الأرض المقدسة في ضوء الكتاب والسنة

حسن أبو الأشبال الزهيري

[1]

الأرض المقدسة في ضوء الكتاب والسنة [1] لقد ميز الله تعالى بلاد الشام وبيت المقدس بخصائص وفضائل عظيمة، وأكرمهما بمناقب جمة مذكورة في نصوص الكتاب والسنة، وذلك كله محض فضل الله تعالى، الأمر الذي يقتضي أن يكون لها في قلب كل مسلم عظيم المحبة والرغبة في الذود عن حياضها تجاه كل عدوان.

أهمية المحافظة على أرض القدس والشام

أهمية المحافظة على أرض القدس والشام إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أما بعد: فلا شك أن الكل يعلم أن معظم الأمة إنما هم غثاء ورعاع لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً، ولذلك هم يعيشون كغيرهم من بقية رعاع الخلق لا يعرفون لأنفسهم مهمة، كأنهم ما خلقوا لأجل غاية، إنما عاشوا لبطونهم، وشهواتهم، وأهوائهم، لا يدرون عن الدين والدنيا شيئاً، ولا يعرفون حرمة لبلد، ولا يعرفون قدسية لشعيرة من الشعائر، إنما عاشوا لأنفسهم فقط، ويموتون لأنفسهم، وتطوى صحفهم، فلا يذكرون بعد موتهم، وإن ذكروا فبكل شر. ونحن نرى ونسمع كثيراً في كل لحظة وحين كثيراً من الناس يقول: لم هذا الضجيج وهذه الجعجعة في الحفاظ على أرض فلسطين، وعلى أرض الأقصى؟! ثم يزيد الطين بلة فيقول: ما لنا وللفلسطينيين؟! ثم ما الذي يدفعني أن يراق دمي أو يدفعني إلى دفع ولدي للجهاد هناك؟! ولم أدفع مالي وأظل فقيراً بقية حياتي لأناس من أخلاقهم كيت وكيت؟ ويذكر بعض الأخلاق التي نهى الإسلام عنها جميع الناس ولم ينه عنها المسلمين فحسب بل نهى عنها الخلق أجمع، هذا إنسان إنما هو أنموذج لعامة الأمة، ولم يفهم القضية حق الفهم إلا أولو العلم وأهل العز الذين اصطفاهم الله عز وجل لحمل راية الإسلام والتوحيد خفاقة عالية، حتى آخر نفس من أنفاسهم. إن القدس وإن المسجد الأقصى ليرتبطان ارتباطاً وثيقاً بمكة المكرمة وبمدينة النبي صلى الله عليه وسلم، فهي أرض الشام أرض الخيرات والبركات. وتاريخ الأمة المحمدية مرتبط بها قبل أن يبعث الله عز وجل محمداً صلى الله عليه وسلم، وتاريخ هذه الأمة منوط بالحفاظ على فلسطين من قبل بعثة محمد عليه الصلاة والسلام؛ لأننا أبناء الملة الحنيفية التي هي ملة إبراهيم عليه السلام، وفلسطين هي مهاجر إبراهيم عليه السلام، هاجر إليها من العراق والحجاز، واستقر بها عليه الصلاة والسلام مدة عظيمة من الزمان، حتى رجع مرة أخرى إلى بلاد الحجاز، فهي مهاجر أبينا إبراهيم عليه السلام، والواحد منا لو أنه ولد في بيت وباع أبوه هذا البيت ولا علاقة له منذ الطفولة بهذا البيت تجد أن الحنين والشوق يجره جراً إلى هذا البيت، وكلما مر عليه حن إليه. فكيف لا تحن الأمة لأرض هي أرض الأحداث، وأرض الصراع بين الحق والباطل، وأرض المحشر والمنشر، وأرض أولى القبلتين، وثالث الحرمين؟ إنها أرض ذات تاريخ عريق، هذا التاريخ هو تاريخ الأمة الإسلامية، تاريخ إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وتاريخ إسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف، وموسى، وعيسى، وتاريخ محمد عليه الصلاة والسلام، هذه الأرض مرتبطة بالنبوة منذ أن بعث الله تبارك وتعالى إبراهيم عليه السلام، ولا أقول: لنا فيها حق، بل هي الحق كله، وواجب على كل واحد منا أن يبذل قصارى جهده لأخذ حقه المسلوب المغتصب ولابد. هب لو أن واحداً صائلاً دخل بيتك واعتدى عليك وأراد أن يأخذ مالك، أو يهتك عرضك، ماذا أنت فاعل حينئذ؟ لابد أن ستدافع عن مالك، ودمك، وعرضك بكل ما أوتيت؛ حتى ترد هذا الصائل أو تقتله إن لم يندفع إلا بالقتل. ولا تعجبني هذه الطنطنة، وهذه الدندنة؛ فمنذ نعومة أظفاري وأنا أسمع عن السلام، والسلام الشامل، والسلام العادل، فلا سلام مطلقاً، وهذا كله كذب وافتراء، وزور، وتزوير للتاريخ، ورد لكلام الله عز وجل الذي قال: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120]، وهذا الخطاب وإن كان موجهاً للنبي عليه الصلاة والسلام بالدرجة الأولى، إلا أنه خطاب عام للأمة إلى قيام الساعة، وهذا الخطاب بدأ بـ (لن) النافية للحال والمستقبل، أي: لا يمكن بحال -يا محمد- أن ترضى اليهود عنك ولا عن أمتك إلا أن تكفر بالله وترتد عن دينك أنت وأمتك، فلا يبقى منكم أحد على الإيمان والإسلام والتوحيد، هذه شهاد

إيضاح مصطلح الشام

إيضاح مصطلح الشام الشام مصطلح عام يطلق على: سوريا، ولبنان، والأردن، وفلسطين، وأهمها فلسطين لما لها من قدسية بوجود المسجد الأقصى فيها، وأرض الشام كلها مسرح للأحداث وعلامات الساعة الكبرى، فأهمها إنما يدور على هذه الأرض المباركة، فهي أرض المحشر، وأنت لابد أن تحشر إليها، وأن تنشر فيها، والله تعالى يحاسبك في هذه الأرض المباركة، وهي أرض الإيمان والأمن، حيث الفزع والرعب الذي يعم العالم أجمع في آخر الزمان، والنار التي تخرج من عدن في اليمن -وهي من علامات الساعة الكبرى- تحشر الناس جميعاً إلى جهة الشام التي رعاها الله عز وجل وحفظها، فهي مرعية برعاية الله محفوفة بحفظه وأمانه سبحانه وتعالى، فهذه الأرض ليست كأي أرض، وليس لبقعة من بقاع الأرض حرمة وقدسية كما للقدس والشام حرمة وقدسية إلا مكة والمدينة. أما مكة فإن فيها القبلة الدائمة إلى قيام الساعة، وأما المدينة فلوجود المسجد النبوي الذي قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام: (صلاة في مسجدي هذا بألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام)، وفيها كذلك قبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فهذه البلدان الثلاثة -مكة والمدينة والشام- بلدان لها قدسية خاصة، ومن زعم أن القدسية في مكة أو في المدينة دون الشام أو في الشام دون المدينة ومكة، أو في المدينة دون مكة والشام؛ فقد أعظم على الله تعالى الفرية، إنما هذه البلاد كلها ينبغي الحفاظ عليها بالدم والروح، حتى وإن لم يبق في المسلمين إلا مسلم واحد فيجب عليه أن يقاتل حتى يسترد هذا الحق المغصوب.

مكانة بلاد الشام

مكانة بلاد الشام نبذة سريعة عن مكانة هذه الأرض المباركة: وإذا قلنا: إنها بلاد مباركة؛ فهل عندنا دليل على هذه البركة؟! لابد أن يكون عندنا دليل، وإلا فلا يجوز أن نذم قطعة من الأرض أو أن نمدح أخرى إلا بنص ودليل، ولذلك صنف علماؤنا مصنفات عظيمة أخذت منها وأفدت منها إفادات جمة في هذه المحاضرة، ولو ذهبت أذكر أسماء هؤلاء الأفاضل الذين صنفوا في هذا الباب لطال المقام، ولكن بيت المقدس والشام لها ذكر في القرآن الكريم، ولها ذكر في السنة النبوية المطهرة، وهذا دليل عناية الرب تبارك وتعالى بهذه البقعة من الأرض، فالشام هي كنز من كنوز الله تعالى، وفيها كنزه من عباده كذلك، والبركة في الشام وبيت المقدس ثبتت بآيات عظيمة من كتاب الله عز وجل، وكل كلام الله تعالى عظيم.

فضائل الشام في القرآن الكريم

فضائل الشام في القرآن الكريم قال الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام: {وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ} [الأنبياء:70]، والضمير يعود إلى أهل العراق؛ لأن إبراهيم عليه السلام عراقي، {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:71]، والأرض التي بارك الله فيها للعالمين إنما هي أرض الشام، هذا كلام ابن زيد، وقتادة، والحسن البصري، وابن عباس، وأبي العالية وغير واحد من السلف، بل نقل ابن تيمية الإجماع على أن الأرض التي بارك الله تعالى فيها إنما هي أرض الشام، وخاصة أرض فلسطين وبيت المقدس. قال شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله: معلوم أن إبراهيم إنما نجاه الله تعالى ولوطاً من أرض الجزيرة والعراق إلى الأرض المباركة التي هي أرض الشام. وقال ابن جرير: لا خلاف بين جميع أهل العلم أن هجرة إبراهيم كانت من العراق إلى الشام. وقال تعالى عن نجاة موسى ومن معه بعد غرق فرعون: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأعراف:137]، والذي كان يستضعف إنما هو موسى عليه السلام ومن معه، فقد كان موسى عليه السلام يستضعف في بلاد مصر طغى عليه الطغاة وبغى عليه البغاة حتى أخرجوه منها، فأورثه تعالى أرضاً مباركة، لكن موسى عليه السلام لم يصل إلى بلاد الشام، بل أدركته المنية قبل الوصول إلى الأرض المباركة، قال تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} [الأعراف:137]، فمشارق الأرض ومغاربها التي بارك الله تعالى فيها إنما هي أرض الشام كما قلنا من قبل. وقال ابن تيمية: معلوم أن بني إسرائيل إنما أورثوا مشارق أرض الشام ومغاربها بعد أن أغرق فرعون في اليم. وقال تعالى في آية أخرى في حديث موسى عليه السلام لقومه: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ} [المائدة:21]، أي: الطاهرة، النقية، الطيبة، المباركة، {الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} [المائدة:21]، والأرض المقدسة هي ما قلنا. ومملكة سليمان وداود كانت على أرض القدس في فلسطين، لكن الخنازير اليهود أبعد الناس عن سليمان، وأبعد الناس كذلك عن داود، وهذا الهيكل المزعوم الذي تدعيه وتزعمه اليهود أبناء القردة والخنازير ليس معروفاً في تاريخ اليهود الأول، فمن أين أتوا به؟! إنما هي أكذوبات وافتراءات، قال الله تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأنبياء:81] تجري بأمر سليمان إلى الأرض التي بارك الله فيها وهي أرض فلسطين أرض الشام، {وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ} [الأنبياء:81]، قال ابن تيمية: إنما كانت تجري إلى أرض الشام التي فيها مملكة سليمان. ولكن هؤلاء اليهود علاقتهم بسليمان وداود -بل علاقتهم بموسى وعيسى- منقطعة تمام الانقطاع. وقال تعالى عن قصة سبأ في اليمن: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [سبأ:18] أي: في الشام، {قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ} [سبأ:18]، وهذا القرى الظاهرة إنما كانت قرى عامرة، ساكنة، آهلة بالطعام والشراب والسكان والثمار وغير ذلك من خيرات الله عز وجل، من اليمن إلى الشام، ولكن القوم كفروا وارتدوا عن دينهم: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} [سبأ:19]. حكى أصحاب التفاسير وأهل العلم: أنه كان الواحد منهم إنما يحمل على رأسه شناً فإذا صار في الطرق تساقطت الثمار في هذا الشن حتى يمتلئ، دون أن يكلف نفسه قطف الثمار، إنما كانت تنزل في الوعاء حتى تملأه، فكفروا بهذه النعمة وقالوا: {رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} [سبأ:19]، فما كانت هناك مسافات بين كل قرية وأخرى ظاهرة على الطريق، فأهلك الله عز وجل هذه القرى كلها، وباعد بين أسفارهم، قال: {فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} [سبأ:19]، أي بسبب كفرهم وردتهم، وكفرهم لنعم الله تبارك وتعالى عليهم، قال ابن تيمية: وهو ما كان بين اليمن مساكن سبأ وبين قرى الشام من العمارات القديمة. وقال الله تعالى: (

فضائل الشام في السنة النبوية

فضائل الشام في السنة النبوية أما فضائل بيت المقدس في سنة النبي عليه الصلاة والسلام فعشرات إن لم يكن مئات الأحاديث في الدلالة والتأكيد على أفضلية وشرف أرض الشام عموماً وبيت المقدس على وجه الخصوص، فأرض الشام هي سوريا، ولبنان، والأردن، وفلسطين. قال ابن الفقيه: أجناد الشام أربعة: حمص، ودمشق، وفلسطين، والأردن، قال ذلك في كتاب اسمه (كتاب البلدان)، قال العلماء: لم يتم تقسيم أرض الشام إلى دويلات بهذه الأسماء إلا بعد اتفاقية سايكس بيكو، لا أقول: أرض الشام فقط، بل أرض العرب والمسلمين كلها كانت شيئاً واحداً، وما كان الواحد إذا ذهب لأداء النسك عمرة أو حجاً يتعرض لهذه العراقيل، ولهذا العنت، ولهذه المشقة التي نلقاها في هذا البلد أو غيره من البلاد، والأرض لله عز وجل، وكل واحد قائم على أمر بلد يتحكم فيها وكأنه المالك الحقيقي لها، ألا فليتق الله الجميع، فإن كل الخلق في قبضة الله عز وجل، والأرض أرض الله عز وجل، والملك ملكه، ولو شاء الله تعالى أن يأخذ الجبابرة جميعاً في أقل من طرفة عين لفعل، ولكنها السنن الكونية: كيفما تكونوا يول عليكم، أعمالكم عمالكم من جنسكم سلطها الله تبارك وتعالى عليكم. قال ابن الفقيه: إقليم الشام جرير الشام، ديار النبيين، ومركز الصالحين، ومطلب الفضلاء، به القبلة الأولى، وموضع الحشر والمسرى -مسرى نبينا عليه الصلاة والسلام- والأرض المقدسة، والرباطات الفاضلة، والثغور الجليلة، والجبال الشريفة، ومهاجر إبراهيم، وقبر وديار أيوب، وبئره هناك، ومحاريب داود وبابه هناك، وعجائب سليمان ومدنه هناك، وتربة إسحاق وأمه، ومولد المسيح ومهده، وقرية طالوت ونهره، ومقتل جالوت وحصنه، وجب أرنيا وحبسه، ومسجد أوربا وبيته، وقبة محمد وبابه، وصخرة موسى، وربوة عيسى، ومحراب زكريا، ومعرك يحيى، ومشاهد الأنبياء، وقرى أيوب، ومنازل يعقوب، والمسجد الأقصى وقبر موسى، ومضجع إبراهيم ومقبرته هناك، وموضع لقمان ووادي كنعان، ومدائن لوط، وموضع الجنان، والباب الذي ذكره الرجلان، والمجلس الذي حضره الخصمان، وقبر مريم، وراحيل، ومجمع البحرين، مع مشاهد لا تحصى، وفضائل لا تخفى، وفواكه ورخاء، وآخرة ودنيا، به يرق القلب وتنبسط الأعضاء للعبادة.

