الأذكار للنووي ت مستو

النووي

الأَذْكَارُ النَّوَويَّة أَوْ «حِلْيَةُ الأَبْرَارِ وَشِعَارُ الأَخْيَارِ في تَلْخِيصِ الدَّعوَاتِ وَالأَذْكَارِ المُسْتَحَبَّةِ في اللَّيْل وَالنَّهَارِ» تأليف الإِمَام الحَافِظ المحَدِّثِ الفَقِيْهِ أَبي زَكَرِيَّا يَحْيى بن شَرَفِ النَّوَوي (631 - 676 هـ) حَقق نصوصَه وَخرّجَ أحاديثه وَعلّقَ عَليْه محيي الدين مستو دار ابن كثير دمشق - بيروت مكتبة دار التراث المدينة المنورة - ص. ب 1647

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الأَذْكَارُ النَّوَويَّة

حقوق الطبع محفوظة لمحَقق الكتاب الطبعَة الثانيَة 1410 هـ - 1990 م مكتبة دار التراث المدينة المنورة - شارع الأمير عبد المحسن (قربان) ص. ب 1647 تلفون 8265452 فاكس: 8265452 دار ابن كثير للطباعة والنشر والتوزيع دمشق - شارع مسلّم البارودي - بناء خولي وصلاحي - ص. ب 311 هاتف 225877 - بيروت - ص. ب 6318/ 113

مُقَدِّمَة المُحَقِّق إن الحمدَ لله نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهده اللهُ فلا مُضِل له، ومن يُضلل فلا هاديَ له. وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسوله. وبعد: فإنَّ ذكرَ الله تعالى يُحيي القلوبَ، ويجلو صدأها، وُيذهب قسوتَها، وُيذيبُ ما رانَ عليها من مكاسبَ وشهوات، ويصلُها بالله عزّ وجل، فتَخفقُ في كنفه ورضوانه هانئةً مطمئنة .. والمسلم الذي يَنقادُ لربه سبحانه، ويذكرُه بلسانه وقلبه، وسرّه وجهره، إنما يُنيرُ دروبَ حياته ومَعَادِه بضياء إلهيٍّ غامر، ويُحرزُ نفسَه من كيد الشيطان ووسوسته، ويستحضرُ دائمًا أنه في حماية إلهٍ عزيز قدير، فتُثمرُ أوقاتُه بالمعارف والحكمة، ويكتسي وجهُه نضرةً وبهاءً. وما أحوجَ المسلمين اليوم إلى ذكر الله تعالى واستغفارِه ومناجاتِه؛ بعد أن ادلهمَّت حولَهم الخطوبُ، واشرأبّتْ بينهم الفتنُ، وتداعى عليهم الأعداءُ، وتضافرتْ فوقَ رؤوسهم المحن .. وما أفقرَهم أفرادًا وجماعاتٍ إلى نور الذكر ليُبَدِّدَ ما اكتنفَ حياتَهم من ظلامٍ وفسادٍ وضَياع، وليجمعَ ما تشتَّتَ من قلوبهم وهِممهم، وما تبدَّدَ من إراداتِهم وعزائمِهم.

وأفضلُ الذكر والدعاء ما وردَ مأثورًا في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة؛ لما في ذلك من التوحيد الخالص، والعبادة المشروعة، والمحبّة الصادقة لله ورسوله، والالتزامِ بألفاظٍ مخصوصةٍ هدفَ لها الشّارعُ الحكيم. وكتاب "حلية الأبرار وشعار الأخيار في تلخيص الدعوات والأذكار" المعروف ب "الأذكار" للإِمام يحيى بن شرف النووي؛ قد أودعَ فيه مؤلِّفُه خلاصةَ علمه وفقهه، وأذابَ في كلماته وحروفه من روحه وإخلاصه .. ورسمَ للمسلم من خلال آيات الذكر الحكيم، وأحاديث النبي الكريم؛ خطةَ عملٍ كاملة تشملُ يومَه وليله، ونومَه واستيقاظه، وعملَه وعبادتَه، وصحته ومرضه، وحِلَّه وترحالَه .. وهو كتاب مشهور ومقبول لدى خاصّةِ العلماء، وعامّةِ الناس، ولم يحظَ كتابٌ في الأدعية والأذكار -قديمًا وحديثًا- ما حظيَ به "الأذكارُ النووية" من الذيوع والانتشار. وقد طُبعَ مرارًا، وأفضلُ طبعتين له فيما أعلم: الأولى: طبعة مصطفى البابي الحلبي بالقاهرة سنة 1375 هـ، وبهامشها تعليقات حديثيّة ولغوية ونحوية؛ مأخوذة باختصار من كتاب "الفتوحات الربانية في شرح الأذكار النووية" لمحمد بن علّان الصدِّيقي المتوفى سنة 1057 هـ. ولم تخلُ طبعة الأذكار هذه من تصحيفات وأخطاء، ومع ذلك فهي التي تُصَوَّرُ وتُطبع وتَشيعُ بين الناس. الثانية: طبعة مكتبة المَلَّاح بدمشق سنة 1391 هـ؛ بتحقيق فضيلة المحدّث الشيخ عبد القادر الأرناؤوط حفظه الله تعالى، وتمتاز بتحقيق النصوص، وتخريج الأحاديث، والتعليقات المفيدة، وقوبلت على نسختين خطيتين محفوظتين بالمكتبة الظاهرية العامرة بدمشق. ولا شك أن هذه الطبعة أعطت للكتاب كثيرًا مما يستحقُّه من عناية واهتمام.

وقد عرفَ علماؤُنا قديمًا فائدةَ هذا الكتاب العظيم، فقال بعضهم: "بعِ الدَّارَ واشترِ الأذكار"، وقال آخر: "ليس يذكرُ من لم يقرأ الأذكار"، ومن الوفاء والإِنصاف للكتاب في وقتنا الحاضر؛ أن يظهرَ للنَّاس بما يستحقُّه من مظهر قشيب، وطباعةٍ راقية، وخدمة منهجية، وعلمية فائقة .. والقارىء اليوم -بعد توفر الورق، وتقدُّم فن الطباعة- ليس بحاجة أن يبيعَ الدار أو غيرَها لشراء نسخة واحدة من كتاب كانوا يخطّونه على الرِقاق ويُمضون في كتابته أيامًا وشهورًا، بل بإمكانه الآن أن ينفقَ المال القليل؛ ليعمرَ دارَه وُيزيِّنَها بمكتبةٍ قيِّمةٍ، يَستقي منها مع أهله وأولاده الثقافةَ والعلمَ والأخلاق. وأسألُ اللهَ سبحانه التوفيقَ والسَّدَادَ فى تحقيق وإعداد طبعة جديدة لكتاب "الأذكار" مُوَثَّقَةٍ ومُتميِّزَة؛ تتناسبُ مع تقدم الطرق الطباعية والإِخراج، وتكسرُ حلقةَ الاستمرار بتصوير طبعات قديمة تمّ إعدادُها وتنضيدُ حروفها الرصاصية المُكسَّرة منذ ثلاثين سنة أو أكثر. كما أسأله تعالى العفوَ والعافية، وسلامةَ القصد، وحسنَ الخاتمة. المدينة المنورة 6 ربيع الثاني 1406 هـ 18 كانون الأول 1985 م محيي الدين

(2) وَصْفُ النُّسَخِ المَخْطوُطةِ قال الإِمام النووي -رحمه الله تعالى-: ابتدأتُ فيه -أي الأذكار- يوم الخميس الرابع والعشرين من شهر رمضان سنة 666 هـ، أسألُ اللهَ الكريم إتمامَه على أحسن الوجوه، وهو حسبي ونِعمَ الوكيل (¬1). وقال -رحمه الله-: فرغتُ من جمعه في المحرم من سنة 667 هـ سوى أحرف ألحقتُها بعد ذلك، وأجزتُ روايتَه لجميع المسلمين (1). فيكون جمعه في أربعة أشهر. وصف النسخ المخطوطة: 1 - نسخة المكتبة الظاهرية: رقم /7017/ حديث، ورمزت إليها بحرف "أ"، وتقع في مجلد بخط نسخ قديم مقروء، كتبها محمد بن أحمد بن عبد الكريم، صبيحة يوم الاثنين 12 ذي الحجة سنة 739 هـ بالقاهرة المحروسة. وعدد أوراقها 176 وصفحاتها 346، ومسطرتها 20 - 22 سطرًا 19 سم، وبهامش الصفحات تصحيحات بخط الناسخ نفسه. 2 - نسخة المكتبة الظاهرية: رقم /1224/ حديث، ورمزت إليها بحرف "ب"، وتقع في مجلد بخط نسخ جيد، وصفحتها الأولى فيها زخرفة ¬

_ (¬1) وجدتُ تاريخ البدء بتأليف "الأذكار" مثبتًا على النسختين المخطوطتين (أ) و (ب). أما تاريخ الانتهاء من تأليفه، وإجازة روايته؛ فموجود في نهاية جميع النسخ الأربعة المتوفرة لدي، وقد قرأه الحافظ السخاوي بخط النووي، وكتب ذلك في ترجمته ص 12. وأما عبارة "فيكون جمعه في أربعة أشهر" فهي -غالبًا- من استنتاج الناسخ أو غيره.

تضمنت عنوان الكتاب، كتبها محمد بن عثمان بن محمد بن عثمان البعلي سنة 822 هـ. وعدد أوراقها 179. ومسطرتها 21 سطرًا 20 سم. والأبواب فيها مرقّمة، وبهامشها تصحيحات وتعليقات. وفي صفحة العنوان كتب بخط مختلف: هذه النسخة مقروءة على جماعة من العلماء آخرهم شيخ الإِسلام خطاب ... وعليه خطّه آخر الكتاب، وبالله التوفيق. وفي الصفحة الأولى كُتب بخط مغاير أيضًا: وقف الشيخ عثمان الكردي. 3 - نسخة دار الكتب الوطنية بتونس: موجودة في الجامعة الإِسلامية، ميكروفيلم برقم 3823، كتبها أحمد بن أحمد البسطامي سنة 872 هـ. وخطّها نسخ واضح، ورمزت إليها بحرف "ج"، ومسطرتها 25 سطرًا 12 × 18 سم. وعلى صفحتها الأولى العبارة التالية: قوبلت هذه النسخة على نسخة المصنف فصححت و ... ، وبالله التوفيق، وذلك في شهر رمضان المعظّم من شهور سنة 825 هـ. ومن الواضح أن هذه العبارة إنما وُجدت على النسخة التي اعتمدها البسطامي، ونقل منها هذه العبارة. 4 - نسخة مكتبة عارف حكمت: رقم /217/ مواعظ، ورمزت إليها بحرف "د"، وتقع في 540 صفحة، وهي نسخة مذهّبة، وتاريخ نسخها 867 هـ. كتبها أحمد بن أخي طوي المرزيفوني، وأولها: بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا [الله] (*) وحده لا شريك له عدّة للقائه، محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيد أوليائه. قال الشيخ الإِمام العامل الورع الزاهد المتقن الضابط محيي الدين يحيى بن شرف .. ومسطرتها 17 سطرًا 6 × 14 سم. والأبواب فيها مرقمة، والفهرس في مقدمة النسخة، والصفحة الأولى من الفهرس والأولى والثانية من المقدمة مزخرفة الهوامش. وكل الصفحات مُحاطة بإطار عريض مذهب وخطوط دقيقة زرقاء، والحق أن هذه النسخة تحفة فنية رائعة، عمرها 539 سنة. ولم يتيسر لي وضع صور منها في هذه الطبعة.

_ (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفين ليس بالمطبوع

منهج التحقيق: 1 - تمهيد: صحبتُ كتاب "الأذكار" فترة زمنية سعيدة دامت سنة كاملة، تذوقت فيها حَلَاوَةَ القرب من رحمة الله، والشعور برضاه، وعرفت كيف يجد الذاكرون سموَّ الروح، وتحرّرَ الإِرادة، وراحةَ الضمير، ولذَّةَ المناجاة .. ولمستُ صدقَ رسالةِ محمد - صلى الله عليه وسلم - وتناسقها، ووحدة مصدرها، وصفاء عقيدتها؛ في جميع هذه الأذكار والأدعية الصادرة عنه - صلى الله عليه وسلم - في جميع أحيانه وأحواله. ولازمت الكتاب مُوَثِّقًا لنصوصه، ومخرِّجًا لأحاديثه، ومتأملًا في أبوابه وفصوله، وبذلت في ذلك جهودًا أرجو الله سبحانه وتعالى أن يدّخرها لي عنده، وأن يجعلها بمنّه وإحسانه خالصة لوجهه الكريم. وقد تكونت لديّ ملاحظتان هامتان حول منهج النووي رحمه الله تعالى في جمعه لمادة الكتاب: الأولى: لم يقتصر الإمام النووي -رحمه الله تعالى- على سرد الدعوات والأذكار حسب ورودها كنصوص في مصادرها الأولى، وإنما رسم للمسلم منهج حياته وسلوكه، ونظم علاقته بالخلق والخالق، وقيَّد تصرفاته وكلامه وفق أحكام الشرع، بعناوين ومقدمات واستنتاجات، وبأسلوب سهل يدل على دراية وفهم وإخلاص وورع. ومن هنا تميّز كتاب الأذكار، وأقبل عليه الخاصّة والعامّة، وشاع بين الناس، وحظي باهتمام كبير. والمتأمل فيما وصلنا من كتب المتقدمين في موضوع الذكر والدعاء، يجدها لا تزيد على ذكر النصوص المتلاحقة والروايات المختلفة تحت عناوين عامة، وكثير منها جمع الصحيح من الأحاديث والضعيف والواهي دون تمييز؛ فأصبح من العسير على عامّة المسلمين أن يعملوا بما ورد فيها قبل نقد طرقها وتمحيصها، وتحديد المراد من نصوصها .. فجاءَ تأليفُ كتاب الأذكار، يسدُّ فراغًا ظاهرًا، ويلبّي حاجةً مُلحّة. الثانية: حرصَ الإمامُ النووي في هذا الكتاب على بيان صحيح

الأحاديث وحَسَنِها وضَعيفِهَا ومُنكَرِها مما يفتقر إلى معرفته جميع الناس؛ كما صرَّح بذلك في المقدمة، وهو ما يُطلق عليه: الحكم على الحديث وبيان درجته. . وقد وفى رحمه الله تعالى بما وعد به، وحكم على كثير من الأحاديث التي أوردها في بعض فصول الكتاب بأنها ضعيفة أو ضعيفة جدًا، ولكنه سكت عن أحاديث كثيرة أيضًا وهي ضعيفة، وذهل عن أحاديث عديدة وهي واهية! .. ولعلّ هذا التساهل دخل عليه -رحمه الله تعالى- من عدة أمور: 1 - اعتمادُه على تصحيح غيره أو سكوته؛ وهذا ظاهر في النقل من سنن أبي داود، وقد دخل عليه من هذا الباب أحاديث ضعيفة سكت عنها أبو داود، واعتبرها الإمام النووي صالحة لمجرد هذا السكوت (¬1)!. 2 - الحكم بجواز العمل بالحديث الضعيف في الفضائل والترغيب والترهيب؛ ما لم يكن الحديث موضوعًا (¬2). . علمًا بأن أكثر الأحاديث الضعيفة الواردة في كتاب الأذكار من هذا الطريق؛ إنما تفيد حكم الاستحباب لما تضمنته من أفعال أو أقوال. . وهذا لا يثبت إلا بنص صحيح باتفاق العلماء، ومنهم الإِمام النووي (¬3) رحمه الله تعالى. . 3 - تخريج كثير من الأحاديث من كتاب "عمل اليوم والليلة"؛ لابن السني، ولو اعتمد رحمه الله تعالى التخريج من كتاب النسائي شيخ ابن السني لكان أولى، ولتخلّص من كثير من هذه الأحاديث الضعيفة التي ينفرد ¬

_ (¬1) انظر التعليق رقم (1) ص 57 على هذا الموضوع لتعرف وجه الحق والصواب فيه. (¬2) انظر التعليق رقم (2) ص 47 لتعرف شروط العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال. (¬3) يقول النووي في مقدمة كتابه "خلاصة الأحكام من مهمات السنن وقواعد الإِسلام" وهو مخطوط ومن الكتب التي توفي رحمه الله تعالى قبل أن يتمّها: "فإنه ينبغي لكل واحد أن يتخلّق بأخلاق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويقتدي بأقواله وأفعاله وتقريره في الأحكام والآداب وسائر معالم الإِسلام، أن يعتمد في ذلك ما صحّ، ويجتنب ما ضعف، ولا يغترّ بجامِعِي السنن الصحيحة، ولا يقلِّد معتمِدي الأحاديث الضعيفة. . .".

بها ابن السني عن شيخه أو غيره. وقد تعجب الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى، ونبّهنا إلى هذه النقطة الهامة فقال: "وعَجَبٌ من عدول الشيخ عن التخريج من كتاب النسائي مع تشدده وعلوّه إلى كتاب ابن السني مع تساهله ونزوله" (¬1). 2 - خطوات منهج التحقيق: أولًا: ضبط النصوص والتأكد من سلامتها، وذلك بالمقارنة بين النُّسخ المخطوطة (¬2)، واستيفاء ما ورد فيها، واعتبرت نسخة الظاهرية رقم "أ" هي الأصل لتمامها وقدمها، علمًا بأنني لم أجد فروقًا جوهرية بين النُّسخ الأربع، وهذا في الغالب يعود لاهتمام النُّسّاخ بهذا الكتاب منذ عصر المؤلف حتى الآن. وقد سُرِرتُ سرورًا عظيمًا عندما عثرت على النسخة التونسية؛ لما تضمنته من توثيق يُفيد بأنها صححت على نسخة مكتوبة بخط النووي رحمه الله تعالى. ثانيًا: ترقيم الآيات القرآنية وبيان سُوَرِها، ووضعت ذلك بين قوسين وبعد الآيات مباشرة لأُقلِّل من أرقام الهوامش. ثالثًا: ترقيم الأحاديث والأبواب، وجعلت لكل حديث رقمين الأول يشير إلى رقمه المتسلسل في الباب الذي ورد فيه، والثاني بعد الخط المائل هو رقمه المتسلسل في الكتاب وفي الهامش أيضًا، وذلك تسهيلًا للرجوع إليه أو الإحالة عليه مع تخريجه. رابعًا: شرح بعض الألفاظ الغريبة التي لم يتناولها الإمام النووي؛ كما أُشير إلى بعض الفوائد الهامة والإِرشادات المفيدة المستفادة من بعض ¬

_ (¬1) الفتوحات الربانية؛ لابن علّان 4/ 48 - 49. (¬2) واستأنست بنسخة الأذكار المطبوعة في أعلى الصفحات من كتاب "الفتوحات الربانية. ."؛ لأنه تبيّن لي أن ابن علّان رحمه الله تعالى اطّلع على عدد من نسخ الأذكار الموثقة، وأثبتَ بعض الاختلافات بينها وبين المصادر الحديثية الأساسية.

الأحاديث النبوية، ولا أُكْثر من ذلك حتى لا أزيد في حجم الكتاب. خامسًا: تخريج الأحاديث؛ تخريجًا مختصرًا، يقتصر على اسم الكتاب ورقم الحديث، أو رقم الجزء والصفحة إن لم تكن أحاديث الكتاب مرقمة، وقد توسعت في ذلك ولم أقتصر على تخريج الحديث في الموضع الذي أشار إليه النووي رحمه الله تعالى، وقد بذلت جهدي في تتبّع أقوال العلماء قديمًا وحديثًا من أهل الاختصاص في علم الجرح والتعديل، لاستخلاص الحكم على أحاديث غير الصحيحين وبيان درجتها، وكان كتاب "تحفة الأبرار بنكت الأذكار" (¬1) للسيوطي، وكتاب "الفتوحات الربّانية" (¬2) وما اعتصره فيه مؤلفه ابن علّان -رحمه الله تعالى- من أمالي الحافظ ابن حجر المعروفة بنتائج الأفكار، وكتب الهيثمي والزيلعي، وتحقيقات وأحكام فضيلة الشيخ الألباني، وتخريجات فضيلة الشيخ عبد القادر الأرناؤوط في جامع الأصول وغيره؛ هي مصادري ومواردي التي نهلت منها واستفدت. سادسًا: الفهارس العلمية؛ صنعتُ للكتاب فهارس علمية، واقتصرتُ على فهارس أوائل الأحاديث، والآيات، والموضوعات؛ لفائدتها، ولم أرَ لفهارس الأعلام والأماكن وغيرها فائدة تُذكَر، وكان حرصي على بقاء حجم الكتاب معقولًا هو الدافع إلى الاختصار. سابعًا: تمييز الأحاديث الضعيفة؛ وضعتُ بيانًا بأرقام الأحاديث الضعيفة، والواهية، حتى يكون المسلم على بيِّنة من أمره فيها، وهو واجد في الأحاديث الصحيحة والحسنة غنيته وكفايته. ¬

_ (¬1) صدر الكتاب عن مكتبة دار التراث بالمدينة المنورة عام 1407 هـ بتحقيقي. (¬2) في كتاب "الفتوحات الربانّية" المطبوع نقص ظاهر في الشرح والتخريجات، وذلك بسبب بياض أو تَلَف في أصل الكتاب، وقد انحلّت هذه المشكلة بالرجوع إلى نسخة واضحة من "نتائج الأفكار" مصوّرة على ميكروفيلم من الخزانة الملكية بالرباط، وهي ناقصة ومحفوظة بالجامعة الإِسلامية برقم /1229/ حديث. فالحمد لله على ما وفَّق ويسَّر.

ثامنًا: ترجمة الإمام النووي، وتوسّعت فيها قليلًا، لأن مَن يُداوم قراءة كتاب الأذكار يتشوق إلى الاستزادة من أخبار مؤلفه، لما يلمس فيه من تديّنه وإخلاصه ونقاء سريرته. كما وضعت بين يدي القارىء أسماء الكتب المؤلفة في موضوع الأدعية والأذكار وأسماء مؤلفيها، وأشرتُ إلى المطبوع منها بحرف "ط" وهو قليل من كثير لا يزال مفقودًا أو مخطوطًا.

ترجمة مؤلف كتاب الأذكار

ترجمة مؤلف كتاب الأذكار بسم الله الرحمن الرحيم. يحيى بن شرف النّووي (¬1) نسَبُه: هو الإِمام الحافظ شيخ الإسلام محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مُرِّي بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حِزَام، النووي نسبة إلى نوى، وهي قرية من قرى حَوْران في سورية، ثم الدمشقي الشافعي، شيخ المذاهب وكبير الفقهاء في زمانه. مَوْلدُه ونشأته: ولد النووي رحمه الله تعالى في المحرم من 631 هـ في قرية نوى من أبوين صالحين، ولما بلغ العاشرة من عمره بدأ في حفظ القرآن وقراءة الفقه على بعض أهل العلم هناك، وصادف أن مرَّ بتلك القرية الشيخ ياسين بن يوسف المراكشي، فرأى الصبيانَ يُكرِهونه على اللعب وهو يهربُ منهم ويبكي لإِكراههم ويقرأ القرآن، فذهب إلى والده ونصحَه أن يفرّغه لطلب العلم، فاستجاب له. وفي سنة 649 هـ قَدِمَ مع أبيه إلى دمشق لاستكمال تحصيله العلمي في مدرسة دار الحديث، وسكنَ المدرسة الرواحية، وهي ملاصقة للمسجد الأموي من جهة الشرق. وفي عام 651 هـ حجَّ مع أبيه ثم رجع إلى دمشق. ¬

(¬1) طبقات السبكي 8/ 395ـ 400، وتذكرة الحفاظ 4/ 1470 ـ 1474، والبداية والنهاية 13/ 278، ومعجم المؤلفين 13/ 202، و"الاهتمام بترجمة الإِمام النووي شيخ الإِسلام"؛ للسخاوي. والنووي؛ للشيخ علي الطنطاوي. والإِمام النووي؛ للشيخ عبد الغني الدقر. والمنهاج السوي في ترجمة محيي الدين النووي؛ للسيوطي. طبعة دار التراث الأولى 1409 هـ تحقيق: د. محمد العيد الخطراوي.

حياته العلمية

حَيَاته العلميّة: تميزت حياةُ النووي العلمية بعد وصوله إلى دمشق بثلاثة أمور: الأول: الجدّ في طلب العلم والتحصيل في أول نشأته وفي شبابه، وقد أخذ العلم منه كلَّ مأخذ، وأصبح يجد فيه لذة لا تعدِلُها لذة، وقد كان جادًّا في القراءة والحفظ، وقد حفظ التنبيه في أربعة أشهر ونصف، وحفظ ربع العبادات من المهذب في باقي السنة، واستطاع في فترة وجيزة أن ينال إعجاب وحبَّ أستاذه أبي إبراهيم إسحاق بن أحمد المغربي، فجعلَه مُعيد الدرس في حلقته. ثم درَّسَ بدار الحديث الأشرفية، وغيرها. الثاني: سعَة علمه وثقافته، وقد جمع إلى جانب الجدّ في الطلب غزارة العلم والثقافة المتعددة، وقد حدَّثَ تلميذُه علاء الدين بن العطار عن فترة التحصيل والطلب، أنه كان يقرأ كلَّ يوم اثني عشر درسًا على المشايخ شرحًا وتصحيحًا، درسين في الوسيط، وثالثًا في المهذب، ودرسًا في الجمع بين الصحيحين، وخامسًا في صحيح مسلم، ودرسًا في اللمع لابن جنّي في النحو، ودرسًا في إصلاح المنطق لابن السكّيت في اللغة، ودرسًا في الصرف، ودرسًا في أصول الفقه، وتارة في اللمع لأبي إسحاق، وتارة في المنتخب للفخر الرازي، ودرسًا في أسماء الرجال، ودرسًا في أصول الدين، وكان يكتبُ جميعَ ما يتعلق بهذه الدروس من شرح مشكل وإيضاح عبارة وضبط لغة. الثالث: غزارة إنتاجه، اعتنى بالتأليف وبدأه عام 660 هـ، وكان قد بلغ الثلاثين من عمره، وقد بارك الله له في وقته وأعانه، فأذابَ عُصارة فكره في كتب ومؤلفات عظيمة ومدهشة، تلمسُ فيها سهولةُ العبارة، وسطوعَ الدليل، ووضوحَ الأفكار، والإِنصافَ في عرض أراء الفقهاء، وما زالت مؤلفاته حتى الآن تحظى باهتمام كل مسلم، والانتفاع بها في سائر البلاد. ويذكر الإِسنوي تعليلًا لطيفًا ومعقولًا لغزارة إنتاجه فيقول: "اعلم أن

ومن أهم كتبه

الشيخ محيي الدين رحمه الله لمّا تأهل للنظر والتحصيل، رأى في المُسارعة إلى الخير؛ أن جعل ما يحصله ويقف عليه تصنيفًا، ينتفع به الناظر فيه، فجعل تصنيفه تحصيلًا، وتحصيله تصنيفًا، وهو غرض صحيح، وقصد جميل، ولولا ذلك لما تيسر له من التصايف ما تيسر له". ومن أهم كتبه: " شرح صحيح مسلم" و"المجموع" شرح المهذب، و"رياض الصالحين"، و"تهذيب الأسماء واللغات"، والروضة "روضة الطالبين وعمدة المفتين"، و"المنهاج" في الفقه و "الأربعين النووية"، و"التبيان في آداب حَمَلة القرآن"، والأذكار "حلية الأبرار وشعار الأخيار في تلخيص الدعوات والأذكار المستحبّة في الليل والنهار"، و"الإِيضاح" في المناسك. شيوخه: شيوخه في الفقه: 1 - عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع الفزاري، تاج الدين، عُرف بالفِرْكاح، توفي سنة 690 هـ. 2 - إسحاق بن أحمد المغربي، الكمال أبو إبراهيم، محدّث المدرسة الرواحيّة، توفي سنة 650 هـ. 3 - عبد الرحمن بن نوح بن محمد بن إبراهيم بن موسى المقدسي ثم الدمشقي، أبو محمد، مفتي دمشق، توفي سنة 654 هـ. 4 - سلاَّر بن الحسن الإِربلي، ثم الحلبي، ثم الدمشقي، إمام المذهب الشافعي في عصره، توفي سنة 670 هـ. شيوخه في الحديث: 1 - إبراهيم بن عيسى المرادي، الأندلسي، ثم المصري، ثم الدمشقي، الإِمام الحافظ، توفي سنة 668 هـ.

[شيوخه في علم الأصول:]

2 - خالد بن يوسف بن سعد النابلسي، أبو البقاء، زين الدين، الإِمام المفيد المحدّث الحافظ، توفي سنة 663 هـ. 3 - عبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن الأنصاري، الحموي، الشافعي، شيخ الشيوخ، توفي سنة 662 هـ. 4 - عبد الرحمن بن أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قُدامة المقدسي، أبو الفرج، من أئمة الحديث في عصره، توفي سنة 682 هـ. 5 - عبد الكريم بن عبد الصمد بن محمد الحرستاني، أبو الفضائل، عماد الدين، قاضي القضاة، وخطيب دمشق. توفي سنة 662 هـ. 6 - إسماعيل بن أبي إسحاق إبراهيم بن أبي اليُسْر التنوخي، أبو محمد تقي الدين، كبير المحدّثين ومسندهم، توفي سنة 672 هـ. 7 - عبد الرحمن بن سالم بن يحيى الأنباري، ثم الدمشقي الحنبلي، المفتي، جمال الدين. توفي سنة 661 هـ. ومنهم: الرضي بن البرهان، وزين الدين أبو العباس بن عبد الدائم المقدسي، وجمال الدين أبو زكريا يحيى بن أبي الفتح الصيرفي الحرّاني، وأبو الفضل محمد بن محمد بن محمد البكري الحافظ، والضياء بن تمام الحنفي، وشمس الدين بن أبي عمرو، وغيرهم من هذه الطبقة. [شيوخه في علم الأصول:] أما علم الأصول، فقرأه على جماعة، أشهرهم: عمر بن بندار بن عمر بن علي بن محمد التفليسي الشافعي، أبو الفتح. توفي سنة 672 هـ. [شيوخه في النحو واللغة:] وأما في النحو واللغة، فقرأ على: الشيخ أحمد بن سالم المصري النحوي اللغوي، أبي العباس، توفي سنة 664 هـ. والفخر المالكي. والشيخ أحمد بن سالم المصري.

مسموعاته

مسموعاته: سمع النسائي، وموطأ مالك، ومسند الشافعي، ومسند أحمد بن حنبل، والدارمي، وأبي عوانة الإِسفراييني، وأبي يعلى الموصلي، وسنن ابن ماجه، والدارقطني، والبيهقي، وشرح السنّة للبغوي، ومعالم التنزيل له في التفسير، وكتاب الأنساب للزبير بن بكار، والخطب النباتية، ورسالة القشيري، وعمل اليوم والليلة لابن السني، وكتاب آداب السامع والراوي للخطيب البغدادي، وأجزاء كثيرة غير ذلك. تلاميذه: وكان ممّن أخذ عنه العلم: علاء الدين بن العطار، وشمس الدين بن النقيب، وشمس الدين بن جَعْوان، وشمس الدين بن القمَّاح، والحافظ جمال الدين المزي، وقاضي القضاة بدر الدين بن جماعة، ورشيد الدين الحنفي، وأبو العباس أحمد بن فَرْح الإِشبيلي، وخلائق. أخلاقُهُ وَصفَاتُه: أجمعَ أصحابُ كتب التراجم أن النووي كان رأسًا في الزهد، وقدوة في الورع، وعديم النظير في مناصحة الحكام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويطيب لنا في هذه العجالة عن حياة النووي أن نتوقف قليلًا مع هذه الصفات المهمة في حياته: الزهد: تفرَّغَ الإِمام النووي من شهوة الطعام واللباس والزواج، ووجد في لذّة العلم التعويض الكافي عن كل ذلك. والذي يلفت النظر أنه انتقل من بيئة بسيطة إلى دمشق حيث الخيرات والنعيم، وكان في سن الشباب حيث قوة الغرائز، ومع ذلك فقد أعرض عن جميع المتع والشهوات وبالغ في التقشف وشظف العيش. الورع: وفي حياته أمثلة كثيرة تدلُّ على ورع شديد، منها أنه كان لا يأكل من فواكه دمشق، ولما سُئل عن سبب ذلك قال: إنها كثيرة الأوقاف، والأملاك لمن تحت الحجر شرعًا، ولا يجوز التصرّف في ذلك إلا على وجه الغبطة والمصلحة، والمعاملة فيها على وجه المساقاة، وفيها اختلاف

مناصحته الحكام

بين العلماء. ومن جوَّزَها قال: بشرط المصلحة والغبطة لليتيم والمحجور عليه، والناس لا يفعلونها إلا على جزء من ألف جزء من الثمرة للمالك، فكيف تطيب نفسي؟. واختار النزول في المدرسة الرواحيّة على غيرها من المدارس لأنها كانت من بناء بعض التجّار. وكان لدار الحديث راتب كبير فما أخذ منه فلسًا، بل كان يجمعُها عند ناظر المدرسة، وكلما صار له حق سنة اشترى به ملكًا ووقفه على دار الحديث، أو اشترى كتبًا فوقفها على خزانة المدرسة، ولم يأخذ من غيرها شيئًا. وكان لا يقبل من أحد هديةً ولا عطيّةً إلا إذا كانت به حاجة إلى شيء وجاءه ممّن تحقق دينه. وكان لا يقبل إلا من والديه وأقاربه، فكانت أُمُّه ترسل إليه القميص ونحوه ليلبسه، وكان أبوه يُرسل إليه ما يأكله، وكان ينام في غرفته التي سكن فيها يوم نزل دمشق في المدرسة الرواحية، ولم يكن يبتغي وراء ذلك شيئًا. مُناصحَتُه الحُكّام: لقد توفرت في النووي صفات العالم الناصح الذي يُجاهد في سبيل الله بلسانه، ويقوم بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو مخلصٌ في مناصحته وليس له أيّ غرض خاص أو مصلحة شخصية، وشجاعٌ لا يخشى في اللَّه لومة لائم، وكان يملك البيان والحجة لتأييد دعواه. وكان الناسُ يرجعون إليه في الملمّات والخطوب ويستفتونه، فكان يُقبل عليهم ويسعى لحلّ مشكلاتهم، كما في قضية الحوطة على بساتين الشام: لما ورد دمشقَ من مصرَ السلطانُ الملكُ الظاهرُ بيبرسُ بعد قتال التتار وإجلائهم عن البلاد، زعم له وكيل بيت المال أن كثيرًا من بساتين الشام من أملاك الدولة، فأمر الملك بالحوطة عليها، أي بحجزها وتكليف واضعي اليد على شيءٍ منها إثبات ملكيته وإبراز وثائقه، فلجأ الناس إلى

وفاته

الشيخ في دار الحديث، فكتب إلى الملك كتابًا جاء فيه: "وقد لحق المسلمين بسبب هذه الحوطة على أملاكهم أنواعٌ من الضرر لا يمكن التعبير عنها، وطُلب منهم إثباتٌ لا يلزمهم، فهذه الحوطة لا تحلّ عند أحد من علماء المسلمين، بل مَن في يده شيء فهو ملكه لا يحلّ الاعتراض عليه ولايُكلَّفُ إثباته" فغضب السلطان من هذه الجرأة عليه وأمر بقطع رواتبه وعزله عن مناصبه، فقالوا له: إنه ليس للشيخ راتب وليس له منصب. ولما رأى الشيخ أن الكتاب لم يفِدْ، مشى بنفسه إليه وقابله وكلَّمه كلامًا شديدًا، وأراد السلطان أن يبطشَ به فصرف اللَّه قلبَه عن ذلك وحمى الشيخَ منه، وأبطلَ السلطانُ أمرَ الحوطة وخلَّصَ اللَّه الناس من شرّها. وَفَاته: وفي سنة 676 هـ رجع إلى نوى بعد أن ردّ الكتب المستعارة من الأوقاف، وزار مقبرة شيوخه، فدعا لهم وبكى، وزار أصحابه الأحياء وودّعهم، وبعد أن زار والده زار بيت المقدس والخليل، وعاد إلى نوى فمرض بها وتوفي في 24 رجب. ولما بلغ نعيه إلى دمشق ارتجّت هي وما حولها بالبكاء، وتأسف عليه المسلمون أسفًا شديدًا، وتوجّه قاضي القضاة عزّ الدين محمد بن الصائغ وجماعة من أصحابه إلى نوى للصلاة عليه في قبره، ورثاه جماعة، منهم محمد بن أحمد بن عمر الحنفي الإِربلي، وقد اخترت هذه الأبيات من قصيدة بلغت ثلاثة وثلاثين بيتًا: عزَّ العزاءُ وعمَّ الحادث الجلل ... وخاب بالموت في تعميرك الأمل واستوحشت بعدما كنت الأنيس لها ... وساءَها فقدك الأسحارُ والأصلُ وكنت للدين نورًا يُستضاء به ... مسدَّد منك فيه القولُ والعملُ زهدتَ في هذه الدنيا وزخرفها ... عزمًا وحزمًا ومضروب بك المثل أعرضت عنها احتقارًا غير محتفل ... وأنت بالسعي في أخراك محتفل وهكذا انطوت صفحة من صفحات عَلَمٍ من أعلاَم المسلمين، بعد جهاد في طلب العلم، ترك للمسلمين كنوزًا من العلم، لا زال

العالم الإسلامي يذكره بخير، ويرجو له من اللَّه تعالى أن تناله رحماته ورضوانه. رحم الله الإِمام النووي رحمة واسعة، وحشره مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا، وجمعنا به تحت لواء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (¬1). ¬

_ (¬1) كنت أعددتُ هذه الترجمة للإمام النووي، وطُبعت بعد المقدمة في كتاب "نزهة المتّقين شرح رياض الصالحين" وقد عدت إليها الآن وزدت فيها إضافات عديدة عثرت عليها في كتب لم أرها من قبل. والحمد لله وحده أولًا وآخرًا.

مقدمة المؤلف

مقدمة المؤلف بسم الله الرحمن الرحيم {فاذْكُرُوني أذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُون} [البقرة:152] الحمد للَّه الواحد القهَّار، العزيز الغفَّار، مقدِّر الأقدار، مصرِّف الأمور، مُكوِّر الليل (¬1) على النهار، تبصرةَ لأُولي القلوب والأبصار، الذي أيقظ من خلقه ومن اصطفاه فأدخله في جملة الأخيار، ووفَّق من اجتباه من عبيده فجعلَه من المقرَّبين الأبرار، وبصَّرَ من أحبَّه فزهَّدهم (¬2) في هذه الدار، فاجتهدوا في مرضاته والتأهُّب لدار القرار، واجتناب ما يُسخطه والحذر من عذاب النار، وأخذوا أنفسهم بالجدِّ في طاعته وملازمة ذكره بالعشيّ والإِبكار، وعند تغاير الأحوال وجميع آناء الليل والنهار، فاستنارت قلوبُهم بلوامع الأنوار، أحمده أبلغَ الحمد على جميع نعمه، وأسألُه المزيد من فضله وكرمه. وأشهد أن لا إله إلاَّ اللَّه العظيم، الواحد الصمد العزيز الحكيم؛ وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، وصفيُّه وحبيبه وخليله، أفضلُ المخلوقين، وأكرمُ السابقين واللاحقين، صلواتُ الله وسلامه عليه وعلى سائر النبيين، وآل كلٍّ وسائر الصالحين. ¬

(¬1) "مُكوِّر الليل .. ": وهو مقتبس من الآية الكريمة: {يكوِّر الليل على النهار} [الزمر:5] ومعناها: يلفُّ الليل على النهار لفَّ اللباس على اللابس فيسترُه، فتظهر الظلمة. وفي تفسير الواحدي: يكوِّر الليل على النهار: يُدخل هذا على هذا، والتكوير: هو طرح الشيء بعضه على بعض. (¬2) في "ب": "فزهَّده .. ".

أما بعد: فقد قال الله العظيم العزيز الحكيم: {فاذْكُرُوني أذْكُرْكُمْ} [البقرة:152] وقال تعالى: {وَمَا خَلقْتُ الجِنَّ والإنْسَ إلا ليَعْدون} [الذاريات:56] فعُلِم بهذا أمن أفضل ـ أو أفضل ـ حال العبد، حال ذكره ربَّ العالمين، واشتغاله بالأذكار الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين. وقد صنَّف العلماءُ رضي اللهع عنهم في عمل اليوم والليلة والدعوات والأذكار كتبًا كثيرةً معلومةً عند العارفين، ولكنها مطوّلة بالأسانيد والتكرير، فضَعُفَتْ عنها هممُ الطالبين، فقصدتُ تسهيل ذلك على الراغبين، فشرعتُ في جمع هذا الكتاب مختصرًا مقاصد ما ذكرته تقريبًا للمعتنين، وأحذف الأسانيد في معظمه لما ذكرته من إيثار الاختصار، ولكونه موضوعًا للمتعبدين، وليسوا إلى معرفة الأسانيد (¬1) متطلعين، بل يكرهونه وإن قَصُرَ إلا الأقلّين، ولأن المقصود به معرفةُ الأذكار والعمل بها، وإيضاحُ مظانّها للمسترشدين، وأذكر إن شاء الله تعالى بدلًا من الأسانيد ما هو أهم منها مما يخلّ به غالبًا، وهو بيان صحيح (¬2) الأحاديث وحسنها وضعيفها ومنكرها، ¬

(¬1) "الأسانيد": جمع إسناد، وهو الإخبار عن طريق المتن، والسند رجاله، وقيلب هما بمعنى. (¬2) " صحيح الأحاديث" قال ابن علاّن ـ رحمه الله تعالى ـ ما خلاصته: "الصحيح في الأصل من أوصاف الأجسام، ثم جُعل وصفًا للحديث. ثم هو قسمان: صحيح لذاته، وهو ما اتصل سنده برواية العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علّة قادحة. وصحيح لغيره، وهو ما كان راويه دون ذلك في الضبط والإتقان، فيكون حديثه في مرتبة الحسن، فيرتقي بعدد طرقه إلى الصحة، ويقال له: صحيح لغيره. والحسن قسمان كذلك: حسن لذاته، وهو الذي عرَّفه الخطّابيُّ بقوله: أن يكون راويه مشهورًا بالصدق والأمانة، لكن لم يبلغ درجة الصحيح؛ لقصور راويه عن رواة الصحيح في الحفظ والإتقان، وهو مرتفع عن حال من يُعَدُّ تفرده مُنكرًا. وحسن لغيره، وهو الذي عرفه الترمذي بقوله: أن لا يخلو الإسناد من مستور لم تتحقق أهليته، وليس مغفلًا كثير الخطأ فيما يرويه، ولا هو متهم بالكذب في الحديث، ولا ظهر منه سبب آخر مُفسِّقٌ، ويكون الحديث معروفًا برواية مثله أو نحوه، من وجه آخر، ولا بدّ للحكم بحسن الحديث مطلقًا سلامته =

فإنه مما يفتقر إلى معرفته جميعُ الناس إلا النادر من المحدّثين، وهذا أهمّ ما يجب الاعتناء به، وما يُحقِّقهُ الطالبُ من جهة الحفاظ المتقنين، والأئمة الحُذَّاق المعتمدين، وأضمُّ إليه إن شاء الله الكريم جملًا من النفائس من علم الحديث، ودقائق الفقه، ومهمات القواعد، ورياضات النفوس، والآداب التي تتأكد معرفتُها على السالكين. وأذكرُ جميعَ ما أذكرُه مُوَضَّحًا بحيث يسهلُ فهمه على العوام والمتفقهين. وقد روينا في صحيح مسلم (¬1)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ دَعا إلى هُدىً كانَ لَهُ مِنَ الأجْرِ مِثْلَ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذلك مِنْ أُجُورِهِمْ شَيئًا". فأردت مساعدة أهل الخير بتسهيل طريقه والإِشارة إليه، وإيضاح سلوكه والدلالة عليه، وأذكر في أوَّلِ الكتاب فصولًا مهمة يحتاجُ إليها صاحبُ هذا الكتاب وغيره من المعتنين، وإذا كان في الصحابة مَن ليس مشهورًا عند مَن لا يعتني بالعمل نبَّهتُ عليه فقلت: روينا عن فلان الصحابيّ، لئلا يُشكَّ قي صحبته. وأقتصر في هذا الكتاب على الأحاديث التي في الكتب المشهورة التي هي أصول الإِسلام وهي خمسة: صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، والترمذي، والنسائي. وقد أروي يسيرًا من الكتب المشهورة غيرها. وأما الأجزاء والمسانيد فلستُ أنقل منها شيئًا إلا في نادر من ¬

= من العلّة القادحة والشذوذ .. والضعيف ما فقد فيه شرط من شروط القبول الشاملة للصحيح والحسن من الاتصال والعدالة والضبط وعدم الشذوذ والعلّة القادحة، وهو أنواع منها الشاذ والمنكر .. " الفتوحات الربانية 1/ 23ـ24. (¬1) مسلم (2674)، وأبو داود (4609)، والترمذي (2676)، والموطأ 1/ 218.

أبواب

المواطن، ولا أذكرُ من الأصول المشهورة أيضًا من الضعيف إلا النادر مع بيان ضعفه، وإنما أذكر فيه الصحيح (¬1) غالبًا، فلهذا أرجو أن يكون هذا الكتاب أصلًا معتمدًا. ثم لا أذكر في الباب من الأحاديث إلا ما كانت دلالته ظاهرة في المسألة. والله الكريم أسألُ التوفيق والإِنابة والإِعانة والهداية والصيانة، وتيسير ما أقصده من الخيرات، والدوام على أنواع المكرمات، والجمع بيني وبين أحبابي في دار كرامته وسائر وجوه المسرّات. وحسبي الله ونِعم الوكيل، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله العزيز الحكيم، ما شاء الله لا قوَّة إلاَّ بالله، توكلتُ على الله، اعتصمتُ بالله، استعنتُ بالله، وفوَّضت أمري إلى الله، واستودعتُ الله ديني ونفسي ووالديّ وإخواني وأحبائي وسائر من أحسن إليّ وجميع المسلمين وجميع ما أنعم به عليّ وعليهم من أمور الآخرة والدنيا، فإنه سبحانه إذا استُودع شيئًا حفظه ونعم الحفيظ. [فصل]: في الأمر بالإِخلاص وحسن النيّات في جميع الأعمال الظاهرات والخفيَّات. قال الله تعالى: {وَمَا أُمِروا إلاَّ ليعبُدوا الله مُخلِصِينَ لَهُ الدّين حُنفاء} [البيِّنة:5] وقال تعالى: {لَنْ يَنالَ الله لُحومُها وَلاَ دِماؤُها ولكنِ ينالُهُ التَّقوى مِنكمْ} [الحج:37] قال ابن عباس رضي الله عنهما: معناه ولكن يناله النيّات. أخبرنا شيخنا الإمام الحافظ أبو البقاء خالد بن يوسف بن الحسن بن ¬

(¬1) قال ابن علاّن = "قوله الصحيح" المراد منه ما يشمل الصحيح لغيره، بل والحسن، فيُراد من الصحيح المقبول، وقد أطلق كثير عليه الصحيح.

سعد بن الحسن بن المفرّج بن بكار المقدسيّ النابلسيّ ثم الدمشقي رضي الله عنه، أخبرنا أبو اليمن الكندي، أخبرنا محمد بن عبد الباقي الأنصاري، أخبرنا أبو محمد الحسن بن عليّ الجوهري، أخبرنا أبو الحسين محمد بن المظفر الحافظ، أخبرنا أبو بكر محمد بن محمد بن سليمان الواسطي، حدّثنا أبو نُعيم عبيد بن هشام الحلبي، حدّثنا ابن المبارك، عن يحيى بن سعيد ـ هو الأنصاري ـ عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن علقمة بن وقّاص الليثيّ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّما الأعْمالُ بالنِّيَّاتِ وإنَّمَا لِكُلّ امرىءٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كانَتْ هِجْرَتُهُ إلى الله وَرَسولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلى الله وَرَسولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيا يُصِيبُها أَوِ امْرأةٍ يَنْكِحُها فَهِجْرَتُه إلى ما هَاجَرَ إلَيْهِ". هذا حديث متفق (¬1) على صحته، مجمع على عظم موقعه وجلالته، وهو أحد الأحاديث التي عليها مدارُ الإِسلام؛ وكان السلف وتابعوهم من الخلف رحمهم الله تعاالى يَستحبُّون استفتاح المصنفات بهذا الحديث، تنبيهًا للمُطالع (¬2) على حسن النيّة، واهتمامه بذلك والاعتناء به. روينا عن الإمام أبي سعيد عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله تعالى: منن أراد أن يُصنِّفَ كتابًا فليبدأ بهذا الحديث. وقال الإمام أبو سليمان الخَطَّابي رحمه الله: كان المتقدمون من شيوخنا يستحبُّون تقديم حديث الأعمال بالنيّة أمامَ كل شيء ينشأ ويبتدأ من أمور الدين لعموم الحاجة إليه في جميع أنواعها. وبلغنا عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إنما ¬

(¬1) البخاري (1)، ومسلم (1907)، وأبو داود (2201) والترمذي (1647)، والنسائي 1/ 59ـ60. (¬2) في هامش "أ": "تنبيهًا للطالب ... ".

يُحْفَظ الرجلُ على قدر نيّته. وقال غيرُه: إنما يُعطى الناسُ على قدر نيّاتهم. وروينا عن السيد (¬1) الجليل أبي عليّ الفُضيل بن عِياض رضي الله عنه قال: تركُ العمل لأجل الناس رياءٌ، والعمل لأجل الناس شِركٌ، والإِخلاصُ أن يعافيَك الله منهما. وقال الإمام الحارث المحاسبيُّ رحمه الله: الصادق هو الذي لا يُبالي لو خرج كلُّ قَدْرٍ له في قلوب الخلق من أجل صَلاح قلبه، ولا يحبُّ اطّلاع الناس على مثاقيل الذرِّ من حس عمله ولا يكرهُ أن يطلعَ الناسُ على السيء من عمله. وعن حُذيفة المَرْعشيِّ رحمه الله قال: الإِخلاصُ أن تستوي أفعالُ العبد في الظاهر والباطن. وروينا عن الإمام الأستاذ أبي القاسم القُشَيريّ رحمه الله قال: الإِخلاصُ إفرادُ الحق سبحانه وتعالى في الطاعة بالقصد، وهو أن يُريد بطاعته التقرّب إلى الله تعالى دون شيء آخر: من تَصنعٍ لمخلوق، أو اكتساب محمَدةٍ عند الناس، أو محبّة مدحٍ من الخلق أو معنى من المعاني سوى التقرّب إلى الله تعالى. وقال السيد الجليل أبو محمد سهل بن عبد الله التُستَريُّ رضي الله عنه: نظر الأكياسُ في تفسير الإِخلاص فلم يجدوا غير هذا: أن يكون حركتُه وسكونه في سرِّه وعلانيته لله تعالى، ولا يُمازجه نَفسٌ ولا هوىً ولا دنيا. وروينا عن الأستاذ أبي علي الدقاق رضي الله عنه قال: الإِخلاصُ: التوقِّي عن ملاحظة الخلق، والصدق: التنقِّي عن مطاوعة النفس، ¬

(¬1) "عن السيد": فيه إطلاق السيّد على غير الله، وهو جائز، وعن النحاس كراهته إذا كان بألأ. الفتوحات الربانية 1/ 68.

فالمخلصُ لا رياء له، والصادقُ لا إعجابَ له. وعن ذي النون المصري رحمه الله قال: ثلاثٌ من علامات الإِخلاص: استواءُ المدح والذمّ من العامَّة، ونسيانُ رؤية الأعمال في الأعمال، واقتضاءُ ثواب العمل في الآخرة. وروينا عن القُشَيريِّ رحمه الله قال: أقلُّ الصدق استواءُ السرّ والعلانية. وعن سهل التستري: لا يشمّ رائحة الصدق عبدٌ داهن نفسه أو غيره، وأقوالهم في هذا غير منحصرة، وفيما أشرت إليه كفاية لمن وُفق. [فصل]: اعلم أنه ينبغي لمن بلغه شيء في فضائل الأعمال أن يعمل به ولو مرّة واحدة ليكون من أهله، ولا ينبغي أن يتركه مطلقًا بل يأتي بما تيسر منه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته: "إذَا أَمَرْتُكُمْ بَشَيءٍ فأْتُوا مِنْهُ ما اسْتَطعْتُمْ" (¬1) [فصل]: قال العلماءُ من المحدّثين والفقهاء وغيرهم: يجوز ويُستحبّ العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعًا (¬2)، وأما الأحكام كالحلال والحرام والبيع والنكاح والطلاق وغير ذلك فلا يُعمل فيها إلا بالحديث الصحيح أو الحسن إلا أن يكون في احتياطٍ في شيء من ذلك، كما إذا وردَ حديثٌ ضعيفٌ بكراهة بعض البيوع أو الأنكحة، فإن المستحبَّ أن يتنزّه عنه ولكن لا يجب. وإنما ذكرتُ هذا ¬

(¬1) البخاري (7288)، ومسلم (1337)، والترمذي (2681)، والنسائي 5/ 110. ولفظه: "دعوني ما تركتُكم، إنما أهلَكَ مَنْ كان قبلكم كثرةُ سؤالهم واختلافُهم على أنبيائهم، فإذا نهيتُكم عن شيء فاجتنبُوه، وإذا أمرتُكم بأمرٍ فأْتوا منه ما استطعتُم". (¬2) "ما لم يكن موضوعًا": قال ابن علاّن ـ رحمه الله تعالى ـ: "وفي معناه شديد الضعف، فلا يجوز العمل بخبر من انفرد من كذاب ومتهم، وبقي للعمل بالضعيف شرطان: أن يكون له أصل شاهد لذلك؛ كاندراجه في عموم أو قاعدة كلية، وأن لا يعتقد عند العمل به ثبوته، بل يعتقد الاحتياط" الفتوحات الربانية: 1/ 84.

الفصل لأنه يجيءُ في هذا الكتاب أحاديثُ أنصُّ على صحتها أو حسنها أو ضعفها، أو أسكتُ عنها لذهول عن ذلك أو غيره، فأردتُ أن تتقرّر هذه القاعدة عند مُطالِع هذا الكتاب. [فصل]: اعلم أنه كما يُستحبُّ الذكر يُستحبُّ الجلوس في حِلَق أهله، وقد تظاهرت الأدلة على ذلك، وستردُ في مواضعها إن شاء الله تعالى، ويكفي في ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مَرَرْتُمْ بِرِياضِ الجَنَّةِ فارْتَعُوا. قالُوا: وَمَا رِياضُ الجَنَّةِ يا رَسُولَ الله؟! قالَ: حِلَقُ الذّكْرِ، فإنَّ لله تعالى سَيَّارَاتٍ مِنَ المَلائِكَةِ يَطْلُبُونَ حِلَقَ الذّكْرِ، فإذَا أَتَوْا عَليْهِمْ حَفُّوا بِهِمْ" (¬1). وروينا في صحيح مسلم (¬2)، عن معاوية رضي الله عنه أنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على حلقة من أصحابه فقال: "ما أجْلَسَكُم؟ قالوا: جلسنا نذكُر الله تعالى ونحمَدُه على ما هدانا للإسلام ومنّ به علينا، قال: آلله ما أجْلَسَكُمْ إلا ذَاكَ؟ قالوا: واللَّهِ، ما أجلسنا إلاّ ذاك، قال: أما إني لَمْ أستحلِفكُمْ تُهمةً لكُمْ، ولَكنَّهُ أتاني جبْرِيلُ فأخْبَرَنِي أنَّ الله تعالى يُباهي بكُمُ المَلائكَةَ". وروينا في صحيح مسلم (¬3) أيضًا، عن أبي سعيد الخدري وأبي ¬

(¬1) قال الحافظ ابن حجر في أماليه على الأذكار: "لم أجده من حديث ابن عمر ولا بعضه لا في الكتب المشهورة ولا الأجزاء المنثورة، ولكن وجدتُه من حديث أنس بمعناه مختصرًا"، وذكر السيوطي ـ رحمه الله تعالى ـ في "تحفة الأبرار بنكت الأذكار" ورقة 3: "وأراد ـ أي النووي رحمه الله ـ أن يقول: حديث أنس؛ فسبق قلمه إلى ابن عمر". (¬2) مسلم (2701)، والترمذي (3376)، والنسائي 8/ 249، ومعنى "يُباهي بكم ملائكته": يُظهر فضلكم لهم، ويريهم حسنَ عملكم، ويثني عليكم عندهم. (¬3) مسلم (2700) والترمذي (3587) ومعنى "غشيتهم الرحمة": أي غطّتهم من كل جهة: و"السكينة" هي المذكورة في قوله تعالى: {هو الذي أنزَلَ السكينةَ في قلوب المؤمنينَ ليزدَادُوا إيمانًا} [الفتح:4].

هريرة رضي الله عنهما: أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُون الله تَعالى إلا حَفَّتْهُمُ المَلائِكَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَنَزَلَتْ عَليهِمْ السَّكِينَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ تَعالى فِيمَنْ عِنْدَهُ". [فصل]: الذكر يكون بالقلب، ويكون باللسان، والأفضلُ منه ما كانَ بالقلب واللسان جميعًا، فإن اقتصرَ على أحدهما فالقلبُ أفضل، ثم لا ينبغي أن يُتركَ الذكرُ باللسان مع القلب خوفًا من أن يُظنَّ به الرياء، بل يذكرُ بهما جميعًا ويُقصدُ به وجهُ الله تعالى، وقد قدّمنا عن الفُضَيل رحمه الله: أن ترك العمل لأجل الناس رياء. ولو فتح الإنسانُ عليه بابَ ملاحظة الناس، والاحتراز من تطرّق ظنونهم الباطلة لا نسدَّ عليه أكثرُ أبواب الخير، وضيَّع على نفسه شيئًا عظيمًا من مهمَّات الدين، وليس هذا طريق (¬1) العارفين. وروينا في صحيحي البخاري ومسلم (¬2)، عن عائشة رضي الله عنها قالت: نزلت هذه الآية {وَلاَتَجْهَرْ بِصَلاتِكَ ولا تُخافِتْ بِها} [الإسراء:110] في الدعاء. [فصل]: اعلم أن فضيلة الذكر غيرُ منحصرةٍ في التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير ونحوها، بل كلُّ عاملٍ لله تعالى بطاعةٍ فهو ذاكرٌ لله تعالى، كذا قاله سعيدُ بن جُبير رضي الله عنه زغيره من العلماء. وقال عطاء رحمه الله: مجالسُ الذِّكر هي مجالسُ الحلال والحرام، كيف تشتري وتبيعُ وتصلّي وتصومُ وتنكحُ وتطلّق وتحجّ، وأشباه هذا. [فصل]: قال الله تعالى: {إنَّ المُسْلِمِينَ والمُسْلِماتِ} إلى قوله ¬

(¬1) كذا في "أ" وفي "ب": طريقة. (¬2) البخاري (4723)، ومسلم (447)، والموطأ 1/ 218.

تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ الله كَثيرًا وَالذَّاكِرَاتِ، أعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مغْفِرَةً وأجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب:35]. وروينا في صحيح مسلم (¬1)، عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سَبَقَ المُفرِّدونَ، قالُوا: ومَا المُفَرِّدونَ يا رَسُولَ الله؟! قالَ: الذَّاكِرُونَ الله كَثِيرًا وَالذَّاكرَاتُ". قلت: روي المفرِّدون بتشديد الراء وتخفيفها، والمشهور الذي قاله الجمهور التشديد. واعلم أن هذه الآية الكريمة (¬2) مما ينبغي أن يهتمَّ بمعرفتها صاحبُ هذا الكتاب. وقد اختُلِفَ في ذلك، فقال الإِمامُ أبو الحسن الواحديّ: قال ابن عباس: المراد يذكرون الله في أدبار الصلوات، وغدوًّا وعشيًّا، وفي المضاجع، وكلما استيقظ من نومه، وكلما غدا أو راح من منزله ذكرَ الله تعالى. وقال مجاهد: لا يكونُ من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات حتى يذكر الله قائمًا وقاعدًا ومضطجعًا. وقال عطاء: من صلَّى الصلوات الخمس بحقوقها فهو داخلٌ في قول الله تعالى: {والذَّاكِرِينَ الله كَثيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} هذا نقل الواحدي. وقد جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أيْقَظَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّيَا ـ أَوْ صَلَّى ـ رَكعَتينِ ¬

(¬1) مسلم (2676)، والترمذي (3590)، و"المفردون": المراد بهم: الذين تفرّدوا واستقلّوا عن غيرهم بذكر الله عزّوجلّ. وفي هامش "أ": "المفرِّدُون" بفتح الراء وكسرها، والكسر أشهر، هم الذين استولى عليهم الذكر، فأفردهم عن كل شيء إلا عن ذكر الله سبحانه وتعالى، فهم يفردونه بالذكر، ولا يضمّون إليه سواه. (¬2) المراد بالآية هنا هي قوله تعالى: {والذاكرين الله كثيرًا والذاكرات، أعدّ الله لهم مغفرة وأجرًا عظيمًا} [الأحزاب:35].

جَمِيعًا كُتِبَا في الذَّاكِرِينَ الله كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ" (¬1) هذا حديث مشهور رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه في سننهم. وسئل الشيخ الإمام أبو عمر بن الصَّلاح رحمه الله عن القدر الذي يصيرُ به من الذاكرينَ الله كثيرًا والذاكرات، فقال: إذا واظبَ على الأذكار المأثورة (¬2) المثبتة صباحًا ومساءً في الأوقات والأحوال المختلفة ليلًا ونهارًا، وهي مُبيّنة في كتاب عمل اليوم والليلة (¬3)، كان من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات، والله أعلم. [فصل]: أجمع العلماءُ على جواز الذكر بالقلب واللسان للمُحْدِث والجُنب والحائض والنفساء، وذلك في التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم والدعاء وغير ذلك. ولكنَّ قراءة القرآن حرامٌ على الجُنب والحائض والنفساء، سواءٌ قرأ قليلًا أو كثيرًا حتى بعض آية، ويجوز لهم إجراءُ القرآن على القلب من غير لفظ، وكذلك النَّظَرُ في المصحف، وإمرارُه على القلب. قال أصحابُنا: ويجوز للجُنب والحائض أن يقولا عند المصيبة: {إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون}، وعند ركوب الدابة: {سبحان الذي سخَّر لنا هذا وما كُنَّا له مُقرنين} (¬4)، وعند الدعاء: {ربنا آتنا ¬

(¬1) أبو داود (1309)، والنسائي في الكبرى، وابن ماجه (1335). وقال الحافظ ابن حجر في تخريجه: مراد الشيخ بقوله: حديث مشهور؛ شهرته على الألسنة، لا أنه مشهور بالمعنى الاصطلاحي؛ إذ هو من أفراد علي بن الأقمر عن الأغرّ. ثم قال: رواه أبو داود ومن ذكر كما قال، لكنهم ذكروا أبا هريرة مع أبي سعيد، فما أدري لِمَ حذفه، فإنهما عند جميع مَن أخرجه مرفوعًا، وأما من أفرد أبا سعيد فإنه أخرجه موقوفًا. الفتوحات الربانية 1/ 122. (¬2) "المأثورة": ما أُثِرَ عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويقدّم عند التعارض الأصحّ إسنادًا. (¬3) "كتاب عمل اليوم والليلة": أي في الكتب المؤلفة في ذلك، ككتاب "عمل اليوم والليلة" للنسائي، وكتاب "عمل اليوم والليلة" لابن السُّني. (¬4) "مُقرنين": أي مطيقين. قال ابن علاّن: ويضم إليها الآية الأخرى {وإنَّا إلى رّبنا لمنقلبون} أي: مبعوثون. الفتوحات الربانية:1/ 130.

في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار}، إذا لم يقصدا به القرآن، ولهما أن يقولا: بسم الله، والحمد لله، إذا لم يقصدا القرآن، سواءٌ قصدا الذكر أو لم يكن لهما قصد، ولا يأثمان إلا إذا قصدا القرآن، ويجوزُ لهما قراءةُ ما نُسخت تلاوتُه "كالشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما". وأما إذا قالا لإِنسان: خذ الكتاب بقوّة، أو قالا: ادخلوها بسلام آمنين، ونحو ذلك، فإن قصدا غيرَ القرآن لم يحرم، وإذا لم يجدا الماء تيمَّمَا وجاز لهما القراءة، فإن أحدثَ بعد ذلك لم تحرم عليه القراءة كما لو اغتسل ثم أحدث. ثم لا فرق بين أن يكون تَيمُّمُه لعدم الماء في الحَضَر أو في السفر، فله أن يقرأ القرآن بعده وإن أحدث. وقال بعضُ أصحابنا: إن كان في الحضر صلَّى به وقرأ به في الصلاة، ولا يجوزُ أن يقرأ خارجَ الصلاة، والصحيحُ جوازه كما قدّمناه، لأن تيمُّمَه قام مقام الغسل. ولو تيمَّمَ الجنبُ ثم رأى ماء يلزمُه استعمالُه فإنه يحرمُ عليه القراءة وجميع ما يحرم على الجُنب حتى يغتسل. ولو تيمَّم وصلَّى وقرأ ثم أراد التيمّم لحدثٍ أو لفريضةٍ أخرى أو لغير ذلك لم تحرم عليه القراءة. هذا هو المذهب الصحيح المختار، وفيه وجه لبعض أصحابنا أنه يحرمُ، وهو ضعيف. أما إذا لم يجد الجُنبُ ماءً ولا تُرابًا فإنه يُصلِّي لحُرمة الوقت على حسب حاله، وتحرمُ عليه القراءة خارجَ الصلاة، ويحرمُ عليه أن يقرأ في الصلاة ما زاد على الفاتحة. وهل تحرمُ الفاتحة؟ فيه وجهان: أصحُّهما لا تحرمُ بل تجبُ، فإن الصَّلاةَ لا تصحُّ إلا بها، وكما جازت الصلاةُ للضرورة تجوزُ القراءة. والثاني تحرمُ، بل يأتي بالأذكار التي يأتي بها مَن لا يُحسن شيئًا من

القرآن. وهذه فروعٌ رأيتُ إثباتها هنا لتعلقها بما ذكرتُه، فذكرتها مختصرة وإلا فلها تتمّات وأدلة مستوفاة في كتب الفقه، والله أعلم. [فصل]: ينبغي أن يكون الذاكرُ على أكمل الصفات، فإن كان جالسًا في موضع استقبل القبلة وجلس مُتذلِّلًا مُتخشعًا بسكينة ووقار، مُطرقًا رأسه، ولو ذكر على غير هذه الأحوال جاز ولا كراهة في حقه، لكن إن كان بغير عذر كان تاركًا للأفضل. والدليل على عدم الكراهة قول الله تعالى: {إنَّ في خَلْقِ السَّمَوَاتِ والأَرْضضِ واخْتِلاَفِ اللَّيْلِ والنَّهارِ لآياتٍ لأُولِي الألْبابِ. الَّذينَ يَذْكرُونَ الله قِيامًا وَقُعوداَ وَعلى جُنوبِهمْ وَيَتَفكَّرُونَ في خَلْقِ السَّمَوَاتِ والأرْضِ ..} [آل عمران: 190ـ 191]. وثبت في الصحيحين (¬1)، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يتكىء في حجري وأنا حائض فيقرأ القرآن. رواه البخاري ومسلم. وفي رواية: ورأسه في حجري وأنا حائض (¬2). وجاء عن عائشة رضي الله عنها أيضًا قالت: إني لأقرأ حزبي وأنا مضطجعةٌ على السرير. [فصل]: وينبغي أن يكون الموضعُ الذي يذكرُ فيه خاليًا (¬3) نظيفًا (¬4)، فإنه أعظمُ في احترام الذكر المذكور، ولهذا مُدح الذكرُ في المساجد والمواضع الشريفة. وجاء عن الإمام الجليل أبي ميسرة رضي الله عنه قال: لا يُذكر الله تعالى إلاَّ في مكان طيّب. وينبغي أيضًا أن يكون فمه نظيفًا، فإن كان فيه تغيُّر أزاله بالسِّواك، وإن كان فيه نجاسة أزالها بالغسل بالماء، ¬

(¬1) البخاري (297)، ومسلم (301). (¬2) البخاري (7549). (¬3) "خاليًا": أي عن كل ما يُشغل البال، ويحصل من وجوه الاشتغال والوسواس. (¬4) "نظيفًا" طاهرًا من سائر الأدناس فضلًا عن النجاسات.

فلو ذكر ولم يغسلها فهو مكروهٌ ولا يَحرمُ، ولو قرأ القرآن وفمُه نجسٌ كُره، وفي تحريمه وجهان لأصحابنا: أصحُّهما لا يَحرم. [فصل]: اعلم أن الذكر (¬1) محبوبٌ في جميع الأحوال إلا في أحوال وردَ الشرعُ باستثنائها نذكرُ منها هنا طرفًا، إشارة إلى ما سواه مما سيأتي في أبوابه إن شاء الله تعالى. فمن ذلك أنه يُكره الذكرُ حالةَ الجلوس على قضاء الحاجة، وفي حالة الجِماع، وفي حالة الخُطبة لمن يسمعُ صوتَ الخطيب، وفي القيام في الصلاة، بل يشتغلُ بالقراءة، وفي حالة النعاس. ولا يُكره في الطريق ولا في الحمَّام، والله أعلم. [فصل]: المرادُ من الذكر حضورُ القلب، فينبغي أن يكون هو مقصودُ الذاكر فيحرص على تحصيله، ويتدبر ما يذكر، ويتعقل معناه. فالتدبُر في الذكر مطلوبٌ كما هو مطلوبٌ في القراءة لاشتراكهما في المعنى المقصود، ولهذا كان المذهبُ الصحيح المختار استحباب مدَّ الذاكر قول: لا إله إلا الله، لما فيه من التدبر، وأقوالُ السلف وأئمة الخلف في هذا مشهورة، والله أعلم. [فصل]: ينبغي لمن كان له وظيفةٌ من الذكر في وقت من ليل أو نهار، أو عقب صلاة أو حالة من الأحوال ففاتته أن يتداركها ويأتي بها إذا تمكن منها ولا يهملها، فإنه إذا اعتاد الملازمة عليها لم يعرّضها للتفويت، وإذا تساهل في قضائها سَهُلَ عليه تضييعها في وقتها. وقد ثبت في صحيح مسلم (¬2)، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ¬

(¬1) المقصود بالذكر هنا الذكر باللسان. (¬2) مسلم (747)، وأبو داود (1313)، والترمذي (581)، والموطأ 1/ 200. ومعنى "حزبه": ورده من القرآن، وهو شيء يجعله الإنسان على نفسه يقرؤه كل يوم. والمراد به في الحديث: ما يرتبه الإنسان على نفسه من ذكر أو صلاة أو قراءة قرآن.

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ نامَ عَنْ حِزْبِهِ أَوْ عَنْ شيءٍ مِنْهُ فقرأهُ ما بَيْنَ صَلاةِ الفَجْرِ وَصلاة الظُّهْرِ كُتب له كأنما قرأه من اللَّيل". [فصل]: في أحوال تعرضُ للذاكر يُستحبّ له قطعُ الذكر بسببها ثم يعودُ إليه بعد زوالها: منها إذا سُلِّم عليه ردّ السلام ثم عاد إلى الذكر، وكذا إذا عطسَ عنده عاطشٌ شمَّته ثم عاد إلى الذكر، وكذا إذا سمع الخطيبَ، وكذا إذا سمع المؤذّنَ أجابَه في كلمات الأذان والإقامة ثم عاد إلى الذكر، وكذا إذا رأى منكرًا أزاله، أو معروفًا أرشد إليه، أو مسترشدًا أجابه ثم عاد إلى الذكر، كذا إذا غلبه النعاس أو نحوه. وما أشبه هذا كله. [فصل]: اعلم أن الأذكار المشروعة في الصلاة وغيرها، واجبةً كانت أو مستحبةً لا يُحسبُ شيءٌ منها ولا يُعتدّ به حتى يتلفَّظَ به بحيثُ يُسمع نفسه إذا كان صحيح السمع لا عارض له. [فصل]: اعلم أنه قد صنَّف في عمل اليوم والليلة (¬1) جماعةٌ من الأئمة كتبًا نفيسة، رَووا فيها ما ذكروه بأسانيدهم المتصلة، وطرَّقُوها من طرق كثيرة، ومن أحسنها "عمل اليوم والليلة" للإِمام أبي عبد الرحمن النسائي، وأحسن منه وأنفس وأكثر فوائد كتاب "عمل اليوم والليلة" لصاحبه الإمام أبي بكر أحمد بن محمد بن إسحاق السنيّ رضي الله عنهم. وقد سمعتُ أنا جميعَ كتاب ابن السني على شيخنا الإمام الحافظ أبي البقاء خالد بن يوسف (¬2) بن سعد بن الحسن رضي الله عنه، قال: أخبرنا الإمام ¬

(¬1) "في عمل اليوم والليلة": أي فيما يُعمل فيهما من أقوال وأفعال. (¬2) خالد بن يوسف بن سعد بن حسن بن مفرج، الإمام المفيد المحدّث الحافظ، زين الدين، أبو البقاء، النابلسي ثم الدمشقي، ولد سنة 585 هـ وسمع من القاسم بن عساكر، ومحمد بن الخصيب، وحنبل الرصافي، وغيرهم. وأخذ عنه النووي، وتقي الدين القشيري، وأبو عبد الله الملقن، والبرهان الذهبي، وغيرهم. توفي سنة 663 هـ. طبقات الحفّاظ، للذهبي 4/ 1447.

العلامة أبو اليَمن زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن الكِنْدي سنة اثنتين وستمائة، قال: أخبرنا الشيخ الإِمام أبو الحسن سعد الخير محمد بن سَهْل الأنصاريّ، قال: أخبرنا الشيخُ الإِمام أبو محمد عبد الرحمن بن سعد بن أحمد بن الحسن الدُّوني، قال: أخبرنا القاضي أبو نصر أحمدُ بن الحسين بن محمد بن الكسَّار الدَّينوري، قال: أخبرنا الشيخ أبو بكر أحمدُ بن محمد بن إسحاق السُّني رضي الله عنه. وإنما ذكرتُ هذا الإسناد هنا لأني سأنقلُ من كتاب ابن السني إن شاء الله تعالى جُملًا، فأحببتُ تقديمَ إسناد الكتاب، وهذا مستحسنٌ عند أئمة الحديث وغيرهم، وإنما خصصتُ ذكر إسناد هذا الكتاب لكونه أجمع الكتب في هذا الفنّ، وإلا فجميعُ ما أذكرهُ فيه لي به رواياتٌ صحيحةٌ بسماعات متصلة بحمد الله تعالى إلا الشاذّ النادر، فمن ذلك ما أنقلُه من الكتب الخمسة التي هي أصول الإسلام، وهي: الصحيحان للبخاري ومسلم، وسنن أبي داود والترمذي والنسائي، ومن ذلك ما هو من كتب المسانيد والسنن كموطأ الإمام مالك، وكمسند الإمام أحمد بن حنبل، وأبي عَوانة، وسنن ابن ماجه، والدارقطني، والبيهقي وغيرها من الكتب، ومن الأجزاء مما ستراه إن شاء الله تعالى، وكلُّ هذه المذكورات أرويها بالأسانيد المتصلة الصحيحة إلى مؤلفها، والله أعلم. [فصل]: اعلم أن ما أذكرهُ في هذا الكتاب من الأحاديث أُضيفه إلى الكتب المشهورة وغيرها مما قدّمتُه، ثم ما كان في صحيحي البخاري ومسلم أو في أحدهما أقتصرُ على إضضافته إليهما لحصول الغرض وهو صحته، فإن جميعَ ما فيهما صحيح، وأما ما كان في غيرهما فأُضيفُه إلى كتب السنن وشبهها مبيِّنًا صحته وحسنه أو ضعفه إن كان فيه ضعفٌ في غالب المواضع، وقد أغفلُ عن صحته وحسنه وضعفه.

واعلم أن سنن أبي داود من أكبر ما أنقلُ منه، وقد روينا عنه أنه قال: ذكرتُ في كتابي: الصحيح وما يُشبهه ويُقاربه، وما كان فيه ضعف شديد بيّنته، وما لم أذكر فيه شيئًا فهو صالح، وبعضُها أصحّ من بعض. هذا كلام أبي داود، وفيه فائدة حسنة يحتاجُ إليها صاحب هذا الكتاب وغيرُه، وهي أن ما رواه أبو داود في سننه ولم يذكر ضعفَه فهو عنده صحيح أو حسن، وكلاهُما يُحتجّ به في الأحكام، فكيف بالفضائل. فإذا تقرّر هذا فمتى رأيتَ هنا حديثًا من رواية أبي داود وليس فيه تضعيف، فاعلم أنه لم يضعِّفْه (¬1)، والله أعلم. وقد رأيتُ أن أُقدِّم في أوّل الكتاب بابًا في فضيلة الذكر مطلقًا أذكر فيه أطرافًا يسيرة توطئةً لما بعدها، ثم أذكرُ مقصود الكتاب في أبوابه، وأختمُ الكتابَ إن شاء الله تعالى بباب الاستغفار تفاؤلًا بأن يختم الله لنا به، والله الموفِّق، وبه الثقة، وعليه التوكل والاعتماد، وإليه التفويضُ والاستناد. ¬

(¬1) إن المتتبّع لتخريجات الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى على أحاديث كتاب الأذكار يلمس أن هذا الحكم غير مطّرد في جميع الأحاديث التي سكت عنها أبو داود، وذلك للأسباب التالية: أـ ما قاله السخاوي: إن سنن أبي داود تعددت روايتها عن مصنفها، ولكل أصل، وبينها تفاوت، حتى في وقوع البيان في بعضها دون بعض، سيما رواية أبي الحسن بن العبد، ففيها من كلامه أشياء زائدة على رواية غيره، وحينئذ فلا يسوغ السكوت إلا بعد النظر فيها. ب ـ قد يكون عدمُ تصريح أبي داود بضعف الحديث ضعفَه الظاهر. جـ ـ إن سكوت أبي داود رحمه الله عن تضعيف حديث ما، قد يكون عن تساهل؛ كما ذكر ذلك الحافظ المنذري في مقدمة "الترغيب والترهيب". انظر "الفتوحات الربانية" 1/ 170 ـ 172، و "الترغيب والترهيب" 1/ 35 ـ 38. ومقدمة رياض الصالحين ص/ب - هـ بتحقيق فضيلة الشيخ الألباني

1 - باب مختصر في أحرف مما جاء في فضل الذكر غير مقيد بوقت

1 - بابٌ مختصر في أحرفٍ مما جاء في فضل الذكر غير مقيّدٍ بوقت قال الله تعالى: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أكْبَرُ} [العنكبوت:45] وقال تعالى: {فاذْكُرُونِي أذْكُرْكُمْ} [البقرة:152] وقال تعالى: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ المُسَبِّحينَ لَلَبِثَ في بَطْنِهِ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصّافّات:143] وقال تعالى: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ والنَّهارَ لاَ يَفْتُرُونَ} [الأنبياء:20]. [1/ 1] وروينا في صحيحي إمامي المحدّثين: أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري الجعفي مولاهم، وأبي الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القُشيري النيسابوري ـ رضي الله عنهما ـ بأسانيدهما، عن أبي هريرة رضي الله عنه، واسمه عبد الرحمن بن صخر على الأصح من نحو ثلاثين قولًا، وهو أكثر الصحابة حديثًا، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كَلِمَتَانِ خَفِيفَتانِ على اللِّسانِ، ثَقِيلَتَانِ في المِيزَانِ، حَبيبَتَانِ إلى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ العَظيمِ" وهذا الحديث آخر شيء في صحيح البخاري. [2/ 2] وروينا في صحيح مسلم، عن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أُخْبِرُكَ بِأَحَبِّ الكَلامِ إلى اللَّهِ تَعالى؟ إِنَّ أحَبَّ الكَلام إلى اللَّه: سُبحانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ، وفي رواية: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيّ الكلام أفضل؟ قال: "ما اصْطَفى اللَّهُ لِمَلائِكَتِهِ أوْ لعبادِهِ: سُبْحانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ". [3/ 3] وروينا في صحيح مسلم أيضًا، عن سَمُرة بن جندب قال: قال ¬

[1] البخاري (7563)، ومسلم (2694)، والترمذي (3463). [2] مسلم (2731) رقم الباب (84) و (85)، والترمذي (3587). [3] مسلم (2137)، وأبو داود (4958)، والترمذي (2838).

رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أحَبُّ الكَلامِ إلى اللَّهِ تَعالى أرْبَعٌ: سُبْحانَ اللَّهِ، والحَمْدُ لِلَّهِ، وَلاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، لا يَضُرّكَ بِأَيَّهِنَّ بَدأتَ". [4/ 4] وروينا في صحيح مسلم، عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ، والحَمْدُ لِلِّهِ تَمْلأُ المِيزَانَ، وَسُبْحانَ اللَّه والحَمْدُ لِلِّهِ تَمْلآنِ، أَوْ تَمْلأُ مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ". [5/ 5] وروينا فيه أيضًا، عن جُويريةَ أمّ المؤمنين رضي الله عنها، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بُكرة حين صلَّى الصبح، وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى، وهي جالسة فيه، فقالَ: "مَا زِلْتِ اليَوْمَ عَلى الحالَةِ الَّتي فارَقْتُكِ عليها؟ قالت: نعم، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلماتٍ ثَلاثَ مَرَّاتٍ لَوْ وزِنَتْ بِما قُلْتِ مُنْذُ اليَوْمِ لَوَزَنَتُهُنَّ: سُبحانَ اللَّهِ وبِحمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، وَرِضَا نَفْسِهِ، وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَمِدَادَ كَلِماتِهِ" وفي رواية "سبحانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، سُبْحانَ اللَّهِ رِضَا نَفْسِهِ، سُبْحانَ اللَّهِ زِنَةَ عَرْشِهِ، سُبْحانَ اللَّهِ مِدَادَ كَلِماتِهِ". [6/ 6] وروينا في كتاب الترمذي، ولفظه: "ألا أُعَلِّمُكِ كَلماتٍ تَقُولينَها: سُبْحانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ رِضَا نَفْسِهِ، سُبْحانَ اللَّهِ رِضَا نَفْسِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ رِضَا نَفْسِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ زِنَةَ عَرْشِهِ، سُبْحانَ اللَّهِ زِنَةَ عَرْشِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ زِنَةَ ¬

[4] مسلم (223)، والترمذي (3512)، والنسائي 5/ 5ـ6، وابن ماجه (270). [5] مسلم (2726)، وأبو داود (1503) والترمذي (3550)، والنسائي 4/ 77، ومعنى "في مسجدها": أي موضع صلاتها. و "مِداد كلماته": معناه مثلها في العدد، وقيل: مثلها في أنها لا تنفذ. وقيل: في الثواب. والمِدَادُ: هنا مصدر بمعنى المدد، وهو ما كثرت به الشيء. قال العلماء: واستعماله هنا مجاز. لأن كلمات الله تعالى لا تحصر بعدّ ولا غيره. والمراد المبالغة به في الكثرة. هامش صحيح مسلم 4/ 2090. [6] الترمذي (3499) ويؤخذ منه تثليث الذكر المذكور في خبر جويرية برواياته؛ لأن زيادة =

عَرْشِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ مِدَادَ كَلِماتِهِ، سُبْحانَ اللَّهِ مِدَادَ كَلِماتِهِ، سُبْحانَ اللَّهِ مِدَادَ كَلِماتِهِ". [7/ 7] وروينا في صحيح مسلم أيضًا، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأَنْ أقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ، والحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِليَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ". [8/ 8] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ قَالَ لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ، كانَ كَمَنْ أعْتَقَ أَرْبَعَةَ أَنْفُسٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ". [9/ 9] وروينا في صحيحيهما، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قَالَ لا إلهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ في يَوْمٍ مائَةَ مَرَّةٍ كانَتْ لَهُ عِدْلَ عَشْرِ رِقابٍ، وكُتِبَتْ لَهُ مئة حَسَنَةٍ، ومُحِيَتْ عَنْهُ مئةُ سَيِّئَةٍ، وكانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطانِ يَوْمَهُ ذلكَ حتَّى يُمْسيَ، ولَمْ يَأتِ أحَدٌ بأفْضَلَ مِمَّا جاءَ بِهِ إِلاَّ رَجُلٌ عَمِلَ أكْثَرَ مِنْهُ. قال: ومَنْ قالَ سُبْحانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ في اليَوْمِ مِئَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَاياهُ وإنْ كانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ". [10/ 10] وروينا في كتابي الترمذي وابن ماجه، عن جابر بن عبد الله ¬

= الثقة مقبولة. قال الحافظ ابن حجر: وللحديث شاهد من حديث سعد بن أبي وقاص ذكره الشيخ النووي فيما يأتي. الفتوحات الربانية 1/ 200. [7] مسلم (2695) والترمذي (3591). [8] البخاري (6404)، ومسلم (2693)، والترمذي (3584)، والنسائي في اليوم والليلة (24). [9] البخاري (6403)، ومسلم (2691)، والترمذي (3464)، وهو في الموطأ 1/ 209، والنسائي في اليوم والليلة (26). [10] الترمذي (3380)، وقال: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث موسى. وابن ماجه (3800)، وموسى بن إبراهيم ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يخطىء.

رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "أفْضَلُ الذّكْرِ لا إلهَ إلاّ اللَّهُ" قال الترمذي: حديث حسن. [11/ 11] وروينا في صحيح البخاري، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الَّذي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذي لا يَذْكُرُهُ، مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ". [12/ 12] وروينا في صحيح مسلم، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: جاءَ أَعْرَابيٌّ إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقال: "علِّمني كلامًا أقوله، قالَ: قُلْ: لا إلهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، والحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبّ العالَمِينَ، لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ" قال: فهؤلاء لربي، فما لي؟ قال: قُل: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي وَارْحَمْنِي، وَاهْدِني وَارْزُقْنِي". [13/ 13] وروينا في صحيح مسلم، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: "كنّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيَعْجِزُ أحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ في يَوْمٍ أَلْفَ حَسَنَة؟ فسأله سائل من جلسائه: كيف يكسب أحدُنَا ألف حسنة؟ قال: يُسَبِّحُ مئة تَسْبِيحَةٍ فَتُكْتَبُ لَهُ ألفُ حَسَنَةٍ، أَوْ تُحَطُّ عَنْهُ ألْفُ خَطِيئَةٍ" قال الإِمام الحافظ أبو عبد الله الحميدي: كذا هو في كتاب مسلم في جميع الروايات "أو تحط" قال البرقاني: ورواه شعبة وأبو عوانة ويحيى القطان عن موسى الذي رواه مسلم من جهته، فقالوا: "وتُحَط" بغير ألف. ¬

[11] البخاري (6407) وهو عند مسلم (779) بلفظ "مَثَلُ البيت الذي يُذكر اللَّهُ فيه، والبيت الذي لا يُذكر اللَّهُ فيه: مَثَلُ الحيّ والميّت". [12] مسلم (2696) وتتمة الحديث "فإن هؤلاء تجمعُ لك دنياك وآخرتك". [13] مسلم (2698) والنسائي في اليوم والليلة (152) وهو عند الإِمام أحمد في المسند 1/ 174 و 180 و 185، وعند الترمذي (3459).

[14/ 14] وروينا في صحيح مسلم، عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يُصْبحُ على كُلّ سُلامَى مِنْ أحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وكُلّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيجْزِىءُ مِن ذلكَ ركْعَتانِ يَرْكَعُهُما منَ الضُّحَى" قلت: السلامى بضمّ السين وتخفيف اللام: هو العضو، وجمعه سلاميات بفتح الميم وتخفيف الياء. [15/ 15] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال لي النبيّ صلى الله عليه وسلم: "ألا أدُّلُّكَ على كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الجَنَةِ؟ فقلت: بلى يا رسول الله! قال: قُل: لا حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ". [16/ 16] وروينا في سنن أبي داود والترمذي، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نوىً أو حصىً تُسَبِّح به، فقال: "ألا أُخْبرُكِ بِمَا هُوَ أَيْسَرُ عَلَيْكِ مِنْ هَذَا أو أَفْضَلُ؟ فَقالَ: سُبْحانَ الله عَدَدَ مَا خَلَقَ في السَّماءِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ ما خَلَقَ في الأرْضِ، وسُبْحانَ اللَّهِ عَدَدَ ما بَيْنَ ذلكِ، وسُبحَانَ الله عَدَدَ ما هُوَ خالِقٌ، واللَّهُ أَكْبَرُ مِثْلَ ذلكَ، والحَمْدُ لِلَّهِ مثْلَ ذلكَ، ولا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ مثْلَ ذلكَ، ولا حَوْلَ وَلا قُوَّة إلاَّ بالله مِثْلَ ذَلكَ" قال الترمذي: حديث حسن. ¬

[14] مسلم (720). [15] البخاري (6484)، ومسلم (2704). [16] أبو داود (1500)، والترمذي (3563)، وذكر الحافظ ابن حجر ممّن رواه: النسائي والحاكم وابن حبّان في صحيحه. وقال الحافظ: حديث صحيح، ورجاله رجال الصحيح إلا خزيمة فلا يعرف نسبه ولا حاله، ولا روى عنه إلا سعيد بن أبي هلال، وذكره ابن حبّان في الثقات. الفتوحات الربانية 1/ 244ـ 245.

[17/ 17] وروينا فيهما، بإسناد حسن عن يسيرة ـ بضم الياء المثناة تحت وفتح السين المهملة ـ الصحابية المهاجرة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهنّ أن يُراعين بالتكبير والتقديس والتهليل، وأن يعقدن بالأنامل، فإنهنّ مسؤولات مستنطقات. [18/ 18] وروينا فيهما وفي سنن النسائي، بإسناد حسن، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح. وفي رواية "بيمينه". [19/ 19] وروينا في سنن أبي داود، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قَالَ رَضِيتُ بالله رَبًّا، وبالإِسلام دِينًا، وبمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم رَسُولًا وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ". [20/ 20] وروينا في كتاب الترمذي، عن عبد الله بن بُسْر ـ بضم الباء الموحدة وإسكان السين المهملة ـ الصحابي رضي الله عنه: أن رجلًا قال: يا رَسُول الله! إن شرائع الإِسلام قد كثرتْ عليّ فأخبرني بشيء أتشبث به، فقال: "لا يَزالُ لِسانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعالى". قال الترمذي: حديث حسن. قلت: أتشبث بتاء مثناة فوق ثم شين معجمة ثم باء موحدة مفتوحات ثم ثاء مثلثة، ومعناه: أتعلَّقُ به وأستمسك. ¬

[17] أبو داود (1501)، والترمذي (3577)، وهو حديث حسن. [18] أبو داود (1502) و (5065)، والترمذي (3482)، والنسائي 3/ 74 ـ 75. وهو حديث صحيح. [19] أبو داود (1529) كما رواه النسائي (5) في "اليوم والليلة"، وقال الحافظ: هذا حديث حسن. وهو في المستدرك 1/ 518 وصححه، ووافقه الذهبي. [20] الترمذي (3372)، وقال الحافظ: الحديث حسن رواه الترمذي والنسائي في الكبرى والطبراني في كتاب الدعاء. الفتوحات 1/ 257.

[21/ 21] وروينا فيه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أيّ العبادة أفضل درجة عند الله تعالى يوم القيامة؟ قال: "الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا، قُلْتُ: يَا رَسُول الله! ومِن الغازي في سبيل الله عزّ وجلّ؟ قال: لَوْ ضَرَبَ بِسَيْفِهِ في الكُفَّارِ والمُشْرِكِينَ حتَّى يَنْكَسِرَ ويختضب دمًا لكان الذَّاكرون اللَّه أفضل منهُ درجةً". [22/ 22] وروينا فيه وفي كتاب ابن ماجه، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَلا أُنْبِئُكُمْ بِخَيْرِ أعمالِكُمْ وَأزْكاها عنْدَ مَلِيكِكُمْ، وأرْفَعِها في دَرَجَاتِكُمُ، وخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالوَرِقِ، وَخَيْر مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ؟ قالوا: بلى، قال: ذِكْرُ اللَّهِ تَعالى". قال الحاكم أبو عبد الله في كتابه المستدرك على الصحيحين: هذا حديث صحيح الإِسناد. [23/ 23] وروينا في كتاب الترمذي، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَقِيتُ إبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ أُسْرِيَ بي، فقالَ: يَا مُحَمَّدُ! أَقْرىء أُمَّتَكَ السَّلامَ، وأخْبِرْهُمْ أَنَّ الجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ المَاءِ، وأنها قِيعانٌ، وأنَّ غِرَاسَها: سُبْحَانَ اللَّه، والحَمْدُ لِلَّهِ، ولا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، واللَّهُ أَكْبَرُ" قال الترمذي: حديث حسن. ¬

[21] الترمذي (3373) وقال: هذا حديث غريب، إنما نعرفه من حديث دراج. وهو في المسند 3/ 75 من حديث دراج عن أبي الهيثم، وحديث دراج عن أبي الهيثم ضعيف. [22] الترمذي (3374)، وابن ماجه (3790)، والحاكم في المستدرك 1/ 496 وصححه، ووافقه الذهبي، وأخرجه مالك في الموطأ 1/ 211 موقوفًا على أبي الدرداء. وقال الحافظ ابن حجر: هذا حديث مختلف في رفعه ووقفه، وفي إرساله ووصله. وأفاد بعض تلامذة الحافظ ابن حجر عنه أنه حديث صحيح موقوف اللفظ، وهو مرفوع حكمًا، لأنه لا مجال للرأي فيه. [23] الترمذي (3458)، وهو حسن لشواهده في المسند وصحيح ابن حبّان والطبراني. و"قيعان": جمع قاع، وهي الأرض السهلة المطمئنة.

2 - باب ما يقول إذا استيقظ من منامه

[24/ 24] وروينا فيه، عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قالَ سُبْحانَ الله العظيم وبِحمْدِهِ غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ في الجَنَّةِ" قال الترمذي: حديث حسن. [25/ 25] وروينا فيه، عن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله! أيّ الكلام أحبّ إلى الله تعالى؟ قال: "ما اصْطَفى اللَّهُ تَعالى لمَلائِكَتِهِ: سُبْحانَ ربِّي وبِحَمْدِهِ، سُبْحانَ رَبي وبِحَمْدِهِ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وهذا حين أشرع في مقصود الكتاب وأذكره على ترتيب الواقع غالبًا، وأبدأ بأوّل استيقاظ الإِنسان من نومه، ثم ما بعده على الترتيب إلى نومه في الليل، ثم ما بعد استيقاظاته في الليل (¬1) التي ينام بعدها، وبالله التوفيق. 2 - باب ما يقولُ إذا استيقظَ مِن مَنامه [1/ 26] وروينا في صحيحي إمَامَي المحدِّثين أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، وأبي الحسين مسلم بن ¬

[24] الترمذي (3460)، والحاكم في المستدرك 1/ 501ـ502 وصححه، ووافقه الذهبي. وفي الفتوحات الربانية 1/ 275: رواه الترمذي والنسائي والحاكم وابن حبّان في صحيحهما، وقال الترمذي ـ واللفظ له ـ حسن غريب، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. [25] الترمذي (3587)، وإسناده حسن. وهو في صحيح مسلم (2731)، عن أبي ذرّ رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أيُّ الكلام أفضل؟ قال: "ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده ... ". [26] البخاري (1142)، ومسلم (776) وفيه دليل على أن بصحة الدين يَصِحُّ البدن وينشرح الصدر. (¬1) في "د": في الليلة

الحجاج بن مسلم القُشيري رضي الله عنهما، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يَعْقِدُ الشَّيْطانُ على قافِيةِ رأسِ أحَدِكُم إذا هُوَ نَامَ ثَلاثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ على كُلّ عُقْدَةٍ مَكانَها: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَويلٌ فارْقُدْ، فإنِ اسْتَيْقَظَ وَذَكَرَ الله تعالى انْحَلَّت عُقْدَةٌ، فإن تَوْضأ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّها فأصْبَحَ نَشِيطًا طيب النَّفْسِ، وإلاَّ أَصْبحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلانَ" هذا لفظ رواية البخاري، ورواية مسلم بمعناه، وقافية الرأس: آخره. [2/ 27] وروينا في صحيح البخاري، عن حذيفةَ بن اليمان رضي الله عنهما، وعن أبي ذر رضي الله عنه قالا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه قال: "باسْمِكَ اللَّهُمَ أَحْيا وأمُوتُ؛ وإذَا اسْتَيْقَظَ قالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي أحْيانا بَعْدَما أماتَنا وإلَيْهِ النشُورُ". [3/ 28] وروينا في كتاب ابن السنني بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي رَدَّ عَلَيّ رُوحِي، وَعافانِي في جَسَدِي، وأذِن لي بذِكْرِهِ". [4/ 29] وروينا فيه عن عائشة رضي الله عنها عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "ما ¬

[27] البخاري (6312). وحكمة الذكر والدعاء عند النوم أن يكون خاتمة أعماله، وعند الاستيقاظ منه أن يكون أول عمله ذكر التوحيد والكَلِم الطيب. [28] ابن السني (9)، والنسائي (791)، والترمذي (3398) بعض حديث، وذكر الحافظ ابن حجر أنه حديث حس؛ لأنه من أفراد محمد بن عجلان، وهو صدوق، لكن في حفظه شيء، خصوصًا عن المقبري. الفتوحات 1/ 291. [29] ابن السني (10) وفيه "مامن عبد يقول حين ردَّ اللَّهُ إليه روحَه ... " وقال الحافظ: هذا حديث ضعيف جدًا، أخرجه الحسن بن سفيان في مسنده، عن عبد الوهاب بن الضحاك، وعبد الوهاب المذكور كذّبه أبو حاتم الرازي وأبو داود وغيرهما .. وإسماعيل بن عياش شيخه، ضعيف في روايته عن الشاميين وهذا الحديث منها. الفتوحات 1/ 292.

منْ عَبْدٍ يَقُولُ عِنْدَ رَدّ اللَّهِ تَعالى رُوحَهُ: لا إلهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، إلاَّ غَفَرَ اللَّهُ تَعالى لَهُ ذُنُوبَهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ". [5/ 30] وروينا فيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من رَجُلٍ يَنْتَبِهُ منْ نَوْمِهِ فَيَقُولُ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي خَلَقَ النَّوْمَ واليَقَظَةَ، الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي بَعَثَنِي سالِمًا سَوِيًّا، أشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي المَوْتى وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِير. إلاَّ قال اللَّهُ تَعالى: صَدَقَ عَبْدِي". [6/ 31] وروينا في سنن أبي داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا هَبَّ منَ اللَّيْلِ كَبَّرَ عَشْرًا، وحَمِدَ عَشْرًا، وقَالَ سُبْحان الله وبِحَمْدِهِ عَشْرًا، وقَالَ سُبْحانَ المَلِكِ القُدُوس عَشْرًا، وَاسْتَغْفَرَ عَشْرًا، وَهَلَّل عَشْرًا، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ إِني أعُوذُ بِكَ مِنْ ضِيقِ الدُّننْيا وضِيقِ يَوْمِ القِيامَة عَشْرًا ثُمَّ يَفْتَتِحُ الصَّلاة. وقولها هبَّ: أي استيقظ. [7/ 32] وروينا في سنن أبي داود أيضًا عن عائشة أيضضًا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ من الليل قال: "لا إِلهَ إلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبحمدِكَ، أسْتَغْفِرُكَ لِذَنْبيِ، وأسألُكَ رَحْمَتَكَ، اللَّهُمَّ زِدْنِي عِلْمًا، وَلا تُزِغْ قَلْبِي بَعْدَ إذْ هَدَيْتني، وَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ". ¬

[30] ابن السني (13)، وهو ضعيف جدًا، في سنده محمد بن عبيد الله، وهو العزرمي الفزاري، وهو متروك. انظر هامش الكَلِم الطيب ص 49. [31] أبو داود (5085)، والنسائي 3/ 209 و 8/ 284، و (871) في اليوم والليلة، وإسناده حسن. [32] أبو داود (5061)، والنسائي (865) في "اليوم والليلة"، والحاكم في المستدرك 1/ 540 وصححه، وأقرّه الذهبي، وابن حبّان في صحيحه (2359) موارد.

3 ـ باب ما يقول إذا لبس ثوبه

3 ـ بابُ ما يَقُول إذا لبسَ ثوبَه يُستحبُّ أن يقول: بسْمِ الله. وكذلك تُستحبّ التسمية في جميع الأعمال. [1/ 33] وروينا في كتاب ابن السني عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه، واسمه سعد بن مالك بن سنان: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا لبس ثوبًا سمَّاهُ قميصًا أو رداء أو عمامة يقول: "اللَّهُمَّ إني أسألُكَ منْ خَيْرِهِ وَخَيْر ما هُوَلَهُ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّهِ وَشَرّ ما هُوَ لَه". [2/ 34] وروينا فيه، عن معاذ بن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاال: "مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا فَقالَ: الحَمْدُ لله الذي كَساني هَذَا الثَّوْبَ وَرَزَقنيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلا قُوَّة، غَفَرَ الله لَهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ". 4 ـ بابُ ما يقولُ إذا لبسَ ثوبًا جديدًا أو نعلًا وما أشبهه يُستحبُّ أن يقول عند لباسه ما قدّمناه في الباب قبله. [1/ 35] وروينا عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجدّ ثوبًا سمَّاه باسمه عمامة أو قميصًا أو رداء ثم يقول: "اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ أنْتَ كَسَوْتِنِيهِ، أسألُكَ خَيْرَهُ وَخَيْرَ ما صُنِعَ لَهُ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرّ ما صُنِعَ لَهُ" حديث صحيح (¬1)، رواه أبو داود ¬

[33] ابن السني (14)، وأخرجه أبو داود (4020)، والترمذي (1767)، والحاكم 4/ 192 على شرط مسلم، وأقرّه الذهبي. [34] ابن السني (272)، وقال الحافظ ابن حجر: إسناد الحديث حسن. [35] أبو داود (4020) والترمذي (1767). والنسائي (309) في "اليوم والليلة"، وذكر ابن حجر في تخريجه أنه حسن. وهو حديث ابن السني نفسه رقم (33) السابق. (¬1) في بعض النسخ "حديث حسن". الفتوحات الربانية 1/ 304

5 ـ باب ما يقول لصاحبه إذا رأى عليه ثوبا جديدا

سليمان بن الأشعث السجستاني، وأبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، وأبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي في سننهم. قال الترمذي: هذا حديث حسن. [2/ 36]ـ وروينا في كتاب الترمذي، عن عمر رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا فَقَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَساني ما أُوَاري بِهِ عَوْرَتي وَأَتَجَمَّلُ بِهِ في حياتي، ثُمَّ عَمَدَ إلى الثَّوْب الَّذِي أَخْلَقَ فَتَصَدَّقَ بِهِ، كانَ في حِفْظِ اللَّهِ، وفي كَنَفِ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، وفِي سَتْرِ الله حَيًّا وَمَيِّتًا". 5 ـ بابُ ما يقولُ لصاحبه إذا رأى عليه ثوبًا جديدًا [1/ 37] روينا في صحيح البخاري، عن أُمّ خالد رضي الله عنها قالت: أُتي رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بثياب فيها خميصةٌ سوداءُ، قال: "مَنْ تَرَوْنَ نَكْسُوها هَذِهِ الخَمِيصَةَ؟ فأسكتَ القومُ، فقال: ائتوني بأُمّ خالِدٍ، فأُتي بي النبيَّ صلَّى الله عليه وسلم فألبسنيها بيده، وقال: أبْلِي وأخْلِقِي، مرّتين". [2/ 38] وروينا في كتابي ابن ماجه وابن السني، عن ابن عمرَ رضي ¬

[36] الترمذي (3555) وقال: هذا حديث غريب. وقال المنذري في الترغيب والترهيب 3/ 93: رواه الترمذي، واللفظ له، وقال: حديث غريب. وابن ماجه والحاكم كلهم من رواية إصبغ عن أبي العلاء. وأبو العلاء مجهول وإصبغ مختلف في توثيقه. [37] البخاري (5823). و"الخميصة": كساء أسود له علم، فإن لم يكن له علم فليس بخميصة. [38] ابن ماجه (3558)، وابن السني (269) من طريق النسائي، وهو عند الإمام أحمد في المسند 2/ 89 وعند النسائي (311) في "اليوم والليلة". وإسناد حسن غريب؛ كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في تخريجه.

