاجة (4). وخلاصة مذهب الشافعي وأحمد: أن الإمام مخير بين القتل والاسترقاق والفداء بالمال أو الأسرى أو المن (5) والأدلة في ذلك كثيرة سترد في عرض النصوص. ورأي المالكية: أن الإمام مخير بخمسة أمور: الأربعة المذكورة، والجزية (6).

_ (1) سورة الأنفال آية: 12. (2) سورة محمد آية: 4. (3) سورة التوبة آية: 36. (4) انظر حاشية ابن عابدين 4/ 139. (5) انظر الأحكام السلطانية للماوردي ص 131. (6) انظر الفقه الإسلامي 6/ 469 فما بعد.

سادسا: حكم استيلاء الكفار

- سادسا: حكم استيلاء الكفار: هناك صورة مضادة لاستيلاء المسلمين وهي: ما إذا استولى الكافرون على شيء من أرض الإسلام وبلادهم فكيف يكون الحكم القضائي إذا دخل في يوم ما في دائرة الدعوة والقضاء الإسلاميين؟ ثم إن هناك صورة ما إذا استولى المرتدون على أرض فما حكم تصرفاتهم خلال مرحلة الاستيلاء؟ إنه يترتب على الجواب مسائل كثيرة وفروع كثيرة، ويحتاج ذلك إلى فتاوى تكافئ الواقع والمستجدات، وها نحن ننقل لك من كلام العلماء ما يُستأنس به: استيلاء الكفار على أموال المسلمين؛ قال جمهور الفقهاء ومنهم الحنفية: يملك الكفار أموال المسلمين أو الذميين في دار الإسلام بالقهر والغلبة، إلا أن الحنفية قالوا: لا يثبت تملكهم لأموالنا إلا بالإحراز في دار الحرب، وقال الشافعية: لا يملك الكافر مال المسلم أو الذمي بطريق الغنيمة. واستدل الشافعية بحديث عمران بن حصين قال: أغار المشركون على سرح المدينة وأخذوا العضباء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وامرأة من المسلمين، فلما كانت ذات ليلة قامت المرأة وقد ناموا، فجعلت لا تضع يدها على بعير إلا أرغى حتى أتت العضباء، فأتت ناقة ذلولاً فركبتها ثم توجهت قبل المدينة ونذرت: لئن نجاها الله لتنحرنها، فلما قدمت المدينة عُرفت الناقة، فأتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته المرأة بنذرها، فقال: "بئس ما جزيتها، لا نذر فيما لا يملك ابن آدم، ولا نذر في معصيةٍ". وكذلك يدل ظاهر حديث ابن عمر على مثل هذا، وهو أنه أغار له فرس فأخذها العدو فظهر عليه المسلمون، فردت عليه في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهما حديثان ثابتان. وأما الأثر الذي يدل على ملك الكفار على المسلمين فقوله عليه الصلاة والسلام: "وهل ترك لنا عقيلٌ من منزلٍ" يعني أنه باع دوره التي كانت له بمكة بعد هجرته منها عليه الصلاة والسلام إلى المدينة. واستدلوا بأن العلماء قد أجمعوا على أن لكفار غير ضامنين لأموال المسلمين، فلزم عن ذلك أن الكفار ليسوا بغير مالكين للأموال، فهم مالكون، إذ لو كانوا غير مالكين لضمنوا (1).

_ (1) انظر بداية المجتهد 1/ 397.

خاتمة العرض

خاتمة العرض وبعد، فإن الأصل أن يُدير إمام المسلمين أمر القتال، والأصل في الإمام أن يكون مجتهداً عنده قدرة على إدارة القتال، وهذان الشرطان يحتاجهما عصرنا كثيراً لمستجداته الكثيرة في التقدم العلمي والتقني والإداري وأنواع الأسلحة وتعدد الظروف التي تواجه المقاتل، والفتاوى الكثيرة التي تحتاجها الأحداث اليومية. كل ذلك يحتاج إلى اجتهاد وإلى كفاءة إدارية.

الفصل الأول في فضل الرباط والجهاد في سبيل الله

الفصل الأول في فضل الرباط والجهاد في سبيل الله

- فضل الرباط في سبيل الله

- فضل الرباط في سبيل الله: 4735 - * روى الترمذي عن عثمان بن عفان (رضي الله عنه) قال يوماً على المنبر: إني كنت كتمتكم حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، مخافة - أو قال: كراهية- تفرقكم عني، ثم إني قد بدا لي أن أحدثكموه، ليختار امرؤ لنفسه ما بدا له، سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "رباط يومٍ في سبيل الله خيرٌ من ألف يومٍ فيما سواه من المنازل". 4736 - * روى الترمذي عن محمد بن المنكدر رحمه الله قال: "مر سلمان الفارسي بشرحبيل بن السمط وهو في مرابط له، وقد شق المقام عليه وعلى أكثر أصحابه، فقال لهم سلمان: ألا أحدثكم بحديث سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: بلى، قال: سمعت يقول: "رباط يوم في سبيل الله أفضل - أو قال: خيرٌ - من صيام شهر وقيامه، ومن مات مرابطاً وقي من فتنة القبر وفتانيه، ونما له عمل إلى يوم القيامة". وأخرج مسلم (1) عن سلمان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "رباطُ يوم وليلة خيرٌ من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأُجري عليه رزقه، وأمن الفتان". وفي رواية للنسائي (2) قال: "من رابط يوماً وليلةً في سبيل الله، كان له كأجر صيام شهر وقيامه، ومن مات مرابطاً جرى له مثل ذلك من الأجر، وأجري عليه الرزقُ، وأمن الفتان". 4737 - * روى الطبراني في الكبير عن العرباض بن سارية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

_ 4735 - الترمذي _4/ 189) 23 - كتاب فضائل الجهاد، 26 - باب ما جاء في فضل المرابط. النسائي (6/ 40) 25 - كتاب الجهاد، 39 - فضل الرباط. أخرج المسند منه فقط، وهو حديث حسن، وله شواهد بمعناه. 4736 - الترمذي (4/ 188) 23 - كتاب فضائل الجهاد، 26 - باب ما جاء في فضل المرابط، ولم يذكر "فتانيه". (1) مسلم (3/ 1520) 23 - كتاب الإمارة، 50 - باب فضل الرباط في سبيل الله عز وجل. (2) النسائي (6/ 39) 25 - كتاب الجهاد، 39 - باب الرباط، وإسناده صحيح. (مرابط) المرابط بفتح الباء: موضع الرباط، وهو ملازمة العدو في الجهاد. (فتانيه) فتانا القبر: هما منكر ونكير. 4737 - مجمع الزوائد (5/ 290) وقال الهيثمي رواه الطبراني، بإسنادين رجال أحدهما ثقات.

- فضل الغدوة والروحة في سبيل الله

"كل عملٍ ينقطع عن صاحبه إذا مات إلا المرابط في سبيل الله فنه يُنمى له عمله ويُجرى عليه رزقه إلى يوم القيامة" 4738 - * روى الطبراني في "الكبير" عن واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سن سُنة حسنة فله أجرها ما عُمل بها في حياته وبعد مماته حتى تُترك، ومن سن سنة سيئة فعليه إثمها حتى تُترك، ومن مات مرابطاً في سبيل الله جرى عليه عمل المرابط حتى يُبعث يوم القيامة". 4739 - * روى الطبراني عن أبي الدرداء عن رسول الله قال: "رباطُ شهرٍ خيرٌ من صيام دهرٍ، ومن مات مُرابطاً في سبيل الله أمِنَ من الفزع الأكبر وغُدي عليه برزقه وريحٍ من الجنة ويجري عليه أجر المجاهد حتى يبعثه الله عز وجل". أقول: حيثما كان الإنسان في مكان يتوقى هجوم أعداء الإسلام على أهل الإسلام وكان ينوي القتال في سبيل الله إذا كان الجهاد فرض عين فهو في رباط، ومن تطوع في جيش ينوي قتال أعداء الإسلام أو دفع الشر عن الإسلام وأهله فهو في رباط إن شاء الله تعالى. 4740 - * روى الطبراني في "الأوسط" عن أنس بن مالك قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أجر الرباط فقال: "من رابط يوماً حارساً من وراء المسلمين، كان له أجرُ من خلفَهُ ممنْ صام وصلى". - فضل الغدوة والروحة في سبيل الله: 4741 - * روى الشيخان عن سهل بن سعدٍ (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رباطُ يومٍ في سبيل الله خيرٌ من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكُم من الجنة خيرٌ من الدنيا وما عليها، والروحةُ يروحها العبد في سبيل الله (1)، أو

_ 4738 - الطبراني "الكبير" (22/ 75). مجمع الزوائد (1/ 168) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير، وفيه عبيد الله بن تمام ضعفه البخاري وجماعة. 4739 - مجمع الزوائد (5/ 290) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات، وهو حديث صحيح. 4740 - مجمع الزوائد (5/ 289) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات. 4741 - البخاري (6/ 85) 56 - كتاب الجهاد والسير، 73 - باب فضل رباط يوم في سبيل الله. الترمذي (4/ 188) 23 - كتاب فضل الجهاد، 26 - باب ما جاء في فضل المرابط.

الغدوة، خيرٌ من الدنيا وما عليها". 4742 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لغدوةٌ في سبيل الله، أو روحةٌ، خيرٌ من الدنيا وما فيها". 4743 - * روى أحمد عن سفيان بن وهب الخولاني أنه كان تحت ظل راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حجة الوداع أو أن رجلاً حدثه ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم على كورٍ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل بلغت" فظننا أنه يريدنا فقال: نعم ثم أعاده ثلاث مراتٍ وقال فيما يقول: "روحةٌ في سبيل الله خيرٌ من الدنيا وما عليها، وغزوةٌ في سبيل الله خيرٌ من الدنيا وما عليها، وإن المؤمن على المؤمن عرضه ونفسه حرمةٌ كما حرم هذا اليوم". 4744 - * روى البخاري عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لقابُ قوسٍ في الجنة خيرٌ مما طلعت عليه الشمس أو تغربُ". وقال: "لغدوةٌ أو روحةٌ في سبل الله خيرٌ مما تطلعُ عليه الشمس أو تغرب". وأخرج مسلم (1) ذكر "العدوة والروحة" في حديث، قال: "ولروحةٌ في سبيل الله أو غدوةٌ خيرٌ من الدنيا وما فيها".

_ 4742 - البخاري (6/ 13) 56 - كتاب الجهاد والسير، 5 - باب الغدوة والروحة في سبيل الله ... إلخ. مسلم (3/ 1499) 33 - كتاب الإمارة، 30 - باب فضل الغدوة والروحة في سبيل الله. (لغدوة أو روحة) الغدوة: المرة الواحدة من الذهاب، والروحة: المرة الواحدة من المجيء، يقال: غدا غدوة، وراح روحة. 4743 - أحمد (4/ 168). الطبراني "الكبير" (7/ 71) وهو حديث حسن. مجمع الزوائد (5/ 285) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد ثقات. 4744 - البخاري (6/ 13) 56 - كتاب الجهاد والسير، 5 - باب الغدوة والروحة في سبيل الله ... إلخ. (1) مسلم (3/ 1500) 33 - كتاب الإمارة، 30 - باب فضل الغدوة والروحة في سبيل الله.

- أجر من قاتل في سبيل الله ولو زمنا يسيرا

4745 - * روى الترمذي عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "غدوةٌ في سبيل الله أو روحةٌ، خيرٌ من الدنيا وما فيها، ولقاب قوس أحدكم؛ أو موضع قده في الجنة، خيرٌ من الدنيا وما فيها، ولو أن امرأةً من نساء أهل الجنة اطلعتْ إلى أهل الأرض لأضاءت الدنيا، ولملأت ما بينهما ريحاً، ولنصيفها - يعني خمارها - خيرٌ من الدنيا وما فيها". 4746 - * روى مسلم عن أبي أيوب (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "غدوةٌ في سبيل الله، أو روحةٌ، خيرٌ مما طلعت عليه الشمس وغربت". - أجر من قاتل في سبيل الله ولو زمناً يسيراً: 4747 - * روى الترمذي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: مر رجلٌ من أصحاب رسول الله صلى الله لعيه وسلم بشعب، فيه عيينةٌ من ماء عذب، فأعجبته لطيبها فقال: لو أقمت في هذا المكان أعبد الله، وأعزل شري عن الناس؟ سأستأذن في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تفعل فإن مقام أحدكم في سبيل الله ساعة، أفضل من صلاته في بيته سبعين عاماً، ألا تحبون أن يغفر الله لكم فيدخلكم الجنة؟ قالوا: بلى، قال: فاغزوا في سبيل الله، فإنه من قاتل في سبيل الله فُواق ناقة، لتكون كلمةُ الله هي العليا، وجبت له الجنةُ، والغدوة في سبيل الله، أو الروحةُ، خيرٌ من الدنيا وما فيها - أو قال: خيرٌ مما طلعتْ عليه الشمس". 4748 - * (1) روى أبو داود عن معاذ بن جبلٍ (رضي الله عنه) أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ 4745 - الترمذي (4/ 182) 23 - كتاب فضائل الجهاد، 17 - باب ما جاء في فضل الغدو والرواح في سبيل الله. وقال هذا حديث صحيح. (قِده) القِدُّ: السوطُ، والمعنى: لقدرُ قوس أحدكم، والموضع الذي يسع سوطه من الجنة خير من الدنيا وما فيها. 4746 - مسلم (3/ 1500) 33 - كتاب الإمارة، 30 - باب فضل الغدوة والروحة في سبيل الله. النسائي (6/ 15) 25 - كتاب الجهاد، 12 - فضل الروحة في سبيل الله عز وجل. 4747 - الترمذي (4/ 181) 23 - كتاب فضائل الجهاد، 17 - باب ما جاء في فضل الغدو والرواح في سبيل الله، إلى قوله: "وجبت له الجنة" وليس في روايته ذكر "ساعة" ولا "لتكون كلمة الله هي العليا" وإسناده حسن. (فواق ناقة) فُواق الناقة: قدرُ الزمان الذي تحلب فيه. 4748 - أبو داود (3/ 21) كتاب الجهاد، 42 - باب فيمن سأل الله تعالى الشهادة.

- الخارج في سبيل الله ضامن على الله

يقول: "من قاتل في سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة، ومن سأل الله القتل في سبيل الله صادقاً من نفسه، ثم مات أو قُتل، كان له أجر شهيد، ومن جُرح جرحاً في سبيل الله، أو نكب نكبة، فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت، لونها لون الزعفران، وريحها ريح المسك، ومن خرج به خُراجٌ في سبيل الله، فإن عليه طابع الشهداء". - الخارج في سبيل الله ضامن على الله: 4749 - * روى مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تضمن الله لمن خرج في سبيله - لا يخرجه إلا جهاداً في سبيلي، وإيماناً بي، وتصديقاً برسلي- فهو علي ضامن أن أدخله الجنة، أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه، نائلاً ما نال من أجرٍ أو غنيمة، والذي نفسُ محمدٍ بيده، ما من كلمٍ يكلم ي سبيل الله، إلا جاء يوم القيامة كهيئته حين كُلم، لونه لونُ دمٍ، وريحه ريحُ مسكٍ، والذي نفسُ محمد بيده، لولا أنْ يشُقَّ على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبداً، ولكن لا أجدُ سعةً فأحملهُم، ولا يجدون سعةً، ويشقُّ عليهم أنْ يتخلفوا عني، والذي نفس محمدٍ بيده، لوددتُ أن أغزو في سبيل الله، فأقتل، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل". وأخرج البخاري (1) الفصل الأول، قال: "تكفل الله لمن جاهد في سبيله - لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيل الله وتصديقٌ بكلماته - أن يدخله الجنة، أو يرده إلى مسكنه بما نال من أجرٍ أو غنيمةٍ". وله في أخرى (2) قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مثلُ المجاهد في سبيل

_ = النسائي (6/ 25) 25 - كتاب الجهاد، 25 - ثواب من قاتل في سبيل الله فواق ناقة. الترمذي (4/ 185) 23 - كتاب فضائل الجهاد، 21 - باب ما جاء فيمن يُكلمُ في سبيل الله. وقال الترمذي: هذا حديث صحيح، وهو كما قال. 4749 - مسلم (3/ 1495) 23 - كتاب الإمارة، 28 - باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله. (1) البخاري (6/ 220) 57 - كتاب فرض الخمس، 8 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "أحلت لكم الغنائم". (2) البخاري (6/ 6) 56 - كتاب الجهاد والسير، 2 - باب أفضلُ الناس مؤمن مجاهد بنفسه وماله في سبيل الله.

الله. والله أعلم بمن يُجاهد في سبيله - كمثل الصائم القائم، وتوكل الله للمجاهد في سبيله بأن يتوفاه: أن يدخله الجنة، أو يرجعه سالماً مع أجرٍ أو غنيمةٍ". وله في أخرى (1) "تضمن الله لمن خرج في سبيله - وذكر مع الفصل الذي أوله: لولا أن أشق على المسلمين ما تخلفت خلاف سرية- بنحو ما تقدم". وفي رواية (2) لهما قال: "انتدب الله لمن خرج في سبيله - لا يخرجه إلا جهادٌ في سبيلي، وإيمانٌ بي، وتصديقٌ برسولي - فهو على ضامن أن أدخله الجنة، أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه، نائلاً ما نال من أجر أو غنيمة". وفي رواية الموطأ (3) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تكفل الله لمن جاهد في سبيله" وذكر رواية البخاري الأولى. وفي أخرى (4) له قال: "انتدب الله لمن يخرجُ في سبيله - لا يخرجه إلا الإيمان بي، والجهادُ في سبيلي - أنه ضامنٌ حتى أدخله الجنة، بأيها كان، إما بقتلٍ، أو وفاةٍ، أو أردهُ إلى مسكنه الذي يخرج منه، نال ما نال من أجرٍ أو غنيمةٍ". 4750 - * روى الترمذي عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني يقول الله-: "المجاهد في سبيلي هو على ضمانٌ إن قبضته أورثته الجنة، وإن رجعته رجعتُه بأجرٍ أو غنيمةٍ". 4751 - * روى النسائي عن - عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) عن النبي صلى الله عليه وسلم - فيما

_ (1) مسلم (3/ 1495) 33 - كتاب الإمارة، 28 - باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله. (2) مسلم (3/ 1495) 33 - كتاب الإمارة، 28 - باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله. (3) الموطأ (2/ 443) 21 - كتاب الجهاد، 1 - باب الترغيب في الجهاد. (4) البخاري (1/ 92) 2 - كتاب الإيمان، 26 - باب الجهاد من الإيمان. قوله: (جهاداً وإيماناً وتصديقاً): منصوبات على أنها مفعول به وتقديره: لا يخرجه المخرج ويحركه المحرك إلا للجهاد والإيمان والتصديق ومعناه: لا يخرجه إلا محض الإيمان والإخلاص لله تعالى. صحيح مسلم ص 1495. (خلاف سرية): أي التخلف عنها والعقود. (انتدب): بمعنى أجاب، وقد جاء في الحديث بألفاظ متقاربة في المعنى قال: انتدب الله وتضمن وتكفل. 4750 - الترمذي (4/ 164) 23 - كتاب فضائل الجهاد، 1 - باب ما جاء في فضل الجهاد وهو حديث صحيح. 4751 - النسائي (6/ 18) 25 - كتاب الجهاد، 15 - باب ثواب السرية التي تخفق، وهو حديث حسن.

يحكي عن ربه- قال: "أيما عبد من عبادي خرج مجاهداً في سبيل الله، ابتغاء مرضاتي، ضمنت له، إن رجعته أرجعهُ بما أصاب من أجر أو غنيمةٍ، وإن قبضته غفرت له ورحمته". 4752 - * روى أبو داود عن أبي أسامة الباهلي (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة كلهم ضامنٌ على الله: رجلٌ خرج غازياً في سبيل الله، فهو ضامن على الله عز وجل، حتى يتوفاه الله، فيدخله الجنة، أو يرده بما نال من أجر أو غنيمة، ورجل راح إلى المسجد، فو ضامنٌ على الله عز وجل، حتى يتوفاه الله فيدخله الجنة، ورجلٌ دخل بيته بسلامٍ، فهو ضامنٌ على الله عز وجل". 4753 - * روى أحمد عن حُميد بن هلال كان رجلٌ من الطفاوة طريقه علينا، يأتي على الحي فيحدثهم قال: أتيتُ المدينة في عيرٍ لنا، فبعنا بضاعتنا ثم قلت لأنطلقن إلى هذا الرجل فلآتين من بعدي بخبره، فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يُريني بيتاً قال: إن امرأة كانت فيه فخرجت في سريةٍ من المسلمين وتركت ثنتي عشرة عنزة وصيصتها التي تنسجُ بها، قال: ففقدت عنزاً من غنمها وصيصتها قالت يا رب قد ضمنت لمن خرج في سبيلك أن تحفظ عليه وإني قد فقدت نزاً من غنمي وصيصتي وإني أنشدك عنزي وصيصتي قال فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر له شدة مناشدتها لربها تبارك وتعالى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأصبحت غنزُها ومثلُها وصيصتها ومثلها، وهاتيك، فائتها فاسألها، إن شئت قال قلت: بل أُصدقُكَ" (1).

_ 4752 - أبو داود (3/ 7) كتبا الجهاد، 10 - باب فضل الغدو في البحر، وإسناده صحيح. (ضامن على الله) ضامن فاعل بمعنى مفعول، كقوله تعالى: (عيشة راضية) [القارعة: 7] أي: مرضية، المعنى: مضمون على الله، وقوله: "كلهم" أي: كل منهم. (دخل بيته بسلام) إذا دخل بيته يسلم، أو أراد به لزوم البيت وطلب السلامة من الفتن، يرغبه في العزلة والإقلال من الخلطة. 4753 - أحمد (5/ 67) ورجاله رجال الصحيح. مجمع الزوائد (5/ 277) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. الصيصة: الصنارة التي يغزل بها وينسج.

- تمني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل ثم يحي ثلاثا لما للشهادة من أجر

- تمني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُقتل ثم يحي ثلاثاً لما للشهادة من أجر: 4754 - * روى البخاري عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن أشُق على أمتي ما تخلفتُ عن سريةٍ، ولكن لا أجد حمولةً، ولا أجدُ ما أحملهم عليه، ويشقُّ عليَّ أن يتخلفوا عني، ولوددت أني قاتلت في سبيل الله فقتلت، ثم أحييت ثم قتلت، ثم أحييتُ". وللبخاري (1) قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "والذي نفسي بيده، لولا أن رجالاً من المؤمنين لا تطيبُ أنفسهم بأن يتخلفوا عني، ولا أجدُ ما أحملهم عليه، ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله، ولوددت أني أقتلُ في سبيل الله، ثم أحيا، ثم أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتلُ". وله في أخرى (2) قال: "والذي نفسي بيده، لوددتُ أني أقاتلُ في سبيل الله، فأقتلُ، ثم أحيا، ثم أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل "فكان أبو هريرة يقولهن ثلاثاً "أشهدُ بالله". ولمسلم (3) أيضاً قال: "والذي نفس محمدٍ بيده لولا أن أشق على المؤمنين ما قعدتُ خلف سريةٍ تغز في سبيل الله، ولكن لا أجد سعةً فأحملهم، لوا يجدون سعة، ولا تطيب أنفسهم أن يقعدوا بعدي". 4755 - * روى البخاري عن المغيرة بن شعبة (رضي الله عنه) قال: أخبرنا نبينا عن رسالة ربنا "أنه من قتل منا صار إلى الجنة، في نعيم لم ير مثله قط، ومن بقي منا ملك رقابكم".

_ 4754 - البخاري (6/ 124) 56 - كتاب الجهاد، 119 - باب الجعائل والحملان في سبيل الله. (1) البخاري (6/ 16) 56 - كتاب الجهاد، 7 - باب تمني الشهادة. (2) البخاري (13/ 217) 94 - كتاب التمني، 1 - باب ما جاء في التمني، ومن تمنى الشهادة. (3) مسلم (3/ 1497) 33 - كتاب الإمارة، 28 - باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله. الحمولة: التي يحمل عليها كالركوبة التي تركب. 4755 - البخاري (6/ 258) 58 - كتاب الجزية والموادعة، 1 - باب الجزية والموادعة، مع أهل الذمة والحرب، وهو جزء من حديث.

- ما جاء فيمن جرح أو كلم في سبيل الله

4756 - * روى الطبراني عن ابن عمر أنعمر قال يوم أحُدٍ لأخيه: خذْ درعي يا أخي، قال: أريد من الشهادة مثل الذي تريد. فتركاها جميعاً". - ما جاء فيمن جرح أو كُلِمَ في سبيل الله: 4757 - * روى البخاري عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مكلومٍ يُكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة، وكلمهُ يدمى، اللونُ لون دمٍ، والريح ريح مسكٍ". وفي رواية (1) قال: "كل كَلْمٍ يُكلمه المسلم في سبيل الله يكون يوم القيامة كهيئتها إذا طُعنتْ، تفجرُ دماً، اللونُ لونُ دمٍ، والعرفُ عرفُ المسك". وفي أخرى قال (2): "والذي نفسي بيده لا يكلم أحدٌ في سبيل الله- والله أعلمُ بمن يكلمُ في سبيله - إلا جاء يوم القيامة واللون لونُ دمٍ، والريحُ ريحُ المسك". وفي رواية لمسلم (3) قال: "لا يكلمُ أحدٌ في سبيل الله - والله أعلم بمن يُكلمُ في سبيل - إلا جاء يوم القيامة وجرحُه يثعب، اللونُ لون الدم، والريح ريحُ المسك". 4758 - * روى النسائي عن عبد الله بن ثعلبة (رضي الله عنه) قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: زمِّلوهُم بدمائهم، فإنه ليس يكلم أحدٌ في سبيل الله إلا أتى يوم القيامة جُرحه يدمى، لونه لونُ الدم، وريحه ريحُ المسك".

_ 4756 - مجمع الزوائد (5/ 298) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. 4757 - البخاري (9/ 660) 72 - كتاب الذبائح والصيد، 31 - باب المسك. (1) البخاري (1/ 344) 4 - كتاب الوضوء، 67 - باب ما يقع من النجاسات في السَّمن والماء. (2) البخاري (6/ 20) 56 - كتاب الجهاد، 10 - باب من يخرج في سبيل الله عز وجل. (3) مسلم (3/ 1496) 33 - كتاب الإمارة، 28 - باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله. (مكلوم) الكلم: الجرح، والمكلوم: المجروح. (يثعب): يجري. 47580 النسائي (6/ 29) 25 - كتاب الجهاد، 27 - باب من كُلم في سبيل الله عز وجل. وإسناده صحيح. (زملوه) زمَّلتهُ في ثوب: إذا لفقته فيه، وكذلك إذا تدثر به.

- مثل المجاهد في سبيل الله كالصائم القانت

- مثل المجاهد في سبيل الله كالصائم القانت: 4759 - * روى مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قيل: يا رسول الله، ما يعدِلُ الجهاد في سبيل الله؟ قال: "لا تستطيعونه"، فأعادوا عليه مرتين، أو ثلاثاً كل ذلك يقول: "لا تستطيعونه"، ثم قال: "مثل المجاهدِ في سبيل الله، كمثل الصائم القانت بآيات الله، لا يفتر من صيامٍ ولا صلاةٍ حتى يرجع المجاهدُ في سبيل الله". وفي رواية الموطأ (1): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مثلُ المجاهد في سبيل الله، كمثل الصائم القائم الدائم الذي لا يفتر من صلاة ولا صيامٍ حتى يرجع". وفي رواية النسائي (2) قال: "سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مثل المجاهد في سبيل الله - والله أعلم بمن يُجاهد في سبيله - كمثل الصائم القائم الخاشع الراكع الساجد". وفي رواية البخاري والنسائي (3): أن رجلاً قال: "يا رسول الله، دُلني على عمل يعدل الجهاد، قال: لا أجده، ثم قال: هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك، فتقوم ولا تفتر، وتصوم ولا تفطر؟ فقال: من يستطيع ذلك؟ فقال أبو هريرة: فإن فرس المجاهد ليستنُّ يمرحُ في طوله، فيكتب له حسناتٍ". - بيان أي الجهاد أفضل وأي الناس أفضل: 4760 - * روى النسائي عن طارق بن شهابٍ رضي الله عنه أن رجلاً، سأل النبي

_ 4759 - مسلم (3/ 1498) 33 - كتاب الإمارة، 29 - باب فضل الشهادة في سبيل الله تعالى. الترمذي (4/ 164) 23 - كتاب فضائل الجهاد، 1 - باب ما جاء في فضل الجهاد. (1) الموطأ (2/ 443) 21 - كتاب الجهاد، 1 - باب الترغيب في الجهاد. (2) النسائي (6/ 18) 25 - كتاب الجهاد، 16 - مثل المجاهد في سبيل الله عز وجل. (3) البخاري (6/ 4) 56 - كتاب الجهاد، 1 - ما يعدل الجهاد في سبيل الله. (ليستنُّ) استن الفرس: إذا عدا. (الطِوَل): الحبل الذي يشد في الدابة ويُمسك رأسه لترعى. 4760 - النسائي (7/ 161) 39 - كتاب البيعة، 27 - باب فضل من تكلم بالحق عند إمام جائر، رجاله ثقات، قال المنذري: إسناده حسن. =

صلى الله عليه وسلم، وقد وضع رجْلَهُ في الغرز: أي الجهاد أفضل؟ قال: "كلمة حق عند سلطان جائر". 4761 - * روى البخاري عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال: أتى رجلٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "أيُّ الناس أفضلُ؟ قال: مؤمن يُجاهد بنفسه وماله في سبيل الله، قال ثم من؟ قال: ثم رجلٌ في شعبٍ من الشعاب يعبد الله - وفي رواية: يتقي الله - ويدعُ الناس من شره". وفي رواية أبي داود (1): "أي المؤمنين أكمل؟ قال: رجلٌ يجاهدُ في سبيل الله بنفسه وماله، ورجلٌ يعبدُ الله في شعبٍ من الشعاب، قد كفى الناس شرهُ". 4762 - * روى أبو يعلي عن جبارٍ يبلغ به قال: "أفضل الجهاد من عُقر جواده وأهريق دمه". ورواه الطبراني في الوسط وله في المعجم الصغير، عن جابر قال: قيل يا رسول الله أي الإسلام أفضل؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه يده" قيل: فأي الهجرة أفضل؟ قال: "أن تهجر ما كره ربك عز وجل" قيل: فأيُّ الجهاد أفضلُ؟ قال: "من عُقِرَ جواده وأهريق دمه". 4763 - *روى أحمد عن أبي هريرة أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: "الإيمان بالله والجهاد في سبيل الله" قال: فإن لم أستطع ذلك؟ قال: تُعين صانعاً أو تصنعُ لأخرق" قال: فإن لم أستطع ذلك؟ قال: احبس نفسك عن الشر فإنها صدقة تصدقُ بها عن نفسك".

_ = (الغرز) ركابُ رحل البعير من جلدٍ، فإذا كان من خشب أو حديد، فهو ركاب - كذا ذكره الجوهري. 4761 - البخاري (6/ 6) 56 - كتاب الجهاد، 2 - باب أفضل الناس مؤمن مجاهد بنفسه وماله في سبيل الله. مسلم (3/ 1503) 33 - كتاب الإمارة، 34 - باب فضل الجهاد والرباط. الترمذي (4/ 186) 23 - كتاب فضائل الجهاد، 24 - باب ما جاء أي الناس أفضل. (1) أبو داود (3/ 5) كتاب الجهاد، 5 - باب في ثواب الجهاد. 4762 - أبو يعلي (4/ 62) ورجاله رجال الصحيح. أحمد (3/ 346). 4763 - أحمد (5/ 171). مجمع الزوائد (4/ 241) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات.

4764 - * روى الطبراني في الكبير عن الشِّفاء قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله رجلٌ: أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: "إيمانٌ بالله وجهادٌ في سبيله وحجٌّ مبرورٌ". 4765 - *روى الطبراني عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات يومٍ فسار على راحلته، وأصحابُه معه لم يتقدمْ منهم أحد بين يديه، فقال معاذ بن جبل: يا رسول الله أسأل الله أن يجعل يومنا قبل يومك، أرأيت إن كان شيءٌ، ولا يُرينا الله ذلك، أيُّ الأعمال نعملها بعدك. فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم - السائل عبادة* - قال- أي معاذ: الجهادُ في سبيل الله، قلت- القائل عبادة*-: بأبي أنت وأمي يا رسول الله قال- القائل النبي صلى الله عليه وسلم-: "نِعْمَ الشيءُ الجهاد في سبيل الله، وعاد بالناس أملكُ من ذلك"، قال: "الصيام والصدقة؟ قال: "نِعم الشيء الصيام والصدقة وعاد بالناس أملك من ذلك" فذكر معاذ كل خيرٍ يعلمه، كل ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "وعاد بالناس أملك من ذلك"، قال يا رسول الله عاد بالناس أملك من ذلك؟ فأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فيهِ قال: الصمتُ إلا من خيرٍ، قال: وهل نؤاخذُ بما تكلمتْ ألسنتنا؟ فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذ معاذٍ ثم قال: ثكلتك أمك وما شاء الله أن يقول، وهل يكُبُّ الناس على مناخرهم في جهنم إلا ما نطقت به ألسنتهم، فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت عن شرٍّ، قولوا خيراً تغنموا واسكتوا عن شر تسلموا". 4766 - * (1) روى أحمد عن معاذ ولفظه: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك فلما

_ 4764 - الطبراني (24/ 314). مجمع الزوائد (3/ 207) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات. 4765 - مجمع الزوائد (10/ 299) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه المسعودي وقد اختلط. * عبارات أثبتناها للتوضيح وليست نصاً في الرواية. قوله (عاد بالناس): عاد هنا بمعنى صار. قوله (وأملك من ذلك) يقال ملاك الشيء: قوامه ونظامه وما يعتمد عليه فيه ويريد هنا بيان ما هو الشيء العظيم الذي يعدل ذلك، والله أعلم، والمعنى: صار بالناس ما هو أملك من ذلك. 4766 - أحمد (5/ 237). مجمع الزوائد (5/ 273) قال الهيثمي: رواه أحمد والبزار والطبراني باختصار وفيه شهر بن حوشب وهو ضعيف وقد يحسن حديثه. وساق نحواً مما ورد الحديث، وأخرجه الطبراني بنحو ألفاظ احمد في المعجم 20 رقم 115، 122، 137، 141، 304 وغيرها والحديث صحيح بطرقه.

- بيان فضل رجل ممسك بعنان فرسه

رأيته خَليا قلت يا رسول الله: أخبرني بعمل يدخلني الجنة قال: "بخ، لقد سألت عن عظيم وهو يسير على من يسره الله عليه، تقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة، وتلقى الله عز وجل لا تشرك به شيئاً. أولا أدلك على رأس الأمر وعموده وذروة سنامه: أي رأس الأمر فالإسلام وأما عموده فالصلاة، وأما ذروة سنامه فالجهاد". - بيان فضل رجل ممسك بعنان فرسه: 4767 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الا أخبركم بخير الناس؟ رجلٌ ممسكٌ بعنانٍ فرسه في سبيل الله، ألا أخبركم بالذي يتلوه؟ رجلٌ معتزلٌ في غُنيمةٍ له يؤدي حق الله فيها، ألا أخبركم بشرِّ الناس؟ رجلٌ يسأل بالله ولا يعطي به". وأخرج الموطأ (1) عن عطاء بن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم، مُرسلاً، قال: "ألا أخبركم بخير الناس منزلاً؟ رجلٌ آخذٌ بعنان فرسه يُجاهد في سبيل الله، ألا أخبركم بخير الناس منزلةً بعدهُ؟ رجلٌ معتزلٌ في غُنيمة يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويعبد الله لا يشرك به شيئاً. وفي رواية (2) النسائي: "ألا أخبركم بخير الناس منزلاً؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: رجلٌ آخذٌ برأٍ فرسه في سبيل الله، حتى يموت أو يُقتل، وأخبركم بالذي يليه؟ قلنا: نعم يا رسول الله، قال: رجلٌ معتزل في شعبٍ من الشعاب، يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويعتزل شر الناس، وأخبركم بشر الناس؟ قلنا: نعم يا رسول الله، قال: الذي يسألُ بالله ولا يُعطي به".

_ 4767 - الترمذي (4/ 182) 23 - كتاب فضائل الجهاد، 18 - باب ما جاء أيُّ الناس خيرٌ. (1) الموطأ (2/ 445) 21 - كتاب الجهاد، 1 - باب الترغيب في الجهاد. (2) النسائي (5/ 84) 23 - كتاب الزكاة، 74 - باب من يسأل بالله عز وجل ولا يعطي به وهو حديث حسن، وقال الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجه قال: ويروي هذا الحديث من غير وجه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم.

4768 - *روى مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مِنْ خيرِ معاشِ الناس لهم: رجلٌ ممسك بعنان فرسه في سبيل الله، يطيرُ على متنه، كلما سمع هيعةً، أو فزعةً، طار على متنه يبتغي القتل أو الموت مظانهُ، أو رجل في غُنيمة في شعفةٍ من هذه الشعاف، أو بطن وادٍ من هذه الأودية، يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة، ويعبدُ ربه حتى يأتيه اليقين، ليس من الناس إلا في خيرٍ". 4769 - * روى البخاري عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تعس عبدُ الدينار، وعبد الدرهم، والقطيفة، والخميصة، إن أُعطي رضي، وإن لم يعط لم يرض"، قال البخاري: وزاد عمرو ابن مرزُقِ عن عبد الرحمن بن دينار عن أبيه عن أبي صالحٍ عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه سلم قال: "تعسَ عبد الدينار، عبد الدرهم، وعبد الخميصة، إن أُعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتُقش، طُوبى لعبدٍ آخذٍ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مغبرةٌ قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإنْ شفع لم يُشفعْ" (1).

_ 4768 - مسلم (3/ 1503) 33 - كتاب الإمارة، 34 - باب فضل الجهاد والرباط. (يطير على متنه) متن الفرس أراد به: ظهره: والمراد بالطيران عليه: إجراؤه في سبيل الله. (الهيعة): كلُّ ما أفزعك من صوت وخبرٍ يجيئك من جانب العدو. (مظانة) مظنةُ الشيء: موضعه الذي يعرف به، ويُطلب منه، والجمع مظان. (الشعفة) بتحريك العين: رأس الجبل، والجمع: شعف. (يأتي اليقين) اليقين هانا: الموت، لأنه مستيقن المجيء. 4769 - البخاري (6/ 80) 56 - كتاب الجهاد، 70 - باب الحراسة في الغدو في سبيل الله. (تعس): دعا عليه بالهلاك، وهو الوقع على الوجه من العثار. (القطيفة): كساء له خمل. (والخميصة): ثياب خز أو صوف معلمة. (الانتكاس): الانقلاب على الرأس، وفي الأمر، وهذا دعاءٌ عليه أيضاً بالخيبة، لأن من انتكس في أمره، فقد خاب وخسر. (وإذا شيك) شاكته الشوكة: إذا دخلت في جسمه، وشيك: فعل لم يسمِّ فاعله. (فلا انتقش) الانتقاش: إخراج الشوكة من الجسم، نقشته أنا وانتقش هو.

- لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم

- لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم: 4770 - * روى الترمذي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يلجُ النار رجلٌ بكى من خشية الله، حتى يعودَ اللبنُ في الضَّرع ولا يجتمعُ على عبدٍ غبارٌ في سبيل الله ودُخانُ جهنم". وزاد النسائي (1) في أخرى "في منخريْ مسلم أبداً". وللنسائي أيضاً (2) قال: "لا يجتمعُ غبارٌ في سبيل الله ودُخانُ جهنم في جوفِ عبدٍ أبداً، ولا يجتمعُ الشُّحُ والإيمانُ في قلبِ عبدٍ أبداً" وفي أخرى (3) "في قلبِ مسلمٍ". 4771 - * روى أحمد عن عائشة أن مكاتباً لها دخل عليها ببقيةٍ مكاتبته فقالت له ما أنت بداخلٍ على غير مرتك هذه، فعليك بالجهاد في سبيل الله فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قول: "ما خالط قلب امرئٍ مسلم رهجٌ في سبيل الله إلا حرم الله عليه النار". 4772 - * روى النسائي عن سبرة بن أبي فاكه (رضي الله عنه) قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرُقهِ، قعد في طريق الإسلام فقال:

_ 4770 - الترمذي (4/ 555) 37 - كتاب الزهد، 8 - باب ما جاء في فضل البكاء من خشية الله، وهو حديث حسن صحيح. (1) النسائي (6/ 14) 25 - كتاب الجهاد، 8 - باب فضل من عمل في سبيل الله على قدمه. (2) النسائي (6/ 13) 25 - كتاب الجهاد، 8 - باب فضل من عمل في سبيل الله على قدمه. (3) النسائي (6/ 14) 25 - كتاب الجهاد، 8 - باب فضل من عمل في سبيل الله على قدمه. 4771 - أحمد (6/ 85). مجمع الزوائد (5/ 275) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الأوسط ورجال أحمد ثقات. (رهج) الرهج: الغبار والشغبِ. 4772 - النسائي (6/ 21) 25 - كتاب الجهاد، 19 - باب ما لمن أسلم وهاجر وجاهد وإسناده حسن قال الحافظ في "الإصابة": إسناده حسن، إلا أن في إسناده اختلافاً، وصححه ابن حبان. (إن الشيطان قعد) قد جاء في لفظ الحديث، قال: "قعد الشيطان لابن آدم بأطرُقِه" يريد جمع طريق، جمعها جمع المؤنث. فإن الطريق يذكر ويؤنث، تقول: الطريق الأعظم، والطريق العظمى. =

تُسلمُ وتذرُ دينك ودين آبائك وآباء آبائك؟ فعصاه وأسلم، وقعد له بطريق الهجرة، فقال: تهاجر، وتذرُ أرضك وسماءك؟ وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول، فعصاه فهاجر، ثم قعد له بطريق الجهاد، فقال: تُجاهد؟ فهو جهدُ النفس والمال، فتقاتل فتقتلُ، فتنكح المرأة ويقسم المال؟ فعصاه فجاهد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن فعل ذلك كان حقاً على الله أنْ يدخلَهُ الجنة، وإن غرق كان حقاً على الله أن يدخلهُ الجنة، أو وقصته دابته كان حقاً على الله أنْ يدخله الجنةَ". 4773 - * روى النسائي عن فُضالة بن عبيدٍ (رضي الله عنه) قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أنا زعيمٌ والزعيم الحميلُ - لمن آمن بي وأسلم وهاجر ببيتٍ في ربضِ الجنة، وببيتٍ في وسط الجنة، وأنا زعيمٌ لمن آمن بي وجاهد في سبيل الله ببيتٍ في ربض الجنةِ، وبيتٍ في وسط الجنة، وبيتٍ في أعلى غُرفِ الجنة، من فعلَ ذلك، لم يدعْ للخير مطلباً، ولا من الشرِّ مهرباً، يموتُ حيث شاء أنْ يموتَ". 4774 - * روى البخاري عن أبي عبس (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما اغبرتْ قدما عبدٍ في سبيل الله، فتمسَّهُ النارُ". 4775 - * روى الترمذي عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنه) قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "عينان لا تمسهما النارُ: عينٌ بكتْ من خشية الله، وعينٌ باتتْ تحرُسُ في سبيل الله" (1).

_ = (الطوَل) الحبل. 4773 - النسائي (6 م 21) 25 - كتاب الجهاد، 19 - باب ما لمن أسلم وهجر وجاهد، إسناده حسن. (زعيم) الزعيم: الكفيل، وكذلك الحميل. (ربض الجنة): أدناها، وبضُ المدينة: ما حولها. 4774 - البخاري (6/ 29) 56 - كتاب الجهاد، 16 - باب من اغبرت قدماه في سبيل الله. 4775 - الترمذي (4/ 175) 23 - كتاب فضائل الجهاد، 12 - باب ما جاء في فضل الحرس في سبيل الله وهو حديث صحيح بشواهده.

- بيان أنه لا يجتمع كافر وقاتله في النار

4776 - * روى أبو يعلي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "عينان لا تمسهما النار أبداً: عين باتت ثكلى في سبيل الله، وعينٌ بكت من خشية الله". 4777 - * روى أحمد عن أبي ريحانة قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فأتينا ذات يومٍ على شرفٍ فبتنا عليه فأصابنا بردٌ شديدٌ حتى رأيتُ من يحفرُ في الأرض حفرة يدخل فيها ويُلقي عليه الجحفة- يعني التُّرْسَ - فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من الناس قال: "من يحرسنا الليلة وأدعو الله له بدعاءٍ يكون فيه فضلاً؟ " فقال رجلٌ من الأنصار: أنا يا رسول الله، قال: "ادنُهْ"، فدنا فقال: "من أنت؟ " فتسمى له الأنصاري ففتح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعاء فأكثر منه، قال أبو ريحانة فلما سمعت ما دعا به رسول الله صلى الله علي وسلم قلت: أنا رجلٌ آخر فقال "ادنهُ" فدنوت فقال: "من أنت؟ " فقلت أبو ريحانة فدعا لي بدعاء هو دون ما دعا للأنصاريِّ، ثم قال: "حُرمت النارُ على عين دمعتْ أو بكت من خشية الله، وحُرِّمت النارُ على عينٍ سهرت في سبيل الله" وقال: حُرمت النارُ على عينٍ أخرى ثالثةٍ لم يسمعها محمد بن سميرٍ. - بيان أنه لا يجتمع كافر وقاتله في النار: 4778 - * روى مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اثنان لايجتمعان في النار اجتماعاً يضر أحدهما الآخر، قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: مؤمنٌ قتل كافراً، ثم سدد". وفي رواية (1) "لا يجتمع كافر وقاتله في النار أبداً".

_ 4776 - أبو يعلي (7/ 307). مجمع الزوائد (5/ 288) كتاب الجهاد، باب الحرس في سبيل الله. قال الهيثمي: رواه أبو يعلي والطبراني في الأوسط بنحوه إلا أنه قال لا يريان النار، ورجال أبي يعلي ثقات. 4777 - أحمد (4/ 134). مجمع الزوائد (5/ 287) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط ورجال أحمد ثقات. 4778 - مسلم (3/ 1505) 33 - كتاب الإمارة، 36 - باب من قتل كافراً ثم سدد. (1) أبو داود (3/ 7) كتاب الجهاد، 11 - باب في فضل من قتل كافراً.

- الجهاد في سبيل الله يرفع صاحبه في الجنة مائة درجة

وفي رواية النسائي (1) قال: "لا يجتمعان في النار: مسلمٌ قتل كافراً، ثم سدد وقارب، ولا يجتمعان في جوف مؤمن: غبارٌ في سبيل الله، وفيحُ جهنم، ولا يجتمعان في قلب عبدٍ: الإيمانُ والحسدُ". أقول: كون الحسد الإيمان لا يجتمعان في قلب واحد، فهذا يدل على فظاعة الحسد، فهو مرض من أمراض النفس التي يجب أن يطهر الإنسان نفسه منها هي وبقية أمراض القلوب. - الجهاد في سبيل الله يرفع صاحبه في الجنة مائة درجة: 4779 - * روى مسلم عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً، وجبت له الجنة" فعجب لها أبو سعيد، فقال: أعدها عليَّ يا رسول الله، فأعادها عليه، ثم قال: "وأخرى يرفعُ الله بها العبد مائة درجةٍ في الجنةِ، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض". قال: وما هي يا رسول الله؟ قال: "الجهادُ في سبيل الله، الجهادُ في سبيل الله". 4780 - * روى البخاري عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من آمن بالله ورسوله، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، وصام رمضان، وحجَّ: كان حقاً على الله أن يُدخله الجنة، جاهد في سبيل الله، أو جلس في أرضه التي وُلد فيها، فقالوا: أولا نُبشر الناس بقولك؟ فقال: إن في الجنة مائة درجةٍ، أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فنه أوسطُ الجنة وأعلى الجنةِ، وفوقَهُ عرشُ الرحمن، ومنهُ تفجرُ أنهارُ الجنةِ".

_ (1) النسائي (6/ 12) 25 - كتاب الجهاد، 8 - باب فضل من عمل في سبيل الله على قدمه. (سدد): إذا فعل السداد وقاله، والمراد به: الإيمان. 4779 - مسلم (3/ 1501) 33 - كتاب الإمارة، 31 - باب ما أعد الله تعالى للمجاهد في الجنة من الدرجات. النسائي (6/ 19) 25 - كتاب الجهاد، 18 - باب درجة المجاهد في سبيل الله عز وجل. 4780 - البخاري (13/ 404) 97 - كتاب التوحيد، 22 - باب (وكان عرشه على الماء وهو رب العرش العظيم).

- الجنة تحت ظلال السيوف

- الجنة تحت ظلال السيوف: 4781 - * روى البخاري عن عبد الله بن أبي أوفى (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الجنةُ تحت ظلالِ السيوف". 4782 - * روى مسلم عن أبي موسى (رضي الله نه) قال ابنهُ أبو بكرٍ: سمعتُ أبي وهو بحضرة العدوِّ يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أبواب الجنةِ تحت ظلال السيوف" فقام رجلٌ رثُّ الهيئة، فقال: يا أبا موسى، أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا؟ قال: نعمْ، فرجع إلى أصحابه، فقال: أقرأ عليكم السلام، ثم كسر جفن سيفه، فألقاها، ثم مشى بسيفه إلى العدو فضرب به حتى قُتِلَ". 4783 - * روى أبو داود عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن عمرو بن أُفيشٍ "كان له رباً في الجاهلية، فكره أن يُسلم حتى يأخذه، فجاء يوم أُحد، فقال: أين بنو عمي؟ قالوا: بأحُدٍ، قال: أين فلانٌ، قالوا: بأحُدٍ، فلبس لأمته، وركب فرسه، وتوجه قبلهُمْ، فلما رآه المسلمون قالوا: إليك عنا يا عمرو، قال: إني قد آمنتُ، فقاتل حتى جُرح، فحُمل إلى أهله جريحا، فجاءه سعد بن معاذٍ، فقال لأخته: سليه: أحميةً لقومك، أم غضباً لهم، أم غضباً لله تبارك وتعالى؟ قال: بل غضباً لله ولرسوله، فمات فدخل الجنة، وما صلى لله تبارك وتعالى صلاةً".

_ 4781 - البخاري (6/ 23) 56 - كتاب الجهاد، 22 - باب الجنة تحت بارقة السيوف. مسلم (3/ 1362) 32 - كتاب الجهاد والسين، 6 - باب كراهية تمني لقاء العدو، والأمر بالصبر عند اللقاء. أبو داود (3/ 42) كتاب الجهاد، باب في كراهية تمني لقاء العدو. 4782 - مسلم (3/ 1511) 33 - كتاب الإمارة، 41 - ثوب الجنة للشهيد. الترمذي (4/ 186) 23 - كتاب فضائل الجهاد، 23 - باب ما ذُكر أن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف. (ظلال السيوف): جعل ظلال السيوف في القتال: شاملة للجنة، لأن من دخل تحت ظل السيف في سبيل الله، فقد دخل الجنة، ومعناه: الدنُو من القِرن، حتى يعلوه ظل سيفه ولا يفر منه. وهو نم باب الكناية، المراد به الحث على الجهاد، والعلاقة بينهما: أن الإنسان يميل إلى الظل طلباً للراحة، فقيل له: إن الجنة تحت ظلال السيوف، فمن أرادها فليدخل تحت السيف بأن يحمله ويقاتل به ويصر على ألم وقعه. 4783 - أبو داود (3/ 20) كتاب الجهاد، باب فيمن يسلم ويقتل مكانه في سبيل الله عز وجل. ونقله الحافظ في "الإصابة" عن السيرة وقال: إسناده حسن رواه جماعة من طريق ابن اسحاق. (الحمية): الغضب للأهل والأقارب والأنفة من العار.

- أجر من رمى بسهم في سبيل الله

- أجر من رمى بسهم في سبيل الله: 4784 - * روى النسائي عن أبي نجيحٍ السُّلمي (رضي الله عنه) قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من بلغ بسهمٍ فهو له درجةٌ في الجنة، فبلغتُ يومئذ ستة عشر سهماً، قال: وسمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من رمي بسهم فهو له درجةٌ في الجنة، فبلغتُ يومئذ ستة عشر سهما، قال: وسمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من رمى بسهمٍ في سبيل الله، فهو له عدلُ محررٍ". وفي رواية (1) الترمذي: "عدْل رقبةٍ محررةٍ". 4785 - * روى النسائي عن شُرحبيل بن السمطِ (رضي الله عنه) قال لعمرو بن عبسة: حدثني حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه ويقول: "من شاب شيبةً في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة، ومن رمى بسهمٍ في سبيل الله فبلغ العدُوَّ، أو لم يبلغْ، كان له كعتقِ رقبةٍ مؤمنةٍ، ومن أعتقَ رقبةً كانت فداءه من النار عُضوا عُضْوا". وأخرج الترمذي (2) ذكر الشيب وحدهُ. وأخرج أبو داود (3) منه ذكر العتق وحدهُ. وأخرج النسائي (4) من طريق أخرى نحوه، إلا أنه قدم رمي السهم، وقال فيه: "أخطأ أمْ أصاب" وثنى بالعتقِ، وثلث بالشيب، وقال فيه: "في سبيل الله".

_ 4784 - النسائي (6/ 26) 25 - كتاب الجهاد، 26 - ثواب من رمى بسهم في سبيل الله عز وجل. (1) الترمي (4/ 174) 23 - كتاب فضائل الجهاد، 11 - باب ما جاء ف يفضل الرمي في سبيل الله وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. (عدل محرر) المحرر المعتق. (وعدل الشيء): مثله، وكذلك عدله. 4785 - النسائي (6/ 26) 25 - كتاب الجاد، 26 - ثواب من رمى بسهم في سبيل الله عز وجل. (2) الترمذي (4/ 172) 23 - كتاب فضائل الجهاد، 9 - باب ما جاء في فضل من شاب شيبة في سبيل الله. (3) أبو داود (4/ 30) كتاب العتق، باب أي الرقاب أفضل. (4) النسائي (6/ 27) 25 - كتاب الجهاد، 26 - ثواب من رمى بسهم في سبيل الله عز وجل، وهو حديث صحيح.

- عون الله للمجاهد

4786 - * روى النسائي عن شرحبيل بن السمط (رضي الله عنه) قال لكعب بن مُرةَ "يا كعبُ، حدثنا حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، واحذرْ، قال: سمعتُه يقول: "منْ شاب شيبة في سبيل الله، كانت له نوراً يوم القيامة"، فقال له: حدثنا عن النبي صلى الله عليه وسلم شيبةً في سبيل الله، كانت له نوراً يوم القيامة"، فقال له: حدثنا عن النبي صلى الله عليه وسلم واحذر، قال: سمعته يقول: "ارمُوا، من بلغ العدُو بسهمٍ رفعهُ الله به درجةً" فقال ابن النحام: يا رسول الله، وما الدرجة؟ قال: "أما إنها ليستْ بعتبةِ أمِّكَ، ولكن ما بين الدرجتين مائةُ عام". - عون الله للمجاهد: 4787 - * روى الترمذي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة حقٌّ على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتبُ الذي يريد الأداء، والنكاحُ الذي يريد العفاف" وفي رواية بدل "المكاتب": المِدْيانُ الذي يريد الأداء". - أجر القافل من الغزو: 4788 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قفلةٌ في سبيل الله كغزوةٍ" (1).