بعض مناقب أرض الشام

بعض مناقب أرض الشام

بركة أرض الشام

بركة أرض الشام وهذه بعض المناقب لهذه الأرض المباركة: أولاً: أرض الشام أرض البركة، والخير، والطهر، والعفاف، ومستقر الإيمان في الفتن، وحصن الإسلام وبها عموده. عن زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (يا طوبى الشام! يا طوبى الشام! يا طوبى الشام! قالوا: يا رسول الله! وبم ذاك؟ قال: تلك ملائكة الله باسطو أجنحتها على الشام)، فملائكة الله عز وجل تبسط أجنحتها على الشام خاصة من دون بلاد الله عز وجل، فأي شيء أطيب من دعاء النبي عليه الصلاة والسلام لأهل الشام بطيب العيش والراحة، وحراسة الملائكة، وحفظها للشام وأهله؟! قال العز بن عبد السلام: أشار صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه وتعالى وكل بها الملائكة يحرسونها، ويحفظونها. وهذا موافق لحديث عبد الله بن حوالة الذي سيأتي بإذن الله.

الشام صفوة بلاد الله عز وجل

الشام صفوة بلاد الله عز وجل ثانياً: الشام صفوة بلاد الله عز وجل، يسكنها خيرته من خلقه، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (عليكم بالشام؛ فإنها صفوة بلاد الله)، لما كنت في الشام مكثت بها ما يقرب من سبعة أعوام، وأنا خارج منها ما خرجت منها راغباً، بل خرجت منها إن لم أكن طريداً فشبه طريد، وكأني أنزع قلبي، وما أذكر أنني بكيت من قلبي مرة إلا وأنا خارج من تلك البلاد، حتى عدت إليها بعد ثلاثة أعوام من طردي، فإذا بإخواني وأصحابي يستقبلونني هناك في مطار علياء استقبال الفاتحين؛ لأن هذه أخلاق شعب الشام، فإن الرجل من عامة الشعب هناك يوازي عندنا رجلاً قد تربى على الكتاب والسنة يشار إليه بالبنان، والله! لا أقولها تحيزاً لهذه البلاد فإنما هي بلادنا جميعاً، وليست بلداً لي فحسب. قال النبي عليه الصلاة والسلام: (عليكم بالشام فإنها صفوة بلاد الله، يسكنها خيرته من خلقه). إذاً: هذه البلاد هي صفوة البلاد، وساكنها هم خيرة عباد الله عز وجل، قال: (فمن أبى فليلحق بيمنه)، أي: فمن أبى أن يسكن بلاد الشام فليسكن في اليمن، فبين النبي عليه الصلاة والسلام أن اليمن وإن كان فيها فضل إلا أنه يقل عن فضل أهل الشام وبلاد الشام، ولذلك أثنى النبي عليه الصلاة والسلام على اليمن، فلما دخل أهل اليمن على النبي عليه صلى الله عليه وسلم قال: (أتاكم أهل اليمن أرق الناس أفئدة، وألينهم قلوباً، الفقه يمان، والإيمان يمان، والحكمة يمانية)، وما زلنا نلحظ الطيب وحسن الخلق في أهل اليمن, وإنا -والله- نحبهم في الله، بل نحب كل مسلم في الله عز وجل على قدر ما فيه من طاعة، ونبغضه على قدر ما فيه من معصية، وهذا أصل من أصول الإيمان عند أهل السنة والجماعة: ألا يعقد الحب والبغض إلا في الله، فمن أعظم شعب الإيمان: الحب في الله والبغض في الله. ولكن النبي صلى الله عليه وسلم بين في هذا الحديث فضل أهل اليمن، إلا أن فضل أهل الشام فوقهم في الفضل، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (عليكم بالشام فإنها صفوة بلاد الله، يسكنها خيرته من خلقه، فمن أبى فليلحق بيمنه، وليسق من غدره)، والغدر: جمع غدير، وهو الطريق في الأرض، أو الوعاء يجمع فيه الماء، وسمي غديراً لأنه يغدر بأهله في وقت الحاجة والشدة. قال: (فإن الله عز وجل تكفل لي بالشام وأهله)، أي: هو الذي حفظ ورعى وصان، قال المناوي: الشام مصطفاة من بلاده -أي: هي أرض اصطفاء وبركة- يجمع إليها المختارين من عباده، ضمن حفظها وحفظ أهلها القائمين بأمر الله. وعن عبد الله بن حوالة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (سيصير الأمر إلى أن تكونوا جنوداً مجندة)، يعني: سيئول أمر الأمة في آخر الزمان إلى أن تكون هذه الأمة جنوداً، (جنداً بالشام، وجنداً باليمن، وجنداً بالعراق، قال ابن حوالة: خر لي يا رسول الله!)، أي: اختر لي في أي الأجناد أكون بجند الشام، أم اليمن، أم العراق؟ قال عليه الصلاة والسلام: (عليك بالشام حينئذ؛ فإنها خيرة الله من أرضه يجتبي إليها خيرته من عباده، فأما إن أبيتم فعليكم بيمنكم، واسقوا من غدركم، فإن الله توكل لي بالشام وأهله)، قال ربيعة: فسمعت أبا إدريس يحدث بهذا الحديث يقول: ومن تكفل الله به فلا ضيعة عليه، يعني: من تولى الله تعالى كفالته ورعايته فلا يضيع أبداً، إذا كان الله تعالى تكفل بحفظ الشام فمن يضيعهم إذاً؟ لا يضيعون أبداً رغم أنف اليهود الحاقدين. وقال النبي عليه الصلاة والسلام لـ عبد الله بن حوالة: (أتدري ما يقول الله تعالى في الشام؟ إن الله تعالى يقول: يا شام! أنت صفوتي من بلادي أدخل فيك خيرتي من عبادي، إن الله تكفل لي بالشام وأهله)، وهذا ثناء، ومدح، وحفظ، ورعاية من الله تعالى، وبشارة عظيمة من النبي عليه الصلاة والسلام لأهل الشام، وهناك في نفس هذا المعنى أحاديث كثيرة جداً.

عناية الله تعالى بأهل الشام

عناية الله تعالى بأهل الشام ثالثاً: تكفل الله تعالى بأهل الشام، فلا ضيعة عليهم كما قال الإمام سعيد بن عبد العزيز: من تكفل الله به فلا ضيعة عليه. وقال العز بن عبد السلام: أخبر صلى الله عليه وسلم أن الشام في كفالة الله تعالى، وأن ساكنيه في كفالته وحياطته، ومن أحاطه الله تعالى وحفظه فلا ضيعة عليه، ولا يزال العلماء في كل عصر يوصون بسكنى الشام؛ لفضل الشام وفضل أهلها، وخير دليل على ذلك تحطم جميع الحملات الصليبية التي توجهت لبلاد الشام، وتحطيم هؤلاء التتار على أرض الشام، وجعله الله تبارك وتعالى مقبرة تبتلع أصحاب الحملات الصليبية وكذلك التتار، فكانت أرض الشام مقبرة لأعدائها على طول التاريخ وعرضه.

عمود الكتاب والإسلام بالشام

عمود الكتاب والإسلام بالشام رابعاً: عمود الكتاب والإسلام بالشام، وتمام دين الله عز وجل بالشام، قال النبي عليه الصلاة والسلام -أي: في ليلة الإسراء-: (عمود أبيض كأنه لؤلؤة تحمله الملائكة، فقلت: ما تحملون؟ قالوا: عمود الإسلام، أمرنا أن نضعه بالشام)، أمر الله الملائكة أن تضع الإسلام وعموده الإيمان والتوحيد في أرض الشام، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (وبينما أنا نائم رأيت عمود الكتاب اختلس من تحت رأسي)، أي: أخذ من تحت رأسي من المدينة النبوية، قال: (وإذا هو نور ساطع بين يدي حتى وضع في الشام)، لم يزل هذا العمود الذي انتزع من تحت وسادة النبي عليه الصلاة والسلام يضيء حتى استقر به المقام في أرض الشام، وهذا دليل على استقرار الأمن والإيمان في أرض الشام في آخر الزمان. قال صلى الله عليه وسلم: (ولا تخرب الشام قط إلا قبيل قيام الساعة) بعد أن يبعث الله ريحاً طيبة من أرض الشام فتقبض روح كل عبد مؤمن ومن في قلبه ذرة من إيمان أو خير، ولا يبقى في أرض الشام حينئذ إلا شرار الخلق عليهم تقوم الساعة، لكن خراب المدينة قبل خراب الشام، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ولا تخرب الشام حتى تخرب يثرب)، يعني: المدينة خرابها أولاً قبل خراب الشام، وهذا يدل على عظم الشام، والثبات الإيماني بها إلى آخر لحظة من حياة أهل الإيمان والتوحيد. وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إني رأيت عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي، فنظرت فإذا به نور ساطع عمد به إلى الشام -يعني: ذهب به إلى الشام- ألا إن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام)، ألا إن الإيمان والأمن إذا وقعت الفتن بالشام، وهذا لا يعني أنه لا يكون في أرض الشام فتن، لكنها أقل نسبة، فلو نظرنا إلى الفتن التي تقع الآن بفلسطين، وقسناها بما يقع من فتن في بلاد العالم أجمع لجموع المسلمين العزل لعلمنا أن الله تبارك وتعالى ما زال مثبتاً وحافظاً لأهل الشام في وجوه أعدائهم من اليهود، وكلنا يلحظ ذلك. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (بينما أنا نائم إذ رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي فظننت أنه مذهوب به -يعني: يذهب بغير رجعة- فأتبعته بصري -أي: فظللت أنظر إليه- فعمد به إلى الشام، ألا وإن الإيمان حيث تقع الفتن بالشام). قال العز بن عبد السلام: أخبر صلى الله عليه وسلم أن عمود الإسلام الذي هو الإيمان يكون عند وقوع الفتن بالشام، بمعنى: أن الفتن إذا وقعت في الدين كان أهل الشام برآء من ذلك ثابتين على الإيمان، وإن وقعت في غير الدين كان أهل الشام عاملين بموجب الإيمان ومقتضاه، وأي مدح أتم من ذلك لأهل الشام؟! والمراد بعمود الإسلام ما يعتمد أهل الإسلام عليه، ويلتجئون إليه، والعيان شاهد لذلك، فإنا رأينا أهل الشام على الاستقامة التامة، والتمسك بالكتاب والسنة عند ظهور الأهواء واختلاف الآراء.

أهل الشام ميزان صلاح وفساد الأمة

أهل الشام ميزان صلاح وفساد الأمة خامساً: أهل الشام ميزان يوزن به صلاح الأمة وفسادها، وإذا أردنا الآن أن نحكم أن هذا الأمة أمة صالحة أم فاسدة فإن ميزان ذلك وضابطه النظر إلى أهل الشام، هل هم صالحون أم أهل فساد وضلال؟ فإذا كان الحكم أنهم من أهل الصلاح كانت الأمة صالحة، وإذا كان عكس ذلك فالأمة عكس ذلك، فالنبي عليه الصلاة والسلام جعل المعيار الذي يعرف به صلاح الأمة من فسادها هو النظر إلى أهل الشام. فعن معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم)، يعني: يا معشر الأمة! وقال: (لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة)، إشارة من النبي عليه الصلاة والسلام أن جموع الطائفة المنصورة المجاهدة المقاتلة العالمة الداعية الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر جموعها في أرض الشام، وهذا لا ينفي أن يكون بعض هذه الطائفة في غير بلاد الشام في جموع الأرض كلها، وقد اختلف أهل العلم في هذه الطائفة المنصورة من هم؟ فقيل: هم أهل الحديث، وقيل: أهل العلم كافة، وقيل: هم المجاهدون، وقيل: هم الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر، ولا مانع عندي أن تكون الطائفة المنصورة هي من مجموع أولئك جميعاً. وقد وردت نصوص عن الإمام أحمد وغيره أن الطائفة المنصورة هي طائفة أهل الحديث، فالطائفة المنصورة في زمانه كانت هي أهل الحديث حقيقة، لكن هل يلزم من ذلك أن يكونوا هم أهل الحديث في كل زمان ومكان؟ عندي أنه لا يلزم ذلك، بل ربما تكون الطائفة المنصورة من الحراس، والزراع، والصناع، والتجار، في شرق الأرض وغربها ما داموا عاملين بالكتاب والسنة، داعين إلى الكتاب والسنة، منافحين مدافعين إلى آخر قطرة ونفس عن الكتاب والسنة، وعن دينهم وشريعة ربهم، فلا مانع عندي أن يكونوا هم من الطائفة المنصورة، فأهل الشام هم ميزان قسط لأهل الإسلام، وأمة الإسلام، وكذلك تعرف أمة الإسلام بمدى قربها أو بعدها عن دينها بالنظر إلى أهل الشام، فكلما كان أهل الشام أكثر قرباً من دينهم وأكثر تمسكاً به كانت أمة الإسلام بخير، والعكس بالعكس.

دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الشام بالبركة

دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الشام بالبركة سادساً: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الشام بالبركة، وأنتم تعلمون أن دعاء النبي مجاب، ولا ينازع في ذلك أحد، فالنبي دعا لأهل الشام، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا، قالوا: يا رسول الله! ونجدنا؟ -أي: العراق- قال: اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا، قالوا: يا رسول الله! وفي نجدنا؟ فقال في الثالثة: هناك الزلازل والفتن، ومنها يطلع قرن الشيطان)، وأنتم تعلمون أن أرض العراق إنما هي أرض الفتن، هذه الأرض التي هي أرض صدام امتلكها من الله عز وجل، وقد سمى صدام نفسه بتسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل النار، نعم هذا صدام حسين الذي لا يستحي من خالقه وربه، وإذا كان قرن الشيطان متعدداً فربما يكون صدام هو قرن الشيطان في هذا الزمان، لكن على أية حال نحن نؤمن أن قرن الشيطان يكون في آخر الزمان. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهماً قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا، مرتين أو ثلاثاً، فقال رجل: وفي مشرقنا يا رسول الله؟! فقال النبي: من هناك يطلع قرن الشيطان، وبه تسعة أعشار الشر)، وعن عبد الله بن عمر في تمام الرواية: (فقال رجل: وفي العراق؟ فسكت عليه الصلاة والسلام، ثم أعاد الرجل: وفي عراقنا؟ فسكت، ثم قال: اللهم بارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في مدنا وصاعنا، اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم اجعل مع البركة بركة -يعني: مع البركة بركة أخرى- والذي نفسي بيده! ما من المدينة شعب ولا نقب إلا وعليه ملكان يحرسانها حتى تقدموا عليها)، وذكر الحديث طويلاً، فهنيئاً لمن تعلق نسبه بالمصطفى عليه الصلاة والسلام، وتعلقت أسبابه بأسبابه، فالأسباب كلها منقطعة إلا سبباً واحداً وهو التعلق بالله تعالى ورسوله الكريم عليه الصلاة والسلام.