6 ـ باب كيفية لباس الثوب والنعل وخلعهما

الله عنهما: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم رأى على عمر رضي الله عنه ثوبًا فقال: "أجَدِيدٌ هَذَا أمْ غَسِيلٌ؟ فقال: بل غسيل، فقال: الْبَسْ جَدِيدًا، وَعِشْ حَمِيدًا، وَمُتْ شَهِيدًا سَعِيدًا". 6 ـ بابُ كيفيّة لباسِ الثوبِ والنعلِ وخَلْعِهما يُستحبّ أن يبتدىء في لبس الثوب والنعل والسراويل وشبهها باليمين منن كُمّيه (¬1) ورجلي السراويل، ويخلع الأيسر ثم الأيمن، وكذلك الاكتحال، والسواك، وتقليم الأظفار، وقصّ الشارب، ونتف الإِبط، وحلق الرأس، والسلام من الصلاة، ودخول المسجد، والخروج من الخلاء، والوضوء، والغسل، والأكل، والشرب، والمصافحة، واستلام الحجر الأسود، وأخذ الحاجة من إنسان ودفعها إليه، وما أشبه هذا، فكله (¬2) يفعله باليمين، وضدّه باليسار. [1/ 39] روينا في صحيحي البخاري وأبي الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يُعجبه التيمّن في شأنه كله، في طهوره وترجُّلِه وتنعّلِه. [2/ 40] وروينا في سنن أبي داود وغيره بالإِسناد الصحيح، عن عائشة قالت: كانت يدُ رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمنى لطهوره وطعامه، وكانت اليسرى لخلائه وما كان من أذى. ¬

[39] البخاري (168)، ومسلم (268). [40] أبو داود (33) وإسناده حسن، كما رجّح ذلك الحافظ ابن حجر. (¬1) في "د": "من كُمّي الرجل، ورجليْ السراويل .. " (¬2) في "د": "وما أشبه هذا كله يفعله باليمين، فضده باليسار"

7 ـ باب ما يقول إذا خلع ثوبه لغسل أو نوم أو نحوهما

[3/ 41] وروينا في سنن أبي داود وسنن البيهقي، عن حفصة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجعلُ يمينَه لطعامه وشرابه وثيابه، ويجعلُ يَسَارَه لما سوى ذلك. [4/ 42] وروينا عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذَا لَبِسْتُمْ وَإذَا تَوَضَّأْتُمْ فابْدَؤوا بِمَيَامِنِكُم" حديث حسن رواه أبو داود والترمذي، وأبو عبد الله محمد بن زيد هو ابن ماجه، وأبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، وفي الباب أحاديث كثيرة، والله أعلم. 7 ـ بابُ ما يقولُ إذا خلعَ ثوبَه لغُسْلٍ أو نومٍ أو نحوهِمَا [1/ 43] روينا في كتاب ابن السني، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سِتْرُ ما بَيْنَ أَعْيُنِ الجِنّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ أنْ يَقُولَ الرَّجُلُ المُسْلِمُ إذَا أرَاد أنْ يَطْرَحَ ثِيابَهُ: بِسْمِ اللَّهِ الذي لا إِلهَ إلاَّ هُوَ". 8 ـ باب ما يقول حال خروجِهِ من بيتِه [1/ 44] روينا عن أُمِّ سلمة رضي الله عنها، واسمها هند: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من بيته قال: "باسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ على اللَّهِ، اللَّهُمَّ ¬

[41] أبو داود (32)، والبيهقي 1/ 86 وإسناده حسن. [42] أبو داود (4141)، والترمذي (1766)، وقال: حديث حسن صحيح، وابن ماجه (402)، والبيهقي 1/ 86، وقال ابن حجر بعد إيراده الحديث وتخريجه له: هذا حديث صحيح غريب، أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وأخرجه الترمذي بلفظ آخر. [43] ابن السني (274)، وهو حديث حسن بشواهده. انظر الفتوحات الربانية 1/ 327، و 381. [44] الترمذي (3423)، وأبو داود (5094)، وابن ماجه (3884)، والنسائي 8/ 268 في المجتبى، و (85) في "اليوم والليلة".

9 ـ باب ما يقول إذا دخل بيته

إني أَعُوذُ بِكَ أنْ أضِلَّ أَوْ أُضَلَّ، أوْ أزِلَّ أَوْ أُزَلَّ، أَوْ أظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ، أوْ أجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عليَّ" حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه. قال الترمذي: حديث صحيح. هكذا في رواية أبي داود "أنْ أضِلَّ أَوْ أُضَلَّ، أَوْ أزِلَّ أَوْ أُزَلَّ" وكذا الباقي بلفظ التوحيد. وفي رواية الترمذي "أعُوذُ بِكَ مِنْ أنْ نَزِلّ" وكذَلِكَ نَضِلَّ ونَظْلِمَ ونَجْهَلَ، بلفظ الجمع. وفي رواية أبي داود: ما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيتي إلا رفع طرفه إلى السماء فقال: "اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ". وفي رواية غيره: كان إذا خرج من بيته قال. كما ذكرناه. والله أعلم. [2/ 45] وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وغيرهم، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ قالَ ـ يعني إذا خرج من بيته ـ باسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ على اللَّهِ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ، يُقالُ لَهُ: كُفِيتَ وَوُقِيتَ وَهُدِيتَ، وتَنَحَّى عَنْهُ الشَّيْطانُ" قال الترمذي: حديث حسن. زاد أبو داود في روايته "فيقول ـ يعني الشيطان لشيطان آخر ـ كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وكُفِيَ وَوُقِيَ؟ ". [3/ 46] وروينا في كتابي ابن ماجه وابن السني عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من منزله قال: "بِسْمِ الله، التُّكْلانُ على الله، لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ". 9 ـ بابُ ما يقولُ إذا دخلَ بيتَه يستحبّ أن يقول: باسم الله، وأن يكثر من ذكر الله تعالى، وأن ¬

[45] الترمذي (3422) وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وأبو داود (5095)، وقال الحافظ ابن حجر: رجاله رجال الصحيح. [46] ابن ماجه (3885)، وابن السني (176)، وهو حديث حسن لشواهده.

يسلّمَ سواء كان في البيت آدميّ أم لا، لقول الله تعالى: {فإذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا على أنْفُسِكُمُ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ الله مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور:61]. [1/ 47] وروينا في كتاب الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بُنَيَّ إذَا دَخَلْتَ على أهْلِكَ فَسَلِّمْ تَكُنْ بَرَكَةً عَلَيْكَ وعلى أهْلِ بَيْتِكَ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. [2/ 48] وروينا في سنن أبي داود عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه، واسمه الحارث، وقيل: عبيد، وقيل: كعب، وقيل: عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا وَلَجَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أسألُكَ خَيْرَ المَوْلِجِ وَخَيْرَ المَخْرَجِ، باسْمِ اللَّهِ وَلجْنا، وباسْمِ اللَّهِ خَرَجْنا، وَعَلى اللَّهِ رَبِّنا تَوَكَّلْنا، ثُمَّ ليُسَلِّمْ على أهْلِهِ" لم يضعفه أبو داود. [3/ 49] وروينا عن أبي أمامة الباهلي، واسمه صدَيُّ بن عَجْلان، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثَلاَثَةٌ كُلُّهُمْ ضَامِنٌ على اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: رَجُلٌ خَرَجَ غَازِيًا في سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ ضَامِنٌ على الله عَزَّ وجَلَّ حَتَّى يَتَوفَّاهُ فَيُدْخِلَهُ الجَنَّةَ أوْ يَرُدَّهُ بِما نال مِنْ أجْرٍ وَغَنِيمَةٍ، وَرَجُلٌ رَاحَ إلى المَسْجِد فَهُو ضَامِنٌ على الله تعالى حتَّى يَتَوَفَّاهُ فَيُدْخلَهُ الجَنَّةَ أَوْ يَرُدَّهُ بما نال من أجْرٍ وَغَنِيمَةٍ، وَرَجُلٌ دَخَلَ بَيْتَهُ بِسلامٍ فَهُوَ ضَامنٌ على اللَّهِ سُبْحانَهُ وتَعَالى" حديث حسن رواه أبو داود بإسناد حسن، ورواه آخرون. ومعنى ضامن على الله تعالى: أي صاحب ضمان، والضمان: ¬

[47] الترمذي (2699) وفي بعض ننسخ الترمذي: حسن صحيح غريب. وقد جمع الحافظ ابن حجر طرقًا كثيرة للحديث يتقوى بها. انظر هامش الكَلِم الطيب ص 50. [48] أبو داود (5096)، وإسنناده صحيح. [49] أبو داود (2494)، وقال الحافظ: أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وابن حبّان في صحيحه، والحاكم في المستدرك.

10 ـ باب ما يقول إذا استيقظ من الليل وخرج من بيته

الرعاية للشيء، كما يقال: تَامِرٌ ولاَبنٌ: أي صاحب تمر ولبن. فمعناه أنه في رعاية الله تعالى، وما أجزل هذه العطية! اللهمَّ ارزقناها. [4/ 50] وروينا عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: "إذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ تَعالى عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعامِهِ قالَ الشِّيْطانُ: لا مَبِيتَ لَكُمْ وَلا عَشاءَ؛ وَإذا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ تَعالى عنْدَ دُخُولِه، قالَ الشَّيْطانُ: أدْرَكْتُمُ المَبِيتَ؛ وَإذا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ تَعالى عِنْدَ طَعامِهِ قالَ: أدْرَكْتُمُ المَبِيتَ والعَشَاء" رواه مسلم في صحيحه. [5/ 51] وروينا في كتاب ابن السني عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجع من النهار إلى بيته يقول:"الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي كَفانِي وآوَانِي، والحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي أطْعَمَنِي وَسَقاني، وَالحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي مَنَّ عَليَّ، أسألُكَ أن تُجِيرَني مِنَ النَّار" إسناده ضعيف. وروينا في موطأ مالك أنه بلغه أنه يستحبّ إذا دخل بيتًا غير مسكون أن يقول: "السَّلامُ عَلَيْنا وعلى عِباد اللَّهِ الصَّالِحِين" (¬1). 10 ـ بابُ ما يقول إذا استيقظ من الليل وخرج من بيته يستحبّ له إذا استيقظ من الليل وخرج من بيته أن ينظر إلى السماء ¬

[50] مسلم (2018)، وأبو داود (3765)، والنسائي (178) في "اليوم والليلة"، ومعنى "قال الشيطان": أي لإخوانه وأعوانه ورفقته. [51] ابن السني (157)، وفيه: "والحمدُ لله الذي مَنَّ عليَّ فأفضل". وإسناده ضعيف، فيه راوٍ مبهم. ولكن الحافظ ذكر له شاهدًا حسَّنه به. (¬1) موطأ مالك 2/ 962، وإسناده منقطع

11 ـ باب ما يقول إذا أراد دخول الخلاء

ويقرأ الآيات الخواتم من سورة آل عمران: {إنَّ في خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ} إلى آخر السورة [آل عمران: 190ـ200]. [1/ 52] ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله، إلا النظر إلى السماء فهو في صحيح البخاري دون مسلم. [2/ 53] وثبت في الصحيحين، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يتهجد قال: "اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ، أنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ وَمَنْ فِيهنَّ، وَلَكَ الحَمْدُ، لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ والأرضِ وَمَن فيهن، وَلَكَ الحَمْدُ، أنْت نُورُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ ومَنْ فِيهنَّ، ولكَ الحَمدُ، أنْتَ الحَقُّ وَوَعْدُكَ الحَقّ، ولِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، والجَنَّةُ حَقٌّ، والنَّارُ حَقٌّ، ومُحَمَّدٌ حَقٌّ، والسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وبِكَ خاصَمْتُ، وَإلَيْكَ حاكَمْتُ، فاغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وَمَا أخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أعْلَنْتُ، أنْتَ المُقَدِّمُ وأنْتَ المُؤَخِّرُ، لا إلهَ إِلاَّ أنتَ" زادَ بعض الرواة "وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّة إلاَّ باللَّهِ". 11 ـ باب ما يقولُ إذا أراد دخول الخلاء [1/ 54] ثبت في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند دخول الخلاء: "اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبْثِ وَالخَبَائث" يقال: الخبث بضم الباء وبسكونها، ولا يصحّ قول من أنكر الإِسكان. ¬

[52] البخاري (4569)، ومسلم (763) و (256) وفيها النظر إلى السماء، وقد خفي ذلك على الشيخ النووي؛ كما نبه إلى ذلك الحافظ ابن حجر. [53] البخاري (1120)، ومسلم (769). [54] البخاري (142)، ومسلم (375)، ولفظه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال .. وقد رواه أصحاب السنن، وانظره عند النسائي (74) في "اليوم والليلة".

12 ـ باب النهي عن الذكر والكلام على الخلاء

[2/ 55] وروينا في غير الصحيحين "باسْمِ الله، اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبْثِ وَالخبائِثِ". [3/ 56] وروينا عن عليّ رضي الله عنه: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "سِتْرُ ما بَيْنَ أَعْيُنِ الجِنّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إذَا دَخَلَ الكَنِيفَ أنْ يَقُولَ باسْمِ اللَّهِ" رواه الترمذي وقال: إسناده ليس بالقويّ، وقد قدّمنا في الفصول أن الفضائل يُعمل فيها بالضعيف. قال أصحابنا: ويستحبّ هذا الذكر سواء كان في البنيان أو في الصحراء. قال أصحابنا رحمهم الله: يستحبّ أن يقول أوّلًا "بِاسْمِ الله" ثم يقول: "اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ من الخُبْثِ والخَبائِثِ". [4/ 57] وروينا عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخَلاء قال: "اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنَ الرِّجس النَّجِسِ الخَبِيثِ المُخْبِثِ: الشَّيْطانِ الرجِيمِ" رواه ابن السني، ورواه الطبراني في كتاب الدعاء. 12 ـ بابُ النّهي عن الذِّكْرِ والكَلامِ على الخَلاَء يكره الذكر والكلام حال قضاء الحاجة، سواء كان في الصحراء أو ¬

[55] الترمذي (5) وأبو داود (4) و (5)، والنسائي 1/ 20. بلفظ "اللهمّ إني أعوذ بك من الخبث والخبائث". وأما البسملة في أول هذا الذكر فأخرجها الطبراني والدارقطني وابن السني. انظر الفتوحات الربانية 1/ 379. [56] الترمذي (606) وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وإسناده ليس بذاك القوي، وذكر له الحافظ ابن حجر شاهدًا عند البزار. [57] ابن السني (18) عن أنس رضي الله عنه، وقال الحافظ: هذا حديث حسن غريب ـ وبعد أن ذكر له شواهد يعتضد بها، ومنها حديث أبي أمامة عند الطبراني في الدعاء، وعند ابن ماجه (299) قال: وعجب للشيخ ـ أي النووي ـ كيف أغفله وعدل إلى حديث ابن عمر مع أنهما في المرتبة سواء، وحديث أبي أمامة أشهر لكونه في إحدى السنن. الفتوحات الربانية 1/ 386.

13 ـ باب النهي عن السلام على الجالس لقضاء الحاجة

في البنيان، وسواء في ذلك جميع الأذكار والكلام، إلا كلام الضرورة، حتى قال بعض أصحابنا: إذا عطس لا يحمد الله تعالى، ولا يشمِّت عاطسًا، ولا يردّ السلام، ولا يجيب المؤذّن، ويكون المُسَلِّم مُقَصِّرًا لا يستحقّ جوابًا. والكلام بهذا كله مكروه كراهية تنزيه ولا يحرم، فإن عطس فحمد الله تعالى بقلبه ولم يحرّك لسانه فلا بأس، وكذلك بفعل حال الجماع. [1/ 58] وروينا عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: مرّ رجل بالنبيّ وهو يبولُ فسلَّمَ عليه، فلم يَرُدَّ عليهِ. رواه مسلم في صحيحه. [2/ 59] وعن المهاجر بن قنفذ رضي الله عنه قال: أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلّمت عليه، فلم يَرُدَّ حتى تَوَضَّأَ، ثم اعتذر إليّ وقال: "إني كَرِهْت أن أذْكُرَ اللَّهَ تَعالى إلاَّ على طُهْرٍ" أو قال "على طَهارَةٍ" حديث صحيح، رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه بأسانيد صحيحة. 13 ـ بابُ النّهي عن السَّلام على الجالس لقضاء الحَاجَة قال أصحابنا: يكره السلام عليه، فإن سلَّم لم يستحقَّ جوابًا، لحديث ابن عمر والمهاجر المذكورين في الباب قبله. 14 ـ بابُ ما يقولُ إذا خَرَجَ من الخَلاَء يقول: "غُفْرَانَكَ، الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي أذْهَبَ عَنِّي الأذَى وَعافانِي" (¬1) ¬

[58] مسلم (370)، والنسائي 1/ 36. [59] أبو داود (17)، والنسائي 1/ 37، وابن ماجه (350). (¬1) أبو داود (30)، والترمذي (7)، وابن ماجه (300) عن عائشة رضي الله عنها، ورواه النسائي في اليوم والليلة (79) وقال النووي في المجموع: حسن صحيح.

15 ـ باب ما يقول إذا أراد صب ماء الوضوء أو استقاءه

ثبت في الحديث الصحيح في سنن أبي داود والترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "غُفْرَانَك" وروى النسائي وابن ماجه باقيه. [1/ 60] وروينا عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله إذا خرج من الخلاء قال: "الحَمْدُ لِلَّه الَّذي أذَاقَنِي لَذَّتَهُ، وأبْقَى فِيَّ قُوَّتَهُ، وَدَفَعَ عَنِّي أَذَاهُ" رواه ابن السني والطبراني. 15 ـ بابُ ما يقولُ إذا أراد صَبَّ ماء الوضوءِ أو استقاءه يستحبّ أن يقول "باسْمِ اللَّه" كما قدَّمناه. 16 ـ بابُ ما يَقولُ على وضُوئه يستحب أن يقول في أوّله: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ" وإن قال "بِاسْمِ اللَّهِ" كفى. قال أصحابنا: فإن ترك التسمية في أوّل الوضوء أتى بها في أثنائه. فإن تركها حتى فرغ فقد فات محلها فلا يأتي بها ووضوءه صحيح، سواء تركها عمدًا أو سهوًا. هذا مذهبنا ومذهب جماهير العلماء. وجاء في التسمية أحاديث ضعيفة، ثبت عن أحمد بن حنبل رحمه الله أنه قال: لا أعلم في التسمية في الوضوء حديثًا ثابتًا. فمن الأحاديث: [1/ 61] حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيّ "لا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ ¬

[60] ابن السني (25)، وقال الحافظ: وفي سنده ضعيفان وانقطاع، لكن للحديث شواهد .. انظر الفتوحات 1/ 405. [61] أبو داود (101) وقال الحافظ: حديث غريب أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارقطني والحاكم. وفي سنده يعقوب بن سلمة الليثي، وهو شيخ جليل الحديث، ما روى عنه من الثقات سوى محمد بن موسى، وأبوه يعقوب مجهول، ما روى عنه سوى ابنه. الفتوحات 2/ 7.

يَذْكُرِ اسْمَ الله عَلَيْهِ" رواه أبو داود وغيره. وروينا من رواية سعيد بن زيد وأبي سعيد وعائشة وأنس بن مالك وسهل بن سعد رضي الله عنهم، رويناها كلها في سنن البيهقي، وغيره. وضعّفها كلها البيهقي (¬1) وغيره. [فصل]: قال بعض أصحابنا، وهو الشيخ أبو الفتح نصر المقدسي الزاهد: يُستحبّ للمتوضىء أن يقولَ في ابتداء وضوئه بعد التسمية: أشهدُ أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسولُه. وهذا الذي قاله لا بأس به، إلا أَنَّهُ لا أصل له من جهة السنة، ولا نعلم أحدًا من أصحابنا وغيرهم قال به، والله أعلم. [فصل]: ويقول بعد الفراغ من الوضوء: أشْهَدُ أنْ لا إله إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيك لَهُ، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَوَّابِينَ، واجْعَلْني مِنَ المُتَطَهِّرِينَ، سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ، أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إِلاَّ أنْتَ، أسْتَغْفِرُكَ وأتُوبُ إِلَيْكَ. [2/ 62] روينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تَوَضَّأ فَقالَ: أشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فُتِحَتْ لَهُ أبْوَابُ الجَنَّةِ الثَّمانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أيِّها شاءَ" رواه مسلم في صحيحه، ورواه الترمذي وزاد فيه "اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِن التَّوَّابِينَ واجْعَلْنِي مِنَ المُتَطَهِّرِينَ". ¬

[62] مسلم (234)، والترمذي (55)، وابن ماجه (470)، والنسائي في اليوم والليلة (84). (¬1) قال الحافظ المنذري: وفي الباب أحاديث كثيرة لا يسلم شيء منها عن مقال، وقد ذهب الحسن وإسحاق بن راهويه، وأهل الظاهر؛ إلى وجوب التسمية في الوضوء، حتى إنه إذا تعمد تركها أعاد الوضوء، وهو رواية عن الإمام أحمد، ولا شك أن الأحاديث التي وردت فيها، وإن كان لا يسلم شيء منها عن مقال، فإنها تتعاضد بكثرة طرقها، وتكتسب قوة. والله أعلم. الترغيب والترهيب 1/ 164.

وروى "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِك" (¬1) إلى آخره: النسائي في اليوم والليلة وغيرُه بإسناد ضعيف. [3/ 63] وروينا في سنن الدارقطني عن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ النبيّ قال: "مَنْ تَوَضَّأ ثُم قال: أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ قَبْلَ أنْ يَتَكَلَّم، غُفِرَ لَهُ ما بَيْنَ الوُضُوءَيْن" إسناده ضعيف. [4/ 64] وروينا في مسند أحمد بن حنبل وسنن ابن ماجه وكتاب ابن السني من رواية أنس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ تَوَضَّأ فأحْسَنَ الوُضُوءَ ثُمَّ قَالَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ: أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسولُهُ فُتِحَتْ لَهُ ثَمانِيَةُ أبْوَابِ الجَنَّةِ مِنْ أيّها شاءَ دَخَلَ" إسناده ضعيف. [5/ 65] وروينا تكريرَ شهادة أن لا إله إلاَّ الله ثلاث مرات في كتاب ابن السني، من رواية عثمان بن عفان رضي الله عنه بإسناد ضعيف. ¬

[63] سنن الدارقطني 1/ 93، وقال الحافظ: حديث غريب، قال الدارقطني بعد تخريجه: انفرد به محمد بن البيلماني، وهو ضعيف جدًا. [64] المسند 3/ 265، وابن ماجه (469)، وابن السني (32)، قال الحافظ: حديث غريب أخرجه أحمد وابن ماجه وأبو يعلى وابن السني والطبراني، ومدارهم على عمر بن عبد الله بن وهب، وهو صدوق، عن زيد العمي، وهو بصري ضعيف عند الجمهور ... الفتوحات الربانية 2/ 21ـ22. وانظر ضعيف الجامع الصغير 5/ 187. [65] ابن السني (29) قال الحافظ ابن حجر: والراوي له عن عمرو ما عرفته .. وشيخ ابن السني: عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني قاضي مصر، وقد اتهم بوضع الحديث آخر عمره. الفتوحات 2/ 22. (¬1) النسائي في اليوم والليلة (81) ورجح الحافظ ابن حجر صحة السند، وإنما اختلف في رفع المتن ووقفه.

قال الشيخ نصر المقدسي: ويقول مع هذه الأذكار: اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ، ويضمّ إليه: وسلم. قال أصحابنا: ويقول هذه الأذكار مستقبل القبلة، ويكون عقيب الفراغ. [فصل]: وأما الدعاء على أعضاء الوضوء فلم يجىء فيه شيء عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقد قال الفقهاء: يُستحبّ فيه دعوات جاءتْ عن السلف، وزادوا ونقصوا فيها، فالمتحصّل مما قالوه أنه يقول بعد التسمية: الحمد للَّهِ الذي جعل الماء طهورًا، ويقول عند المضمضة: اللهم اسقِني من حوْضِ نبيِّك كأسًا لا أظمأ بعده أبدًا، ويقول عند الاستنشاق: اللهمّ لا تحرِمني رائحة نعيمِك وجناتِك، ويقول عند غسل الوجه: اللهمّ بيِّض وجهي يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوه، ويقول عند غسل اليدين: اللهمّ أعطِني كتابي بيميني، اللهمّ لا تعطِني كتابي بشمالي، ويقول عند مسح الرأس: اللهمّ حرّم شعري وبشرِي على النار، وأظلّني تحت عرشِك يوم لا ظلّ إلا ظلُّك، ويقول عند مسح الأُذنين: اللهمّ اجعلني من الذين يستمعونَ القول فيتَّبعون أحسنه، ويقول عند غسل الرجلين: اللهمّ ثبِّت قدميَّ على الصرا. والله أعلم. [6/ 66] وقد روى النسائي وصاحبه ابن السني في كتابيهما "عمل اليوم ¬

[66] النسائي في اليوم والليلة (80)، وابن السني (28)، وقال الحافظ ابن حجر: وأخرجه الطبراني في الكبير، وفيه "فتوضأ، ثم صلى، ثم قام وقال: اللهم .. الخ" وهذا يدفع ترجمة ابن السني لتصريحه بأنه قال بعد الصلاة، ويدفع احتمال كونه بين الوضوء والصلاة .. وقال: وفي حكم الشيخ ـ أي النووي ـ على الإِسناد بالصحة نظر .. لأن أبا مِجلز لم يلق سمرة بن جندب ولا عمران بن الحصين، فيما قاله علي بن المديني، وقد تأخرا عن أبي موسى، ففي سماعه من أبي موسى نظر، وقد عُهد منه الإِرسال عمّن لم يلقه، ورجال الإسناد المذكور رجال الصحيح إلا عباد بن عباد. الفتوحات الربانية 2/ 33.

17 ـ باب ما يقول على اغتساله

والليلة" بإسناد صحيح عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء، فتوضأ، فسمعته يدعو ويقول: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي، وَوَسِّعِ لي فِي داري، وَبارِكْ لي في رِزْقِي" فقلت: يا نبيّ الله! سمعتك تدعو بكذا وكذا، قال: "وَهَلْ تَرَكْنَ مِنْ شَيْءٍ؟ " ترجم ابن السني لهذا الحديث؛ باب ما يقول بين ظهراني وضوئه. وأما النسائي فأدخله في باب: ما يقول بعد فراغه من وضوئه، وكلاهما محتمل. 17 ـ بابُ ما يقولُ على اغْتسالِه يستحبّ للمغتسل أن يقول جميع ما ذكرناه في الوضوء من التسمية وغيرها، ولا فرق في ذلك بين الجُنب والحائض وغيرهما. وقال بعض أصحابنا: إن كان جُنُبًا أو حائضًا لم يأتِ بالتسمية، والمشهور أنها مستحبّة لهما كغيرهما، لكنهما لا يجوز لهما أن يقصدا بها القرآن. 18 ـ بابُ ما يقولُ على تَيَمُّمِه يستحبّ أن يقول في ابتدائه: "باسمِ الله" فإن كان جُنبًا أو حائضًا فعلى ما ذكرنا في اغتساله. وأما التشهّد بعده وباقي الذكر المتقدم في الوضوء والدعاء على الوجه والكفّين فلم أرَ فيه شيئًا لأصحابنا ولا غيرهم، والظاهر أن حكمه على ما ذكرنا في الوضوء، فإن التيمّم طهارة كالوضوء. 19 ـ بابُ ما يقولُ إذا توجَّهَ إلى المسجدِ وقد قدّمنا ما يقوله إذا خرج من بيته إلى أيّ موضع خرج، وإذا خرج إلى المسجد فيستحبّ أن يضمّ إلى ذلك:

[1/ 67] ما رويناه في صحيح مسلم، في حديث ابن عباس رضي الله عنهما في مبيته في بيت خالته ميمونة رضي الله عنها، ذكر الحديث في تهجّد النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: فأذّن المؤذّن، يعني الصبح، فخرج إلى الصلاة وهو يقول: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ في قَلْبِي نُورًا، وفي لِسانِي نُورًا، وَاجْعَلْ في سَمْعِي نُورًا، وَاجْعَلْ في بَصَري نُورًا، وَاجْعَلْ مِنْ خَلْفِي نُورًا، وَمِنْ أمامي نُورًا، وَاجْعَلْ مِنْ فَوْقي نُورًا وَمِنْ تَحْتِي نُورًا، اللَّهُمَّ أعْطِني نُورًا". [2/ 68] وروينا في كتاب ابن السني عن بلال رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى الصلاة قال: "بِاسْمِ اللَّهِ، آمَنْتُ باللَّهِ، تَوَكَّلْتُ على اللَّهِ، لا حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ، اللَّهُمَّ بِحَقّ السَّائِلِينَ عَلَيْكَ، وَبِحَقّ مَخْرَجِي هَذَا فإني لَمْ أخْرُجْهُ أشَرًا وَلاَ بَطرًا وَلاَ رِياءً وَلاَ سُمْعَةً، خَرَجْتُ ابْتِغاءَ مَرْضَاتِكَ، وَاتِّقاءَ سَخَطِكَ، أسألُكَ أنْ تُعِيذَني مِنَ النَّارِ وتُدْخِلَني الجَنَّة" حديث ضعيف أحد رواته الوازع بن نافع العقيلي، وهو متفق على ضعفه وأنه منكر الحديث. وروينا في كتاب ابن السني معناه من رواية عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعطية أيضًا ضعيف. ¬

[67] مسلم (763)، وأبو داود (58)، والنسائي 2/ 218. [68] ابن السني (83) وقال الحافظ ابن حجر: هذا حديث واهٍ جدًا، أخرجه الدارقطني في الأفراد من هذا الوجه، وقال: تفرد به الوازع، وهو متفق على ضعفه وأنه منكر االحديث. وأما رواية عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري، فهي عند ابن السني برقم (84) وقال الحافظ بعد تخريجها: حديث حسن أخرجه أحمد وابن ماجه وابن خزيمة في كتاب التوحيد، وأبو نعيم الاصبهاني .. وقال: وعجبت للشيخ ـ أي النووي ـ كيف اقتصر على رواية بلال دون أبي سعيد، وعزو رواية أبي سعيد لابن السني دون ابن ماجه وغيره، والله الموفق. الفتوحات الربانية 2/ 40ـ41.

20 ـ باب ما يقوله عند دخول المسجد والخروج منه

20 ـ بابُ ما يقولُه عندَ دخول المسجد والخروج منه يُستحبُّ أن يقول: أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، الحمد لله، اللهمّ صلّ وسلم (¬1) على محمد وعلى آل محمد؛ اللهمّ اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك، ثم يقول: باسم الله، ويقدّم رجله اليمنى في الدخول، ويقدّم اليسرى في الخروج، ويقول جميع ما ذكرناه، إلا أنه يقول: أبواب فضلك، بدل رحمتك. [1/ 69] روينا عن أبي حُميد أو أبي أُسيد رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا دَخَلَ أحَدُكُمُ المَسْجِدَ فَلْيُسَلِّم على النَّبيّ صلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُم ليَقُلِ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لي أبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإذَا خَرَجَ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إني أسألُكَ مِنْ فَضْلِكَ" رواه مسلم في صحيحه وأبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم بأسانيد صحيحة، وليس في رواية مسلم "فليسلم على النبيّ صلى الله عليه وسلم" وهو في رواية الباقين. زاد ابن السني في روايته "وإذا خَرَجَ فَلْيُسَلِّمْ على النَّبِيّ وَلْيَقُل: اللَّهُمَّ أعِذْنِي مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ" وروى هذه الزيادة ابن ماجه وابن خزيمة وأبو حاتم ابن حبان ـ بكسر الحاء ـ في صحيحيهما. [2/ 70] وروينا عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه كان ¬

[69] مسلم (713)، وأبو داود (465)، والنسائي 2/ 53، وابن السني (85)، وابن ماجه (772)، والحاكم 1/ 207، ورواه النسائي (90) في "اليوم والليلة". [70] أبو داود (466)، وقال الحافظ: حديث حسن غريب، رجال موثقون، وهم رجال الصحيح إلا اثنين: إسماعيل بن بشر، وعقبة بن مسلم. الفتوحات 2/ 47. و"أقط": معنناه بحسب، والهمزة للاستفهام؛ يريد: أبلغك عني هذا فقط؟ (¬1) في "د": "اللهمّ صلِّ على محمد .. "

إذا دخل المسجد يقول: "أعُوذُ بالله العَظِيم، وَبِوَجهِهِ الكَريم، وسُلْطانِهِ القَديم، من الشِّيْطانِ الرَّجِيم. قالَ: أقط؟ قلت: نعم. قال: فإذَا قَال ذلكَ قالَ الشَّيْطانُ: حُفِظَ مِنِّي سائِرَ اليَوْمِ" حديث حسن رواه أبو داود بإسناد جيد. [3/ 71] وروينا في كتاب ابن السني، عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل المسجد قال: "بِاسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ، وَإذَا خَرَجَ قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ". وروينا الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم عند دخول المسجد والخروج منه من رواية ابن عمر أيضًا. [4/ 72] وروينا في كتاب ابن السني، عن عبد الله بن الحسن عن أمه عن جدته، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد حمد الله تعالى وسمَّى وقال: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي وافْتَحْ لِي أبْوابَ رَحْمَتِكَ". وَإذَا خَرَجَ قالَ مِثْلَ ذلكَ، وقالَ: "اللَّهُمَّ افْتَحْ لي أبْوَابَ فَضْلِكَ". [5/ 73] وروينا فيه عن أبي أُمامة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ¬

[71] ابن السني (87) عن أنس، قال السخاوي: وفي سنده من لا يُعرف و (88) عن ابن عمر، وسنده ضعيف جدًا أيضًا. الفتوحات 2/ 48. [72] ابن السني (86)، والترمذي (314) وابن ماجه (771) والمسند 5/ 425. قال الحافظ: رجال إسناده ثقات إلا أن فيه اقطاعًا. وقال أبو عيسى الترمذي: حديث فاطمة حديث حسن، وليس إسناده بمتّصل، وفاطمة بنت الحسين لم تدرك فاطمة الكبرى، إنما عاشت فاطمة بعد النبي أشهرًا. وقال الحافظ: كان عمر الحسين عند موت أُمه دون ثمان سنين. [73] ابن السني (154) وهو ضعيف، لضعف هاشم بن زيد، ومحمد بن يحيى: ذكره ابن حبّان في الثقات لكن قال: يبقى حديثه من رواية ابنيه أحمد وعبيد؛ فإنهما كانا يدخلان عليه ما ليس من حديثه. قال الحافظ: وهذا من رواية ابنه أحمد .. الفتوحات الربانية 2/ 51ـ52. وانظر ضعيف الجامع الصغير 2/ 24.

21 ـ باب ما يقول في المسجد

"إن أحدَكُمْ إذَا أرَاد أن يَخْرُجَ مِنَ المَسْجِدِ تَدَاعَتْ جُنُودِ إِبلِيسَ، وَأجْلَبَتْ واجْتَمَعَتْ كما تَجْتَمعٌ النَّحْلُ على يَعْسُوبِها، فإذَا قامَ أحَدُكُمْ على بابِ المَسْجِدِ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنْ إِبْليسَ وجُنُودِهِ، فإنَّهُ إذَا قَالَها لَمْ يَضُرَّهُ" اليعسوب: ذكر النحل، وقيل أميرها. 21 ـ باب ما يقولُ في المسجد يُستحبُّ الإِكثارُ فيه من ذكر الله تعالى والتسبيح والتهليل والتحميد والتكبير وغيرها من الأذكار، ويُستحبّ الإِكثارُ من قراءة القرآن؛ ومن المستحبّ فيه قراءة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلم الفقه، وسائر العلوم الشرعية، قال الله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أذِنَ اللَّهُ أنْ تُرْفَعَ ويُذْكَرَ فيها اسْمُهُ، يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بالغُدُوّ والآصَالِ رِجالٌ} الآية [النور: 36] وقال تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ الله فإنها مِنْ تَقوى القُلُوب} [الحج:32] وقال تعالى: {وَمَنْ يُعَظّمْ حُرُماتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج:20]. [1/ 74] وروينا عن بُريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّما بُنِيَت المَساجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ". رواه مسلم في صحيحه. [2/ 75] وعن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للأعرابيّ الذي بال في المسجد: "إنَّ هَذِه المَساجدَ لا تَصْلُحُ لِشيءٍ مِنْ هَذَا البَولِ وَلا القَذَرِ، إنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعالى وَقَرَاءَةِ القُرآنِ" أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه مسلم في صحيحه. ¬

[74] مسلم (569)، وهو طرف حديث سيورده المؤلف برقم 77. [75] مسلم (284)، وحديث بول الأعرابي. رواه البخاري، وأحمد، والنسائي، وابن ماجه وغيرهم.

22 ـ باب إنكاره ودعائه على من ينشد ضالة في المسجد أو يبيع فيه

[فصل]: وينبغي للجالس في المسجد أن ينوي الاعتكاف، فإنه يصحّ عندنا ولو لم يمكث إلا لحظة، بل قال بعض أصحابنا: يصحّ اعتكاف من دخل المسجد مارًّا ولم يمكث (¬1)، فينبغي للمارّ أيضًا أن ينوي الاعتكاف ليُحَصِّلَ فضيلتَه عند هذا القائل، والأفضل أن يقف لحظة ثم يمرّ، وينبغي للجالس فيه أن يأمر بما يراه من المعروف ويننهى عمّا يراه من المنكر، وهذا وإن كان الإِنسان مأمورًا به في غير المسجد، إلا أنه يتأكد القولُ به في المسجد صيانةً له وإعظامًا وإجلالًا واحترامًا، قال بعض أصحابنا: من دخل المسجد فلم يتمكن من صلاة تحية المسجد إما لحدث وإما لشغل أو نحوه، يستحبّ أن يقول أربع مرات: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، واللَّه أكبر، فقد قال به بعض السلف، وهذا لا بأس به. 22 ـ باب إنكاره ودعائه على من يَنشُدُ ضالّةً في المسجد أو يبيعُ فيه [1/ 76] روينا في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً في المَسْجِدِ فَلْيَقُلْ: لا رَدَّها الله عَلَيْكَ فإِنَّ المَساجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا". [2/ 77] وروينا في صحيح مسلم أيضًا عن بُريدة رضي الله عنه: أن رجلًا نشدَ في المسجد فقال: من دعا إليَّ الجمل الأحمر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا وَجَدْتَ إنَّمَا بُنِيَت المَساجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ". ¬

[76] مسلم (568)، وأبو داود (473)، والترمذي (1321). [77] مسلم (569). و"نشدَ": طلبَ وسأل. (¬1) في هامش "أ": "وفي نسخة: ولو لم يمكث"، وفي "د": "ولو لم يقعد"

23 ـ باب دعائه على من ينشد في المسجد شعرا ليس فيه مدح للإسلام ولا تزهيد ولا حث على مكارم الأخلاق ونحو ذلك

[3/ 78] وروينا في كتاب الترمذي في آخر كتاب البيوع منه، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذَا رأيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أوْ يَبْتَاعُ في المَسْجِدِ فَقُولُوا: لا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجارَتَكَ، وَإذَا رَأيْتُمُ مَنْ يَنْشُدُ فيهِ ضَالَّةً فَقُولُوا: لا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْكَ" قال الترمذي: حديث حسن. 23 ـ باب دعائه على من ينشد في المسجد شعرًا ليس فيه مدحٌ للإِسلام ولا تزهيدٌ ولا حثٌّ على مكارمِ الأخلاق ونحو ذلك [1/ 79] روينا في كتاب ابن السني، عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ رأيْتُمُوهُ يُنْشِدُ شِعْرًا في المَسْجِدِ فَقُولُوا لَهُ" فَضَّ الله فَاكَ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ". 24 ـ بابُ فضيلةِ الأذان [1/ 80] روَينا عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ ما فِي النِّدَاءِ وَالصَّفّ الأوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلاَّ أنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاسْتَهَمُوا" رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما. ¬

[78] الترمذي (1321) وقال: حديث حسن غريب. وقال ابن علان: كذا رواه النسائي وابن السني والحاكم وابن حبان وابن خزيمة. وانظر صحيح الجامع الصغير 1/ 216ـ217، و"عمل اليوم والليلة"؛ للنسائي رقم (176). [79] ابن السني (152)، والطبراني في الكبير، وقال الحافظ: غريب. وانظر ضعيف الجامع الصغير 5/ 199. [80] البخاري (615)، ومسلم (437)، والنسائي 2/ 23، ومعنى "لاستهموا": لاقترعوا.

25 ـ باب صفة الأذان

[2/ 81] وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ أدْبَرَ الشَّيْطانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حتَّى لا يَسْمَعَ التَّأذِينَ" رواه البخاري ومسلم. [3/ 82] وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "المُؤَذّنُونَ أطْوَلُ النَّاسِ أعناقًا يَوْمَ القِيامَةِ" رواه مسلم. [4/ 83] وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذّنِ جنّ ولا شيءٌ إِلاَّ شَهدَ لَهُ يَوْمَ القِيامة" رواه البخاري، والأحاديث في فضله كثيرة. واختلف أصحابنا في الأذان والإِقامة أيّهما أفضل على أربعة أوجه: الأصحّ أن الأذان أفضل، والثاني: الإِمامة أفضل، والثالث: هما سواء، والرابع: إن علم من نفسه القيام بحقوق الإِمامة واستجمع (¬1) خصالها فهي أفضل، وإلا فالأذان أفضل. 25 ـ بابُ صِفَةِ الأَذان اعلم أن ألفاظه مشهورة، والترجيعُ عندنا سنّة، وهو أنه إذا قال بعالي (¬2) صوته: اللَّهُ أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، قال سرًّا بحيث يُسمع نفسَه ومَن بقربه: أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا الله، ¬

[81] البخاري (608)، ومسلم (389)، والموطأ 1/ 69ـ70، وأبو داود (516)، والنسائي 2/ 21ـ22). [82] مسلم (387). [83] البخاري (609)، قال ابن علاّن: ورواه مالك، والنسائي، وابن ماجه، وابن خزيمة. (¬1) في هامش "أ": "وفي نسخة: واجتمع فيه خصالها .. " (¬2) في هامش"أ": "وفي نسخة: بأعلى صوته .. "

26 ـ باب صفة الإقامة

أشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ الله، أشهدُ أنَّ محمدًا رسول الله. ثم يعودُ إلى الجهر وإعلاء الصوت، فيقول: أشهدُ أن لا إله إلاّ الله، أشهدُ أنْ لا إله إلاّ الله، أشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ الله، أشهدُ أنَّ محمدًا رسول الله، والتثويبُ أيضًا مسنون عندنا، وهو أن يقول في أذان الصبح خاصة بعد فراغه من حيّ على الفلاح: الصلاةُ خيرٌ من النوم، الصلاةُ خيرٌ من النوم، وقد جاءت الأحاديث بالترجيع والتثويب، وهي مشهورة. واعلم أنه لو تَرَكَ الترجيعَ والتثويبَ صحّ أذانه وكان تاركًا للأفضل. ولا يصحّ أذان مَن لا يُميِّزُ، ولا المرأة، ولا الكافر. ويصحّ أذان الصبيّ المميز، وإذا أذّن الكافر وأتى بالشهادتين كان ذلك إسلامًا على المذهب الصحيح المختار. وقال بعض أصحابنا: لا يكون إسلامًا، ولا خلاف أنه لا يصحّ أذانه، لأن أوّله كان قبل الحكم بإسلامه. وفي الباب فروع كثيرة مقرّرة في كتب الفقه ليس هذا موضع إيرادها. 26 ـ بابُ صِفَةِ الإِقامة المذهب الصحيح المختار الذي جاءت به الأحاديث الصحيحة أن الإِقامة إحدى عشرة كلمة: الله أكبر الله أكبر، أشهدُ أن لا إله إلاَّ الله، أشهد أنَّ محمدًا رسول الله، حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلاّ الله. [فصل]: واعلم أن الأذانَ والإِقامةَ سنّتان عندنا على المذهب الصحيح المختار، سواء في ذلك أذان الجمعة وغيرها. وقال بعض أصحابنا: هما فرض كفاية. وقال بعضهم: هما فرض كفاية في الجمعة دون غيرها. فإن قلنا فرض كفاية، فلو تركه أهلُ بلدٍ أو مَحَلَّةٍ قُوتلوا على

تركه. وإن قلنا سنّة لم يُقاتلوا على المذهب الصحيح المختار، كما لا يُقاتَلون على سنّة الظهر وشبهها. وقال بعض أصحابنا: يُقاتَلون لأنه شعار ظاهر. [فصل]: ويُستحبُّ ترتيل الأذان ورفع الصوت به، ويستحبّ إدراج الإقامة (¬1)، ويكون صوتها أخفض من الأذان، ويستحبّ أن يكون المؤذنُ حسن الصوت ثقةً مأمونًا خبيرًا بالوقت متبرعًا؛ ويستحبّ أن يؤذّن ويقيم قائمًا على طهارة وموضع عال، مستقبل القبلة، فلو أذّن أو أقام مستدبر القبلة أو قاعدًا أو مضطجعًا أو مُحدثًا أو جُنبًا صحّ أذانه وكان مكروهًا، والكراهية في الجُنب أشدّ من المحدث، وكراهة الإِقامة أشد. [فصل]: لا يُشرع الأذان إلا للصلوات (¬2) الخمس: الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء، وسواء فيها الحاضرة والفائتة، وسواء الحاضر والمسافر، وسواء من صلَّى وحده أو في جماعة. وإذا أذّن واحدٌ كفى عن الباقين. وإذا قضى فوائت في وقت واحد أذّن للأولى وحدها، وأقام لكلّ صلاة. وإذا جمع بين الصلاتين أذّن للأولى وحدها وأقام لكل واحدة. وأما غير الصلوات الخمس فلا يؤذّن لشيء منها بلا خلاف. ثم منها ما يستحبّ أن يقال عند إرادة صلاتها في جماعة: الصلاة جامعة، مثل العيد والكسوف والاستسقاء، ومنها ما اختلف فيه كصلاة التراويح والجنازة، والأصحّ أنه يأتي به في التراويح دون الجنازة. ¬

(¬1) "إدراج الإِقامة": إسراعها؛ إذ أصل الإِدراج الطيُّ، ثم استعير لإِدخال بعض الكلمات في بعض، لما صحَّ من الأمر به، وفارقت الأذان بأنه للغائبين، والترتيل فيه أبلغ، وهي للحاضرين، فالإِدراج فيها أشبه. الفتوحات الربانية 2/ 97. (¬2) في "أ": إلا في الصلوات الخمس .. ".

27 ـ باب ما يقول من سمع المؤذن والمقيم

[فصل]: ولا تصحّ الإِقامة إلا في الوقت وعند إرادة الدخول في الصلاة، ولا يصحّ الأذان إلا بعد دخول وقت الصلاة إلا الصبح، فإنه يجوز الأذان لها قبل دخول الوقت. واختُلف في الوقت الذي يجوز فيه، والأصحّ أنه يجوز بعد نصف الليل، وقيل: عند السَّحَر، وقيل: في جميع الليل، وليس بشيء، وقيل: بعد ثلثي الليل، والمختار الأوّل. [فصل]: وتقيم المرأة والخنثى المشكل، ولا يؤذّنان لأنهما منهيّان عن رفع الصوت. 27 ـ بابُ ما يقولُ مَنْ سمعَ المؤذّنَ والمقيمَ يُستحبّ أن يقول من سمع المؤذّن والمقيم: مثل قوله، إلا في قوله حيّ على الصلاة، حيّ على الفلاح، فإنه يقول في دُبُر كل لفظة: لا حول ولا قوّة إلا بالله. ويقول في قوله: الصلاة خير من النوم: صدقتَ وبررتَ، وقيل يقول: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاةُ خيرٌ من النوم. ويقول في كلمتي الإِقامة: أقامها الله وأدامها، ويقول عقيب قوله: أشهد أنَّ محمدًا رسولُ الله: وأنا أشهد أن محمدًا رسول الله؛ ثم يقول: رضيتُ بالله ربًّا (¬1)، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم رسولًا، وبالإِسلام دينًا. فإذا فرغَ من المتبعة في جميع الأذان صلَّى وسلَّم على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: اللهمّ ربَّ هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آتِ محمّدًا الوسيلةَ والفضيلة، وابعثْه مقامًا محمودًا الذي وعدته، ثم يدعو بما شاء من أمور الآخرة والدنيا. [1/ 84] روينا عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول ¬

[84] البخاري (611)، ومسلم (383)، والموطأ 1/ 67، وأبو داود (522)، والترمذي (208)، والنسائي 2/ 23 في المجتبى، و (34) في "اليوم والليلة". (¬1) في هامش "أ": "وفي نسخة: وبالإسلام دينًا"

الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سَمِعْتُمُ النِّداءَ فَقُولُوا مِثْلَ ما يَقُولُ المُؤَذّنُ" رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما. [2/ 85] وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أنه سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: "إذَا سَمِعْتُمُ المُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا علَبَّ، فإنَّهُ مَنْ صَلَّى عَليَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِها عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا الله لِي الوَسِيلَةَ، فإنها مَنْزِلَةٌ في الجَنَّةِ لا تَنْبَغِي إلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبادِ الله وأرْجُو أنْ أكُونَ أنا هُوَ، فَمَنْ سألَ لِيَ الوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفاعَةُ" رواه مسلم في صحيحه. [3/ 86] وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا قالَ المُؤَذّنُ: اللَّهُ أكْبَرُ اللَّهُ أكْبَرُ، فَقالَ أحَدُكُمْ: اللَّهُ أكْبَرُ اللَّهُ أكْبَرُ، ثُمَّ قالَ: أشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، قَالَ: أشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، ثُمَّ قالَ: أشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، قالَ: أشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؛ ثُمَّ قالَ: حَيَّ عَلى الصَّلاةِ، قالَ: لا حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بالله؛ ثُمَّ قالَ: حَيَّ عَلى الفَلاح، قالَ: لا حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ؛ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أكْبَرُ اللَّهُ أكْبَرُ، قالَ: اللَّهُ أكْبَرُ اللَّهُ أكْبرُ؛ ثمَّ قالَ: لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ، قالَ: لا إلهَ إِلاَّ الله مِنْ قَلْبه دَخَلَ الجنَّة". رواه مسلم في صحيحه. [4/ 87] وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ المُؤَذّنَ: أشْهَدُ أنْ لا إله إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ باللَّهِ رَبًّا، وبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم رَسُولًا، ¬

[85] مسلم (384)، وأبو داود (523)، والترمذي (3619)، والنسائي 2/ 25. [86] مسلم (385)، وأبو داود (527)، والنسائي (40) في "اليوم والليلة". [87] مسلم (386)، وأبو داود (525)، والترمذي (210)، والنسائي 2/ 26، وابن ماجه (721)، كما رواه النسائي (73) في "اليوم والليلة".

وبالإِسْلامِ دِينًا، غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ" وفي رواية "مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ المُؤَذّنَ: وأنا أشْهَدُ" رواه مسلم في صحيحه. [5/ 88] وروينا في سنن أبي داود، عن عائشة رضي الله عنها بإسناد صحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع المؤذّن يتشهد، قال: "وأنا وأنا". [6/ 89] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قال حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبِّ هَذهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلاةِ القائِمةِ، آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلَةَ والفَضِيلَةَ، وابْعَثْهُ مَقامًا محمودًا الذي وَعَدْتَهُ. حَلَّتْ لَهُ شَفاعَتِي يَوْمَ القِيامَةِ" رواه البخاري في صحيحه. [7/ 90] وروينا في كتاب ابن السني عن معاوية: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع المؤذّن يقول: حيّ على الفلاح، قال: "اللَّهُمَّ اجْعَلْنا مُفْلِحِين". [8/ 91] وروينا في سنن أبي داود، عن رجل، عن شَهْر بن حَوْشَب، عن أبي أمامة ـ أو عن بعض أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم أنَّ بلالًا أخذ في الإقامة، فلما قال: قد قامت الصلاة، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم:"أقامَها اللَّهُ وأدَامَها"، وقال في سائر ألفاظ الإِقامة كنحو حديث عمر في الأذان. [9/ 92] وروينا في كتاب ابن السني، عن أبي هريرة: أنه كان إذا ¬

[88] أبو داود (526)، وقال الحافظ: ذكر المصنف أن أبا داود أخرجه بإسناد صحيح، وهو كما قال، وإننما قلت ـ أي بعد تخريجه: حديث حسن صحيح؛ فجمعت بين الوصفين للاختلاف في وصله وإرساله، ولمجيئه من وجه آخر. الفتوحات 2/ 128. [89] البخاري (614)، وأبو داود (529)، والترمذي (211)، والنسائي 2/ 27. [90] ابن السني (90)، وقال الحافظ ابن حجر: هذا حديث غريب، في سنده من هو متروك عندهم. الفتوحات 2/ 130. [91] أبو داود (528)، وقال الحافظ ابن حجر: هذا حديث غريب، أخرجه أبو داود هكذا وسكت عليه، وفي سنده راوٍ مبهم، وشهر بن حوشب فيه مقال، لكن حديثه حسن إذا لم يُخالف. الفتوحات 2/ 130. [92] ابن السني (103)، وقال الحافظ: هذا حديث غريب، وفي سنده جماعة من الضعفاء، =

28 ـ باب الدعاء بعد الأذان

سمع المؤذّن يُقيم يقول: اللهمّ ربَّ هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، صلِّ على محمَّد وآته سؤلَه يومَ القيامة. [فصل]: إذا سمع المؤذنَ أو المقيم وهو يصلي لم يجبه في الصلاة، فإذا سلَّم منها أجابه كما يجيبه مَن لا يُصلي، فلو أجابه في الصلاة كُرِه ولم تبطلْ صلاتُه، وهكذا إذا سمعه وهو على الخلاء لا يُجيبه في الحال، فإذا خرج أجابه، فأما إذا كان يقرأ القرآن أو يسبّح أو يقرأ حديثًا أو عِلْمًا آخر أو غير ذلك، فإنه يقطع جميع هذا ويجيب المؤذِّنَ ثم يعود إلى ما كان فيه، لأن الإِجابة تفوت، وما هو (¬1) فيه لا يفوت غالبًا، وحيث لم يتابعه حتى فرغ المؤذّن يستحبّ أن يتدارك المتابعة ما لم يطل الفصل. 28 ـ بابُ الدُّعاء بعد الأذان [1/ 93] روينا عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يُرَدُّ الدُّعاءُ بَينَ الأذَانِ والإِقامَةِ" رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن السني وغيرهم. قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وزاد الترمذي (¬2) في روايته في كتاب الدعوات من جامعه، قالوا: فماذا نقول يارسول الله؟! قال: "سَلُوا الله العافِيَةَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ". ¬

= لكن لم يُتركوا، ويُغتفر مثله في فضائل الأعمال، لا سيما مع شواهده، والله أعلم. الفتوحات 2/ 131. [93] أبو داود (521)، والترمذي (212)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"، وابن السني (100)، قال الحافظ: الحديث حسن، وهو غريب من هذا الوجه .. وعلته وجود زيد العمي في سنده، وهو ضعيف. الفتوحات 2/ 135. (¬1) في "أ": "والذي هو فيه" (¬2) الترمذي (3588) من رواية يحيى بن يمان، وهو كثير الخطأ، ولا سيما في حديث الثوري

29 ـ باب ما يقول بعد ركعتي سنة الصبح

[2/ 94] وروينا عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رجلًا قال: يا رسول الله! إن المؤذّنين يفضُلُوننا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قُلْ كما يَقُولونَ فإذَا انْتَهَيْتَ فَسَلْ تُعْطَه" رواه أبو داود ولم يضعفه. [3/ 95] وروينا في سنن أبي داود أيضًا، في كتاب الجهاد بإسناد صحيح، عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ثِنْتانِ لا تُرَدَّانِ ـ أوْ قالَ: ما تُرَدَّانِ ـ الدُّعاءُ عِنْدَ الندَاءِ، وَعِنْدَ البأْسِ حِينَ يُلْحِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا" قلت: في بعض النسخ المعتمدة يلحم بالحاء، وفي بعضها بالجيم، وكلاهما ظاهر. 29 ـ باب ما يقولُ بعدَ ركعتي سنّة الصُّبح [1/ 96] روينا في كتاب ابن السني عن أبي المُلَيْح، واسمه عامر بن أُسامة، عن أبيه رضي الله عنه أنه صلّى ركعتيّ الفجر، وأن رسول الله صلَّى قريبًا منه ركعتين خفيفتين، ثم سمعه يقول وهو جالس:" اللَّهُمَّ رَبّ جِبْرِيلَ وَإِسْرَافِيلَ وَمِيكائِيلَ ومُحَمَّدٍ النَّبي صلى الله عليه وسلم، أعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ. ثَلاثَ مَرَّاتٍ". ¬

[94] أبو داود (524)، قال الحافظ بعد تخريجه من طريق الطبراني في كتاب الدعاء: حديث حسن أخرجه أبو داود، والنسائي في الكبرى ورجاله موثقون من رجال الصحيح إلا واحدًا فاختلف فيه، لكن تابعه فيه غيره. قال ابن علاّن: ثم الحديث رواه النسائي، وابن حبّان في صحيحه أيضًا .. الفتوحات 2/ 137. [95] أبو داود (2540)، وقال الحافظ: حديث حسن صحيح، أخرجه أبو داود والدارمي وابن خزيمة وابن الجارود والحاكم .. ومعنى "يُلحم": أي يشتبك في الحرب، ويلزم بعضهم بعضًا. [96] ابن السني (101)، وقال الحافظ ابن حجر: حديث حسن .. الفتوحات 2/ 139.

30 ـ باب ما يقول إذا انتهى إلى الصف

[2/ 97] وروينا فيه عن أنس، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ قَالَ صَبيحَةَ يَوْمِ الجُمعَة قَبْلَ صَلاةِ الغَدَاةِ: أسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذي لا إلهَ إِلاَّ هُوَ الحَيَّ القَيُّومَ وأتُوبُ إلَيْهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، غَفَرَ اللَّهُ تَعالى ذُنُوبَهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ". 30 ـ بابُ ما يقولُ إذا انتهى إلى الصَّفّ [1/ 98] روَينا عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رجلًا جاء إلى الصلاة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي، فقال حين انتهى إلى الصف: اللهمّ آتني أفضل ما تُؤتي عبادك الصالحين؛ فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: "مَنِ المُتَكَلِّمُ آنِفًا؟ قَالَ: أنا يا رَسُولَ الله! قال: إذَنْ يُعْقَر جَوَادُكَ وَتَسْتَشْهِد في سَبِيلِ الله تَعَالى" رواه النسائي وابن السني، ورواه البخاري في تاريخه في ترجمة محمد بن مسلم بن عائذ. 31 ـ بابث ما يقولُ عند إرادته القيامَ إلى الصَّلاة [1/ 99] روينا في كتاب ابن السني عن أُمّ رافعٍ رضي الله عنها، أنها قالت: يا رسول الله! دُلَّني على عملٍ يأجرني الله عزّ وجلّ عليه؟ قال: "يا أُمَّ رَافِعٍ إذَا قُمْتِ إلى الصَّلاةِ فَسَبِّحِي اللَّهَ تَعَالى عَشْرًا، وَهَلِّلِيهِ عَشْرًا، ¬

[97] ابن السني (82)، وإسناده ضعيف، وقال الحافظ: هذا حديث غريب، وسنده ضعيف. وله شواهد حسنة، انظرها في الفتوحات الربانية 2/ 142. [98] ابن السني (104) والنسائي في السنن الكبرى، وقاال الحافظ ابن حجر: حديث حسن، أخرجه النسائي في الكبرى، وأخرجه ابن السني، وابن حبّان وابن خزيمة، وأخرجه البخاري في التاريخ، وابن أبي عاصم في الدعاء، وأخرجه الحاكم من وجه آخر. الفتوحات 2/ 143. [99] ابن السني (105) وقال الحافظ ابن حجر: حديث حسن، ورجاله موثقون، لكن في عطاف بن خالد مقال يتعلق بضبطه، وقد توبع فيه عن شيخه. الفتوحات 2/ 144.

32 ـ باب الدعاء عند الإقامة

واحْمَدِيهِ عَشْرًا، وكَبِّرِيهِ عَشْرًا، وَاسْتَغْفِرِيهِ عَشْرًا؛ فإنَّكِ إذَا سَبَّحْتِ قالَ: هَذَا لي، وَإذَا هَلَّلْتِ قالَ: هَذَا لِي، وَإذَا حَمِدْتِ قالَ: هَذَا لي، وَإذَا كَبَّرْتِ قالَ: هَذَا لي، وَإذَا اسْتَغْفَرْتِ قالَ: قَدْ فَعَلْتُ". 32 ـ بابُ الدُّعاء عند الإِقامة [1/ 100] روى الإِمام الشافعي بإسناده في الأُمّ حديثًا مرسلًا: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"اطْلُبُوا اسْتِجابَةَ الدُّعاءِ عِنْدَ التقاءِ الجُيُوشِ، وَإقامَةِ الصَّلاةِ، وَنُزُولِ الغَيْثِ" وقال الشافعي: وقد حفظت عن غير واحد طلب الإِجابة (¬1) عند نزول الغيث وإقامة الصلاة. ¬

[100] كتاب الأم، للشافعي 1/ 223ـ224 عن مكحول، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وهو مرسل أو معضل، لأن جلّ رواية مكحول عن التابعين. وله شاهد أخرجه سعيد بن منصور في سننه. قال الحافظ: وهو مقطوع جيد له حكم المرسل. (¬1) "طلب الإِجابة": أي الاستجابة، أو المراد بالدعاء الإِجابة؛ لكونها ملزومة له بطريق الوعد الذي لا يخلف {ادعوني أستجب لكم}. فيكون فيه مجاز مرسل. الفتوحات الربانية 2/ 150

كتاب ما يقوله إذا دخل في الصلاة

(كتاب ما يقوله إذا دخل في الصّلاة) (¬1) 33 ـ بابُ ما يقولُه إذا دخلَ في الصَّلاة اعلم أن هذا الباب واسع جدًا، وجاءت فيه أحاديث صحيحة كثيرة من أنواع عديدة، وفيه فروع كثيرة في كتب الفقه ننبّه هنا منها على أصولها ومقاصدِها دون دقائقها ونوادرها، وأحذفُ أدلّة معظمها إيثارًا للاختصار، إذ ليس هذا الكتاب موضوعًا لبيان الأدلة، إنما هو لبيان ما يُعمل به، والله سبحانه الموفّق. 34 ـ بابُ تكبيرةِ الإِحْرام اعلم أن الصلاةَ لا تصحّ إلا بتكبيرة الإِحرام فريضة كانت أو نافلة. والتكبيرةُ عند الشافعي والأكثرين جزء من الصلاة وركن من أركانها. وعند أبي حنيفة هي شرطٌ ليست من نفس الصلاة. واعلم أن لفظ التكبير أن يقول: الله أكبر، أو يقول: الله الأكبر، فهذان جائزان عند الشافعي وأبي حنيفة وآخرين، ومنع مالك الثاني، فالاحتياط أن يأتي الإِنسان بالأوّل ليخرج من الخلاف، ولا يجوز التكبير ¬

(¬1) ما بين القوسين زيادة من "د" وهامش "أ".

بغير هذين اللفظين. فلو قال: الله العظيم، أو الله المتعال، أو الله أعظم، أو أعزّ، أو أجلّ، وما أشبه هذا، لم تصحّ صلاته عند الشافعي والأكثرين، وقال أبو حنيفة: تصحّ. ولو قال: أكبرُ الله، لم تصحّ على الصحيح عندنا، وقال بعض أصحابنا: تصح كما لو قال في آخر الصلاة: عليكم السلام، فإنه يصحّ على الصحيح. واعلم أنه لا يصحّ التكبير ولا غيره من الأذكار حتى يتلفظ بلسانه بحيث يسمع نفسه إذا لم يكن له عارض، وقد قدّمنا بيان هذا في الفصول التي في أوّل الكتاب، فإن كان بلسانه خرسٌ أو عيبُ حرَّكَه بقدر ما يقدرُ عليه وتصحُّ صلاته. واعلم أنه لا يصحُّ التكبير بالعجمية لمن قدر عليه بالعربية، وأما من لا يقدر فيصحّ ويجب عليه تعلّم العربية، فإن قصَّرَ في التعلم لم تصحّ صلاته وتجب إعادة ما صلاَّه في المدة التي قصَّرَ فيها عن التعلم. واعلم أن المذهب الصحيح المختار أن تكبيرة الإِحرام لا تمدّ ولا تمطّط، بل يقولها مدرجة مسرعة، وقيل تمدّ، والصواب الأوّل. وأما باقي التكبيرات فالمذهب الصحيح المختار استحباب مدّها إلى أن يصل إلى الركن الذي بعدها، وقيل لا تمدّ، فلو مدّ ما لا يمدّ أو ترك مدّ ما يمدّ لم تبطل صلاته، لكن فاتته الفضيلة. واعلم أن محلّ المدّ بعد اللام من الله ولا يمدّ في غيره. [فصل]: والسنّة أنَّ يجهر الإِمام بتكبيرة الإِحرام وغيرها ليسمعَه المأمومُ، ويسرّ المأموم بها بحيث يُسْمِعُ نفسه، فإن جهر المأموم أو أسرّ الإِمام لم تفسد صلاته، وليحرص على تصحيح التكبير، فلا يمدّ في غير

35 ـ باب ما يقوله بعد تكبيرة الإحرام

موضعه، فإن مدّ الهمزة من الله، أو أشبع فتحة الباء من أكبر بحيث صارت على لفظ أكبار لم تصحّ صلاته. [فصل]: اعلم أن الصلاة التي هي ركعتان شُرِع فيها إحدى عشرة تكبيرة، والتي هي ثلاث ركعات سبع عشرة تكبيرة، والتي هي أربع ركعات اثنتان وعشرون تكبيرة، فإن في كل ركعة خمس تكبيرات: تكبيرة للركوع، وأربعًا للسجدتين والرفع منهما. وتكبيرة الإِحرام، وتكبيرة القيام من التشهد الأوّل. ثم اعلم أن جميع هذه التكبيرات سنّة لو تركها عمدًا أو سهوًا لا تبطلُ صلاتُه ولا تحرم عليه ولا يسجد للسهو، إلا تكبيرة الإِحرام فإنها لا تنعقد الصلاة إلا بها بلا خلاف، والله أعلم. 35 ـ بابُ ما يقوله بعد تكبيرة الإِحرام اعلم أنه قد جاءت فيه أحاديث كثيرة يقتضي مجموعها أن يقول: اللَّهُ أكْبَرُ كَبِيرًا، وَالحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ الله بُكْرَةً وَأصِيلًا، وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وما أنا من المُشْرِكِينَ، إنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبّ العالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وأنَا مِنَ المُسْلِمينَ، اللَّهُمَّ أنْتَ المَلكُ لا إلهَ إِلاَّ أنْتَ، أَنْتَ رَبِّي وأنا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي واعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي، فاغْفِرْ لي ذُنُوبِي جَمِيعًا، فإنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أنْتَ، وَاهْدِني لأحْسَنِ الأخْلاقِ لا يَهْدِي لأحْسَنها إلاَّ أَنْتَ وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَها لا يَصْرِفُ سَيِّئَها إِلاَّ أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ والخَيْرُ كُلُّهُ في يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ، أنا بِكَ وَإِلَيْكَ، تَبارَكْتَ وَتعالَيْتَ، أسْتَغْفِرُكَ وأتُوبُ إِلَيْكَ. ويقول: اللَّهُمَّ باعِد بَيْني وبَيْنَ خَطايايَ كما بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطايايَ كما يُنَقّى الثَّوْبُ الأبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطايايَ بالثَّلْجِ وَالمَاءِ وَالبَرَدِ.

فكل هذا المذكور ثابت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وجاء في الباب أحاديث أُخَر منها: [1/ 101] حديث عائشة رضي الله عنها: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة قال: "سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعالى جَدُّكَ، وَلاَ إلهَ غَيْرُكَ". رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجه بأسانيد ضعيفة، وضعّفه أبو داود والترمذي والبيهقي وغيرهم، ورواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي من رواية أبي سعيد الخدري وضعفوه. قال البيهقي: وروي الاستفتاح بـ "سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ" عن ابن مسعود مرفوعًا، وعن أنس مرفوعًا، وكلها ضعيفة. قال: وأصحُّ ما روي فيه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم رواه بإسناده عنه؛ أنه كبر ثم قال: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ، تَبَارَكَ اسْمُكَ، وتَعَالى جَدُّكَ، وَلا إلهَ غَيْرُك. (¬1). والله أعلم. [2/ 102] وروينا في سنن البيهقي، عن الحارث، عن عليّ رضي الله ¬

[101] أبو داود (776)، والترمذي (243)، وابن ماجه (806)، عن عائشة رضي الله عنها، وأبو داود (775)، والترمذي (242)، وابن ماجه (804) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. قال الحافظ ابن حجر بعد تخريج الحديث من طرق: حديث حسن، أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي. وهو في المستدرك 1/ 235 وصححه، ووافقه الذهبي وقال: وشاهدُه عند أحمد في مسنده. [102] البيهقي 2/ 33 (باب افتتاح الصلاة بعد التكبير). وتعقب الحافظ ابن حجر الشيخ النووي فيما قاله عن الحارث الأعور، فقال هو متعقب فيما قاله ـ أي متفق على ضعفه ـ فقد وثّقه يحيى بن معين في سؤالات الدارمي، وفي تاريخ العباس الدوري، وأما ما نقله عن الشعبي فقد أوضح أحمد بن صالح إذ قال: الحارث صاحب علي ثقة = (¬1) البيهقي 2/ 34، وقال الحافظ: حديث عمر موقوف صحيح

عنه قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة قال: "لا إلهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحانَكَ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَعَمِلْتُ سُوءًا فاغْفِرْ لي إنَّهُ لا يَغْفرُ الذنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، وَجَّهْتُ وَجْهيَ. إلى آخِرِه" وهو حديث ضعيف، قال: الحارث الأعور: متفق على ضعفه، وكان الشعبيّ يقول: الحارث كذّاب، والله أعلم. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "وَالشَّرُّ لَيْسَ إلَيْكَ" فاعلم أن مذهب أهل الحق من المحدّثين والفقهاء والمتكلمين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء المسلمين أن جميع الكائنات خيرها وشرَّها، نفعَها وضَرّها كلها من الله سبحانه وتعالى، وبإرادته وتقديره، وإذا ثبت هذا فلا بدّ من تأويل هذا الحديث، فذكر العلماء فيه أجوبة: أحدها: وهو أشهرها قاله النضر بن شُمَيْلِ والأئمة بعده، معناه: والشرّ لا يتقرّب به إليك، والثاني: لا يصعد إليك، إنما يصعد الكَلِم الطيب، والثالث: لا يضاف إليك أدبًا، فلا يقال: (يا خالق الشَّرِّ وإن كان خالقه، كما لا يقال) (¬1) يا خالق الخنازير وإن كان خالقها، والرابع: ليس شرًّا بالنسبة إلى حكمتك، فإنك لا تخلق شيئًا عبثًا، والله أعلم. [فصل]: هذا ما ورد من الأذكار في دعاء التوجه، فيستحبّ الجمع بينها كلها لمن صلى منفردًا، وللإِمام إذا أذن له المأمومون. فأما إذا لم يأذنوا له فلا يطوِّل عليهم بل يقتصر على بعض ذلك، وحَسُنَ اقتصارُه على: وجّهت وجهي إلى قوله: من المسلمين، وكذلك المنفرد الذي يُؤثر التخفيف. واعلم أن هذه الأذكار مستحبّة في الفريضة والنافلة، فلو تركه في ¬

= ما أحفظه، وما أحسن ما روى عن علي. قيل له: فما يقوله الشعبي فيه. قال: لم يكن يكذب في حديثه، وإنما كان يكذب في رأيه. الفتوحات 2/ 178ـ179). (¬1) أثبتها من الفتوحات الربانية 2/ 181

36 ـ باب التعوذ بعد دعاء الاستفتاح

الركعة الأولى عامدًا أو ساهيًا لم يفعله بعدَها لفوات محله، ولو فعله كان مكروهًا ولا تبطل صلاته، ولو تركه عقيب التكبيرة حتى شرع في القراءة أو التعوّذ فقد فات محله فلا يأتي به، فلو أتى به لم تبطل صلاتُه، ولو كان مسبوقًا أدرك الإِمام في إحدى الركعات أتى به إلا أن يخاف من اشتغاله به فوات الفاتحة، فيشتغل بالفاتحة فإنها آكد لأنها واجبة، وهذا سنّة. ولو أدرك المسبوقُ الإِمامَ في غير القيام إما في الركوع وإما في السجود وإما في التشهد أحرم معه وأتى بالذكر الذي يأتي به الإِمام، ولا يأتي بدعاء الاستفتاح في الحال ولا فيما بعد. واختلف أصحابنا (¬1) في استحباب دعاء الاستفتاح في صلاة الجنازة، والأصحّ أنه لا يستحبّ لأنها مبنية على التخفيف. واعلم أن دعاء الاستفتاح سنّة ليس بواجب، ولو تركه لم يسجدْ للسهو، والسنّة فيه الإِسرار، فلو جهر به كان مكروهًا ولا تبطل صلاته. 36 ـ بابُ التعوّذ بعد دعاء الاستفتاح اعلم أن التعوّذ بعد دعاء الاستفتاح سنّة بالاتفاق، وهو مقدمة للقراءة، قال الله تعالى: {فإذا قَرأت القرآنَ فَاسْتَعِذْ بالله من الشَّيْطانِ الرَّجِيم} [النحل:98] معناه عند جماهير العلماء (¬2): إذا أردت القراءة فاستعذ بالله. واعلم أن اللفظ المختار في التعوّذ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وجاء: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، ولا بأس به، ولكن المشهور المختار هو الأوّل. ¬

(¬1) في "د": "الأصحاب" (¬2) في هامش"أ": "وأئمة المسلمين"

[1/ 103] وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي وغيرها: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال قبل القراءة في الصلاة: "أعُوذُ باللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ مِنْ نَفْخِهِ وَنَفْثِهِ وهَمْزِهِ" وفي رواية: "أعُوذُ بالله السَّمِيعِ العَلِيمِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ" وجاء في تفسيره في الحديث، أن همزه: المؤْتةُ، وهي الجنون، ونفخه: الكبر، ونفثه: الشعرُ، والله أعلم. [فصل]: اعلم أن التعوّذ مستحبّ ليس بواجب، لو تركه لم يأثم ولا تبطلُ صلاته سواء تركه عمدًا أو سهوًا، ولا يسجد للسهو، وهو مستحبّ في جميع الصلوات الفرائض والنوافل كلها، ويستحبّ في صلاة الجنازة على الأصحّ، ويستحبّ للقارىء خارج الصلاة بإجماع أيضًا. [فصل]: واعلم أن التعوّذ مستحبّ في الركعة الأولى بالاتفاق، فإن لم يتعوّذ في الأولى أتى به في الثانية، فإن لم يفعل ففيما بعدها، فلو تعوّذ في الأولى هل يستحبّ في الثانية؟ فيه وجهان لأصحابنا، أصحهما أنه يستحبّ لكنه في الأولى آكد. وإذا تعوّذ في الصلاة التي يُسِرُّ فيها بالقراءة أسرّ بالتعوّذ، فإن تعوّذ في التي يُجْهَر فيها بالقراءة فهل يجهر؟ فيه خلاف؛ من أصحابنا من قال: يُسرّ، وقال الجمهور: للشافعي في المسألة قولان: أحدهما يستوي الجهر والإِسرار، وهو نصُّه في الأم. والثاني يُسنّ الجهر وهو نصُّه في الإِملاء. ومنهم من قال فيه قولان: أحدهما: يجهر، (والثاني: يُسِرُّ، والصحيح من حيث الجملة أنه يُستحبُّ الجهرُ) (¬1)؛ صححه الشيخ أبو ¬

[103] أبو داود (764) و (775)، والترمذي (242)، وابن ماجه (807)، والنسائي في الكبرى والبيهقي. وحسّنه الحافظ ابن حجر وذكر له شواهد من حديث ابن مسعود وأبي أمامة الباهلي وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم. (¬1) ما بين القوسين سقط من النسخ المطبوعة، وأثبتها من "أ"

37 ـ باب القراءة بعد التعوذ

حامد الإِسفرايني إمام أصحابنا العراقيين وصاحبه المحاملي وغيرهما، وهو الذي كان يفعله أبو هريرة رضي الله عنه، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يُسِرّ، وهو الأصحّ عند جمهور أصحابنا، وهو المختار، والله أعلم. 37 ـ بابُ القراءةِ بعدَ التَّعوُّذ اعلم أن القراءة واجبة في الصلاة بالإِجماع مع النصوص المتظاهرة، ومذهبنا ومذهب الجمهور، أن قراءة الفاتحة واجبة لا يُجزىء غيرها لمن قدر عليها، للحديث الصحيحح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تُجْزِىءُ صَلاةٌ لا يُقْرأُ فِيها بِفاتِحَةِ الكِتابِ" رواه ابن خزيمة وأبو حاتم ابن حِبّان ـ بكسر الحاء ـ في صحيحيهما بالإِسناد الصحيح وحَكما بصحته. وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا صَلاَة إِلاَّ بِفَاتِحَة الكِتابِ" ويجب قراءة بسم الله الرحمن الرحيم، وهي آية كاملة من أوّل الفاتحة. وتجب قراءة الفاحة بجميع تشديداتها وهي أربع عشرة تشديدة: ثلاث في البسملة، والباقي بعدها، فإن أخلّ بتشديدة واحدة بطلت قراءته. ويجب أن يقرأها مرتبة متوالية، فإن ترك ترتيبها أو موالاتها لم تصحُّ قراءته، ويعذر في السكوت بقدر التنفس. ولو سجد المأموم مع الإِمام للتلاوة، أو سمع تأمين الإِمام فأمَّن لتأمينه، أو سأل الرحمة، أو استعاذ من النار لقراءة الإِمام ما يقتضي ذلك، والمأموم في أثناء الفاتحة لم تنقطع قراءته على أصحّ الوجهين لأنه معذور. [فصل]: فإن لحن في الفاتحة لحنًا يخلّ المعنى بطلت صلاته، وإن لم يخلّ المعنى صحّت قراءته، فالذي يخلّه مثل أن يقول: أنعمت، بضم التاء أو كسرها، أو يقول: إياك نعبد، بكسر الكاف، والذي لا يخلّ مثل أن يقول: ربّ العالمين، بضم الباء أو فتحها، أو يقول نستعين، بفتح النون

الثانية أو كسرها، ولو قال: ولا الضّالّين بالظاء بطلت صلاته على أرجح الوجهين إلا أن يعجزَ عن الضاد بعد التعلم فيُعذر. [فصل]: فإن لم يُحسن الفاتحة قرأ بقدرها من غيرها، فإن لم يُحسن شيئًا من القرآن أتى من الأذكار كالتسبيح والتهليل ونحوهما بقدر آيات الفاتحة، فإن لم يحسن شيئًا من الأذكار وضاق الوقتُ عن التعلّم وقف بقدر القراءة ثم يركع وتُجزئه صلاتُه إن لم يكن فرّط في التعلم، فإن كان فرّط في التعلم وجبت الإِعادة؛ وعلى كلّ تقدير متى تمكَّن من التعلم وجب عليه تعلّم الفاتحة، أما إذا كان يُحسنُ الفاتحة بالعجمية ولا يُحسنها بالعربية لا يجوز له قراءتها بالعجمية بل هو عاجز، فيأتي بالبدل على ما ذكرناه. [فصل]: ثم بعد الفاتحة يقرأ سورة أو بعض سورة، وذلك سنّة لو تركه صحَّتْ صلاتُه ولا يسجد للسهو، وسواء كانت الصلاة فريضة أو نافلة، ولا يستحبّ قراءة السورة في صلاة الجنازة على أصحّ الوجهين، لأنها مبنية على التخفيف، ثم هو بالخيار إن شاء قرأ سورة، وإن شاء قرأ بعض سورة، والسورة القصيرة أفضلُ من قدرها من الطويلة. ويستحبّ أن يقرأ السورة على ترتيب المصحف، فيقرأ في الثانية سورة بعد السورة الأولى، وتكون تليها، فلو خالف هذا جاز. والسنّة أن تكون السورة بعد الفاتحة، فلو قرأها قبل الفاتحة لم تحسب له قراءة السورة. واعلم أن ما ذكرناه من استحباب السورة هو للإِمام والمنفرد وللمأموم فيما يسرّ به الإِمام، أما ما يجهر به الإِمام فلا يزيد المأموم فيه على الفاتحة إن سمع قراءة الإِمام، فإن لم يسمعها أو سمع همهمة لا يفهمها استحبّت له السورة على الأصحّ بحيث لا يشوِّشُ على غيره. [فصل]: والسنَةَ أن تكونَ السورة في الصبح والظهر من طوال

المفصل، وفي العصر والعشاء من أوساط المفصل، وفي المغرب من قصار المفصل، فإن كان إمامًا خفَّف عن ذلك إلا أن يعلم أن المأمومين يُؤثرون التطويل. والسنّة أن يقرأ في الركعة الأولى من صلاة الصبح يوم الجمعة سورة ـ آلم تنزيل ـ السجدة، وفي الثانية: هل أتى على الإِنسان، ويقرأهما بكمالهما؛ وأما ما يفعله بعض الناس من الاقتصار على بعضهما فخلاف السنّة. والسنّة أن يقرأ في صلاة العيد والاستسقاء في الركعة الأولى بعد الفاتحة: ق، وفي الثانية: اقتربت الساعة؛ وإن شاء قرأ في الأولى: سبّح اسم ربك الأعلى، وفي الثانية: هل أتاك حديث الغاشية، فكلاهما سنّة؛ والسنة أن يقرأ في الأولى من صلاة الجمعة: سورة الجمعة، وفي الثانية المنافقون، وإن شاء في الأولى: سبّح، وفي الثانية: هل أتاك، فكلاهما سنّة، وليحذر الاقتصار على بعض السورة في هذه المواضع، فإن أراد التخفيف أدرج قراءته من غير هذرمة. والسنّة أن يقرأ في ركعتي سنّة الفجر في الأولى بعد الفاتحة: {قولوا آمنّا بالله وما أنزل إلينا}، وفي الثانية: {قل يا أهل الكتاب تعالى إلى كلمة سواء} الآية، وإن شاء في الأولى: {قل يا أيها الكافرون} وفي الثانية: {قل هو الله أحد} فكلاهما صحّ في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله، ويقرأ في ركعتي سنّة المغرب وركعتي الطواف والاستخارة في الأولى: {قل يا أيها الكافرون} وفي الثانية: {قل هو الله أحد}. وأما الوتر فإذا أوتر بثلاث ركعات قرأ في الأولى بعد الفاتحة: {سبّح اسم ربك} وفي الثانية: {قل يا أيها الكافرون} وفي الثالثة: {قل هو الله أحد} مع المعوّذتين، وكل هذا الذي ذكرناه جاءت به أحاديث في الصحيح وغيره مشهورة استغنينا بشُهرتها عن ذكرها، والله أعلم. [فصل]: لو تركَ سورة الجمعة في الركعة الأولى من صلاة الجمعة

قرأ في الثانية سورة الجمعة مع سورة المنافقين، وكذا صلاةُ العيد والاستسقاء والوتر وسنّة الفجر وغيرها مما ذكرناه مما هو في معناه، إذا ترك في الأولى ما هو مسنون أتى في الثانية بالأوّل والثاني، لئلا تخلو صلاته من هاتين السورتين، ولو قرأ في صلاة الجمعة في الأولى: سورة المنافقين، قرأ في الثانية: سورة الجمعة، ولا يُعيد المنافقين، وقد استقصيتُ دلائلَ هذا في شرح المهذّب. [فصل]: ثبتَ في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطوِّل في الركعة الأولى من الصبح وغيرها ما لا يطوّل في الثانية، فذهب أكثر أصحابنا إلى تأويل هذا، وقال: لا يطوّل الأولى على الثانية؛ وذهب المحققون منهم إلى استحباب تطويل الأولى لهذا الحديث الصحيح، واتفقوا على أن الثالثة والرابعة يكونان (سواء على أنهما) (¬1) أقصرُ من الأولى والثانية، والأصحّ أنه لا تستحبّ السورة فيهما، فإن قلنا باستحبابها فالأصحّ أن الثالثة كالرابعة، وقيل بتطويلها عليها. [فصل]: أجمع العلماء على الجهر بالقراءة في صلاة الصبح والأوليين من المغرب والعشاء. وعلى الإِسرار في الظهر والعصر والثالثة من المغرب، والثالثة والرابعة من العشاء، وعلى الجهر في صلاة الجمعة والعيدين والتراويح والوتر عقبها، وهذا مستحبّ للإِمام والمنفرد فيما ينفرد به منها؛ وأما المأموم فلا يجهر في شيء من هذا بالإِجماع؛ ويسنّ الجهر في صلاة كسوف القمر والإِسرار في صلاة كسوف الشمس، ويجهر في صلاة الاستسقاء، ويُسرّ في الجنازة إذا صلاّها في النهار، وكذا إذا صلاّها بالليل على الصحيح المختار، ولا يجهر في نوافل النهار غير ما ذكرناه من العيد والاستسقاء. ¬

(¬1) زيادة من "د" ص 17

واختلف أصحابنا في نوافل الليل فقيل لا يجهر، وقيل يجهر. والثالث وهو الأصح ـ وبه قطع القاضي حسين والبغوي ـ يقرأ بين الجهر والإِسرار، ولو فاتته صلاة بالليل فقضاها في النهار، أو بالنهار فقضاها بالليل فهل يعتبر في الجهر والإِسرار وقت الفوات أم وقت القضاء؟ فيه وجهان: أظهرهما يعتبر وقت القضاء. وقيل: يُسِرُّ مطلقًا. واعلم أن الجهر في مواضعه والإِسرار في مواضعه سنّة ليس بواجب، فلو جهر موضع الإِسرار، أو أسرّ موضع الجهر فصلاته صحيحة، ولكنه ارتكب المكروه كراهة تنزيه ولا يسجد للسهو؛ وقد قدّمنا أن الإِسرار في القراءة والأذكار المشروعة في الصلاة لابدّ فيه من أن يسمع نفسه، فإن لم يسمعها من غير عارض لم تصحّ قراءته ولا ذكره. [فصل]: قال أصحابنا: يستحبّ للإِمام في الصلاة الجهرية أن يسكت أربع سكتات: إحداهنّ عقيب تكبيرة الإِحرام، ليأتي بدعاء الاستفتاح، والثانية بعد فراغه من الفاتحة سكتة لطيفة جدًا بين آخر الفاتحة وبين آمين، ليعلم أن آمين ليست من الفاتحة، والثالثة بعد آمين سكتة طويلة بحيث يقرأ المأموم الفاتحة، والرابعة بعد الفراغ من السورة يفصل بها بين القراءة وتكبيرة الهوي إلى الركوع. [فصل]: فإذا فرغ من الفاتحة اسْتُحِبَّ له أن يقول آمين، والأحاديث الصحيحة كثيرة مشهورة في كثرة فضله (¬1) وعظيم أجره، وهذا التأمين مستحبّ لكل قارىء، سواء كان في الصلاة أم خارجًا منها؛ وفيه أربع ¬

(¬1) منها ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما، عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذَا أمَّن الإِمامُ فأمِّنوا، فإن الملائكة تؤمِّنُ، فمن وافق تأمينُه تأميَ الملائكة غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه"

لغات: أصحهنّ (¬1) وأشهرهنّ "آمين" بالمدّ والتخفيف، والثانية بالقصر والتخفيف، والثالثة بالإِمالة، والرابعة بالمدّ والتشديد. فالأوليان مشهورتان، والثالثة والرابعة حكاهما الواحدي في أوّل البسيط، والمختار الأولى، وقد بسطت القول في بيان هذه اللغات وشرحها وبيان معناها ودلائلها وما يتعلق بها في كتاب "تهذيب الأسماء واللغات" (¬2). ويستحبّ التأمين في الصلاة للإِمام والمأموم والمنفرد، ويجهر به الإمام والمنفرد في الصلاة الجهرية، والصحيح أيضًا أن المأموم يجهر به، سواء كان الجمع قليلًا أو كثيرًا. ويستحبّ أَنْ يكون تأمين المأموم مع تأمين الإِمام، لا قبله ولا بعده، وليس في الصلاة موضع يستحب أن يقترن فيه قول المأموم بقول الإِمام إلا في قوله: آمين، وأما باقي الأقوال فيتأخر قول المأموم. [فصل]: يسنّ لكل مَن قرأ في الصلاة أو غيرها إذا مرّ بآية رحمة أن يسأل الله تعالى من فضله، وإذا مرّ بآية عذاب أن يستعيذ به من النار أو من العذاب أو من الشرّ أو من المكروه، أو يقول: اللهمّ إني أسألك العافية أو نحو ذلك؛ وإذا مرّ بآية تنزيه لله سبحانه وتعالى نزَّهَ فقال: سبحانه وتعالى، أو: تبارك الله ربّ العالمين، أو: جلَّت عظمة ربنا، أو نحو ذلك. [1/ 104] روينا عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: صَلَّيْتُ مع النبيّ صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المئة، ثم مضى فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح آل ¬

[104] مسلم (772)، وأبو داود (871) و (874)، والنسائي 2/ 176 و 3/ 225، ومعنى "مترسلًا": مرتلًا، مبينًا الحروف، يعطي كل حرف حقه. والصلاةُ التي صلاَّها حذيفةُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت صلاة التهجّد. (¬1) في هامش"أ": "أفصحنَّ" (¬2) انظر كتاب "تهذيب الأسماء واللغات"3/ 12ـ13

38 ـ باب أذكار الركوع

عمران فقرأها، ثم افتتح النساء فقرأها، يقرأ مترسّلًا إذا مرّ بآية فيها تسبيح سبَّحَ، وإذا مرّ بسؤال سأل، وإذا مرّ بتعوّذ تعوّذ". رواه مسلم في صحيحه. قال أصحابنا: يستحبّ هذا التسبيح والسؤال والاستعاذة للقارىء في الصلاة وغيرها وللإِمام والمأموم والمنفرد، لأنه دعاء فاستووا فيه كالتأمين. ويستحبّ لكل من قرأ: {ألَيْسَ اللَّهُ بأحْكَمِ الحاكِمِينَ} [التين:8] أن يقول: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين؛ وإذا قرأ: {أَلَيْسَ ذلكَ بِقادِرٍ على أنْ يُحْيِيَ المَوْتَى} [القيامة:40] قال: بلى أشهد؛ وإذا قرأ: {فَبِأيّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يؤْمِنُونَ} [الأعراف:185] قال: آمنت بالله؛ وإذا قرأ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى} [الأعلى:1] قال: سبحان ربي الأعلى، ويقول هذا كله في الصلاة وغيرها، وقد بينت أدلته في كتاب "التبيان في آداب حملة القرآن". 38 ـ بابُ أذكار الركوع قد تظاهرت الأخبارُ الصحيحةُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يُكَبِّر للركوع وهو سنّة، ولو تركه كان مكروهًا كراهة تنزيه، ولا تبطلُ صلاتُه ولا يسجدُ للسهو، وكذلك جميع التكبيرات التي في الصلاة هذا حكمها إلا تكبيرة الإِحرام، فإنها ركن لا تنعقد الصلاة إلا بها؛ وقد قدّمنا عَدَّ تكبيرات الصلاة في أوّل أبواب الدخول في الصلاة. وعن الإِمام أحمد رواية: أن جميع هذه التكبيرات واجبة. وهل يستحبّ مدُّ هذا التكبير؟ فيه قولان للشافعي رحمه الله: أصحُّهما وهو الجديد يستحبّ مدّه إلى أن يصل إلى حدّ الراكعين فيشتغل بتسبيح الركوع لئلا يخلو جزء من صلاته عن ذكر، بخلاف تكبيرة الإِحرام، فإن الصحيح استحباب ترك المدّ فيها، لأنه يحتاج إلى بسط النيّة عليها، فإذا مدّها شقّ

عليه، وإذا اختصرها سهل عليه، وهكذا حكم باقي التكبيرات، وقد تقدم إيضاحُ هذا في باب تكبيرة الإِحرام، والله أعلم. [فصل]: فإذا وصل إلى حدّ الراكعين اشتغل بأذكار الركوع فيقول: سُبْحَانَ رَبيَ العَظِيمِ، سُبْحانَ رَبيَ العَظِيمِ، سُبْحَانَ رَبيَ العَظِيمِ. [1/ 105] فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ركوعه الطويل الذي كان قريبًا من قراءة البقرة والنساء وآل عمران "سُبْحانَ رَبيَ العَظِيمِ" ومعناه: كرّر سبحان ربي العظيم فيه، كما جاء مبيِّنًا في سنن أبي داود وغيره. وجاء في كتب السنن أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إذَا قالَ أحَدُكُمْ سُبْحانَ رَبيَ العَظِيمِ ثَلاثًا فَقَدْ تَمَّ رُكُوعُهُ" (¬1). [2/ 106] وثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده: " سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنا وبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي" يتأوَّلُ القرآنَ. [3/ 107] وثبت في صحيح مسلم عن عليّ رضي الله عنه: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا ركع يقول: "اللهمَّ لكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، ولَكَ ¬

[105] مسلم (772)، وأبو داود (871)، والنسائي 3/ 226. [106] البخاري (794)، ومسلم (484)، وأبو داود (877)، والنسائي 2/ 219. ومعنى قولها: "يتأوّلُ القرآن": أن قوله صلى الله عليه وسلم: سبحان ربي وبحمده، من قوله تعالى: {فسبّح بحمد ربك}. [107] مسلم (771). (¬1) أبو داود (886)، والترمذي (261) وابن ماجه (890)، عن ابن مسعود، وقال الترمذي: ليس إسناده بمتصل، لأن عونًا لم يلق ابن مسعود

أسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي ومُخِّي وَعَظْمِي وَعَصبِي". وجاء في كتاب السنن "خَشَعَ سَمْعِي وَبَصَرِي ومُخِّي وَعَظْمِي، ومَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ قَدَمي لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ". [4/ 108] وثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده: "سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ المَلائِكَةِ والرُّوحِ" قال أهل اللغة: سبوح قدوس: بضم أولهما وفتحهِ أيضًا لغتان: أجودهما وأشهرهما وأكثرهما الضمُّ. [5/ 109] وروينا عن عوف بن مالك رضي الله عننه قال: قمتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام فقرأ سورة البقرة لا يمرّ بآية رحمة إلا وقف وسأل، ولا يمرّ بآية عذاب إلا وقف وتعوّذ، قال: ثم ركع بقدر قيامه، يقول في ركوعه: "سُبْحانَ ذِي الجَبَرُوتِ وَالمَلَكوتِ والكِبرِياءِ وَالعَظَمَةِ" ثم قال في سجوده مثل ذلك. هذا حديث صحيح رواه أبو داود والنسائي في سننهما، والترمذي في كتاب الشمائل بأسانيد صحيحة. [6/ 110] وروينا في صحيح مسلم، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فأمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ". واعلم أن هذا الحديث الأخير هو مقصودُ الفصل، وهو تعظيم الربّ سبحانه وتعالى في الركوع بأيّ لفظ كان، ولكن الأفضل أن يجمعَ بين هذه الأذكار كلها إن تمكن من ذلك بحيث لا يشقّ على غيره، ويقدم التسبيح منها، فإن أراد الاقتصارَ فيستحبُّ التسبيح، وأدنى الكمال منه ثلاث تسبيحات، ولو اقتصر على مرّة كان فاعلًا لأصل التسبيح. ويُستحبّ إذا ¬

[108] مسلم (487)، وأبو داود (872)، والنسائي 2/ 224. [109] أبو داود (873)، والنسائي 2/ 191، وإسناده حسن. [110] مسلم (479)، وأبو داود (876)، والنسائي 2/ 189.

39 ـ باب ما يقوله في رفع رأسه من الركوع وفي اعتداله

اقتصر على البعض أن يفعل في بعض الأوقات بعضها، وفي وقت آخر بعضًا آخر، وهكذا يفعل في الأوقات حتى يكون فاعلًا لجميعها، وكذا ينبغي أن يفعل في أذكار جميع الأبواب. واعلم أن الذكرَ في الركوع سنّةٌ عندنا وعند جماهير العلماء، فلو تركه عمدًا أو سهوًا لا تبطلُ صلاته ولا يأثمُ ولا يسجد للسهو. وذهب الإِمام أحمد بن حنبل وجماعة إلى أنه واجب، فينبغي للمصلي المحافظة عليه، للأحاديث الصريحة الصحيحة في الأمر به، كحديث: "أما الركوع فعظموا فيه الربّ" وغيره مما سبق، وليخرج عن خلاف العلماء رحمهم الله، والله أعلم. [فصل]: يُكره قراءة القرآن في الركوع والسجود، فإن قرأ غير الفاتحة لم تبطل صلاتُه، وكذا لو قرأ الفاتحة لا تبطل صلاته على الأصحّ، وقال بعض أصحابنا: تبطل. [7/ 111] روينا في صحيح مسلم عن عليٍّ رضي الله عنه قال: "نهاني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ راكعًا أو ساجدًا". [8/ 112] وروينا في صحيح مسلم أيضًا، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ألا وَإني نُهِيتُ أنْ أقْرأ القُرآنَ رَاكِعًا أوْ ساجِدًا". 39 ـ بابُ ما يقولُه في رفعِ رأسِه من الركوع وفي اعتدالِه السنّة أن يقول حال رفع رأسه: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ولو قال: من ¬

[111] مسلم (480)، وأبو داود (4044) و (4045) و (4046)، والنسائي 2/ 188ـ189. [112] مسلم (480) رقم حديث الباب (212).

حمد الله سمع له، جاز، نصَّ عليه الشافعي في الأمّ، فإذا استوى قائمًا قالَ: رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ حمْدًا طَيِّبًا مُبارَكًا فِيهِ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الأرْضِ وَمِلْءَ ما بَيْنَهُما وَمِلْءَ ما شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أهْلَ الثَّناءِ والمَجْدِ، أحَقُّ ما قَالَ العَبْدُ، وكلنا لَكَ عَبْدٌ، لا مانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدّ مِنْكَ الجَدُّ. [1/ 113] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" حين يرفع صلبه من الركوع، ثم يقول وهو قائم: "رَبَّنا لَكَ الحَمْدُ" وفي روايات "ولَكَ الحَمْدُ" بالواو، وكلاهما حسن. وروينا مثله في الصحيحين عن جماعة من الصحابة. [2/ 114] وروينا في صحيح مسلم، عن عليٍّ، وابن أبي أوفى رضي الله عنهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه (¬1) قال: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنا لكَ الحَمْدُ مِلْءَ السَّمَواتِ وَمِلْءَ الأرْضِ وَمِلْءَ ما شِئْتَ منْ شَيْءٍ بَعْدُ". [3/ 115]ـ وروينا في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع قال: "اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ، وَمِلْءَ ما شِئْتَ منْ شَيْءٍ بَعْدُ، أهْلَ الثَّناءِ وَالمَجْدِ، أحَقُّ ما قالَ العَبْدُ وكُلُّنا لَكَ عَبْدٌ، اللَّهُمَّ لا مانِعَ لِمَا ¬

[113] البخاري (784)، ومسلم (392). [114] مسلم (476)، وأبو داود (846)، والترمذي (3541)، عن ابن أبي أوفى، ومسلم (771)، والترمذي (266)، عن علي بن أبي طالب. [115] مسلم (477)، وأبو داود (847)، والنسائي 2/ 198ـ199. (¬1) في هامش "أ": "وفي نسخة: كانَ إذا رَفعَ رأسَه من الركوع"

أعْطَيْتَ، وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلايَنْفَعُ ذَا الجَدّ مِنْكَ الجَدُّ". [4/ 116] وروينا في صحيح مسلم أيضًا، من رواية ابن عباس: "رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ مِلْءَ السَّمَواتِ وَمِلْءَ الأرْضِ وَما بَيْنَهُما، وَمِلْءَ ما شَئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ". [5/ 117] وروينا في صحيح البخاري، عن رفاعة بن رافع الزرقي رضي الله عنه قال: كنا يومًا نصلي وراء النبيّ صلى الله عليه وسلم، فلما رفع رأسه من الركعة قال: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" فقال رجل وراءه: "رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبارَكًا فِيهِ، فلما انصرف قال: "مَن المُتَكَلِّمُ؟ " قال: أنا، قال: "رأيتُ بِضْعَةً وثَلاثِينَ يَبْتَدِرُونَها أيُّهُمْ يَكْتُبُها أوَّلُ". [فصل]: اعلم أنه يُستحبّ أن يجمع بين هذه الأذكار كلها على ما قدّمناه في أذكار الركوع، فإن اقتصر على بعضها فليقتصرْ على "سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ملء السموات ومَلْء الأرض وما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد" فإن بالغَ في الاقتصار اقتصر على "سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد" فلا أقلّ من ذلك. واعلم أن هذه الأذكار كلها مستحبة للإِمام والمأموم والمنفرد، إلا أن الإِمام لا يأتي بجميعها إلا أن يعلم من حال المأمومين أنهم يُؤثرون التطويل. واعلم أن هذا الذكر سنّة ليس بواجب، فلو تركه كُرِهَ له كراهةَ تنزيه ولا يسجدُ للسهو، ويُكره قراءةُ القرآن في هذا الاعتدال كما يُكره في الركوع والسجود، والله أعلم. ¬

[116] مسلم (478)، والنسائي 2/ 198. [117] البخاري (799)، والموطأ 1/ 212، وأبو داود (770) و (773)، والترمذي (404)، والنسائي 2/ 196.

40 ـ باب أذكار السجود

40 ـ بابُ أَذْكَارِ السُّجودِ فإذا فرغ من أذكار الاعتدال كبَّرَ وهوى ساجدًا ومدّ التكبير إلى أن يضع جبهته على الأرض. وقد قدَّمنا حكمّ هذه التكبيرة وأنها سنّة لو تركها لم تبطلْ صلاتُه ولا يسجد للسهو، فإذا سجد أتى بأذكار السجود، وهي كثيرة: فمنها ما رويناه في صحيح مسلم من رواية حذيفة المتقدمة في الركوع في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، حين قرأ البقرة وآل عمران والنساء في الركعة الواحدة، لا يمرّ بآية رحمة إلا سأل، ولا بآية عذاب إلا استعاذ، قال: ثم سجد فقال: "سُبحان ربي الأعلى" فكان سجوده قريبًا من قيامه (¬1). [1/ 118] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: "سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنا وبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي". [2/ 119] وروينا في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها ما قدّمناه في الركوع: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه وسجوده: "سُبُّوحٌ قُدُّوس، رَبُّ المَلائِكَةِ والرُّوحِ". [3/ 120] وروينا في صحيح مسلم أيضًا عن عليّ رضي الله عنه: أن رسول الله كان إذا سجد قال: "اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، ولَكَ ¬

[118] البخاري (794)، ومسلم (484)، وانظر تخريجه برقم 2/ 106. [119] مسلم (487)، وانظر تخريجه برقم 4/ 108. [120] مسلم (771)، وأبو داود (760)، والترمذي (3417) و (3418) و (3419)، والنسائي 2/ 130. (¬1) مسلم (772)، وقد تقدم في باب أذكار الركوع برقم 1/ 105

أسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي للَّذي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تبارَكَ اللَّهُ أحْسَنُ الخالِقين". [4/ 121] وروينا في الحديث الصحيح في كتب السنن، عن عوف بن مالك ما قدّمناه في فصل الركوع: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعَ ركوعَه الطويل يقول فيه: "سُبْحانَ ذِي الجَبُروتِ والمَلَكُوتِ وَالكِبْرِياء والعظمة" ثم قال في سجوده مثل ذلك. [5/ 122] وروينا في كتب السنن أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "وَإذا سَجَدَ ـ أي أحدكم ـ فَلْيَقُلْ: سُبْحانَ رَبيَ الأعْلى ثلاثًا، وذلك أدْناهُ". [6/ 123] وروينا في صحيح مسلم، عن عائشة رضي الله عنها قالت: تفقدت النبيّ صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فتجسست، فإذا هو راكع أو ساجد يقول:" سُبْحَانَكَ وبِحَمْدِكَ لا إلهَ إِلاَّ أنْتَ"، وفي رواية في مسلم: فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول: "اللَّهُمَّ أعُوذُ بِرضَاكَ مِنْ سَخطِكَ، وبِمُعافاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكُ، وأعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لا أُحْصِي ثَناءً عَلَيْكَ، أنْتَ كمَا أثْنَيْتَ على نَفْسِكَ". [7/ 124] وروينا في صحيح مسلم، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فأمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ، وأمَّا السُّجُودُ فاجْتَهِدُوا في الدُّعاءِ فَقَمِنٌ أنْ يُسْتَجَابَ لَكُم". ¬

[121] أبو داود (873)، والنسائي 2/ 191، والترمذي في الشمائل، وقد تقدم برقم 5/ 109. [122] أبو داود (886)، والترمذي (261)، وابن ماجه (890) عن عبد الله بن مسعود، وقال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم، يستحبّون أن لا ينقص الرجل في الركوع والسجود من ثلاث تسبيحات. [123] مسلم (486)، والموطأ 1/ 214، وأبو داود (879)، والترمذي (3491)، والنسائي 2/ 225 و 223. [124] مسلم (479)، وأبو داود (876)، والنسائي 2/ 189.