_ 4786 - نفس الموضع السابق. 4787 - الترمذي (4/ 184) 23 - كتاب فضائل الجهاد، 20 - باب ما جاء في المجاهد والنكاح ... إلخ. النسائي (6/ 16) 25 - كتاب الجهاد، 12 - فضل الروحة في سبيل الله عز وجل. وإسناده حسن. وقال الترمذي: هذا حديث حسن ورواه أيضاً أحمد وابن ماجة وابن حبان في صحيحه، والحاكم وصححه. (المديان): الكثير الدين، الذي يدانُ أموال النسا. 4788 - أبو داود (3/ 5) كتاب الجهاد، باب في فضل القفل في سبيل الله. أحمد (2/ 174) وإسناده صحيح. (قفلة) القفول: الرجوع من السفر، وله معنيان، أحدهما: أن أجر المجاهد في انصرافه إلى بيته كأجر في إقباله إلى الجهاد، لأن في ذهابه من ضرر أهله ما يزيله رجوعه إليهم، وفيه إراحة النفس والاستعداد بالقوة والعدة للرجوع، والآخر: أنهم إذا انصرفوا من مغزاهم ظاهرين، لم يأمنوا أن يقفو العدوُّ أثرهم، فيوقع بهم وهم غارون، فإن كانوا مستعدين للقائهم، وإلا فقد سلموا وأحرزوا الغنيمة.

- من كان كافرا ثم أسلم فاستشهد

- من كان كافراً ثم أسلم فاستشهد: 4789 - * روى البخاري عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يضحك الله تعالى إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر، كلاهما يدخل الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله، ثم يستشهد فيتوب الله على القاتل، فيسلم فيقاتل في سبيل الله، فيستشهد". - أجر من احتبس فرساً- أو ما في معناها - في سبيل الله: 4790 - * روى البخاري عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من احتبس فرساً في سبيل الله إيماناً بالله، وتصديقاً بوعده، فن شبعه وريَّهُ وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة" يعني حسناتٍ. 4791 - * روى مسلم عن أبي مسعودٍ جاء رجلٌ بناقةٍ مخطومةٍ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذه في سبيل الله، قال صلى الله عليه وسلم: "لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقةٍ، كلُّها مخطُومةٌ". 4792 - * روى الترمذي عن (خُريم بن فاتكٍ) رفعَهُ: "من أنفق نفقةً في سبيل الله كُتبتْ له بسبعمائة ضعفٍ" (1).

_ 4789 - البخاري (6/ 39) 56 - كتاب الجهاد، 28 - باب الكافر يقتل والمسلم، ثم يُسلم فيسدد بعدُ ويُقتل. مسلم (3 م 1504) 33 - كتاب الإمارة، 35 - باب بيان الرجلين، يقتل أحدهما الآخر، يدخلان الجنة. الموطأ (2/ 460) 21 - كتاب الجهاد، 14 - باب الشهداء في سبيل الله. النسائي (6/ 39) 25 - كتاب الجهاد، 38 - تفسير لك. 4790 - البخاري (6/ 57) 56 - كتاب الجهاد، 45 - باب من احتبس فرساً في سبيل الله. النسائي (6/ 225) 28 - كتاب الخيل، 11 - علف الخيل. 4791 - مسلم (3/ 1505) 33 - كتاب الإمارة، 37 - باب فضل الصدقة في سبيل الله، وتضعيفها. النسائي (6/ 49) 25 - كتاب الجهاد، 46 - باب فضل الصدقة في سبيل الله عز وجل. 4792 - الترمذي (4/ 167) 23 - كتاب فضائل الجهاد، 4 - باب ما جاء في فضل النفقة في سبيل الله. النسائي (6/ 49) 25 - كتاب الجهاد، 46 - باب فضل الصدقة في سبيل الله عز وجل. وقال الترمذي: حديث حسن ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم وقال: صحيح الإسناد وهو صحيح.

- فضل مقام الرجل في الصف

- فضل مقام الرجل في الصف: 4793 - * روى الطبراني عن عمران بن حُصينٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مقام الرجل في الصف في سبيل الله أفضل من عبادته ستين سنةً". 4794 - * روى الطبراني عن مجاهد عن يزيد بن شجرة وكان يزيدُ بن شجرة ممنْ يُصدقُ قوله فعلهُ قال: خطبنا فقال: يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم ما أحسن نعمة الله عليكم نرى من بين أحمر وأخضر وأصفر وفي الرجال ما فيها، وكان يقول: إذا صف الناس للصلاة وصفوا للقتال فُتحت أبواب السماء وأبواب الجنة وأبواب النار وزُين الحورُ العين واطلعن فإذا أقبل الرجل قلن اللهم انصُره وإذا أدبر احتجبن منه وقلن اللهم اغفر له، فانهكوا وجوه القوم فدىً لكم أبي وأمي ولا تُخزُوا الحور العين فإن أول قطرةٍ تنضحُ تكفرُ عنه كل شيءٍ عمله وتنزل إليه زوجتان من الحور يمسحان وجهه ويقولان قد أنى لك ويقول قد أنى لكم، ثم يُكسى مائة حُلةٍ ليس من نسج بني آدم ولكن من نبت الجنة لو وُضعن بين إصبعين لوسعته وكان يقول: أنبئت أن السيوف مفاتيح الجنة. - فضل دم يهراق في سبيل الله: 4795 - * روى الترمذي عن أبي أمامة (رضي الله عنه) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس شيءٌ أحبَّ إلى الله من قطرتين، وأثرين: قطرة دموعٍ من خشية الله، وقطرة دم تُهراقُ في سبيل الله، وأما الأثران: فأثرٌ في سبيل الله، وأثرٌ في فريضةٍ من فرائض الله" (1).

_ 4793 - مجمع الزوائد (5/ 271) ورواه الطبراني في الكبير والأوسط والبزار ونحوه وقال لمقام أحدكم في الصف ساعة، وهو حديث صحيح. كشف الأستار (2/ 264) كتاب الجهاد، باب فضل مقام الرجل في الصف وهو حديث صحيح. 4794 - الطبراني - الكبير- (22/ 246). مجمع الزوائد (5/ 294) رواه الطبراني من طريقين رجال احدهما رجال الصحيح موقوفاً، وقد روي مرفوعاً من طرق ضعيفة (انظر كتاب الجهاد لابن أبي عاصم رقم 203). فقال المنذري: والصحيح الموقوف مع أنه قد يقال: إن مثل هذا لا يقال من قبل الرأي، فسبيل الموقوف منه سبيل المرفوع. والله أعلم. (أنى) أي آن. (إصبع) اسم جبل. 4795 - الترمذي (4 م 190) 23 - كتاب فضائل الجهاد، 26 - باب ما جاء في فضل المرابط وإسناده حسن، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.

- المجاهد مظنة محبة الله

- المجاهد مظنة محبة الله: 4796 - * روى أحمد عن أبي ذر (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثةٌ يحبهُم الله وثلاثةٌ يشنؤهم الله: الرجل يلقى العدو في فئةٍ فيصبُ لهم نحرهُ حتى يُقتل أو يفتح لأصحابه، والقومُ يسافرون فيطول سُراهم حتى يُحُّبوا أن يمسوا الأرض فينزلون فيتنحى أحدهم فيُصلي حتى يوقظهم لرحيلهم، والرجل يكون له الجار يؤذيه جاره فيصبر على أذاه حتى يُفرق بينهما بموتٍ أو ظعنٍ، والذين يشنؤهم الله: التاجر الحلاف، والفقير المختال، والبخيل المنانُ". - الحثُّ على مجاهدة النفس: 4797 - * روى الترمذي عن فُضالة بن عبيدٍ (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المجاهدُ من جاهدَ نفسهُ". أقول: مجاهدة النفس إنما تكون بحملها على أمر الله وبطلبها كمالات العبودية، ومن ذلك حملها على الجهاد في سبيل الله بكل أنواع الجهاد (1).

_ 4796 - أحمد (5/ 151). النسائي (3/ 207) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 7 - فضل صلاة الليل في السفر، ورواية النسائي بنحو معنى رواية الإمام أحمد، بإسناد جيد. 4797 - الترمذي (4 م 165) 23 - كتاب فضائل الجهاد، 2 - باب ما جاء في فضل من مات مرابطاً وقال: حديث فضالة حديث حسن صحيح. أحمد (6/ 20) مجمع الزوائد (3/ 268).

الفصل الثاني في وجوب الجهاد وصدق النية فيه وآدابه وبعض أحكامه وأسباب تتعلق به

الفصل الثاني في وجوب الجهاد وصدق النية فيه وآدابه وبعض أحكامه وأسباب تتعلق به

- الأمر بالجهاد

- الأمر بالجهاد: 4798 - * روى أبو داود عن أنس، رفعه: "جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم". 4799 - * روى أحمد عن عُبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جاهدوا في سبيل الله فإن الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى بابٌ من أبواب الجنة يُنجي الله تبارك وتعالى به من الهم والغمِ". 4800 - * روى الشيخان عن عائشة، رفعتهُ: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهادٌ ونية وإذا استنفرتم فانفروا". 4801 - * روى الطبراني عن غزية بن الحرث أن شباباً من قريشٍ أرادوا أن يهاجروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاهم آباؤهم فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح إنما هو الجهادُ ذو النية". وفي روايةٍ عن غُزيةَ أيضاً أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا هجرة بعد الفتح إنما هي ثلاث، الجهادُ والنيةُ والحشرُ". - من لم يغزُ أو يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق: 4802 - * روى مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مات ولم يغزُ، ولم يُحدثْ به نفسه، مات على شُعبةٍ من النفاق" (1).

_ 4798 - أبو داود (3/ 10) كتاب الجهاد، 18 - باب كراهية ترك الغزو. الدارمي (2/ 213) كتاب الجهاد، 37 - باب في جهاد المشركين باللسان واليد، وهو صحيح. النسائي (6/ 7) 25 - كتاب الجهاد، 1 - باب وجوب الجهاد. 4799 - أحمد (5/ 314) وأحد أسانيد أحمد وغيره ثقات. 4800 - البخاري (6/ 3) 56 - كتاب الجهاد والسير، 1 - باب فضل الجهاد والسير. مسلم (3/ 1488) 33 - كتاب الإمارة، 20 - باب المبايعة بعد فتح مكة على الإسلام والجهاد والخير. 4801 - الطبراني- الكبير- (18/ 262). مجمع الزوائد (5/ 250) وقال الهيثمي: رواه الطبراني كله بأسانيد، ورجال أحدهما رجال الصحيح. 4802 - مسلم (3/ 1517) 33 - كتاب الإمارة، 47 - باب ذم من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو. أبو داود (3/ 10) كتاب الجهاد، 18 - باب كراهية ترك الغزو إلا أنه قال: "شعبة نفاقٍ". النسائي (6/ 8) 25 - كتاب الجهاد، 2 - التشديد في ترك الجهاد. (الشعبة): الطائفة من كل شيء، والقطعة منه.

- الترهيب من ترك الجهاد

قال ابن المبارك: فنرى أن ذلك كان على عهدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال النووي في "شرح مسلم": هذا الذي قاله ابن المبارك محتمل، وقد قال غيره: والمراد أن من فعل هذا، فقد أشبه المنافقين المتخلفين عن الجهاد في هذا الوصف، فإن ترْك الجهاد أحدُ شعبِ النفاق، وفي هذا الحديث أن من نوى فعل عبادة فمات قبل فعلها، لا يتوجه عليه من الذم ما يتوجه على من مات ولم ينوها. - الترهيب من ترك الجهاد: 4803 - * روى النسائي عن سلمة بن نُفيلٍ الكنديُّ، كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال رجلٌ: يا رسول الله أذال الناس الخيل ووضعوا السلاح وقالوا لا جهاد وقد وضعت الحربُ أوزارها فأقبل صلى الله عليه وسلم بوجهه وقال: "كذبُوا، الآن جاء القتال ولا يزالُ من أمتي أمة يقاتلون على الحق ويزيغُ الله لهم قلوب أقوامٍ ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة، وحتى يأتي وعد الله، الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وهو يوحي إليّ: إني مقبوض غير ملبث وأنتم تتبعوني، ألا فلا يضرب بعضكم رقاب بعض، وعقر دار المؤمنين الشام" وفي رواية: "وأنتم تتبعوني أقتاداً يضرب بعضكم رقاب بعض" مستنكراً ذلك منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. 4804 - * روى البخاري عن أبي أمامة سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم ورأى سكةً أو شيئاً من آلةِ الحرث يقول: "لا يدخلُ هذا بيت قومٍ إلا أدخله الله الذُّلَّ". 4805 - * روى أحمد عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لثوبان: "كيف بك يا ثوبان إذا تداعتْ عليكم الأمم كتداعيكم على قصعة الطعام تصيبون منه. قال ثوبان: بأبي أنت وأمي يا رسول الله: أمن قلةٍ بنا؟ قال: لا، أنتم يومئذٍ كثيرٌ ولكن يُلقى في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهنُ يا رسول الله؟ قال: حبكم الدنيا وكراهيتكم القتال" (1).

_ 4803 - النسائي (6/ 214) 28 - كتاب الخيل، وإسناده صحيح. (أذال الناس الخيل) أهانوها واستخفوا بها لأنهم وضعوا أداة الحرب عنها وأرسلوها. 4804 - البخاري (5/ 4) 41 - كتاب الحرث والمزارعة، باب ما يُحذرُ من عوامت لاشتغال بآلة الزرع ... إلخ. 4805 - أحمد (2/ 359). مجمع الزوائد (7/ 287) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الأوسط بنحوه وإسناد أحمد جيد.

- الإخلاص في الجهاد

- الإخلاص في الجهاد: 4806 - * روى الشيخان عن أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه) قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل: يُقاتلُ شجاعةً، ويقاتل حميةً، ويقاتلُ رياءً: أيُّ ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قاتل لتكون كلمةُ الله هي العليا فهو في سبل الله". وفي رواية أبي داود والنسائي (1) قال: إن أعرابياً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: الرجل يقاتل للذكر، ويقاتل ليُحمد، ويقاتل ليغنم، ويُقاتل ليُرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ قال: "من قاتل لتكون كلمة الله ي العليا فهو في سبيل الله". 4807 - * روى أبو داود عن معاذ بن جبل (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الغزو غزوان، فأما من ابتغى وجه الله، وأطاع الإمام، وأنفق الكريمة، وياسر الشريك، واجتنب الفساد، فإن نومهُ ونُبهه أجرٌ كله، وأما من غزا فخراً، ورياء، وسُمعة، وعصى الإمام، وأفسد في الأرض، فإنه لم يرجع بالكفاف". هذه رواية أبي داود والنسائي. وفي رواية الموطأ (2) قال: "الغزو غزوان، فغزوٌ: تنفقُ فيه الكريمةُ، ويياسرُ

_ 4806 - البخاري (13/ 441) 97 - كتاب التوحيد، 28 - باب قوله تعالى: (ولقد سبقت كلمتُنا لعبادنا المرسلين). مسلم (3/ 1513) 33 - كتاب الإمارة، 42 - باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله. الترمذي (4/ 179) 23 - كتاب فضائل الجهاد، 16 - ما جاء فيمن يقاتل رياء وللدنيا. (1) أبو داود (3/ 14) كتاب الجهاد، 26 - باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا. النسائي (6/ 23) 25 - كتاب الجهاد، 21 - باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا ولم يذكر النسائي "ويُقاتِلُ ليُحمد". (حميةً) الحمية: الأنفة، والاحتماء لمن يلزمُك أمرهُ. (للذكر): أي ليُذكر بين الناس، ويوصف بالشجاعة. 4807 - أبو داود (3/ 3) كتاب الجهاد، باب في من يغزو ويلتمس الدنيا. النسائي (6/ 49) 25 - كتاب الجهاد، 46 - باب فضل الصدقة في سبيل الله عز وجل. (2) الموطأ (2/ 466) 21 - كتاب الجهاد، 18 - باب الترغيب في الجهاد. الدارمي (2/ 208) كتاب الجهاد، 24 - باب الغزو غزوان. احمد (5/ 234) وإسناده صحيح.

فيه الشريك، ويُطاع فيه ذو الأمر، ويُجتنبُ فيه الفساد، فذلك الغزو خيرٌ كله، وغزوٌ: لا تنفق فيه الكريمة، ولا يُياسرُ فيه الشريك، ولا يُطاع فيه ذو الأمر، ولا يتجنب فيه الفساد، فذلك الغزو لا يرجع صاحبه كفافاً". 4808 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) قال: قلتُ: يا رسول الله، أخبرني عن الجهاد والغزو، فقال: "يا عبد الله بن عمرو، إنْ قاتلت صابراً محتسباً بعثك الله صابراً محتسباً، وإن قاتلت مرائياً مكاثراً، بعثك الله مرائياً مكاثراً، يا عبد الله بن عمرو، على أيِّ حالٍ قاتلت أو قُتلتَ، بعثك الله على تلك الحال". 4809 - * روى النسائي عن أبي أمامة الباهلي (رضي الله عنه) قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر، ماله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا شيء له"، فأعادها ثلاث مرارٍ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا شيء له"، ثم قال: "إن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً، وابتغى به وجهه". 4810 - * روى النسائي عن عبادة بن الصامت (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من غزا في سبيل الله، ولم ينوِ إلا عقالاً، فله ما نوى" (1).

_ = (الكريمة): النفيسة الجيدة من كل شيء. (وياسر الشريك) مياسرة الشريك: هي التساهل معه: واستعمال اليُسر معه، وترك العسر، وهي مفاعلة من اليسر. (سمعة ورياء) يقال: فلان فعل الشيء رياء وسمعة، أي: فعله ليراه الناس ويسمعوه. (كفافاً) الكفاف: السواء والقدر: وهو الذي لا يفضل عنه ولا يعوزه. 4808 - أبو داود (3/ 14) كتاب الجهاد، باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، وهو حسن بشواهده. (محتبساً): الاحتساب في الأعمال الصالحات، وعند المكروهات: هو البِدارُ إلى طلب الأجْرِ، وتحصيله بالصبر والتسليم، أو باستعمال أنواع البر ومُراعاتها، والقيام بها على الوجه المرسوم فيها، طلباً للثواب المرجو منها. ومنه يقال: احتسب فلانُ ابناً له: إذا مات كبيراً: أي جعل أجره له عند الله ذخيرةً، والحسبةُ: الاسم، وهي الأجر. 4809 - النسائي (6/ 25) 25 - كتاب الجهاد، 24 - باب من غزا يلتمس الأجر والذكر. وسنده حسن. 4810 - النسائي (6/ 24) 25 - كتاب الجهاد، 23 - باب من غزا في سبيل الله ولم ينو من غزواته إلا عقالا.

وفي أخرى (1) "وهو لا يريد إلا عقالا فلهُ ما نوى". 4811 - * روى أبو داود عن يعلي بن مُنيةَ (رضي الله عنه) قال: آذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغزو، وأنا شيخٌ كبيرٌ، ليس لي خادمٌ، فالتمستُ أجيراً يكفيني، وأُجريْ له سهمه، فوجدت رجلاً، فلما دنا الرحيل أتاني، فقال: ما أدري ما السهمان؟ وما يبلغ سهمي؟ فسم لي شيئاً، كان السهم أو لم يكنْ، فسميتُ له ثلاثة دنانير، فلما حضرتْ غنيمة أردت أن أُجري له سهمه، فذكرت الدنانير، فجئت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت له أمره، فقال: "ما أجدُ له في غزوته لهذه الدنيا والآخرة إلا دنانيره التي سمى". أقول: في هذا النص دلالة أن الذي يأخذ راتباً في الجيش ليس له إلا راتبه، إلا إذا شاء الأمير إكرامه. 4812 - * روى النسائي عن شداد بن الهاد (رضي الله عنه) أن رجلاً من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فآمن به واتبعهُ، ثم قال: أهاجرُ معك. فأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه، فلما كانت غزاةٌ، غنم النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، فقسم وقسم له، فأعطى أصحابه ما قسم له، وكان يرعى ظهرهم، فلما جاء دفعوه إليه، فقال: ما هذا؟ قالوا: قسمٌ قسمَ لك النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذه فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما هذا؟ قال: "قسمتُه لك"، قال: ما على هذا اتبعتك، ولكن اتبعتُك على أن أرمي إلى هاهنا- وأشار إلى حلقهِ- بسهمٍ فأموت، فأدخل الجنة، فقال: "إن تصدُق الله يصدُقك"، فلبثوا قليلاً ثم نهضوا في قتال العدو، فأُتي به النبي صلى الله عليه وسلم يُحمل قد أصابه سهم حيث أشار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أهو هو؟ " قالوا: نعم، قال: صدق الله فصدقه"، ثم كفنه النبي صلى الله عليه وسلم في جُبته، ثم قدمه فصلى عليه، فكان مما ظهر من صلاته: "اللهم هذا عبدك خرج مهاجراً في سبيلك، فقُتل شهيداً، أنا شهيدٌ على ذلك"

_ (1) النسائي نفس الموضع السابق. وهو حديث حسن في الشواهد، في سنده يحيى بن الوليد حفيد عبادة بن الصامت لم يوثقه غير ابن حبان وباقي رجاله ثقات [م]. (عقالاً) العقالُ: حُبيلٌ صغير تشد به ركبةُ البعير لئلا يفر، يقول: من جاهد وكان نيتُه أن يغنم ولو عقالاً، فإن ذلك أجرهُ. 4811 - أبو داود (3/ 17) كتاب الجهاد، باب في الرجل يغزو بأجير ليخدم. وإسناده صحيح. (سُهمان): جمع سهم: وهو النصيب. 4812 - النسائي (4/ 60) 21 - كتاب الجنائز، 61 - الصلاة على الشهداء. وإسناده صحيح.

- الثبات في الصف

- الثبات في الصف: 4813 - * روى البخاري عن موسى بن أنس (رضي الله عنهما) قال - وذكر يوم اليمامة - قال: أتى أنسٌ ثابت بن قيسٍ وقد حسر عن فخذيه، وهو يتحنطُ فقال: يا عمِّ، ما يحبسُك ألا تجيء؟ قال: الآن يا ابن أخي، وجعل يتحنط من الحنوط، ثم جاء فجلس - يعني: في الصف - فذكر في الحديث انكشافاً من الناس، فقال: هكذا عن وجوهنا حتى نُضارب القوم، ما هكذا كُنا نفعلُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بئس ما عودْتمْ أقرانكم. 4814 - * روى أحمد عن عُتبة بن عبد السُّلميِّ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: "قُوموا فقاتلوا. قالوا: نعم يا رسول الله ولا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى اذهبْ أنت وربُّك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ولكن انطلقْ أنت وربك يا محمدٌ إنا معكم نقاتلُ". وزاد في أوله: أمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالقتال فرمى رجلٌ من أصحابه بسهمٍ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أوجب هذا" وقالوا حين أمرهُم بالقتالِ: فذكر نحوه (1).

_ 4813 - البخاري (6/ 51) 56 - كتاب الجهاد، 39 - باب التحنط عند القتال. قال الحميدي: هكذا فيما عندنا من كتاب البخاري. أن موسى بن أنس قال: أتى أنس ثابت بن قيس، ولم يقل: عن أنس. قال: وأخرجه البخاري أيضاً تعليقاً عن ثابت عن أنس، ولم يذكُرْ لفظ الحديث. قوله "ألا تجيء" بالنصب، و"لا" زائدة، وبالرفع وتخفيف اللام. وقد أخرجه ابن سعد والطبراني والحاكم من طرق عن أنس، ولفظه: "أن ثابت بن قيس بن شماس جاء يوم اليمامة وقد تحنط ولبس ثوبين أبيضين يكفن فيهما، وقد انهزم القوم، فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء المشركون، وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء، ثم قال: بئس ما عودتم أقرانكم منذ اليوم خلوا بيننا وبينهم ساعة، فحمل فقاتل حتى قتل، وكانت درعه قد سرقت، فرآه رجل فيما يرى النائم، فقال: إنها في قدر تحت إكاف بمكان كذا، فأوصاه بوصايا، فوجدوا الدرع كما قال، وأنفذوا وصاياه". (حسر) عن رأسه ويده: أي كشفهما. (يتحنط) يستعملُ الحنوط: وهو ما يُطيب به كفن الميت خاصة، فكأنه أراد بذلك: الاستعداد للموت، وتوطين النفس على ذلك. والصبر على القتال. (أقرانكم) جمع "قِرن" بكسر القاف، وهو نظيرك في الحرب، وكفؤُك في القتال. 4814 - أحمد (4/ 184)، مجمع الزوائد (5/ 270) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني وإسنادهما حسن وبقية طرقه تأتي في سورة المائدة في التفسير.

- الفخر في المعركة لإرهاب العدو

4815 - * روى مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيدٍ (رحمه الله) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رغب في الجهاد، وذكر الجنة، ورجلٌ من الأنصار يأكل تمراتٍ في يده - فقال: إني لحريص على الدنيا إن جلستُ حتى أفرُغ منهنَّ، ورمى ما في يده، فحمل بسيفه فقاتل حتى قُتل". - الفخر في المعركة لإرهاب العدو: 4816 - * روى أبو داود عن قيس بن بشرٍ التغلبي (رحمه الله) قال: أخبرني أبي - وكان جليساً لأبي الدرداء- قال: كان بدمشقَ رجلٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقالُ له: ابن الحنظلية، وكان رجلاً متوحداً، قلما يُجالس الناس، إنما هو صلاةٌ، فإذا فرغ فإنما هو تسبيحٌ وتكبيرٌ، حتى يأتي أهله. قال: فمر بنا ونحن عند أبي الدرداء، فقال له أبو الدرداء: كلمة تنفعنا ولا تضُرُّك، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سريةً فقدمَتْ، فجاء رجل منهم، فجلس في المجلس الذي يجلس فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لرجل إلى جنبه: لو رأيتنا حين التقينا مع العدو، فحمل فُلانٌ فطعن رجلاً منهم، فقال: خُذها مني وأنا الغلام الغفاريُّ، كيف ترى في قوله؟ فقال: ما أُراهُ إلا قد بطل أجره، فسمع بذلك آخر، فقال: ما أرى بما قال بأساً، فتنازعا، حتى سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله! لا بأس أن يُؤجر ويُحمد" قال أبي: فرأيت أبا الدرداء سُرَّ بذلك، وجعل يرفع رأسه إليه ويقول: أأنت سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقول: نعم، فما زال يعيد ذلك عليه، حتى إني لأقول: ليبرُكن على ركبتيه، قال (1): ثم مر بنا

_ 4815 - الموطأ (2/ 466) 21 - كتاب الجهاد، 18 - باب الترغيب في الجهاد. إسناده منقطع، ولكن رواه البخاري ومسلم موصولاً من حديث جابر بن عبد الله، فهو حديث صحيح. البخاري (7/ 354) 64 - كتاب المغازي، 17 - باب غزوة أحد. مسلم (3/ 1509) 33 - كتاب الإمارة، 41 - باب ثبوت الجنة للشهيد. 4816 - أبو داود (4/ 57) كتاب اللباس، 26 - باب ما جاء في إسبال الإزار. إسناده حسن وحسنه النووي في "الرياض". أحمد (4/ 180). (متوحداً) المتوحد: متفعل من الوحدة، وهو المنفرد وحده، لا يخالط الناس ولا يجالسهم. (كلمة تنفعنا) نصب "كلمة" بإضمار فعل تقديره: حدثنا، أو أسمعنا كلمةً تنفعُنا. (سرية) السريةُ: طائفة من الجيش، يبلغ أقصاها أربعمائة رجل.

يوماً آخر، فقال له أبو الدرداء: كلمةً تنفعنا ولا تضرُّك، قال: نعم، قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المنفقُ على الخيلِ كالباسط يده بالصدقة لا يقبضها" ثم مر بنا يوماً آخر، فقال له أبو الدرداء: كلمةً تنفعنا ولا تضرُّك، قال: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نِعْمَ الرجل خريمٌ الأسدي، لولا طولُ جُمته، وإسبالُ إزاره" فبلغ ذلك خُريماً فعجل وأخذ شفرةً، فقطع بها جُمته إلى أذنيه، ورفع إزارهُ إلى أنصاف ساقيه. ثم مر بنا يوماً آخر، فقال له أبو الدرداء: كلمةً تنفعُنا ولا تضرُّك، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنكُم قادمون على إخوانكم، فأصلِحُوا رحالكم، وأصلحوا لباسكم، حتى تكونوا كأنكم شامةٌ في الناس، فإن الله لا يحب الفُحش ولا التفَحُّش". 4817 - * روى أحمد عن أنس، قال إن النبي صلى الله عليه وسلم عرض ذلك السيف حتى قال: "من يأخذُ هذا السيف بحقه؟ " فأحجم الناسُ عنه. فقال أبو دُجانة: وما حقُّه يا رسول الله؟ قال: "تُقاتِلُ به في سبيل الله حتى يفتح الله عليك أو تقتل". فأخذه بذلك الشرط. فلما كان قبل الهزيمة يوم أحد خرج بسيفه مصلتاً وهو يتبختر، ما عليه إلا قميص وعمامة حمراء قد عصب بها رأسه، وإنه ليرتجزُ ويقول: إني امرؤٌ عاهدني خليلي ... إذ نحنُ بالسفح لدى النخيل أن لا أقيم الدهرَ في الكبول ... أضربُ بسيف الله والرسول قال: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنها لمشيةٌ يبغضها الله ورسوله إلا في مثل هذا الموطن" (1).

_ = (جُمتهُ) الجمة: مجتمع شعر الرأس (إسبال إزاره) إسبال الإزار: إرخاؤه على القدم لينال الأرض، وهو من زي المتكبرين. (شامة) الشامة في الجسد: معروفة، أراد: كونوا بين الناس أحسنهم زياً وهيئةً، حتى ينظروا إليكم فتظهروا لهم، كما يُنظر إلى الشامة وتظهر المرائين، دون باقي الجسد من الإنسان. (الفحش) الرديء من القول القبيح. (والتفحشُ) التفعُّل منه. 4817 - أحمد (3/ 123). مسلم (4/ 1917) 44 - كتاب فضائل الصحابة، 25 - باب من فضائل أبي دجانة، سماك بن خرشة، رضي الله تعالى عنه. الطبراني- الكبير- (7/ 103)، مجمع الزوائد (6/ 109) وقال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه من لم أعرفهم. الذهبي في سير أعلام النبلاء (1/ 224 - 245)، والحديث بتمامه عند ابن هشام في سيرته (2/ 66).

- الذكر في المعركة

4818 - * روى أبو داود عن جابر بن عتيك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من الغيرة ما يُحب الله عز وجل، ومنها ما يبغضُ الله عز وجل، ومن الخيلاء ما يُحب الله عز وجل، ومنها ما يبغضُ الله عز وجل، فأما الغيرةُ التي يحب الله عز وجل فالغيرة في الريبة، وأما الغيرة التي يبغض الله عز وجل فالغيرة في غير ريبةٍ، والاختيال الذي يحب الله عز وجل اختيال الرجل بنفسه عند القتال وعند الصدقة، والاختيال الذي يبغضُ الله عز وجل الخيلاء في الباطل". - الذكر في المعركة: 4819 - *روى أبو داود عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو وجيوشه إذا علوا الثنايا كبروا وإذا هبطوا سبحوا فوضعت الصلاة على ذلك. لعل ما فعلته جيوش المسلمين كان قياساً على الصلاة لا كما قد يفهم من ظاهر النص أن الصلاة كانت قياساً على فعلهم، ففريضة الصلاة متقدمة في الزمن على فريضة القتال. 4820 - * روى أبو داود عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا قال: "اللهم أنت عضدي ونصيري، بك أحُول، وبك أصُول، وبك أقاتلُ". وفي رواية الترمذي (1): "أنت عضُدي، وأنت نصيري، وبك أقاتِلُ".

_ 4818 - أبو داود (3/ 50) كتاب الجهاد، 114 - باب في الخيلاء في الحرب، (مع اختلاف في اللفظ). النسائي (5/ 78) 23 - كتاب الزكاة، 66 - باب الاختيال في الصدقة. وهو صحيح. 4819 - روى أبو داود (3/ 33) كتاب الجهاد، باب ماي قول الرجل إذا سافر. مسلم (2/ 978) 15 - كتب الحج، 75 - باب ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره. الترمذي (5/ 497) 49 - كتاب الدعوات، 42 - باب ما يقول إذا خرج مسافراً. النسائي (8/ 273) 50 - كتاب الاستعاذة، 43 - باب الاستعاذة من كآبة المنقلب. 4820 - أبو داود (3/ 42) كتاب الجهاد، باب ما يدعي عند اللقاء. (1) الترمذي (5/ 572) 49 - كتاب الدعوات، 122 - باب في الدعاء إذا غزا. أحمد (3/ 184) إسناده صحيح، وحسنه الترمذي. (أحُولُ) قال الخطابي: معنى قوله: "بك أحُول": اختال، قال: وقال ابن الأنباري: الحوْلُ في كلام العرب: =

- الخدعة في الحرب

- الخدعة في الحرب: 4821 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: سمى النبي صلى الله عليه وسلم الحرب خدعةً. وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الحربُ خدعةٌ". 4822 - * روى أبو داود عن كعب بن مالك (رضي الله عنه) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غاز ناحيةً ورَّى بغيرها، وكان يقول: "الحربُ خدعةٌ". 4823 - * (1) روى الستة إلا النسائي عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحربُ خدعةٌ". قال الحافظ: وفي الحديث التحريض على أخذ الحذر في الحرب، والندب إلى خداع الكفار، وان من لم يتيقظ لذلك لم يأمن أن ينعكس الأمر عليه، وفيه الإشارة إلى استعمال الرأي في الحرب، بل الاحتياج إليه أكثر من الشجاعة كما قال المتنبي: الرأي قبل شجاعة الشجعان ... هو أول وهي المحل الثاني

_ = معناه: الحيلة، قال: ومنه قولك: "لا حول ولا قوة إلا بالله" أي: لا حيلة لي في دفع سوء ولا درك قوة إلا بالله. وقيل: معناه: الدفع والمنع، من قولك: حال بين الشيئين: إذا منع أحدهما عن الآخر. (أصول) أي: أسطُو. 4821 - البخاري (6/ 158) 56 - كتاب الجهاد، 157 - باب الحرب خدعة. مسلم (3/ 1362) 32 - كتاب الجهاد والسير، 5 - باب جواز الخداع في الحرب. 4822 - أبو داود (3/ 43) كتاب الجهاد، 101 - باب المكر في الحرب، إسناده صحيح. (ورى بغيرها) ستر وأخفى، يعني، أنه كان إذا أراد أن يقصد جهة أظهر أنه يريدُ غيرها، لئلا ينتهي خبره إلى مقصده، فيستعدوا للقائه. 4823 - البخاري (6/ 158) 56 - كتاب الجهاد، 157 - باب الحرب خدعة. مسلم (3/ 1361) 32 - كتاب الجهاد والسير، 5 - باب جواز الخداع في الحرب. أحمد (3/ 308). أبو داود (3/ 43) كتاب الجهاد، 101 - باب المكر في الحرب. الترمذي (4/ 193) 24 - كتاب الجهاد، 5 - باب ما جاء في الرخصة في الكذب والخديعة في الحرب. (الحرب خدعة) يعني: أن أمرها ينقضي بمرة واحدة من الخداع، قال الخطابي: هذا الحرف يُروى بفتح الخاء وسكون الدال، وهو أفصحها وأصوبها، وبضم الخاء وسكون الدال، وبضم الخاء وفتح الدال، فمعنى الأولى: المرة الواحدة من الخداع: أي أن المقاتل إذا خُدع مرةً واحدةً، لم يكن لها إقالة، ومعنى الثانية: الاسم من الخداع، ومعنى الثالثة: أراد أن الحرب تخدعُ الرجال، وتُمنيهم، ولا تفي لهم، كما يقال: فلان رجلٌ لعبةٌ: إذا كان يكثر اللعب، وضُحكة: للذي يكثر الضحك.

- الاستعانة بالضعفاء والصالحين في الحرب

- الاستعانة بالضعفاء والصالحين في الحرب: 4824 - * روى البخاري عن مصعب بن سعدٍ قال: "رأى سعدٌ رضي الله عنه أن له فضلاً على من دونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم؟ ". وفي رواية النسائي (1): "أنه ظن أن له فضلاً على من دونه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنا ينصُر الله هذه الأمة بضعيفها: بدعوتهم، وصلاتهم، وإخلاصهم. - الجهاد بإذن الأبوين: 4825 - * روى الطبراني عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن كان الغزو عند باب البيت فلا تذهب إلا بإذن أبويك". أقول: يُستأذن الوالدان في الجهاد إذا كان فرض كفاية، أو ماله حكم فرض الكفاية، فإذا كان فرض عين فلا يحتاج إلى استئذان. 4826 - * روى البخاري عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما)، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال: "أحيٌّ والداك"؟ قال: نعم، قال: "ففيهما فجاهد". وفي رواية لأبي داود (2) عن أبي سعيد: "ارجع فاستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد وإلا فبرهما".

_ 4824 - البخاري (6/ 88) 56 - كتاب الجهاد، 76 - باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب. (1) النسائي (6/ 45) 25 - كتاب الجهاد، 43 - باب الاستنصار بالضعيف. 4825 - مجمع الزوائد (5/ 322) قال الهيثمي: رواه الطبراني في الصغير ورجاله رجال الصحيح غير شيخ الطبراني أسامة بن علي بن سعيد بن بشير وهو ثقة ثبت كما هو في تاريخ مصر. 4826 - البخاري (6/ 140) 56 - كتاب الجهاد، 138 - باب الجهاد بإذن الأبوين. (2) أبو داود (3/ 18) كتاب الجهاد، باب الرجل يغزو وأبواه كارهان. وصححه ابن حبان.

- إلقاء الرعب في قلوب العدو

4827 - * روى ابن حبان عن عبد الله بن عمرو جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن أفضل الأعمال، قال: "الصلاة"، قال ثم مه؟ قال: "الجهاد"، قال: فإن لي والدين، فقال: "آمرك بوالديك خيراً" فقال: والذي بعثك بالحق نبياً لأجاهدن ولأتركنهما، قال: "فأنت أعلم". قال جمهور العلماء: يحرم الجهاد إذا منع الأبوان أو أحدهما إن كانا مسلمين، لأن برهما فرض عين، والجهاد فرض كفاية، فإذا تعين الجهاد فلا إذن، والحديث الأخير يحمل على مثل هذه الحالة، والله أعلم، "انظر فتح الباري 6/ 140 - 141". - إلقاء الرعب في قلوب العدو: 4828 - * روى الطبراني عن عبد الله بن شداد قال: قال أبو سفيان: إن أول يومٍ رعبت فيه من محمد صلى الله عليه وسلم (1) ليوم قال قيصرُ في مُلكه وسُلطانه وحضرته ما قال: قال: يعني قوله: لو علمتُ أنه هو لمشيتُ إليه حتى أُقبِّل رأسهُ وأغسل قدميه. قال أبو سفيان وحضرته يتحادر جبينه عرقاً من كربِ الصحيفة التي كتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم، قال أبو سفيان: فما زلت مرعوباً (2) من محمدٍ صلى الله عليه وسلم حتى أسلمتُ، وفي رسالته: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}. {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}. {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}. أقول: إن فِعْل ما يلقي الرعب في قلوب العدو والسياسات التي تؤدي إلى إرعاب العدو هي السياسات النبوية، وقد يصل الإنسان إلى هذا الهدف بشكل مباشر أو غير مباشر.

_ 4827 - ابن حبان (3/ 111) - كتاب الصلاة، باب فضل الصلوات الخمس. 4828 - الطبراني (8/ 27). مجمع الزوائد (5/ 307) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. (1) في الطبراني: رغبت فيه في محمد صلى الله عليه وسلم. (2) في الطبراني: فما زلت مرغوباً من محمد صلى الله عليه وسلم. ولعل الأصح فيهما: رعبت ومرعوباً لأن السياق يشير إلى ذلك.

- النهي عن قتل الوليد والمرأة والشيخ وعن التمثيل والغدر

4829 - * روى الشيخان عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرُّعب مسيرة شهر، وجُعلتْ لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركتهْ الصلاة فليصل، وأحلتْ لي المغان، ولم تُحلَّ لأحدٍ قبلي، وأعطيتُ الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثتُ إلى الناس عامةً". - النهي عن قتل الوليد والمرأة والشيخ وعن التمثيل والغدر: 4830 - * روى مسلم عن بريدة (رضي الله عنه) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميراً على جيشٍ، أو سريةٍ، أوصاه في خاصته بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيراً، ثم قال: "اغزوا باسم الله، في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، أغزوا، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تُمثلوا، ولا تقتلوا وليداً، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال - أو خلالٍ - فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم، وكُف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم، وكُف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، أخبرهم، أنهم إن هم فعلوا ذلك، فلهم ما للمهاجرين، وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها، فأخبرهم: أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيءٌ، (1) إلا أن يُجاهدوا مع

_ 4829 - البخاري (1/ 435) 7 - كتاب التيمم، 1 - باب. مسلم (1/ 370) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة. 4830 - مسلم (3/ 1357) 32 - كتاب الجهاد والسير، 2 - باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث ... إلخ. الترمذي (4/ 162) 22 - كتاب السير، 48 - باب ما جاء في وصيته صلى الله عليه وسلم في القتال. (خاصته) خاصة الإنسان: نفسه ومن يلزمه أمره من أهله وأقاربه وأصحابه. (لا تغلوا) الغل: الخيانة، والغلول: ما يخفيه أحدُ الغزاة من الغنيمة. ولم يحضره إلى أمير الجيش ليُدخله في القسمة. (لا تمثلوا) المُثلة: تشويه خلقة القتيل، والتنكيل بهز (وليداً) الوليد: الصبي الصغير، والجمع: وُلدان. (خِلال) جمع خلة: وهي الخصلة. (أعراب) الأعراب: ساكنو البادية من العرب. (الغنيمة) ما حصله الغزاة بسيوفهم عن قتال. (الفيء) ما حصل لهم من أموال العدو عن غير قتال.

المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم، وكُف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله عليهم وقاتلهم، وإذا حاصرت أهل حصنٍ، فأرادُوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه، فلا تجعلْ لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم أن تُخفرُوا ذممكم وذمة أصحابكم أهونُ من أنْ تُخفروا ذمة الله وذمة رسوله، وإذا حاصرت أهل حصنٍ، وأرادُوك أن تُنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري: أتصيبُ فيهم حكم الله، أم لا؟ هذه رواية مسلم. وأخرجه الترمذي مختصراً، وهذا لفظه: قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميراً على جيشٍ أوصاه في خاصةِ نفسه بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيراً، فقال: "غزوا باسم الله، وفي سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغُلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً"، قال: وفي الحديث قصةُ. قال النووي: (ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين) ومعنى الحديث: أنهم إذا أسلموا يستحب لهم: أن يهاجروا إلى المدينة، فإن فعلوا كانوا كالمهاجرين قبلهم في استحقاق الفيء والغنيمة، وإلا فهم أعراب كسائر أعراب المسلمين الساكنين في البادية من غير هجرة ولا غزو، فيجري عليهم أحكام الإسلام، ولا حق لهم في الغنيمة والفيء، وإنما يكون لهم نصيب من الزكاة إن كانوا بصفة استحقاقها. قال الشافعي: الصدقات للمساكين ونحوهم ممن لا حق لهم في الفيء، والفيء للأجناد، ولا يعطى أهل الفيء من الصدقات، ولا أهل الصدقة من الفيء، واحتج بهذا الحديث، وقال مالك وأبو حنيفة: المالان سواء، ويجوز صرف كل واحد منهما إلى النوعين. وقال أبو عبيد: هذا الحديث منسوخ، وإنما كان هذا الحكم أول الإسلام لمن لم يهاجر، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} (1).

_ = (الجزية) البراءة، وهي فعلة، من جزيت. (يخفرُوا الذمة) الذمة: الأمانة، إخفارها: نقضُها وتركُ العمل والوفاء بها. (تنزله) أي: تُلجئهم، وأصله: كأنه يضطره إلى أن ينزل من العُلو إلى السُّفل.

وهذا الذي أدعاه أبو عبيد لا يسلم له. (فإن هم أبوا فسلهم الجزية). قال النووي: هذا مما يستدل به مالك والأوزاعي وموافقوهما في جواز أخذ الجزية من كل كافر، عربياً كان أو أعجمياً، كتابياً أو مجوسياً أو غيرهما. وقال أبو حنيفة: تؤخذ الجزية من جميع الكفار، إلا مشركي العرب ومجوسهم. وقال الشافعي: لا تقبل إلا من أهل الكتاب والمجوس، عرباً كانوا أو عجماً. ويحتج بمفهوم آية الجزية، وبحديث "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" ويتأول هذا الحديث: على أن المراد بأخذ الجزية أهل الكتاب، لأن اسم المشرك يطلق على أهل الكتاب ويغرهم، وكان تخصيصهم معلوماً عند الصحابة. 4831 - *روى أبو داود عن أنس بن مالكٍ (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث جيشاً قال: "انطلقوا باسم الله، لا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً صغيراً، ولا امرأةً، ولا تغُلُّوا، وضمُّوا غنائمكم، وأصلحوا وأحسنُوا، إن الله يحب المحسنين". 4832 - * روى البزار عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث سريةً قال: "اغزوا بسم الله وقاتلوا من كفر بالله ولا تُمثلوا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليداً". 4833 - * روى الطبراني عن عبد الله بن عتيكٍ "أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بعثه هو وأصحابه لقتل ابن أبي الحُقيق وهو بخيبر نهى عن قتل النساء والصبيان" (1).

_ 4831 - أبو داود (3/ 38) كتاب الجهاد، باب في دعاء المشركين. وفي سنده خالد بن الغرز الراوي عن أنس لم يوثقه غير ابن حبان، وبقية رجاله ثقات، وله شواهد يتقوى بها. 4832 - كشف الأستار (2/ 267) كتاب الجهاد، باب في الوصية عند السفر. قال الهيثمي: رواه البزار والطبراني في الصغير والكبير، ورجال البزار رجال الصحيح غير، عثمان بن سعد المزي وهو ثقة. مجمع الزوائد (5/ 317). 4833 - مجمع الزوائد (5/ 316) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، خلا محمد بن مُصفى وهو ثقة وفيه كلام لا يضر.

4834 - * روى البزار عن ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتلِ النساء والصبيان". 4835 - * روى أحمد عن الأسود بن سريعٍ قال: أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم وغزوت معه فأصبتُ ظفراً وقتل النسا يومئذ حتى قتلُوا الولدان - وقال مرةً: الذرية- فقال رجل: يا رسول الله: إنما هم أبناء المشركين ثم قال: ألا لا تقتلوا الذرية، ألا لا تقتلوا الذرية، ألا لا تقتلوا الذرية، فإن كل نسمةٍ تولدُ على الفطرة، حتى يُعربَ عنها لسانُها؛ فأبواها يهودانها أو ينصرانها". 4836 - * روى أبو داود عن رباح بن الربيع (رضي الله عنه) قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوةٍ، فرأى الناس مجتمعين على شيءٍ، فبعث رجلاً فقال: انظر علام اجتمع هؤلاء؟ فجاء، فقال: على امرأةٍ قتيلٍ، فقال: ما كانت هذه لتُقاتل، قال: وعلى المقدمة خالد بن الوليد، قال: فبعث رجلاً، فقال: قل لخالدٍ: لا تقتلن امرأةً ولا عسيفاً". 4837 - * روى الجماعة إلا النسائي عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) قال: وجدت امرأةٌ مقتولةً في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان، وفي رواية: فأنكر" (1).

_ 4834 - كشف الأستار (2/ 270) كتاب الجهاد، باب ما نهى عن قتله. مجمع الزوائد (5/ 316) وقال الهيثمي: رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح. 4835 - أحمد (3/ 435). الطبراني- الكبير- (1/ 284). مجمع الزوائد (5/ 316) وقال الهيثمي: رواه أحمد بأسانيد والطبراني في الكبير والأوسط كذلك إلا أنه قال: "فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما بالُ أقوامٍ جاوز بهم القتلُ حتى قتلوا الذرية فقال رجلٌ ... " والباقي بنحوه وبعض أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح. 4836 - أبو داود (3/ 53) كتاب الجهاد، باب في قتل النساء. (عسيفاً) العسيف: الأجير. 4837 - البخاري (6/ 148) 65 - كتاب الجهاد والسير، 148 - باب قتل النساء في الحرب. مسلم (3/ 1364) 32 - كتاب الجهاد والسير، 8 - باب تحريم قتل النساء والصبيان في الحرب. أحمد (2/ 22). أبو داود (3/ 53) كتاب الجهاد، 121 - باب في قتل النساء. الترمذي (4/ 136) 22 - كتاب السير، 19 - باب ما جاء في النهي عن قتل النساء والصبيان. ابن ماجة (2/ 947) 24 - كتاب الجهاد، 30 - باب الغارة والبيات وقتل النساء والصبيان. الدارمي (2/ 222) كتاب السير، 24 - باب النهي عن قتل النساء والصبيان. =

4838 - * روى الطبراني عن عبد الله بن عمر قال: "كنت عاشرَ عشرةٍ في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر وعمر وعثمان وعليٍّ وابن مسعود وابن جبلٍ وحُذيفة وابن عوف وأنا وأبو سعيد فجاء فتى من الأنصار فسلم ثم جلس فذكر الحديث إلى أنْ قال ثم أمر ابن عوف فتجهز لسرية بعثه عليها فأصبح وقد اعتم بعمامةٍ كرابيس سوداء فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم ثم نقضها فعممه فأرسل من خلفه أربع أصابع أو نحوها ثم قال: هكذا يا ابن عوفٍ فاعتم فإنه أعربُ وأحسنُ، ثم أمر بلالاً فدفع إليه اللواء فحمد الله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: خُذ يا ابن عوفٍ فاغزوا جميعاً في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله ولا تغدروا ولا تمثلوا فهذا عهدُ الله وسنةُ نبيه فيكم". 4839 - * روى مسلم عن أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه) قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث أحداً من أصحابه في بعض أمره، قال: "بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا". 4840 - * روى الترمذي عن سمرة بن جندب (رضي الله عنه): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اقتلوا شيوخ المشركين، واستبقوا شرخهُم". يعني: مَنْ لم يُنبتْ منهم. 4841 - * روى مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيدٍ: "أن أبا بكرٍ بعث جيوشاً إلى الشام فخرج يُشيعهم، فمشى مع يزيد بن أبي سفيان وكان أمير ربعٍ من تلك الأرباع فقال يزيد لأبي بكرٍ: إما أن تركب وإما أنْ أنزل، فقال له (1): ما أنت بنازل ولا أنا براكبٍ

_ = الموطأ (2/ 447) 21 - كتاب الجهاد، 3 - باب النهي عن قتل النساء والولدان في الغزو. 4838 - مجمع الزوائد (5/ 120) قال اليهثمي: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن. 4839 - مسلم (3/ 1358) 32 - كتاب الجهاد والسير، 3 - باب في الأمر بالتيسير وترك التنفير. 4840 - الترمذي (4/ 145) 22 - كتاب السير، 29 - باب ما جاء في النزول على الحكم. أبو داود (3/ 54) كتاب الجهاد، 121 - باب في قتل النساء. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، وصححه ابن حبان مع أن فيه عنعنة الحسن. (شرحهم) الشرخ: جمع شارخ، وهو الشابُّ، كصاحب وصحب، أراد بهم الصغار الذين لم يبلغوا الحُلم. وقيل: أراد بالشرخ: أهل الجلد الذين يصلحون للملك والخدمة وقيل: الشرخ: أول الشباب، فهو واحدٌ يكفي من التثنية والجمع، كصوم وعدلٍ. 4841 - الموطأ (2/ 447) 21 - كتاب الجهاد، 3 - باب النهي عن قتل النساء والولدان في الغزو.

- جواز تبييت العدو

إني أحتسبُ خُطاي في سبيل الله، ثم قال: إنك ستجدُ قوماً زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله، فدعهُم وما زعموا أنهم حبسُوا أنفسهم له، وستجدُ قوماً فحصوا عن أوساط رؤوسهم الشعرَ فاضرب ما فحصوا عنه بالسيف فإني موصيك بعشر: لا تقتلن امرأةً، ولا صبياً، ولا كبيراً هرماً، ولا تقطعْ شجراً مثمراً، ولا تخربنَّ عامراً، ولا تعقرن شاةً ولا بعيراً إلا لمأكلةٍ، ولا تُغرقنَّ نخلاً ولا تحرقنه ولا تغلوا، ولا تجبنُوا". أقول: إن قواعد فن الحرب أن يحاول المقاتل ألا يخرب اقتصاد البلاد المحاربة إلا لضرورة حرب، وهذا الذي تجده في وصية أبي بكر رضي الله عنه. - جواز تبييت العدو: 4842 - * روى البخاري عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) أن الصعب بن جثامة قال: "مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبواء - أو بودان - وسُئل عن أهل الدار من المشركين يُبيتُون، فيُصاب من نسائهم وذراريهمْ؟ قال: هُمْ منهم، وسمعتُه يقول: لا حمى إلا لله ولرسوله". وفي رواية: "هُمْ من آبائهم". هذه رواية البخاري، ووافقه مسلم (1) على الفصل الأول، ولم يذكر الحِمىَ. وفي رواية الترمذي (2) قال: "قلتُ: يا رسول الله، إن خيلنا أوطِئَتْ من نساء المشركين وأولادهم؟ قال: همْ من آبائهم". وفي رواية أبي داود (3) قال: "سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدار من المشركين يُبيتون، فيُصاب من ذراريهم ونسائهمْ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هُمْ منهُم".

_ 4842 - البخاري (6/ 146) 56 - كتاب الجهاد، 146 - باب أهل الدار يبيتون، فيصاب الولدانُ والذراري. (1) مسلم (3/ 136) 32 - كتاب الجهاد والسير، 9 - باب جواز قتل النساء والصبيان في البيات من غير تعمُّد. (2) الترمذي (4/ 137) 22 - كتاب السير، 19 - باب ما جاء في النهي عن قتل النساء والصبيان. (3) أبو داود (3/ 54) كتاب الجهاد، 121 - باب في قتل النساء. (يبيتون) التبييتُ: طروقُ العدو ليلاً على غفلةٍ، للغارة والنهب. (هم منهم) أي حكمهم وحكم أهلهم سواء، وكذلك قوله: "هم من آبائهم". قد تقتل المرأة أو الطفل تبعاً للمقاتلة إما بالتييت وإما بالقصف الجائز فلا إثم.