فضل سكنى الشام

فضل سكنى الشام سابعاً: النبي عليه الصلاة والسلام نصح الأمة جمعاء بسكنى الشام، فعن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه رضي الله عنهما قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ستخرج نار في آخر الزمان من حضرموت)، وحضرموت في اليمن، ويكون هذا من علامات الساعة التي هي في حديث عبد الله بن سلام وكان حبراً من أحبار اليهود: (لما أتى النبي عليه الصلاة والسلام مهاجراً من مكة إلى المدينة سمع بمقدمه، وكان في أرض يزرعها ويحرثها، فأتى إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: يا محمد! إني سائلك ثلاثة أسئلة لا يعلمها إلا نبي ورجل أو رجلان، قال: سل، قال: ما أول أشراط الساعة؟ ثم قال: وكيف ينزع الولد؟ وما أول طعام أهل الجنة؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أما أول أشراط الساعة: فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب)، (من المشرق) أي: من حضرموت، (إلى المغرب) أي: إلى الشام، وكل بلد يصح أن يكون شرقاً وغرباً، ولذلك العلماء كانوا يسمون الإمام الأوزاعي -وهو لبناني- إمام الغرب؛ لأن لبنان بالنسبة لهم غرب. فهذه النار تخرج من حضرموت من اليمن فتظل تحشر الناس وتسوق الناس أمامها حتى يتكدس ويجتمع الناس في الشام، فحينئذ تقوم الساعة. قال: (وأما الولد فإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع الولد إليها -إما في الشبه أو الأنوثة- وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد إليه -أي: في الذكورة أو الشبه-، وأما أول طعام أهل الجنة فزيادة كبد الحوت، قال عبد الله بن سلام: آمنت بالله وأنك رسول الله عليه الصلاة والسلام، قال النبي عليه الصلاة والسلام: أترى -يا عبد الله بن سلام - إذ سألتني ما كان عندي من علم حتى نزل علي جبريل فأخبرني بما أجبتك، قال: جبريل يا رسول الله، ذاك عدو اليهود من الملائكة)، يعني: أن اليهود يعادون ملائكة الله! فاليهود اتخذوا من الملائكة أعداء، فهل يمكن أن يسالموا أحداً، أو يصالحوا أحداً؟ لا يمكن، وهذه غفلة عظيمة جداً من المسلمين حكاماً ومحكومين، وغلط في ظنهم باليهود خيراً، وأنهم يمكن أن يصلوا في لحظة من اللحظات إلى عقد الصلح والأمان مع المسلمين، هذا خبل وجنون، ولو تصوره متصور من المسلمين فلا يمكن أن يكون، والله تعالى قضى عليهم بأنهم لا يمكن أن يقبلوا ذلك ولن يرضوا عنا أبداً حتى نترك ديننا إلى غير دينهم؛ لأن غرورهم يأبى عليهم أن يدخل في دينهم أحد، وإنما يكتفون بأن يخرج الناس من دينهم إلى الكفر العام لا إلى اليهودية؛ لأنهم يظنون أنهم هم الجنس المثالي والشعب المثالي شعب الله المختار كما كانوا يقولون ذلك آنفاً، وما سمعت هذا الكلام منذ فترة طويلة، فلعلهم كفوا عن ذلك؛ لعلمهم أن العالم سمع بهذه الشعارات المزيفة وآمن بها، وحسبنا أننا نوقن تمام اليقين: أن اليهود هم سفلة الخلق، وشر الخلق، ولا يمكن أبداً عقد صلح معهم، وإذا كنت أريد أن أقول كلمة حاسمة في هذا الأمر فأقول: والله العظيم! والله العظيم! والله العظيم! لا ترجع القدس ولا غيرها من بلاد الإسلام، ولا يرجع شرف المسلمين وعز المسلمين إلا بإعلان راية الجهاد في وجه كل يهودي، لا أقول: في فلسطين، بل في ربوع الأرض كلها، والتخلص منهم حتى آخر واحد فيهم، وكذلك النصارى، فلابد من معركة حاسمة، وستكون هذا المعركة على أرض فلسطين، المعركة الحاسمة بين الحق والباطل بين الإيمان والكفر إنما مسرحها ومسرح أحداثها على أرض فلسطين، وكذاب من يقول غير ذلك، فالحل هو الجهاد في سبيل الله. وبعضهم يقولون: الجهاد خراب، ودمار، وضياع للأموال، وتخريب البيوت، وهذا كلام من لا يعرف شرف الجهاد، فالجهاد عز الأمة وشرفها، وكرامتها، وإذا كان الجهاد خراباً وفساداً ودماراً فهذه الخمر التي تقتل الآلاف من الشباب في كل يوم، يقتلون ويصعقون في الشوارع بسبب شربهم للخمر، وينامون كالكلاب بعضهم على بعض في الشوارع والطرقات، أليس هذا فيه ما يحث المسلم على أن يحافظ على شرفه وكرامته؟! فهل الجهاد مضيعة للأبدان والأموال والدماء والأعراض؟! فالجهاد هو ذروة سنام الإسلام، وهو سبب الخلاص من هذا الضياع الذي تمر به الأمة، فالأمة ما تركت معصية أرسل الله تعالى لها نبياً خاصة إلا وقعت فيها، من التطفيف في الكيل والميزان، وشرب الخمر، واللواط، والسرقة، والزنا، وما من معصية خص الله تبارك وتعالى بقوم نبياً لهم يدعوهم للتخلص من هذه المعصية وهذه السقطة إلا وقعت هذه الزلة وهذا المعصية في الأمة حتى صارت إلفاً مألوفاً، فكأن هذا الأمة الآن جمعت بين شرور الأمم السابقة كلها، فهي أمة جديرة بأن تسحل وتسحق من على وجه الأرض، ولكن ذلك مخالف لفضل الله وسنة الله تبارك وتعالى، ووعد الله؛ لأن هذه أمة الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام، ولذلك كتب الله تعالى على لهذه الأمة البقاء إلى قيام الساعة، رغم ما يقع فيها من معاص، وزلات، وأخطاء؛ فإن الله تبارك وتعالى يكفر هذا بالأمراض، والبلايا، والفتن، والزلازل، والبراكين

الرباط في أرض الشام إلى يوم القيامة

الرباط في أرض الشام إلى يوم القيامة ثامناً: أرض الشام أرض رباط وثغر إلى يوم القيامة، وهي عقر دار المؤمنين، وقلب دار المؤمنين، وأصل ديار المؤمنين في آخر الزمان، وإليها المرجع والمآب، وهي أرض حشر ورباط وثغر، يعني: أرض جهاد إلى يوم القيامة، يعني: لا ييأس أحد قط من وجود الشر بها؛ لأن الله تعالى كتب أن تكون أرض رباط وجهاد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها إلى آخر الزمان، فتنتهي من جهاد ويأتي جهاد آخر، ولابد من إحياء مصطلح الجهاد في قلوب العامة فضلاً عن الخاصة.

خيار أهل الأرض ألزمهم لمهاجر إبراهيم عليه السلام

خيار أهل الأرض ألزمهم لمهاجر إبراهيم عليه السلام تاسعاً: خيار أهل الأرض ألزمهم لمهاجر إبراهيم عليه السلام، بل جعل النبي عليه الصلاة والسلام مهاجر إبراهيم كمهاجره عليه الصلاة والسلام، والنبي عليه الصلاة والسلام هاجر من مكة إلى المدينة، وإبراهيم هاجر من العراق والحجاز إلى الشام، لكن الهجرة من مكة انقطعت بفتحها، فقال عليه الصلاة والسلام: (لا هجرة بعد الفتح)، لأن مكة صارت دار إسلام وإيمان إلى قيام الساعة، كذلك فلا هجرة منها ألبتة؛ لأن الهجرة لا تكون إلا من ديار الكفر إلى ديار الإيمان والإسلام التي يأمن المرء فيها على دينه وعرضه، ويقيم فيها شعائر دينه، وهذا كلام يرد به على الذين يزعمون أنهم يهاجرون إلى أمريكا وأوروبا، وأنا لا أدري كيف يفهمون من قولنا: إن الهجرة باقية بقاء الأيام والليالي أنها من ديار الإسلام إلى ديار الكفر، بل الهجرة من ديار الكفر إلى ديار الإسلام، وليس العكس، فمهاجر إبراهيم عليه السلام يمتاز مزية على مهاجر نبينا بأن الشام أرض هجرة إلى آخر الزمان، خلافاً لهجرة نبينا عليه الصلاة والسلام فإنها انقطعت بفتح مكة. نسأل الله أن يحفظ ديار المسلمين جميعاً. وقال عبد الله بن عمر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لتكونن هجرة بعد هجرة إلى مهجر إبراهيم عليه السلام -أي: الشام- حتى لا يبقى في الأرض إلا شرار أهلها، وتلفظهم أرضوهم، وتقذرهم نفس الله -وفي رواية: روح الرحمن عز وجل- وتحشرهم النار مع القردة والخنازير تقيل حيث يقيلون وتبيت حيث يبيتون وما سقط منهم فلها)، هذا النبي عليه الصلاة والسلام يبين أن الهجرة إلى أرض الشام هجرة بعد هجرة وهجرة بعد هجرة، يعني: هجرات متتابعة متواصلة، ولا يزال الناس إلى يومنا هذا كلهم يحبون أن يذهبوا إلى سوريا لولا ما فيها من طغيان، وكلهم يحب أن يذهب إلى الأردن، وكلهم يتشوق شوقاً عجيباً إلى الذهاب إلى بيت المقدس والصلاة فيه ولو ركعتين، فلا تزال أنفس الموحدين تشتاق إلى زيارة بلاد الشام. وهذا فضيلة أخرى للشام: أن من يأتيها ويقيم بها من أهل الصلاح للمرابطة هم خير أهل الأرض، يعني: للجهاد في سبيل الله عز وجل، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب عظيم له (مناقب الشام وأهله): فقد أخبر أن خير أهل الأرض من ألزمهم مهاجر إبراهيم، بخلاف من يأتي إليه ثم يذهب عنه، ومهاجر إبراهيم هي الشام، وقد جعل مهاجر إبراهيم يعدل مهاجر نبينا عليه الصلاة والسلام، فإن الهجرة إلى مهاجره انقطعت بفتح مكة، وهذا ما قلناه تفصيلاً.

الشام سكنى غالبية الطائفة المنصورة

الشام سكنى غالبية الطائفة المنصورة عاشراً: بأرض الشام الطائفة المنصورة، يعني: جل الطائفة المنصورة بأرض الشام، ولعل ذلك يكون في آخر الزمن، ولذلك نحن نرى الآن أن معظم بلاد الشام فيها البدع، بل تعج بالبدع بالليل والنهار، ففي رمضان الماضي لما كانت إذاعة القرآن الكريم تنقل من سوريا، ودمشق، ولبنان، وفلسطين وغيرها الأذان والإقامة وصلاة التراويح وغير ذلك كان ذلك شيئاً مخجلاً إلى الغاية، وما كدنا نسمع في هذه الإذاعة سنة واحدة من السنن، وما سمعنا شيئاً نرضاه إلا تلاوة كلام الله عز وجل، أما ما دون ذلك من محاضرات فكلها تعج بالتصوف والشركيات، حتى الأذان نفسه ليس على هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا على سنته أبداً، وهذا شيء عجيب جداً، والإقامة أشد عجباً، فهذا لا يعني: أن أهل الشام هم في كل زمان ومكان قائمون بالسنة وعلى السنة، ولا يلزم ذلك، ولذلك يغلب على الظن أن الطائفة المنصورة المحفوظة في الشام إنما ذلك في آخر الزمان، لا في كل زمان ولا في كل عصر، وإلا فأنا لا أنفي أن يكون في بلاد الشام عالم رباني أو علماء ربانيون اليوم، لكن على أية حال إمام الأئمة الربانيين في هذا الزمان هو من بلاد الشام، وهو شيخنا العلامة الألباني رحمه الله تعالى رحمة واسعة، فهو الذي نشر السنة لا أقول: في بلاد الشام، بل في العالم كله، وهذه الصحوة كلها مدينة لهذا العملاق، وكل واحد منا في رقبته دين لهذا الإمام ولغيره من أئمة الحجاز الذين هم أئمة الصحوة في هذا الزمان، ولا يجرؤ أحد أن يزعم أن له شرفاً في هذا الصحوة، إنما هي فضل الله عز وجل على يد فئة مؤمنة من الشباب الصاعد المحب لله ولرسوله ولشرعه ودينه، وكان طريقه أن استقى علمه من بلاد الحجاز وبلاد الشام، وهذا ميزة عظيمة جداً للدلالة على فضيلة أرض الشام وخيرة أهلها، فهذا أمر ملموس حتى في زماننا. وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس)، فأثبت النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الطائفة ثلة قليلة، فقال: (لا تزال طائفة)، أي: مجموعة من الناس قليلة لكنها قائمة بأمر الله، ظاهرة، ومهما عاداها الأعداء وناوأها المناوئون فإن ذلك لا يضرهم، ولا يفت في عضدهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على ذلك، ولذلك الناظر إلى هذه الثلة المؤمنة من أهل العلم والمشايخ الكبار يجد أن العالم بأمة كاملة، فمَن مِن الناس لا يسمع عن أئمة الهدى في كل زمان ومكان؟ ربما لا تسمع عن كثير من الحكام والسلاطين والأمراء ولا تعرف أسماءهم؛ لأنهم كثيرون جداً، أما العلماء فهم طائفة قليلة مشهورة ظاهرة قائمة بالحق لله عز وجل بإخلاص وصدق، ولذلك ملكوا قلوب العباد، ومن أعظم ما يدل على أن العالم فوق الحاكم أن الناس في داخلهم يحبون التقرب إلى الله بطاعة أهل العلم. وحديث: (لا تزال طائفة من أمتي) كاد أن يبلغ حد التواتر، لكن في بعض الروايات بين النبي عليه الصلاة والسلام أن هذا الطائفة هم أهل الشام، ولا مانع أن يكونوا في الشام وغيرها كما تقدم.