يُقال: قمن بفتح الميم وكسرها، ويجوز في اللغة قمين، ومعناه: حقيق وجدير. [8/ 125] وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أقْرَبُ ما يَكُونُ العَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ ساجِدٌ، فأكْثِرُوا الدُّعاء". [9/ 126] وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة أيضًا، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي كُلَّهُ، دِقَّهُ وَجِلَّهُ وأوّلَهُ وآخِرَهُ وَعَلانِيَتَهُ وَسِرَّه". دِقه وجِلّه: بكسر أولهما، ومعناه: قليله وكثيره. واعلم أنه يستحبّ أن يجمع في سجوده جميع ما ذكرناه، فإن لم يتمكن منه في وقت أتى به في أوقات، كما قدّمناه في الأبواب السابقة، وإذا اقتصر يقتصر على التسبيح مع قليل من الدعاء، ويُقدِّمُ التسبيحَ، وحكمه ما ذكرناه في أذكار الركوع من كراهة قراءة القرآن فيه، وباقي الفروع. [فصل]: اختلف العلماء في السجود في الصلاة والقيام أيُّهما أفضل؟ فمذهب الشافعي ومن وافقه: القيام أفضل، لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم في الحديث في صحيح مسلم "أفْضَلُ الصَّلاةِ طُولُ القُنُوتِ" (¬1) " ومعناه القيام، ولأن ذكر القيام هو القرآن، وذكر السجود هو التسبيح، والقرآن أفضل، فكان ما طوّلَ به أفضل. وذهب بعض العلماء إلى أن السجود أفضل، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدّم: "أقْرَبُ ما يَكُونَ العَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ ¬

[125] مسلم (482). [126] مسلم (483)، وأبو داود (878). (¬1) مسلم (4)

ساجدٌ" (¬1). قال الإِمام أبو عيسى الترمذي في كتابه: اختلف أهل العلم في هذا، فقال بعضهم: طولُ القيام في الصلاة أفضل من كثرة الركوع والسجود. وقال بعضهم: كثرةُ الركوع والسجود أفضلُ من طول القيام. وقال أحمد بن حنبل: روي فيه حديثان عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولم يقضِ فيه أحمدُ بشيء. وقال إسحاق: أما بالنهار فكثرةُ الركوع والسجود، وأما بالليل فطولُ القيام، إلا أن يكون رجل له جزء بالليل يأتي عليه، فكثرة الركوع والسجود في هذا أحبُّ إليّ لأنه يأتي على حزبه، وقد ربح كثرة الركوع والسجود. قال الترمذي: وإنما قال إسحاق هذا لأنه وصفَ صلاة النبيّ صلى الله عليه وسلم بالليل ووصفَ طول القيام. وأما بالنهار فلم يُوصف من صلاته صلى الله عليه وسلم من طول القيام ما وُصف بالليل. [فصل]: إذا سجد للتلاوة استُحبّ أن يقول في سجوده ما ذكرناه في سجود الصلاة، ويستحبّ أن يقول معه: اللَّهُمَّ اجْعَلْها لي عِنْدَكَ ذُخْرًا، وأعْظِمْ لي بِهَا أجْرًا، وَضَعْ عَنِّي بِها وِزْرًا، وَتَقَبَّلْها مِنِّي كما تَقَبَّلْتَها مِنْ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ. ويُستَحبّ أن يقول أيضًا: {سُبْحانَ رَبِّنا إنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولًا} [الإِسراء: 108] نصَّ الشافعي على هذا الأخير. [10/ 127] روينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في سجود القرآن: "سَجَدَ وَجْهِي للَّذي خَلَقَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ". قال الترمذي: حديث صحيح، زاد الحاكم: " فَتَبارَكَ اللَّهُ أحْسَنُ الخالِقِينَ" قال: وهذه الزيادة صحيحة على شرط الصحيحين. وأما قوله "اللَّهمّ اجعلها لي عندك ¬

[127] أبو داود (1414)، والترمذي (580)، والنسائي 2/ 222، والحاكم في المستدرك 1/ 220 وصححه، ووافقه الذهبي. (¬1) مسلم (482)

41 ـ باب ما يقول في رفع رأسه من السجود وفي الجلوس بين السجدتين

ذخرًا .. الخ" فرواه الترمذي مرفوعًا من رواية ابن عباس رضي الله عنهما بإسناد حسن. وقال الحاكم: حديث صحيح. 41 ـ باب ما يقولُ في رفعِ رأسه من السجود وفي الجلوس بين السجدتين السنّة أن يُكَبِّرَ من حين يبتدىء بالرفع، ويمدّ التكبير إلى أن يستويَ جالسًا، وقد قدَّمنا بيانَ عدد التكبيرات، والخلاف في مدّها، والمدّ المبطل لها؛ فإذا فرغ من التكبير واستوى جالسًا، فالسنّة أن يدعو: [1/ 128] بما رويناه في سنن أبي داود والترمذي والنسائي والبيهقي وغيرها، عن حذيفة رضي الله عنه في حديثه المتقدم في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل، وقيامه الطويل بالبقرة والنساء وآل عمران، وركوعه نحو قيامه، وسجوده نحو ذلك، قال: وكان يقول بين السجدتين: "رَبّ اغْفِرْ لي، رَبّ اغْفِرْ لي"، وجلس بقدر سجوده. [2/ 129] وبما رويناه في سنن البيهقي، عن ابن عباس في حديث مبيته عند خالته ميمونة رضي الله عنها، وصلاة النبيّ صلى الله عليه وسلم في الليل فذكره قال: وكان إذا رفع رأسه من السجدة قال: "رَبّ اغْفِرْ لي وارْحَمْنِي واجْبُرْنِي وَارْفَعْنِي وَارْزُقْنِي وَاهْدِني" وفي رواية أبي داود "وَعَافِني" وإسناد حسن، والله أعلم. [فصل]: فإذا سجد السجدة الثانية قال فيه ما ذكرناه في الأولى ¬

[128] مسلم (772)، وأبو داود (871)، والنسائي 3/ 226، وانظره برقم 1/ 105. [129] سنن البيهقي 2/ 122. قال ابن علاّن: ورواه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم، وقد تقدم.

42 ـ باب أذكار الركعة الثانية

سواء، فإذا رفعَ رأسه منه رفع مكبّرًا وجلس للاستراحة جلسة لطيفة بحيث تسكنُ حركتُه سكونًا بيِّنًا، ثم يقوم في الركعة الثانية ويمدّ التكبيرة التي رفع بها من السجود إلى أن ينتصب قائمًا، ويكون المدّ بعد اللام من الله، هذا أصحّ الأوجه لأصحابنا، ولهم وجه أن يرفع بغير تكبير ويجلس للاستراحة فإذا نهض كبَّر؛ ووجه ثالث أن يرفع من السجود مكبّرًا، فإذا جلس قطع التكبير ثم يقومُ بغير تكبير. ولا خلاف أنه لا يأتي بتكبيرين في هذا الموضع، وإنما قال أصحابنا: الوجه الأوّل أصحّ لئلا يخلو جزء من الصلاة عن ذكر. واعلم أن جلسة الاستراحة سنّة صحيحة ثابتة في صحيح البخاري وغيره من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومذهبنا استحبابُها لهذه السنّة الصحيحة، ثم هي مستحبّة عقيب السجدة الثانية من كل ركعة يقوم عنها، ولا تستحبّ في سجود التلاوة في الصلاة (¬1)، والله أعلم. 42 ـ بابُ أذكارِ الرَّكْعةِ الثانية اعلم أن الأذكار التي ذكرناها في الركعة الأولى يفعلها كلَّهَا في الثانية على ما ذكرناه في الأولى من الفرض والنفل، وغير ذلك من الفروع المذكورة، إلا في أشياء: أحدُها: أن الركعة الأولى فيها تكبيرة الإِحرام وهي ركن، وليس كذلك الثانية فإنه لا يكبِّر في أوَّلها، وإنما التكبيرة التي قبلها للرفع من السجود مع أنها سنّة. الثاني: لا يُشرع دعاء الاستفتاح في الثانية بخلاف الأولى. الثالث: قدّمنا أنه يتعوّذ في الأولى بلا خلاف، وفي الثانية ¬

(¬1) في هامش "أ" وقد أوضحتُ هذا في "شرح المهذب" وفي "شرح البخاري" أيضًا، وليس مقصودي في هذا الكتاب إلا بيان الأذكار الخاصة. قلت: وشرح البخاري من الكتب التي بدأ النووي تأليفها، وتوفي قبل أن يتمها

43 ـ باب القنوت في الصبح

خلاف، الأصحُّ أنه يتعوذ. الرابع: المختار أن القراءة في الثانية تكون أقلّ من الأولى، وفيه الخلاف الذي قدَّمناه، والله أعلم. 43 ـ بابُ القُنوتِ في الصُّبح اعلم أن القنوتَ في صلاة الصبح سنّة للحديث الصحيح فيه: [1/ 130] عن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا. رواه الحاكم أبو عبد الله في كتاب الأربعين، وقال: حديث صحيح. واعلم أن القنوت مشروع عندنا في الصبح وهو سنّة متأكدة، لو تركه لم تبطل صلاته لكن يسجد للسهو سواء تركه عمدًا أو سهوًا. وأما غير الصبح من الصلوات الخمس فهل يقنت فيها؟ فيه ثلاثة أقوال للشافعي رحمه الله تعالى: الأصحُّ المشهورُ منها أنه إن نزل بالمسلمين نازلة قنتوا، وإلا فلا. والثاني: يقنتون مطلقًا. والثالث: لا يقنتو مطلقًا، والله أعلم. ويستحبُّ القنوت عندنا في النصف الأخير من شهر رمضان في الركعة الأخيرة من الوتر، ولنا وجه أن يقنت فيها في جميع شهر رمضان، ووجه ثالث في جميع السنة وهو مذهبُ أبي حنيفة، والمعروف من مذهبنا هو الأوّل، والله أعلم. [فصل]: اعلم أن محل القنوت عندنا في الصبح بعد الرفع من ¬

[130] الحاكم في المستدرك 1/ 225، قال ابن علاّن: قال النووي في الخلاصة: صحيح رواه جماعات من الحفّاظ وصححوه، وممّن نصّ على صحته الحافظ أبو عبد الله محمد بن علي البلخي، والحاكم في المستدرك، ومواضع من كتب البيهقي ورواه الدارقطني من طرق بأسانيد صحيحة. الفتوحات 2/ 286.

الركوع في الركعة الثانية. وقال مالك رحمه الله: يقنت قبل الركوع. قال أصحابنا: فلو قنت شافعي قبل الركوع لم يُحسبْ له على الأصحّ، ولنا وجه أن يحسب، وعلى الأصحّ يعيده بعد الركوع ويسجد للسهو، وقيل لا يسجد، وأما لفظه فالاختيار أن يقول فيه: [2/ 131] ما رويناه في الحديث الصحيح في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي وغيرها بالإِسناد الصحيح، عن الحسن بن عليّ رضي الله عنهما قال: علّمني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كلماتٍ أقولُهُنَّ في الوتر: "اللَّهُمَّ اهْدِني فِيمَنْ هَدَيْتَ، وعَافِني فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلّني فِيمَن تَوَلَّيْتَ، وبَارِكْ لِي فِيما أَعْطَيْتَ، وَقِني شَرَّ ما قَضَيْتَ، فإنَّكَ تَقْضِي وَلا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَإِنَّهُ لا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنا وَتَعالَيْتَ". قال الترمذي: هذا حديث حسن، قال: ولا نعرف عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في القنوت شيئًا أحسن من هذا. وفي رواية ذكرها البيهقي أن محمد بن الحنفية، وهو ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: إن هذا الدعاء هو الدعاء الذي كان أبي يدعو به في صلاة الفجر في قنوته. ويستحبُّ أن يقولَ عقيب هذا الدعاء: اللَّهُمَّ صَلّ على مُحَمَّدٍ وعلى آلِ مُحَمَّدٍ وَسَلِّم، فقد جاء في رواية النسائي في هذا الحديث بإسناد حسن (¬1) "وَصَلَى اللَّهُ على النَّبِيّ". قال أصحابنا: وإن قنت بما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ¬

[131] أبو داود (1425) و (1426)، والترمذي (464)، والنسائي 3/ 248، وابن ماجه (1178)، وقال الحافظ ابن حجر: الحديث حسن صحيح. (¬1) قال الحافظ ابن حجر: هذا الحديث أصله حسن، روي من طرق متعددة عن الحسن لكن هذه الزيادة في هذا السند غريبة لا تثبت، وإن سنده لا يخلو إما عن راوٍ مجهول أو انقطاع في السند ... فتبين أن هذا السند ليس من شرط الحسن لانقطاعه أو جهالة راويه، ولم ينجبر بمجيئه من وجه آخر. الفتوحات الربّانية 2/ 299

كان حسنًا، وهو أنه قنت في الصبح بعد الركوع فقال: " اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ وَلاَ نَكْفُرُكَ، وَنُؤْمِنُ بِكَ وَنَخْلَعُ مَنْ يَفْجُرُكَ، اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُد، ولَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُد، وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنحْفِدُ، نَرْجُو رَحْمَتَكَ وَنَخْشَى عَذَابَكَ، إنَّ عَذَابَكَ الجِدَّ بالكُفَّارِ مُلْحِقٌ. اللَّهُمَّ عَذّبِ الكَفَرَةَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ، ويُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ، وَيُقاتِلُونَ أوْلِيَاءَكَ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ للْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِناتِ والمُسْلِمِيَ والمُسْلِماتِ، وأصْلِح ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْعَلْ فِي قُلُوبِهِم الإِيمَانَ وَالحِكْمَةَ، وَثَبِّتْهُمْ على مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَوْزِعْهُمْ أنْ يُوفُوا بِعَهْدِكَ الَّذي عاهَدْتَهُمْ عَلَيْهِ، وَانْصُرْهُمْ على عَدُّوَكَ وَعَدُوِّهِمْ إِلهَ الحَقّ وَاجْعَلْنا مِنْهُمْ (¬1) واعلم أن المنقول عن عمر رضي الله عنه: عذِّب الكفرة أهل الكتاب؛ لأن قتالهم ذلك الزمان كان مع كفرة أهل الكتاب؛ وأما اليوم فالاختيار أن يقول: "عذّب الكفرة" فإنه أعمّ. وقوله نخلع: أي: نترك، وقوله يفجر: أي: يلحد في صفاتك، وقوله نحفِد بكسر الفاء: أي: نُسارع، وقوله الجِدّ بكسر الجيم: أي: الحق، وقوله مُلْحِق بكسر الحاء على المشهور ويقال بفتحها، ذكره ابن قتيبة وغيره، وقوله: ذات بينهم، أي: أمورهم ومواصلاتهم، وقوله الحكمة: هي كل ما منع من القبيح، وقوله وأوزعهم: أي: ألهمهم، وقوله واجعلنا منهم: أي: ممّن هذه صفته. قال أصحابنا: يستحبّ الجمع بين قنوت عمر وما سبق، فإن جمع بينهما فالأصحّ تأخير قنوت عمر، وإن اقتصر فليقتصر على الأوّل، وإنما يُستحبّ الجمع بينهما إذا كان منفردًا أو إمامَ محصورين يرضون بالتطويل، والله أعلم. ¬

(¬1) سنن البيهقي 2/ 210 - 211 (باب دعاء القنوت) وهو موقوف صحيح موصول.

واعلم أن القنوت لا يتعين فيه دعاء على المذهب المختار، فأيّ دعاء دعا به حصل القنوت ولو قَنَتَ بآيةٍ أو آياتٍ من القرآن العزيز وهي مشتملة على الدعاء حصل القنوت، ولكن الأفضل ما جاءت به السنّة. وقد ذهب جماعة من أصحابنا إلى أنه يتعين ولا يجزىء غيره. واعلم أنه يستحبّ إذا كان المصلِّي إمامًا أن يقول: اللَّهمّ اهدِنا بلفظ الجمع وكذلك الباقي، ولو قال اهدني حصل القنوت وكان مكروهًا، لأنه يكره للإِمام تخصيص نفسه بالدعاء. [3/ 132] وروينا في سنن أبي داود والترمذي، عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَؤُمَّنَّ عَبْدٌ قَوْمًا فَيَخُصَّ نَفْسَهُ بِدَعْوَةٍ دُونَهُمْ، فإنْ فَعَلَ فَقَدْ خانَهُمْ" قال الترمذي: حديث حسن. [فصل]: اختلف أصحابنا في رفع اليدين في دعاء القنوت ومسح الوجه بهما على ثلاثة أوجه: أصحّها أنه يستحبّ رفعهما ولا يمسح الوجه. والثاني: يرفع ويمسحه. والثالث: لا يمسحُ ولا يرفع. واتفقوا على أنه لا يمسح غير الوجه من الصدر ونحوه، بل قالوا: ذلك مكروه. وأما الجهر بالقنوت والإِسرار به فقال أصحابنا: إن كان المصلي منفردًا أسرّ به، وإن كان إمامًا جهر على المذهب الصحيح المختار الذي ذهب إليه الأكثرون. والثاني أنه يسرّ كسائر الدعوات في الصلاة. وأما المأموم فإن لم يجهر الإِمام قنت سرًّا كسائر الدعوات، فإنه يوافق فيها الإمام سرًّا. وإن جهر الإِمام بالقنوت فإن كان المأموم يسمعه أمَّن على دعائه وشاركه في الثناء في آخره، وإن كان لا يسمعه قنت سرًّا، وقيل ¬

[132] أبو داود (90)، والترمذي (357)، ورواه أحمد في المسند 5/ 250 و 260 و 261 من حديث أبي أمامة. وإسناده حسن.

44 ـ باب التشهد في الصلاة

يؤمِّن، وقيل له أن يشاركه مع سماعه، والمختار الأوّل. وأما غير الصبح إذا قنت فيها حيث نقول به، فإن كانت جهريّة وهي المغرب والعشاء فهي كالصبح على ما تقدّم، وإن كانت ظهرًا أو عصرًا فقيل يُسرّ فيها بالقنوت، وقيل إنها كالصبح. والحديث الصحيح في قنوت رسول الله صلى الله عليه وسلم على الذين قتلوا القرَّاء ببئر معونة يقتضي ظاهرُه الجهرَ بالقنوت في جميع الصلوات، ففي صحيح البخاري في باب تفسير قول الله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128] عن أبي هريرة: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم جَهَرَ بالقنوت في قنوت النازلة (¬1). 44 ـ بابُ التشهّدِ في الصَّلاة اعلم أن الصلاة إن كانت ركعتين فحسب كالصبح والنوافل فليس فيها إلا تشهّدٌ واحد، وإن كانت ثلاث ركعات أو أربعًا ففيها تشهّدان: أوّل، وثاننٍ. ويتصوّر في حقّ المسبوق ثلاثة تشهّدات، ويتصور في حقه في صلاة المغرب أربعة تشهّدات، مثل أن يُدركَ الإِمام بعد الركوع في الثانية فيتابعه في التشهّد الأوّل والثاني ولم يحصل له من الصلاة إلا ركعة، فإذا سلَّم الإِمام قام المسبوق ليأتي بالركعتين الباقيتين عليه، فيصلي ركعة ويتشهّد عقبها لأنها ثانيته، ثم يصلِّي الثالثة ويتشهد عقيبها. أما إذا صلَّى نافلة فنوى أكثر من أربع ركعات ولو نوى (¬2) مئة ركعة، فالاختيار أن يقتصر فيها على تشهّدين، فيصلِّي ما نواه إلا ركعتين ويتشهد، ثم يأتي بالركعتين ويتشهد التشهد الثاني ويسلِّم. قال جماعة من أصحابنا: لا يجوز أن يزيد على تشهدين، ولا يجوز أن يكون بين التشهد الأوّل والثاني أكثر من ¬

(¬1) البخاري (4560) (¬2) كذا في "أ" وفي بقية النسخ: "بأن نوى"

ركعتين، ويجوز أن يكون بينهما ركعة واحدة، فإن زاد على تشهدين أو كان بينهما أكثر من ركعتين بطلت صلاته. وقال آخرون: يجوز أن يتشهد في كل ركعة، والأصحّ جوازه في كل ركعتين لا في كل ركعة، والله أعلم. واعلم أن التشهد الأخير واجب عند الشافعي وأحمد وأكثر العلماء، وسنّة عند أبي حنيفة ومالك؛ وأما التشهد الأوّل فسنّة عند الشافعي ومالك وأبي حنيفة والأكثرين، وواجب عند أحمد؛ فلو تركه عند الشافعي صحَّت صلاته، ولكن يسجد للسهو سواء تركه عمدًا أو سهوًا، والله أعلم. [فصل]: وأما لفظ التشهد فثبت فيه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ثلاث تشهدات. [1/ 133] أحدها رواية ابن مسعود رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّباتُ، السَّلامُ عَلَيْكَ أيُّهَا النَّبيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلام عَلَيْنا وعلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحين، أشْهَدُ أن لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ" رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما. [2/ 134] الثاني رواية ابن عباس رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التَّحِيَّاتُ المُبارَكاتُ الصَّلَواتُ الطَّيِّباتُ لِلَّهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ أيُّهَا النَّبيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنا وعلى عِبادِ الله الصَّالِحينَ، أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ" رواه مسلم في صحيحه. [3/ 135] الثالث في رواية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن ¬

[133] البخاري (831)، ومسلم (402)، وأبو داود (968)، و (969)، والترمذي (289)، والنسائي 2/ 237. [134] مسلم (403)، وأبو داود (974)، والترمذي (290)، والنسائي 2/ 242ـ243. [135] مسلم (404)، وأبو داود (972)، والنسائي 2/ 242.

رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التَّحِيَّاتُ الطَّيِّباتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ أيُّهَا النَّبيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنا وَعلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالحِينَ، أشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه وأنَّ محَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ" رواه مسلم في صحيحه. [4/ 136] وروينا في سنن البيهقي بإسناد جيد، عن القاسم قال: علمتني عائشةُ رضي الله عنها قالت: هذا تشهُّدُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّباتُ، السَّلامُ عَلَيْكَ أيُّهَا النَّبيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحين، أشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُه". وفي هذا فائدة حسنة، وهي أن تشهُّدَه صلى الله عليه وسلم بلفظ تشهُّدُّنا. [5/ 137] وروينا في موطأ مالك وسنن البيهقي وغيرهما بالأسانيد الصحيحة، عن عبد الرحمن بن عمر القاريِّ ـ وهو بتشديد الياء ـ أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو على المنبر وهو يعلِّم الناس التشهد يقول: قولوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، الزَّاكِياتُ لِلَّهِ، الطَّيِّباتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ أيُّهَا النَّبيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنا وَعَلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحينَ، أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللَّهُ، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ. [6/ 138] وروينا في الموطأ وسنن البيهقي وغيرهما أيضًا بإسناد ¬

[136] سنن البيهقي 2/ 144، قال الحافظ ابن حجر: في سنده محمد بن صالح بن دينار، وهو مختلف فيه، فوثّقه أحمد وأبو داود وغيرهما، وقال أبو حاتم الرازي: ليس بقوي. وكذلك ليّنه الدارقطني، وأما ابنه صالح فلم أجد له ذكرًا بجرح ولا تعديل .. فهو في درجة المستور .. فلم أعرف مستند الشيخ ـ أي النووي ـ في وصف هذا الإِسناد بالجودة، وقد قال البيهقي بعد تخريجه: الصحيح عن عائشة موقوفًا. فأشار إلى شذوذ الزيادة، والعلم عند الله. الفتوحات الربانية 2/ 327. [137] الموطأ 1/ 90، وسنن البيهقي 2/ 142، وإسناده صحيح. [138] الموطأ 1/ 91، وسنن البيهقي 2/ 142، ورواه الشافعي والحاكم، وإسناده صحيح. الفتوحات الربانية 2/ 328.

صحيح عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول إذا تشهَّدتْ: التَّحِيَّاتُ الطَّيِّباتُ الصَّلَوَاتُ الزَّاكِياتُ لِلَّهِ، أشْهَدُ أن لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، السَّلامُ عَلَيكَ أيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَركاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنا وَعلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ" وفي رواية عنها في هذه الكتب: "التَّحِيَّاتُ الصَّلَوَاتُ الطَيِّباتُ الزَّاكِياتُ لِلَّهِ، أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، السَّلامُ عَلَيْكَ أيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنا وَعلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ". [7/ 139] وروينا في الموطأ وسنن البيهقي أيضًا بالإِسناد الصحيح، عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يتشهد فيقول: بِاسْمِ اللَّهِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ الزَّاكِيات لِلَّهِ، السَّلامُ على النَّبِيّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ، السَّلامُ عَلَيْنا وَعلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، شَهِدْتُ أنْ لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ، شَهِدْتُ أنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. والله أعلم. فهذه أنواع من التشهد. قال البيهقي: والثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أحاديث: حديث ابن مسعود، وابن عباس، وأبي موسى. هذا كلام البيهقي. وقال غيره: الثلاثة صحيحة وأصحّها حديث ابن مسعود. واعلم أنه يجوز التشهّد بأيّ تشهّد شاء من هذه المذكورات، هكذا نصّ عليه إمامنا الشافعي وغيره من العلماء رضي الله عنهم. وأفضلُها عند الشافعي حديث ابن عباس للزيادة التي فيه من لفظ المباركات. قال الشافعي وغيره من العلماء رحمهم الله: ولكون الأمر فيها على السعة والتخيير اختلفت ألفاظ الرواة، والله أعلم. [فصل]: الاختيار أن يأتي بتشهد من الثلاثة الأُول بكماله، فلو حذفَ ¬

[139] الموطأ 1/ 91، وسنن البيهقي 2/ 142، وقال الحافظ: هذا موقوف صحيح.

بعضَه فهل يجزئه؟ فيه تفصيل، فاعلم أن لفظ المباركات والصلوات والطيبات والزاكيات سنّة ليس بشرط في التشهّد، فلو حذفها كلَّها واقتصر على قوله التحيات للَّه السلام عليك أيُّها النبيّ إلى آخره أجزأه. وهذا لا خلاف فيه عندنا. وأما في الألفاظ من قوله: السلام عليك أيُّها النبيُّ، إلى آخره فواجب لا يجوز حذف شيء منه إلا لفظ ورحمة الله وبركاته، ففيهما ثلاثة أوجه لأصحابنا. أصحها لا يجوز حذف واحدة منهما، وهذا هو الذي يقتضيه الدليل لاتفاق الأحاديث عليهما. والثاني يجوز حذفهما. والثالث يجوز حذف وبركاته دون ورحمة الله. وقال أبو العباس بن سُريْج من أصحابنا: يجوز أن يقتصر على قوله: التحيات للَّه، سلام عليك أيّها النبيّ، سلام على عباد الله الصالحين، أشهدُ أنْ لا إله إلاّ اللَّه وأنَّ محمدًا رسول الله. وأما لفظ السلام فأكثر الروايات: السلام عليك أيُّها النبيّ، وكذا السلام علينا بالألف واللام فيهما، وفي بعض الروايات: سلام بحذفهما فيهما. قال أصحابنا: كلاهما جائز، ولكن الأفضل: السلام بالألف واللام لكونه الأكثر، ولما فيه من الزيادة والاحتياط. أما التسمية قبل التحيات فقد روينا حديثًا مرفوعًا في سنن النسائي والبيهقي وغيرهما بإثباتها، وتقدم إثباتها في تشهّد ابن عمر، لكن قال البخاري والنسائي وغيرهما من أئمة الحديث: إن زيادة التسمية غير صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلهذا قال جمهور أصحابنا: لا يُستحبّ التسمية، وقال بعض أصحابنا: يستحبّ، والمختار أنه لا يأتي بها، لأن جمهور الصحابة الذين رووا التشهّد لم يرووها. [فصل]: اعلم أن الترتيب في التشهد مستحبٌّ ليس بواجب، فلو قدم بعضه على بعض جاز على المذهب الصحيح المختار الذي قاله الجمهور، ونصَّ عليه الشافعي رحمه الله في الأم. وقيل لا يجوز كألفاظ

45 ـ باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد

الفاتحة، ويدلّ للجواز تقديم السلام على لفظ الشهادة في بعض الروايات، وتأخيره في بعضها كما قدّمناه. وأما الفاتحة فألفاظها وترتيبها معجز فلا يجوز تغييره، ولا يجوز التشهّد بالعجمية لمن قدر على العربية، ومن لم يقدر يتشهد بلسانه ويتعلم كما ذكرنا في تكبيرة الإِحرام. [فصل]: السنّة في التشهد الإِسرار لإِجماع المسلمين على ذلك، ويدلُّ عليه من الحديث: [8/ 140] ما رويناه في سنن أبي داود والترمذي والبيهقي عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: من السنّة أن يخفي التشهد. قال الترمذي: حديث حسن. وقال الحاكم: صحيح. وإذا قال الصحابي من السنّة كذا كان بمعنى قوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا هو المذهب الصحيح المختار الذي عليه جمهور العلماء من الفقهاء والمحدّثين وأصحاب الأصول والمتكلمين رحمهم الله؛ فلو جهر به كره ولم تبطل صلاته ولا يسجد للسهو. 45 ـ بابُ الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد التشهّد اعلم أن الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم واجبة عند الشافعي رحمه الله بعد التشهّد الأخير، فلو تركها فيه لم تصحّ صلاته، ولا تجب الصلاة على آل النبيّ صلى الله عليه وسلم فيه على المذهب الصحيح المشهور، لكن تستحبُّ. وقال بعض أصحابنا: تجب. والأفضل أن يقول: " اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ النَّبِيّ الأُمِّي وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ وَأزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِه، كما صَلَّيْتَ على ¬

[140] أبو داود (986)، والترمذي (291)، والبيهقي 2/ 146 وهو عند الحاكم 1/ 230، وصححه، ووافقه الذهبي.

46 ـ باب الدعاء بعد التشهد الأخير

إِبْرَاهِيمَ وَعلى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبارِكْ على مُحَمَّدٍ النَّبِيّ الأُمِّيّ وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ وَأزْوَاجِهِ وَذُرّيَّتِهِ، كما بارَكْتَ على إِبْرَاهِيمَ وَعَلى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ". وروينا هذه الكيفية في صحيح البخاري ومسلم (¬1)، عن كعب بن عُجْرَة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعضها، فهو صحيح من رواية غير كعب. وسيأتي تفصيله في كتاب الصلاة على محمد صلَّى الله عليه وآله وسلم إن شاء الله تعالى والله أعلم. والواجب منه: اللَّهمّ صلِّ على النبي، وإن شاء قال: صلى الله على محمد، وإن شاء قال: صلى الله على رسوله، أو صلى الله على النبي. ولنا وجه أنه لا يجوز إلا قوله: اللَّهم صلِّ على محمد. ولنا وجه أنه يجوز أن يقول: وصلى الله على أحمد. ووجه أنه يقول: صلَّى الله عليه، والله أعلم. وأما التشهدُ الأول فلا تجب فيه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بلا خلاف، وهل تستحبّ؟ فيه قولان: أصحُّهما تستحبُّ، ولا تستحبُّ الصلاة على الآل على الصحيح، وقيل تستحبُّ، ولا يُستحبّ الدعاء في التشهّد الأول عندنا، بل قال أصحابنا يُكره لأنه مبني على التخفيف، بخلاف التشهد الأخير، والله أعلم. 46 ـ بابُ الدُّعَاء بعدَ التشهّدِ الأخير اعلم أنَّ الدعاء بعد التشهّد الأخير مشروعٌ بلا خلاف. [1/ 141] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عبد الله بن ¬

[141] البخاري (831)، ومسلم (402)، وتقدم برقم 1/ 133. (¬1) البخاري (6357)، ومسلم (406)، وأبو داود (976)، والترمذي (483)، والنسائي 3/ 47

مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم علّمهم التشهّد ثم قال في آخره: "ثُمَّ يُخَيّرُ منَ الدُّعَاءِ" وفي رواية البخاري: "أعْجَبَهُ إلَيْهِ فَيَدْعُو" وفي روايات لمسلم "ثُمَّ ليَتَخَيَّرْ مِنَ المَسْأَلَةِ ما شاءَ". واعلم أن هذا الدعاء مستحبٌّ ليس بواجب، ويستحبُّ تطويلُه، إلا أن يكون إمامًا؛ وله أن يدعوَ بما شاء من أمور الآخرة والدنيا، وله أن يدعوَ بالدعوات المأثورة، وله أن يدعو بدعوات يخترعها والمأثورة أفضل. ثم المأثورة منها ما ورد في هذا الموطن، ومنها ما ورد في غيره، وأفضلُها هنا ما ورد هنا. وثبت في هذا الموضع أدعية كثيرة منها: [2/ 142] ما رويناه في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا فَرَغَ أحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّدِ الأخِيرِ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ أرْبَعٍ: مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالمَماتِ، وَمِنْ شَرّ المَسِيحِ الدَّجَّالِ" رواه مسلم من طرق كثيرة. وفي رواية منها: "إِذَا تَشَهَّدَ أحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِني أعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيا والمَماتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَة المَسِيحِ الدَّجَّالِ". [3/ 143] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عائشة رضي الله عنها: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة: "اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَسيحِ الدَّجَّال، وأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيا ¬

[142] البخاري (1377)، ومسلم (588)، وأبو داود (983)، والنسائي 3/ 58. [143] البخاري (832)، ومسلم (589)، وأبو داود (880)، والنسائي 3/ 56.

والمَماتِ، اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ من المأثمِ والمَغْرَمِ". [4/ 144] وروينا في صحيح مسلم، عن عليّ رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يكون من آخر ما يقول بين التشهّد والتسليم: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وَمَا أخَّرْتُ، وَمَا أسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أسْرَفْتُ وَمَا أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أنْتَ المُقَدِّمُ وأنْتَ المُؤَخِّرُ لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ". [5/ 145] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم: أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علّمني دعاءً أدعو به في صلاتي، قال: "قُلِ اللَّهُمَّ إني ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، فاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحمْنِي إنَّك أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيم" هكذا ضبطناه "ظُلْمًا كَثِيرًا" بالثاء المثلثة في معظم الروايات، وفي بعض روايات مسلم "كَبِيرًا" بالباء الموحدة، وكلاهما حسن، فينبغي أن يُجمع بينهما فيُقال: "ظُلْمًا كَثِيرًا كَبِيرًا" وقد احتجّ البخاري في صحيحه والبيهقيّ وغيرهما من الأئمة بهذا الحديث للدعاء في آخر الصلاة وهو استدلال صحيح، فإن قوله في صلاتي يعمّ جميعها، ومن مظانّ الدعاء في الصلاة هذا الموطن. [6/ 146] وروينا بإسناد صحيح في سنن أبي داود، عن أبي صالح ذكوان، عن بعض أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم لرجل: "كَيْفَ تَقُولُ فِي الصَّلاةِ؟ " قال: أتشهَّد وأقول: اللَّهُمَّ إني أسألُكَ الجَنَّةَ، وأعُوذُ ¬

[144] مسلم (771)، والترمذي (3417) و (3418) و (3419). [145] البخاري (834)، ومسلم (2705)، والترمذي (3521)، والنسائي 3/ 53. [146] أبو داود (792) و (793)، وابن ماجه (910) وقال في الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات. وهو في مسند أحمد 3/ 474.

47 ـ باب السلام للتحلل من الصلاة

بِكَ مِنَ النَّارِ، أما إني لا أحسنُ دَنْدَنَتَكَ وَلا دَنْدَنَةَ معاذ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "حَوْلَهَا دَنْدِنْ". الدندنة: كلام لا يُفهم معناه، ومعنى "حولها دَنْدِنْ" أي حول الجنة والنار، أو حول مسألتهما: إحداهما سؤال طلب، والثانية سؤال استعاذة، والله أعلم. ومما يستحبُّ الدعاء به في كل موطن: اللَّهمّ إني أسألُك العفوَ والعافية، اللَّهمّ إني أسألُك الهدى والتقى والعفافَ والغنى، والله أعلم. 47 ـ بابُ السَّلام لِلتحلُّل من الصَّلاة اعلم أن السلام للتحلّل من الصلاة ركنٌ من أركانها وفرضٌ من فروضها لا تصحُّ إلا به، هذا مذهب الشافعي ومالك وأحمد وجماهيرِ السلف والخلف، والأحاديثُ الصحيحةُ المشهورة مُصرّحة بذلك. واعلم أن الأكمل في السلام أن يقول عن يمينه "السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ" وَعَنْ يَسارِهِ "السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ" ولا يُستحبّ أن يقول معه: وبركاته، لأنه خلاف المشهور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان قد جاء في رواية لأبي داود. وقد ذكره جماعة من أصحابنا منهم إمام الحرمين وزاهر السرخسي والرويّاني في الحلية، ولكنه شاذ، والمشهور ما قدّمناه، والله أعلم. وسواء كان المصلّي إمامًا أو مأمومًا أو منفردًا في جماعة قليلة أو كثيرة في فريضة أو نافلة ففي كل ذلك يُسلِّم تسليمتين كما ذكرنا ويلتفتُ بهما إلى الجانبين، والواجب تسليمة واحدة، وأما الثانية فسنّة لو تركها لم يضرّه؛ ثم الواجب من لفظ السلام أن يقول: السلام عليكم، ولو قال:

48 ـ باب ما يقوله الرجل إذا كلمه إنسان وهو في الصلاة

سلام عليكم لم يجزئه على الأصح. ولو قال: عليكم السلام أجزأه على الأصح، فلو قال: السلام عليك أو سلامي عليك، أو سلامي عليكم، أو سلام الله عليكم، أو سلامُ عليكم بغير تنوين، أو قال: السلام عليهم، لم يجزئه شيء من هذا بلا خلاف، وتبطل صلاته إن قاله عامدًا عالمًا في كل ذلك، إلا في قوله: السلام عليهم، فإنه لا تبطل صلاته به لأنه دعاء، وإن كان ساهيًا لم تبطل ولا يحصلُ التحلّل من الصلاة، بل يحتاج إلى استئناف سلام صحيح، ولو اقتصر الإِمام على تسليمة واحدة أتى المأموم بالتسليمتين. قال القاضي أبو الطيب الطبري من أصحابنا وغيره: إذا سلَّم الإِمام فالمأموم بالخيار إن شاء سلَّم في الحال، وإن شاء استدام الجلوس للدعاء وأطال ما شاء، والله أعلم. 48 ـ بابُ ما يقولُه الرجلُ إذا كلَّمه إنسانٌ وهو في الصَّلاة [1/ 147] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلاتِهِ فَلْيَقُلْ: سُبْحانَ اللَّهِ" وفي رواية في الصحيح: " إِذَا نَابَكُمْ أمْرٌ فَلْيُسَبِّحِ الرِّجالُ، ولْتُصَفِّقِ (¬1) النِّساءُ" وفي رواية: "التَّسْبِيحُ للرّجالِ وَالتَّصْفِيقُ للنِّساءِ". ¬

[147] البخاري (684)، ومسلم (421)، والموطأ 1/ 163ـ164، وأبو داود (940) و (941)، و (942)، والنسائي 2/ 77ـ78. (¬1) في "ب": "وليُصَفِّحِ النساء" والتصفيح والتصفيق بمعنى واحد

49 ـ باب الأذكار بعد الصلاة

49 ـ بابُ الأذكارِ بعدَ الصَّلاة أجمع العلماءُ على استحباب الذكر بعد الصلاة، وجاءت فيه أحاديث كثيرة صحيحة في أنواع منه متعدّدة، فنذكرُ أطرافًا من أهمها: [1/ 148] روينا في كتاب الترمذي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أيّ الدعاء أسمع؟ قال: "جَوْفُ اللَّيْلِ الآخِر، وَدُبُرُ الصَّلَوَاتِ المَكْتوبات" قال الترمذي: حديث حسن. [2/ 149] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنتُ أعرفُ انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير. وفي رواية مسلم "كنّا" وفي رواية في صحيحيهما عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رفعَ الصوت بالذكر حين ينصرفُ النَّاسُ من المكتوبة كانَ على عهدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عباس: كنتُ أعلمُ إذا انصرفوا، بذلك، إذا سمعتُه. [3/ 150] وروينا في صحيح مسلم عن ثوبان رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثًا وقال: اللَّهُمَّ أنْتَ السَّلامُ وَمِنْكَ السَّلامُ، تَبارَكْتَ يا ذَا الجَلالِ وَالإِكْرامِ" قيل للأوزاعي وهو أحد رواة الحديث: كيف الاستغفار؟ قال: اسْتَغْفِرُ اللَّهَ، أسْتَغْفِرُ اللَّهَ. ¬

[148] الترمذي (3494)، والنسائي (108) في "اليوم والليلة" وقال الترمذي: حديث حسن غريب، وقال الحافظ: وفيما قاله نظر، لأن له عللًا، منها الانقطاع بين ابن سابط وأبي أمامة، ومنها عنعنة ابن جريج عن ابن سابط، ومنها الشذوذ. ثم ذكر الحافظ للشق الأول من الحديث شاهدًا صحيحًا فانظر. الفتوحات الربانية 3/ 30. [149] البخاري (841)، ومسلم (583). [150] مسلم (591)، وأبو داود (1513)، والترمذي (300)، والنسائي 3/ 68.

[4/ 151] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من الصلاة وسلّم قال: "لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ؛ اللَّهُمَّ لا مانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ". [5/ 152] وروينا في صحيح مسلم، عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أنه كان يقول دُبُرَ كلّ صلاة حين يسلم: "لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَة كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لا حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بالله، لا إِلهَ إِلاَّ الله وَلاَ نَعْبُدُ إِلاَّ إيَّاهُ، لَهُ النِّعْمَةُ ولَهُ الفَضْلُ، وَلَهُ الثَّناءُ الحَسَنُ، لا إلهَ إِلاَّ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الكافِرُونَ" قال ابن الزبير: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلّل بهنّ دُبُرَ كُلِّ صلاة. [6/ 153] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ذهبَ أهل الدُّثُور بالدرجات العُلى والنعيم المقيم، يُصَلُّون كما نُصلِّي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموال يحجّون بها ويعتمرون ويجاهدون ويتصدّقون، فقال: "ألا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ، وَلاَ يَكُونُ أحَدٌ أفْضَلَ مِنْكُمْ إِلاَّ مَنْ صَنَع مِثْلَ ما صَنَعْتُمْ؟ قالوا: بلى يارسول الله! قال: تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلّ صَلاةٍ ثَلاثًا وَثَلاثينَ". ¬

[151] البخاري (844)، ومسلم (593)، وأبو داود (1505)، والنسائي 3/ 70 في المجتبى، و (129)، في "اليوم والليلة. [152] مسلم (594)، وأبو داود (1506) و (1507)، والنسائي 3/ 75 في المجتبى، و (127) في "اليوم والليلة". [153] البخاري (843)، ومسلم (595)، والموطأ 1/ 209، وأبو داود (1504).

قال أبو صالح الراوي عن أبي هريرة لما سئل عن كيفية ذكره؟ يقول: سبحان اللَّه والحمدُ للَّه واللَّه أكبر، حتى يكون منهنّ كلُّهن ثلاث وثلاثون. الدثور: جمع دَثْر بفتح الدال وإسكان الثاء المثلثة، وهو المال الكثير. [7/ 154] وروينا في صحيح مسلم، عن كعب بن عُجْرَة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مُعَقِّباتٌ لاَ يَخِيبُ قائِلُهُنَّ أوْ فاعِلُهُنَّ دُبُرَ كُلّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ: ثَلاثًا وَثَلاثِينَ تَسْبِيحَةً، وَثَلاثًا وَثَلاثِينَ تَحْمِيدَةً، وأرْبعًا وَثَلاثِينَ تَكْبِيرةً". [8/ 155] وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ في دُبُرِ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلاثًا وَثَلاثينَ، وكَبَّرَ اللَّهَ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، وَقالَ تَمامَ المئة: لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، غُفِرَتْ خَطاياهُ وَإنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ". [9/ 156] وروينا في صحيح البخاري في أوائل كتاب الجهاد، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوّذ دُبُرَ الصلاة بهؤلاء الكلمات: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ، وَأعُوذُ بِكَ أنْ أُرَدَّ إلى أَرْذَلِ العمُرِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ فتْنَةِ الدُّنْيا، وأعُوذُ بِكَ منْ عَذَابِ القَبْرِ". ¬

[154] مسلم (596)، والترمذي (3409)، والنسائي 3/ 75 في المجتبى، و (155) و (156) في "اليوم والليلة". [155] مسلم (595)، وانظر تخريجه كاملًا برقم 6/ 153. [156] البخاري (6374)، والترمذي (3562)، والنسائي 8/ 266 في المجتبى، و (131) و (132) في "اليوم والليلة"، وفي البخاري زيادة "وأعوذُ بك من البخل".

[10/ 157] وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "خَصْلَتانِ أوْ خَلَّتانِ لا يُحافِظُ عَلَيْهِمَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ إلاَّ دَخَلَ الجَنَّةَ، هُمَا يَسِيرٌ، وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا قَلِيلٌ: يُسَبِّحُ اللَّهُ تَعالى دُبُرَ كُلّ صَلاةٍ عَشْرًا، وَيَحْمَدُ عَشْرًا، ويُكَبِّر عَشْرًا، فَذَلِكَ خَمْسُونَ ومِئَةٌ باللِّسانِ، وألْفٌ وخَمْسُمِئَةٍ في المِيزَاِ. وَيُكَبِّرُ أرْبَعًا وَثَلاثِينَ إذَا أخَذَ مَضْجَعَهُ وَيحْمَدُ ثَلاثًا وَثَلاثينَ، وَيُسَبِّحُ ثَلاثًا وَثَلاثينَ، فَذَلكَ مِئَةٌ باللِّسانِ، وألفٌ بالميزَانِ". قال: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقدها بيده، قالوا: يارسول الله! كيف هما يسير، ومن يعمل بهما قليل؟ قال: "يأتِي أحَدَكُمْ ـ يعني الشيطان ـ في مَنامِهِ فَيُنَوِّمُهُ قَبْلَ أنْ يَقُولَهُ، ويأتِيهِ في صَلاتِهِ فَيُذَكِّرَهُ حاجَةً قَبْلَ أنْ يَقُولَهَا" إسناده صحيح، إلا أن فيه عطاء بن السائب وفيه اختلاف بسبب اختلاطه، وقد أشار أيوبُ السختياني إلى صحة حديثه هذا. [11/ 158] وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وغيرهم، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوّذتين دُبُرَ كل صلاة. وفي رواية أبي داود "بالمعوّذات" فينبغي أن يقرأ: قل هو الله أحد، وقل أعوذ بربّ الفلق، وقل أعوذ بربّ الناس. [12/ 159] وروينا بإسناد صحيح في سنن أبي داود والنسائي، عن ¬

[157] أبو داود (5065)، والترمذي (3407)، والنسائي 3/ 74. وقد صحه الحافظ، وبيّن أن سماع هذا الحديث من عطاء حصل قبل اختلاطه. انظر الفتوحات الربانية 1/ 51. [158] أبو داود (1532)، والترمذي (2905)، والنسائي 3/ 68، ورواه أحمد وابن حبّان والحاكم وابن السني، والحديث صحيح كما قال الحافظ. الفتوحات 3/ 53. [159] أبو داود (1522)، والنسائي 3/ 53 في المجتبى، و (109) في "اليوم والليلة" ورواه الحاكم 1/ 273، وأحمد وإسحاق في مسنديهما، والطبراني في الدعاء، وابن حبّان في موضعين من صحيحه. والحديث صحيح كما قال الحافظ. الفتوحات 3/ 55.

معاذ رضي الله عنه: أن رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وقال: "يا مُعَاذُ! وَاللَّهِ إِنّي لأُحِبُّكَ، فَقالَ: أُوصِيكَ يا مُعاذُ! لا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلّ صَلاةٍ تَقُولُ: اللَّهُمَّ أعِنِّي على ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبادَتِكَ". [13/ 160] وروينا في كتاب ابن السنيّ، عن أنس رضي الله عنه قال: كانَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا قَضى صلاتَه مسحَ جبهتَه بيده اليمنى، ثم قال: "أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، اللَّهُمَّ أذْهِبْ عَنِّي الهَمَّ والحزنَ". [14/ 161] وروينا فيه عن أبي أُمامة رضى الله عنه قال: ما دنوتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم في دُبُر مكتوبة ولا تطوُّع إلا سمعتُه يقول: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ذُنُوبي وَخَطايايَ كُلَّها، اللَّهُمَّ انْعِشْنِي واجْبُرْنِي وَاهْدِنِي لِصَالِح الأعْمالِ وَالأخْلاقِ، إنَّهُ لاَ يَهْدِي لِصَالِحها وَلاَ يَصْرِفُ سَيِّئَها إِلاَّ أَنْتَ". [15/ 162] وروينا فيه عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا فرغ من صلاته ـ لا أدري قبل أن يسلِّم أو بعد أن يسلِّم ـ يقول: "سُبْحانَ ربِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ على المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ العَالَمِينَ". [16/ 162] م وروينا فيه عن أَنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا انصرف من الصلاة: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ عُمُرِي آخِرَهُ، وَخَيْرَ عَمَلِي خَواتِمَهُ، وَاجْعَلْ خَيْرَ أَيَّامي يَوْمَ ألْقاكَ". ¬

[160] ابن السني (110) وفيه "نشهد"؛ وإسناده ضعيف جدًا، فيه زيد العمي ضعيف، وسلاَّم الطويل المدائني أشد ضعفًا. [161] ابن السني (114) وإسناده ضعيف. [162] ابن السني (117) وإسناده ضعيف. (162 م) ابن السني (119) وإسناده ضعيف.

50 ـ باب الحث على ذكر الله تعالى بعد صلاة الصبح

[17/ 163] وروينا فيه عن أبي بكرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دُبر الصلاة: "اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنَ الكُفْرِ وَالفَقْرِ وَعَذَابِ القَبْرِ". [18/ 164] وروينا فيه بإسناد ضعيف عن فضالة بن عبيد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا صَلَّى أحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ تَعالى وَالثَّناء عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّي على النَّبيّ صلى الله عليه وسلم ثُمْ ليَدْعُو بِمَا شَاءَ". 50 ـ بابُ الحثِّ على ذكرِ اللَّه تعالى بعدَ صَلاةِ الصُّبح اعلم أن أشرفَ أوقات الذكر في النهار، الذكرُ بعد صلاة الصبح. [1/ 165] روينا عن أنس رضي الله عنه في كتاب الترمذي وغيره قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى الفَجْرِ في جَماعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعالى حتَّى تَطْلُعَ الشَمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كانَتْ كأجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تامَّةٍ تامةٍ تامةٍ" قال الترمذي: حديث حسن. ¬

[163] ابن السني (109)، وقال الحافظ بعد تخريجه: حديث حسن أخرجه أحمد والنسائي وابن أبي شيبة، وأخرجه ابن السني عن النسائي بإسناده، وعجيب للشيخ ـ أي النووي ـ في اقتصاره على ابن السني، والحديث في أحد السنن المشهورة. الفتوحات 3/ 60ـ61. [164] ابن السني (111) وسنده ضعيف لوجود ابن لهيعة فيه، أما متنه فصحيح؛ قال الحافظ هذا حديث صحيح أخرجه أحمد وإسحاق في مسنديهما، وأبو داود والترمذي وابن خزيمة وابن حبّان والحاكم .. الفتوحات 3/ 62. [165] الترمذي (586) وهو حديث غريب كما قال الحافظ ابن حجر، ولكنه يعتضد بشواهده. انظر الفتوحات الربانية 13/ 64.

[2/ 166] وروينا في كتاب الترمذي وغيره، عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قالَ فِي دُبُرِ صَلاةِ الصُّبْحِ وَهُوَ ثانٍ رِجْلَيهِ قَبْلَ أنْ يَتَكَلَّمَ: لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ يُحْيي وَيُمِيتُ وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ مرَّاتٍ كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَناتٍ، ومُحِيَ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئاتٍ، وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجاتٍ، وكانَ يَوْمَهُ ذلكَ فِي حِرْزٍ مِنْ كُلّ مَكْرُوهٍ وَحُرِسَ مِنَ الشَّيْطانِ ولَمْ يَنْبَغِ لِذَنْبٍ أنْ يُدْرِكَهُ في ذلكَ اليَوْمِ إِلاَّ الشِّرْكَ باللَّهِ تَعالى". قال الترمذي: هذا حديث حسن، وفي بعض النسخ: صحيح. [3/ 167] وروينا في سنن أبي داود، عن مسلم بن الحارث التميمي الصحابي رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أسرّ إليه فقال: إذَا انْصَرَفْتَ مِنْ صَلاةِ المَغْرِبِ فَقُلِ: اللَّهُمَّ أجِرْنِي مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، فإنَّكَ إذَا قُلْتَ ذلكَ ثُمَّ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ كُتِبَ لَكَ جِوَارٌ مِنْها، وإذَا صَلَّيْتَ الصُّبْحَ فَقُلْ كذَلِكَ، فإنَّكَ إنْ مُتَّ مِنْ يَوْمِكَ كُتِبَ لَكَ جِوَارٌ مِنْها". [4/ 168] وروينا في مسند الإِمام أحمد وسنن ابن ماجه وكتاب ابن السنيّ، عن أُمّ سلمة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح قال: "اللَّهُمَّ إني أسألُكَ عِلْمًا نافِعًا، وعَمَلًا مُتَقَبَّلًا، وَرِزْقًا طَيِّبًا". ¬

[166] الترمذي (3470)، وقال: حديث حسن صحيح غريب، وحسنه الحافظ ابن حجر لشواهده. [167] أبو داود (5079) و (5080)، والنسائي في الكبرى، وابن حبّان في صحيحه، وقد حسنّه الحافظ ابن حجر. [168] المسند 6/ 294، وابن ماجه (925)، وابن السني (108)، والنسائي (102) في "اليوم والليلة" ورجاله ثقات لولا جهالة مولى أُمّ سلمة. قال البوصيري في الزوائد: ولم أرَ أحدًا ممّن صنّف في المبهمات ذكره، ولا أدري ما حاله. وقد حسن الحافظ ابن حجر الحديث لشواهده.

51 ـ باب ما يقال عند الصباح وعند المساء

[5/ 169] وروينا فيه، عن صُهيب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحرّك شفتيه بعد صلاة الفجر بشيء، فقلت: يارسول الله! ما هذا الذي تقول؟ قال: "اللَّهُمَّ بِكَ أُحاوِلُ، وَبِكَ أُصَاوِلُ، وَبِكَ أُقاتِلُ" والأحاديث بمعنى ما ذكرته كثيرة، وسيأتي في الباب الآتي من بيان الأذكار التي تقال في أوّل النهار ما تقرّ به العيون إن شاء الله تعالى. وروينا عن أبي محمد البغوي في شرح السنّة قال: قال علقمة بن قيس: بلغنا أن الأرض تعجّ إلى الله تعالى من نومة العالِم بعد صلاة الصبح (¬1). والله أعلم. 51 ـ بابُ ما يُقال عند الصَّباحِ وعندَ المساءِ اعلم أن هذا البابَ واسعٌ جدًا ليس في الكتاب بابٌ أوسعَ منه، وأنا أذكرُ إن شاء الله تعالى فيه جملًا من مختصراته، فمن وُفِّق للعمل بكلّها فهي نعمة وفضل من الله تعالى عليه وطوبى له، ومن عجز عن جميعها فليقتصرْ من مختصراتها على ما شاء ولو كان ذكرًا واحدًا. والأصلُ في هذا الباب من القرآن العزيز قولُ الله سبحانه وتعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها} [طه:130] وقال تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بالْعَشِيّ والإِبْكارِ} [غافر:55] وقال تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ بالغُدُوّ والآصَالِ} [الأعراف:205] قال أهل اللغة: الآصال جمع أصيل: وهو ما بين العصر والمغرب. وقال تعالى: {وَلاتَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالْغَدَاةِ ¬

[169] ابن السني (115) وهو حديث حسن بشواهده. انظر الفتوحات 3/ 71. (¬1) شرح السنّة للبغوي، وإسناده منقطع

وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام:52] قال أهل اللغة: العشيّ: ما بين زوال الشمس وغروبها. وقال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أذِنَ اللَّهُ أنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيها اسْمُهُ، يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بالْغُدُوّ والآصَالِ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور:36] الآية. وقال تعالى: {إنَّا سَخَّرْنا الجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بالْعَشِيّ وَالإِشْرَاقِ} [ص:18]. [1/ 170] وروينا في صحيح البخاري عن شدّاد بن أوس رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "سَيِّدُ الاسْتِغْفَارِ: اللَّهُمَّ أنْتَ رَبِّي لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ خَلَقْتَنِي وأنا عَبْدُكَ، وأنا على عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأبُوءُ بِذَنبي، فاغْفِرْ لي فإنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ ما صَنَعْتُ. إذا قال ذلك حين يُمسي فمات دخل الجنة، أو كان من أهل الجنة، وإذا قال حين يُصبح فمات من يومه، مثله"معنى أبوء: أقرُّ وأعترف. [2/ 171] وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قالَ حِينَ يُصْبحُ وَحِينَ يُمْسِي: سُبْحانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ مِئَةَ مَرَّةٍ لَمْ يأْتِ أحَدٌ يَوْمَ القِيامَةِ بأفْضَلَ مِمَّا جاءَ بِهِ إِلاَّ أحَدٌ قالَ مثْلَ ما قالَ أوْ زَادَ عَلَيْهِ" وفي رواية أبي داود "سُبْحانَ اللَّهِ العَظيمِ وبِحَمْدِهِ". [3/ 172] وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وغيرهما بالأسانيد الصحيحة، عن عبد الله بن خُبيب ـ بضم الخاء المعجمة ـ رضي الله عنه قال: خرجنا في ليلة مطر وظلمة شديدة نطلب النبيّ صلى الله عليه وسلم ليصلي لنا ¬

[170] البخاري (6306)، والترمذي (3390)، والنسائي 8/ 279. [171] مسلم (2691)، وأبو داود (5091)، وهو في البخاري (6405). [172] الترمذي (3570)، وأبو داود (5082)، والنسائي في الكبرى، وهو حديث حسن.

فأدركناه فقال: "قُلْ، فلم أقل شيئًا، ثم قال: قُلْ، فلم أقل شيئًا، ثم قال: قُلْ، فقلت: يارسول الله! ما أقول؟ قال: قُلْ هُوَ اللَّهُ أحَدٌ وَالمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَحِينَ تُصْبِحُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلّ شَيْءٍ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. [4/ 173] وروينا في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه وغيرها بالأسانيد الصحيحة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا أصبح: "اللَّهُمَّ بِكَ أصْبَحْنا، وَبِكَ أمْسَيْنا، وَبِكَ نَحْيا، وَبِكَ نَمُوتُ وَإِلَيْكَ النُّشُورُ؛ وإذا أمسى قال: اللَّهُمَّ بِكَ أمْسَيْنا، وَبِكَ نَحْيا، وَبِكَ نَمُوتُ وَإِلَيْكَ النُّشُورُ" قال الترمذي: حديث حسن. [5/ 174] وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا كان في سفر أو سحر يقول: "سَمَّعَ سامِعٌ بِحَمْدِ اللَّهِ وَحُسْنِ بَلائِهِ عَلَيْنا، رَبَّنا صَاحِبْنا، وأفْضِلْ عَلَيْنا، عائِذًا باللَّهِ منَ النَّارِ" قال القاضي عياض وصاحب المطالع وغيرهما: سمَّعَ بفتح الميم المشدّدة، ومعناه: بلّغ سامع قولي هذا لغيره، تنبيهًا على الذكر في السحَر والدعاء في ذلك الوقت، وضبطه الخطابي وغيره سَمِعَ بكسر الميم المخففة؛ قال الإِمام أبو سليمان الخطابي: سَمِعَ سامِعٌ معناه: شهدَ شاهدٌ. وحقيقته: ليسمعِ السامعُ وليشهد الشاهدُ حَمْدنا الله تعالى على نعمته وحسن بلائه. [6/ 175] وروينا في صحيح مسلم، عن عبد الله بن مسعود رضي الله ¬

[173] الترمذي (3388)، وأبو داود (5068)، وابن ماجه (3869)، وقال الحافظ: إنه حديث صحيح غريب، والنسائي في اليوم والليلة (8). [174] مسلم (2718)، وأبو داود (5086)، والنسائي (536) في "اليوم والليلة" والحاكم في المستدرك 1/ 446، و"عائذًا": منصوب على الحال. [175] مسلم (2723)، وأبو داود (5071)، والترمذي (3387)، والنسائي (23) في "اليوم والليلة".

عنه قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال: "أمْسَيْنا وأمْسَى المُلْكُ لِلَّهِ، والحَمْدُ لِلَّهِ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ" قال الراوي: أراه قال فيهنٌ: "لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ على كُلَّ شَيْءٍ قَديرٌ، رَبّ أسألُكَ خَيْرَ ما فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَخَيْرَ مَا بَعْدَها وأعُوذ بِكَ مِنْ شَرّ ما في هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَشَرّ مَا بَعْدَهَا، رَبّ أَعُوذُ بِكَ مِنَ الكَسَل وَالهَرَمِ وَسُوءِ الكِبَرِ، أعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابٍ في النَّارِ وَعَذَابٍ في القَبْرِ، وَإذَا أصْبَحَ قالَ ذلكَ أيْضًا: أصْبَحْنا وأصْبَحَ المُلْكُ لِلَّهِ". [7/ 176] وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله! ما لقيتُ من عقرب لدغتني البارحة؟ قال: "أما لَوْ قُلْتَ حِينَ أمْسَيْتَ: أعُوذُ بِكَلِماتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرّ ما خَلَقَ لَمْ تَضُرَّكَ" ذكره مسلم متصلًا بحديث لخولة بنت حكيم رضي الله عنها وهكذا. ورويناه في كتاب ابن السني، وقال فيه: "أعُوذُ بِكَلِماتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرّ ما خَلَقَ ثَلاثًا لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ". [8/ 177] وروينا بالإِسناد الصحيح في سنن أبي داود والترمذي، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: يارسول الله! مُرْني بكلمات أقولهنّ إذا أصبحتُ وإذا أمسيت، قال: "قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ، عالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ، أشْهَدُ أن لا إلهَ إِلاَّ أنْتَ، أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ نَفْسِي وَشَرِّ الشَّيْطانِ وَشِرْكِهِ. قالَ: قُلْها ¬

[176] مسلم (2709)، وابن السني (49) من طريق النسائي، وقال الحافظ: هذا حديث صحيح. نتائج الأفكار ـ لوحة (168). [177] الترمذي (3389)، وأبو داود (5067)، وأفاد الحافظ أنه حديث صحيح. أخرجه النسائي في اليوم والليلة (11) وأحمد، والبخاري في الأدب المفرد، الفتوحات 3/ 96.

إذَا أصْبَحْتَ وَإذَا أمْسَيْتَ وَإذَا أخَذْتَ مَضْجَعَكَ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. [9/ 178] وروينا نحوه في سنن أبي داود من رواية أبي مالك الأشعري رضي الله عنهم أنهم قالوا: يارسول الله! علِّمنا كلمة نقولها إذا أصبحنا وإذا أمسينا واضطجعنا، فذكره، وزاد فيه بعد قوله: وَشِرْكِهِ "وأنْ نَقْتَرِفَ سُوءًا عَلى أنْفُسِنا أوْ نَجُرَّهُ إلى مُسْلِمٍ" قوله صلى الله عليه وسلم "وشركه" روي على وجهين: أظهرهما وأشهرهما بكسر الشين مع إسكان الراء من الإِشراك: أي ما يدعو إليه ويوسوس به من الإِشراك بالله تعالى، والثاني شَرَكه بفتح الشين والراء: حبائله ومصايده، واحدها شَرَكة بفتح الشين والراء وآخره هاء. [10/ 179] وروينا في سنن أبي داود والترمذي، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ في صَباحِ كُلّ يَوْمٍ وَمَساءِ كُلّ لَيْلَةٍ، باسْمِ اللَّهِ الَّذي لاَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الأرْضِ وَلا في السَّماءِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيم، ثَلاثَ مَرَّاتٍ لَمْ يَضُرَّه شَيْءٌ" قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، هذا لفظ الترمذي. وفي رواية أبي داود: "لَم تُصِبْهُ فَجْأةُ بَلاءٍ". [11/ 180] وروينا في كتاب الترمذي، عن ثوبان رضي الله عنه قال: ¬

[178] أبو داود (5083). وقال الحافظ: حديث غريب أخرجه أبو داود، ورواته موثقون إلا محمد بن إسماعيل بن عياش فضعفه أبو داود، وقال أبو حاتم الرازي: لم يسمع من أبيه شيئًا ... وله شاهد عند الترمذي (3526) عن أبي راشد الحبراني. [179] أبو داود (5088) و (5089)، والترمذي (3385) وابن ماجه (3869)، والنسائي (15)، وإسناده حسن صحيح كما في الفتوحات 3/ 99. ومعنى "فجأةُ بلاءٍ": أي جاءه البلاء بغتة من غير تقدم سبب. [180] الترمذي (3386)، وأبو داود (5072)، والنسائي في اليوم والليلة (4)، والمستدرك 1/ 518، وهو حديث حسن، كما في الفتوحات عن الحافظ ابن حجر 3/ 102.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قالَ حِينَ يُمْسِي: رَضِيتُ بالله رَبًّا، وَبالإِسْلامِ دِينًا، وبِمُحَمَّدٍ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم نَبِيًّا، كانَ حَقًّا على الله تعالى أنْ يُرْضِيَهُ" في إسناده سعد بن المرزبان أبو سعد البقال بالباء، الكوفيّ مولى حذيفة بن اليمان، وهو ضعيف باتفاق الحفّاظ (¬1)، وقد قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، فلعله صحّ عنده من طريق آخر. وقد رواه أبو داود والنسائي بأسانيد جيدة عن رجل خدم النبيّ صلى الله عليه وسلم عن النبيّ صلى الله عليه وسلم بلفظه، فثبت أصل الحديث، وللَّه الحمد. وقد رواه الحاكم أبو عبد الله في المستدرك على الصحيحين؛ وقال: حديث صحيح الإسناد، ووقع في رواية أبي داود وغيره: "وبمحمدٍ رسولًا" وفي رواية الترمذي: "نبيًّا" فيستحبُّ أن يجمع الإِسان بينهما فيقول "نبيًّا ورسولًا" ولو اقتصر على أحدهما كان عاملًا بالحديث. [12/ 181] وروينا في سنن أبي داود بإسناد جيد لم يضعفه، عن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قالَ حينَ يُصْبحُ أوْ يُمْسِي: اللَّهُمَّ إِنِّي أصْبَحْتُ أُشْهِدُكَ وأُشْهِدُ حَمَلَةَ عَرْشِكَ وَمَلائِكَتَكَ وَجَمِيعَ خَلْقِكَ أنَّكَ أنْتَ لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ، وأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ. أعْتَقَ اللَّهُ رُبُعَهُ مِنَ النَّارِ، فَمَنْ قَالَهَا مَرَّتَيْنِ أعْتَقَ اللَّهُ نصْفَهُ مِنَ النَّار، وَمَنْ قَالَها ثَلاثًا أَعْتَقَ اللَّهُ تعالى ثَلاثَةَ أرْبَاعِهِ، فإنْ قالَهَا أَرْبَعًا أعْتَقَه اللَّهُ تَعالى مِنَ النَّارِ". ¬

[181] أبو داود (5078)، والنسائي في اليوم والليلة (9)، والإِمام أحمد 2/ 354 و 522، وقال الحافظ ابن حجر بعد تخريجه: في وصف هذا الإِسناد بأنه جيد نظر، ولعلّ أبا داود إنما سكت عنه لمجيئه من وجه آخر عن أنس، ومن أجله قلت: إنه حسن. الفتوحات 3/ 105. (¬1) قال الحافظ ابن حجر: نقلُ الاتفاق على تضعيف أبي سعد البقّال فيه نظر .. نعم ضعّفه الجمهور؛ لأنه كان يدلّس وتغير بأخرة. الفتوحات الربانية 3/ 102

[13/ 182] وروينا في سنن أبي داود بإسناد لم يضعفه، عن عبد الله بن غنَّام بالغين المعجمة والنون المشددة البياضي الصحابي رضي الله عنه أن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم قال: "مَنْ قالَ حِينَ يُصْبحُ: اللَّهُمَّ ما أصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْكَ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ، لَكَ الحَمْدُ وَلَكَ الشُّكْرُ، فَقَدْ أدَّى شُكْرَ يَوْمِهِ؛ وَمَنْ قَالَ مِثْلَ ذلكَ حِينَ يُمْسِي فَقَد أدَّى شُكْرَ لَيلَتِهِ". [14/ 183] وروينا بالأسانيد الصحيحة في سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لم يكن النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَدَعُ هؤلاء الدعوات حين يُمسي وحين يُصبح: "اللَّهُمَّ إني أسألُكَ العافِيَةَ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إني أسألُكَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ في دِيني وَدُنْيَايَ وأهْلِي ومَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وآمِنْ رَوْعاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْن يَدَيَّ ومِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمالِي وَمِنْ فَوْقِي، وأعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أنْ أُغْتالَ مِنْ تَحْتِي" قال وكيع: يعني الخسف. قال الحاكم أبو عبد الله: هذا حديث صحيح الإِسناد. [15/ 184] وروينا في سنن أبي داود والنسائي وغيرهما بالإِسناد الصحيح عن عليّ رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه كان يقول عند مضجعه: "اللَّهُمَّ إِنِّي أعُوذُ بِوَجْهِكَ الكَرِيمِ وَبِكَلِماتِكَ التَّامَّةِ مِنْ شَر ما أنْتَ ¬

[182] أبو داود (5073) والنسائي في اليوم والليلة (7)، وإسناده حسن. [183] أبو داود (5074) والنسائي في الكبرى، وابن ماجه (3871)، والمستدرك 1/ 517، وصححه، ووافقه الذهبي. وقال الحافظ ابن حجر بعد تخريجه: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عبادة بن مسلم. وقال: وقول الشيخ ـ أي النووي ـ بالأسانيد الصحيحة، يُوهم أن له طرقًا عن ابن عمر، وليس كذلك. الفتوحات الربانية 3/ 109. [184] أبو داود (5052)، والنسائي في سننه الكبرى، وقال الحافظ بعد تخريجه: حديث حسن، وفي سنده علّتان تحطّه من مرتبة الصحيح .. الفتوحات 3/ 112.

آخِذٌ بِناصِيَتِهِ، اللَّهُمّ أنْتَ تَكْشِفُ المَغْرَمَ والمَأثمَ، اللَّهُمَّ لا يُهْزَمُ جُنْدُكَ وَلا يُخْلَفُ وَعْدُكَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الجَدّ مِنْكَ الجَدُّ، سُبْحانَكَ وَبِحَمْدِكَ". [16/ 185] وروينا في سنن أبي داود وابن ماجه بأسانيد جيدة عن أبي عياش ـ بالشين المعجمة ـ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قالَ إِذَا أصْبَحَ: لا إلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. كانَ لَهُ عِدْلُ رَقَبَةٍ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ صلى الله عليه وسلم، وكُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ وَحُطَّ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئاتٍ، وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجاتٍ، وكانَ فِي حِرْزٍ مِنَ الشَّيْطانِ حتى يُمْسِيَ، وَإنْ قَالَهَا إِذَا أمْسَى كانَ له مِثْلُ ذلكَ حتَّى يُصْبحَ". [17/ 186] وروينا في سنن أبي داود، بإسناد لم يضعفه، عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذَا أصْبَحَ أحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: أَصْبَحْنَا وأصْبَحَ المُلْكُ لِلَّهِ رَبّ العَالَمِينَ، اللَّهُمَّ أسألُكَ خَيْرَ هَذَا اليَوْمِ فَتْحَهُ وَنَصْرَهُ وَنُورَهُ وَبَرَكَتَهُ وَهُدَاهُ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ شَر ما فِيهِ وَشَرِّ ما بَعْدَهُ. ثُمَّ إذا أمْسَى فَلْيَقُلْ مِثْلَ ذلكَ". [18/ 187] وروينا في سنن أبي داود، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة أنه قال لأبيه: يا أبتِ! إني أسمعك تدعو كلّ غداة: "اللَّهُمَّ عافِني فِي بَدَني، ¬

[185] أبو داود (5077)، وابن ماجه (3867)، والنسائي (27) في "اليوم والليلة"، وهو في المسند 4/ 59. وقال الحافظ ابن حجر بعد تخريجه: حديث صحيح .. وفي قول الشيخ ـ أي النووي ـ بأسانيد، نظر؛ فإنه ليس له عند أبي داود وابن ماجه سندٌ إلا سند حماد إلى منتهاه. الفتوحات 3/ 114. [186] أبو داود (5084) قال الحافظ ابن حجر بعد تخريجه: حديث غريب .. وقول الشيخ ـ أي النووي ـ إن أبا داود لم يضعفه، كأنه أراد عقب تخريجه في السنن، وإلا فقد ضعّفه خارجها. الفتوحات 3/ 115. [187] أبو داود (5090)، والنسائي في اليوم والليلة (22) وابن السني (79)، وقال الحافظ ابن حجر بعد تخريجه: حديث حسن.

اللَّهُمَّ عافِنِي في سَمْعِي، اللَّهُمَّ عافِني في بَصَري، اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنَ الكُفْرِ وَالفَقْرِ، اللَّهُمَّ إني أعُوذَ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبرِ، لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ" تعيدها حين تصبح ثلاثًا، وثلاثًا حين تُمسي، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بهنّ، فأنا أُحبّ أن أستن بسنّته. [19/ 188] وروينا في سنن أبي داود عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَنْ قالَ حِينَ يُصْبحُ {فَسُبْحان اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحونَ. وَلَهُ الحَمْدُ في السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ. يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ ويُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيّ، ويُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرجُونَ} [الروم: 17ـ19] أدرك ما فاتَهُ فِي يَوْمِهِ ذلكَ، وَمَنْ قالَهُنَّ حِينَ يُمْسِي أَدْرَكَ ما فَاتَهُ في لَيْلَتِهِ" لم يضعفه أبو داود، وقد ضعفه البخاري في تاريخه الكبير، وفي كتابه كتاب الضعفاء. [20/ 189] وروينا في سنن أبي داود عن بعض بنات النبيّ صلى الله عليه وسلم ورضي عنهنّ، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يُعلّمها فيقول: "قُولي حينَ تُصْبحينَ: سُبْحانَ اللَّه وبِحَمْدِهِ، لا قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ، ما شاءَ اللَّه كَانَ، ومَا لَمْ يَشأ لَمْ يَكُن، أعْلَمُ أنَّ اللَّهَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وأَنَّ اللَّهَ قَدْ أحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، فإنَّهُ مَنْ قالَهُنَّ حِينَ يُصْبحُ حُفِظَ حتَّى يُمْسِيَ، وَمَنْ قَالَهُنَّ حِينَ يُمْسِي حُفِظَ حتَّ يُصْبحَ". ¬

[188] أبو داود (5076)، وقال الحافظ: حديث غريب، وضعّفه البخاري في التاريخ والضعفاء. نتائج الأفكار ـ لوحة (174). [189] أبو داود (5075)، والنسائي في اليوم والليلة (12)، وقال الحافظ بعد تخريجه: حديث غريب .. وعبد الحميد، أحد رجال السند مجهول. وكذلك أُم عبد الحميد قال الحافظ: لم أعرف اسمها ولا حالها .. الفتوحات 3/ 122.

[21/ 190] وروينا في سنن أبي داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: دخلَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم ذاتَ يوم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يُقال له أبو أمامة، فقال: "يا أبا أُمامَةَ! ما لي أرَاكَ جالِسًا في المَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلاةٍ؟ " قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله! قال: "أفَلا أُعَلِّمُكَ كَلامًا إذَا قُلْتَهُ أذْهَبَ اللَّهُ هَمَّكَ وقضى عَنْكَ دَيْنَكَ؟ " قلت: بلى يا رسول الله! قال:"قُلْ إذَا أصْبَحْتَ وَإذَا أمْسَيْتَ: اللَّهُمَّ إِني أعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمّ والحُزن، وأعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ والكَسَلِ، وأعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبْنِ والبُخلِ، وأعوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرّجالِ". قال: ففعلتُ ذلك، فأذهبَ الله تعالى همّي وغمّي وقضى عني ديني. [22/ 191] وروينا في كتاب ابن السني، بإسناد صحيح، عن عبد الله بن أبزى رضي الله عنه قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قال: "أصْبَحْنَا على فِطْرَةِ الإِسْلامِ، وكَلِمَةِ الإِخْلاصِ، وَدِيْنِ نبِيِّا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَمِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم حَنِيفًا مُسْلِمًا ومَا أنا مِنَ المُشْرِكِينَ". قلتُ: كذا وقع في كتابه: "ودين نبيّنا محمد" وهو غير ممتنع، ولعلَّه صلى الله عليه وسلم قال ذلك جهرًا ليسمعَه غيره فيتعلمه، والله أعلم. [23/ 192] وروينا في كتاب ابن السني، عن عبد الله بن أوفى رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قال: أصْبَحْنا وأصْبَحَ المُلْكُ ¬

[190] أبو داود (1555) وقال الحافظ: حديث غريب. وغسان بن عوف؛ ذكره الساجي والعقيلي في الضعفاء. الفتوحات 3/ 123. وللدعاء شواهد دون القصة. [191] ابن السني (33)، والطبراني في الدعاء، والنسائي في اليوم والليلة (1)، ومسند الإِمام أحمد 3/ 406، وحسّنه الحافظ ابن حجر، والسيوطي، وصححه العراقي في تخريج أحاديث الإِحياء. وانظر صحيح الجامع الصغير 4/ 209. [192] ابن السني (38) وإسناده ضعيف، فيه أبو الورقاء؛ قائد بن عبد الرحمن الكوفي، =

لِلَّهِ عَزَّ وَجَلُّ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ، وَالكِبْرِياءُ وَالعَظَمَةُ لِلَّهِ، وَالخَلْقُ وَالأمْرُ وَاللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَما سَكَنَ فِيهما لِلَّهِ تَعالى، اللَّهُمَّ! اجْعَلْ أَوَّلَ هَذَا النَّهارِ صَلاحًا، وَأَوْسَطَهُ نَجاحًا وآخِرَهُ فَلاحًا، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ! ". [24/ 193] وروينا في كتابي الترمذي وابن السني، بإسناد فيه ضعف، عن مَعقل بن يسار رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ: أعُوذُ باللَّهِ السَّمِيع العَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَقَرَأَ ثَلاثَ آياتٍ مِنْ سُورَةِ الحَشْرِ، وَكَّلَ اللَّهُ تَعالى بِهِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإنْ ماتَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ ماتَ شَهِيدًا، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُمْسِي كانَ بِتلْكَ المَنْزِلَةِ". [25/ 194] وروينا في كتاب ابن السنيّ، عن محمد بن إبراهيم، عن أبيه رضي الله عنه قال: وجّهَنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في سرية، فأمَرَنَا أن نقرأ إذا أمسينا وأصبحنا: {أَفَحَسِبْتُمْ أنَما خَلَقْناكُمْ عَبَثًا} [المؤمنون: 115] فقرأنا، فغنمنا وسلمنا. [26/ 195] وروينا فيه عن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهذه الدعوة إذا أصبح وإذا أمسى: "اللَّهُمَّ أسألُكَ منْ فَجْأةِ الخَيْرِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ فَجأةِ الشَّرّ". ¬

= ضعيف وغير ثقة، متروك بالإِجماع، ومع ذلك قال ابن عدي: مع ضعفه يُكتب حديثه. الكامل في الضعفاء 6/ 2052، وتهذيب التهذيب 8/ 255. [193] الترمذي (2923)، وابن السني (79)، والدارمي 2/ 458، وفي سنده خالد بن طهمان؛ وقال المنذري: هو صدُوق شيعي، ضعّفه ابن معين، ووثّقه أبو حاتم، وحسّن له الترمذي. وقال الحافظ ابن حجر: هذا حديث غريب، نتائج الأفكار ـ لوحة (177). وانظر ضعيف الجامع 5/ 227. [194] ابن السني (76)، وقال الحافظ: هذا حديث غريب. (نتائج الأفكار ـ لوحة 177). [195] ابن السني (39) وإسناده ضعيف، وفي مجمع الزوائد: رواه أبو يعلى، وفيه يوسف بن عطية، وهو متروك.

[27/ 196] وروينا فيه عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها: "ما يَمْنَعُكِ أنْ تَسْمَعِي ما أُوصِيكِ بِهِ؟ تَقُولِينَ إذَا أصْبَحْتِ وَإذَا أمْسَيْتِ: يا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِكَ أسْتَغِيثُ فأصْلِحْ لي شأنِي كُلَّهُ وَلاَ تَكِلْني إلى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنِ". [28/ 197] وروينا فيه، بإسناد، ضعيف، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلًا شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تُصيبُه الآفاتُ، فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "قُلْ إذَا أصْبَحْتَ: باسمِ اللَّهِ على نَفْسِي وأهْلي ومَالي، فإنَّهُ لا يَذْهَبُ لَكَ شَيْءٌ" فقالهنّ الرجلُ، فذهبتْ عنه الآفاتُ. [29/ 198] وروينا في سنن ابن ماجه وكتاب ابن السني، عن أُمّ سلمة رضي الله عنها؛ أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم كان إذا أصبح قال:"اللَّهُمَّ إني أسألُكَ عِلْمًا نافعًا، وَرِزْقًا طَيِّبًا، وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا". [20/ 199] وروينا في كتاب ابن السني، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قالَ إذَا أصْبَحَ: اللَّهُمَّ إني أصْبَحُتُ منْكَ في نِعْمَةٍ وَعافِيَةٍ وَسَتْرٍ، فأتِمَّ نِعْمَتَكَ عَليَّ وَعَافِيَتَكَ وَسَتْرَكَ فِي الدُّنْيا والآخِرَةِ. ثَلاثَ مَرَّاتٍ إِذَا أصْبَحَ وَإِذَا أَمْسَى، كان حَقًّا على اللَّهِ تَعالى أنْ يُتِمَّ عَلَيْهِ". ¬

[196] ابن السني (48) وقال المنذري: رواه النسائي والبزار بسند صحيح، والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين، وفيه "برحمتك أستغيث، أصلح .. " وحسّنه الحافظ ابن حجر. نتائج الأفكار ـ لوحة (178). [197] ابن السني (50)، وفي إسناده رجل مبهم، فهو ضعيف كما ذكر النووي رحمه الله تعالى. وانظر ضعيف الجامع الصغير 4/ 122. [198] ابن ماجه (925) وابن السني (53)، عن مولى لأُم سلمة. وفي الزوائد: رجال إسناده ثقات، خلا مولى أُمّ سلمة فإنه لم يُسمع، ولم أرَ أحدًا ممّن صنّف في المبهمات ذكره، ولا يدريي ما حاله. وقد تقدم برقم 4/ 168. [199] ابن السني (54) وهو في المسند (3/ 406، والدارمي 2/ 262، وإسناده حسن.

[31/ 200] وروينا في كتابي الترمذي وابن السني، عن الزبير بن العوّام رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما مِنْ صَباحٍ يُصْبِحُ العِبادُ إِلاَّ مُنادٍ يُنادِي: سُبْحانَ المَلكِ القُدُّوس" وفي رواية ابن السني "إلاَّ صَرَخَ صَارِخٌ: أيُّها الخلائقُ! سَبِّحوا المَلكَ القُدُّوسَ". [32/ 201] وروينا في كتاب ابن السني، عن بُريدة رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَالَ إذَا أصْبَحَ وَإِذَا أمْسَى: رَبِّيَ اللَّهُ تَوَكَّلْتُ عَلَيْهِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظيمِ، لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ العَلِيُّ العَظِيمُ، ما شاءَ اللَّهُ كانَ، ومَا لَمْ يَشاْ لَمْ يَكُنْ، أَعْلَمُ أنَّ اللَّهَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وأنَّ اللَّهَ قَدْ أحاطَ بِكُلّ شَيْءٍ عِلْمًا، ثُمَّ مَاتَ دَخَلَ الجَنَّة". [33/ 202] وروينا في كتاب ابن السني، عن أنس رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أيَعْجِزُ أحَدُكُمْ أنْ يَكُونَ كأبِي ضَمْضَمٍ؟ " قالُوا: وَمَنْ أبُو ضَمْضَمٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! قالَ: "كَانَ إِذَا أصْبَحَ قالَ: اللَّهُمَّ إِني قَدْ وَهَبْتُ نَفْسِي وَعِرْضِي لَكَ، فَلا يَشْتُمُ مَنْ شَتَمَهُ، وَلاَ يَظْلِمُ مَنْ ظَلَمَهُ، وَلا يَضْرِبُ مَنْ ضَرَبَهُ". [34/ 203] وروينا فيه، عن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ¬

[200] الترمذي (3564)، وابن السني (61)، وإسناده ضعيف. وقال الترمذي: هذا حديث غريب. وانظر ضعيف الجامع الصغير 5/ 119. [201] ابن السني (42) وقال الحافظ: رُواته موثقون، إلا علي بن قادم وجعفر الأحمر؛ فإنهما ضُعِّفا من قِبَل التشيّع. نتائج الأفكار ـ لوحة (179). [202] ابن السني (64) عن أنس وقال ابن حجر: هذا حديث غريب. وهو عند أبي داود (4887) عن عبد الرحمن بن عجلان، وقال أبو داود: رواه هاشم بن القاسم، قال: عن محمد بن عبد الله العمّي عن ثابت، قال: حدّثنا أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه. وحديث حمّاد أصحّ. وانظر ضعيف الجامع الصغير 2/ 253، ونتائج الأفكار ـ لوحة (176). [203] ابن السني (70)، وهو عند أبي داود (5081) موقوف على أبي الدرداء، وفي متنه غرابة.

قال:"مَنْ قالَ فِي كُلّ يَوْمٍ حِينَ يُصْبحُ وَحِينَ يُمْسِي: حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ سَبْعَ مَرَّاتٍ كَفَاهُ اللَّهُ تَعالى ما أهمَّهُ مِنْ أمْرِ الدُّنْيا والآخِرَةِ". [35/ 204] وروينا في كتابي الترمذي وابن السني، بإسناد ضعيف، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَرأ {حَم} المُؤْمِن إلى: {إِلَيْهِ المَصِيرُ} [غافر: 1ـ3] وآيةَ الكُرْسِيّ حِينَ يُصْبحُ حُفِظَ بِهِمَا حتَّى يُمْسِي، وَمَنْ قَرأهُما حِينَ يُمْسِي حُفِظَ بِهِما حَتَّى يُصْبحَ". فهذه جملةٌ من الأحاديث التي قصدنا ذكرَها، وفيها كفايةٌ لمن وفّقه الله تعالى، نسألُ اللَّه العظيم التوفيقَ للعمل بها وسائر وجوه الخير. [36/ 205] وروينا في كتاب ابن السني، عن طلق بن حبيب، قال: جاء رجلٌ إلى أبي الدرداء فقال: يا أبا الدرداء قد احترق بيتُك، فقال: ما احترق، لم يكن الله عزّ وجلّ ليفعلَ ذلك بكلمات سمعتهنّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، من قالها أوّل نهاره لم تصبْه مصيبةٌ حتى يُمسي، ومَنْ قالها آخرَ النهار لم تصبْه مصيبةٌ حتى يُصبحَ: "اللَّهُمَّ أنتَ رَبي، لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وأنْتَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، ما شاءَ اللَّهُ كانَ، وَمَا لَمْ يَشأْ لَمْ يَكُنْ، لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ العَلِيّ العَظِيمِ، أعْلَمُ أنَّ اللَّهَ عَلى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وأنَّ اللَّهَ قَدْ أحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، اللَّهُمَّ إِني أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ نَفْسِي، وَمِنْ شَرّ كُلّ دَابَّةٍ أنْتَ آخِذٌ بِناصِيَتها، إنَّ رَبِّي على صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ". ورواه من طريق آخر، من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم، لم يقل عن ¬

[204] الترمذي (2882)، وابن السني (75)، وفي إسناده عبد الرحمن بن أبي مليكة، وهو ضعيف، وقال الترمذي: هذا حديث غريب. وانظر ضعيف الجامع الصغير 5/ 235. [205] ابن السني (56) عن أبي الدرداء، و (57) عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ضعيف، وقال العراقي في تخريج أحاديث الإِحياء: رواه الطبراني بسند ضعيف.

52 ـ باب ما يقال في صبيحة الجمعة

أبي الدرداء، وفيه: أنه تكرّر مجيء الرجل إليه يقول: أدرِك دارَك فقد احترقتْ وهو يقول: ما احترقتْ لأني سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: "مَن قال حين يُصبح هذه الكلمات ـ وذكر هذه الكلمات ـ لم يُصبه في نفسه ولا أهله ولا ماله شيء يكرهه" وقد قلتها اليوم، ثم قال: انهضوا بنا، فقام وقاموا معه، فانتهوا إلى داره وقد احترق ما حولها ولم يصبها شيء. 52 ـ بابُ ما يُقالُ في صَبيحةِ الجمعة اعلم أن كلَّ ما يُقال في غير يوم الجمعة يُقال فيه، ويُزاد (¬1) استحبابُ كثرة الذكر فيه على غيره، ويُزادُ كثرةُ الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. [1/ 206] وروينا في كتاب ابن السني، عن أنس رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قالَ صَبِيحَةَ يَوْمِ الجُمُعَةِ قَبْلَ صَلاةِ الغَدَاةِ: أسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الحَيَّ القَيُّومَ وأتُوبُ إِلَيْهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ غَفَرَ اللَّهُ ذُنُوبَهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ". ويُستحبّ الإِكثارُ من الدعاء في جميع يوم الجمعة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس رَجاءَ مصادفة ساعة الإِجابة، فقد اختُلف فيها على أقوال كثيرة، فقيل: هي بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس، وقيل: بعد طلوع الشمس، وقيل: بعد الزوال، وقيل: بعد العصر، وقيل غير ذلك. ¬

[206] ابن السني (82)، وإسناده ضعيف جدًا، فيه إسحاق بن خالد، عن عبد العزيز بن عبد الله، عن خُصَيْف، عن أنس. وخُصيف: مختلف فيه ولم يسمع من أنس. وعبد العزيز اتهمه أحمد بالكذب. وإسحاق: قال ابن عديّ له أحاديث منكرة. نتائج الأفكار ـ لوحة (187). (¬1) في "د": "ويزداد"

53 ـ باب ما يقول إذا طلعت الشمس

والصحيحُ، بل الصوابُ الذي لا يجوز غيرُه ما ثبت في صحيح مسلم (¬1): عن أبي موسى الأشعريّ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنها ما بينَ جلوس الإِمام على المنبر إلى أن يُسَلِّم من الصلاة. 53 ـ بابُ ما يَقولُ إذا طلعتِ الشَّمس [1/ 207] روينا في كتاب ابن السني، بإسناد ضعيف، عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلعت الشمس قال: "الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي جَلَّلَنا اليَوْمَ عافِيَتَهُ، وَجاءَ بالشَمْسِ، مِنْ مَطْلَعِها، اللَّهُمَّ أصْبَحْتُ أشْهَدُ لَكَ بِما شَهِدْتَ بِهِ لِنَفْسِكَ، وَشَهِدَتْ بِهِ مَلائِكَتُكَ وحَمَلَةُ عَرْشِكَ وَجَمِيعُ خَلْقِكَ إنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ القائِمُ بالقِسْطِ، لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ، اكْتُبْ شَهادَتي بَعْدَ شَهادَةِ مَلائِكَتِكَ وأُولِي العِلْمِ، اللَّهُمَّ أنْتَ السَّلامُ وَمِنْكَ السَّلامُ وَإِلَيْكَ السَّلامُ، أسألُكَ يا ذَا الجَلالِ والإِكْرَامِ أنْ تَسْتَجِيبَ لَنا دَعْوَتَنَا، وأنْ تُعْطِيَنَا رَغْبَتَنا، وأنْ تُغْنِينَا عَمَّنْ أغْنَيْتَهُ عَنَّا مِنْ خَلْقِكَ، اللَّهُمَّ أصْلحْ لي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أمْرِي، وأصْلِحْ لي دُنْيايَ الَّتِي فِيها مَعِيشَتِي، وأصْلِحْ لي آخِرَتِي الَّتِي إلَيْها مُنْقَلَبِي". [2/ 208] وروينا فيه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه موقوفًا عليه أنه جعلَ من يَرْقبُ له طلوع الشمس، فلما أخبره بطلوعها قال: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لَنَا هَذَا اليَوْمَ وأقالَنا فِيهِ من عَثَرَاتِنَا. ¬

[207] ابن السني (146)، وإسناده ضعيف. [208] ابن السني (147)، وهو حديث موقوف على ابن مسعود رضي الله عنه. (¬1) مسلم (853)

54 ـ باب ما يقول إذا استقلت الشمس

54 ـ بابُ ما يقولُ إذا استقلَّتِ (¬1) الشَّمس [1/ 209] روينا في كتاب ابن السني، عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما تَسْتَقِلُّ الشَّمْسُ فَيَبْقَى شَيْءٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالى إِلاَّ سَبَّحَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَحَمِدَهُ إِلاَّ ما كانَ مِنَ الشَّيْطانِ وأعْتَاءِ بَنِي آدَمَ" فَسألْتُ عَنْ أعْتاء بَنِي آدَمَ؟ فَقالَ: "شِرَارُ الخَلْقِ". 55 ـ بابُ ما يقولُ بعدَ زَوَال الشَّمسِ إلى العصر قد تقدم إذا لَبِسَ ثوبَه، وإذا خرجَ من بيته، وإذا دخلَ الخلاءَ، وإذا خرج منه، وإذا توضَّأَ، وإذا قصدَ المسجدَ، وإذا وصلَ بابَه، وإذا صارَ فيه، وإذا سمع المؤذِّن والمقيمَ، وما بين الأذان والإِقامة، وما يقولُه إذا أرادَ القيام للصلاة، وما يقولُه في الصلاة من أوّلها إلى آخرها، وما يقولُه بعدها، وهذا كلُّه يشتركُ فيه جميعُ الصلوات. ويستحبّ الإِكثار من الأذكار وغيرها من العبادات عقبَ الزوال. [1/ 210] لما روينا في كتاب الترمذي عن عبد الله بن السائب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُصلِّي أربعًا بعد أن تزول الشمس قبل الظهر، وقال: "إنَّها ساعةٌ تُفْتَحُ فِيها أبْوَابُ السَّماءِ، فأُحِبُّ أنْ يَصْعَدَ لي فِيها عَمَلٌ صَالِحٌ" قال الترمذي: حديث حسن. ويُستحبّ كثرةُ الأذكار بعد وظيفة الظهر؛ لعموم قول الله تعالى: ¬

[209] ابن السني (148)، وإسناده ضعيف. [210] الترمذي (478) وقال: هذا حديث حسن غريب، كما حسّنه الحافظ ابن حجر في أماليه. (¬1) " استقلت الشمس": ارتفعت

56 ـ باب ما يقوله بعد العصر إلى غروب الشمس

{وَسَبِّحْ بِحَمْد رَبِّكَ بالعَشِيّ وَالإِبْكارِ} [غافر: 55] قال أهل اللغة: العشيُّ من زوال الشمس إلى غروبها. قال الإِمام أبو منصور الأزهري (¬1): العشيّ عند العرب: ما بين أن تزولَ الشمس إلى أن تغرب. 56 ـ بابُ ما يقولُه بعدَ العصرِ إلى غُروبِ الشَّمس قد تقدم ما يقولُه بعد الظهر والعصر كذلك، ويُستحبُّ الإِكثارُ من الأذكار في العصر استحبابًا متأكدًا فإنها الصلاة الوسطى على قول جماعات من السلف والخلف، وكذلك تُستحبُّ زيادةُ الاعتناء بالأذكار في الصبح، فهاتان الصلاتان أصحُّ ما قيل في الصلاة الوسطى، ويُستحبُّ الإِكثارُ من الأذكار بعد العصر وآخر النهار أكثر، قال الله تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها} [طه: 130] وقال الله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بالعَشِيِّ والإِبْكارِ} [غافر: 55] وقال الله تعالى: {واذْكُرْ رَبَّكَ في نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ بالغُدُوِّ والآصَال} [الأعراف: 205] وقال تعالى: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بالغُدُوّ والآصَالِ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور:36] وقد تقدم أن الآصال ما بين العصر والمغرب. [1/ 211] وروينا في كتاب ابن السني بإسناد ضعيف، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأَنْ أَجْلِسَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ صَلاةِ العَصْرِ إلى أنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، أحَبُّ إليَّ مِنْ أَنْ أعْتِقَ ثَمَانِيَةً مِنْ وَلَدِ إسْماعِيلَ". ¬

[211] ابن السني (675)، وإسناده ضعيف؛ لوجود يزيد الرقاشي، لكنه يقوى بشاهدين: في سنن أبي داود (3667) عن أنس، وفي المسند 5/ 255 عن أبي أمامة. (¬1) الأزهري: محمد بن أحمد بن الأزهر الهروي، أبو منصور، أحد الأئمة في اللغة والأدب، توفي سنة 370 هـ، الأعلام 5/ 311

57 ـ باب ما يقوله إذا سمع أذان المغرب

57 ـ بابُ ما يقولُه إذا سمعَ أذانَ المغرب [1/ 212] روينا في سنن أبي داود والترمذي، عن أُمّ سلمة رضي الله عنها قالت: علَّمني رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم أن أقول عند أذان المغرب: "اللَّهُمَّ هَذَا إقْبالُ لَيْلِكَ وَإِدْبَارُ نَهارِكَ وأصْوَاتُ دُعاتِكَ فاغْفِرْ لي". 58 ـ بابُ ما يقولُه بعدَ صَلاةِ المغرب قد تقدم قريبًا أنه يقول عقيب كل الصلوات الأذكارَ المتقدمة، ويُستحبّ أن يزيدَ فيقول بعد أن يصلّي سنّة المغرب: [1/ 213] ما رويناه في كتاب ابن السني عن أُمّ سلمة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اصرف من صلاة المغرب يدخل فيصلي ركعتين ثم يقول فيما يدعو: "يا مُقَلِّبَ القُلُوبِ وَالأَبْصَارِ ثَبِّتْ قُلُوبَنا على دِينِكَ". [2/ 214] وروينا في كتاب الترمذي عن عمارة بن شبيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قالَ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ ¬

[212] أبو داود (530)، والترمذي (3583)، وفي سنده أبو كثير مولى أُمّ سلمة، وهو مجهول، يَروي عن أُمّ سلمة، وعنه ابنته حفصة. قال الترمذي: لا يعرف. فهو ضعيف. وقال الحافظ: لم تنفرد حفصة ولا الراوي عنها، فقد أخرجه أبو داود والحاكم في المستدرك من رواية المسعودي عن أبي كثير .. وأبو كثير، بالمثلثة، ما عرفت اسمه ولا حاله، لكنه وصف بأنه مولى أُمّ سلمة، فيمكن تحسين حديثه. [213] ابن السني (663). وقال الحافظ: أخرجه ابن السني من طريق سعد بن الصلت، عن عطاء بن عجلان. وعطاء كذّبوه. وقد وقع لي بسند حسن إلى أُمّ سلمة دون التقييد بالمحل. نتائج الأفكار ـ لوحة (186). [214] الترمذي (3528) وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث ليث بن سعد، ولا نعرف لعمارة بن شبيب سماعًا من النبي صلى الله عليه وسلم. وحسنّه الحافظ ابن حجر وقال: أخرجه البخاري في التاريخ، والترمذي والنسائي.

59 ـ باب ما يقرؤه في صلاة الوتر وما يقوله بعدها

يُحْيِي ويُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ على أثَرِ المَغْرِبِ، بَعَثَ اللَّهُ تَعالى لَهُ مَسْلَحَةً يَتَكَفَّلُونَهِ (¬1) مِنَ الشَّيْطانِ حَتَّى يُصْبحَ، وَكَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِها عَشْرَ حَسَناتٍ مُوجِبات، وَمَحَا عَنْهُ عَشْرَ سَيِّئاتٍ مُوبِقاتٍ، وكانَتْ لَهُ بِعِدْلِ عَشْرِ رِقابٍ مُؤْمناتٍ" قال الترمذي: لا نعرفُ لعمارة بن شبيب سماعًا من النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: وقد رواه النسائي في كتاب عمل اليوم والليلة من طريقين: أحدهما هكذا، والثاني عن عمارة عن رجل من الأننصار. قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر: هذا الثاني هو الصواب. قلتُ: قوله: "مَسلحة" بفتح الميم وإسكان السين المهملة وفتح اللام وبالحاء المهملة: وهم الحرس. 59 ـ بابُ ما يقرؤُه في صَلاةِ الوترِ وما يقولُه بعدَها السنّة لمن أوترَ بثلاث ركعات أن يقرأ في الأولى بعد الفاتحة: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى} وفي الثانية {قُلْ يا أيُّها الكافِرُونَ} وفي الثالثة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أحَدٌ} والمُعَوَّذَتَيْنِ. فإن نسي {سَبِّح} في الأولى}، أتى بها مع {قل يا أيُّها الكافرون} في الثانية، وكذا إن نسيَ في الثانية {قل يا أيّها الكافرون} أتى بها في الثالثة مع {قل هو اللَّه أحد} والمعوّذتين. [1/ 215] وروينا في سنن أبي داود والنسائي وغيرهما بالإِسناد الصحيح، عن أُبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ¬

[215] أبو داود (1423)، وابن السني (711)، وإسناده صحيح. (¬1) كذا في الأصول، وفي سنن الترمذي 8/ 189: يحفظونه

60 ـ باب ما يقول إذا أراد النوم واضطجع على فراشه

سلَّم في الوتر قال: "سُبْحانَ المَلِكِ القُدُّوسِ" وفي رواية النسائي وابن السني "سُبْحانَ المَلِكِ القُدُّوسِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ". [2/ 216] وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي عن عليّ رضي الله عنه؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره: "اللَّهُمَّ إني أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وأعُوذُ بِمُعافاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وأعُوذُ بِكَ لا أُحْصِي ثَناءً عَلَيْكَ أَنْتَ كما أثْنَيْتَ على نَفْسِك" قال الترمذي: حديث حسن. 60 ـ بابُ ما يقولُ إذا أرادَ النومَ واضطجعَ على فراشِه قال الله تعالى: {إنَّ في خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لآياتٍ لأُولي الألْبابِ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّه قِيامًا وَقُعُودًا وَعَلى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 190ـ191] الآيات. [1/ 217] وروينا في صحيح البخاري رحمه الله، من رواية حذيفة وأبي ذرّ رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه قال: " باسْمِكَ اللَّهُمَّ أحْيا وأمُوت" ورويناهُ في صحيح مسلم، من رواية البراء بن عازب رضي الله عنهما. [2/ 218] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عليّ رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ولفاطمة رضي الله عنهما: "إذَا أوَيْتُما ¬

[216] أبو داود (1427)، والترمذي (3561)، والنسائي 3/ 249، وإسناده صحيح. [217] البخاري (6325) و (6325)، عن حذيفة وأبي ذر، ورواه مسلم (2711) عن البراء بن عازب. [218] البخاري (6318)، ومسلم (2727)، وأبو داود (2988) و (2989)، والترمذي (3405).

إلى فِرَاشِكُما، أوْ إذَا أخَذْتُما مَضَاجِعَكُما فَكَبِّرَا ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، وَسَبِّحا ثَلاثًا وثَلاثِينَ، وَاحْمَدَا ثَلاَثًا وَثَلاثِينَ". وفي رواية: "التَّسْبِيحُ أرْبَعًا وَثِلاثِينَ". وَفي رواية: "التَّكْبيرُ أرْبعًا وَثَلاثِينَ". قالَ عليّ: فما تركته منذ سمعتُه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيل له: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفّين. [3/ 219] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا أوَى أحَدُكُمْ إلى فِرَاشِهِ فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخلَةِ إِزَارِهِ، فإنَّهُ لا يَدْرِي ما خَلَفَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ: باسْمِكَ رَبي وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أرْفَعُهُ، إنْ أمْسَكْتَ نَفْسِي فارْحَمْها، وَإِنْ أرْسَلْتَها فاحْفَظْها بما تَحْفَظُ بِهِ عِبادَكَ الصَّالِحينَ" وفي رواية "يَنْفُضُهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ". [4/ 220] وروينا في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان إذا أخذ مضجعه نفث في يديه وقرأ بالمعوّذات ومسح بهما جسده. [5/ 221] وفي الصحيحين عنها أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفّيه ثم نفث فيهما وقرأ فيهما: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أحَدٌ} و {قُلْ أعُوذُ بِرَبّ الفَلَقِ} و {قُلْ أعُوذُ بِرَبّ الناس} ثُم مسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث ¬

[219] البخاري (6320)، ومسلم (2714)، وأبو داود (5050)، والترمذي (3398). ومعنى "داخلةُ الإِزار": طرفه. والمراد بقوله صلى الله عليه وسلم "ما خَلَفه عليه": ما يكون قد دبَّ على فراشه بعد مفارقته له. [220] البخاري (6319)، ومسلم (2192)، والموطأ 2/ 942 و 943، وأبو داود (3902)، والترمذي (3399). [221] البخاري (5017)، ومسلم (2192).

مرّات، قال أهل اللغة: النفث: نفخ لطيف بلا ريق. [6/ 222] وروينا في الصحيحين عن أبي مسعود الأنصاري البدري عقبة بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الآيَتانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ مَنْ قَرأ بِهِما في لَيْلَةٍ كَفَتاهُ". اختلف العلماء في معنى كفتاه؛ فقيل: من الآفات في ليلته وقيل: كفتاه من قيام ليلته. قلت: ويجوز أن يُراد الأمران. [7/ 223] وروينا في الصحيحين عن البَراء بن عازب رضي الله عنهما، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذَا أتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأَ وُضُوءَكَ لِلصَّلاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ على شِقِكَ الأيْمَنِ وَقُلِ: اللَّهُمَّ أسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أمْرِي إِلَيْكَ، وَألجأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةَ وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لا ملجأ وَلا مَنْجَى مِنْكَ إِلاَّ إِليْكَ، آمَنْتُ بِكِتابِكَ الَّذي أنْزَلْتَ، وَنَبِيِّكَ الَّذي أَرْسَلْتَ. فإنْ مِتَّ مِتَّ على الفِطْرَةِ، واجْعَلْهُنَّ آخِرَ ما تَقُولُ" هذا لفظ إحدى روايات البخاري، وباقي رواياته وروايات مسلم مقاربة لها. [8/ 224] وروينا في صحيح البخاري، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: وكَّلني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام .. وذكر الحديث، وقال في آخره: إذا أويتَ إلى فراشِكَ فاقرأ آيةَ الكرسي، فإنه لن يزالَ معكَ من الله تعالى حافظ، ولا يقربَك شيطانٌ حتى تُصْبِحَ. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم:"صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ، ذَاكَ شَيطانٌ" أخرجهُ البُخاري ¬

[222] البخاري (5009)، ومسلم (808)، وأبو داود (1397)، والترمذي (2884). [223] البخاري (6313)، و (6315)، ومسلم (2710)، وأبو داود (5046) و (5047) و (5548)، والترمذي (3391). [224] البخاري (2311). قال ابن حجر في الفتح 4/ 489: وفيه: فضل آية الكرسي وفضل آخر سورة البقرة. وأن الجن يُصيبون من الطعام الذي لا يُذكر اسم الله عليه ...