- سن القتال

وفي رواية: "هم من آبائهم". قال الزهري: "ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك عن قتل النساء والولدان". 4843 - * روى أحمد عن الصعب بن جثامة الليثي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - وسألته عن أولاد المشركين- فقال: "اقتلوهم معهم" قال وقد نهى عنهم يوم خيبر. 4844 - * روى الشيخان عن ابن عمر "أن النبي صلى الله عليه سلم أغار على بني المصطلق وهم غارون وأنعامهم تسقي على الماء فقتل مقاتلهُم وسبى ذراريهم وأصاب يومئذٍ جويرية". أقول: هذا دليل لمن ذهب إلى أن الدعوة إذا وصلت إلى الناس فلم يستجيبوا فلا يجب علينا تبليغهم ودعوتهم قبل القتال. - سن القتال: 4845 - * روى الطبراني عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه أن أم سمرة مات عنها زوجُها وكانت امرأةً جميلةً، فقدمت المدينة فخُطبتْ، فجعلتْ تقول لا أتزوجُ رجلاً إلا رجلاً تكفل لها بنفقة ابنها سمُرة حتى يبلغ، فتزوجها رجل من الأنصار، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعرضُ غلمان الأنصار في كل عام فمن بلغ منهم بعثه، فعرضهم ذات عام فمر به غلامٌ فبعثه في البعث وعُرض عليه سمرة من بعده فردَّهُ، فقال سمرة: يا رسول الله أجزت غلاماً ورددتني ولو صارعني لصرعته، قال: "فدونك: فصارعهُ" قال فصارعته فصرعتُه فأجازني في البعث (1).

_ 4843 - أحمد (4/ 73). الطبراني - الكبير- (8/ 103). مجمع الزوائد (5/ 315) قال الهيثمي: رواه عبد الله بن أحمد والطبراني إلا أنه قال إنه سأله عن السرية تُصيبُ الذرية في غشم الغارة، ورجال المسند رجال الصحيح. 4844 - البخاري (5/ 170) 49 - كتاب العتق، 13 - باب من ملك من العرب رقيقاً فوهب وباع وجامع وفدى وسبى الذرية. مسلم (3/ 1356) 32 - كتاب الجهاد والسير، 1 - باب جواز الإغارة على الكفار الذين بلغهم دعوة الإسلام، من غير تقديم الإعلام بالإغارة. أبو داود (3/ 42) كتاب الجهاد، 100 - باب في دعاء المشركين. 4845 - الطبراني - الكبير (7/ 177). مجمع الزوائد (5 م 319) قال الهيثمي: رجاله ثقات.

- أوقات القتال المندوبة

أقول: يجوز للإمام أن يأذن للصبي غير البالغ بالقتال إذا كان أبواه راضيين بذلك، أو كان القتال فرض عين، فالقادر على القتال لا يحتاج إلى إذن، صغيراً كان أو كبيراً. - أوقات القتال المندوبة: 4846 - * روى الترمذي عن النعمان بن مُقرنٍ (رضي الله عنه) قال: "غزوتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزواتٍ، فكان إذا طلع الفجرُ أمسك عن القتال، حتى تطلع الشمسُ، فإذا طلعتْ قاتل، حتى إذا انتصف النهار أمسك حتى تزول الشمس، فإذا زالت قاتل حتى العصر، ثم أمسك حتى يُصلي العصر، ثم قاتل، قال: كان يقول: عند هذه الأوقات تهيجُ رياحُ النصر، ويدعو المؤمنون لجيوشهم في صلواتهم". واختصره أبو داود (1) "وقال: شهدتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لمْ يقاتلْ في أول النهار، أخرَ القتال حتى تزول الشمس، وتهُب الرياح، وينزل النصرُ". 4847 - * روى الطبراني عن أبي الصلت قال: "كتب إلينا عمر (رضي الله عنه) ونحنُ مع النعمان بن مقرن المزني قال: فإذا لقيتم العدو فلا تفرُّوا، وإذا غنمتُم فلا تغُلُّوا، فلما لقينا العدو قال النعمان: أمهلوا القوم وذلك يوم الجمعة حتى يصعد أمير المؤمنين فيستنصر، فقاتلهم، فأنفض النعمان فقال: سجوني ثوباً وأقبلوا على عدوكم ولا أهولنكم، قال: فأقبلنا عليهم ففتح الله تعالى علينا، وأتى عمر الخبرُ أنه أصيب النعمان وفلانٌ وفلانٌ ورجالٌ لا نعرفهم، قال: ولكن الله يعرفهم". أقول: من أدب المسلمين إذا قتل أميرهم تابعوا المعركة، هذا النعمان رضي الله عنه يصاب فيأمر المسلمين بمتابعة القتال.

_ 4846 - الترمذي (4/ 159) 22 - كتاب السير، 46 - باب ما جاء في الساعة التي يُستحبُّ فيها القتال رجاله ثقات وفيه انقطاع. (1) أبو داود (3/ 49) كتاب الجهاد، 111 - باب في أي وقت يستحب اللقاء، وإسناده صحيح. (ريحُ النصر) العرب تسمي الريح: النصر .. يقولون: كانت الريح لفلانٍ. أي النصرة، ومنه قوله تعالى (وتذهب ريحكم). 4847 - مجمع الزوائد (6/ 215) قال الهيثمي: رواه الطبراني وإسناده حسن. (أنفض) أي أصابه نافضٌ من الحمى له رعدةٌ ولعله بسبب إصابته في المعركة. (لا أهولنكم) لا ينبغي أن يخفيكم ما أصبت به فيمنعكم من متابعة المعركة.

4848 - * روى البخاري عن أبي النصر: سالم مولى عمر بن عبيد الله، وكان كاتباً (رضي الله عنه) قال: كتب إليه عبد الله بن أبي أوفى، فقرأته حين سار إلى الحرورية، يخبره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها العدو انتظر حتى إذا مالت الشمس، قام فيهم فقال: "يا أيها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، وأعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف"، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم مُنزِلَ الكتاب، ومُجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم". 4849 - *روى أبو داود عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُغير عند صلاة الصبح، وكان يستمعُ، فإذا سمع أذاناً أمسك، وإلا أغار". وفي رواية (1) مسلم، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما يُغيرُ إذا طلع الفجر، وكان يستمع الأذان، فإن سمع أذاناً أمسك، وإلا أغار، فسمع رجلاً يقول: الله أكبرُ، الله أكبرُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "على الفطرة"، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهدُ أن لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خرجت من النار"، فنظروا فإذا هو راعي معزى. وأخرجه الترمذي (2) مثل مسلم إلى قوله: "من النارِ".

_ 4848 - البخاري (6/ 23) 56 - كتاب الجهاد، 22 - باب الجنة تحت بارقة السيوف. والحديث له أطراف في صفحات (45، 120، 156) من المجلد السادس، (223) من المجلد الثالث عشر. مسلم (3/ 1362) 32 - كتاب الجهاد والسير، 6 - باب كراهية تمني لقاء العدو، والأمر بالصبر عند اللقاء. أبو داود (3/ 42) كتاب الجهاد، باب في كراهية تمني لقاء العدو. ولم يذكر أبو داود: "انتظاره حتى مالت الشمس". (ظلال السيوف) الظلال: جمع ظل، وهذا من باب الكناية والاستعارة، وهو حث على الجهاد، لأن الإنسان يميل إلى الظل طلباً للراحة، فقيل له: إن الجنة تحت ظلال السيوف، فمن أرادها فليدخل تحت السيف بأن يحمله ويقاتل به، ويصبر على ألم وقعه. (الأحزاب) جمع حزب، وهم الذين يجتمعون من طوائف متفرقة، يتعاضدون على شيءٍ. 4849 - أبو داود (3/ 43) كتاب الجهاد، باب في دعاء المشركين. (1) مسلم (1/ 288) 4 - كتاب الصلاة، 60 باب الإمساك عن الإغارة على قوم ف يدار الكفر ... إلخ. (2) الترمذي (4/ 163) 22 - كتاب السير، 48 - باب ما جاء في وصية صلى الله عليه وسلم في القتال. (يُغيرُ) الإغارة: معروفة، تقول منه: أغار يُغيرُ إغارة، والغارة: الاسم. (الفطرة) الخلقة: يعني ما خلقه الله تعالى عليه من الإيمان.

- مخاطبة العدو قبل القتال

- مخاطبة العدو قبل القتال: 4850 - * روى البخاري عن جُبير بن حية (رحمه الله) قال: "بعث عمر الناس في أفناء الأمصار، يقاتلون المشركين، فأسلم الهرمزانُ، قال: إني مستشيرك في مغازي هذه، قال: نعم، مثلها ومثل من فيها من الناس، من عدوِّ المسلمين: مثلُ طائر له رأسٌ، وله جناحان، وله رجلان، فإن كُسر أحد الجناحين، نهضت الرجلان بجناحِ والرأسُ، فإن كسر الجناح الآخر، نهضت الرجلان والرأس، وإن شُدخَ الرأسُ، ذهبت الرجلان والجناحان والرأس، فالرأس: كسرى، والجناح: قيصر، والجناح الآخر: فارس، فمر المسلمين أن ينفروا إلى كسرى، قال جبير بن حية: فندبنا عمر، واستعمل علينا النعمان بن مُقرنٍ حتى إذا كنا بأرض العدو، خرج علينا عامل كسرى في أربعين ألفاً، فقام ترجمان، فقال: ليكلمني رجلٌ منكم، فقال المغيرة: سل عما شئت، فقال: ما أنتم؟ قال: نحن ناسٌ من العرب، كنا في شقاءٍ شديدٍ وبلاءٍ شديدٍ: نمصُّ الجلد والنوى من الجوع، ونلبسُ الوبر والشعر، ونعبد الشجر والحجر، فبينا نحن كذلك، إذ بعث ربُّ السماوات ورب الأرضين - تعالى ذكره وجلت عظمته - إلينا نبياً من أنفسنا، نعرفُ أباه وأمه، فأمرنا نبينا؛ رسول ربنا صلى الله عليه وسلم: أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده، أو تؤدوا الجزية، وأخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم عن رسالة ربنا: أنه من قُتل منا صار إلى الجنة، في نعيم لمْ يُرَ مثله، ومن بقي منا ملك رقابكم، فقال النعمان: ربما أشهدك الله مثلها مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يُندمك، ولم يخزك، ولكني شهدتُ القتال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إذا لمْ يقاتل في أول النهار، انتظر حتى تهُب الأرواح، وتحضُر الصلاة". وأخرج الترمذي (1) طرفاً من هذا الحديث عن معقل بن يسار، وهذا لفظه، قال معقل ابن يسار: "إن عمر بن الخطاب بعث النعمان بن مُقرنٍ إلى الهرمزان- فذكر الحديث

_ 4850 - البخاري (6/ 258) 58 - كتاب الجزية والموادعة، 1 - باب الجزية والموادعة، مع أهل الذمة والحرب. (1) الترمذي (4/ 160) 22 - كتاب السير، 46 - باب ما جاء في الساعة التي يستحب فيها القتال. (أفناء) الأفناء: جمع فناء، وهو ما امتد من نواحي الأرض. (فندبنا) أي بعثنا إلى الغزاة والجهاد. (ولم يُخزك) من الخزاية: الاستحياء، أو هو من الخزي: الهوان. (الأرواح) جمع ريح، لأن ياءها منقلبة عن واوٍ، فعادت في الجمع إلى الأصل.

- في استشارة عمر للهرمزان

بطوله فقال النعمان بن مقرنٍ: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان إذا لم يقاتل أول النهار، انتظر حتى تزول الشمس، وتهب الرياح، وينزل النصْرُ". قوله (فأسلم الهرمزان): في السياق اختصار كثير، لأن إسلام الهرمزان كان بعد قتال كثير بينه وبين المسلمين بمدينة تستر، ثم نزل على حكم عمر فأسره أبو موسى الأشعري، وأرسل به إلى عمر مع أنس، فأسلم، فصار عمر يقربه ويستشيره، ثم اتفق أن عبيد الله بن عمر بن الخطاب اتهمه بأنه واطأ أبا لؤلؤة على قتل عمر، فعدا عل الهرمزان فقتله بعد قتل عمر [م]. - في استشارة عمر للهرمزان: قال الحافظ: وقع في رواية ابن أبي شيبة من طريق معقل بن يسار أن عمر شاور الهرمازن في فارس وأصبهان وأذربيحان. أي: بأيها يبدأ، وهذا يشعر بأن المراد أنه استشاره في جهات مخصوصة، والهرمزان كان من أهل تلك البلاد، وكان أعلم بأحوالها من غيره، وعل هذا ففي قوله في حديث الباب "فالرأس كسرى، والجناح قيصر، والجناح الآخر فارس" نظر، لأن كسرى هو رأس أهل فارس، وأما قيصر صاحب الروم، فلم يكن كسرى رأساً لهم، وقد وقع عند الطبري من طريق مبارك بن فضالة قال: "فإن فارس اليوم رأس وجناحان" وهذا موافق لرواية ابن أبي شيبة، وهو أولى، لأن قيصر كان بالشام، ثم ببلاد الشمال، ولا تعلق لهم ببلاد العراق وفارس والمشرق، ولو أراد أن يجعل كسرى رأس الملوك، وهو ملك المشرق وقيصر ملك الروم دونه، ولذلك جعله جناحاً، لكان المناسب أن يجعل الجناح الثاني ما يقابله من جهة اليمين كملوك الهند والصين مثلاً، لكن دلت الرواية الأخرى على أنه لم يرد إلى أهل بلاده التي هو عالم بها، وكأن الجيوش إذ ذاك كانت بالبلاد الثلاثة، وأكثرها وأعظمها بالبلدة التي فيها كسرى، لأنه كان رأسهم. عند قوله: (فقام ترجمان): قال الحافظ: وفي رواية الطبري من الزيادة "فلما اجتمعوا أرسل بندار إليهم: أن أرسلوا إلينا رجلاً نكلمه، فأرسلوا إليه المغيرة بن شعبة". وفي رواية ابن أ [ي شيبة "وكان بينهم نهر فسرج إليهم المغيرة، فعبر النهر، فشاور ذو الجناحين أصحابه: كيف نقعد للرسول؟ فقالوا: اقعد له في هيئة الملك وبهجته، فقعد على سريره، ووضع التاج على

رأسه، وقام أبناء الملوك حوله سماطين، عليهم أساور الذهب والقرطة والديباج. قال: فأذن للمغيرة، فأخذ بضبعيْه رجلان، ومعه رمحه وسيفه، فجعل يطعن برمحه في بسطهم ليتطيروا". وفي رواية الطبري قال المغيرة "فمضيت ونكست رأسي، فدفعت، فقلت لهم: إن الرسول لا يفعل به هذا". الخطابُ في "أشهدك" للمغيرة، وكان على ميسرة النعمان، أي: أحضرك الله مثل تيك المغازي، أو هذه المقاتلة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم "ولم يندمك" من الإندام. يقال: أندمه الله فندم. "ولم يخزك" من الإخزاء. يقال: خزي - بالكسر-إذا ذل وهان، وكأنه إشارة إلى قوله صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس "غير خازيا ولا ندامى". - عند قوله (وتحضر الصلاة) قال محقق الجامع: وزاد الطبري في رواية (4/ 119): "ويطيب القتال، فما منعني إلا ذلك، اللهم إني أسألك أن تقر عيني اليوم بفتح يكون فيه عز الإسلام، وذل يذل به الكفار، ثم اقبضني إليك بعد ذلك على الشهادة". وقال الحافظ في الفتح: قد بين مبارك بن فضالة في روايته عن زياد بن جبير ارتباط كلام النعمان بما قبله، وبسياقه يتبين أنه ليس قصة مستأنفة. وحاصله أن المغيرة أنكر على النعمان تأخيره القتال، فاعتذر النعمان بما قاله. ولفظ مبارك ملخصاً "أنهم أرسلوا إليهم: إما أن تعبروا إلينا النهر، أو نعبر إليكم. قال النعمان: اعبروا إليهم. قال: فتلاقوا. وقد قرن بعضهم بعضاً، وألقوا حسك الحديد خلفهم لئلا يفروا. قال: فرأى المغيرة كثرتهم. قال: لم أرى كاليوم مثلاً: إن عدونا يُتْرَكُون يتأهبون. وأما والله لو كان الأمر إلي لقد أعجلتهم" وفي رواية ابن أبي شيبة "فصاففناهم فزاحفونا حتى أسرعوا فينا. فقال المغيرة للنعمان: إنه قد أسرع في الناس. فلو حملت؟ فقال النعمان: إنك لذو مناقب، وقد شهدت مع رسول الله صلى الله لعيه وسلم مثلها" وفي رواية الطبري "قد كان الله أشهدك أمثالها، والله ما منعني أن أناجزهم إلا شيء شهدته من رسول الله صلى الله عليه وسلم". اهـ.

- أجر من خلف المقاتل في أهله

أقول: استراتيجية القتال فن قائم بذاته، وقد أفرده بعض الكتاب بالتأليف، وهو علم ينبغي أن يتقنه المسلمون، وفي استشارة عمر (رضي الله عنه) للهرمزان نموذج عن البحث عن استراتيجية القتال. - أجر من خلف المقاتل في أهله: 4851 - * روى مسلم عن أبي سعيدٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثَ بعثاً إلى بني لحيانَ من هُذيلٍ فقال: "ليخرُجْ من كل رجلين رجلٌ"، ثم قال للقاعد: "أيكم خلف الخارج في أهله وماله بخيرٍ كان له مثلُ نصف أجر الخارج". أقول: إن تنظيم أمر القتال يقتضي في بعض الحالات أن يخرج قسم من الناس ويبقى قسم للعمل والخدمة. وفي هذا النص إشارة إلى هذا الموضوع. والأمم الآن تعمد إلى فكرة الجيش النظامي والجيش الاحتياطي وهو حسن يمكن أن يُستأنس له بهذا النص لفكرة النفير العام الذي تحشد له كل الأمة. - الفرار من المعركة: 4852 - * روى أبو داود عن ابن عمر: بعثنا النبي صلى الله عليه وسلم في سريةٍ فحاص الناس حيصةً فقدمن المدينة فاختبأنا بها، وقلنا: هلكنا، ثم أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله: نحنُ الفرارون، قال: "بل أنتم العكارون وأنا فئتُكم" (1).

_ 4851 - مسلم (3/ 1507) 33 - كتاب الإمارة، 38 - باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب وغيره، وخلافته أهله بخير. أبو داود (3/ 12) كتاب الجهاد، باب ما يجزيء من الغزو. 4852 - أبو داود (3/ 46) كتاب الجهاد، باب التولي يوم الزحف. الترمذي (4/ 214) 24 - كتاب الجهاد، 36 - باب ما جاء في الفرار من الزحف. وقال الترمذي: حسن لا نعرفه إلا من حديث يزيد، بن أبي زياد، ويزيد تكلم فيه غير واحد من الأئمة، مع ذلك حسن الحديث الترمذي، وصححه أحمد شاكر. (حاص) حصت عن الشيء: حدتُ عنه وملت عن جهته. (العكارون) عكرت الشيء: عطفت عليه وانصرفت إليه. أحمد (2/ 100).

- مشاركة النساء في الغزو وأخذهن من الغنيمة من غير سهم لهن

4853 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عكب بن مالك "أن جيشاً من الأنصار كانوا بأرض فارس مع أميرهم وكان عمر يعقبُ له الجيوش في كل عام فشُغل عنهم عمرُ، فلما مرَّ الأجل قفل أهلُ ذلك الثغر، فاشتد عليهم وأوعدهم وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا يا عمر إنك غفلت وتركت فينا الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من إعقاب بعض الغزية بعضاً". أقول: في النص إشارة إلى فكرة الأجازة التي يحتاجها المقاتل أو المرابط أو الفرد في الجيش، فالنص فيه إشارة إلى أنها الأصل، وفي فعل عمر رضي الله عنه ما يدل على أنه يمكن تأجيلها في بعض الأحيان. 4854 - * روى الطبراني عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من فر من اثنين فقدْ فر ومن فرَّ من ثلاثة لم يفر". أقول: هذا النص ينطبق على حالة وجود العدة المناسبة، ولو كان تكافؤ العدة في أدنى درجاته، أما إذا كان عند الكافرين عدة وكان المسلمون عزلاً وكانت الحرب حرب مواجهة فلا اعتبار بالعدد. - مشاركة النساء في الغزو وأخذهن من الغنيمة من غير سهم لهن: 4855 - * روى مسلم عن نجدة بن عامرٍ الحروري "كتب إلى ابن عباسٍ يسأله عن خمس خصالٍ؟ فقال ابن عباس: لولا أن أكتُم علماً ما كتبتُ إليه -كتب إليه نجدةُ: أما بعد، فأخبرني: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء؟ وهل كان يضرب لهن بسهمٍ؟ وهل كان يقتل الصبيان؟ ومتى ينقضي يتم اليتيم، وعن الخمس: لمن هو؟ فكتب إليه ابن عباس: كتبت تسألني: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بالنساء؟ وقد كان يغزو بهن، فيُداوين الجرحى ويحذين من الغنيمة، وأما سهمٌ؛ فلم يضرب لهن، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يقتل الصبيان، فلا تقتل الصبيان، وكتبت تسألني: متى ينقضي يُتمُ اليتيم (1)؟

_ 4853 - أبو داود (3/ 138) كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في تدوين العطاء. ورجاله ثقات. 4854 - الطبراني (11/ 93). مجمع الزوائد (5/ 328) قال الهيثمي: رواه الطبراني، ورجاله ثقات. 4855 - مسلم (3/ 1444) 32 - كتاب الجهاد والسير، 48 - باب النساء الغازيات يرضخ لهن ولا يسهم. والنهي عن قتل الصبيان أهل الحرب.

فلعمري، إن الرجل لتنبُتُ لحيته وإنه لضعيفُ الأخذ لنفسه، ضعيفُ العطاء منها، وإذا أخذ لنفسه من صالح ما يأخذ الناس فقد ذهب عنه اليُتْمُ، وكتبت تسألني عن الخُمس لمن هو؟ وإنا نقول: هو لنا، فأبى علينا قومنا ذاك". وفي رواية (1): "فلا تقتل الصبيان، إلا أن تكون تعلم ما علم الخضرُ من الصبي الذي قتل". وزاد في أخرى (2): "وتُميزُ المؤمن من الكافر، فتقتل الكافر، وتدع المؤمن". وفي رواية (3) قال: "كتب نجدةُ بن عامر الحروري إلى ابن عباس يسأله عن العبد المرأة يحضُران المغنم: هل يُقسم لهما - وذكر باقي المسائل نحوه - فقال ابن عباس ليزيد بن هرمز: اكتب إليه، فلولا أني قع في أحموقةٍ ما كتبت إليه، كتبتَ تسألني عن العبد والمرأة يحضران المغنم، هل يُقسم لهما شيءٌ، وإنه ليس لهما شيءٌ إلا أن يُحذيا، وقال في اليتيم: إنه لا ينقطع عنه اسم اليتم، حتى يبلغ، ويؤنس منه الرشد" والباقي نحوه. وفي أخرى (4): "ولولا أن أرُدَّهُ عن نتنٍ يقع فيه، ما كتبت إليه، ولا نعمة عينٍ ... " الحديث. وأخرج أبو داود (5) منه طرفاً، وهذا لفظه، قال: كتب نجدةُ إلى ابن عباس يسأله عن أشياء؟ وعن المملوك: ألهُ في الفيء شيءٌ؟ وعن النساء: هل كُنَّ يخرُجنَ مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهل لهن نصيبٌ؟ فقال ابن عباس: لولا أن يأتي أحمُوقةً ما كتبتُ إليه، أما

_ (1) مسلم (3/ 1445) 32 - كتاب الجهاد والسير، 48 - باب النساء الغازيات يرضخ لهن ولا يسهم. والنهي عن قتل صبيان أهل الحرب. (2) نفس الموضع السابق. (3) مسلم نفس الموضع السابق. (4) مسلم (3/ 1446) وبقية التخريج السابق نفسه. (5) أبو داود (3/ 74) كتاب الجهاد، باب في المرأة والعبد يُحذيان من الغنيمة. (يُحذى) أحذيته أحذيه إحذاءاً: إذا أعطيته، والحذية والحُذيا: العطيةُ. (أحموقة) أفعولة من الحمق: أي خصلة ذات حمق. (يؤنس) آنستُ من فلانٍ كذا: إذا علمته منه، وعرفته فيه. (والرشدْ) السداد والعقل وحسن التصرف.

المملوكُ: فكان يُحذى، وأما النساء: فقد كُنَّ يداوين الجرحى ويسقين الماء. (قول ابن عباس ما كتبت إليه): قال النووي: يعني: إلى نجدة الحروري. يعني: أن ابن عباس كان يكره نجدة لبدعته، وهي كونه من الخوارج الذين مرقوا من الدين مروق السهم من الرمية، لكن لما سأله عن العلم، لم يمكنه كتمه، فاضطر إلى جوابه، وقال "لولا أن أكتم علماً ما كتبت إليه" أي: لولا أني إذا تركت الكتابة أصير كاتماً للعلم مستحقاً لوعيد كاتمه، لما كتبت إليه. (متى ينقضي يتم اليتيم): قال النووي: معنى هذا: متى ينقضي حكم اليتيم ويستقل بالتصرف في ماله؟ وأما نفس اليتم فينقضي بالبلوغ. وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يتم بعد الحلم". وفي هذا دليل للشافعي ومالك وجماهير العلماء: أن حكم اليتيم لا ينقطع بمجرد البلوغ، ولا بعلو السن. بل لابد أن يظهر منه الرشد في دينه وماله، وقال أبو حنيفة: إذا بلغ خمساً وعشرين سنة، زال عنه حكم الصبيان، وصار رشيداً يتصرف في ماله، يوجب تسليمه إليه وإن كان غير رشيد. وأما الكبير إذا طرأ تبذيره، فمذهب مالك وجماهير العلماء وأبي يوسف ومحمد وأحمد وإسحاق: وجوب الحجر عليه، وقال أبو حنيفة: لا يحجر عليه، وقال ابن القصار وغيره: الصحيح الأول، وكأنه إجماع. (وسألتني عن الخمس لمن هو): معناه: خُمسُ خمس الغنيمة الذي جعله الله لذوي القربى. وقد اختلف العلماء فيه، فقال الشافعي مثل قول ابن عباس، وهو: أن خمس الخمس من الفيء والغنيمة يكون لذوي القربى، وهم عند الشافعي والأكثرين: بنو هاشم، وبنو المطلب. وقوله: "فأبى علينا قومنا ذاك" أي: رأوا أنه لا يتعين صرفه إلينا، بل يصرفونه في المصالح. (فلا تقتل الصبيان إلا أن تعلم ما علم الخضر):

معناه: أن الصبيان لا يحل قتلهم، ولا يحل لك أن تتعلق بقصة الخضر، وقتله الصبي، فإن الخضر ما قتله إلا بأمر الله تعالى على اليقين، كما قال في آخر القصة: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} فإن كنت أنت تعلم من صبي ذلك، فاقتله. ومعلوم: أنه لا علم له بذلك، فلا يجوز لك القتل، قاله النووي. (وتميز المؤمن من الكافر): أي: تدع من يكون إذا عاش إلى البلوغ مؤمناً، ومن يكون إذا عاش كافراً فاقتله، كما علم الخضر أن ذلك الصبي لو بلغ لكان كافراً، فقد أعلمه الله تعالى ذلك، ومعلوم: أنك أنت لا تعلم ذلك، فلا تقتل صبياً. قاله النووي. 4856 - * روى البخاري عن الرُّبيع بنت مُعوذٍ (رضي الله عنها) قالت: "لقد كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنسقي القوم ونخدمهم، ونرُد القتلى والجرحى إلى المدينة". 4857 - * روى مسلم عن (أم عطية): "غزوتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزواتٍ اخلفهم في رحالهم فأصنعُ لهم الطعام وأُداوي الجرحى وأقومُ على المرضى". 4858 - * روى أبو يعلي عن أنس "أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كُن يُدلجنَ بالقربِ يسقين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم". 4859 - * روى الطبراني عن أم كبشة - امرأةٍ من عُذرة - بني قضاعة- أنها قالتْ يا رسول الله أتأذنُ أن أخرُج في جيش كذا وكذا؟ قال: لا قالت: يا رسول الله إنه ليس أريد أن أقاتل إنما أريدُ أدوي الجرحى والمرضى أو أسقي المرضى قال: لولا أن تكون سُنة ويقال: فلانةٌ خرجت لأذنت لك، ولكن اجلسي. أقول (1): إن لأمير المسلمين أن يلحظ في أمر مشاركة المرأة في القتال ما يناسب الحال، حال المرأة، وحال المسلمين، وبناء على هذه الحالة يتصرف، وقد نص الفقهاء أنه إذا هوجم

_ 4856 - البخاري (6/ 80) 56 - كتاب الجهاد، 68 - باب رد النساء الجرحى والقتلى. 4857 - مسلم (3/ 1447) 32 - كتاب الجهاد، باب النساء الغازيات يرضخ لهم ولا يسهم، والنهي عن قتل صبيان أهل الحرب. 4858 - أبو يعلي (6/ 55) حديث رقم (3300) ورجاله ثقات. 4859 - الطبراني - الكبير- (25/ 76)، مجمع الزوائد (5/ 323) وقال الهيثمي: ورجالهما رجال الصحيح.

- في حكم القتل بالنار وقتل الصبر

بلد من بلاد المسلمين فالمرأة القادرة على القتال تقاتل بلا إذن زوجها ولا تحتاج إلى إذن أحد، ومما يدل على ذلك: 4860 - * روى مسلم عن أنس: أن أم سُليمٍ اتخذتْ يوم حُنين خنجراً فكان معها فرآها أبو طلحة فقال: يا رسول الله هذه أم سُليم معها خنجرٌ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما هذا الخنجر" قالت: اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرتُ به بطنه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، قالت: يا رسول الله: اقتُلْ من بعدنا من الطلقاء انهزموا بك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أم سليم! إن الله قد كفى وأحسن". 4861 - * روى مسلم عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بأم سليم ونسوةٌ من الأنصار معه، فيسقين الماء، ويُداوين الجرحى". - في حكم القتل بالنار وقتل الصبر: 4862 - * روى أبو داود عن حمزة الأسلمي "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهُ على سرية قال: فخرجتُ فيها وقال إنْ وجدتُم فلاناً فأحرقُوه بالنار فوليتُ فناداني فرجعتُ إليه فقال إن وجدتم فلاناً فاقتلوه ولا حرقوه فإنه لا يُعذبُ بالنار إلا ربُّ النار". أقول: من قوانين الحرب الحديثة عدم استعمال قنابل النابالم وهي قنابل محرقة، وعدم استعمال الأسلحة الكيماوية والجرثومية، وفي هذا النص إشارة إلى سبق الإسلام في اعتماد بعض هذه القوانين ولا شك أن هذه القوانين تحتاج إلى دراسة وإلى فتوى فيما يعتمد منها وما لا يعتمد، ومتى يصح خرقها كأن يقابل العدو بالمثل مثلاً، وفي النص إشارة إلى أن الأصل عدم جواز ما يسمى بالحرب النووية الآن (1).

_ 4860 - مسلم (3/ 1442) 32 - كتابي الجهاد والسير، 47 - باب غزوة النساء مع الرجال. أبو داود (3/ 71) كتاب الجهاد، باب في السلب يعطى القاتل. 4861 - مسلم (3/ 1443) 32 - كتاب الجهاد والسير، 47 - باب غزوة النساء مع الرجال. الترمذي (4/ 139) 22 - كتاب السير، 22 - باب ما جاء في خروج النساء في الحرب. أبو داود (3/ 18) كتاب الجهاد، باب في النساء يغزون. 4862 - أبو داود (3/ 54) كتاب الجهاد، باب في كراهية حرق العدو بالنار، وهو حديث صحيح.

4863 - * روى أبو داود عن عروة بن الزبير بن العوام (رضي الله عنهم) قال: حدثني أسامة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عهد إليه، قال: "أغرْ على أبني صباحاً، وحرقْ". قيل لأبي مسهر: أبني؟ قال: نحن أعلم، هي: يُبنى: فلسطين. أقول: إن مصلحة الحرب قد تقتضي استعمال وسائل خاصة كالتحريق وإتلاف الأموال، وذلك خلاف الأصل والأمير يقدر ذلك، ويمضي على ضوء الفتوى المعتبرة من أهلها إن لم يكن هو من أهل الاجتهاد أو الفتوى. 4864 - * روى أبو داود عن عُبيد بن تعلي الفلسطيني رحمه الله قال: "غزونا مع عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، فأُتي بأربعة أعلاج من العدو، فأمر بهم فقتلوا صبراً". وفي رواية: بالنبل صبراً" فبلغ ذلك أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه فقال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن قتل الصبر، فوالذي نفسي بيده، لو كانت دجاجةٌ ما صبرتُها، فبلغ ذلك عبد الرحمن بن خالد، فأعتق أربع رقابٍ". أقول: الجمهور على أن إمام المسلمين مخير في الأسرى بين القتل والمن والاسترقاق والفدية لكن الإحسان إلى الأسير هو الأصل وهو الذي يشهد له هذا النص، والآن وقد تعارف الناس على عدم قتل الأسير، فالمسلمون أولى الناس بتطبيق هذا العرف إلا إذا وجدت ضرورة ملجئة فبالإمكان أن يطبقوا ما أفتى به الجمهور. 4865 - * روى البزار عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قتلُ الصبر لا يمُر بذنب إلا محاه" (1).

_ 4863 - أبو داود (3/ 38) كتاب الجهاد، باب في الحرق في بلاد العدو. ابن ماجة (2/ 948) 24 - كتاب الجهاد، 31 - باب التحريق بأرض العدو سكت عنه المنذري. (أبني) ويبنى: اسم موضعٍ بين عسقلان والرملة من أرض فلسطين. 4864 - أبو داود (3/ 60) كتاب الجهاد، باب في الأسير بالنبل حسن ورجاله ثقات. (أعلاج) جمع علج: وهو الرجل من كفار العجم، ويجمع أيضاً على عُلوج وعلجةٌ. (صبراً) صبرتُ القتيل على القتل: إذا حبسته عليه لتقتله بالسيف وغيره من أنواع السلاح وسواه، وكل من قتل أي قتلةٍ كانت إذا لم يكن في حرب ولا على غفلة ولا غرة فهو مقتولٌ صبراً. 4865 - كشف الأستار عن زوائد البزار (2/ 214) كتاب الحدود، باب قتل الصبر كفارة لما قبله. وقال البزار: لا نعلمه يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه، ولا نعلم أسنده إلا يعقوب، وهو حديث حسن. (قتل الصبر) هو أن يوثق ثم يرمى حتى يموت ..

- حرمة نساء المجاهدين

أقول: هذا النص في المسلم إذا قُتل صبراً فإن في قتله كفارة لخطاياه. ويدخل في قتل الصبر كل أنواع القتل التي ينفذها ذو سلطة لمن كان في قبضته. - حرمة نساء المجاهدين: 4866 - * روى مسلم عن بُريدة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حرمةُ نساء المجاهدين على القاعدين كحُرمة أمهاتهم، وما من رجلٍ من القاعدين يخلُفُ رجلاً من المجاهدين في أهله فيخونه فيهم، إلا وُقِفَ له يوم القيامة، فيأخذ من حسناته ما شاء حتى يرضى، ثم التفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: فما ظنُّكم؟ ". وفي رواية أبي داود (1) مثله، وفيه "إلا نُصبَ له يوم القيامة، فقيل: هذا قد خلفَك في أهلِكَ، فخُذْ من حسناته ما شئتَ ... الحديث". وفي رواية النسائي (2) مثل رواية أبي داود، وزاد "تُرَوْن يدعُ له من حسناته شيئاً؟ ". - الغنائم من الأجر المعجل في الدنيا للمجاهد: 4867 - * روى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من غازيةٍ أو سريةٍ تغزو في سبيل الله، فيسلمون ويصيبون، إلا تعجلوا ثلثي أجرهم، وما من غازيةٍ أو سريةٍ تخفقُ وتخوفُ وتُصابُ، إلا تم أجرهم". وفي رواية (3): "ما من غازيةٍ تغزو في سبيل الله، فيصيبون الغنيمة إلا تعجلوا ثلثي

_ 4866 - مسلم (3/ 1058) 33 - كتاب الإمارة، 39 - باب حرمة نساء المجاهدين، وإثم من خانهم فيهن. (1) أبو داود (3/ 8) كتاب الجهاد، باب في حرمة نساء المجاهدين على لقاعدين. (2) النسائي (6/ 51) 25 - كتاب الجهاد، 48 - باب من خان غازياً في أهله. (يخلُف) خلفتُ الرجل في أهله: إذا قمتُ فيهم مقامه. 4867 - مسلم (3/ 1514) 33 - كتاب الإمارة، 44 - باب بيان قدر ثواب من غزا فغنم ومن لم يغنم. (3) أبو داود (3/ 8) كتاب الجهاد، باب في السرية تخفقُ.

أجر الجهاد على النية الصادقة

أجرهِم من الآخرة، ويبقى لهم الثلث، وإن لم يصيبوا غنيمةً: تم لهم أجرهم". قوله (تخفق) قال النووي: قال أهل اللغة: الإخفاق. أن يغزو فلا يغنموا شيئاً، وكذلك كل طالب حاجة. إذا لم تحصل له فقد أخفق. ومنه أخفق الصائد: إذا لم يقع له صيد. وأما معنى الحديث: فالصواب الذي لا يجوز غيره: معناه: أن الغزاة إذا سلموا وغنموا يكون أجرهم أقل من أجر من لم يسلم، أو سلم ولم يغنم، وأما الغنيمة: فهي في مقابلة جزء من أجر غزوهم، فإذا حصلت لهم، فقد تعجلوا ثلثي أجرهم المرتب على الغزو، وتكون هذه الغنيمة من جملة الأجر. وهذا موافق للأحاديث الصحيحة المشهورة عن الصحابة كقوله "منا من مات ولم يأكل من أجره شيئاً، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها" أي: يجتنبها، فهذا الذي ذكرناه: هو الصواب، وهو ظاهر الحديث، ولم يأت حديث صحيح صريح يخالف هذا، فتعين حمله على ما ذكرنا. وقد اختار القاضي عياض معنى هذا الذي ذكرناه. أجر الجهاد على النية الصادقة: 4868 - * روى البخاري عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: رجعنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "إن قوماً خلفنا بالمدينة، ما سلكنا شعباً ولا وادياً: إلا وهم معنا، حبسهم العُذر". هذه رواية البخاري. وفي رواية (1) أبي داود: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لقدْ تركْتُم بالمدينة أقواماً،

_ = النسائي (6/ 17) 25 - كتاب الجهاد، 15 - باب ثواب السرية التي تخفق. (غازية) تأنيث غاز، وهو صفة لجماعة غازية. (تخفقُ) أخفق الغازي: إذا غزا ولم يغنم أو لم يظفر. (تصابُ) أصيبت السرية: إذا نيل منها. 4868 - البخاري (6/ 46) 56 - كتاب الجهاد، 35 - باب من حبسه العُذر عن الغزو. (1) أبو داود (3/ 12) كتاب الجهاد، باب في الرخصة في القعود من العذر. (شعباً) الشعب: الفرق بين الجبلين كالوادي ونحوه. (حبسهم العذر) أي منعهم من المسير معكم ما كان من أعذارهم، كالمرض وغيره.

- فيمن يسلمون رهبة من أسر أو نحوه فيحسن إسلامه

ما سرتُم مسيراً، ولا أنفقتم من نفقةٍ، ولا قطعتم من وادٍ إلا وهم معكم فيه، قالوا: يا رسول الله، وكيف يكونون معنا، وهم بالمدينة؟ قال: حبسهم العُذر". 4869 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاةٍ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بالمدينة رجالاً ما سرتُم مسيراً، ولا قطعتمْ، إلا كانوا معكم، حبسهم المرضُ". - فيمن يسلمون رهبة من أسر أو نحوه فيحسن إسلامه: 4870 - * روى عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "عجبَ ربُّنا تعالى من قومٍ يُقادون إلى الجنة في السلاسل". وللبخاري (1): عجب الله من قومٍ يدخلون الجنة في السلاسل. قال أبو داود: يعني: الأسير يوثقُ ثم يُسلمُ. - المن على الأسرى: 4871 - * روى مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه): أن ثمامة الحنفي أُسر، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يغدو إليه، فيقول "ما عندك يا ثُمامةُ"؟ فيقول: إن تقتُل تَقتلْ ذا دمٍ، وإن تمُن تمنَّ على شاكرٍ، وإن تُرد المال نعطك منه ما شئت. وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يحبون الفداء، ويقولون ما يُصنع بقتل هذا؟ فمن عليه النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فأسلم. فحلهُ وبعث به إلى حائط أبي طلحة، فأمره أن يغتسل، فاغتسل. وصلى ركعتين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد حسُن إسلام أخيكم". 4872 - * روى النسائي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ 4869 - مسلم (3/ 1518) 33 - كتاب الإمارة، 48 - ثواب من حبسه عن الغزو مرض أو عذر آخر. (قطعتم وادياً) قطعت الوادي: إذا جُزته وعبرته، أراد به: مسيرهم في غزوهم ومقصدهم. 4870 - أبو داود (3/ 56) كتاب الجهاد، باب في الأسير يوثق. (1) البخاري (6/ 145) 56 - كتاب الجهاد، 144 - باب الأسارى في السلاسل. 4871 - مسلم (3/ 1386) 32 - كتاب الجهاد والسير، 19 - باب ربط الأسير وحبسه، وجواز المن عليه. 4872 - النسائي (2/ 46) 8 - كتاب المساجد، 20 - ربط الأسير بسارية المسجد. وهو طرف من حديث طويل أخرجه البخاري ومسلم، وقد ورد في السيرة مطولاً.

- فداء الأسرى

خيلاً قبل نجدٍ، فجاءت برجلٍ من بني حنيفة، يقال له: ثمامة بن أثال، فربطه بسارية من سواري المسجد". 4873 - * روى أحمد عن عديِّ بن حاتم قال: جاءت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بعقرب فأخذوا عمتي وناساً، قال: فلما أتوا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فصُفوا له قالت: يا رسول الله نأى الوافدُ وانقطع الوالدُ وأنا عجوزٌ كبيرةٌ ما بي من خدمة فمن علي من الله عليك، قال: "ومن وافدك" قالت: عديُّ بن حاتم قال: "الذي فر من الله عز وجل ورسوله" قالت: فمن عليَّ، قالت: فلما رجع ورجل إلى جنبه ترى أنه عليٌّ قال: سليه حملاناً قال فسألته قال فأمر لها. - فداء الأسرى: 4874 - * روى مسلم عن عمران بن حُصين (رضي الله عنه) قال: كانت ثقيفُ حلفاء لبني عقيلٍ، فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من بني عُقيل، وأصابوا معه العضباء فأتى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وه في الوثاق، فقال: يا محمد، فأتاه، فقال: "ما شأنك؟ " فقال: بم أخذتني وأخذت سابقة الحاجِّ؟ - يعني: العضباء- فقال: "أخذتك بجريرة حلفائك ثقيف"، ثم انصرف عنه، فناداه، فقال: يا محمد! يا محمدُ - وكان رسول الله صلى الله لعيه وسلم رحيماً رفيقاً - فرجع إليه فقال: "ما شأنك؟ " قال: إني مسلمٌ، قال: "لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح"، ثم انصرف عنه، فناداه: يا محمد، يا محمد، فأتاه فقال: "ما شأنك؟ " فقال: إني جائع فأطعمني، وظمآن فأسقني قال: "هذه حاجتُك"، ففدى بالرجلين، قال: وأُسرتْ امرأةٌ من الأنصار، وأصيبت الغضباء فكانت المرأة في الوثاق، وكان القوم يريحون نعمهم بين يدي بيوتهم، فانفلتت ذات ليلةٍ من الوثاق (1)،

_ 4873 - أحمد (4/ 378). مجمع الزوائد (5/ 334) قال الهيثمي: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح، غير عباد بن حبيش وهو ثقة. (حملاناً) أي شيئاً تركب عليه. 4874 - مسلم (3/ 1262) 26 - تكاب النذر، 3 - باب لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك العبد. أبو داود (3/ 239) كتاب الأيمان والنذور، باب في النذر فيما لا يملك.

فاتت الإبل، فجعلت إذا دنت من البعير رغا، فتتركه حتى تنتهي إلى العضباء، فلم ترُغْ، قال: وهي ناقةٌ منوقةٌ - وفي رواية: ناقةٌ مدربةٌ - وعند أبي داود: ناقةٌ محرسةٌ- فقعدت في عجُزها، ثم زجرتها فانطلقت، ونذروا بها، فطلبوها، فأعجزتهم، قال: ونذرت لله، إن نجاها الله عليها لتنحرنها، فلما قدمت المدينة رآها الناس، فقالوا: العضباء، ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إنها نذرت إن نجاها الله عليها أن تنحرها، فأتوا رسول الله صلى الله عليه سلم، فذكروا ذلك له، فقال: "سبحان الله!! بئسما جَزتْها، نذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحرنها؟ لا وفاء لنذرٍ في معصيةٍ، ولا فيما لا يملك العبدُ". وأخرج الترمذي (1) منه طرفاً قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدى رجلين من المسلمين برجلٍ من المشركين" يعني: الأسير المذكور. قال النووي: وفي هذا دليل على أن من نذر نذر معصية كشرب الخمر ونحو ذلك،

_ (1) الترمذي (4/ 135) 22 - كتاب السير، 18 - باب ما جاء في قتل الأسارى والفداء. (حلفاء) جمع حليف، وهو الذي يحالفك على شيء، أي: يعاهدك عليه. (العضباء) اسم ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم والناقة العضباء: المشقوقة الأذن، ولم تكن ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عضباء، وإنما كان هذا اسماً لها. (سابقة الحاج) أراد بسابقة الحاج: ناقته، كأنها كانت تسبق الحاج لسرعتها. (بجريرة حلفائك) يعني أنه كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين ثقيف موادعة، فلما نقضوها ولم يُنكر عليهم بنو عقيل صاروا مثلهم في نقض العهد، وإنما رده إلى دار الكفر بعد إظهاره كلمة الإسلام، لأنه علم أن غير صادق، وأن ذلك لرغبة أو رهبة، وهذا خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل: معناه: أخذت لتُدفع بك جزيرة حلفائك من ثقيف، ويدل على صحة ذلك، أنه فُدي بعد بالرجلين اللذين أسرهما ثقيفٌ من المسلمين. وقوله: "لو قلتها وأنت تملك أمرك، أفلحت كل الفلاح" يريد: إذا أسلمت قبل الأسر أفلحت الفلاح التام: بأن تكون مسلماً حرا، لأنه إذا أسلم عبد اسر كان مسلماً عبداً. (ففثعدي) فدي الأسير: إذا أعطى عوضه مالاً أو غيره، وأطلق سبيله. (رُغاء) صوت ذوات الخف، يقال: رغا البعير: إذا صاح. (منقوةٌ) ناقةٌ منوقة: مذللة مؤدبةٌ. (مدربة) المدربة: المخرجة التي قد ألفت الركوب والسير. (مجرسة 9 المجربة في الركوب والسير. (نذروا بها) أي: علموا بها.

- قتل الأسير

فنذره باطل لا ينعقد، ولا تلزم كفارة يمين ولا غيرها، وبهذا قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأبو داود وجمهور العلماء. وقال أحمد: تجب فيه كفارة اليمين للحديث المروي عن عمران بن الحصين. وعن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا نذر في معصية كفارته كفارة يمين" فضعيف باتفاق المحدثين. قال محقق الجامع: وحديث عائشة أخرجه أحمد وأصحاب السنن، وحديث عمران أخرجه النسائي، وراجع ما قاله المناوي في "فيض القدير" [م]. - قتل الأسير: 4875 - * روى أبو داود عن إبراهيم النخعي قال: "أراد الضحاكُ بن قيس أن يستعمل مسروقاً، فقال له عمارة بن عقبة بن أبي معيط: أتستعمل رجلاً من بقايا قتلة عثمان؟ فقال له مسروق: حدثنا عبد الله بن مسعود- وكان في أنفسنا موثوق الحديث - "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد قتل أبيك، قال: من للصبية؟ فقال: النارُ" وقد رضيت لك ما رضي لك رسول الله صلى الله عليه وسلم. أقول: رأينا أن بعض العلماء جعلوا الإمام مخيراً في الأسير بين القتل والمن والفداء والاسترقاق، وهذا النص الأخير يصلح دليلاً على جواز قتل الأسير. - السكينة عند الفزع والقتال: 4876 - * روى أبو داود عن سمُرة قال: "أما بعدُ: فإن النبي صلى الله عليه وسلم سمى خيلنا خيل الله إذا فزعنا وكان يأمرنا إذا فزعنا: بالجماعة، والصبر، والسكينة، إذا قاتلنا". 4877 - * روى أبو داود عن قيس بن عُبادٍ (رحمه الله) قال (1): "كان أصحاب

_ 4875 - أبو داود (3/ 60) كتاب الجهاد، باب في قتل الأسير صبراً. 4876 - أبو داود (3/ 25) كتاب الجهاد، باب في النداء عند النفير: يا خيل الله اركبي. وسكت عنه المنذري كذا في تخريج السنن 3/ 391. 4877 - أبو داود (3/ 50) كتاب الجهاد، باب فيما يؤمر به من الصمت عند اللقاء. إسناده حسن. =

- الشعار في المعركة

رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون الصوت عند القتال". أقول: من المعروف في فن الحرب أن كثرة الجلب والضوضاء ليست علامة صحية في الجيش المقاتل وهذا النص يشهد لصحة هذا المعنى. - الشعار في المعركة: 4878 - * روى أبو داود عن سلمة بن الأكوع (رضي الله عنه) قال: "أمر علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مرةً أبا بكر في غزاة، فبيتنا ناساً من المشركين نقتلهم، وقتلت بيدي تلك الليلة سبعة أهل أبياتٍ من المشركين، وكان شعارنا: أمتْ". وفي رواية أخرى: "يا منصور أمتْ، يا منصُ أمتْ". أخرجه أبو داود، وانتهت روايته عند "أمتْ" الأولى. وفي أخرى (1) لأبي داود أيضاً قال: "غزونا مع أبي بكرٍ زمن النبي صلى الله عليه وسلم فكان شعارنا: أمت، أمت". حديث صحيح لغيره. 4879 - * روى أبو يعلي عن عليِّ بن أبي طالبٍ قال: "كان شعارُ النبي صلى الله عليه وسلم يا كل خير". أقول: من المتعارف عليه في الجيوش أن تكون هناك حالات يكون للأفراد فيها كلمة

_ = (يكرهون الصوت) كراهية الصوت في القتال: مثل أن يُنادي بعضهم بعضاً، أو يفعل أحدهم فعلاً له أثرٌ، فيصيح ويعرف نسه على جهة الفخر والعُجب، ونحو ذلك. 4878 - أبو داود (3/ 43) كتاب الجهاد، باب في البيات. (1) أبو داود (3/ 33) كتاب الجهاد، باب في الرجل ينادي بالشعار. حديث صحيح لغيره. (فبيتنا) التبييت: الطروق ليلاً على غفلة، للغارة. (أمت، أمتْ) أمرٌ بالموت، وقوله: يا منصُ، ترخيم منصور بحذف الراء والواو، والمراد: التفاؤل بالنصر، مع حصول الغرض بالشعار، لأنهم جعلوا هذا اللفظ بينهم علامة يعرف بعضهم بعضاً بها لأجل ظلمة الليل. 4879 - أبو يعلي (1/ 390). مجمع الزوائد (5/ 227) قال الهيثمي: رواه أبو يعلي عن القواريري عن منصور بن عبد الله الثقفي القواريري روى عن سفيان، وذكر ابن حبان في الثقات منصور بن عبد الله، يروي عن الزهري وكان يطلب الحديث مع ابن عيينه والظاهر أنه هو، وبقية رجاله ثقات.

- الراية في المعركة

سر يتعارفون فيها فيما بينهم، وهذان النصان أصل في ذلك. 4880 - * روى الترمذي عن المهلب بن أبي صُفرة (رحمه الله) عمنْ سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن بيتكمْ العدو فقولوا: حم، لا ينصرون". وروى عن المهلب مرسلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال القاري في شرح المشكاة "7/ 234": قال القاضي: أي علامتكم التي تعرفون بها أصحابكم هذا الكلام، والشعار في الأصل: العلامة التي تنصب ليعرف الرجل بها رقته. و"حم لا ينصرون". معناه: بإيماننا بما في هذه السور وما أفادنا من الثقة بربنا، لا ينصرون. والحواميم السبع لها شأن، قال حميد بن زنجويه: حدثنا عبد الله بن موسى، حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "إن مثل القرآن كمثل رجل انطلق يرتاد لأهله منزلاً، فمر بأثر غيث، فبينما هو يسير به ويتعجب منه، إذ هبط على روضات دمثات، فقال: عجبت من الغيث الأول، فهذا أعجب منه وأعجب. فقيل له: إن مثل الغيث الأول مثل معظم القرآن، وإن مثل هؤلاء الروضات الدمثات مثل آل حم في القرآن" ذكره ابن كثير "7/ 275". قال القاري: فنبه صلى الله عليه وسلم على أن ذكرها لعظم شأنها وشرف منزلتها عند الله تعالى، مما يستظهر به المسلمون على استنزال النصر عليهم، والخذلان على عدوهم، وأمرهم أن يقولوا: "حم" ثم استأنف وقال "لا ينصرون" جواباً لسائل عسى أن يقول: ماذا يقول إذا قلت هذه الكلمة؟ فقال: لا ينصرون. - الراية في المعركة: 4881 - * (1) روى أحمد عن بان عباسٍ "أن راية النبي صلى الله عليه وسلم كانت تكونُ مع عليِّ بن أبي

_ 4880 - الترمذي (4/ 197) 24 - كتاب الجهاد، 11 - باب ما جاء في الشعار. أبو داود (3/ 33) كتاب الجهاد، باب في الرجل ينادي بالشعار. وهو حديث صحيح. 4881 - أحمد (1/ 368)، مجمع الزوائد (5/ 321) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير عثمان بن زفر الشامي وهو ثقة.