شهداء الشام وفضلهم العظيم عند الله عز وجل

شهداء الشام وفضلهم العظيم عند الله عز وجل الحادي عشر: كثرة شهداء الشام وفضلهم العظيم عند الله، يعني: معظم الشهداء يكونون على أرض الشام، ولذلك روى أبو عسيب مولى النبي عليه الصلاة والسلام عنه عليه الصلاة والسلام قال: (أتاني جبريل بالحمى والطاعون، فكانت الحمى في المدينة والطاعون في الشام)، والكثير يسمع عن طاعون عمواس، فأرض الشام أرض طاعون، ولذلك الطاعون شهادة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ما تعدون الشهيد فيكم؟ قالوا: الشهيد -يا رسول الله- من قتل في الجهاد، قال: إذاً شهداء أمتي قليل، المبطون شهيد -الذي مات بمرض بسبب بطنه- والمطعون شهيد -الذي مات بالطاعون- والغريق شهيد، وصاحب الهدم، وصاحبة الجنب شهيد) أي: التي ماتت بسبب الولادة أو ماتت في مدة نفاسها، فعدد النبي عليه الصلاة والسلام بعض أصناف الشهادة، فالطاعون شهادة مات به الألوف المؤلفة من أهل الشام في طاعون عمواس، وهذا دليل شرف وفضل لهذه الأرض ولأهلها؛ لأنها أرض الشهادة، فأسكن الله تعالى الطاعون في بلاد الشام ليكثر الشهداء، وليرفع درجاتهم، ويزكي أعمالهم، ولقد توفي في طاعون عمواس هذا أمين هذا الأمة أبو عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وشرحبيل بن حسنة، وآلاف من الأخيار من الصحابة والتابعين وغيرهم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض، فإذا تصافوا) أي: وقف جيش الإيمان في مقابلة جيش الكفر (قالت الروم: خلوا بيننا وبين من سبوا منا -يعني: أخذوا منا سبايانا- نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا -والله- لا نخلي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم فينهزم ثلث الجيش، لا يتوب الله عليهم أبداً، ويقتل ثلث هم أفضل الشهداء عند الله، كأن الشام تنفي خبثها كما تنفي النار خبث الحديد) إلى آخر الحديث. وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون). وقال النبي عليه الصلاة والسلام في حديث أبي الدرداء: (فسطاط المسلمين يوم الملحمة)، أي: في يوم الملحمة الكبرى التي يسميها الآن اليهود والنصارى: معركة هرمجدون، ولعلكم تسمعون بهذه المعركة، والنبي عليه الصلاة والسلام أسماها الملحمة الكبرى، واليهود والنصارى وبعض من يحلو له أن يردد مصطلح اليهود والنصارى في كتبه ومحاضرته ومقالاته يقول: معركة هرمجدون، ومجدو: اسم قرية في الشام تبعد عن تل أبيب حوالي خمسة عشر ميلاً، هذه الأرض اليهود يعلمون أن المعركة الحاسمة والملحمة الكبرى بينهم وبين المسلمين في آخر الزمان إنما تكون في هذه الأرض، في أرض مجدو، أو في قرية مجدو، أو في جبل مجدو، وهي التي يعبر عنها اليهود والنصارى بمعركة هرمجدون. أما النصوص فتقول: هي المعركة الكبرى أو الملحمة الكبرى، والله تعالى يكتب فيها النصر والتأييد لأهل الإيمان، ويقتلون من اليهود مقتلة عظيمة جداً، فيفرون ويتيهون في سائر بقاع الأرض كما تاهوا فيها في زمن موسى عليه السلام، وهذه بشارات عظيمة جداً، وأن النصر والتأييد والفوز والفلاح والسؤدد والريادة لأهل الإيمان والإسلام، لكن القضية الآن أنه لا يهزم اثنا عشر ألفاً من قلة، وجيوش المسلمين تبلغ ملايين الناس. لكن أين الاثنا عشر ألفاً بشروطهم، الذين لا يهزمهم جيش؟! والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا صلى أربعون من أهل الإيمان على رجل شفعهم الله فيه)، لم يقل: أربعون فقط، أو مائة فقط، بل حدد لهم شروطاً: أن يكونوا من أهل الإيمان والتوحيد، لا يشركون بالله عز وجل في قول ولا فعل، وإذا نظرت إلى جموع الآلاف الذين يصلون على جنائز المسلمين نظرت في نفسك فارتد إليك بصرك وعقلك مرة أخرى هل في هؤلاء -وأنا منهم- أربعون موحدون؟ فليست العبرة بالعدد، وكم من جماعة قامت على العدد فلم يغن عنها العدد شيئاً، فيها كل البلايا والطامات. الاهتمام بتربية النشء المسلم، والفرد المسلم على كتاب الله وصحيح سنة النبي عليه الصلاة والسلام إنما هو المنهج الأمثل، بل هو المنهج الأوحد الذي يرجى من ورائه الخير، بل لو تربى المرء على هذا المنهج الذي عبر عنه السابقون واللاحقون بالتصفية والتربية، تصفية العلم والسنة وكتب التاريخ والتراث مما علق بها من إسرائيليات وخرافات وأحاديث باطلة ضعيفة، وتربت الأجيال بعد ذلك على هذا المنهج المصفى لكان هذا هو النعيم بعينه، وكان هذا هو الخير كله، ولا خير في الأمة إلا بهذا المنهج. قال النبي عليه الصلاة والسلام: (فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة إلى جانب مدينة يقال لها: دمشق)، إذاً: الملحمة الكبرى ستكون على أرض كانت تسمى في زمان النبي عليه الصلاة والسلام الغوطة، ولا يزال اسمها معروفاً إلى الآن بالغوطة، يسمونها: غوطة دمشق، وهي قرية قريبة من دمشق. وق

شبه أشجار الشام بشجرة طوبى

شبه أشجار الشام بشجرة طوبى الثاني عشر: شجرة طوبى في الجنة تشبه أشجار الشام، يعني: هناك أشجار في الشام الآن تشبه شجرة طوبى في جنة الله عز وجل، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن ربي وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً بغير حساب، ثم يشفع كل ألف لسبعين ألفاً، ثم يحثي لي ربي بكفيه ثلاث حثيات، فكبر عمر وقال: الله أكبر! إن السبعين الأول يشفعهم الله في آبائهم وعشائرهم، وأرجو الله أن يجعلني الله في الحثيات الأواخر، فقال الأعرابي: يا رسول الله! فيها فاكهة؟ قال: نعم، وفيها شجرة تدعى طوبى من شجر أرضك، ولكن أتيت الشام؟) يعني: الجنة هذه فيها شجرة تسمى طوبى تشبه أشجار الشام، فهل أتيت الشام؟ (قال: لا يا رسول الله! قال: إنها تشبه شجرة بالشام تدعى الجوزة)، وليست الجوزة التي عندنا الأرجيلة، الجوزة هذه أهل الشام لا يعرفونها بهذا الاسم، يعرفونها بالأرجيلة، اختلفت الأسماء والمسمى واحد، قال: (تدعى الجوزة تنبت على ساق واحد ثم ينتشر أعلاها)، يعني: تتشعب بعد ذلك إلى شعب وأفرع، (قال: فما عظم أصلها؟ قال: لو ارتحلت جذعة من إبل أهلك لم يدر بأصلها حتى تنكسر ترقوتها هرماً)، يعني: جذعة عظيمة جداً، وهي بأرض الشام.

بقاء الشام بعد خراب الأمصار

بقاء الشام بعد خراب الأمصار الثالث عشر: بقاء الشام بعد خراب غيرها من الأمصار، بعد خراب يثرب كما قال عليه الصلاة والسلام: (عمران بيت المقدس خراب يثرب، وخراب يثرب خروج الملحمة، وخروج الملحمة فتح القسطنطينية، وفتح القسطنطينية خروج الدجال)، فتن يعقب بعضها بعضاً، وأول شيء: عمران بيت المقدس وخراب يثرب، يعني: يخرب يثرب أولاً ويعمر بيت المقدس، وخراب يثرب يعقبه خروج الملحمة الكبرى بين ملل الكفر عموماً وبين أهل الإسلام، وفيه تفصيل سيأتي معنا، وخروج الملحمة، والقسطنطينية -التي هي تركيا- فتحت على يد محمد الفاتح مرة ثم رجعت الآن بعد سقوط الخلافة العثمانية على يد الهالك مصطفى كمال أتاتورك الذي اصطفاه الله لناره وعذابه. وابن القيم يقول: لكل مسمى حظ من اسمه سلباً أو إيجاباً، فهو اسمه مصطفى وما فيه شيء من الاصطفاء، وأبوه كمال ولا فيه شيء من الكمال. وفي الحديث: (ينزل عيسى بن مريم عليه السلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق)، ويهلك شيخ الضلالة المسيخ الدجال الذي يقتله عيسى بن مريم بيده. الرابع عشر: أرض الشام هي أرض المحشر والمنشر، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام بالنص: (الشام أرض المحشر والمنشر).

رؤيا أم النبي صلى الله عليه وسلم قصور الشام عند ولادتها بالنبي صلى الله عليه وسلم

رؤيا أم النبي صلى الله عليه وسلم قصور الشام عند ولادتها بالنبي صلى الله عليه وسلم وأخيراً: رؤيا أم النبي صلى الله عليه وسلم قصور الشام عند ولادتها النبي عليه الصلاة والسلام، فإنها وهي تلده رأت قصور الشام، وهذه كرامة لنبينا عليه الصلاة والسلام. قال الحافظ ابن رجب: ومن بركات الشام الدينية أن نور النبي صلى الله عليه وسلم سطع إليها، والمقصود بنور النبي شرعه الذي جاء به عليه الصلاة والسلام، فأشرقت قصور الشام بنور الوحي الذي أتى مع النبي عليه الصلاة والسلام، فكان ذلك أول مبدأ دخول نوره الشام صلى الله عليه وسلم، ثم دخلها نور دينه وكتابه فأشرقت به وطهرها الله تعالى مما كان فيها من الشرك والمعاصي، ثم كان مهاجره إلى المدينة النبوية، وإن تمام أمره وعمود ملكه سيكون في الشام حيث رأت أمه قصور الشام. وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله! ما كان أول بدء أمرك؟ فقال النبي: دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمي نوراً أضاءت منه قصور الشام). وعن العرباض بن سارية سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إني عند الله في أم الكتاب لخاتم النبيين، وإن آدم لمجندل في طينته، وسأنبئكم بتأويل ذلك: دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسى قومه، ورؤيا أمي التي رأت أنه خرج منها نور أضاءت منه قصور الشام). وكذلك ترى أمهات النبيين صلوات الله وسلامه عليهن، قال الحافظ ابن كثير: وفي هذا الحديث وغيره بشارة لأهل محلتنا -لأن ابن كثير كان دمشقياً من بصرى- وأنها أول بقعة من أرض الشام خلص إليها نور النبوة، قبل أن يظهر في مكة والمدينة ظهر في الشام عند ولادته عليه الصلاة والسلام، قال: وأنها أول بقعة من أرض الشام خلص -يعني: ذهب- إليها وظهر فيها نور النبوة ولله الحمد والمنة، ولهذا كانت أول مدينة فتحت من أرض الشام، وكان فتحها صلحاً في خلافة أبي بكر.

[2]

الأرض المقدسة في ضوء الكتاب والسنة [2] لبيت المقدس فضائل عظيمة ثبتت في نصوص الوحي، فضلاً عن كونها جزءاً من بلاد الشام الثابت فضلها في نصوص كثيرة، ومن جملة تلك الفضائل لبيت المقدس صلة كثير من الأنبياء بها، وإسراء نبينا صلى الله عليه وسلم إليها، وكونها أولى القبلتين، وغير ذلك من الفضائل العظيمة.

فضائل بيت المقدس

فضائل بيت المقدس

صلة الأنبياء ببيت المقدس

صلة الأنبياء ببيت المقدس أما فضائل بيت المقدس خاصة في سنة النبي عليه الصلاة والسلام، منها: أن بيت المقدس وفلسطين هي مهاجر أبينا إبراهيم ولوط عليهما الصلاة والسلام، وهذا تقدم، والمسجد الأقصى ثاني مسجد بني على وجه الأرض. أخرج مسلم في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله! أي مسجد وضع في الأرض أولاً؟ قال: المسجد الحرام، قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة، وأينما أدركتك الصلاة فصل فإنه مسجد)، يعني: كل الأرض جعلت لنا مسجداً وطهوراً، فأينما أدركتك الصلاة فصل، وفي رواية: (فأينما أدركتك الصلاة فعندك سجودك وطهورك)، يعني: المكان الذي تسجد عليه والتراب الذي تتيمم به إن فقدت الماء أو عجزت عن استعماله مع وجوده. وقد اختلف أهل العلم فيمن بنى المسجد الحرام، وكذلك فيمن بني المسجد الأقصى، فقيل: آدم هو الذي بنى كلاً من المسجدين، والذي يترجح لدي: أن آدم عليه الصلاة والسلام هو الذي وضع حجر الأساس للبيت الحرام، والذي رفع القواعد هو إبراهيم وإسماعيل، ثم تعاقبت بعد ذلك مراحل بنيان البيت الحرام، أما البيت الذي هو بيت إيلياء أو المسجد الأقصى فالذي بناه هو إبراهيم عليه الصلاة والسلام. ولذلك أنتم تعرفون أن إبراهيم رحل من أرض الحجاز إلى أرض الشام، ولا يبعد أن يكون إبراهيم عليه الصلاة والسلام عاش حتى بنى المسجد الأقصى بعد بنائه للمسجد الحرام بأربعين عاماً، هذا أمر ليس ببعيد، ولم يقل: بينهما ألف عام أو ألفان أو ثلاثة، فإنه يبعد جداً أن نقول: إن الذي بنى المسجدين هو إبراهيم، وإنما بين بناء المسجدين أربعون عاماً، وهذا أمر يقبل أن يكون الذي بنى ذلك هو إبراهيم عليه الصلاة والسلام. وعلى أية حال هذه مسألة فيها خلاف بين أهل العلم، والترجيح فيها بالظن لا باليقين. وموسى عليه السلام سأل ربه عند الموت أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر، وأنتم تعلمون الحديث الطويل الذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، الذي هو معروف بحديث فقء عين ملك الموت، هذا الحديث لا يروق لكثير من العلمانيين والملاحدة، وقصار النظر، والجهلة من أبناء المسلمين، هذا الحديث شرحناه مراراً ورددنا على الملاحدة، وأنا لا أذكر هذا الحديث بنصه، وإنما أجتزئ من هذا الحديث وأحيل إلى ما رددت به على الملاحدة بشأن هذا الحديث في محاضرات سبقت هذه المحاضرة، أما الجزء الذي هو موطن الشاهد فهو قوله: (لما اختار موسى عليه السلام الموت قال: يا رب! أدنني من بيت المقدس رمية بحجر)، قال النووي عليه رحمة الله: وإنما لم يطلب موسى من ربه أن يقبض روحه في بيت المقدس مخافة أن يعبده الجهال، وإنما أراد أن يدفن في مكان لا يعرفه فيه الناس بجوار البيت المقدس، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (مررت بموسى ليلة أسري بي وهو قائم يصلي في قبره عند الكثيب الأحمر، ولو أني وأنتم ثم -أي: هناك- لأريتكم قبره). الشاهد من هذا: أن موسى عليه السلام لما أتاه الموت كان في ذلك الوقت في أرض سيناء، فطلب من ربه أن يحمله مقدار أن يرمي المرء الحجر، أي: هذه السرعة أو مقدار ما أن يرمي الرجل حجرة من بيت المقدس خارج هذا البيت، فحمل الله عز وجل موسى عليه السلام إلى هذا الموضع الكثيب الأحمر فقبض روحه هناك. وهذا يدل على شرف وفضل بلاد الشام، وأن أنبياء الله عز وجل الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن الكريم -وهم خمسة وعشرون نبياً- معظمهم له اتصال وثيق بأرض الشام، إما مات في أرض الشام، وإما دعوته كانت في أرض الشام، فهي أرض الأنبياء، ومسرى الشهداء، وبركة السماء، هذه الأرض لها فضل عظيم جداً كاد الواحد منا إذا قرأ في فضلها أن يقول: أين فضل مكة بجوارها؟ وأين فضل المدينة بجوارها؟ لما لهذه الأرض من شرف وفضل عظيم، وقد وردت نصوص لا تكاد تقع تحت حصر في فضل هذه البلاد وشرف أهلها، إنه شيء عظيم يجعل الواحد ينطلق ولو على قدميه إلى تلك البلاد؛ لشرفها وفضلها وعصمتها من الزلازل والفتن ووجود الأمن والإيمان في آخر الزمان، ونحن كدنا أن نكون في آخر الزمان، ولم يبق من العلامات التي تسبق القيامة إلا العلامات الكبرى، فقد ظهرت الصغرى. ويوشع بن نون فتى موسى -أي: صاحبه وليس غلاماً له أو عبداً عنده، وهو نبي من أنبياء بني إسرائيل- حبس الله تبارك وتعالى له الشمس عند فتحه للقدس، وهذا شيء عجيب وفضل عظيم. يقول الشاعر: أهذه القدس والأقصى يزينها مسرى النبي أفيها ساجداً عمر أم أورشليم يهودا بات يحكمها وهيكل الظلم في أحضانها نضر وديار فلسطين المباركة المطهرة كانت ديار يعقوب قبل هجرته إلى مصر، وقد كان مسكنه في نابلس، وقد قال ابن كثير في البداية والنهاية: إن المسجد الأقصى أسسه إسرائيل، وهو يعقوب عليه السلام. وبالقدس كان ملك داود عليه السلام ومحرابه، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (كان دا

الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس

الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس والإسراء بالنبي عليه الصلاة والسلام كان إلى بيت المقدس، وإمامته للأنبياء كانت في بيت المقدس، والمعراج إلى السماء كان من بيت المقدس، إذاً: هناك حلقات متصلة وارتباط وثيق بين مكة المكرمة وبين المدينة النبوية، وبين بيت المقدس، وبين السماء الأولى والسماء الثانية حتى السابعة، وحتى سدرة المنتهى، هذه أشياء في حياتنا وفي دمائنا لا يمكن أن نفرط فيها أبداً. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لقد رأيتني في الحجر -أي: في حجر الكعبة- وقريش تسألني عن مسراي، فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها)، أي: لم أكن أذكرها جيداً، كأنه يذكرها من بعيد، قال: (فكربت لذلك كربة عظيمة)، خاف النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يجب هؤلاء المشركين على أسئلتهم أنهم سيقولون له: أنت كذاب، قال: (فرفعه الله إلي أنظر إليه)، أي: أن ربنا أنجد عبده ورسوله فأتى له بالمسجد الأقصى ووضعه بين يديه في مكة، فالمشركون سألوه: أنت تقول بأنه أسري بك إلى بيت المقدس في هذه الليلة وأيضاً عرج بك إلى السماء السابعة، ورجعت مرة أخرى إلى المسجد الأقصى، وركبت بعد ذلك البراق وجئت مكة مرة أخرى، كل هذا في الليلة هذه؟ فإذا كان كذلك فصف لنا أوصاف المسجد؟ لما سألوه السؤال هذا كرب لذلك كرباً عظيماً، فأنجده الله، فرفع إليه المسجد الأقصى حتى نظر إليه، فكانوا يسألونه وهو ينظر إلى البيت ويصفه لهم، فأي كرامة وأي معجزة للنبي عليه الصلاة والسلام؟! فمعجزاته عليه الصلاة والسلام المادية لا تكاد تقع تحت حصر، قال: (ما يسألون عن شيء إلا أنبأتهم به، وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء، فإذا موسى قائم يصلي فإذا رجل ضرب جعد كأنه من رجال شنؤة، وإذا عيسى بن مريم عليه السلام قائم يصلي، أقرب الناس به شبهاً عروة بن مسعود الثقفي، وإذا إبراهيم قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم) يعني: نفسه عليه الصلاة والسلام. إذاً: نبينا أشبه الناس بأبيه إبراهيم عليه السلام، قال: (فحانت الصلاة فأممتهم)، أي: فصلى بهم إماماً، (فلما فرغت من الصلاة قال قائلهم: يا محمد! هذا مالك صاحب النار فسلم عليه، قال: فالتفت إليه فبدأني بالسلام)، وفي رواية: (فسلمت عليه). والرسول عليه الصلاة والسلام تسلم في ليلة الإسراء مفاتيح الشام ومفاتيح بيت المقدس من الأنبياء الذين صلى بهم، يعني: تسلم مفاتح الشام من إبراهيم عليه السلام، ومن سليمان، ومن يعقوب، ومن داود، ومن الأنبياء الذين تعاقبوا على أرض الشام، وكان لهم اتصال وثيق بالبيت المقدس، فتسلم النبي عليه الصلاة والسلام مفاتيح بيت المقدس من الأنبياء، وفي هذا إشارات متعددة: أولاً: اعتراف من هؤلاء الأنبياء جميعاً بأن صاحب الميراث الشرعي في هذه البلاد وفي هذا الحرم القدسي إنما هو النبي عليه الصلاة والسلام وأمته من بعده؛ إشارة إلى أننا أصحاب الميراث وليس اليهود الملاعين، فأمة محمد هي صاحبة الميراث الحقيقي في البيت المقدس والشام عموماً. ثانياً: اعتراف من هؤلاء الرسل جميعاً بفضل ومنزلة رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومكانته عند الله، ومكانة أمته كذلك، وتسليم منهم أنه أفضل الخلق وأكرمهم على الله عز وجل. ثالثاً: اعتراف بختم النبوة والرسالة بنبوة ورسالة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فلا وحي بعده، ولا نبي بعده. رابعاً: دعوة هؤلاء الأنبياء لبني إسرائيل أن يدخلوا في دين محمد عليه الصلاة والسلام، فلا دين بعده، ودين محمد هو ناسخ لجميع الشرائع السابقة ولجميع الكتب السابقة، وإن كان الإيمان بجميع الأنبياء والمرسلين حتم لازم على كل مسلم، ولا يؤمن العبد إلا إذا آمن بجميع الأنبياء وجميع الكتب ما ذكر منها وما لم يذكر، ومن ذكر منهم ومن لم يذكر، على سبيل الإجمال قبل التحريف والتبديل، ومن كفر بنبي واحد كفر بجميع الأنبياء، ومن كفر بكتاب واحد كفر بجميع الكتب، قال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} [البقرة:285]. وبين النبي عليه الصلاة والسلام أن أركان الإيمان ستة، فقال: (أن تؤمن بالله، وملائكته وكتبه)، ولم يقل: الكتاب، (ورسله) ولم يقل بأن تؤمن بي، وإنما أن تؤمن بجميع الأنبياء، فمن قال: أنا أؤمن بجميع الأنبياء عدا موسى أو عيسى فقد كفر بجميع الأنبياء حتى بمحمد عليه الصلاة والسلام، ولذلك من الحجج المنطقية العقلية أن من آمن بجميع الأنبياء هو أحق بالميراث ممن كفر بنبي واحد، فنحن أحق الناس بأرض الشام وأرض فلسطين؛ لأننا نؤمن بجميع الرسل والأنبياء، كما أننا نؤمن بجميع الكتب، فنحن أحق بالميراث من غيرنا. خامساً: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان هو أول فاتح لبلاد بيت المقدس، لكنه فتحها نظرياً، فتحها عملياً كان في زمن عمر بن الخ

بيت المقدس أولى القبلتين

بيت المقدس أولى القبلتين كما أن أرض الشام كان فيها القبلة الأولى للمسلمين، وهي بيت المقدس، وقد صلى النبي عليه الصلاة والسلام إلى بيت المقدس وهو بالمدينة ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، فهي القبلة الأولى لنبينا عليه الصلاة والسلام، وكان النبي يحب أن تتحول القبلة إلى مكة، حتى أنزل الله تبارك وتعالى الأمر بتحويل القبلة إلى البيت الحرام في مكة، وكان ما كان من المشركين الذين استهزءوا بالنبي عليه الصلاة والسلام من باب السفه، ومن باب الحمق والغفلة، كما في قول الله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} [البقرة:142]، أي: ما الذي جعلهم يتحولون عنها إلا لأنهم رجعوا عما كانوا عليه من إيمان! وليس الأمر كذلك، بل هذا من باب الفتنة والابتلاء؛ لينظر الله تبارك وتعالى من آمن ومن انقلب على عقبيه وخسر الدنيا والآخرة.

شد الرحال إلى بيت المقدس

شد الرحال إلى بيت المقدس وبيت المقدس هو أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال، قال عليه الصلاة والسلام: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى)، ولم يقل: لا تشد الرحال إلا إلى مسجدين وقبري، وإنما قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد)، ولذلك فإن من شعب الشرك أن يقصد المرء زيارة المدينة لأجل زيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام، وإنما زيارة قبره عليه الصلاة والسلام بآداب وأحكام الزيارة الشرعية إنما هي غرض تابع وليس أصيلاً، وإنما الغرض الأصيل من زيارة بلد نبينا عليه الصلاة والسلام هو زيارة مسجده، وشد الرحال إليه، أي: إلى المسجد، والصلاة فيه، وتأتي زيارة قبره بأدب ودعاء وصلاة وسلام عليه صلى الله عليه وسلم والترضي عن صاحبيه أبي بكر وعمر، وسائر أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام دون تلبس بشيء من شعب الشرك.

بشارة النبي عليه الصلاة والسلام بفتح بلاد الشام وبيت المقدس

بشارة النبي عليه الصلاة والسلام بفتح بلاد الشام وبيت المقدس وقد بشر النبي عليه الصلاة والسلام بفتح بلاد الشام وبلاد بيت المقدس، فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (لما كان حين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق عرضت لنا في بعض الخندق صخرة لا تأخذ فيها المعاول، فاشتكينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءنا فأخذا المعول -أي: الفأس- فقال: باسم الله، فضربها ضربة فكسر ثلثها) فكان أقوى الناس عليه الصلاة والسلام، قال: (فكسر ثلثها وقال: الله أكبر! أعطيت مفاتح الشام)، أي: كأن الخريطة التي عليها صورة الشام كانت مخبأة تحت هذا الثلث، فلما كسر النبي الثلث ظهرت الشام، فقال النبي: (الله أكبر! أعطيت مفاتيح الشام، والله! إني لأبصر قصورها الحمر الساعة، ثم ضرب الثانية فقطع الثلث الآخر فقال: الله أكبر! أعطيت مفاتيح فارس، والله! إني لأبصر قصر المدائن الأبيض، ثم ضرب الثالثة وقال: باسم الله. فقطع بقية الحجر وقال: الله أكبر! أعطيت مفاتيح اليمن، والله! إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا الساعة)، وهذا شيء عجيب لا يأتي إلا في غزوة الخندق، ولا أحد يجد لقمة العيش، ومع هذا يبشر الرسول صلى الله عليه وسلم بفتح اليمن، وفارس، والشام، قال هذا وهم يحفرون خندقاً مخافة المشركين، وأكثر من هذا أن تيجان هؤلاء الملوك في هذه الأرض -أرض الروم وفارس- يأخذها بعض أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام فيضعونها في أيديهم أو في رقابهم أو على رءوسهم تيجاناً يتذكرون بها ما كان في الأيام الخالية السالفة الماضية، أيام كان الواحد منهم يأكل ورق الشجر، فقد سار وصار إلى ما بشر به النبي عليه الصلاة والسلام من أمر هذه الفتوحات. عن عوف بن مالك الأشجعي قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بناء له فسلمت عليه فقال: عوف؟ قلت: نعم يا رسول الله! قال: ادخل، قلت: كلي أو بعضي يا رسول الله؟!) يمزح مع النبي صلى الله عليه وسلم، (قال: كلك، ثم قال: اعدد - عوف - ستاً بين يدي الساعة: أولهن موتي) وهو الذي قال عليه الصلاة والسلام: (بعثت أنا والساعة كهاتين، وأشار إلى السبابة والوسطى)؛ لقربهما من بعض، والتصاقهما ببعض، وكأنه قال: بعد موتي الساعة، حتى وإن طال الزمان، فكل غد قريب. قال: (فاستبكيت حتى جعل الرسول يسكتني، قال: قل: إحدى، والثانية: فتح بيت المقدس)، إذاً: الذي بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم هو فتح بيت المقدس، ولما جاء عمر رضي الله عنه يقول: يا أبا بكر! أنت ترى المرتدين الذين ارتدوا في الجزيرة فارجع جيش أسامة نستغله في محاربة المرتدين، فـ أبو بكر رضي الله عنه ببعد نظره الذي علم من النبي عليه الصلاة والسلام أن بعد الموت فتح بيت المقدس، وأن النبي هو الذي جهز جيش أسامة قال: والله! ما كنت أحل لواءً عقده النبي عليه الصلاة والسلام، وهو على يقين من ربه أن الله تعالى سيفتح على أسامة؛ لأن هذه بشارة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ما كان من فتح بلاد الشام ورجوع المرتدين على أنكاصهم. (قال: قل: اثنتين، فقلت: اثنتين، قال: الثالثة: فتنة تكون في أمتي)، وعظم النبي شأنها جداً، (قال: والرابعة: موتان يقع في أمتي يأخذهم كعقاص الغنم)، داء ينشأ في الغنم إذا نشأ فيها أخذها حتى استأصلها، (والخامسة: يفيض المال فيكم فيضاً حتى إن الرجل ليعطى المائة دينار فيظل يسخطها) مائة دينار ذهباً، والدينار بمائتي جنيه في هذا الوقت، ومائة دينار في مائتين بعشرين ألفاً، فإذا قيل للواحد: خذ مائة دينار ذهباً يقول: لا أريد؛ ما هذه المائة الدينار؟ وأنت في هذا الوقت تقول: نحن أين والأيام هذه أين؟ يا ليتها تعجل، فنقول: لا تقل ذلك؛ فإنها إذا عجلت فالساعة فيها والفتنة فيها، والنجاة في بلاد الشام، (قال: قل: خمساً، والسادسة: هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر -الروم- يسيرون إليكم على ثمانين راية تحت كل راية اثنا عشر ألفاً) واثنا عشر في ثمانين بتسع مائة وستين ألفاً، يعني: حوالي مليون جندي، قال: (فسطاط المسلمين يومئذ في أرض يقال لها: الغوطة، فيها مدينة يقال لها: دمشق)، أليست هذه أرض الملحمة؟ أرض الملحمة في أرض الغوطة بجوار دمشق. وعن معاذ بن جبل قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ست من أشراط الساعة: موتي، وفتح بيت المقدس، وموت يأخذ الناس كعقاص الغنم، وفتنة يدخل حرها بيت كل مسلم، وأن يعطى رجل ألف دينار فيتسخطها، وأن تغدر الروم) يعني: النصارى، والعجيب أن الملحمة الكبرى هذه سيأتي فيها عدو للروم والمسلمين في آن واحد لا يقوى عليه المسلمون ولا يقوى عليه الروم، وسيعقد المسلمون وبنو الأصفر هدنة بينهم ممنوع الحرب بين المسلمين وبين الروم، و

[3]

الأرض المقدسة في ضوء الكتاب والسنة [3] لقد حفلت النصوص النبوية بالعناية بأرض الشام وذكر ما يكون فيها، ومن ذلك بيان صفات أهل الإيمان المجتمعين ببلاد الشام في آخر الزمان، وبيان الأحداث الجارية في ساحة بلاد الشام وبيت المقدس.

صفات أهل الإيمان الذين يتجمعون في بلاد الشام في آخر الزمان

صفات أهل الإيمان الذين يتجمعون في بلاد الشام في آخر الزمان الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد: سيدور كلامنا في محورين اثنين لا ثالث لهما: المحور الأول: صفات أهل الإيمان الذين يتجمعون في بلاد الشام في آخر الزمان. والمحور الثاني: الأحداث والمسرحيات التي تدور على هذه البقعة المباركة من الأرض الطيبة. أما المحور الأول: فمن هم أهل الإيمان؟ وما صفاتهم؟

الطائفة المنصورة

الطائفة المنصورة أهل الإيمان هم الطائفة المنصورة، وقد بين النبي عليه الصلاة والسلام صفات لهم، فعن عبد الله بن حوالة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ستجندون أجناداً: جنداً بالشام، وجنداً بالعراق، وجنداً باليمن. قال ابن حوالة: فقمت وقلت: خر لي يا رسول الله! قال: عليك بالشام)، والحديث قد مر بنا، والشاهد منه: أن هذه الطائفة هم أجناد الله تعالى في الأرض، فصفتهم الأولى: أنهم جندوا أنفسهم لخدمة الإسلام والدفاع عنه ضد من يريد به وأبناء أمته أي سوء، وليسوا ممن باعوا أنفسهم لخدمة أعدائهم بتنفيذ مخططاتهم التي يكيدون بها للمسلمين والإسلام بالليل والنهار، يعني: ليس ياسر عرفات من أجناد الله، وليس من الطائفة المنصورة، بل هو من الطائفة المخذولة ممن باع دينه وباع وطنه وشرفه وكرامته لليهود أعداء الله.