في صحيحه فقال: وقال عثمان بن الهيثم: حدّثنا عوف عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة وهذا متصل، فإن عثمان بن الهيثم أحد شيوخ البخاري الذين روى عنهم في صحيحه، وأما قول أبي عبد الله الحميدي في الجمع بين الصحيحين: إن البخاري أخرجه تعليقًا، فغير مقبول؛ فإن المذهب الصحيح المختار عند العلماء والذي عليه المحقّقون أن قول البخاري وغيره: "وقال فلان" محمولٌ على سماعه منه واتصاله إذا لم يكن مدلِّسًا وكان قد لقيَه، وهذا من ذلك. وإنما المعلَّقُ ما أسقط البخاري منه شيخه أو أكثر بأن يقول في مثل هذا الحديث: وقال عوف، أو قال محمد بن سيرين، وأبو هريرة، والله أعلم. [9/ 225] وروينا في سنن أبي داود عن حفصة أُمّ المؤمني رضي الله عنها؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أرادَ أن يرقدَ وضعَ يدَه اليمنى تحتَ خدّه ثم يقول: اللَّهُمَّ قِني عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبادَكَ. ثَلاثَ مَرَّاتٍ" ورواه الترمذي من رواية حذيفة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وقال: حديث صحيح حسن. ورواه أيضًا من رواية البراء بن عازب ولم يذكر فيها ثلاث مرات. [10/ 226] وروينا في صحيح مسلم وسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه كان يقولُ إذا أوى إلى فراشه: "اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ وَرَبَّ الأرْضِ وَرَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ، رَبَّنا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ، فالِقَ الحَبّ وَالنَّوَى، مُنَزِّل التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالقُرآنِ، أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ كُلّ ذِي شَرٍّ أنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ؛ أنْتَ ¬

[225] أبو داود (5045)، والترمذي (3395) و (3396)، والنسائي في الكبرى، وابن ماجه (3877)، وقد حسنه الحافظ. [226] مسلم (2713)، وأبو داود (5051)، والترمذي (3397)، والنسائي في الكبرى، وابن ماجه (2873).

الأوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وأنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ، وأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ، وأنْتَ الباطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وأغْنِنا مِنَ الفَقْرِ" وفي رواية أبي داود "اقْضِ عَنِّي الدَّيْنَ، وأغْنِني مِنَ الفَقرِ". [11/ 227] وروينا بالإِسناد الصحيح في سنن أبي داود والنسائي، عن عليٍّ رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول عند مضجعه: "اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِوَجْهِكَ الكَرِيمِ، وَكَلِماتِكَ التَّامَّة، مِنْ شَرّ ما أنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، اللَّهُمَّ أنْتَ تَكْشِفُ المَغْرَمَ والمأثمَ، اللَّهُمَّ لا يُهْزَمُ جُنْدُكَ، وَلا يُخْلَفُ وَعْدُكَ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدّ مِنْكَ الجَدُّ، سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ". [12/ 228] وروينا في صحيح مسلم وسنن أبي داود والترمذي عن أنس رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه قال: "الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي أطْعَمَنا وَسَقَانا، وكَفانا وآوَانا، فَكَمْ مِمَّنْ لا كافِيَ لَهُ وَلا مُؤْوِيَ" قال الترمذي: حديث حس صحيح. [13/ 229] وروينا بالإِسناد الحسن في سنن أبي داود، عن أبي الأزهريّ، ويقال: أبو زهير الأنماري رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أخذ مضجعه من الليل قال: "باسْمِ اللَّهِ وَضَعْتُ جَنْبِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبِي، وأخْسِىءْ شَيْطانِي، وَفُكَّ رِهانِي، وَاجْعَلْنِي فِي النَّدِيّ الأعْلَى" النديّ: بفتح النون وكسر الدال وتشديد الياء. وروينا عن الإِمام أبي سليمان أحمد بن محمد بن إبراهيم بن ¬

[227] أبو داود (5052) والنسائي في سننه الكبرى، وقال الحافظ: هذا حديث حسن. [228] مسلم (2715)، وأبو داود (5053)، والترمذي (3396). [229] أبو داود (5054). وانظر بهامشه قول أبي سليمان الخطابي في معالم السنن.

الخطاب الخطابي رحمه الله في تفسير هذا الحديث قال: النديّ: القوم المجتمعون في مجلس، ومثله النادي، وجمعه أندية. قال: يريد بالنديّ الأعلى: الملأ الأعلى من الملائكة. [14/ 230] وروينا في سنن أبي داود والترمذي، عن نوفل الأشجعي رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقْرأ: قُلْ يا أيُّها الكافِرُونَ، ثُمَّ نَمْ على خاتِمَتِها فإنَّها بَرَاءَةٌ مِنَ الشِّرْكِ". وفي مسند أبي يعلى الموصلي، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أدُلُّكُمْ على كَلِمَةٍ تُنَجِّيكُمْ مِنَ الإِشْرَاكِ باللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، تَقْرَؤونَ: قُلْ يا أيُّها الكافِرُونَ عِنْدَ مَنَامِكُمْ" (¬1). [15/ 231] وروينا في سنن أبي داود والترمذي، عن عرباض بن سارية رضي الله عنه؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقرأ المسبِّحات (¬2) قبل أن يرقد. قال الترمذي: حديث حسن. [16/ 232] وروينا عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم لا ¬

[230] أبو داود (5055)، والترمذي (3400)، وقال الحافظ ابن حجر بعد تخريجه: حديث حسن أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي، وأخرجه ابن حبّان في صحيحه، وفي سنده اختلاف كثير على أبي إسحاق السبيعي؛ فلذا اقتصرت على تحسينه. الفتوحات 3/ 156. [231] أبو داود (5057)، والترمذي (4003)، وقال؛ حسن غريب. كما حَسَّنَهُ الحافظ ابن حجر، نتائج الأفكار ـ لوحة (196). [232] الترمذي (3402). وقد حسّنه الحافظ ابن حجر في تخريج الأذكار. انظر الفتوحات 3/ 158. (¬1) قال الحافظ ابن حجر: هذا حديث غريب، أخرجه أبو يعلى الموصلي عن جُبَارةَ على الموافقة، وجبارة متروك، اتهمه ابن معين. وقال ابن نمير: كان لا يتعمد، وقال النسائي: حجاج بن تميم ليس بثقة. قلت: لكن يشهد للمتن حديث نوفل السابق. نتائج الأفكار ـ لوحة (195) (¬2) المسبِّحات: السور التي افتتحت بالتسبيح

ينامُ حتى يقرأ بني إسرائيل والزمر. قال الترمذي: حديث حسن. [17/ 233] وروينا بالإِسناد الصحيح في سنن أبي داود عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا أخذ مضجعه: " الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي كفاني وآوَانِي، وأطْعَمَنِي وَسَقَانِي، وَالَّذِي مَنَّ عَليَّ فأفْضَلَ، وَالَّذي أعطانِي فأجْزَل، الحَمْدُ لِلَّهِ على كُلّ حالٍ؛ اللَّهُمَّ رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ، وَإِلهَ كُلِّ شَيْءٍ، أعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ". [18/ 234] وروينا في كتاب الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قَالَ حِينَ يَأوِي إلى فِرَاشِهِ: أسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الحَيَّ القَيُّومَ وأتُوب إِلَيْهِ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ، غَفَرَ اللَّهُ تَعالى لَهُ ذُنُوبَهُ وَإِنْ كانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ، وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ النُّجُومِ، وَإِنْ كانَتْ عَدَدَ رَمْلِ عالجٍ، وَإنْ كانَتْ عَدَدَ أيَّامِ الدُّنْيَا". [19/ 235] وروينا في سنن أبي داود وغيره بإسناد صحيح، عن رجل من أسلم من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: كنتُ جالسًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجلٌ من أصحابه فقال: يا رسول اللَّهِ! لُدِغْتُ الليلةَ فلم أنم حتى أصبحتُ، قال: "مَاذَا؟ " قال: عقربٌ، قال: " أما إنَّكَ لَوْ قُلْتَ حِينَ أمْسَيْتَ: أعُوذُ ¬

[233] أبو داود (5058)، وقال الحافظ ابن حجر بعد تخريجه: الحديث حسن، أخرجه أبو داود والنسائي وأبو عوانة في صحيحه، وفي الحكم بصحته نظر .. الفتوحات 3/ 158. [234] الترمذي (3394) وقال الترمذي: حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث عبيد الله بن الوليد الوصَّافي، عن عطيّة، عن أبي سعيد. وقال الحافظ ابن حجر: حديث غريب، والوصَّافي وشيخه ضعيفان، لكن رواه عصام بن قُدامة عن عطية نحوه. الفتوحات 3/ 160 ونتائج الأفكار ـ لوحة (196). [235] أبو داود (3898) عن رجل من أسلم، وأبو داود (3899)، وابن ماجه (3518) عن أبي هريرة، وهو حديث صحيح.

بكَلِماتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرّ ما خَلَقَ لَمْ يَضُرَّكَ شَيْءٌ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى". ورويناه أيضًا في سنن أبي داود وغيره من رواية أبي هريرة، وقد تقدّم (¬1) روايتنا له عن صحيح مسلم في باب: ما يقال عند الصباح والمساء. [20/ 236] وروينا في كتاب ابن السني عن أنس رضي الله عنه؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أوصى رجلًا إذا أخذ مضجعه أن يقرأ سورة الحشر وقال:" إنْ مِتَّ مِتَّ شَهِيدًا" أو قال: "مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ". [21/ 237] وروينا في صحيح مسلم، عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أنه أمر رجلًا إذا أخذ مضجعه أن يقول: "اللَّهُمَّ أنْتَ خَلَقْتَ نَفْسِي وأنْتَ تَتَوَفَّاها، لَكَ مَمَاتُها وَمَحْياها، إنْ أحْيَيْتَها فاحْفَظْها، وَإنْ أمَتَّها فاغْفِرْ لَهَا، اللَّهُمَّ إنِّي أسألُكَ العافِيَةَ" قال ابن عمر: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. [22/ 238] وروينا في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما بالأسانيد الصحيحة، حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي قدّمناه في باب: ما يقول عند الصباح والمساء في قصة أبي بكر الصديق رضي الله عنه: "اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّمَوَاتِ والأرْضِ عالِمَ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ، أشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ نَفِسِي وَشَرّ الشَّيْطانِ وَشِرْكِهِ. قُلْها إذَا أَصْبَحْتَ وَإذَا أَمْسَيْتَ وَإذَا اضْطَجَعْتَ". ¬

[236] ابن السني (723)، قال الحافظ ابن حجر بعد تخريجه: حديث غريب، وسنده ضعيف جدًا من أجل يزيد بن أبّان الرقاشي الراوي للحديث عن أنس. الفتوحات 3/ 161. [237] مسلم (2712). [238] تقدم الحديث برقم 8/ 177. (¬1) تقدم الحديث برقم 7/ 176

[23/ 239] وروينا في كتاب الترمذي، وابن السنني، عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما مِنْ مُسْلِمٍ يأوي إلى فِرَاشِهِ فَيَقْرأُ سُورَةً مِنْ كِتابِ اللَّهِ تَعالى حِينَ يأخُذُ مَضْجَعَهُ إِلاَّ وَكَّلَ اللَّهُ عَزَّوَجَلَ بِهِ مَلَكًا لا يَدَعُ شَيْئًا يَقْرَبُهُ يُؤْذِيهِ حتَّى يَهُبَّ مَتَى هَبَّ" إسناده ضعيف، ومعنى هبّ: انتبه وقام. [24/ 240] وروينا في كتاب ابن السني، عن جابر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ الرَّجُلَ إذَا أوَى إلى فِرَاشِهِ ابْتَدَرَهُ مَلَكٌ وَشَيْطانٌ، فَقَالَ المَلَكُ: اللَّهُمَّ اخْتِمْ بِخَيْرٍ، فَقالَ الشَّيْطانُ: اخْتِمْ بِشَرّ، فإنْ ذَكَرَ اللَّهَ تَعالى ثُمَّ نامَ باتَ المَلَكُ يَكْلَؤهُ". [25/ 241] وروينا فيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الّله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا اضطجع للنوم: "اللَّهُمَّ! باسْمِكَ رَبي وَضَعْتُ جَنْبِي فاغْفِرْ لي ذَنْبِي". [26/ 242] وروينا فيه عن أبي أُمامة رضي الله عنه قال: سمعتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "مَنْ أوَى إلى فِرَاشِهِ طاهِرًا، وَذَكَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى ¬

[239] الترمذي (3404)، وابن السني (751)، وحسَّنه الحافظ ابن حجر؛ لوروده من طرق أخرى يُقوّي بعضها بعضًا. وانظر الفتوحات 3/ 163. [240] ابن السني (750)، وذكر الحافظ ابن حجر ممّن روى الحديث: النسائي، والحاكم في المستدرك، وابن حبّان، وأبو يعلى، وقال: عجبت للشيخ ـ أي النووي ـ في اقتصاره على عزوه لابن السني وهو في هذه الكتب المشهورة. الفتوحات 3/ 164. [241] ابن السني (719) وفيه "فاغفر ذنبي"، وقد أخرجه الحافظ ابن حجر من طريق الطبراني وقال: إنه حديث حسن. الفتوحات 3/ 164. [242] ابن السني (724)، وقال الحافظ ابن حجر بعد تخريجه: أخرجه ابن السني عن طريق إسماعيل بن عياش، وروايته عن الحجازيين ضعيفة، وهذا منها، وشيخه عبد الله بن عبد الرحمن مكي، وشهر بن حوشب فيه مقال، وقد اختلف عليه في سنده .. انظر الفتوحات 3/ 165.

يُدْرِكَهُ النُّعاسُ لَمْ يَتَقَلَّبْ ساعَةً مِنَ اللَّيْلِ يَسألُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيها خَيْرًا مِنْ خَيْر الدُّنْيا والآخرَةِ إِلاَّ أعْطاهُ إيَّاهُ". [27/ 243] وروينا فيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه قال: "اللَّهُمَّ أمْتِعْنِي بِسَمْعِي وَبَصَرِي، وَاجْعَلْهُما الوَارِثَ مِنِّي، وَانْصُرْنِي على عَدُوِّي وَأرِنِي ثَأْرِي، اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَمِنَ الجُوعِ فإنَّهُ بِئْسَ الضَّجِيعُ". قال العلماء: معنى اجعلهما الوارث مني: أي أبقهما صحيحين سليمين إلى أن أموت؛ وقيل المراد بقاؤهما وقوتهما عند الكِبَر وضعف الأعضاء وباقي الحواس: أي اجعلهما وارثيْ قوّة باقي الأعضاء والباقِيَيْن بعدها؛ وقيل المراد بالسمع: وعي ما يسمع والعمل به، وبالبصر: الاعتبار بما يرى، وروي "واجعله الوارث مني" فَرَدَّ الهاء إلى الإِمتاع فوحَّدَه. [28/ 244] وروينا فيه عن عائشة رضي الله عنها أيضًا، قالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ منذ صحبته ـ ينامُ حتى فارقَ الدنيا حتى يتعوّذ من الجبن والكسل، والسآمة والبخل، وسوءِ الكِبَر، وسوء المنظر في الأهل والمال، وعذاب القبر، ومن الشيطان وشركه. [29/ 245] وروينا فيه عن عائشة أيضًا، أنها كانتْ إذا أرادتْ النومَ ¬

[243] ابن السني (739) وقال الحافظ ابن حجر: أخرجه ابن السني من رواية أبي المقدام هشام بن زياد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عنها. وأبو المقدام متفق على ضعفه. نتائج الأفكار ـ لوحة (199). [244] ابن السني (741) وفي إسناده السُّدّي، وهو ضعيف. وقال الحافظ ابن حجر: وقد جاء هذا الحديث متفرقًا. أي: لفقراته شواهد. [245] ابن السني (748)، وقال الحافظ ابن حجر: أخرجه ابن السني من طريقين، وهو موقوف صحيح الإِسناد. الفتوحات 3/ 170.

تقول: اللَّهُمَّ إِنِّي أسألُكَ رُؤْيا صَالِحَةً، صَادِقَة غَيْرَ كاذِبَةً، نافِعَةً غَيْرَ ضَارَّةٍ. وكانتْ إذا قالت هذا قد عرفوا أنها غير متكلمة بشيء حتى تصبحَ أو تستيقظَ من الليل. [30/ 246] وروى الإِمام الحافظ أبو بكر بن أبي داود بإسناده، عن عليّ رضي الله عنه قال: ما كنتُ أرى أحدًا يعقل ينام قبل أن يقرأ الآيات الثلاث الأواخر من سورة البقرة. إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم. [31/ 247] وروي أيضًا عن عليّ: ما أرى أحدًا يعقلُ دخلَ في الإِسلام ينامُ حتى يقرأ آيةَ الكرسي. [32/ 248] وعن إبراهيم النخعي قال: كانوا يُعلّمونهم إذا أووا إلى فراشهم أن يقرؤوا المعوّذتين. وفي رواية: كانوا يستحبّون أن يقرؤوا هؤلاء السور في كلّ ليلة ثلاثَ مرات: قل هو الله أحد والمعوّذتين. إسناده صحيح على شرط مسلم. واعلم أن الأحاديث والآثار في هذا الباب كثيرة، وفيما ذكرناه كفاية لمن وُفِّق للعمل به، وإنما حذفنا ما زاد عليه خوفًا من الملل على طالبه والله أعلم؛ ثم الأولى أن يأتيَ الإِنسانُ بجميع المذكور في هذا الباب، فإن لم يتمكن اقتصرَ على ما يقدرُ عليه من أهمّه. ¬

[246] قال الحافظ ابن حجر: أخرجه أبو بكر عبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعث في كتاب "شريعة القارىء" من طريقين، الأولى صحيحة كما قال الشيخ .. وانظر الفتوحات 3/ 170، ونتائج الأفكار ـ لوحة (200). [247] قال الحافظ ابن حجر: أخرجه ابن أبي داود .. وسنده حسن. [248] الأثر عن النخعي أخرجه ابن أبي داود بسندين كلاهما صحيح. الفتوحات 3/ 172. وقد تقدم حديث عائشة في قراءة المعوذات كل ليلة، وهو في الصحيحين، وفي بعض طرقه: ثلاث مرات. نتائج الأفكار ـ لوحة (201).

61 ـ باب كراهة النوم من غير ذكر الله تعالى

61 ـ بابُ كراهةِ النوْم مِن غيرِ ذِكْرِ اللَّه تَعالى [1/ 249] روينا في سنن أبي داود بإسناد جيد عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قَعَدَ مَقْعَدًا لَمْ يَذْكُر اللَّهَ تَعَالى فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ تِرَةٌ، وَمَنْ اضْطَجَعَ مَضْجَعًا لا يَذْكُرُ اللَّهَ تَعالى فِيهِ كانَتْ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ تَعالى تِرَةٌ" قلت: الترة (¬1) بكسر التاء المثناة فوق وتخفيف الراء، ومعناه: نقص، وقيل تبعة. 62 ـ بابُ ما يقول إذا استيقظَ في الليل وأرادَ النَّومَ بعدَه اعلم أن المستيقظ بالليل على ضربين: أحدهُما: من لا ينام بعدَه، وقد قدَّمنا في أوّل الكتاب أذكارَه. والثاني: من يُريد النوم بعدَه، فهذا يُستحبّ له أن يذكرَ الله تعالى إلى أن يغلبه النوم، وجاء فيه أذكار كثيرة، فمن ذلك ما تقدم في الضرب الأوّل. ومن ذلك: [1/ 250] ما رويناه في صحيح البخاري عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: "مَنْ تَعارَّ من اللَّيلِ فَقالَ: لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ على كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ، والحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُبْحانَ اللَّهِ، وَلا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أكْبَرُ، وَلا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلإِلاَّ باللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفرْ لي ـ أوْ دَعا ـ اسْتُجِيبَ لَهُ، فإنْ تَوَضَّأ قُبِلَتْ صَلاتُهُ" هكذا ضبطته في أصل سماعنا المحقق، وفي النسخ المعتمدة من البخاري، ¬

[249] أبو داود (5059) وإسناده حسن. وذكر الحافظ ممن أخرجه: النسائي في الكبرى، والفريابي في الذكر، والطبراني في الدعاء. نتائج الأفكار ـ لوحة (201). [250] البخاري (1154)، والترمذي (3411)، وأبو داود (5060). (¬1) قال ابن حجر: الترة: مأخوذة من وُتِر فلان: قُتل له قتيل ولم يُعط ديته، أو وُتر حقه: إذا نقص. وكلٌّ منهما موجبٌ للحسرة

وسقط قول "ولا إِله إلاّ الله" قبل "والله أكبر" في كثير من النسخ، ولم يذكره الحميدي أيضًا في الجمع بين الصحيحين، وثبت هذا اللفظ في رواية الترمذي وغيره، وسقط في رواية أبي داود، وقوله "اغفر لي أو دعا" هو شك من الوليد بن مسلم أحد الرواة، وهو شيخ البخاري وأبي داود والترمذي وغيرهم في هذا الحديث. وقوله صلى الله عليه وسلم "تعارّ" هو بتشديد الراء ومعناه: استيقظ. [2/ 251] وروينا في سنن أبي داود بإسناد لم يضعفه، عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ من الليل قال: "لا إلهَ إِلاَّ أنْتَ سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ، أسْتَغْفِرُكَ لِذَنْبِي، وأسألُكَ رَحْمَتَكَ، اللَّهُمَّ زِدْنِي عِلْمًا وَلاَ تُزِغْ قَلْبِي بعد إذْ هَدَيْتَني وَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إنَّكَ أنْتَ الوَهَّابُ". [3/ 252] وروينا في كتاب ابن السني عن عائشة رضي الله عنها قالت كان ـ تعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ إذا تعارّ من الليل قال: "لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ رَبُّ السَّمَوَاتِ والأرْضِ وَما بَيْنَهُما العَزِيزُ الغَفَّارُ". [4/ 253] وروينا فيه بإسناد ضعيف عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إذَا رَدَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إلى العَبْدِ المُسْلِمِ نَفْسَهُ مِنَ اللَّيْلِ فَسَبَّحَهُ وَاسْتَغْفَرَهُ وَدَعاهُ تَقَبَّلَ مِنْهُ". ¬

[251] أبو داود (5061)، وفي سنده عبد الله بن الوليد بن قيس التجيبي، وهو ليّن الحديث، وتقدم برقم 7/ 32. [252] ابن السني (762) ورواه النسائي والحاكم، وإسناده صحيح. وانظر صحيح الجامع الصغير 14/ 213. وقد حسّنه الحافظ في أماليه، وتعجب من اقتصار الشيخ النووي على عزوه إلى ابن السني. نتائج الأفكار ـ لوحة (203). [253] ابن السني (758) وإسناده ضعيف، وقال المنذري: رواه ابن أبي الدنيا.

63 ـ باب ما يقول إذا قلق في فراشه فلم ينم

[5/ 254] وروينا في كتاب الترمذي وابن ماجه وابن السني بإسناد جيد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذَا قامَ أحَدُكُمْ عَنْ فِرَاشِهِ مِنَ اللَّيْلِ ثم عادَ إِلَيْهِ فَلْيَنْفُضْهُ بِصَنِفَةِ إِزَارِهِ ثَلاث مَرَّاتٍ، فإنَّهُ لا يَدْرِي ما خَلَفَهُ عَلَيْهِ، فإذَا اضْطَجَعَ فَلْيَقُلْ: باسْمِكَ اللَّهُمَّ وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أرْفَعُهُ، إِنْ أمْسَكْتَ نَفْسِي فارْحَمْها، وَإِنْ رَدَدْتَها فاحْفَظْها بِما تَحْفَظُ بِهِ عِبادَكَ الصَّالِحين" قال الترمذي: حديث حسن. قال أهل اللغة: صَنِفة الإِزار: بكسر النون، جانبه الذي لا هدب فيه، وقيل جانبه؛ أيّ جانب كان. [6/ 255] وروينا في موطأ الإِمام مالك رحمه الله في باب الدعاء آخر كتاب الصلاة، عن مالك أنه بلغه عن أبي الدرداء رضي الله عنه؛ أنه كان يقوم من جوف الليل فيقول: نامَتِ العُيُونُ وَغارَتِ النُّجُومُ وأنْتَ حَيٌّ قَيُوم. قلت: معنى غارت: غربت. 63 ـ بابُ ما يَقولُ إذا قلقَ في فراشِه فلم ينمْ [1/ 256] روينا في كتاب ابن السني، عن زيد بن ثابت رضي الله ¬

[254] الترمذي (3392)، وابن ماجه (3874)، وابن السني (770)، وهو حديث حسن، وانظر صحيح الجامع الصغير 1/ 170ـ171. [255] الموطأ (3) وقال الحافظ ابن حجر: لم أقف على من وصله، ولا أسنده ابن عبد البّر مع تتبعه لذلك ... الخ. الفتوحات الربانية 3/ 177. [256] ابن السني (754) وقال الحافظ ابن حجر: حديث غريب أخرجه ابن السني وأبو أحمد ابن عدي في الكامل والطبراني في الكبير، وقال ابن عدي: تفرّد به عمرو بن الحصين الحرّاني وهو مظلم الحديث، وحدّث عن الثقات بماكير لا يرويها غيره. الفتوحات الربانية 3/ 177، والكامل في الضعفاء 5/ 1799 والسِّنَة: فتور يتقدم النوم، من وَسِنَ يُوسن فهو وَسِنٌ ووسنان.

عنه، قال: شكوتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرَقًا أصابني فقال:"قُلِ اللَّهُمَّ غارَتِ النُّجُومُ وَهَدأتِ العُيُونُ وأنْتَ حَيُّ قَيُّومٌ لا تَأخُذُكَ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ، يا حيُّ يا قَيُّومُ أَهْدِىءْ لَيْلي، وأنِمْ عَيْنِي" فقلتُها، فأذهب اللَّه عزّ وجلّ عني ما كنتُ أجد. [2/ 257] وروينا فيه عن محمد بن يحيى بن حَبَّان ـ بفتح الحاء والباء الموحدة، ـ أن خالد بن الوليد رضي الله عنه أصابَه أرقٌ، فشكا ذلك إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فأمره أن يتعوّذ عند منامه بكلماتِ اللَّه التَّامَّات من غضبه، ومن شرّ عباده، ومن همزات الشياطين وأنْ يَحضرون. هذا حديث مرسل، محمد بن يحيى تابعي. قال أهل اللغة: الأرق هو السهر. [3/ 258] وروينا في كتاب الترمذي بإسناد ضعيف، وضعَّفه الترمذي عن بُريدة رضي الله عنه، قال: شكا خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! ما أنام الليل من الأرق، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "إذَا أوَيْتَ إلى فِرَاشِكَ فَقُلْ: اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَما أظَلَّتْ، وَرَبَّ الأَرضينَ وَمَا أقَلَّتْ، وَرَبَّ الشَّياطِينِ وَمَا أضَلَّتْ، كُنْ لي جارًا مِنْ خَلْقِكَ كُلِّهِمْ جَمِيعًا أنْ يَفْرطَ عليّ أحَدٌ مِنْهُمْ أو أنْ يَبْغي عليَّ، عَزَّ جارُكَ، وَجَلَّ ثَناؤُكَ وَلا إِلهَ غَيْرُكَ، وَلا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ". ¬

[257] ابن السني (755) وقال الحافظ ابن حجر: مرسل صحيح الإسناد. [258] الترمذي (3518) وفي إسناده الحكم بن ظهير، وهو متروك عند أهل الحديث. انظر الفتوحات 3/ 181 والتقريب 1/ 191.

64 ـ باب ما يقول إذا كان يفزع في منامه

64 ـ بابُ ما يقولُ إذا كانَ يفزعُ في منامه [1/ 259] روينا في سنن أبي داود والترمذي وابن السني وغيرها، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم من الفزع كلمات: "أعُوذُ بِكَلِماتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ غَضَبهِ وَشَرِّ عِبادِهِ، وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّياطِينِ وأنْ يَحْضُرُونِ" قال: وكان عبد الله بن عمرو يعلمهنّ مَنْ عقل من بنيه، ومَنْ لم يعقل كتبه فعلقه عليه. قال الترمذي: حديث حسن. وفي رواية ابن السني: جاء رجلٌ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فشكا أنه يفزعُ في منامه، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا أوَيْتَ إلى فِرَاشِكَ فَقُلْ: أَعُوذُ بِكَلِماتِ الله التَّامَّةِ مِنْ غَضَبِهِ وَمنْ شَرّ عِبادِهِ، وَمِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ وأنْ يَحْضرُونِ" فقالها، فذهب عنه. 65 ـ بابُ ما يقولُ إذا رَأى في منامِه ما يُحِبُّ أو يَكرهُ [1/ 260] روينا في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ أنه سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: "إذَا رَأى أحَدُكُمْ رُؤْيا يُحِبُّها، فإنَّمَا هِيَ مِنَ اللَّهِ تَعالى، فَلْيَحْمَدِ اللَّه تَعالى عَلَيْها وَلْيُحَدّثْ بِها" وفي رواية "فَلا يُحَدِّثْ بِها إِلاَّ مَنْ يُحِبُّ، وَإذَا رأى غَيْرَ ذلكَ مِمَّا يَكْرَهُ فإنَّمَا هِيَ مِنَ الشَّيْطانِ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ شَرِّها وَلا يَذْكُرْها لأحَدٍ فإنها لا تَضُّرُّهُ". [2/ 261] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي قَتادة رضي ¬

[259] أبو داود (3893)، والترمذي (3519)، وابن السني (753)، ومسند أحمد 2/ 181، والحاكم في المستدرك 1/ 548، وهو حديث حسن بشواهده. [260] البخاري (6985). [261] البخاري (5747)، ومسلم (2262).

66 ـ باب ما يقول إذا قصت عليه رؤيا

الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الرُّؤْيا الصَّالِحَةُ" وفي رواية "الرُّؤْيا الحَسَنَةُ مِنَ اللَّهِ، والحُلْمُ مِنَ الشَّيْطانِ، فَمَنْ رأى شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَنْفُثْ عَنْ شِمالِهِ ثَلاثًا وَلْيَتَعَوَّذْ مِنَ الشَّيْطان، فإنهَا لا تَضُرُّهُ" وفي رواية "فَلْيَبْصُقْ" بدل: فلينفثْ، والظاهر أن المراد النفث، وهو نفخ لطيف لا ريق معه. [3/ 262] وروينا في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا رأى أحَدُكُمُ الرُّؤيا يَكْرَهُها فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسارِهِ ثَلاثًا، وَلْيَسْتَعِذْ باللَّه مِنَ الشَّيْطانِ ثَلاثًا، وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كانَ عَلَيْهِ". [4/ 263] وروى الترمذي من رواية أبي هريرة مرفوعًا: "إذَا رأى أحَدُكُمْ رُؤْيا يَكْرهَها فَلا يُحَدِّثْ بها أحَدًا وَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ". [5/ 264] وروينا في كتاب ابن السني وقال فيه: "إذَا رَأى أحَدُكُمْ رُؤْيا يَكْرَهُها فَلْيَتْفُلْ عن يَسَارِهِ ثَلاث مَرَّاتٍ، ثُمَّ ليَقُلِ: اللَّهمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنْ عَمَل الشَّيْطانِ وَسَيِّئاتِ الأحْلامِ؛ فإنَّهَا لاَ تَكُونُ شَيْئًا". 66 ـ بابُ ما يقولُ إذا قُصَّتْ عليه رُؤيا [1/ 265] روينا في كتاب ابن السني؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قال له ¬

[262] مسلم (2262)، وأبو داود (5022). [263] الترمذي (2292)، وتعجب الحافظ ابن حجر من اقتصار النووي ـ رحمه الله تعالى ـ في تخريج الحديث للترمذي فقط؛ إذ هو عند الإِمام أحمد والبخاري ومسلم. الفتوحات 3/ 191. [264] ابن السني (775) وفي السند من ابن السني إلى إدريس بن يزيد الأودي انقطاع، والراوي عن إدريس متروك، كما ذكر الحافظ ابن حجر. نتائج الأفكار (207). [265] ابن السني (777) وإسناده ضعيف في الروايتين؛ كما في الفتوحات 3/ 193، ونتائج الأفكار (207). =

67 ـ باب الحث على الدعاء والاستغفار في النصف الثاني من كل ليلة

رأيت رؤيا، قال: خَيْرًا رَأيْتَ وخَيْرًا يَكُونُ" وفي رواية "خَيْرًا تَلْقاهُ، وَشَرًّا تَوَقَّاهُ، خَيْرًا لَنا، وَشَرًّا على أعْدَائِنا، والحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ العالَمِينَ". 67 ـ بابُ الحَثّ على الدًّعاء والاستغفارِ في النصفِ الثاني من كلِّ ليلة [1/ 266] روينا في صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يَنْزِلُ رَبُّنا كُلَّ لَيْلَةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْل الآخِر فَيَقُولُ مَنْ يَدْعُونِي فأسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْألُني فأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُني فَأَغْفِر لَهُ؟ " وفي رواية لمسلم "يَنزِلُ اللَّهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى إلى السَّماءِ الدُّنْيا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ الأوَّلُ فَيَقُولُ: أنا المَلِكُ أنا المَلِكُ، مَنْ ذَا الَّذي يَدْعُونِي فَأسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ ذَا الَّذي يَسألُنِي فأُعْطِيَهُ؟ مَنْ ذَا الَّذِي يَسْتَغْفِرُنِي فأغْفِرَ لَهُ، فَلا يَزَالُ كَذَلِكَ حتَّى يُضِيءَ الفَجْرُ". وفي رواية"إِذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أوْ ثُلُثَاهُ". ¬

= فائدة: قال الشيخ ابن حجر الهيتمي في تذكرته المسماة بـ "طرف الفوائد وظرف الفرائد": حاصل ماذُكر من آداب الرؤيا الصالحة ثلاثة: 1ـ حمد الله عليها. 2ـ الاستبشار بها. 3ـ الإِخبار بها؛ لكن لمن يحب دون من يكرهه. وآداب الرؤيا المكروهة أربعة: 1ـ التعوّذ بالله من شرّها. 2ـ ومن شر الشيطان. 3ـ أن يتفل حين يستيقظ من نومه. 4ـ ولا يذكرها لأحد أصلًا. وزاد البخاري ومسلم.5ـ الصلاة. وزاد مسلم:6ـ التحوّل من جنبه الذي كان عليه. وذكر ابن علاّن:7ـ قراءة آية الكرسي. (الفتوحات الربانية 3/ 186). [266] البخاري (7494) ومسلم (758). قال الحافظ ابن حجر: ويفيد الحديث أن آخر الليل أفضل للدعاء والاستغفار، ويشهد له قوله تعالى: {والمستغفرين بالأسحار}، وأن الدعاء في ذلك الوقت مُجاب. ولا يعترض على ذلك بتخلّفه عن بعض الدّاعين، لأن سبب التخلّف وقوع الخلل في شرط من شروط الدعاء ...

68 ـ باب الدعاء في جميع ساعات الليل كله رجاء أن يصادف ساعة الإجابة

[2/ 267] وروينا في سنن أبي داود والترمذي عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه أنه سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: "أقْرَبُ ما يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ العَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الآخر، فإن اسْتَطَعْتَ أنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعالى فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. 68 ـ بابُ الدُّعاءِ في جَميع ساعاتِ الليل كلِّه رجاءَ أن يُصادِفَ ساعةَ الإِجابة [1/ 268] روينا في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنَّ في اللَّيْلِ لَساعَةً لا يُوافِقُها رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسألُ اللَّهَ تَعالى خَيْرًا مِنْ الدُّنْيا والآخِرَةِ إلاَّ أعْطاهُ اللَّهُ إيَّاهُ، وَذلكَ كُلَّ لَيْلَةِ". 69 ـ بابُ أسماء الله الحسنى قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الأسْماءُ الحُسْنَى فادْعُوهُ بِها} [الأعراف:180]. [1/ 269] وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ ¬

[267] أبو داود (875)، والترمذي (3574) واللفظ له، وإسناده صحيح. [268] مسلم (757). [269] البخاري (6410)، ومسلم (2677)، إلى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنه وتر يحبّ الوتر". وتتمة الحديث رواه الترمذي (3502) وقال: هذا حديث غريب، حدثنا به غير واحد عن صفوان، ولا نعرفه إلا من حديث صفوان وهو ثقة. وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة، ولا نعرف في شيء من الروايات ذكر الأسماء إلا في هذه الطريق. وقد روي بإسناد آخر عن أبي هريرة فيه ذكر الأسماء، وليس له إسناد صحيح. وابن حبّان (2382) موارد الظمآن، والحاكم 1/ 16، وابن ماجه (3861) وقال =

لِلَّهِ تَعالى تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، إِلاَّ وَاحِدًا، مَنْ أحْصَاها دَخَلَ الجَنَّةَ، إنَّهُ وِتْرٌ يُحِبُّ الوِتْرِ (¬1)، هُوَ اللَّهُ الَّذي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ، الرَّحْمَنُ، الرَّحِيمُ، المَلِكُ، القُدُّوسُ، السَّلامُ، المُؤْمِنُ، المُهَيْمِنُ، العَزِيزُ، الجَبَّارُ، المُتَكَبِّرُ، الخالِقُ، البارىءُ، المُصَوّرُ، الغَفَّارُ، القَهَّارُ، الوَهَّابُ، الرَّزَّاقُ، الفَتَّاحُ، العَلِيمُ، الباسِطُ، الخَافِضُ، الرَّافِعُ، المُعِزُّ، المُذِلُّ، السَّمِيعُ، البَصِيرُ، الحَكَمُ، العَدْلُ، اللَّطِيفُ، الخَبيرُ، الحَليمُ، العَظِيمُ، الغَفُورُ، الشَّكُورُ، العَلِيُّ، الكَبِيرُ، المُغِيثُ، الحَسِيبُ، الجَلِيلُ، الكَرِيمُ، الرَّقِيبُ، المُجِيبُ، الوَاسِعُ، الحَكِيمُ، الوَدُودُ، المَجِيدُ، الباعِثُ، الشَّهِيدُ، الحَقُّ، الوَكِيلُ، القَوِيُّ، المَتِينُ، الوَليُّ، الحَمِيدُ، المُحْصِي، المُبْدِىءُ، المُعِيدُ، المُحْيِي، المُمِيتُ، الحَيُّ، القَيُّومُ، الوَاجِدُ، المَاجِدُ، الوَاحِدُ، الصَّمَدُ، القادِرُ، المُقْتَدِرُ، المُقَدِّمُ، المُؤَخِّرُ، الأوَّلُ، الآخِرُ، الظَّاهِرُ، البَاطِنُ، الوَالي، المُتَعالِ، البَرُّ، التَّوَّابُ، المُنْتَقِمُ، العَفُوُّ، الرَّؤُوف، مالِكُ المُلْكِ، ذُو الجَلالِ وَالإِكْرَامِ، المُقْسِطُ، الجامِعُ، الغَنِيُّ، المُغْنِي، المَانِعُ، الضَّار، النَّافعُ، النُّورُ، الهَادِي، البَدِيعُ، الباقِي، الوَارِثُ، الرَشِيدُ، الصَّبُورُ" هذا حديث البخاري ومسلم إلى قوله "يحبّ الوتر" وما بعده حديث حسن، رواه الترمذي وغيره. قوله "المغيث" روي بدله "المقيت" ¬

= البوصيري في الزوائد: لم يخرج أحد من الأئمة الستة عدد أسماء الله الحسنى من هذا الوجه ولا غيره، غير ابن ماجه والترمذي مع تقديم وتأخير، وطريق الترمذي أصحّ شيء في الباب، وفي إسناد طريق ابن ماجه ضعف .. وانظر تخريج الحديث في جامع الأصول 4/ 174. (¬1) "وتر يحب الوتر": قال القرطبي: الظاهر أن الوتر هنا للجنس؛ إذ لا معهود جرى ذكره حتى يحمل عليه فيكون معناه أنه وتر يحبُ كل وتر شرعه، ومعنى محبته له أنه أمر به وأثاب عليه. وقال ابن حجر: ويظهر لي الوتر يُراد به التوحيد، فيكون المعنى أن الله في ذاته وكماله وأفعاله واحد ويحبّ التوحيد .. فتح الباري 11/ 227

بالقاف والمثناة، وروي "القريب" بدل "الرقيب"، وروي "المبين" بالموحدة بدل "المتين" بالمثناة فوق، والمشهور المثناة، ومعنى أحصاها: حفظها، هكذا فسره البخاري والأكثرون، ويؤيده أن في رواية في الصحيح "مَنْ حَفِظَهَا دَخَلَ الجَنَّةَ" وقيل معناه من عرف معانيها وآمن بها، وقيل معناه: من أطاقها بحسن الرعاية لها وتخلَّق بما يمكنه من العمل بمعانيها، والله أعلم.

كتاب تلاوة القرآن

كتاب تلاوة القرآن 70 ـ بابُ تلاوة القرآن اعلم أن تلاوة القرآن هي أفضل الأذكار، والمطلوب القراءة بالتدبر، وللقراءة آدابٌ ومقاصد، وقد جمعت قبل هذا فيها كتاباُ مختصرًا (¬1) مشتملًا على نفائس من آداب القرّاء والقراءة وصفاتها وما يتعلق بها، لا ينبغي لحامل القرآن أن يخفى عليه مثله، وأنا أُشِيرُ في هذا الكتاب إلى مقاصدَ من ذلك مختصرة، وقد دللتُ من أراد ذلك وإيضاحه على مظنته، وبالله التوفيق. [فصل]: ينبغي أن يحافظ على تلاوته ليلًا ونهارًا، سفرًا وحضرًا، وقد كانت للسلف رضي الله عنهم عادات مختلفة في القدر الذي يختمون فيه، فكان جماعةٌ منهم يختمون في كل شهرين ختمة، وآخرون في كل شهر ختمة، وآخرون في كل عشر ليال ختمة، وآخرون في كل ثمان ليالٍ ختمة، وآخرون في كل سبع ليالٍ ختمة، وهذا فعل الأكثرين من السلف، وآخرون في كل ستّ ليال، وآخرون في خمس، وآخرون في أربع، وكثيرون في كل ثلاث، وكان كثيرون يختمون في كل يوم وليلة ختمة، وختم ¬

(¬1) هو كتاب "التبيان في آداب حملة القرآن" وطبع مرارًا

جماعة في كل يوم وليلة ختمتين. وآخرون في كل يوم وليلة ثلاث ختمات، وختم بعضهم في اليوم والليلة ثماني ختمات: أربعًا في الليل، وأربعًا في النهار: وممّن ختم أربعًا في الليل وأربعًا في النهار السيد الجليل ابن الكاتب الصوفي (¬1) رضي الله عنه، وهذا أكثر ما بلغنا في اليوم والليلة. وروى السيد الجليل أحمد الدورقي بإسناده عن منصور بن زاذان بن عباد التابعي رضي الله عنه أنه كان يختم القرآن ما بين الظهر والعصر، ويختمه أيضًا فيما بين المغرب والعشاء، ويختمه فيما بين المغرب والعشاء في رمضان ختمتين وشيئًا، وكانوا يؤخرون العشاء في رمضان إلى أن يمضي ربع الليل. وروى ابن أبي داود بإسناده الصحيح أنّ مجاهدًا رحمه الله كان يختم القرآن في رمضان فيما بين المغرب والعشاء. وأما الذين ختموا القرآن في ركعة فلا يُحصون لكثرتهم، فمنهم عثمان بن عفان، وتميم الدّاري، وسعيد بن جبير. والمختار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فمن كان يظهر له بدقيق الفكر لطائف ومعارف فليقتصر على قدر يحصل له فهم ما يقرأ، وكذا من كان مشغولًا بنشر العلم أو فصل الحكومات بين المسلمين أو غير ذلك من مهمات الدين والمصالح العامَّة للمسلمين، فليقتصر على قدر لا يحصل له بسببه إخلال بما هو مرصد له ولا فوت كماله، ومن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليستكثْر ما أمكنه من غير خروج إلى حدّ الملل أو الهذرمة في القراءة. ¬

(¬1) ابن الكاتب: هو أبو علي، حسن بن أحمد الصوفي، المتوفى بعد سنة 340 هـ الفتوحات 3/ 232

وقد كره جماعة من المتقدمين الختم في يوم وليلة، ويدلّ عليه: [1/ 270] ما رويناه بالأسانيد الصحيحة في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وغيرها، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَفْقَهُ مَنْ قَرأ القُرآنَ فِي أقَلّ مِنْ ثَلاثٍ". وأما وقت الابتداء والختم فهو إلى خيرة القارىء، فإن كان ممّن يختم في الأسبوع مرّة، فقد كان عثمان رضي الله عنه يبتدىء ليلة الجمعة ويختم ليلة الخميس، وقال الإِمام أبو حامد الغزالي في الإِحياء: الأفضل أن يختم ختمة بالليل، وأخرى بالنهار، ويجعل ختمة النهار يوم الاثنين في ركعتي الفجر أو بعدهما، ويجعل ختمة الليل ليلة الجمعة في ركعتي المغرب أو بعدهما، ليستقبل أوّل النهار وآخره. وروى ابن أبي داود عن عمرو بن مرّة التابعي الجليل رضي الله عنه قال: كانوا يحبّون أن يختم القرآن من أوّل الليل أو من أوّل النهار. وعن طلحة بن مصرف التابعي الجليل الإِمام قال: من ختم القرآن أية ساعة كانت من النهار صلّتْ عليه الملائكةُ حتى يمسي، وأية ساعة كانت من الليل صلَّت عليه الملائكةُ حتى يُصبح. وعن مجاهد نحوه. [2/ 271] وروينا في مسند الإِمام المجمع على حفظه وجلالته وإتقانه ¬

[270] أبو داود (1394)، والترمذي (1950)، والنسائي، وابن ماجه (1347). وقال الحافظ ابن حجر: حديث حسن غريب أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي، والنسائي، وتعجب من قول النووي ـ رحمه الله تعالى ـ بأسانيد صحيحة، فإن الحديث ليس له عندهم إلا سند واحد هو: قتادة عن أبي العلاء عن عبد الله بن عمرو ... الفتوحات 3/ 235. [271] سنن الدارمي 2/ 470، وقد نازعه الحافظ ابن حجر في تحسينه، بأنه في سنده ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف الحفظ، ومحمد بن حميد مختلف فيه، وكأنه حسّنه لشواهده في التذكار، للقرطبي، ومسند الفردوس، والحلية. الفتوحات 3/ 238.

وبراعته أبي محمد الدارمي رحمه الله، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: إذا وافق ختم القرآن أول الليل صلّت عليه الملائكة حتى يصبح، وإن وافق ختمه آخر الليل صلّت عليه الملائكة حتى يُمسي. قال الدارمي: هذا حسن عن سعد. [فصل]: في الأوقات المختارة للقراءة، اعلم أن أفضل القراءة ما كان في الصلاة، ومذهب الشافعي وآخرين رحمهم الله: أن تطويلَ القيام في الصلاة بالقراءة أفضلُ من تطويل السجود وغيره. وأما القراءةُ في غير الصلاة فأفضلُها قراءة الليل، والنصف الأخير منه أفضل من الأوّل، والقراءةُ بين المغرب والعشاء محبوبة. وأما قراءةُ النهار فأفضلُها ما بعد صلاة الصبح، ولا كراهة في القراءة في وقت من الأوقات، ولا في أوقات النهي عن الصلاة. وأما ما حكاه ابن أبي داود رحمه الله عن مُعان بن رفاعة رحمه الله عن مشيخته (¬1) أنهم كرهوا القراءة بعدَ العصر وقالوا: إنها دراسة يهود، فغير مقبول ولا أصل له، ويختار من الأيام: الجمعة، والاثنين، والخميس، ويوم عَرَفَة؛ ومن الأعشار: العشر الأوّل من ذي الحجة والعشر الأخير من رمضان؛ ومن الشهور: رمضان. [فصل]: في آداب الختم وما يتعلق به، قد تقدم أن الختم للقارىء وحدَه يُستحب أن يكون في صلاة. وأما من يختم في غير صلاة، والجماعة الذين يختمون مجتمعين، فيُستحبّ أن يكون ختمُهم في أوّل الليل أو في أوّل النهار كما تقدم. ويُستحبّ صيام يوم الختم إلا أن يُصادف يومًا نهى الشرعُ عن صيامه. وقد صحّ عن طلحة بن مصرّف والمسيّب بن رافع وحبيب بن أبي ثابت التابعيّينَ الكوفيّينَ رحمهم الله أجمعين؛ أنهم كانوا ¬

(¬1) قال ابن علاّن: "مَشْيَخته" بفتح الميم وسكون المعجمة، وفتح التحتية، والخاء المعجمة، وهو أحد جموع لفظ شيخ. وفي هامش "أ": "وفي نسخة: عن مشايخه"

يُصبحون صيامًا اليوم الذي يختمون فيه. ويُستحبّ حضورُ مجلس الختم لمن يقرأ ولمن لا يُحسن القراءة. [3/ 272] روينا في الصحيحين: أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم أمر الحُيَّضَ بالخروج يومَ العيد فيشهدْنَ الخيرَ ودعوةَ المسلمين. [4/ 273] وروينا في مسند الدارمي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يجعل رجلًا يُراقب رجلًا يقرأ القرآن، فإذا أراد أن يختمَ أعلم ابنَ عباس رضي الله عنهما، فيشهد ذلك. [5/ 274] وروى ابن أبي داود بإسنادين صحيحين، عن قَتادَة التابعيّ الجليل الإِمام صاحب أنس رضي الله عنه قال: كان أنسُ بن مالك رضي الله عنه إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا. وروَى بأسانيد صحيحة عن الحكم بن عُتَيْبَةَ ـ بالتاء المثناة فوق والمثناة تحت ثم الباء الموحدة ـ التابعي الجليل الإِمام قال: أرسل إليّ مجاهد وعَبْدَةُ بن أبي لُبابة فقالا: إنّا أرسلا إليك لأنّا أردنا أن نختم القرآن، والدعاء يُستجاب عند ختم القرآن. وروى بإسناده الصحيح عن مُجاهد قال: كانوا يجتمعون عند ختم القرآن يقولون: تنزلُ الرحمةُ. [فصل]: ويُستحبّ الدعاء عند الختم استحبابًا متأكدًا شديدًا لما قدّمناه. ¬

[272] البخاري (974)، ومسلم (980)، وأبو داود (1136)، والترمذي (539)، والنسائي 3/ 180، والحُيَّض: جمع حائض. [273] سنن الدارمي 2/ 468 وإسناده ضعيف ومقطع. [274] رواه ابن أبي داود في كتابه المصاحف،، وقال الحافظ: هذا موقوف صحيح .. الفتوحات الربانية 3/ 244.

[6/ 275] وروينا في مسند الدارمي عن حُميد الأعرج رحمه الله، قال: مَن قرأ القرآن ثم دعا أمَّنَ على دعائه أربعةُ آلاف مَلَك. وينبغي أن يُلحّ في الدعاء، وأن يدعوَ بالأمور المهمة والكلمات الجامعة، وأن يكون معظم ذلك أو كله، في أمور الآخرة وأمور المسلمين وصلاح سلطانهم وسائر ولاة أمورهم، وفي توفيقهم للطاعات، وعِصمتهم من المخالفات، وتعاونهم على البرّ والتقوى، وقيامهم بالحقّ واجتماعهم عليه، وظهورهم على أعداء الدين وسائر المخالفين، وقد أشرت إلى أحرف من ذلك في كتاب آداب القرّاء، وذكرتُ فيه دعوات وجيزة من أراد نقلَهَا منه. وإذا فرغ من الختمة فالمستحبّ أن يشرع في أخرى متصلًا بالختم فقد استحبّه السَّلفُ واحتجّوا فيه بحديث: [7/ 276] عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خَيْرُ الأعْمالِ الحَلُّ وَالرِّحْلَةُ" قيل: وما هما؟ قال: "افْتِتاحُ القُرآنِ وَخَتْمُهُ". [فصل]: فيمن نام عن حزبه ووظيفته المعتادة. [8/ 277] روينا في صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ¬

[275] سنن الدارمي 2/ 470، وقال الحافظ ابن حجر بعد تخريجه من طريق الدارمي: أثر مقطوع، وسنده ضعيف، ويُغني عنه أثر مجاهد وعبدة في الفصل الذي قبله. الفتوحات 3/ 246. [276] في الترمذي (2949) والبيهقي في "شعب الإيمان" من حديث ابن عباس بمعناه، ومداره على صالح المري، وهو ضعيف. وقال الحافظ ابن حجر: حديث أنس المذكور أخرجه ابن أبي داود بسند فيه من كذب، وعجيب للشيخ ـ أي النووي ـ كيف اقتصر على هذا، ونسب للسلف الاحتجاج به، ولم يذكر حديث ابن عباس، وهو المعروف في الباب، وقد أخرجه بعض الستة، وصححه بعض الحفّاظ. الفتوحات 3/ 248. [277] مسلم (747).

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ مِنَ اللَّيْلِ، أوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، فَقَرأهُ ما بَيْنَ صَلاةِ الفَجْرِ وَصلاةِ الظُّهْرِ كُتِبَ لَهُ كأنَما قَرأهُ مِنَ اللَّيْلِ". [فصل]: في الأمر بتعهد القرآن، والتحذير من تعريضه للنسيان. [9/ 278] روينا في صحيحي البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "تَعَاهَدُوا هَذَا القُرآنَ، فَوَالَّذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الإِبِلِ في عُقُلها". [10/ 279] وروينا في صحيحيهما، عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّمَا مَثَلُ صاحِبِ القُرآنِ كَمَثَلِ الإِبلِ المُعقَّلَةِ إِنْ عاهَدَ عَلَيْها أمْسَكَها، وَإِنْ أطْلَقَها ذَهَبَتْ". [11/ 280] وروينا في كتاب أبي داود والترمذي، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي حتَّى القَذَاةُ يُخْرِجُها الرَّجُلُ مِن المَسْجِدِ، وَعُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي فَلَمْ أَرَ ذَنبًا أعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ القُرآنِ أوْ آيَةٍ أُوتِيهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَها" تكلم الترمذي فيه. ¬

[278] البخاري (5033)، ومسلم (791). ومعنى "تعاهدوا": أي واظبوا على تلاوته، وداوموا على تكرار دراسته كيلا يُنسى. ومعنى "عُقُلها": جمع عِقال، ككتاب وكتب، والعِقال: الحبل الذي يُعقل به البعير حتى لا يندّ ولا يشرد، شبّه القرآن في حفظه بدوام تكراره ببعيرًا أُحكم عِقاله، ثم أثبت له التفلت الذي هو من صفات المشبّه به أشده وأبلغه؛ تحريضًا على مداومة تعهده وعدم التفريط في شيء من حقوقه، ولِمَ لا، وهو الكلام القديم المتكفّل لقارئه بكل مقام كريم، وما هو كذلك حقيق بدوام التعهّد. وخليق باستمرار التفقد. الفتوحات 3/ 250. [279] البخاري (5031)، ومسلم (789)، والموطأ 1/ 202، والنسائي 2/ 154. [280] أبو داود (461)، والترمذي (2917) وقال: حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه. لكن الحافظ ابن حجر أورد له شواهد. انظر الفتوحات 3/ 351. والقذاة: ما يقع في العين من نحو تراب وغيره.

[12/ 281] وروينا في سنن أبي داود ومسند الدارمي، عن سعد بن عبادة رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قَرأ القُرآنَ ثُمَّ نَسِيَهُ لَقِيَ اللَّهَ تَعَالى يَوْمَ القِيامَةِ أجْذَمَ". [فصل]: في مسائل وآداب ينبغي للقارىء الاعتناء بها، وهي كثيرة جدًا، نذكرُ منها أطرافًا محذوفة الأدلة لشهرتها، وخوف الإِطالة المملّة بسببها. فأوّل ما يُؤمر به: الإِخلاص في قراءته، وأن يُريدَ بها اللَّهَ سبحانه وتعالى، وأن لا يقصدَ بها توصلًا إلى شيء سوى ذلك، وأن يتأدَّبَ مع القرآن ويستحضرَ في ذهنه أنه يناجي اللَّهَ سبحانه وتعالى ويتلو كتابه، فيقرأ على حالِ مَن يرى الله، فإنه إن لم يره فإن اللَّه تعالى يراه. [فصل]: وينبغي أنه إذا أراد القراءة أن ينظّفَ فَمَهُ بالسِّواك وغيره، والاختيار في السواك أن يكونَ بعود الأراك، ويجوز بغيره من العيدان، وبالسعد والأشنان، والخرقة الخشنة، وغير ذلك مما ينظف. وفي حصوله بالأصبع الخشنة ثلاثة أوجه لأصحاب الشافعي: أشهرُها عندهم لا يحصل، والثاني: يحصل، والثالث: يحصل إن لم يجد غيرها، ولا يحصل إن وجد. ويستاك عرضًا مبتدئًا بالجانب الأيمن من فمه، وينوي به الإِتيان بالسنّة. وقال بعض أصحابنا: يقول عند السواك: اللهمَّ بارك لي فيه يا أرحم الراحمين! ويَستاك في ظاهر الأسنان وباطنها، ويمرّ بالسواك على أطراف أسنانه وكراسي أضراسه وسقف حلقه إمرارًا لطيفًا، ويستاك بعود متوسط، لا شديد اليبوسة، ولا شديد اللين، فإن اشتدّ يبسه ليَّنه بالماء. أما إذا كان فمه نجسًا بدم أو غيره، فإنه يكره له قراءة القرآن قبل غسله، وهل ¬

[281] أبو داود (1474) والدارمي 2/ 437، وإسناده ضعيف، لوجود يزيد بن أبي زياد فيه، وهو ممّن لا يحتجّ بحديثه. و"أجذم" قيل: هو المقطوع اليد، وقيل: المجذوم، وهو المصاب بمرض الجذام المعروف.

يحرم؟ فيه وجهان: أصحُّهما لا يحرمُ، وسبقت المسألة أوّل الكتاب، وفي هذا الفصل بقايا تقدّم ذكرها في الفصول التي قدمتها في أوّل الكتاب. [فصل]: ينبغي للقارىء أن يكون شأنه الخشوع والتدبر والخضوع، فهذا هو المقصود المطلوب، وبه تنشرح الصدور وتستنير القلوب، ودلائله أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر. وقد بات جماعة من السلف يتلو الواحد منهم آية واحدة ليلة كاملة أو معظم ليلة يتدبرها عند القراءة. وصعق جماعة منهم، ومات جماعات منهم. ويستحبّ البكاء والتباكي لمن لا يقدر على البكاء، فإن البكاء عند القراءة صفة العارفين وشعار عباد الله الصالحين، قال الله تعالى: {وَيخِرُّونَ لِلأذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء:109]. وقد ذكرتُ آثارًا كثيرة وردت في ذلك في (التبيان في آداب حملة القرآن). قال السيد الجليل صاحب الكرامات والمعارف والمواهب واللطائف إبراهيم الخوَّاص رضي الله عنه: دواء القلب خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتدبر، وخلاء البطن، وقيام الليل، والتضرّع عند السحر، ومجالسة الصالحين. [فصل]: قراءة القرآن في المصحف أفضل من القراءة من حفظه، هكذا قاله أصحابنا، وهو مشهور عن السلف رضي الله عنهم، وهذا ليس على إطلاقه، بل إن كان القارىء من حفظه يحصل له من التدبر والتفكّر وجمع القلب والبصر أكثر مما يحصل من المصحف، فالقراءة من الحفظ أفضل، وإن استويا فمن المصحف أفضل، وهذا مراد السلف. [فصل]: جاءت آثار بفضيلة رفع الصوت بالقراءة وآثار بفضيلة الإِسرار. قال العلماء: والجمع بينهما أن الإِسرار أبعد من الرياء، فهو أفضل

في حقّ مَن يخاف ذلك، فإن لم يَخَفِ الرياءَ فالجهر أفضل، بشرط أن لا يؤذي غيره من مصلٍّ أو نائم أو غيرهما. ودليل فضيلة الجَهْر أن العمل فيه أكثر، لأنه يتعدى نفعه إلى غيره، ولأنه يُوقظ قلب القارىء ويجمع همَّه إلى الفكر ويصرف سمعه إليه، ولأنه يطردُ النومَ ويزيد في النشاط ويُوقظ غيره من نائم وغافل ويُنشِّطه، فمتى حضره شيء من هذه النيّات فالجهرُ أفضل. [فصل]: ويستحبّ تحسين الصوت بالقراءة وتزيينها (¬1) ما لم يخرج عن حدّ القراءة بالتمطيط، فإن أفرط (¬2) حتى زاد حرفًا أو أخفى حرفًا هو حرام. وأما القراءة بالألحان فهي على ما ذكرناه إن أفر فحرام، وإلا فلا، والأحاديث بما ذكرناه في تحسين الصوت كثيرة مشهورة في الصحيح وغيره؛ وقد ذكرتُ في آداب القُرَّاءِ قطعة منها. [فصل]: ويُستحبّ للقارىء إذا ابتدأ من وسط السورة أن يبتدىء من أوّل الكلام المرتبط بعضه ببعض، وكذلك إذا وقفَ يقفَ على المرتبط وعند انتهاء الكلام، ولا يتقيّدُ في الابتداء ولا في الوقف بالأجزاء والأحزاب والأعشار، فإن كثيرًا منها في وسط الكلام المرتبط بالكلام، ولا يغترُّ الإِنسانُ بكثرة الفاعلين لهذا الذي نهينا عنه ممّن لا يُراعِي هذه الآداب، وامتثِلْ ما قاله السيد الجليل أبو علي الفُضَيْل بن عِياض رضي الله عنه: لا تستوحشْ طرقَ الهدى لقلّة أهلها، ولا تغترّ بكثرة الهالكين، ولهذا المعنى ¬

(¬1) "وتزيينها": قال في الإِحياء: يستحبّ تزيين القراءة بترديد الصوت من غير تمطيط مفرط يغيّر النظم. الفتوحات 3/ 266 (¬2) "فإن أفرط" قال أقضى القضاة الماوردي في كتاب "الحاوي": القراءة بالألحان الموضوعة إن أخرجت لفظ القرآن عن صفته بإدخال حركات فيه أو إخراج حركات منه، أو قصر ممدود، أو مَدِّ مقصور، أو تمطيط يخفى به اللفظ فيلتبس المعنى فهو حرام يفسق به القارىء، ويأثم به المستمع، وإن لم يخرجه اللحن عن لفظه وقرأ به وعلى ترتيله كان مُباحًا؛ لأنه زاد بألحانه في تحسينه. الفتوحات 3/ 266

قال العلماء: قراءة سورة بكمالها أفضل من قراءة قدرها من سورة طويلة، لأنه قد يخفى الارتباط على كثير من الناس أو أكثرهم في بعض الأحوال والمواطن. [فصل]: ومن البدع المنكرة ما يفعلُه كثيرون من جهلة المصلّين بالناس التراويحَ من قراءة سورة (الأنعام) بكمالها في الركعة الأخيرة منها في الليلة السابعة، معتقدين أنها مستحبة، زاعمين أنها نزلت جملة واحدة، فيجمعون في فعلهم هذا أنواعًا من المنكرات: منها اعتقادها مستحبة، ومنها إيهام العوّام ذلك، ومنها تطويل الركعة الثانية على الأولى، ومنها التطويل على المأمومين، ومنها هذرمة القراءة، ومنها المبالغة في تخفيف الركعات قبلها. [فصل]: يجوز أن يقولَ: سورة البقرة، وسورة آل عمران، وسورة النساء، وسورة العنكبوت، وكذلك الباقي، ولا كراهة في ذلك؛ وقال بعض السلف: يُكره ذلك، وإنما يقال السورة التي تُذكر فيها البقرة، والتي يُذكر فيها النساء، وكذلك الباقي، والصواب الأوّل، وهو قولُ جماهير علماء المسلمين من سلف الأمة وخلفها، والأحاديثُ فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من أن تحصر، وكذلك عن الصحابة فمن بعدهم؛ وكذلك لا يُكره أن يُقال: هذه قراءة أبي عمرو، وقراءةُ ابن كثير وغيرهما، هذا هو المذهب الصحيح المختار الذي عليه عمل السلف والخلف من غير إنكار، وجاء عن إبراهيم النخعي رحمه الله أنه قال: كانوا يكرهون سنّة فلان، وقراءة فلان، والصواب ما قدّمناه. [فصل]: يُكره أن يقول نسيتُ آية كذا أو سورة كذا، بل يقول أُنسيتها أو أسقطتها.

[13/ 282] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَقُولُ أحَدُكُمْ نَسِيتُ آيَةَ كَذَا وَكَذَا، بَلْ هُوَ نُسِّيَ" وفي رواية الصحيحين أيضًا "بِئْسمَا لأحَدِهِمْ أنْ يَقُولَ نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ، بَلْ هُوَ نُسِّيَ". [14/ 283] وروينا في صحيحيهما، عن عائشة رضي الله عنها؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يقرأ فقال: "رَحِمَهُ اللَّهُ لَقَدْ أذْكَرَنِي آيَةً كُنْتُ أسْقَطْتُهَا" وفي رواية في الصحيح "كُنْتُ أُنْسِيتُها". [فصل]: اعلم أن آداب القارىء والقراءة لا يمكن استقصاؤها في أقلّ من مجلدات، ولكنا أردنا الإِشارة إلى بعض مقاصدها المهمات بما ذكرناه من هذه الفصول المختصرات، وقد تقدم في الفصول السابقة في أوّل الكتاب شيء من آداب الذاكر والقارىء، وتقدم أيضًا في أذكار الصلاة جمل من الآداب المتعلقة بالقراءة، وقد قدّمنا الحوالة على كتاب "التبيان في آداب حملة القرآن" لمن أراد مزيدًا، وبالله التوفيق، وهو حسبي ونِعمَ الوكيل. [فصل]: اعلم أن قراءة القرآن آكد الأذكار كما قدّمنا، فينبغي المداومة عليها، فلا يُخلي عنها يومًا وليلة، ويحصل له أصلُ القراءة بقراءة الآيات القليلة. [15/ 284] وقد روينا في كتاب ابن السني عن أنس رضي الله عنه، ¬

[282] البخاري (5032)، ومسلم (790)، واللفظ فيهما "لا يقل أحدكم". والترمذي (2943)، والنسائي 2/ 154. [283] البخاري (5042) و (5038)، ومسلم (788)، وأبو داود (1331). [284] ابن السني (676) و (677)، وإسناد كل منهما ضعيف ولهما شواهد ذكرها ابن حجر رحمه الله تعالى. انظر الفتوحات 3/ 275.

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قَرأ في يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَمْسِينَ آيَةً لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الغافِلِينَ، وَمَنْ قَرأ مِئَةَ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ القانِتِينَ، وَمَنْ قَرأ مِئتَيْ آيَةٍ لَمْ يُحاجهِ القُرآنُ يَوْمَ القِيامَةِ، وَمَنْ قَرأ خَمْسَمِئَةٍ كُتِبَ لَهُ قِنْطارٌ مِنَ الأجْرِ" وفي رواية "مَنْ قَرأ أَرْبَعِينَ آيَةً" بدل "خمسين" وفي رواية "عِشْرِينَ" وفي رواية عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَرأ عَشْرَ آياتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الغافِلِينَ". وجاء في الباب أحاديث كثيرة بنحو هذا. وروينا أحاديث كثيرة في قراءة سورة في اليوم والليلة منها: يس، وتبارك الملك، والواقعة، والدّخان. [16/ 285] فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَرأ يس فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ غُفِرَ لَهُ". وفي رواية له "مَنْ قَرأ سُورَةَ الدُّخانِ فِي لَيْلَةٍ أصْبَحَ مَغْفُورًا لَهُ" (¬1). وفي رواية عن ابن مسعود رضي الله عنه، "مَنْ قَرأ سُورَةَ الوَاقِعَةِ فِي كُلّ لَيْلَةٍ لَمْ تُصِبْهُ فاقَة" (¬2). وعن جابر رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينام كل ليلة حتى يقرأ آلم تنزيل الكتاب، وتبارك الملك (¬3). ¬

[285] ابن السني (679) وله شواهد في الموطأ وصحيح ابن حبّان وشعب الإِيمان للبيهقي وغيرها. (¬1) ابن السني (684) وفي سنده أبو المقدام وهو ضعيف (¬2) ابن السني (685) وزاد في آخره: وكان ابن مسعود يأمر بناته بقراءتها كل ليلة. وإسناد الحديث ضعيف بسبب الانقطاع بين أبي ظبية وابن مسعود. الفتوحات 3/ 280 (¬3) ابن السني (680) وعزاه السيوطي في الجامع الصغير لأحمد والترمذي والنسائي والحاكم. وقد أشار ابن حجر إلى ضعف إسناده

[17/ 286] وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قَرَأ فِي لَيْلَة إذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ كانَتْ لَهُ كَعِدْلِ نِصْفِ القُرآن، وَمَنْ قَرأ يا أيُّها الكافِرُونَ كَانَتْ لَهُ كَعِدْل رُبْعِ القُرآنِ، وَمَنْ قَرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ كانَتْ لَهُ كَعِدْلِ ثُلُثِ القُرآن". [18/ 287] وفي رواية "مَنْ قَرأ آيَةَ الكُرْسِيّ وأوَّل حم عُصِمَ ذلكَ اليَوْمَ مِنْ كُلّ سُوءٍ". والأحاديث بنحو ما ذكرنا كثيرة، وقد أشرنا إلى المقاصد، والله أعلم بالصواب، وله الحمد والنعمة، وبه التوفيق والعصمة. ¬

[286] ابن السني (691) وفي إسناده راوٍ ضعيف جدًا. [287] ابن السني (692) وإسناده ضعيف كما ذكر الحافظ ابن حجر. الفتوحات 3/ 284.

كتاب حمد الله تعالى

كتاب حمد الله تعالى 71 ـ بابُ حَمْدِ اللَّهِ تعالى قال الله تعالى: {قُلِ الحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ على عبادِهِ الَّذينَ اصْطَفى} [النمل:59] وقال الله تعالى: {وقَقُلِ الحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ} [النمل:93] وقال تعالى: {وَقُلِ الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} [الإِسراء:111] وقال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم:7] وقال تعالى: {فاذْكُرُونِي أذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لي وَلا تَكْفُرونِ} [البقرة:152] والآيات المصرّحة بالأمر بالحمد والشكر وبفضلهما كثيرة معروفة. [1/ 288] وروينا في سنن أبي داود وابن ماجه، ومسند أبي عوانة الإِسفرايني المخرَّج على صحيح مسلم، رحمهم الله، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كُلُّ أمْر ذِي بالٍ لا يُبْدأُ فِيهِ بالحَمْدِ لِلَّهِ أقْطَعُ" وفي رواية "بَحَمْدِ اللَّهِ" وفي رواية: "بالحَمْدِ فَهُوَ أقْطَعُ" وفي رواية "كُل كَلامٍ لايُبْدأُ فِيهِ بالحَمْد لِلَّهِ فَهُوَ أجْذَمُ" وفي رواية: "كُلُّ أمْرٍ ذِي بالٍ لا يُبْدأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهوَ أقْطَعُ" روينا هذه ¬

[288] أبو داود (4840)، وابن ماجه (1894) وقال المنذري: أخرجه النسائي مسندًا ومرسلًا.

الألفاظ كلها في كتاب الأربعين للحافظ عبد القادر الرهاوي، وهو حديث حسن، وقد رُوي موصولًا كما ذكرنا، ورُوي مرسلًا، ورواية الموصول جيدة الإِسناد، وإذا روي الحديث موصولًا ومرسلًا فالحكم للاتصال عند جمهور العلماء لأنها زيادة ثقة، وهي مقبولة عند الجماهير. ومعى ذي بال: أي له حال يهتمّ به، ومعنى أقطع: أي ناقص قليل البركة، وأجذم بمعناه، وهو بالذال المعجمة وبالجيم. قال العلماء: فيُستحبّ البداءة بالحمد للَّه لكل مصنف، ودارس، ومدرِّس، وخطيب، وخاطب، وبين يدي سائر الأمور المهمة. قال الشافعي رحمه الله: أحبّ أن يقدّم المرء بين يدي خطبته وكل أمر طلبه: حمد الله تعالى، والثناء عليه سبحانه وتعالى، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. [فصل]: اعلم أن الحمدَ مستحبٌّ في ابتداء كل أمر ذي بال كما سبق، ويُستحب بعد الفراغ من الطعام والشراب، والعطاس، وعند خطبة المرأة ـ وهو طلب زواجها ـ وكذا عند عقد النكاح، وبعد الخروج من الخلاء، وسيأتي بيان هذه المواضع في أبوابها بدلائلها وتفريع مسائلها إن شاء الله تعالى، وقد سبق بيان ما يُقال بعد الخروج من الخلاء في بابه، ويُستحبّ في ابتداء الكتب المصنفة كما سبق، وكذا في ابتداء دروس المدرّسين، وقراءة الطالبين، سواء قرأ حديثًا أو فقهًا أو غيرهما، وأحسنُ العبارات في ذلك: الحمد لله رب العالمين. [فصل]: حمدُ الله تعالى ركن في خطبة الجمعة وغيرها لا يصحّ شيء منها إلا به. وأقل الواجب: الحمد لله. والأفضل أن يزيد من الثناء، وتفصيلُه معروف في كتب الفقه، ويشترط كونها بالعربية. [فصل]: يُستحبّ أن يختم دعاءه بالحمد لله ربّ العالمين، وكذلك

يبتدئه بالحمد لله، قال الله تعالى: {وآخِرُ دَعْوَاهُمْ أنِ الحَمْدُ لِلَّه رَبّ العالَمِينَ} [يونس:10] وأما ابتداء الدعاء بحمد الله وتمجيده فسيأتي دليلُه من الحديث الصحيح قريبًا في كتاب الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن شاء الله تعالى. [فصل]: يُستحبّ حمدُ الله تعالى عند حصول نعمة أو اندفاع مكروه، سواء حصل ذلك لنفسه أو لصاحبه أو للمسلمين. [2/ 289] وروينا في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أُتيَ ليلة أُسري به بقدحين من خمر ولبن فنظر إليهما، فأخذ اللبن، فقال له جبريلُ صلى الله عليه وسلم: "الحمد لله الذي هداك للفطرة، لو أخذت الخمر غوتْ أمتك". [فصل]: [3/ 290] وروينا في كتاب الترمذي وغيره عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مَاتَ وَلَدُ العَبْدِ قالَ اللَّهُ تَعالى لِمَلائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَة فُؤَادِهِ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: فَمَاذَا قالَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعالى: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا في الجَنَّةَ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الحَمْدِ" قال الترمذي: حديث حسن. والأحاديث في فضل الحمد كثيرة مشهورة، وقد سبق في أوّل الكتاب جملة من الأحاديث الصحيحة في فضل سبحان الله والحمد لله ونحو ذلك. ¬

[289] مسلم (168). [290] الترمذي (1021) وقال هذا حديث حسن غريب. ورواه الإِمام أحمد في المسند وابن حبّان في صحيحه. وقال الحافظ ابن حجر بعد تخريجه: الحديث حسن. الفتوحات 3/ 296.

[فصل]: قال المتأخرون من أصحابنا الخراسانيين: لو حلف إنسان ليحمدنّ الله تعالى بمجامع الحمد ـ ومنهم من قال بأجلّ التحاميد ـ فطريقه في برَ يمينه أن يقول: الحمد لله حمدًا يوافي نعمه ويكافىء مزيده. ومعنى يوافي نعمه: أي يُلاقيها فتحصل معه، ويكافىء بهمزة في آخره: أي يُساوي مزيدَ نعمه، ومعناه: يقوم بشكر ما زاده من النِعم والإِحسان. قالوا: ولو حلف ليثنينّ على الله تعالى أحسنَ الثناء، فطريق البرّ أن يقول: لا أحصي ثناءً عليك أنتَ كما أثنيتَ على نفسك. وزاد بعضُهم في آخره: فلك الحمد حتى ترضى. وصوّر أبو سعد المتولي المسألة فيمن حلف: ليثنينّ على الله تعالى بأجلّ الثناء وأعظمه، وزاد بعضهم في أوّل الذكر: سبحانك. وعن أبي نصر النمار عن محمد بن النضر رحمه الله تعالى قال: قال آدمُ صلى الله عليه وسلم: يا رَبّ! شَغَلْتَنِي بِكَسْبِ يَدِي، فَعَلِّمْنِي شَيْئًا فِيهِ مَجَامِعُ الحَمْدِ وَالتَّسْبِيحِ، فأوحى اللَّهُ تبارك وتعالى إليه: يا آدَمُ! إذَا أصْبَحْتَ فَقُلْ ثَلاثًا، وَإذَا أمْسَيْتَ فَقُلْ ثَلاثًا: الحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ العالَمِينَ حَمْدًا يُوافِي نِعَمَهُ وَيُكافِىءُ مَزيدَهُ، فَذَلِكَ مَجَامِعُ الحَمْدِ وَالتَّسْبِيحِ. والله أعلم.

كتاب الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم

كتاب الصّلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ على النَّبيّ يا أيُّها الَّذين آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] والأحاديث في فضلها والأمر بها أكثر من أن تُحصر، ولكن نشيرُ إلى أحرفٍ من ذلك تنبيهًا على ما سواها وتبرّكًا للكتاب بذكرها. 72 ـ بابُ الصَّلاةِ عَلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم [1/ 291] روينا في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ صَلَّى عَليَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا". [2/ 292] وروينا في صحيح مسلم أيضًا، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ صَلَّى عَليَّ واحدةً صلى الله عليه عَشْرًا". [3/ 293] ججج (3) وروينا في كتاب الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي ¬

[291] مسلم (384)، وأبو داود (523)، والترمذي (3619)، والنسائي 2/ 25. [292] مسلم (408)، وأبو داود (1530)، والترمذي (485)، والنسائي 3/ 50. [293] الترمذي (484)، ولفظه: "إن أولى الناس بي .. ".

الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أوْلى النَّاسِ بي يَوْمَ القِيامَةَ أَكْثَرُهُمْ عَليَّ صَلاةً" قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ. قال الترمذي: وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف وعامر بن ربيعة وعمّار وأبي طلحة وأنس وأُبيّ بن كعب رضي الله عنهم. [4/ 294] وروينا في سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه، بالأسانيد الصحيحة، عن أوس بن أوس رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِنْ أفْضَلِ أيَّامِكُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فأكْثِرُا عَليَّ مِنَ الصَّلاةِ فِيهِ، فإنَّ صَلاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَليَّ" فقالوا: يا رسول الله! وكيف تُعرض صلاتنا عليك وقد أرَمْتَ؟ ـ قال: يقول: بليت ـ قال: "إنَّ الله حَرَّمَ على الأرض أجْسادَ الأنْبِياءِ". قلت: أرَمْتَ بفتح الراء وإسكان الميم وفتح التاء المخففة. قال الخطابي: أصله أرممت، فحذفوا إحدى الميمين، وهي لغة لبعض العرب كما قالوا: ظلت أفعل كذا: أي ظللت، في نظائر لذلك. وقال غيره: إنما هو أرَمَّتْ بفتح الراء والميم المشددة وإسكان التاء: أي أرمَّت العظام، وقيل فيه أقوال أُخَر، والله أعلم. [5/ 295] وروينا في سنن أبي داود، في آخر كتاب الحجّ، في باب زيارة القبور بالإِسناد الصحيح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا وَصَلُّوا عليَّ، فإنَّ صَلاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ". [6/ 296] وروينا فيه أيضًا بإسناد صحيح، عن أبي هريرة أيضًا أن ¬

[294] أبو داود (1047)، والنسائي 3/ 91، وابن ماجه (1085) و (1636)، وإسناده صحيح. [295] أبو داود (2042) وإسناده حسن. [296] أبو داود (2041)، وإسناده صحيح، انظر الفتوحات 3/ 316.

73 ـ باب أمر من ذكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه والتسليم، صلى الله عليه وسلم

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَا مِنْ أحَدٍ يُسَلِّمُ عَليَّ إِلاَّ رَدَّ اللَّهُ عَليَّ رُوحي حتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ". 73 ـ بابُ أمرِ مَنْ ذُكِرَ عندَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالصَّلاة عليه والتسليم، صلى الله عليه وسلم [1/ 297] روينا في كتاب الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رَغِمَ أنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَليَّ" قال الترمذي: حديث حسن. [2/ 298] وروينا في كتاب ابن السني بإسناد جيد، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلْيُصَلِّ عَليَّ، فإنَّهُ مَنْ صَلَّى عَليَّ مَرَّةً، صَلَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ عَشْرًا". [3/ 299] وروينا فيه بإسناد ضعيف، عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَليَّ فَقَدْ شَقِيَ". [4/ 300] وروينا في كتاب الترمذي عن عليّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البَخِيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَليَّ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. ورويناه في كتاب النسائي من رواية الحسين بن عليّ رضي الله عنهما، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. قال الإمام أبو عيسى الترمذي عند هذا الحديث: يروى عن بعض أهل العلم قال: إذا صلى الرجل على النبيّ صلى الله عليه وسلم مرّة في المجلس أجزأ عنه ما كان في ذلك المجلس. ¬

[297] الترمذي (3539)، وقال الحافظ بعد تخريجه: حسن صحيح. الفتوحات 3/ 319. [298] ابن السني (382)، ورواه النسائي (61) في "اليوم والليلة" وإسناده صحيح. [299] ابن السني (383) وإسناده ضعيف، لوجود الفضل بن مُبَشّر. [300] الترمذي (3540)، والنسائي في "اليوم والليلة" (55) و (56)، والحاكم في المستدرك 1/ 549 وصححه، ووافقه الذهبي. وإسناده حسن كما في الفتوحات 3/ 323.

74 ـ باب صفة الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم

74 ـ بابُ صفةِ الصَّلاة على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قد قدّمنا في كتاب أذكار الصلاة صفة الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يتعلَّقُ بها، وبيان أكملها وأقلها. وأمَّا ما قاله بعضُ أصحابنا وابن أبي زيد المالكي من استحباب زيادة على ذلك وهي: "وَارْحَمْ مُحَمَّدًا وآلَ مُحَمَّدٍ" فهذا بدعة لا أصل لها. وقد بالغ الإِمام أبو بكر العربي المالكي في كتابه "شرح الترمذي" في إنكار ذلك وتخطئة ابن أبي زيد في ذلك وتجهيل فاعله، قال: لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم علَّمنا كيفيةَ الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، فالزيادة على ذلك استقصار لقوله، وستدراك عليه صلى الله عليه وسلم، وبالله التوفيق. [فصل]: إذا صلَّى على النبيّ صلى الله عليه وسلم فليجمعْ بين الصلاة التسليم، ولا يقتصرْ على أحدهما، فلا يقل "صلّى الله عليه" فقط، ولا "عليه السلام" فقط. [فصل]: يُستحبّ لقارىء الحديث وغيره ممّن في معناه إذا ذكر رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أن يرفَعَ صوته بالصلاة عليه والتسليم، ولا يبالغ في الرفع مبالغة فاحشة. وممّن نصّ على رفع الصوت: الإِمام الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي وآخرون، وقد نقلتُه إلى علوم الحديث. وقد نصَّ العلماء من أصحابنا وغيرهم أنه يُستحبّ أن يرفع صوته بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في التلبية، والله أعلم. 75 ـ بابُ استفتاحِ الدُّعاء بالحمدِ لله تعالى والصَّلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم [1/ 301] روينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي، عن فَضَالة بن ¬

[301] أبو داود (1481)، والترمذي (3473) و (3475)، والنسائي 3/ 44، والحاكم 1/ 231 وصححه، ووافقه الذهبي.

76 ـ باب الصلاة على الأنبياء وآلهم تبعا لهم صلى الله عليهم وسلم

عُبيد رضي الله عنه، قال: سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا يدعو في صلاته لم يمجّدِ الله تعالى، ولم يصلّ على النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم: "عَجِلَ هَذَا" ثم دعاه، فقال له أو لغيره: "إذَا صَلَّى أحَدُكُمْ فَلْيَبْدأ بِتَمْجِيدِ رَبِّهِ سُبْحانَهُ وَالثَّناءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّي على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شاءَ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. [2/ 302] وروينا في كتاب الترمذي، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تُصلِّيَ على نبيّك صلى الله عليه وسلم. قلت: أجمع العلماء على استحباب ابتداء الدعاء بالحمد لله تعالى والثناء عليه، ثم الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك يختم الدعاء بهما، والآثار في هذا الباب كثيرة معروفة. 76 ـ بابُ الصَّلاة على الأنبياءِ وآلهم تبعًا لهم صلى الله عليهم وسلم أجمعوا على الصلاة على نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم، وكذلك أجمع من يُعتدّ به على جوازها واستحبابها على سائر الأنبياء والملائكة استقلالًا. وأما غيرُ الأنبياء فالجمهور على أنه لا يُصلّى عليهم ابتداء، فلا يقال: أبو بكر صلى الله عليه وسلم. واختُلف في هذا المنع، فقال بعض أصحابنا: هو حرام، وقال أكثرهم: مكروه كراهة تنزيه، وذهب كثير منهم إلى أنه خلاف الأوْلَى وليس مكروهًا، والصحيحُ الذي عليه الأكثرون أنه مكروه كراهة تنزيه لأنه شعار أهل البدع، ¬

[302] الترمذي (486)، وهو موقوف، وفي سنده أبو قرة الأسدي وهو مجهول، لا يُعرف اسمه ولا حاله. الفتوحات 3/ 334.

وقد نُهينا عن شعارهم. والمكروه هو ما ورد فيه نهيٌ مقصود. قال أصحابنا: والمعتمدُ في ذلك أن الصَّلاةَ صارتْ مخصوصةً في لسان السلف بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، كما أن قولنا: عزَّ وجلَّ، مخصوصٌ بالله سبحانه وتعالى، فكما لا يُقال: محمد عزَّ وجلَّ ـ وإن كان عزيزًا جليلًا ـ لا يُقال: أبو بكر أو عليّ صلى الله عليه وسلم، وإن كان معناه صحيحًا. واتفقوا على جواز جعل غير الأنبياء تبعًا لهم في الصلاة، فيُقال: اللَّهمّ صلّ على محمد، وعلى آل محمد، وأصحابه، وأزواجه، وذرِّيته، وأتباعه، للأحاديث الصحيحة في ذلك؛ وقد أُمرنا به في التشهد، ولم يزل السلفُ عليه خارج الصلاة أيضًا. وأما السلام فقال الشيخ أبو محمد الجوينيُّ من أصحابنا: هو في معنى الصلاة فلا يُستعمل في الغائب، فلا يفرد به غير الأنبياء، فلا يُقال: عليّ عليه السلام؛ وسواء في هذا الأحياء والأموات. وأما الحاضر فيُخاطب به فيقال: سلام عليك، أو: سلام عليكم، أو: السَّلام عليك، أو: عليكم؛ وهذا مجمع عليه، وسيأتي إيضاحه في أبوابه إن شاء الله تعالى. [فصل]: يُستحبّ الترضّي والترحّم على الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء والعبَّاد وسائر الأخيار، فيقال: رضي الله عنه، أو رحمه الله ونحو ذلك. وأما ما قاله بعض العلماء: إن قوله رضي الله عنه مخصوص بالصحابة، ويُقال في غيرهم: رحمه الله فقط، فليس كما قال، ولا يوافق عليه، بل الصحيح الذي عليه الجمهور استحبابه، ودلائله أكثر من أن تُحصر، فإن كان المذكور صحابيًا ابن صحابي قال: قال ابن عمر رضي الله عنهما، وكذا ابن عباس، وابن الزبير، وابن جعفر، وأُسامة بن زيد ونحوهم، لتشمله وأباه جميعًا. [فصل]: فإن قيل: إذا ذكر لقمان ومريم هل يُصلّي عليهما كالأنبياء،

أم يترضّى كالصحابة والأولياء، أم يقول عليهما السلام؟. فالجواب أن الجماهير من العلماء على أنهما ليسا نبيين، وقد شذّ من قال: نبيّان، ولا التفات إليه، ولا تعريج عليه، وقد أوضحتُ ذلك في كتاب "تهذيب الأسماء واللغات" فإذا عُرف ذلك، فقد قال بعض العلماء كلامًا يُفهم منه أنه يقول: قال لقمان أو مريم صلَّى الله على الأنبياء وعليه أو وعليها وسلم، قال: لأنهما يرتفعان عن حال من يُقال: رضي الله عنه، لما في القرآن مما يرفعهما؛ والذي أراه أن هذا لا بأس به، وأن الأرجح أن يقال: رضي الله عنه، أو عنها، لأن هذا مرتبة غير الأنبياء ولم يثبتْ كونهما نبيّين. وقد نقل إمام الحرمين إجماع العلماء على أن مريم ليست نبيّة ـ ذكره في الإِرشاد ـ ولو قال: عليه السلام، أو: عليها، فالظاهر أنه لا بأس به، والله أعلم.

كتاب الأذكار والدعوات للأمور العارضات

كتاب الأذكار والدّعوات للأمور العارضات اعلم أن ما ذكرته في الأبواب السابقة يتكرّرُ في كل يوم وليلة على حسب ما تقدَّم وتبين. وأما ما أذكرهُ الآن فهي أذكارٌ ودعوات تكون في أوقات لأسباب عارضات، فلهذا لا يُلتزم فيها ترتيب. 77 ـ بابُ دُعاءِ الاسْتِخَارة [1/ 303] روينا في صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن، يقول: "إذَا هَمَّ أحَدُكُمْ بالأمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلِ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وأسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأسألُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ، فإنَّكَ تَقْدِرُ ولا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلا أعْلَمُ، وأنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هَذَا الأمْرَ خَيْرٌ لي فِي دِيني وَمَعاشِي وَعاقِبَةِ أمْرِي، أو قال: عاجلِ أمْرِي وآجِلِهِ، فاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لي، ثُم بارِكْ لي فِيهِ، وَإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هَذَا الأمْرَ شَرٌّ لي في دِينِي وَمعاشِي وَعاقِبَةِ أمْرِي، ¬

[303] البخاري (6382)، وأبو داود (1538)، والترمذي (480) والنسائي 6/ 80ـ 81 في المجتبى، و (498) في "اليوم والليلة". ومعنى "فاقدره لي": أي اجعله مقدورًا لي، أو قدِّرْه. وقيل: معناه يسِّرْه لي.

أو قال: عاجِلِ أمْرِي وآجِلِهِ، فاصْرِفْهُ عَنِّي، وَاقْدُرْ لِيَ الخَيْرَ حَيْثُ كانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ، قال: ويُسمِّي حاجَتَهُ". قال العلماء: تستحبّ الاستخارة بالصلاة والدعاء المذكور، وتكون الصلاة ركعتين من النافلة، والظاهر أنها تحصل بركعتين من السنن الرواتب، وبتحية المسجد وغيرها من النوافل؛ ويقرأ في الأولى بعد الفاتحة: قل يا أيّها الكافرون، وفي الثانية: قل هو الله أحد؛ ولو تعذرت عليه الصلاة استخار بالدعاء. ويستحبّ افتتاح الدعاء المذكور وختمه بالحمد لله والصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ثم إن الاستخارة مستحبّة في جميع الأمور كما صرَّح به نصُّ هذا الحديث الصحيح، وإذا استخار مضى بعدها لما ينشرحُ له صدره. والله أعلم. [2/ 304] وروينا في كتاب الترمذي بإسناد ضعيف ضعَّفه الترمذي وغيره، عن أبي بكر رضي الله عنه، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد الأمر قال: "اللَّهُمَّ خِرْ لي وَاخْتَرْ لي". [3/ 305] وروينا في كتاب ابن السني، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أنَسُ، إذَا هَمَمْتَ بِأمْرٍ فاسْتَخِرْ رَبَّكَ فيهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ انْظُرْ إلى الَّذي سَبَقَ إلى قَلْبِكَ، فإنَّ الخَيْرَ فِيهِ" إسناده غريب، فيه مَنْ لا أعرفهم. ¬

[304] الترمذي (3511) وفي إسناده زَنْفَل العَزَفي، وهو ضعيف، وقال الحافظ: هذا حديث غريب، أخرجه الترمذي والبزار .. وتفرَّد به زنفل. [305] ابن السني (603) وإسناده ساقط، لوجود إبراهيم بن البراء، كان يحدّث بالأباطيل. الفتوحات 3/ 357.

أبواب الأذكار التي تقال في أوقات الشدة وعلى العاهات

أبواب الأذكار التي تُقال في أوقات الشِّدَّة وعلى العَاهات 78 ـ بابُ دعاءِ الكَرْبِ والدعاءُ عندَ الأمورِ المهمّة [1/ 306] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: "لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأرْضِ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمُ" وفي رواية لمسلم "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حَزَبَه أمر قال ذلك". قوله "حزبه أمر": أي نزل به أمر مهم، أو أصابه غمّ. [2/ 307] وروينا في كتاب الترمذي، عن أنس رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان إذا أكربه أمر قال: "يا حَيُّ يا قَيُّومُ، بِرَحْمَتِكَ أسْتَغِيثُ" قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإِسناد. [3/ 308] وروينا فيه عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أهمّه الأمر رفع رأسه إلى السماء فقال: "سُبْحانَ الله العَظِيمِ" وإذا اجتهد في الدعاء قال:"يا حَيُّ يا قَيُّومُ". [4/ 309] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أنس رضي الله ¬

[306] البخاري (6345)، ومسلم (2730)، والترمذي (3431)، والنسائي (652). [307] الترمذي (3522)، وفي إسناده يزيد الرقاشي، وهو ضعيف، وله شاهد في "المستدرك" 1/ 509. انظر هامش الكَلِم الطيب ص 72. [308] الترمذي (3432)، وقال الترمذي: هذا حديث غريب، وفي سنده إبراهيم بن الفضل المخزومي، وهو متروك. وللحديث شاهد عند الترمذي برقم (3522) وهو الحديث السابق (307). [309] البخاري (6389)، ومسلم (2690).

عنه قال: كان أكثر دعاء النبيّ صلى الله عليه وسلم: " اللَّهُمَّ آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً، وفي الآخِرَةِ حَسَنةً، وَقِنا عَذَابَ النَّارِ" زاد مسلم في روايته قال: وكان أنس إذا أراد أن يدعو بدعوة دعا بها، فإذا أراد أن يدعوَ بدعاء دعا بها فيه. [5/ 310] وروينا في سنن النسائي وكتاب ابن السني، عن عبد الله بن جعفر، عن عليّ رضي الله عنهم قال: لَقَّنني رسول الله صلى الله عليه وسلم هؤلاء الكلمات، وأمرني إن نزل بي كرب أو شدّة أن أقولها: "لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ الكَرِيمُ العَظِيمُ، سُبْحانَهُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ العَرْش العَظِيمِ، الحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ العالَمِينَ". وكان عبد الله بن جعفر يلقنها وينفث بها على الموعوك، ويعلِّمها المغتربة من بناته. قلت: الموعوك: المحموم، وقيل: هو الذي أصابه مغث الحمى. والمغتربة من النساء: التي تُزوَّج إلى غير أقاربها. [6/ 311] وروينا في سنن أبي داود، عن أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "دَعَوَاتُ المَكْرُوب: اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أرْجُو فَلا تَكِلْنِي إلى نَفْسي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وأصْلِحْ لي شَأنِي كُلَّهُ، لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ". [7/ 312] وروينا في سنن أبي داود وابن ماجه، عن أسماء بنت عُمَيْس رضي الله عنها، قالت: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: "ألا أُعَلِّمُكَ كَلِماتٍ تَقُولِيْنَهُنَّ عِنْدَ الكَرْبِ ـ أو في الكرب ـ اللَّهُ اللَّهُ رَبي لا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا". ¬

[310] النسائي (630)، وابن السني (343) وقال الحافظ بعد تخريجه: حديث صحيح أخرجه أحمد والنسائي وابن حبّان وابن السني. الفتوحات 4/ 7. [311] أبو داود (5090)، والنسائي (651)، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد، وابن أبي شيبة، وابن السني. وإسناده حسن. [312] أبو داود (1525)، وابن ماجه (3882) والنسائي (647)، والمسند 6/ 369، وإسناده حسن.

79 ـ باب ما يقوله إذا راعه شيء أو فزع

[8/ 313] وروينا في كتاب ابن السني، عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قرأ آيَةَ الكُرْسِيّ وَخَوَاتِيمَ سُورَةِ البَقَرَةِ عِنْدَ الكَرْبِ، أغاثَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ". [9/ 314] وروينا فيه، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إِني لأَعْلَمُ كَلِمَةً لا يَقُولُهَا مَكْرُوبٌ إِلاَّ فُرِّجَ عَنْهُ: كَلِمَةَ أخي يُونُسَ صَلَّى الله عليه وسلَّمَ {فنَادَى فِي الظُّلُماتِ: أنْ لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ سُبْحانَكَ إني كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87] ". ورواه الترمذي عن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إذْ دَعا رَبَّهُ وَهُوَ في بَطْنِ الحُوتِ: لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، لَمْ يَدْعُ بِها رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْء قَطُّ إِلاَّ اسْتَجابَ لَهُ". 79 ـ بابُ ما يقولُه إذا راعَه شيءٌ أو فَزِعَ [1/ 315] وروينا في كتاب ابن السني، عن ثوبانَ رضي الله عنه؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا راعَه شيءٌ قال: "هُوَ اللَّهُ، اللَّهُ رَبِّي لا شَرِيكَ لَهُ". [2/ 316] وروينا في سنن أبي داود والترمذي، عن عمرو بن شُعيب عن أبيه عن جده؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلِّمهم من الفزع كلماتٍ: "أعُوذُ ¬

[313] ابن السني (346) وفي إسناده انقطاع، ومَن لا يُعرف. الفتوحات الربانية 4/ 11. [314] ابن السني (345)، وفي إسناده عمرو بن حصين، وهو ضعيف جدًا، ورواه النسائي في "اليوم والليلة" (655) بإسناد ضعيف أيضًا. ورواه الترمذي عن سعد (3500)، والحاكم في المستدرك 1/ 505، وقال: صحيح الإسناد، وأقرّه الذهبي. وإسناده عند الترمذي حسن. [315] ابن السني (337)، من طريق النسائي، وهو عند النسائي في "اليوم والليلة" (657)، وإسناده حسن. ومعنى "راعه": أخافه. [316] أبو داود (3893)، والترمذي (3519). وقد تقدم برقم 1/ 259.

80 ـ باب ما يقول إذا أصابه هم أو حزن

بِكَلِماتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِن غَضَبِهِ وَشَرّ عِبادِهِ، وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ، وأنْ يَحْضُرُونِ" وكان عبد الله بن عمرو يعلِّمهنّ من عَقَل من بنيه، ومن لم يعقلْ كتبه فعلَّقه عليه. قال الترمذي: حديث حسن. 80 ـ بابُ ما يَقُولُ إذا أصابَه همٌّ أو حَزَن [1/ 317] روينا في كتاب ابن السني، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أصَابَهُ هَمٌّ أوْ حَزَنٌ فَلْيَدْعُ بِهَذِهِ الكَلِماتِ، يَقُولُ: أنا عَبْدُكَ ابْنُ عَبْدِكَ ابْنُ أَمَتِكَ فِي قَبْضَتِكَ، ناصِيَتِي بِيَدِكَ، ماضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ؛ أسألُكَ بِكُلّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أوْ أنْزَلْتَهُ فِي كِتابِكَ، أوْ عَلَّمْتَه أحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أوِ اسْتَأثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الغَيْبِ عِنْدَكَ أنْ تَجْعَلَ القُرآنَ نُورَ صَدْرِي، وَرَبِيعَ قَلْبِي، وَجلاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمّي. فقال رجل من القوم: يا رسول الله! إن المغبونَ لمن غُبن هؤلاء الكلمات، فقال: أجَلْ فَقُولُوهُنَّ وَعَلِّمُوهُنَّ، فإنَّهُ مَنْ قَالَهُنَّ الْتِماسَ ما فِيهِنَّ أذْهَبَ اللَّهُ تَعالى حُزْنَهُ، وأطالَ فَرَحَهُ". 81 ـ بابُ ما يَقولُه إذا وقعَ في هَلَكَة [1/ 318] روينا في كتاب ابن السني، عن عليّ رضي الله عنه قال: ¬

[317] ابن السني (334)، وقال الحافظ ابن حجر بعد تخريجه: حديث غريب، وقد ذكر ابن السني عقب حديث أبي موسى المذكور هنا عن عبد الله بن مسعود نحوه، وحديث ابن مسعود أثبت سندًا وأشهر رجالًا، وهو حديث حسن وقد صححه بعض الأئمة .. فعجبت من عدول الشيخ عن القوي إلى الضعيف. الفتوحات 4/ 13. ومعنى "جلاءَ حزني": إزالته وكشفه. [318] ابن السني (331) وقال الحافظ ابن حجر: هذا حديث غريب، وفي سنده عمرو بن بشر وهو ضعيف، اتفقوا على توهينه. الفتوحات 4/ 14ـ15.

82 ـ باب ما يقول إذا خاف قوما

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عَلِيُّ! ألا أُعَلِّمُكَ كَلِماتٍ إِذَا وَقَعْتَ فِي وَرْطَةٍ قُلْتَها؟ قلتُ: بلى، جعلني الله فِداءَك، قال: إذَا وَقَعْتَ فِي وَرْطَةٍ فَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ العَلِيّ العَظِيمِ. فإنَّ اللَّهَ تَعالى يَصْرِفُ بها ما شاءَ مِنْ أنْوَاعِ البَلاءِ". قلت: الوَرْطَة بفتح الواو وإسكان الراء: وهي الهلاك. 82 ـ بابُ ما يَقولُ إذا خافَ قومًا [1/ 319] روينا بالإِسناد الصحيح في سنن أبي داود والنسائي، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا خاف قومًا قال: "اللَّهُمَّ إنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ". 83 ـ بابُ ما يَقولُ إذا خافَ سُلْطانًا [1/ 320] روينا في كتاب ابن السني، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا خِفْتَ سُلْطانًا أوْ غَيْرَهُ، فَقُلْ: لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ الحَلِيمُ الحَكِيمُ، سُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبّ العَرْشِ العَظِيمِ، لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ، عَزَّ جارُكَ، وَجَلَّ ثَناؤُكَ" ويستحبُّ أن يقول ما قدَّمناه في الباب السابق من حديث أبي موسى. ¬

[319] أبو داود (1537) والنسائي في الكبرى وقال الحافظ بعد تخريجه: حديث حسن غريب ورجاله رجال الصحيح. الفتوحات الربانية 4/ 16ـ17. [320] ابن السني (347) وفي سنده ضعيفان هما محمد بن الحارث الحارث، ومحمد بن عبد الرحمن البيلماني، لكن للحديث شواهد تعضده. انظر الفتوحات 4/ 18.

84 ـ باب ما يقول إذا نظر إلى عدوه

84 ـ بابُ ما يَقولُ إذا نظرَ إلى عدوّه [1/ 321] روينا في كتاب ابن السني، عن أنس رضي الله عنه، قال: كنا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في غزوة فلقي العدوّ، فسمعته يقول: " يا مالِكَ يَوْمِ الدّينِ إيَّاك أعْبُدُ وإيَّاكَ أسْتَعِينُ" فلقد رأيتُ الرجالَ تُصرع، تضربُها الملائكةُ من بين أيديها ومن خلفها. ويُستحبُّ ما قدَّمناه في الباب السابق من حديث أبي موسى. 85 ـ بابُ ما يَقُولُ إذا عرضَ له شيطانٌ أو خَافَهُ قال الله تعالى: {وإمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فاسْتَعِذْ بالله إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ} [فصلت:36] وقال تعالى: {وَإذَا قَرأتَ القُرآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِين لا يُؤْمِنُونَ بالآخِرَةِ حِجابًا مَسْتُورًا} [الإِسراء:45] فينبغي أن يتعوّذ ثم يقرأ من القرآن ما تيسَّر. [1/ 322] وروينا في صحيح مسلم، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "قام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصلِّي، فسمعناه يقول: أعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، ثم قال: ألْعَنُك بِلَعْنَةِ اللَّهِ ثَلاثًا، وبسطَ يدَه كأنَّه يتناول شيئًا، فلما فرغَ من الصلاة قلنا: يا رسول الله! سمعناك تقول في الصلاة شيئًا لم نسمعْكَ تقولُه قبلَ ذلك، ورأيناكَ بسطتَ يدَكَ، قال: إنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إِبْلِيسَ جاءَ بِشِهابٍ مِنْ نارٍ لِيَجْعَلَهُ في وَجْهِي، فَقُلْتُ: أَعُوذُ باللَّهِ مِنْكَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قُلْتُ: ألْعَنُكَ بِلَعْنَةِ الله التَّامَّةِ (¬1) فاسْتأخَرَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أرَدْتُ أنْ آخُذَهُ، وَاللَّهِ لَوْلا ¬

[321] ابن السني (336)، وقال الحافظ: حديث غريب، أخرجه ابن السني لكن سقط من روايته عن أبي طلحة ـ أي: عن أنس عن أبي طلحة ـ ولا بدّ منه. الفتوحات 4/ 19. [322] مسلم (542). و"الشهاب": الشعلة الساطعة من النار الموقدة. (¬1) "بلعنة الله التامة" قال القاضي: يحتمل تسميتها التامة: أي لا نقص فيها، ويحتمل الواجبة له المستحقة عليه، أو الموجبة عليه العقاب سرمدًا. وقال ابن الجوزي في كشف المشكل: أشار بتامة إلى دوامها. الفتوحات 4/ 21

86 ـ باب ما يقول إذا غلبه أمر

دَعْوَةُ أخي سُلَيْمانَ (¬1) لأصْبَحَ مُوثَقًا تَلْعَبُ بِهِ وِلْدَانُ أهْلِ المَدِينَةِ". قلت: وينبغي أن يؤذّن أذان الصلاة. [2/ 323] فقد روينا في صحيح مسلم، عن سُهيل بن أبي صالح أنه قال: أرسلني أبي إلى بني حارثة ومعي غلام لنا أو صاحب لنا، فناداه مُنادٍ من حائط باسمه، وأشرف الذي معي على الحائط فلم يرَ شيئًا، فذكرتُ ذلك لأبي، فقال: لو شعرتُ أنك تَلقى هذا لم أرسلك، ولكن إذا سمعت صوتًا فنادِ بالصلاة، فإني سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يحدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنَّ الشَّيْطانَ إذَا نُودِيَ بالصَّلاةِ أدْبَرَ". 86 ـ بابُ ما يَقُولُ إذا غلبَه أمرٌ [1/ 324] روينا في صحيح مسلم عن أبي هُريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأحَبُّ إلى اللَّهِ تَعالى مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ على ما يَنْفَعُكَ، واسْتَعِنْ باللَّهِ ولا تَعْجِزَنَّ (¬2)، وإنْ أصابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ: لَوْ أَني فَعَلْتُ كَذَا كانَ كَذَا وَكَذَا، ¬

[323] مسلم (389) (18) ولفظه: "إنَّ الشيطانَ إذا نُودي بالصَّلاة وَلَّى ولهُ حُصَاص" و"حُصاص": ضراط، وقيل: شدة العدو. [324] مسلم (2664)، والنسائي (621) في "اليوم والليلة". ومعنى "وفي كلٍّ خيرٌ" أن في كلٍّ من القوي والضعيف خير، لاشتراكهما في الإِيمان، مع ما يأتي به الضعيف من العبادات. (¬1) " والله لولا دعوة أخي سليمان .. إلخ .. ": فيه جواز الحلف من غير استحلاف لتفخيم ما يخبر به الإِنسان وتعظيمه والمبالغة في صحته وصفته، وقد كثرت الأحاديث بمثل ذلك، ودعوة سليمان هي قول: {ربّ هبْ لي ملكًا لا ينبغي لأحدٍ من بعدي} ففيه الإِشارة إلى أن هذا مختصّ به، فامتنع نبيّنا صلى الله عليه وسلم من ربطه، لأنه لما تذكر دعوة سليمان ظنّ أنه لا يقدر على ذلك، أو تركه تواضعًا وتأدّبًا. الفتوحات 4/ 21 (¬2) كذا بالأصل وفي صحيح مسلم 4/ 2052 "ولا تعجزْ"

87 ـ باب ما يقول إذا استصعب عليه أمر

وَلَكِنْ قُلْ قَدَّرَ اللَّهُ وَما شاء فَعَلَ، فإنَّ "لَوْ" تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطانِ". [2/ 325] وروينا في سنن أبي داود، عن عوف بن مالك رضي الله عنه؛ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قضى بين رجلين فقال المقضيّ عليه لمّا أدبر: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ تَعالى يَلُومُ على العَجْزِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بالكَيْسِ فإذَا غَلَبَكَ أمْرٌ فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ". قلت: الكَيْس بفتح الكاف وإسكان الياء، ويطلق على معان: منها الرفق، فمعناه والله أعلم: عليك بالعمل في رفق بحيث تُطيق الدوام عليه. 87 ـ بابُ ما يقولُ إذا استصعبَ عليه أمرٌ [1/ 326] روينا في كتاب ابن السني، عن أنس رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللَّهُمَّ لا سَهْلَ إِلاَّ ما جَعَلْتَهُ سَهْلًا، وأنْتَ تَجْعَلُ الحَزْنَ إذَا شِئْتَ سَهْلًا" قلتُ: الحَزْن بفتح الحاء المهملة وإسكان الزاي: وهو غليظ الأرض وخشنها. 88 ـ بابُ ما يقولُ إذا تَعَسَّرَتْ عليه معيشتُه [1/ 327] روينا في كتاب ابن السني، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"ما يمْنَعُ أحَدَكُمْ إذَا عَسُرَ عَلَيْهِ أمْرُ مَعِيشَتِهِ أنْ يَقُولَ إذا ¬

[325] أبو داود (3627)، وقال الحافظ: هذا حديث حسن أخرجه أبو داود والنسائي، وفي سنده سيف الشامي، وثّقه العجلي، وما عرفت اسم أبيه وباقي رجاله من رواة مسلم، وفيه عنعنة بقية لكن من روايته عن شامي. الفتوحات الربانية 4/ 24ـ25. [326] ابن السني (353) وقال الحافظ: إسناده صحيح، أخرجه ابن السني وابن حبّان. [327] ابن السنني (352) وقال الحافظ: هذا حديث غريب أخرجه ابن السني وابن عديّ في الكامل وفي سنده عيسى بن ميمون ضعيف جدًا. الفتوحات 4/ 26.