- خير السرايا والجيوش

طالب وراية الأنصار مع سعد بن عُبادة وكان إذا استحرَّ القتالُ كان النبي صلى الله عليه وسلم مما يكونُ تحت راية الأنصار". - خير السرايا والجيوش: 4882 - * روى الترمذي عن ابن عباس (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خيرُ الصحابة: أربعةٌ، وخيرُ السرايا: أربعمائةٍ، وخيرُ الجيوش أربعةُ آلافٍ، ولن يغلب اثنا عشر ألفاً من قلةٍ". أقول: الظاهر أن أفضل التشكيلات في حر بالعصابات هو التشكيل الرباعي، وأن أفضل الوحدات القتالية المتكاملة هي ما كان عددها أربعة آلاف، ويرى المالكية والحنفية أن العدد اثني عشر ألفاً يلغي أي تفوق عددي للعدو. 4883 - * روى البخاري عن سليمان بن حبيب المحاربي (رحمه الله) قال: سمعتُ أبا أمامة يقول: "لقد فتح الفتوح قومٌ، ما كانت حليةُ سيوفهم الذهب ولا الفضة، إنما كانت حليتهم العلابى والآنُك والحديد". - الإقامة في أرض العدو: 4884 - * روى الشيخان عن أبي طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان إذا ظهر على قومٍ أقام بالعرصة ثلاث ليالٍ" (1).

_ 4882 - الترمذي (4/ 125) 22 - كتاب السير، 7 - باب ما جاء في السرايا. أبو داود (3/ 36) كتاب الجهاد، باب فيما يستحب من الجيوش والرفقاء والسرايا وسنده حسن، وحسنه الترمذي وصححه الحاكم. 4883 - البخاري (6/ 95) 56 - كتاب الجهاد، 83 - باب ما جاء في حلية السيوف. (العلابي): عصب العنق يشد على جفان السيوف فتجف عليها فتيبس وتقوى. (الآنك): الرصاص الأبيض. 4484 - البخاري (7/ 300) 64 - كتاب المغازي، 8 - باب قتل أبي جهل. مسلم (4/ 2204) 51 - كتاب الجنة وصفة تقيمها وأهلها، 17 - باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه. أبو داود (3/ 63) كتاب الجهاد، باب الإمام يقيم عند الظهور على العدو وبعرضتهم. الترمذي (4/ 121) 22 - كتاب السير، 3 - باب في البيات والغارات. (العرصة): البقعة الواسعة بين الدور.

- بيان أن من سلبه المشركون من ماله شيئا فلا يفقد ملكيته

- بيان أن من سلبه المشركون من ماله شيئاً فلا يفقد ملكيته: 4885 - * روى البخاري عن نافع (رحمه الله) عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن عبداً لابن عمر أبق فلحق بالروم، فظهر عليهم خالدٌ، فردهُ إلى عبد الله، وأن فرساً لعبد الله غار، فظهروا عليه، فردهُ إلى عبد الله". وقال في رواية: في الفرس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي أخرى (1): "أن خالد بن الوليد - حين بعثه أبو بكرٍ - أخذ غُلاماً كان فرَّ من ابن عمر إلى أرض الروم، فأخذه خالدٌ فردهُ عليه". وفي رواية (2) الموطأ: "أن عبداً لابن عمر أبق، وأن فرساً له عار فأصابهما المشركون، ثم غنمهما المسلمون، فرُدا على عبد الله بن عمر، وذلك قبل أن تصيبهما المقاسمُ". - أجر من جهز غازياً: 4886 - * روى الطبراني عن زيد بن ثابتٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من جهز غازياً في سبيل الله فله مثل أجره". 4887 - * روى الجماعة إلا الموطأ عن زيد بن خالد الجُهني (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله لعيه وسلم قال: "من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازياً في أهله بخيرٍ فقد غزا".

_ 4885 - البخاري (6/ 182) 56 - كتاب الجهاد والسير، 187 - باب إذا غنم المشركون مال المسلم ثم وجده المسلم. (1) البخاري نفس الموضع السابق. (2) الموطأ (2/ 452) 21 - كتاب الجهاد، 9 - باب ما يُرد قبل أن يقع القسم مما أصاب العدو. (أبق) أبق الغلام: إذا هرب. (عار) عار الفرس: إذا انفلت وذهب هاهنا وهاهنا من مرحه. دليل على أن المشركين لا يحرزون على المسلم ماله، وأن المسلمين إذا استنفذوا من أيديهم شيئاً كان للمسلم، وكان عليهم رده، ولا يغنمونه، قد اختلف العلماء في ذلك ... 4886 - مجمع الزوائد (5/ 283) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. 4887 - البخاري (6/ 49) 56 - كتاب الجهاد، 38 - باب فضل من جهز غازياً أو خلفه بخير. مسلم (3/ 1507) 33 - كتاب الإمارة، 38 - باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب وغيره، وخلافته في أهله بخير. =

- حز رأس العدو

4888 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمرو (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "للغازي أجرهُ، وللجاعل أجره وأجر الغازيْ". 4889 - * روى مسلم عن أنس بن مالك (رضي الله عنه): أن فتىً من أسلم قال: إني أريد الغزو يا رسول الله، وليس معي مالٌ أتجهزُ به، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أئت فلانً، فإنه كان قد تهجز فمرض" فأتاه، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقرئك السلام ويقول: أعطني الذي تجهزتُ به، فقال: يا فلانةُ! - لأهله- أعطيه الذي تجهزتُ به، ولا تحبسي عنه شيئاً منه، فوالله لا تحسبي منه شيئاً فيُبارك لك فيه. 4890 - * روى أحمد عن جبلة - يعني ابن حاثة - أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان إذا لم يغْزُ أعطى سلاحه علياً أو أسامة". - حز رأس العدو: 4891 - * روى الطبراني عن فيروز الديلمي قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم برأس الأسود العنسيِّ" (1).

_ = أحمد (4/ 116). الترمذي (4/ 169) 23 - كتاب فضائل الجهاد، 6 - باب ما جاء في فضل من جهز غازياً النسائي (6/ 46) 25 - كتاب الجهاد، 44 - فضل من جهز غازياً. أبو داود (3/ 12) كتاب الجهاد، باب ما يجزيء من الغزو. الدارمي (2/ 209) كتاب الجهاد، باب في فضل من جهز غازياً. ابن ماجة (2/ 922) 24 - كتاب الجهاد، 3 - باب من جهز غازياً. 4888 - أبو داود (3/ 16) كتاب الجهاد، باب الرخصة في أخذ الجعائل. وإسناده صحيح. (الجاعل): أن يدفع المقيم إلى الغازي شيئاً فيقيم الغازي ويخرج هو. 4889 - مسلم (3/ 1506) 33 - كتاب الإمارة، 38 - باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب وغيره وخلافته في أهله بخير. أبو داود (3/ 90) كتاب الجهاد، باب فيما يستحب من إنفاد الزاد في الغزو إذا قفل. 4890 - الطبراني - الكبير- (2/ 286). مجمع الزوائد (5/ 283) وقال الهيثمي: رواه أحمد، والطبراني في الكبير والأوسط ورجال أحمد ثقات. 4891 - الطبراني - الكبير (18/ 330). مجمع الزوائد (5/ 330) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات.

- طاعة الأمير في ما يصلح شأن المعركة والقتال من ورائه

- طاعة الأمير في ما يصلح شأن المعركة والقتال من ورائه: 4892 - * روى الطبراني عن عمرو بن العاص: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى غزوة ذات السلاسل منع الناس أن يوقدوا ناراً ثلاثاً قال: فكلم الناس أبا بكر قالوا: كلمهُ فأتاه قال: "قد أرسلوك إليَّ، لا يوقد أحدٌ ناراً إلا ألقيته فيها، ثم لقوا العدو فهزموهم فلم يدعهم يطلبوا العدو فلما رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر وشكوا إليه فقال: يا رسول الله كانوا قليلاً فكرهت أن يطلبوا العدو وخفتُ أن يكون لهم مادة فيعطفون عليهم، ونهيتهم أن يوقدوا ناراً خشية أن يرى العدو قلتهم فحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره". أقول: الخبرة في كل شيء لها وزنها، وللخبرة في أمر الحرب شأنها المعتبر، ولأمير الحرب الطاعة بالمعروف، وعلى الأمير أن يلحظ الاحتياطات الأمنية وهذا ما فعله عمرو ابن العاص رضي الله عنه وأقره رسول الله صلى الله عليه وسلم. 4893 - * روى أبو داود عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الإمام جُنةٌ يقاتل به". وقد اخرج البخاري مسلم والنسائي (1) هذا المعنى في جملة حديث. أقول: إن للإمرة في كل شيء أهميتها والإمرة في الحرب أهم. - القتال في الأشهر الحرم: 4894 - * روى أحمد عن جابر بن عبد الله أنه قال: "لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو في الشهر الحرام إلا أن يغزى أو يُغزوا، فإذا حضر ذلك أقام حتى ينسلخ".

_ 4892 - مجمع الزوائد (5/ 319) وقال الهيثمي: رواه الطبراني بإسنادين ورجال الأول رجال الصحيح. 4893 - أبو داود (3/ 82) كتاب الجهاد، باب في الإمام يستجنُّ به في العهود. (1) البخاري (6/ 116) 56 - كتاب الجهاد، 109 - باب يُقاتل من وراء الإمام، ويُتقى به. مسلم (3/ 1471) 33 - كتاب الإمارة، 9 - باب الإمام جُنة يقاتل من ورائه، يُتقى به. النسائي (7/ 155) 39 - كتاب البيعة، 300 باب ذكر ما يجب للإمام وما يجب عليه. (جُنة) الجُنة: ما يُستجنُ به، أي تُتقى به الحوادث، ويكون المِجَن لمن وراءه وهو الترس. 4894 - أحمد (3/ 334)، مجمع الزوائد (6/ 66) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

- النهي عن الاستعانة بالكافر في القتال

أقول: هذا محمول على الندب، وإلا فحرمة القتال في الأشهر الحرم قد نسخت، ولكن الرأي العام وقتذاك كان يستفظع القتال في الأشهر الحرم فاستحسنت مراعاته، وهذا النص أصل في مراعاة الرأي العام فيما لا محظور فيه ولا محذور. - النهي عن الاستعانة بالكافر في القتال: 4895 - * روى أحمد عن خُبيب بن يسافٍ قال: "أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد غزواً، أنا ورجلٌ من قومي ولم نُسلم فقلنا: إنا نستحي أن يشهد قومنا مشهداً لا نشده معهم قال: أو أسلمتما قلنا لا: قال: إنا لا نستعين بالمشركين على المشركين قال: فأسلمنا وشهدنا معه، فقتلت رجلاً وضربني ضربةً فتزوجتُ بابنته بعد ذلك فكانت تقول: لا عدمتُ رجلاً وشحك هذا الوشاح، فأقول: لا عدمتُ رجلاً عجل أباك إلى النار". الحديث يدل على أن الأصل عدم جواز الاستعانة بالكافر، ومع وجود حالات محددة استعان بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكافر على الكافر استدل العلماء على جواز ذلك للضرورة إذا أمن جانب الكافرين، ولم يكن لهم سلطان على المسلمين، ولم يكن لهم شأن أو رواية في القتال. 4896 - * روى مسلم عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بدر فلما كان بحرة الوبرة أدركه رجلٌ قد كان يُذكر منه جرأة ونجدة ففرح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه فلما أدركه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم جئت لأتبعك وأصيب معك قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "تؤمن بالله ورسوله" قال: لا، قال: فارجع فلن أستعين بمشرك" قالت ثم مضى حتى إذا كنا بالشجرة أدركه الرجل فقال له كما قال أول مرةٍ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أول مرةٍ: قال (1):

_ 4895 - أحمد (3/ 454). الطبراني (4/ 264). مجمع الزوائد (5/ 303)، وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد ثقات. 4896 - مسلم (3/ 1449) 32 - كتاب الجهاد والسير، 51 - باب كراهية الاستعانة في الغزو بكافر. أبو داود (3/ 75) كتاب الجهاد، باب في المشرك يُسهم له. الترمذي (4/ 127) 22 - كتاب السير، 10 - باب ما جاء في أهل الَّمة ينذرون مع المسلمين هل يُسهم لهم.

- تأمين الرسل

"فارجع فلن أستعين بمشرك" قال ثم رجع فأدركه بالبيداء فقال له كما قال أول مرة: "تؤمن بالله ورسوله" قال: نعم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "فانطلق". - تأمين الرسل: 4897 - * روى الطبراني عن نعيم بن مسعود أن رسولي مسيلمة قدما على رسول الله صلى الله علي وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن الرسل لا تُقتل لضربت أعناقكما وكتب معهما: من محمدٍ رسول الله إلى مسيلمة الكذاب: أما بعد: فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين"، قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذاباً كلهم يزعم أنه نبي". 4898 - * روى أبو داود عن سلمة بن نعيم بن مسعود بن الأشجعي (رحمه الله) عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول- حين قرأ كتاب مسيلمة - للرسل: "ما تقولان أنتما؟ قالا: نقول كما قال، قال: أما والله لولا أن الرسل لا تُقتل لضربت أعناقكما". 4899 - * روى أحمد عن أبي وائل قال: قال عبد الله بن مسعود حين قُتل ابن النواحة: إن هذا وابن أثال كانا أتيا النبي صلى الله عليه وسلم رسولين لمسيلمة الكذاب فقال لهما رسول الله قال: "أتشهدان أني رسول الله" فقالا: نشهد أن مسيلمة رسول الله قال: "لو كنت قاتلاً وفداً لضربت أعناقكما" قال: "فجرت السُّنة أن الرسل لا تقتل فأما ابن أثال فكفاناه الله عز وجل، وأما هذا فلم يزل ذلك فيه حتى أمكن الله عز وجل منه" (1).

_ 4897 - مجمع الزوائد (5/ 315) وقال الهيثمي: رواه الطبراني من طريق ابن إسحق، قال: حدثني شيخ من أشجع ولم يسمه وسماه أبو داود سعد بن طارق، وبقية رجاله ثقات. 4898 - أبو داود (3/ 83) كتاب الجهاد، باب في الرسل. رجاله ثقات، إلا أن فيه عنعنة ابن إسحاق، لكن صرح بالتحديث عند أحمد وإسناده صحيح. 4899 - أحمد (1/ 391)، مجمع الزوائد (5/ 314) وقال الهيثمي: رواه أحمد والبزار وأبو يعلي مطولاً وإسنادهم حسن. كشف الأستار عن زوائد البرار (2/ 271) كتاب الجهاد، باب النهي عن قتل الرسُل. أبو يعلي (9/ 31) برقم (5097). (فأما ابن أثال فكفاناه الله عز وجل) فقد أسره المسلمون ثم أسلم.

- النهي عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو إذا لم يؤمن عليه منهم

- النهي عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو إذا لم يؤمن عليه منهم: 4900 - * روى البخاري عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو". قال مالك: وإنما ذلك مخافة أن يناله العدو. ولمسلم (1): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تسافروا بالقرآن، فإني لا آمن أن يناله العدو". وفي أخرى (2) "فإني أخاف أن يناله العدو". وقال أيوب: "فقد ناله العدو وخاصموكم به". 4901 - * روى البخاري عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "بعث بكتابه إلى كسرى، فلما قرأه كسرى مزقه - فحسبتُ أن سعيد ابن المسيب - قال: فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يُمزقوا كل ممزقٍ". - الدعوة قبل القتال لمن لم تبلغه الدعوة: 4902 - * روى مسلم عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى كسرى، وإلى قيصر، وإلى النجاشي، وإلى كل جبارٍ عنيدٍ يدعوهم إلى الله، وليس بالنجاشي الذي صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم".

_ 4900 - البخاري (6/ 133) 56 - كتاب الجهاد، 129 - باب كراهية السفر بالمصاحف إلى أرض العدو. مسلم (3/ 1490) 33 - كتاب الإمارة، 24 - باب النهي أن يُسافر بالمصحف على أرض الكفار إذا خيف وقوعه بأيديهم. الموطأ (2/ 446) 21 - كتاب الجهاد، 2 - باب النهي عن أن يُسافر بالقرآن إلى أرض العدو. أبو داود (3/ 36) كتاب الجهاد، باب في المصحف يسافر به إلى أرض العدو. (1) مسلم (3/ 1491) 33 - كتاب الإمارة، 24 - باب النهي أن يسافر بالمصحف إلى أرض الكفار إذا خيف وقوعه بأيديهم. (2) مسلم: (نفس الموضع السابق). 4901 - البخاري (6/ 108) 56 - كتاب الجهاد، 101 - باب دعوة اليهود والنصارى ... إلخ. 4902 - مسلم (3/ 1397) 32 - كتاب الجهاد والسير، 27 - باب كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الكفار ... إلخ.

وفي رواية (1)، وليس فيه قوله: "وليس بالنجاشي الذي صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم". وفي رواية الترمذي (2) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب قبل موته ... " وذكر الحديث. 4903 - * روى الطبراني عن أنس بن مالك قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب إلى قوم يقاتلهم، ثم بعث إليه رجلاً فقال: لا تدعه من خلفه وقل له لا تقاتلهم حتى تدعوهم". 4904 - * روى الطبراني عن أسماء بنت أبي بكر قالت: لما كان يوم الفتح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي قحافة: "أسلم تسلمْ". 4905 - * روى الطبراني عن أبي وائل قال: "كتب خالد بن الوليد إلى أهل فارس يدعوهم إلى الإسلام: بسم الله الرحمن الرحيم من خالد بن الوليد إلى رستم ومهران وملاء فارس سلامٌ على من اتبع الهدى أما بعد: فإنا ندعوكم إلى الإسلام فإن أبيتم فاعطوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، فإن أبيتم فإن معي قوماً يحبون القتل في سبيل الله كما تحب فارس الخمر، والسالم على من اتبع الهدى". 4906 - * روى أحمد عن مرثد بن ظبيان قال: جاءنا كتابٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلم فما وجدنا له قارئاً يقرؤه علينا حتى قرأه رجلٌ من بني ضبيعة: "من رسول الله إلى بكر بن وائل أسلموا تسلموا". 4907 - *روى أحمد عن ابن عباس قال: "ما قاتل النبي صلى الله عليه وسلم قوماً حتى يدعوهم".

_ (1) مسلم (3/ 1398) الموضع السابق نفسه. (2) الترمذي (5/ 68) 23 - كتاب الاستئذان، 23 - باب في مكاتبة المشركين. 4903 - مجمع الزوائد (5/ 305) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح غير عثمان بن يحيى الفرقساني وهو ثقة. 4904 - مجمع الزوائد (5/ 305) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. 4905 - مجمع الزوائد (5/ 310) وقال الهيثمي: رواه الطبراني وإسناده حسن أو صحيح. 4906 - أحمد (5/ 68) ورجاله رجال الصحيح. 4907 - أحمد (1/ 231).

- في بعث العيون

- في بعث العيون: 4908 - * روى مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: "بعث رسول الله بُسيسة عيناً، ينظر ما صنعت عير أبي سفيان". - في قتل جواسيس العدو: 4909 - * روى البخاري عن سلمة بن الأكوع قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم عينٌ من المشركين وهو في سفر، فجلس عند أصحابه ثم أنسل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اطلبوه فاقتلوه"، قال سلمة: فسبقتهم إليه فقتلته، وأخذت سلبه، فنفلني إياه. - في الأسير ينال منه ويضرب ويقرر: 4910 - * روى مسلم عن أنس "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور حين بلغه إقبالُ أبي سفيان قال: فتكلم أبو بكر فأعرض عنه، ثم تكلم عمر فأعرض عنه فقام سعد بن عبادة فقال إيانا تُريد يا رسول الله والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا قال فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فانطلقوا حتى نزلوا بدراً ووردت عليهم روايا قريش وفيهم غلامٌ أسود لبني الحجاج فأخذوه فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن أبي سفيان وأصحابه فيقول مالي علمٌ بأبي سفيان ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأمية ابن خلفٍ فإذا قال ذلك ضربوه فقال نعم أنا أخبركم هذا أبو سفيان فإذا تركوه فسألوه فقال مالي بأبي سفيان علمٌ ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلفٍ في الناس فإذا قال هذا أيضاً ضربوه ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائمٌ

_ = أبو يعلي (4/ 374). الطبراني - الكبير- (11/ 132). مجمع الزوائد (5/ 304) وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلي والطبراني بأسانيد ورجال أحدها رجال الصحيح. 4908 - مسلم (3/ 1509) 33 - كتاب الإمارة، 41 - باب ثبوت الجنة للشهيد. أبو داود (3/ 38) كتاب الجهاد، باب بعث العيون. 4909 - البخاري (6/ 168) 56 - كتاب الجهاد، 173 - باب الحربي إذا دخل دار الإسلام بغير أمانٍ. أبو داود (3/ 48) كتاب الجهاد، باب في الجاسوس المستأمن. 4910 - مسلم (3/ 1403) 32 - كتاب الجهاد والسير، 30 - باب غزوة بدر. أبو داود (3/ 58) كتاب الجهاد، باب في الأسير يُنالُ منه ويضرب ويُقرر.

يُصلي فلما رأى ذلك انصرف قال: "والذي نفسي بيده لتضربوه إذا صدقكم وتتركوه إذا كذبكمْ". قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا مصرعُ فلان قال: ويضع يده على الأرض ههنا وههنا قال: فما ماط أحدهم عن موضع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الفصل الثالث في فضل الشهادة والشهداء وأنواع الشهداء وبعض أحكامهم

الفصل الثالث في فضل الشهادة والشهداء وأنواع الشهداء وبعض أحكامهم

- فضل الشهادة وبيان أن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون وبيان ما أعد لهم من النعيم والرزق

- فضل الشهادة وبيان أن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون وبيان ما أعد لهم من النعيم والرزق: 4911 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأًحابه: "إنه لما أصيب إخوانكم بأحُد، جعل الله أرواحهم في جوف طير خضر، ترد أنهار الجنة، تأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم، قالوا: من يبلغُ إخواننا عنا أننا أحياء في الجنة، لئلا يزهدوا في الجنة، ولا ينكلوا عند الحرب؟ فقال الله تعالى: أنا أبلغهم عنكم، فأنزل الله عز وجل: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ} إلى آخر الآيات" (1). أقول: أجواف هذه الطيور الخضر بالنسبة لأرواح الشهداء كالسيارة أو الطيارة بالنسبة لنا الآن فلا يفهم فاهم أن ذلك لنقص في حياتهم بل هو لتكميل سعادتهم. 4912 - * روى مسلم عن مسروقٍ (رحمه الله) قال: سألنا عبد الله بن مسعود عن هذه الآية {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} فقال: أما إنا قد سألنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أرواحهم في جوف طيرٍ خُضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم اطلاعةً، فقال: هل تشتهون شيئاً؟ قالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرحُ من الجنة حيث شئنا؟ ففعل ذلك بهم ثلاث مراتٍ، فلما رأوا أنهم لم يُتركوا من أن يُسألوا، قالوا: يا رب، نريد أن ترُدَّ علينا أرواحنا في أجسادنا

_ 4911 - أبو داود (3/ 5) كتاب الجهاد، باب في فضل الشهادة. أحمد (1/ 266). مستدرك الحاكم (2/ 88) كتاب الجهاد، وصححه ووافقه الذهبي. (نكل) عن العمل ينكلُ بالضم: إذا جبنُ وفتر وضعف. (1) آل عمران: 169 - 171. 4912 - مسلم (3/ 1502) 33 - كتاب الإمارة، 33 - باب بيان أن أرواح الشهداء في الجنة. وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون.

حتى نُقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس ليهم حاجةٌ تُركوا". وفي رواية الترمذي (1) "أنه سُئل عن قوله: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} فقال: أما إنا قد سألنا عن ذلك؟ فأخبرنا أن أرواحهم في طيرٍ خضرٍ، تسرح في الجنة حيث شاءت، وتأوي إلى قناديل معلقةٍ بالعرش، فاطلع ربك اطلاعةً، فقال: هل تستزيدون شيئاً، فأزيدكم؟ قالوا: ربنا، وما نستزيد ونحن في الجنة نسرح حيث شئنا؟! ثم اطلع إليهم الثانية، فقال: هل تستزيدون شيئاً، فأزيدكم؟ فلما رأوا أنهم لا يتركون، قالوا: تعيدُ أرواحنا في أجسادنا حتى نرجع إلى لدنيا فنُقتل في سبيلك مرة أخرى". وللترمذي في رواية أخرى (2) - مثله - وزاد "وتقريء نبينا السلام، وتخبره أن قد رضينا، ورُضي عنا". 4913 - * روى الترمذي عن كعب بن مالك (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أرواح الشهداء في حواصل طيرٍ خُضرٍ، تعلقُ من ثمر الجنة، أو شجر الجنة". 4914 - * روى أحمد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشهداء على بارق نهر بباب الجنة في قُبةٍ خضراء يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرةً وعشياً". أقول: الظاهر أن هناك نوعاً من الشهداء هذا نعيمهم كما وُصف في النص الذي رواه ابن عباس.

_ (1) الترمذي (5/ 331) 48 - كتاب تفسير القرآن، 4 - باب "ومن سورة آل عمران". (2) الترمذي (5/ 322)، الموضع السابق نفسه. (سرحت) الماشية: إذا ذهبت للرعي، فاستعاره للطير. 4913 - الترمذي (4/ 176) 23 - كتاب فضائل الجهاد، 13 - باب ما جاء في ثواب الشهداء. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وهو كما قال. (علقِت) تعلُق: أي أكلت، وذلك في الإبل، إذا أكلت العضاة، فنقل إلى الطير. 4914 - أحمد (1/ 266). الطبراني - الكبير- (10/ 405). مجمع الزوائد (5/ 298) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد ثقات، وهو حديث جيد.

- تمنى الشهيد أن يرجع إلى الدنيا فيقتل لما يرى من الكرامة

- تمنى الشهيد أن يرجع إلى الدنيا فيقتل لما يرى من الكرامة: 4915 - * روى البخاري عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أحدٌ يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء، إلا الشهيد، يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيُقتل عشرُ مرات، لما يرى من الكرامة" وفي رواية (1) " لما يرى من فضل الشهادة". وفي رواية الترمذي (2) قال: "ما من عبدٍ يموت له عند الله خيرٌ، يُحب أن يرجع إلى الدنيا وأن له الدنيا وما فيها، إلا الشهيد، لما يرى من فضل الشهادة، فإنه يحب أن يرجع إلى الدنيا فيُقتل مرة أخرى". وله في رواية أخرى (3) أنه قال: "ليس أحدٌ من أهل الجنة يسره أن يرجع إلى الدنيا إلا الشهيد". وفي رواية النسائي (4) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بالرجل من أهل الجنة، فيقول الله تعالى: يا ابن آدم، كيف وجدت منزلك؟ فيقول: أي رب، خيرُ منزل، فيقول: سل وتمن، فيقول: أسألك أن تردني إلى الدنيا فأقتل في سبيلك عشر مرات، لما يرى من فضل الشهادة". 4916 - * روى النسائي عن عُبادة بن الصامت (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما على الأرض من فنس تموت ولها عند الله خيرٌ، تُحب أن ترجع إليكم ولها الدنيا، إلا القتيل، فإنه يحب أن يرجع فيقتل مرة أخرى".

_ 4915 - البخاري (6/ 32) 56 - كتاب الجهاد، 21 - باب تمني المجاهد أن يرجع إلى الدنيا. مسلم (3/ 1498) 33 - كتاب الإمارة، 29 - باب فضل الشهادة في سبيل الله. (1) مسلم (الموضع السابق). (2) الترمذي (4/ 177) 23 - كتاب فضائل الجهاد، 13 - باب ما جاء في ثواب الشهداء. (3) الترمذي (4/ 187) 23 - كتاب فضائل الجهاد، 25 - باب في ثواب الشهيد. (4) النسائي (6/ 36) 25 - كتاب الجهاد، 34 - باب يتمنى أهل الجنة. 4916 - النسائي (6/ 35) 25 - كتاب الجهاد، 33 - باب ما يُتمنى في سبيل الله عز وجل. وإسناده حسن.

- يغفر للشهيد كل شيء إلا الدين

4917 - * روى النسائي عن عبد الرحمن بن أبي عميرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من نفس مسلمةٍ يقبضها ربها تحب أن ترجع إليكم وأن لها الدنيا وما فيها، غير الشهيد". قال ابن أبي عميرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن أقتل في سبيل الله أحبُّ إليَّ من أن يكون لي أهل الوبر والمدر". - يغفر للشهيد كل شيء إلا الدين: 4918 - * روى مسلم عن أبي قتادة (رضي الله عنه) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فيهم، فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل العمال، فقام رجلٌ فقال: يا رسول الله، أرأيت إن قُتلتُ في سبيل الله، تكفر عني خطاياي؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم إنْ قُتلت في سبيل الله وأنت صابرٌ محتسبٌ، مقبلٌ غير مدبرٍ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف قُلت؟ قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله، أتكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، إن قتلت في سبيل الله وأنت صابرٌ محتسبٌ، مقبلٌ غير مدبرٍ إلا الدين، فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك". 4919 - * روى النسائي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: "جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب على المنبر، فقال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله صابراً محتسباً، مقبلاً غير مدبر، أيكفر الله عني سيئاتي؟ قال (1): نعم، ثم سكت ساعةً، فقال: أين السائل آنفاً؟ فقال الرجل: فها أنا ذا، قال: ما قلت؟ قال: أرأيت إن قُتلتُ في سبيل

_ 4917 - النسائي (6/ 33) 25 - كتاب الجهاد، 30 - باب تمني القتل في سبيل الله تعالى. أحمد (4/ 216)، مجمع الزوائد (5/ 297) وقال الهيثمي: رواه أحمد رجاله ثقات. (أهل الوبر) هم الأعرابُ الذين في البادية، ومن لا يأوي إلى جدارٍ. (وأهل المدر) أهل القرى والأمصار، والمدر: الطين المستحجر. 4918 - مسلم (3/ 1501) 33 - كتاب الإمارة، 32 - باب من قتل في سبيل الله كُفرت خطاياه إلا الدين. الترمذي (4/ 212) 24 - كتاب الجهاد، 32 - باب ما جاء فيمن يُستشهد وعليه دينٌ. النسائي (6/ 34) 25 - كتاب الجهاد، 32 - باب من قاتل في سبيل الله تعالى وعليه دين. 4919 - النسائي (6/ 33) 25 - كتاب الجهاد، 32 - باب من قاتل في سبيل الله تعالى وعليه دين. وهو حديث صحيح.

- ما أعد الله للشهيد من خصال

الله صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبرٍ أيكفر الله عني سيئاتي؟ قال: نعم، إلا الدين، ساراني به جبريل آنفاً". 4920 - * روى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين". 4921 - * روى الترمذي عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "القتل في سبيل الله يكفر كل خطيئة، فقال له جبريل: إلا الدين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلا الدين". - ما أعد الله للشهيد من خصال: 4922 - * روى أحمد عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن للشهيد عند الله عز وجل سبع خصال: أن يغفر له في أول دفعة من دمه ويرى مقعده من الجنة ويُحلى حلة الإيمان ويجارُ من عذاب القبر ويأمن من الفزع الأكبر ويوضع على رأسه تاج الوقار: الياقوتة منه خيرٌ من الدنيا وما فيها، ويزوج ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين إنساناً من أقاربه". 4923 - * روى الترمذي عن المقام بن معدي كرب (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "للشهيد عند الله ست خصالٍ: يغفر الله له في أول دفعةٍ، ويُرى مقعده من الجنة، ويُجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر ويوضع على رأسه تاجُ الوقار، الياقوتة منه خيرٌ من الدنيا وما فيها (1)، ويزوج ثنتين

_ 4920 - مسلم (3/ 1503) 23 - كتاب الإمارة، 32 - باب من قتل في سبيل الله كفرت خطاياه إلا الدَّين. 4921 - الترمذي (4/ 175) 23 - كتاب فضائل الجهاد، 13 - باب ما جاء في ثواب الشهداء. وهو حديث صحيح. 4922 - أحمد (4/ 131). كشف الأستار (2/ 281) كتاب الجهاد، باب الشهادة وفضلها. مجمع الزوائد (5/ 293) وقال الهيثمي: رواه أحمد هكذا قال مثل ذلك، والبزار والطبراني إلا أنه قال سبع خصال وهي كذلك، ورجال أحمد والطبراني ثقات. 4923 - الترمذي (4/ 187) 23 - كتاب فضائل الجهاد، 25 - باب ي ثواب الشهيد. ابن ماجة (2/ 935) 24 - كتاب الجهاد، 16 - باب فضل الشهادة في سبيل الله. وإسناده حسن، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.

- شفاعة الشهيد في سبعين من أهله

وسبعين زوجة من الحور العين، ويُشفع في سبعين من أقاربه". - شفاعة الشهيد في سبعين من أهله: 4924 - * روى أبو داود عن نمران بن عُتبة الذماري (رحمه الله) قال: "دخلنا على أم الدرداء ونحن أيتامٌ، قتل أبونا في سبيل الله، فقالت: أبشروا، فإني سمعت أبا الدرداء يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يشفعُ الشهيدُ في سبعين من أهل بيته". - مراتب الشهداء عند ربهم: 4925 - * روى الترمذي عن فُضالة بن عبيد (رضي الله عنه) قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الشهداء أربعةٌ: رجلٌ مؤمنٌ جيدُ الإيمان، لقي العدو فصدق الله حتى قُتل، فذلك الذي يرفع الناس إليه أعينهم يوم القيامة هكذا - ورفع رأسه حتى سقطت قلنسوته، فلا أدري أقلنوسة عمر أراد، أم قلنسوة النبي صلى الله عليه وسلم؟ - قال: ورجل مؤمنٌ جيدُ الإيمان، لقي العدو فكأنما ضُرب جلده بشك طلحٍ من الجبن، أتاه سهم غربٍ فقتله، فهو في الدرجة الثانية، ورجل مؤمنٌ خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، لقي العدو، فصدق الله حتى قتل فذلك في الدرجة الثالثة، ورجل مؤمن أسرف على نفسه، لقي العدو، فصدق الله حتى قتل، فذلك في الدرجة الرابعة". 4926 - * روى أبو داود عن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال (1): قال رسول الله

_ = (الحُور) جمع حوراء، وهي الشديدة بياض العين في شدة سوادها. (والعين) جمع عيناء، وهي الواسعة العين. 4924 - أبو داود (3/ 15) كتاب الجهاد، باب في الشهيد يشفع. ولم يذكر "قُتِلَ أبونا في سبيل الله". ورواه أيضاً ابن حبان في "صحيحه" وثمران بن عتبة الذماري لم يوثقه غير ابن حبان، وباقي رجاله ثقات. 2925 - الترمذي (4/ 177) 23 - كتاب فضائل الجهاد، 14 - باب ما جاء في فضل الشهداء عند الله وهو حديث حسن. (طلحاً) الطلح: نوعٌ من أشجار الشوك. (سهم غربٍ) أصابه سهم غربِ بالإضافة، وبغير الإضافة، وبفتح الراء وسكونها: إذا لم يدر من أين جاء. (أسرف الرجل على نفسه) إذا أكثر من اعتقاب الأوزار والآثام 4926 - أبو داود (3/ 19) كتاب الجهاد، باب في الرجل الذي يشري نفسه. وزاد رزين: "أشُهدكم أني غفرت له" وهو حديث حسن وصححه أحمد شاكر.

صلى الله عليه وسلم: "عجب ربنا تبارك وتعالى من رجل غزا في سبيل الله، فانهزم أصحابه فعلم ما عليه، فرجع حتى أهريق دمه، فيقول الله عز وجل لملائكته: انظروا إلى عبدي، رجع رغبةً فيما عندي، وشفقة مما عندي، حتى أهريق دمهُ". 4927 - * روى مسلم عن سهل بن حُنيف (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه". 4928 - * روى مسلم عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من طلب الشهادة صادقاً أعطيها وإن لم تُصبه". قال النووي: معنى الرواية الأولى مفسر من الثانية، ومعناها جميعاً: أنه إذا سأل الشهادة بصدق، أعطي من ثواب الشهداء، وإن مات على فراشه، وفيه استحباب سؤال الشهادة، واستحباب نية الخير. 4929 - * روى أحمد عن عتبة بن عبد السُّلمى وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "القتلُ ثلاثةٌ: رجلٌ مؤمنٌ جاهد بنفسه وماله في سبيل الله عز وجل حتى إذا لقي العدو قاتلهم حتى يُقتل فذلك الشهيد المفتخرُ في خيمة الله عز وجل تحت عرشه لا يفضله النبيون إلا بدرجة النبوة ورجلٌ مؤمنٌ فرق على نفسه من الذنوب والخطايا جاهد بنفسه وماله في سبيل الله حتى إذا لقي العدو قاتل حتى قُبَل فمصمصة تحتُّ ذنوبه وخُطاياه إن السيف محاهٌ للخطايا، وأُدخل (1) منْ

_ 4927 - مسلم (3/ 1517) 33 - كتاب الإمارة، 46 - باب استحباب طلب الشهادة في سبيل الله تعالى. الترمذي (4/ 183) 23 - كتاب فضائل الجهاد، 19 - باب ما جاء فمن سأل الشهادة. النسائي (6/ 36) 25 - كتاب الجهاد، 36 - مسألة الشهادة. 4928 - مسلم (3/ 1517) 33 - كتاب الإمارة، 46 - باب استحباب طلب الشهادة في سبيل الله تعالى. (الشهادة) القتلُ في سبيل الله تعالى، وإنما سُمي القتيلُ فيه شهيداً، لأن الله وملائكته شهود له بالجنة، وقيل: لأنه ممن يُستشهد به يوم القيامة مع النبي صلى الله عليه وسلم على الأمم. 4929 - أحمد (4/ 185). الطبراني - الكبير - (17/ 125). مجمع الزوائد (5/ 291) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني إلا أنه قال: وأُدخل من أي أبواب الجنة. شاء ولها ثمانية أبواب وبعضها أفضل من بعض، ورجال أحمد كرجال الصحيح فلا المثنى الأملوكي وهو ثقة. (فرق) أي خاف. (مصمصة) أي مطهرة في الدنس يقال: مصمص الإناء إذا جعل فيه الماء وحركه ليتنظف.

- عصمة الشهيد من فتنة القبر

أي أبواب الجنة شاء فإن لها ثمانية أبواب، ولجهنم سبعة أبواب وبعضها أفضل من بعض، ورجلٌ منافقٌ جاهد بنفسه وماله حتى إذا لقي العدو قاتل في سبيل الله عز وجل حتى يُقتل فذلك في النار، إن السيف لا يمحو النفاق". 4930 - * روى مسلم عن البراء بن عازب (رضي الله عنه) قال: "جاء رجلٌ من بني النبيت: قبيلٍ من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك عبده ورسوله، ثم تقدم فقاتل حتى قُتل، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: عمل هذا يسيراً وأُجر كثيراً". وفي رواية البخاري (1) قال: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ مقنع بالحديد، فقال: يا رسول الله، أقاتلُ أو أسلمُ؟ قال: أسلمْ ثم قاتلْ، فأسلم ثم قاتل فُتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عمل قليلاً، وأُجرَ كثيراً". - عصمة الشهيد من فتنة القبر: 4931 - * روى النسائي عن راشد بن سعدٍ (رحمه الله) عن رجلٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلاً قال: "يا رسول الله، ما بال المؤمنين يُفتنون في قُبورهم إلا الشهيد؟ قال: كفى ببارقةِ السيوف على رأسه فتنةٌ". - ما يجد الشهيد من مس القتل: 4932 - * روى الترمذي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما يجدُ الشهيدُ من مس القتل إلا كما يجد أحدكم من القرصَةِ".

_ 4930 - مسلم (3/ 1509) 33 - كتاب الإمارة، 41 - باب ثبوت الجنة للشهيد. (1) البخاري (6/ 24) 56 - كتاب الجهاد، 13 - باب عمل صالح قبل القتال. (مقنع بالحديد) رجل مقنع: إذا كان على رأسه بيضةً وهي الخوذة. 4931 - النسائي (4/ 99) 21 - كتاب الجنائز، 112 - باب الشهيد. وإسناده حسن. (ببارقةِ السيوفِ) برق السيفُ: إذا لمع، تشبيهاً بلموع البرق. 4932 - الترمذي (4/ 190) 23 - كتاب فضائل الجهاد، 26 - باب ما جاء ف يفضل المرابط.

- الرجل الكافر يقتل الرجل ثم يسلم فيستشهد

وعند النسائي (1) "الشهيدُ لا يجدُ من مس القتل إلا كما يجد أحدكم القرصة يُقرصها". - الرجل الكافر يقتل الرجل ثم يسلم فيستشهد: 4933 - * روى الطبراني عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة فبارز رجلٌ من المشركين رجلاً من المسلمين فقتله المشرك ثم برز له رجلٌ من المسلمين فقتله المشرك ثم جاء فوقف على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: على ما تقاتلون فقالوا ديننا أن نقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأن نفي لله بحقه وقال: والله إن هذا لحسنٌ آمنتُ بهذا، ثم تحول إلى المسلمين فحمل على المشركين فقاتل حتى قُتل فوضع مع صاحبيه الذين قتلهما قبلَ ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "هؤلاء أشدُّ أهل الجنة تحاباً". - أنواع الشهداء: 4934 - * روى أبو داود عن أم حرامٍ (رضي الله عنها) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المائدُ في البحر: الذي يصيبه القيء له أجرُ شهيدٍ، والغرقُ له أجرُ شهيدين". 4935 - * روى الحاكم في المستدرك عن أبي بُردة بن قيس (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم اجعل فناء أمتي قتلاً في سبيلك بالطعن والطاعون". 4936 - * روى مالك في الموطأ عن أبي هريرة رفعهُ: الشهداء خمسةٌ: "المطعون والمبطون والغرقُ وصاحب الهدمِ والشهيدُ في سبيل الله". أقول: شهيد الدنيا والآخرة هو الذي يقتل في سبيل الله، وهو مؤمن مخلص. وشهيد

_ (1) النسائي (6/ 36) 25 - كتاب الجهاد، 35 - ما يجد الشهيد من الألم. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب صحيح وهو كما قال. 4933 - مجمع الزوائد (5/ 296) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط وسماع ابن المبارك من المسعودي صحيح فصح الحديث إن شاء الله، فإن رجاله ثقات. 4934 - أبو داود (3/ 7) كتاب الجهاد، باب فضل الغزو في البحر. وإسناده حسن. 4935 - المستدرك (2/ 93) وصححه الحاكم. 4936 - الموطأ (1/ 131) 8 - كتاب صلاة الجماعة، 2 - باب ما جاء في العتمة والصبح. مسلم (3/ 1521) 33 - كتاب الإمارة، 51 - باب بيان الشهداء.

الدنيا فقط هو الذي نعامله نحن معاملة الشهيد، وعند الله ليس بشهيد لأنه منافق أو مراء، وشهداء الآخرة من لهم أجر الشهداء في الآخرة ولا نعاملهم معاملة الشهداء في الدنيا، وهؤلاء قد أوصلم بعض فقهاء الحنفية إلى أكثر من ثلاثين صنفاً، أدخلوا فيه من ذكرته النصوص أو من يعتبر تفريعاً لصفة من صفات الشهداء. 4937 - * روى النسائي عن عقبة بن عامرٍ (رضي الله عنه) قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خمسٌ من قُبض في شيء منهنَّ فهو شهيدٌ: المقتول في سبيل الله شهيدٌ، والغرقُ في سبيل الله شهيدٌ، والمبطونُ في سبيل الله شهيدٌ، والمطعونُ في سبيل الله شهيدٌ، والنفساء في سبيل الله شهيدٌ". 4938 - * روى النسائي عن صفوان بن أمية (رضي الله عنه) قال: الطاعون، والمبطون، والغريق، والنفساء، شهادة". قال: وحدثنا أبو عثمان مراراً، ورفعه مرةً إلى النبي صلى الله عليه وسلم. 4939 - * روى الطبراني عن أبي هريرة رفعهُ قال: "البطنْ والغرقُ شهادةٌ". 4940 - * روى أحمد عن جابر بنُ عتيكٍ (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشهداء سبعةٌ، سوى القتل في سبيل الله: المطعون، والمبطون، والغرقُ، والحرقُ، وصاحبُ ذات الجنب، والذي يموت تحت الهدم والمرأة تموتُ بجمعٍ شهيدةٌ" (1).

_ 4937 - النسائي (6/ 37) 25 - كتاب الجهاد، 36 - مسألة الشهادة- وفي سنده عبد الله بن ثعلبة الحضرمي، لم يوثقه غير ابن حبان وباقي رجاله ثقات، وله شواهد. 4938 - النسائي (4/ 99) 21 - كتاب الجنائز، 112 - باب الشهيد، وفي سنده عامر بن مالك بصري، وهو مجهول لم يوثقه غير ابن حبان، وله شاهد. 4939 - مجمع الزوائد (5/ 301) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. 4940 - أحمد (5/ 446). أبو داود (3/ 188) كتاب الجنائز، باب في فضل من مات في الطاعون، ورواه غيرهما، وهو صحيح. (الغَرِق) الريق. والحرق: المحترق، وهما اللذان يموتان بالماء والنار. (ذات الجنب) دُملٌ أو قرحةٌ تعرض في جوف الإنسان. وتطلق الآن على بعض الالتهابات الرئوية. (بجمع) ماتت المرأة بجمع: إذا ماتت وولدها في بطنها، وقد تكون المرأة التي لم يمسها رجل.

4941 - * روى الطبراني عن ابن مسعودٍ قال: "من تردي من رؤس الجبال وتأكله السباع ويغرق في البحار لشهيدُ عند الله". 4942 - * روى مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تعدون الشهيد فيكم؟ " قالوا: يا رسول الله، من قُتل في سبيل الله فهو شهيدٌ، قال: "إن شهداء أمتي إذاً لقليل" قالوا: فمن هم يا رسول الله؟ قال: "من قُتل في سبيل الله فهو شهيدٌ، ومن مات في سبيل الله فهو شهيدٌ، ومن مات في الطاعون فهو شهيدٌ، ومن مات في البطن فهو شهيدٌ" قال ابن مقسمٍ: أشهدُ على أبيك - يعْنِي أبا صالحٍ - أنه قال: "والغريقُ شهيدٌ". وفي رواية الموطأ (1) والترمذي (2): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الشهداءُ خمسةٌ: المطعون، والمبطونُ، والغرقُ، وصاحب الهدمِ، والشهيدُ في سبيل الله". أقول: ممن يدخل في المقتول بالهدم المقتول بسبب الزلزال إذا كان مؤمناً. 4943 - * روى الطبراني عن ربيع الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد ابن أخي جبرٍ الأنصاري فجعل أهله يبكون عليه فقا للهم جبرُ: " لا تؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصواتكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعهن يبكين ما دام حياً فإذا وجب فليسكتن، فقال بعضهم ما كنا نرى أن يكون موتك على فراشك حتى تُقتل في سبيل الله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أو ما الشهادة إلا القتلُ في سبيل الله؟! إن شهداء أمتي إذاً

_ 4941 - الطبراني- الكبير. مجمع الزوائد (5/ 302) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. 4942 - مسلم (3/ 1521) 33 - كتاب الإمارة، 51 - باب بيان الشهداء. (1) الموطأ (1/ 131) 8 - كتاب صلاة الجماعة، 2 - باب ما جاء في العتمة والصبح. (2) الترمذي (3/ 377) 80 كتاب الجنائز، 65 - باب ما جاء في الشهداء من همْ. (المطعون) الذي عرض له الطاعون، وهو الداء المعروف. (المبطون) هو الذي يشكو بطنه. (صاحب الهدم) هو الذي يقع عليه بناء أو حائط فيموت تحته. 4943 - الطبراني - الكبير (5/ 68). مجمع الزوائد (5/ 300) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.

لقليلٌ، إن الطعن شهادةٌ والبطن شهادةٌ والطاعون والنفساء بجمعٍ شهادةٌ والحرق شهادةٌ والغرق والهدم شهادةٌ وذاتُ الجنب شهادةٌ". 4944 - * روى أحمد عن محمد بن زياد الألهاني قال ذُكر عند أبي عُتبة الشهداء فذكر المطعون والمبطون والنفساء فغضب أبو عتبة وقال: حدثنا أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن شهداء الله في الأرض أمناءُ الله على خلقه قُتلوا أو ماتوا". 4945 - * روى البزار عن سعدِ - يعني ابن أبي وقاصٍ -قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تُستشهدون بالقتل والطاعونِ والغرَق والبطنِ وموت المرأة جمعاً موتُها في نفاسها". 4946 - * روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قُتِلَ دون ماله فهو شهيدٌ". وللنسائي في رواية (1): من قُتِلَ دون ماله مظلوماً فهو شهيدٌ. وفي رواية للترمذي وأبي داود والنسائي (2) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ أريدَ مالهُ بغير حقٍ، فقاتل فقُتِلَ، فهو شهيد". 4947 - * روى الترمذي عن سعيد بن زيدٍ (رضي الله عنه) قال: سمعتُ رسول الله

_ 4944 - أحمد (4/ 200). مجمع الزوائد (5/ 302) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات. 4945 - كشف الأستار عن زوائد البزار (2/ 286). رجاله رجال الصحيح قال البزار: لا نعلمه يروي عن سعد إلا بهذا الإسناد. 4946 - البخاري (5/ 123) 46 - كتاب المظالم، 33 - باب من قاتل دُون ماله. الترمذي (4/ 29) 14 - كتاب الديات، 22 - باب ما جاء فيمن قتل دون ماله فهو شهيد. النسائي (7/ 115) 37 - كتاب تحريم الدم، 22 - باب من قتل دون ماله. (1) النسائي (7/ 115) الموضع السابق نفسه. (2) الترمذي (4/ 29) 14 - كتاب الديات، 22 - باب ما جاء فمن قُتل دون ماله فهو شهيدٌ. أبو داود (4/ 246) كتاب السنة، باب في قتال اللصوص. النسائي (7/ 115) 37 - كتاب تحريم الدم، 22 - باب من قتل دون ماله. 4947 - الترمذي (4 م 30) 14 - كتاب الديات، 22 - باب ما جاء فيمن قُتل دون ماله فهو شهيدٌ. أبو داود (4/ 246) كتاب السنة، باب في قتال اللصوص.

صلى الله عليه وسلم يقول: "من قتل دون ماله فهو شهيدٌ، ومن قُتل دون دمه فهو شهيد، ومن قُتل دون دينه فهو شهيد، ومن قُتل دون أهله فهو شهيدٌ". وفي أخرى للترمذي (1) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن سرق من الأرض شبراً طوقه يوم القيامة من سبع أرضين". وفي رواية للنسائي (2): "من قُتل دون ماله فهو شهيدٌ". وفي أخرى له (3): "من قاتل دون ماله فقُتل فهو شهيدٌ، ومن قاتل دون دمه فهو شهيد، ومن قاتل دون أهله فهو شهيدٌ". زاد في أخرى (4): "ومن قاتل دون دينه فهو شهيد". 4948 - * روى مسلم عن ثابت مولى عمر بن عبد الرحمن (رحمه الله) قال: لما كان بين عبد الله بن عمرو، وعنبسة بن أبي سفيان ما كان، تيسراً للقتال، فركب خالد بن العاص إلى ابن عمرو، فوعظه، فقال له عبد الله بن عمرو: أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قُتل دون ماله فهو شهيدٌ؟ ". 4949 - * روى أحمد عن حسين بن عليٍّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قُتل دون ماله فهو شهيد".

_ (1) الترمذي (4/ 28) 14 - كتاب الديات، 22 - باب ما جاء فيمن قُتل دون ماله فهو شهيد. (2) النسائي (7/ 115) 37 - كتاب تحريم الدم، 22 - باب من قتل دون ماله. (3) النسائي (7/ 116) 37 - كتاب تحريم الدم، 23 - باب من قاتل دون أهله. (4) النسائي (7/ 116) 37 - كتاب تحريم الدم، 24 - باب من قاتل دون دينه إسناده صحيح. وقال الترمذي: حدحيث حسن صحيح. (طوقه من سبع أرضين) طوقه، أي: جُعل له مثل الطوق في العنق. وقوله: "من سبع أرضين" يعني: أنه تُخسف به الأرضون السبع فيصير موضع ما اغتصبه كالطوق في رقبته. وقيل: هو من طوق التكليف، لا طوق التقليد، يقال: طوقته هذا الأمر، أي: كلفته حمله. 4948 - مسلم (1/ 125) 1 - كتاب الإيمان، 62 - باب من قصد أخذ مال غيره بغير حق ... إلخ. (تيسرا للقتال) اعتدَّا له، وتهيأ. 4949 - أحمد (1/ 79): مجمع الزوائد (6/ 224) وقال الهيثمي ورجاله ثقات.

4950 - * روى البزار عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قُتل دون ماله فهو شهيدٌ". 4951 - * روى أحمد عن قُهيد بن مُطرف الغفاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأله سائلٌ: إن غدا عليَّ عادٍ، فأمره أن ينهاه ثلاث مراتٍ قال: فإن أبى، فأمره بقتاله، قال: فكيف بنا؟ قال: "إن قتلك فأنت في الجنة وإن قتلته فهو في النار". 4952 - * روى مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجلٌ يريد أخذ مالي؟ قال: "فلا تعطه مالك"، قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: "قاتله"، قال أرأيت إن قتلني؟ قال: "فأنت شهيدٌ"، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: "هو في النار". وفي رواية النسائي (1) قال: "جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أرأيت إن عُدي على مالي؟ قال: فانْشد بالله، قال: فإن أبوا علي؟ قال: فانشد بالله، قال: فإن أبوا علي؟ قال: فانشد بالله، قال: فإن أبوا علي؟ قال: "فقاتل، فإن قُتلت ففي الجنة، وإن قتلت ففيْ النار". وفي أخرى (2) له قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قاتل دون ماله فقُتل فهو شهيدٌ". قال النووي في "شرح مسلم": قوله صلى الله عليه وسلم "فلا تعطيه" معناه: لا يلزمك أن تعطيه وليس المراد: تحريم الإعطاء. "هو في النار": قال النووي: معناه: أنه يستحق ذلك، وقد يجازى، وقد يعفى

_ 4950 - كشف الأستار (2/ 364) كتاب أهل البغي، باب فيمن قتل دون ماله. مجمع الزوائد (6/ 244) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الصغير والبزار وإسناد الطبراني جيد. 4951 - أحمد (_3/ 423). مجمع الزوائد (6/ 245) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني والبزار ورجالهم ثقات. كشف الأستار (2/ 365) كتاب أهل البغي. 4952 - مسلم (1/ 124) 1 - كتاب الإيمان، 62 - باب من قصد أخذ مال غيره بغير حق ... إلخ. (1) النسائي (7/ 114) 37 - كتاب تحريم الدم، 21 - ما يفعل من تعرض ماله. (2) النسائي (7/ 114) 37 - كتاب تحريم الدم، 22 - من قتل دون ماله. (عُدي على مالي) عُدي على فلانٍ: إذا ظُلم وأُخذ ماله.