خير عباد الله في الأرض

خير عباد الله في الأرض الصفة الثانية: هم خيرة عباد الله في أرضه، ولقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن أفراد هذه الطائفة هم الذين يدافعون عن حمى الإسلام في الأرض المقدسة، كما جاء في حديث ابن حوالة السابق: (عليك بالشام فإنها خيرة خلق الله في أرضه، يجتبي إليها خيرته من خلقه)، ومن حديث العرباض بن سارية: (إني أختار لك الشام فإنه خيرة المسلمين وصفوة الله من بلاده يجتبي إليه صفوته من خلقه)، وفي حديث أبي أمامة: (صفوة الله من أرضه الشام، ومنها صفوته من خلقه وعباده)، وغير ذلك من الأحاديث.

حفظ الله ورعايته لهم

حفظ الله ورعايته لهم الصفة الثالثة: حفظ الله ورعايته لهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل تكفل لي بحفظ الشام وأهله). قال العز بن عبد السلام: أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الشام في كفالة الله تعالى، وأن ساكنيه في كفالته وحفظه وحمايته، ومن حاطه الله تعالى وحفظه فلا ضيعة عليه.

طائفة الحق الظاهرون

طائفة الحق الظاهرون الصفة الرابعة: كونهم طائفة الحق الظاهرين عليه، أنا أذكر هذا من كتاب للأخ إبراهيم العلي: (القدس بين الحاضر والماضي)، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، ولا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة)، وفي حديث عمران: (وأومأ بيده إلى الشام)، أي: أن الطائفة المنصورة مكانها في الشام. وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن القتال ماضٍ في الأمة إلى قيام الساعة، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس)، فقام مالك بن يخامر السكسكي وقال: يا أمير المؤمنين! سمعت معاذ بن جبل يقول: وهم أهل الشام، فقال معاوية ورفع صوته: هذا مالك يزعم أنه سمع معاذاً يقول: وهم أهل الشام. فالطائفة المنصورة هم أهل الشام، وكأن معاوية رضي الله عنه اتكأ واستند على هذه الراوية في إثبات أنه على الحق في قتاله مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، لكن هذا في الحقيقة مخالف لما عليه أهل السنة، وهو أن علياً رضي الله عنه كان صاحب الحق، وأن معاوية كان متأولاً، وله من جبال الحسنات والفضل وكتابة الوحي ما يغفر له السيئات، وفي الجملة الصحابة ليسوا معصومين، وعلي رضي الله عنه أقرب الفئتين إلى الحق، وكل منهم محسن، ونترضى عنهم جميعاً، ونحبهم جميعاً، ونكره من يعاديهم ولا نترضى عنه. وقال النبي عليه الصلاة والسلام لما سئل: فأين هم؟ أي: هذه الطائفة المنصورة، فقال: (ببيت المقدس، وأكناف بيت المقدس)، يعني: هم في بيت المقدس، وفي الأماكن والقرى المجاورة لبيت المقدس، وهذه بشارة عظيمة جداً.

فئة مجاهدة متصفة بالعلم

فئة مجاهدة متصفة بالعلم الصفة الخامسة: الفئة المنصورة والظاهرة على الحق فئة مجاهدة مقاتلة، والعلم شرط فيها، العلم دائماً شرط في الطائفة المنصورة، والعمل بهذا العلم شرط في الطائفة المنصورة، وكونها مجاهدة، زارعة، حارثة، تاجرة، هذا لا يضر، وهم منتشرون في شرق البلاد وغربها كما بين ذلك الإمام النووي وغيره من أهل العلم، وهذه الطائفة قائمة على أمر الحق وتطبيق أحكامه، لم ينبذوا كتاب الله تعالى وسنة رسوله وراء ظهورهم، وإنما عملوا بها علماً وعملاً؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام بين أنهم قائمون بأمر الله، قائمون بالحق، وقائمون للحق، وهذا يدل على توافر العلم والعمل في آن واحد.

الصبر على ما يصيبها من عدوها

الصبر على ما يصيبها من عدوها الصفة السادسة: ومن صفات هذه الطائفة كذلك الصبر على ما يصيبها من أعدائها، والصبر أنواع، وفي ميادين شتى، فمنه الشدة والتضييق، فقد ذكر النبي عليه الصلاة والسلام أن طائفة أهل الحق ستتعرض للتضييق والتشديد، كما جاء في حديث أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين -منصورين مرفوعين رايتهم عالية- لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من اللأواء -أي: الشدة والعنت- حتى يأتي أمر الله وهم كذلك)، يعني: وهم صابرون، محتسبون، مجاهدون، لا يضرهم من خالفهم، ولا من اشتد عليهم، والشدة هي ما يتعرض له أهل الإيمان، وأهل العلم والتوحيد في بلادهم وفي غير بلادهم. ومما يصيب هذه الطائفة من أعدائها الخذلان والمخالفة، فلا تجد رجلاً يدعو إلى السنة إلا وفي مقابله من أبناء الملة مئات يدعون إلى البدع، وهذه سنة، والنبي عليه الصلاة والسلام ما دعا بدعوة ولا أمر بأمر، أو نهى نهياً إلا ووراءه صناديد الشرك يقولون: لا تصدقوه إنه كذاب، لكن العجيب أن يكون من أبناء الأمة من يخذل، ومن يكذب الحق، ومن يدعو إلى الباطل في شرق الأرض وغربها، فأصحاب البدع، وأصحاب الأهواء، والشبهات، والشهوات، هؤلاء هم المخذلون، وإن شئت فقل: هذا هو العدو الداخلي الذي هو منسوب إلى ملتي، يتكلم بلساني، ويدعو -للأسف- بدعوتي، وليس مني ولست منه في حقيقة الأمر، فلابد أن أهل الحق يصبرون على هؤلاء، كما قال الله تعالى: {وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان:52]، فجهاد أهل البدع بالكلمة والبيان، وجهاد الأعداء والكفار بالسيف والسنان، وهذا ما قرره أهل العلم. والمناوأة: هي المعارضة من قبل الأعداء أو من قبل أصحاب الأهواء والشبهات والشهوات، فهناك أسلحة كثيرة جداً يستعملها هؤلاء الأعداء في الداخل والخارج، وهي سلاح المخالفة، وسلاح الخذلان، وسلاح المناوأة والعداء، وسلاح الأذى والتضييق، يستعملون جميع هذه الأسلحة بما يتناسب مع تحقيق أهدافهم البعيدة عن مرضاة الله عز وجل، وبما يوافق هواهم وشهواتهم، ولذلك فإن صلتهم بالقرآن وأحكامه وتعليماته خاطئة، وعلاقتهم به مهزوزة، كما كان يفعل اليهود في تعاملهم مع التوراة ومع أنبيائهم. إذاً: فطائفة أهل الحق تواجه حملة من الأذى باتجاهين، إلا أن الله تعالى وعدها على لسان النبي صلى الله عليه وسلم بأنها ستبقى ظاهرة على هؤلاء، وهذه بشارة عظيمة، فمهما طال الليل فلابد من بزوغ الفجر، وهذه سنة الله تبارك وتعالى، ولابد من وجود الشر وإلا لم يشعر أهل الحق بالحق الذي هم عليه، ولابد من وجود الشر وإلا فلماذا خلق الله إبليس؟! فوجود الشر فيه حكم عظيمة جداً، منها: أن يتمسك أهل الحق بما هم عليه من حق، وأن يدافعوا عنه حتى آخر لحظة من حياتهم أو من حياة هذه الدنيا، لأنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال طائفة) يعني: ثلة قليلة من أهل الإيمان، ثم أثبت أنها قائمة على الحق وبأمر الله لا يضرها المخالفة ولا العداء، (حتى يأتي أمر الله) أي: حتى تقوم الساعة (وهم على ذلك) ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (وهم كالإناء بين الأكلة)، الإناء واحد والأكلة كثر، وهكذا أصحاب الحق قليل وأصاحب الباطل كثير، لكن لا خير فيهم، ولا خوف منهم. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الناس كالإبل المائة لا تكاد تجد فيها راحلة) واحدة من هذه الإبل تصلح للحمل عليها، لا تكاد تجد راحلة من كل مائة بعير، واحد يصلح للمهمة والحمل على ظهره، وفي هذا المعنى يقول الله تعالى: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة:249]، وهذا شيء مقرر في عقيدة المسلمين، ولذلك الله تعالى ما أمرنا أن نعد لهم بمثل ما أعدوا لنا، وإنما قال: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [الأنفال:60] أي: على قدر استطاعتكم، التماس للأسباب فقط، والنصر من عند الله عز وجل، ((إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ)) بالإيمان والتوحيد والعبادة والعلم والعمل، {يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7]، هذه سنة الله تبارك وتعالى. والنصر من عند الله لا من عند الخلق، ليس بكثرة العدد وإن كان إعداد العدة هو عين الأسباب التي أمر الله عز وجل بها، ولذلك العلماء يقولون: الاعتماد على السبب شرك بالله عز وجل، وترك الأسباب قدح في التوحيد، وهنا الله تعالى يقول: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً} [البقرة:249]، ليست مرة أو مرتين، بل هذا أمر قائم في الأمة منذ أن خلق الله تعالى الخلق إلى قيام الساعة، ((كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ)) بفضل الله تعالى ثم بفضل إيمانها {غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً} [البقرة:249] عدداً وعدة، وقال: {وَلا تَه

لا يظهر منافقوها على مؤمنيها

لا يظهر منافقوها على مؤمنيها وهذه الطائفة لا يعلوا منافقوهم على مؤمنيهم؛ لأنهم سوط الله ينتقم بهم ممن يشاء، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أهل الشام سوط الله في أرضه ينتقم بهم ممن يشاء من عباده، وحرام على منافقيهم أن يظهروا على مؤمنيهم ولا يموتون إلا هماً وغماً)، أي: المنافقون لا يموتون إلا هماً وغماً، وقد بين النبي عليه الصلاة والسلام أن ذلك كله إنما يكون في أرض الشام، وأهل الإيمان يجتمعون عند نزول الفتن حيث الأمن والإيمان بالشام وبيت المقدس، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا إن الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام)، وقال: (إذا وقعت الفتن فالأمن بالشام)، وقال: (ألا إن الإيمان حين تقع الفتن بالشام)، وكذلك حديث عمود الإسلام والإيمان الذي مر، وهذا يبين أن الفتن إذا وقعت في الدين كان أهل الشام برآء منها، وإذا كانت في الدنيا عمل أهل الشام بموجب الإيمان فكانوا في حفظ الله ورعايته.

تأييد الدين عند الفتن والملاحم

تأييد الدين عند الفتن والملاحم وكذلك هذه الطائفة هم الذين يؤيدون الدين عند الفتن والملاحم، يعني: هم الذين ينصرون دين الله عند نزول الفتن والملاحم، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا وقعت الفتن والملاحم بعث الله من دمشق بعثاً من الموالي أكرم العرب وأجودهم سلاحاً يؤيد الله بهم الدين) وهذا البعث من دمشق، ودمشق في الشام، وهذا يدل على أن الطائفة المنصورة المؤيدة لدين الله تعالى جلها شاميون، هذا هو المحور الأول. هذا المحور الأول لابد أن نستفيد منه فوائد، أعظمها: أن النصر لا يكون على يد أحد إلا من أهل الإيمان، وأن أصل النصر إنما يتحقق على يد الثلة المؤمنة الموحدة، والطائفة المنصورة، أما هؤلاء الرعاع الغجر الذين ليس لهم رسالة ولا هدف من حياتهم فإنهم لا خير فيهم البتة، ولا يركن إليهم، ومن ركن إليهم فقد ركن إلى جدار يكاد أن يخر عليه وفوق رأسه. فلابد أن نعلم أن النصر لا يتحقق إلا إذا تحقق الشرط، كما قال العلماء: إذا كان الشيء مشروطاً بشرط فلا يكون إلا بتحققه، قال الله تعالى: ((إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ)) وإن شرطية، {يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7]، فإن نصرنا الله تعالى أولاً نصرنا ثانياً، وإلا فلا، والنصر والهزيمة بيده سبحانه وتعالى، ولا يحصل النصر إلا بتحقق الشرط.

الأحداث التي تدور على أرض الشام

الأحداث التي تدور على أرض الشام أما المحور الثاني الذي يدور على أرض فلسطين وأرض الشام عموماً فهو الذي أخبر عنه الله تعالى، وأخبر عنه كذلك رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام؛ لأن هذه الأحداث غيبية، ولو أراد أحد أن يتخرص أو يتوهم ويتخيل لكان كله من باب الظن، أما إذا أخبر الله تعالى أو رسوله الكريم بشيء من الغيب فهذا أمر لا نقول عنه: ظن، أو تخمين، أو تخريص، وإنما هذا أمر يقيني:

استمرار الهجرة إلى أرض الشام

استمرار الهجرة إلى أرض الشام أولاً: تتابع الهجرات إلى أرض الشام، وهذا أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام فقال: (ستكون هجرة ثم هجرة ثم هجرة إلى مهجر إبراهيم عليه السلام)، ولا يزال الناس إلى يومنا هذا يحبون أن يهاجروا إلى بلاد الشام، ومن لم يكن هذا الأمر يدور في خلده فأظن أنه بعد سماع هذه المحاضرة وتعرفه على فضل الشام ستحدثه نفسه بالهجرة إلى بلاد الشام.

حصار أرض الشام اقتصاديا

حصار أرض الشام اقتصادياً ثانياً: أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بحصار اقتصادي يفرض على أرض الشام، وهو من بين المصائب والبلايا التي تنزل بالمسلمين، قال أبو نضرة: كنا عند جابر بن عبد الله فقال: يوشك أهل العراق ألا يجبى إليهم قفيز ولا درهم، قلنا: من أين ذاك؟ قال: من قبل العجم يمنعون ذاك، ثم قال: يوشك أهل الشام ألا يجبى إليهم دينار ولا مدى، قلنا: من أين ذاك؟ قال: من قبل الروم. ثم سكت هنية، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثياً، ولا يعده عدداً)، وهذا يكون في أرض الشام، قال الراوي: قلت لـ أبي نضرة وأبي العلاء: أتريان أنه -أي: الخلفية الذي يحثو المال ولا يعده- هو عمر بن عبد العزيز؟ قالا: لا. وقال عليه الصلاة والسلام: (منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مديها ودينارها، ومنعت مصر إردبها ودينارها، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم، وعدتم من حيث بدأتم)، شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه. كل هذه الأحاديث تدل على أنه سيضرب حصار اقتصادي على الشام، وهذا قائم الآن، حتى إن من فجور الأمريكان أنهم فرضوا فيما فرضوا على أهل ليبيا عدم الذهاب إلى بيت الله الحرام للحج والعمرة، وهذا من باب الخطة الألفية، فعلى مدار ألف سنة يتم حرمان ليبيا من الطعام والشراب، بل وحرمانها من حق الحياة، فأنت لما تمنع عني الأكل والشرب فإن المقصود من ذلك قتلي، وأنه لا حق لي في الحياة.