89 ـ باب ما يقوله لدفع الآفات

خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ: بِسْمِ اللَّهِ على نَفْسِي ومَالي ودِينِي، اللَّهُمَّ رضّنِي بِقَضائِك، وباركْ لي فِيما قُدّرَ لي حتَّى لا أُحِبَّ تَعْجِيلَ ما أخَّرْتَ ولا تأخيرَ ما عَجَّلْتَ". 89 ـ بابُ ما يقولُه لدفعِ الآفَاتِ [1/ 328] روينا في كتاب ابن السني، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أنْعَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ على عَبْدٍ نِعْمَةً في أهْلٍ ومَالٍ وَوَلَدٍ فَقالَ: ما شاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ، فَيَرَى فِيها آفَةً دونَ المَوْتِ". 90 ـ بابُ ما يقولُه إذا أصابتهُ نكبةٌ (¬1) قليلةٌ أو كثيرةٌ قال الله تعالى: {وَبَشِّر الصَّابِرينَ الَّذينَ إذَا أصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ (¬2) قالُوا إنَّا لِلَّهِ وَإِنّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ. أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ} [البقرة: 155ـ156]. [1/ 329] وروينا في كتاب ابن السني، عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لِيَسْتَرْجِعْ أحَدُكُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ حتَّى فِي شِسْعِ نَعْلِهِ، فإنَّها مِنَ المَصَائِبِ". ¬

[328] ابن السني (359) وإسناده ضعيف؛ فيه عيسى بن عون، قال الأزدي: لا يصحّ حديثه، وعبد الملك بن زرارة، قال الهيثمي: ضعيف. [329] ابن السني (354) وقال الحافظ: حديث غريب في سنده من ضُعِّفَ وله شاهد .. انظر الفتوحات 4/ 28. ومعنى "الزمام": السير الذي يعقد فيه الشِّسْعُ. (¬1) " نكبة" بإسكان الكاف: ما يُصيب الإِنسان من الحوادث، كذا في النهاية (¬2) "مصيبة": اسم فاعل من أصاب، وصار اختصاصه بالمكروه

91 ـ باب ما يقوله إذا كان عليه دين عجز عنه

قلت: الشسع: بكسر الشين المعجمة ثم بإسكان السين المهملة، وهو أحد سُيور النعل التي تشدّ إلى زِمَامِها. 91 ـ بابُ ما يقولُه إذا كان عليه دينٌ عَجَزَ عنه [1/ 330] روينا في كتاب الترمذي عن عليّ رضي الله عنه أن مُكاتبًا جاءه فقال: إني عجزتُ عن كتابتي فأعنّي، قال: ألا أُعلّمك كلماتٍ علمنيهن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، لو كان عليك مثل جبل صِيْرٍ دينًا أدّاه عنك؟ قل: "اللَّهُمَّ اكْفِني بِحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأغْنِني بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِواكَ" قال الترمذي: حديث حسن. وقد قدّمنا في باب ما يُقال عند الصباح والمساء حديث أبي داود (¬1)، عن أبي سعيد الخدري في قصة الرجل الصحابي الذي يُقال له أبو أمامة، وقوله "هموم لزمتني وديون". 92 ـ بابُ ما يقولُه مَنن بُلي بالوَحْشة [1/ 331] روينا في كتاب ابن السني، عن الوليد بن الوليد رضي الله عنه أنه قال: يارسول الله! إني أجدُ وحشةً، قال:"إذَا أخَذْتَ مَضْجَعَكَ فَقُلْ: أعُوذُ بِكَلِماتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقابِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ، وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّياطِينِ وأنْ يَحْضُرُونِ. فإنَّها لا تَضُرُّكَ أوْ لا تَقْرَبُكَ". [2/ 332] وروينا فيه، عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: أتى ¬

[330] الترمذي (3558) وقال الحافظ بعد تخريجه: حديث حسن غريب أخرجه الترمذي والحاكم. و"صير" اسم جبل، وفي نسخة للترمذي "ثبير". [331] ابن السني (643) وقد تقدم برقم 1/ 259. [332] ابن السني (644) وإسناده ضعيف. (¬1) انظر الحديث برقم 21/ 190

93 ـ باب ما يقوله من بلي بالوسوسة

رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ يشكو إليه الوحشة، فقال: "أكْثِرْ مِنْ أنْ تَقُولَ: سُبْحانَ المَلِكِ القُدُّوسِ ربِّ المَلائِكَةِ والرُّوحِ، جَلَّلْتَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بالعِزَّةِ والجبَرُوتِ"، فقالها الرجلُ فذهبتْ عنه الوحشة. 93 ـ بابُ ما يقولُه مَنْ بُلي بالوَسْوَسَة قال الله تعالى: {وَإمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ باللَّهِ إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ} [فصلت:36] فأحسنُ ما يُقال ما أدَّبَنا الله تعالى به وأمرَنا بقوله. [1/ 333] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأتِي الشَّيْطانُ أحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا، مَنْ خَلَقَ كَذَا، حتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فإذَا بَلَغَ ذَلِكَ فَلْيَسْتَعِذْ بالله وَلْيَنْتَهِ" وفي رواية في الصحيح: "لا يَزالُ النَّاسُ يَتَساءلُونَ حتَّى يُقالَ هَذَا: خَلَقَ اللَّهُ الخَلْقَ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذلكَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ: آمَنْتُ باللَّهِ وَرُسُلِهِ". [2/ 334] وروينا في كتاب ابن السني، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ وَجَدَ مِنْ هَذَا الوَسْوَاسِ فَلْيَقُلْ: آمَنَّا باللَّهِ وَبِرُسُلِهِ ثَلاثًا. فإنَّ ذلكَ يَذْهَبُ عَنْهُ". [3/ 335] وروينا في صحيح مسلم، عن عثمان بن أبي العاصي (¬1) ¬

[333] البخاري (3276)، ومسلم (135)، وأبو داود (4721) و (4722). [334] ابن السني (629) وإسناده ضعيف. [335] مسلم (2203) ومعنى "يَلْبِسُهَا": يخلطها ويشكّكني فيها. (¬1) عن عثمان بن أبي العاصي: هو الثقفي الطائفي قدم على النبيّ صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف سنة =

رضي الله عنه قال: قلتُ يا رسول الله إن الشيطان قد حال (¬1) بيني وبين صلاتي وقراءتي يَلْبِسُهَا عليّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذلكَ شَيْطانٌ يُقالُ لَهُ خِنْزَبٌ، فإذَا أحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ باللَّهِ مِنْهُ وَاتْفُلْ عَنْ يَسارِكَ ثَلاثًا" ففعلتُ ذلك فأذهبه الله عنه. قلتُ: خِنْزب بخاء معجمة ثم نون ساكنة ثم زاي مفتوحة ثم باء موحدة، واختلف العلماء في ضبط الخاء منه، فمنهم من فتحها، ومنهم من كسرها، وهذان مشهوران، ومنهم من ضمَّها حكاه ابن الأثير في نهاية الغريب، والمعروف الفتح والكسر. [4/ 336] وروينا في سنن أبي داود بإسناد جيد، عن أبي زُمَيْل قال: قلت لابن عباس: ما شيء أجده في صدري؟ قال: ما هو؟ قلت: والله لا أتكلم به، فقال لي: أشيء من شكّ؟ وضحك وقال: ما نجا منه أحدٌ حتى أنزل الله تعالى: {فإنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أنْزَلْنا إلَيْكَ} الآية، [يونس:94] فقال لي: إذا وجدت في نفسك شيئًا فقل {هُوَ الأوَّلُ والآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالباطِنُ وَهُوَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد:3]. ¬

[336] أبو داود (5110) قال الحافظ: هذا المتن شاذ، وقد ثبت عن ابن عباس من رواية سعيد بن جُبير، ومن رواية مجاهد، وغيرها عنه "ما شكَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ولا سأل" أخرجه عبد بن حُميد، والطبراني، وابن أبي حاتم بأسانيد صحيحة. الفتوحات 4/ 37. = تسع. واستعمله النبيّ صلى الله عليه وسلم عليهم وعلى الطائف، وكان أحدث القوم سنًّا، وأقرّه عليها أبو بكر وعمر، واستعمله عمر أيضًا على عمان والبحرين، روى له فيما قيل عن النبيّ صلى الله عليه وسلم تسعة عشر حديثًا، أخرج مسلم عنه ثلاثة أحاديث، ولم يخرّج عنه البخاري، وخرّج عنه الأربعة، روى عنه ابن المسيب في آخرين، نزل البصرة ومات بها في زمن معاوية سنة إحدى وخمسين (¬1) "قد حال" بالحاء المهملة: أي جعل بيني وبين كمال الصلاة والقراءة حاجزًا من وسوسته المانعة من رُوح العبادة وسرّها، وهو الخشوع

94 ـ باب ما يقرأ على المعتوه والملدوغ

وروينا بإسنادنا الصحيح في رسالة الأستاذ أبي القاسم القُشيري رحمه الله، عن أحمد بن عطاء الروذباري السيد الجليل رضي الله عنه قال: كان لي استقصاء في أمر الطهارة، وضاق صدري ليلة لكثرة ما صببتُ من الماء ولم يسكنْ قلبي، فقلت: يا ربّ عفوك عفوك، فسمعتُ هاتفًا يقول: العفو في العلم، فزال عني ذلك. وقال بعض العلماء: يستحبّ قول "لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ" لمن ابتلي بالوسوسة في الوضوء أو في الصلاة أو شبههما، فإن الشيطان إذا سمع الذكر خنس: أي تأخر وبعد، ولا إِله إِلاَّ اللَّه رأسُ الذكر، ولذلك اختار السادة الأجلّة من صفوة هذه الأمة أهل تربية السالكين وتأديب المريدين قول: لا إِله إِلاَّ الله لأهل الخلوة وأمروهم بالمداومة عليها، وقالوا: أنفع علاج في دفع الوسوسة الإِقبال على ذكر الله تعالى والإِكثار منه. وقال السيد الجليل أحمد بن أبي الحواري ـ بفتح الراء وكسرها ـ شكوتُ إلى أبي سُليمان الداراني الوسواس، فقال: إذا أردت أن ينقطع عنك، فأيّ وقت أحْسَسْتَ به فافرح، فإنك إذا فرحتَ به انقطع عنك، لأنه ليس شيء أبغض إلى الشيطان من سرور المؤمن، وإن اغتممت به زادك. قلت: وهذا مما يُؤيد ما قاله بعض الأئمة: إن الوسواس إنما يُبتلى به من كمل إيمانه، فإن اللصّ لا يقصد بيتًا خربًا. 94 ـ بابُ ما يُقرأُ على المَعْتُوهِ والمَلْدُوغ [1/ 337] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: انطلق نفرٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في سَفْرة سافروها، حتى نزلوا على حيٍّ من أحياء العرب، فاستضافُوهم فأبوا ¬

[337] البخاري (5749)، ومسلم (2201). والمراد بقوله "الحمد لله ربّ العالمين" سورة الفاتحة كاملة.

أن يُضيِّفوهم، فلُدغ سيِّدُ ذلك الحيّ، فسعَوْا له بكل شيء لا ينفعُه شيءٌ، فقال بعضُهم: لو أتيتم هؤلاء الرَّهَطَ الذين نزلوا لعلَّهم أن يكونَ عندهم بعضُ شيءٍ، فأتوهُم فقالوا: يا أيُّها الرَّهط إنَّ سيدنا لُدغ وسعينا له بكلّ شيءٍ لا ينفعه شيء، فهل عندَ أحدٍ منكم من شيءٍ؟ قال بعضُهم: إني والله لأَرْقي، ولكنْ والله لقد استضفناكم فلم تضيِّفونا، فما أنا براقٍ لكم حتى تجعلوا لنا جُعْلًا (¬1)، فصالحُوهم على قطيع من الغنم، فانطلقَ يتفلُ عليه ويقرأُ: (الحَمْدُ لِلَّهِ ربِّ العَالَمِينَ)، فكأنما نَشِطَ من عِقَال، فانطلقَ يمشي وما به قَلَبَة، فأوفوهم جُعْلَهم الذي صالحوهم عليه، وقال بعضُهم: اقسموا فقال الذي رَقَى: لا تفعلوا حتى نأتيَ النبيّ صلى الله عليه وسلم فنذكرَ له الذي كان، فننظر الذي يأمرنا، فقدموا على النبيّ صلى الله عليه وسلم فذكروا له، فقال: "وَما يُدْرِيكَ أنها رُقْيَةٌ؟ ثم قال: قَدْ أصَبْتُمُ اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لي مَعَكُم سَهمًا"، وضحك النبيّ صلى الله عليه وسلم. هذا لفظ رواية البخاري وهي أتمّ الروايات. وفي رواية "فجعل يقرأ أُمّ الكتاب ويجمع بزاقه ويتفل، فبرىء الرجل" وفي رواية "فأمر له بثلاثين شاة". قلت: قوله "وما به قَلَبَة" وهي بفتح القاف واللام والباء الموحدة: أي وجع. [2/ 338] وروينا في كتاب ابن السني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن رجل عن أبيه قال: جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخي وجع، فقال: "وَما وَجَعُ أخِيكَ؟ قال: به لمم، قال: فابْعَث بِهِ إليَّ"، فجاء ¬

[338] ابن السني (637) وإسناده ضعيف، انظر الفتوحات 4/ 42. (¬1) جُعلًا بضم الجيم: اسم مصدر والمصدر الجَعل بالفتح، يقال: جعلت كذا جُعلًا وجَعلًا: وهو الأجرة على الشيء فعلًا أو قولًا، كذا في النهاية. وقد ورد عند أبي داود وابن حبّان قال "فأعطوني مِئَةَ شاة، فقلت لا" أي لا آخذه

فجلس بين يديه، فقرأ عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم: فاتحة الكتاب، وأربع آياتٍ من أوّل سورة البقرة، وآيتين من وسطها: {وإلهُكُمْ إِلهُ وَاحِدٌ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ. إنَّ في خَلْقِ السَّمَوَاتِ والأرْضِ} حتى فرغ من الآية [البقرة: 163ـ164] وآية الكرسي، وثلاث آيات من آخر سورة البقرة، وآية من أوّل سورة آل عمران، و {شَهِدَ اللَّهُ أنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ ..} إلى آخر الآية [آل عمران: 18] وآية من سورة الأعراف: {إنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذي خَلَقَ السَّمَوَاتِ والأرْضِ} [الأعراف:54] وآية من سورة المؤمنين: {فَتَعَالى اللَّهُ المَلِكُ الحَقُّ لا إِله إِلاَّ هُوَ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ} [المؤمنون:116] وآية من سورة الجنّ: {وأنَّه تَعالى جَدُّ رَبِّنا ما اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا} [الجن: 3] وعشر آيات من سورة الصّافّات من أوّلها، وثلاثًا من آخر سورة الحشر، و {قل هو الله أحد} والمعوّذتين. قلت: قال أهل اللغة: اللمم طرف من الجنون يلمّ بالإِنسان ويعتريه. [3/ 339] وروينا في سنن أبي داود بإسناد صحيح، عن خارجة بن الصلت، عن عمّه قال: أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأسلمت، ثم رجعتُ فمررتُ على قوم عندهم رجل مجنون مُوثق بالحديد فقال أهله: إنّنا حُدِّثنا أن صاحبَك هذا قد جاء بخير، فهل عندك شيءٌ تُداويه، فرقيته بفاتحة الكتاب فبرىء، فأعطوني مِئَةَ شاة، فأتيت النبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبرتُه، فقال: "هَلْ إِلاَّ هَذَا؟ " وفي رواية: "هَلْ قُلْتَ غَيْرَ هَذَا؟ قلتُ: لا، قال: خُذْها فَلَعَمرِي لَمَنْ أكَلَ بِرُقْيَةِ باطِلٍ، لَقَدْ أكَلْتَ بِرُقْيَةٍ حَقٍّ". [4/ 340] وروينا في كتاب ابن السني بلفظ آخر، وهي رواية أخرى ¬

[339] ابن السني (636) وإسناده ضعيف، وقال الحافظ ابن حجر: أخرجه ابن السني، والطبراني، وابن أبي حاتم. [340] أبو داود (3896) وإسناده حسن، أخرجه أبو داود وابن حبّان والحاكم. الفتوحات 4/ 44.

95 ـ باب ما يعوذ به الصبيان وغيرهم

لأبي داود، قال فيها عن خارجة عن عمّه قال: أقبلنا من عند النبيّ فأتينا على حيّ من العرب، فقالوا: عندكم دواءٌ، فإن عندنا معتوهًا في القيود، فجاؤوا بالمعتوه في القيود، فقرأتُ عليه فاتحةَ الكتاب ثلاثةَ أيامٍ غدْوةً وعشيّةً أجمع بزاقي ثم أتفلُ، فكأنما نَشِطَ من عِقال، فأعطوني جُعْلًا، فقلتُ: لا، فقالوا: سلِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فسألته فقال: "كُلْ (¬1) فَلَعَمْرِي مَنْ أكَلَ بِرُقْيَةِ باطِلٍ، لَقَدْ أكَلْتَ بِرُقْيَةِ حَقٍّ" قلت: هذا العمّ اسمه عِلاقة بن صُحَار (¬2)، وقيل اسمه عبد الله. [5/ 341] وروينا في كتاب ابن السني، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قرأ في أُذن مبتلى فأفاق، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا قَرأتَ في أُذُنِهِ؟ " قال: قرأت {أَفَحَسِبْتُمْ أنّمَا خَلَقْناكُمْ عَبَثًا} [المؤمنون: 115] حتى فرغ من آخر السورة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ أنَّ رَجُلًا مُوقِنًا قَرأ بِها على جَبَلٍ لَزَالَ". 95 ـ بابُ ما يُعَوَّذُ به الصِّبْيَانُ وغيرُهم [1/ 342] روينا في صحيح البخاري رحمه الله عن ابن عباس رضي ¬

[341] ابن السني (635)، وأبو داود (3897)، وقال الحافظ: هذا حديث غريب، وأخرجه ابن السني، عن أبي يعلى الموصلي، وأخرجه الطبراني في الدعاء، وابن أبي حاتم في التفسير. الفتوحات 4/ 46. [342] البخاري (3371)، ورواه النسائي في "اليوم والليلة" (1006)، وابن ماجه (3525) وغيرهم. (¬1) "كل": أي: خذ الجعل وكل منه (¬2) "علاقة بن صحار" وقيل عبد الله، قال في الحرز؛ عِلاقة، بكسر العين المهملة، قلت: وآخره قاف بعدها هاء. وفي السلاح صُحَار بضم الصاد وبالحاء المهملتين. وفي أسد الغابة: هو عمّ خارجة بن الصلت وذكر قولًا أن اسمه العلاء وأنه السلطي من بني سُليط. قال واسمه كعب بن الحارث بن يربوع التيمي السليطي، ذكره ابن شاهين. الفتوحات 4/ 45

96 ـ باب ما يقال على الخراج والبثرة ونحوهما

الله عنهما قال: "كان رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم يعوّذ الحسن والحسين: أُعِيذُكُما بِكَلِماتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ وَهامَّةِ، وَمِنْ كُلّ عَيْنٍ لامَّةٍ ويقول: إنَّ أباكُما كان يُعَوِّذُ بِها إسْماعِيلَ وَإسْحاقَ" صلى الله عليهم أجمعين وسلم. قلتُ: قال العلماء: الهامَّة بتشديد الميم: وهي كلّ ذات سمّ يقتل كالحيّة وغيرها، والجمع الهوامّ، قالوا: وقد يقع الهوامّ على ما يدبّ من الحيوان وإن لم يقتل كالحشرات. ومنه حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه "أيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رأسِكَ؟ " أي القمل. وأما العين اللامّة بتشديد الميم: وهي التي تُصيب ما نظرت إليه بسوء. 96 ـ بابُ ما يُقالُ على الخُرَّاجِ والبَثَرَةِ ونحوهما في الباب حديث عائشة الآتي (¬1) قريبًا في باب ما يقوله المريض ويُقرأ عليه. [1/ 343] روينا في كتاب ابن السني، عن بعض أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم قالت: دخل عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وقد خرجَ في أصبعي بثرة، فقال: "عِنْدَكِ ذَرِيرَةٌ؟ " فوضعها عليها وقال: "قُولي اللَّهُم مُصَغِّرَ الكَبِيرِ وَمُكَبِّرَ الصَّغِيرِ صَغِّرْ ما بِي. فطفئت". ¬

[343] ابن السني (640)، والنسائي (1031) في "اليوم والليلة" وإسناده عند النسائي صحيح، وهو في مسند أحمد 5/ 370. وقال الحافظ ابن حجر: أخرجه ابن السني، وخالف في سياق المتن ظاهره، واتفاق الأئمة على خلاف روايته، دالّ على أنه وقع له في سنده وهم، فإنه قال: بنت أبي كثير ... وقال الحافظ: وَعَجَبٌ من عدول الشيخ ـ أي النووي ـ عن التخريج من كتاب النسائي مع تشدده وعلّوه، إلى كتاب ابن السني مع تساهله ونزوله. الفتوحات 4/ 48ـ49. (¬1) انظر الحديث. رقم 1/ 346

قلتُ: البثرة بفتح الباء الموحدة وإسكان الثاء المثلثة، وبفتحها أيضًا لغتان: وهو خُرَّاجٌ صِغار، ويقال بَثِر وجهه وبثر بكسر الثاء وفتحها وضمّها ثلاث لغات. وأما الذَّريرة: فهي فتات قَصَبٍ من قصبِ الطيب يُجاء به من الهند.

كتاب أذكار المرض والموت وما يتعلق بهما

كتاب أذكار المرض والموت وما يتعلق بهما 97 ـ بابُ اسْتحبابِ الإِكْثارِ من ذِكْرِ الموْت [1/ 344] روينا بالأسانيد الصحيحة في كتاب الترمذي وكتاب النسائي وكتاب ابن ماجه وغيرها، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أكْثِرُوا ذِكْرَ هاذِمِ اللَّذَّاتِ" يعني الموت، قال الترمذي: حديث حسن. 98 ـ بابُ اسْتحبابِ سؤالِ أهلِ المريضِ وأقَاربهِ عنه وجوابُ المَسْؤُول [1/ 345] روينا في صحيح البخاري، عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي توفي فيه، فقال الناس: يا أبا حسن! كيف أصبحَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أصبحَ بحمد الله بَارئًا. ¬

[344] الترمذي (2308)، والنسائي 4/ 4، وابن ماجه (4258) ورجح الحافظ أن إسناده حسنٌ. وانظر الفتوحات 4/ 50. ومعنى "هاذم اللذات": قاطِعها. [345] البخاري (6266) ومعنى "بارِئًا": قريبًا من البرء بحسب ظنه، أو للتفاؤل، أو بارئًا من كل ما يعتري المريض من قلق وغفلة.

99 ـ باب ما يقوله المريض ويقال عنده ويقرأ عليه وسؤاله عن حاله

99 ـ بابُ ما يَقولُه المريضُ ويُقالُ عندَه ويُقرأ عليه وسؤالُه عن حالِه [1/ 346] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عائشة رضي الله عنها؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه جمع كفّيه ثم نفث فيهما، فقرأ فيها: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أحَدٌ} و {قُلْ أعُوذُ بِرَبّ الفَلَقِ} و {قُلْ أعُوذُ بِرَبّ النَّاس} ثم يمسحُ بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده، يفعلُ ذلك ثلاثَ مرات، قالت عائشة: فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به. وفي رواية في الصحيح: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان ينفث على نفسه في المرض الذي توفي فيه بالمعوّذات، قالت عائشة: فلما ثَقُلَ كنتُ أنفثُ عليه بهنّ وأمسحُ بيد نفسه لبركتها، وفي رواية: كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوّذات وينفثُ. قيل للزهري أحد رواة هذا الحديث: كيف ينفث؟ فقال: كان ينفثُ على يديه ثم يمسحُ بهما وجهه. قلت: وفي الباب الأحاديث التي تقدمت في باب ما يُقرأ على المعتوه، وهو قراءة الفاتحة وغيرها. [2/ 347] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم وسنن أبي داود وغيرها، عن عائشة رضي الله عنها؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى الإِنسان الشيء منه، أو كانت قرحة أو جرح قال النبيّ صلى الله عليه وسلم بإصبعه هكذا ـ ووضع سفيان بن عيينة الراوي سبّابته بالأرض ثم رفعها ـ وقال: "بِسْمِ اللَّهِ تُرْبَةُ ¬

[346] البخاري (5016) و (5017)، ومسلم (2192)، والموطأ 2/ 942ـ 943، وأبو داود (5049)، والترمذي (3413). [347] البخاري (5745)، ومسلم (2194)، وأبو داود (3895).

أرْضِنا بِرِيقَةِ بَعْضِنا يُشْفَى بِهِ سَقِيمُنا بإذْنِ رَبِّنا". وفي رواية: "تُرْبَةُ أرْضِنا وَرِيقَةُ بَعْضِنا". قلت: قال العلماء: معنى بريقة بعضنا: أي ببُصاقه، والمراد بُصاق بني آدم. قال ابن فارس: الريق ريق الإِنسان وغيره، وقد يؤنث فيقال ريقة. وقال الجوهري في صحاحه: الريقة أخصّ من الريق. [3/ 348] وروينا في صحيحيهما، عن عائشة رضي الله عنها؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يُعَوِّذُ بعضَ أهله يمسَحُ بيده اليمنى ويقول: "اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أذْهِبِ البأسَ، اشْفِ أنْتَ الشَّافِي، لا شِفاءَ إِلاَّ شِفاؤُكَ شِفاءً لا يُغادِرُ سَقَمًا" وفي رواية: كان يرقي، يقول: "امْسَحِ الباسَ رَبَّ النَّاسِ، بِيَدِكَ الشِّفاءُ، لا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ أَنْتَ". [4/ 349] وروينا في صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه أنه قال لثابت رحمه الله: ألا أرقيك برُقْيَة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: بلى، قال: "اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ، مُذْهِبَ البأسِ، اشْفِ أنْتَ الشَّافِي، لا شافِيَ إِلاَّ أَنْتَ شِفاءً لا يُغادِرُ سَقَمًا" قلت: معنى لا يغادر: أي لا يترك، والبأس: الشدّة والمرض. [5/ 350] وروينا في صحيح مسلم رحمه الله، عن عثمان بن أبي العاصي رضي الله عنه أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعًا يجده في جسده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "ضَعْ يَدَكَ على الَّذِي يألمُ مِنْ جَسَدِكَ، وَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ ثَلاثًا، وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ أعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرّ ما أجِدُ وأُحاذِرُ". ¬

[348] البخاري (5743)، ومسلم (2191). [349] البخاري (5742). [350] مسلم (2202)، وأبو داود (3891)، والنسائي (909) في "اليوم والليلة".

[6/ 351] وروينا في صحيح مسلم، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: عادني النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: "اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا، اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا، اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا". [7/ 352] وروينا في سنن أبي داود والترمذي بالإِسناد الصحيح، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ عادَ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أجَلُهُ فَقالَ عِنْدَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أسألُ اللَّهَ العَظِيمَ رَبّ العَرْشِ العَظِيمِ أنْ يَشْفِيكَ، إلاَّ عافاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعالى مِن ذلِك المَرَضِ" قال الترمذي: حديث حسن. وقال الحاكم أبو عبد الله في كتابه المستدرك على الصحيحين: هذا حديث صحيح على شرط البخاري. قلت: يَشفيك بفتح أوله. [8/ 353] وروينا في سنن أبي داود، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "إذَا جاءَ الرَّجُلُ يَعُودُ مَرِيضًا فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ اشْفِ عَبْدَكَ يَنْكأ لَكَ عَدُوًّا، أوْ يَمْشي لَكَ إلى صَلاةٍ" لم يضعفه أبو داود، قلت: يَنكأ بفتح أوله وهمز آخره، ومعناه: يؤلمه ويوجعه. [9/ 354] وروينا في كتاب الترمذي: عن عليّ رضي الله عنه قال: ¬

[351] مسلم (1628) (8). [352] أبو داود (3106)، والترمذي (2084) والحاكم 1/ 342. وقال الحافظ: هذا حديث حسن وأخرجه أحمد، وقال الترمذي: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث المنهال بن عمرو .. وأورد له الحافظ طرقًا أخرى يعتضد بها. الفتوحات 4/ 61. [353] أبو داود (3107) وإسناده حسن كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى. [354] الترمذي (3559) وقال الحافظ: هذا حديث صحيح أخرجه الإِمام أحمد والترمذي والنسائي (1058) والحاكم وابن حبّان. الفتوحات 4/ 64. وهو في المسند 1/ 83 و 84 و 128.

كنتُ شاكيًا فمرَّ بي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقول: اللَّهمّ إن كان أجلي قد حضرَ فأرحني، وإنْ كانَ متأخرًا فارفعني، وإن كان بلاءً فصبِّرني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كَيْفَ قُلْتَ؟ " فأعاد عليه ما قاله، فضربه برجله وقال: "اللَّهُمَّ عافِهِ ـ أو اشْفِهِ ـ" شك شعبة ـ قال: فما اشتكيتُ وجعي بعدُ. قال الترمذي: حديث حسن صحيح. [10/ 355] وروينا في كتابي الترمذي وابن ماجه، عن أبي سعيد الخدريّ وأبي هريرة رضي الله عنهما أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَنْ قَالَ: لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أكْبَرُ، صَدَّقَهُ رَبُّهُ، فَقالَ: لا إِلهَ إِلاَّ أنا وأنا أكْبَرُ؛ وَإذَا قالَ: لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ قالَ: يَقُولُ: لا إِلهَ إِلاَّ أنا وَحْدِي لا شَرِيكَ لي؛ وَإذَا قالَ: لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، قال: لا إلهَ إِلاَّ أنا لي المُلْكُ ولِي الحَمْدُ؛ وَإِذَا قالَ: لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ، قالَ: لا إِلهَ إِلاَّ أنا وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِي" وكان يقول "مَنْ قالَهَا في مَرَضِهِ ثُمَّ مَات لَمْ تَطْعَمْهُ النَّارُ" قال الترمذي: حديث حسن. [11/ 356] وروينا في صحيح مسلم وكتب الترمذي والنسائي وابن ماجه بالأسانيد الصحيحة، عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه؛ أن جبريل أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: "يا مُحَمَّدُ! اشْتَكَيْتَ؟ قال: نَعَمْ، قال: بِسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أو عَيْنٍ حاسِدٍ، اللَّهُ يَشْفِيكَ، بِسْمِ اللَّهِ أرْقِيكَ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. ¬

[355] الترمذي (3426)، وابن ماجه (3794)، وقال الحافظ: هذا حديث حسن أخرجه النسائي في الكبرى وابن ماجه ورواه الترمذي والحاكم. وابن حبّان ملخصًا. الفتوحات 4/ 65. [356] مسلم (2186)، والترمذي (972)، والنسائي في الكبرى، وابن ماجه (3524).

[12/ 357] وروينا في صحيح البخاري، عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أن النبيّ دخل على أعرابيّ يعوده قال: وكان النبيّ إذا دخل على مَن يعُودُه قال: "لا بأسَ طَهُورٌ إنْ شاءَ اللَّهُ". [13/ 358] وروينا في كتاب ابن السني، عن أنس رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أعرابيّ يعودُه وهو محموم فقال: "كَفَّارَةٌ وَطَهُورٌ". [14/ 359] وروينا في كتاب الترمذي وابن السني، عن أبي أُمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تمَامُ عِيادَةِ المَرِيضِ أنْ يَضَعَ أحَدُكُمْ يَدَهُ على جَبْهَتِهِ أوْ على يَدِهِ فَيَسألَهُ كَيْفَ هُوَ" هذا لفظ الترمذي. وفي رواية ابن السني "مِنْ تَمَامِ العِيادَة أنْ تَضَعَ يَدَكَ على المَرِيضِ فَتَقُولَ: كَيْفَ أَصْبَحْتَ أوْ كَيْفَ أَمْسَيْتَ" قال الترمذي: ليس إسناده بذاك. [15/ 360] وروينا في كتاب ابن السني، عن سلمان رضي الله عنه قال: عادني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريض، فقال: "يا سَلْمانُ! شَفَى اللَّهُ سَقَمَكَ، وَغَفَرَ ذَنْبَكَ، وَعافاكَ فِي دِيْنِكَ وَجِسْمِكَ إلى مُدَّةِ أجَلِكَ". [16/ 361] وروينا فيه، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: مرضت فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوّذني، فعّوذني يومًا، فقال: "بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، أُعِيذُكَ بالله الأَحَدِ الصَّمَدِ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلمْ يُولَدْ ولَمْ ¬

[357] البخاري (5656). [358] ابن السني (540)، وقال الحافظ: هذا حديث حسن غريب، وتتمة الحديث: فقال الأعرابي: حمى تفور على شيخ كبير تزيره القبور! فقام النبي صلى الله عليه وسلم وتركه. [359] الترمذي (2732)، وابن السني (541) وإسناده ضعيف. [360] ابن السني (553)، وإسناده ضعيف، فيه أبو خالد: عمرو بن خالد الواسطي، وهو ضعيف جدا. انظر الفتوحات 4/ 71. [361] ابن السني (558) وفي إسناده ضعف. ومعنى "استقل قائمًا" ارتفع من مجلسه قائمًا للانصراف.

100 ـ باب استحباب وصية أهل المريض ومن يخدمه بالإحسان إليه واحتماله والصبر على ما يشق من أمره

يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أحَدٌ مِنْ شَرّ ما تَجِدُ. فلما استقلَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمًا قال: يا عُثْمَانُ تَعَوَّذْ بِها فَمَا تَعَوَّذْتُمْ بِمِثْلِها". 100 ـ بابُ استحباب وصيّة أهلِ المريضِ وَمَنْ يَخدمه بالإِحسانِ إِليه واحتمالِه والصبرِ على ما يَشُقُّ من أمْرِه وكذلك الوصيّة بمن قَرُبَ سببُ موته بحدٍّ أو قَصَاصٍ أو غيرهما. [1/ 362] روينا في صحيح مسلم، عن عمران بن الحصين رضي الله عنهما، أن امرأةً من جهينة أتت النبيّ صلى الله عليه وسلم وهي حُبلى من الزنى، فقالت: يا رسول الله! أصبتُ حَدًّا فأقمْه عليَّ، فدعا نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم وليَّها فقال: "أحْسِنْ إِلَيْها فإذَا وَضَعَتْ فائتني بِهَا" ففعلَ، فأمرَ بها النبيُّ صلى الله عليه وسلم فشُدَّتْ عليها ثيابُها، ثم أمرَ بها فرُجمتْ ثم صلَّى عليها. 101 ـ بابُ ما يقولُه مَنْ به صُداعٌ أو حُمَّى أو غيرهِما (¬1) من الأَوْجَاع [1/ 363] روينا في كتاب ابن السني، عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلِّمهم من الأوجاع كلِّها ومن الحمّى أن يقول: "بِسْمِ اللَّهِ الكَبِيرِ، نَعُوذُ باللَّهِ العَظِيمِ منْ شَرّ عِرْقٍ نَعَّارٍ، وَمنْ شَرّ حَرّ النَّارِ". ¬

[362] مسلم (1696). [363] ابن السني (571) وقال الحافظ: أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه وابن أبي شيبة، وإسناده ضعيف. و"نعَّار" من نَعَرَ العرق: فار بالدم. (¬1) في "ج": "أو نحوهما"

102 باب جواز قول المريض: أنا شديد الوجع، أو موعوك، أو وارأساه ونحو ذلك، وبيان أنه لا كراهة في ذلك إذا لم يكن شيء من ذلك على سبيل التسخط وإظهار الجزع

وينبغي أن يَقرأ على نفسه الفاتحة، وقل هو الله أحد، والمعوّذتين وينفث في يديه كما سبق بيانه، وأن يدعو بدعاء الكرب الذي قدّمناه. 102 باب جواز قَوْل المريض: أنا شديدُ الوجَع، أو مَوْعوكٌ، أو وَارأسَاهُ ونحو ذلك، وبيانُ أنه لا كراهة في ذلك إذا لم يكن شيءٌ من ذلك على سبيل التَّسَخُّطِ وإظهارِ الجَزَعِ [1/ 364] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: دخلتُ على النبيّ وهو يُوعَكُ، فمسسْتُه فقلت: إنك لتُوعك وعكًا شديدًا، قال: "أجَلْ كما يُوعَكُ رَجُلانِ مِنْكُمْ". [2/ 365] روينا في صحيحيهما، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودُني من وَجَعٍ اشتدّ بي، فقلتُ: بلغ بي ما ترى وأنا ذو مالٍ ولا يرثني إلا ابنتي. وذكرَ الحديث. [3/ 366] وروينا في صحيح البخاري، عن القاسم بن محمد قال: قالت عائشة رضي الله عنها: وارأساه فقال فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "بَلْ أنا وَارأساهُ" وذكر الحديث. هذا الحديث بهذا اللفظ مرسل. (¬1) ¬

[364] البخاري (5647) و (5660)، ومسلم (2571). و"توعك" الوَعْك: أذى الحمّى وألمها. [365] البخاري (5668)، ومسلم (1628). وفي البخاري "ولا يرثني إلا ابنةٌ لي"، وفي مسلم "ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة". [366] البخاري (7217). (¬1) الحديث مرسل؛ لأن القاسم بن محمد ساق قصةً ما أدركها، ولا قال إن عائشة أخبرته بها لكن اعتمد البخاري على شهرة القاسم بن محمد لصحبة عمّته وكثرة روايته عنها .. الفتوحات 4/ 78.

103 باب كراهية تمني الموت لضر نزل بالإنسان وجوازه إذا خاف فتنة في دينه

103 بابُ كراهية تمنِّي الموت لضُرٍّ نزلَ بالإِنسان وجوازُه إذا خاف فتنةً في دينهِ [1/ 367] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ مِنْ ضُرّ أصَابَهُ، فإنْ كانَ لا بُدَّ فاعِلًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أحْيِني ما كانَتِ الحَياةُ خَيْرًا لي، وَتَوَفَّنِي إذَا كَانَتِ الوَفاةُ خَيْرًا لِي". قال العلماء من أصحابنا وغيرهم: هذا إذا تمنى لضرّ ونحوه، فإن تمنى الموت خوفًا على دينه لفسادِ الزمان ونحو ذلك: لم يكره. 104 ـ بابُ استحبابِ دُعاءِ الإِنسانِ بأنْ يكونَ موتُه في البلدِ الشريف [1/ 368] روينا في صحيح البخاري، عَنْ أمِّ المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنهما قالت: قال عمر رضي الله عنه: اللَّهمّ ارزقني شهادة في سبيلك، واجعلْ موتي في بلدِ رسولِك صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: أنَّى يكونُ هذا؟ قال: يأتيني الله به إذا شاء. 105 ـ بابُ استحباب تَطْييبِ نفس (¬1) المريضِ [1/ 369] روينا في كتاب الترمذي وابن ماجه بإسناد ضعيف، عن أبي ¬

[367] البخاري (5671)، ومسلم (2680)، وأبو داود (3108)، والترمذي (971)، والنسائي 4/ 3. [368] البخاري (1890). [369] الترمذي (2088)، وابن ماجه (1438) وفي سنده موسى بن إبراهيم التميمي وهو منكر الحديث. (¬1) في"د": "في تطييب النَّفْس"

106 ـ باب الثناء على المريض بمحاسن أعماله ونحوها إذا رأى منه خوفا ليذهب خوفه ويحسن ظنه بربه سبحانه وتعالى

سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا دَخَلْتُمْ على مَرِيضٍ فَنَفِّسُوا لَهُ فِي أَجَلِهِ، فإنَّ ذلكَ لا يَرُدُّ شَيْئًا وَيُطَيِّبُ نَفْسَهُ" ويغني عنه حديث ابن عباس السابق (¬1) في باب ما يُقال للمريض "لا بأسَ طَهُورٌ إنْ شاءَ اللَّهُ". 106 ـ بابُ الثَّناءِ على المريضِ بمحَاسِن أعمالِه ونحوها إذا رأى منه خوفًا ليذهبَ خوفُه ويُحَسِّن ظنَّه بربهِ سبحانَه وتعَالى [1/ 370] روينا في صحيح البخاري، عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أنه قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين طُعِنَ وكان يُجزِّعه: يا أميرَ المؤمنين! ولا كلّ ذلك، قد صحبتَ رسول الله فأحسنتَ صحبتَه، ثم فارقَكَ وهو عنك راضٍ، ثم صحبتَ أبا بكر فأحسنتَ صحبتَه، ثم فارقَكَ وهو عنك راضٍ، ثم صحبتَ المسلمين فأحسنتَ صحبتهم، ولئن فارقتهم لتفارقنَّهم وهم عنك راضون .. وذكر تمام الحديث. وقال عمر رضي الله عنه: ذلك مِنْ مَنِّ الله تعالى. [2/ 371] وروينا في صحيح مسلم، عن ابن شُماسة ـ بضم الشين وفتحها ـ قال: حضرنا عمرو بن العاص رضي الله عنه، وهو في سِياقة الموت يَبكي طويلًا، وحوّل وجهه إلى الجدار فجعل ابنه يقول: يا أبتاه، أما بَشَّرَكَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بكذا، أما بشِّرك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بكذا، فأقبلَ ¬

[370] البخاري (3692). [371] مسلم (121) و"سياقة الموت": وقت حضور الأجَل، كأن روحه تُساق لتخرج من جسده. (¬1) انظر الحديث برقم 12/ 357

107 ـ باب ما جاء في تشهية المريض

بوجهه فقال: إنَّ أفضلَ ما نُعِدُّ شهادةَ أن لا إِلهَ إِلاَّ الله وأن محمدًا رسولُ الله، ثم ذكرَ تمامَ الحديث. [3/ 372] وروينا في صحيح البخاري، عن القاسم بن محمد بن أبي بكر رضي الله عنهم؛ أن عائشة رضي الله عنها اشتكت، فجاء ابن عباس رضي الله عنهما فقال: يا أمّ المؤمنين! تقدَمين على فَرْطِ صدق: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر رضي الله عنه. ورواه البخاري أيضًا من رواية ابن أبي مُليكة أن ابن عباس استأذن على عائشة قبل موتها وهي مغلوبة، قالت: أخشى أن يثني عليّ، فقيل: ابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجوه المسلمين، قالت: ائذنوا له، قال: كيف تجدينك؟ قالت: بخير إن اتقيتُ، قال: فأنت بخير إن شاء الله: زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينكح بِكرًا غيرك ونزلَ عذرُك من السماء. 107 ـ بابُ ما جَاءَ في تَشْهيةِ المريضِ [1/ 373] روينا في كتابي ابن ماجه وابن السني بإسناد ضعيف، عن أنس رضي الله عنه قال: دخل النبيّ صلى الله عليه وسلم على رجلٍ يعودُه فقال "هَلْ تَشْتَهِي شيئًا؟ تشتهي كَعْكًا؟ " قال: نعم، فطلبه له. [2/ 374] وروينا في كتابي الترمذي وابن ماجه، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُكْرِهُوا مَرْضَاكُمْ على ¬

[372] البخاري (3770) و (3771). و"الفرط" المتقدم من كل شيء. [373] ابن ماجه (3441)، وابن السني (545) وإسناده ضعيف. [374] الترمذي (2041)، وابن ماجه (3444) وإسناده حسن لشواهده، انظر الفتوحات 4/ 90.

108 ـ باب طلب العواد الدعاء من المريض

الطَّعامِ والشَّرابِ، فإنَّ اللَّهَ يُطْعِمُهُمْ وَيَسْقِيهِمْ" قال الترمذي: حديث حسن. 108 ـ بابُ طلبِ العوَّادِ الدُّعاء من المريضِ [1/ 375] روينا في سنن ابن ماجه وكتاب ابن السني بإسناد صحيح أو حسن، عن ميمون بن مهران، عن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا دَخَلْتَ على مَرِيضٍ فَمُرْهُ فَلْيَدْعُ لَكَ، فإنَّ دُعَاءَهُ كَدُعاءِ المَلائِكَةِ". لكن ميمون بن مهران لم يدرك عمر. 109 ـ بابُ وَعْظِ المريضِ بعدَ عافيتِه وتذكيره الوفاءَ بما عاهدَ الله تعالى عليه من التوبة وغيرِها قال الله تعالى: {وَأوْفُوا بالعَهْدِ إِنَّ العَهْدَ كانَ مَسْؤُولًا} [الإِسراء:34] وقال تعالى: {والمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إذَا عاهَدُوا} [البقرة:177] الآية، والآيات في الباب كثيرة معروفة. [1/ 376] وروينا في كتاب ابن السني، عن خوّات بن جُبير رضي الله عنه، قال: مرضتُ فعادَني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: "صَحَّ الجِسْمُ يا خَوَّاتُ، قلت: وجسمُك يا رسول الله! قال: فَفِ الله بِمَا وَعَدْتَهُ، فقلت: ما وعدتُ الله عَزّ وجلَّ شيئًا، قال: بَلى إنَّهُ ما منْ عَبْدٍ يَمْرَضُ إِلاَّ أحْدَثَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا، فَفِ الله بِمَا وَعَدْتَهُ". ¬

[375] ابن ماجه (1441)، وابن السني (562) وهو حديث مرسل لتابعي من الطبقة الرابعة. الفتوحات 4/ 91. وقال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات، إلا أنه منقطع. قال العلامي في المراسيل والمِزي: في رواية ميمون بن مهران عن عمر ثلمة. [376] ابن السني (563)، وإسناده ضعيف.

110 ـ باب ما يقوله من أيس من حياته

110 ـ بابُ ما يقولُه من أَيِسَ من حَياتِه [1/ 377] روينا في كتاب الترمذي وسنن ابن ماجه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو بالموت وعنده قدحٌ فيه ماء، وهو يُدْخِلُ يدَه في القدح ثم يمسحُ وجهَه بالماء، ثم يقولُ: "اللَّهُمَّ أعِنِّي على غَمَرَاتِ المَوْتِ وَسَكَرَاتِ المَوْتِ". [3/ 378] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو مستندٌ إليّ يقول: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي وَارْحَمْنِي وألحِقْني بالرَّفِيقِ الأعْلَى". ويستحبّ أن يكثرَ من القرآن والأذكار، ويُكره له الجزع (¬1)، وسوء ¬

[377] الترمذي (978)، وابن ماجه (1623)، والنسائي في "اليوم والليلة" (1093)، و"غمرات الموت": شدائده. و"سكرات الموت": جمع سَكْرة، وهي شدّته التي تُفقد الوعي. فائدة: قال القرطبي "صاحب كتاب المفهم شرح صحيح مسلم": في تشديد الموت على الأنبياء فائدتان: إحداهما: تكميل فضائلهم ورفع درجاتهم وليس ذلك نقصًا ولا عذابًا، بل هو كما جاء "إن أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل". والثانية: أن يعرف الخلقُ مقدار ألم الموت، فقد يطلع الإِنسان على بعض الموتى ولا يرى عليه حركة ولا قلقًا ويرى سهولة خروج روحه، فيظن الأمر سهلًا ولا يعرفُ ما الميتُ فيه، فلما ذكرَ الأنبياءُ الصادقون شدّة الموت مع كرامتهم على الله سبحانه، قطعَ الخلقُ بشدة الموت الذي يقاسيه الميت مطلقًا؛ لإِخبار الصادق عنه ما خلا الشهيد قتيل الكفّار على ما ثبت في الحديث. الفتوحات الربانية، لابن عَلاَّن 4/ 96. [378] البخاري (4440)، ومسلم (2444)، والموطأ 1/ 238ـ239، والترمذي (3490)، وهو في المسند 6/ 89. (¬1) في "د": "ويُكره الأنينُ والجزعُ ... "

الخلق، والشتم، والمخاصمة، والمنازعة في غير الأمور الدينية، ويُستحبّ أن يكونَ شاكرًا لله تعالى بقلبه ولسانه، ويستحضر في ذهنه أن هذا آخرُ أوقاتِه من الدنيا فيجتهدُ على ختمها بخير، ويبادر إلى أداء الحقوق إلى أهلها، من ردّ المظالم والودائع والعواري، واستحلال أهله: من زوجته، ووالديه، وأولاده، وغلمانه، وجيرانه، وأصدقائه، وكل من كانت بينه وبينه معاملة أو مصاحبة، أو تعلّق في شيء. وينبغي أن يوصيَ بأمورِ أولادِه إن لم يكن لهم جدٌّ يَصلحُ للولاية، ويُوصي بما لا يتمكن من فعله في الحال: من قضاء بعض الديون ونحو ذلك. وأن يكون حسنَ الظنّ بالله سبحانه وتعالى أنه يرحمَه، ويستحضر في ذهنه أنه حقير في مخلوقات الله تعالى، وأن الله تعالى غنّي عن عذابه وعن طاعته، وأنه عبدُه، ولا يطلبُ العفوَ والإِحسان والصفح (¬1) والامتنان إلا منه. ويستحبّ أن يكون مُتعاهدًا نفسه بقراءة آياتٍ من القرآن العزيز في الرجاء، ويقرؤُها بصوت رقيق، أو يقرؤُها له غيره وهو يستمع. وكذلك يستقرىءُ أحاديثَ الرجال وحكاياتِ الصالحين وآثارَهم عند الموت. وأن يكونَ خيرُه مُتزايدًا، ويحافظ على الصلوات، واجتناب النجاسات، وغير ذلك من وظائف الدين، ويصبر على مشقة ذلك؛ وليحذرْ من التساهل في ذلك، فإن من أقبح القبائح أن يكونَ آخِرُ عهده من الدنيا التي هي مزرعة الآخرة التفريط فيما وجب عليه أو ندب إليه. وينبغي له أن لا يقبل قول من يخذله عن شيء مما ذكرناه، فإن هذا مما يُبتلى به، وفاعل ذلك هو الصديق الجاهل العدوّ الخفيّ فلا يقبل تخذيله، وليجتهد في ختم عمره بأكمل الأحوال. ويستحبّ أن يوصي أهله وأصحابه بالصبر عليه في مرضه، واحتمال ما يصدر منه، ويوصيهم أيضًا بالصبر على مصيبتهم به، ويجتهد في وصيتهم بترك البكاء عليه، ويقول لهم: صحَّ عن رسول ¬

(¬1) "والصفح"، سقطت من "د"

الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "المَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكاءِ أهْلِهِ عَلَيْهِ " (¬1) فإيَّاكم ـ يا أحبائي ـ وَالسَّعيَ في أسباب عذابي، ويُوصيهم بالرفق بمن يخلفه من طفل وغلام وجارية ونحوهم، ويوصيهم بالإِحسان إلى أصدقائه، ويعلّمهم أنه صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إِنَّ مِنْ أبَرّ البِرّ أنْ يَصِلَ الرَّجُلُ أهْلَ وُدِّ أبِيهِ" (¬2) وصحّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكرم صواحبات خديجة رضي الله عنها بعد وفاتها (¬3) ويستحبّ استحبابًا مؤكدًا أن يوصيهم باجتناب ما جرت العادة به من البدع في الجنائز، ويؤكد (عليهم) (¬4) العهد بذلك. ويُوصيهم بتعاهده بالدعاء وأن لا ينسوه بطول الأمد. ويُستحبّ له أن يقول لهم في وقت بعد وقت: متى رأيتم مني تقصيرًا في شيء فنبّهوني عليه برفق، وأدّوا إليّ النصيحة في ذاك، فإني معرّض للغفلة والكسل والإِهمال. فإذا قصَّرْتُ فنشِّطوني وعاونوني على أُهبة سفري هذا البعيد. ودلائل ما ذكرته في هذا الباب معروفة مشهورة حذفتها اختصارًا فإنها تحتمل كراريس. وإذا حضره النزعُ فليكثرْ من قول: لا إِلهَ إِلاَّ الله. لتكون آخرَ كلامِه. [3/ 379] فقد روينا في الحديث المشهور في سنن أبي داود وغيره، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ كَان آخِرَ ¬

[379] أبو داود (3116)، والحاكم 1/ 351 وصححه، ووافقه الذهبي. (¬1) مسلم (927)، وقال النووي رحمه الله تعالى في كتابه "رياض الصالحين" ص 293: وأما البكاء فجاءتْ أحاديث كثيرة بالنهي عنه، وأن الميت يُعذَّب ببكاء أهله، وهي متأولة ومحمولة على مَن أوصى به، والنهي إنما هو عن البكاء الذي فيه ندب أو نياحة (¬2) مسلم (2552) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (¬3) البخاري (3816)، ومسلم (2435) و (2437). (¬4) "زيادة من "د"

111 ـ باب ما يقوله بعد تغميض الميت

كَلامِه لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ دَخَلَ الجَنَّةَ" قال الحاكم أبو عبد الله في كتابه المستدرك على الصحيحين: هذا حديث صحيح الإِسناد. [4/ 380] وروينا في صحيح مسلم وسنن أبي داود والترمذي والنسائي وغيرهما، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَقِّنُوا مَوْتاكُمْ لا إِلهَ إِلاَّ الله" قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. ورويناه في صحيح مسلم أيضًا من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال العلماء: فإن لم يقل هو "لا إِله إِلاَّ الله" لقَّنه مَنْ حضرَه، ويلقنه برفق مخافةَ أن يضجرَ فيردّها (¬1)، وإذا قالها مرّة لا يُعيدها عليه إلا أن يتكلم بكلام آخر. قال أصحابنا: ويستحبّ أن يكون الملقن غير وارثٍ متّهم، لئلا يُحْرِجَ الميتَ ويتَّهمه. واعلم أن جماعة من أصحابنا قالوا: نُلَقِّنُ ونقولُ (¬2): لا إِله إلاَّ الله محمد رسول الله، واقتصر الجمهور على قول لا إِله إِلاَّ الله، وقد بسطتُ ذلك بدلائله وبيان قائليه في كتاب الجنائز من شرح المهذّب. 111 ـ بابُ ما يقولُه بعد تَغميضِ الميّت [1/ 381] روينا في صحيح مسلم، عن أُمّ سلمة، واسمها هند رضي ¬

[380] مسلم (916) و (917)، وأبو داود (3117)، والترمذي (976)، والنسائي 4/ 5. [381] مسلم (920)، وأبو داود (3115) و (3118)، والترمذي (977)، والنسائي 4/ 4ـ 5، ومعنى "الغابرين": الباقين. (¬1) في "د": "أن يضجرَ أن يردّها" (¬2) في"د":"يُلَقَنُ ويَقولُ ... "

112 ـ باب ما يقال عند الميت

الله عنها، قالت: دخلَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم على أبي سلمة وقد شَقَّ بصرُه، فأغمضَه ثم قال: "إن الرُّوحَ إذَا قُبِضَ تَبعَهُ البَصَرُ، فَضجّ ناسٌ من أهلِه، فقال: لا تَدْعُوا على أنْفُسكُمْ إِلاَّ بِخَيْرٍ، فإنَّ المَلائِكَةَ يُؤمِّنُونَ على ما تَقُولُونَ، ثم قال: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَبِي سَلَمَة، وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ في المَهْدِيَّينَ، وَاخْلُفْهُ في عَقِبِهِ في الغَابِرِينَ، وَاغْفِرْ لَنا وَلَهُ يا رَبَّ العالَمِينَ، وَافْسحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ" قلت: قولها "شقَّ بصرُه" هو بفتح الشين، وبصرُه برفع الراء فاعل شقّ، هكذا الرواية فيه باتفاق الحفاظ وأهل الضبط. قال صاحب الأفعال: يُقال شقّ بصرُ الميت، شقّ الميتُ بصرَه: إذا شخص. [2/ 382] وروينا في سنن البيهقي بإسناد صحيح، عن بكر بن عبد الله التابعي الجليل قال: إذا أغمضتَ الميّتَ فقل: بسمِ الله، وعلى ملّةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؛ وإذا حملته فقل: بسم الله، ثم سبِّحْ ما دمتَ تحملُه. 112 ـ بابُ ما يُقالُ عندَ الميّت [1/ 383] روينا في صحيح مسلم، عن أُمّ سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا حَضَرْتُمُ المَرِيضَ أَوِ المَيِّتَ فَقُولُوا خَيْرًا، فإنَّ المَلائكَةَ يُؤَمِّنُونَ على ما تَقُولُونَ" قالت: فلما مات أبو سلمة أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقلتُ: يا رسولَ الله! إن أبا سلمةَ قد ماتَ، قال: قُولي: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي وَلَهُ، وَأعْقِبْنِي مِنْهُ عُقْبَى حَسَنَةً" فقلتُ، فأعقبني الله مَن هو خيرٌ لي منه: محمدًا صلى الله عليه وسلم. قلتُ: هكذا وقع في صحيح مسلم، وفي الترمذي. ¬

[382] السنن الكبرى للبيهقي 3/ 385؛ وقال الحافظ: هذا حديث موقوف على بكر بن عبد الله، أخرجه عبد الرزاق والبيهقي، الفتوحات 4/ 117. [383] مسلم (919)، والترمذي (977)، وأبو داود (3115).

113 ـ باب ما يقوله من مات له ميت

"إذَا حَضَرْتُمُ المَرِيضَ" أوِ "المَيِّتَ" على الشكّ. وروينا في سنن أبي داود وغيره "الميّتَ" من غير شك. [2/ 384] وروينا في سنن أبي داود وابن ماجه، عن معقل بن يسار الصحابي رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اقْرَؤُوا يس على مَوْتاكُمْ" قلت: إسناده ضعيف، فيه مجهولان، لكن لم يضعفه أبو داود. وروى ابن أبي داود، عن مُجالد، عن الشعبيّ قال: كانت الأنصارُ إذا حَضَرُوا قرؤوا عند الميت سورة البقرة. مُجالد ضعيف. 113 ـ بابُ ما يقولُه مَنْ مَاتَ له ميّت [1/ 385] روينا في صحيح مسلم، عن أُمّ سلمة رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما مِنْ عَبْدٍ تُصيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ: إنّا لِلَّهِ وإنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ؛ اللَّهُمَّ أجُرْنِي فِي مُصِيبَتي وأخْلِفْ لي خَيْرًا مِنْها إلاَّ أَجَرَهُ اللَّهُ تَعالى في مُصِيبَتِهِ وأخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْها"، قالت: فلما توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخلف الله تعالى لي خيرًا منه: رسولَ الله صلى الله عليه وسلم. [2/ 386] وروينا في سنن أبي داود، عن أُم سلمة رضي الله عنها ¬

[384] أبو داود (3121)، وابن ماجه (1448)، وهو ضعيف، ضعّفه ابن حجر والدارقطني، وأعلّه ابن القطّان بالاضطراب. تلخيص الحبير 2/ 104، وانظر ضعيف الجامع الصغير 1/ 330. [385] مسلم (918) (4)، وأبو داود (3115)، ورواه أحمد والترمذي وابن ماجه، والنسائي (1069) في اليوم والليلة. [386] أبو داود (3119) قال الحافظ: أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وأخرجه النسائي (1070)، والطحاوي من طرق أخرى.

114 ـ باب ما يقوله من بلغه موت صاحبه

قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إِذَا أصَابَ أحَدَكُمْ مُصِيبَةٌ فَلْيَقُلْ: إِنَّا لِلَّهِ وإنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ عِنْدَكَ أحْتَسِبُ مُصِيبَتِي فأْجُرْنِي فِيها وأبْدِلْنِي بِها خَيْرًا مِنها". [3/ 387] وروينا في كتاب الترمذي وغيره، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذَا ماتَ وَلَدُ العَبْدِ قالَ اللَّهُ تَعالى لِمَلائكَتهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ فَيَقولونَ: نَعَمْ: فَيَقولُ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤادِهِ؟ فيقولونَ: نَعَمْ، فَيَقولُ: فَماذا قالَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعالى: ابْنُوا لِعَبْدي بَيْتًا في الجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الحَمْدِ" قال الترمذي: حديث حسن. [4/ 388] وفي معنى هذا ما رويناه في صحيح البخاري، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يَقُولُ اللَّهُ تَعالى، ما لِعَبْدِي المُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إِلاَّ الجَنَّةُ". 114 ـ بابُ ما يقولُه مَنْ بَلَغَهُ مَوْتُ صَاحِبِهِ [1/ 389] روينا في كتاب ابن السني، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المَوْتُ فَزَعٌ، فإذَا بَلَغَ أحَدَكُمْ وَفاةُ أخِيهِ فَلْيَقُلْ: (إِنَّا لِلَّهِ وإنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَإِنَّا إلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبونَ) اللَّهُمَّ اكْتُبْهُ عِنْدَكَ فِي الْمُحْسِنِينَ، وَاجْعَلْ كِتابَهُ فِي عِلِّيِّينَ، وَاخْلُفْهُ فِي أَهْلِهِ فِي الغابِرِينَ، وَلا تَحْرِمْنا أجْرَهُ وَلاَ تَفْتِنَّا بَعْدَهُ". ¬

[387] الترمذي (1021) وقد تقدم برقم 3/ 290. [388] البخاري (6424). [389] ابن السني (566) وقال الحافظ بعد تخريجه: حديث غريب أخرجه ابن السني وفي سنده قيس بن الربيع، وهو صدوق لكنه تغير في الآخر ولم يتميز، فما انفرد به يكون ضعيفًا. الفتوحات 4/ 124.

115 ـ باب ما يقوله إذا بلغه موت عدو الإسلام

115 ـ بابُ ما يقولُه إذا بلَغه موتُ عدوِّ الإِسلام [1/ 390] روينا في كتاب ابن السني، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: أتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقلتُ: يا رسولَ الله! قد قتلَ الله عزّ وجلّ أبا جهلٍ، فقال: "الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَصَرَ عَبْدَهُ وَأعَزَّ دِينَهُ". 116 ـ بابُ تحريمِ النياحَةِ على الميِّتِ والدُّعَاءِ بدعوَى الجاهليّة أجمعت الأمّةُ على تحريم النياحة، والدعاء بدعوى الجاهلية، والدعاء بالويل والثبور عند المصيبة. [1/ 391] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ مِنّا مَنْ لَطَمَ الخُدُودَ، وَشَقَّ الجُيُوبَ، وَدَعا بِدَعْوَى الجاهِلِيَّةِ" وفي رواية لمسلم "أوْ دَعا أوْ شَقَّ" بأو. [2/ 392] وروينا في صحيحيهما، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم برىء من الصالقة والحالقة والشاقة. قلت: الصالقة: التي ترفع صوتها بالنياحة؛ والحالقة: التي تحلق ¬

[390] ابن السني (567) من طريق علي بن المديني، عن أمية بن خالد، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود. ورجاله رجال الصحيح، لكن أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه. وأخرج الحديث النسائي وأحمد بنحوه. وانظر الفتوحات 4/ 125. [391] البخاري (1294)، ومسلم (103)، والترمذي (999)، والنسائي 4/ 20، وقال النووي ـ رحمه الله تعالى ـ في شرح مسلم: دعوى الجاهلية: النياحة وندب الميت والدعاء بالويل ونحوه، ويحتمل أن يكون العطف للمغايرة، وتفسير دعوى الجاهلية بمثل: واكهفاه، واجبلاه، من الندب، ويكون الدعاء بالويل والثبور خارجًا عنها. [392] البخاري (1296)، ومسلم (104)، وأبو داود (3130)، والنسائي 4/ 20.

شعرها عند المصيبة؛ والشاقة: التي تشقّ ثيابها عند المصيبة، وكل هذا حرام باتفاق العلماء، وكذلك يحرم نشر الشعر ولطم الخدود وخمش الوجه والدعاء بالويل. [3/ 393] وروينا في صحيحيهما، عن أُمّ عطيةَ رضي الله عنها قالت: أخذَ علينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في البيعة أن لا ننوح. [4/ 394] وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اثْنَتانِ فِي النَّاسِ هُمَا بِهِمْ كُفْرٌ: الطَّعْنُ في النَّسَبِ وَالنِّياحَةُ على المَيِّتِ". [5/ 395] وروينا في سنن أبي داود، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم النائحة والمستمعة. واعلم أن النياحة: رفع الصوت بالندب، والندب: تعديد النادبة بصوتها محاسن الميت، وقيل: هو البكاء عليه مع تعديد محاسنه. قال أصحابنا: ويحرم رفع الصوت بإفراط في البكاء. وأما البكاء على الميت من غير ندب ولا نياحة فليس بحرام. [6/ 396] فقد روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد سعد بن عبادة ومعه عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود، فبكى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأى القومُ بكاءَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بكَوْا، فقال: "ألا تَسْمَعُونَ إنَّ ¬

[393] البخاري (1306)، ومسلم (936)، وأبو داود (3127)، والنسائي 7/ 148ـ149. [394] مسلم (67)، والترمذي (1001). [395] أبو داود (3128) وإسناده ضعيف. [396] البخاري (1304)، ومسلم (924).

اللَّهَ لا يُعَذِّبُ بِدَمْعِ العَيْنِ ولا بِحُزْنِ القَلْبِ، وَلَكِنْ يُعَذّبُ بِهَذَا أَوْ يَرْحَمُ، وأشار إلى لسانه صلى الله عليه وسلم". [7/ 397] وروينا في صحيحيهما، عن أُسامة بن زيد رضي الله عنهما؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رُفِعَ إليه ابنُ ابنته وهو في الموت، ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له سعد: ما هذا يا رسول الله؟! قال: "هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَها اللَّهُ تَعالى في قُلوبِ عِبَادِهِ، وإنمَا يَرْحَمُ اللَّهُ تَعالى مِنْ عِبادِهِ الرُّحَماءَ". قلت: الرحماء: رُوي بالنصب والرفع، فالنصبُ على أنه مفعول يرحم، والرفع على أنه خبر إنّ، وتكون ما بمعنى الذي. [8/ 398] وروينا في صحيح البخاري، عن أنس رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على ابنه إبراهيم رضي الله عنه وهو يجود بنفسه، فجعلتْ عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسولَ الله؟! فقال: "يا بْنَ عَوْفٍ! إِنَها رَحْمَةٌ" ثم أتبعها بأخرى فقال: "إنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، وَالقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلاَ نَقُولُ إِلاَّ ما يُرْضِي رَبَّنا، وَإنَّا بِفِرَاقِكَ يا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ" والأحاديث بنحو ما ذكرته كثيرة مشهورة. وأما الأحاديث الصحيحة: أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، فليست على ظاهرها وإطلاقها، بل هي مؤوّلة واختلف العلماء في تأويلها على أقوال: أظهرها ـ والله أعلم ـ أنها محمولة على أن يكون له سبب في البكاء إما بأن يكون أوصاهم به، أو غير ذلك، وقد جمعت كل ذلك أو معظمه في كتاب الجنائز من شرح المهذب، والله أعلم. ¬

[397] البخاري (1284). ومسلم (923)، والنسائي 4/ 22. [398] البخاري (1303)، ومسلم روى بعضه برقم (2315)، وأبو داود (3126)، ومعنى "دخل على ابنه إبراهيم" أي دخل دار ظئره أبي سيف القين. وإبراهيم رضي الله عنه أمه مارية القبطية.

117 ـ باب التعزية

قال أصحابنا: ويجوز البكاء قبل الموت وبعده، ولكن قبله أولى للحديث الصحيح، "فإذَا وَجَبَتْ فَلا تَبْكِيَنَّ باكِيَةٌ" (¬1) " وقد نصّ الشافعي رحمه الله والأصحاب على أنه يُكره البكاء بعد الموت كراهة تنزيه ولا يحرم، وتأوّلوا حديث "فَلاَ تَبْكينَّ بَاكِيَةٌ" على الكراهة. 117 ـ بابُ التَّعْزِيَة [1/ 399] روينا في كتاب الترمذي والسنن الكبرى للبيهقي، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ عَزَّى مُصَابًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ" وإسناده ضعيف. [2/ 400] وروينا في كتاب الترمذي أيضًا، عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ عَزَّى ثَكْلَى كُسِيَ بُرْدًا في الجَنَّةِ" قال الترمذي: ليس إسناده بالقويّ. [3/ 401] وروينا في سنن أبي داود والنسائي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما حديثًا طويلًا فيه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة رضي الله عنها: "ما أخْرَجَكِ يَا فاطِمَةُ مِنْ بَيْتكِ؟ " قالَت: أتيتُ أهلَ هذا الميت فترحمتُ إليهم ميّتهم أو عزَّيْتُهم به. ¬

[399] الترمذي (1073)، والسنن الكبرى للبيهقي 4/ 59 وإسناده ضعيف، لوجود علي بن عاصم، وهو متهم. انظر الفتوحات 4/ 137. [400] الترمذي (1076)، وإسناده ضعيف، وانظر ضعيف الجامع الصغير 5/ 219. [401] أبو داود (3123)، والسنائي 4/ 27. وقال الحافظ: حديث حسن، أخرجه أحمد والنسائي والحاكم. الفتوحات 4/ 139. (¬1) أبو داود (3111)، وقال الحافظ بعد تخريجه: هذا حديث صحيح أخرجه أبو داود وأخرجه النسائي وابن حبّان والحاكم. الفتوحات 4/ 136

[4/ 402] وروينا في سنن ابن ماجه والبيهقي، بإسناد حسن، عن عمرو بن حزم رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "ما مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَزِّي أخاهُ بِمُصِيْبَتِهِ إِلاَّ كَساهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ حُلَلِ الكَرَامَةِ يَوْمَ القِيامَةِ". واعلم أن التعزية هي التصبير وذكر ما يسلّي صاحب الميت ويخفّف حزنه ويهوّن مصيبته وهي مستحبة، فإنها مشتملة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي داخلة أيضًا في قول الله تعالى: {وَتَعاوَنُوا على البِرّ والتَّقْوَى} وهذا من أحسن ما يُستدلّ به في التعزية. وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "وَاللَّهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْن أخيه" (¬1). واعلم أن التعزية مستحبّة قبل الدفن وبعده. قال أصحابنا: يدخل وقت التعزية من حين يموت ويبقى إلى ثلاثة أيام بعد الدفن. والثلاثة على التقريب لا على التحديد، كذا قاله الشيخ أبو محمد الجويني من أصحابنا. قال أصحابنا: وتُكره التعزية بعد ثلاثة أيام، لأن التعزية لتسكين قلب المُصاب، والغالب سكون قلبه بعد الثلاثة، فلا يجدّد له الحزن، هكذا قاله الجماهير من أصحابنا. وقال أبو العباس بن القاص من أصحابنا: لا بأس بالتعزية بعد الثلاثة، بل يبقى أبدًا وإن طال الزمان؛ وحكى هذا أيضًا إمام الحرمين عن بعض أصحابنا، والمختار أنها لا تفعل بعد ثلاثة أيام إلا في صورتين استثناهما أصحابنا أو جماعة منهم، وهما إذا كان المعزِّي أو صاحب المصيبة غائبًا حال الدفن واتفق رجوعه بعد الثلاثة. قال أصحابنا: التعزية بعد الدفن أفضل منها قبله، لأن أهل الميت مشغولون بتجهيزه، ¬

[402] ابن ماجه (1601)، والبيهقي 4/ 59، وإسناده حسن. (¬1) رواه مسلم (2699)

ولأن وحشتهم بعد دفنه لفراقه أكثر، هذا إذا لم يرَ منهم جزعًا شديدًا، فإن رآه قدّم التعزية ليسكِّنهم، والله تعالى أعلم. [فصل]: ويستحبّ أن يعمَّ بالتعزية جميعَ أهل الميت وأقاربه الكبار والصغار والرجال والنساء، إلا أن تكون امرأةً شابّةً فلا يعزّيها إلا محارمُها. وقال أصحابنا: وتعزيةُ الصلحاء والضعفاء على احتمال المصيبة والصبيان آكد. [فصل]: قال الشافعي وأصحابنا رحمهم الله: يُكره الجلوس للتعزية. قالوا: ويعني بالجلوس أن يجتمعَ أهلُ الميت في بيت ليقصدَهم مَن أراد التعزية، بل ينبغي أن يَتَصرَّفوا في حوائجهم ولا فرقَ بين الرجال والنساء في كراهة الجلوس لها، صرَّحَ به المحاملي، ونقله عن نصّ الشافعي رضي الله عنه، وهذه كراهةُ تنزيه إذا لم يكن معها مُحدَثٌ آخر، فإن ضُمَّ إليها أمرٌ آخر من البدع المحرمة كما هو الغالب منها في العادة كان ذلك حرامًا من قبائح المحرمات فإنه مُحَدَث، وثبت في الحديث الصحيح: "إنَّ كلَّ مُحدَثٍ بِدْعة، وكلّ بدعةٍ ضَلالة" (¬1). [فصل]: وأما لفظةُ التعزية فلا حجرَ فيه، فبأيّ لفظ عزَّاه حصلت. واستحبَّ أصحابُنا أن يقول في تعزية المسلم بالمسلم: أعْظَمَ اللَّهُ أجْرَكَ، وأحْسَنَ عَزَاءَكَ، وَغَفَرَ لمَيِّتِكَ. وفي المسلم بالكافر: أعظم الله أجرَك. وأحسن عزاءَك. وفي الكافر بالمسلم: أَحسن الله عزاءك، وغفر لميّتك. وفي الكافر بالكافر: أخلف الله عليك. (¬2). وأحسن ما يُعزَّى به: ¬

(¬1) رواه مسلم (867) عن جابر رضي الله عنهما (¬2) قال الحافظ ابن حجر: أخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر وابن الزبير؛ أنهما كانا يقولون في التعزية: أعقبك منه عقبى صالحة، كما أعقب عباده الصالحين، وسنده حسن. الفتوحات 4/ 143

[5/ 403] ما روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أُسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: أرسلتْ إحدى بنات النبيِّ صلى الله عليه وسلم إليه تدعوه وتخبره أنّ صبيًا لها أو ابنًا في الموت، فقال للرسول: "ارْجعْ إلَيْها فأخْبرْها أنَّ لِلَّهِ تَعالى ما أخَذَ وَلَهُ ما أعْطَى، وكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بأجَلٍ مُسَمَّى، فمُرْها فَلْتَصْبرْ وَلْتَحْتَسبْ" وذكر تمام الحديث. قلت: فهذا الحديث من أعظم قواعد الإِسلام، المشتملة على مهمات كثيرة من أصول الدين وفروعه، والآداب، والصبر على النوازل كلِّها، والهموم والأسقام وغير ذلك من الأعراض. ومعنى "أن لله تعالى ما أخذ" أن العالم كله ملك لله تعالى، فلم يأخذ ما هو لكم، بل أخذ ما هو له عندكم في معنى العارية؛ ومعنى "وله ما أعطى" أن ما وهبه لكم ليس خارجًا عن ملكه، بل هو له سبحانه يفعل فيه مايشاء، وكل شيء عنده بأجلٍ مسمّى فلا تجزعوا، فإن من قبضه قد انقضى أجَله المسمى، فمُحال تأخره أو تقدّمخ عنه، فإذا علمتم هذا كله فاصبروا واحتسبوا ما نزل بكم، والله أعلم. [6/ 404] وروينا في كتاب النسائي بإسناد حسن، عن معاوية بن قرّة بن إياس، عن أبيه رضي الله عنه؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم فقدَ بعضَ أصحابه فسأل عنه، فقالوا: يا رسول الله! بُنَيُّهُ الذي رأيته هلك، فلقيه النبيّ صلى الله عليه وسلم، فسأله عن بنيّه فأخبره بأنه هلك، فعزّاه عليه ثم قال: "يا فُلانُ! أيُّمَا كانَ أحَبَّ إلَيْكَ: أَنْ تَمَتَّعَ بِهِ عُمُرَكَ، أوْ لا تَأتِي غَدًا بابًا مِنْ أبْوَابِ الجَنَّةِ إِلاَّ وَجَدْتَهُ قَدْ ¬

[403] البخاري (1284)، ومسلم (923)، وتقدم برقم 7/ 397. [404] النسائي 4/ 23 وقال الحافظ: هذا حديث صحيح .. وتعجب من اقتصار النووي على تحسين سنده، وقد صححه ابن حبّان والحاكم .. وله شاهد عند الإِمام أحمد. الفتوحات 4/ 145.

سَبَقَكَ إِلَيْهِ يَفْتَحُهُ لَكَ، قال: يا نبيّ الله! بل يسبقني إلى الجنة فيفتحها لي لهو أحبّ إليّ، قال: فَذَلِكَ لَكَ". وروى البيهقي بإسناده في مناقب الشافعي (¬1) رحمهما الله؛ أن الشافعي بلغه أن عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله مات له ابن فجَزعَ عليه عبد الرحمن جزعًا شديدًا، فبعثَ إليه الشافعي رحمه الله: يا أخي عزِّ نفسك بما تَعَزَّى به غيرُك، واستقبحْ من فعلك ما تستقبحُه من فعل غيرك. واعلم أن أمضَّ المصائب فقدُ سرورٍ وحرمانُ أجر، فكيف إذا اجتمعا مع اكتِساب وزر؟ فتناول حظَّكَ يا أخي إذا قرب منك قبل أن تطلبَه وقد نأى عنك، ألهمك اللَّهُ عند المصائب صبرًا، وأحرزَ لنا ولك بالصبر أجرًا، وكتب إليه: إنّي مُعَزِّيكَ لا أني على ثِقَةٍ ... مِنَ الخُلُودِ وَلَكِنْ سُنَّةُ الدّينِ فَمَا المُعَزَّى بِباقٍ بَعْدَ مَيِّتِهِ ... وَلا المُعَزِّي وَلَوْ عاشا إلى حِينِ وكتبَ رجلٌ إلى بعض إخوانه يعزُّيه بابنه: أما بعد، فإنَّ الولدَ على والده ما عاش حُزْنٌ وفتنة، فإذا قدّمه فصلاة ورحمة، فلا تجزعْ على ما فاتك من حزنه وفتنته، ولا تضيّع ما عوّضك الله عزّوجلّ من صلاته ورحمته. وقال موسى بن المهدي لإِبراهيم بن سالم وعزَّاه بابنه: أسَرَّك وهو بليّة وفتنة، وأحزنَك وهو صلوات ورحمة؟! وعزَّى رجلٌ فقال: عليك بتقوى الله والصبر، فبه يأخذ المحتسب، وإليه (¬2) يرجع الجازع. وعزّى رجل رجلًا فقال: إن من كان ¬

(¬1) مناقب الشافعي؛ للبيهقي ص 2/ 90ـ91 (¬2) "وإليه": أي إلى الصبر يرجع الجازعُ لطول المدّة وهو الشدّة، فيسلو كما تسلو البهائم ويذهب سروره، وينعدم على تلك المصيبة لجزعه أجوره

لك في الآخرة أجرًا؛ خير ممّن كان لك في الدنيا سرورًا. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه دفن ابنًا له وضحك عند قبره، فقيل له: أتضحك عند القبر؟ قال: أردت أنْ أُرْغِمَ أنف الشيطان (¬1). وعن ابن جُرَيْجٍ رحمه الله قال: من لم يتعزّ عند مصيبته بالأجر والاحتساب، سَلاَ كما تَسْلُو البهائم. وعن حُميد الأعرج قال: رأيت سعيدَ بن جُبير رحمه الله يقول في ابنه ونظر إليه: إني لأعلم خير خلّة فيه، قيل: ما هي؟ قال: يموت فأحتسبه. وعن الحسن البصري رحمه الله أن رجلًا جَزِع على ولده وشكا ذلك إليه، فقال الحسن: كان ابنك يغيب عنك؟ قال: نعم كانت غيبته أكثر من حضوره، قال: فاتركه غائبًا فإنه لم يغبْ عنك غيبة الأجْرُ لك فيها أعظم من هذه، فقال: يا أبا سعيد! هوَّنت عنّي وجْدي على ابني. وعن ميمون بن مهران قال: عزَّى رجل عمرَ بن عبد العزيز رضي الله عنه على ابنه عبد الملك رضي الله عنه، فقال عمر: الأمر الذي نزل بعبد الملك أمرٌ كنّا نعرفه، فلما وقع لم ننكره. وعن بشر بن عبد الله قال: قام عمر بن عبد العزيز على قبر ابنه عبد الملك فقال: رحمك الله يا بنيّ! فقد كنت سارًّا مولودًا، وبارًّا اشئًا، وما أحبّ أني دعوتك فأجبتني. وعن مسلمة قال: لما ماتَ عبدُ الملك بن عمر كشفَ أبوه عن وجهه وقال: رحمك الله يا بني! فقد سررت بك يوم بُشِّرْتُ بك، ولقد عمرتَ مسرورًا بك، وما أنت عليّ ساعة أنا فيها أسرّ من ساعتي هذه، أما والله إن كنتَ لتدعو أباك إلى الجنة. قال أبو الحسن المدائني: دخل عمر بن عبد العزيز على ابنه في ¬

(¬1) "أَنْ أُرْغِمَ أَنفُ الشيطان": بضمّ الهمزة مضارع أرغم، يقال: أرغم الله أنفه: أي ألصقه بالتراب، فهو كناية عن التحقير والاستقذار

وجعه فقال: يا بني! كيف تجدك؟ قال: أجدني في الحقّ، قال: يا بنيّ! لأن تكون في ميزاني أحبّ إليّ من أن أكون في ميزانك، فقال: يا أبتِ! لأن يكون ما تُحبُّ أحبّ إليّ من أن يكون ما أحب. وعن جُويرية بن أسماء، عن عمّه، أن إخوة ثلاثة شهدوا يوم تُسْتَرَ فاسْتشهدوا، فخرجتْ أُمُّهم إلى السوق لبعض شأنها، فتلقاها رجلٌ حضرَ تُسْتَرَ، فعرفتْه، فسألته عن أمور بَنِيها، فقال: اسْتُشهدوا، فقالت: مُقبلين أو مُدبرين؟ قال: مُقبلين، قالت: الحمد لله، نالوا الفوزَ وحاطوا الذِّمار، بنفسي هم وأبي وأمي. قلت: الذِّمار بكسر الذال المعجمة، وهم أهل الرجل وغيرهم مما يحقّ عليه أن يحميه، وقولها حاطوا: أي حفِظوا ورعوا. ومات ابن الإِمام الشافعي رضي الله عنه فأنشدَ: وما الدّهرُ إِلاّ هكذا فاصْطبرْ لهُ ... رزِيَّةُ مالٍ أو فِراقُ حَبِيب قال أبو الحسن المدائني: مات الحسنُ والدُ عبيد الله بن الحسن، وعبيدُ الله يومئذ قاضي البصرة وأميرُها، فكثر من يعزّيه، فذكروا ما يتبيّنُ به جزعُ الرجل من صبره، فأجمعوا على أنه إذا ترك شيئًا كان يصنعه فقد جزع. قلت: والآثار في هذا الباب كثيرة، وإنما ذكرت هذه الأحرف لئلا يخلو هذا الكتاب من الإِشارة إلى طرف من ذلك والله أعلم. [فصل]: في الإِشارة إلى بعض ما جرى من الطاعون في الإِسلام. والمقصود بذكره هنا التصبّر والحمل على التأسّي، وأن مصيبة الإِنسان قليلة بالنسبة إلى ما جرى قبله. قال أبو الحسن المدائني: كانت الطواعين المشهورة العظام في

118 ـ باب جواز إعلام أصحاب الميت وقرابته بموته وكراهة النعي

الإِسلام خمسة: طاعون شيرويه بالمدائن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ستّ من الهجرة، ثم طاعون عمواس في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان بالشام، مات فيه خمسة وعشرون ألفًا، ثم طاعون في زمن ابن الزبير في شوّال سنة تسع وستين، مات في ثلاثة أيام في كلّ يوم سبعون ألفًا، مات فيه لأنس بن مالك رضي الله عنه ثلاثة وثمانون ابنًا، وقيل ثلاثة وسبعون ابنًا، ومات لعبد الرحمن بن أبي بكرة أربعون ابنًا، ثم طاعون الفتيات في شوّال سنة سبع وثمانين، ثم طاعون سنة إحدى وثلاثين ومئة في رجب، واشتدّ في رمضان، وكان يُحصى في سكة المِربد في كل يوم ألف جنازة، ثم خفّ في شوّال. وكان بالكوفة طاعون سنة خمسين، وفيه: توفي المغيرة بن شعبة، هذا آخر كلام المدائني. وذكر ابن قُتيبة في كتابه "المعارف" عن الأصمعي في عدد الطواعين نحو هذا، وفيه زيادة ونقص. قال: وسمي طاعون الفتيات لأنه بدأ في العذارى بالبصرة وواسط والشام والكوفة، ويقال له: طاعون الأشراف لِما مات فيه من الأشراف. قال: ولم يقع بالمدينة ولا مكة طاعون قطّ. وهذا الباب واسع، وفيما ذكرته تنبيهٌ على ما تركته، وقد ذكرتُ هذا الفصل أبسط من هذا في أوّل شرح صحيح مسلم رحمه الله، وبالله التوفيق. 118 ـ بابُ جَواز إعلامِ أصحاب الميّتِ وقرابتِه (¬1) بموتِه وكراهةِ النَّعي [1/ 405] روينا في كتاب الترمذي وابن ماجه، عن حذيفة رضي الله ¬

[405] الترمذي (986)، وابن ماجه (1476)، وإسناده حسن، ومعنى "لاتُؤْذنوا": من الإِيذان، وهو الإِعلام. (¬1) في "أ": "وأقاربه"

عنه قال: إذا مِتُّ فلا تُؤذنوا بي أحدًا، إني أخاف أن يكون نعيًا، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النعي. قال الترمذي: حديث حسن. [2/ 406] وروينا في كتاب الترمذي، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إيَّاكُمْ وَالنَّعْيَ، فإنَّ النَّعْيَ مِنْ عَمَلِ الجاهِلِيَّةِ" وفي رواية عن عبد الله ولم يرفعه. قال الترمذي: هذا أصحّ من المرفوع، وضعَّف الترمذي الروايتين. [3/ 407] وروينا في الصحيحين؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي إلى أصحابه. وروينا في الصحيحين (¬1)، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال في ميت دفنوه بالليل ولم يعلم به: "أفلا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ؟ ". قال العلماء المحققون والأكثرون من أصحابنا وغيرهم: يُستحبّ إعلامُ أهل الميت وقرابته وأصدقائه لهذين الحديثين. قالوا: النعيُ المنهي عنه إنما هو نعي الجاهلية، وكانت عادتهم إذا مات منهم شريفٌ بعثوا راكبًا إلى القبائل يقول: نعايا فلان، أو يا نعايا العرب: أي هلكت العرب بمهلك فلان، ويكون مع النعي ضجيج وبكاء. وذكر صاحب الحاوي من أصحابنا وجهين لأصحابنا في استحباب ¬

[406] الترمذي (984) وأكد الحافظ ضعف الروايتين الموقوفة والمرفوعة، والذي عليه الجمهور أن مطلق الإِعلام بالموت جائز، لحديث البخاري ومسلم التالي، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي. [407] البخاري (1333)، ومسلم (951)، وأبو داود (3204)، والترمذي (1022)، والنسائي 4/ 72، وهو في الموطأ أيضًا 1/ 226ـ227. (¬1) البخاري (1377)، ومسلم (956)

119 ـ باب ما يقال في حال غسل الميت وتكفينه

الإِيذان بالميت وإشاعة موته بالنداء والإِعلام، فاستحبّ ذلك بعضهُم للميت الغريب والقريب، لما فيه من كثرة المصلّين عليه والدّاعين له. وقال بعضُهم: يُستحبّ ذلك للغريب ولا يُستحبّ لغيره. قلت: والمختار استحبابه مطلقًا إذا كان مجرّد إعلام (¬1). 119 ـ بابُ ما يُقالُ في حَالِ غَسْلِ الميّتِ وتَكفِينه يُستحبّ الإِكثار من ذكر الله تعالى والدعاء للميت في حال غسله وتكفينه. قال أصحابنا: وإذا رأى الغاسلُ من الميّت ما يُعجبه من استنارة وجهه وطيب ريحه ونحو ذلك استُحبَّ له أن يحدّثَ الناس بذلك، وإذا رأى ما يَكره من سوادِ وجه، ونتْنِ رائحة، وتغيّر عضو، وانقلاب صورة، ونحو ذلك حرّم عليه أن يحدّث أحدًا به، واحتجوا: [1/ 408] بما رويناه في سنن أبي داود والترمذي، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتاكُمْ وكُفُّوا عَنْ مَساوِيهِمْ" ضعفه الترمذي. [2/ 409] وروينا في "السنن الكبرى" للبيهقي، عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَكَتَمَ عَلَيْهِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ أرْبَعِينَ مَرَّةً". ورواه الحاكم أبو عبد الله في المستدرك على الصحيحين، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم. ¬

[408] أبو داود (4900)، والترمذي (1019)، وهو حديث حسن بشواهده. [409] السنن الكبرى للبيهقي 3/ 395، والحاكم في المستدرك 1/ 354، وإسناده حسن. (¬1) في هامش "ب": وقد أوضحتُ هذا البابَ في شرح صحيح البخاري، وشرح المهذب، وجمعتُ فيه أقوالَ الأئمة مع الأحاديث والآثار، وقد لخَّصتُ مقاصده هنا، فمن أرادَ زيادة طالعَ ذلك، وبالله التوفيق

120 ـ باب أذكار الصلاة على الميت

ثم إن جماهير أصحابنا أطلقوا المسألة كما ذكرته. وقال أبو الخير اليمني صاحب "البيان" منهم: لو كان الميت مبتدعًا مظهرًا للبدعة، ورأى الغاسلُ منه ما يكره، فالذي يقتضيه القياس أن يتحدّث به في الناس ليكونَ ذلك زجرًا للناس عن البدعة. 120 ـ بابُ أَذْكَارِ الصَّلاة على الميّت اعلم أن الصلاة على الميت فرض كفاية، وكذلك غسله وتكفينه ودفنه، وهذا كلُّه مجمع عليه. وفيما يسقط به فرض الصلاة أربعة أوجه: أصحّها عند أكثر أصحابنا يسقط بصلاة رجل واحد. والثاني: يُشترط اثنان. والثالث: ثلاثة. والرابع: أربعة؛ سواء صلُّوا جماعة أو فُرادى. وأما كيفية هذه الصلاة فهي أن يكبرَ أربعَ تكبيرات ولا بُدَّ منها، فإن أخلَّ بواحدة لم تصحّ صلاته، وإن زاد خامسة ففي بطلان صلاته وجهان لأصحابنا: الأصحّ لا تبطل، ولو كان مأمومًا فكبَّر إمامُه خامسة، فإن قلنا إن الخامسة تبطل الصلاة فارقه المأموم كما لو قام إلى ركعة خامسة. وإن قلنا بالأصحّ أنها لا تبطل لم يفارقه ولم يتابعه على الصحيح المشهور، وفيه وجه ضعيف لبعض أصحابنا أنه يتابعه، فإذا قلنا بالمذهب الصحيح أنه لا يتابعه فهل ينتظره ليسلّم معه، أم يسلّم في الحال؟ فيه وجهان: الأصحّ ينتظره، وقد أوضحتُ هذا كلَّه بشرحه ودلائله في شرح المهذّب. ويستحبّ أن يرفعَ اليد مع كل تكبيرة. وأما صفة التكبير وما يستحبّ فيه وما يبطله وغير ذلك من فروعه فعلى ما قدمته في باب صفة الصلاة وأذكارها. وأما الأذكارُ التي تُقال في صلاة الجنازة بين التكبيرات، فيقرأ بعد التكبيرة الأولى الفاتحة، وبعد الثانية يُصلِّي على النبيّ صلى الله عليه وسلم، وبعد الثالثة يدعو للميت، والواجب منه ما يقع عليه اسم الدعاء، وأما الرابعة فلا يجب

بعدها ذكر أصلًا، ولكن يُستحبّ ما سأذكره إن شاء الله تعالى. واختلف أصحابنا في استحباب التعوّذ ودعاء الافتتاح عُقيب التكبيرة الأولى قبل الفاتحة وفي قراءة السورة بعد الفاتحة على ثلاثة أوجه: أحدُها يستحبّ الجميع، والثاني لا يُستحبّ، والثالث وهو الأصحّ أنه يُستحبّ التعوّذ دون الافتتاح والسورة. واتفقوا على أنه يستحبّ التأمين عقيب الفاتحة. [1/ 410] وروينا في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أنه صلى على جنازة فقرأ فاتحة الكتاب وقال: لتعلموا أنها سنّة. وقوله سنّة في معنى قول الصحابي: من السّة كذا، وكذا جاء في سنن أبي داود قال: إنها من السنّة. فيكون مرفوعًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما تقرّر وعُرف في كتب الحديث والأصول. قال أصحابنا: والسنّة في قراءتها الإِسرار دون الجهر، سواء صُلِّيت ليلًا أو نهارًا، هذا هو المذهب الصحيح المشهور الذي قاله جماهير أصحابنا. وقال جماعة منهم: إن كانت الصلاة في النهار أسرّ، وإن كانت في الليل جهر. وأما التكبيرة الثانية فأقلّ الواجب عقيبها أن يقول: اللَّهُمَّ صَلّ على مُحَمَّدٍ، ويُستحبّ أن يقول: وعلى آلِ مُحَمَّدٍ. ولا يجب ذلك عند جماهير أصحابنا. وقال بعض أصحابنا: يجب وهو شاذّ ضعيف. ويستحبّ أن يدعو فيها للمؤمنين والمؤمنات إن اتسع الوقت له، نصّ عليه الشافعي، واتفق عليه الأصحاب، ونقل المزني (¬1) عن الشافعي يُستحبّ أيضًا أن ¬

[410] البخاري (1335) وأبو داود (3198)، والترمذي (1026)، والنسائي 4/ 74 و 75. (¬1) "ونقل المزني" هو بضم الميم وفتح الزاي بعدها نون ثم تحتية مشددة. قال الحافظ العسقلاني في مؤلفه في فضل الشافعي: المزني أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن عمرو بن =

يحمد الله عزّ وجلّ، فقال باستحبابه جماعات من الأصحاب وأنكره جمهورهم، فإذا قلنا باستحبابه بدأ بالحمد لله، ثم بالصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو للمؤمنين والمؤمنات، فلو خالف هذا الترتيب جاز وكان تاركًا للأفضل. وجاءت أحاديث بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم (¬1) رويناها في سنن البيهقي، ولكني قصدتُ اختصار هذا الباب، إذ موضعُ بسطه كتب الفقه، وقد أوضحته في شرح المهذب. وأما التكبيرة الثالثة فيجب فيها الدعاء للميت، وأقلُّه ما ينطلق عليه الاسم كقوله: رحمه الله، أو غفر الله له، أو اللهمَّ اغفرْ له، أو ارحمه، أو الطفْ به ونحو ذلك. وأما المستحبّ فجاءت فيه أحاديث وآثار؛ فأما الأحاديث فأصحّها: [2/ 411] ما رويناه في صحيح مسلم، عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَعافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وأكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بالمَاءِ والثَّلْجِ وَالبَرَدِ، ونَقِّهِ منَ الخَطايا كما نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأبْيَضَ ¬

[411] مسلم (963)، ومعنى "نزله": ضيافته وإكرامه، بالعفو والأجر وإدخاله الجنة. و"مُدخله": قبره. و"الدنس": الوسخ. = إسحاق. ولد سنة خمس وسبعين ومئة، ولزم الشافعي لمَّا قدم مصر، وصنّف المبسوط والمختصر من علم الشافعي، واشتهر في الآفاق، وكان آية في الحِجاج والمناظرة عابدًا عاملًا متواضعًا غوّاصًا على المعاني، مات في شهر رمضان سنة أربع وستين ومئتين. الفتوحات 4/ 169 (¬1) "وجاءت أحاديث بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم": قال الحافظ: هي ثلاثة ليس فيها شيء مصرّح برفعه، وترجع في التحقيق إلى اثنين. الفتوحات 4/ 169

مِنَ الدَّنَسِ، وأبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَأهْلًا خَيْرًا مِنْ أهْلِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ، وأدْخِلْهُ الجَنَّةَ، وأعِذْهُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ أو مِنْ عَذَابِ النَّارِ" حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت. وفي رواية لمسلم "وَقِهِ فتْنَةَ القَبْرِ وَعَذَابَ النَّارِ". [3/ 412] وروينا في سنن أبي داود والترمذي والبيهقي، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه صلّى على جنازة فقال: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنا وَمَيِّتِنا، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرنا، وَذَكَرِنا وأُنْثانا، وشَاهِدِنا وغائِبِنا؛ اللَّهُمَّ مَنْ أحْيَيْتَه مِنَّا فأحْيِهِ على الإِسْلامِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ على الإِيمان؛ اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنا أجْرَهُ وَلاَ تَفْتِنَّا بَعْدَهُ" قال الحاكم أبو عبد الله: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم. ورويناه في سنن البيهقي وغيره من رواية أبي قتادة. ورويناه في كتاب الترمذي من رواية أبي إبراهيم الأشهليّ (¬1) عن أبيه، وأبوه صحابي، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال الترمذي: قال محمد بن إسماعيل، يعني البخاري: أصحُّ الروايات في حديث "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنا وَمَيِّتِنا" رواية أبي إبراهيم الأشهلي عن أبيه. قال البخاري: وأصحُّ شيء في الباب حديث عوف بن مالك. ووقع من رواية أبي داود "فأحْيِهِ على الإِيمَانِ، وَتَفَّهُ على الإِسْلامِ" والمشهور في معظم كتب الحديث "فأحْيِهِ على الإِسْلامِ، وَتَوَفَّهُ على الإِيمَانِ" كما قدّمناه. [4/ 413] وروينا في سنن أبي داود وابن ماجه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: "إذا صَلَّيْتُمْ على المَيِّتِ فأخْلِصُوا لَهُ الدُّعاءَ". ¬

[412] أبو داود (3201)، والترمذي (1024)، والبيهقي 4/ 41، والحاكم في المستدرك 1/ 358، والنسائي (1080) في "اليوم والليلة"، وإسناده صحيح. [413] أبو داود (3199)، وابن ماجه (1497)، قال الحافظ: هذا حديث حسن. (¬1) أبو إبراهيم الأشهلي: مجهول، لكن الحديث حسن بشواهده

[5/ 414] وروينا في سنن أبي داود، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في الصلاة على الجنازة "اللَّهُمَّ أنْتَ رَبُّهَا وأنْتَ خَلَقْتَها وأنْتَ هَدَيْتَهَا للإِسْلام وأنْتَ قَبَضْتَ رُوحَها وأنْتَ أعْلَمُ بِسِرّها وَعَلانِيَتِهَا، جِئْنا شُفَعاءَ فاغْفِرْ لَهُ". [6/ 415] وروينا في سنن أبي داود وابن ماجه، عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: صلّى بنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على رجل من المسلمين فسمعته يقول: "اللَّهُمَّ إنَّ فُلانَ ابْنَ فُلانَة فِي ذِمَّتِكَ (¬1) وَحَبْلِ جوَارِكَ (¬2)، فَقِهِ فِتْنَةَ القَبْر وَعَذَاب النَّارِ، وأنْتَ أهْلُ الوَفاءِ وَالحَمْدِ؛ اللَّهُمَّ فاغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ". واختار الإِمام الشافعي رحمه الله دعاءً التقطه من مجموع هذه الأحاديث وغيرها فقال: يقول: اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ ابْنُ عَبْدِكَ، خَرَجَ مِنْ رَوْحِ الدُّنْيا وَسَعَتِها، ومَحْبُوبُهُ وأحِبَّاؤُهُ فيها، إلى ظُلْمَةِ القَبْرِ ومَا هُوَ لاقيهِ، كانَ ¬

[414] أبو داود (3200)، وهو حديث حسن أخرجه النسائي في اليوم والليلة (1078)، والطبراني في "الدعاء"، الفتوحات 4/ 176. [415] أبو داود (3202)، وابن ماجه (1499)، وإسناده حسن. (¬1) "في ذمتك": أي في عهدك من الإِيمان كما يدلّ عليه قوله تعالى: {وأوفوا بعهدي} أي ميثاقي (¬2) "وحبل جوارك" بفتح الحاء المهملة وإسكان الموحدة من حبل، وكسر الجيم من جوارك: أي أمانتك كما يشير إلى قوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعًا} وقال الطيبي: الحبل: العهد والأمانة والذمة؛ وحبل جوارك: بيان لقوله ذمتك، نحو: أعجبني زيد وكرمه: أي مات في كنف حفظك وعهد طاعتك. وقال ابن الجزري: أي خفارتك وطلب غفرانك وفي أمانك، وقد كان من عادة العرب أن يخفر بعضهم بعضًا، وكان الرجل إذا أراد سفرًا أخذ عهدًا من سيد كل قبيلة، فيأمن به ما دام في حدودها، حتى ينتهي إلى أخرى فيفعل مثل ذلك، فهذا حبل الجوار

يَشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ، وأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، وأنْتَ أعْلَمُ بِهِ، اللَّهُمَّ إنَّهُ نَزَلَ بِكَ وأنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ به، وأصْبَحَ فَقيرًا إلى رَحْمَتِكَ وأنْتَ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِهِ، وَقَدْ جِئْنَاكَ رَاغِبِينَ إليك شُفَعَاءَ لَهُ؛ اللَّهُمَّ إنْ كَانَ مُحْسِنًا فَزِدْ في إِحْسَانِهِ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجاوَزْ عَنْهُ وَلَقِّهِ بِرَحْمَتِكَ رِضَاكَ وَقِهِ فِتْنَةَ القَبْرِ وَعَذَابَهُ، وَافْسحْ لَهُ في قَبْرِهِ، وَجافِ الأرْضَ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَلَقِّهِ بِرَحْمَتِكَ الأمْنَ مِنْ عَذَابِكَ حتَّى تَبْعَثَهُ إلى جَنَّتِكَ يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ! هذا نصّ الشافعي في مختصر المزني رحمهما الله. قال أصحابنا: فإن كان الميت طفلًا دعا لأبويه فقال: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَهُما فَرَطًا، واجْعَلْهُ لَهُما سَلَفًا، واجْعَلْهُ لَهُما ذُخْرًا، وَثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُما، وأفرغ الصَّبْرَ على قُلوبِهِما، وَلا تَفْتِنْهُما بَعْدَهُ وَلا تَحْرِمْهُما أجْرَهُ. هذا لفظ ما ذكره أبو عبد الله الزبيري من أصحابنا في كتابه الكافي، وقاله الباقون بمعناه، وبنحوه قالوا. ويقول معه: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنا وَمَيِّتِنا، إلى آخره. قال الزبيري: فإن كانتْ امرأةً قال: "اللَّهُمَّ هَذِهِ أَمَتُكَ، ثم يُنَسِّقُ الكلام، والله أعلم. وأما التكبيرة الرابعة فلا يجبُ بعدها ذكْرٌ بالاتفاق، ولكن يستحبّ أن يقول ما نصّ عليه الشافعي رحمهلا الله في كتاب البويطي قال: يقول في الرابعة: اللَّهُمَّ لاَ تَحْرِمْنا أجْرَهُ، وَلا تَفْتِنّا بَعْدَهُ. قال أبو عليّ بن أبي هريرة من أصحابنا: كان المتقدمون يقولون في الرابعة {رَبَّنا آتنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذَابَ النَّار} [البقرة: 201]. قال: وليس ذلك بمحكيّ عن الشافعي فإن فعله كان حسنًا، قلت: يكفي في حسنه ما قد قدّمناه في حديث أنس في باب دعاء الكرب، والله أعلم. قلتُ: ويُحتجّ للدعاء في الرابعة:

بما رويناه في السنن الكبرى للبيهقي (¬1)، عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما؛ أنه كبّر على جنازة ابنه أربع تكبيرات، فقام بعد الرابعة كقدر ما بين التكبيرتين يستغفر لها ويدعو، ثم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع هكذا. وفي رواية: كبَّرَ أربعًا فمكثَ ساعةً حتى ظننا أنه سيكبّر خمسًا، ثم سلَّم عن يمينه وعن شماله، فلما انصرف قلنا له: ما هذا؟ فقال: إني لا أزيدكم على ما رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يصنعُ، أو هكذا صنعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. قال الحاكم أبو عبد الله: هذا حديث صحيح. [فصل]: وإذا فرغَ من التكبيرات وأذكارها سلَّمَ تسليمتين كسائر الصلوات، لما ذكرناه من حديث عبد الله بن أبي أوفى، وحكم السلام على ما ذكرناه في التسليم في سائر الصلوات، هذا هو المذهب الصحيح المختار، ولنا فيه هنا خلاف ضعيف تركته لعدم الحاجة إليه في هذا الكتاب، ولو جاء مسبوقٌ فأدرك الإِمامَ في بعض الصلاة أحرمَ معه في الحال وقرأ الفاتحة ثم ما بعدها على ترتيب نفسه، ولا يُوافق الإِمام فيما يقرؤه، فإن كبَّرَ ثم كبَّرَ الإِمامُ التكبيرة الأخرى قبل أن يتمكن المأموم من الذكر سقطَ عنه كما تسقط القراءةُ عن المسبوق في سائر الصلوات وإذا سلَّمَ الإِمامُ وقد بقي على المسبوق في الجنازة بعضُ التكبيرات لزمه أن يأتي بها مع أذكارها على الترتيب، هذا هو المذهبُ الصحيح المشهور عندنا. ولنا قول ضعيف إنه يأتي بالتكبيرات الباقيات متواليات بغير ذكر الله، والله أعلم. ¬

(¬1) السنن الكبرى للبيهقي 4/ 42، وقال الحافظ: حديث غريب، أخرجه ابن المنذر والطحاوي والحاكم والبيهقي .. ومداره على إبراهيم بن مسلم الهجري، وهو ضعيف عند جميع الأئمة. الفتوحات الربانية 4/ 181

121 ـ باب ما يقوله الماشي مع الجنازة

121 ـ بابُ ما يقولُه الماشي مع الجَنَازة يُستحبّ له أن يكون مشتغلًا بذكر الله تعالى، والفكر فيما يلقاه الميت وما يكون مصيرُه وحاصلُ ما كان فيه، وأن هذا آخرُ الدنيا ومصيرُ أهلها؛ وليحذرْ كلَّ الحذر من الحديث بما لا فائدةَ فيه، فإن هذا وقتُ فِكر وذكر تقبحُ فيه الغفلةُ واللهو والاشتغال بالحديث الفارغ، فإن الكلامَ بما لا فائدة فيه منهيٌّ عنه في جميع الأحوال، فكيف في هذا الحال. واعلم أن الصوابَ المختارَ ما كان عليه السلفُ رضي الله عنهم السكوتُ (¬1) في حال السير مع الجنازة فلا يُرفع صوتٌ بقراءة ولا ذكر ولا غير ذلك، والحكمة فيه ظاهرة وهي أنه أسكنُ لخاطره وأجمعُ لفكره فيما يتعلق بالجنازة وهو المطلوبُ في هذا الحال، فهذا هو الحقّ، ولا تغترّنّ بكثرة من يُخالفه، فقد قال أبو عليّ الفُضيل بن عِياض رضي الله عنه ما معناه: الزمْ طرقَ الهدَى، ولا يضرُّكَ قلّةُ السالكين، وإياك وطرقَ الضلالة، ولا تغترَّ بكثرة الهالكين. وقد روينا في سنن البيهقي (¬2) ما يقتضي ما قلته. وأما ما يفعله الجهلةُ من القراءة على الجنازة بدمشق وغيرها من القراءة بالتمطيط وإخراج الكلام عن موضوعه فحرام بإجماع العلماء، وقد أوضحت قبحه وغلظ تحريمه وفسق من تمكّن من إنكاره فلم ينكره في كتاب آداب القرّاء، والله المستعان. 122 ـ بابُ ما يقولُه مَنْ مرَّتْ به جنازة أو رآها يستحبّ أن يقول: سُبْحانَ الحَيِّ الَّذي لا يَمُوتُ. وقال القاضي ¬

(¬1) في "أ": "السكون" (¬2) السنن الكبرى للبيهقي 4/ 21ـ28

123 ـ باب ما يقوله من يدخل الميت قبره

الإمام أبو المحاسن الروياني من أصحابنا في كتابه البحر: يُستحبّ أن يدعوَ ويقول: لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ الحَيّ الَّذي لا يَمُوتُ، فيستحبّ أن يدعوَ لها ويثني عليها بالخير إن كانت أهلًا للثناء، ولا يُجازف في ثنائه. 123 ـ بابُ ما يقولُه مَن يُدْخِلْ الميّتَ قبرَه [1/ 416] روينا في سنن أبي داود والترمذي والبيهقي وغيرها، عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا وضع الميت في القبر قال: بِاسْمِ اللَّهِ، وَعَلى سُنَّة رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم" قال الترمذي: حديث حسن. قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله: يُستحبّ أن يدعو للميت مع هذا. ومن حسن الدعاء ما نصّ عليه الشافعي رحمه الله في مختصر المزني قال: يقول الذين يدخلونه القبر (¬1): اللَّهُمَّ أسْلَمَهُ إلَيْكَ الأشِحَّاءُ (¬2) مِنْ أهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَقَرابَتِهِ وَإِخْوَانِهِ، وَفَارَقَ مَنْ كَانَ يُحِبُّ قُرْبَهُ، وَخَرَجَ مِنْ سَعَةِ الدُّنْيا وَالحَياةِ إلى ظُلْمَةِ القَبْرِ وَضِيقِهِ، وَنَزَلَ بِكَ وأنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ، إنْ عاقَبْتَهُ فَبِذَنْبٍ، وإنْ عَفَوتَ عَنْهُ فأنْتَ أهْلُ العَفْوِ، أنْتَ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِهِ وَهُوَ فَقِيرٌ إلى رَحْمَتِكَ؛ اللَّهُمَّ اشْكُرْ حَسَنَتَهُ، وَاغْفِرْ سَيِّئَتَهُ، وأعِذْهُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَاجْمَعْ لَهُ بِرَحْمَتِكَ الأمْنَ منْ عَذَابِكَ، واكْفِهِ كل هَوْلٍ دُونَ الجَنَّةِ؛ ¬

[416] أبو داود (3213)، والترمذي (1046)، والبيهقي 4/ 55. وصححه ابن حبّان، والحاكم، ووافقه الذهبي. (¬1) "يقول الذين يدخلونه القبر": أي كل واحد منهم، لأن المقام للسؤال وطلب الرحمة والإِفضال، فناسب التكرار باعتبار القائلين، وفي الحديث: "إن الله يحبّ الملحّين في الدعاء" وفي الإِتيان بالموصول الموضوع للجمع تنبيه على استحباب كونهم عددًا، ويُستحبّ كونهم وترًا، ويُجزىء من يدعو ولو واحدًا (¬2) "الأشحّاء": جمع شحيح

124 ـ باب ما يقوله بعد الدفن

اللَّهُمَّ اخْلُفْهُ فِي تَرِكَتِهِ فِي الغابِرِينَ، وَارْفَعْهُ فِي عِلِّيِّينَ، وَعْدْ عَلَيْهِ بِفَضْلِ رَحْمَتِكَ يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ! ". 124 ـ بابُ ما يقولُه بعدَ الدَّفْن السنّة لمن كان على القبر أن يحثي في القبر ثلاث حثيات بيديه جميعًا من قِبل رأسه. قال جماعة من أصحابنا: يُستحبّ أن يقول في الحثية الأولى: {مِنْها خَلَقْناكُم} وفي الثانية: {وفِيها نُعِيدُكُمْ} وفي الثالثة: {وَمِنْها نُخرِجُكُمْ تارَةً أُخْرَى} [طه:56]. ويُستحبّ أن يقعد عنده بعد الفراغ ساعة قدر ما يُنحر جزور ويُقسم لحمُها، ويشتغل القاعدون بتلاوة القرآن، والدعاء للميت، والوعظ، وحكايات أهل الخير، وأحوال الصالحين. [1/ 417] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عليّ رضي الله عنه قال: كنّا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقعدَ وقعدنا حولَه ومعه مِخصَرَة، فنكسَ وجعلَ ينكتُ بمخصرته، ثم قال: "ما مِنْكُمْ مِنْ ¬

[417] البخاري (1362)، ومسلم (2647)، وأبو داود (4694)، والترمذي (2137) و (3341). ومعنى "مِخْصَرَة" بكسر الميم وإسكان الخاء المعجمة وفتح الصاد والراء المهملتين، وهو كما في النهاية: ما يختصره الإنسان بيده فيمسكه من عصا أو عكازة أو مِقرعة أو قضيب، وهو يتكىء عليه. و"ينكت": وفي نسخة: ينكت في الأرض، في الصحاح: ينكت في الأرض بقضيب: أي يضرب ليؤثر فيها. وفي النهاية: ينكت الأرض بقضيب: هو أن يؤثر فيها بطرقه، فعل المفكر المهموم. و"فكلّ ميسر لما خلق له": قال شارح الأنوار السنية: قال ابن الجوزي: الميسر للشيء: المهيأ له المصرف فيه، والتيسير: التسهيل للفعل، وإنما أراد أن يكونوا في عملهم الظاهر خائفين مما سبق به القضاء فيحسن السير بين العمل وقائد الخوف.