- من أحكام الشهداء

عنه، إلا أن يكون مستحلاً لذلك بغير تأويل، فإنه يكفر ولا يعفى عنه، والله أعلم. قال النووي: في الحديث جواز قتل القصد لأخذ المال بغير حق، سواء كان المال قليلاً أو كثيراً، لعموم الحديث، وهذا قول جماهير العلماء. 4953 - * روى أبو داود عن رجلٍ من الصحابة: "أغرنا على حيٍّ من جُهينة فطلب رجلٌ من المسلمين رجلاً منهم فضربه فأخطأه وأصاب نفسه فقال صلى الله عليه وسلم: "أخاكم يا معشر المسلمين" فابتدره المسلمون فوجدوه قد مات فلفه صلى الله عليه وسلم بثيابه ودمه وصلى عليه ودفنه فقالوا يا رسول الله أشهيد هو؟ قال: "نعم وأنا له شهيدٌ". 4954 - * روى النسائي عن العرباضي بن سارية (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يختصمُ الشهداء والمتوفون على فُرشهم إلى ربنا في الذين يتوفون من الطاعون، فيقول الشهداء: قتلوا كما قتلنا، ويقول المتوفون على فرشهم: إخواننا، ماتوا على فرشهم كما متنا، فيقول ربنا: انظروا إلى جراحهم، فإن أشبهت جراح المقتولين فإنهم منهم ومعهم، فإذا جراحهم قد أشبهت جراحهُم". 4955 - * روى الطبراني عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صُرع عن دابته فهو شهيد". - من أحكام الشهداء: 4956 - * روى مالك في الموطأ عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه غُسل وكفن وصلى عليه - وكان شهيداً - يرحمه الله" (1).

_ 4953 - أبو داود (3/ 12) كتاب الجهاد، باب في الرجل يموت بسلاحه وسكت عنه المنذري كذا في تخريج السنن (3/ 383). 4954 - النسائي (6/ 37) 25 - كتاب الجهاد، 36 - مسألة الشهادة. أحمد (4/ 128) وله شاهد بمعناه ذكره في (الترغيب والترهيب: 2/ 204) من رواية الطبراني في الكبير، وعن عتبة بن عبد، فهو حسن به. 4955 - الطبراني الكبير (17/ 323). مجمع الزوائد (5/ 301) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات. 4956 - الموطأ (2/ 463) 21 - كتاب الجهاد، 16 - باب العمل في غسل الشهيد. وإسناده صحيح.

أقول: كان عمر رضي الله عنه من شهداء الآخرة لأنه أرتث بعد ما طعن. 4957 - * روى البخاري عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدفن شهداء أحد في دمائهم ولم يغسلهم، ولم يصل عليهم. 4958 - * روى أبو داود عن ابن عباس: "أن رسول الله صلى الله علي وسلم أرم بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود وأن يدفنوا في ثيابهم بدمائهم". 4959 - * روى البخاري عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول: أيهما أكثر أخذاً للقرآن؟ فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد وقال: أنا شهيد على هؤلاء، وأمر بدفنهم بدمائهم، ولم يصل عليهم ولم يغسلهم". 4960 - * روى ابن خزيمة عن سعدٍ: أن رجلاً جاء إلى الصلاة والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بنا، فقال حين انتهى إلى الصف: " اللهم ائتني أفضل ما تؤتي عبادك الصالحين .. فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة. قال: "من المتكلم آنفاً"، قال الرجل: أنا يا رسول الله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا تعقِرُ جوادكَ وتُستشهدُ في سبيل الله". 4961 - * روى أحمد عن نعيم بن همارٍ: "أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ الشهداء أفضل؟ قال: "الذين إن يُلقوا في الصف لا يلفتون وجوههم حتى يُقتلوا، أولئك ينطلقون في الغُرف العُلى من الجنة ويضحك إليهم ربُّك وإذا ضحك ربك إلى عبدٍ في الدنيا فلا حساب عليه" (1).

_ 4957 - البخاري (3/ 209) 23 - كتاب الجنائز، 72 - باب الصلاة على الشهيد. 4958 - أبو داود (3/ 195) كتاب الجنائز، باب في الشهيد يغسل. ابن ماجة (1/ 485) 6 - كتاب الجنائز، 28 - باب ما جاء في الصلاة على الشهداء ودفنهم. وهو حديث حسن. 4959 - البخاري (3/ 213) 23 - كتاب الجنائز، 74 - باب من يُقدم في اللحد، وسُمي اللحد لأنه في ناحية. 4960 - ابن خزيمة (1/ 231) كتاب الصلاة، 73 - باب القول عند الانتهاء إلى الصف قبل تكبيرة الافتتاح. 4961= أحمد (5/ 287) مجمع الزوائد (5/ 292) وقال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلي وقال عن نعيم بن همار أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وجاءه رجلٌ فقال: أي الشهداء أفضل قال: "الذين يُلقون في الصف الأول" والباقي بنحوه، والطبراني في الكبير والأوسط بنحوه ورجال أحمد وأبي يعلي ثقات. أبو يعلي (12/ 258).

4962 - * روى أبو داود عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: "رُمي رجلٌ بسهمٍ في صدره- أو في حلقه- فمات، فأدرج في ثيابه كما هو، قال: ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم" (1).

_ 4962 - أبو داود (3/ 195) كتاب الجنائز، باب في الشهيد يغسل.

مسائل وفوائد

مسائل وفوائد - قال الحنفية: الشهيد الذي تنطبق عليه أحكام الدنيا هـ من قتله أهل الحرب، أو أهل البغي، أو قطاع الطرق، أو اللصوص في منزله ليلاً أو نهارً بأي آلة. وكان مسلماً مكلفاً طاهراً، ولم يرتث بعد انقضاء الحرب، والإرتثاث: أن يأكل أو يشرب أو يداوي، أو يبقى حياً حتى يمضي عليه وقت صلاة وهو يعقل، أو ينقل من المعركة حياً، أي وهو يعقل. - قال الحنفية: يكفن الشهيد بثيابه، ويصلي عليه، ولا يغسل إذا كان مكلفاً طاهراً، وأما الجنب والحائض والنفساء إذا استشهد، فيغسل عند أبي حنيفة، كما يغسل الصبي والمجنون، وقال الصاحبان: لا يُغسلان. وقال الجمهور: لا يغسل الشهيد ولا يكفن ولا يصلي عليه، ولكن تزال النجاسة الحاصلة من غير دم لأنها ليست من أثر الشهادة، ويدفن الشهيد بثيابه بعد تنحية الجلود والسلاح عنه ويستحب دفن الشهيد في مصرعه الذي قتل فيه. والبالغ وغيره سواء. - كل من مات بسبب مرض أو حادث أو دفاع عن النفس أو نقل من قلب المعركة حياً، أو مات في أثناء طلب العلم، أو ليلة الجمعة، فهو شهيد آخرة. وحكم هؤلاء الشهداء في الدنيا أن الواحد منهم يغسل ويكفن ويصلي عليه اتفاقاً كغيره من الموتى. أما في الآخرة فله أجر الشهداء يوم القيامة.

الفصل الرابع الفروسية والرمي وذكر الخيل

الفصل الرابع الفروسية والرمي وذكر الخيل

- الحث على إجادة الفروسية والرمي

- الحث على إجادة الفروسية والرمي: 4963 - * روى أصحاب السنن عن أبي هريرة رفعهُ: "لا سبق إلا في خُف أو حافر أو نصلٍ". أقول: إن المسلم ينبغي أن يكون أقدر خلق الله على استعمال وسائل القتال والسلاح، وينبغي أن يكون هذا شغله الشاغل، فقديماً كان للفروسية والرمي حظ كبير من حياة المسلم، وينبغي في عصرنا أن يكون للمسلم مهارات في استعمال أدوات القتال ووسائل الرمي الحديثة، وقد بدأنا بفضل الله نشهد في جيوش الأمة الإسلامية تفوقاً ونبوغاً، ونحن نحتاج إلى مزيد، فالارتقاء بالفرد وبالجيوش تدريباً وسعة أفق ينبغي أن يكون شغل القيادات السياسية والعسكرية. 4964 - * روى البزار عن أبي هريرة قال: قلنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم والخيلُ تمزعُ منا أو تنزعُ فقال قائل يا رسول الله أكان هذا في الكتاب السابق قال: "نعم". أقول: الظاهر أن في النص إشارة إلى ما حدث أخيراً من تقلص دور الخيل في حياة الناس، وذلك من معجزات النبوة. 4965 - * روى أبو داود عن ابن عمر "أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل وفضل القُرح في الغاية" (1).

_ 4963 - أبو داود (3/ 29) كتاب الجهاد، باب في السبق. الترمذي (4/ 205) 24 - كتاب الجهاد، 22 - باب ما جاء في الرهان والسبق. وقال الترمذي: حديث حسن. النسائي (6/ 226) 28 - كتاب الخيل، 14 - باب السبق. ابن ماجة (2/ 960) 24 - كتاب الجهاد، 44 - باب السبق والرهان. 4964 - كشف الأستار (3/ 28) كتاب الآداب، باب منه. 4965 - أبو داود (3/ 29) كتاب الجهاد، باب في السبق. وإسناده صحيح. لفظ (القُرح في الغاية) يحتمل معنيين: 1 - القرح: الخيول التي وجهها قرحة وهي بياض يسير في وجه الفرس دون الغرة، والقارح من الخيل هو الذي دخل في السنة الخامسة (النهاية). 2 - القرحُ: سوق وادي القرى (النهاية). وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل أن يكون مجال السباق بحيث يصل الفائز فيه إلى غاية الشوط في أول سوق وادي القرى. والله أعلم.

4966 - * روى أحمد عن ابن عمر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبق بين الخيل وراهن". 4967 - * روى الطبراني عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل وجعل بينها سبقاً وجعل فيها مُحللا وقال: "لا سبق إلا في حافرٍ أو نصلٍ". 4968 - * روى أحمد عن أبي لبيد لمازة بن زيارٍ قال: "أُرسلت الخيل زمن الحجاج فقلنا لو أتينا الرهان فأتيناهُ، ثم قلنا: لو ملنا إلى أنس بن مالكٍ فسألناه هل كنتم تراهنون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فأتيناه فقال: نعم لقد راهن على فرس يقال له سبحةُ فسبق الناس فهش لذلك وأعجبه". أقول: إن اشتغال المسلمين بالسبق كان في الماضي مظهراً من مظاهر التدريب، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشجع على ذلك ويشرف عليه، ومن التشجيع على ذلك جواز الرهان بشروطه كما سيأتي معنا في مسائل وفوائد هذا الفصل وقد فرع على هذا الموضوع فقهاء المسلمين كثيراً من المسائل. 4969 - * روى الستة عن ابن عمر: "أجرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ضُمر من الخيل من الحفياء إلى ثنية الوداع وما لم يُمر من الثنية إلى مسجد بني زُريق فكنتُ في من أجرى فطفف بي الفرسُ المسجد. قال سفيان: من الحفياء إلى الثنية خمسةُ أميالٍ أو ستةٌ" (1).

_ 4966 - أحمد (2/ 67) مجمع الزوائد (5/ 263) وقال الهيثمي: قلت هو في الصحيح خلا قوله وراهن، رواه أحمد بإسنادين ورجال أحدهما ثقات. 4967 - مجمع الزوائد (5/ 263) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله في الصحيح. (محللاً): الفرس الثالث في الرهان إن سبق أخذ وإن سُبق فما عليه شيء. 4968 - أحمد (3/ 160). مجمع الزوائد (5/ 673) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الأوسط إلا أنه قال فأتيناه وهو في قصره بالرواية فسألناه يا أبا حمزة أكنتم تُراهنون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يراهنُ قال نعم والله لقد راهن على فرس يُقال له سبحةُ فسبق الناس لذلك وأعجبه، ورجال أحمد ثقات. مجمع الزوائد (5/ 264). 4969 - البخاري (6/ 71) 56 - كتاب الجهاد، 56 - باب السبق بين الخيل. مسلم (3/ 1491) 33 - كتاب الإمارة 25 - باب المسابقة بين الخيل وتضميرها. أبو داود (3/ 29) كتاب الجهاد، باب في السبق. الترمذي (4/ 205) 24 - كتاب الجهاد، 22 - باب ما جاء في الرهان والسبق. النسائي (6/ 226) 28 - كتاب الخيل، 13 - باب إضمار الخيل للسبق. ابن ماجة (2/ 960) 24 - كتاب الجهاد، 44 - باب السبق والرهان.

وفي رواية: ستةٌ أو سبعةٌ ومن الثنية إلى مسجد بني زُريق ميل أو نحوه. 4970 - * روى البخاري عن أنس كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة يُقال لها العضباء لا تُسبق فجاء أعرابي على قعود فسبقها فشق ذلك على المسلمين حتى عرفه فقال صلى الله عليه وسلم: "حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعهُ". 4971 - * روى الطبراني عن عياض الأشعري قال: قال أبو عبيدة من يراهنني قال شاب أنا إنْ لم تغضب، قال: فسبقه، قال فلقد رأيت عقيصتي أبي عبيدة تنقزان وهو خلفه على فرس عُري. 4972 - * روى مسلم عن فُقيم اللخمي قلت لعقبة بن عامرٍ: تختلفُ بين هذين الغرضين وأنت شيخ كبير ويشق عليك؟ فقال لولا كلام سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أعانه قلت وما ذاك؟ قال سمعته يقول: "من تعلم الرمي ثم تركه فليس مني أو قد عصى". 4973 - * روى أصحاب السنن عن عقبة بن عامر رفعه: "إن الله تعالى ليدخلُ بالسهم الواحد ثلاثة نفرٍ الجنة: صانعهُ يحتسبُ في عمله الخير، والرامي به، والممدد به فارموا واركبوا وأحبُّ إلى أن ترموا من أن تركبوا، كل لهو باطلٌ (1)، ليس من اللهو محمود، إلا ثلاثة: تأديب الرجل فرسه وملاعبته أهله ورميه بقوسه ونبله

_ 4970 - البخاري (6/ 73) 56 - كتاب الجهاد، 59 - باب ناقة النبي صلى الله عليه وسلم. أبو داود (4/ 253) كتاب الأدب، باب في كراهية الرفعة في الأمور. النسائي (6/ 227) 28 - كتاب الخيل، 14 - باب السبق. 4971 - مجمع الزوائد (5/ 264) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات. (تنقزان): تتحركان بسرعة كالقفز. 4972 - مسلم (3/ 1523) 33 - كتاب الإمارة، 52 - باب فضل الرمي والحث عليه، وذم من علمه ثم نسيه. (الغرضين): الهدفين. (أعانه): من معناة الشيء. 4973 - أبو داود (3/ 13) كتاب الجهاد، باب في الرمي. الترمذي (4/ 174) 23 - كتاب فضائل الجهاد، 11 - باب ما جاء في فضل الرمي في سبيل الله. النسائي (6/ 223) 28 - كتاب الخيل، 8 - تأديب الرجل فرسه. ابن ماجة (2/ 940) 24 - كتاب الجهاد، 19 - باب الرمي في سبيل الله. الدارمي (2/ 204) كتاب الجهاد، باب في فضل الرمي والأمر به.

فإنهن من الحق ومن ترك الرمي بعد ما علمه رغبةً عنه فإنها نعمةُ تركها أو قال كفرها". أقول: كل أنواع اللهو التي وردت في الحديث تحقق مقاصد محمودة، أما اللهو المجرد الذي ليس له منفعة شرعية، بعضه مكروه وبعضه محرم، ومن هذا النص الذي مر معنا ندرك أهمية صناعة السلاح وحسن استعماله وخاصة الرمي، والرمي في عصرنا على أنواع كثيرة، وكله مما ينبغي أن يتقنه المسلمون ومن أجل الإتقان فلا عبرة بالخسائر المالية التي تترتب على ذلك. 4974 - * روى الطبراني عن عطاء بن أبي رباحٍ قال: رأيتُ جابر بن عبد الله وجابر ابن عبيد الله الأنصاري يرتميان، فمد أحدهما فجلس فقال له الآخر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كل شيء ليس من ذكر الله عز وجل فهو لهو أو سهوٌ إلا أربع خصال: مشي الرجل بين الغرضين وتأديبه فرسه وملاعبته أهله وتعليم السباحة". 4975 - * روى مسلم عن عقبة بن عامر (رضي الله عنه) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ستُفتحُ عليكم أرضون، ويكفيكم الله، فلا يعجزْ أحدكم أن يلهو بأسهمه". أقول: إن التدريب في حالات السلم والرخاء مطلوب من المسلمين، فلا ينبغي أن يتوقف التدريب في حال من الأحوال. 4976 - * روى البزار عن سعد بن أبي وقاص رفعه قال: "عليكم بالرمي فإنه خيرٌ - أو من خير - لهوكم" (1).

_ 4974 - مجمع الوائد (5/ 269)، قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط والكبير والبزار ورجال الطبراني رجال الصحيح خلا عبد الوهاب بن بخت وهو ثقة. البزار (2/ 279). 4975 - مسلم (3/ 1522) 33 - كتاب الإمارة، 52 - باب فضل الرمي والحث عليه. 4976 - كشف الأستار عن زوائد البزار (2/ 179). مجمع الزوائد (5/ 268) وقال الهيثمي: رواه البزار والطبراني في الأوسط ولفظه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالرمي فإنه خيرُ لعبكم"، ورجال البزار رجال الصحيح خلا حاتم بن الليث وهو ثقة وكذلك رجال الطبراني.

4977 - * روى البخاري عن سلمة بن الأكوع "خرج النبي صلى الله عليه وسلم على نفرٍ من أسلم ينتضلون فقال: ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً وأنا مع بني فلان فأمسك أحد الفريقين بأيديهم فقال: "ما لكم لا ترموا؟ فقالوا: كيف نرمي وأنت معهم؟ فقال ارموا وأنا معكم كلكمْ". أقول: من مهمات الأمير المسلم أن يكون له إشرافه ومتابعته وتشجيعه للتدريب عامة والرمي خاصة. 4978 - * روى أحمد عن عُتبة بن عبد السلمى "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: قوموا فقاتلوا، قال: فرمى رجل بسهمٍ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوجب هذا" أوجب أي وجبت له الجنة أي استحق دخولها. 4979 - * روى الطبراني عن ثُمامة قال: "كان أنس يجلسُ ويُطرح له فراشٌ ويجلس عليه ويرمي ولده بين يديه فخرج علينا يوماً نحن نرمي فقال: يا بني: بئس ما ترمون ثم أخذ القوس فرمى فما أخطأ القرطاس". أقول: من آداب المسلم أن يمتلك قدرات متفوقة. في إصابة الهدف وذلك مطلوب في كل نوع من أنواع السلاح لقوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} فـ (من) في الآية لبيان الجنس، وقد فسر رسول الله القوة بالرمي فإذاً كل أنواع الرمي مطلوبة من المسلم وكل ما يركب للمعركة مطلوب من المسلم، فالصناعة الحربية والإعداد بالعتاد والسلاح والتدريب على ذلك كل ذلك داخل في الآية (1).

_ 4977 - البخاري (6/ 91) 56 - كتاب الجهاد، 78 - باب التحريض على الرمي .. انتضل القوم وتناضلوا: رموا للسبق. 4978 - أحمد (4/ 183). الطبراني - الكبير- (17/ 123). مجمع الزوائد (5/ 270) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني وإسنادهما حسن. (أوجب): أي وجبت له الجنة: أي استحق دخولها. 4979 - مجمع الزوائد (5/ 271) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.

- أنواع الخيل وإكرام خيل الجهاد وما يقوم مقامه وفضل ذلك

- أنواع الخيل وإكرام خيل الجهاد وما يقوم مقامه وفضل ذلك: 4980 - * روى أبو داود عن أبي وهب الجُشمي (رضي الله عنه) قال محمد بن مُهاجر عن عقيل بن شبيب عن أبي وهب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عليكم من الخيل بكل كُميتٍ أغر مُحجلٍ، أو أشقر أغر محجل، أو أدم أغر محجلٍ" وفي رواية (1): "عليكم بكل أشقر أغر محجل، أو كميت أغر ... فذكر نحوه" قال محمد بن مهاجر: "فسألته: لِمَ فضل الأشقر؟ قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سريةٌ، فكان أول من جاء بالفتح صاحب أشقر". وفي رواية النسائي (2)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تسموا بأسماء الأنبياء، وأحبُّ الأسماء إلى الله: عبد الله وعبد الرحمن، وارتبطوا الخيل وامسحوا بنواصيها وأكفالها، ولا تٌقلدوها الأوتار، وعليكم بكل كُميتٍ أغر مُحجلٍ، أو أشقرٍ أغر محجلٍ، أو أدهمٍ أغر محجلٍ". وأخرج أيضاً هو والنسائي (3) باقي الرواية مفردة عن ذكر التسمي "وذكر الصفة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ارتبطوا الخيل، وامسحوا بنواصيها وأعجازها - أو قال: أكفالها - وقلدوها، ولا تقلدوها الأوتار". أقول: إن تخير نوع السلاح ونوع العتاد من أسباب النجاح في الحرب، فكثيراً ما يتوقف النجاح في الحرب على نوع السلاح أو العتاد، ولذلك كله أصل في السنة.

_ 4980 - أبو داود (3/ 22) كتاب الجهاد، باب في ما يستحب من ألوان الخيل. (1) أبو داود الموضع السابق نفسه. (2) النسائي (6/ 218) 28 - كتاب الخيل، 3 - ما يستحب من شية الخيل. (3) أبو داود (3/ 24) كتاب الجهاد، باب إكرام الخيل، وارتباطها، والمسح على أكفالها. النسائي (6/ 218) 28 - كتاب الخيل، 3 - باب ما يستحب من شية الخيل. وهو حديث حسن. (الأوتار) كانوا يُقلدون خيلهم أوتار القسي لئلا تصيبها العينُ، فأُمروا بقطعها، لعلمهم أن الأوتار لا ترد قضاء الله شيئاً. وقيل: نهوا أن يقلدوها الأوتار، أي: لا يَطلبون عليها الذحُول التي وتُروا بها في الجاهلية، تقول: وترهُ يترهُ وتراً: إذا قتل له قتلاً ولم يدرك بثأره، فتكون الأوتار على الأول: بفتح التاء والواو- وعلى الثاني: جمعُ وترٍ: بكسر الواو وسكون التاء. وإنما نهاهم عن ذلك: لأنهم كانوا يعتقدون أن تقليد الخيل الأوتار، يدفع عنه العين والأذى، فتكن كالعوذة لها، فنهاهم، وأعلمهم أنها لاتدفع ضراً، ولا تصرف حذراً.

4981 - * روى أحمد عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الخيلُ معقودٌ في نواصيها الخير واليُمن إلى يوم القيامة وأهلها معانون عليها قلدوها ولا تقلدوها الأوتار". أقول: لا زال للخيل دور بسيط في عصرنا، فبعض المهمات لا يصلح فيها إلا الخيل، والسنة النبوية تحضنا على أن نبقى للخيل اعتباراً مستمراً إلى قيام الساعة. 4982 - * روى الترمذي عن أبي قتادة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خيرُ الخيل الأدهم الأقرح الأرثمُ، ثم الأقرح المحجل، طُلق اليمين، فإن لم يكن أدهم فكميت، على هذه الشية". 4983 - * روى عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يُمْنُ الخيل في شقرها" وقال الترمذي: "في الشقر". 4984 - * روى البخاري عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: "كان السلفُ يستحبون الفحولة من الخيل، ويقولون: هي أحسنُ وأجرى". وعن راشد بن سعد مثله (1).

_ 4981 - احمد (3/ 352). مجمع الزوائد (5/ 259) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه ابن لهيعة وفيه ضعف وحديثه حسن، ورواه أحمد أتم منه ورجاله ثقات. لا تقلدوها الأوتار أي قلدوها طلب أعداء الدين والدفاع عن المسلمين ولا تقلدوها طلب أوترا الجاهلية التي كانت بينكم، والوترُ هو الثأر. 4982 - الترمذي (4/ 203) 24 - كتاب الجهاد، 19 - باب ما جاء في فضل الخيل، وإسناده صحيح. (الأرثم): الفرس الذي في شفته العليا بياض. (الأقرح) من الخيل: ما كان في جبهته قرحة، وهي بياض يسير في وسط الجبهة. (طلق اليمين) بضم الطاء واللام: إذا لم تكن محجلةً. (الشيةُ): كل لون يخالف معظم لون الفرس وغيره، والهاء فيها عوض من الواو الذاهبة من أوله، والجمع: شيات. 4983 - أبو داود (3/ 22) كتاب الجهاد، باب ما يستحب من الخيل. الترمذي (4/ 203) 24 - كتاب الجهاد، 20 - باب ما جاء فيما يستحب من الخيل. أحمد (1/ 272) وإسناده حسن، حسنه الترمذي وغيره. (يمنُ الخيل) اليمنُ: البركة. 4984 - البخاري (6/ 66) 56 - كتاب الجهاد، 50 - باب الركوب على الدابة الصعبة والفحولة من الخيل.

قال: وقال راشد بن سعد: كان السلف يستحبون الفحولة. لأنها أجرأ وأيسر، قال الحافظ في الفتح: وقوله: أجرأ وأيسر، بهمز أجرأ من الجرأة، وبغير الهمز من الجري، وأجسر بالجيم والسين المهملة من الجسارة، وحذف المفضل عليه اكتفاء بالسياق، أي من الإناث أو المخصية، وروى أبو عبيدة في كتاب الخيل له: عن عبد الله بن محيريز نحو هذا الأثر وزاد: وكانوا يستحبون إناث الخيل في الغارات والبيات، وروى الوليد بن مسلم في الجهاد له من طريق عبادة بن نسي وابن محيريز أنهم كانوا يستحبون إناث الخيل في الغارات والبيات، ولما خفي من أمور الحرب، ويستحبون الفحول في الصفوف والحصون، لما ظهر من أمور الحرب، وروي عن خالد بان الوليد أنه كان لا يقاتل إلا على أنثى، لأنها تدفع البول، وهي أقل صهيلاً، والفحل يحبسه في جريه حتى ينفق ويؤذي بصهيله. 4985 - * روى مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكرهُ الشكال من الخيل". زاد في راية (1) " والشكال: أن يكون الفرس في رجله اليمنى بياضٌ، وفي يده اليسرى، أو يده اليمنى ورجله اليسرى". وفي رواية الترمذي (2) "أنه كان يكره الشكال في الخيل". وفي رواية النسائي (3) مثله، وقال: والشكالُ من الخيل: أن تكون ثالث قوائمة محجلةً، وواحدةٌ مطلقةً، أو تكون الثلاثة مطلقةً، وواحدةٌ محجلةً، وليس يكون الشكال إلا في رجلٍ، ولا يكون في اليد. وقيل: هو اختلاف الشية ببياضٍ في خلافٍ. 4986 - * روى البخاري عن عروة بن الجعد (رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الخيلُ معقودٌ في نواصيها الخير: الأجر، والمغنم، إلى يوم القيامة", وفي رواية نحوه، وليس فيها "الأجرُ والمغنمُ".

_ 4985 - مسلم (3/ 1494) 33 - كتاب الإمارة، 27 - باب ما يكره من صفات الخيل. (1) مسلم (3/ 1495) نفس الموضع السابق. أبو داود (3/ 23) كتاب الجهاد، باب ما يكره من الخيل. (2) الترمذي (4/ 204) 24 - كتاب الجهاد، 21 - باب ما جاء ما يُكره من الخيل. (3) النسائي (6/ 219) 28 - كتاب الخيل، 4 - باب الشكال في الخيل. 4986 - البخاري (6/ 54) 56 - كتاب الجهاد، 43 - باب الخيلُ معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة. الترمذي (4/ 202) 24 - كتاب الجهاد، 19 - باب ما جاء في فضل الخير. النسائي (6/ 222) 28 - كتاب الخيل، 7 - باب فتل ناصية الفرس.

4987 - * روى الطبراني عن أبي كبشة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الخيل الخيل معقود في نواصيها الخير، وأهلها معانون عليها والمنفقُ عليها كالباسط يده بالصدقة". 4988 - * روى أبو يعلي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الخير معقودٌ بنواصي الخيل إلى يوم القيامة ومثل المنفق عليها كالمتكفف بالصدقة". 4989 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البركةُ في نواصي الخيل" وفي رواية (1): "الخيل معقودٌ في نواصيها الخير". 4990 - * روى مالك في الموطأ عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الخيلُ معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة". 4991 - * روى مسلم عن جرير بن عبد الله (رضي الله عنه) قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوي ناصية فرسٍ بإصبعه، وهو يقول: "الخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة: الأجر والغنيمة". 4992 - * روى أحمد عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الخيلُ معقودٌ

_ 4987 - مجمع الوائد (5/ 259) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات. 4988 - أبو يعلي (10/ 404). مجمع الزوائد (5/ 259) وقال الهيثمي: رواه أبو يعلي والطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. 4989 - البخاري (6/ 54) 56 - كتاب الجهاد، 43 - باب الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة. مسلم (3/ 1494) 33 - كتاب الإمارة، 27 - باب ما يكره من صفات الخيل. (1) البخاري نفس الموضع السابق. 4990 - الموطأ (2/ 467) 21 - كتاب الجهاد، 19 - باب ما جاء في الخيل والمسابقة بينهما، والنفقة في الغزو. البخاري (6/ 54) 56 - كتاب الجهاد، 43 - باب الخيل معقود في نواصيها الخيرُ إلى يوم القيامة. مسلم (3/ 1492) 33 - كتاب الإمارة، 26 - باب الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة. النسائي (6/ 222) 28 - كتاب الخيل، 7 - باب فتل ناصية الفرس. 4991 - مسلم (3/ 1493) 33 - كتاب الإمارة، 26 - باب الخيل في نواصيها الخير إلى يوم القيامة. النسائي (6/ 221) 28 - كتاب الخيل، 7 - باب قتل ناصية الفرس. 4992 - أحمد (3/ 352). مجمع الزوائد (5/ 261) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الأوسط باختصار ورجال أحمد ثقات.

في نواصيها الخير والنُّبلُ إلى يوم القيامة وأهلها معانون عليها فامسحوا بنواصيها وادعوا لها بالبركة وقلدوها ولا تُقلدوها الأوتار" قال عليِّ: ولا تقلدوها الأوثان. 4993 - * روى أحمد عن رجل من الأنصار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الخيل ثلاثة: فرس يرتبطه الرجل في سبيل الله عز وجل قيمته أجرٌ وركوبه أجرٌ وعاريته أجرٌ، وفرسٌ يغالق عليه الرجل ويراهن: قيمته وزرٌ وركوبه وزرٌ وعاريته وزرٌ وعلفه وزرٌ، وفرسٌ للبطنة فعسى أن تكون سداداً من الفقر إن شاء الله". أقول: رباط الخيل للقمار غير جائز، أما رباطها للرهان الإسلامي المعروف فهو جائز. 4994 - * روى أحمد عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الخيل ثلاثةٌ: ففرسٌ للرحمن، وفرسٌ للإنسان، وفرسٌ للشيطان، فأما فرس الرحمن فالذي يرتبط في سبيل الله عز وجل فعلفه وبوله وروثه - وذكر ما شاء الله - وأما فرسُ الشيطان فالذي يقامر عليه ويُراهن، وأما فرس الإنسان فالفرس يرتبطها الإنسان يلتمس بطنها فهي سترٌ من فقرٍ". 4995 - * روى مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد (رحمه الله) "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رُئي يمسحُ وجه فرسه بردائه، فسُئل عن ذلك؟ فقال: إني عوتبتُ الليلة في الخيل" (1).

_ 4993 - أحمد (4/ 69). مجمع الزوائد (5/ 260) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. (يغالق): يسعى ليملك الرهن بدل الدين عند تعذر الوفاء. وهذه العادة أبطلها الإسلام. (للبطنة) أي يطلب ما فيها بطنها من النتاج. (سداد) ما يكفيه ويسد حاجته. 4994 - أحمد (1/ 395) وهو صحيح. مجمع الزوائد (5/ 260) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات. 4995 - الموطأ (2/ 468) 21 - كتاب الجهاد، 19 - باب ما جاء في الخيل والمسابقة بينها، والنفقة في الغزو. وإسناده =

4996 - * روى النسائي عن أنس: "لم يكن شيء أحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد النساء من الخيل". 4997 - * روى أحمد عن معقل بن يسار قال: "لم يكن شيء أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخيل ثم قال: غفرانك والنساء". 4998 - * روى النسائي عن أبي ذر الغفاري (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من فرس عربي إلا يؤذن له عند كل سحرٍ بكلمات يدعو بهن: اللهم خولتني من خولتني من بني آدم، وجعلتني له، فاجعلني أحب أهله وماله - أو من أحب أهله وماله - إليه". 4999 - * روى أبو داود عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم" كان يُسمى الأنثى من الخيل فرساً". 5000 - * روى البخاري عن سهل بن سعد (رضي الله عنه) قال: "كان للنبي صلى الله عليه وسلم في حائطنا فرسٌ يقال له: اللحيفُ" قال البخاري، قال بعضهم: "اللخيفُ" بالخاء. 5001 - * (1) روى الطبراني عن ابن عمر قال: "ما تعاطى الناس بينهم قط أفضل من

_ = منقطع، قال الزرقاني في شرح الموطأ: مرسل، ووصله ابن عبد البر من طريق عبيد الله بن عمرو الفهري عن مالك عن يحيى بن أنس، قال: وصله أبو عبيدة في كتاب الخيل له، من طريق يحيى بن سعيد عن شيخ من الأنصار، وقال: في إذالة الخيل: وله من مرسل عبد الله بن دينار، وقال: إن جبريل بات الليلة يعاتبني في إذالة الخيل، أي: امتهانها. 4996 - النسائي (6/ 217) 28 - كتاب الخيل، 2 - باب حب الخيل ورجاله رجال الصحيح. 4997 - أحمد (5/ 27). مجمع الزوائد (4/ 258) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد ثقات. 4998 - النسائي (6/ 223) 28 - كتاب الجهاد، 9 - باب دعوة الخيل. إسناده حسن. 4999 - أبو داود (3/ 23) كتاب الجهاد، باب: هل تسمى الأنثى من الخيل فرساً؟ في سنده موسى بن مروان التمار الرقي لم يوثقه غير ابن حبان، وباقي رجاله ثقات. 5000 - البخاري (6/ 58) 56 - كتاب الجهاد، 46 - باب اسم الفرس والحِمار. (اللحيف) بالحاء المهملة، فعيل بمعنى فاعل، كأن يلحفُ الأرض بذنبه، أي يغطيها، ومن رواه بالخاء المعجمة فقليل، والصحيح: أنه بالحاء المهملة، والله أعلم. 5001 - مجمع الزوائد (5/ 266) وقال الهيثمي: رواه الطبري ورجاله ثقات.

الطرق يُطرق الرجل فرسه فيجري له أجره ويطرق الرجل فحله فيجرى له أجره". 5002 - * روى الطبراني عن أبي عامر الهوزني عن أبي كبشة الأنماري أنه أتاه فقال: اطرقني فرسك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أطر فعقب له الفرس كان له كأجر سبعين فرساً حمل عليها في سبيل الله عز وجل. والطبراني إلا أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أطرق فرسه مسلماً فعقب له الفرس كان له كأجر سبعين فرساً حمل عليها في سبيل الله فإن لم يعقبْ كان له كأجر فرس يحمل عليها في سبيل الله". 5003 - * روى أحمد عن دحية الكلبي قال: قلت يا رسول الله ألا أحمل ُلك حماراً على فرسٍ فينتجُ لك بغلاً فتركبها قال "إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون". أقول: من المعروف أن البغال تكون عقيمة فحمل الحمار على الفرس جائز مكروه يتنزه عنه العلماء، وإن ركوب البغال جائز. 5004 - * روى أبو داود عن عليِّ بن أبي طالب (رضي الله عنه) قال: "أُهديتْ لرسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة، فركبها، فقال عليٌّ: لو حملنا الحمير على الخيل، فكانت لنا مثل هذه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون". وفي رواية (1): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لن يُنزى حمارٌ على فرس". 5005 - * روى أحمد عن سويد بن هبيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي رواية سمعت رسول الله

_ 5002 - الطبراني - الكبير- (22/ 341). مجمع الزوائد (5/ 266) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات. 5003 - أحمد (4/ 311). مجمع الزوائد (5/ 265) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الأوسط إلا أنه قال عن الشعبي إن دحية مرسل، وهو عند أحمد عن الشعبي عن دحية، ورجال أحمد رجال الصحيح خلا عمر بن حسيل من آل حذيفة ووثقه ابن حبان. 5004 - أبو داود (3/ 27) كتاب الجهاد، باب في كراهية الحمر تنزي على الخيل. (1) النسائي (6/ 224) 28 - كتاب الخيل، 10 - باب التشديد في حمل الحمير على الخيل. 5005 - أحمد (3/ 468). مجمع الزوائد (5/ 258) وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد ثقات

صلى الله عليه وسلم قال: "خير المال مُهرةٌ مأمورةٌ أو سكةٌ مأبورةٌ". 5006 - * روى البزار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "صاحب الدابة أحق بصدرها". 5007 - * روى البزار عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى عن صبر ذي الروح وعن إخصاء البهائم نهياً شديداً". صبر ذي الروح هو أن يوثق ذو الروح حياً ثم يرمي حتى يموت. فهو تعذيب له. أقول: خصاء البهائم جائز لكنه مكروه (1).

_ = (السكة): الطريقة المصطفة من النخل، والمأبورة: الملحقة. وقيل السكة: سكة الحرث، والمأبورة: المصلحة له، أراد خير المال نتاج أو زرع. 5006 - كشف الأستار عن زوائد البزار (2/ 275). 5007 - كشف الأستار (2/ 274).

الفصل الخامس في الأمان والهدنة والجزية ونقض العهد والغدر

الفصل الخامس في الأمان والهدنة والجزية ونقض العهد والغدر

- في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم

- في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: 5008 - * روى أبو داود عن كعب بن مالك: أن كعب بن الأشرف، كان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم ويحرض عليه كُفار قريش فكان صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة وفيها مشركون يعبدون الأوثان، واليهود يؤذونه صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأمره الله تعالى بالصبر والعفو ففيهم نزل {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا} فأبى كعبُ بن الأشرف أن ينزع عن أذى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذٍ أن يبعث إليه من يقتله فقتله محمد بن مسلمة وذكر قصة قتله فلما قتلوه فزعت اليهود والمشركون فغدوا إليه صلى الله عليه وسلم وقالوا: طُرِقَ صاحبنا وقُتل، فذكر لهم صلى الله عليه وسلم الذي كان يقول ثم دعاهم إلى أن يكتب بينهُ وبينهم كتاباً ينتهون إلى ما فيه فكتب بينه وبينهم وبين المسلمين عامة صحيفةً. - صلح النبي صلى الله عليه وسلم وإجلاؤهم: 5009 - * روى أبو داود عن ابن عمر "أتى النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر فقاتلهم حتى: ألجأهم إلى قصرهم وغلبهم على الأرض والزرع والنخل فصالحوه على أن يجلوا منها ولهم ما حملت ركابهم ولرسول الله صلى الله عليه وسلم الصفراء والبيضاء والحلقة وهي السلاح ويخرجون منها، واشترط عليهم أن لا يكتموا ولا يغيبوا شيئاً فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد، فغيبوا مسكاً فيه مالٌ وحُلي لحيي بن أخطب كان احتمله معه إلى خيبر حين أجليت النضير فقال صلى الله عليه وسلم لعم حيي واسمه سعيةُ: ما فعل مسكُ حيي الذي جاء به من بني النضير؟ قال: أذهبته النفقات والحروب فقال: العهد قريب والمال أكثر من ذلك وقد كان حيي قُتل قبل ذلك فدفع صلى الله عليه وسلم سعيةَ إلى الزبير فمسهُ بعذاب فقال (1): قد رأيت حيياً يطوف في خربةٍ ههنا

_ 5008 - أبو داود (3/ 154) كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب كيف كان إخراج اليهود من المدينة. أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي حديث قتل كعب بن الأشرف أتم من هذا. وحديث الباب رواه أبو داود عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مالك عن أبيه. قال المنذري: قوله عن أبيه فيه نظر فإن أباه عبد الله بن كعب ليست له صحبة ولا هو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم ويكون الحديث على هذا مرسلا. ويحتمل أن يكن أراد بأبيه جده وهو كعب بن مال فيكون الحديث على هذا مسنداً. أقول: وهو الراجح. 5009 - البخاري بالمعنى (5/ 10) 41 - كتاب الحرث والمزارعة، 8 - باب المزارعة بالشطر ونحوه. أبو داود (3/ 157) "كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب ما جاء في حكم أرض خيبر. (المسك): الجلد توضع فيه النقود والحُليُّ.

- الأمر بالوفاء بالعهود وعدم إتيان ما ينافيها

فذهبوا فطافوا فوجدوا المسك في الخربة فقتل صلى الله عليه وسلم ابني أبي الحُقيق، أحدهما زوج صفية بنت حيي وسبا نساءهم وذراريهم وقسم أموالهم بالنُّكثِ الذي نكثوا وأراد أن يُجليهم منها فقالوا يا محمد دعنا نكون في هذه الأرض نُصلحها ونقوم عليها، ولم يكن له صلى الله عليه وسلم ولا لأصحابه غلمان يقومون عليها وكانوا لا يفرغون أن يقوموا عليها فأعطاهم خيبر على أن لهم الشطر من كل زرع وشيء ما بدا للنبي صلى الله عليه وسلم. 5010 - * روى البخاري عن نافع لما فدع أهل خيبر عبد الله بن عمر قام عمر خطيباً فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامل يهود خيبر على أموالهم وقال نقركم ما أقركم الله وإن عبد الله بن عمر خرج إلى ماله هناك فعُدي عليه من اللي ففُدعتْ يداه ورجلاه وليس له هناك عدوٌّ غيرهم هم عدونا وتهمتنا وقد رأيت إجلاءهم فلما أجمع عمر على ذلك أتاه أحد بني الحقيق فقال: يا أمير المؤمنين أتخرجنا وقد أقرنا محمدٌ وعاملنا على الأموال وشرط لنا ذلك؟ فقال عمر أظننت أني نسيت قوله صلى الله عليه وسلم لك كيف بك إذا أخرجت من خيبر تعدو بك قلوصُك ليلةً بعد ليلةٍ؟ فقال كان ذلك هزيلةً من أبي القاسم فقال كذبت يا عدو الله إنه لقول فصلٌ وما هو بالهزل فأجلاهم عمر وأعطاهم قيمةَ ما كان لهم من الثمر مالاً وإبلاً وعروضاُ من أقتابٍ وجبالٍ وغير ذلك. وله ولمسلم (1) عن ابن عمر: "أن عمر أجلام إلى تيماء وأريحاء". - الأمر بالوفاء بالعهود وعدم إتيان ما ينافيها: 5011 - * روى أبو داود عن سُليم بن عامر "كان بين معاوية وبين الروم عهدٌ وكان يسير نحو بلادهم ليقرُب حتى إذا انقضى العهد غزاهم فجاءه رجلٌ على دابةٍ أو فرسٍ وهو يقول الله أكبر وفاءٌ لا غدر، فإذا هو عمرو بن عبسة فأرسل إليه معاوية فسأله فقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من كان بينه وبين قومٍ عهدٌ فلا يشُدَّ عقدةً ولا يحُلَّها حتى

_ 5010 - البخاري (5/ 327) 54 - كتاب الشروط، 14 - باب إذا اشترط في المزارعة "إذا شئت أخرجتك". (1) البخاري (5/ 21) 41 - كتاب الحرث والمزارعة، 17 - باب إذا فال ربُّ الأرض أقرُّك الله .. مسلم (3/ 1187) 22 - كتاب المساقات، 1 - باب المساقات والمعاملة بجزء من الثمر والزرع. (الفدعُ): إزالة المفاصل عن أماكنها. 5011 - أبو داود (3/ 83) كتاب الجهاد، باب في الإمام يكون بينه وبين العدو عهد فيسير إليه. الترمذي (4/ 143) 22 - كتاب السير، 27 - باب ما جاء في الغدر. قال الترمذي: حديث صحيح.

- بيان أنه يجير على المسلمين أدناهم

يُقضى أمدها أو ينبذ إليهم على سواء. فرجع معاويةُ". 5012 - * روى أبو داود عن أبي رافع "بعثني قريشٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما رأيته ألقي في قلبي الإسلام فقلت يا رسول الله لا أرجع إليهم أبداً فقال: "إني لا أخيسُ بالعهد ولا أحبس البُرد ولكن أرجع فإن كان في نفسك الذي في نفسك الآن فارجعْ" فذهبت ثم أتيته صلى الله عليه وسلم فأسلمتُ". وقال أبو داود: هذا كان في ذلك الزمان فأما اليوم لا يصلح. أقول: قال العلماء: إنما كان ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان على استيقان عودته مسلماً وكان في توفيقه مفاسد لا تخفى، حيث كان سبب لاشتهار أن النبي صلى الله عليه وسلم يحبس الرسل، وإن لم يكن الحبس منه، ولا يجوز ذلك في من بعده صلى الله عليه وسلم، وذهب بعضهم إلى أن ذلك كان في زمن الحديبية حيث شرطوا أو يرد من جاء مسلماً، لكن يرد هذا الفهم أن أبا رافع القبطي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أسلم قبل بدر وشهد أحداً، (انظر بذل المجهود: 12/ 380)، (وتهذيب التهذيب: 12/ 92). وقد مر قول أبي داود (هذا كان في ذلك الزمان) فحمله صاحب عون المعبود على قوله (إنه كان قبطياً) فقال: لا يصلح: أي لا يصلح أن ينسب إلى الرق أو القبط تعظيماً لشأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. أقول: ولا أرى ذلك ينسجم مع سياق النص، وقد نسبه العلماء في كتب التراجم إلى القبطية من باب التعريف به والتمييز له عن غيره. ويستفاد من النص أنه يمكن للإمام أن يرد رسول العدو إذا أراد الرسول الإسلام ليحقق مصلحة راجحة للمسلمين، ما لم يخش على الرسول الفتنة. والله أعلم. - بيان أنه يجير على المسلمين أدناهم: 5013 - * روى الحاكم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه سولم قال: "يجير على أمتي أدناهم" (1).

_ 5012 - أبو داود (3/ 82) كتاب الجهاد، باب في الإمام يستجنُّ به في العهود. إسناده صحيح. 5013 - الحاكم - في المستدرك (2/ 141) كتاب قسم الفيء، وهو حديث صحيح.

- في الجزية

5014 - * روى أبو داود عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: "إن كانت المرأة لتُجيرُ على المسلمين فيجوزُ". 5015 - * روى الترمذي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن المرأة لتأخذ على القوم، يعني تُجير على المسلمين". - في الجزية: 5016 - *روى أبو داود عن معاذ بن جبل (رضي الله عنه) "أن رسول الله صلى الله عليه سلم وجههُ إلى اليمن، أمره: أن يأخذ من كل حالمٍ يعني: محتلمٍ - ديناراً. أو عدلهُ من المعافري: ثيابٍ تكون باليمن". 5017 - * روى مالك في الموطأ عن أسلم "أن عمر ضرب الجزية على أهل الذهب أربعة دنانير وعلى أهل الورق أربعين درهماً مع ذلك أرزاقُ المسلمين وضيافةُ ثلاثةِ أيامٍ". 5018 - * روى أبو داود عن بجالة بن عبدٍ - ويقال: ابن عبدةَ - (رحمه الله) قال: "كنتُ كاتباً لجزء بن معاوية - عم الأحنف بن قيس - فجاء كتابُ عمر، قبْلَ موته بسنةٍ: أن اقتلوا كل ساحرٍ وساحرةٍ، وفرقوا بني كل ذي محرمٍ من المجوس، وانهوهم عن الزمزمة، فقتلنا ثلاثة سواحر، وجعلنا نفرقُ بين كل رجلٍ من المجوس وحريمه في كتاب الله، وصنع طعاماً كثيراً، فدعاهم فعرض السيف على فخذه، فأكلوا، فلم يزمزمُوا، فألقوا وقرَ بغلٍ أو بغلين من الورق، ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس (1)، حتى شهد

_ 5014 - أبو داود (3/ 84) كتاب الجهاد، باب في أمان المرأة. إسناده حسن. 5015 - الترمذي (4/ 141) 22 - كتاب السير، 26 - باب ما جاء في أمان العبد والمرأة. وإسناده حسن. وقال الترمذي حديث حسن غريب. 5016 - أبو داود (3/ 167) كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في أخذ الجزية. وقال ابن عبد البر في "التمهيد": إسناده متصل صحيح ثابت. (عدله) عدلُ الشيء: ما يعادله ويماثله. (من المعافري) منسوب إلى معافر - بفتح الميم - وهو موضع باليمن، وهي ثياب تكون به. وقال محقق الجامع معافر: علم قبيلة من همدان، وإليهم تنسب الثياب المعافرية. 5017 - الموطأ (1/ 279) 17 - كتاب الزكاة، 24 - باب جزية أهل الكتاب والمجوس، إسناده صحيح. 5018 - أبو داود (3/ 168) كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في أخذ الجزية من المجوس.

عبد الرحمن بن عوف: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجرَ". وفي رواية البخاري (1) مختصراً قال: "كنت كاتباً لجزء بن معاوية عم الأحنف، فأتانا كتاب عمر بن الخطاب، قبْلَ موته بسنةٍ: فرقوا بين كل ذي محرمٍ من المجوس، ولم يكن عمر أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر". وفي رواية الترمذي (2) مختصراً قال: "كنت كاتباً لجزء بن معاوية على مناذر، فجاءنا كتاب عمر: انظر موس من قبلك، فخذ منهم الجزية، فإن عبد الرحمن بن عوف أخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر". 5019 - * روى مالك في الموطأ عن جعفر بن محمد عن أبيه: أن عمر ذكر المجوس فقال ما أدري كيف أصنع في أمرهم، فقال عبد الرحمن بن عوف: أشهد لسمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "سُنوا بهم سُنة أهل الكتاب".

_ (1) البخاري (6/ 257) 58 - كتاب الجزية والموادعة، 1 - باب الجزية والموادعة، مع أهل الذمة والحرب. (2) الرتمذي (4/ 146) 22 - كتاب السير، 31 - باب ما جاء في أخذ الجزية من المجوس. قال الترمذي: وفي الحديث كلام أكثر من هذا، ولم يذكره. (ذو محرمٍ) ذو المحرم: من لا يحل نكاحه. (زمزمة) الزمزمة: كلام المجوس عند أكلهم وصوتهم الخفي. (وقر) الوقرُ: الحِملُ: أي الثقل، يريد: ألقوا حمل بغل أو بغلين، أخله من الورق، كانوا يأكلون بها، ولم يمنعهم عمر رضي الله عنه من هذه الأشياء، وحملهم على هذه الأحكام فيما بينهم وبين أنفسهم إنما منعهم من إظهار ذلك بين المسلمين، فإن أهل الكتاب متى ترافعوا إلينا ألزمناهم حكم الإسلام، ومتى لم يتحاكموا إلينا فلا يُلزمون بحكم الإسلام، وهم ودينهم أعرف فيما بينهم. مناذر) بوزن: مساجد: بلدتان بنواحي خوزستان من الأهواز كبرى وصغرى. أول من كوره وحفر نهره: اردشير بن بهمن الأكبر. 5019 - الموطأ (1/ 278) 17 - كتاب الزكاة، 24 - باب جزية أهل الكتاب والمجوس. وفي سنده انقطاع، لكن ذكر الشوكاني أنه يشهد له حديث مسلم بن العلاء الحضرمي من رواية الطبراني بلفظ (سُنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب في أخذ الجزية فقط). وقال: روى أبو عبيد بسند صحيح عن حُذيفة: (لولا أني رأيت أصحابي أخذوا الجزية من المجوس ما أخذتها)، وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عيله وسلم بعث، أبا عبيدة إلى البحرين يأتي بجزيتها، قال الشوكاني وكان غالب أهلها من المجوس.

5020 - * روى مالك في الموطأ عن ابن شهاب (رحمه الله) قال: "بلغني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس البحرين، وأن عمر بن الخطاب أخذها من مجوس فارس، وأن عثمان بن عفان أخذها من البربر". 5021 - * روى أبو داود عن أنس "أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة فأخذوه فأتوا به فحقن له دمهُ وصالحه على الجزية". 5022 - * روى مالك في الموطأ عن ابن عمر "أن عمر كان يأخذ من النبط من الحنطة والزيت نصف العشر يريد بذلك أن يكثر الحمل إلى المدينة ويأخذ من قطنية العُشر". 5023 - * روى مالك في الموطأ عن السائب بن يزيد: "كنت عاملاً مع عبد الله بن عُتبة بن مسعود في زمن عمر فكنا نأخذ من النبط العُشر قال مالك سألت ابن شهاب على أي وجهٍ كان يأخذ عمر من النبط العُشر؟ فقال كان ذلك يؤخذ منهم في الجاهلية فألزمهم ذلك عمر". 5024 - * (1) روى مسلم عن أبي هريرة رفعه: "منعت العراق قفيزها ودرهمها ومنعت الشام مُدها ودينارها ومنعت مصر أردُبها ودينارها ثم عدتم من حيث بدأتم"، قالها زهير ثلاث مرات شهد على ذلك لحمُ أبي هريرة ودمه. لعل في ذلك إشارة إلى توقف العمل بالجزية بسبب زوال الخلافة والحكم بغير ما أنزل

_ 5020 - الموطأ (1/ 278) 17 - كتاب الزكاة، 24 - باب جزية أهل الكتاب والمجوس. (البربر): هم قبائل المغرب يسكنون مراكش والصحراء الغربية وما حولها. 5021 - أبو داود (3/ 166) كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في أخذ الجزية. سكات عنه المنذري كذا في تخريج السنن (4/ 239). 5022 - الموطأ (1/ 281) 17 - كتاب الزكاة، 25 - باب عشور أهل الذمة، وإسناده صحيح. (القطنية) واحدة القطاني كالعدس والحمص واللوبياء ونحوها. 5023 - الموطأ (1/ 281) 17 - كتاب الزكاة، 25 - كباب عشور أهل الذمة، وإسناده صحيح. 5024 - مسلم (4/ 2220) 52 - كتاب الفتن وأشراط الساعة، 8 - باب لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب. أبو داود (3/ 166) كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في إيقاف أرض السواد وأرض العنوة.

- في الغدر

الله مما نشاهده الآن. وفسره بعضهم أن فيه إشارة إلى إسلام أهل تلك البلاد. أقول: لكن الواقع يشهد لبقاء أهل كتاب مع انقطاع الجزية فيها لما أشرنا. وفسر أنه انقطاع طاعة أهل الكتاب ويؤيده حديث أبي هريرة في الصحيح: "كيف أنتم إذا لم تحبوا ديناراً ولا درهماً، فقيل وكيف ترى ذلك كائناً؟ ... قال: "تهتك حرمة الله وذمة رسوله فيشد الله على قلوب أهل الذمة فيمنعون ما في أيديهم". وذكر النووي (18/ 20) غير هذا قولاً آخر: "أن العجم والروم يستولون على البلاد في آخر الزمان فيمنعون حصول ذلك للمسلمين وقد روى مسلم هذا بعد هذا الحديث بورقات عن جابر قال: يوشك أن لا يجيء إليهم قفيز ولا درهم، قلنا: من أين ذلك قال: "من قبل العجم يمنعون ذاك .. ". - في الغدر: 5025 - * روى الشيخان عن ابن عمر رفعه: "إن الغادر يُنصبُ له لواءٌ يوم القيامة فيُقال هذه غدرة فلان". 5026 - * روى مسلم عن أبي سعيد رفعه "لكل غادرٍ لواءٌ عند أسته يوم القيامة". وفي رواية (1): "لكل غادرٍ لواءٌ يوم القيامة يُرفع له بقدر غدرته ألا ولا غادر أعظم غدراً من أمير عامةٍ".