غلاء أرض الشام

غلاء أرض الشام ثالثاً: غلاء الأرض وارتفاع أسعارها في الأرض المقدسة بعلامة، ولا تزال الأرض الآن في القدس سعرها شيء رهيب جداً، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ولو أن لأحدكم مثل حبل دابته لكان خيراً له من الدنيا وما فيها)، يعني: ضع حبلاً على الأرض وقل: الأرض التي تحت الحبل ملكي، يكون هذا خيراً لك من الدنيا وما فيها، وهذا في أرض بيت المقدس، وهو قائم الآن غلاء لا يحتمله إنسان.

قتال اليهود على أرض فلسطين

قتال اليهود على أرض فلسطين رابعاً: قتال اليهود والقضاء عليهم يكون على أرض فلسطين. والفساد -يا إخواني- طبيعة متأصلة في الشعب اليهودي، هاهو لما أرد الإفساد بدأ بالأنبياء، وثنى بالشعوب الموحدة إلى يومنا هذا، ولا يزال الفساد في الأرض ملازماً لليهود منذ زمن، حتى النصارى في بلاد أوروبا أذاقوا اليهود الويلات تلو الويلات لما بدر منهم الغدر، وظهر منهم الفساد في بلاد أوروبا، فوعد بلفور بإنشاء دولة لليهود في فلسطين كان هذا نجاة للشعب الأوروبي كله من فساد اليهود، قالوا: دعهم يذهبوا إلى فلسطين لينشغلوا بالعرب قليلاً ويبعدون عنا؛ واليهود على مستوى العالم عشرون مليوناً منهم خمسة ملايين أو أقل من ذلك في أمريكا التي يبلغ تعدادها مائتين وخمسين مليوناً، ومع هذا يتحكمون فيها وفي رقابتها وسياستها واجتماعها واقتصادها وطعامها ومعاشها، وهذا شيء عجيب جداً! لكنه العلو الثاني في الأرض لليهود الذي لا يعقبه علو، وستتحطم هذا الأساطير، وسيخذل هذا العلو على أيدي الموحدين في أرض فلسطين. والحرب مع اليهود -الحرب بين الإيمان والكفر- لها مرحلتان: المرحلة الأولى: مرحلة هزيمة وإدالة، والمرحلة الثانية: مرحلة الإبادة حتى لا يبقى فيها على وجه الأرض يهودي، وبعد ذلك تقوم الساعة. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي خلفي تعال فاقتله. إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود) وقد انتشرت زراعة هذا الشجر في بلاد الشام كلها، وأنا قد رأيته في الأردن، رأيته في سنة ثمانين في الأردن، هذا الشجر يزرع بغزارة في الأردن فما بالك بسوريا وفلسطين؟! ولعل أقدار الله عز وجل ساقت أيدي المسلمين لزراعة هذا الشجر إنباءً وتصديقاً بنبأ النبي عليه الصلاة والسلام. كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن المسيح الدجال إذا أراد دخول المدينة حبس عند بابها عند القصر الأبيض)، ولم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم قصر أبيض، والعجيب أن القصر الأبيض بني الآن، ومن ذهب إلى جبل أحد ووقف عند مقابر الشهداء ونظر جهة الغرب رأى القصر الأبيض على قمة الجبل، وأول ما رأيته نبهني إليه بعض أهل العلم كان معي وقال: هذا القصر الأبيض الذي يستقر فيه المسيح الدجال. قال: (فيخرج إليه رجل من علماء المدينة فيشقه الدجال نصفين ويمشي بين نصفيه أو بين شقيه ويقول: أما صدقتم أني ربكم أحيي وأميت، ثم يقول له: قم فيقوم، فيقول: أما صدقت أني إلهك؟ قال: والله! ما ازددت فيك إلا بصيرة، إنك الأعور الدجال)، كل ذلك عند القصر الأبيض، والعجيب أن ذلك القصر مبني الآن، فوقع وعد الرسول الصادق المصدوق، وهذا ينبئ عن القرب الشديد جداً للقيامة وأشراطها. وقال عليه الصلاة والسلام: (تقاتلكم يهود فتسلطون عليهم حتى يقول الحجر: يا مسلم) الحجر، والشجر، والجماد، والأحجار تنطق وتقول: يا مسلم (خلفي يهودي تعال فاقتله، إلا شجرة الغرقد) وفي الحديث إشارة إلى بقاء دين الإسلام حتى ينزل عيسى عليه الصلاة والسلام، فإنه هو الذي يقاتل الدجال ويستأصل اليهود الذين هم تبع الدجال. وأتباع الدجال هم اليهود، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (يخرج الدجال فيتبعه سبعون ألفاً من يهود أصبهان، فيأتي بهم إلى مكة فلا يستطيع أن يدخلها)، وأصبهان هذه هي في إيران، ولا يوجد فرق بين الشيعة واليهود والله، وأنا كنت أريد أن أعمل مؤتمراً عن الشيعة، لكن وجدت موضوع القدس أكثر منه حيوية وضرورة، لكن الشيعة قادمون داخلون في هذه البلاد، وإذا وجدوا في بيتك مصحفاً قتلوك بسببه، ولعل الله تعالى ييسر لنا مؤتمراً في شهر قادم عن الشيعة، وأنا أقسم بالله تعالى أن أمر الشيعة أخطر على الإسلام من أمر اليهود والنصارى؛ لأن اليهود والنصارى يهود ونصارى عند الناس كلهم، أما الشيعة فلا. لما قام الكذاب الهالك الخميني بثورته المزعومة الملعوبة صفق له وطبل المغفلون، ثورة صنعها وكذب فيها وافتراها خميني إيران الذين يتقرب إلى الله بسب ولعن الصحابة أجمعين إلا بضعة عشر منهم، والذي يقول: إن عائشة رضي الله عنها ارتكبت فعلاً الفاحشة في حادثة الإفك، والذي يقول عن أهل السنة: إنهم الناصبة، والصابئة، والذي يقول: القرآن الذي بيد الصابئة ليس كلام الله تعالى، إنما القرآن الحقيقي هو ما أوصت به فاطمة والخلفاء والأئمة الإثنا عشرية، وهو الآن مع ابن الحسن العسكري الذي اختفى في سرداب سامراء وعمره أربع سنوات، وأبطلوا الجمعة والجماعات حتى يظهر الإمام المهدي المنتظر، وبالمناسبة مهديهم غير مهدينا، ومهدي النص

الخلافة الإسلامية في بيت المقدس

الخلافة الإسلامية في بيت المقدس ثم الحدث الخامس على أرض فلسطين: نزول الخلافة الإسلامية في بيت المقدس، وهذه الخلافة الإسلامية هل هي خلافة الأمويين، أو العباسيين، أو خلافة العثمانيين؟ A لا، الخلافة التي في آخر الزمان تكون على منهاج النبوة، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة -وهذه خلافة الخلفاء الراشدين- فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً) كما كان في دولة الأمويين والعباسيين وغيرهم، قال: (ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم يكون ملكاً جبرياً) يعني: بالسيف والنار والحديد، ولا يزال هذا إلى يومنا هذا، فمنذ سقوط الخلافة العثمانية إلى يومنا هذا والملك ملك جبري، قال: (ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت). إذاً: آخر الأمر خلافة على منهاج النبوة، فقد كان في أول الأمر نبوة وخلافة على منهاج النبوة، ثم بعد ذلك ملك عاض، ثم جبري، ثم خلافة على منهاج النبوة، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً عن الخلافة التي على منهاج النبوة، وهذا يدل على أن الناس ينتظرون الخلافة التي هي آخر الخلافة وهي على منهاج النبوة؛ لأن هذا بعد الملك الجبري الذي نحن بصدده، ولم يعد النبي الملك الجبري مرات ومرات إنما عده مرة واحدة. والخلافة الراشدة هي التي تكون تحت راية المهدي المنتظر، لكن نحن ماذا نعمل؟ وما هو دورنا؟ هل نقف مكتوفي الأيدي والأرجل ننتظر المهدي المنتظر أم نهيئ له الزمان والمكان؟ نهيئ له المكان والزمان كل على حسب قدرته، لكل واحد سهم مضروب عليه لابد أن يؤديه، فـ المهدي المنتظر أنت لا تنتظر منه أن يصلح لك الكون وأن يرسله الله تبارك وتعالى أو يبعثه فينا ونحن في قمة الضلال والانحراف، فلابد من طائفة عظيمة من الأمة هي الطائفة المنصورة طائفة العلم والحق والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لابد أن تساعد المهدي المنتظر، وتهيئ له المناخ. واليهود والنصارى لا قيمة لهم ولا يساوون عند الله فلساً ولا عند المؤمنين، وانظر كل سنة إلى الأكذوبة هذه التي يقولون فيها بنزول المسيح على رأس كل ألف سنة، أليسوا هم يقولون هكذا؟! فماذا يعملون؟! من قبلها بشهر أو شهرين وسنة وسنتين يعدون المنطقة ويتكتكون ويخططون من أجل المسيح حين ينزل، ويأتون يقابلونه لو نزل، وهو في آخر الزمان ينزل لنا نحن وعليهم هم، وعيسى عليه السلام من أبطال الإسلام، وأتباع النبي محمد في آخر الزمان، وسيدمر أحلام اليهود والنصارى؛ لأنه سيقتل اليهود حتى آخر يهودي على وجه الأرض، يعني: سيفنى اليهود تماماً على يد عيسى ابن مريم، ثم يستدير بعد ذلك فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويدعو بدعوة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، ويذهب إلى المسجد الحرام فيحج ويعتمر، ثم ينطق إلى المدينة فيزور قبر النبي عليه السلام، يعمل هذا رغم أنف الحاقدين، والله! لستم من عيسى ولا عيسى منكم، عيسى منا نحن، عيسى من أتباع نبينا الذي نعتز به ونحبه، عيسى لم يمت، بل رفعه الله إليه، هذه عقيدة المسلمين الموحدين، والإمام الذهبي يقول في كتاب (تجريد أسماء الصحابة): عيسى بن مريم عليه السلام آخر الصحابة موتاً على الإطلاق؛ لأن الصاحب هو: من رأى النبي ولو لحظة مؤمناً به ومات على ذلك، وعيسى عليه السلام رأى النبي في بيت المقدس وفي السماء، ولم يمت بعد، لكنه سيموت في آخر الزمان بعد أداء مهماته، فيكون حقيقة هو آخر الصحابة بنور إلهي قذفه الله تعالى في قلب الذهبي لم يسبق إلى هذا القول.

سكنى المهدي في الأرض المقدسة

سكنى المهدي في الأرض المقدسة سادساً: مكان إقامة واستقرار المهدي المنتظر في الأرض المقدسة، سيخرج من المدينة ويذهب إلى مكة، فيدخل الناس عليه في بيته في مكة فيحملونه على الخروج إلى البيت الحرام وعند الركن والمقام يحملونه ويقهرونه على البيعة، فيبايعهم، ثم يأتيه جيش من منافقي الشام، ففي اللحظة هذه الشام تقذف بمنافقيها، فيأتي المنافقون على رأس جيش عرمرم يريدون قتل المهدي المنتظر، فينجو منهم جميعاً، ثم ينطلق إلى بلاد الشام، فيبايعه أهل الشام، ثم إذا كان صلاة الفجر في تلك الأيام ووقف المهدي يسوي الصفوف ثم دخل في تكبيرة الإحرام فقال: الله أكبر، إذا بعيسى بن مريم ينزل من السماء عند الباب الشرقي من دمشق حيث يؤم المهدي المسلمين، فيعرفه المهدي في صلاته فيتأخر ليصلي مأموماً ويكون الإمام هو عيسى بن مريم، فيقول له عيسى بن مريم: صل بهم؛ تكرمة الله تعالى لهذه الأمة، أي: تكرمة الله تعالى لهذه الأمة أن يؤمها رجل منها وأنا رجل من الأمة أصلي خلف المهدي المنتظر، فصلى خلف المهدي المنتظر مرة، وصلى عيسى عليه الصلاة والسلام بأمة الإسلام بعد ذلك إماماً، فهذه آيات وأحداث تكون على أرض فلسطين على أرض الشام. ثم بعد هذا يظهر المسيح الدجال، فيتبعه اليهود، فهو شيخ اليهود، فـ المهدي المنتظر لليهود هو المسيح الدجال، يأتي المسيح الدجال وقد رزقه الله تعالى قدرة خارقة يجوب الأرض في أربعين يوماً شرق الأرض وغربها يضع رجله عند منتهى بصره مثل البراق، فيمكث في الناس أربعين: يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كأسبوع، وسائر أيامه كيومكم هذا، فيمكث أربعين على هذا النحو، وفتنته عظيمة جداً، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (ما بعث الله تعالى نبياً إلا حذر أمته الدجال)، إذاً: هذه الفتنة قديمة، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: إذا ظهر الدجال وأنا فيكم فأنا حجيجه، وإذا ظهر بعد موتي فاقرءوا أوائل سورة الكهف العاصمة التي تعصم من فتنة الدجال، ولا تتعرضوا له، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إذا ظهر الدجال فانأ عنه) أي: ابتعد عنه؛ لأنه سيأتي بعلامتين: في إحدى يديه نار وفي إحدى يديه خبز وماء بارد، أما الذي تراه ناراً فهو الخبز والماء البارد، وأما الذي تراه طعاماً وخبزاً فهو النار، يعني: أنت ممكن أن تقول: نهرب من النار هذه التي أنا أراها وأذهب آكل من الخبز فإذا به النار، وهذه فتنة عظمة تموج كموج البحر، فإذا خرج الدجال -ولابد أن يخرج- فلينأ عنه المرء، وليعتصم بالله وحبله المتين، ويذكر الله تعالى كثيراً، ويقرأ العشر الآيات الأول من صدر سورة الكهف، ينزل عيسى بن مريم فيقول أميره المهدي: تعال صل بنا، فيقول: إن بعضكم أمير بعض، تكرمة الله لهذه الأمة. وتكلمنا عن الهدنة التي تكون قبل الملحمة في بيت المقدس وعلى الأرض الطاهرة المباركة، وفي كل عنصر من هذه العناصر كلام كثير جداً، لكن على أية حال الوقت والمكان لا يسع لذلك، وهناك كذلك فتوحات إسلامية تنطلق من أرض الشام، فتوحات ناحية فارس، وفتوحات ناحية روما، على يد عيسى بن مريم عليه السلام، يعني: أن عيسى بن مريم عليه السلام هو الذي يتولى قيادة الأمة المسلمة لفتح روما، وحامية النصرانية في هذه الأزمنة هي روما، والذي سيفتحها في آخر الزمان هو عيسى بن مريم، وفي هذا تحطيم وتسفيه لأحلام النصارى وتنبيه لهم لعلهم يفيقون. أما فتح الهند فيكون في زمن المهدي المنتظر، يبعث المهدي جيشاً إلى الهند. وقد تكلمنا من قبل عن الدجال، وأن هلاكه عند باب لد بفلسطين، والذي يقتله هو عيسى بن مريم عليه السلام، إذاً: مسيح الهداية هو الذي يقتل مسيح الضلالة، وبعض الناس يخطئ فيقول: المسيخ بالخاء، ولم يأت هذا الضبط أو النقط في شيء من الأثر، وإنما هو المسيح الدجال، أما المسيح على الإطلاق فهو عيسى عليه السلام. والدجال له قصة طويلة، وقد شرحنا أمره في أكثر من محاضرتين تقريباً، ومكان خروج الدجال أصبهان كما قلنا، ويبقى في الأرض أربعين يوماً؛ يوم كسنة إلى آخره. أما صفاته وأتباعه؛ فصفاته كثيرة جداً، ولا داعي لذكرها، إنما يرجع إلى الكتب المتخصصة في ذلك، وأما عن أتباعه الذين يسيرون معه فهم اليهود، يعني: أن اليهود أصحاب فتن في الأولى والآخرة، فالواحد منهم سيموت في آخر الزمان ولكنه لا يؤمن، بل يقتل كافراً. والدجال ممسوح العين اليسرى، ناتئ العين اليمنى، يعني: هو ليس أعور فقط، بل كلا عينيه معيبة، واحدة عوراء تماماً، والثانية مجحوضة ناتئة، وورد في الرواية أن العيب في العين اليسرى، وفي روايات أخرى أن العيب في العين اليمنى، ولا مانع