أحَدٍ إِلاَّ قَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ الجَنَّةِ، فقالوا: يارسول الله! أفلا نتكلُ على كتابنا؟ فقال: اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ" وذكر تمام الحديث. [2/ 418] وروينا في صحيح مسلم، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: إذا دفنتموني أقيموا حول قبري قدر ما يُنحر جزور ويقسم لحمها، حتى أستأنسَ بكم وأنظرَ ماذا أراجعُ به رسلَ ربي. [3/ 419] وروينا في سنن أبي داود والبيهقي، بإسناد حسن، عن عثمان رضي الله عنه قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا فرغَ من دفن الميت وقفَ عليه فقال: "اسْتَغْفِرُوا لأَخِيكُمْ، وَسَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ فإنَّهُ الآنَ يُسْألُ" قال الشافعي والأصحاب: يُستحبّ أن يقرؤوا عنده شيئًا من القرآن، قالوا: فإن ختموا القرآن كلَّه كان حسنًا. [4/ 420] وروينا في سنن البيهقي بإسناد حسن؛ أن ابن عمر استحبَّ أن يقرأ على القبر بعد الدفن أوّل سورة البقرة وخاتمتها. [فصل]: وأما تلقينُ الميّت بعد الدفن فقد قال جماعة كثيرون من أصحابنا باستحبابه، وممّن نصَّ على استحبابه: القاضي حسين في تعليقه، وصاحبه أبو سعد المتولي في كتابه "التتمة"، والشيخ الإِمام الزاهد أبو الفتح نصر بن إبراهيم بن نصر المقدسي، والإِمام أبو القاسم الرافعي وغيرهم، ونقله القاضي حسين عن الأصحاب. وأما لفظه فقال الشيخ نصر: إذا فرغ من دفنه يقف عند رأسه ويقول: يا فلان بن فلان! ذكر العهد الذي خرجتَ عليه من الدنيا: شهادة أن لا إِلهَ إِلاَّ الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا ¬

[418] مسلم (121). [419] أبو داود (3221)، والبيهقي 4/ 56، وحسّنه الحافظ. [420] البيهقي 4/ 56 وقال الحافظ: هذا موقوف حسن.

125 ـ باب وصية الميت أن يصلي عليه إنسان بعينه، أو أن يدفن على صفة مخصوصة وفي موضع مخصوص، وكذلك الكفن وغيره من أموره التي تفعل والتي لا تفعل

عبده ورسوله، وأن الساعة آتيةٌ لا ريب فيها، وأن الله يبعث مَن في القبور، قل رضيت بالله ربًّا، وبالإِسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا، وبالكعبة قبلة، وبالقرآن إمامًا، وبالمسلمين إخوانًا، ربّي الله لا إِلهَ إِلا هو، وهو ربّ العرش العظيم، هذا لفظ الشيخ نصر المقدسي في كتابه "التهذيب"، ولفظ الباقين بنحوه، وفي لفظ بعضهم نقص عنه، ثم منهم مَن يقول: يا عبد الله ابن أمة الله! ومنهم مَن يقول: يا عبد الله بن حوّاء، ومنهم من يقول: يا فلان ـ باسمه ـ ابن أمة الله، أو يا فلان بن حوّاء، وكله بمعنى. وسُئل الشيخ الإِمام أبو عمر بن الصلاح رحمه الله عن هذا التلقين فقال في فتاويه: التلقين هو الذي نختاره ونعمل به، وذكره جماعة من أصحابنا الخراسانيين قال: وقد روينا فيه حديثًا من حديث أبي أمامة ليس بالقائم إسناده (¬1)، ولكن اعتضد بشواهد وبعمل أهل الشام به قديمًا. قال: وأما تلقين الطفل الرضيع فما له مُستند يُعتمد ولا نراه، والله أعلم. قلتُ: الصواب أنه لا يلقن الصغير مطلقًا، سواء كان رضيعًا أو أكبر منه ما لم يبلغ ويصير مكلفًا، والله أعلم. 125 ـ بابُ وصيّةِ الميّتِ أنّ يُصلِّيَ عليه إنسانٌ بعينه، أو أن يُدفن على صفةٍ مخصوصةٍ وفي مَوْضعٍ مَخصوص، وكذلك الكفنُ وغيرُه من أمورِه التي تُفعل والتي لا تُفعل [1/ 421] روينا في صحيح البخاري، عن عائشة رضي الله عنها ¬

[421] البخاري (1387) والموطأ بلاغًا 1/ 224، وقال الحافظ ابن حجر: في الحديث استحباب التكفين في الثياب البيض، وتثليث الكفن، وفضل أبي بكر وصحة فراسته، وثباته عند وفاته .. فتح الباري 3/ 254. (¬1) قال الحافظ بعد تخريجه: هذا حديث غريب، وسند الحديث من الطريقين ضعيف جدًا. الفتوحات الربانية 4/ 196

قالت: دخلت على أبي بكر رضي الله عنه: يعني وهو مريض، فقال: في كم كفّنتم النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: في ثلاثة أثواب، قال: في أيّ يوم تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: يوم الاثنين، قال: فأيّ يوم هذا؟ قالت يوم الاثنين، قال: أرجو فيما بيني وبين الليل، فنظر إلى ثوب عليه كان يمرّض فيه به رَدْع من زعفران، فقال: اغسلوا ثوبي هذا وزيدوا عليه ثوبين فكفِّنوني فيها. قلت: إن هذا خَلَق، قال: إن الحيّ أحقُّ بالجديد من الميت، إنما هو للمهلة، فلم يتوفّ حتى أمسى من ليلة الثلاثاء، ودُفن قبل أن يُصبحَ. قلت: قولها رَدْع، بفتح الراء وإسكان الدال وبالعين المهملات: وهو الأثر. وقوله للمهلة، روي بضم الميم وفتحها وكسرها ثلاث لغات والهاء ساكنة: وهو الصديد الذي يتحلّل من بدن الميت. [2/ 422] وروينا في صحيح البخاري؛ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لما جُرِحَ: إذا أنا قُبِضتُ فاحملوني، ثم سلِّم وقلْ يستأذنُ عمر، فإن أذنتْ لي ـ يعني عائشةَ ـ فأدخلوني، وإن ردّتني فردّوني إلى مقابر المسلمين. [3/ 423]ـ وروينا في صحيح مسلم، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: قال سعد: الحدوا لي لحدًا، وانصبوا عليَّ اللبنَ نصبًا كما صُنع برسول الله صلى الله عليه وسلم. [4/ 424] وروينا في صحيح مسلم، عن عمرو بن العاص رضي الله ¬

[422] البخاري (1392)، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذا الكلام مخاطبًا ولده "عبد الله" وهو أكبر أولاده. [423] مسلم (966)، و"اللحد": هو الشق تحت الجانب القبليّ من القبر. واللَّبِن": ما يضرب من الطين مربعًا للبناء. واحدتها لَبِنَة. [424] مسلم (121) و"سياقة الموت": حال حضور الموت.

عنه؛ أنه قال وهو في سياقة الموت: إذا أنا متّ فلا تصحبني نائحة ولا نار، فإذا دفنتموني فشنّوا عليَّ التراب شنًا، ثم أقيموا حول قبري قدر ما يُنحر جزور ويقسم لحمها أستأنس بكم، وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي. قلت: قوله شنوا، روي بالسين المهملة وبالمعجمة، ومعناه: صبّوه قليلًا قليلًا. وروينا في هذا المعنى حديث حذيفة المتقدم في باب إعلام أصحاب الميت بموته، وغير ذلك من الأحاديث، وفيما ذكرناه كفاية وبالله التوفيق. قلت: وينبغي أن لا يقلد الميتُ ويتابع في كلّ ما وصَّى به، بل يُعرض ذلك على أهل العلم، فما أباحوه فعل ما لا فلا. وأنا أذكر من ذلك أمثلة، فإذا أوصى بأن يدفن في موضع من مقابر بلدته، وذلك الموضع معدن الأخيار فينبغي أن يُحافظ على وصيته، وإذا أوصى بأن يُصلِّي عليه أجنبي فهل يُقَدَّم في الصلاة على أقارب الميت؟ فيه خلاف للعلماء، والصحيح في مذهبنا أن القريب أولى، لكن إن كان الموصَى له ممّن يُنسب إلى الصلاح أو البراعة في العلم مع الصيانة والذكر الحسن، استحبّ للقريب الذي ليس هو في مثل حاله إيثاره رعاية لحقّ الميت، وإذا أوصى بأن يُدفن في تابوت لم تنفذ وصيته، إلا أن تكون الأرض رخوة، أو نديّة يحتاج فيها إليه، فتُنفذ وصيّته فيه ويكون من رأس المال كالكفن. وإذا أوصى بأن يُنقل إلى بلد آخر لا تنفّذ وصيّته، فإن النقلّ حرامٌ على المذهب الصحيح المختار الذي قاله الأكثرن وصرّح به المحققون، وقيل: مكروه. قال الشافعي رحمه الله: إلا أن يكون بقرب مكة أو المدينة أو بيت المقدس فيُنقل إليها لبركتها. وإذا أوصى بأن يُدفَن تحته مِضربة أو مخدة تحتَ رأسه أو نحو ذلك لم تُنفذ وصيّته. وكذا إذا أوصى بأن يُكفَّن في

126 ـ باب ما ينفع الميت من قول غيره

حرير، فإن تكفينَ الرجال في الحرير حرام، وتكفينُ النساء فيه مكروه وليس بحرام، والخنثى في هذا كالرجل. ولو أوصى بأن يُكَفَّن فيما زاد على عدد الكفن المشروع أو في ثوب لا يَستر البدن لا تنفذ وصيّته. ولو أوصى بأن يُقرأ عند قبره أو يُتصدّق عنه وغير ذلك من أنواع القرب، نُفِّذَتْ إلا أن يقترن بها ما يمنع الشرع منها بسببه. ولو أوصى بأن تُؤَخَّرَ جنازته زائدًا على المشروع لم تنفذ. ولو أوصى بأن يُبنى عليه في مقبرة مسبَّلة للمسلمين لم تنفّذ وصيته، بل ذلك حرام. 126 ـ بابُ ما ينفعُ الميّتَ من قَوْل غيره أجمع العلماء على أن الدعاء للأموات ينفعهم ويَصلُهم (¬1). واحتجّوا بقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ جاؤوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا اغْفِرْ لَنا ولإِخْوَانِنا الَّذين سَبَقُونا بالإِيمَانِ} [الحشر:10] وغير ذلك من الآيات المشهورة بمعناها، وفي الأحاديث المشهورة كقوله صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأهْلِ بَقِيعِ الغَرْقَدِ" (¬2) وكقوله صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنا وَمَيِّتِنَا" (¬3) وغير ذلك. واختلف العلماء في وصول ثواب قراءة القرآن، فالمشهور من مذهب الشافعي وجماعة أنه لا يَصل. وذهب أحمدُ بن حنبل وجماعةٌ من العلماء وجماعة من أصحاب الشافعي إلى أنه يَصل، والاختيار أن يقولَ القارىءُ بعد فراغه: "اللهمّ أوصلْ ثوابَ ما قرأته إلى فلان، والله أعلم. ويُستحبّ الثناء على الميت وذكر محاسنه. ¬

(¬1) في "ج": "ويصل ثوابُه" (¬2) مسلم (974) (¬3) أبو داود (3201)

127 ـ باب النهي عن سب الأموات

[1/ 425]ـ وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أنس رضي الله عنه قال مرّوا بجنازة فأثنوا عليها خيرًا، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "وَجَبَتْ" ثم مرّوا بأخرى فأثنوا عليها شرًّا، فقال: "وَجَبَتْ" فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما وجبت؟ قال: "هَذَا أثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ، وَهَذَا أثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّه في الأرْضِ". [2/ 426] وروينا في صحيح البخاري، عن أبي الأسود قال: قدمتُ المدينةَ فجلستُ إلى عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه، فمرّتْ بهم جنازة، فأُثني على صاحبها خيرٌ، فقال عمر: وجبتْ، ثم مُرّ بأخرى فأُثني على صاحبها خيرٌ، فقال عمر: وجبتْ، ثم مُرّ بالثالثة فأُثني على صاحبها شرٌّ فقالَ عمرُ: وجبتْ؛ قال أبو الأسود: فقلت: وما وجبت يا أمير المؤمنين؟! قال: قلتُ كما قال النبيّ صلى الله عليه وسلم:"أيُّمَا مُسْلِمٍ شَهِدَ لَهُ أَرْبَعَةٌ بِخَيْرٍ أدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ" فقلنا: وثلاثة؟ قال: "وَثَلاَثَةٌ" فقلنا: واثنان، قال: "وَاثْنانِ"، ثم لم نسأله عن الواحد. والأحاديث بنحو ما ذكرنا كثيرة، والله أعلم. 127 ـ بابُ النّهي عن سبِّ الأمْوَات [1/ 427] روينا في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَسُبُّوا الأمْوَاتَ فإنَّهُمْ قَدْ أفْضَوْا إلى ما قَدَّمُوا". [2/ 428] وروينا في سنن أبي داود والترمذي، بإسناد ضعيف ضعَّفه ¬

[425] البخاري (1367)، ومسلم (949)، والترمذي (1058)، والنسائي 4/ 49ـ50. [426] البخاري (1368)، والترمذي (1059)، والنسائي 4/ 51. [427] البخاري (1393)، وأبو داود (4899)، والنسائي 4/ 52ـ63. و"أفضوا": وصلوا إلى ما عملوا من خير أو شر. [428] أبوداود (4900)، والترمذي (1019)، وقال الحافظ ابن حجر بعد تخريجه: لم أرَ في =

الترمذي، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اذْكُرُوا مَحاسنَ مَوْتاكُمْ، وكُفُّوا عَنْ مَساوِيهمْ". قلت: قال العلماء: يَحرم سبُّ الميت المسلم الذي ليس معلنًا بفسقه. وأما الكافرُ والمُعلِنُ بفسقه من المسلمين ففيه خلاف للسلف وجاءت فيه نصوص متقابلة، وحاصلُه أنه ثبت في النهي عن سبّ الأموات ما ذكرناه في هذا الباب. وجاء في الترخيص في سبّ الأشرار أشياء كثيرة، منها ما قصَّه اللَّهُ علينا في كتابه العزيز وأمرنا بتلاوته وإشاعة قراءته؛ ومنها أحاديثُ كثيرة في الصحيح، كالحديث الذي ذكر فيه صلى الله عليه وسلم عمروَ بن لحيّ، وقصة أبي رِغال (¬1)، والذي كان يسرقُ الحاجَّ بمحجنه (¬2)، وقصة ابن جُدْعان (¬3) وغيرهم، ومنها الحديث الصحيح الذي قدّمناه لما مرّت جنازة فأثنوا عليها شرًّا فلم ينكر عليهم النبيّ صلى الله عليه وسلم بل قال: "وجبتْ". ¬

= شيء من نسخ الترمذي تصريح الترمذي بتضعيفه، وإنما استغربه، ونقل عن البخاري أن بعض رواته منكر الحديث، وقد سكت عليه أبو داود، وصححه ابن حبّان وغيره، فهو من شرط الحسن. الفتوحات 4/ 211. (¬1) قصة أبي رغال رواها أبو داود (3088) (¬2) قصة الذي كان يسرق الحاج بمحجنه رواها مسلم في صلاة الكسوف رقم (904) (10) (¬3) "ابن جُدْعان" هو بضم الجيم، وإسكان الدال وبالعين المهملتين واسمه عبد الله، وكان كثير الإِطعام، وكان اتخذ للضيفان جفنة يرقى إليها بسلم، وكان من بني تيم بن مرّة من أقرباء عائشة رضي الله عنها، إذ هو ابن عمّ أبي قحافة والد الصديق، ذكره الحافظ في التخريج، وكان من رؤساء قريش في الجاهلية. وفي الصحيح عن عائشة قالت: "قلت يارسول الله! إن ابن جُدْعَان كان في الجاهلية يَصل الرحم ويُطعم المسكين، فهل ذلك نافعه؟ قال لا، إنه لم يقلْ يومًا ربِّ اغفرْ لي خطيئتي يومَ الدين" رواه مسلم. قال الحافظ: وسُمِّي في طريق أخرى عند أحمد أيضًا عن عائشة قالت: "يا رسول الله! إن عبد الله بن جدعان فذكره" وزاد "يقري الضيف ويفكّ العاني ويحسن الجوار" وزاد فيه أبو يعلى من هذا الوجه "ويكفّ الأذى فأُثيب عليه" الفتوحات 4/ 215

128 ـ باب ما يقوله زائر القبور

واختلف العلماءُ في الجمع بين هذه النصوص على أقوال أصحُّها وأظهرُها أن أمواتَ الكفار يجوز ذكر مساويهم. وأما أمواتُ المسلمين المعلنين بفسق أو بدعة أو نحوهما، فيجوز ذكرُهم بذلك إذا كان فيه مصلحة لحاجة إليه للتحذير من حالهم، والتنفير من قبول ما قالوه والاقتداء بهم فيما فعلوه، وإن لم تكن حاجة لم يجزْ؛ وعلى هذا التفصيل تُنَزَّلُ هذه النصوص، وقد أجمعَ العلماءُ على جرح المجروح من الرواة، والله أعلم. 128 ـ بابُ ما يقولُه زائرُ القبور [1/ 429] روينا في صحيح مسلم، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلّمَا كان ليلتُها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرجُ من آخر الليل إلى البقيع فيقول: "السَّلامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنينَ، وَأتاكُمْ ما تُوعَدُونَ، غَدًا مُؤَجَّلُونَ، وَإنَّا إنْ شاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاحقُونَ؛ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأهْلِ بَقِيعِ الغَرْقَدِ". [2/ 430] وروينا في صحيح مسلم، عن عائشة أيضًا أنها قالت: كيف أقولُ يا رسولَ الله؟! ـ تعني في زيارة القبور ـ قال: "قُولي: السَّلامُ على أهْلِ الدّيارِ مِنَ المُؤْمنينَ وَالمُسْلمينَ، وَيَرْحَمُ اللَّهُ المُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَمِنَّا وَالمُسْتأخِرِين، وَإنَّا إنْ شاءَ اللَّه بِكُمْ لاحِقُونَ". [3/ 431] ورَوينا بالأسانيد الصحيحة في سنن أبي داود والنسائي وابن ¬

[429] مسلم (974)، والنسائي 4/ 93، وفي "اليوم والليلة" (1092)، و"بقيع الغرقد" مدفن أهل المدينة المنورة. [430] مسلم (974) (103) وفيه "ويرحمُ اللَّهُ المستقدمين منّا والمستأخرين". [431] أبو داود (3237)، والنسائي 4/ 91، وابن ماجه (4306) قال الحافظ: وأخرجه مسلم أيضًا من جملة حديث طويل.

ماجه، عن أبي هُريرة رضيَ الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج إلى المقبرة فقال: "السَّلامُ عَلَيكُم دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وإنَّا إنْ شاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاحِقُونَ". [4/ 432] وروينا في كتاب الترمذي، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور أهل المدينة، فأقبلَ عليهم بوجهه فقال: "السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا أهْلَ القُبُورِ! يَغْفِرُ اللَّهُ لَنا وَلَكُمْ، أنْتُمْ سَلَفُنا وَنَحْنُ بالأثَرِ" قال الترمذي: حديث حسن. [5/ 433] وروينا في صحيح مسلم، عن بريدة رضي الله عنه قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يعلِّمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم: "السَّلامُ عَلَيْكُمْ أهْلَ الدّيارِ مِنَ المؤْمِنِينَ، وإنَّا إنْ شاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلاحِقُونَ، أسألُ اللَّهُ لَنَا ولَكُمُ العافيَةَ". ورويناه في كتاب النسائي وابن ماجه هكذا، وزاد بعد قوله: للاحقون: "أنْتُمْ لَنَا فَرَطٌ، وَنَحْنُ لَكُمْ تَبَعٌ". [6/ 434] وروينا في كتاب ابن السني، عن عائشة رضي الله عنها؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أتى البقيعَ فقال:"السَّلامُ عَلَيْكُمْ دار قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، أنْتُمْ لَنا فَرَطٌ، وإنَّا بِكُمْ لاحِقُونَ؛ اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنا أجْرَهُمْ وَلا تُضِلَّنا بَعْدَهُمْ". ويُستحب للزائر الإِكثار من قراءة القرآن والذكر، والدعاء لأهل تلك المقبرة وسائر الموتى والمسلمين أجمعين. ويُستحبّ الإِكثار من الزيارة، وأن يكثرَ الوقوفَ عند قبور أهل الخير والفضل. ¬

[432] الترمذي (1053)، وإسناده حسن. [433] مسلم (975)، والنسائي 4/ 94، وابن ماجه (1547)، وهو عند النسائي في "اليوم والليلة" (1091) كما أورده في المجتبى. [434] ابن السني (596)، وقال الحافظ: هذا حديث حسن أخرجه أحمد وابن ماجه. الفتوحات 4/ 221.

129 ـ باب نهي الزائر من رآه يبكي جزعا عند قبر، وأمره إياه بالصبر ونهيه أيضا عن غير ذلك مما نهى الشرع عنه

129 ـ بابُ نهي الزائر مَنْ رآه يبكي جزعًا عند قبر، وأمرِه إِيَّاه بالصبرِ ونهيِهِ أيضًا عن غير ذلك مما نهى الشرعُ عنه [1/ 435] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أنس رضي الله عنه قال: مرّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر فقال: "اتَّقي اللَّهَ وَاصْبِرِي". [2/ 436] وروينا في سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه، بإسناد حسن، عن بشير بن معبد ـ المعروف بابن الخصاصية ـ رضي الله عنه قال: بينما أنا أُماشي النبيّ صلى الله عليه وسلم نظر فإذا رجل يمشي بين القبور عليه نعلان، فقال: "يا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ ألْقِ سِبْتِيَّتَيْكَ" وذكر تمام الحديث. قلت: السِّبتية: النعل الذي لا شعر عليها، وهي بكسر السين المهملة وإسكان الباء الموحدة. وقد أجمعت الأمة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودلائله في الكتاب والسنّة مشهورة، والله أعلم. ¬

[435] البخاري (1283)، ومسلم (926). [436] أبو داود (3230)، والنسائي 4/ 296، وابن ماجه (1568). وزاد أبو داود: فنظر الرجل، فلما عرفَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم خلعهما فرمى بهما. وقال النووي ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه "المجموع": المشهور من مذهبنا أنه لا يُكره المشي بين المقابر بالنعلين ونحوهما ... وقال أحمد: يُكره. واحتجّ أصحابنا بحديث أنس مرفوعًا "إن العبد إذا وُضع في قبره وتولى عنه أصحابه يسمع قَرْعَ نعالهم: رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. وأجابوا عن حديث ابن الخصاصية بوجهين: أحدهما ـ وبه أجاب الخطابي ـ أنه يشبه أنه كرههما لمعنى فيهما؛ لأن النعال السبتية نعال أهل الرفاهية والتنعم، فنهي عنها لما فيها من الخيلاء. والثاني ـ لعلّ كان فيها نجاسة. وبهذا يُجمع بين الحديثين.

130 ـ باب البكاء والخوف عند المرور بقبور الظالمين وبمصارعهم وإظهار الافتقار إلى الله تعالى والتحذير من الغفلة عن ذلك

130 ـ بابُ البكاء والخوف عند المرور بقبور الظالمين وبمصارعهم وإظهار الافتقار إلى الله تعالى والتحذير من الغفلة عن ذلك [1/ 437] روينا في صحيح البخاري، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه ـ يعني لما وصلوا الحِجْرَ ديارَ ثمود ـ: "لا تَدْخُلُوا على هَؤُلاءِ المُعَذَّبينَ إِلاَّ أنْ تَكُونُوا باكِينَ، فإنْ لَمْ تَكُونُوا باكينَ فَلا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ لا يُصيبُكُم ما أصَابَهُمْ". ¬

[437] البخاري (433)، وهو في صحيح مسلم أيضًا (2980).

كتاب الأذكار في صلوات مخصوصة

كتاب الأذكار في صلوات مخصوصة 131 ـ بابُ الأذكارِ المستحبّةِ يومَ الجمعة وليلتها والدُّعاء يُستحبّ أن يُكْثرَ في يومها وليلتها من قراءة القرآن والأذكار والدعوات، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقرأ سورة الكهف في يومها. قال الشافعي رحمه الله في كتاب "الأمّ": وأستحبُّ قراءتَها أيضًا في ليلة الجمعة. [1/ 438] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكرَ يومَ الجمعة فقال:"فيهِ ساعَةٌ لا يُوَافِقُها عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسألُ اللَّهَ تَعالى شَيْئًا إِلاَّ أعْطاهُ إيَّاهُ" وأشار بيده يقللها. قلت: اختلفَ العلماءُ من السلف والخلف في هذه الساعة على أقوال كثيرة منتشرة غاية الانتشار، وقد جمعتُ الأقوالَ المذكورةَ فيها كلها في شرح المهذّب وبيّنتُ قائلها، وأن كثيرًا من الصحابة على أنها بعد العصر. والمراد بقائم يُصَلِّي: من ينتظرُ الصلاة فإنه في صلاة. وأصحّ ما جاء فيها: ¬

[438] البخاري (935)، ومسلم (852)، والموطأ 1/ 108، والنسائي 3/ 115 و 116 في المجتبى، و (469) في "اليوم والليلة".

[2/ 439] ما رويناه في صحيح مسلم، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "هيَ ما بَيْنَ أنْ يَجْلِس الإِمامُ إلى أنْ يَقْضِيَ الصَّلاةَ" يعني يجلس على المنبر. أما قراءةُ سورة الكهف، والصَّلاةُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءتْ فيهما أحاديث مشهورة تركتُ نقلَها لطول الكتاب؛ لكونها مشهورة، وقد سبق جملة منها في بابها. [3/ 440] وروينا في كتاب ابن السني، عن أنس رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قالَ صَبِيحَةَ يَوْمِ الجُمُعَةِ قَبْلَ صَلاةِ الغَدَاةِ: أسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الحَيَّ القَيُّومَ وأتُوبُ إِلَيْهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ". [4/ 441] وروينا فيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد يومَ الجمعة أخذ بعضادتي الباب ثم قال: "اللَّهُمَّ اجْعَلْني أوْجَهَ مَنْ تَوَجَّهَ إلَيْكَ، وأقْرَبَ مَنْ تَقَرَّبَ إِلَيْكَ، وأفْضَلَ مَنْ سألَكَ وَرَغِبَ إِلَيْكَ". قلت: يُستحبّ لنا نحن أن نقول: اجْعَلْني مِنْ أوْجَهِ مَنْ تَوَجَّهَ إِلَيْكَ وَمِنْ أقْرَبِ وَمِنْ أَفْضَلِ. فنزيد لفظة "مِن". وأما القراءة المستحبة في صلاة الجمعة وفي صلاة الصبح يوم الجمعة فتقدّم بيانها في باب أذكار الصلاة. ¬

[439] مسلم (853)، وأبو داود (1049)، وفيه "إلى أن تُقْضَى الصلاة". [440] ابن السني (82) وإسناده ضعيف، وقد تقدم برقم 1/ 206. [441] ابن السني (276) وإسناده ضعيف، فيه راويان مجهولان.

132 ـ باب الأذكار المشروعة في العيدين

[5/ 442] وروينا في كتاب ابن السني، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَرَأ بَعْدَ صَلاةِ الجُمُعَةِ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أحَدٌ، وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبّ الفَلَقِ، وَقُلْ أعُوذُ بِرَبّ النَّاسِ، سَبْعَ مَرَّاتٍ أعاذَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِها مِنَ السُّوءِ إلى الجُمُعَةِ الأُخْرَى". [فصل]: يُسْتَحَبُّ الإِكثار من ذكر الله تعالى بعد صلاة الجمعة، قال الله تعالى: {فإذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فانْتَشِرُوا في الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّه كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة:10]. 132 ـ بابُ الأذْكَارِ المشروعةِ في العِيدين اعلم أنه يُستحبّ إحياء ليلتي العيدين بذكر الله تعالى والصلاة وغيرهما من الطاعات للحديث الوارد في ذلك: "مَنْ أَحْيا لَيْلَتي العِيدِ لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ القُلُوبُ" ورُوي "مَنْ قَامَ لَيْلَتي العِيدَيْنِ لِلَّهِ مُحْتَسِبًا لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ حينَ تَمُوتُ القُلُوبُ" هكذا جاء في رواية الشافعي وابن ماجه (¬1)، وهو حديث ضعيف رويناه من رواية أبي أمامة مرفوعًا وموقوفًا، وكلاهما ضعيف، لكن أحاديث الفضائل يُتسامح فيها كما قدّمناه في أوّل الكتاب. واختلف العلماءُ في القدر الذي يَحصل به الإِحياءُ، فالأظهرُ أنه لا يحصل إلا بمعظم الليل، وقيل: يَحصل بساعة. ¬

[442] ابن السني (377) وقال الحافظ: سنده ضعيف، وينبغي أن يُقيد بما بعد الذكر المأثور في الصحيح، وله شاهد من مرسل مكحول، أخرجه سعيد بن منصور في السنن، الفتوحات 4/ 232. (¬1) ابن ماجه (1782)، وقال في الزوائد: إسناده ضعيف لتدليس بقية. وقال الحافظ: هذا حديث غريب مضطرب الإِسناد. انظر الفتوحات 4/ 235

[فصل]: ويستحبّ التكبير ليلتي العيدين، ويُستحبّ في عيد الفطر من غروب الشمس إلى أن يُحرم الإِمام بصلاة العيد، ويُستحبّ ذلك خلفَ الصلواتِ وغيرها من الأحوال. ويُكثر منه عند ازدحام الناس، ويُكَبِّر ماشيًا وجالسًا ومضطجعًا، وفي طريقه، وفي المسجد، وعلى فراشه، وأما عيدُ الأضحى فيُكَبِّر فيه من بعد صلاة الصبح من يوم عَرَفة إلى أن يصليَ العصر من آخر أيام التشريق، وَيُكَبِّر خلفَ هذه العَصْرِ ثم يقطع، هذا هو الأصحّ الذي عليه العمل، وفيه خلاف مشهور في مذهبنا ولغيرنا، ولكن الصحيح ما ذكرناه، وقد جاء فيه أحاديث رويناها في سنن البيهقي، وقد أوضحتُ ذلك كلَّه من حيث الحديث ونقل المذهب في شرح المهذّب وذكرتُ جميعَ الفروع المتعلقة به، وأنا أُشيرُ هنا إلى مقاصده مختصرة. قال أصحابنا: لفظ التكبير أن يقول: "اللَّهُ أكْبَرُ اللَّهُ أكْبَرُ اللَّهُ أكْبَرُ" هكذا ثلاثًا متواليات، ويكرّر هذا على حسب إرادته. قال الشافعي والأصحاب: فإن زادَ فقال: "الله أكْبَرُ كَبيرًا، والحَمْدُ لِلَّهِ كَثيرًا، وَسُبْحانَ اللَّهِ بُكْرَةً وأصِيلًا، لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَلا نَعْبُدُ إِلاَّ إِيَّاهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدينَ وَلَوْ كَرِهَ الكافِرُون، لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ، صَدَقَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ، لا إِلهَ إِلاَّ الله واللَّهُ أكْبَرُ" كانَ حَسَنًا. وقال جماعة من أصحابنا: لا بأسَ أن يقول ما اعتاده الناسُ، وهو "اللَّهُ أكْبَرُ اللَّهُ أكْبَرُ اللَّهُ أكْبَرُ، لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، واللَّهُ أكْبَرُ اللَّهُ أكْبَرُ ولِلَّهِ الحَمْدُ". [فصل]: اعلم أن التكبير مشروعٌ بعد كلّ صلاة تُصلَّى في أيام التكبير، سواء كانت فريضة أو نافلة أو صلاة جنازة، وسواءٌ كانت الفريضة مؤدّاة أو مقضية أو منذروة، وفي بعض هذا خلاف ليس هذا موضع بسطه، ولكن الصحيح ما ذكرته وعليه الفتوى وبه العمل، ولو كبَّرَ الإِمامُ على

خلاف اعتقاد المأموم بأن كان يَرى الإِمامُ التكبيرَ يوم عرفة أو أيام التشريق، والمأموم لا يَراه، أو عكسَه، فهل يتابعه، أم يعمل باعتقاد نفسه؟ فيه وجهان لأصحابنا: الأصحُّ يَعمل باعتقاد نفسه، لأن القدوة انقطعتْ بالسلام من الصلاة بخلاف ما إذا كبَّر في صلاة العيد زيادة على ما يراه المأموم، فإنه يُتابعه من أجل القُدوة. [فصل]: والسُّنّة أن يُكبر في صلاة العيد قبل القراءة تكبيراتٍ زوائد، فيُكَبِّر في الركعة الأولى سبعَ تكبيرات سوى الافتتاح، وفي الثانية خمسَ تكبيرات سوى تكبيرة الرفع من السجود، ويكونُ التكبيرُ في الأولى بعد دعاء الاستفتاح وقبل التعوّذ، وفي الثانية قبل التعوّذ. ويستحبّ أن يقولَ بين كل تكبيرتين: سبحان الله والحمد لله ولا إِله إِلاَّ الله والله أكبر، هكذا قاله جمهور أصحابنا. وقال بعض أصحابنا: يقول: "لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، بِيَدِهِ الخَيْرُ وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَديرٌ". وقال أبو نصر بن الصباغ وغيره من أصحابنا: إن قال ما اعتاده الناس فحَسَن، وهو "اللَّهُ أكْبَرُ كَبيرًا، والحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحانَ اللَّهِ بُكْرَةً وأصِيلًا" وكل هذا على التوسعة، ولا حَجْرَ في شيء منه، ولو ترك جميع هذا الذكر وترك التكبيرات السبع والخمس، صحَّتْ صلاته ولا يسجد للسهو، ولكن فاتته الفضيلة؛ ولو نسي التكبيرات حتى افتتح القراءة لم يرجع إلى التكبيرات على القول الصحيح. وللشافعي قول ضعيف أنه يرجع إليها. وأما الخطبتان في صلاة العيد فيُستحبّ أن يُكَبِّرَ في افتتاح الأولى تسعًا، وفي الثانية سبعًا. وأما القراءة في صلاة العيد فقد تقدَّم بيان ما يُستحبّ أن يقرأ فيها في باب صفة أذكار الصلاة، وهو أنه يقرأ في الأولى بعد الفاتحة سورة ق، وفي الثانية {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} وإن شاء في الأولى {سَبِّحِ اسْم رَبِّكَ الأعْلَى} وفي الثانية {هَل أتاكَ حَدِيثُ الغاشِيَةِ}.

133 ـ باب الأذكار في العشر الأول من ذي الحجة

133 ـ بابُ الأَذْكارِ في العَشْر الأوّلِ من ذي الحِجّة قال الله تعالى: {وَيَذْكُروا اسْمَ اللَّهِ فِي أيَّامٍ مَعْلُوماتٍ} [الحج:28] الآية. قال ابن عباس والشافعي والجمهور: هي أيامُ العشر. واعلم أنه يُستحبُّ الإِكثار من الأذكار في هذا العشر زيادةً على غيره، ويُستحب من ذلك في يوم عَرَفة أكثر من باقي العشر. [1/ 443] روينا في صحيح البخاري، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما العَمَلُ في أيَّامٍ أفْضَلَ مِنْها في هَذِهِ قالوا: وَلا الجهادُ فِي سَبيل الله؟ قال: وَلا الجِهادُ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ يُخاطِرُ بنَفْسِهِ وَمالِه فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ" هذا لفظ رواية البخاري وهو صحيح. وفي رواية الترمذي: "ما مِنْ أيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهنَّ أحَبُّ إلى الله تعالى مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ" وفي رواية أبي داود مثل هذه، إلا أنه قال: "مِنْ هَذِهِ الأيَّام" يعني العشر. [2/ 444] ورويناه في مسند الإِمام أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، بإسناد الصحيحين، قال فيه: "ما العَمَلُ فِي أيَّامٍ أفْضَلَ مِنَ العَمَلِ فِي عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ، قيل: ولا الجهاد؟ " وذكر تمامه، وفي رواية "عَشْرِ الأضْحَى". [3/ 445] وروينا في كتاب الترمذي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خَيْرُ الدُّعاءِ دعاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ ما قُلْتُ ¬

[443] البخاري (969)، والترمذي (757). [444] سنن الدارمي 2/ 25ـ26. [445] الترمذي (3579) وقال الحافظ: هذا حديث غريب أخرجه الترمذي وقال: غريب من هذا الوجه. ويشهد له حديث الموطأ الذي بعده.

134 ـ باب الأذكار المشروعة في الكسوف

أنا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" ضعَّفَ الترمذي إسناده. [4/ 446] ورويناه في موطأ الإِمام مالك، بإسناد مرسل وبنقصان في لفظه، ولفظه: "أفْضَلُ الدُّعاءِ دعاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وأفْضَلُ ما قُلْتُ أنا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ". وبلغنا عن سالم (¬1) بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم؛ أنه رأى سائلًا يسألُ الناسَ يوم عَرَفَةَ، فقال: يا عاجزُ! في هذا اليوم يُسألُ غيرُ الله عزّوجلّ؟ وقال البخاري في صحيحه (¬2): كان عمر رضي الله عنه يُكَبِّرُ في قُبَّتِهِ بمنى فيسمعه أهلُ المسجد فيُكبِّرون ويُكَبِّر أهلُ الأسواق حتى ترتجّ مِنىً تكبيرًا. قال البخاري (¬3): وكان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يَخرجان إلى السوق في أيام العشر يُكَبِّران ويُكَبِّر الناسُ بتكبيرهما. 134 ـ بابُ الأَذْكارِ المشروعةِ في الكُسُوف اعلم أنه يُسنُّ في كسوف القمر والإِكثارُ من ذكر الله تعالى ¬

[446] الموطأ (246) وقال ابن عبد البرّ: لا خلاف عن مالك في إرساله. ولا أحفظ بهذا الإسناد مسندًا من وجه يُحتج به. وأحاديث الفضائل لا تحتاج إلى محتجٍّ به. وقد جاء مسندًا من حديث عليّ وابن عمرو. (¬1) قال الحافظ ابن حجر: أخرجه أبو نُعيم في الحلية مختصرًا، في ترجمة سالم. الفتوحات 4/ 249 (¬2) البخاري 2/ 461 باب التكبير أيام منى وإذا غدا إلى عرفة (¬3) الذي في البخاري "وكان ابنُ عمرَ يُكبِّر بِمنىً تلك الأيام وخلف الصلوات، وعلى فراشه، وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعًا"

ومن الدعاء، وتُسَنّ الصلاة له بإجماع المسلمين. [1/ 447] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ آيَتانِ مِنْ آياتِ اللَّهِ لا يُخْسَفَانِ لِمَوْتِ أحَدٍ وَلا لِحياتِهِ، فإذَا رأيْتُمْ ذلكَ فادْعُوا اللَّهَ تَعالى وكَبِّرُوا وَتَصَدَّقُوا" وفي بعض الروايات في صحيحيهما "فإذَا رأيْتُم ذلكَ فاذْكُرُوا اللَّهَ تَعالى". وكذلك رويناه من رواية ابن عباس. وروياه في صحيحيهما من رواية أبي موسى الأشعري عن النبيّ صلى الله عليه وسلم "فإذّا رأيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذلك فافْزَعُوا إلى ذِكْرِهِ وَدُعائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ". وروياه في صحيحيهما من رواية المغيرة بن شعبة "فإذَا رأيْتُموها فادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا" وكذلك رواه البخاري من رواية أبي بكرة أيضًا، والله أعلم. [2/ 448] وفي صحيح مسلم، من رواية عبد الرحمن بن سمرة قال: أتيتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم وقد كُسفت الشمسُ وهو قائمٌ في الصلاة رافعٌ يديه، فجعلَ يُسَبِّحُ ويُهَلِّلُ ويُكَبِّر ويحمَد ويدعو حتى حُسِرَ عنها، فلما حُسِرَ عنها قرأ سورتين وصلَّى ركعتين. قلت: حُسِر بضم الحاء وكسر السين المهملتين: أي كشف وجْلِّي. [فصل]: ويُستحبّ إطالة القراءة في صلاة الكسوف، فيقرأ في القومة ¬

[447] البخاري (1044)، ومسلم (901) و (902) و (903) عن عائشة رضي الله عنها. والبخاري (1052)، ومسلم (907) عن ابن عباس رضي الله عنهما. والبخاري (1059)، ومسلم (912)، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. والبخاري (1060)، ومسلم (915) عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه. والبخاري (1040) عن أبي بكرة رضي الله عنه. [448] مسلم (913)، وأبو داود (1195)، والنَّسائي 3/ 125.

الأولى نحو سورة البقرة، وفي الثانية نحو مئتي آية، وفي الثالثة نحو مئة وخمسين آية، وفي الرابعة نحو مئة آية. ويُسبِّحُ في الركوع الأوّل بقدر مئة آية، وفي الثاني سبعين، وفي الثالث كذلك، وفي الرابع خمسين؛ ويُطوِّل السجود كنحو الركوع، والسجدة الأولى نحو الركوع الأول، والثانية نحو الركوع الثاني، هذا هو الصحيح. وفيه خلاف معروف للعلماء، ولا تشكّنَّ فيما ذكرته من استحباب تطويل السجود، لكن المشهور في أكثر كتب أصحابنا أنه لا يُطوَّل فإن ذلك غلط أو ضعيف، بل الصواب تطويله، وقد ثبت ذلك في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طرق كثيرة، وقد أوضحته بدلائله وشواهده في شرح المهذب. وأشرت هنا إلى ما ذكرت لئلا تغترّ بخلافه. وقد نصّ الشافعي رحمه الله في مواضع على استحباب تطويله، والله أعلم. قال أصحابنا: ولا يُطَوِّلُ الجلوسَ بين السجدتين بل يأتي به على العادة في غيرها، وهذا الذي قالوه فيه نظر، فقد ثبت في حديث صحيح إطالته، وقد ذكرت ذلك واضحًا في شرح المهذب، فالاختيار استحباب إطالته. ولا يُطَوِّلُ الاعتدالَ عن الركوع الثاني، ولا التشهّد وجلوسه، والله أعلم. ولو ترك هذا التطويل كلَّه واقتصر على الفاتحة صحَّت صلاتُه. ويُستحبّ أن يقول في كل رفع من الركوع: سمع الله لمن حمده ربّنا لك الحمد، فقد روينا ذلك في الصحيح. ويُسنّ الجهر بالقراءة في خسوف القمر، ويُستحبّ الإِسرار في كسوف الشمس، ثم بعد الصلاة يخطب خطبتين يُخوِّفهم فيهما بالله تعالى ويَحثّهم على طاعة الله تعالى، وعلى الصدقة والإِعتاق، فقد صحّ ذلك في الأحاديث المشهورة، ويَحثّهم أيضًا على شكر نِعَم الله تعالى، ويحذّرهم الغفلة والاغترار، والله أعلم.

135 ـ باب الأذكار في الاستسقاء

[3/ 449] روينا في صحيح البخاري وغيره عن أسماء رضي الله عنها قالت: لقد أمرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالعَتَاقة في كسوف الشمس. والله أعلم. 135 ـ بابُ الأذْكَار في الاسْتسقَاءِ يستحبّ الإِكثار فيه من الدعاء والذكر والاستغفار بخضوع وتذلل، والدعوات المذكورة فيه مشهورة: منها "اللَّهُمَّ اسْقِنا غَيْثًا مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيئًا غَدَقًا (¬1) مُجَلِّلًا (¬2) سَحًّا (¬3) عامًّا طَبَقًا دَائِمًا؛ اللَّهُمَّ على الظِّرَابِ وَمَنابِتِ الشَّجَرِ، وَبُطُونِ الأوْدِيَةِ؛ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إِنَّكَ كُنْتَ غَفّارًا، فأرْسلِ السَّماءَ عَلَيْنا مِدْرَارًا؛ اللَّهُمَّ اسْقِنا الغَيْثَ وَلاتَجْعَلْنا مِنَ القَانِطِينَ. اللَّهُمَّ أنْبِتْ لَنا الزَّرْعَ، وَأدِرَّ لَنا الضَّرْعَ، وَاسْقِنا مِنْ بَرَكاتِ السَّماءِ، وأنْبِتْ لَنا مِنْ بَرَكاتِ الأرْضِ؛ اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الجَهْدَ وَالجُوعَ والعُرْيَ، واكْشِفْ عَنَّا مِنَ البَلاءِ ما لا يَكْشِفُهُ غَيْرُكَ" ويُستحبّ إذا كان فيهم رجلٌ مشهورٌ بالصلاح أن يستسقوا به فيقولوا: "اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَسْقِي وَنَتَشَفَّعُ إِلَيْكَ بِعَبْدِكَ فُلانٍ". ¬

[449] البخاري (1054)، ومسلم (905)، والموطأ 1/ 188، والنسائي 3/ 151. و"العَتَاقة": فكّ الرقاب من العبودية. (¬1) "غدقًا": بفتح الغين المعجمة والدال المهملة وبكسر الدال المهملة أيضًا. قال الأزهري الغدق: الكثير الماء والخير. وقال ابن الجزري: المطر الكبار القطر. قال الجوهري: غدقت العين بالكسر: أي غرزت، فالغدق بالفتح مصدر، وبالكسر صفة (¬2) "مجللًا" بكسر اللام: أي يجلل البلاد والعباد نفعه ويتغشاهم بخيره. قال ابن الجزري: ويروى بفتح اللام على المفعول. قال في الحرز: ولعلّ معناه حينئذ واصلًا إلى جميع جوانب الأرض كالشيء المجلل انتهى، والظاهر موصلًا بصيغة اسم المفعول إلى جميع جوانب الأرض (¬3) "سحًّا": بفتح السين وتشديد الحاء المهملتين: أي شديد الوقع على الأرض، يقال سَحَّ الماء يَسحُّ: إذا سال من فوق إلى أسفل، وساحَ الوادي يَسيحُ إذا جرى على وجه الأرض، والعام: الشامل. و"الظِّراب" جمع ظرِب، وهو الجبل المنبسط ليس العالي

[1/ 450] روينا في صحيح البخاري، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قُحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، فقال: اللَّهمّ إنّا كنّا نتوسلُ إليك بنبيّنا صلى الله عليه وسلم فتسقينا، وإنّا نتوسلُ إليك بعمّ نبيّنا صلى الله عليه وسلم فاسقنا، فيُسقون. وجاء الاستسقاء بأهل الصلاح عن معاوية وغيره، والمستحبّ أن يقرأُ في صلاة الاستسقاء ما يقرأ في صلاة العيد، وقد بيّناه، ويُكَبِّر في افتتاح الأولى سبع تكبيرات، وفي الثانية خمسَ تكبيرات كصلاة العيد، وكل الفروع والمسائل التي ذكرتها في تكبيرات العيد السبع والخمس يجيءُ مثلها هنا، ثم يخطب خطبتين يُكثر فيهما من الاستغفار والدعاء. [2/ 451] روينا في سنن أبي داود، بإسناد صحيح على شرط مسلم، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أَتَتِ النبيّ صلى الله عليه وسلم بَوَاكٍ فقال: "اللَّهُمَّ اسْقِنا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيًّا سَرِيعًا نافعًا غَيْرَ ضَارّ، عاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ"، فأطْبَقَتْ علَيْهِمُ السَّماءُ. [3/ 452] وروينا فيه بإسناد صحيح، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا استسقى قال: "اللَّهُمَّ اسْقِ عِبادَكَ وَبَهَائِمَكَ، وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ، وأحْيِ بَلَدَكَ المَيِّتَ". [4/ 453] وروينا فيه بإسناد صحيح، قال أبو داود في آخره: هذا إسناد جيد عن عائشة رضي الله عنها قالت: شكا الناسُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ¬

[450] البخاري (1010). [451] أبو داود (1169) وبهامشه: وفي نسخة الخطابي "رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يُواكي" بضم الياء، ومعناه: يعتمد على يديه، أي: يرفعهما ويمدّهما في الدعاء. وبواكٍ: جمع باكية: أي نساء باكيات من القحط وقلة المطر. [452] أبو داود (1176)، وإسناده حسن، ورواه الموطأ 1/ 190ـ191 مرسلًا. [453] أبو داود (1173)، وقال: هذا حديث غريب، وإسناده جيد.

قحوطَ المطر، فأمر بمنبر فوضع له في المصلى، ووعد الناسَ يومًا يخرجون فيه، فخرجَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم حين بَدَا حاجبُ الشمس، فقعدَ على المنبر فكبَّرَ وحَمِد الله عزّوجلّ، ثم قال: "إنَّكُمْ شَكَوْتُمْ جَدْبَ دِيارِكُمْ، وَاسْتِئْخارَ المَطَرِ عَنْ إبَّانِ زَمانِه عَنْكُمْ، وَقَدْ أمَرَكُمُ اللَّهُ سُبْحانَهُ أنْ تَدْعُوهُ، وَوَعَدَكُمْ أنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ، ثم قال: الحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ العَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مالِكِ يَوْمِ الدَّينِ، لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، اللَّهُمَّ أنْتَ اللَّهُ لاَ إِلهَ أَنْت الغَنِيُّ وَنَحْنُ الفُقَراءُ، أنْزِلْ عَلَيْنا الغَيْثَ، وَاجْعَلْ ما أنْزَلْتَ لَنا قُوَّةً وَبَلاغًا إلى حِينٍ" ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياضُ إبطيه، ثم حوّل إلى الناس ظهرَه وقَلبَ، أو حَوّل رداءَه وهو رافع يديه، ثم أقبلَ على الناس ونزلَ فصلى ركعتين، فأنشأ اللَّه عزّ وجلّ سحابة، فرعدت وبرقت ثم أمطرت بإذن الله تعالى، فلم يأتِ مسجدَه حتى سالت السيولُ، فلما رأى سرعتَهم إلى الكِنّ (¬1) ضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، فقال: "أشْهَدُ أنَّ اللَّهَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وأنّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ". قلت: إبّان الشيء وقته، وهو بكسر الهمزة وتشديد الباء الموحدة. وقحوط المطر، بضم القاف والحاء: احتباسه، والجدب، بإسكان الدال المهملة: ضد الخصب. وقوله ثم أمطرت، هكذا هو بالألف، وهما لغتان: مطرت، وأمطرت، ولا التفات إلى مَن قال: لا يُقال أمطر بالألف إلا في العذاب. وقوله: بدتْ نواجذه: أي ظهرت أنيابه، وهي بالذال المعجمة. واعلم أن في هذا الحديث التصريح بأن الخطبة قبل الصلاة، وكذلك هو مصرّح به في صحيحي البخاري ومسلم، وهذا محمول على ¬

(¬1) "الكِنّ" بكسر الكاف وتشديد النون، ما يُردُّ به الحرُّ والبرد من المساكن. وكان ضحك صلى الله عليه وسلم من طلبهم المطر اضطرارًا، ثم طلبهم الكِنّ عنه فرارًا

136 ـ باب ما يقوله إذا هاجت الريح

الجواز، والمشهور في كتب الفقه لأصحابنا وغيرهم أنه يُستحبّ تقديمُ الصلاة على الخطبة لأحاديث أُخر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدَّمَ الصلاةَ على الخطبة، والله أعلم. ويُستحبّ الجمع في الدعاء بين الجهر والإِسرار ورفع الأيدي فيه رفعًا بليغًا. قال الشافعي رحمه الله: وليكن من دعائهم: اللَّهُمَّ أمَرْتَنا بِدُعائِكَ، وَوَعَدْتَنا إِجابَتَكَ، وَقَدْ دَعَوْناكَ كما أمَرْتَنا، فأجِبْنا كما وَعَدْتَنا؛ اللَّهُمَّ امْنُنْ عَلَيْنا بِمَغْفِرَةِ ما قارَفْنا، وإِجابَتِكَ في سُقْيانا وَسَعَةِ رِزْقِنا، ويدعو للمؤمنين والمؤمنات، ويُصلِّي على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ويقرأ آيةً أو آيتين، ويقول الإِمام: أستغفرُ الله لي ولكم. وينبغي أن يدعوَ بدعاء الكرب وبالدعاء الآخر: اللَّهُمَّ آتِنَا في الدُّنْيا حَسَنَةً، وغير ذلك من الدعوات التي ذكرناها في الأحاديث الصحيحة. قال الشافعي رحمه الله في "الأم": يخطب الإِمامُ في الاستسقاء خطبتين كما يخطب في صلاة العيد، يُكَبِّر الله تعالى فيهما، ويحمَده، ويصلي على النبيّ صلى الله عليه وسلم، ويُكثر فيهما الاستغفار حتى يكون أكثر كلامه، ويقول كثيرًا {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كانَ غَفَّارًا. يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح:10ـ11] ثم رُوي عن عمرَ رضي الله عنه أنه استسقى وكان أكثر دعائه الاستغفار. قال الشافعي: ويكون أكثر دعائه الاستغفار، يبدأ به دعاءَه، ويفصلُ به بين كلامه، ويختم به، ويكون هو أكثر كلامه حتى ينقطع الكلام، ويحثّ الناس على التوبة والطاعة والتقرّب إلى الله تعالى. 136 ـ بابُ ما يقولُه إذا هَاجَتِ الرِّيح [1/ 454] روينا في صحيح مسلم، عن عائشة رضي الله عنها قالت: ¬

[454] مسلم (899)، وهو في البخاري (3206)، ومعنى "عَصَفَت الريحُ": اشتدَّ هُبوبُها.

كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال: "اللَّهُمَّ إني أسألُكَ خَيْرَها وَخَيْرَ ما فِيها، وَخَيْرَ ما أُرْسِلَتْ بِهِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّها وَشَرّ ما فيها وَشَرّ ما أُرسِلَتْ بِهِ". [2/ 455] وروينا في سنن أبي داود وابن ماجه، بإسناد حسن، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ اللِّهِ تَعالى، تأتي بالرَّحْمَةِ وَتأتِي بالعَذَابِ، فإذا رأيْتُمُوها فَلا تَسُبُّوها، وَسَلُوا اللَّهَ خَيْرَها وَاسْتَعِيذُوا باللَّهِ مِنْ شَرّها". قلتُ: قوله صلى الله عليه وسلم "مِنْ رَوْحِ الله" هو بفتح الراء، قال العلماء: أي من رحمة الله بعباده. [3/ 456] وروينا في سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه، عن عائشة رضي الله عنها؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى ناشئًا في أفق السماء، تركَ العملَ وإن كان في الصلاة، ثم يقول: اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّها" فإن مُطِرَ قال: "اللَّهُمَّ صَبِّبًا هَنِيئًا". قلت: ناشئًا بهمز آخره: أي سحابًا، لم يتكامل اجتماعه. والصيِّب بكسر الياء المثناة تحت المشددة: وهو المطرُ الكثيرُ، وقيل المطر الذي يجري ماؤه، وهو منصوب بفعل محذوف: أي أسألك صيّبًا، أو اجعله صيّبًا. [4/ 457] وروينا في كتاب الترمذي وغيره، عن أُبيّ بن كعب رضي ¬

[455] أبو داود (5097)، وابن ماجه (3727)، وقال الحافظ بعد تخريجه: هذا حديث حسن صحيح. الفتوحات 4/ 272. [456] أبو داود (5099)، والنسائي في الكبرى، وابن ماجه (3889)، وقال الحافظ: هذا حديث صحيح أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأبو عوانة في صحيحه. الفتوحات 4/ 274. [457] الترمذي (2253) وقال ابن علان: ورواه أحمد، والبخاري في الأدب المفرد، =

الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَسُبُّوا الرّيحَ، فإنْ رأيْتُمْ ما تَكْرَهُونَ فَقُولوا: اللَّهُمَّ إنَّا نَسْألُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ الرّيحِ وخَيْرِ ما فِيها، وَخَيْرِ ما أُمِرَتْ بِهِ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ هَذِهِ الرّيحِ وَشَرّ ما فِيها وَشَرّ ما أُمِرَتْ بِهِ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. قال: وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة وعثمان بن أبي العاص وأنس وابن عباس وجابر. [5/ 458] وروينا بالإِسناد الصحيح في كتاب ابن السني، عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتدّتِ الريحُ يقول: "اللَّهُمَّ لَقْحًا لا عَقِيمًا". قلت: لَقْحًا: أي حاملًا للماء كاللقحة من الإِبل. والعقيم: التي لا ماء فيها كالعقيم من الحيوان: لا ولد فيها. [6/ 459] وروينا فيه، عن أنس بن مالك وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا وقعتْ كبيرةٌ أو هاجتْ ريحٌ عظيمةٌ، فعليكم بالتكبير، فإنه يجلو العَجَاجَ الأسْوَدَ". [7/ 460] وروى الإِمام الشافعيُّ رحمه الله في كتابه "الأُمّ" بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: ما هبَّت الريح إلاّ جثا النبيّ صلى الله عليه وسلم على ¬

= والنسائي في اليوم والليلة عن أُبيّ، والطبراني في الدعاء، ورواه من حديث عثمان بن أبي العاص، وأخرجه البزار كذلك. الفتوحات 4/ 275. [458] ابن السني (300) بلفظ "لقحاءَ لا عقيمًا"، وقال الحافظ بعد تخريجه: هذا حديث صحيح، أخرجه البخاري في الأدب المفرد هكذا، وأخرجه ابن حبّان في صحيحه. [459] ابن السني (285) وقال الحافظ: هذا توهم إن هما قرنا في الرواية ـ أي أنس وجابر ـ وليس كذلك إنما وقع عنده اختلاف على بعض رواته في الصحابي ... وهو حديث غريب وسنده ضعيف جدًا، فيه محمد بن زاذان ضعيف، وشيخه عنبسة بن عبد الرحمن متروك. الفتوحات 4/ 276. و"العجاج" غبار كثير. [460] الأُم 1/ 253، وقال الحافظ: هذا حديث حسن، أخرجه البيهقي في المعرفة .. الفتوحات 4/ 277.

137 ـ باب ما يقول إذا انقض الكوكب

ركبتيه وقال: "اللَّهُمَّ اجْعَلْها رَحْمَةً وَلا تَجْعَلْها عَذَابًا، اللَّهُمَّ اجْعَلْها رِياحًا وَلا تَجْعَلْها رِيحًا". قال ابن عباس: في كتاب الله تعالى: {إنَّا أرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا} [القمر:19] و {أرْسَلْنا عَلَيْهِم الرّيحَ العَقِيمَ} [الذاريات:41] وقال تعالى: {وَأرْسَلْنا الرّياحَ لَوَاقِحَ} [الحجر: 22] وقال سبحاننه: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرّياحَ مُبَشِّرَاتٍ} [الروم: 46]. [8/ 461] وذكر الشافعي رحمه الله حديثًا منقطعًا، عن رجل؛ أنه شكا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم الفقرَ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَعَلَّكَ تَسُبُّ الرّيحَ". قال الشافعي رحمه الله: لا ينبغي لأحدٍ أن يسبَّ الرياحَ، فإنها خلقٌ لله تعالى مطيع، وجندٌ من أجناده، يجعلُها رحمةً ونقمةً إذا شاء. 137 ـ بابُ ما يقولُ إذا انقضّ الكَوْكَب [1/ 462] روينا في كتاب ابن السني، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: أُمِرْنا أن لا نُتبع أبصارَنا الكوكبَ إذا انقضّ؛ وأن نقولَ عند ذلك: ما شاء الله لا قوَّة إلاّ بالله. 138 ـ بابُ تركِ الإِشارةِ والنَّظرِ إلى الكَوْكَبِ والبَرْق فيه الحديث المتقدم في الباب قبله. وروى الشافعي رحمه الله في ¬

[461] الأُم 1/ 253، وقال الحافظ: سند الحديث معضل، لأنه سقط منه اثنان فصاعدًا، وقول الشيخ عن رجل: يُوهم أن محمدًا رواه عنه وليس كذلك، بل أرسل القصة، ولم أجد لهذا المتن شاهدًا ولا متابعًا. الفتوحات 4/ 280ـ281. [462] ابن السني (658) وفي إسناده عبد الأعلى وهو ضعيف جدًا، بل اتّهم بالكذب انظر الفتوحات 4/ 281 و 4/ 284. و"انقضّ": هوى وسقط.

139 ـ باب ما يقول إذا سمع الرعد

"الأُم" (¬1) بإسناده عمّن لا يتّهم عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما قال: إذا رأى أحدكم البرق أو الودق فلا يُشِرْ إليه. وليصفْ ولينعتْ. قال الشافعي: ولم تزل العرب تكرهه. 139 ـ بابُ ما يقولُ إذا سمعَ الرَّعْدَ [1/ 463] روينا في كتاب الترمذي، بإسناد ضعيف، عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع صوتَ الرعد والصَّواعق قال: "اللَّهُمَّ لا تَقْتُلْنا بِغَضَبِكَ، ولا تُهْلِكْنا بِعَذَابِكَ، وَعافِنا قَبْلَ ذلكَ". [2/ 464] وروينا بالإِسناد الصحيح في الموطأ، عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، أنه كان إذا سمع الرعدَ تركَ الحديثَ وقال: سُبْحانَ الَّذي يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ. وروى الإِمام الشافعي رحمه الله في "الأم" (¬2) " بإسناده الصحيح عن طاووس الإِمام التابعي الجليل رضي الله عنه أنه كان يقول إذا سمع الرعد: ¬

[463] الترمذي (3446)، وقال الحافظ: أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد والترمذي والنسائي وأخرجه الحاكم من طرق متعددة. ثم قال: فالعجب من الشيخ ـ أي النووي ـ يطلق الضعف على هذا، وهو متماسك، ويسكت عن حديث ابن مسعود ـ أي حديث رقم 1/ 449 ـ انظر الفتوحات 4/ 284. وعلّته عند الترمذي أبو مطر، وهو مجهول. [464] الموطأ 2/ 992، وقال الحافظ: هو حديث موقوف أخرجه البخاري في كتاب الأدب المفرد، عن إسماعيل بن أبي أُويس، عن مالك. الفتوحات 4/ 285. (¬1) الأُم 1/ 253، والمراد يقول "عمّن لا يُتَّهم" شيخ الشافعي إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى أبو إسحاق المدني. الفتوحات 4/ 282 (¬2) الأم 1/ 253، وقال الحافظ: ورواه الطبراني، وأورد مثله عن الأسود بن يزيد أحد كبار التابعين. وفيه زيادة "يسبّح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته" وهو موقوف صحيح. الفتوحات 4/ 276

140 ـ باب ما يقول إذا نزل المطر

سبحانَ مَنْ سَبَّحَتْ له. قال الشافعي: كأنه يذهب إلى قول الله تعالى: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ} [الرعد:13]. وذكروا (¬1)، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنّا مع عمر رضي الله عنه في سفر، فأصابنا رعدٌ وبرقٌ وبَرَدٌ، فقال لنا كعب: مَن قال حين يسمع الرعد: سُبْحَانَ مَنْ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ ثلاثًا، عُوفي من ذلك الرعد، فقلنا، فعوفينا. 140 ـ بابُ ما يقولُ إذا نزلَ المطرُ [1/ 465] روينا في صحيح البخاري، عن عائشة رضي الله عنها؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى المطر قال: "اللَّهُمَّ صَيِّبًا نافِعًا"، وروينا في سنن ابن ماجه، وفيه:" اللَّهُمَّ صَيِّبًا نافِعًا" مرّتين أو ثلاثًا. [2/ 466] وروى الشافعي رحمه الله في "الأُمّ" بإسناده حديثًا مرسلًا، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "اطْلُبُوا اسْتِجابَةَ الدّعاءِ عِنْدَ التِقاءِ الجُيُوشِ، وَإقَامَةِ الصَّلاةِ، وَنُزُولِ الغَيْثِ" قال الشافعي: وقد حفظتُ عن غير واحدٍ طَلبَ الإِجابة عند نزول الغيث وإقامة الصلاة. 141 ـ بابُ ما يقولُه بعدَ نزولِ المطر [1/ 467] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن زيد بن خالد ¬

[465] البخاري (1032)، وابن ماجه (3890) و"صَيِّبًا": مطرًا جاريًا على وجه الأرض من كثرته. [466] الأُم 1/ 223ـ224، وقد تقدّم برقم 1/ 100. [467] البخاري (846)، ومسلم (71)، والموطأ 1/ 192، وأبو داود (3906)، والنسائي 3/ 165. (¬1) قال ابن علاّن: رواه الطبراني. وقال الحافظ: هذا موقوف حسن الإسناد. الفتوحات 4/ 286

142 ـ باب ما يقوله إذا نزل المطر وخيف منه الضرر

الجهني رضي الله عنه قال: صلَّى بنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صلاةَ الصبح بالحديبية في إثر سماءٍ كانتْ من الليل، فلما انصرفَ أقبلَ على الناس فقال: "هَلْ تَدْرُونَ ماذَا قالَ رَبُّكُمْ؟ قالوا: الله ورسولُه أعلم، قال: قالَ أَصْبَحَ مِنْ عِبادِي مُؤْمِنٌ بِي وكافِرٌ، فأمَّا مَنْ قالَ: مُطِرْنا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كافرٌ بالكَوْكَبِ؛ وأمَّا مَنْ قالَ: مُطِرْننا بِنَوءِ كَذَا وكَذّا فَذَلِكَ كافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بالكَوْكَبِ". قلت: الحديبية معروفة، وهي بئر قريبة من مكة دون مرحلة، ويجوز فيها تخفيف الياء الثانية وتشديدها، والتخفيف هو الصحيح المختار، وهو قول الشافعي وأهل اللغة، والتشديد قول ابن وهب وأكثر المحدّثين. والسماء هنا المطر. وإثر بكسر الهمزة وإسكان الثاء، ويقال بفتحهما لغتان. قال العلماء: إن قال مسلم: مُطرنا بنوْء كذا مريدًا أن النَّوْءَ هو الموجد والفاعل المحدِثُ للمطر، صارَ كافرًا مرتدًّا بلا شكّ؛ وإن قاله مُريدًا أنه علامة لنزول المطر فينزل المطر عند هذه العلامة، ونزوله بفعل الله تعالى وخلقه سبحانه، لم يكفر. واختلفوا في كراهته، والمختار أنه مكروه؛ ولأنه من ألفاظ الكفّار، وهذا ظاهر الحديث، ونصَّ عليه الشافعي رحمه الله في الأمّ وغيره، والله أعلم. ويُستحبّ أن يشكر الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة أعني نزول المطر. 142 ـ بابُ ما يقولُه إذا نزلَ المطرُ وخِيفَ منه الضَّرَر [1/ 468] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أنس رضي الله ¬

[468] البخاري (1013)، ومسلم (897)، والموطأ 1/ 191، وأبو داود (1174) و (1175)، والنسائي 3/ 154ـ155، و"سبتًا" أي أسبوعًا.

143 ـ باب أذكار صلاة التراويح

عنه قال: دخل رجلٌ المسجدَ يوم جمعة، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم قائمٌ يخطب، فقال: يارسولَ الله! هلكتِ الأموالُ وانقطعت السُّبُل، فادعُ الله يُغثنا، فرفعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يديْهِ ثم قال: "اللَّهُمَّ أغِثْنا، اللَّهُمَّ أغِثْنا، اللَّهُمَّ أغِثْنا" قال أنس: والله ما نرى في السماء من سَحاب ولا قَزْعَةٍ، وما بينا وبين سلع ـ يعني الجبل المعروف بقرب المدينة ـ من بيت ولا دار، فطلعتْ من ورائه سحابةٌ مثل الترس، فلما توسطت السماءَ انتشرتْ ثم أمطرت، فلا والله ما رأينا الشمس سَبْتًا، ثم دخلَ رجلٌ من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم قائمٌ يخطبُ، فقال: يا رسول الله! هلكتِ الأموالُ وانقطعتِ السُّبلُ، فادع الله يُمسكها عنّا، فرفعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: "اللَّهُمَّ حَوَالَيْنا ولاَ عَلَيْنا، اللَّهُمَّ على الآكام (¬1) وَالظِّرَابِ (¬2) وَبُطُونِ الأوْدِيَةِ (¬3) ومَنَابِتِ الشَجَرِ" فانقلعتْ وخرجنا نمشي في الشمس. هذا حديث لفظه فيهما، إلا أن في رواية البخاري "اللَّهُمَّ اسْقِنا" بدل "أغِثْنا" وما أكثر فوائده، وبالله التوفيق. 143 ـ بابُ أذكارِ صَلاة التَّراويْح اعلم أن صلاة التراويح سُنّة باتفاق العلماء، وهي عشرون ركعة يُسَلِّم من كل ركعتين، وصفةُ نفس الصلاة كصفة باقي الصلوات على ما تقدم بيانه، ويَجيء فيها جميعُ الأذكار المتقدمة كدعاء الافتتاح، واستكمال ¬

(¬1) " اللهمَّ على الآكام" قال ميرك: هو بيان لقوله "حوالينا ولا علينا" والآكام بكسر الهمزة، وقد تفتح وتمدّ، وقال ابن الجزري: إنه بالفتح والمدّ وقد يكسر، جمع أَكَمَة بفتحات. قال ابن البرقي: هو التراب المجتمع (¬2) "والظراب": هو بكسر الظاء المعجمة آخره موحدة، جمع ظَرِب بفتح الظاء وكسر الراء وقد تسكّن: وهو الجبال الصغار المنبسطة. وقال الجوهري: الرابية الصغيرة (¬3) و"بطون الأودية" جمع واد، والمراد ما يحصل فيه الماء فينتفع به

144 ـ باب أذكار صلاة الحاجة

الأذكار الباقية، واستيفاء التشهد، والدعاء بعده، وغير ذلك مما تقدم، وهذا وإن كان ظاهرًا معروفًا فإنما نبَّهتُ عليه لتساهل أكثر الناس فيه، وحذفهم أكثر الأذكار، والصواب ما سبق. وأما القراءة فالمختار الذي قاله الأكثرون وأطبقَ الناسُ على العمل به أن تقرأ الختمةُ بكمالها في التراويح جميع الشهر، فيقرأ في كل ليلة نحو جزء من ثلاثين جزءًا. ويُستحبّ أن يرتل القراءة ويبيِّنها، وليحذرْ من التطويل عليهم بقراءة أكثر من جزء، وليحذرْ كل الحذر مما اعتاده جهلةُ أئمة كثير من المساجد من قراءة سورة الأنعام بكمالها في الركعة الأخيرة في الليلة السابعة من شهر رمضان، زاعمين أنها نزلتْ جملةً، وهذه بدعة قبيحة وجهالة ظاهرة مشتملة على مفاسد كثيرة، سبق بيانها في كتاب تلاوة القرآن. 144 ـ بابُ أذكارِ صَلاةِ الحَاجة [1/ 469] روينا في كتاب الترمذي وابن ماجه، عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ إلى اللَّهِ تَعالى أوْ إلى أحدٍ مِن بَني آدَمَ فَلْيَتَوَضَّأ وَلْيُحْسِنِ الوُضُوءِ، ثُمَّ ليُصَلّ رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ لِيُثْنِ على الله عَزَّ وَجَلَّ وَلْيُصَلّ على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ ليَقُلْ: لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ الحَلِيمُ الكَرِيمُ سُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ العَرْشِ العَظِيمِ، الحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ العالَمِينَ، أسألُكَ مُوجِباتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَالغَنِيمَةَ مِنْ كُلّ بِرّ، والسَّلامَةَ مِنْ كُلّ إثْمٍ، لا تَدَعْ لِي ذَنْبًا إِلاَّ غَفَرْتَهُ، وَلا هَمًّا إِلاَّ فَرَّجْتَهُ، وَلا حاجَةً هِيَ لَكَ رِضًا إِلاَّ قَضَيْتَها يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ" قال الترمذي: في إسناده مقال. قلتُ: ويُستحبّ أن يدعوَ بدعاء الكرب، وهو: "اللَّهُمَّ آتِنا في الدُّنْيا ¬

[469] الترمذي (479)، وابن ماجه (1384)، والحاكم 1/ 320، وهو حديث ضعيف، انظر الفتوحات 4/ 298ـ299.

145 ـ باب أذكار صلاة التسبيح

حَسَنَةً وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذَابَ النَّارِ" لما قدّمناه عن الصحيحين فيهما. [2/ 470] وروينا في كتاب الترمذي وابن ماجه، عن عثمان بن حُنَيْف رضي الله عنه، أن رجلًا ضريرَ البصر أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: ادعُ اللَّهَ تعالى أن يعافيني، قال: "إنْ شِئْتَ دَعَوْتُ، وَإِنْ شِئْتَ صَبرْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ" قال: فادعُه، فأمره أن يتوضأَ فيُحسنَ وضوءَه ويدعوَ بهذا الدعاء: "اللَّهُمَّ إني أسألُكَ وأتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيّ الرَّحْمَةِ صلى الله عليه وسلم، يا مُحَمَّدُ! إني تَوَجَّهْتُ بكَ إلى رَبّي في حاجَتِي هَذِهِ لِتُقْضَى لي، اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فيّ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. 145 ـ بابُ أَذْكَار صَلاةِ التَّسبيحِ روينا في كتاب الترمذي (¬1) عنه قال: قد روي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم غير حديث في صلاة التسبيح ومنه شيء كبير لا يصحّ. قال: وقد رأى ابن المبارك وغير واحد من أهل العلم صلاة التسبيح، وذكروا الفضل فيه. قال الترمذي (¬2): حدّثنا أحمد بن عبدة، قال: حدّثنا أبو وهب، قال: سألت عبد الله بن المبارك عن الصلاة التي يسبّح فيها قال: يكبّر ثم يقول: سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ، تَبارَكَ اسْمُكَ وَتَعالى جَدُّكَ وَلا إِلهَ غَيْرُكَ، ثم ¬

[470] الترمذي (3573)، وابن ماجه (1385)، والحاكم 1/ 313، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرِّجاه، ووافقه الذهبي. (¬1) كتاب الترمذي 2/ 205، باب ما جاء في صلاة التسبيح (¬2) كتاب الترمذي 2/ 205، وهذا الأثر عن عبد الله بن المبارك رواه الحاكم في المستدرك 1/ 30 وقال: رواة هذا الحديث عن ابن المبارك كلُّهم ثقات أثبات، ولا يُتهم عبد الله أن يعلمه ما لم يصحّ عنده سنده

يقول خمس عشرة مرّة: سُبحانَ الله والحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلهَ إِلاَّ الله واللَّهُ أَكْبَرُ، ثم يتعوّذ ويقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، وفاتحة الكتاب، وسورة، ثم يقول عشر مرات: سُبْحانَ اللَّهِ والحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أكْبَرُ، ثم يركع فيقولها عشرًا، ثم يرفع رأسه فيقولها عشرًا، ثم يسجد فيقولها عشرًا، ثم يرفع رأسه فيقولها عشرًا، ثم يسجد الثانية فيقولها عشرًا، يصلي أربع ركعات على هذا، فذلك خمس وسبعون تسبيحة في كل ركعة يبدأ بخمس عشرة تسبيحة، ثم يقرأ، ثم يسبّح عشرًا؛ فإن صلى ليلًا فأحبّ إليّ أن يسلّم في ركعتين؛ وإن صلّى نهارًا، فإن شاء سلّم، وإن شاء لم يسلّم. وفي رواية عن عبد الله بن المبارك أنه قال: يبدأ في الركوع، سبحان ربي العظيم، وفي السجود: سبحان ربي الأعلى ثلاثًا، ثم يُسبِّح التسبيحات، وقيل لابن المبارك: إن سها في هذه الصلاة هل يُسبِّح في سجدتي السهو عشرًا عشرًا؟ قال: لا، إنما هي ثلاثمائة تسبيحة. [1/ 471] وروينا في كتاب الترمذي وابن ماجه، عن أبي رافع رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس: "يا عَمُّ! ألا أصِلُكَ؟ ألا أحْبُوكَ؟ ألا أنْفَعُكَ؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: يا عَمّ، صَلّ أرْبَعَ رَكعَاتٍ تَقْرأُ فِي كُلّ رَكْعَةٍ بِفاتِحَةِ القُرآنِ وَسُورَةٍ، فإذَا انْقَضَتِ القِرَاءةُ فَقُلِ اللَّهُ أكْبَرُ وَالحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً قَبْلَ أنْ تَرْكَعَ، ثُمَّ ارْكَعْ فَقُلْها عَشْرًا، ثُمَّ ارْفَعْ رأسَكَ فَقُلْها عَشْرًا، ثُمَّ اسْجُدْ فَقلْها عَشْرًا، ثُمَّ ارْفَعْ رأسَكَ ¬

[471] رواه أبو داود (1297) و (1298) و (1299)، والترمذي (482)، وابن ماجه (1386)، والحاكم في المستدرك 1/ 317 و 318 وصححه، ووافقه الذهبي. وهو حديث صحيح لطرقه وشواهده الكثيرة، وقد صححه جماعة من العلماء. هامش جامع الأصول 6/ 254. وانظر تخريج طرق هذا الحديث في الفتوحات الربانية، لابن علاّن 4/ 305ـ321.

فَقُلْها عَشْرًا قَبْلَ أنْ تَقُومَ، فَتِلْكَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ فِي كُلّ رِكْعَةٍ، وَهِيَ ثَلاَثمِئَةٍ في أرْبَعِ رَكَعاتٍ، فَلَوْ كانَتْ ذُنُوبُكَ مِثْلَ رَمْلِ عالِجٍ غَفَرَهَا اللَّهُ تَعالى لَكَ، قال: يا رَسولَ الله! مَن يستطيع أن يقولها في يوم؟ قال: إنْ لَمْ تَسْتَطِعْ أنْ تَقُولَهَا فِي يَوْمٍ فَقُلْها فِي جُمُعَةٍ، فإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ أنْ تَقُولَهَا في جُمُعَةٍ فَقُلْها فِي شَهْرٍ، فلم يزل يقول له حتى قال: قُلْها في سَنَةٍ" قال الترمذي: هذا حديث غريب. قلت: قال الإِمام أبو بكر بن العربي في كتابه "الأحوذيّ في شرح الترمذي": حديث أبي رافع هذا ضعيف ليس له أصل في الصحة ولا في الحسن، قال: وإنما ذكره الترمذي لينبّه عليه لئلا يغترّ به، قال: وقول ابِن المبارك ليس بحجة، هذا كلام أبي بكر بن العربي. وقال العُقَيْلي: ليس في صلاة التسبيح حديث ثبتَ، وذكر أبو الفرج بن الجوزي أحاديثَ صلاة التسبيح وطرقها، ثم ضعَّفها كلَّها وبيّن ضعفَها، ذكره في كتابه في الموضوعات. وبلغنا عن الإِمام الحافظ أبي الحسن الدارقطني رحمه الله أنه قال: أصحُّ شيء في فضائل السوَر فضل قل هو الله أحد، وأصحّ شيء في فضائل الصلوات فضل صلاة التسبيح، وقد ذكرتُ هذا الكلامَ مسندًا في كتاب "طبقات الفقهاء" في ترجمة أبي الحسن عليّ بن عمر الدارقطني، ولا يلزم من هذه العبارة أن يكون حديثُ صلاة التسبيح صحيحًا، فإنهم يقولون: هذا أصحُّ ما جاء في الباب، وإن كان ضعيفًا، ومرادُهم أرجحُه وأقلُّه ضعفًا. قلت: وقد نصَّ جماعةٌ من أئمة أصحابنا على استحباب صلاة التسبيح هذه، منهم أبو محمد البغوي، وأبو المحاسن الروياني.

146 ـ باب الأذكار المتعلقة بالزكاة

قال الروياني في كتابه البحر في آخر كتاب الجنائز منه: اعلم أن صلاة التسبيح مُرَغَّب فيها، يُستحبّ أن يعتادها في كل حين ولا يتغافل عنها، قال: هكذا قال عبد الله بن المبارك وجماعة من العلماء. قال: وقيل لعبد الله بن المبارك: إن سهَا في صلاة التسبيح أيُسبِّح في سجدتي السهو، عشرًا عشرًا؟ قال: لا، وإنما هي ثلاثمئة تسبيحة. وإنما ذكرتُ هذا الكلام في سجود السهو، وإن كان قد تقدم لفائدة لطيفة، وهي أن مثل هذا الإِمام إذا حكى هذا ولم ينكره أشعر بذلك بأنه يوافقه، فيكثر القائل بهذا الحكم، وهذا الروياني من فضلاء أصحابنا المطّلعين، والله أعلم. 146 ـ بابُ الأذكارِ المتعلّقةِ بالزَّكَاة قال الله تعالى: {خُذْ منْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [التوبة:103]. [1/ 472] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقة قال: "اللَّهُمَّ صَلّ عَلَيْهِمْ" فأتاه أبو أوفى بصدقته فقال: "اللَّهُمَّ صَلّ على آلِ أبي أوْفَى". قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله: الاختيار أن يقول آخذ الزكاة لدافعها: آجَرَكَ اللَّهُ فِيما أعْطَيْتَ، وَجَعَلَهُ لَكَ طَهُورًا، وَبَارَكَ لَكَ فِيما أَبْقَيْتَ. وهذا الدعاء مستحبّ لقابض الزكاة، سواءٌ كان الساعي أو الفقراء، ¬

[472] البخاري (1497)، ومسلم (1078)، وقال الحافظ بعد تخريجه من طريق الطبراني في الدعاء: وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة، ومدار الحديث عند كلهم على شعبة، وهو من غرائب الصحيح. الفتوحات 4/ 324.

وليس الدعاء بواجب على المشهور من مذهبنا ومذهب غيرنا. وقال بعض أصحابنا: إنه واجب لقول الشافعي: فحقّ على الوالي أن يدعوَ له، ودليلُه ظاهر الأمر في الآية. قال العلماء: ولا يستحبُّ أن يقولَ في الدعاء: اللَّهُمّ صلِّ على فلان، والمراد بقوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} أي ادْع لهم. وأما قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ صَلّ عَلْيهِم" فقال لكون لفظ الصلاة مختصًّا به، فله أن يُخاطب به مَنْ يَشاءُ، بخلافنا نحن. قالوا: وكما لا يُقال محمد عزّ وجلّ وإن كان عزيزًا جليلًا؛ فكذا لا يُقال أبو بكر أو عليّ صلى الله عليه وسلم، بل يُقال عليّ رضي الله عنه، أو رضوان الله عليه وشبه ذلك، فلو قال صلى الله عليه وسلم، فالصحيح الذي عليه جمهور أصحابنا أنه مكروه كراهة تنزيه. وقال بعضهم: هو خلاف الأولى ولا يُقال مكروه. وقال بعضهم: لا يجوز، وظاهره التحريم، ولا ينبغي أيضًا في غير الأنبياء أن يُقال عليه السلام أو نحو ذلك إلا إذا كان خطابًا أو جوابًا، فإن الابتداء بالسلام سنّة وردُّه واجب، ثم هذا كلُّه في الصلاة والسلام على غير الأنبياء مقصودًا. أما إذا جُعل تبعًا فإنه جائز بلا خلاف، فيُقال: اللَّهمّ صلّ على محمدٍ وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذرّيته وأتباعه، لأن السَّلفَ لم يمتنعوا من هذا، بل قد أُمرنا به في التشهد وغيره، بخلاف الصلاة عليه منفردًا، وقد قدَّمْتُ ذكرَ هذا الفصل مبسوطًا في كتاب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. [فصل]: اعلم أن نيّة الزكاة واجبة، ونيّتها تكون بالقلب كغيرها من العبادات، ويستحبّ أن يضمّ إليه التلفظ باللسان كما في غيرها من العبادات، فإن اقتصر على لفظ اللسان دون النيّة بالقلب ففي صحته خلاف. الأصحّ أنه لا يصحّ، ولا يجب على دافع الزكاة إذا نوى أن يقول مع ذلك: هذه زكاة، بل يكفيه الدفع إلى مَن كان من أهلها، ولو تلفظ بذلك لم يضرّه، والله أعلم.

[فصل]: يُستحبّ لمن دفع زكاةً أو صدقةً أو نذرًا أو كفّارةً ونحو ذلك أن يقول: {رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّكَ أنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ} [البقرة:127] فقد أخبر الله سبحانه وتعالى بذلك عن إبراهيم وإسماعيل صلى الله عليهما وسلم، وعن امرأة عمران.

كتاب أذكار الصيام

كتاب أذكار الصّيام 147 ـ بابُ ما يقوله إذا رأى الهلالَ، وما يقولُ إذا رأى القمرَ [1/ 473] روينا في مسند الدارمي وكتاب الترمذي، عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال: "اللَّهُمَّ أهِلَّهُ عَلَيْنا باليُمْنِ وَالإِيمانِ وَالسَّلامَةِ وَالإِسْلامِ رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ" قال الترمذي: حديث حسن. [2/ 474] وروينا في مسند الدارمي، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال: "اللَّهُ أكْبَرُ، اللَّهُمَّ أهِلَّهُ عَلَيْنا بالأمْنِ والإِيْمَانِ والسَّلامَةِ والإِسلامِ وَالتَّوْفِيقِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، رَبُّنا وَرَبُّكَ اللَّهُ". [3/ 475] وروينا في سنن أبي داود في كتاب الأدب، عن قتادة أنه ¬

[473] الترمذي (3447)، والدارمي 2/ 4، وقال الحافظ بعد تخريجه: هذا حديث حسن. الفتوحات 4/ 329. [474] الدارمي 2/ 403، وقال الحافظ: وأخرجه الطبراني من طريق نافع عن ابن عمر نحوه باختصار وسنده ضعيف، لكنه يعتضد بالحديث السابق. [475] أبو داود (5092) قال الحافظ: ورجاله ثقات، فإن كان المبلغ صحابيًا فهو صحيح.

بلغه؛ أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلالَ قال:"هِلالٌ خَيْرٍ وَرُشْدٍ، هِلالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ، هِلالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ، آمَنْتُ بالله الَّذي خَلَقَكَ، ثَلاث مراتٍ، ثم يقول: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي ذَهَبَ بِشَهْرِ كَذَا وجَاءَ بِشَهْرِ كَذَا". وفي رواية (¬1) عن قتادة "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال صرف وجهَه عنه" هكذا رواهما أبو داود مُرسَلَين. وفي بعض نسخ أبي داود، قال أبو داود: ليس في هذا الباب عن النبيّ صلى الله عليه وسلم حديث مُسند صحيح. ورويناه في كتاب ابن السني (¬2)، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما رؤية القمر: [4/ 476] فروينا في كتاب ابن السني، عن عائشة رضي الله عنها قالت: أخذ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بيدي، فإذا القمر حين طلع فقال: "تَعَوَّذِي بالله مِنْ شَرّ هَذَا الغاسقِ إذَا وَقَبَ" (¬3). [5/ 477] وروينا في حلية الأولياء بإسناد فيه ضعف، عن زياد ¬

[476] ابن السني (653)، وقال الحافظ: هذا حديث حسن غريب أخرجه الترمذي والنسائي. [477] حلية الأولياء 6/ 269، وابن السني (664)، قال الحافظ: حديث غريب أخرجه البزار وأخرجه أبو نعيم. (¬1) أبو داود (5093)، وفي سنده أبو هلال محمد بن سليمان الراسبي. قال المنذري: أبو هلال: لا يُحتجّ به. وهو حديث مرسل (¬2) ابن السني (647) وسنده ضعيف (¬3) "تعوّذي بالله ... " قال المصنف في فتاويه: الغسق الظلمة، وسمّاه غاسقًا لأنه ينكسف ويسود ويظلم. والوقوب: الدخول في الظلمة ونحوها مما يستره من كسوف وغيره. قال الإِمام الحافظ أبو بكر الخطيب: يشبه أن يكون سبب الاستعاذة منه في حال وقوبه لأن أهل الفساد ينتشرون في الظلمة ويتمكنون فيها أكثر مما يتمكنون منه في حال الضياء فيقدمون على العظائم وانتهاك المحارم، فأضاف فعلهم في ذلك الحال إلى القمر لأنهم يتمكنون منه بسببه، وهو من باب تسمية الشيء باسم ما هو من سببه وملازم له انتهى

148 ـ باب الأذكار المستحبة في الصوم

النميري، عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال: "اللَّهُمَّ بارِكْ لَنا في رَجَبَ وَشَعْبَانَ وَبَلِّغْنا رَمَضَانَ". ورويناه أيضًا في كتاب ابن السني بزيادة. 148 ـ بابُ الأذكارِ المستحبّة في الصَّوْم يُستحبُّ أن يجمعَ في نيّة الصوم بين القلب واللسان كما قلنا في غيره من العبادات، فإن اقتصر على القلب كفاه، وإن اقتصرَ على اللسان لم يجزئه بلا خلاف، والسُّنّة إذا شتمَه غيرُه أو تَسَافَه عليه في حال صومه أن يقول: إني صائم إني صائم، مرتين أو أكثر. [1/ 478] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هُريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فإذَا صامَ أحَدُكُمْ فَلا يَرْفُثْ وَلا يَجْهَلْ (¬1)، وَإِنِ امْرُؤٌ قاتَلَهُ أو شاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إني صَائِمٌ إني صَائِمٌ مَرَّتَيْن". قلت: قيل إنه يقول بلسانه ويُسمع الذي شاتمه لعلّه ينزجر، وقيل يقوله بقلبه لينكفّ عن المسافهة ويحافظ على صيانة صومه، والأوّل أظهر. ومعنى شاتمه: شتمه متعرضًا لمشاتمته، والله أعلم. [2/ 479] وروينا في كتابي الترمذي وابن ماجه، عن أبي هريرة رضي ¬

[478] البخاري (1894)، ومسلم (1151)، ومعنى "لا يرفث" الرفث: هو الكلام الفاحش الرديء. [479] الترمذي (3592)، وابن ماجه (1752)، وقال الحافظ: هذا حديث حسن أخرجه أحمد وكذا أخرجه ابن حبّان في صحيحه. الفتوحات 4/ 338. (¬1) "فلا يرفث ولا يجهل": قال ابن علاّن: كذا فيما وقفت عليه من نسخ، وفيه حذف وهو كما في الصحيحين "فإذا كان أحدُكم صائمًا فلا يرفثْ ولا يَجْهَل" ولم ينبّه على هذا الحافظ ولعله على الصواب فيما وقف عليه من الأصول، ثم رأيته ملحقًا في أصل مصحح

149 ـ باب ما يقول عند الإفطار

الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ثَلاَثَةٌ لاَ تُرَدُّ دَعْوَتُهُم: الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالإِمامُ العادِلُ، وَدَعْوَةُ المَظْلُومِ" قال الترمذي: حديث حسن. قلت: هكذا الرواية "حتى" بالتاء المثناة فوق. 149 ـ بابُ ما يقولُ عندَ الإِفْطَار [1/ 480] روينا في سنن أبي داود والنسائي، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال: "ذَهَبَ الظَّمأُ، وابْتَلَّتِ العُرُوقُ، وَثَبَتَ الأجْرُ إِنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى". قلت: الظمأ مهموز الآخر مقصور: وهو العطش. قال الله تعالى: {ذلكَ بأنهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمأُ} [التوبة:120] وإنما ذكرت هذا وإن كان ظاهرًا لأني رأيتُ مَن اشتبه عليه فتوهمه ممدودًا. [2/ 481] وروينا في سنن أبي داود، عن معاذ بن زهرة أنه بلغه؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر قال:"اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ وَعَلى رِزْقِكَ أفْطَرْتُ" هكذا رواه مرسَلًا. [3/ 482] وروينا في كتاب ابن السني، عن معاذ بن زهرة قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال: "الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي أعانَنِي فَصَمْتُ، وَرَزَقَنِي فأفْطَرْتُ". [4/ 483] وروينا في كتاب ابن السني، عن ابن عباس رضي الله عنهما ¬

[480] أبو داود (2357) وإسناده حسن. [481] أبو داود (2358) وله شاهدان عند الدارقطني والطبراني يقوى بهما. [482] ابن السني (480) قال الحافظ: وهو محقق الإرسال، وفي زيادة الرجل الذي لم يسمِّه ما يُعَلُّ به. [483] ابن السني (481) وقال الحافظ: هذا حديث غريب وسنده واهٍ جدًا. الفتوحات 4/ 341.

150 ـ باب ما يقول إذا أفطر عند قوم

قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال: "اللَّهُمَّ لَكَ صُمْنا، وَعلى رِزْقِكَ أَفْطَرْنا، فَتَقَبَّلْ مِنَّا إنَّكَ أنْتَ السَّمِيعُ العَلِيمُ". [5/ 484] وروينا في كتابي ابن ماجه وابن السني، عن عبد الله بن أبي مليكة عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ للصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً ما تُرَدُّ" قال ابن أبي مُليكة: سمعتُ عبد الله بن عمرو إذا أفطرَ يقول:"اللَّهُمَّ إني أسألُكَ بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء أنْ تَغْفِرَ لي". 150 ـ بابُ ما يَقُولُ إذا أفطرَ عندَ قوم [1/ 485] روينا في سنن أبي داود وغيره، بالإِسناد الصحيح، عن أنس رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى سعد بن عبادة فجاء بخبز وزيت فأكل، ثم قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "أفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ، وأكَلَ طَعَامَكُمُ الأبْرَارُ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ المَلاَئِكَةُ". [2/ 486] وروينا في كتاب ابن السني، عن أنس قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا أفطر عند قوم دعا لهم فقال: "أفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ" إلى آخره. 151 ـ بابُ ما يَدعُو به إذا صَادَفَ ليلةَ القَدْر [1/ 487] روينا بالأسانيد الصحيحة في كتب الترمذي والنسائي وابن ¬

[484] ابن ماجه (1753)، وابن السني (482) وإسناده حسن. [485] أبو داود (854)، والنسائي (292)، وهو حديث صحيح بطرقه. انظر تخريج ابن حجر في الفتوحات 4/ 343. [486] ابن السني (483) وقال الحافظ: ورجال إسناده من نوع الحسن. [487] الترمذي (3508)، والنسائي في الكبرى، وابن ماجه (3850)، وهو في المسند =

152 ـ باب الأذكار في الاعتكاف

ماجه وغيرها، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلتُ يارسول اللَّه! إن علمتُ ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: "قُولي: اللَّهُمَّ إنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فاعْفُ عَنِّي" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. قال أصحابَنا رحمهم الله: يُستحبّ أن يُكثِر فيها من هذا الدعاء، ويُستحبّ قراءةُ القرآن وسائر الأذكار والدعوات المستحبة في المواطن الشريفة، وقد سبقَ بيانها مجموعةً ومفرّقةً. قال الشافعي رحمه الله: أستحبّ أن يكون اجتهادُه في يومها كاجتهاده في ليلتها، هذا نصّه: ويستحبّ أن يُكثرَ فيها من الدعوات بمهمات المسلمين، فهذا شعار الصالحين وعباد الله العارفين، وبالله التوفيق. 152 ـ باب الأَذْكَارِ في الاعْتِكَاف يُستحبّ أن يُكثر فيه من تلاوة القرآن وغيرِه من الأذكار. ¬

_ = 6/ 171 و 183 و 208 و 258، والحاكم في المستدرك 1/ 530 وصححه، ووافقه الذهبي.