_ 5025 - البخاري (10/ 563) 78 - كتاب الأدب، 99 - باب ما يُدعى الناس بآبائهم. مسلم (3/ 1360) 32 - كتاب الجهاد والسير، 4 - باب تحريم الغدر. أبو داود (3/ 82) كتاب الجهاد في باب الوفاء بالعهد. الترمذي (4/ 144) 22 - كتاب السير، 28 - باب ما جاء أن لكل غادر لواء يوم القيامة. ابن ماجة (2/ 959) 24 - كتاب الجهاد، 42 - باب الوفاء بالبيعة. 5026 - مسلم (3/ 1361) 32 - كتاب الجهاد والسير، 4 - باب تحريم الغدر. (1) مسلم نفس الموضع السابق.

الفصل السادس الغنائم والنفل والفيء وفي سهم النبي صلى الله عليه وسلم والخمس والغلول والنهبة

الفصل السادس الغنائم والنفل والفيء وفي سهم النبي صلى الله عليه وسلم والخمس والغلول والنهبة

- في الأنفال

- في الأنفال: الأنفال: هو أن يعطي الإمام من شاء من المقاتلين زيادة على نصيبه لملحظ يراه، ورأى بعض الفقهاء أن النفل إنما يكون من الخمس الواجب لبيت المال. ومنهم من رأى أنه من خمس الخمس أي من حظ الإمام فقط، وقوم قالوا: بل من الغنيمة. 5027 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: "كل قسمٍ. قُسم في الجاهلية فهو على ما قُسم، وكل قسمٍ أدركه الإسلام ولم يُقسم فهو على قسم الإسلام". 5028 - *روى النسائي عن رافع بن خديج (رضي الله عنه) قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجعلُ في قسم المغانم عشراً من الشاء ببعيرٍ". 5029 - * روى أحمد عن عامر بن سعد "أن سعداً ركب إلى قصره بالعقيق فوجد عبداً يقطع شجراً أو يخبطه فسلبه، فلما رجع سعدٌ جاءه أهل العبد فكلموه أن يردَّ على غلامهم أو عليهم ما أخذ من غلامهم، فقال: معاذ الله أن أرد شيئاً نفلنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبى أن يرُد عليهم". والمراد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد نفل سعد بن أبي وقاص هذا الذي اقتطع منه الغلام ما اقتطع، فأبى سعد لهذا أن يتنازل عن شيء من ذلك. 5030 - * روى أبو داود عن أبي وهب قال: سمعتُ مكحولاً يقول: "كنتُ عبداً بمصر لامرأةٍ من هُذيل فأعتقتني، فما خرجت من مصر وبها علمٌ، إلا وقد حويت عليه، فيما أُرى، ثم أتيتُ العراق، فما خرجتُ منها وبها علمٌ، إلا وقد حويتُ عليه، فيما أرى، ثم أتيتُ الشام، فغربلتها، كل ذلك أسأل عن النفل (1)؟ فما أجد أحداً يخبرني فيه

_ 5027 - أبو داود (3/ 126) كتاب الفرائض، باب فيمن أسلم على ميراث. 5028 - النسائي (7/ 221) 43 - كتاب الضحايا، 15 - باب ما تجزئ عنه البدنة في الضحايا. أحمد (3/ 464). 5029 - أحمد (1/ 168) وإسناده حسن. 5030 - أبو داود (3/ 8) كتاب الجهاد، باب فيمن قال: الخمس قبل النفل.

بشيء، حتى لقيتُ شيخاً يُقال له: زياد بن جارية التميمي، فقلت له: هل سمعت في النفل شيئاً؟ قال: نعم، سمعت حبيب بن مسلمة الفهري يقول: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم نفل الربع في البدأة، والثلث في الرجعة. وفي رواية (1) مختصراً، قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُنفلُ الثلث بعد الخُمسِ". وفي أخرى (2): "كان يُنفلُ الربع بعد الخمس والثلث بعد الخمس إذا قفل". قال الخطابي: قال ابن المنذر: إنما فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين البدأة والقفول، لقوة الظهر عند دخولهم، وضعفه عند خروجهم، لأنهم وهم داخلون أنشط وأشهى للسير والإمعان في بلاد العدو، وهم عند القفول أضعف، لضعف دوابهم وأبدانهم، وهم أشهى للرجوع، فزادهم في القفول لذلك. قال الخطابي: وكلام ابن المنذر في هذا ليس بالبيِّن، لأن فحواه يوهم أن معنى الرجعة: هو القفول إلى أوطانهم، وليس المعنى كذلك، إنما البدأة: هي إبتداء سفرٍ لغزو، فإذا نهضت سريةٌ من جملة العسكر نفلها الربع، فإن قفلوا من الغزاة ثم رجعوا، فأوقعوا بالعدو ثانية، كان لهم الثلث من الغنيمة، لأن نهوضهم بعد القفول أشق عليهم وأخطر. 5031 - * روى الترمذي عن عُبادة بن الصامت (رضي الله عنه) قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُنفِّلُ في البدأة الرُّبع".

_ (1) (3/ 71) الموضع السابق نفسه. (2) الموضع السابق نفسه. (النفل) بفتح الفاء وقد تُسكن: الزيادة، وهو ما يخُص به رئيس الجيش بعض الغُزاة على نصيبه من المغنم. (فغربلتها) أي: كشفتُ حال من بها وخبرتهم، كأنه جعلهم في غربال، ففرق بني الجيد والرديء. (الربع في البدأة) بدأة الأمر: أوله ومبتدؤه، وهي في الأصل: المرة من البدء، والمعنى: كان إذا نهضت سريةً من جملة العسكر المقبل على العدو فأوقعت، نفلها الربع مما غنمتْ، وإذا فعلتْ ذلك عند عود العسكر نفلها الثلث، لأن الكرة الاثنية أشقُّ، والخطر فيها أعظم. 5031 - الترمذي (4/ 130) 22 - كتاب السير، 12 - باب في النفل. وحسنه، هو كما قال: وذكر أن الباب عن ابن عباس وحبيب بن مسلمة، ومعن بن يزيد، وابن عمر وسلمة بن الأكوع.

5032 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما): "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُنفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة، سوى قسم عامة الجيش". زاد في رواية (1): "والخُمسُ في ذلك كله واجبٌ". وفي رواية (2) قال: "نفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نفلاً، سوى نصيبنا من الخمس، فأصابني شارفٌ". والشارف من الإبل: المُسنُّ الكبير. وفي أخرى (3) قال: "بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية قبل نجدٍ، فبلغتْ سُهماننا أحد عشر بعيراً - أو إثنى عشر بعيراً - ونفلنا بعيراً بعيراً". وفي رواية (4):: ونُفلوا بعيراً بعيراً، فلم يغيره النبي صلى الله عليه وسلم". وفي أخرى (5): "فأصبنا إبلاً وغنماً فبلغت سهمانُنا إثنى عشر بعيراً، ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيراً بعيراً". هذه رواية البخاري ومسلم. وأخرج الموطأ وأبو داود نحوها. ولأبي داود (6) أيضاً، قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سريةً إلى نجدٍ، فخرجتُ معها، فأصبنا نعماً كثيراً، فنفلنا أميرُنا بعيراً بعيراً لكل إنسان، ثم قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقسم بيننا غنيمتنا، فأصاب كل رجلٍ منا اثنا عشر بعيراً، بعد الخُمس، وما حاسبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي أعطانا صاحبُنا، ولا عاب عليه ما صنع، فكان لكل رجلٍ منا ثلاثة عشر بعيراً بنفله".

_ 5032 - البخاري (6/ 237) 57 - كتاب فرض الخمس، 15 - باب: ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين ... إلخ. (1) مسلم (3/ 1369) 57 - كتاب الجهاد والسير، 12 - باب في الأنفال. (2) مسلم نفس الموضع السابق. (3) مسلم نفس الموضع السابق. (4) مسلم نفس الموضع السابق. (5) مسلم نفس الموضع السابق. الموطأ (2/ 450) 21 - كتاب الجهاد، 6 - باب جامع النفل في الغزو بنحوه. (6) أبو داود (3/ 78) كتاب الجهاد، باب في نفل السرية تخرج من العسكر.

- في الخمس

5033 - * روى الترمذي عن البراء بن عازب (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الهل عيه سولم "بعث إلى جيشين، وأمر على أحدهما علياً، وعلى الآخر خالداً، وقال: إذا كان القتال فعلي، قال: فافتتح عليُّ حصناً، فأخذ منه جاريةً، قال: فكتب معي خالد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يُخبره، قال: فلما قدمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقرأ الكتاب، رأيته يتغير لونه، فقال: ما ترى في رجلٍ يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، فقلت: أعوذ بالله من غضب الله ومن غضب رسوله، وإنما أنا رسولٌ، فسكتَ". 5034 - * روى أحمد عن عمرو بن العاص قال: بعث إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "خذ عليك ثيابك وسلاحك ثم ائتني" قال: فأتيته وهو يتوضأ فصعد في البصر ثم طأطأهُ فقال: "إني أريد أن أبعثك على جيش فيُسلمك الله ويغنمك وأرغب لك من المال رغبةً صالحةً" فقلت يا رسول الله: ما أسلمت من أجل المال ولكني أسلمت رغبة في الإسلام وأن أكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا عمرو نعماً بالمال الصالح للمرء الصالح". - في الخُمس: الغنائم كما نوهنا في التقديم تقسم خمسة أخماس: أربعة منها للمقاتلين وخمس له حكمه الخاص. فروى أنه خمسة أسهم: لله ولرسوله سهم، لوذي القربى سهم، ولليتامى سهم، وللمساكين سهم، ولابن السبيل سهم [انظر مصنف عبد الرزاق (5/ 238)]. كما قال تعالى (1): {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى

_ 5033 - الترمذي (4/ 207) 24 - كتاب الجهاد، 26 - باب ما جاء من يُستعملُ على الحرب. إسناده حسن، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث الحوص بن جواب، قال: وفي الباب عن ابن عمر. 5034 - أحمد (4/ 197). أبو يعلي (13/ 7336). مجمع الزوائد (9/ 352) وقال الهيثمي: رواه أحمد وقال كذا في النسخة نعماً بنصب النون وكسر العين، قال أبو عبيدة بكسر النون والعين. ورواه الطبراني في الكبير والأوسط وقال فيه: ولكن أسلمت رغبة في الإسلام وأكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال نعم ونعماً بالمال الصالح للمرء الصالح. ورواه أبو يعلي بنحوه، ورجال أحمد وأبي يعلي رجال الصحيح.

وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}، وروى عن ابن عباس أنه أربعة أقسام: فسهم الله ورسوله ذي القربى يُعطى لذي القربى وسهم لليتامى وسهم للمساكين سهم لابن السبيل. ولما مات النبي صلى الله عليه وسلم أسقط سهم الله ورسوله وذي القربى وبقيت الثلاثة، وكان عليٌّ يرى: أن خمس الخمس لذي القربى لكنه مع ذلك لما صار خليفة سار على هدى أبي بكر وعمر. فمن الفقهاء من يرى أن الخمس يقسم خمسة أقسام، ومنهم نم يرى أنه أربعة بإسقاط سهم الله لأنه لافتتاح الكلام، ومنهم من يرى أنه ثلاثة، ومنهم من يرى أنه للفقير والغني كالفيء. 5035 - * روى مالك في الموطأ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم حين صدر من حُنين وهو يريد الجعرانة سأله الناس حتى دنتْ به ناقته من شجرة فتشبكتْ بردائه فنزعته عن ظهره فقال: "رُدوا عليَّ ردائي أتخافون أن لا أقسم بيمينك ما أفاء الله عليكم؟ والذي نفسي بيده لو أفاء الله عليكم مثل سمُر تهامة نعماً لقسمته بينكم ثم لا تجدوني بخيلاً ولا جباناً ولا كذاباً" فلما نزل قام في الناس فقال "أدوا الخائط والمخيط فإن الغلول عارٌ وشنارٌ على أهله يوم القيامة" ثم تناول من الأرض وبرة من بعير أو شيئاً ثم قال: "والذي نفسي بيده مالي مما أفاء الله عليكم ولا مثل هذه إلا الخُمس والخُمس مردودٌ عليكمْ". 5036 - * روى أبو داود عن عمرو بن عبشة (رضي الله عنه) قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عيه وسلم إلى بعير من المغنمٍ، فلما صلى أخذ وبرةً من جنب البعير، ثم قال: "لا يحل لي من غنائمكم مثلُ هذا، إلا الخُمس، والخمس مردودٌ فيكم". 5037 - * (1) روى الطبراني عن فُضالة بن عبيدٍ قال: إن أقواماً يريدون أن يستنزلوني

_ 5035 - الموطأ (2/ 458) 21 - كتاب الجهاد، 13 - باب ما جاء في الغلول. أبو داود (3/ 82) كتاب الجهاد، باب في الإمام يستأثر بشيء من الفيء لنفسه. النسائي (6/ 262) 32 - كتاب الهبة، 1 - باب هبة المشاع. 5036 - أبو داود (3/ 82) كتاب الجهاد، باب في الإمام يستأثر بشيء من الفيء لنفسه إسناده صحيح. 5037 - الطبراني - الكبير- (18/ 298). مجمع الزوائد (5/ 336) وقال الهيثمي: رجاله ثقات.

- في تقسيم الغنائم

عن ديني ولا يكونُ ذلك حتى ألقى محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه، من باع طعاماً أو علفاً مما أُصيب بأرض الروم بذهبٍ أو فضةٍ فقد وجب فيه الخُمس، خُمس الله وسهم المسلمين. - في تقسيم الغنائم: بسبب من تطور أدوات القتال واحتياجات بناء الجيوش وما يصرف لها من مرتبات وما تكلفه به الخزينة من إعداد، يجتهد بعض الفقهاء المعاصرين في حكم أربعة أخماس الغنيمة وأنه يمكن للإمام أن يصرفها في مصالح المسلمين ويستغني عن توزيع الغنائم بما يخصص للجند من مرتبات. أو أنه يحكم للغنائم الثقيلة من دبابات وطائرات حكم الأرض والغنائم غير المنقولة حيث قال الإمام مالك تبقى وقفاً تصرف في مصالح المسلمين، وأكثر الفقهاء على أن يسهم في الغنيمة لمن حضر القتال ولو لم يقاتل، وإذا جاء بعد القتال فلا يسم له، وقال الإمام أبي حنيفة: إذا لحق بالجيش قبل خروجه إلى دار الإسلام واشتغل بشيء من أسبابها يسهم له. وأكثر الفقهاء أنه يسهم للذكران الأحرار البالغين، وأما العبيد والنساء والأطفال فيرضخ لهم، والرضخ: العطية القليلة يقدرها الإمام. وقال الجمهور يجب للفارس ثلاثة أسهم: سهم له وسهمان لفرسه، وقال أبو حنيفة: للفارس سهمان وللراجل سهم، لما روي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم غنائم بدر للفارس سهمان وللراجل سهم (انظر كتاب الخراج لأبي يوسف 180). وفيما يلي عرض للنصوص تبين هدي النبي صلى الله عليه وسلم في قسمة الغنائم. 5038 - * روى البخاري عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم في النفل للفرس سهمين، وللراجل سهماً. وفي رواية بإسقاط لفظة "النفل" (1).

_ 5038 - البخاري (6/ 67) 56 - كتاب الجهاد، 51 - باب سهام الفرس. مسلم (3/ 1383) 32 - كتاب الجهاد والسير، 17 - باب كيفية قسمة الغنيمة بين الحاضرين. الترمذي (4/ 124) 22 - كتاب السير، 6 - باب في سهمِ الخيلِ.

وفي رواية أبي داود (1): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم للرجل ولفرسه ثلاثة أسهم: سهماً له، وسهمين لفرسه. 5039 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام - يني: يوم بدرٍ - فقال: "إن عثمان انطلق في حاجة الله، وحاجة رسوله، وإني أبايعُ له"، فضرب له صلى الله عليه وسلم بسهمٍ، ولم يضربْ لأحدٍ غاب غيره. 5040 - * روى أبو داود عن بُشير بن يسار: "لما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم خيبر قسمها على ستة وثلاثين سهماً، جمع كل سهم مائة سهمٍ فعزل نصفها لنوائبه وما ينزل به الوطيحة والكتيبة وما أُحيز معهما، وعزل النصف الآخر فقسمه بين المسلمين الشق والنطاءة وما أحيز معهما، وكان سهمه صلى الله عليه وسلم فيما أحيز معهما". وفي رواية (2): "الوطيح والكتيبة والسلاليم". 5041 - * روى أبو داود عن سهل بن أبي حثمة (رضي الله عنه) قال: "قسم رسول الله خيبر نصفين: نصفاً لنوائبه وحاجاته، ونصفاً بين المسلمين، قسمها بينهم على ثمانية عشر سهماً".

_ (1) أبو داود (3/ 75) كتاب الجهاد، باب في سُهمان الخيل. (سهماً له وسهمين لفرسه) اللام في "لهُ" لام الملك، وفي قوله: "لفرسه": لام التسبب: أي أنه أعطاه لأجل فرسه سهمين ينفقهما عليه. 5039 - أبو داود (3/ 74) كتاب الجهاد، باب فيمن جاء بعد الغنيمة لا سهم له. وفي سنده هانئ بن قيس لم يوثقه غير ابن حبان، وأخرج أحمد والبخاري والترمذي وصححه من حديث ابن عمر قال: لما تغيب عثمان عن بدر كان تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم "إن لك أجر رجل وسهمه". 5040 - أبو داود (3/ 159) كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب ما جاء ف يحكم أرض خيبر. (2) أبو داود (3/ 160) الموضع السابق نفسه، أخرجه مرسلاً وهو صحيح بطرقه. (الوطيح) حصن من حصون خيبر هو أمنعها وأحصنها وآخرها فتحاً. (الكتيبة) إحدى قرى خيبر. (الشق) حصن من حصون خيبر وكذا النطاة، وقيل النطاة ين بها تسقى بعض نخيل قراها. 5041 - أبو داود (3/ 59) الموضع السابق نفسه، إسناده قوي. قال ابن الأثير: (لنوائبه) النوائب: جمع نائبة، وهو ما ينوبُ الإنسان، أي ينزل به من المهمات والحوائج، =

5042 - * روى أبو داود عن مجمع بن جارية الأنصاري، وكان أحد القراء الذين قرأوا القرآن قال: شهدنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انصرفنا عنها إذا الناس يهزون الأباعر فقال بعض الناس لبعض: ما للناس؟ قالوا: أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرجنا مع الناس نُوجفُ، فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم واقفاً على راحلته عند كُراع الغميم، فلما اجتمع عليه الناس قرأ عليهم {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} فقال رجل: يا رسول الله، أفتح هو؟ قال: "نعم، والذي نفسُ محمدٍ بيده إنه لفتحٌ" فقسمت خيبر على أهل الحديبية، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثمانية عشر سهماً، وكان الجيش ألفاً وخمسمائة، فيهم ثلثمائة فارس، فأعطى الفارس سهمين، وأعطى الراجل سهماً. 5043 - * روى أبو داود عن ابن شهابٍ: "خمس النبي صلى الله عليه وسلم خيبر ثم قسم سائرها على من شهدها ومن غاب عنها من أهل الحديبية". 5044 - * (1) روى الشيخان عن ابن عمر "أعطى النبي صلى الله عليه وسلم خيبر بشطر ما يخرجُ منها

_ = والظاهرُ من أمرِ خيبر: أنها فُتحتْ عنوة، وإذا كانت عنوة فهي مغنومة، وحصةُ النبي صلى الله عليه وسلم من الغنيمة خُمس الخُمس، فكيف جعل نصيبه منها النصف حتى يصرفه في حوائجه ومهامه؟ ووجه ذلك عند من تتبع الأخبار المروية في فتح خيبر واضحٌ. وذلك: أن خيبر كانت لها قرى، وضياع خارجة عنها، مثل: الوطيحة، والكتيبة، والشق، والنطاة، والسلاليمُ، فكان بعضها مغنماً، وهو ما غلب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس، وسبيل ذلك القسمة، وكان بعضها فيئاً لم يوجفُ عليه بخيلٍ ولا ركاب، وذلك خاص لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يضعه حيث شاء، فنظروا إلى مبلغ ذلك كله، فكان نصفهُ بقدر ما يخص النبي صلى الله عليه وسلم من الفيء، وسهمه من الغنيمة، فجعل النصف له، والنصف للغانمين، وقد بين ذلك ابن شهاب، قال: "إن خيبر كان بعضها عنوةً، وبعضها صُلحاً". 5042 - أبو داود (3/ 76) كتاب الجهاد، باب في من أسهم له سهماً. وفي سنده يعقوب بن مجمع لم يوثقه غير ابن حبان. وقد قال أبو داود: هذا الحديث وهم، إنما كانوا مائتي فارس فعلى هذا يكون الرجال 1200 يأخذون اثني عشر سهماً والفرسان 300 يأخذون ستة أسهم فيكون نصيب الفارس ثلاثة أسهم وهذا موافق لرأي الجمهور، وإنما أوردنا هذا الحديث لنبين مأخذ الإمام أبي حنيفة. (يهزون الأباعر) أي: يحركون رواحلهم. 5043 - أبو داود (3/ 161) كتاب الخراج الإمارة والفيء، باب ما جاء ف يحكم أرض خيبر، وهو حسن. 5044 - البخاري (5/ 10) 41 - كتاب الحرث والمزارعة، 8 - بباب المزارعة بالشهِ ونحوه. مسلم (3/ 1186) 22 - كتاب المساقاة، 1 - باب المساقاة والمعاملة بجزء من الثمر والزرع. أبو داود (3/ 158) كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب ما جاء في حكم أرض خيبر.

من ثمر أو زرعٍ فكان يُعطى أزواجَهُ كل سنةٍ مائة وسقٍ: ثمانين وسقاً من تمر وعشرين وسقاً من شعيرٍ: فلما وليَ عمرُ قسم خيبر حين أجلى منها اليهود فخير أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يقطع لهن من الماء والأرض أو يُمضى لهن الأوساق فمنهن من اختار الأرض والماء منهن عائشة وحفصة واختار بعضهن الوسق". 5045 - * روى الترمذي عن أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه) قال: "قدمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفرٍ من الأشعريين، بعد أن افتتح خيبر، فقسم لنا، ولم يقسم لأحدٍ لم يشهد الفتح غيرنا". وفي رواية أبي داود (1) قال: قدمنا فوافقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين افتتح خيبر، فأسهم لنا- أو قال: فأعطانا منها - وما قسم لأحدٍ غاب عن فتح خيبر منها شيئاً، إلا لمن شهد معه، إلا أصحاب سفينتنا: جعفرُ وأصحابه، فأسهم لهم معهم. 5046 - * روى البخاري عن أبو هريرة أتينا النبي صلى الله عليه وسلم هو بخيبر بعدما افتتحها فقلت: يا رسول الله أسهم لي فقال بعض بني سعيد بن العاص لا تُسهم له يا رسول الله فقلت هاذ قاتل ابن قوقل فقال: واعجباً لوبر تدلى علينا من قدوم ضأنٍ ينعى عليَّ قتل رجل مسلم أكرمه الله على يدي ولم يهُني على يديه، قال عنبسةُ: فلا أدري أسهم له أم لا. 5047 - * روى النسائي عن ابن الزبير بن العوام (رضي الله عنهما) قال: "ضرب

_ 5045 - الترمذي (4/ 128) 22 - كتاب السير، ما جاء في أهل الذمة يغزون مع المسلمين هل يسهم لهم؟ وقال الترمذي حسن صحيح. (1) أبو داود (3/ 73) كتاب الجهاد، باب في من جاء بعد الغنيمة لا سهم له إسناده حسن. وأخرجه البخاري ومسلم بنحوه مختصراً أو مطولاً. 5046 - البخاري (6/ 39) 56 - كتاب الجهاد، 28 - باب الكافر يقتل المسلم، ثم يسلم فيسدد .. أبو داود (3/ 73) كتاب الجهاد، باب في من جاء بعد الغنيمة لا سهم له. (قوقل) هو النعمان بن مالك بن ثعلبة شهد بدراً وقُتل يوم أحد شهيداً. (وبر) دُويبة، شبهه بها تحقيراً له. (قدوم) هي ثنية أو جبل بالسراة من أرض دوس. أهل أبي هريرة. (أكرمه الله على يدي) أي قتلته قتال الشهادة ولو قتلني لكنت قد متُّ كافراً. 5047 - النسائي (6/ 228) 28 - كتاب الخيل، 17 - باب سُهمان الخيل. وإسناده حسن. الدارقطني (4/ 111) كتاب السير.

رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر للزبير، أربعة أسهم: سهم للزبير، وسهم لذي القربى بصفية بنت عبد المطلب أم الزبير، وسهمان للفرس". 5048 - * روى أحمد عن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم "أعطى الزبير سهماً وأمه سهماً وفرسه سهمين". 5049 - * روى مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله: "أيُّما قرية أتيتموها، أو أقمتم فيها، فسهمكم فيها، وأيُّما قرية عصت الله ورسوله، فإن خُمسها لله ولرسوله، وهي لكمْ". 5050 - * روى أبو داود عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) "أن جيشاً غنمُوا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً وعسلاً، فلم يُؤخذْ منه الخُمسُ". وقال الخطابي: لا أعلم بين الفقهاء خلافاً في أن الطعام لا يخمس في جملة ما يخمس من الغنيمة، وأن لواجده أكله ما دام الطعام في حد القلة وقدر الحاجة، وما دام واجده مقيماً في دار الحرب. 5051 - * روى البخاري عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) قال: "كنا نُصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكله، ولا نرفعه". في قوله (لا نرفعه): قال الحافظ: أي: ولا نحمله على سبيل الادخار، ويحتمل أن يريد: ولا نرفعه إلى متولي أمر الغنيمة، أو إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا نستأذنه في أكله اكتفاءاً بما سبق منه من الأذن. 5052 - * (1) روى أبو داود عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: "أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ 5048 - أحمد (1/ 166). مجمع الزوائد (5/ 266) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات. 5049 - مسلم (3/ 1376) 32 - كتاب الجهاد والسير، 15 - باب حكم الفيء. أبو داود (3/ 166) كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في إيقاف أرض السواد وأرض العنوة. 5050 - أبو داود (3/ 65) كتاب الجهاد، باب في إباحة الطعام في أرض العدو. وإسناده صحيح وصححه ابن حبان. 5051 - البخاري (6/ 255) 57 - كتاب فرض الخمس، 20 - باب ما يُصيبُ من الطعام في أرض الحرب. 5052 - أبو داود (3/ 136) كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في قَسْمِ الفيء. إسناده صحيح. =

- في سهم النبي صلى الله عليه وسلم وآله

بظبية فيها خرزٌ، فقسمها للحرة والأمة، قالت عائشة: كان أبي يقسمُ للحر والعبد". 5053 - * روى أبو داود عن عمير مولى أبي اللحم: "شهدتُ خيبر مع ساداتي فكلموا في رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلدتُ سيفاً فإذا أنا أجُره فأخبر أني ممولك فأمر لي بشيء من خرثيِّ المتاع وعرضت عليه رُقية كنت أرقي بها المجانين فأمرني بطرح بعضها وحبس بعضها". - في سهم النبي صلى الله عليه وسلم وآله: 5054 - * روى مسلم عن مالك بن أوس: "أرسل إليَّ عمر فجئته حين تعالى النهار فوجدته في بيته جالساً على سريره مفضياً إلى رماله متكئاً على وسادة من أدمٍ فقال إليَّ يا مال إنه قد دف أهل أبيات من قومك وقد أمرتُ فيهم برضخ فخذهُ فاقسمه بينهم قلت لو أمرت بهذا غيري قال خذه يا مال فجاء يرفأ فقال هل يا أمير لمؤمنين في عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعدٍ؟ فقال: نعم فأذن لهم فدخلوا ثم جاء فقال: هل لك في عباس وعلي؟ قال: نعم فأذن لهما فقال العباس: يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا فقال القوم أجل يا أمير المؤمنين فاقضي بينهم وارحهم فقال مالك بن أوس: فخُيل إليَّ أنهم قد كانوا قدموهم لذلك فقال عمر اتئدوا أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرضّ أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث ما تركناه صدقة قالوا: نعم ثم أقبل على العباس وعليٍّ فقال أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض أتعلمان أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث ما تركناه صدقة؟ قالا: نعم قال: إن الله خص رسوله بخاصة لم يخصص بها أحداً غيره فقال: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ}. وفي رواية (1): "ما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيلٍ ولا ركابٍ

_ = (الظبية) جراب صغير عليه شعر. (الخرز) الجواهر والأحجار الكريمة التي تصنع منها العقود. 5053 - أبو داود (3/ 75) كتاب الجهاد، باب ي المرأة والعبد يُحذيان من الغنيمة. الترمذي (4/ 127) 22 - كتاب السير، 9 - باب هل يُسهم للعبد. ابن ماجة (2/ 952) 24 - كتاب الجهاد، 37 - باب العبيد والنساء يشهدون مع المسلمين. واللفظ لأبي داود والترمذي. (خرثي): أثاث البيت. 5054 - أبو داود (3/ 139) كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم. (1) مسلم (3/ 1377) 32 - كتاب الجهاد والسير، 15 - باب حكم الفيء.

فقسم صلى الله عليه وسلم بينكم أموال بني النضير فوالله ما استأثر عليكم ولا أخذها دونكم حتى بقي هذا المال فكان يأخذ منه نفقة سنةٍ ثم يجعل ما بقي أسوة المال ثم قال: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض أتعلمان ذلك؟ قالوا: نعم ثم نشد عباساً وعلياً بذلك قالا: نعم قال: فلما توفي صلى الله عليه وسلم فجئتما تطلب أنت ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها فقال أبو بكر قال صلى الله عليه وسلم: "لا نورث ما تركناه صدقة" ثم توفي أبو بكر وأنا وليُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وولي أبو بكر فوليتها ثم جئتني أنت وهذا وأنتما جميع وأمركما واحدٌ فقلتم ادفعها إلينا فقلت: إن شئتم دفعتها إليكم على أن عليكما عهد الله أن تعملا فيها بالذي كان يعمل صلى الله عليه وسلم فأخذتماها بذلك، أكذلك؟ قالا نعم، قال: جئتماني لأقضي بينكما لا والله لا أقضي بينكما بغير ذلك حتى تقوم الساعة فإن عجزتما عنها فرُداها إليَّ". ومن رواياته (1): "قال عمر كانت أموالُ بني النضير، مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجفْ عليه المسلمون بخيلٍ ولا ركابٍ فكانت للنبي خاصةً فكان يُنفقُ على أهله نفقة سنةٍ منها ويحبس لأهله قوت سنتهم وما بقي جعله في الكُراع والسلاح عدةً في سبيل الله". ومنها: "اقض بيني وبين هذا الظالم استبا". ومنها (2): "اقض بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن، وفيه: قال أبو بكر قال صلى الله عليه وسلم: "لا نورث ما تركناه صدقة" فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً والله يعلم إنه لصادق بار راشد تابع للحق، ثم توفي أبو بكر فقلت أنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم وولي أبو بكر فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً والله يعلم ني لصادق بار تابع للحق فوليتها". ومنها (3): قال أبو داود "إنما سألا أن يكون يُصيرهُ نصفين بينهما لا أنهما جهلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا نورث ما تركناه صدقةٌ فإنهما كانا لا يطالبان إلا الصواب فقال عمر: لا أقوعُ عليه اسم القسم أدعه على ما هو".

_ (1) مسلم (3/ 1376) 32 - كتاب الجهاد والسير، 15 - باب حكم الفيء. (2) مسلم (3/ 1377) 32 - كتاب الجهاد والسير، 15 - باب حكم الفيء. (3) أبو داود (3/ 140) كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وللنسائي (1): قال مجاهد: الخمس الذي لله وللرسول كان النبي صلى الله عليه وسلم وقرابته لا يأكلون من الصدقة شيئاً فكان له خمس الخمس، ولقرابته خمس الخمس، ولليتامى مثل ذلك وللمساكين مثل ذلك ولابن السبيل مثل ذلك: قال النسائي: قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} إلى {وَابْنِ السَّبِيلِ} ثم حكى عن عمر: أنه قال: في آخر حديثه: "واعلموا أن ما غنمتم من شيء ... " الآية هذه لهؤلاء، {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} إلى {وَابْنِ السَّبِيلِ} هذه هؤلاء {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ}. قال الزهري هذه لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصةً قرى عرينة وفدك وكذا {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ... لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ... وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ ... وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} فاستوعبت هذه الآية الناس فلم يبق أحد من المسلمين إلا له في هذا المال حق إلا بعض من تملكون من أرقائكم ولئن عشتُ إن شاء الله ليأتين على كل مسلم حقه. وبين أبو داود فقال: قال الزهري: قال عمر: هذه فذكره وقال الحميدي: زاد البرقاني في روايته: "فغلب على هذه الصدقة عليُّ فكانت بيد عليٍّ ثم كانت بيد حسن بن علي ثم كانت بيد حُسينٍ ثم كانت بيد عليٍّ بن الحسين ثم كانت بيد الحسن بن الحسن ثم كانت بيد زيد بن الحسن ثم بيد عبد الله بن الحسن ثم ولاها بنو العباس". قوله (الكاذب الآثم الغادر الخائن): قال المازري: هذا اللفظ الذي وقع: لا يليق ظاهره بالعباس، وحاشا لعلي رضي الله عنه أن يكون فيه بعض هذه الأوصاف، فضلاً عن كلها، ولسنا نقطع بالعصمة إلا للنبي صلى الله عليه وسلم أو لمن شهد له بها، لكنا مأمورين يحسن الظن بالصحابة رضي الله عنهم، ونفي كل رذيلة عنهم، وإذا انسدت طرق تأويلها نسبنا الكذب إلى رواتها. وإذا كان هذا اللفظ لابد من إثباته، ولم يضف الوهم إلى رواته، فأجود ما حمل عليه: أنه صدر من العباس على جهة الإدلال على ابن أخيه، لأنه بمنزلة ابنه، وقال ما لا يعتقده، وما يعلم براءة ابن أخيه منه. ولعله قصد بذلك ردعه عما يعتقد أنه مخطيء فيه، وأن هذه الأوصاف يتصف

_ (1) النسائي (7/ 134) كتاب قسم الفيء. وفي صفحات أخرى متفرقة.

بها لو كان يفعل عن قصد، وأن علياً رضي الله عنه كان لا يراها موجبة لذلك في اعتقاده. قال المازري: وكذا قول عمر: "إنكما جئتما أبا بكر، فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً" وكذلك ذكر عن نفسه أنهما ريا كذلك، وتأويل هذا على نحو ماس بق. وهو أن المراد: أنكما تعتقدان أن الواجب أن تفعل في هذه القضية خلاف ما فعلته أنا وأبو بكر، فنحن على مقتضى رأيكما، لو أتينا ما أتينا ونحن معتقدان ما تعتقدانه: لكنا بهذه الأوصاف، أو يكون معناه: أن الأيمان إنما يخالف إذا كان على هذه الأوصاف، ويتهم في قضاياه، فكأن مخالفتهما لنا تشعر من رآها أنكما تعتقدان لك فينا. والله أعلم. قال المازري: وأما الاعتذار عن علي والعباس رضي الله عنهما في أنهما ترددا إلى الخليفتين، مع قوله صلى الله عليه وسلم: "لا نورث، ما تركنا صدقة" وتقرير عمر رضي الله عنه، أنهما يعلمان ذلك، فأمثل ما فيه: ما قاله بعض العلماء: أنهما طلبا أن يقسماها بينهما نصفين ينتفعان بها على حسب ما ينفعهما الإمام بها لو وليها بنفسه، فكره عمر أن يوقع عليها اسم القسمة لئلا يظن مع تطاول الأزمان: أنها ميراث، وأنهما ورثاها، لا سيما وقسمة الميراث بين البنت والعم نصفان: فيلتبس ذلك، ويظن أنهم تملكوا ذلك. ومما يؤيد ما قلناه: ما قاله أبو داود: "أنه لما صارت الخلافة إلى علي رضي الله عنه، لم يغيرها عن كونها صدقة" وبنحو هذا احتج السفاح، فإنه لما خطب أول خطبة قام بها في الناس، قام إليه رجل قد علق في عنقه المصحف. فقال "أنشدك الله إلا ما حكمت بيني وبين خصمي بهذا المصحف، فقال: من هو خصمك؟ قال: أبو بكر، في منعه فدك. قال: أظلمك؟ قال: نعم. قال: فمن بعده؟ قال: عمر. قال: أظلمك؟ قال: نعم. وقال في عثمان كذلك. قال: فعلى ظلمك؟ فسكت الرجل، فأغلظ له السفاح". قال القاضي عياض: وقد تأول قوم طلب فاطمة رضي الله عنها ميراثها من أبيها على أنها تأولت الحديث - إن كان بلغها - قوله صلى الله عليه وسلم: "لا نورث" على الأموال التي لها بال، فهي التي لا تورث ... لا ما يتركون من طعام وأثاث وسلاح. وهذا التأويل خلاف ما ذهب إليه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وسائر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "ما تركت بعد نفقة نسائي، ومؤنة عاملي" فليس معناه: إرثهن منه، بل لكونهن محبوسات عن الأزواج لسببه، أو لعظم حقهن في بيت المال

لفضلهن، وقدم هجرتهن، وكونهن أمهات المؤمنين. كذلك اختصصن بمساكنهن لم يرثها ورثتهن. قال القاضي: وفي ترك فاطمة رضي الله عنها منازعة أبي بكر رضي الله عنه بعد احتجاجه عليها بالحديث: التسليم للإجماع على القضية، وأنها لما بلغها الحديث، وبين لها التأويل تركت رأيها، ثم لم يكن منها ولا من أحد من ذريتها بعد ذلك طلب الميراث. ثم لما ولي علي رضي الله عنه الخلافة لم يعدل بها عما فعله أبو بكر وعمر فدل على أن طلب علي والعباس رضي الله عنهما: إنما كان طلب تولي القيام بها بأنفسهما، وقسمتها بينهما كما سبق، قال: وأما ما ذكر من هجران فاطمة أبا بكر رضي الله عنهما، فمعناه: انقباضها عن لقائه، وليس هذا من الهجران المحرم الذي هو ترك السلام والإعراض عند اللقاء. وقوله في الحديث: "فلم تكلمه" يعني: في هذا الأمر. أو لانقباضها لم تطلب منه حاجة، ولا اضطرت إلى لقائه تكليمه، ولم ينقل قط أنهما التقيا فلم تسلم عليه ولا كلمته. قال: وأما قول عمر: "جئتماني تكلماني. وكلمتكما واحدة، جئت يا عباس تسألني نصيبك من ابن أخيك؟ وجاءني هذا يسألني نصيب امرأته من أبيها؟ " ففيه إشكال، مع إعلام أبي بكر لهم قبل هذا الحديث، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا نورث". وجوابه: أن كل واحد إنما طلب القيام وحده على ذلك، ويحتج هذا بقربه بالعمومة، وهذا بقرب امرأته بالبنوة وليس المراد: أنهما طلبا ما علما منع النبي صلى الله عليه وسلم لهما منه، ومنعهما منه أبو بكر رضي الله عنه، وبين لها دليل المنع، واعترفا له بذلك. قال العلماء: وفي هذا الحديث: أنه ينبغي أن يولي أمر كل قبيلة سيدهم، ويفوض إليه مصلحتهم، لأنه أعرف بهم وأرفق بحالهم، وأبعد من أن يأنفوا من الانقياد له. لهذا قال الله سبحانه وتعالى: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} (1) وفيه جواز نداء الرجل باسمه من غير كنية.

_ (1) سورة النساء: 35.

- في الصفي

5055 - * روى أبو داود عن المغيرة "أن عمر بن عبد العزيز جمع بني مروان حين استخلف فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له فدكُ فكان يُنفقُ منها ويعود منها على صغير بني هاشم ويزوج منها أيمهُم وإن فاطمة سألته أن يجعلها لها فأبى فكانت كذلك في حياته فلما أن ولي أبو بكر عمل فيها بما عمل صلى الله عليه وسلم حتى مضى لسبيله، فلما أن ولي عمر عمل فيها بمثل ما عملا حتى مضى لسبيله ثم أُقطعها مروان ثم صارت لعمر بن عبد العزيز فرأيت أمراً منعه صلى الله عليه وسلم فاطمة ليس لي بحق وإني أشهدكم أني رددتها على ما كانتْ". - في الصفي: 5056 - * روى أبو داود عن عامر الشعبي "كان للنبي صلى الله عليه وسلم يدعى الصفيُّ إن شاء عبداً أو أمةً أو فرساً يختاره قبل الخُمس". 5057 - * روى أبو داود عن قتادة، "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا غزا بنفسه كان له سهمُ صفيٌّ يأخذه من حيث شاء فكانت صفيةُ من ذلك السهم وكان إذا لم يغزُ بنفسه ضُرب له بسهمٍ ولم يُخير". 5058 - * روى أبو داود عن يزيد بن عبد الله كنا بالبصرة فإذا رجلٌ أشعثٌ بيده قطعةَ أديم أحمر قلنا كأنك من أهل البادية؟ قال: أجل، قلنا: ناولنا هذه القطعة التي في يدك فناولناها فإذا فيها: "منْ محمدٍ رسول الله إلى بني زهير بن أقيش إنكمْ إن شهدتمْ أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآتيتم الخمس من المغنم وسهم رسول الله وسم الصفي أنتم آمنون بأمان الله ورسوله" فقلنا: من كتب هذا الكتاب؟ قال: النبي صلى الله عليه وسلم. أقول: خُص النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة أمور من الغنيمة إذا لم تكن تحل له الصدقات، فخص بالخمس يضعه في مواضعه، وبالصفي وهو ما يصطفيه من عرض المغنم قبل القسمة من سيف أو غلام أو ما أحب، وخص بسهمه صلى الله عليه وسلم (1).

_ 5055 - أبو داود (3/ 143) كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في صفايا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأموال. وإسناده صحيح إلى عمر بن العزيز. 5056 - أبو داود (3/ 152) كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب ما جاء في سهم الصفي. وهو مرسل. 5057 - أبو داود (3/ 152) نفس الموضع السابق. وهو مرسل. 5058 - أبو داود (3/ 153) نفس الموضع السابق. وهو صحيح.

- سهم آل البيت

- سهم آل البيت: 5059 - * روى البخاري عن جبير بن مطعمٍ (رضي الله عنه) قال: مشيتُ أنا وعثمان بن عفان إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، أعطيتَ بني المطلب وتركتنا، ونحنُ وهم بمنزلةٍ واحدةٍ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما بنو المطلب وبنو هاشمٍ شيءٌ واحدٌ". وفي رواية (1)، فقلنا: أعطيتَ بني المطلب من خُمس خيبر وتركتنا - وزاد: قال جُبيرٌ - ولم يقسم النبي صلى الله عليه وسلم لبني عبد شمسٍ، ولا لبني نوفلٍ شيئاً. وقال ابن إسحاق: عبد شمسٍ وهاشمٌ والمطلب: إخوةٌ لأمٍّ، وأمهم: عاتكةُ بنت مُرة، وكان نوفل أخاهم لأبيهم. وفي رواية (2) أبي داود: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يقسمُ لبني عبد شمسٍ، ولا لبني نوفلٍ من الخمس شيئاً، كما قسم لبني هاشم وبني المطلب، قال: وكان أبو بكر يقسم الخمس نحو قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير أنه لم يكن يعطي منه قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما يعطيهم رسول الله صلى الله ليه وسلم، وكان عمر يعطيهم ومن كان بعده منه". وفي أخرى له (3) "أن جبير بن مطعمٍ جاء هو وعثمانُ بن عفان يكلمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يقسمُ من الخمس في بني هاشم وبني المطلب، فقلت: يا رسول الله، قسمت لإخواننا بني المطلب، ولم تعطنا شيئاً، وقرابتنا وقرابتهم واحدة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيءٌ واحدٌ"، قال جبير: ولم يقسمْ لبني عبد شمس، ولا لبني نوفل من ذلك الخُمس، كما قسم لبني هاشم وبني المطلب، قال: وكان أبو بكر يقسم الخمس نحو قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما كان النبي يعطيهم، قال: وكان عمر يعطيهم منه، وعثمانُ بعدهُ".

_ 5059 - البخاري (6/ 533) 61 - كتاب المناقب، 2 - باب مناقب قريش. (1) البخاري (6/ 244) 57 - كتاب فرض الخمس، 17 - باب ومن الدليل على أن الخمس للإمام ... إلخ. (2) أبو داود (3/ 145) كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في بيان مواضع قسم الخمس وسهم ذي القربى. (3) أبو داود (3/ 145) نفس الموضع السابق.

وفي أخرى (1) له وللنسائي (2) قال: "لما كان يوم خيبر، وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذي القُربى في نبي هاشم وبني المطلب، وترك بني نوفل وبني عبد شمس، فانطلقت أنا وعثمان بن عفان، حتى أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم للموضع الذي وضعك الله به منهم، فما بال إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا، وقرابتنا واحدةٌ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنا وبنو المطلب لا نفترقُ في جاهلية ولا إسلامٍ، وإنما نحنُ وهم شيء واحدٌ، وشبك بين أصابعه. 5060 - * روى أبو داود عن عبد الرحمن بن ليلى (رحمه الله) قال: "سمعتُ علياً يقول: ولاني رسول الله صلى الله عليه وسلم على خُمس الخمس، فوضعته مواضعه حياته وحياة أبي بكر، وحياة عمر، فأتى عمر بمال آخر حياته، فداعاني، فقال: خُذه، فقلت: لا أريده، فقال: خذه، فأنتم أحق به، قلت: قد استغنينا عنه، فجعله في بيت المال". وفي رواية (3) قال: "اجتمعتُ أنا والعباسُ وفاطمة وزيدٌ بن حارثة عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، إن رأيت أن توليني حقنا من هذا الخمس في كتاب الله، فأقسمه في حياتك كيلا ينازعني أحدٌ بعدك فافعلْ. قال: ففعل ذلك قال فقسمته حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم ولانيه أبوب كر، حتى إذا كانت آخر سنةٍ من سني عمر، فإنه أتاه مالٌ كثيرٌ، فعزل حقنا، ثم أرسل إلىَّ فقلت: بنا عنه العام غني، وبالمسلمين إليه حاجةٌ، فاردده عليهم فرده عليهم، ثم لم يدعني إليه أحدٌ بعد عمر فلقيت العباس بعد ما خرجت من عند عمر فأخبرته. فقال: لقد حرمتنا الغداة شيئاً لا يُرد علينا أبداً، وكان رجلاً داهيا". قال الخطابي: الرواية "إنما بنو هاشمٍ وبنو عبد المطلب شيءٌ واحد" بشين معجمة،

_ (1) أبو داود (3/ 146) نفس الموضع السابق. (2) النسائي (7/ 130) كتاب قسم الفيء، بنحو روايات أبي داود والبخاري من طرق عدة بتغيير ألفاظها، واتفاق المعنى. 5060 - أبو داود (3/ 146) كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب ف يبيان مواضع قسم الخمس وسهم ذي القربى. (3) أبو داود (3/ 147) نفس الموضع السابق. وهو حسن. (داهيا) الداهي من الرجال: الفطنُ الجيدُ الرأي.

- في الفيء

قال: وكان يحيى بن معين يرويه بسين غير معجمة، مكسورة مشددة الياء، أي: سواء، يقال: هذا سيء هذا، أي: مثله ونظيرهُ. - في الفيء: يرى بعض الفقهاء أن الفيء لجميع المسلمين فقيرهم وغنيهم وما تحتاجه الأمة من مساجد ومرافق عامة ... ولا خمس فيه وقال بعضهم فيه الخمس. والفيء: ما صار للمسلمين من قبل الكفار دون قتال. 5061 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (رضي الله عنهما) قال " أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمرٍ أو زرعٍ، فكان يُعطي أزواجه كل سنةٍ مائة وسقٍ: ثمانين وسقاً من تمرٍ، وعشرين من شعير، فلما ولي عمر، قسم خيبر حين أجلى منها اليهود، فخير أزواج رسول الله أن يُقطع لهن من الماء والأرض، أو يُمضي لهن الأوساق، فمنهن من اختار الأرض والماء، ومنهن عائشة وحفصة، واختار بعضهن الوسق". وفي رواية أبي داود (1) قال: "لما فتحت خيبر سألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يُقرهم على أن يعملوا على النصف مما خرج منها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نُقرُّكم فيها على ذلك ما شئنا، فكانوا على ذلك، وكان التمر يقسم على السهمان من نصيب خيبر، ويأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخُمس، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعم كل امرأةٍ من أزواجه من الخمس مائة وسق شعير، فلما أراد عمر إخراج اليهود، أرسل إلى أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهن: من أحب منكن أن أقسم لهن نخلاص بخرصها مائة وسق، فيكون لها أصلها وأرضُها وماؤها، ومن الزرع مزرعة خرضِ عشرين وسقاً، فعلنا، ومن أحبَّ أن نعزل الذي لها في الخمس كما هو، فعلنا". 5062 - * روى أبو داود عن عوف بن مالك (رضي الله عنه) قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ 5061 - البخاري (5/ 10) 41 - كتاب الحرث والمزارعة، 8 - باب المزارعة بالشطر ونحوه. مسلم (3/ 1186) 22 - كتاب المساقاة، 1 - باب المساقاة والمعاملة بجزء من الثمر والزرع. (1) أبو داود (3/ 158) كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب ما جاء في حكم أرض خيبر. (الأوساق) جمع وسقٍ، وهي ستون صاعاً، والصاع قد تقدم ذكره 5062 - أبو داود (3/ 136) كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في قسم الفيء. وإسناده صحيح. =

- العطاء من بيت مال المسلمين

إذا أتاه الفيء في يومه، فأعطى الآهل حظين، وأعطى العَزَبَ حظاً". زاد في رواية: "فدعينا - وكنت أدعى قبل عمار، فدعيتُ فأعطاني حظين، وكان لي أهل، ثم دُعي بعدي عمارُ بن ياسر، فأعطى حظاً واحداً". - العطاء من بيت مال المسلمين: بيت مال المسلمين هو ما كان بمثابة الخزانة، أو وزارة المالية في عصرنا، أنشيء بعد إقامة الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، وكانت موارده متعددة فيها الخراج والفيء وخمس الغنائم، والتركات التي لا وارث لها، والجزية ونحو ذلك وكان ما في هذا البيت، يصرف في كفالة الموظفين والرعايا والإنفاق على حاجات الأمة، وما زاد ينفق على المسلمين بالسوية، كذا كان الأمر في عهد أبي بكر. وكان عمر يفاضل على حسب فضل الصحبة، والقرب أو البعد من رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستقر أمره أخيراً على المساواة، وفيما يلي من نصوص يبين صوراً عن كيفية إنفاق ما يزيد من مال الخزينة. 5063 - * روى البخاري عن المسور بن محرمة (رضي الله عنه) أن عمرو بن عوفٍ أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم صالح أهل البحرين، وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي، فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة، فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف، فتعرضوا له، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم، ثم قال (1):

_ = (الآهل) الذي له زوجة. (حظين) الحظ: السهم والنصيب. 5063 - البخاري (6/ 257) 58 - كتاب الجزية والموادعة، 1 - باب الجزية والموادعة، مع أهل الذمة والحرب. مسلم (4/ 2274) 53 - كتاب الزهد والرقائق. الترمذي (4/ 640) 38 - كتاب صفة القيامة، 28 - باب إلا أن الترمذي لم يذكر الصلح، وتأمير العلاء. وفي الحديث أنه ينبغي لمن فتحت عليه الدنيا وزهرتها أن يحذر من سوء عاقبتها وشر فتنتها، فلا يطمئن إلى زخرفها، ولا ينافس غيره فيها وقول الراوي. (تعرضوا له) تعرضت لفلان: إذا تراءيتَ له ليراك. =

"أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين؟ " فقالوا: أجل يا رسول الله، فقال: "أبشروا وأملُوا ما يُسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تُبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم". 5064 - * روى البخاري عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم بمال من البحرين، فقال: "انثروه في المسجد - وكان أكثر مالٍ أتى به رسول الله - فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة، ولم يلتفت إليه، فلما قضى الصلاة، جاء فجلس إليه، فما كان يرى أحداً إلا أعطاه، إذ جاءه العباس، فقال: يا رسول الله، أعطني، فإني فاديت نفسي وفاديت عقيلاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ، فحثا في ثوبه، ثم ذهب يُقله، فلم يستطع. فقال: يا رسول الله مر بعضهم يرفعه إليَّ، قال: لا. قال: فارفعه أنت عليَّ، قال: لا، فنثر منه ثم ذهب يُقله، فلم يستطع، فقال: مر بعضهم يرفعه عليَّ، فقال: لا، قال: فارفعه أنت عليَّ، قال: لا، فنثر منه ثم احتمله، فألقاه على كاهله، ثم انطلق، فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعه بصره حتى خفي علينا، عجباً من حرصه، فما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثم منها درهمٌ". 5065 - * روى أحمد عن ناشرة بن سُمي اليزني قال: "سمعت عمر بن الخطاب يم الجابية وهو يخطب الناس إن الله عز وجل جعلني خازناً لهذا المال وقاسمه ثم قال بل الله يقسمه وأنا باديء بأهل النبي صلى الله عليه وسلم ثم أشرفهم، ففرض لأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف إلا جويرية وصفية وميمونة، قالت عائشة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعدل بيننا فعدل بينهن عمر، ثم قال: إني باديء بأصحابي المهاجرين الأولين فإنا أخرجنا من ديارنا ظُلماً وعدواناً ثم أشرفهم (1)، ففرض لأهل بدرٍ منهم خمسة آلافٍ ولمن شهد بدراً من الأنصار أربعة آلافٍ

_ = (فتنافسوها) التنافس: تفاعل من المنافسة: الرغبة في الانفراد بالشيء والاستبداد به. 5064 - البخاري (6/ 268) 58 - كتاب الجزية والموادعة، 4 - باب ما أقطع النبي صلى الله عليه وسلم من البحرين ... إلخ. (فحثى) حثى: إذا سفى بيده في حجره. (أقله) أقله يُقله: إذا رفعه وحمله. 5065 - أحمد (3/ 475). مجمع الزوائد (6/ 3) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله ثقات. (معصب) أي تشعر بعصبيتك التي تربط بابن عمك، والعصبية: إعانة قومه على غيرهم عدواناً وظلماً.