بشارات نصر أمة الإسلام

بشارات نصر أمة الإسلام وهناك في الحقيقة بشارات، والتفاؤل بالنصر هو مقدمة النصر، والقوة المعنوية في كل أمة هي التي تدفع أبناءها إلى تحقيق مزيد من الانتصار، فتصور حين يكون معك السلاح والعدد والعدة ولكنك مهزوم داخلياً، هل تنتصر؟ أبداً، قال عز وجل: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة:249] يعني: بالإيمان، وهي التي تبرهن أنه لا يجوز اليأس في تحقيق السيادة للمسلمين في دين الله، وهي التي تبقي لأمة الإسلام أصالتها في المحافظة على العزة والقوة والكيان، مهما أصابها من كوارث وأحداث، والذي يغرس الأمل بالنصر هو وجود قيادة مؤمنة راسخة العقيدة قوية الإيمان بوعد الله وبنصره شديدة التمسك بتعاليم الإسلام، وآدابه وأخلاقه، مجردة من كل أنانية وعصبية جاهلية، هذه القيادة إما في السياسة والحكم، وإما في العلم والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا تظن أن هذا أمر موجه للحكام فقط، بل هو موجه لكل من أنيطت به القيادة والريادة، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (ما من راعٍ يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصحه إلا لم يجد رائحة الجنة)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته). إذاً: كل منا لابد أن يضرب بسهم عظيم في تحقيق تحرير المسلمين، والحفاظ على أعراضهم وأموالهم ودمائهم في شرق الأرض وغربها، فلا تقف مكتوف الأيدي، فـ صلاح الدين الأيوبي ونور الدين محمود زنكي وغيرهم من أعلام الأمة في طول التاريخ وعرضه هم مثلك بالضبط، هم كانوا جالسين جلستي مرة، وجالسين جلستك مرة أخرى، هم أفراد ولكن الله تبارك وتعالى وفقهم للعمل لدين الله عز وجل بجد وإخلاص، فلابد من بث هذه الروح، ولا تبق جالساً بجوار الحائط منتظراً حين يأتي صلاح الدين، فلن يأتي لك صلاح الدين؛ لأنك مطلوب أن تكون أنت صلاح الدين، مطلوب منك ذلك، وأنت تربي أولادك على ذلك، وامرأتك لابد لها من دور عظيم في تربية أبنائها على هذه الروح الجهادية ضد الكفر وأهله. وقد اشتملت أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام التي ذكرناها آنفاً في فتح الشام وبيت المقدس على نقاط بارزة، ومنها بث روح الأمل في تمام أمر هذا الدين في نفوس الصحابة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وهذا ينزع من القلوب اليأس والقنوط الذي يحاول الأعداء زرعه فيها من أن هذا الدين لا يصلح لأي زمان ولا لأي مكان، فنقول لهم: أنتم كذابون، والنبي هو الصادق عليه الصلاة والسلام، وكلما ضاقت الحلقات واشتدت الأمور واحلولكت الظلمة قرب الفرج واقتربت روح الفجر المشرق وعلو كلمة هذا الدين مرة أخرى، فأشد اللحظات ظلمة في الليل هي الأقرب إلى طلوع الفجر الصادق، قال الله تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [الأحزاب:10 - 12]، يعني: أنهم قالوا: الله يقول لنا: سننتصر، كيف سننتصر على هذه الجيوش الجرارة؟! وهذا كذب من اليهود، ولذلك قال الله تعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [الأحزاب:22] أي: لينصرن الله عز وجل دينه وأولياءه مهما قل عددهم ما داموا قد حافظوا على إيمانهم الذي هو ميراث الحق تبارك وتعالى لأمة حبيبه عليه الصلاة والسلام. ولذلك فما نراه اليوم من تكالب الأعداء علينا في جميع بقاع الأرض الإسلامية وما يلاقيه الدعاة إلى الله من التنكيل، والتعذيب، والتضييق على حرياتهم، وما يحدث لكثير من الشعوب الإسلامية من المذابح والمجازر التي تتم على أيدي أعدائنا في فلسطين، أو في البوسنة والهرسك، أو بورما أو كشمير أو غيرها من البلاد ما هو إلا إرهاصات ومخاض يتقدم التبشير، فلابد من التصفية وتميز الصف: {حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آل عمران:179]، ولا يبقى إلا الطيب الذي يتصدى لأعداء الله وأعداء رسله من اليهود والنصارى على أرض الشام وبيت المقدس، فينتقم منهم شر انتقام، ويلقنونهم درساً لا ينسونه أبداً، فهناك بشارات عظيمة جداً ينبغي ألا يذهب بنا اليأس شرقاً وغرباً. وكذلك لابد أن نتجاوز هذا الواقع المر الشائن التائه الذي تعيشه أمتنا في هذه الأيام وهو مليء بالمآسي، والمصائب، والنكبات، والهزائم، والذل، والتنازلات، هذا الواقع الذي أوقع الكثيرين من المسلمين في اليأس والقنوط، وأصابهم بالفشل والإحباط، وأيقنوا باستحالة نصر المسلمين الصادقين، وصار

[4]

الأرض المقدسة في ضوء الكتاب والسنة [4] الأمة الإسلامية بحاجة إلى حشد طاقات أبنائها وجمع شتاتهم ليكونوا صفاً واحداً تجاه أي عدوان عليهم، كما أنها بحاجة إلى الاستفادة من جميع الموارد المسخرة لها ليكون لها دور القيادة للعالم، ولا يتم لها ذلك إلا بالسير على هدي الكتاب والسنة كما سار السلف، وجزء من هذا العمل مسئولية ملقاة على عواتق العلماء والدعاة إلى الله تعالى.

توصيات مؤتمر أسبوع الأقصى المنعقد في المركز الإسلامي

توصيات مؤتمر أسبوع الأقصى المنعقد في المركز الإسلامي الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فإلى النفوس التي ترفض الظلم وتأبى الاستكانة والخضوع، إلى القلوب الحية التي تعلقت بحب المسجد الأقصى، نهدي هذا الأسبوع أسبوع الأقصى، إنها رسالة واضحة جلية لإيصال صوت الأقصى السليب إلى المسلمين جميعاً من حيث إبراز مكانة القدس والمسجد الأقصى في الدين الإسلامي، وللتأكيد على إسلامية أرض الأقصى، وتعزيز التمسك بها، ولتوجيه جهود المسلمين لدحض وإبطال مزاعم وادعاءات اليهود، وبيان طمسهم للحقائق وتشويههم للتاريخ، سائلين الله تعالى أن يكون هذا الأسبوع حافزاً لنا للبحث والعمل في سبيل تحرير بيت المقدس وكل جزء من أكناف بيت المقدس من مخالب أحفاد القردة والخنازير. والخير موجود في أمتنا إلى يوم القيامة، وما أصابنا من احتلال اليهود للمسجد الأقصى وأرض فلسطين ليس وضعاً دائماً، بل ستعود الديار المباركة بإذن الله تعالى للإسلام والمسلمين، لكن بأيدي رجال مسلمين أشداء، كما حررها صلاح الدين، وما ذلك على الله بعزيز، فكم سقطت من أراضٍ للمسلمين في أيدي المغتصبين ثم استطاع المسلمون بفضل الله وعونه ونصره استردادها، فعادت في دائرة المسلمين بعد أن عادوا إلى الإسلام وتعاليمه، وتطبيق أحكامه، وشرعه ورفع راية الجهاد. والمركز الإسلامي العام يتشرف في هذا الأسبوع وكذا مسجد العزيز بالله بأن يدعو جميع المسلمين حكاماً ومحكومين للعمل من أجل نصرة المسجد الأقصى السليب؛ ليبقى حياً في قلوبنا ونفوسنا ونفوس أبنائنا وأجيالنا، فهو مسئولية كل مسلم رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، ونسأله تعالى أن يقر أعيننا بصلاة في المسجد الأقصى وهو محرر من اليهود الحاقدين أعداء الإسلام والمسلمين، وما ذلك على الله بعزيز. هذا وتوصيات هذا المؤتمر المبارك تتلخص في نقاط، هي: أولاً: تحصيل العلم النافع الشرعي والكوني الذي يستخدم في تعمير الأرض مع العودة إلى الله عز وجل، والاستسلام له بالكلية، امتثالاً لأمره تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة:208]. ثانياً: إحياء الفرائض خاصة فريضة الجهاد في سبيل الله؛ لأن الله تعالى علمنا بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ} [الصف:10 - 11]. وقال صلى الله عليه وسلم: (من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزى)، وقال صلى الله عليه وسلم: (من خلف غازياً في أهله بخير فقد غزا). وقال عليه الصلاة والسلام: (من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بغزو مات على شعبة من النفاق). وقال صلى الله عليه وسلم: (نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعل رزقي تحت ظل رمحي). ثالثاً: الإيجابية في مواجهة تحديات العصر، وأن يضع كل فرد من أفراد هذه الأمة اعتباره أن نصرة دينه ونصرة أمته وتحرير القدس فريضة في رقبته، قال الله تعالى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء:84]، مع العلم بأن مواجهة التحديات تستلزم جهداً جماعياً، وجهداً فردياً، ولهذا فإن وحدة الأمة فريضة؛ لقول الله تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:92]، ووحدة الأمة تستلزم جهداً جهيداً من كل أبنائها. رابعاً: حماية الأسرة من التيارات الإعلامية التي تدمر الأخلاق وتشيع الفاحشة في أرجاء الوطن الإسلامي، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم:6]. خامساً: إطلاق حرية المسجد، وإطلاق حرية الدعاة إلى الله عز وجل، وحشد الطاقات، وتسريح السجناء من الموحدين، واستخدام طاقات الأمة في جميع الميادين لمواجهة الغزو الصهيوني الاستعماري المعاصر لديارنا. سادساً: تعبئة الموارد العربية الإسلامية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الطعام والسلاح وغير ذلك. سابعاً: وقف سياسة القروض الربوية من اليهود أبناء القردة والخنازير؛ فهذه القروض أوقعت الأمة في قبضة المصارف اليهودية التي أضحت تهدد استقلال الأمة، إن الله قد حبا العالم الإسلامي بثروات ليست لغيره، ولكنها مهدرة، ولا نحسن الاستفادة منها، بل إن الأعداء هم الذين يستفيدون منها، فلتحذر الأمة الاستمرار ومواصلة العبودية لغيرها. ثامناً: تحرير الولاء لله تعالى ولرسوله وللمؤمنين ولديار المسلمين ومقدساتهم، كما يجب تحرير البراء من أعداء الله عز وجل، ولا يكون ذلك إلا بالرجوع إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (

كلمة موجهة إلى أبناء الدعوة الإسلامية

كلمة موجهة إلى أبناء الدعوة الإسلامية بقي أن نوجه كلمة لأبناء الدعوة أن يتزودوا بالعلم، ويحرصوا على التربية الروحية، والسلوكية، والأخلاقية، والعقدية، وأن يكونوا على عقيدة السلف رضي الله عنهم أجمعين، وكذلك كلمة إلى جماعات الدعوة العاملة على الساحة الدولية أن يرتفعوا إلى مستوى الأحداث التي تحيط بهم، وأن يتقوا الله عز وجل فيمن وراءهم، وإذا كان لديهم بعض البدع أن يتخلوا عنها، فما قامت بدعة إلا وأماتت سنة، وأن يرتفعوا فوق الخصومة، وإن يتجردوا لله عز وجل، ويربوا أنفسهم ومن معهم على الجندية والإخلاص، وحسب الرجل شرفاً أن يكون جندياً لله عز وجل من جنود الدعوة، وعلى الحكومات كذلك أن تتقي الله عز وجل وتحكم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يسيروا بمجتمعهم سيراً رفيقاً حثيثاً إلى الله عز وجل، وليعلموا أن إقامة الشرع إنما هذه هي الأمانة التي كلف الله عز وجل بها أمة الإسلام حكاماً ومحكومين، ولا نجاح لهم ولا فلاح إلا بالذل والصغار بين يدي العزيز الجبار، وتحكيم الشرع في كل كبيرة وصغيرة.

نصيحة لعلماء الإسلام

نصيحة لعلماء الإسلام هذه بعض النصائح. وتبقى النصيحة العظمى لعلماء الإسلام الذين هم القادة: أن يتقوا الله عز وجل، ويعلموا أن مهمتهم عظيمة، والأمانة في أعناقكم -يا معاشر العلماء- ثقيلة، ولا يسعكم السكوت في معارك الإسلام الخطيرة، فاصدعوا بالحق، وقد أخذ الله عليكم الميثاق لتبيننه للناس ولا تكتمونه، يا علماء الإسلام! معاذ الله أن تكونوا كأحبار السوء من بني إسرائيل حين حرفوا الكلم عن مواضعه، وزيفوا دين الله على عباده، بل من غرائب المفارقات أن ينفخ أحبار السوء في أقوامهم كل معاني الاستطالة والاستعلاء بالباطل، ثم نجد من علماء الإسلام من يشيع في أمته الاستخزاء والتخاذل بسوء الإفتاء أو التأويل، ويسمعون في القرآن العظيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال:27]. يا علماء الإسلام! احذروا أن تخدعكم السياسة بأهوائها الطامسة الدامسة، واحذوا الحرص على الكراسي والمناصب، بل أصلحوا أنتم الساسة وهذه الكراسي والمناصب بهدي القرآن العظيم، وطالبوها أن تسعى هي في رحابه خاضعة النفس والرأس، ولا تستنزلوا كتاب ربكم من أفقه الأسمى إلى الحضيض البغيض، واذكروا وذكروا أمتكم كذلك قول رب العالمين في ختام سورة القتال: {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد:35]، واذكروا نذيره الصارم في ختام السورة نفسها: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:38]. ثم اذكروا أيها العلماء السادة وذكروا أمتكم في شرق الأرض وغربها في ظلمات هذه الأحداث وتداعي الأعداء ببشرى ربكم ووعده للعاملين المؤمنين بكتابه وسنة نبيه بنصره الذي يؤتيه من يشاء؛ لأنه بيده مقاليد السماوات والأرض وله القوة جميعاً، وكفار الأرض كلهم لا يسبقونه بالقول ولا يعجزونه، وهو القائل سبحانه: {وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران:120]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7]، فالتثبيت أولى من النصر، فكم من إنسان وكم من قوم انتصروا ولما تركوا الكتاب والسنة أبدل الله تبارك وتعالى بهذا النصر هزيمة ساحقة، فلابد من الثبات على كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام. هذا ما أراد الدعاة في هذا المكان وكل الدعاة المخلصين في شرق الأرض وغربها منهم من هاتفنا، ومنهم من راسلنا. وأقول كذلك: هذه التوصيات إنما هي توصيات القائمين على العمل في هذا المكان المبارك سائلين الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال والأقوال.

§1/1