كتاب أذكار الحج

كتاب أذكار الحج 153 ـ (بابُ أذكارِ الحجّ) اعلم أن أذكار الحجّ ودعواته كثيرة لا تنحصر، ولكن نُشير إلى المهمّ من مقاصدها. والأذكار التي فيها على ضربين: أذكار في سفره، وأذكار في نفس الحجّ. فأما التي في سفره فنؤخرها لنذكرَها في أذكار الأسفار إن شاء الله تعالى. وأما التي في نفس الحج فنذكرُها على ترتيب عمل الحجّ إن شاء الله تعالى، وأحذفُ الأدلة والأحاديث في أكثرها خوفًا من طول الكتاب، وحصول السآمة على مُطالِعِهِ، فإن هذا البابَ طويلٌ جدًا، فلهذا أسلُك فيه الاختصار إن شاء الله تعالى. فأول ذلك: إذا أراد الإِحرام اغتسل وتوضأ ولبس إزاره ورداءه (¬1)، وقد قدَّمنا ما يقوله المتوضىء والمغتسل، وما يقول إذا لبس الثوب ثم يُصلِّي ركعتين، وتقدمت أذكار الصلاة، ويُستحبّ أن يقرأ في الركعة الأولى ¬

(¬1) "ولبس إزاره ورداءه": أي لصحة ذلك عنه صلى الله عليه وسلم فعلًا، روى الشيخان "أنه صلى الله عليه وسلم أحرم في إزار ورداء" أو قولًا رواه أبو عوانة في صحيحه ولفظه "ليُحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين" وصححه ابن المنذر ولم يتعرّض لتخريج مستند ذلك الحافظ، والسنة كون الإِزار والرداء أبيضين، ويُسنّ كونهما جديدين نظيفين، وإلا فنظيفين؛ ويُكره المتنجس الجافّ والمصبوغ كله أو بعضه، ولو قبل النسج على الأوجه؛ أما المعصفر والمزعفر فيتعين اجتنابهما. الفتوحات 4/ 351

بعد الفاتحة {قُلْ يا أيُّهَا الكافِرُونَ} وفي الثانية {قُلْ هُوَ اللَّهُ أحَدٌ} فإذا فرغ من الصلاة استحبّ أن يدعوَ بما شاء، وتقدَّم ذكرُ جُملٍ من الدعواتِ والأذكار خلفَ الصلاة، فإذا أراد الإِحرام نواه بقلبه. ويُستحبُّ أن يساعدَ بلسانه قلبه، فيقول: نويتُ الحجَّ وأحرمتُ به لله عزّوجلّ، لبّيك اللَّهمَّ لبّيك إلى آخر التلبية. والواجب نيّة القلب واللفظ سنّة، فلو اقتصر على القلب أجزأه، ولو اقتصر على اللسان لم يجزئه. قال الإِمام أبو الفتح سُليم بن أيوب الرازي: لو قال يعني بعد هذا: اللَّهمّ لك أحرم نفسي وشعري وبشري ولحمي ودمي كان حسنًا. وقال غيره: يقول أيضًا: اللهمّ إني نويت الحجّ فأعنّي عليه وتقبله مني، ويلبّي فيقول: لبيكَ اللَّهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إن الحمد والنعمة لك والمُلْك لا شريك لك. هذه تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويُستحبّ أن يقولَ في أوّل تلبية يلبّيها: لبّيك اللَّهمّ بحجة إن كان أحرم بحجة، أو لبّيك بعمرة إن كان أحرم بها، ولا يُعيد ذكرَ الحجّ والعمرة فيما يأتي بعد ذلك من التلبية على المذهب الصحيح المختار. واعلم أن التلبيةَ سنّةٌ لو تركها صحّ حجّه وعمرتُه ولا شيء عليه، لكن فاتته الفضيلةُ العظيمة والاقتداء برسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم، هذا هو الصحيح من مذهبنا ومذهب جماهير العلماء، وقد أوجبها بعضُ أصحابنا، واشترطَها لصحة الحجّ بعضُهم، والصوابُ الأوّل، لكنْ تُستحبّ المحافظة عليها للاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وللخروج من الخلاف، واللَّهُ أعلم. وإذا أحرم عن غيره قال: نويتُ الحجَّ وأحرمتُ به لله تعالى عن فلان، لبّيك اللَّهمّ عن فلان إلى آخر ما يقوله مَن يُحرم عن نفسه. [فصل]: ويُستحبّ أن يصلِّي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد التلبية، وأن

يدعوَ لنفسه ولمن أراد بأمور الآخرة والدنيا، ويسألُ الله تعالى رضوانَه والجنّة، ويستعيذُ به من النار، ويُستحبّ الإِكثار من التلبية، ويستحبّ ذلك في كلّ حال: قائِمًا، وقاعدًا، وماشيًا، وراكبًا، ومضطجعًا، ونازلًا، وسائرًا، ومُحْدِثًا، وجُنبًا، وحائضًا، وعند تجدّد الأحوال وتغايرها زمانًا ومكانًا وغير ذلك، كإقبال الليل والنهار، وعند الأسحار، واجتماع الرِّفاق، وعند القيام والقعود، والصعود والهبوط، والركوب والنزول، وأدبار الصَّلواتِ، وفي المساجد كلِّها، والأصحُّ أنه لا يُلبّي في حال الطواف والسعي، لأن لهما أذكارًا مخصوصة. ويُستحبّ أن يرفعَ صوتَه بالتلبية بحيث لا يشقّ عليه، وليس للمرأة رفع الصوت، لأن صوتَها يُخاف الافتتان به. ويُستحبّ أن يُكرِّر التلبية كل مرّة ثلاث مرات فأكثر، ويأتي بها متوالية لا يقطعها بكلام ولا غيره. وإن سلَّم عليه إنسانٌ ردّ السلام، ويُكره السلام عليه في هذه الحالة، وإذا رأى شيئًا فأعجبه قال: لبّيك إن العيشَ عيشُ الآخرة. اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم. واعلم أن التلبية لا تزالُ مستحبةً حتى يرميَ جمرة العقبة يومَ النحر أو يطوفَ طوافَ الإِفاضة إن قدّمه عليها، فإذا بدأ بواحد منهما قطعَ التلبية مع أول شروعه فيه واشتغلَ بالتكبير. قال الإِمام الشافعي رحمه الله: ويُلبّي المعتمرُ حتى يَستلم الركن. [فصل]: إذا وصل المحرمُ إلى حرم مكة زاده الله شرفًا أستحبَّ له أن يقولَ: اللَّهُمَّ هَذَا حَرَمُكَ وأمْنُكَ فَحَرِّمنِي على النارِ، وأمِّنّي مِن عَذَابِكَ يَومَ تَبْعَثُ عِبادَكَ، وَاجْعَلْنِي مِن أولِيائِك وَأهْلِ طَاعَتِكَ، ويدعو بما أحبّ. [فصل]: فإذا دخل مكة ووقع بصرُه على الكعبة ووصلَ المسجدَ استحبّ له أن يرفع يديه ويدعو؛ فقد جاء أنه يُستجاب دعاءُ المسلم عند

رؤيته الكعبة ويقول: اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا البَيْتَ تَشْريفًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً، وَزِدْ مِن شَرَّفَهُ وكَرمَهُ مِمَّنْ حَجَّه أو اعْتَمَرَه تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَتَعْظِيمًا وَبِرًّا، ويقول: اللَّهُمَّ أنْتَ السَّلامُ وَمِنْكَ السَّلامُ، حَيِّنا رَبَّنا بالسَّلامِ، ثم يدعو بما شاء من خيرات الآخرة والدنيا، ويقول عند دخول المسجد ما قدّمناه في أوّل الكتاب في جميع المساجد. [فصل]: في أذكار الطواف: يُستحبّ أن يقول عند استلام الحجر الأسود أولًا، وعند ابتداء الطواف أيضًا: بِسمِ اللَّهِ، واللَّهُ أكْبَرُ، اللَّهُمَّ إيمَانًا بِكَ وَتَصدِيقًا بِكِتابِكَ، وَوَفاءً بِعَهْدِكَ وَاتِّباعًا لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ صلى الله عليه وسلم. ويُستحبّ أن يكرِّر هذا الذكر عند محاذاة الحجر الأسود في كل طوفة، ويقولُ في رمله في الأشواط الثلاثة "اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا (¬1)، وذنْبًا مَغْفُورًا، وَسَعْيًا مَشْكُورًا". ويقول في الأربعة الباقية: "اللَّهُمَّ اغْفِر وَارْحَمْ، وَاعْفُ عَمَّا تَعْلَمْ وَأنْتَ الأعَزُّ الأكْرَم، اللَّهُمَّ رَبَّنا آتنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وفي الآخِرة حَسَنةً وَقِنا عَذَابَ النَّارِ". قال الشافعي رحمه الله: أحبُّ ما يُقال في الطواف: اللَّهُمَّ رَبَّنا آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً إلى آخره، قال: وأُحِبُّ أن يُقال في كله، ويُستحبّ أن يدعوَ فيما بين طوافه بما أحبّ من دين ودنيا، ولو دعا واحد وأمَّن جماعةٌ فحسن. وحُكي عن الحسن رحمه الله أن الدعاء يُستجاب هنالك في خمسة عشر موضعًا: في الطواف، وعند الملتزم، وتحت الميزاب، وفي البيت، وعند زمزم، وعلى الصفا والمروة، وفي المسعى، وخلف المقام، وفي عرفات، وفي المزدلفة، وفي منى، وعند الجمرات الثلاث، فمحروم مَن لا يَجتهد في الدعاء فيها. ¬

(¬1) "حجًّا مبرورًا": أي سليمًا من مُصاحبة الإِثم، من البرِّ، وهو الإِحسان أو الطاعة

ومذهب الشافعي وجماهيرُ أصحابه أنه يُستحبّ قراءةُ القرآن في الطواف لأنه موضعُ ذكر. وأفضلُ الذكر قراءةُ القرآن. واختار أبو عبد الله الحليمي من كبار أصحاب الشافعي أنه لا يُستحبّ قراءة القرآن فيه، والصحيحُ هو الأول. قال أصحابُنا: والقراءةُ أفضلُ من الدعوات غير المأثورة، وأما المأثورةُ فهي أفضل من القراءة على الصحيح. وقيل: القراءة أفضل منها. قال الشيخ أبو محمد الجويني رحمه الله: يُستحبّ أن يقرأ في أيام الموسم ختمةً في طوافه فيعظُم أجرُها (¬1)، والله أعلم. ويُستحبّ إذا فرغَ من الطواف ومن صلاة ركعتي الطواف أن يدعوَ بما أحبّ، ومن الدعاء المنقول فيه: "اللَّهُمَّ أَنَا عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكِ أتَيْتُكَ بِذُنُوبٍ كَثِيرَةٍ (¬2) وأعْمالٍ سَيِّئَةٍ، وَهَذَا مَقَامُ العائِذِ بِكَ مِنَ النَّارِ، فاغْفِرْ لي إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ". [فصل]: في الدعاء في الملتزم، وهو ما بين الكعبة والحجر الأسود. وقد قدَّمْنَا أنه يُستجاب فيه الدعاء. ومن الدعوات المأثورة: "اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَكَ، وَيُكافِىءُ مَزِيدَكَ، أحْمَدُكَ بِجَمِيعِ مَحَامِدِكَ ما عَلِمْتُ مِنْهَا وَمَا لَمْ أَعْلَمْ على جَمِيعِ نِعَمِكَ ما عَلِمْتُ مِنْها وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَعَلى كُلّ حالٍ؛ اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ على مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ؛ اللَّهُمَّ أعِذنِي مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ، وأَعِذْني مِنْ كُلِّ سُوءٍ، وَقَنِّعْنِي بِمَا رَزَقْتَنِي وَبَارِكْ لِي فِيهِ؛ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ ¬

(¬1) قال ابن علان: اعترض ـ أي على الجويني ـ بأنه لا سند له في ذلك، ويُردّ بأن الشيخ إنما قصد بذلك التحريض على هذا الخير الكثير ... الفتوحات 4/ 389 (¬2) كذا بالنسختين "أ" و"ب"، وفي المطبوع "بذنوب كبيرة"

أَكْرَمِ وَفْدِكَ عَلَيْكَ، وألْزِمْنِي سَبِيلَ الاسْتِقَامَةِ حتَّى ألْقاكَ يا رَبَّ العالَمِينَ! " (¬1) ثمّ يدعو بما أحب. [فصل]: في الدعاء في الحِجْر، بكسر الحاء وإسكان الجيم، وهو محسوب من البيت. وقد قدّمنا أنه يُستجاب الدعاءُ فيه. ومن الدعاء المأثور (¬2) فيه: "يا رَبّ أتَيْتُكَ مِنْ شُقَّةٍ بَعِيدَةٍ مُؤَمِّلًا مَعْرُوفَكَ فَأنِلْنِي مَعْرُوفًا مِنْ مَعْرُوفِكَ تُغْنِينِي بِهِ عَنْ مَعْرُوفِ مَنْ سِوَاكَ يا مَعْرُوفًا بالمَعْرُوفِ". [فصل]: في الدعاء في البيت، وقد قدَّمْنا أنه يُستجاب الدعاءُ فيه. [1/ 488] وروينا في كتاب النسائي، عن أُسامةَ بن زيد رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لما دخلَ البيتَ أتى ما استقبلَ من دُبر الكعبة فوضعَ وجهَه وخدّه عليه، وحمِدَ الله تعالى وأثنى عليه وسألَه واستغفرَه، ثم انصرفَ إلى كلِّ ركنٍ من أركانِ الكعبةِ، فاستقبلَه بالتكبير والتهليل والتسبيح والثناء على الله عزّوجلّ والمسألة والاستغفار، ثم خرجَ. [فصل]: في أذكار السعي، وقد تقدَّم أنه يُستجاب الدعاءُ فيه، والسُّنّة أن يُطيل القيام على الصفا ويستقبل الكعبة فيُكبّر ويدعو فيقول: "اللَّهُ أكْبَرُ اللَّهُ أكْبَرُ اللَّهُ أكْبَرُ ولِلَّهِ الحَمْدُ، اللَّهُ أكْبَرُ على ما هَدَانا، والحَمْدُ لِلَّه على ما أولانا، لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ ¬

[488] النسائي 5/ 19ـ20، وهو حديث صحيح، أخرجه الإِمام أحمد والنسائي وابن خزيمة. انظر الفتوحات 4/ 394. (¬1) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف له ـ أي هذا الدعاء ـ على أصل، والله المُستعان. الفتوحات 4/ 391 (¬2) قال الحافظ: روينا الأثر المذكور في "المنتظم" لابن الجوزي، وفي "مثير العزم" له بسند ضعيف من طريق مالك بن دينار. الفتوحات 4/ 393

يُحْيِي ويُمِيتُ بِيَدِهِ الخَيْرُ وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ أنجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَلا نَعْبُدُ إِلاَّ إيَّاهُ، مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ وَلَوْ كَرِهَ الكافِرُون؛ اللَّهُمَّ إِنَّكَ قُلْتَ: ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ، وَإِنَّكَ لا تُخْلِفُ المِيعادَ، وإنِّي أسألُكَ كما هَدَيْتِني لِلإِسْلامِ أنْ لا تَنْزِعَهُ مِنِّي حتَّى تَتَوَفَّاني وأنَا مُسْلِمٌ". ثم يدعو بخيرات الدنيا والآخرة، ويكرّر هذا الذكر والدعاء ثلاثَ مرّات، ولا يُلبّي؛ وإذا وصل إلى المروة رَقَى عليها وقال الأذكار والدعواتِ التي قالها على الصفا. وروينا (¬1)، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول على الصفا: اللَّهُمَّ اجْعَلْنا نُحِبُّكَ، ونُحِبُّ مَلائِكَتَكَ وأنْبِياءَكَ وَرُسُلَكَ، وَنُحِبُّ عِبادَكَ الصَّالِحِينَ؛ اللَّهُمَّ حَبِّبْنا إلَيْكَ وَإلى مَلائِكَتِكَ وإلَى أنْبِيائِكَ وَرُسُلِكَ وإلى عِبادِكَ الصَّالِحِينَ؛ اللَّهُمَّ يَسِّرْنا لليُسْرَى، وَجَنِّبْنا العُسْرَى، واغْفِرْ لَنا في الآخِرَةِ والأولى، وَاجْعَلْنا مِنْ أئمَّةِ المُتَّقِينَ". ويقول في ذهابه ورجوعه بين الصفا والمروة: رَبّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتجاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ إنَّكَ أنْتَ الأعَزُّ الأكْرَمُ؛ اللَّهُمَّ آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. ومن الأدعية المختارة في السعي وفي كل مكان: اللَّهُمَّ يا مُقَلِّبَ القُلُوبِ (¬2) ثَبِّتْ قَلْبِي على دينِكَ (¬3)، اللَّهُمَّ إني أسألُكَ مُوجِباتِ رَحْمَتِكَ، ¬

(¬1) قال الحافظ بعد تخريجه عن ابن عمر رضي الله عنهما: هذا موقوف صحيح. الفتوحات 4/ 400 (¬2) "يا مُقَلِّبَ القُلوب": أي إلى ما سبق به قَدَره من السعادة والشقاوة، وفي الحديث الصحيح "قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء" وما أحسن قول بعضهم: وما سُمِّي الإِنسانُ إلا لنسيه ... ولا القلبُ إلاّ أنه يَتَقلَّبُ (¬3) "ثبّت قلبي على دينك": هذا منه صلى الله عليه وسلم إما تواضعًا وأداء لمقام العبودية حقها، أو تشريعًا =

وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَالسَّلامَةَ مِنْ كُلِّ إثْمٍ، وَالفَوْزَ بالجَنَّةِ، وَالنَّجاةَ مِنَ النَّارِ؛ اللَّهُمَّ إنِّي أسألُكَ الهُدَى والتُّقَى والعَفَافَ وَالغِنَى؛ اللَّهُمَّ أعِنِّي على ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِك؛ اللَّهُمَّ إني أسألُكَ مِنَ الخَيْرِ كُلِّهِ ما عَلِمْتُ مِنْهُ وَما لَمْ أَعْلَمْ وأعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرّ كُلِّهِ ما عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أعْلَمْ، وأسألُكَ الجَنَّةَ وَما قرَّب (¬1) إِلَيْها مِنْ قَوْل أوْ عَمَلٍ (¬2)، وأعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إلَيْها مِننْ قَوْلٍ أوْ عَمَلٍ. ولو قرأ القرآن كان أفضل. وينبغي أن يجمع بين هذه الأذكار والدعوات والقرآن، فإن أراد الاقتصار أتى بالمهمّ. [فصل]: في الأذكار التي يقولها في خروجه من مكة إلى عرفات. يُستحبّ إذا خرجَ من مكة متوجهًا إلى مِنىً أن يقول: اللَّهُمَّ إيَّاكَ أرْجُو، وَلَكَ أدْعُو، فَبَلِّغْنِي صَالِحَ أمَلِي، واغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَامْنُنْ عَليَّ بِما مَنَنْتَ بِهِ على أهْلِ طاعَتِكَ إنَّكَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (¬3). وإذا سار من مِنىً إلى عَرَفَةَ استُحِبَّ أن يقول: اللَّهُمَّ إلَيْكَ تَوَجَّهتُ، وَوَجْهَكَ الكَرِيمَ أرَدْتُ، فاجْعَلْ ذَنْبِي مَغْفُورًا، وَحَجِّي مَبْرُورًا، وارْحَمْنِي وَلاَ تُخَيِّبْني إنَّكَ على كلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (¬4). ويُلَبِّي ويقرأ القرآن، ويُكثر من سائر الأذكار والدعوات، ومن قوله: اللَّهُمَّ آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذَابَ النَّارِ. [فصل]: في الأذكار والدعوات المستحبّات بعرفات. قد قدَّمنا في أذكار العيد حديث (¬5) النبيّ صلى الله عليه وسلم "خَيْرُ الدُّعاءِ يَوْمَ عَرَفَة، ¬

= لأمته، وهذا الذكر رواه الترمذيّ عن أُمّ سلمة، وقال: حديث حسن. ورواه النسائي عن عائشة والحاكم عن جابر، وأحمد عن أُمّ سلمة أيضًا (¬1) "قَرَّبَ": بتشديد الراء: أي ما قرّبني إليها (¬2) "من قول أو عمل": أو فيه للتنويع، وسواء كان العمل بالظاهر أو كان بالقلب أو السرائر (¬3) قال الحافظ: لم أره ـ أي هذا الدعاء ـ مرفوعًا، ووجدته في كتاب "المناسك" للحافظ أبي إسحاق الحربي، لكنه لم ينسبه لغيره. الفتوحات 4/ 405 (¬4) قال الحافظ: لم أره ـ أي هذا الدعاء ـ مرفوعًا، ووجدته في كتاب "المناسك" للحافظ أبي إسحاق الحربي، لكنه لم ينسبه لغيره. الفتوحات 4/ 405 (¬5) انظر الحديث برقم 3/ 445

وَخَيْرُ ما قُلْتُ أنا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ". فيُستحبّ الإِكثارُ من هذا الذكر والدعاء، ويَجتهدُ في ذلك، فهذا اليوم أفضلُ أيام السنة للدعاء، وهو مُعظم الحج (¬1)، ومقصودُه والمعوّل عليه، فينبغي أن يستفرغَ الإِنسانُ وُسعَه في الذكر والدعاء وفي قراءة القرآن، وأن يدعوَ بأنواع الأدعية، ويأتي بأنواع الأذكار، ويدعو لنفسه ويذكر في كلّ مكان، ويدعو منفردًا ومع جماعة، ويدعو لنفسه ووالديه وأقاربه ومشايخه وأصحابه وأصدقائه وأحبابه، وسائر مَن أحسن إليه وجميع المسلمين. وليحذر كلَّ الحذرِ من التقصير في ذلك كله، فإن هذا اليوم لا يمكن تداركه، بخلاف غيره. ولا يتكلَّفُ السجعَ في الدعاء، فإنّه يُشغل القلبَ ويُذهبُ الانكسار والخضوعَ والافتقار والمسكنة والذلّة والخشوع، ولا بأس بأن يدعو بدعواتٍ محفوظة معه له أو غيره مسجوعة إذا لم يشتغل بتكلّف ترتيبها ومراعاة إعرابها. والسُّنّة أن يخفضَ صوته بالدعاء، ويكثر من الاستغفار والتلفّظ بالتوبة من جميع المخالفات مع الاعتقاد بالقلب ويلحّ في الدعاء ويكرّره، ولا يستبطىء الإِجابة، ويفتح دعاءه ويختمه بالحمد لله تعالى والثناء عليه سبحانه وتعالى، والصلاة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليختمه بذلك وليحرص على أن يكون مستقبلَ الكعبة وعلى طهارة. [2/ 489] وروينا في كتاب الترمذي، عن عليّ رضي الله عنه قال: ¬

[489] الترمذي (3515) وقال: غريب من هذا الوجه وليس إسناده بالقوي. وكذلك قال الحافظ بعد تخريجه: هذا حديث غريب من هذا الوجه. الفتوحات 5/ 6. (¬1) "وهو معظم الحج" قال ابن علاّن: أي الوقوف بعَرَفَة معظم الحج؛ إذ بإدراكه يُدرك الحج، وبفواته يفوت، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: "الحج عَرَفَة". قيل: وهو أفضل أركانه لتوقفه عليه، ولما فيه من الفضل العظيم والشرف العميم

أكثرُ دعاءِ النبيّ صلى الله عليه وسلم يوم عَرَفة في الموقف: "اللَّهُمَّ لَكَ الحمدُ كالذي نقولُ، وخيرًا مما نقولُ؛ اللَّهُمَّ لَكَ صَلاتِي وَنُسُكِي، وَمَحْيايَ وَمَمَاتِي، وإلَيْكَ مآلِي، وَلَكَ رَبِّ تُرَاثي؛ اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَوَسْوَسَةِ الصَّدْرِ، وَشَتاتِ الأمْرِ؛ اللَّهُمَّ إِني أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ ما تجيءُ بهِ الرّيحُ". ويُستحبّ الإِكثار من التلبية فيما بين ذلك، ومن الصَّلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يُكثِرَ من الباء مع الذكر والدعاء، فهنالك تُسكبُ العَبَرات، وتُستقال العثرات، وترتجى الطلبات، وإنه لموقفٌ عظيم ومَجمع جليل، يجتمعُ فيه خيار عباد الله المخلصين، وهو أعظم مجامع الدنيا. ومن الأدعية المختارة (¬1): "اللَّهُمَّ آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذَابَ النَّارِ". "اللَّهُمَّ إني ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وإنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أنْتَ، فاغْفرْ لي مَغْفِرَةً مِنْ عندِكَ، وَارْحَمْنِي إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ". "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي مَغْفِرَةً تُصْلِحْ بِها شأني فِي الدَّارَيْنِ، وارْحَمْنِي أسْعَدُ بِهَا في الدَّارَيْنِ، وَتُبْ عليَّ تَوْبَةً نَصُوحًا لا أنْكُثها أبَدًا، وألْزِمْنِي الاسْتِقَامَةِ لا أَزيغُ عَنْها أبَدًا". "اللَّهُمَّ انْقُلْنِي مِنْ ذُلِّ المَعْصِيَةِ إلى عِزَّ الطَّاعَةِ، وأغْنِنِي بحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَبِطاعَتِكَ عَنْ مَعْصِيَتِكَ، وَبِفَضْلِكَ عَمَّن سِوَاكَ". "وَنَوِّرْ قَلْبِي وَقَبْرِي وأعِذْنِي مِنَ الشَّرَّ كُلِّهِ، واجْمَعْ لي الخَيْرَ كُلَّهُ". ¬

(¬1) قال الحافظ: هذا الذي ذكره مجموع من أحاديث تقدم ـ أي الأول ـ منها قريبًا، ويأتي قريبًا أيضًا، والثاني تقدم في باب الدعاء بعد التشهد، أي من حديث الصدّيق، والثالث لم أقف عليه مسندًا، والرابع تقدم في باب ما يقوله من غلبه الدين، والخامس وقع بعضه في حديث أبي سعيد بسند ضعيف في مسند الفردوس. الفتوحات 5/ 7

[فصل]: في الأذكار المستحبّة في الإِفاضة من عَرَفَة إلى مزدلفة. قد تقدم أنه يُستحبّ الإِكثارُ من التلبية في كل موطن، وهذا من آكدها. ويُكثر من قراءة القرآن ومن الدعاء، ويُستحبّ أن يقول (¬1): لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، واللَّهُ أكْبَرُ، ويُكرِّر ذلك. ويقول (¬2): إِلَيْكَ اللَّهُمَّ أرْغَبُ، وإيَّاكَ أرْجُو، فَتَقَبَّلْ نُسُكِي وَوَفِّقْنِي وارْزُقْنِي فيهِ مِنَ الخَيْرِ أكْثَرَ ما أطْلُبُ، وَلا تُخَيِّبْني إنَّكَ أنْتَ اللَّهُ الجَوَادُ الكَرِيمُ. وهذه الليلة هي ليلة العيد، وقد تقدَّمَ في أذكار العيد بيان فضل إحيائها بالذكر والصلاة، وقد انضمّ إلى شرف الليلة شرفُ المكان، وكونُه في الحرم والإِحرام، ومَجمعُ الحجيج، وعقيب هذه العبادة العظيمة، وتلك الدعوات الكريمة في ذلك الموطن الشريف. [فصل]: في الأذكار المستحبة في المزدلفة والمشعر الحرام. قال الله تعالى: {فإذَا أفَضْتُمْ (¬3) مِنْ عَرَفَاتٍ فاذْكُرُوا اللَّهَ (¬4) عنْدَ المَشْعَرِ الحَرَامِ (¬5) واذْكُرُوهُ كما هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّين} [البقرة:198] فيُستحبّ الإِكثارُ من الدعاء في المزدلفة في ليلته، ومن الأذكار ¬

(¬1) قال الحافظ: أخرج ابن خزيمة في صحيحه، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف حتى غربت الشمس، فأقبل يكبّر الله ويهلِّله ويعظِّمه ويمجِّده حتى انتهى إلى المزدلفة. الفتوحات 5/ 10 (¬2) قال الحافظ: وهو حسن، ولم أره مأثورًا (¬3) "فإذا أفضتم": أي اندفعتم، يقال فاض الإِناء: إذا امتلأ حتى ينصبّ من نواحيه. قال القرطبي: وقيل أفضتم: أي دفعتم بكثرة، فمفعوله محذوف، وعلى الثاني أي أفضتم أنفسكم (¬4) "فاذكروا الله": أي بالدعاء والتلبية (¬5) "عند المشعر الحرام": هو مأخوذ من الشعار: أي العلامة لأنه من معالم الحج، وأصل الحرام: المنع، فهو ممنوع أن يفعل فيه ما لم يؤذن فيه، وسيأتي بيان المشعر في الأصل

والتلبية وقراءة القرآن فإنها ليلة عظيمة. كما قدَّمناه في الفصل الذي قبل هذا. ومن الدعاء المذكور فيها: اللَّهُمَّ إني أسألُكَ أنْ تَرْزُقَنِي في هَذَا المَكانِ جَوامِعَ الخَيْرِ كُلِّهِ، وأنْ تُصْلِحَ شأنِي كُلَّهُ، وأنْ تَصْرِفَ عَنِّي الشَّرَّ كُلَّهُ، فإنَّه لاَ يَفْعَلُ ذلكَ غَيْرُكَ، وَلاَ يَجُودُ بِهِ إِلاَّ أنْتَ (¬1). وإذا صلَّى الصبحَ في هذا اليوم صلاَّها في أوّل وقتها، وبالغَ في تبكيرها، ثم يسيرُ إلى المشعر الحرام، وهو جبل صغير في آخر المزدلفة يُسمَّى "قُزَح" بضم القاف وفتح الزاي، فإن أمكنه صعودُه صَعَدَه، وإلا وقف تحتَه مستقبلَ الكعبة، فيَحمد الله تعالى ويُكبِّره ويُهلِّله ويُوحِّده ويُسبِّحه ويُكثر من التلبية والدعاء، ويُستحبّ أن يقولَ: اللَّهُمَّ كما وَقَفْتَنا فِيهِ وأرَيْتَنا إيّاه، فَوَفِّقْنا لذِكْرِكَ كما هَدَيْتَنا، وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمنَا كما وَعَدْتَنا بِقَوْلِكَ وَقَوْلُكَ الحَقّ: {فإذا أفضْتُمْ مِنْ عَرفاتٍ فاذْكُرُوا اللَّه عِنْدَ المَشْعَرِ الحَرَامِ واذْكُرُوهُ كما هَداكُمْ وإنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلهِ لَمِنَ الضَّالِّين، ثمَّ أفيضُوا مِنْ حَيْثُ أفاضَ النَّاسُ واسْتَغْفِرُوا الله إنَّ الله غَفُورٌ رَحيمٌ} [البقرة: 198 ـ 199] ويُكثر من قوله: {رَبَّنَا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وفي الآخِرةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذاب النَّارِ} [البقرة: 201]. ويُستحبّ أن يقول: "اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْد كُلُّهُ، وَلَكَ الكَمالُ كُلُّهُ، ولك الجَلالُ كُلُّهُ، ولك التقديس كُلُّهُ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي جَميعَ ما أسْلَفْتُهُ، وَاعْصِمْنِي فِيما بَقِيَ، وَارْزُقْني عَمَلًا صَالِحًا تَرْضَى بِهِ عنِّي يا ذَا الفَضْلِ العَظِيمِ" (¬2). ¬

(¬1) قال الحافظ: لم أره مأثورًا، لكن تقدم الدعاء بصلاح الشأن (¬2) قال الحافظ لم أره مأثورًا، وورد بعضه غير مقيد في حديث لأبي سعيد، أخرجه ابن مننصور في "مسند الفردوس" مرفوعًا .. فذكره وقال: وفي سنده خالد بن يزيد العمري، وهو متروك. الفتوحات 5/ 16

"اللَّهُمَّ إني أسْتَشْفِعُ إِلَيْكَ بخَوَاصّ عِبَادِكَ، وأتَوَسَّلُ بِكَ إِلَيْكَ، أسألُكَ أنْ تَرْزُقَنِي جَوَامِعَ الخَيْرِ كُلِّهِ، وأن تَمُنَّ عَليَّ بِمَا مَنَنْتَ بِهِ عَلى أوْلِيائِكَ، وأنْ تُصْلحَ حالي في الآخِرَةِ وَالدُّنْيا يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ! " (¬1). [فصل]: في الأذكار المستحبّة في الدفع من المشعر الحرام إلى مِننىً. إذا أسفر الفجرُ انصرفَ من المشعر الحرام متوجهًا إلى مِنىً، وشعارهُ التلبيةُ والأذكارُ والدعاءُ والإِكثارُ من ذلك كلّه، وليحرصْ على التلبية فهذا آخر زمنها، وربما لا يُقدَّر له في عمره تلبية بعدها. [فصل]: في الأذكار المستحبة بمِنى يَوْمَ النحر. إذا انصرفَ من المشعر الحرام ووصلَ مِنىً يُستحبّ أن يقول: "الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي بَلَّغَنِيها سالِمًا مُعافَىً، اللَّهُمَّ هَذِهِ مِنَى قَدْ أتَيْتُها وأنا عَبْدُكَ وفي قَبْضَتِكَ أسألُكَ أنْ تَمُنَّ عَليَّ بِمَا مَنَنْتَ به على أوليائِكَ؛ اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنْ الحِرْمانِ وَالمُصِيبَةِ في دِينِي يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ! " (¬2). فإذا شرعَ في رمي جمرة العَقَبة قطعَ التلبية مع أوّل حصاة واشتغلَ بالتكبير فيُكبِّر مع كل حصاة، ولا يُسنُّ الوقوف عندها للدعاء، وإذا كان معه هَدْي فنحرَه أو ذبحه، استحبّ أن يقول عند الذبح أو النحر: "بِسْمِ اللَّهِ واللَّهُ أكْبَرُ؛ اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وعلى آلِه وسَلّم، اللَّهُمَّ مِنْكَ وَإِلَيْكَ، تَقَبَّلْ مِنِّي" أو تَقَبَّلْ مِنْ فُلانٍ إن كان يذبحه عن غيره. وإذا حلَقَ رأسه بعد الذبح فقد استحبّ بعض علمائنا أن يُمسك ناصيته (¬2) بيده حالة الحلق ويُكبِّر ثلاثًا ثم يقول: الحَمْدُ لله على ما هَدَانا، والحَمْدُ لِلَّهِ على ما أنْعَمَ بِهِ عَلَيْنا؛ اللَّهُمَّ هَذِهِ نَاصِيَتي فَتَقَبَّلْ مِنِّي وَاغْفِرْ لي ¬

(¬1) قال الحافظ: لم أره مأثورًا (¬2) قال الحافظ: لم أره مأثورًا

ذُنُوبي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي وللْمُحَلِّقِينَ والمُقَصِّرِينَ، يا وَاسِعَ المَغْفِرَةِ! آمِين. وإذا فرغ من الحلق كبَّر وقال: الحَمْدُ لِلَّهِ الذي قَضَى عَنَّا نُسُكَنا؛ اللَّهُمَّ زِدْنا إيمَانًا وَيَقِينًا وَتَوْفِيقًا وَعَونًا، وَاغْفِرْ لَنَا ولآبائِنا وأُمَّهاتِنا والمُسْلِمينَ أجْمَعِينَ. [فصل]: في الأذكار المستحبة بمِنىً في أيام التشريق. [3/ 490] روينا في صحيح مسلم، عن نُبَيْشَةَ الخير (¬1) الهذليِّ الصحابي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيَّامُ التَّشْرِيقِ (¬2) أيَّامُ أكْلٍ وَشُرْبٍ وَذْكْرِ اللَّهِ تَعالى". فيُستحبّ الإِكثار من الأذكار، وأفضلُها قراءة القرآن. والسنّة أن يقف في أيام الرمي كل يوم عند الجمرة الأولى إذا رماها، ويستقبل الكعبة، ويحمَد الله تعالى، ويُكبِّر، ويُهلِّلُ، ويُسبِّح، ويدعو مع حضور القلب وخشوع الجوارح، ويَمكثُ كذلك قدرَ قراءة سورة البقرة، ويفعلُ في الجمرة الثانية وهي الوسطى كذلك، ولا يقفُ عند الثالثة، وهي جمرة العقبة. [فصل]: وإذا نفرَ من مِنىً فقد انقضى حجُّه ولم يبقَ ذكرٌ يتعلَّق ¬

[490] مسلم (1141) وفيه "وذكر لله". (¬1) عن نبيشة الخير: هو بالنون فموحدة فتحتية فشين معجمة مصغّر، يقال فيه نبيشة الخير بن عبد الله الهذلي، ويقال نبيشة بن عمرو بن عوف روى أنه دخل على النبيّ صلى الله عليه وسلم وعنده أسارى فقال: يا رسول الله! إما أن تفاديهم وإما أن تمنّ عليهم، فقال: "أمرت بخير، أنت نبيشة الخير" روى عنه مسلم هذا الحديث، ولم يروِ عنه البخاري شيئًا، وخرّج عنه الأربعة، وهو الراوي حديث "مَن أكل في قصعة ثم لحسها استغفرتْ له القصعةُ" الفتوحات 5/ 25 (¬2) "أيام التشريق": قال الأبيّ نقلًا عن عياض: هي عند الأكثر الثلاثة بعد يوم النحر، وقيل: هي أيام النحر، وسُمِّيت بذلك لصلاة العيد فيها عند شروق الشمس أول يوم منها، وهذا يقتضي دخول النحر فيها، ويقتضيه أيضًا قوله: أيام أكل وشرب. المصدر السابق 5/ 25

بالحجّ لكنه مسافر، فيُستحبّ له التكبير والتهليل والتحميد والتمجيد وغير ذلك من الأذكار المستحبة للمسافرين. وسيأتي بيانُها إن شاء الله تعالى. وإذا دخل مكة وأراد الاعتمار فعل في عمرته من الأذكار ما يأتي به في الحجّ في الأمور المشتركة بين الحجّ والعمرة، وهي: الإحرام والطواف والسعي والذبح والحلق، والله أعلم. [فصل]: فيما يقوله إذا شرب ماء زمزم. [4/ 491] روينا عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَاءُ زمْزَمَ لِما شُرِبَ لَهُ". وهذا مما عَمِلَ العلماءُ والأخيارُ به، فشربُوه لمطالبَ لهم جليلةٍ فنالوها. قال العلماء: فيُستحبّ لمن شربَه للمغفرة أو للشفاء من مرضٍ ونحو ذلك أن يقول عند شربه: اللَّهُمَّ إنَّهُ بَلَغَنِي أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "ماءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ" اللَّهُمَّ وإني أشْرَبُهُ لِتَغْفِرَ لي وَلِتَفْعَلَ بي كَذَا وكَذَا، فاغْفِرْ لي أوِ افْعَلْ. أو: اللَّهُمَّ إني أشْرَبُهُ مُسْتَشْفِيًا بِهِ فَاشْفِني، ونحو هذا، والله أعلم. [فصل]: وإذا أراد الخروج من مكة إلى وطنه طافَ للوَدَاع، ثم أتى الملتَزَم فالتزمه، ثم قال: "اللَّهُمَّ، البَيْتُ بَيْتُك، وَالعَبْدُ عَبْدُكَ وَابْنُ عَبدِكَ وابْنُ أمَتِكَ، حَمَلْتَنِي على ما سَخَّرْتَ لي مِنْ خَلْقِكَ، حتَّى سَيَّرْتَني فِي بِلادِكَ، وَبَلَّغْتَنِي بِنِعْمَتِكَ حتَّى أعَنْتَنِي على قَضَاءِ مَناسِكِكَ، فإنْ كُنْتَ رَضِيتَ عَنِّي فازْدَدْ عني رِضًا وَإِلاَّ فَمِنَ الآنَ قَبْلَ أنْ يَنأى عَنْ بَيْتِكَ دَارِي، هَذَا أوَانُ انْصِرَافي، إنْ أذِنْتَ لي غَيْرَ مُسْتَبْدِلٍ بِكَ وَلا بِبَيْتِكَ، وَلا رَاغِبٍ ¬

[491] قال الحافظ: هذا حديث غريب من هذا الوجه، حسن لشواهده، أخرجه أحمد ولفظه "ماء زمزم لما شرب منه"، وأخرجه البيهقي والفاكهي والحكيم الترمذي. الفتوحات 5/ 28.

عَنْكَ وَلا عَنْ بَيْتِكَ، اللَّهُمَّ فأصْحِبْنِي العافِيَةَ في بَدَنِي وَالعِصْمَةَ في دِينِي، وأحْسِنْ مُنْقَلَبِي، وَارْزُقْنِي طاعَتَكَ ما أبْقَيْتَنِي، واجْمَعْ لي خَيْرَي الآخِرةِ والدُّنْيا، إنَّكَ على كُلّ شَيْءٍ قدِيرٌ" (¬1). ويفتتحُ هذا الدعاءَ ويختمه بالثناء على الله سبحانه وتعالى، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم في غيره من الدعوات. وإن كانت امرأة حائضًا استحبّ لها أن تقف على باب المسجد وتدعو بهذا الدعاء ثم تنصرف، والله أعلم. [فصل]: في زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأذكارها. اعلم أنه ينبغي لكل من حجّ أن يتوجه إلى زيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم، سواء كان ذلك طريقه أو لم يكن، فإن زيارته صلى الله عليه وسلم من أهمّ القربات وأربح المساعي (¬2) وأفضل الطلبات، فإذا توجَّه للزيارة أكثرَ من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في طريقه، فإذا وقعَ بصرُه على أشجار المدينة وحَرمِها وما يَعرفُ بها زاد من الصلاة والتسليم عليه صلى الله عليه وسلم، وسألَ الله تعالى أن ينفعَه بزيارته صلى الله عليه وسلم، وأن يُسعدَه بها في الدارين، وليقلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ عَليَّ أبْوَابَ رَحْمَتِكَ وَارْزُقْنِي في زِيارَةِ قَبْرِ نَبِيِّكَ صلى الله عليه وسلم ما رزقْتَهُ أوْلِياءَكَ وأهْلَ طَاعَتِكَ واغْفِرْ لي وارْحمنِي يا خَيْرَ مَسْؤُول. وإذا أراد دخول المسجد استحبّ أن يقولَ ما يقوله عند دخول باقي المساجد، وقد قدّمناه في أول الكتاب، فإذا صلّى تحية المسجد أتى القبر الكريم فاستقبله واستدبر القبلة على نحو أربع أذرع من ¬

(¬1) قال ابن علاّن: أخرجه البيهقي بسنده إلى الشافعي، وقال: هذا من كلام الشافعي، وهو حسن. قال الحافظ ابن حجر: وقد وجدته بمعناه من كلام بعض مَن روى عنه الشافعي أخرجه الطبراني في كتاب "الدعاء". الفتوحات 5/ 29 (¬2) أخرج أبو داود وغيره، عن أبي هريرة، عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من أحدٍ يسلّم عليَّ إلاَّ ردَّ اللَّهُ عليّ روحي حتى أردَّ عليه السلام" قال الحافظ: حديث حسن أخرجه أحمد والبيهقي وغيرهما. الفتوحات 5/ 31

جدار القبر، وسلَّم مقتصدًا لا يرفع صوته، فيقول: "السَّلامُ عَلَيْكَ يا رَسُولَ الله! السَّلامُ عَلَيْكَ يا خِيرَةَ الله مِنْ خَلْقِهِ! السَّلامُ عَلَيْكَ يَا حَبِيبَ اللَّهِ! السَّلامُ عَلَيْكَ يَا سَيِّدِ المُرْسَلِينَ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ! السَّلامُ عَلَيْكَ وَعلى آلِكَ وأصْحابِكَ وأهْلِ بَيْتِكَ وَعَلى النَّبيِّينَ وَسائِرِ الصَّالِحِينَ؛ أشْهَدُ أنَّكَ بَلَّغْتَ الرِّسالَةَ، وأدَّيْتَ الأمانَةَ، وَنَصَحْتَ الأُمَّةَ، فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنَّا أفْضَلَ مَا جَزَى رَسُولًا عَنْ أُمَّتِهِ" (¬1). وإن كان قد أوصاه أحدٌ بالسَّلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: السَّلام عليك يا رسولَ الله من فلان بن فلان! ثم يتأخرَ قدر ذراع إلى جهة يمينه فيُسلِّم على أبي بكر، ثم يتأخرُ ذراعًا آخرَ للسلام على عُمر رضي الله عنهما، ثم يرجعُ إلى موقفه الأوّل قُبالة وجهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتوسلُ به في حقّ نفسه، ويتشفعُ به إلى ربه سبحانه وتعالى، ويدعو لنفسه ولوالديه وأصحابه وأحبابه ومَن أحسنَ إليه وسائر المسلمين، وأن يَجتهدَ في إكثار الدعاء، ويغتنم هذا الموقف الشريف ويحمد الله تعالى ويُسبِّحه ويكبِّره ويُهلِّله ويُصلِّي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويُكثر من كل ذلك، ثم يأتي الروضةَ بين القبر والمنبر، فيُكثر من الدعاء فيها. [5/ 492] فقد روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي ¬

[492] البخاري (1196)، ومسلم (1390)، وقال الحافظ فيه شيئان: الأول: أنهما لم يخرِّجاه لا عن أبي هريرة ولا عن غيره إلا بلفظ "بيتي" بدل "قبري". الثاني: أن هذا القدر أخرجاه من حديث عبد الله بن زيد المازني، وعندهما عن أبي هريرة مثله لكن بزيادة: "ومنبري على حوضي". الفتوحات الربانية 5/ 37. (¬1) قال الحافظ: لم أجده مأثورًا بهذا التمام، وقد ورد عن ابن عمر بعضه، أنه كان يقف على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا عمر وهو موقوف صحيح. وعن مالك ـ رحمه الله ـ يقول: السلام عليكم ورحمة =

الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما بَيْنَ قبري وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِياضِ الجَنَّةِ". وإذا أراد الخروج من المدينة والسفرَ استحبّ أن يُودِّع المسجد بركعتين، ويدعو بما أحبّ، ثم يأتي القبر فيُسلّم كما سلَّم أوّلًا، ويُعيد الدعاء، ويُودّع النبيّ صلى الله عليه وسلم ويقول: "اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْ هَذَا آخِرَ العَهْدِ بِحَرَمِ رَسُولِكَ، وَيَسِّرْ لي العَوْدَ إِلى الحَرَمَيْنِ سَبِيلًا سَهْلَةً بِمَنِّكَ وَفَضْلِكَ، وَارْزقْنِي العَفْوَ والعَافِيةَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، وَرُدَّنا سالِمِينَ غانِمِينَ إلى أوْطانِنا آمِنِينَ. فهذا آخرُ ما وفّقني الله بجمعه من أذكار الحجّ. وهي وإن كان فيها بعض الطول بالنسبة إلى هذا الكتاب فهي مختصرة بالنسبة إلى ما نحفظه فيه، والله الكريم نسأل أن يوفِّقنا لطاعته، وأن يجمعَ بيننا وبين إخواننا في دار كرامته. وقد أوضحت في كتاب المناسك ما يتعلَّق بهذه الأذكار من التتمّات والفروع الزائدات، والله أعلم بالصواب، وله الحمد والنعمة والتوفيق والعصمة. وعن العُتْبيّ (¬1) قال: كنتُ جالسًا عند قبر النبيّ صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابيٌّ فقال: السلام عليك يا رسول الله! سمعتُ الله تعالى يقول: {وَلَوْ أنَّهُمْ إذ ¬

= الله وبركاته. وهذا الوارد عن ابن عمر وغيره، مال إليه الطبري فقال: وإن قال الزائر ما تقدم من التطويل فلا بأس به؛ إلا أن الاتباع أولى من الابتداع ولو حَسُنَ. الفتوحات الربانية 5/ 34 (¬1) "العتبيّ": هو محمد بن عبيد الله بن عمرو بن معاوية بن عمرو بن عتبة بن أبي سفيان صخر بن حرب، كان من أفصح الناس، صاحب أخبار ورواية للآداب، حدّث عن أبيه وسفيان بن عيينة. ذكره التقي السبكي في كتاب "شفاء السقام في زيارة خير الأنام" وهذه الحكاية مروية عنه بالإِسناد، وهي مرويّة عن ثلاثة غير العتبي هذا!!. انظر الفتوحات الربانية 5/ 39

ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ واسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء:64] وقد جئتُك مستغفرًا من ذنبي، مستشفعًا بك إلى ربي، ثم أنشأ يقول: يا خيرَ مَنْ دُفنتْ بالقاع أعظُمُه ... فطابَ من طيبهنَّ القاع والأكمُ نفسي الفداءُ لقبرٍ أنتَ ساكنُهُ ... فيه العفافُ وفيه الجودُ والكرَمُ قال: ثم انصرفَ، فحملتني عيناي فرأيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم في النوم فقال لي: يا عُتْبيّ، الحقِ الأعرابيَّ فبشِّره بأن الله تعالى قد غفر له.

كتاب أذكار الجهاد

كتاب أذكار الجهاد أما أذكار سفره ورجوعه فسيأتي في كتاب أذكار السفر إن شاء الله تعالى. وأما ما يختصّ به فنذكرُ مننه ما حضرَ الآن مختصرًا. 154 ـ بابُ استحباب سؤال الشهادة [1/ 493] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أنس رضي الله عنه؛ أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم دخل على أُمّ حَرَام (¬1)، فنام ثم استيقظ وهو يضحك، فقالت: وما يُضحكك يا رسول الله؟! قال: "ناسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَليَّ غُزَاةً في سَبيلِ الله يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا البَحْرِ مُلُوكًا على الأسِرَّةِ أوْ مِثْلَ المُلُوك" فقالت: يا رسولَ الله! ادْعُ الله أن يجعلني منهم، فدعا لها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. قلت: ثبج البحر بفتح الثاء المثلثة وبعدها باء موحدة مفتوحة أيضًا ثم جيم: أي ظهره؛ وأُمّ حَرَامٍ بالراء. ¬

[493] البخاري (2788) و (2789)، ومسلم (1912). (¬1) "على أُمّ حرام": زاد في رواية: بنت مِلْحَان، وكانت تحت عبادة بن الصامت، وهي الغُمَيْصَاء بالغين المعجمة والصاد المهملة؛ والغمص والرمص: نقص يكون في العين. قال في الصحاح: الرمص بالتحريك: وسخ يُجمع في الموق، فإن سال فهو غمص، وإن جمد فهو رَمَص

155 ـ باب حث الإمام أمير السرية على تقوى الله تعالى، وتعليمه إياه ما يحتاج إليه من أمر قتال عدوه ومصالحتهم وغير ذلك

[2/ 494] وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، عن معاذ رضي الله عنه؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ سألَ اللَّهَ القَتْلَ مِنْ نَفْسِهِ صَادِقًا، ثمَّ ماتَ أوْ قُتِلَ فإنَّ لَهُ أجْرَ شَهِيدٍ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. [3/ 495] وروينا في صحيح مسلم، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ طَلَبَ الشَّهادَةَ صَادِقًا أُعْطِيها وَلَوْ لَمْ تُصِبْهُ". [4/ 496] وروينا في صحيح مسلم أيضًا، عن سهل بن حُنيف رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ سألَ اللَّهَ تَعالى الشَّهادَة بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ تَعالى مَنازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإنْ ماتَ على فِرَاشِهِ". 155 ـ باب حثّ الإِمام أمير السرية على تقوى الله تعالى، وتعليمه إيّاه ما يحتاج إليه من أمر قتال عدوّه ومصالحتهم وغير ذلك [1/ 497] روينا في صحيح مسلم، عن بريدة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمّرَ أميرًا على جيشٍ أو سريةٍ، أوصاه في خاصّتِه بتقوى الله تعالى ومَنْ معه من المسلمين خيرًا، ثم قال: "اغزوا باسْمِ الله في ¬

[494] أبو داود (2541)، والترمذي (1657)، والنسائي 6/ 25، وابن ماجه (2792) وإسناده صحيح، صحّحه الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى. [495] مسلم (1608)، ومعنى "أعطيها": أعطي ثوابها. [496] مسلم (1909)، ومعنى "مَن سأل الله تعالى الشهادة .. ": قال المصنف في شرح مسلم: الرواية الأخرى: يعني رواية أنس مفسرة لمعنى الرواية الثانية: يعني حديث سهل، ومعناهما جميعًا أنه إذا سأل الشهادة بصدق أعطي من ثواب الشهداء وإن كان على فراشه، ففيه استحباب طلب الشهادة، واستحباب نيّة الخير. [497] مسلم (1731)، ومعنى "لا تغلّوا": من الغلول، وهو الأخذ من الغنيمة قبل قسمتها، وهو من كبائر الذنوب.

156 ـ باب بيان أن السنة للإمام وأمير السرية إذا أراد غزوة أن يوري بغيرها

سَبِيلِ اللَّهِ، قاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بالله، اغْزُوا وَلا تَغُلُّوا ولا تَغْدِرُوا وَلا تُمَثِّلوا وَلا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَإذا لقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ المُشْرِكِينَ فادْعُهُمْ إلى ثلاثِ خِصالٍ" وذكر الحديث بطوله. 156 ـ باب بيان أن السنّة للإِمام وأمير السرية إذا أراد غزوة أن يورّي بغيرها [1/ 498] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: لم يكن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُريد سفرة إلاّ ورّى بغيرها. 157 ـ بابُ الدعاء لمن يُقاتلُ أو يعملُ على ما يُعين على القتال في وجهه وذكر ما يُنَشِّطُهم ويحرِّضُهم على القتال قال الله تعالى: {يا أيُّها النَّبِيُّ حَرّضِ المُؤْمِنِينَ على القِتالِ} [الأنفال: 65] وقال تعالى: {وحَرّضِ المُؤْمِنِينَ} [النساء:84]. [1/ 499] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أنس رضي الله عنه قال: خرجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة، فلما رأى ما بهم من النَّصَب والجوع قال: "اللَّهُمَّ إنَّ العَيْشَ عَيْشُ الآخِرَةِ، فاغْفِرْ لِلأنْصَارِ وَالمُهاجِرَةِ". 158 ـ بابُ الدعاء والتضرّع والتكبير عند القتال واستنجاز الله ما وعد من نصر المؤمنين قال الله عزّ وجلّ: {يا أيُّها الَّذين آمَنُوا إذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا ¬

[498] البخاري (3088)، ومسلم (2769)، ومسلم (2769)، وهذا القدر طرف من الحديث الطويل في قصة تخلّف كعب بن مالك عن غزوة تبوك. [499] البخاري (4099)، ومسلم (1805)، والترمذي (3856).

الله كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. وأطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إنَّ الله مَعَ الصَّابِرِينَ. وَلا تَكُونُوا كالَّذينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَرًا وَرِئاء النَّاسِ وَيَصُدُونَ عَنْ سَبِيلِ الله} [الأنفال: 45ـ47] قال بعض العلماء هذه الآية الكريمة أجمع شيء جاء في آداب القتال. [1/ 500] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن عباس قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو في قُبّته: "اللَّهُمَّ إني أنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللَّهُمَّ إنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ بَعْدَ اليَوْمِ، فأخذ أبو بكر رضي الله عنه بيده فقال: حَسْبُكَ يا رسول الله! فقد أَلْحَحْتَ على ربِّك، فخرج وهو يقول: {سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ. بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأمَرُّ} [القمر:45ـ46] " وفي رواية "كان ذلك يوم بدر" هذا لفظ رواية البخاري. وأما لفظ مسلم فقال: "استقبل نبيّ الله صلى الله عليه وسلم القبلة ثم مَدَّ يديه فجعل يهتفُ بربه يقول: "اللَّهُمَّ أنْجِزْ لي ما وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ ما وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إنْ تَهْلِكْ هَذِهِ العِصابَةُ مِنْ أهْلِ الإِسْلامِ لا تُعْبَدْ فِي الأرْضِ، فما زال يهتف بربه مادًّا يديه حتى سقطَ رداؤُه". قلتُ: يَهتف بفتح أوله كسر ثالثه ومعناه: يرفع صوته بالدعاء. [2/ 501] وروينا في صحيحيهما، عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ في بعض أيامه التي لقي فيها العدو ـ انتظر حتى مالتِ الشمسُ ثم قامَ في الناس فقال: "أيُّها النَّاسُ لا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوّ (¬1) وَسَلُوا اللَّهَ العافِيَةَ، فإذَا لَقيتُموهُم فاصْبِرُوا، واعْلَمُوا أنَّ الجَنَّةَ ¬

[500] البخاري (3953)، ومسلم (1763)، والترمذي (3081)، وأبو داود مختصرًا (2690). [501] البخاري (3025)، ومسلم (1742). (¬1) "لا تتمنّوا لقاء العدو" قال الحافظ في الفتح: قال ابن بطال: حكمة النهي أن المرء لا يعلمُ ما يؤول إليه الأمر، وهو نظير سؤال العافية من الفتن

تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ، ثم قال: اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، ومُجْرِيَ السَّحابِ، وَهازِم الأحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ" وفي رواية: "اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكتابِ، سَرِيعَ الحِسابِ، اهْزِمِ الأحْزَابَ، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ". [3/ 502] وروينا في صحيحيهما، عن أنس رضي الله عنه قال: صبَّحَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم خيبرَ، فلما رأوْه قالوا: محمد والخميس، فلجؤوا إلى الحصن، فرفعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يديه فقال: "اللَّهُ أكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إنَّا إذَا نَزَلْنا بِساحَةِ قَوْمٍ فَساءَ صَباحُ المُنْذَرِينَ". [4/ 503] وروينا بالإِسناد الصحيح، في سنن أبي داود، عن سهل بن سعد رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثِنْتَانِ لا تُرَدَّانِ ـ أوْ قَلَّما تُرَدَّانِ ـ الدُعاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ، وَعِنْدَ البأسِ حِينَ يُلْجِمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا". قلت: في بعض النسخ المعتمدة "يُلْحِمُ" بالحاء، وفي بعضها بالجيم، وكلاهما ظاهر. [5/ 504] وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي، عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا قال: "اللَّهُمَّ أنْتَ عَضُدِي وَنَصيرِي، بِكَ أحُولُ وَبِكَ أصُولُ، وَبِكَ أُقاتِلُ". قال الترمذي: حديث حسن. قُلْتُ: معنى عَضُدِي: عوني. قال الخطابي: معنى أحول: أحتال. قال: وفيه وجه آخر، وهو أن يكون معناه: المنع والدفع، من قولك: حال بين الشيئين: إذا منع أحدهما من الآخر، فمعناه: لا أمنعُ ولا أدفعُ إلا بك. ¬

[502] البخاري (371)، ومسلم (1365)، والنسائي 6/ 131ـ134. [503] أبو داود (2540)، وقد تقدم برقم 3/ 95. [504] أبو داود (2632)، والترمذي (3578)، والنسائي وإسناده صحيح. ومعنى "عَضُدي": قوتي، أو ناصري ومُعيني.

[6/ 505] وروينا بالإِسناد الصحيح في سنن أبي داود والنسائي، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا خافَ قومًا قال: "اللَّهُمَّ إنَّا نَجْعَلُكَ في نُحُورِهِمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ". [7/ 506] وروينا في كتاب الترمذي، عن عمارة بن زَعْكَرَةَ رضي الله عنه قال: سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ اللَّهَ تَعالى يَقُولُ: إنَّ عَبْدِي كُلَّ عَبْدِي، الَّذي يَذْكُرُنِي وَهُوَ مُلاقٍ قِرْنَهُ" يعني عند القتال. قال الترمذي: ليس إسناده بالقويّ. قلت: زَعْكَرة بفتح الزاي والكاف وإسكان العين المهملة بينهما. [8/ 507] وروينا في كتاب ابن السني، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبَر "لا تَتَمَّنَّوْا لِقَاءَ العَدُوّ، فإنَّكُمْ لا تَدْرُونَ ما تُبْتَلوْ بِهِ مِنْهُمْ، فإذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَقُولُوا: اللَّهُمَّ أنْتَ رَبُّنا وَرَبُّهُمْ، وَقُلُوبُنا وَقُلُوبُهُمْ بِيَدِكَ، وإنَّمَا يَغْلِبُهُمْ أنْتَ". [9/ 508] وروينا في الحديث الذي قدّمناه عن كتاب ابن السني، عن أنس رضي الله عنه قال: كنّا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في غزوةٍ فلقيَ العَدُوَّ، فسمعتُه يقول: "يا مالكَ يَوْمِ الدّينِ، إيَّاكَ نَعْبُدُ وإيَّاكَ نَسْتَعِينُ" فلقد رأيتُ الرِّجالَ تُصرَع تضربُها الملائكةُ من بين أيديها ومن خلفها. وروى الإِمام الشافعي رحمه الله في "الأمّ" (¬1) بإسناد مُرسل، عن ¬

[505] أبو داود (1537)، والنسائي في الكبرى، وقد تقدم برقم 1/ 319. [506] الترمذي (3575) وله شاهد حسَّنه به الحافظ. انظر الفتوحات 5/ 62. [507] ابن السني (673) ويشهد له حديث أنس برقم 3/ 495. [508] ابن السني (336) وقد تقدم برقم 1/ 321. (¬1) الأم 1/ 223، وتقدم برقم 2/ 466

النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "اطْلُبُوا اسْتِجابَةَ الدُّعاءِ عِنْدَ الْتِقاءِ الجُيُوشِ، وإقامَةِ الصَّلاةِ، وَنُزُولِ الغَيْثِ". قلت: ويستحبّ استحبابًا متأكدًا أن يقرأ ما تيسر له من القرآن، وأن يقول دعاء الكرب الذي قدَّمنا ذكره، وأنه في الصحيحين (¬1) "لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ العَظيمُ الحَليمُ، لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظيمِ، لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأرْضِ وَرَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ". ويقول ما قدَّمناه هناك في الحديث الآخَر "لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ الحَلِيمُ الكَريمُ، سُبْحان اللَّهِ رَبّ السَّمَوَاتِ السَّبْع وَرَبّ العَرْشِ العَظيم، لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ عَزَّ جارُكَ وَجَلَّ ثَناؤُكَ". ويقول: ما قدَّمناه في الحديث الآخر "حَسْبُنا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ". ويقول: "لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بالله العَزيزِ الحَكيم، ما شاء اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بالله، اعْتَصَمْنا بالله، اسْتَعَنَّا بالله، تَوَكَّلْنا على الله". ويقول: "حَصَّنْتَنا كُلَّنا أجْمَعِينَ بالحَيّ القَيُّومِ الَّذي لا يَمُوتُ أَبَدًا، وَدَفَعْتَ عَنَّا السُّوءَ بلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ العَليّ العَظيمِ". ويقول: "يا قَدِيمَ الإِحْسانِ! يا مَنْ إحْسانُهُ فَوْقَ كُلّ إِحْسان! يا مالِكَ الدُّنْيا والآخِرَةِ! يا حَيّ يا قَيُّومَ! يا ذَا الجَلالِ والإِكْرَامِ! يا مَنْ لا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ وَلا يَتَعاظَمُهُ! انْصُرْنا على أعْدَائنا هَؤُلاءِ وَغَيْرِهِمْ، وأظْهِرْنا عَلَيْهِمْ فِي عافِيَةٍ وَسلامَةٍ عامَّة عاجلًا" فكلُّ هذه المذكورات جاء فيها حثٌّ أكيد، وهي مجرّبة. ¬

(¬1) انظر الحديث برقم 1/ 306

159 ـ باب النهي عن رفع الصوت عند القتال لغير حاجة

159 ـ بابُ النّهي عن رفعِ الصَّوْتِ عِندَ القِتال لغير حَاجة [1/ 509] روينا في سنن أبي داود، عن قيس بن عُبادٍ التابعي رحمه الله ـ وهو بضم العين وتخفيف الباء ـ قال: كانَ أصحابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يَكرهون الصوْتَ عندَ القتال. 160 ـ بابُ قولِ الرجلِ في حَال القتالِ أنا فلانٌ لإِرعابِ عدّوه [1/ 510] روينا في صحيحي البخاري ومسلم؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يَوْمَ حُنين: "أنا النَّبيُّ لا كَذِب، أنا ابْنُ عَبْدِ المُطَّلب". [2/ 511] وروينا في صحيحيهما، عن سلمة بن الأكوع: أن عليًّا رضي الله عنهما لما بارز مرحبًا الخيبري قال عليّ رضي الله عنه: أنا الَّذي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَه. [3/ 512] وروينا في صحيحيهما، عن سلمة أيضًا أنه قال في حال قتاله الذين أغاروا على اللقاح: أنا ابن الأكوع، واليومُ يومُ الرُّضَّع. ¬

[509] أبو داود (2656) وقال الحافظ: هكذا أخرجه أبو داود، ثم أردفه بحديث أبي موسى الأشعري (2657) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره رفع الصوت عند القتال. وهذا حديث حسن. وتعجب الحافظ من اقتصار النووي ـ رحمه الله تعالى ـ على الموقوف. انظر الفتوحات الربانية 5/ 67. [510] البخاري (4315)، ومسلم (1776)، عن البراء بن عازب رضي الله عنه. وهو عند النسائي (605) في "اليوم والليلة". [511] البخاري (4196)، ومسلم (1802) واللفظ مع الرجز له و"حيدرة": اسم للأسد. [512] البخاري (3041)، ومسلم (1806). و"اللقاح": جمع لَقِحَة، وهي ذات اللبن، قريبة العهد بالولادة.

161 ـ باب استحباب الرجز حال المبارزة

161 ـ بابُ استحبابِ الرَّجَزِ حالَ المبارزة فيه الأحاديث المتقدمة في الباب الذي قبل هذا. [1/ 513] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن البراء بن عازب رضي الله عنهما أنه قال له رجل: أفررتم يوم حُنين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال البراء: لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفرّ، لقد رأيته وهو على بغلته البيضاء، وإن أبا سفيان بن الحارث آخذ بلجامها، والنبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: "أنا النَّبِيُّ لا كَذِبْ، أنا ابْنُ عَبْد المُطَّلِبْ" وفي رواية "فنزلَ ودعا واستنصرَ". [2/ 514] وروينا في صحيحيهما، عن البراء أيضًا قال: رأيتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم ينقلُ معنا التراب يومَ الأحزاب، وقد وارى الترابُ بياضَ بطنه وهو يقول: "اللَّهُمَّ لَوْلا أنْتَ ما اهْتَدَيْنا ... وَلا تَصَدَّقْنا وَلا صَلَّيْنا فأنْزِلَننْ سَكِينَةً عَلَيْنا ... وَثَبِّتِ الأقْدَام إنْ لاقَيْنا إنَّ الأُلى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنا ... إذَا أرَادُوا فِتْنَةً أبَيْنا" [3/ 515] وروينا في صحيح البخاري، عن أنس رضي الله عنه قال: جعل المهاجرون والأنصار يحفرون الخندق وينقلون التراب على مُتُونهم ـ أي ظهورهم ـ ويقولون: نَحْنُ الَّذِينَ بايَعُوا مُحَمَّدًا، على الإِسْلام، وفي رواية: على الجِهادِ ما بَقِينا أبَدًا، والنبيّ صلى الله عليه وسلم يجيبهم "اللَّهُمَّ إنَّهُ لا خَيْرَ إِلاَّ خَيْرُ الآخِرَةِ، فَبارِكْ في الأنْصَارِ والمُهاجِرَة". ¬

[513] البخاري (4317)، ومسلم (1776)، والترمذي (1688). [514] البخاري (4106)، ومسلم (1803)، وهو في "عمل اليوم والليلة" للنسائي برقم (533). [515] البخاري (4100)، وهو في مسلم (1805)، والترمذي (3856).

162 ـ باب استحباب إظهار الصبر والقوة لمن جرح واستبشاره بما حصل له من الجرح في سبيل الله وبما يصير إليه من الشهادة، وإظهار السرور بذلك وأنه لا ضير علينا في ذلك بل هذا مطلوبنا وهو نهاية أملنا وغاية سؤلنا

162 ـ باب استحباب إظهار الصَّبرِ والقوّة لمن جُرِحَ واستبشاره بما حصل له من الجرح في سبيل الله وبما يصير إليه من الشهادة، وإظهار السرور بذلك وأنَّه لا ضير علينا في ذلك بل هذا مطلوبُنا وهو نهايةُ أملِنا وغايةُ سؤلِنا قال الله تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، فَرِحِينَ بِمَا آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بالَّذِين لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أنْ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَة مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وأنَّ اللَّهَ لايُضِيعُ أجْرَ المُؤْمِنِينَ. الَّذينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أصَابَهُمْ القَرْحُ لِلَّذِينَ أحْسَنُوا مِنْهُم وَاتَّقَوْا أجْرٌ عظِيمٌ. الَّذِين قالَ لَهُم النَّاسُ إنَّ النَّاس قَدْ جَمَعُوا لَكُم فاخشَوْهُم فَزَادَهُمْ إيمَانًا وقالُوا حَسْبُنا اللَّهُ وَنِعْمَ الوكِيلُ. فانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ، واتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ، واللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران: 169 ـ172]. [1/ 516] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أنس رضي الله عنه في حديث القرّاء أهل بئر مَعُونة الذين غدرتِ الكفّارُ بهم فقتلوهم: أن رجلًا من الكفار طعنَ خالَ أنس وهو حَرَام بن مِلحان، فأنفذه، فقال حَرام: الله أكبر فُزْتُ وربّ الكعبة. وسقط في رواية مسلم "الله أكبر" قلتُ: حَرَام بفتح الحاء والراء. 163 ـ بابُ ما يقولُ إذا ظَهَر المسلمون وغلبُوا عدوَّهم ينبغي أن يُكثرَ عند ذلك من شكر الله تعالى، والثناء عليه، ¬

[516] البخاري (4092)، ومسلم (677).

164 ـ باب ما يقول إذا رأى هزيمة في المسلمين والعياذ بالله الكريم

والاعتراف بأن ذلك من فضله لا بحولنا وقوتنا، وأن النصرَ من عند الله، وليحذروا من الإِعجاب بالكثرة فإِنه يُخاف منها التعجيز؛ كما قال الله تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إذْ أعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة:25]. 164 ـ باب ما يقول إذا رأى هزيمةً في المسلمين والعياذُ بالله الكريم يُستحبّ إذا رأى ذلك أن يفزعَ إلى ذكر الله تعالى واستغفاره ودعائه، واستنجار ما وعدَ المؤمنين من نصرهم وإظهار دينه، وأن يدعوَ بدعاء الكرْب المتقدم: "لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأرْضِ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ". ويُستحبّ أن يدعو بغيره من الدعوات المذكورة المتقدمة والتي ستأتي في مواطن الخوف والهلكة. وقد قدّمنا في باب الرجز الذي قبل هذا؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى هزيمة المسلمين، نزل واستنصر ودعا. وكان عاقبة ذلك النصر {لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]. [1/ 517] وروينا في صحيح البخاري، عن أنس رضي الله عنه قال: لما كان يوم أُحُد وانكشف المسلمون، قال عمِّي أنس بن النضر: اللَّهُمّ إني أعتذرُ إليكَ مما صَنَعَ هؤلاء ـ يعني أصحابه ـ وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء ـ يعني المشركين ـ ثم تقدَّم فقاتلَ حتى استُشهد، فوجدنَا به بضعًا وثمانينَ ضربةً بالسيف أو طعنةً برمح أو رميةً بسهم. ¬

[517] البخاري (4048)، وهو في مسلم (1903). والترمذي (3198).

165 ـ باب ثناء الإمام على من ظهرت منه براعة في القتال

165 ـ بابُ ثناءِ الإِمام على من ظَهَرَتْ منه براعةٌ في القتال [1/ 518] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن سلمةَ بن الأكوع رضي الله عنه في حديثه الطويل في قصة إغارة الكفار على سرح المدية وأخذهم اللقاح وذهاب سلمة وأبي قتادة في أثرهم، فذكرَ الحديثَ إلى أن قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "كانَ خَيْرَ فُرْسانِنا اليَوْمَ أبُو قَتادَةَ وَخَيْرَ رَجَّالَتِنا سَلَمَةُ". 166 ـ بابُ ما يقولُه إذا رجع مِن الغَزْو فيه أحاديثُ ستأتي إن شاء الله تعالى في كتابِ أذْكَارِ المُسَافر، وبالله التوفيق. ¬

[518] البخاري (3041) و (4194)، ومسلم (1806).

كتاب أذكار المسافر

كتاب أذكار المسافر اعلم أن الأذكار التي تُستحبُّ للحاضر في الليل والنهار واختلاف الأحوال وغير ذلك مما تقدم تُستحبّ للمسافر أيضًا، ويَزيدُ المسافرُ بأذكار فهي المقصودةُ بهذا الباب، وهي كثيرةٌ منتشرة جدًا، وأنا أختصرُ مقاصدها إن شاء الله تعالى، وأُبوِّبُ لها أبوابًا تناسبها، مستعينًا بالله، متوكلًا عليه. 167 ـ بابُ الاستخارة والاستشارة اعلم أنه يُستحبّ لمن خطرَ بباله السفرُ أن يُشاورَ فيه مَن يعلمُ من حاله النصيحة والشفقة والخبرة ويثقُ بدينه ومعرفته، قال الله تعالى: {وشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ} [آل عمران:159] ودلائلُه كثيرة، وإذا شاورَ وظهرَ أنه مصلحةٌ استخارَ الله سبحانه وتعالى في ذلك، فصلَّى ركعتين من غير الفريضة ودعا بدعاء الاستخارة الذي قدَّمناه في بابه. ودليلُ الاستخارة الحديث المتقدِّم عن صحيح البخاري (¬1)، وقد قدَّمنا هناك آداب هذا الدعاء وصفة هذه الصلاة، والله أعلم. 168 ـ بابُ أذكارِه بعدَ استقرارِ عزمِه على السَّفر فإذا استقرَّ عزمُه على السفر فليجتهدْ في تحصيل أمور منها: أن ¬

(¬1) تقدم الحديث برقم 1/ 303

يوصي بما يحتاج إلى الوصية به، وليُشهدْ على وصيته، ويستحلّ كلَّ من بينه وبينه معاملة في شيء، أو مصاحبة، ويسترضي والديه وشيوخه ومن يُندب إلى برّه واستعطافه، ويتوبُ إلى الله ويستغفره من جميع الذنوب والمخالفات، وليطلبْ من الله تعالى المعونةَ على سفره، وليجتهدْ على تعلّم ما يحتاج إليه في سفره. فإن كان غازيًا تَعَلَّمَ ما يَحتاج إليه الغازي من أمور القتال والدعوات وأمور الغنائم، وتعظيم تحريم الهزيمة في القتال وغير ذلك. وإن كان حاجًّا أو معتمرًا تعلَّمَ مناسكَ الحجّ أو استصحبَ معه كتابًا بذلك، ولو تعلَّمها واستصحبَ كتابًا كان أفضل. وكذلك الغازي وغيره، ويُستحبّ أن يستصحبَ كتابًا فيه ما يحتاج إليه. وإن كان تاجرًا تعلَّم ما يحتاج إليه من أمور البيوع ما يصحّ منها وما يَبطل، وما يحلّ وما يَحرم، ويُستحبّ ويكره ويباح، وما يَرجحُ على غيره. وإن كان متعبِّدًا سائحًا معتزلًا للناس، تعلَّم ما يحتاج إليه في أمور دينه، فهذا أهمّ ما ينبغي له أن يطلبه. وإن كان ممّن يصيدُ تعلَّم ما يحتاج إليه أهلُ الصيد، وما يحلّ من الحيوان وما يَحرمُ، وما يحلُّ به الصيد وما يَحرم، وما يشترط ذكاتُه، وما يكفي فيه قتل الكلب أو السهم وغير ذلك. وإن كان راعيًا تعلَّم ما يحتاج إليه مما قدَّمناه في حقّ غيره ممّن يعتزل الناس، وتعلَّم ما يحتاج إليه من الرفقِ بالدّوابّ وطلب النصيحة لها ولأهلها، والاعتناء بحفظها والتيقّظِ لذلك، واستأذنَ أهلَها في ذبح ما يحتاجُ إلى ذبحه في بعض الأوقات لعارض وغير ذلك. وإن كان رسولًا من سلطان إلى سلطان أو نحوه اهتمَّ بتعلّم ما يحتاج إليه من آداب مخاطبات الكبار، وجوابات ما يَعرض في المحاورات وما

169 ـ باب أذكاره عند إرادته الخروج من بيته

يحلُّ له من الضيافات والهدايا وما لا يَحلّ، وما يَجب عليه من مراعاة النصيحة وإظهار ما يُبطنه وعدم الغشّ والخِداع والنفاق، والحذر من التسبّب إلى مقدمات الغدر أو غيره مما يحرم وغير ذلك. وإن كان وكيلًا أو عاملًا في قراض أو نحوه تعلَّم ما يَحتاج إليه مما يَجوز أن يشتريه وما لا يجوز، وما يَجوز أن يبيعَ به وما لا يجوز، وما يجوز التصرّف فيه وما لا يجوز، وما يُشترط الإِشهاد فيه وما يجب وما يشترط فيه ولا يجب، وما يجوز له من الأسفار وما لا يجوز. وعلى جميع المذكورين أن يتعلَّم مَن أراد منهم ركوبَ البحر الحالَ التي يجوز فيها ركوبَ البحر، والحال التي لا يجوز، وهذا كلُّه مذكور في كتب الفقه لا يليق بهذا الكتاب استقصاؤه، وإنما غرضي هنا بيانُ الأذكار خاصة، وهذا التعلّم المذكور من جملة الأذكار كما قدَّمْته في أول هذا الكتاب، وأسألُ الله التوفيقَ وخاتمة الخير لي ولأحبائي والمسلمين أجمعين. 169 ـ بابُ أذكارِه عندَ إرادتِه الخروجَ من بيتِه يُستحبّ له عند إرادتِه الخروجَ أن يصلِّي ركعتين: [1/ 519] لحديث المُطْعِم (¬1) بن المقدام الصنعاني (¬2) رضي الله عنه أن ¬

[519] قوله: "رواه الطبراني" قال الحافظ: يتبادر منه قوله "الصحابي" أن المراد "المعجم = (¬1) في الأصل "المقطم" قال الحافظ: هو سهوٌ نشأ عن تصحيف إنما هو المُطْعِم، بسكون الطاء وكسر العين. الفتوحات الربانية 5/ 105 (¬2) في الأصل "الصحابي" قال الحافظ، إنما هو الصنعاني، نسبة إلى صنعاء دمشق، وقيل: بل إلى صنعاء اليمن، ثم تحوّل إلى الشام. وكان في عصر صغار الصحابة، ولم يثبت له سماع من صحابي، بل أرسله عن بعضهم، وجلّ روايته عن التابعين؛ كمجاهد والحسن ...

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما خَلَّفَ أحَدٌ عِنْدَ أَهْلِهِ أفْضَلَ منْ رَكْعَتَيْ يَرْكَعُهُما عنْدَهُمْ حينَ يُرِيدُ سَفَرًا" رواه الطبراني. قال بعض أصحابا: يُستحبّ أن يقرأ في الأولى منهما بعد الفاتحة {قُلْ يا أيُّهَا الكافِرُونَ} وفي الثانية: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أحَدٌ}. وقال بعضهم: يَقرأ في الأولى بعد الفاتحة {قُلْ أعُوذُ بِرَبّ الفَلَقِ} وفي الثانية {قُلْ أعُوذُ بِرَبّ النَّاسِ}. فإذَا سلَّم قرأ آيةَ الكرسي، فقد جاء: أن من قرأ آية الكرسي قبلَ خروجهِ من منزلِه لم يصبْه شيءٌ يكرهُه حتى يَرجع (¬1). ويُستحبّ أن يقرأ سورة {لإِيلافِ قُرَيْشٍ} فقد قال الإِمام السيد الجليل أبو الحسن القزويني، الفقيه الشافعي، صاحب الكرامات الظاهرة، والأحوال الباهرة، والمعارف المتظاهرة: إنه أمان من كل سوء. قال أبو طاهر بن جحشويه: أردتُ سفرًا وكنتُ خائفًا منه فدخلتُ إلى القزويني أسألُه الدعاءَ، فقال لي ابتداءً من قِبَل نفسه: مَن أرادَ سفرًا ففزِعَ من عدوّ أو وحش فليقرأ {لإِيلافِ قُرَيْشٍ} فإنها أمانٌ من كلّ سوء، فقرأتُها فلم يعرض لي عارض حتى الآن؛ ويستحبّ إذا فرغ من هذه القراءة أن يدعو بإِخلاص ورقّة. ومن أحسن ما يقول: اللَّهُمَّ بِكَ أسْتَعِينُ ¬

= الكبير" للطبراني، الذي هو مسند الصحابة. وليس هذا الحديث فيه، بل هو في كتاب "المناسك" للطبراني، وأخرجه ابن عساكر في ترجمة مطعم بن المقدام الصنعاني .. وسند الحديث معضل، أو مرسل إن ثبت له سماع من صحابي .. وقال الحافظ: وجاء عن أنس حديث يدخل في هذا الباب، وهو قوله: كان صلى الله عليه وسلم إذا سافر لم يرتحل إذا نزل منزلًا حتى يودِّع ذلك المكان بركعتين، وفي رواية الدارمي: كان صلى الله عليه وسلم لا ينزل منزلًا إلا ودّعه بركعتين .. ثم أورد له الحافظ شواهد بمعناه حسّنه بها. وانظر تمام ذلك في الفتوحات الربانية 5/ 105ـ107. (¬1) قال الحافظ: لم أجده بهذا اللفظ، بل معناه وأتمّ منه، فمن ذلك حديث أبي هريرة، قال صلى الله عليه وسلم: "من قرأ آية الكرسي وفاتحة حم المؤمن إلى إليه المصير. حين يصبح لم يرَ شيئًا يكرهه حتى يُمسي، ومَن قرأها حين يُمسي لم يَرَ شيئًا يكرهه حتى يصبح" حديث غريب وسنده ضعيف. أخرجه ابن السني، والبيهقي في الشعب، وأبو الشيخ في ثواب الأعمال. الفتوحات الربانية 5/ 108

170 ـ باب أذكاره إذا خرج

وَعَلَيْكَ أتَوَكَّلُ؛ اللَّهُمَّ ذَلِّلْ لي صعُوبَةَ أمْرِي، وَسَهِّلْ عَليَّ مَشَقَّةَ سَفَرِي، وَارْزُقْنِي مِنَ الخَيْرِ أكْثَرَ مِمَّا أطْلُبُ، وَاصْرِفْ عَنِّي كُلَّ شَرٍّ. رَبّ اشْرَحْ لي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أمْرِي، اللَّهُمَّ إني أسْتَحْفِظُكَ وأسْتَوْدِعُكَ نَفْسِي وَدِينِي وأهْلِي وأقارِبي وكُلَّ ما أنْعَمْتَ عَليَّ وَعَليْهِمْ بِهِ مِنْ آخِرَةٍ وَدُنْيا، فاحْفَظْنَا أجمعَينَ مِنْ كُلّ سُوءٍ يا كَرِيمُ. ويفتتح دعاءَه ويختمه بالتحميد لله تعالى، والصَّلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وإذا نهضَ من جلوسه فليقلْ: [2/ 520] ما رويناه عن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرد سفرًا إلا قال حين ينهض من جلوسه: "اللَّهُمَّ إِلَيْكَ تَوَجَّهْتُ، وَبِكَ اعْتَصَمْتُ؛ اللَّهُمَّ اكْفني ما هَمَّني وَمَا لا أَهْتَمُّ لَهُ، اللَّهُمَّ زَوِّدْنِي التَّقْوَى، وَاغْفِرْ لي ذَنْبِي وَوَجِّهْنِي لِلْخَيْرِ أيْنَمَا تَوَجَّهْتُ". 170 ـ بابُ أذْكَارِه إذا خَرَجَ قد تقدَّمَ في أول الكتاب ما يقولُه الخارجُ من بيته، وهو مُستحبٌّ للمسافر، ويُستحبُّ له الإِكثار منه، ويُستحبّ أن يودّع أهله وأقاربَه وأصحابَه وجيرانه، ويسألهم الدعاء له ويدعو لهم. [1/ 521] وروينا في مسند الإِمام أحمد بن حنبل وغيره، عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنَّ الله تَعالى إذا اسْتُودِعَ شَيْئًا حَفِظَهُ". ¬

[520] ابن السني (496)، وقال الحافظ: هذا حديث غريب أخرجه ابن السني وابن عدي في ترجمة عمر بن مساور في الضعفاء. قال الحافظ: وهو ضعيف عندهم، وعدَّ ابن عدي هذا الحديث من أفراده. الفتوحات الربانية 5/ 111. [521] مسند الإِمام أحمد 2/ 87، والنسائي (509)، قال الحافظ: هذا حديث صحيح، أخرجه النسائي وابن حبّان في صحيحه. الفتوحات 5/ 113.

[2/ 522] وروينا في كتاب ابن السني وغيره، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ أَرَادَ أنْ يُسافِرَ فَلْيَقُلْ لِمَنْ يُخَلِّفُ: أسْتَوْدِعُكُمُ اللَّهَ الَّذي لا تَضِيعُ وَدَائِعُهُ". [3/ 523] وروينا عن أبي هريرة أيضًا، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أرَاد أحَدُكُم سَفَرًا فَلْيُوَدّعْ إخْوَانَهُ، فإنَّ اللَّهَ تَعالى جاعِلٌ فِي دُعائِهِمْ خَيْرًا". والسنَّة أن يقول له مَن يودّعه: [4/ 524] ما رويناه في سنن أبي داود، عن قزعة قال: قال لي ابن عمرَ رضي الله عنهما: تعالى أُودّعك كما ودّعني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكَ وأمانَتَكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ". قال الإِمام الخطابي: الأمانة هنا: أهله ومن يخلفه ومالُه الذي عند أمينه. قال: وذكر الدِّين هنا لأن السفر مظنّة المشقة، فربما كان سببًا لإِهمال بعض أمور الدين. قلتُ: قَزعة بفتح الزاي وإسكانها. [5/ 525] ورويناه في كتاب الترمذي أيضًا عن نافع عن ابن عمر قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا ودّع رجلًا أخذ بيده فلا يدعها حتى يكون الرجل هو الذي يدعُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقولُ: "أسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكَ وأمانَتَكَ وآخِرَ عَمَلِكَ". ¬

[522] ابن السني (506)، والنسائي (508)، وقال الحافظ بعد تخريجه: هذا حديث حسن أخرجه النسائي وابن السني كلاهما في "اليوم والليلة" وأخرجه أحمد وابن ماجه. الفتوحات الربانية 5/ 114. [523] قال الحافظ بعد تخريجه: هذا حديث غريب أخرجه الطبراني في الأوسط .. وفي سنده راويان ضعيفان جدًا. الفتوحات الربانية 5/ 115. [524] أبو داود (2600)، وهو حديث حسن، حسّنه الحافظ ابن حجر وقال: أخرجه البخاري في التاريخ، والنسائي في اليوم والليلة (512)، وأبو داود والحاكم. الفتوحات الربانية 5/ 116. [525] الترمذي (3438) وهو حديث حسن، حسّنه الحافظ بشواهده.

171 ـ باب استحباب طلبه الوصية من أهل الخير

[6/ 526] ورويناه أيضًا في كتاب الترمذي عن سالم؛ أن ابن عمر كان يقول للرجل إذا أراد سفرًا: ادْنُ منّي أُودّعك كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يودّعنا، فيقول: "أسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكَ وأمانَتَكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ" قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. [7/ 527] وروينا في سنن أبي داود وغيره، بالإِسناد الصحيح، عن عبد الله بن زيد الخَطْمِيّ الصحابي رضي الله عنه قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يودّع الجيش قال: "أسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكُمْ وأمانَتَكُمْ وَخَوَاتِيمَ أعْمالِكُمْ". [8/ 528] وروينا في كتاب الترمذي، عن أنس رضي الله قال: جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله إني أُريد سفرًا فزوّدني، فقال: "زَوّدَكَ اللَّهُ التَّقْوَى" قال: زِدني، قال: "وَغَفَرَ ذَنْبَكَ" قال: زدني، قال: "وَيَسَّرَ لَكَ الخَيْرَ حَيْثُما كُنْتَ" قال الترمذي: حديث حسن. 171 ـ بابُ اسْتحبابِ طَلبهِ الوصيّةَ من أهلِ الخَيْرِ [1/ 529] روينا في كتاب الترمذي وابن ماجه، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلًا قال: يا رسولَ الله! إني أُريد أنْ أسافرَ فأوصني، قال: ¬

[526] الترمذي (3439)، وابن ماجه (2826)، وإسناده حسن بشواهده. الفتوحات 5/ 118. [527] أبو داود (2601)، وابن السني (505)، والنسائي (507)، قال الحافظ: وأخرجه أحمد والنسائي والحاكم، وإسناده صحيح. [528] الترمذي (3440) قال الحافظ: حديث حسن، أخرجه الطبراني والخرائطي والمحاملي. [529] الترمذي (3441)، وابن ماجه (2771)، قال الحافظ: وأخرجه ابن خزيمة وابن حبّان، وروى أحمد عن وكيع بمعناه. الفتوحات الربانية 5/ 121. وهو في المستدرك 2/ 98، وصحّحه، ووافقه الذهبي.

172 ـ باب استحباب وصية المقيم المسافر بالدعاء له في مواطن الخير ولو كان المقيم أفضل من المسافر

"عَلَيْكَ بتَقْوَى اللَّهِ تَعالى، وَالتَّكْبِيرِ على كُلّ شَرَفٍ، فلما ولَّى الرجلُ قال: اللَّهُمَّ اطْوِ لَهُ البَعِيدَ، وهَوِّنْ عَلَيْهِ السَّفَرَ" قال الترمذي: حديث حسن. 172 ـ بابُ استحباب وصيّة المُقيم المسافر بالدعاء له في مواطن الخير ولو كان المقيم أفضل من المسافر [1/ 530] روينا في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما، عن عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه قال: استأذنتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم في العمرة، فأذِنَ وقال: "لا تَنْسَنا يا أُخَيَّ مِن دُعائِكَ" فقال كلمةً ما يسرُّني أنَّ لي بها الدنيا. وفي رواية قال: "أشْرِكْنا يا أخِي في دُعائِكَ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. 173 ـ بابُ ما يقولُه إذا ركبَ دابّتَه قال الله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الفُلْكِ وَالأنْعامِ ما تَرْكَبُونَ لِتَسْتَووا على ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذي سَخَّرَ لَنا هَذَا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (¬1)، وَإنَّا إلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ} [الزخرف:12ـ14]. [1/ 531] وروينا في كتب أبي داود والترمذي والنسائي، بالأسانيد الصحيحة، عن عليّ بن ربيعة قال: شهدتُ عليّ بن أبي طالب رضي الله ¬

[530] أبو داود (1498)، والترمذي (3557)، وإسناده ضعيف، لوجود عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وهو ضعيف، ومع ذلك حسّنه الترمذي. [531] أبو داود (2602)، والترمذي (3443)، والنسائي (502) في "عمل اليوم والليلة"، وهو حديث صحيح رواه أحمد وابن حبّان والحاكم. الفتوحات الربانية 5/ 125. (¬1) "مُقرنين": أي مُطيقين

عنه أُتي بدابّة ليركَبها، فلما وضعَ رجلَه في الرِّكاب قال: بِاسْمِ الله، فلما استوى على ظهرها قال {الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي سَخَّرَ لَنا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ} ثم قال: الحَمْدُ لِلَّهِ ثلاث مرات، ثم قال: اللَّهُ أكْبَرُ ثلاث مرات، ثم قال: سُبْحانَك إني ظَلَمْتُ نَفْسِي فاغْفِرْ لي، إنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أنْتَ، ثم ضَحِكَ، فقيل: يا أمير المؤمنين! من أيّ شيء ضحكت؟ قال: رأيتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم فعل مثلَ ما فعلتُ ثم ضَحِكَ، فقلتُ: يا رسولَ الله! من أيّ شيء ضحكت؟ قال: "إنَّ رَبَّكَ سُبْحَانَهُ يَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ إذَا قالَ: اغْفِرْ لي ذُنُوبي، يَعْلَمُ أنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرِي" هذا لفظ رواية أبي داود. قال الترمذي: حديث حسن. وفي بعض النسخ: حسن صحيح. [2/ 532] وروينا في صحيح مسلم في كتاب المناسك، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجًا إلى سفر كبَّر ثلاثًا، ثم قال: "سُبْحانَ الَّذي سَخَّرَ لَنا هَذَا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنينَ، وَإِنَّا إلى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ. اللَّهُمَّ إنَّا نَسألُكَ فِي سفَرِنَا هَذَا البِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنْ العَمَلِ ما تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوّْ عَلَيْنا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ عَنّا بُعْدَهُ. اللَّهُمَّ أنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالخَلِيفَةُ في الأهْلِ. اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثاءِ السَّفَرِ وكآبَةِ المَنْظَرِ وَسُوءِ المُنْقَلَبِ في المَالِ والأهْلِ. وإذا رَجع قالهنّ وزاد فيهنّ: آيِبُونَ تائبُونَ عابدُونَ لرَبِّنَا حامِدُون" هذا لفظ رواية مسلم. زاد أبو داود (¬1) في روايته "وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم وجيوشه إذا علوا الثنايا ¬

[532] مسلم (1342)، وأبو داود (2599)، والنسائي (548) في "عمل اليوم والليلة". (¬1) هذه الزيادة مدرجة، وليست من حديث أبي داود، وإنما هي من رواية عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج، قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم وجيوشه إذا علو الثنايا .. وإسناده معضل. وقد سها عن هذا الإِمام النووي رحمه الله تعالى فجعل الزيادة من رواية أبي داود، وقد تعقبه الحافظ ابن حجر في أماليه، وبيّن هذا النوع الدقيق من الإِدراج، انظر الفتوحات الربانية 5/ 140

كبّروا وإذا هبطوا سبَّحوا" وروينا معناه من رواية جماعة من الصحابة أيضًا مرفوعًا. [3/ 533] وروينا في صحيح مسلم، عن عبد الله بن سَرْجِسَ رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر يتعوّذ من وَعْثَاءِ السفر، وكآبة المنقلب، والحَوْرِ بعد الكَوْن، ودعوة المظلوم، وسوء المنظر في الأهل والمال. [4/ 534] وروينا في كتاب الترمذي وكتاب النسائي وكتاب ابن ماجه، بالأسانيد الصحيحة، عن عبد الله بن سَرْجِس رضي الله عنه قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا سافر يقول: "اللَّهُمَّ أنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالخَلِيفَةُ فِي الأهْلِ؛ اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثاءِ السَّفَرِ وكآبَةِ المُنْقَلَبِ، وَمِنَ الحَوْرِ بَعْدَ الكَوْنِ، وَمِنْ دَعْوَةِ المَظْلُومِ، وَمِنْ سُوءِ المَنْظَرِ فِي الأهْلِ وَالمَالِ". قال الترمذي: حديث حسن صحيح. قال: ويروى: الحور بعد الكوْر أيضًا: يعني يُروى الكون بالنون، والكور بالراء. قال الترمذي: وكلاهما له وجه، قال: يقال هو الرجوع من الإِيمان إلى الكفر، ومن الطاعة إلى المعصية، إنما يعني الرجوع من شيء إلى شيء من الشرّ، هذا كلام الترمذي، وكذا قال غيره من العلماء: معناه بالراء والنون جميعًا: الرجوع من الاستقامة أو الزيادة إلى النقص. قالوا: ورواية الراء مأخوذة من تكوير العمامة وهو لفّها وجمعها، ورواية النون، مأخوذة من الكون مصدر كان يكون كونًا: إذا وجد واستقرّ. ¬

[533] مسلم (1343)، ومعنى "الحَوْر بعد الكون": الرجوع من الاستقامة أو الزيادة إلى النقص. ويروى "الكور" بالراء. [534] الترمذي (3435)، والنسائي 8/ 272، وابن ماجه (3888)، وهو عند النسائي أيضًا في "عمل اليوم والليلة" برقم (499)، والمسند 5/ 83.

174 ـ باب ما يقول إذا ركب سفينة

قلت: ورواية النون أكثر، وهي التي في أكثر أصول صحيح مسلم، بل هي المشهورة فيها. والوَعْثاء بفتح الواو وإسكان العين وبالثاء المثلثة وبالمدّ: هي الشدّة. والكآبة بفتح الكاف وبالمدّ: هو تغيُّر النفس من حزن ونحوه. المنقلب: المرجع. 174 ـ بابُ ما يَقولُ إذا رَكِبَ سفينةً قال الله تعالى: {وَقالَ ارْكَبُوا فيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْساها (¬1)} [هود:41] وقال الله تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الفُلْكِ وَالأنْعامِ ما تَرْكَبُونَ} [الزخرف:12] الآيتين. [1/ 535] وروينا في كتاب ابن السني، عن الحسين بن عليّ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمانٌ لأُمَّتِي مِنَ الغَرَقِ إذَا رَكِبُوا أنْ يَقُولُوا: {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا ومُرْسَاها، إنَّ ربّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [هود:41] {وَمَا قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِهِ} [الزمر:67] الآية" هكذا هو في النسخ "إذا ركبوا" لم يقل السفينة. 175 ـ بابُ استحبابَ الدعاء في السفر [1/ 536] روينا في كتب أبي داود والترمذي وابن ماجه، عن أبي ¬

[535] ابن السني (501) وإسناده ضعيف جدًا. وقال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني: بل هو موضوع؛ في إسناده جبارة بن المغلس، وهو ضعيف، عن يحيى بن العلاء، عن مروان بن سالم، وهما متهمان بالوضع. [536] أبو داود (1536)، والترمذي (3442)، وابن ماجه (3862)، والبخاري في الأدب المفرد (32)، وصححه ابن حبّان (2406). (¬1) "مَجْراها ومَرْساها" بفتح الميمين وضمّهما مع الإمالة وعدمها، مصدران؛ أي جريها ورسيها، أي منتهى سيرها

176 ـ باب تكبير المسافر إذا صعد الثنايا وشبهها وتسبيحه إذا هبط الأودية ونحوها

هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثَلاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجاباتٌ لا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ المَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ المُسافِرِ، وَدَعْوَةُ الوَالِدِ على وَلَدِهِ" قال الترمذي: حديث حسن، وليس في رواية أبي داود "على ولده". 176 ـ باب تكبير المسافر إذا صعد الثَّنايا وشبهها وتسبيحه إذا هَبَطَ الأودية ونحوها [1/ 537] روينا في صحيح البخاري، عن جابر رضي الله عنه قال: كنّا إذا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا، وإذا نزلنا سبَّحنا. [2/ 538] وروينا في سنن أبي داود في الحديث الصحيح الذي قدَّمناه في باب ما يقولُ إذا ركبَ دابّته، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم وجيوشُه إذا عَلَوا الثنايا كبَّروا، وإذا هَبَطوا سبَّحُوا. [3/ 539] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا قَفَل من الحجّ أو العمرة ـ قال الراوي: ولا أعلمه إلا قال: الغزو ـ كلما أوفى على ثنية أو فَدْفَدٍ كبَّرَ ثلاثًا ثم قال: "لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ، وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ عابِدُونَ، ساجِدُونَ لِرَبِّنا حامِدُونَ، صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ" هذا لفظ رواية البخاري، ورواية مسلم مثله إلا أننه ليس فيها "ولا أعلمه إلا قال الغزو" وفيها "إذا قفل من الجيوش أو السرايا أو الحجّ أو العمرة". ¬

[537] البخاري (2993)، والنسائي (541)، و (542)، وابن السني (517)، وأخرجه أحمد والدارمي والدارقطني. [538] أبو داود (2599)، وتقدم برقم 2/ 532. [539] البخاري (6384)، ومسلم (1344)، والموطأ 1/ 421، وأبو داود (2770)، والترمذي (950)، والنسائي (540).

177 ـ باب النهي عن المبالغة في رفع الصوت بالتكبير ونحوه

قلت: قوله: أوفى: أي ارتفع؛ وقوله: فَدْفَد، هو بفتح الفاءين بينهما دال مهملة ساكة وآخره دال أخرى: وهو الغليظ المرتفع من الأرض؛ وقيل الفلاة التي لا شيء فيها؛ وقيل غليظ الأرض ذات الحصى؛ وقيل الجلد من الأرض في ارتفاع. [4/ 540] وروينا في صحيحيهما، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كنّا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم، فكنّا إذا أشرفنا على وادٍ هلَّلنا وكبَّرْنا وارتفعتْ أصواتُنا، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "يا أيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا على أنْفُسِكُمْ فإنَّكُمْ لا تَدْعُونَ أصَمَّ وَلا غائِبًا، إنَّهُ مَعَكُمْ إنَّه سَمِيعٌ قَرِيبٌ". قلتُ: اربَعُوا بفتح الباء الموحدة، معناه: ارفقوا بأنفسكم. وروينا في كتاب الترمذي الحديث المتقدم (¬1) في باب استحباب طلبه الوصية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عَلَيْكَ بِتَقْوَى الله تَعالى، وَالتَّكْبِيرِ على كُلِّ شَرَفٍ". [5/ 541] وروينا في كتاب ابن السني، عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا علا شرفًا من الأرض قال: "اللَّهُمَّ لكَ الشَّرَفُ على كُلِّ شَرَفٍ، وَلَكَ الحَمْد على كُلّ حالٍ". 177 ـ بابُ النّهي عن المبالغةِ في رَفْعِ الصَّوْتِ بالتكبير ونحوه فيه حديث أبي موسى في الباب المتقدم. ¬

[540] البخاري (6384)، ومسلم (2704)، وأبو داود (1526) و (1527) و (1528)، والترمذي (3371)، وهو عند النسائي في "عمل اليوم والليلة" (538)، وابن ماجه (3824). [541] ابن السني (523) وفي إسناده عمارة بن زاذان وهو ضعيف. انظر الفتوحات 5/ 145. (¬1) تقدم الحديث برقم 1/ 529

178 ـ باب استحباب الحداء للسرعة في السير وتنشيط النفوس وترويحها وتسهيل السير عليها

178 ـ باب استحباب الحُدَاء للسرعة في السَّير وتنشيط النفوس وترويحها وتسهيل السَّير عليها فيه أحاديث كثيرة مشهورة. 179 ـ باب ما يقول إذا انفلتت دابّتُهُ [1/ 542] روينا في كتاب ابن السني، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذَا انْفَلَتَتْ دابَّةُ أحَدِكُمْ بأرْضِ فَلاةٍ فَلْيُنادِ: يا عِبادَ الله! احْبِسُوا، يا عِبادَ اللَّهِ! احْبِسُوا، فإنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ في الأرْضِ حاصِرًا سَيَحْبِسُهُ". قلت: حكى لي بعض شيوخنا الكبار في العلم أنه افلتت له دابّة أظنُّها بغلة، وكان يَعرفُ هذا الحديث، فقاله؛ فحبسَها الله عليهم في الحال. وكنتُ أنا مرّةً مع جماعة، فانفلتت منها بهيمةٌ وعجزوا عنها، فقلته، فوقفت في الحال بغيرِ سببٍ سوى هذا الكلام. 180 ـ بابُ ما يقولُهُ على الدَّابّةِ الصَّعْبَةِ [1/ 543] روينا في كتاب ابن السني، عن السيد الجليل المجمع على جلالته وحفظه وديانته وورعه ونزاهته وبراعته؛ أبي عبد الله يُونس بن عُبيد بن دينار البصري التابعي المشهور، رحمه الله قال: ليس رجل يكونُ على دابةٍ صعبةٍ فيقولُ في أُذُنِها {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ، وَلَهُ أسْلَمَ مَنْ في السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ طَوْعًا وكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعونَ} [آل عمران: 83] إلا وقفت بإذن الله تعالى. ¬

[542] ابن السني (509)، وقال الحافظ بعد تخريجه: حديث غريب، وفي السند انقطاع بين أبي بردة وابن مسعود. [543] ابن السني (511)، وقال الحافظ: هو خبر مقطوع، وراويه عن ابن دينار المنهال بن عيسى مجهول. الفتوحات الربانية 5/ 152.

181 ـ باب ما يقوله إذا رأى قرية يريد دخولها أولا يريده

181 ـ بابُ ما يقولُه إذا رأَى قريةً يُريدُ دخولَها أولا يريده [1/ 544] روينا في سنن النسائي وكتاب ابن السني، عن صُهيب رضي الله عنه: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يرَ قريةً يُريد دخولَها إلا قال حين يَراهَا: "اللَّهُمَّ رَبَّ السمَوَاتِ السَّبْعِ وَما أظْلَلْنَ، وَالأَرْضيِن السَّبْعِ وَما أقْلَلْنَ، وَرَبَّ الشَّياطينِ وَمَا أضْلَلْنَ، وَرَبَّ الرّياحِ وَمَا ذَرَيْنَ، أسألُكَ خَيْرَ هَذِهِ القَرْيَةِ وَخَيْرَ أهْلِها وَخَيْرَ ما فيها، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّها وَشَرّ أهْلها وَشَرّ ما فِيها". [2/ 545] وروينا في كتاب ابن السني، عن عائشةَ رضي الله تعالى عنها قالت: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا أشرفَ على أرضٍ يُريد دخولَها قال: "اللَّهُمَّ إني أسألُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ وَخَيْرِ ما جَمَعْتَ فِيها، وأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّها وَشَرّ ما جَمَعْتَ فِيها، اللَّهُمَّ ارْزُقْنا حَيَاها، وَأَعِذْنا مِنْ وَباهَا، وَحَبِّبْنا إلى أهْلِهَا، وَحَبِّبْ صَالِحي أهْلِها إِلَيْنا". 182 ـ بابُ ما يَدعُو به إذا خافَ ناسًا أو غيرَهم [1/ 546] روينا في سنن أبي داود والنسائي، بالإِسناد الصحيح، ما قدَّمناه من حديث أبي موسى الأشعري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خافَ قومًا قال:"اللَّهُمَّ إنَّا نَجْعَلُك في نُحُورِهِمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ" ويُستحبّ أن يدعوَ معه بدعاء الكرب وغيره مما ذكرناه معه. ¬

[544] النسائي (544)، وابن السني (525)، وحسَّنه الحافظ، وقال: أخرجه النسائي وابن خزيمة وابن حبّان والحاكم. الفتوحات الربانية 5/ 154. [545] ابن السني (528)، وقال الحافظ: في سنده ضعف. ثم ساق الحافظ للحديث طرقًا يعتضد بعضها بعضًا. الفتوحات الربانية 5/ 158ـ 159. [546] أبو داود (1537)، والنسائي في الكبرى، وقد تقدم برقم 1/ 319.