وفرض لمن شهد أُحداً ثلاثة آلافٍ، قال: ومن أسرع بالهجرة أسرع به العطاء ومن أبطأ بالهجرة أبطأ به العطاء فلا يلومن امرؤ إلا مُناخ راحلته، وإني أعتذر إليكم من عزل خالد ابن الوليد إني أمرته أن يحبس هذا المال على ضعفة المهجرين فأعطاه ذا البأس وذا الشرف وذا اللسان فنزعته ووليت أبا عبيدة فقال أبو عمرو بن حفص: والله ما أعذرت يا عمر بن الخطاب لقد نزعت عاملاً أستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وغمدت سيفاً سلهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعت لواءاً نصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدستَ ابن العم، فقال عمر بن الخطاب: إنك قريبُ القرابة حديث السن معصبٌ في ابن عمك". 5066 - * روى البخاري عن قيس بن أبي حازم (رحمه الله) قال: "كان عطاء البدريين: خمسة آلافٍ، وقال عمر: لأفضلنهُمْ على من بعدهم". 5067 - * روى البخاري عن نافع (رضي الله عنه) "أن عمر كان فرض للمهاجرين الأولين: أربعة آلافٍ، وفرض لابن عمر: ثلاثة آلافٍ وخمسمائةٍ، فقيل له: هو من المهاجرين، فلم نقصته من أربعة آلافٍ؟ قال: إنما هاجر به أبوه- يقول: ليس هو ممن هاجر بنفسه". 5068 - * روى الطبراني عن طارق بن شهاب: "أن أهل البصرة غزوا نهاوند فأمدهُم أهل الكوفة وعليهم عمار بن ياسر فظهروا فأراد أهل البصرة أن لا يقسموا لأهل الكوفة فقال رجلٌ من بني تميم - أو من بني عطارد - أيها العبد الأجدعُ تريد أن تشركنا في غنائمنا، وكانت أذنهُ جُدعتْ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: خير أذني سببت، فكتب إلى عمر فكتب إن الغنيمة لمن شهد الوقعة". 5069 - * روى أبو داود عن أبي الجويرية الجُرمي (رحمه الله) قال: أصبتُ بأرضِ الروم جرةً حمراء فيها دنانيرُ، في إمرة معاوية (1)، وعلينا رجلٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ 5066 - البخاري (7/ 323) 64 - كتاب المغازي، 12 - باب 5067 - البخاري (7/ 253) 63 - كتاب مناقب الأنصار، 45 - باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة. 5068 - الطبراني - الكبير- (8/ 385). مجمع لاوائد (5/ 340) وقال الهيثمي ورجاله رجال الصحيح. 5069 - أبو داود (3/ 81) كتاب الجهاد، باب في النفل من الذهب والفضة ومن أول مغنم. إسناده حسن.

- في عطاء المؤلفة قلوبهم

من بني سُليمٍ يقال له: معن بن يزيد، فأتيته بها، فقسمها بين المسلمين، وأعطاني مثل ما أعطى رجلاً منهم، ثم قال: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا نفل إلا بعد الخُمس لأعطيتك، ثم أخذ يعرض عليَّ من نصيبه". 5070 - * روى أبو داود عن زيد بن أسلم (رحمه الله): "أن ابن عمر دخل على معاوية، فقال: ما حاجتك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: عطاء المحررين، فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما جاءه شيء بدأ بالمحررين". 5071 - * روى مالك في الموطأ عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال: "قدمَ على أبي بكر الصديق رضي الله عنه مالٌ من البحرين، فقال: من كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأي أو عدةٌ فليأتني، فجاءه جابر بن عبد الله، فحفن له ثلاث حفناتٍ". - في عطاء المؤلفة قلوبهم: 5072 - *روى مسلم عن رافع بن خديجٍ (رضي الله عنه) قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب يوم حُنين، وصفوان بن أمية، وعيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، وعلقمة بن علاثة، كل إنسان منهم مائة من الإبل، وأعطى عباس بن مرداس دون ذلك، فقال عباس بن مرداس: أتجعل نهبي ونهب العبيد ... بين عيينة والأقرع؟ (1) فما كان بدرٌ ولا حابسٌ ... يفوقان مرداس في المجمع وما كنت دون امريءٍ منهما ... ومن تخفض اليوم لا يُرفع

_ 5070 - أبو داود (3/ 136) كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في قسم الفيء. إسناد هحسن. (المحررون) قال الخطابي: المحررون: المعتقون، وذلك أنهم قومٌ لا ديوان لهم، وإنما يدخلون في جملة مواليهم، والديوان إنما كان موضوعاً في بني هاشم، ثم الذين يلونهم في القرابة والسابقة، وكان هؤلاء مؤخرين في الذكر، وإنما ذكرهم عبد الله بن عمر وتشفع لهم في تقديم أعطياتهم، لما علم من ضعفهم وحاجتهم. 5071 - الموطأ (2/ 471) 21 - كتاب الجهاد 21 - باب الدفن في قبر واحد من صررورة ... إلخ. إسناده منقطع، ولكن يتصل من وجوه صحاح عن اجبر. (الوَأي) الوعد، تقول منه: وأيته أياً. 5072 - مسلم (2/ 737) 12 - كتاب الزكاة، 46 - باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام ... إلخ. (1) النهب هنا بمعنى المنهوب تسميته بالمصدر، وعبيد - مصغراً - اسم فرس العباس بن مرداس. (العُبيد) بضم العين وفتح الباء المحدة: اسم فرس العباسي بن مرداس السلمي.

قال: "فأتم له رسول الله صلى الله عليه وسلم مائةً". وفي رواية (1) نحوه: وأسقط علقمة بن عُلاثة، وصفوان بن أمية، ولم يذكر الشعر. 5073 - * روى البخاري عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما أوتيكم من شيءٍ، ولا أمنعكمه، إن أنا إلا مأمورٌ، أضع حيث أمرتُ". وفي رواية "أنا قاسم، أضعُ حيث أمرتُ". 5074 - * روى البخاري عن سعدٍ "أعطى النبي صلى الله عليه وسلم رهطاً وأنا جالسٌ فترك رجلاً هو أعجبهم إليِّ، فقلت يا رسول الله! مالك عن فلان؟ والله إني لأراه مؤمناً فقال أو مسلماً ذكر ذلك سعدٌ ثلاثاً وأجابه بمثل ذلك ثم قال: إني لأعطي الرجل وغيره أحبُّ إليَّ منه خشية أنْ يُكبَّ في النار على وجهه". وفي رواية (2): فضرب صلى الله عليه وسلم بيده بين عُنقي وكتفي ثم قال: "أقتالا أي سعدُ؟ إني لأعطي الرجل". وفي أخرى (3): قال الزهري: فنرى أن الإسلام: الكلمةُ، والإيمان العملُ الصالحُ.

_ (1) مسلم (2/ 738)، الموضع السابق نفسه. 5073 - البخاري (6/ 317) 57 - كتاب فرض الخُمس، 7 - باب قول الله تعالى [41 الأنفال]: (فإن لله خُمسه وللرسول) ... إلخ. أبو داود (3/ 135) كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب فيما يلزم الإمام من أمر الرعية ... إلخ. 5074 - البخاري (3/ 340) 24 - كتاب الزكاةن 53 - باب قول الله تعالى: (لا يسألون الناس إلحافاً) ... إلخ. مسلم (1/ 132) 1 - كتاب الإيمان، 68 - باب تأليف من يخاف على إيمانه لضعفه ... إلخ. أبو داود (4/ 220) كتاب السُّنة، باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه. النسائي (8/ 103) 47 - كتاب الإيمان وشرائعه، 7 - باب تأويل قوله عز وجل (قالت الأعراب آمنا ...) إلخ. (2) مسلم (1/ 133) 1 - كتاب الإيمان، 68 - باب تأليف قلب من يخاف على إيمانه لضعفه ... إلخ. (3) أبو داود (4/ 221) كتاب السُّنة، باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه. قوله (فترك رجلاص) هو جعيل بن سراقة الغفاري من أهل الصفة، وكله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إيمانه. قوله (أو مسلماً) قيل أراد التنويع وقيل أراد التشريك، وقيل أن مراده إن إطلاق لفظة مسلم على من لم يختبر حاله الباطنة أولى من إطلاق لفظة مؤمن. والمراد من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى جميعاً ممن كان يتألفهم خشية أن يرتدوا فيكونوا من أهل النار. وكل جعيل بن سراقة لإيمانه وهو يتضمن ثناء ضمنياً عليه. وفي الحديث إشارة إلى الثناء على الشخص بحاله الظاهرة وعدم الثناء بحاله الباطنة.

- في أن سلب المقتول لقاتله

- في أن سلب المقتول لقاتله: 5075 - * روى مالك في الموطأ عن القاسم بن محمد (رحمه الله) قال: "معت رجلاً يسأل عبد الله بن عباس عن الأنفال؟ فقال ابن عباس: الفرسُ من النفل، والسلبُ من النفل. قال: ثم عاد لمسألته؟ فقال ابن عباس ذلك أيضاً، ثم قال الرجل: الأنفال التي قال في كتابه، ما هي؟ قال القاسم: فلم يزل يسأله حتى كاد أن يُخرجه، فقال ابن عباس: أتدرون ما مثل هذا؟ مثله مثل صبيغٍ الذي ضربه عمر بن الخطاب". 5076 - * روى الطبراني عن معن بن يزيدقال: "ولا تحل غنيمة حتى تُقسَم ولا نفلٌ حتى يٌسم للناس". 5077 - * روى البخاري عن سلمة بن الأكوع (رضي الله عنه) قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم عين من لامشركين، هو في سفرٍ، فجلس عند أصحابه يتحدث ثم انفتل، فقال النبي صلى الله عليه سلم: "اطلبوه فاقتلوه"، فقتلته، فنفلني سلبهُ. 5078 - * روى أبو يعلي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ على أبي قتادة وهو عند رجلٍ قد قتله فقال دعوه وسلبه (1).

_ 5075 - الموطأ (2/ 455) 21 - كتاب الجهاد، 10 - باب ما جاء في السلب في النفل وإسناده صحيح. (سلبه) السلبُ: ما يؤخذ من القرن في الحرب من سلاح وثياب وغير ذلك. (يحرجه العبيد) الحرجُ: الضيق والإثم. صبيغ - بوزن أمير - ابن عسيل: رجل كان يسأل عن متشابه القرآن، ويعارض ببعضه بعضاً. عناداً منه ومراءاً، فضربه عمر ونفاه إلى البصرة تأديباً، فقد روى لادارمي في سننه (1/ 54) عن سليمان بن يسار أن رجلاً يقال له: صبيغ قدم المدينة، فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فأرسل إليه عمر، وقد أعد له عراجين النخل، فقال: من أنت؟ قال: انا عبد الله بن صبيغ، قال: وأنا عبد الله عمر، فجعل له ضرباً حتى دمى رأسه، فقال: حسبك يا أمير المؤمنين، قد ذهب الذي كنت أجده في رأسي، ثم نفاه إلى البصرة. 5076 - مجمع الزوائد (6/ 7) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. 5077 - البخاري (6/ 168) 56 - كتاب الجهاد، 173 - باب الحربي إذا دخل دار الإسلام بغير أمانٍ. 5078 - أبو يعلي (5/ 83). أحمد (1/ 289) واللفظ له. الطبراني- الكبير- (11/ 379). مجمع الزوائد (5/ 330) وقال الهيثمي "رواه أبو يعلي، والطبراني في الكبير والأوسط بمعناه ورجال أحمد والكبير رجال الصحيح غير ابن زياد وهو ثقة. =

- في الغلول والتحذير منه

5079 - * روى الترمذي عن أبي قتادة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل قتيلاً، له عليه بينةٌ، فله سلبُهُ". 5080 - * روى أبو داود عن عوف بن مالك وخالد بن الوليد (رضي الله عنهما) "أن رسول الله صلى الله علي وسلم قضى في السلب للقاتل، ولم يُخمس السلب". - في الغلول والتحذير منه: 5081 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "غزا نبيٌّ من الأنبياء، فقال لقومه: لا يتبعُني رجلٌ ملك بُضع امرأةٍ، وهو يُريدُ أن يبني بها، ولما يَبْن بها، ولا أحدٌ بنى بيوتاً ولم يرفعْ سقوفها، ولا رجل اشترى غنماً أو خلفاتٍ وهو ينتظر ولادها، فغزا، فدنا من القرية صلاة العصر، أو قريباً من ذلك، فقال للشمس: إنك مأمورةٌ، أنا مأمورٌ. اللهم احبسها علينا، فحُبست حتى فتح الله عليه، فجمع الغنائم، فجاءت - يعني النار - لتأكلها، فلم تطعمها، فقال: إن فيكم غللاً: فليُبايعني من كلِّ قبيلةٍ رجلٌ، فلزقتْ يدُ رجلٍ بيده، فقال: فيكم الغلل، فلتبايعني قبيلتك، فلزقت يد رجلين أو ثلاثة بيده، فقال: فيكم الغلول، فجاؤوا برأسٍ مثل رأس بقرةٍ من الذهب، فوضعها، فجاءت النار فأكلتها". زاد في رواية (1): "فلم تحِلَّ الغنائمُ لأحدٍ قبلنا، ثم أحل الله لنا الغنائم، رأى ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا". قوله: "غزا نبي من الأنبياء" هو يوشع بن نون، رواه الحاكم في المستدرك عن كعب الأحبار والمدينة التي فتحت: هي أريحا، وهي بيت المقدس والمكان الذي قسمت فيه

_ = قال محقق مسند أبي يعلي: إن اللفظ الذي ساقه الهيثمي هو لفظ أحمد، وقوله "ورجال أحمد" يدلان على أن الهيثمي قد عزاه إليه ولكنه سقط سهواً إما من الناسخ وإما من الطابع، والله أعلم. 5079 - الترمذي (4/ 131) 22 - كتاب السير، 13 - باب ما جاء في من قتل قتيلاً فله سلبه. 5080 - أبو داود (3/ 72) كتاب الجهاد، باب في السلب لا يخمس. 5081 - البخاري (6/ 220) 57 - كتاب فرض الخمس، 8 - باب قول النبي صلى الله عليه سلم "أحلت لكم الغنائم" ... إلخ. مسلم (3/ 1366) 32 - كتاب الجهاد والسير، 11 - باب تحليل الغنائم لهذه الأمة خاصة. (1) مسلم (الموضع السابق نفسه). (الغلولُ) الخيانة في الغنيمة. (البُضعُ) النكاح، وقيل: الفرج نفسه. =

الغنيمة، سمي باسمه الذي وجد عنده الغلول هو عاجز. فقيل: للمكان: غلول عاجز، رواه الطبراني - انظر مقدمة فتح الباري - قوله: "إنك مأمورة" أي بالغروب "وأنا مأمور" أي: بالصلاة، أو القتال قبل الغروب، فإن قلت: لم قال: لم تطعهما" وكان الظاهر أن يقال: فلم تأكلها. قلت: للمبالغة، إذ معناه: لم تذوق طعمها، كقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} (1) وكان ذلك المجيء علامة المقبول، وعدم الغلول. وفيه: أن الأمور المبهمة ينبغي أن لا تفوض إلا إلى أولي الحزم وأصحاب الفراسة، لأن تعلق القلب بغيرها يفوت كمال بذل وسعه. قال القاضي: اختلف في حبس الشمس. فقيل: الرد على أدراجها. وقيل: إبطاء الحركة. وقد يقال: الذي حبست عليه هو يوشع بن نون وقد روي: أنها حبست للرسول صلى الله عليه وسلم مرتين: آخر يوم الخندق حين شغلوه عن صلاة العصر، فردها الله تعالى حتى صلاها وصبيت الإسراء، حين انتظر العير التي أخبر بوصولها مع شروق الشمس، قال الكرماني والنووي [12/ 252]. 5082 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ، فذكر الغلول، فعظمه وعظم أمره، ثم قال: "لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعيرٌ له رغاءٌ، يقول: يا رسول الله، أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرسٌ له حمحمةٌ، فيقول: يا رسول الله، أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاةٌ لها ثثغاءٌ، يقول:

_ (1) (يبنى بها) بنى الرجل بأهله: إذا دخل بها. قال الجوهري: لا يُقال: بني بأهله، إنما يقال: بنى على أهله، والأصل فيه: أن الرجل كان إذا تزوج امرأة بنى عليها قُبةً. (خلفاتٌ) جمع خلفة، وهي الناقة الحامل. (1) البقرة: 249. 5082 - البخاري (6/ 185) 56 - كتاب الجهاد، 189 - باب الغُلول ... إلخ. مسلم (3/ 1461) 33 - كتاب الإمارة، 6 - باب غلظ تحريم الغلول واللفظ له وهو أتم. (الرُّغاءُ) صوت الإبل، وذواتُ الخفِّ. (ثُغاء) الثغاء: صوت الشاء.

يا رسول الله، أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيءُ يوم القيامة على رقبته نفسٌ لها صياحٌ، فيقول: يا رسول الله، أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء القيامة على رقبته رقاعٌ تخفقُ، فيقول: يا رسول الله، أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامتٌ، فيقول: يا رسول الله، أغثني، فأقول، لاأملك لك شيئاً، قد أبلغتك". قال النووي "12/ 216" قوله: "لا ألفين أحدكم" هكذا ضبطناه: ألفين- بضم الهمزة وبالفاء المكسورة - أي: لا أجدن أحدكم على هذه الصفة. ومعناه: لا تعملوا عملاً أجدكم بسببه على هذه الصفة. قال القاضي: ووقع في رواية العذري "القين" - بفتح الهمزة وفتح القاف - وله وجه كنحو ما سبق. والصامت: الذهب والفضة. 5083 - * روى أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) قال: كان رسول الله صلى الله عليه سلم إذا أصاب غنيمةً أمر بلالاً، فنادى في الناس، فيجيئزن بغنائمم، فيخمسه ويقسمه، فجاء رجلٌ يوماً بعد النداء بزمامٍ من شعرٍ، فقال: يا رسول الله، هذا كان فيما أصبناه من الغنيمة، فقال: "أسمعت بلالاً ينادي ثلاثاً"؟ قال: نعم، قال: فما منعك أن تجيء به، فاعتذر إليه، فقال: كلا، أنت تجيء به يوم القيامة، فلن أقبله عنك". 5084 - * روى الستة إل الترمذي عن أبي هريرة: "خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر ففتح الله علينا فلم ننم ذهباً ولا ورقاً، غنمنا المتاع والطعام والثياب ثم انطلقنا إلى الوادي يعني وادي القُرى ومعه صلى الله عليه وسلم عبدٌ له وهبه له رجلٌ من جُذام يُدعي رفاعة بن زيدٍ منْ بني الضبيب فلما نزلنا الوادي قام عبد رسول الله صلى الله عليه وسلم يحُلُّ رحله فرُمي بسهمٍ فكان فيه حتفه فقلنا هنيئاً له الشهادة يا رسول الله قال: "كلاً والذي نفس محمدٍ بيده إن الشملة لتلهبُ عليه ناراً أخذها من الغنائم يوم خيبر لم تُصبها المقاسمُ" (1) ففزع الناس فجاء رجلٌ بشراكٍ أوْ

_ = (رقاعٌ) يريدُ بالرقاع: ما عليه من الحقوق المكتوبة في الرقاع. (تخفق) خفوقها حركتها. 5803 - أبو داود (3/ 68) كتاب الجهاد، باب في تعظيم الغلول. 5084 - الموطأ (2/ 459) 21 - كتاب الجهاد، 13 - باب ما جاء في الغلول.

شراكين فقال أصبته يوم خيبر فقال صلى الله عليه وسلم شِراكٌ من نارٍ أو شراكان". 5085 - * روى أحمد عن عبد الله بن شقيقٍ أنه أخبره من سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القُرى وهو على فرسٍ وجاءه رجلٌ فقال: استشهد مولاك أو قال غلامُك فلانٌ قال: "بلْ يُجرُّ إلى النار في عباءةٍ غلها". 5086 - * روى البخاري عن ابن عمرو بن العاص: "كان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ يقال له كركرةُ فمات فقال صلى الله عليه وسلم: "هو في النار" فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءةٌ قد غلها. 5087 - * روى النسائي عن أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بالبقيع فقال: "أفًّ لك أفٍّ لك أفٍّ لك" فكبُرَ ذلك في ذرعى فاستأخرتُ وظننت أنه يريدني فقال لي: "مالك أمش قلت: أحدث حدثٌ؟ فقال: "ما ذاك"؟ قلت أففْتَ بي قال: "لا ولكنْ هذا فلانٌ بعثته ساعياً علي بني فلانٍ فغلَّ نمرةً فدُرِّعَ الآن مثلها منْ نارٍ". 5088 - * روى الطبراني عن حبيب نب مسلمة قال: سمعتُ أبا ذرٍّ يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن تغُلَّ أمتي لم يقُم لهم عدوٌّ أبداً" قال أبو ذر لحبيب بن مسلمة هل بيت لكم العدوُّ حلب حلب قال: نعم وثلاث شياهٍ غُرْزٍ، قال أبو ذر: غللَتُم وربِّ الكعبة (1).

_ = البخاري (11/ 592) 83 - كتاب الأيمان والنذور، 33 - باب هل يدخل في الأيمان والنذور والأرض ... إلخ. مسلم (1/ 108) 1 - كتاب الإيمان، 48 - باب غلظ تحريم الغلول وأنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون. أبو داود (3/ 68) كتاب الجهاد، باب في تعظيم الغلول. النسائي (7/ 24) 35 - كتاب الأيمان والنذور، 38 - باب هل تدخل الأرضون في المال إذا نذر. 5085 - أحمد (5/ 33). مجمع الزوائد (5/ 338) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. 5086 - البخاري (6/ 187) 56 - كتاب الهجاد، 190 - باب القليل من الغلول. (الثقل): متاع المسافر. 5087 - النسائي (2/ 115) 10 - كتاب الإمامة، 58 - باب الإسراع إلى الصلاة من غير سعي. (النمرة): إزار مخطط من صوف ويجمع على نمار. (درع): ألبس عوضها درعاً من نار. 5088 - مجمع الزوائد (5/ 338) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأسوط ورجاله ثقات وقد صرح بقية بالتحديث.

5089 - * روى مالك في الموطأ عن زيد بن خالد "أن رجلاً من اصحابة توُفِّي يوم خيبر فذُكر له صلى الله عليه وسلم فقال: صلوا على صاحبكم فتغيرتْ وجوه الناس لذلك فقال: إن صاحبكم غل في سبيل الله، ففتشنا متاعهُ فوجدنا خرزاً من خرز يهود لا يساوي درهمين". 5090 - * روى مسلم عن عُمر لما كان يوم خيبر أقبل من الصحابة فقالوا فلان شهيدٌ وفلانٌ شهيد، حتى مروا على رجلٍ فقالوا: فلانٌ شهيدٌ فقال صلى الله عليه وسلم: "كلا. إني رأيتُه في النار في بُردةٍ غلها أو عباءةٍ ثم قال: يا ابن الخطاب اذهب فناد في الناس إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون ثلاثاً" فخرجت فناديتُ ألا لا يدخل الجنة إلا المؤمنون ثلاثاً. 5091 - * روى الترمذي عن معاذ بن جبل (رضي الله عنه) قال: "بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فلما سرتُ أرسل في أثري، فرددْتُ، فقال: أتدري لم بعثتُ إليك؟ لا تصيبن شيئاً بغير إذني، فإنه غلولٌ {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} لهذا دعوتك، فامض لعملك". 5092 - *روى أبو داود عن بُريدة (رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنِ استعملناه على عملٍ، فرزقناهُ رزقاً، فما أخذ بعد ذلك فهو غُلولٌ". 5093 - * روى لطبراني عن أبي بُردة بن نيارٍ "أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى القبائل يدعو لهم وترك قبيلةً لم يأتهم فأنكروا ذلك ففتشوا متاع صاحبٍ لهم فوجدوا قلادةً في بردعةِ رجلٍ منهم غلها فردُّوها فأتاهُم فصلى عليهمْ" (1).

_ 5089 - الموطأ (2/ 458) 21 - كتاب الجهاد، 13 - باب ما جاء في الغلول. أبو داود (3/ 68) كتاب الجهاد، باب ف يتعظيم الغلول. النسائي (4/ 64) 21 - كتاب الجنائز، 66 - باب الصلاة على من غل. ابن ماجة (2/ 950) 24 - كتاب الجهاد، 34 - باب الغلول, 5090 - مسلم (1/ 107) 1 - كتاب الإيمان، 48 - باب غلظ تحريم الغلول وأنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون. 5091 - الترمذي (3/ 621) 13 - كتاب الأحكام، 8 - باب ما جاء في هدايا الأمراء. وفي الباب من حديث عدي بن عميرة وأبي هريرة عند مسلم، ومن حديث المستورد بن شداد عند أبي داود بمعناه، فهو حديث حسن بشواهده. 5092 - أبو داود (3/ 134) كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في أرزاق العمال إسناده حسن. 5093 - مجمع الزوائد (5/ 339) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن المغيرة بن أبي بردة وهو ثقة.

- النهي عن النهبة

- النهي عن النهبة: 5094 - * روى أبو داود عن عاصم بن كُليبٍ (رحمه الله) عن أبيه عن رجلٍ من الأنصار قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فأصاب الناس حاجةٌ شديدةٌ، وجهدٌ، فأصابوا غنماً، فانتهبوها، فإن قدورنا لتغلي، إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي على قوسه، فأكفأ قدورنا بقوسه، ثم جعل يرملُ اللحم بالتراب، ثم قال: إن النُّهبةَ ليستَ بأحل من الميتة - أو إن الميتة ليست بأحل من النُّهبة- الشكُّ من هنادٍ وهو ابن السريِّ. 5095 - * روى الطبراني عن ابن عباس قال: "انتهب الناسُ غنماً فذبحوها ثم جعلوا يطبخونها ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بالقُدور فأُكفئتْ وقال: إن النُّهبة لا تحِلُّ". 5096 - * روى أحمد عن أبي ليلى قال: "شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح خيبر فلما انهزموا وقعنا في رحالهم فأخذ الناس ما وجدوا من خرفٍ فلم يكنْ أٍرع من أن فارت القدور فأكفئتْ وقسم بيننا فجعل لكل عشرةٍ شاةً". 5097 - * روى أحمد عن رجلٍ من بني ليثٍ قال: أسرني أصحاب رسول الله صلى الله علي هوسلم فكنت معهم فأصابوا غنماً فانتهبوها فطبخوها قال: قسمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن النُّهبى أو النُّهبة لا تصلح فأكفؤوا القدور" (1).

_ 5094 - أبو داود (3/ 66) كتاب الجاد، باب في النهي عن النُّهبى إذا كان في الطعام قلة في أرض العدو وإسناده جيد. (جهد) الجهد بالفتح: المشقة، وبالضم: الطاقة. (فأكفأ) أكفأ القدر: إذا قلبها وكبها. (يرمل) رملتُ اللحم: أي مرغته في الرمل. (النهبة) ماي سلب ويؤخذ من الغنيمة قبل قسمتا. 5095 - مجمع الزوائد (5/ 337) وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات. الطبراني - الكبير- (11/ 358). 5096 - أحمد (4/ 348). أبو يعلي (2/ 230). مجمع الزوائد (5/ 337) وقال الهيثمي: رواه أحمد الطبراني في الكبير والأوسط باختصار النهبة وإكفاء القدور وكذلك أبو يعلي ورجال أحمد رجال الصحيح. 5097 - أحمد (5/ 367). مجمع الزوائد (5/ 337) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

5098 - * روى الترمذي عن رافع بن خديجٍ (رضي الله عنه) قال: "كُنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فتقدم سرعان الناس، فتعجلوا من الغنائم فاطبخوا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في أخرى الناس، فمر بالقدور فأمر بها فأكفئتْ، ثم قسم بينهم، فعدل بعيراً بعشر شياهٍ". قال الحافظ في (الفتح: 9/ 539): وقد اختلف في هذا المكان في شيئين. أحدهما: سبب الإراقة. والثاني: هل أتلف اللحم أم لا؟ أما الأول، فقال عياض: كانوا قد انتهوا إلى دار الإسلام والمحل الذي لا يجوز فيه الأكل من مال الغنيمة المشتركة، إلا بعد القسمة، وأن محل جواز ذلك قبل القسمة، إما هو ما داموا في الحرب، قال: ويُحتمل أن سبب ذلك كونهم انتهبوها ولم يأخذوها باعتدال وعلى قدر الحاجة. وأما الثاني، فقال النوي: المأمور به من إراقة القدور، إنما هو إتلاف المرق عقوبة لهم، أما اللحم فلم يتلفوه، بل يحمل على أنه جمع ورد إلى المغنم، ولا يظن أنه أمر بإتلافه، مع أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال، وهذا من مال الغانمين، وأيضاً فالجناية بطبخه لم تقع من جميع مستحقي الغنيمة، فإن منهم من لم يطبخ، ومنهم المستحقون للخمس. فإن قيل: لم ينقل أنهم حملوا اللحم إلى المغنم؟ قلنا: ولم ينقل أنهم أحرقوه أو أتلفوه، فيجب تأويله على وفق القواعد ولا يقال: لا يلزم من تتريب اللحم إتلافه، لإمكان تداركه بالغسل، لأن الياق يشعر بأنه أريد المبالغة في الزجر عن ذلك الفعل، لو كان بصدد أن ينتفع به بعد ذلك، لم يكن فيه كبير زجر، لأن الذي يخص الاحد منهم نزر يسير، فكان إفسادها عليهم مع تعلق قلوبهم بها وحاجتهم إليها، وشهوتهم لها، أبلغ في الزجر. قوله (فعدل بعيراً بعشر شياه): قال الحافظ: وهذا محمول على أن هذا كان قيمة الغنم إذا ذاك، فلعل الإبل كانت قليلة أو نفيسة، والغنم كانت كثيرة أو هزيلة، بحيث كانت قيمة البعير عشر شياه (1)، لأن ذلك هو

_ 5098 - الترمذي (4/ 153) 22 - كتاب السير، 40 - باب ما جاء في كراهية النهبة، وهو طرفٌ من حديث طويل قد أخرجه البخاري ومسلم تاماً. (فاطبخوا) افتعلوا من الطبخ، فأدغمت التاء في الطاء.

الغالب في قليل قيمة الشاة والبعير المعتدلين. وأما هذه القسمة، فكانت واقعة عين، فيحتمل أن يكون التعديل لما ذكر من نفاسة الإبل دون الغنم، وحديث جابر عند مسلم صريح في الحكم حيث قال فيه: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل البقر، كل سبعة منا في بدنة، والبدنة تطلق على الناقة والبقرة. وأما حديث ابن عباس: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فحضر الأضحى، فاشتركنا في البقرة تسعة، وفي البدنة عشرة، فحسنه الترمذي وصححه ابن حبان، وعضده بحديث رافع بن خديج هذا، والذي يتحرر في هذا الأصل أن البعير بسبعة ما لم يعرض عارض من نفاسة ونحوها، فيتغير الحكم بحسب ذلك، وبهذا تجتمع الأخبار الواردة في ذلك. ثم الذي يظهر من القسمة المذكورة أنها وقعت فيما عدا ما طبخ وأريق من الإبل والغنم التي كانوا غنموها، ويحتمل إذا كانت الواقعة تعددت أن كون القصة التي ذكرها ابن عباس، أتلف فيها اللحم لكونه كان قطع للطبخ، والقصة التي في حديث رافع طبخت الشياه صحاحاً مثلاً، فلما أريق مرقها ضمت إلى المغنم لتقسم ثم يطبخاه من وقعت في سهمه، ولعل هذا هو النكتة في انحطاط قيمة الشاة عن العادة، والله أعلم. 5099 - * روى أبو داود عن أبي لبيد (رحمه الله) قال: "كُنا مع عبد الرحمن ابن سمُرة بكابُل، فأصاب الناس غنيمة، فانتهبوها، فقام خطيباً، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهي عن النُّهبى، فردُّوا ما أخذوا، فقسمهُ بينهمْ". 5100 - * روى أحمد عن أبي هريرة قال: "نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم جزوراً فانتهبها الناس فنادى مناديه: إن الله ورسوله ينهاكم عن النُّهبة، فجاء الناس بما أخذوا فقسمه بينهم". 5101 - * روى البخاري عن عبد الله بن يزيد الأنصاري (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "نهى عن المُثلةِ والنُّهْبى" (1).

_ 5099 - أبو داود (3/ 66) كتاب الجهاد، باب في النهي عن النهبى إذا كان في الطعام قلة في أرض العدو. وإسناده صحيح. 5100 - أحمد (2/ 352) مجمع الزوائد (5/ 336) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. 5101 - البخاري (5/ 119) 46 - كتاب المظالم، 30 - باب النهبى بغير إذن صاحبه. وقد رواه ابن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم. (النهبى) النهبة: المنهوب والنهبى: اسم ما أنهب من الأشياء. (المثلة) التمثيل بالحيوان من قطع أحد أطرافه وغيره.

5102 - * روى الترمذي عن أنس بن مالك (رضي الله عنه): أن رسول الله صلى الله عليه سولم قال: "من انتهب فليس منا". 5103 - * روى أبو داود عن عمران بن حُصينٍ (رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا جلب ولا جنبَ في الرهان". وأخرجه الترمذي (1) بزيادة، وهذا لفظه، قال: "لا جلب، ولا جنب ولا شغار في الإسلام، ومن انتهب نُهبةً فليس منا" وأخرجه النسائي (2)، ولم يذكر النهبة، وآخر حديثه "الإسلام". أقول: هذه النصوص التي مرت معنا في هذا الفصل على أنواع: فمنا ماله علاقة بالغنائم ومنها ماله علاقة بالفيء، ومنها ماله علاقة في السياسة المالية ببيت مال المسلمين، ومنها ماله علاقة بالنفل، ومنها ماله علاقة بسم ذوي القربى سرداً لأن المجتهد لا يغيب عنه أن يضع كلاً منها في محله، وشرحها يأخذ حيزاً كبيراً أكثر من الذي يحتمله هذا الكتاب.

_ 5102 - الترمذي (4/ 154) 22 - كتاب السير، 40 - باب ما جاء في كراهية النُّهبة. إسناده صحيح. ورواه أحمد وغيره وقال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب. (ليس منا) أي ليس من المطيعين لأمرنا، لأن أخذ مال المعصوم بغير إذنه ولا علم رضاه حرام. 5103 - أبو داود (3/ 30) كتاب الجهاد، باب في الجلب على الخيل في السباق. (1) الترمذي (3/ 431) 9 - كتاب النكاح، 30 - باب ما جاء في النهي عن نكاح الشغار. (2) النسائي (6/ 111) 26 - كتاب النكاح، 60 - باب الشغار. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وفي الباب: عن أنس، وأبي ريحانة، وابن عمر، وجابر، ومعاوية، وأبي هريرة، ووائل بن حجر. (لا جلب) جلب على فرسه يجلبُ جلباً: إذا صاح من خلفه يحثه على السبق، وأجلبْ مثله. "ولا جنب" الجنبُ: أن يجنب فرساً آخر معه، فإذا قصر المركوب ركب المجنوب. (شغار) نكاح الشغار: هو أن يزوج الرجل الرجل ابنته أو أخته على أن يزوجه ابنته أو أخته، ولا صداق بينهما، إنما بُضع كل واحدة صداق الأخرى. (المراهنةُ) المخاطرة، راهنت فلاناً: إذا خاطرته على شيء.

خاتمة جزء الجهاد

خاتمة جزء الجهاد بجزء الجهاد تنتهي العبادات الرئيسية في الإسلام، ولم يبق عندنا إلا أن نختم قسم العبادات بخاتمة. وقد اخترنا أن تكون هذه الخاتمة فصلين هما مظهر من مظاهر التوازن في هذا الدين: فصل في المسارعة إلى الخيرات والمبادرة إليها، وفصل في الاقتصاد في الأعمال فلا يُحملُ الإنسان نفسه ما لا تيطق، وهذان الفصلان مهمان بعد ذكر العبادات الرئيسية، فسياسة النفوس تحتاجهما، ومن أهم الأمور في حياة المسلم معرفته كيف يسوس نفسه. فإلى خاتمة قسم العبادات الرئيسية:

خاتمة هذا القسم

خاتمة هذا القسم وفيها مقدمة وفصلان الفصل الأول: المسارعة إلى الخيرات والمبادرة إليها. الفصل الثاني: الاقتصاد في الأعمال.

مقدمة

مقدمة بعد أن عرضنا العبادات الرئيسية فيما مرَّ؛ رأينا أن نختم هذا القسم بهذين الفصلين، فإن العبادات في الإسلام بمعناها الأهم أوسع من هذا الذي ذكرناه فأحببنا أن نلفت النظر إلى خيرات أخرى تدخل في دائرة العبادة، ثم إن هذه الخيرات والخيرات التي مرت معنا في هذا القسم لابد من المسارعة والمبادرة إليها اغتناماً للوقت واستباقاً للموت، واستنفاذاً للوسع، واستفادة من الصحة والشباب، أو القوة والعافية، ولذلك وجدنا من المصلحة أن نذكر النصوص في ذلك، ولأن الإنسان في الغالب يقع في دائرتي الإفراط والتفريط، والتقصير والغلو. وإذا كانت المبادرة إلى الخيرات والمسارعة إليها تنقذ من التفريط والتقصير فقد أصبح من المناسب أن نذكر فصل الاقتصاد في العمال من أجل الإنقاذ من الإفراط والغلو، وهذا يوصلنا إلى ضرورة التوازن في السلوك والعمل، ولا توازن حيث يفرط باجب من أجل واجب آخر، أو حيث تستغرقنا النوافل عن الفرائض فكان من لوازم أبحاث هذا القسم أن نتعرض لمثل هذه الأمور، وتلك موضوعات فصلي هذه الخاتمة.

الفصل الأول في المسارعة إلى الخيرات والمبادرة إليها

الفصل الأول في المسارعة إلى الخيرات والمبادرة إليها

قال النووي: قال الله تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} (1). 5104 - * روى الشيخان عن أبي ذر جُندب بن جُنادة (رضي الله عنه) قال: قلتُ "يا رسول الله!! أي الأعمال أفضلُ؟ قال: الإيمانُ بالله والجهادُ في سبيله، قلت: أيُّ الرقاب أفضل قال: أنفسها عند أهلها، وأكثرها ثمناً قلت: فإن لم أفعل؟ قال: تعينُ صانعاً أو تصنع لأخرقٍ قلت: يا رسول الله أرأيت إن ضعُفتُ عن بعض العمل؟ قال: تكفُّ شرك عن الناس، فإنها صدقةٌ منك على نفسك". 5105 - * روى مسلم عن أبي ذر-أيضاً - (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله لعي وسلم قال: "يُصبح على كل سُلامى من أحدكم صدقةٌ، فكلُّ تسبيحةٍ صدقةٌ، وكل تحميدة صدقةٌ، ولك تهليلة صدقةٌ، كل تكبيرةٍ صدقةٌ، وأمرٌ بالمعروف صدقةٌ، ونهي عن المنكر صدقةٌ، ويجزيء من ذلك ركعتان يركعهما من الضُّحى". 5106 - * روى مسلم عن أبي ر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "عُرضتْ عليَّ أعمال أمتي حسنُها سيئها فوجدت في محاسن أعمالها: الأذى يُماطُ عن الطريق، ووجدت في مساويء، أعمالها: النٌّخاعة تكونُ في المسجد لا تُدفنُ". 5107 - * روى مسلم عنه أن ناساً قالوا: يا رسول الله!! ذهب أهل الدُّثُور بالأور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقن بفضول أموالهم!!! قال: "أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به؟ إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة

_ (1) البقرة: 148. 5104 - البخاري (5/ 148) 49 - كتاب العتق، 2 - باب أي الرقاب أفضل. مسلم (1/ 89) 1 - كتاب الإيمان، 36 - باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال. (الصانع) بالصاد المهملة هذا هو المشهور. وروى: ضايعاً بالمعجمة، أي ذا ضياع من فقر أو عيال، ونحو ذلك. (الأخرق) الذي لا يتقن ما يحاول فعله. 5105 - مسلم (1/ 449) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 13 - باب استحباب صلاة الأضحى ... إلخ. (السلامى) بضم السين المهملة وتخفيف اللاموفتح الميم: المفصل. 5106 - مسلم (1/ 390) 5 - كتاب المساجد، 13 - باب النهي عن البُصاق في المسجد ... إلخ. 5107 - مسلم (2/ 697) 12 - كتاب الزكاة، 15 - باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف. (الدثور) بالثاء المثلثة: الأموال، وأحدها دُثر.

وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقةٌ، وأمرٌ بالمعروف صدقةٌ، ونهيٌ عن المنكر صدقةٌ، وفي بُضْع أحدكم صدقةٌ، قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجرٌ؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرامٍ أكان عليه وزرٌ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرٌ". 5108 - * روى مسلم عنه أيضاً قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم "لا تحقرنَّ من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طلقٍ". 5109 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الهل عليه وسلم: "كلُّ سَلامى من الناس عليها صدقة، كل يوم تطلعُ فيه الشمس، تعدلُ بين الإثنين صدقةٌ وتعينُ الرجل في دابته تحملهُ عليا، وترفعُ له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوةٍ تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة". رواه مسلم أيضاً (1) من رواية عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنه خُلق كل إنسانٍ من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل، فمن كبر الله، وحمد الله، وهلل الله، وسبح الله، واستغفر الله، وعزل حجراً عن طريق الناس أو شوكةً أو عظماً عن طريق الناس، أو أمر بمعروف، أو نهى عن منكرٍ عدد الستين والثلاثمائة السُّلامى، فإنه يمشي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار". 5110 - * روى الشيخان عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من غدا إلى المسجد أو راح أعدَّ الله له في الجنة نزولاً كلما غدا أو راح".

_ 5108 - مسلم (4/ 2026) 45 - كتاب البر والصلة والآداب، 43 - باب استحباب طلاقة الوجه عند اللقاء. 5109 - البخاري (6/ 132) 56 - كتاب الجهاد، 128 - باب من أخذ بالركاب ونحوه. مسلم (2/ 699) 12 - كتاب الزكاة، 16 - باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف. (1) مسلم (2/ 698) الموضع السابق نفسه. 5110 - البخاري (2/ 148) 10 - كتاب الأذان، 37 - باب فضل من غدا إلى المسجد ومن راح. مسلم (1/ 463) 5 - كتاب المسجد، باب المشي إلى الصلاة ... إلخ. (النُّزل) القوت والرزق وما يُهيأ للضيف.

5111 - * روى الشيخان عن أبي هريرة قال: قالرسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا نساء المسلمات!! لا تحقرن جارةً لجارتها ولو فرسن شاة". 5112 - * روى الشيخان عنه عن النبي صلىلله عليه وسلم قال: "الإيمانُ بضعٌ وسبعون -أو بضع وستون - شعبةٌ، أفضلها: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان". 5113 - * روى الشيخان عنه أن رسول الله صلى الله علي هوسلم قال: "بينما رجلٌ يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئراً فنزل فيها فشرب ثم خرج فذا كلبٌ يلهث يألك الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان قد بلغ مني فنزل البئر، فملأ حقهُ ماءً، ثم أمسكه بفيه حتى رقي، فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له، قالوا: يا رسول الله!!! إن لنا في البهائم أجراً؟ فقال: في كل كبدٍ رطبةٍ أجرٌ". وفي رواية للبخاري (1): "فشكر الله له فغفر له فأدخله الجنة". وفي رواية لهما (2): "بينما كلب يُطيِّفُ بركية قد كان يقتله العطش إذا رأتْهُ بغيٌّ من بغايا بني إسرائيل، فنزعت مُقها فاستقت له به. فسقته فغفر لها به.

_ 5111 - البخاري (5/ 197) 51 - كتاب الهبة. مسلم (2/ 714) 12 - كتاب الزكاة، 29 - باب الحث على الصدقة ولو بالقليل ... إلخ. قال الجوهري: (الفِرْسُ) من البعير كالحافر من الدابة، قال: وربما استعير في الشاة. 5112 - البخاري (1/ 51) 2 - كتاب الإيمان، 3 - باب أمور الإيمان ... إلخ. مسلم (1/ 63) 1 - كتاب الإيمان، 12 - باب بيان عدد شعب الإيمان ... إلخ. (البضع) من ثلاثة إلى تسعة، بكسر الباء وقد تفتح. (الشعبة) القطعة. 5113 - البخاري (5/ 40) 42 - كتاب المساقاة، 9 - باب فضل سقي الماء. مسلم (4/ 1761) 39 - كتاب السلام، 41 - باب فضل ساقي البهائم ... إلخ. (1) البخاري (5/ 41) 42 - كتاب المساقاة، 9 - باب فضل سقي الماء. (2) البخاري (6/ 511) 60 - كتاب أحاديث الأنبياء. مسلم (4/ 1761) 39 - كتاب السلام، 41 - باب فضل ساقي البهائم ... إلخ. (الموق) الخفُّ، و (يطيفُ) يور حول ركية: وهي البئر.

5114 - * روى مسلم عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لقد رأيتُ رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس". وفي رواية (1): "مر رجلٌ بغصن شجرة على ظهر طريق فقال: "والله لأنحِّينَّ هذا عن المسلمين، لا يؤذيهم، فأدخل الجنة". وفي رواية لهما (2): "بينما رجلٌ يمشي بطريق، وجد غُصن شوكٍ على الطريق فأخره، فشكر الله له، فغفر له". 5115 - * روى مسلم نه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت، غُفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام، ومن مس الحصا فقد لغا". 5116 - * روى مسلم عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا توضأ العبد المسلم -أو المؤمن- فغسل وجهه، خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الما ءأو مع آخر قطر الماء - فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئةٍ كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قُطر الماء، فإذا غسل رجليه، خرجت كل خطيئةٍ مستها رجلاه مع الماء - أو مع آخر قطر الماء - حتى يخرج نقياً من الذنوب". 5117 - * روى مسلم عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الصلوات الخمسُ، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفراتٌ لما بينهن إذا أجتنبت الكبائرُ". 5118 - * روى مسلم عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أدلكم على ما يمحو الله

_ 5114 - مسلم (4/ 2021) 45 - كتاب البر، 36 - باب فضل إزالة الأذى عن الطريق. (1) مسلم (الموضع السابق). (2) لابخاري (2/ 139) 10 - كتاب الذان، 32 - باب فضل التهجير إلى الظهر. مسلم (2/ 2021) 45 - كتاب البر، 36 - باب فضل إزالة الأذى عن الطريق. 5115 - مسلم (2/ 588) 7 - كتاب الجمعة، 8 - باب فضل من استمع وأنصت في الخطبة. 5116 - مسلم (1/ 215) 2 - كتاب الطهارة، 11 - باب خروج الخطايا مع ماء الوضوء. 5117 - مسلم (1/ 209) 2 - كتاب الطهارة، 6 - باب الذكر المستحب عقب الوضوء. 5118 - مسلم (1/ 219) 2 - كتاب الطهارة، 14 - باب فضل إسباغ الوضوء على المكاره.

به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إباغُ الوضوء على المكاره وكثرةُ الخُطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط". 5119 - * روى الشيخان عن أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى البردين دخل الجنة". 5120 - * روى البخاري عنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مرض العبد أو سافر كُتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً". 5121 - * روى البخاري عن جابر (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل معروفٍ صدقةٌ" رواه البخاري، ورواه مسلم (1) من رواية حُذيفة رضي الله عنه. 5122 - * روى مسلم عنه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله لعيه وسلم: "ما من مسلم يغرسُ غرساص إلا كان ما أكل منه له صدقةً، وما سُرق منه له صدقةٌ، وما أكل السبع منه فهو له صدقةٌ وما أكلت الطيرُ فهو له صدقة ولا يرزؤه أحدٌ إلا كان له صدقةٌ". وفي رواية له (2) "فلا يغرسُ المسلم غرساً، فيأكل منه إنسانٌ ولا دابةٌ ولا طيرٌ، إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة". وفي رواية (3): "لا يغرسُ مسلمٌ غرساً، ولا يزرع زرعاً، فيأكل منه إنسان ولا دابة لا شيءٌ، إلا كانت له صدقةٌ".

_ 5119 - البخاري (2/ 52) 9 - كتاب مواقيت الصلاة، 26 - باب صلاة الفجر. مسلم (1/ 440) 5 - كتاب المساجد ومواضع الصلاة، 37 - باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما. (البردان) الصبح والعصر. 5120 - البخاري (6/ 136) 56 - كتاب الجهاد، 134 باب يُكتبُ للمسافر مثل ما كان يعمل في الإقامة. 5121 - البخاري (10/ 447) 78 - كتاب الأدب، 33 - باب كل معروف صدقة. (1) مسلم (2/ 697) 12 - كتاب الزكاة، 16 - باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف. 5122 - مسلم (3/ 1188) 22 - كتاب المساقاة، 2 - باب فضل الغرس والزرع. (2) مسلم (3/ 1189) الموضع السابق نفسه. (3) مسلم (3/ 1188) الموضع السابق نفسه. قوله: (يرزؤهُ) أي: ينقصه.

5123 - * روى مسلم عن أبي المنذر أبي بن كعبٍ (رضي الله عنه) قال: كان رجلٌ لا أعلم رلاً أبعد من المسجد منه - وكان لا تخطئه صلاةٌ - فقيل له: - أو فقلتُ له - لو اشتريت حماراً تركبه في الظلماء وفي الرمضاء؟ فقال: ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد؛ إني أريد أن يُكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعتُ إلى أهلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد جمع الله لك ذلك كله". وفي رواية (1): "إن لك ما احتسبت". 5124 - * روى البخاري عن أبي محمدٍ عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربعون خصلةٌ أعلاها منيحةُ العنز، ما من عامل يعمل بخصلةٍ منها رجاء ثوابها، وتصديق موعودها، إلا أدخله الله بها الجنة". 5125 - * روى الشيخان عن عدي بن حاتمٍ (رضي الله عنه) قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "اتقوا النار ولو بشقِّ تمرة". وفي رواية لهما (2) عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه، فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه، فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه، فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرةٍ، فمن لم يجد فبكلمة طيبة". 5126 - * روى مسلم عن أنس (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ

_ 5123 - مسلم (1/ 460) 5 - كتاب المساجد، 50 - باب فضل كثرة الخطا إلى المساجد. (1) مسلم (1/ 461) الموضع السابق نفسه. (الرمضاء) الأُض التي أصابها الحر الشديد. 5124 - البخاري (5/ 243) 51 - كتاب الهبة، 35 - باب فضل المنيحة. (المنيحة) أن يعطيه إياها، ليأكل لبنها ثم يردها إليه. 5125 - البخاري (3/ 283) 24 - كتاب الزكاة، 10 - باب اتقوا النار ... إلخ. مسلم (2/ 703) 12 - كتاب الزكاة، 20 - باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة ... إلخ. (2) البخاري (13/ 474) 97 - كتاب التوحيد، 36 - باب كلام الرب عز وجل يوم القيامة ... إلخ. مسمل (2/ 703) 12 - كتب الزكاة، 20 - باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة ... إلخ. 5126 - مسلم (4/ 2095) 48 - كتاب الذك روالدعاء، 24 - باب استحباب حمد الله تعالى بعد الأكل والشرب.

الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها". 5127 - * روى الشيخان عن أبي موسى (رضي الله عنه) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عل كل مسلم صدقة" قال: أرأيت إن لم يجد؟ قال: يعمل بيديه، فينفعُ نفسه ويتصدق، قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يعينُ ذا الحاجة الملهوف، قال: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يأمر بالمعروف أو الخير، قال: أرأيت إن لم يعفل؟ قال: يمسك عن الشر فإنها صدقة". 5128 - *روى البخاري عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ مما افترضتُ عليه، وما يزالُ عبدي يتقربُ إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يُبصر به ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني أعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه". 5129 - * روى البخاري عن أنس (رضي الله عنه) عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل، قال: "إذا تقرب العبد إليَّ شبراً تقربتُ إليه ذراعاً، وإذا تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعاً، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولةً". 5130 - * روى البخاري عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبون فيهما كثيرٌ من الناس الصحة والفراغُ" (1).

_ = و (الأكلةُ) بفتح الهمزة وهي الغدوة أو العشة. 5127 - البخاري (3/ 307) 24 - كتاب الزكاة، 30 - باب على كل مسلم صدقة ... إلخ. مسلم (2/ 699) 12 - كتاب الزكاة، 16 - باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف. 5128 - البخاري (11/ 340) 81 - كتاب الرقاق، 38 - باب التواضع، مختصراً. (آذنته) أعلمته بأني محاربٌ له. (استعاذني): روي بالنون وبالياء. 5129 - البخاري (13/ 511) 97 - كتاب التوحيد، 50 - باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وروايته عن ربه. 5130 - البخاري (11/ 229) 80 - كتاب الرقاق، 1 - باب ما جاء في الرقاق ... إلخ.

5131 - * روى الشيخان عن عائشة (رضي الله عنها) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تنفطر قدماهُ، فقلت له: لم تصنعُ هذا يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: "أفلا أحبُّ أن أكون عبداً شكوراً؟!! ". 5132 - * روى الشيخان عن عائشة (رضي الله عنها) أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشُر أحيا الليل، وأيقظ أهله وجدَّ، وشدَّ المئزر". 5133 - * روى مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عيله وسلم: "المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خيرٌ، إحرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيءٌ فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتحُ عمل الشيطان". 5134 - * روى الشيخان عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: طحجبت النار بالشهوات وحجبت الجنةُ بالمكاره". وفي رواية مسلم (1): (حُفَّتْ) بدل حجبتْ، وهو بمعناه أي بينه وبينها هذا الحجاب، فإذا فعله دخلها. 5135 - * روى مسلم عن أبي عبد الله حذيفة بن اليمان (رضي الله عنهما) قال:

_ 5131 - البخاري (8/ 584) 65 - كتاب التفسير، 2 - باب (ليغفر لك الله ...) إلخ. مسلم (4/ 2171) 50 - كتاب صفات المنافين وأحكامهم، 18 - باب إكثار الأعمال، والاجتهاد ف يالعبادة. واللفظ للبخاري، ونحوه في الصحيحين من رواية المغيرة بن شعبة. 5132 - البخاري (4/ 269) 32 - كتاب فضل ليلة القدر، 5 - باب العمل في الشعر الأواخر من رمضان. مسلم (2/ 832) 14 - كتاب الاعتكاف، 3 - باب الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان. والمراد: العشر الأواخر من شهر رمضان، والمئزر: الإزار، وهو كناية ن اعتزال النساء، وقيل: المراد تشميره للعبادة، يقال: شددت لهذا الأمر مئزري، أي تشمرتُ وتفرغتُ له. 5133 - مسلم (4/ 2052) 46 - كتاب القدر، 8 - باب في الأمر بالقوة وترك العجز ... إلخ. 5134 - البخاري _11/ 320) 81 - كتاب الرقاق، باب حُجبت النار بالشهوات. (1) مسلم (4/ 2174) 51 - كتاب الجنة وصفة نعيمهما. 5135 - مسلم (1/ 536) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصهرا، 27 - باب استحباب تطويل القراءة ... إلخ.

صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركعُ عند المائة، ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة فمضى فقلت: يركع بها ثم افتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها - يقرأ مترسلاً، إذا مر بآية فيها تسبيحٌ سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعذ تعوذ، ثم ركع فجعل يقول: سُبحان ربي العظيم، فكان ركوعه نحواً من قيامه ثم قال: سمع الله لمن حمدهُ ربنا لك الحمد، ثم قام قياماً طويلاً مما ركع، ثم سجد فقال: سبحان ربي الأعلى فكان سجوده قريباً من قيامه". 5136 - * روى الشيخان عن ابن مسعود (رضي الله عنه) قال: "صليتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلةً فأطال القيام حتى هممتُ بأمرٍ سوءٍ، قيل: وما هممت به؟ قال: هممتُ أنْ أجلس وأدعهُ". 5137 - * روى الشيخان عن أنس (رضي الله عنه) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يتبع الميت ثلاثةٌ: أهله وماله وعمله، فيرجع اثنان ويبقى واحد، يرجع أهله وماله، ويبقى عمله". 5138 - * روى البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: الجنةُ أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك". 5139 - * روى مسلم عن أبي فراٍٍ ربيعة بن كعبٍ الأسملي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أهل الصُّفة (رضي الله عنه) قال: كنت أبيت مع رسول الله فأتيته بوضوئه وحاجته فقال: سل فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، فقال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود". 5140 - * (1) روى مسلم عن أبي عبد الله - أبو عبد الرحمن - ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم

_ 5136 - البخاري (3/ 19) 19 - كتاب التهجد، 9 - باب طول القيام في صلاة الليل. مسلم (1/ 537) 6 - كتاب صلاة المسافرين، 27 - باب استحباب تطويل القراءة ... إلخ. 5137 - البخاري (11/ 362) 53 - كتاب الزهد والرقاق، 1 - باب ... ". 5138 - البخاري (11/ 321) 81 - كتاب الرقاق، 29 - باب الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله ... إلخ. 5139 - مسلم (1/ 353) 4 - كتاب الصلاة، 43 - باب فضل السجود والحث عليه. 5140 - مسلم (الموضع السابق نفسه.

قال: سمعت رسول الله يقول: "عليك بكثرة السجود لله، فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجةً، وحط عنك بها خطيئةً". 5141 - * روى الترمذي عن أبي صفوان عبد الله بن بُسر الأسلمي (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خيرُ الناس من طال عمره وحسن عمله". 5142 - *روى الشيخان عن أنس (رضي الله عنه) قال: "غاب عمي أنس بن النضر (رضي الله عنه) عن قتال بدرٍ، فقال يارسول الله صلى الله عليه وسلم: غبتُ عن أول قتالٍ قاتلتَ المشركين، لئن والله اشهدني قتال المشركين؛ ليرين الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد، انكشف المسلمون، فقال: اللهم اعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني أصحابه وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء - يعني المشركين - ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذٍ فقال: يا سعد بن معاذ الجنة ورب الكعبة إني أجد ريحها من دون أحد، قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع، قال أنس: فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربة بالسيف، أو رميةً برمحٍ، أو رميةً بسهم، ووجدناه قد قُتل، ومثل به المشركون؛ فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه، قال أنس: كنا نرى - نظن - أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه من المؤمنين {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} إلى آخرها". 5143 - * روى الشيخان عن أبي مسعود عُقبة بن عمرو الأنصاري البدري (رضي الله عنه) قال: لما نزلت آية الصدة، كنا نحامل على ظهورنا، فجاء رجل فتصدق بشيء كثير، فقالوا: مُراءٍ، وجاء رجلٌ آخرُ فتصدق بصاعٍ، فقالوا: إن الله لغني عن صاع هذا (1)

_ 5141 - الترمذي (4/ 565) 37 - كتاب الزهد، 21 - باب ما جاء في طول العمر للمؤمن. وقال حديث حسن. 5142 - البخاري (6/ 21) 56 - كتاب الجهاد، 12 - باب قوله عز وجل [الأحزاب: 23] ... إلخ. مسلم (3/ 1512) 33 - كتاب الإمارة، 42 - باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله. واللفظ للبخاري. قوله: (ليرين الله) روي بضم الياء وكسر الراء. أي ليظهرن الله ذلك للناس وروى بفتحهما، ومعناه ظاهر، والله أعلم. 5143 - البخاري (3/ 282) 24 - كتاب الزكاة، 10 - باب اتقوا النار ولو بشق تمرةً والقليل من الصدقة. مسلم (2/ 706) 12 - كتاب الزكاة، 21 - باب الحمل أجرة يتصدق بها، ... إلخ. (نُحامل) بضم النون وبالحاء المهملة أي يحمل أحدُنا على ظهره بالأجرةِ ويتصدقُ بها.

فنزلت {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} الآية. 5144 - * روى مسلم عن سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر جُندب بن جُنادة (رضي الله عنه) عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن الله تبارك وتعالى أنه قال: يا عبادي إني حرمتُ الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً؛ فلا تظالموا، يا عبادي: كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي، كلكم جائعٌ إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي: كلكم عارٍ إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكمْ، يا عبادي: إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي: إنكم لن تبلغوا ضُري فتضرني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي: لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكُمْ كانوا على أتقى قلب رجلٍ واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي ل أن أولكم وآخركم إنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجلٍ واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي: لوأن أولكم وآخركم، إنسكم وجنكم، قاموا في صعيد واحدٍ فسألوني فأعطيتُ كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي: إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيارً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه" قال أبو سعيد: كان أبو إدريس إذا حدث بهذا الحديث، جثا على ركبتيه". وروينا عن الإمام أحمد بن حنبل (رحمه الله) قال: ليس لأهل الشام حديث أشرف من هذا الحديث. 5145 - * روى مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بادروا بالأعمال الصالحة؛ فستكن فتنٌ كقطع الليل المظلم؛ يُصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا" (1).

_ 5144 - مسلم (4/ 1994) 45 - كتاب البر والصلة والآداب، 15 - باب تحريم الظلم. 5145 - مسلم (1/ 110) 1 - كتاب الإيمان، 51 - باب الحث على المبادرة بالأعمال قبل تظاهر الفتن.

5146 - * روى البخاري عن أبي سروعة - بكسر السين المهملة وفتحها - عقبة بن الحارث (رضي الله عنه) قال: صليتُ وراء النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة العصر، فسلم ثم قام مسرعاً، فتخطى رقاب الناس إلى بعض حُجر نسائه، ففزع الناس من سرعته، فخرج عليهم فرأى أنهم قد عجبوا من سرعته، قال: ذكرت شيئاً من تبرٍ عندنا، فكرهتُ أن يحبسني، فأمرتُ بقسمته". وفي رواية (1) له: "كنت خلفْتُ في البيت تبراً من الصدقة، فكرهتُ أن أبيته، فقسمته". 5147 - * روى الشيخان عن جابر رضي الله عنه قال: قال رجل للنبي صلى الله عليه سلم يوم أحد: أرأيت إن قُتلت فأين أنا؟ قال: في الجنة، فألقى تمراتٍ كن في يده، ثم قاتل حتى قُتل". 5148 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله!!! أي الصدقة أعظم أجراً؟ قال: "أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان". 5149 - * روى الترمذي عن أبي هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بادروا بالأعمال سبعاً هل تنتظرون إلا فقراً مُنسياً، أو غنى مفسداً، أو هرماً مفنداً، أو موتاً مجهزاً، أو الدجال فشرُ غائبٍ ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمرُّ".

_ 5146 - البخاري (2/ 337) 10 - كتاب الآذان، 158 - باب من صلى بالناس فذكر حاجة فتخطاهم. (1) البخاري (3/ 299) 24 - كتاب الزكاة، 20 - باب من أحب تعجيل الصدقة من يومها. (التبر): قطع ذهب أو فضة. 5147 - البخاري (7/ 354) 64 - كتاب المغازي، 17 - باب غزوة أحد ... إلخ. مسلم (3/ 1509) 33 - كتاب الإمارة، 41 - باب ثبوت الجنة للشهيد. واللفظ للبخاري. 5148 - البخاري (3/ 285) 24 - كتاب الكاة، 11 - باب فضل صدقة الشحيح الصحيح. مسلم (2/ 716) 12 - كتاب الزكاة، 31 - باب بيان أن أفضل الصدقة صدقة الصحيح الشحيح. 5149 - الترمذي (4/ 552) 37 - كتاب الزهد، 3 - باب ما جاء في المبادرة بالعمل، وقال حديث حسن.

5150 - * روى أبو داود عن أبي نجيحٍ العرباض بن ساريةَ (رضي الله عنه)، قال: "وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظةً بليغةً وجلتْ منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله!! كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: "أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن تامَّر عليكم عبدٌ حبشي، ونه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالةٌ". 5151 - * روى مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نام عن حزبه من الليل أو عن شيء منه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كُتب له كأنما قرأه من الليل". 5152 - * روى الشيخان عن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عبد الله لا تكن مثل فلانٍ؛ كان يقوم الليل فترك قيام الليل". 5153 - * روى مسلم عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فاتته الصلاةُ من وجعٍ أو يغره، صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة". 5154 - * روى مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: "لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} الآية: اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بركوا على (1)

_ 5150 - أبو داود (4/ 201) كتاب السنة، باب لزوم السنة. الترمذي (5/ 44) 42 - كتاب العلم، 16 - باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع .. وقال حديث حسن صحيح. (النواجذ) بالذال المعجمة الأنياب، وقيل: الأضراس. 5151 - مسلم (1/ 515) 6 - كتاب صلاة المسافرين، 18 - باب جامع صلاة الليل، ومن نام عنه أو مرض. 5152 - البخاري (3/ 37) 19 - كتاب التهجد، 19 - باب ما يُكره من ترك الليل ... إلخ. مسلم (2/ 814) 13 - كتاب الصوم، 35 - باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به ... إلخ. 5153 - مسلم (1/ 515) 6 - كتاب المسافرين، 18 - باب جامع صلاة الليل. 5154 - مسلم (1/ 115) 1 - كتاب الإيمان، 57 - باب بيان أنه سبحانه وتعالى لم يكلف إلا ما يُطاق.

الرُّكَب، فقالوا أي رسول الله!! كلفنا من الأعمال ما نُطيقُ: الصلاة والجهاد والصيام والصدقة، وقد أنزلت عليك ههذ الآية ولا نطيقها، قال رسول الله صلى الله علي هسلم: تريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا سمعنا وأطعنا غُفرانك ربنا وإليك المصير، فلما اقترأها القوم وذلتْ بها ألسنتم، أنزل الله تعالى في إثرها {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى، فأنزل الله عز وجل {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا (قال نعم) رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ (قال نعم) وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (قال نعم) ". قال الله تعالى: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} (1). قال ابن عباس والمحققون معناه: أو لم نعمركم ستين سنة؟ ويؤيده الحديث الي سنذكره إن شاء الله تعالى، وقيل: معناه ثماني عشرة سنة، وقيل: أربعين سنةً، قاله الحسن والكلبي ومسروق ونُقل عن ابن عباس أيضاً، ونقلوا أن أهل المدينة كانوا إذا بلغ أحدهم أربعين سنة تفرغ للعبادة، وقيل هو البلوغ. وقوله تعالى: {وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} قال ابن عباس والجمهور: هو النبي صلى الله عليه وسلم وقيل: الشيبُ، قاله عكرمة وابن عيينة وغيرهما، والله أعلم. 5155 - * روى البخاري عن أبي هريرة (رضي الله عنه) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعذر الله إلى امريءٍ أخر أجله حتى الستين سنة". قال العلماء معناه: لم يترُكْ له عذراً إذا أمهله هذه المدة، يقال: أعذر الرجل إذا بلغ الغاية في العذر.

_ (1) فاطر: 37. 5155 - البخاري (11/ 238) 81 - كتاب الرقاق، 5 - باب من بلغ ستين سنة .... إلخ.

5156 - * روى البخاري عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: كان عمر رضي الله عنه يدخلني مع أشياخ بدرٍ، فكأن بعضهم ُجد في نفسه، فقال: لمَ يدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنه من حيث علمتمْ، فدعاني ذات يومٍ فأدخلني معهم، فما رأيت أنه دعاني يومئذ إلا ليريهم، قال: ما تقولون في قول الله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}؟. فقال بعضهم: أمرنا نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئاً، فقال لي: أكذلك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له، قال: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وذلك علامة أجلك فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} فقال عمر رضي الله عنه ما أعلمُ منها إلا ما تقولُ. 5157 - * روى الشيخان عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة بعد أن نزلت عليه {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} إلا يقول فيها: سبحانك ربنا ونحمدُك، اللهم اغفر لي". وفي رواية الصحيحين عنها (1) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثرُ أن يقول في ركوعه وسجوده: "سبحانك اللهم ربنا بحمدك، اللهم اغفر لي" يتأول القرآن (سبحانك وبحمدك، استغفركُ وأتوب إليك)، قالت عائشة: قلت: يارسول الله!! ما هذه الكلمات التي أراك أحدثتها تقولها قال: "جُعلت لي علامةٌ في أمتي، إذا رأيتها قلتها {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} إلى آخر السورة".

_ 5156 - البخاري (8/ 734) 65 - كتاب التفسير، 4 - باب قوله (فسبح بحمد ربك واستغفره ...) ... إلخ. (أشياخ بدر): الصحابة الأولون الذين حضروا مع الرسول (صلى الله عليه وسلم) غزوة بدر. (وجد في نفسه): غضب وامتعض. 5157 - البخاري (8/ 733) 65 - كتاب التفسير، 1 - باب .... مسلم (1/ 351) 4 - كتاب الصلاة، 42 - باب ما يقال في الركوع والسجود. (1) البخاري (8/ 733) 65 - كتاب التفسير، 1 - باب ... مسلم (1/ 350) 4 - كتاب الصلاة، 42 - باب ما يقال في الركوع والسجود.

وفي رواية لمسلم (1): "كان رسول الله صلى الله علي هوسلم يُكثرُ من قول "سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه" قالت: يا رسول الله أراك تكثر من قول "سبحان الله وبحمده، وأستغفر الله وأتوب إليه"؟ فقال: "أخبرني ربي أني سأرى علامةً في أمتي؛ فإذا رأيتها أكثرت من قول سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه، فقد رأيتها {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} والفتح فتح مكة - {وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}. 5158 - * روى الشيان عن أنس (رضي الله عنه) قال: - إن الله عز وجل تابع الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته حتى تُوفي أكثر ما كان الوحي. 5159 - * روى مسلم عن جابرٍ (رضي الله عنه) قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يُبعث كلُّ عبدٍ على ما مات عليه".

_ (1) مسلم (1/ 351) 4 - كتاب الصلاة، 42 - باب ما يقال في الركوع والسجود. (يتأول القرآن) ان يعمل ماأمر به في القرآن في قوله تعالى (فسبح بحمد ربك واستغفره). 5158 - البخاري (9/ 3) 66 - كتاب فضائل القرآن، 1 - باب كيف نزل الوحي. مسلم (4/ 2312) 54 - كتاب التفسير. 5159 - مسلم (4/ 2206) 51 - كتاب الجنة، 19 - باب الأمر بحسن الظن بالهل تعالى عند الموت.

الفصل الثاني في الاقتصاد في الأعمال

الفصل الثاني في الاقتصاد في الأعمال

5160 - * روى الشيخان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "دعوني ما تركتكم، إنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم". 5161 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) جاء ثلاثةُ رهطٍ إلى بيت أزواج النبي صلى الله عليه سلم، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالُّوها، قالواك فأين نحنُ من رسول الله صلى الله عليه وسمل، وقد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ قال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبداً، وقال الآخر: وأنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال الآخر: وأنا أعتزل النساء ولا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "أنتم الذين قُلتم كذا وكذا؟ أما والله، إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطرُ، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني". وأخرجه النسائي (1)، وهذا لفظه: أن نفراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعضهم: لا أتزوجُ النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراشٍ، وقال بعضهم: أصومُ ولا أفطر، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "ما بال أقوام يقولون كذا وكذا؟ لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني". قال الحافظ في "الفتح": وفي الحديث دلالة على فضل النكاح والترغيب فيه، وفيه تتبع أحوال الأكابر للتأسي بأفعالهم، وإنه إّا تعذرت معرفته من الرجال جاز استكشافه

_ 5160 - البخاري (13/ 251) 96 - كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، 2 - باب الاقتداء بسنن الرسول صلى الله عليه وسلم. مسمل (4/ 1830) 43 - كتاب الفضائل، 37 - باب توقيره صلى الله عليه وسلم وترك إكثار سؤاله ... إلخ. 5161 - البخاري (9/ 104) 67 - كتاب النكاح، 1 - باب الترغيب في النكاح. مسلم مع اختلاف في اللفظ (2/ 1020) 16 - كتاب النكاح، 1 - باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ... إلخ. (1) النسائي (6/ 60) 26 - كتاب النكاح، 4 - باب النهي عم التبتل. (تقالوه) التقال: تفاعل من القلة، كأنهم استقلوا ذلك لأنفسهم من الفعل، فأرادواأن يُكثروا منه. (رغب عن الشيء) الرغبةُ في الشيء: إيثاره، والميل إليه، والرغبة عنه: تركُه، والصدوف عنه.

من النساء، وأن من عزم على عمل بر واحتاج إلى إظهاره حيث يأمن الرياء لم يكن ذلك ممنوعاً، وفيه تقديم الحمد الثناء على الله عند إلقاء مسائل العلم وبيان الأحكام للمكلفين وإزالة الشبهة عن المجتهدين، وإن المباحات قد تنقلب بالقصد إلى الكراهة والاستحباب. 5162 - * روى الشيخان عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: "صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً فرخص فيه، فتنزه عنه قومٌ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخطب، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ما بال أقوامٍ يتنزهون عن الشيء أصنعه، فوالله إني لأعلمهم بالله، وأشدهم له خشيةً". قال الحافظ في [الفتح: 13/ 128]: وفي الحديث الحث على الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وذم التعمق والتنزه عن المباح، وحسن العشرة عند الموعظة والإنكار والتلطف في ذلك. 5163 - * روى أبو داود عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن مظعن: "أرغبةٌ عن سُنتي؟ " فقال: لا، والله يا رسول الله، ولكن سنتك أطلبُ، قال: "فإني أنام، وأصلي، وأصومُ، وأفطرُ، وأنكح النساء، فاتق الله يا عثمان، فإن لأهلك عليك حقاً، وإن لنفسك عليك حقاً، فصُمْ وأفطِرْ، وصلِّ ونمْ". ووجدت في كتاب رزين زيادةً لم أجدها في الأصول، وهي: قالت عائشة: وكان حلف أن يقوم الليل كله، ويصوم النهار، ولا ينكح النساء، فسأل عن يمينه، فنزل {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} (1). وفي رواية أنه هو الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما نواه، قبل أن يعزم، وهو أصحُّ. ووجدت له فيه عن عائشة (2) قالت: كان رسول الله صلى الله عيه وسلم إذا أمرهُم، أمرهُم منَ

_ 5162 - البخاري (13/ 276) 96 - كتاب الإعتصام بالكتاب والسنة، 5 - باب ما يكره من التعمق والتنازع ... إلخ. مسلم (4/ 1829) 43 - كتاب الفضائل، 35 - باب علمه صلى الله عليه وسلم بالله تعالى .... إلخ. (فتنزه) التنزه: التباعد عن الشيء، أي: أنهم تركوه ولم يعملوا به، ولا اقتدوابرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه. 5163 - أبو داو (2/ 48) كتاب الصلاة، باب ما يؤم من القصد في الصلاة. (1) البقرة: 225. (2) البخاري (1/ 70) 2 - كتاب الإيمان، 13 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "أنا أعلمكم بالله" ... إلخ.

العمل بما يُطيقون، قالوا: لسنا كهيئتك، إن الله عز وجل قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فيغضب، حتى يُعرف الغضب في وجهه، ثم يقول: "إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا". للعلماء في المراد باللغو هاهنا خمسة أقوال: أحدها: أن يحلف على الشيء يظن أنه كما حلف، ثم يتبين له أنه بخلافه، وإلى هذا المعنى ذهب أبو هريرة وابن عباس والحسن وعطاء والشعبي وابن جبير ومجاهد وقتادة والسدي عن أشياخه، ومالك ومقاتل. والثاني: أنه قول الرجل: لا والله، وبلى والله من غير قصد لعقد اليمين، وهو قول عائشة وطاوس وعروة والنخعي والشافعي. واثالث: أنه يمين الرجل وهو غضبان، رواه طاوس عن ابن عباس. والرابع: أنه حلف الرجل على معصية فليحنث وليكفر ولا إثم عليه قاله سعيد بن جبير. والخامس: أن يحلف الرجل على شيء ثم ينساه، قاله النخعي. انظر [زاد المسير: 1/ 254، 355] لابن الجوزي بتحقيق زهير الشاويش مع الأستاذ شعيب الأرناؤوط. قال الحافظ في "الفتح": وفي هذا الحديث فوائد. الأولى: إن الأعمال الصالحة ترقى صاحبها إلى المراتب السنية من رفع الدرجات ومحو الخطيئات، لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليهم استدلالهم، ولاتعليلهم من هذه الجهة، بل من الجهة الأخرى. الثانية: أن العبد إذا بلغ الغاية في العبادة وثمراتها، كان ذلك أدعى له إلى المواظبة عليها استبقاء للنعمة، واستزادة لها بالشكر عليها. الثالثة: الوقوف عند ما حدد الشارع من عزيمة ورخصة، واعتقاد أن الأخذ بالأرفق الموافق للشرع أولى من الأشق المخالف له. الرابعة: أن الأولى من العبادة القصد لا المبالغة المفضية إلى الترك.

الخامسة: التنبيه على شدة رغبة الصحابة في العبادة وطلبهم الازدياد من الخير. السادسة: مشروعية الغضب عند مخالفة الأمر الشرعي، والإنكار على الحاذق المتأهل لفهم المعنى إذا قصر في الفهم تحريضاً له على التيقظ. السابعة: جواز تحدث المرء بما فيه من الفضل بحسب الحاجة لذلك عند الأمن من المباهاة والتعاظم. الثامنة: بيان أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم الكمال الإنساني، لأنه منحصر في الحكمتين العلمية والعملية، وقد أشار إلى الأولى بقوله: "أعلمكم" وإلى الثانية بقوله: "أتقاكم". 5164 - * روى البخاري عن أبي جُحيفة: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء مُبتذلة فقال لها: ما شأنكُ؟ فقالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاماً فقال: كل فإني صائم، قال: ما أنا بآكلٍ حتى تأكل، فأكل فلما كان الليلُّ ذهب أبو الدرداء يقوم فقال: نم ثم ذهب يقوم فقال: نمْ، فلما كان منآخر الليل قال سلمان: قم الآن، فصليا فقال له سلمان: إن لربك عليك حقاً وإن لنفسك عليك حقاً وإن لأهلك عليك حقاً فأعط كل ذي حق حقه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال: "صدق سلمانُ". 5165 - * روى البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) قال: أُخبرَ رسول الله صلى الهل عليه وسلم: أني أقول: والله لأصُمن النهار، ولأقومن الليل ما عشت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنت الذي تقول ذلك؟ " فقلت له: قد قلته، بأبي أنت وأمي يا رسول الله، قال: "فإنك لا تستطيع ذلك، فصُم وأفطر، ونم، وقم، وصم من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر"، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: "فصم يوماً وأفطر يومين"، قلت: فإني أطيق أفضل من ذلك، قال: "فصم يوماً وأفطر يوماً، فذلك صيام داود عليه السلام، وهو أعدل الصيام"- وفي رواية: أفضل الصيام - قلت: فإني أطيق أفضل من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا أفضل من ذلك" (1).

_ 5164 - البخاري (4/ 209) 30 - كتاب الصوم، 51 - باب من أقسم على أخيه ليُفطر في التطوع. الترمذي (4/ 608) 37 - كتاب الزهد، 63 - باب. وزاد الترمذي: ولضيفك عليك حقاً. 5165 - البخاري (6/ 453) 60 - كتاب أحاديث الأنبياء، 37 - باب قوله تعالى [النساء: 162 ...] إلخ.

زاد في رواية (1)، قال عبد الله بن عمرو، لأن أكون قبلتُ الثلاثة الأيام التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحبُّ إليَّ من أهلي ومالي". وفي رواية أخرى (2): قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألم أخبرْ أنك تصومُ النهار، وتقوم الليل؟، قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: "فلا تفعل، صم وأفطر، ونم وقم، فإن لجسدك عليك حقاً، وإن لعينك عليك حقاً، إن لزوجك عليك حقاً، وإن لزورك عليك حقاً، وإن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام، فإن لك بكل حسنةٍ عشر أمثالها، فإذا ذلك صيامُ الدهر". فشددت فشدد عليَّ، قلتُ: يا رسول الله: إني أجدُ قوةً، قال: "صُمْ صيام نبي الله داود عليه السلام، لا تزد عليه". قلت: وما كان صيام داود؟ قال: "نصف الدهر"، فكان عبد الله يقول بعد ما كبر: يا لتني قبلتُ رخصة النبي صلى الله عليه وسلم. وفي أخرى (3) قال: "ألم أخبرْ أنك تصوم الدهر، وتقرأ القرآن كل ليلة؟ " فقلت: بلى، يا نبي الله، ولم أردْ بذلك إلا الخير، وفيه قال: "فصم صوم داود، فإنه كان أعبد الناس"- وفيه قال-: "واقرأ القرآن في كل شهرٍ"، قال: قلت: يا نبي اله، إني أطيق أفضل من ذلك، قال: "فاقرأهُ في كل عشرين"، قال: فقلت: يا نبي الله، إني أطيق أفضل من ذلك، قال: "فاقرأه في عشرٍ"، قلت: يا نبي الله، إني أطيقُ أفضل من ذلك، قال: "فاقرأه في سبعٍ، لا تزد على ذلك".قال: فشددتُ فشُدِّد عليَّ، وقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "إنك لا تدري لعلك يطول بك عمرٌ"، قال: فصرتُ إلى الذي قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كبرتُ وددتُ أني كنتُ قبلتُ رخصة نبي الله صلى الله عليه وسلم. زاد مسلم ": فإن لولدك عليك حقاً". وفي أخرى (4): قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنك لتصوم النهار، وتقوم الليل؟ " قلت:

_ (1) مسلم (2/ 812) 13 - كتاب الصيام، 35 - باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به ... إلخ. (2) البخاري (10/ 531) 78 - كتاب الأدب، 84 - باب حق الضيف. (3) مسلم (2/ 813) 13 - كتاب الصيام، 35 - باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به ... إلخ. (4) النسائي (4/ 213) 22 - كتاب الصيام، 78 - صوم عشرة أيام من الشهر واختلاف ألفاظ الناقلين لخبر عبد الله بن عمرو فيه.

نعم، قال: "إذا فعلت ذلك هجمت له العينُ، ونفهت له النفسُ، لا صام من صام الأبد، صومُ ثلاث أيامٍ صوم الدهر كله". قلت: فإني أطيق أكثر من ذلك، قال: فصم صوم داود، كان يصومُ يوماً ويُفطر يوماً، ولا يفرُّ إذا لاقى". وزاد في رواية (1): من لي بهذه يا نبي الله؟ ". وفي رواية نحوه (2)، وفيه "وصُم من كل عشرةِ أيام يوماً، ولك أجر تسعةٍ" - وفيه- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا صام من صام الأبد" ثلاثاً. قال البخاري (3): قال عبد الله بن عمرو: أنكحني أبي امرأةٌ ذات حسبٍ، وكان يتعاهدُ كنتهُ، فيسألها عن بعلها، فتقول له: نعم الرجل من رجلٍ لم يطأ لنا فراشاً، ولم يُفتش لنا كنفاً مُذ أتيناه، فلما طال ذلك عليه، ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "ألقني به". فلقيته بعد، فقال "كيف تصومُ؟ " قلت: كل يومٍ. قال: "وكيف تختمُ؟ " قلت: كل ليلةٍ، فقال: "صُم كل شهرٍ ثلاثة أيامٍ، واقرأ القرآن في كل شهرٍ". قال: قلت: فإني أطيقُ أكثر من ذلك، قال: "صُم ثلاثة أيامٍ في الجمعة". قال: قلتُ: أطيقُ أكثر من ذلكن قال: "أفطر يومين وصُمْ يوماص". قال: قلت: أطيقُ أكثر من ذلك، قال: "صُم أفضل الصوم، صوم داود: صيام يومٍ. وإفطار يومٍ، واقرأ في كل سبع ليالٍ مرةً". قال: فليتني قبلتُ رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أني كبرتُ وضعُفْتُ، وكان يقرأ على بعض أهله السبع من القرآن بالنهار، والذي يقرؤه يعرضه من الليل، ليكون أخفَّ عليه بالليل، وإذا أراد أن يتقوى أفطر أياماً، وأحصى وصام مثلهن كراهية أن يترك شيئاً فارق عليه النبي صلى الله عليه وسلم. ورواية النسائي (4) قال:: زوجني أبي امرأةْ، فجاء يزورنا، فقال: كيف ترين بعلكِ؟ قالت: نعم الرجل، لا ينام الليل، ولا يفطر النهار، فوقع بي وقال: زوجتك امرأةً من المسلمين، فعضلتها، قال: فجعلتُ لا ألتفت إلى قوله، مما عندي من القُوةِ

_ (1) النسائي (4/ 215) نفس الموضع السابق. (2) النسائي (4/ 215) نفس الموضع السابق. وألفاظهم جميعم متقاربة باتفاق المعنى. (3) البخاري (9/ 94) 66 - كتاب فضائل القرآن، 34 - باب في كم يُقرأ القرآن ... إلخ. (4) النسائي (4/ 210) 22 - كتاب الصيام، 76 - صوم يوم وإفطار يوم ... إلخ؟

والاجتهاد، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: "لكني أنا أقومُ وأنامُ، وأصومُ وأفطرُ، فقمْ ونم، وصم وأفطر" - وكر الصوم نحو ماتقدم، وقال: "اقرإ القرآن في شهرٍ"، ثم انتهى إلى خمس عشرة، وأنا أقول: أنا أقوى من ذلك. وأخرج الترمذي (1) طرفاً من هذه الروايات، وهو قوله: "أفضلُ الصوم صومُ أخي داود، كان يُصوم يوماً ويُفطرُ يوماً، ولا يفرُّ إذا لاقى". ولقلةِ ما أخرج منه لم نُعْلِمْ عليه علامته. وقد أخرج البخاري (2) ومسلم (3) وأبو داود (4) والنسائي (5) هذا الحديث مختصراً

_ (1) الترمذي (3/ 140) 6 - كتاب الصوم، 57 - باب ما جاء في سرد الصوم. (2) البخاري (6/ 455) 60 - كتاب أحاديث الأنباء، 38 - باب أحب الصلاة إلى الله ... إلخ. (3) مسلم (2/ 816) 13 - كتاب الصيام، 35 - باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به ... إلخ. (4) أبو دود (2/ 327) كتاب الصوم، باب في صوم يوم وفطر يوم. (5) النسائي (3/ 214) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 14 - ذكر صلاة بني الله داود عليه السلام بالليل. (بحسبك) أحسبه هذا الأمر يحسبه: إذا كفاه. (هجمت العين): إذا غارت ودخلت في نُقرتها من الضعف والمرض. (نفهت) النفس: إذا أعيت وكلت. (ذات حسب) الحسبُ: ما يعده الرجل من مفاخر آبائه، ويقال: حسبه: دينه، ويقال: ماله وقيل: الحسب يكون في الرجل ون لم يكن له آباء لهم شرف. (كنته) الكنةُ: امرأة الابن أو الأخ. (بعلها) بعل المرأة: زوجها. (كنفاً) لم يفتش لنا كنفاً. الكنف: الجانب، أرادت: أنه لم يقر بها، ولم يستعلم لها حالات خفيت عنه. (فوقع بي) وقع بي فلان: إذا لامك وعنفك، أماوقعت فيه، فهو من الوقيعة، وهي الغيبة. (فعضلتها) العضل: المنع، والمراد: أنك لم تعاملها معاملة الأزواج لنسائهم ولاتركتها بنفسها لتتزوج، وتتصرف في نفسها كما تريد. الباء في "بحسبك" زائدة، ومعناه أن صوم الثلاثة الأيام من كل شهر كافيك. (لا يفر) أي: إذا لاقى العدو، أي: لا يهرب من قتال الكفار. (من لي) أي: من يكفل لي بهذه الخصلة التي لداود عليه السلام، لاسيما عدم الفرار والصبر والثبات عند لقاء العدو. (الزور): الزائرون، يقال: رجل زائر، وقوم زور، وزوار مثل مسافر وسفر وسفار، ونسوة زور أيضاً، وزور - مثل نوم ونوح 0 زائرات صحاح. "فإذا ذلك" روى "إذاً" بالتنوين، وبلفظ "إذا" التي للمفاجأة.

جامعاً، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أحبَّ الصيام إلى الله: صيامُ داود، وأحبَّ الصلاة إلى الله: صلاةُ داود، كان ينامُ نصف الليل، ويقوم ثلثهُ، وينام سدسه، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً". 5166 - * روى الشيخان عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: كان للنبي صلى الله عليه وسلم حصيرٌ، وكان يُحجرُهُ بالليل، فيُصلي فيه، ويبسطه بالنهار، فيجلسُ عليه، فجعل الناسُ يثوبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يصلون بصلاته، حتى كثروا، فأقبل، فقال: "يا أيها الناس، خذوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يملُّ حتى تملَّوا، وإن أحبَّ الأعمال إلى الله ما دام، وإنْ قلَّ". زاد في رواية (1): وكان آل محمد إذا عملُوا عملاً أثبتوه". وفي رواية (2) قال: إن رسول الله صلى سُئلَ، أيُّ العمل أحبُّ إلى الله؟ قال: "أدومُهُ وإن قلَّ". زاد في رواية (3) "واكلفُوا من العمل ما تطيقون". وفي رواية (4) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سددُوا وقاربوا، واعلموا أنه لن يدخل أحدكم عمله الجنةَ، وأن أحب الأعمال إلى الله أدومُها وإن قلَّ". زاد في أخرى (5) "وأبشروا، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: "ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله بمغفرةٍ ورحمةٍ". وللبخاري والموطأ (6)، قالت: "كان أحبُّ الأعمال إلى الله الذي يدومُ عليه صاحبه".

_ 5166 - مسلم (1/ 540) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 30 - باب فضيلة العمل الدائم ... إلخ. (1) مسلم (نفس الموضع السابق). (2) مسلم (نفس الموضع السابق). (3) البخاري (11/ 294) 81 - كتاب الرقاق، 18 - باب القصد والمداومة على العمل. (4) نفس الموضع السابق. (5) نفس الموضع السابق. (6) البخاري نفس الموضع السابق. الموطأ (1/ 174) 9 - كتاب قصر الصالة في السفر، 24 - باب جامع الصلاة.

ولمسلم (1): "كان أحبُّ الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ". وكانت عائشة إذا عملت العمل لزمتْهُ. وفي رواية الترمذي (2): "كان أحبُّ العمل إلى رسول الله صلى الله ما ديم عليه". وفي أخرى له (3) قال: "سئلتْ عائشة وأم سلمة: أيُّ العمل كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالتا: ما ديم عليه وإن قلَّ". وفي رواية أبي داود (4): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب العمل إلى الله أدومُهُ وإن قل، وكان إذا عمل عملاً أثبته". وفي أخرى له (5) قال علقمة: "سألت عائشة: كيف كان عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل كان يخص شيئاً من الأيام؟ قالت: لا، كان عمل ديمةٌ، أيكم يستطيع ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستطيع؟ ". وي رواية النسائي (6) "قالت: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حصيرةٌ يبسطها، ويحتجرها بالليل، فيُصلي فيها، ففطن له الناس، فصلوا بصلاته، وبينهم وبينه الحصيرة، فقال: اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله تبارك وتعالى لا يمل حتى تملُّوا، فإن

_ (1) مسلم (1/ 541) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 30 - باب فضيلة العمل الدائم ... إلخ. (2) الترمذي (5/ 142) 44 - كتاب الأدب، 73 - باب ... (3) نفس الموضع السابق. (4) أبو داود (2/ 48) كتاب الصلاة، باب ما يؤمر به من القصد في الصلاة. (5) البخاري (11/ 294) 81 - كتاب الرقاق، 18 - باب القصد والمداومة على العمل. (6) النسائي (2/ 68) 9 - كتاب القبلة، 13 - المصلي يكون بينه وبين الإمام سندة. (يحجرُهُ) حجرهُ يحجرُهُ، أي: يتخذه حخجرة وناحية ينفرد عليه فيها. (يثوبون) أي: يرجعون إليه، ويجتمعون عنده. (لا يمل حتى تملوا) المراد بهذا الحديث: أن الله لا يمل أبداً، مللتم أو لم تملوا، فجرى مجرى قولهم: لا أفعله حتى يشيب الغرابُ، ويبيض القارُ. وقيل معناه: إن الله لا يطرحكم حتى تتركوا العمل له، وتزدهوا في الرغبة إليه، فسمى مللاً، وكلاهما ليس بمللٍ، كعادة العرب في وضع الفعل إذا وافق معناه نحو قوله: ثم أضحوا لعب الدهرُ بهم ... وكذاك الدهر يودي بالرجال =

أحبَّ العمل إلى الله أدومُهُ، وإن قل، ثم ترك مصلاه ذلك، فما عاد له حتى قبضهُ الله عز وجل، وكان إذا عمل عملاً أثبته" (1).

_ = فجعل إهلاكه إياهم لعباً. وقيل معناه: إن الله لا يقطعُ عنكم فضلهُ، حتى تملوا سؤاله، فسمى فعل الله مللاً، وليس بملل، على جهة الازدواج، كقوله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه) وقوله: (وجزاء سيئة سيئةٌ مثلها) وهذا شائع في العربية، وكثيرٌ في القرآن. قال الحافظ في [فتح الباري 1/ 94] هو بفتح الميم في الموضعين، والملال: استثقال الشيء، ونفور النفس عنه بعد محبته، وهو محال على الله تعالى باتفاق وقال الإسماعيلي، وجماعة من المحققين: إنما أطلق هذا على جهة المقابلة اللفظية مجازاً، كماق ال تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) [الشورى: 40] ونظائرها، قال القرطبي: وجه مجازه: أنه تعالى لما كان يقطع ثوابه عمن قطع العمل مللاً، عبر عن ذلك بالملال، من باب تسمية الشيء باسم سببه. وقال الهروي: معناه: لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله، فتزهدوا في الرغبة إليه، وقال غيره معناه: لا يتناهى حقه عليكم في الطاعة حتى يتناهى جهدكم. وهذا كله بناء على أن "حتى" على بابها في انتهاء وما يترتب عليها من المفهوم. وجنح بعضهم إلى تأويلها، فقيل: معناه: لا يمل الله إذا مللتم، وهو مستعمل في كلام العرب، يقولون: لا أفعل كذا حتى يبيض القار، وحتى يشيب الغراب، ومن قولهم في البليغ: لا ينقطع حتى ينقطع خصومه، لأنه لو انقطع حين ينقطعون لم يكن له عليهم مزية، وهذا المثال أشبه من الذي قبله، لأن شيب الغراب ليس ممكناً عادة، بخلاف الملل من العابد. وقال المازري: قيل: إن "حتى" بمعنى "حين" والأول أليق، وأجرى على القواعد، وأنه من باب المقابلة اللفظية. ويؤيده: ما وقع في بعض طرق حديث عائشة رضي الله عنها بلفظ "اكلفوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل" لكن في إسناده موسى بن عبيدة، وهو ضعيف. وقال ابن حبان في "صحيحه": هذا من ألفاظ التعارف، التي لا يتهيأ للمخاطب أن يعرف القصد مما يخاطب به إلا بها، وهذا رأيه في جميع المتشابه. (سددوا) اقصدوا السداد من الأمر، وهو الصواب. (وقاربوا) اطلبوا القاربة، ويه القصد في الأمر الذي لا غلو فيه ولا تقصير. (يتغمدني) تغمده الله برحمته: إذا غفر له ورحمهُ، وأصله: كأنه جعل رحمته له غمداً ستره بها وغشاه. (اكلفُوا) كلفتُ بهذا الأمر، أكلفُ به: إذا ألعت به، وكلفه تكليفاً: إذا أمره بما شق عليه، والمتكلفُ: المتعرضُ لما لا يعنيه، وتكلفتُ الشيء: تجشمته. (ديمة) الديمةُ: المطر الدائم في سكون، شبهتْ عمله في دوامه مع الاقتصاد بديمة المطر.

5167 - * روى مسلم عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يدخل أحداً منكم عمله الجنة، ولا يجيرهُ من النار، ولا أنا، إلا برحمة الله عز وجل". وفي رواية (1) قال: "قاربوا وسددوا، واعلموا أنه لن ينجو منكم أحدٌ بعمله. قالوا: يا رسول الله، ولا أنت؟ قال: "ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمةٍ من وفضلٍ". 5168 - * روى البخاري عن أبي هريرة نحو ذلك. وفيه: "سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشيئاً من الدلجة والقصد القصد تبلغُوا". 5169 - * روى البخاري عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن يُدخل أحداً منكم عمله الجنة". قالوا: ولا أنت؟ قال: "ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله منه بفضلٍ ورحمةٍ". وزاد مسلم (2) "ولكن سددوا" في بعض طرقه. وفي أخرى مسلم (3). قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قاربوا وسددوا، واعلموا أنه لن ينجي أحداً منكم عمله". قالوا: ولا أنت؟ قال: "ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمةٍ منه وفضلٍ". وللبخاري (4) مثلها، إلى قوله "برحمةٍ" وزاد "سددُوا وقاربُوا، واغدُوا ورحُوا، وشيئاً من الدلجة والقصد القصد تبلغُوا". وفي أخرى للبخاري (5) وللنسائي (6) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا الدينَ

_ 5167 - مسلم (4/ 2170) 50 - كتاب صفات المنافقين، 17 - باب لن يدخل أحد الجنة بعمله ... إلخ. (1) مسلم (نفس الموضع السابق). (يجيره) الإجارة: الإعانة والنصرة. 5168 - البخاري (11/ 294) 81 - كتاب الرقاق، 18 - باب القصد والمداومة على العمل. 5169 - البخاري (10/ 127) 75 - كتبا المرض، 19 - باب تمني المريض الموت. (2) مسلم (4/ 2169) 50 - كتاب صفات المنافقين، 17 - باب لن يدخل الجنة بعلمه. (3) مسلم (4/ 2170) نفس الموضع السابق. (4) البخاري (11/ 294) 81 - كتاب الرفاق، 18 - باب القصد والمداومة على العمل. (5) البخاري (1/ 93) 2 - كتاب الإيمان، 29 - باب الدينُ يُسر ... إلخ. (6) النسائي (8/ 121) 47 - كتبا الإيمان، 28 - باب الدين يسر.

يُسر، ولن يُشاد الدين أحدٌ إلا غلبه، فسددوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة، وشيءٍ من الدلجة". وقد أجاب ابن الجوزي رحمه الله، كما نقله ابن حجر عنه في [الفتح: 11/ 253] عن الجمع بين هذا الحديث وقوله تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، بأربعة أجوبة: الأول: أن التوفيق للعمل من رحمة الله ولولا رحمة الله السابقة ما حصل الإيمان ولا الطاعة التي يحصل بها النجاة. الثاني: أن منافع العبد لسيده، فعمله مستحق لمولاه، فمهما أنعم عليه من الجزاء فهو من فضله. الثالث: جاء في بعض الأحاديث أن نفس دخول الجنة برحمة الله، واقتسام الدرجات بالأعمال. الرابع: أن أعمال الطاعات كانت في زمن يسير، والثواب لا ينفد، فالأنعام الي لا ينفد في جزاء ما ينفد بالفضل لا بمقابلة الأعمال. وقال ابن القيم في "مفتاح دار السعادة": الباء المقتضية للدخول غير الباء النافية، فالأولى: السببية الدالة على أن الأعمال سبب الدخول المقتضية له كاقتضاء سائر الأسباب لمسبباتها. والثانية: ياء المعارضة نحو اشتريت منه بكذا، فأخبر أن دخول الجنة ليس في مقابلة عمل أحد، وأنه لولا رحمة الله لعبده لما أدخله الجنة، لأن العمل بمجرده لو تناهى لا يوجب بمجرده دخول الجنة، ولا أن يكون عوضاً لا لأنه ولو وقع على الوجه الذي يحبه الله لا يقاوم نعمة الله، بل جميع العمل لا يوازي نعمة واحدة، فتبقى سائر نعمه مقتضية لشكره وهو لم يوفها حق شكرها (1).

_ = (واغدُوا) الغدو: الخروج بكرةً. (وروحوا) الرواح؛: العود عشيا، والمراد: اعلموا أطراف النهار وقتاً وقتاً. (الدلجة) سير الليل، والمراد به: العمل في الليل، وقوله "وشيئاً من الدلة" إشارة إلى تقليله. (والقصد): العدل في الفعل والقول، والوسط بين الطرفين. (يشاد) المشادة: مفاعلة من الشدة، أي: لن يُغالب، ولن يقاوي أحدٌ الدين إلا غلبه.

5170 - * روى الشيخان عن أنس بن مالك (رضي الل عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا". وفي رواية (1): "زسكنوا ولا تنفروا". 5171 - * روى البخاري عن أنس بن مالك (رضي الله عنه): قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، فإذا حبلٌ ممدودٌ بين الساريتين، فقال: ما هذا الحبلُ؟ قالوا: حبل لزينب، فإذا فترت تعلقت به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا، حُلوهُ، ليُصلِّ أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليقعد". وفي رواية أبي داود (2) "ما هذا الحبلُ"؟ فقيل: يا رسول الله، حمنةُ بنتُ جحش تصلي، فإذا أعيتْ تعلقتْ بهن فقال: "حُلوهُ، لتصلي ماأطاقت، فإذا أعيت فلتجلس". وفي رواية له (3) قالوا: زينبُ تصلي، فإذا كسلتْ، أو فترت أمسكت به، فقال: "حُلوه، ليُصل أحدكم نشاطه، فإذا كسل أو فتر فليقعد". 5172 - *روى البخاري عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: كانت عندي امرأة من

_ 5170 - البخاري (13/ 162) 93 - كتاب الأحكام، 22 - باب أمر الوالي إذا وجه أميرين ... إلخ. مسلم (3/ 1359) 32 - كتاب الجهاد والسير، 3 - باب في الأمر بالتيسير وترك التنفير. (1) البخاري (10/ 524) 78 - كتاب الأدب، 80 - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "يسرو ولا تعسروا". مسلم (3/ 1359) نفس الموضع السابق. (التيسير) ضد التعسير، أراد به: التسهيل في الدين، وترك التشديد. 5171 - البخاري (3/ 36) 19 - كتاب التهجد، 18 - باب ما يُكره من التشديد في العبادة. النسائي (3/ 218) 20 - كتاب قيام الليل، 17 - الاختلاف على عائشة في إحياء الليل. (2) أبو داود (2/ 33) كتاب الصلاة، باب النعاس في الصلاة. (3) أبو داود (نفس الموضع السابق). (فترتْ) الفتور: ضد النشاط والخفة. (أعيت) الإعياء: التعب. 5172 - البخاري (1/ 100) 2 - كتاب الأيمان، 32 - باب من أحبُّ الدين إلى الله أدومُه. مسلم (1/ 542) 6 - كتاب المسافرين، 31 - باب أمر من نعس في صلاته ... إلخ. النسائي (3/ 218) 20 - كتاب قيام الليل، 17 - الاختلاف على عائشة في إحياء الليل.

بنى أسدٍ، فدخل عليِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "من هذه؟ " قلت: فلانة، لا تنام من الليل، تذكرُ من صلاتها، قال: "مه، عليكم من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وكان أحبُّ الدين ما داوم عليه صاحبه". وفي أخرى لمسلم (1): أن الحولاء بنت تويتٍ مرتْ بها، وعندها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: هذه الحولاءُ بنتُ تويتٍ، وزعموا أنها لا تنام الليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تنام الليل؟! خُذوا من العمل ما تطيقون، فوالله لا يسأمُ الله حتى تسأموا". وأخرجه الموطأ (2) مرسلاً عن إسماعيل بن أبي حكيم، أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع امرأةً من الليل تًلي، فقال: "من هذه؟ قيل: الحولاء بنت تويتٍ لا تنام الليل، فكره ذلك، حتى عُرفت الكراهية في وجهه، ثم قال: "إن الله لا يمل حتى تملوا، أكلفوا من العمل ما لكم به طاقةٌ". 5173 - * روى الترمذي عن أبي هريرة (رضي الله عنه): أن رسول الله صلى الله علي هوسلم قال: "إن لكل شيءٍ شرةٌ، ولكلِّ شرةٍ فترةٌ، فنْ صاحبها سدد وقارب فارجوهُ، وإن أشير إليه بالأصابع فلا تعُدُّوه".

_ (1) مسلم (1/ 542) نفس الموضع السابق. (2) الموطأ (1/ 118) 7 - كتاب صلاة الليل، 1 - باب ما جاء في صلاة الليل. (مهْ) بمعنى: اسكت. (لا يسأم) السآمةُ: الضجر والملل، والمعنى مثله في قوله: "لا يمل حتى تملوا". 5173 - الترمذي (4/ 635) 38 - كتاب صفة القيامة، 21 - باب منه ... إلخ. (شرةٌ) الشرةُ: النشاط، ويقال: شرةُ الشباب: أوله. قال القاضي: الشرة بكسر الشين والتشديد: الحرص على لاشيء والنشاط فيه، و"صاحبها" فاعل دل عليه ما بعده، ونظيره قوله تعالى: (وإن أحد من المشركين استجارك). والمعنى: أن من قصد في الأمور، وسلك الطريق المستقيم، واجتنب جانبي إفراط الشرة، وتفريط الفترة، فارجوه، ولا تلتفوا إلى شهرته فيما بين الناس، واعتقادهم فيه. وقال الطيبي: ذهب إلى أن "إن" الشرطية الثانية من تتمة الأولى، فلعل الظاهر أن تكون مثلها في الاستقلال، فيكون تفصيلاً لذلك المجمل، فن قوله: "لكل شيء شره .. إلخ" معناه: أن لكل شيء من الأعمال الظاهرة، والأخلاق الباطنة طرفين، إفراطاً وتفريطاً، فالمحمود هو القصد بينهما، فإن رأيتم أحداص يسلك سبيل القصد، =

5174 - * روى الشيخان عن عائشة (رضي الله عنها) أن رسول الله صلى لله عليه وسلم قال: "إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد؛ حتى يذهب عنه النوم؛ فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعسٌ لا يدري لعلةُ يذهب يستغفر فسيب نفسه". 5175 - * روى مسلم عن أبي عبد الله جابر بن سمرة (رضي الله عنهما) قال: "كنت أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات فكانتْ صلاته قصداً، وخطبتهُ قصْداً". 5176 - * روى مسلم عن أبي ربعي حنظلة بن ربعي الأسيدي الكاتب، أحد كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لقيني أبو بكر رضي الله عنه فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قلت: نافق حنظلةُ، قال: سبحان الله!! ما تقول؟ قلت: نكونُ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنة والنار، كأن رأى عينٍ، فإذا خرجنا من عند رسول الله عافسْنَا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيراً، قال أبو بكر (رضي الله عنه) فوالله إنا لنلقى مثلَ هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسو لالله صلى الله عليه وسلم: وما ذاك؟ يا رسول الله نكون عندك تُذكرنا بالنار والجنمة كأنا رأى العين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيراً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده أن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكْر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكمْ، ولكن يا حنظلة ساعةً وساعةً، ثلاث مرات" (1).

_ = فأرجوه أن يكون من الفائزين، ولا تقطعوا له، فإن الله هو الذي يتولى السرائر، وإن رأيتموه يسلك سبيل الإفراط والغلو حتى يشار إليه بالأصابع، فلا تبتوا القول فيه بأنه من الخائبين، فإن الله هو الذي يطلع على الضمائر. 5174 - البخاري (1/ 313) 4 - كتاب الوضوء، 53 - باب الوضوء من النوم ... إلخ. مسلم (1/ 542) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 31 - باب أمر من نعس في صلاته ... إلخ. 5175 - مسلم (2/ 591) 7 - كتاب الجمعة، 13 - باب تخفيف الصلاة والخطبة. قوله: (قصداً) أي بين الطول والقصر. 5176 - مسلم (4/ 2106) 49 - كتاب التوبة، 3 - باب فضل دوام الذكر والفكر في أمور الآخرة ... إلخ. قوله: (ربعي) بكسر الراء، و (الأسيدي) بضم الهمزة وفتح السين وبعدها ياء مشددة مكسورة، وقوله (عافسنا) هو بالعين والسين المهملتين أي عالجنا ولاعبنا، و (الضيعات) المعايش.

5177 - * روى مسلم عن أبي ذر الغفاري (رضي الله عنه) قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم "يقول الله عز وجل: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، أو أزيدُ، ومن جاء بالسيئة، فجزاؤه سيئةٌ مثلها، أو أغفرُ، ومن تقرب مني شبراً، تقربت منه ذراعاً، ومن تقرب مني ذراعاً، تقربتُ منه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولةً، ومن لقيني بقُراب الأرض خطيئةً لا يشركُ بي شيئاً، لقيتُه بمثلها مغفرةً" (1).

_ 5177 - مسلم (4/ 2068) 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، 6 - باب فضل الذكر والدعاء والتقرب إلى الله تعالى. (بقراب الأرض) قراب الأرض: هوما يقارب ملأها.

خاتمة

خاتمة بنهاية جزء الجهاد وما يتعلق به نكون قد أتممنا بحمد الله تعالى القسم الثالث من الأساس في السُّنة: قسم العبادات؛ الذي نرجو من الله العلي القدير أن يسد به ثغرة في ميدان الدعوة، وأن ينفع به، وأن يجعله في ميزان حسناتنا يوم الدين. ويليه بعون الله تعالى القسم الرابع من الأساس في السنة: قسم (الأخلاقيات وأحكام الحياتيات والعاديات). آملين من الله عز وجل، أن يسدد خطانا في سبيل إتمام وإصدار تلك الموسوعة المباركة: موسوعة الأساس في المنهج. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، اللهم اهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت وتولنا فيمن توليت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، والحمد لله في الأولى والآخرة. الناشر

§1/1