183 ـ باب ما يقول المسافر إذا تغولت الغيلان

183 ـ بابُ ما يقولُ المسافرُ إذا تَغَوَّلَت الغِيلان [1/ 547] روينا في كتاب ابن السني، عن جابر رضي الله عنه؛ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "إذَا تَغَوَّلَتْ لَكُمُ الغِيلان فَنادُوا بالأذَانِ". قلت: والغِيْلاَنُ جنسٌ من الجنّ والشياطين وهم سحرتُهم؛ ومعنى تغوّلت: تلوّنت في صور؛ والمراد ادفعوا شرّها بالأذان، فإن الشيطانَ إذا سمع الأذان أدبرَ. وقد قدَّمنا ما يشبُه هذا في باب ما يقولُ إذا عرضَ له شيطان، في أوّل كتاب الأذكار والدعوات للأمور العارضات، وذكرنا أنه ينبغي أنه يشتغلَ بقراءة القرآن للآيات المذكورة في ذلك. 184 ـ بابُ ما يَقولُ إذا نزلَ مَنزلًا [1/ 548] روينا في صحيح مسلم وموطأ مالك وكتاب الترمذي، وغيرها، عن خولةَ بنتِ حكيم رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ نَزَلَ مَنْزلًا ثُمَّ قالَ: أعُوذُ بِكَلِماتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرّ مَا خَلَقَ، لَم يَضُرُّهُ شَيْءٌ حَتى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذلكَ". [2/ 549] وروينا في سنن أبي داود وغيره، عن عبد الله بن عمر الخطاب رضي الله عنهما قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا سافَرَ فأقبلَ الليلُ ¬

[547] ابن السني (524)، قال الحافظ: بعد تخريجه: أخرجه النسائي، ورجاله ثقات إلا أن الحسن الراوي عن جابر من طريق لم يسمع منه عند الأكثر. انظر الفتوحات الربانية 5/ 161. [548] مسلم (2798)، والموطأ 2/ 978، والترمذي (3433). [549] أبو داود (2603)، والنسائي (563) في "اليوم والليلة". قال الحافظ: حسن، أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي، وأخرجه الحاكم وقال: صحيح الإِسناد. الفتوحات الربانية 5/ 164.

185 ـ باب ما يقول إذا رجع من سفره

قال: "يَا أرْضُ رَبِّي وَرَبُّكِ اللَّهُ، أعُوذُ باللَّهِ مِنْ شَرِّكِ وَشَرّ ما فِيكِ، وَشَرّ ما خُلِقِ فِيكِ، وَشَرّ ما يَدبُّ عَلَيْكِ؛ أعُوذُ بِكَ مِنْ أسَدٍ وأسْوَدَ، وَمِنَ الحَيَّةِ وَالعَقْرَبِ، وَمِنْ ساكِنِ البَلَدِ وَمِنْ وَالِدٍ وَما وَلَدَ" قال الخطابي: قوله "ساكن البلد" هم الجنّ الذين هم سكان الأرض؛ والبلد من الأرض: ما كان مأوى الحيوان وإن لم يكن فيه بناء ومنازل. قال: ويُحتمل أن يكون المراد بالوالد: إبليس، وما ولد: الشياطين، هذا كلام الخطابي، والأسود: الشخص، فكل شخص يُسمى أسود. 185 ـ بابُ ما يقولُ إذا رَجَعَ مِن سَفرِهِ السنّة أن يقول ما قدّمناه في حديث ابن عمر المذكور قريبًا في باب تكبير المسافر إذا صَعِدَ الثنايا. [1/ 550] وروينا في صحيح مسلم، عن أنس رضي الله عنه، قال: أقبلنا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم أنا وأبو طلحة، وصفيّة رديفته على ناقته، حتى إذا كنّا بظهر المدينة قال: "آيِبُونَ تائِبُونَ عابِدُون لِرَبِّنا حامِدُونَ" فلم يزلْ يقولُ ذلك حتى قَدِمْنَا المدينةَ. 186 ـ بابُ ما يقولُه المسافرُ بعدَ صلاةِ الصُّبْح اعلم أن المسافر يستحبّ له أن يقول ما يقوله غيره بعد الصبح، وقد تقدم بيانه (¬1). ¬

[550] مسلم (1345). (¬1) تقدم ص 144، رقم الباب 50

187 ـ باب ما يقول إذا رأى بلدته

[1/ 551] ويُستحب له مع ما رويناه في كتاب ابن السني، عن أبي برزة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلّى الصبح ـ قال الراوي: لا أعلم إلاّ قال في سفر ـ رفع صوته حتى يسمع أصحابه: "اللَّهُمَّ أصْلِحْ لي ديني الَّذي جَعَلْتَهُ عِصْمَةَ أمْرِي، اللَّهُمَّ أصْلِحْ لي دُنْيَايَ الَّتِي جَعَلْتَ فِيها مَعاشِي ـ ثلاثَ مرّات ـ اللَّهُمَّ أصْلِحْ لي آخِرَتِي التي جَعَلْتَ إِلَيْها مَرْجِعي ـ ثلاث مرات ـ اللَّهُمَّ أعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سُخْطِكَ؛ اللَّهُمَّ أعُوذُ بِكَ ـ ثلاثَ مرّات ـ لا مانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الجَدّ مِنكَ الجَدُّ". 187 ـ باب ما يقول إذا رَأَى بلدتَه المستحبُّ أن يقولَ ما قدَّمناه في حديث أنس في الباب الذي قبل هذا، وأن يقولَ ما قدَّمناهُ في باب ما يقولُ إذا رأى قرية، وأن يقول: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَنا بِهَا قَرَارًا وَرِزْقًا حَسَنًا". (¬1). 188 ـ بابُ ما يقولُ إذا قَدِمَ من سفرهِ فدخل بيتَه [1/ 552] روينا في كتاب ابن السني، عن ابن عباس رضي الله عنهما ¬

[551] ابن السني (516) وسنده ضعيف، وقد أخرج مسلم أوله عن أبي هريرة رضي الله عنه. وزاد مسلم في آخره "واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر" وسيأتي في باب جامع الدعوات برقم 18/ 1011. [552] ابن السني (536) وهو حديث حسن، حسنه الحافظ ابن حجر، وقال: أخرجه أحمد وابن السني. (¬1) لم يذكر النووي ـ رحمه الله مَن خرّجه ـ وهو حديث حسن أخرجه الطبراني في كتاب "الدعاء" عن أبي هريرة وذكر له الحافظ شاهدًا. الفتوحات الربانية 5/ 175

189 ـ باب ما يقال لمن يقدم من سفر

قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجع من سفره، فدخلَ على أهله قال: "تَوْبًا تَوْبًا لِرَبِّنا أوْبًا، لا يُغادِرُ حَوْبًا". قلت: توبًا توبًا: سؤال للتوبة، وهو منصوب إما على تقدير: تب علينا، وإما على تقدير نسألك توبًا توبًا؛ وأوبًا بمعناه من آب إذا رجع. ومعنى لا يغادر: لا يترك؛ وحَوْبًا معناه: إثمًا، وهو بفتح الحاء وضمّها لغتان. 189 ـ بابُ ما يُقال لمن يَقْدَمُ من سفر يستحبّ أن يُقال: الحَمْد لِلَّهِ الَّذِي سَلَّمَكَ، أوِ الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَمَعَ الشَّمْلَ بِكَ، أو نحو ذلك، قال الله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم:7] وفيه أيضًا حديث عائشة رضي الله عنها المذكور في الباب بعده. 190 ـ بابُ ما يُقال لمن يَقْدَمُ من غزو [1/ 553] روينا في كتاب ابن السني، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزو، فلما دخل استقبلتُه فأخذتُ بيده، فقلت: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي نَصَرَكَ وأعَزَّكَ وأكْرَمَكَ. 191 ـ بابُ ما يُقال لمن يَقْدَمُ من حَجّ وما يقولُه [1/ 554] روينا في كتاب ابن السني، عن ابن عمر رضي الله ¬

[553] ابن السني (537) قال الحافظ: وأخرجه مسلم والنسائي وأبو داود. [554] ابن السني (538)، وهو حديث ضعيف، ضعّفه الحافظ بعد تخريجه من طريق الطبراني.

عنهما قال: جاءَ غلامٌ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إني أُريدُ الحجّ، فمشى معه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا غُلامُ! زَوَّدَكَ اللَّهُ التَّقْوَى، وَوَجَّهَكَ في الخَيْرِ، وَكَفَاكَ الهَمَّ" فلما رجع الغلام سلَّم على النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: "يا غُلامُ! قَبِلَ اللَّهُ حَجَّكَ، وَغَفَرَ ذَنْبَكَ، وأخْلَفَ نَفَقَتَكَ". [2/ 555] وروينا في سنن البيهقي، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحاجّ وَلِمَنِ اسْتَغْفَرَ لَهُ الحاج" قال الحاكم: هو صحيحٌ على شرط مسلم. ¬

[555] السنن الكبرى للبيهقي 5/ 261، وقال الحافظ: حديث حسن أخرجه البزار وابن خزيمة والحاكم.

كتاب أذكار الأكل والشرب

كتاب أذكار الأكل والشّرب 192 ـ بابُ ما يقولُ إذا قُرِّب إليه طعامُه [1/ 556] روينا في كتاب ابن السني، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في الطعام إذا قُرِّبَ إليه: "اللَّهُمَّ بارِكْ لَنا فِيما رَزَقْتَنا، وَقِنا عَذَابَ النَّارِ، باسم اللَّهِ". 193 ـ بابُ استحباب قول صاحب الطعام لِضِيْفَانِه عندَ تقديم الطَّعام: كُلوا، أو ما في مَعناه اعلم أنه يُستحبّ لصاحِب الطعام أن يقولَ لضيفه عند تقديم الطعام: باسم الله، أو كُلوا، أو الصَّلاة، أو نحو ذلك من العبارات المصرِّحة بالإِذن في الشروع في الأكل، ولا يجب هذا القول، بل يكفي تقديمُ الطعام إليهم، ولهم الأكل بمجرّد ذلك من غير اشتراط لفظ، وقال بعض أصحابنا: لا بدّ من لفظ، والصوابُ الأوّل، وما ورد في الأحاديث الصحيحة من لفظ الإِذن في ذلك: محمول على الاستحباب. ¬

[556] ابن السني (459)، وهو حديث ضعيف، في سنده ابن أبي الرُّعَيْرعة، وهو ضعيف. انظر الفتوحات الربانية 5/ 178.

194 ـ باب التسمية عند الأكل والشرب

194 ـ باب التسمية عند الأكلِ والشُّربِ [1/ 557] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ". [2/ 558] وروينا في سنن أبي داود والترمذي، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا أكَلَ أحَدُكُمْ فَلْيَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ تَعالى في أوَّلِهِ، فإنْ نَسِيَ أنْ يَذْكُر اسْمَ اللَّهِ تَعالى في أوَّلِهِ فَلْيَقُلْ: باسم اللَّهِ أوَّلَهُ وآخِرَهُ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. [3/ 559] وروينا في صحيح مسلم، عن جابر رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ تَعالى عنْدَ دُخُولِهِ وَعنْدَ طَعامِهِ، قالَ الشَّيْطانُ: لا مَبِيتَ لَكُمْ وَلا عَشاءَ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ تَعالى عنْدَ دُخُولِهِ قالَ الشَّيْطانُ: أدْرَكْتُمُ المَبِيتَ، وَإذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ تَعالى عِنْدَ طَعامِهِ قالَ: أدْرَكْتُمُ المَبِيتَ وَالعَشاءَ". [4/ 560] وروينا في صحيح مسلم أيضًا، في حديث أنس المشتمل على معجزةٍ ظاهرةٍ من معجزاتِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لمَّا دعاهُ أبو طلحةَ وأُمُّ سُليم للطعام، قال: ثم قال النبيّ صلى الله عليه وسلم "ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ" فأذن لهم، فدخلُوا ¬

[557] البخاري (5376)، ومسلم (2022)، والموطأ 2/ 934، وأبو داود (3777)، والترمذي (1858)، وابن ماجه (3267)، والنسائي (278). وتتمته: "وكُلْ مما يليكَ". [558] أبو داود (3767)، والترمذي (1859)، حسَّنه الحافظ، وقال: أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم. وهو عند النسائي في "عمل اليوم والليلة" (281). [559] مسلم (2018)، وأبو داود (3765). [560] مسلم (2040).

فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: كُلُوا وسَمُّوا اللَّهَ تَعالى" فأكلُوا حتى فعلَ ذلك بثمانين رجلًا. [5/ 561] وروينا في صحيح مسلم أيضًا، عن حذيفة رضي الله عنه قال: كنّا إذا حضرْنَا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم طعامًا لم نضعْ أيدينا حتى يبدأ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فيضعُ يدَه، وإنّا حضرنا معه مرّة طعامًا فجاءت جارية كأنها تدفعُ، فذهبتْ لتضعَ يدَها في الطعام فأخذَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بيدها، ثم جاءَ أعرابيٌّ كأنما يَدْفَعُ، فأخذَ بيدِه، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الشَّيْطانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعامَ أنْ لا يُذْكَرَ اسْمُ الله عَلَيْه، وأنَّهُ جاءَ بهَذِهِ الجارِيَةِ لِيَسْتَحِلَّ بِهَا، فأخَذْتُ بِيَدِها، فَجاءَ الأعْرابِيّ لِيَسْتَحِلَّ بِهِ، فأخَذْتُ بِيَدِهِ، وَالَّذي نَفْسِي بِيَدِه إنَّ يَدَهُ في يَدِي مَعَ يَدِهِما" ثم ذكر اسم الله تعالى وأكل. [6/ 562] وروينا في سنن أبي داود والنسائي، عن أميّة بن مَخْشِيٍّ الصحابي رضي الله عنه قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم جالسًا ورجلٌ يأكلُ، فلم يُسمّ حتى لم يبقَ من طعامه إلا لقمة، فلما رفعها إلى فِيه قال: باسم الله أوّله وآخرُه، فضحكَ النبيّ صلى الله عليه وسلم ثم قال: "ما زَالَ الشَّيْطانُ يأكُلُ مَعَهُ، فَلَمَّا ذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ اسْتَقَاءَ ما في بَطْنِهِ" قلتُ مَخْشِيّ، بفتح الميم وإسكان الخاء وكسر الشين المعجمتين وتشديد الياء؛ وهذا الحديث محمول على أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يعلمْ تركَه التسمية إلا في آخر أمره، إذ لو علم ذلك لم يسكتْ عن أمره بالتسمية. [7/ 563] وروينا في كتاب الترمذي، عن عائشةَ رضي الله عنها ¬

[561] مسلم (2017)، وأبو داود (3766)، والنسائي (273)، وابن السني (460)، والحاكم في المستدرك 4/ 108. [562] أبو داود (3768)، والنسائي (282)، والمسند 4/ 336، والحاكم 4/ 108 وصححه، وأقرّه الذهبي. [563] الترمذي (1859)، وتقدم قريبًا برقم 2/ 558.

قالت: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يأكلُ طعامًا في ستة من أصحابه، فجاء أعرابيٌّ فأكلَه بلقمتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما إنَّهُ لَوْ سَمَّى لَكَفاكُمْ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. [8/ 564] وروينا، عن جابر رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ نَسِيَ أنْ يُسَمِّيَ على طَعامِهِ، فَلْيَقْرأ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أحَدٌ إذَا فَرَغَ". قلت: أجمع العلماءُ على استحباب التسمية على الطعام في أوّلِه، فإن تركَ في أوله عامدًا أو ناسيًا أو مُكرهًا أو عاجزًا لعارض آخر ثم تمكن في أثناء أكلِه، استحبّ أن يسمّي للحديث المتقدم ويقول: باسم الله أوله وآخره، كما جاء في الحديث. والتسميةُ في شرب الماء واللبن والعسل والمرق وسائر المشروبات كالتسمية في الطعام في جميع ما ذكرناه. قال العلماء من أصحابنا وغيرهم: ويُستحبُّ أن يجهرَ بالتسمية ليكونَ فيه تنبيهٌ لغيره على التسمية وليُقتدى به في ذلك، والله أعلم. [فصل]: من أهمّ ما ينبغي أن يُعرف صفةُ التسمية وقدرُ المجزىء منها، فاعلم أنَّ الأفضلَ أن يقولَ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فإن قال: بِسْمِ اللهِ، كفاهُ وحصلَتِ السُّنّة، وسواء في هذا الجنب والحائض وغيرهما، وينبغي أن يُسمِّيَ كل واحد من الآكلين، فلو سمَّى واحدٌ منهم أجزأ عن الباقين، نصّ عليه الشافعي رضي اللَّه عنه، وقد ذكرتُه عن جماعة في كتاب الطبقات في ترجمة الشافعي، وهو شبيه بردّ السلام وتشميت العاطس، فإنه يُجزىء فيه قولُ أحدِ الجماعة. ¬

[564] ابن السني (462)، قال ابن علاّن: كذا بالأصل، غير مُبيّن مَن خرّجه، وهو في كتاب ابن السني كما قال الحافظ. وقد تفرّد بروايته حمزة النصيبي، قال الحافظ: هو وضاعٌ عند أهل العلم بالرجال. الفتوحات الربانية 5/ 192.

195 ـ باب لا يعيب الطعام والشراب

195 ـ بابُ لا يعيبُ الطعامَ والشرابَ [1/ 565] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما عابَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم طعامًا قطّ، إن اشتهاه أكلَه، وإن كرهَه تركَه. وفي رواية لمسلم: وإن لم يشتهه سكت. [2/ 566] وروينا في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه، عن هُلْب (¬1) الصحابي رضيَ الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وسأله رجلٌ: إن من الطعام طعامًا أتحرّجُ منه؟ فقال: "لا يَتَحَلَّجَنَّ في صَدْرِكَ شَيْءٌ ضَارَعْتَ بِهِ النَّصْرانِيَّةَ". قلتُ: هُلْب بضمّ الهاء وإسكان اللام وبالباء الموحدة. وقوله يَتَحَلَّجَنَّ، هو بالحاء المهملة قبل اللام والجيم بعدها، هكذا ضبطه الهروي والخطابي والجماهير من الأئمة، وكذا ضبطناه في أصول سماعنا سنن أبي داود وغيره بالحاء المهملة، وذكره أبو السعادات ابن الأثير بالمهملة أيضًا، ثم قال: ويُروى بالخاء المعجمة، وهما بمعنى واحد. قال الخطابي: معناه لا يقع في ريبة منه. قال: وأصله من الحلج: هو الحركة والاضطراب، ومنه حَلَجَ القطن. قال: ومعنى ضارعتَ النصرانية: أي قاربتها في الشبه، فالمضارعة: المقاربة في الشبه. ¬

[565] البخاري (5409)، ومسلم (2064)، وأبو داود (3764)، والترمذي (2032). [566] أبو داود (3784)، والترمذي (1565)، وابن ماجه (2830). (¬1) " عن هُلْب الصحابي رضي الله عنه": ضبطه المصنف كما سيأتي وغيره بضمّ الهاء وسكون اللام وبالباء الموحدة، وهو هُلْبٌ الطائي، أو قبيصة، مختلف في اسمه. فقيل: زيد بن قيافة، قاله البخاري؛ وقيل: زيد بن عديّ بن قيافة بن عديّ بن عبد شمس بن عديّ بن أحزم، يجتمع هو وعديّ بن أحزم الطائي في عديّ بن أحزم؛ وإنما قيل له الهلب لأنه كان أقرعَ، فمسح النبيّ صلى الله عليه وسلم رأسَه، فنبت شعرُه، وهو كوفي روى عنه ابنه قبيصة أحاديث، منها حديث الباب. الفتوحات الربانية 5/ 197

196 ـ باب جواز قوله: لا أشتهي هذا الطعام أو ما اعتدت أكله ونحو ذلك إذا دعت إليه حاجة

196 ـ بابُ جواز قوله: لا أشتهي هذا الطعام أو ما اعتدتُ أكله ونحو ذلك إذا دعت إليه حاجةٌ [1/ 567] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن خالد بن الوليد رضي الله عنه في حديث الضَّبِّ لما قدَّموه مشويًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأهوى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بيده إليه، فقالوا: هو الضَّبُّ يا رسولَ الله! فرفعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يدَه، فقال خالد: أحرام الضَّبُّ يا رسول الله؟! قال: "لا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأرْضِ قَوْمي فأجِدُنِي أعافُهُ". 197 ـ بابُ مَدحِ الآكلِ الطعامَ الذي يأكلُ منه [1/ 568] روينا في صحيح مسلم، عن جابر رضي الله عنه؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم سألَ أهلَه الأُدْمَ، فقالوا: ما عندنا إلاَّ خَلّ، فدعا به فجعلَ يأكلُ منه ويقول: "نِعْمَ الأدْمُ الخَلُّ، نِعْمَ الأُدْمُ الخَلُّ". 198 ـ بابُ ما يقولُه من حَضَرَ الطعامُ وهو صائمٌ إذا لم يُفطر [1/ 569] روينا في صحيح مسلم، عن أبي هُريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فإنْ كانَ صَائِمًا ¬

[567] البخاري (5391)، ومسلم (1945)، والموطأ 2/ 978، وأبو داود (3793) و (3794)، والنسائي 7/ 198ـ199. [568] مسلم (2052)، وأبو داود (3820)، والترمذي (1840) و (1843). والنسائي 7/ 14. [569] مسلم (1431) و (1432)، وأبو داود (3742)، والترمذي (781).

199 ـ باب ما يقوله من دعي لطعام إذا تبعه غيره

فلْيُصَلِّ، وَإنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ" قال العلماء: معنى فليصل: أي فليدع. [2/ 570] وروينا في كتاب ابن السني وغيره، قال فيه: "فإنْ كانَ مُفْطِرًا فَلْيَأكُلْ، وَإنْ كَانَ صَائِمًا دَعا لَهُ بالبَرَكَةِ". 199 ـ بابُ ما يقولُه مَن دُعِي لطعامٍ إذا تَبِعَه غيرُه [1/ 571] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي مسعودٍ الأنصاري قال: دعا رجلٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لطعامٍ صنعَه له خامسَ خمسةٍ، فتبعهُم رجلٌ، فلما بلغَ البابَ قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ هَذَا اتَّبَعَنا فإنْ شِئْتَ أَنْ تأذَنَ لَهُ، وَإِنْ شِئْتَ رَجَعَ" قال: بل آذنُ له يا رسولَ الله! 200 ـ بابُ وَعْظِهِ وتأديبِهِ مَنْ يُسيءُ في أكلِه [1/ 572] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عمر بن أبي سلمةَ رضي الله عنهما قال: كنتُ غلامًا في حِجْر رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فكانتْ يدي تطيشُ في الصحفة، فقال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يا غُلامُ! سَمّ الله تعالى، وكُلْ بِيَمينِكَ، وكُلْ مِمَّا يَلِيكَ" وفي رِوَاية في الصحيح قال: أكلتُ يومًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلتُ آكلُ من نواحي الصحفة، فقال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "كُلْ مِمَّا يَلِيكَ". قُلت: قولُه تطِيشُ، بكسر الطاء وبعدها ياء مثناة من تحت ساكنة، ومعناه: تتحرّك وتمتدّ إلى نواحي الصحفة ولا تقتصرُ على موضع واحد. ¬

[570] ابن السني (410)، والنسائي (300) في "اليوم والليلة"، عن عبد الله بن مسعود، وإسناده صحيح. [571] البخاري (5434)، ومسلم (2036)، والترمذي (1099). [572] البخاري (5376)، ومسلم (2022)، وتقدم برقم 1/ 557.

201 ـ باب استحباب الكلام على الطعام

[2/ 573] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن جبلةَ بن سحيم قال: أصابَنَا عامُ سَنةٍ مع ابن الزبير، فرزقنا، فكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يمرّ بنا ونحن نأكلُ، ويقولُ: لا تقارِنُوا، فإن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن الإِقران، ثم يقول: إلاَّ أنْ يَسْتأذِنَ الرَّجُلُ أخاهُ. قلت: قوله لا تقارنوا: أي لا يأكل الرجل تمرتين في لقمة واحد. [3/ 574] وروينا في صحيح مسلم، عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه؛ أن رجلًا أكل عندَ النبيّ صلى الله عليه وسلم بشماله، فقال: "كُلْ بِيَمِيْنِكَ" (¬1)، قال: لا أستطيعُ، قال: "لا اسْتَطَعْتَ" (¬2)، ما منعه إلا الكِبْر (¬3)، فما رفعها إلى فِيْه. قلتُ: هذا الرجل هو بُسر بضم الموحدة وبالسين المهملة: ابن راعي العَير بالمثناة وفتح العين، وهو صحابي، وقد أوضحتُ حالَه، وشرح صحيح مسلم" والله أعلم. 201 ـ بابُ استحباب الكَلامِ على الطَّعام فيه حديث جابر (¬4) الذي قدَّمناه في باب مدح الطعام. قال الإِمام أبو حامد الغزالي في "الإِحياء": من آداب الطعام أن يتحدَّثوا في حال أكله ¬

[573] البخاري (2455)، ومسلم (2045)، وأبو داود (3834)، والترمذي (1815). [574] مسلم (2021). (¬1) " كُلْ بيمينك": فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى في الأكل، وسبق الخلاف في أن الأمر هنا للإِيجاب أو للاستحباب؛ وعلى كونه للاستحاب فالدعاء عليه لكونه قصد مخالفة المرام النبويّ (¬2) "لا استطعت": فيه جواز الدعاء على مَن خالف الحكم الشرعي بلا إذن (¬3) "ما منعه إلا الكِبر": قال القاضي عياض: يدلّ هذا على أنه كان منافقًا، وتعقبه المصنّف بأن مجرّد الكبر والمخالفة لا تقتضي النفاق والكفر، لكنه معصية إن كان الأمر أمر إيجاب، ومحلّ النهي عن الأكل بالشمال، حيث لا عذر، فإن كان عذر يمنع عن الأكل باليمين من مرض وجراحة أو غير ذلك فلا كراهة في الأكل بالشمال (¬4) انظر الحديث برقم 1/ 568

202 ـ باب ما يقوله ويفعله من يأكل ولا يشبع

بالمعروف، ويتحدّثوا بحكايات الصالحين في الأطعمة وغيرها. 202 ـ بابُ ما يقولُهُ ويفعلُه من يأكلُ ولا يَشبعُ [1/ 575] روينا في سنن أبي داود وابن ماجه، عن وحشيِّ بن حرب رضي الله عنه؛ أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسولَ الله! إنّا نأكلُ ولا نشبعُ، قال: "فَلَعَلَّكُم تَفْتَرِقُونَ، قالوا: نعم، قال: فاجْتَمِعُوا على طَعامِكُمْ واذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ يُبَارَكْ لَكُمْ فيه". 203 ـ بابُ ما يقولُ إذا أكلَ مع صَاحبِ عَاهَةٍ [2/ 576] روينا في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه، عن جابر رضي الله عنه؛ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أخذَ بيدِ مجذومٍ فوضعَها معه في القَصعةِ، فقال: "كُلْ باسم اللَّهِ ثِقَةً بِاللَّهِ وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ". 204 ـ بابُ استحباب قولِ صاحبِ الطَّعام لضيفهِ ومَنْ في معناهُ إذا رفع يده من الطعام "كُلْ" وتكريرُه ذلك عليه ما لم يتحقّقْ أنه اكتفى منه وكذلك يفعلُ في الشرابِ والطِّيبِ ونحو ذلك اعلم أن هذا مُستحبّ، حتى يُستحبّ ذلك للرجل مع زوجته وغيرها من ¬

[575] أبو داود (3764)، وابن ماجه (3286)، وهو حديث حسن، حسّنه الحافظ ابن حجر بشواهده، وأخرجه أحمد وأبو داود، وابن حبّان والحاكم. [576] أبو داود (3925)، والترمذي (1818)، وابن ماجه (3542)، وقال الحافظ بعد تخريجه: هذا حديث حسن، وصحَّحه ابن خزيمة والحاكم، وفي ذلك نظر، فقد قال الترمذي: غريب، لا نعرفه إلا من حديث مفضل بن فضالة ... وهو ضعيف. الفتوحات الربانية 5/ 216.

205 ـ باب ما يقول إذا فرغ من الطعام

عيالِه، الذين يُتوهم منهم أنهم رفعوا أيديهم ولهم حاجةٌ إلى الطعام وإن قلَّت. ومما يُستدّل به في ذلك: [1/ 577] ما رويناهُ في صحيح البخاري، عن أبي هريرة رضي الله عنه في حديثه الطويل المشتمل على معجزاتٍ ظاهرةٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لما اشتدّ جوعُ أبي هريرة وقعدَ على الطريق يستقرىءُ مَن مَرَّ به القرآن معرّضًا بأن يُضيفه، ثم بعثه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل الصفّةِ فجاءَ بهم فأرْواهم أجمعينَ من قدحِ لبنٍ، وذكر الحديث إلى أن قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "بَقِيتُ أنا وَأنْتَ" قلتُ: صَدقتَ يا رسولَ الله! قال: "اقْعُدْ فاشْرَبْ" فقعدتُ فشربتُ، فقال: "اشْرَبْ" فَشَرِبْتُ، فَمَا يَقُولُ اشْرَبْ، حتى قلتُ: لا، والذي بعثك بالحقّ لا أجد له مَسْلَكًا، قال: فأرِني، فأعطيته القدحَ فحمد الله تعالى وسمَّى وشربَ الفضلةَ. 205 ـ بابُ ما يقولُ إذا فَرَغَ من الطَّعامِ [1/ 578] روينا في صحيح البخاري، عن أبي أُمامةَ رضي الله عنه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع مائدته قال: "الحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا طَيِّبًا مُبارَكًا فِيهِ غَيْرَ مَكْفيٍّ وَلا مُوَدَّعٍ وَلا مُسْتَغْنىً عَنْهُ رَبَّنا" وفي رواية "كان إذا فَرَغَ من طعامِه" وقال مرّة: إذا رفع مائدته قال: "الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفانا وأرْوَانا غَيْرَ مَكْفِيّ ولا مَكْفُورٍ". قلتُ: مكفيّ بفتح الميم وتشديد الياء، هذه الرواية الصحيحة الفصيحة، ورواه أكثر الرواة بالهمز وهو فاسد من حيث العربية، سواء كان ¬

[577] البخاري (6452). [578] البخاري (5458)، وأبو داود (3849)، والترمذي (3452)، والنسائي (284).

من الكفاية أو من كفأت الإِناء، كما لا يقال في مقروء من القراءة: مقرىء، ولا في مرمىْ بالهمز. قال صاحب مطالع الأنوار في تفسير هذا الحديث: المراد بهذا المذكور كله الطعام، وإليه يعود الضمير. قال الحربيّ: فالمكفيّ: الإِناء المقلوب للاستغاء عنه كما قال "غير مستغنى عنه" أو لعدمه، وقوله غير مكفور: أي غير مجحود نِعمَ الله سبحانه وتعالى فيه، بل مشكورة، غير مستور الاعتراف بها والحمد عليها. وذهب الخطابي إلى أن المراد بهذا الدعاء كله البارىء سبحانه وتعالى، وأن الضمير يعود إليه، وأن معنى قوله غير مكفيّ: أنه يُطْعِمُ ولا يُطْعَمُ كأنه على هذا من الكفاية، وإلى هذا ذهب غيره في تفسير هذا الحديث: أي إن الله تعالى مستغنٍ عن معين وظهير، قال: وقوله لا مودّع: أي غير متروك الطلب منه والرغبة إليه، وهو بمعنى المستغنى عنه، وينتصب ربنا على هذا بالاختصاص أو المدح أو بالنداء كأنه قال: يا ربنا اسمع حمدنا ودعاءنا، ومن رفعه قطعه وجعله خبرًا، وكذا قيده الأصيلي كأنه قال: ذلك ربّنا: أي أنت ربنا، ويصحّ فيه الكسر على البدل من الاسم في قوله الحمد لله. وذكر أبو السعادات ابن الأثير في نهاية الغريب نحو هذا الخلاف مختصرًا. وقال ومن رفع ربّنا فعلى الابتداء المؤخر: أي ربنا غير مكفيّ ولا مودع، وعلى هذا يرفع غير. قال: ويجوز أن يكون الكلام راجعًا إلى الحمد كأنه قال: حمدًا كثيرًا غير مكفي ولا مودّع ولا مستغنى عن هذا الحمد. وقال في قوله ولا مودّع: أي غير متروك الطاعة، وقيل هو من الوداع وإليه يرجع، والله أعلم. [2/ 579] وروينا في صحيح مسلم، عن أنس رضي الله عنه، قال: ¬

[579] مسلم (2734)، ولفظه "أن يأكلَ الأكلة .. أو يشربَ" وهو عند الترمذي (1817).

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله تعالى لَيَرْضَى عَنِ العَبْدِ يأكُلُ الأكْلَةَ فَيَحْمَدُهُ عَلَيْها، ويَشْرَبُ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدُهُ عَلَيْها". [3/ 580] وروينا في سنن أبي داود وكتابي "الجامع" و"الشمائل" للترمذي، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا فَرَغ من طعامه قال: "الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي أطْعَمَنَا وَسَقانا وَجَعَلَنا مُسْلِمِينَ". [4/ 581] وروينا في سنن أبي داود والنسائي، بالإِسناد الصحيح، عن أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكَلَ أو شَرِبَ قال: "الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي أطْعَمَ وَسَقَى، وَسَوَّغَهُ، وَجَعَلَ لَهُ مَخْرَجًا". [5/ 582] وروينا في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه، عن معاذ بن أنس رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أكَلَ طَعامًا فَقالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أطْعَمَنِي هَذَا وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلاَ قُوَّةٍ، غُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" قال الترمذي: حديث حسن. قال الترمذي: وفي الاب ـ يعني باب الحمد على الطعام إذا فرغَ منه ـ عن عقبةَ بن عامر وأبي سعيد وعائشة وأبي أيوب وأبي هريرة. [6/ 583] وروينا في سنن النسائي وكتاب ابن السني، بإسناد حسن، عن عبد الرحمن بن جُبير التابعي؛ بأنه حدَّثه رجلٌ خدمَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ثماني ¬

[580] أبو داود (3850)، والترمذي (3453)، وابن ماجه (3283)، وقد حسّنه الحافظ، وذكر ممّن خرّجه الإِمام أحمد، والطبراني، والنسائي في اليوم والليلة رقم (289)، وهو في المسند 3/ 32 و 98. [581] أبو داود (3851)، والنسائي (285)، وقال الحافظ: الحديث صحيح أخرجه أبو يعلى وابن حبّان والطبراني في "الدعاء". [582] أبو داود (4023)، والترمذي (3454)، وابن ماجه (3285)، وهو حديث حسن. [583] النسائي في الكبرى، وابن السني (466)، وقال الحافظ: هذا حديث صحيح.

سنين أنه كان يسمعُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم إذا قَرَّبَ إليه طعامًا يقول: "باسم اللَّهِ" فإذا فَرغَ من طعامه قال: "اللَّهُمَّ أطْعَمْتَ وَسَقَيْتَ وَأغْنَيْتَ وأقْنَيْتَ وَهَدَيْتَ وأحْسَنْتَ، فَلَكَ الحَمْدُ على ما أعْطَيْتَ". [7/ 584] وروينا في كتاب ابن السني، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان يقول في الطعام إذا فرغَ: "الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي مَنَّ عَلَيْنا وَهَدَانا، وَالَّذي أشْبَعَنا وَأرْوَانا، وكُلَّ الإِحْسانِ آتانا". [8/ 585] وروينا في سنن أبي داود والترمذي وكتاب ابن السني، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا أكَلَ أحَدُكُمْ طَعامًا" وفي رواية ابن السني "مَنْ أطْعَمَهُ اللَّهُ طَعامًا فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ بارِكْ لَنا فِيهِ وأطْعِمْنا خَيْرًا مِنْهُ، وَمَنْ سَقاهُ اللَّهُ تعالى لَبَنًا فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ بارِكْ لَنا فِيهِ وَزِدْنا مِنْهُ، فإنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُجْزِىءُ منَ الطَّعامِ وَالشَّرَابِ غَيْرَ اللَّبَنِ" قال الترمذي: حديث حسن. [9/ 586] وروينا في كتاب ابن السني، بإسناد ضعيف، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا شرب في الإِناء تنفَّسَ ثلاثة أنفاسٍ يحمد الله تعالى في كل نفس، ويشكرُه في آخره. ¬

[584] ابن السني (467)، وتقدم بعضه 1/ 556 وذكر الحافظ لهذا الجزء منه شواهد يقوى بها. [585] أبو داود (3730)، والترمذي (3451)، وابن السني (475)، والنسائي (286)، وهو حديث حسن. [586] ابن السني (472) وسنده ضعيف، وذكر له الحافظ شاهدًا من حديث أبي هريرة، أخرجه من طريق الطبراني والخرائطي.

206 ـ باب دعاء المدعو والضيف لأهل الطعام إذا فرغ من أكله

206 ـ بابُ دعاءِ المدعوّ والضيفَ لأهلِ الطَّعامِ إذا فَرَغَ من أكلهِ [1/ 587] روينا في صحيح مسلم، عن عبد الله بن بُسْرٍ ـ بضمّ الباء وإسكان السين المهملة ـ الصحابيّ، قال: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي: فقرّبنا إليه طعامًا ووَطْبَةً فأكل منها، ثم أُتيَ بتمر فكان يأكلُه ويُلقي النَّوَى بين أصبعيه ويجمعُ السبَّابَةَ والوُسطى ـ قال شعبة: هو ظني وهو فيه إن شاء الله تعالى إلقاءُ النَّوى بين الأصبعين ـ ثم أُتي بشرابٍ فشربَه، ثم ناولَه الذي عن يمينه، فقال أبي، وأخذَ بلجامِ دابّته: ادعُ اللَّهَ لنا، فقال: "اللَّهُمَّ بارِكْ لَهُمْ فِيما رَزَقْتَهُمْ، وَاغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ". قلتُ: الوطبة بفتح الواو وإسكان الطاء المهملة بعدها باء موحدة: وهي قربة لطيفة يكون فيها اللبن. [1/ 588] وروينا في سنن أبي داود وغيره، بالإِسناد الصحيح، عن أنس رضي الله عنه؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم جاء إلى سعد بن عبادة رضي الله عنه، فجاء بخبزٍ وزيْتٍ فأكل، ثم قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "أفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ، وأكَلَ طَعَامَكُمُ الأبْرَارُ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ المَلائِكَةُ". [3/ 589] وروينا في سنن ابن ماجه، عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: أفطرَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم عند سعد بن معاذ، فقال: "أفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ" الحديث. ¬

[587] مسلم (2042)، وأبو داود (3729)، والترمذي (3571)، والنسائي (291) في "اليوم والليلة"، وهو عند أحمد في المسند 4/ 187 و 188 و 190. [588] أبو داود (3854) وقد تقدم برقم 1/ 485. [589] ابن ماجه (1747)، وقال في الزوائد: في إسناده مصعب بن ثابت، عن عبد الله بن الزبير ضعيف.

207 ـ باب دعاء الإنسان لمن سقاه ماء أو لبنا ونحوهما

قلتُ: فهما قضيتان جرتا لسعد بن عبادة وسعد بن معاذ. [4/ 590] وروينا في سنن أبي داود، عن رجل عن جابر رضي الله عنه قال: صنعَ أبو الهيثم بن التَّيِّهَان للنبيّ صلى الله عليه وسلم طعامًا، فدعا النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابَه، فلما فرغوا، قال: "أثِيبُوا أخاكُمْ" قالوا: يا رسول الله! وما إثابته؟ قال: "إنَّ الرَّجُلَ إذَا دُخلَ بَيْتُهُ فأُكِلَ طَعامُهُ وَشُرِبَ شَرَابُهُ، فَدَعَوْا لَهُ، فَذَلِكَ إثابَتُهُ". 207 ـ بابُ دُعاءِ الإِنسانَ لمن سَقَاهُ ماءً أو لبنًا ونحوهما [1/ 591] روينا في صحيح مسلم، عن المقداد رضي الله عنه في حديثه الطويل المشهور قال: فرفع النبيُّ صلى الله عليه وسلم رأسَه إلى السماء، فقال: "اللَّهُمَّ أطْعِمْ مَنْ أطْعَمَنِي، وَاسْقِ مَنْ سَقانِي". [2/ 592] وروينا في كتاب ابن السني، عن عمرو بن الحَمِقِ رضيَ الله عنه؛ أنه سقى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لَبَنًا فقال:" اللَّهُمَّ أمْتِعْهُ بِشَبابِه" فمرّتْ عليه ثمانون سنةً لم يرَ شعرةً بيضاء. قلت: الحَمِق بفتح الحاء المهملة وكسر الميم. [3/ 593] وروينا فيه، عن عمرو بن أخطب، بالخاء المعجمة وفتح الطاء رضي الله عنه قال: اسْتَسْقَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فأتيتُه بماء في جمجمة ¬

[590] أبو داود (3853) قال الحافظ: وسنده ضعيف، وله شواهد يعتضد بها. انظر الفتوحات 5/ 248. [591] مسلم (2055). [592] ابن السني (476) وإسناده ضعيف كما قال الحافظ، لكن له شاهدان عند الطبراني وابن السني من وجهين. الفتوحات الربانية 5/ 255. [593] ابن السني (478) وهو حديث حسن، أخرجه أحمد وابن حبّان والحاكم. انظر الفتوحات الربانية 5/ 255.

208 ـ باب دعاء الإنسان وتحريضه لمن يضيف ضيفا

وفيها شعرة فأخرجتُها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ جَمِّلْهُ" قال الراوي: فرأيته ابن ثلاث وتسعين أسود الرأس واللحية. قلت: الجُمْجُمة بجيمين مضمومتين بينهما ميم ساكنة، وهي قدح من خشب وجمعها جماجم، وبه سمي دير الجماجم، وهو الذي كانت به وقعة ابن الأشعث مع الحجاج بالعراق، لأنه كان يُعمل فيه أقداح من خشب، وقيل: سمي به لأنه بُنِي من جماجم القتلى لكثرة من قُتل. 208 ـ بابُ دعاءِ الإِنسان وتحريضِه لمن يُضيِّفُ ضَيْفًا [1/ 594] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضيفَه فلم يكنْ عندَه ما يضيفُه، فقال: "ألا رَجُلٌ يُضِيفُ هَذَا رَحِمَهُ اللَّهُ" فقام رجل من الأنصار فانطلق به. وذكر الحديث. 209 ـ بابُ الثناءِ على مَنْ أكرمَ ضيفَه [1/ 595] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إني مجهودٌ، فأرسلَ إلى بعض نسائِه فقالتْ: والذي بعثكَ بالحقّ ما عندي إلا ماءٌ، ثم أرسلَ إلى أخرى فقالت مثلَ ذلك، حتى قلنَ كلهنّ مثلَ ذلك، فقال: "مَنْ يُضِيفُ هَذَا اللَّيْلَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ" فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسولَ الله! فانطلقَ به إلى رحلِه فقال لامرأته: هل عندكِ شيءٌ؟ قالت: لا، إلا قوتُ صبياني، قال: فعلِّليهم بشيء، فإذا دخلَ ضيفُنا فأطفئي السراجَ وأريه أنَّا نأكلُ، فإذا أهوى ¬

[594] البخاري (3798)، ومسلم (2053). [595] البخاري (4889)، ومسلم (2054).

210 ـ باب استحباب ترحيب الإنسان بضيفه وحمده الله تعالى على حصوله ضيفا عنده وسروره بذلك وثنائه عليه لكونه جعله أهلا لذلك

ليأكلَ فقومي إلى السِّراجِ حتى تطفئيه، فقعدُوا وأكلَ الضيفُ، فلما أصبحَ غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "قَدْ عَجِبَ اللَّهُ مِنْ صُنْعِكُما بِضَيْفِكُما اللَّيْلَةَ" فأنزل الله تعالى هذه الآية {وَيُؤْثِرُونَ على أنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9]. قلتُ: وهذا محمولٌ على أن الصبيان لم يكونوا محتاجين إلى الطعام حاجة ضرورية، لأن العادةَ أن الصبيّ وإن كان شبعانًا يطلبُ الطعامَ إذا رأى مَن يأكلُه، ويُحمل فعلُ الرجل والمرأة على أنهما آثرا بنصيبهما ضيفهما، والله أعلم. 210 ـ بابُ استحباب ترحيب الإِنسان بضيفه وحمده الله تعالى على حصوله ضيفًا عنده وسروره بذلك وثنائه عليه لكونه جعلَه أهلًا لذلك [1/ 596] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، من طرق كثيرة، عن أبي هريرة وعن أبي شُرَيْحٍ الخزاعيّ رضيَ الله عنهما؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ". [2/ 597] وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذاتَ يومٍ ـ أو ليلةٍ ـ فإذا هو بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، قال: "ما أخْرَجَكُما مِنْ بُيُوتِكُما هَذِهِ السَّاعَةَ؟ " قالا: الجوع يا رسول الله! قال: "وأنا وَالَّذي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَخْرَجَني الَّذي أخْرَجَكُما، قُومُوا" فقاموا معه، فأتى رجلًا من الأنصار، فإذا ليس هو في ¬

[596] البخاري (6018) و (6019)، ومسلم (47). [597] مسلم (2038).

211 ـ باب ما يقوله بعد انصرافه عن الطعام

بيته، فلما رأتْهُ المرأةُ قالتْ: مرحبًا وأهلًا، فقالَ لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيْنَ فُلانٌ؟ " قالت: ذهبَ يستعذبُ لنا من الماء، إذ جاء الأنصاريّ فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، ثم قال: الحمد لله، ما أحدٌ اليوم أكرمُ أضيافًا منّي. وذكر تمام الحديث. 211 ـ بابُ ما يقولُه بعدَ انصرافِه عن الطَّعام [1/ 598] روينا في كتاب ابن السني، عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أذِيبُوا طَعامَكُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلاةِ، وَلا تَنَامُوا عَلَيْهِ فَتَقْسُوَ لَهُ قُلُوبُكُمْ". ¬

[598] ابن السني (489)، وقال الحافظ: هذا الحديث لا يثبت وإن كان معناه قويًا. الفتوحات الربانية 5/ 264.

كتاب السلام والاستئذان وتشميت العاطس وما يتعلق بها

كتاب السلام والاستئذان وتشميت العاطس وما يتعلق بها قال الله سبحانه وتعالى: {فإذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا على أنْفُسِكُم تحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور: 61] وقال تعالى: {وَإذَا حُيِّيْتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأحْسَنَ مِنْها أوْ رُدُّوها} [النساء:86] وقال تعالى: {لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حتَّى تَسْتأنِسُوا وَتُسَلِّمُوا على أهْلِها} [النور:27] وقال تعالى: {وَإذَا بَلَغَ الأطْفالُ مِنْكُمُ الحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كما اسْتَأذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور:59] وقال تعالى: {وَهَلْ أتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ المُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلامًا، قالَ سَلامٌ} [الذاريات:24]. واعلم أن أصلَ السَّلامِ ثابتٌ بالكتاب والسُّنّة والإِجماع. وأما أفراد مسائله وفروعه فأكثرُ من أن تُحصر، وأنا أختصرُ مقاصدَه في أبواب يسيرة إن شاء الله تعالى، وبه التوفيق والهداية والإِصابة والرعاية. 212 ـ بابُ فضلِ السَّلامِ والأمرِ بإفشائه [1/ 599] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ أنَّ رجلًا سأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ ¬

[599] البخاري (12)، ومسلم (39)، وأبو داود (5194).

الإِسلام خَيْرٌ؟ قال: "تُطْعِمُ الطَّعامَ، وَتَقْرأُ السَّلام على مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ". [2/ 600] وروينا في صحيحيهما، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ على صُورَتِهِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا خَلَقَهُ قال: اذْهَبْ فَسَلِّمْ على أُولَئِكَ: نَفَرٍ مِنَ المَلائِكَةِ جُلُوسٍ فاسْتَمِعْ ما يُحَيُّونَكَ فإنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرّيَّتِكَ، فقال: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، فَقالُوا: السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهُ، فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ". [3/ 601] وروينا في صحيحيهما، عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: أمرنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بسبع: بعيادةِ المريض، واتِّباعِ الجنائز، وتشميتِ العاطسِ، ونصرِ الضعيفِ، وعوْنِ المظلومِ، وإفشاءِ السَّلامِ، وإبرارِ القَسَم. هذا لفظ إحدى روايات البخاري. [4/ 602] وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حتَّى تحابُّوا، أوْلا أدُلُّكُمْ على شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ". [5/ 603] وروينا في مسند الدارمي وكتابي الترمذي وابن ماجه، وغيرها بالأسانيد الجيدة، عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: ¬

[600] البخاري (3326)، ومسلم (2841). [601] البخاري (1239)، ومسلم (2066)، والترمذي (2810)، والنسائي 4/ 54. [602] مسلم (54)، وأبو داود (5193)، والترمذي (2689). ومعنى "ولا تؤمنوا حتى تحابّوا": قال المصنف: هكذا هو في جميع الأصول والروايات: "ولا تؤمنوا" بحذف النون من آخره، وهي لغة معروفة صحيحة، وقال ملاّ علي القاري: لعلّ حذف النون للمجانسة والازدواج. [603] الدارمي 2/ 275، والترمذي (2487)، وابن ماجه (3251). وهو حديث حسن وقال الحافظ: أخرجه أحمد والطبراني والحاكم.

سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يا أيُّهَا النَّاسُ أفْشُوا السَّلامَ، وأطْعِمُوا الطَّعامَ، وَصِلُوا الأرْحامَ وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيامٌ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلامٍ" قال الترمذي: حديث صحيح. [6/ 604] وروينا في كتابي ابن ماجه وابن السني، عن أبي أُمامةَ رضي الله عنه قال: أمَرَنَا نبيُّنا صلى الله عليه وسلم أن نُفشيَ السَّلامَ. [7/ 605] وروينا في موطأ الإِمام مالك رضي الله عنه، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، أن الطُّفيلَ بن أُبيّ بن كعب أخبرَه أنه كان يأتي عبدَ الله بن عمر فيغدو معه إلى السوق، قال: فإذَا غدوْنا إلى السوق لم يمرّ بنا عبدُ الله على سَقَّاطٍ ولا صاحبِ بَيْعَةٍ ولا مِسكين ولا أحدٍ إلاَّ سلَّم عليه؛ قال الطُّفيلُ: فجئتُ عبدَ الله بن عمر يومًا، فاستتبعني إلى السوق، فقلتُ له: ما تصنعُ بالسوق وأنتَ لا تقفُ على البيْعِ ولا تسألُ عن السِّلعِ ولا تسومُ ولا تجلسُ في مجالس السوق؟ قال: وأقولُ اجلسْ بنا هاهنا نتحدّثْ، فقال لي ابن عمر: يا أبا بطن ـ وكان الطفيلُ ذا بطن ـ إنما نغدو من أجل السلام نُسَلِّم على مَن لقيناه. [8/ 606] وروينا في صحيح البخاري عنه، قال: وقال عمّار رضي ¬

[604] ابن ماجه (3693)، وابن السني (215)، وفي الزوائد: إسناده صحيح، رجاله ثقات. وحسّنه الحافظ. [605] الموطأ 2/ 961ـ962، قال الحافظ: وهو موقوف صحيح. ومعنى "سَقَّاط": بائع السَّقْط من المتاع وهو الرديء. [606] البخاري (20) موقوفًا على عمار بن ياسر، وقال الحافظ في الفتح: حدّث به عبد الرزاق عن معمر موقوفًا على عمّار، وحدّث به بآخرة؛ فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كذا أخرجه البزار في مسنده وابن أبي حاتم في العلل، كلاهما عن الحسن بن عبد الله الكوفي، وكذا رواه البغوي في شرح السنّة من طريق محمد بن كعب الواسطي ... الفتوحات 5/ 284. "والإِقتار": القِلّة، وقيل: الافتقار.

213 ـ باب كيفية السلام

الله عنه: ثلاثٌ من جَمعهنّ فقد جمعَ الإِيمانَ؛ الإِنصافُ من نفسك، وبذلُ السَّلام للعالم، والإِنفاقُ من الإِقتار. وروينا هذا في غير البخاري مرفوعًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: قد جمعَ في هذه الكلمات الثلاث خيراتِ الآخرة والدنيا، فإنَّ الإِنصافَ يقتضي أن يؤدّي إلى الله تعالى جميع حقوقه وما أمره به، ويجتنب جميع ما نهاه عنه، وأن يؤدّي إلى الناس حقوقهم، ولا يطلب ما ليس له، وأن ينصف أيضًا نفسه فلا يوقعها في قبيح أصلًا. وأما بذلُ السلام للعالم فمعناه لجميع الناس، فيتضمن أن لا يتكبر على أحد، وأن لا يكون بينه وبين أحد جفاء يمتنع من السلام عليه بسببه. وأما الإِنفاق من الإقتار فيقتضي كمال الوثوق بالله تعالى والتوكل عليه والشفقة على المسلمين إلى غير ذلك، نسأل الله تعالى الكريم التوفيق لجميعه. 213 ـ بابُ كيفيّة السَّلام اعلم أن الأفضل أن يقول المسلم: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فيأتي بضمير الجمع وإن كان المسلَّم عليه واحدًا، ويقولُ المجيب: وَعَلَيْكُمُ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَركاتُه، ويأتي بواو العطف في قوله: وعليكم. وممّن نصّ على أن الأفضل في المبتدىء أن يقول "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" الإِمام أقضى القضاة أبو الحسن الماورديّ في كتابه "الحاوي" في كتاب السِّيَر، والإِمام أبو سعد المتولي من أصحابنا في كتاب "صلاة الجمعة" وغيرها.

[1/ 607] ودليله ما رويناه في مسند الدارمي وسنن أبي داود والترمذي، عن عمران بن الحصين رضي الله عنهما قال: "جاء رجلٌ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم، فردّ عليه ثم جلس، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: عَشْرٌ، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فردّ عليه ثم جلس، فقال: عِشْرُونَ، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاتُه، فردّ عليه فجلس، فقال: "ثلاثُونَ". فقال الترمذي: حديث حسن. وفي رواية لأبي داود، من رواية معاذ بن أنس رضي الله عنه، زيادة على هذا، قال: "ثم أتى آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته، فقال: أرْبَعُونَ، وقال: هَكَذَا تَكُونُ الفَضَائِلُ". [2/ 608] وروينا في كتاب ابن السني، بإسناد ضعيف، عن أنس رضي الله عنه قال: كان رجلٌ يمرّ بالنبيّ صلى الله عليه وسلم يَرعى دوابّ أصحابه فيقول: السلام عليك يا رسول الله! فيقول له النبيّ صلى الله عليه وسلم: "وَعَلَيْكَ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَمَغْفِرَتُهُ وَرِضْوَانُهُ"، فقيل: يا رسول الله! تُسَلِّم على هذا سلامًا ما تُسلِّمه على أحدٍ من أصحابك؟ قال: "وَمَا يَمْنَعُنِي مِنْ ذلكَ وَهُوَ يَنْصَرِفُ بأجْرِ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا؟ ". قال أصحابنا: فإن قال المبتدىء: السلام عليكم، حصل السَّلامُ، وإن قال: السلام عليكَ، أو سلام عليكَ، حصل أيضًا. وأما الجواب فأقلّه: وعليكَ السلام، أو وعليكم السلام، فإن حذف الواو فقال: عليكم ¬

[607] الدارمي 2/ 277، وأبو داود (5195)، والترمذي (2690)، عن عمران بن الحصين، وهو حديث حسن. وأبو داود (5196)، عن معاذ بن أنس، وهو حديث ضعيف. [608] ابن السني (234) وإسناده ضعيف، لكن له شواهد بمعناه يقوى بها، ذكرها الحافظ ابن حجر. انظر الفتوحات 5/ 292ـ293.

السَّلام أجزأه ذلك وكان جوابًا، هذا هو المذهب الصحيح المشهور الذي نصّ عليه إمامنا الشافعي رحمه الله في "الأُم" وقال به جمهور من أصحابنا. وجزم أبو سعد المتولّي من أصحابنا في كتابه "التتمة" بأنه لا يجزئه ولا يكون جوابًا، وهذا ضعيف أو غلط، وهو مخالفٌ للكتاب والسنّة ونصّ إمامنا الشافعي. أما الكتاب فقال الله تعالى: {قالُوا سَلامًا، قالَ سَلامٌ} [هود:69] وهذا وإن كان شرعًا لِما قَبْلنا فقد جاء شرعنا بتقريره، وهو حديث أبي هريرة الذي قدَّمناه (¬1) في جواب الملائكة آدم صلى الله عليه وسلم، فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم أخبرنا "أن الله تعالى قال: هي تحيتك وتحية ذرّيتك" وهذه الأمة داخلة في ذرّيته، والله أعلم. واتفق أصحابنا على أنه لو قال في الجواب: عليكم لم يكن جوابًا، فلو قال: وعليكم بالواو فهل يكون جوابًا؟ فيه وجهان لأصحابنا؛ ولو قال المبتدىء: سلام عليكم، أو قال: السلام عليكم، فللمُجيب أن يقول في الصورتين: سلام عليكم، وله أن يقول: السلام عليكم، قال الله تعالى: {قالُوا سَلامًا، قالَ سَلامٌ} قال الإِمام أبو الحسن الواحديّ من أصحابنا: أنت في تعريف السلام وتنكيره بالخيار؛ قلت: ولكن الألف واللام أولى. [فصل]: [3/ 609] روينا في صحيح البخاري، عن أنس رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا حتى تُفهم عنه، وإذا أتى على قوم فسلَّم عليهم سلَّمَ عليهم ثلاثًا. ¬

[609] البخاري (94)، والترمذي (2724). (¬1) تقدم الحديث برقم 2/ 600

214 ـ باب ما جاء في كراهة الإشارة بالسلام باليد ونحوها بلا لفظ

قلت: وهذا الحديث محمولٌ على ما إذا كان الجمعُ كثيرًا، وسيأتي بيان هذه المسألة وكلام الماوردي صاحب الحاوي فيها إن شاء الله تعالى. [فصل]: وأقل السَّلام الذي يصير به مؤدّيًا سنّة السلام أن يرفع صوته بحيث يُسمع المسلَّم عليه، فإن لم يُسْمعه لم يكن آتيًا بالسلام، فلا يجب الردّ عليه. وأقلّ ما يسقط به فرض ردّ السلام أن يرفع صوتَه بحيث يسمعه المسلِّم، فإن لم يسمعه لم يسقط عنه فرض الردّ، ذكرهما المتولي وغيره. قلت: والمستحبّ أن يرفع صوته رفعًا يسمعه به المسلَّم عليه أو عليهم سماعًا محققًا، وإذا تشكك في أنه يسمعهم زاد في رفعه، واحتاط واستظهر، أما إذا سلَّم على أيقاظ عندهم نيام، فالسنّة أن يخفضَ صوتَه بحيث يَحصل سماعُ الأيقاظ ولا يستيقظ النيام. [4/ 610] روينا في صحيح مسلم، في حديث المقداد رضي الله عنه الطويل، قال: كنّا نرفع للنبيّ صلى الله عليه وسلم نَصيبه من اللبن، فيجيء من الليل فيسلّم تسليمًا لا يُوقظ نائمًا ويُسمِع اليقظانَ، وجعل لا يجيئني النوم، وأما صاحباي فناما، فجاء النبيّ صلى الله عليه وسلم فسلَّم كما كان يُسلِّم. والله أعلم. [فصل]: قال الإِمام أبو محمد القاضي حسين، والإِمام أبو الحسن الواحدي وغيرهما من أصحابنا: ويُشترط أن يكون الجواب على الفور، فإن أخَّرَه ثم ردّ لم يعدّ جوابًا، وكان آثمًا بترك الردّ. 214 ـ بابُ ما جاء في كَراهةِ الإِشارة بالسَّلام باليد ونحوها بلا لفظ [1/ 611] روينا في كتاب الترمذي، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، ¬

[610] مسلم (2055) والترمذي (2720). [611] الترمذي (2696) وقد حسّنه الحافظ ابن حجر لشواهده.

215 ـ باب حكم السلام

عن جدّه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا، لا تَشَبَّهُوا باليَهُودِ وَلا بالنَّصَارَى، فإنَّ تَسْلِيمَ اليَهُودِ الإِشارَةُ بالأصَابِعِ، وَتَسْلِيمَ النَّصَارَى الإِشارَةُ بالكَفّ" قال الترمذي: إسناده ضعيف. [2/ 612] قلت: وأما الحديث الذي رويناه في كتاب الترمذي عن أسماءَ بنت يزيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ في المسجد يومًا، وعُصبَة من النساء قُعود، فأشار بيده بالتسليم. قال الترمذي: حديث حسن، فهذا محمول على أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين اللفظ والإِشارة، يدلّ على هذا أن أبا داود روى هذا الحديث، وقال في روايته: فسلَّمَ علينا. 215 ـ بابُ حُكْمِ السَّلاَم اعلم أن ابتداء السَّلامِ سنَّةٌ مستحبّة ليس بواجب، وهو سنّةٌ على الكفاية، فإن كان المسلِّم جماعة كفى عنهم تسليمُ واحد منهم، ولو سلَّموا كلُّهم كان أفضل. قال الإِمام القاضي حسين من أئمة أصحابنا في كتاب "السير" من تعليقه: ليس لنا سنّة على الكفاية إلا هذا. قلت: وهذا الذي قاله القاضي من الحصر يُنكر عليه، فإن أصحابنا رحمهم الله قالوا: تشميتُ العاطسِ سنّةٌ على الكفاية كما سيأتي بيانه قريبًا إن شاء الله تعالى. وقال جماعة من أصحابنا بل كلهم: الأُضحية سنّةٌ على الكفاية في حقّ كل أهل بيت، فإذا ضحَّى واحد منهم حصل الشِّعار والسنّة لجميعهم. وأما ردّ السلام، فإن كان المسلَّم عليه واحدًا تعيَّنَ عليه الردّ، وإن كانوا جماعةً كان ردّ السلام فرضُ كفايةٍ عليهم، فإن ردّ واحد منهم سقطَ الحرج عن الباقين، وإن تركوه كلُّهم أثموا كلُّهم، وإن ردّوا كلُّهم فهو النهاية في ¬

[612] الترمذي (2698)، وأبو داود (5204)، والبخاري في الأدب المفرد (1047) و (1048).

الكمال والفضيلة، وكذا قاله أصحابنا، وهو ظاهر حسن. واتفق أصحابنا على أنه لو ردّ غيرُهم لم يسقط الردّ عنهم، بل يجب عليهم أن يردّوا، فإن اقتصروا على ردّ ذلك الأجنبيّ أثموا. [1/ 613] روينا في سنن أبي داود، عن عليّ رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "يُجْزِىءُ عَنِ الجَماعَةِ إذَا مَرُّوا أنْ يُسَلِّمَ أحَدُهُمْ، ويُجْزِىءُ عَنِ الجُلُوسِ أنْ يَرُدَّ أحَدُهُمْ". [2/ 614] وروينا في الموطأ، عن زيد بن أسلم أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذَا سَلَّمَ وَاحِدٌ مِنَ القَوْمِ أَجْزَأ عَنْهُمْ" قلت: هذا مرسل صحيح الإِسناد. [فصل]: قال الإِمام أبو سعد المتولي وغيره: إذا نادى إنسان إنسانًا من خلف ستر أو حائط فقال: السلام عليك يا فلان! أو كتب كتابًا فيه: السلام عليك يا فلان، أو السلام على فلان، أو أرسل رسولًا وقال: سلّم على فلان، فبلغه الكتاب أو الرسول، وجب عليه أن يردّ السلام؛ وكذا ذكر الواحدي وغيره أيضًا أنه يجب على المكتوب إليه ردّ السلام إذا بلغه السلام. [3/ 615] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرأُ عَلَيْكِ السَّلامَ" قالت: قلتُ: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته. هكذا وقع في بعض روايات ¬

[613] أبو داود (5210) وهو حديث حسن، رجاله رجال الصحيح. الفتوحات الربانية 5/ 305. [614] الموطأ 2/ 959 ولفظه "يُسلِّم الراكب على الماشي، وإذا سلَّمَ من القومِ واحدٌ أجزأ عنهم". وقال ابن عبد البرّ: هو مرسل باتفاق الرواة. [615] البخاري (3768)، ومسلم (2447)، والترمذي (2694).

الصحيحين "وبركاته" ولم يقع في بعضها، وزيادة الثقة مقبولة، ووقع في كتاب الترمذي "وبركاته" وقال: حديث حسن صحيح، ويُستحبّ أن يرسلَ بالسلام إلى مَن غاب عنه. [فصل]: إذا بعث إنسان مع إنسان سلامًا، فقال الرسول: فلان يسلّم عليك، فقد قدّمنا أنه يجب عليه أن يردّ على الفور، ويستحبّ أن يردّ على المبلِّغ أيضًا، فيقول: وعليك وعليه السلام. [4/ 616] وروينا في سنن أبي داود، عن غالب القطان، عن رجل قال: حدّثني أبي عن جدي قال: بعثني أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ائته فأقرئه السلام، فأتيته فقلت: إن أبي يُقرئك السلام، فقال: "عَلَيْكَ السَّلامُ وَعلى أبِيكَ السَّلامُ" قلت: وهذا وإن كان رواية عن مجهول، فقد قدّمنا أن أحاديثَ الفضائل يُتسامح فيها عند أهل العلم كلهم. [فصل]: قال المتولي: إذا سلم على أصمّ لا يسمع فينبغي أن يتلفظ بلفظ السلام لقدرته عليه، ويشير باليد حتى يحصل الإِفهام ويستحقّ الجواب، فلو لم يجمع بينهما لا يستحقّ الجواب. قال: وكذا لو سلّم عليه أصمّ وأراد فيتلفظ باللسان ويشير بالجواب ليحصل به الإِفهام ويسقط عنه فرض الجواب. قال: ولو سلّم على أخرس فأشار الأخرس باليد سقط عنه الفرض لأن إشارته قائمة مقام العبارة، وكذا لو سلَّم عليه أخرسُ بالإِشارة يستحقّ الجواب كما ذكرنا. [فصل]: قال المتولي: لو سلَّم على صبيّ لا يجب عليه الجواب، لأن الصبيّ ليس من أهل الفرض، وهذا الذي قاله صحيح، لكن الأدب ¬

[616] أبو داود (5231)، والنسائي (373)، وابن السني من طريق النسائي (237)، وإسناده ضعيف لوجود مجاهيل فيه.

والمستحبّ له الجواب. قال القاضي حسين وصاحبه المتولّي: ولو سلَّم الصبي على بالغ، فهل يجب عليه الرد؟ فيه وجهان ينبنيان على صحة إسلامه، إن قلنا يصحّ إسلامُه كان سلامُه كسلام البالغ فيجب جوابُه. وإن قلنا لا يصحّ إسلامه لم يجب ردّ السلام لكن يُستحبّ. قلت: الصحيح منن الوجهين وجوب ردّ السلام لقول الله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيْتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأحْسَنَ مِنْها أوْ رُدُّوها} [النساء 86] وأما قولهما إنه مبنيّ على إسلامه، فقال الشاشي: هذا بناء فاسد، وهو كما قال والله أعلم. ولو سلم بالغ على جماعة فيهم صبيّ فردّ الصبيّ ولم يردّ منهم غيرُه، فهل يسقط عنهم؟ فيه وجهان: أصحُّهما ـ وبه قال القاضي حسين وصاحبه المتولي ـ لا يسقط لأنه ليس أهلًا للفرض، والردّ فرض فلم يسقط به كما لا يسقط به الفرض في الصلاة على الجنازة. والثاني هو قول أبي بكر الشاشي، صاحب المستظهري، من أصحابنا أنه يسقط، كما يصحّ أذانه للرجال ويسقط عنه طلب الأذان. قلت: وأما الصلاة على الجنازة فقد اختلف أصحابُنا في سقوط فرضها بصلاة الصبيّ على وجهين مشهورين: الصحيحُ منهما عند الأصحاب أنه يسقط، ونصّ عليه الشافعي، والله أعلم. [فصل]: إذا سلّم عليه إنسان ثم لقيه على قرب يُسنّ له أن يُسلِّم عليه ثانيًا وثالثًا وأكثر، اتفق عليه صحابنا، ويدل عليه: [5/ 617] ما رويناه في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هُريرة رضي الله عنه في حديث المسيء صلاته؛ إنه جاء فصلَّى، ثم جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فسلَّم عليه، فردّ عليه السلام، وقال: "ارْجِعْ فَصَلّ فإنَّكَ لَمْ تُصَلّ" فرجعَ فَصلَّى، ثم جاء فسلَّم على النبيّ صلى الله عليه وسلم، حتى فعلَ ذلك ثلاثَ مرّاتٍ. ¬

[617] البخاري (793)، ومسلم (39)، وأبو داود (856)، والترمذي (303)، والنسائي 2/ 125.

[6/ 618] وروينا في سنن أبي داود، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا لَقِيَ أحَدُكُمْ أخاهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ، فإنْ حالَتْ بَيْنَهُما شَجَرَة أوْ جِدَارٌ أوْ حَجَرٌ ثُمَّ لَقِيَهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ". [7/ 619] وروينا في كتاب ابن السنيّ، عن أنس رضي الله عنه قال: كان أصحابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يتماشَون، فإذا استقبلتهم شجرة أو أكَمة فتفرّقوا يمينًا وشمالًا ثم التقوا من ورائها، سلَّم بعضُهم على بعضٍ. [فصل]: إذا تلاقى رجلان فسلَّم كلُّ واحدٍ منهما على صاحبه دفعة واحدة أو أحدهما بعد الآخر، فقال القاضي حسين وصاحبه أبو سعد المتولّي: يَصير كلُّ واحد منهما مبتدئًا بالسلام فيجب على كلِّ واحد منهما أن يردَّ على صاحبهِ. وقال الشاشي: هذا فيه نظر. فإن هذا اللفظ يَصلح للجواب، فإذا كان أحدهما بعد الآخر كان جوابًا، وإن كان دفعة لم يكن جوابًا، وهذا الذي قاله الشاشي هو الصواب. [فصل]: إذا لقي إنسانٌ إنسانًا فقال المبتدىء "وعليكم السلام" قال المتولي: لا يكون ذلك سلامًا، فلا يستحقّ جوابًا، لأنّ هذه الصيغة لا تصلح للابتداء. قلت: أما إذا قال: عليك، أو عليكم السلام، بغير واو، فقطع الإِمام أبو الحسن الواحدي بأنه سلام يتحتم على المخاطَب به الجواب، وإن كان قد قلب اللفظ المعتاد، وهذا الذي قاله الواحدي هو الظاهر. وقد جزم أيضًا إمام الحرمين به فيجب فيه الجواب لأنه يُسمَّى سلامًا، ويحتمل أن يُقال في كونه سلامًا وجهان كالوجهين لأصحابنا فيما إذا ¬

[618] أبو داود (5200)، وقال الحافظ: هذا حديث صحيح غريب .. وأخرجه البخاري في الأدب المفرد. الفتوحات الربانية 5/ 318. [619] ابن السني (244)، وإسناده حسن.

قال في تحلّله من الصلاة "عليكم السلام" هل يحصل به التحلّل أم لا؟ الأصحّ أنه يحصل، ويحتمل أن يُقال: إن هذا لا يستحق فيه جوابًا بكل حال. [8/ 620] لما رويناه في سنن أبي داود والترمذي، وغيرهما بالأسانيد الصحيحة عن أبي جزي الهجيميّ الصحابي رضي الله عنه، واسمه جابر بن سليم (¬1)؛ وقيل سليم بن جابر، قال: أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: عليك السلام يا رسول الله، قال: "لا تَقُلْ عَلَيْكَ السَّلامُ، فإنَّ عَلَيْك السَّلامُ تحِيَّةُ المَوْتَى" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. قلت: ويحتمل أن يكون هذا الحديث ورد في بيان الأحسن والأكمل، ولا يكون المراد أن هذا ليس بسلام، والله أعلم. وقد قال الإِمام أبو حامد الغزالي في الإِحياء: يكره أن يقول ابتداء "عليكم السلام" لهذا الحديث، والمختار أنه يُكره الابتداء بهذه الصيغة، فإن ابتدأ وجب الجواب لأنه سلام. [فصل]: السنّة أن المسلِّم يبدأ بالسلام قبل كل كلام، والأحاديث ¬

[620] أبو داود (4084)، والترمذي (2722)، وقال الحافظ: قول النووي: بالأسانيد الصحيحة، يُوهم أن له طرقًا إلى الصحابي المذكور، وليس كذلك ... وقد أخرجه أيضًا أحمد والنسائي، وصححه الحاكم. الفتوحات 5/ 321. (¬1) "واسمه جابر بن سليم": قال البخاري: إنه الصحيح، وكذا رجحه ابن عبد البرّ أيضًا، كذا في السلاح، وخرّجه الحافظ بسنده عن أبي تميمة الهجيمي عن جابر عن رجل من قومه وهو أبو جزي رضي الله عنه قال: لقيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض سكك المدينة وعليه ثوب قِطري وهو بكسر القاف وسكون المهملة، فقلت: عليك السلام يا رسول الله! فقال: "عليك السلام تحيّة الموتى، قل السلام عليكم" قالها مرّتين أو ثلاثًا قال الحافظ بعد تخريجه: حديث صحيح أخرجه النسائي

216 ـ باب الأحوال التي يستحب فيها السلام، والتي يكره فيها، والتي يباح

الصحيحة وعمل سلف الأمة وخلفها على وفق ذلك مشهورة، فهذا هو المعتمد في دليل الفصل. [9/ 621] وأما الحديث الذي رويناه في كتاب الترمذي، عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "السَّلامُ قَبْلَ الكَلامِ" فهو حديث ضعيف، قال الترمذي: هذا حديث منكر. [فصل]: الابتداء بالسلام أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "وَخَيْرُهُما الَّذي يَبْدأُ بالسَّلامِ" (¬1). فينبغي لكل واحد من المتلاقين أن يحرص على أن يبتدىء بالسلام. [10/ 622] وروينا في سنن أبي داود، بإسناد جيد، عن أبي أُمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أوْلَى النَّاسِ باللَّهِ مَنْ بَدأَهُمْ بالسَّلامِ" وفي رواية الترمذي عن أبي أُمامة: قيل: يا رسول الله! الرجلان يلتقيان أيّهما يبدأ بالسلام؟ قال: "أوْلاهُما بالله تعالى" قال الترمذي: حديث حسن. 216 ـ بابُ الأحوالِ التي يُستَحَبُّ فيها السَّلامُ، والتي يُكرهُ فيها، والتي يُباح اعلم أنّا مأمورون بإفشاء السلام كما قدّمناه، لكنه يتأكد في بعض الأحوال ويخفّ في بعضها. ونُهي عنه في بعضها، فأما أحوال تأكده ¬

[621] الترمذي (2700)، وقال الحافظ: هذا الحديث غريب، وسنده ضعيف كما قال الشيخ النووي رحمه الله تعالى. [622] أبو داود (5197)، والترمذي (2695)، وقال الحافظ: هذا حديث حسن، وأخرجه أحمد من وجه ضعيف عن أبي أمامة بلفظ: "مَن بدأ بالسلام فهو أولى بالله ورسوله". (¬1) البخاري (6077)، ومسلم (2560)

واستحبابه فلا تنحصر، فإنها الأصل فلا نتكلف التعرّض لأفرادها. واعلم أنه يدخل في ذلك السلام على الأحياء والموتى، وقد قدّمنا في كتاب أذكار الجنائز كيفية السلام على الموتى. وأما الأحوال التي يُكره فيها أو يخفّ أو يُباح فهي مستثناة من ذلك فيحتاج إلى بيانها، فمن ذلك إذا كان المسلَّم عليه مشتغلًا بالبول أو الجماع أو نحوهما فيُكره أن يُسلَّم عليه، ولو سلَّم لا يستحقّ جوابًا، ومن ذلك من كان نائمًا أو ناعسًا، ومن ذلك من كان مُصليًا أو مؤذنًا في حال أذانه أو إقامته الصلاةَ، أو كان في حمام أو نحو ذلك من الأمور التي لا يُؤثر السلام عليه فيها، ومن ذلك إذا كان يأكلُ واللقمة في فمه، فإن سلَّم عليه في هذه الأحوال لم يستحقّ جوابًا. أما إذا كان على الأكل وليست اللقمةُ في فمه فلا بأسَ بالسلام، ويجبُ الجواب. وكذلك في حال المبايعة وسائر المعاملات يُسلّم ويجب الجواب. وأما السلام في حال خطبة الجمعة فقال أصحابنا: يُكره الابتداء به لأنهم مأمورون بالإِنصات للخطبة، فإن خالفَ وسلَّم فهل يُرَدّ عليه؟ فيه خلاف لأصحابنا، منهم مَن قال: لا يُرَدّ عليه لتقصيره، ومنهم مَن قال: إن قلنا إن الإِنصاتَ واجبٌ لا يردّ عليه، وإن قلنا إن الإِنصاتَ سنّة رَدَّ عليه واحد من الحاضرين، ولا يردّ عليه أكثر من واحد على كل وجه. وأما السَّلامُ على المشتغل بقراءة القرآن، فقال الإِمام أبو الحسن الواحدي: الأولى ترك السلام عليه لاشتغاله بالتلاوة، فإن سلَّم عليه كفاه الردّ بالإِشارة، وإن ردّ باللفظ استأنف الاستعاذة ثم عاد إلى التلاوة، هذا كلام الواحدي، وفيه نظر؛ والظاهر أن يُسلّم عليه ويجب الردّ باللفظ. أما إذا كان مشتغلًا بالدعاء مستغرقًا فيه مجمع القلب عليه، فيحتمل أن يُقال هو كالمشتغل بالقراءة على ما ذكرناه، والأظهر عندي في هذا أنه يُكره السلام عليه، لأنه يتنكد به ويشقّ عليه أكثر من مشقة الأكل. وأما الملبِّي

217 ـ باب من يسلم عليه ومن لا يسلم عليه ومن يرد عليه ومن لا يرد عليه

في الإِحرام فيُكره أن يُسلَّم عليه، لأنه يُكره له قطعُ التلبية، فإن سلَّم عليه ردَّ السلامَ باللفظ، نصّ عليه الشافعي وأصحابنا رحمهم الله. [فصل]: قد تقدمت الأحوالُ التي يُكره فيها السلام، وذكرنا أنه لا يستحقّ فيها جوابًا فلو أراد المسلَّم عليه أن يتبرع بردّ السلام هل يشرع له، أو يُستحبّ؟ فيه تفصيل؛ فأما المشتغل بالبول ونحوه فيُكره له ردُّ السلام، وقد قدَّمنا هذا في أول الكتاب؛ وأما الأكل ونحوه فيُستحبّ له الجواب في الموضع الذي لا يجب؛ وأما المصلِّي فيحرم عليه أن يقول: وعليكم السلام، فإن فعلَ ذلك بطلتْ صلاتُه إن كان عالمًا بتحريمه، وإن كان جاهلًا لم تبطل على أصحّ الوجهين عندنا، وإن قال عليه السلام بلفظ الغَيبة لم تبطل صلاتُه لأنه دعاءٌ ليس بخطاب. والمستحبُّ أن يردّ عليه في الصلاة بالإِشارة ولا يتلفظ بشيء، وإن ردّ بعد الفراغ من الصلاة باللفظ فلا بأس. وأما المؤذّن فلا يُكره له ردُّ الجواب بلفظه المعتاد، لأن ذلك يسير لا يُبطلُ الأذانَ ولا يُخلّ به. 217 ـ بابُ مَن يُسلَّمُ عليه ومن لا يُسلَّمُ عليه ومَنْ يُردّ عليه ومن لا يُرَدّ عليه اعلم أنَّ الرجلَ المسلمَ الذي ليس بمشهور بفسق ولا بدعة يُسَلِّم ويُسَلَّم عليه، فيُسنّ له السلام، ويجب الردّ عليه. قال أصحابنا: والمرأةُ مع المرأة كالرجل مع الرجل. وأما المرأة مع الرجل؛ فقال الإِمام أبو سعد المتوليّ: إن كانت زوجته أو جاريتَه أو محرَمًا منن محارمه، فهي معه كالرجل، فيستحبّ لكل واحد منهما ابتداء الآخر بالسلام، ويجب على الآخر ردّ السلام عليه؛ وإن كانت أجنبيةً، فإن كانت جميلةً يُخاف الافتتان بها لم يُسَلِّم الرجل عليها، ولو سلَّمَ لم يجز لها ردّ الجواب، ولم تسلّم هي

عليه ابتداءً، فإن سلَّمتْ لم تستحق جوابًا فإن أجابها كُره له، وإن كانت عجوزًا لا يفتتن بها جاز أن تسلِّم على الرجل، وعلى الرجل ردّ السلام عليها؛ وإذا كانت النساء جمعًا فيُسلِّم عليهنَّ الرجل، أو كان الرجالُ جمعًا كثيرًا فسلَّموا على المرأة الواحدة جاز، إذا لم يخف عليه ولا عليهنّ ولا عليها أو عليهم فتنة. [1/ 623] روينا في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه وغيرها، عن أسماءَ بنت يزيدَ رضي الله عنها قالت: مرَّ علينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في نسوة فسلَّم علينا. قال الترمذي: حديث حسن. وهذا الذي ذكرته لفظ رواية أبي داود. وأما رواية الترمذي ففيها عن أسماء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ في المسجد يومًا وعصبةٌ من النساء قعود، فألوى بيده بالتسليم. [2/ 624] وروينا في كتاب ابن السنيّ، عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ على نسوة فسلّم عليهنّ. [3/ 625] وروينا في صحيح البخاري عن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه، قال: كانتْ فينا امرأةٌ. وفي رواية: كانتْ لنا عجوزٌ تأخذُ من أصول السِّلق فتطرحُه في القِدْر وتكركرُ حَبَّاتٍ من شعير، فإذا صلّينا الجمعة انصرفنا نُسلِّم عليها فتقدمه إلينا. قلت: تكركر معناه: تطحن. [4/ 626] وروينا في صحيح مسلم، عن أُمّ هانىء بنت أبي طالب ¬

[623] أبو داود (5204)، والترمذي (2698)، وابن ماجه (3701). وقد تقدم حديث الترمذي برقم 2/ 612. [624] ابن السني (224) وفي إسناده جابر بن يزيد الجعفي، وهو ضعيف. ولذا قال الحافظ: هذا حديث غريب. [625] البخاري (6248). [626] مسلم (336) و (72)، وهو في البخاري (280).

رضي الله عنها قالت: أتيتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم يومَ الفتح وهو يغتسلُ، وفاطمة تسترُه، فسلَّمتُ. وذكرت الحديث. [فصل]: وأما أهل الذمّة فاختلف أصحابُنا فيهم، فقطعَ الأكثرون بأننه لا يجوز ابتداؤهم بالسلام. وقال آخرون: ليس هو بحرام، بل هو مكروه، فإن سلَّمُوا هم على مسلم قال في الردّ: وعليكم، ولا يزيدُ على هذا. وحكى أقضى القضاة الماورديّ وجهًا لبعض أصحابنا، أنه يجوز ابتداؤهم بالسلام، لكنْ يقتصرُ المسلِّم على قوله: السلام عليك، ولا يذكرُه بلفظ الجمع. وحكى الماوردي وجهًا أنه يقول في الردّ عليهم إذا ابتدؤوا: وعليكم السلام، ولكن لا يقول ورحمة الله، وهذان الوجهان شاذان ومردودان. [5/ 627] روينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "لاتَبْدؤوا اليَهُودَ وَلا النَّصَارَى بالسَّلامِ، فإذَا لقيتُمْ أحَدَهُمْ في طَريقٍ فاضْطَرُوهُ إلى أضْيَقِهِ". [6/ 628] وروينا في صحيح البخاري ومسلم، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أهْلُ الكِتابِ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ". [7/ 629] وروينا في صحيح البخاري، عن ابن عمرَ رضي الله عنهما؛ أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمُ اليَهُودُ فإنَّمَا يَقُولُ أحَدُهُم: ¬

[627] مسلم (2167)، وأبو داود (5205)، والترمذي (2701). [628] البخاري (6258)، ومسلم (2163)، وأبو داود (5207) والترمذي (3296). [629] البخاري (6024)، وهو عند مسلم (2164)، والموطأ 2/ 960، وأبو داود (5206)، والترمذي (1603). ومعنى "السَّام": الموت.

السَّامُ عَلَيْكَ، فَقُلْ: وَعَلَيْكَ" وفي المسألة أحاديث كثيرة بنحو ما ذكرنا، والله أعلم. قال أبو سعد المتولي: ولو سلَّم على رجل ظنَّه مسلمًا فبان كافرًا يستحَبّ أن يستردّ سلامَه فيقول له: رُدّ عليّ سلامي؛ والغرض من ذلك أن يوحشه ويظهرَ له أنه ليس بينهما ألفة. ورُوي أن ابن عمر رضي الله عنهما سلَّم على رجلٍ، فقيل إنه يهودي، فتبعه وقال له: ردّ عليّ سلامي (¬1). قلت: وقد روينا في موطأ مالك (¬2) رحمه الله أن مالكًا سُئل عمّن سلَّم على اليهوديّ أو النصراني هل يستقيله ذلك؟ فقال: لا، فهذا مذهبُه. واختاره ابن العربي المالكي. قال أبو سعد: لو أراد تحية ذميّ فعلَها بغير السلام بأن يقول: هداك الله، أو أنعم الله صباحك. قلت: هذا الذي قاله أبو سعد لا بأس به إذا احتاج إليه فيقول: صُبِّحْتَ بالخير أو بالسعادة أو بالعافية، أو صبَّحَك الله بالسرور أو بالسعادة والنعمة أو بالمسرّة أو ما أشبه ذلك. وأما إذا لم يحتج إليه فالاختيار أن لا يقول شيئًا، فإن ذلك بسطٌ له وإيناس وإظهار صورة ودّ، ونحن مأمورون بالإِغلاظ عليهم ومنهيّون عن ودّهم فلا نظهره، والله أعلم. فرع: إذا مرّ واحدٌ على جماعة فيهم مسلمون أو مسلم وكفّار، فالسنّة أن يُسلِّم عليهم يقصد المسلمين أو المسلم. [8/ 630] روينا في صحيح البخاري ومسلم، عن أُسامةَ بن زيد رضي ¬

[630] البخاري (6254)، ومسلم (1798)، والترمذي (2701). (¬1) قال الحافظ: لم يذكر المصنف مَن خرّجه، وقد وجدته في جامع ابن وهب وأخرجه البيهقي في شعب الإِيمان. الفتوحات الربانية 5/ 344 (¬2) الموطأ 2/ 960

الله عنهما؛ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم مرَّ على مجلسٍ فيه أخلاطٌ من المسلمين والمشركين عَبَدة الأوثان واليهود، فسلَّم عليهم النبيّ صلى الله عليه وسلم. فرع: إذا كتب كتابًا إلى مشرك وكتبَ فيه سلامًا أو نحوَه فينبغي أن يكتب: [9/ 631] ما رويناه في صحيحي البخاري ومسلم، في حديث أبي سفيان رضي الله عنه في قصة هرقل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتبَ: "من محمدٍ عبدِ الله ورسولِه، إلى هرقلَ عظيمِ الرومِ، سلامٌ على مَن اتَّبعَ الهُدى". فرع: فيما يقولُ إذا عَادَ ذَميًّا. اعلم أن أصحابنا اختلفوا في عيادة الذميّ، فاستحبَّها جماعة ومنها جماعة؛ وذكر الشاشي الاختلاف ثم قال: الصوابُ عندي أن يُقال: عيادة الكافر في الجملة جائزة، والقربة فيها موقوفة على نوع حرمة تقترن بها من جوار أو قرابة، قلت: هذا الذي ذكره الشاشيُّ حسن. [10/ 632] فقد روينا في صحيح البخاري، عن أنس رضي الله عنه قال: كان غلامٌ يهوديٌّ يخدُم النبيَّ صلى الله عليه وسلم فمرضَ، فأتاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم يعودُه، فقعدَ عند رأسه، فقال له: "أسْلِمْ" فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال: أطعْ أبا القاسم، فأسلم، فخرجَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "الحَمدُ لِلَّهِ الَّذي أنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ". [11/ 633] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن المسيِّب بن حَزْن والد سعيد بن المسيِّب رضي الله عنه قال: لما حضرتْ أبا طالب ¬

[631] البخاري (7)، ومسلم (1773). [632] البخاري (1356)، وأبو داود (3095). [633] البخاري (3884)، ومسلم (24)، والنسائي 4/ 90ـ91.

الوفاةُ، جاءه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا عَمّ! قُلْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ" وذكر الحديث بطوله. قلتُ: فينبغي لعائد الذميّ أن يرغّبه في الإِسلام، ويبيِّن له محاسنَه، ويحثَّه عليه، ويحرّضه على معاجلته قبل أن يصيرَ إلى حال لا ينفعه فيها توبته، وإن دعا له دعا بالهداية ونحوها. [فصل]: وأما المبتدعُ وَمَنْ اقترف ذنبًا عظيمًا ولم يَتُبْ منه، فينبغي أن لا يسلِّم عليهم ولا يردّ عليهم السلام، كذا قاله البخاري وغيره من العلماء. واحتجّ الإمام أبو عبد الله البخاري في صحيحه في هذه المسألة: [12/ 634] بما رويناه في صحيحي البخاري ومسلم، في قصة كعب بن مالك رضي الله عنه حين تخلَّف عن غزوة تبوك هو ورفيقان له، فقال: ونهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا، قال: وكنتُ آتي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأُسلِّم عليه فأقولُ: هل حرّكَ شَفتيه بردّ السلام أم لا؟. قال البخاري: وقال عبدُ الله بن عمرو: لا تسلِّموا على شَرَبَة الخمر. قلتُ: فإن اضّطُر إلى السلام على الظلمة، بأن دخل عليهم وخاف ترتب مفسدة في دينه أو دنياه أو غيرهما إن لم يسلّم، سلّم عليهم. قال الإِمام أبو بكر بن العربي: قال العلماء: يسلِّم، وينوي أن السلام اسم من أسماء الله تعالى، المعنى: الله عليكم رقيب. [فصل]: وأما الصبيان فالسنّة أن يسلِّم عليهم. [13/ 635] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أنس رضي الله ¬

[634] البخاري (4418)، ومسلم (2769). [635] البخاري (2647)، ومسلم (2168).

218 ـ باب في آداب ومسائل من السلام

عنه؛ أنه مرّ على صبيانٍ فسَّمَ عليهم وقال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يفعله. وفي رواية لمسلم عنه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مرّ على غِلمانٍ فسلَّم عليهم. [14/ 636] وروينا في سنن أبي داود وغيره، بإسناد الصحيحين، عن أنس، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم مرّ على غلمانٍ يَلعبون فسلَّم عليهم ورويناهُ في كتاب ابن السنيّ وغيره، قال فيه فقال: "السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا صِبْيانُ". 218 ـ بابٌ في آدابٍ ومسائلَ من السَّلام [1/ 637] روينا في صحيح البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ على المَاشِي، وَالمَاشِي على القاعِدِ، وَالقَلِيلُ على الكثير" وفي رواية للبخاري: "يُسَلِّمُ الصَّغيرُ على الكَبيرِ، وَالمَاشِي على القاعِدِ، وَالقَلِيلُ على الكَثِيرِ". قال أصحابُنا وغيرُهم من العلماء: هذا المذكور هو السنّة، فلو خالفوا فسلَّم الماشي على الراكب، أو الجالس عليهما لم يُكره، صرّح به الإِمام أبو سعد المتولي وغيره، وعلى مقتضى هذا لا يُكره. ابتداء الكثيرين بالسلام على القليل، والكبير على الصغير، ويكونُ هذا تركًا لما يستحقّه من سلام غيره عليه، وهذا الأدبُ هو فيما إذا تلاقى الاثنان في طريق، أما إذا وَرَدَ على قعود أو قاعد؛ فإن الواردَ يبدأُ بالسلام على كل حال، سواء كان صغيرًا أو كبيرًا، قليلًا أو كثيرًا، وسمَّى أقضى القضاة هذا الثاني سنّة، وسمّى الأوّل أدبًا وجعلَه دون السنّة في الفضيلة. ¬

[636] أبو داود (5202)، والنسائي (331) في "اليوم والليلة"، وابن السني (226)، وهو في الصحيحين. [637] البخاري (6231)، ومسلم (2160)، وأبو داود (5198) و (5199)، والترمذي (2704) و (2705).

[فصل]: قال المتولي: إذا لقي رجلٌ جماعةً فأراد أن يخصّ طائفة منهم بالسلام كره، لأن القصد من السلام المؤانسة والألفة، وفي تخصيص البعض إيحاش للباقين، وربما صار سببًا للعداوة. [فصل]: إذا مشى في السوق أو الشوارع المطروقة كثيرًا ونحو ذلك مما يكثر فيه المتلاقون، فقد ذكرَ أقضى القضاة الماورديّ أن السلام هنا إنما يكونُ لبعض الناس دون بعض. قال: لأنه لو سلَّم على كلّ مَن لقي لتشاغل به عن كل مهمّ، ولخرج به عن العُرْف. قال: وإنما يُقصد بهذا السلام أحدُ أمرين: إما اكتساب ودّ، وإما استدفاع مكروه. [فصل]: قال المتولّي: إذا سلَّمتْ جماعةٌ على رجل فقال: وعليكم السلام، وقصد الردّ على جميعهم سقط عنه فرضُ الردّ في حقّ جميعهم، كما لو صلَّى على جنائزَ دفعةً واحدةً فإنه يُسقط فرضَ الصلاة على الجميع. [فصل]: قال الماوردي: إذا دخل إنسانٌ على جماعة قليلة يعمُّهم سلامٌ واحد، اقتصر على سلام واحد على جميعهم، وما زاد من تخصيص بعضهم فهو أدب، ويكفي أن يردّ منهم واحدٌ، فمن زاد منهم فهو أدب. قال: فإن كان جمعًا لا ينتشرُ فيهم السلام الواحد كالجامع والمجلس الحفل؛ فسنّة السلام أن يبتدىء به الداخل في أوّل دخوله إذا شاهدَ القومَ ويكون مؤديًا سنّة السلام في حقّ جميع مَن سمعه، ويدخلُ في فرض كفاية الردّ جميعُ مَن سمعه، فإن أرادَ الجلوس فيهم سقط عنه سنّة السلام فيمن لم يسمعه من الباقين، وإن أراد أن يجلس فيمن بعدَهم ممّن لم يسمع سلامه المتقدّم ففيه وجهان لأصحابنا: أحدُهما أن سنّة السلام عليهم قد حصلت بالسلام على أوائلهم لأنهم جمع واحد، فلو أعاد السلام عليهم كان أدَبًا، وعلى هذا أيُّ أهل المسجد ردّ عليه سقط به فرض الكفاية عن

جميعهم. والوجه الثاني أن سنّة السلام باقية لمن لم يبلغهم سلامه المتقدم إذا أراد الجلوس فيهم، فعلى هذا لا يسقط فرض ردّ السلام المتقدم عن الأوائل بردّ الأواخر. [فصل]: ويستحبّ إذا دخل بيته أن يُسلِّم وإن لم يكن فيه أحد، وليقل: السَّلامُ عَلَيْنا وعلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ. وقد قدَّمنا (¬1) في أول الكتاب بيان ما يقوله إذا دخل بيته. وكذا إذا دخل مسجدًا أو بيتًا لغيره ليس فيه أحد يُستحبّ أن يُسلِّم وأن يقول: السَّلامُ عَلَيْنا وَعلى عِبادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ أهْلَ البَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ. [فصل]: إذا كان جالسًا مع قوم ثم قام ليفارقهم، فالسنّة أن يُسلِّم عليهم. [2/ 638] فقد روينا في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما، بالأسانيد الجيدة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا انْتَهَى أحَدُكُمْ إلى المَجْلِسِ فَلْيُسَلِّمْ فإذَا أَرَادَ أنْ يَقُومَ فَلْيُسَلِّمْ، فَلَيْسَتِ الأُولى بأحَقّ مِنَ الآخِرَةِ" قال الترمذي: حديث حسن. قلت: ظاهر هذا الحديث أنه يجب على الجماعة ردّ السلام على هذا الذي سلَّم عليهم وفارقهم، وقد قال الإِمامان: القاضي حسين وصاحبه أبو سعد المتولّي: جرتْ عادةُ بعض الناس بالسلام عند مفارقة القوم، وذلك دعاءٌ يُستحبّ جوابه ولا يجب؛ لأن التحية إنما تكون عند اللقاء لا ¬

[638] أبو داود (5208)، والترمذي (2707)، وقال الحافظ: هذا حديث حسن أخرجه النسائي، والبخاري في الأدب المفرد، وابن حبّان، والحاكم. وهو في "عمل اليوم والليلة" للنسائي برقم (369)، والمسند 2/ 230 و 287 و 439. (¬1) انظر ص 72 باب رقم 9

عند الانصراف، وهذا كلامُهما، وقد أنكره الإِمام أبو بكر الشاشي الأخير من أصحابنا، وقال: هذا فاسد، لأن السَّلامَ سنّةٌ عند الانصراف كما هو سنّة عند الجلوس، وفيه هذا الحديث، وهذا الذي قاله الشاشي هو الصواب. [فصل]: إذا مرّ على واحد أو أكثر وغلبَ على ظنه أنه إذا سلَّم لا يردّ عليه، إما لتكبّر الممرور عليه، وإما لإِهماله المارّ أو السلام، وإما لغير ذلك، فينبغي أن يُسلِّم ولا يتركه لهذا الظنّ، فإنّ السلامَ مأمورٌ به، والذي أُمِرَ به المارّ أن يُسلّم ولم يؤمر بأن يحصل الردّ مع أن الممرور عليه قد يُخطىء الظنّ فيه ويردّ. وأما قول مَن لا تحقيق عنده: إن سلامَ المارّ سبب لحصول الإِثم في حقّ الممرور عليه فهو جهالة ظاهرة وغباوة بيِّنة، فإن المأمورات الشرعية لا تسقط عن المأمور بها بمثل هذه الخيالات، ولو نظرنا إلى هذا الخيال الفاسد لتركنا إنكار المنكر على مَن فعله جاهلًا كونه منكرًا، وغلب على ظننا أنه لا ينزجر بقولنا، فإن إنكارنا عليه وتعريفنا له قبحه يكون سببًا لإِثمه إذا لم يقلع عنه، ولا شكّ في أنُّا لا نترك الإِنكار بمثل هذا، ونظائر هذا كثيرة معروفة، والله أعلم. ويُستحبّ لمن سلّم على إنسان وأسمعه سلامه وتوجّه عليه الردّ بشروطه فلم يرد؛ أن يحلِّله من ذلك فيقول؟ أبرأته من حقّي في ردّ السلام، أو جعلتُه في حِلٍّ منه ونحو ذلك، ويلفظ بهذا، فإنه يسقط به حقّ هذا الآدمي، والله أعلم. [3/ 639] وقد روينا في كتاب ابن السني عن عبد الرحمن بن شبل ¬

[639] ابن السني (207) وتمامه "يُسَلِّمَ الراكبُ على الراجل ويُسلِّم الراجل على القاعد، ويُسلِّم الأقل على الأكثر، فَمَنْ أجاب السَّلامَ فهو له، ومَنْ لم يُجبْ السَّلام فليس منّا" =

219ـ باب الاستئذان

الصحابي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أجَابَ السَّلامَ فَهُوَ لَهُ، وَمَنْ لَمْ يُجِبْ فَلَيْسَ مِنَّا". ويُستحبّ لمن سلَّم على إنسان فلم يرد عليه أن يقول له بعبارة لطيفة: ردُّ السلام واجبٌ، فينبغي لك أن تردّ عليّ ليسقطَ عنك الفرضُ، والله أعلم. 219ـ باب الاستئذان قال الله تعالى: {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأنِسُوا وَتُسَلِّمُوا على أهْلها} [النور:27] وقال تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الأطْفالُ مِنْكُمُ الحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كما اسْتَأذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور:59]. [1/ 640] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الاسْتِئْذَانُ ثَلاثٌ، فإنْ أُذِنَ لَكَ وَإِلاَّ فَارْجِعْ". ورويناه في الصحيحين أيضًا، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وغيره، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. [2/ 641] وروينا في صحيحيهما، عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّمَا جُعِلَ الاسْتِئْذَانُ مِنْ أجْلِ البَصَرِ". ¬

= وهو حديث صحيح، رواه البخاري في الأدب المفرد، وأحمد، والطبراني، والحاكم. الفتوحات الربانية 5/ 367. [640] البخاري (6244) و (6245)، ومسلم (2153) (34)، والموطأ 2/ 963ـ 964، وأبو داود (5180) و (5181) و (5182) و (5183) و (5184)، والترمذي (2691). [641] البخاري (6241)، ومسلم (2156)، والترمذي (2710)، والنسائي 7/ 60ـ61.

وروينا الاستئذان ثلاثًا من جهات كثيرة. والسنّة أن يُسلِّم ثم يستأذن فيقوم عند الباب بحيث لا ينظرُ إلى مَن في داخله، ثم يقول: السلام عليكم، أأدخل؟ فإن لم يجبْه أحدٌ قال ذلك ثانيًا وثالثًا، فإن لم يجبْه أحدٌ انصرف. [3/ 642] وروينا في سنن أبي داود، بإسناد صحيح، عن ربعيّ بن حِراش، بكسر الحاء المهملة وآخره شين معجمة، التابعي الجليل، قال: حدّثنا رجل من بني عامر استأذن على النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو في بيت، فقال: أألجُ؟ فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لخادمه: "اخْرُجْ إلى هَذَا فَعَلِّمْهُ الاسْتِئْذَانَ، فَقُلْ لَهُ: قُلْ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، أأدْخُلُ؟ " فسمعه الرجلُ فقال: السلام عليكم، أأدخلُ؟ فأذنَ له النبيُّ صلى الله عليه وسلم فدخلَ. [4/ 643] وروينا في سنن أبي داود والترمذي، عن كَلَدَة بن الحَنْبل الصحابي رضي الله عنه، قال: أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فدخلتُ عليه ولم أسلِّم، فقالَ النبيُّ: "ارْجِعْ فَقُلْ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟ " قال الترمذي: حديث حسن. قلت: كَلَدة بفتح الكاف واللام. والحَنْبل بفتح الحاء المهملة وبعدها نون ساكنة ثم باء موحدة ثم لام. وهذا الذي ذكرناه من تقديم السلام على الاستئذان هو الصحيح. وذكر الماوردي فيه ثلاثة أوجه: أحدها هذا. والثاني تقديم الاستئذان على السلام، والثالث وهو اختياره، إن وقعت عين المستأذن على صاحب المنزل قبل دخوله قدَّم السلام، وإن لم تقع عليه عينه قدَّم الاستئذان. وإذا استأذن ثلاثًا فلم يُؤذن له وظنَّ أنه لم يسمع فهل يزيدُ عليها؟ حكى الإِمام ¬

[642] أبو داود (5177) و (5178) و (5179)، وإسناده صحيح. [643] أبو داود (5176)، والترمذي (2711) وقال: هذا حديث حسن غريب، وهو عند النسائي (315) في "اليوم والليلة"، وأحمد في المسند 3/ 414.

أبو بكر بن العربيّ المالكي فيه ثلاثة مذاهب: أحدُها يعيده. والثاني لا يعيده. والثالث إن كان بلفظ الاستئذان المتقدم لم يعدْه، وإن كان بغيره أعاده؛ قال: والأصحُّ أنه لا يعيدُه بحال، وهذا الذي صحَّحه هو الذي تقتضيه السنّة، والله أعلم. [فصل]: وينبغي إذا استأذن على إنسان بالسلام أو بدقّ الباب فقيل له: مَنْ أنتَ؟ أن يقول: فلانُ بن فلان، أو فلانٌ الفلاني، أو فلانٌ المعروف بكذا، أو ما أشبه ذلك، بحيث يحصل التعريف التامّ به، ويُكره أن يقتصر على قوله أنا، أو الخادم، أو بعض الغلمان، أو بعض المحبّين، وما أشبه ذلك. [5/ 644] روينا في صحيحي البخاري ومسلم في حديث الإِسراء المشهور، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثُمَّ صَعِدَ بي جِبْرِيلُ إلى السَّماءِ الدُّنْيا فَاسْتَفْتَحَ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قالَ: مُحَمَّدٌ، ثُمَّ صَعِدَ بي إلى السَّماءِ الثَّانِيَةِ والثَّالِثَةِ وَسائِرِهنَّ، وَيُقالُ في بابِ كُلِّ سمَاءٍ: مَنْ هَذَا؟ فَيَقُولُ: جبْرِيلُ". [6/ 645] وروينا في صحيحيهما، حديثَ أبي موسى لما جلسَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم على بئر البستان؛ جاء أبو بكر فاستأذن، فقال: مَنْ؟ قال: أبو بكر، ثم جاء عمر فاستأذن، فقال: مَن؟ قال: عمر، ثم عثمان كذلك. ¬

[644] البخاري (2887)، ومسلم (162). [645] البخاري (3674)، ومسلم (2403) (29). والبئر هي بئر أَرِيْس بقباء، وكان أبو موسى حافظ الباب في ذلك الوقت، كما في الصحيح، فلما جاء كلٌّ من الثلاثة استأذن لهم فأذن لهم، والشاهد من الاستدلال أن كلًا منهم لما استأذن فقيل له: مَن هذا؟ ذكر اسمَه الصريح. الفتوحات 5/ 375.

[7/ 646] وروينا في صحيحيهما أيضًا، عن جابر رضي الله عنه قال: أتيتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم فدققتُ البابَ، فقال: "مَنْ ذَا؟ فَقلتُ: أنا، فقال: أنَا أنَا" كأنه كرهها. [فصل]: ولا بأس أن يصف نفسه بما يعرف إذا لم يعرفه المخاطب بغيره، وإن كان فيه صورة تبجيل له بأن يكنّي نفسه، أو يقول أنا المفتي فلان، أو القاضي، أو الشيخ فلان، أو ما أشبه ذلك. [8/ 647] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أمّ هانىء بنت أبي طالب رضي الله عنها، واسمها فاختة على المشهور، وقيل فاطمة، وقيل هند، قالت: أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل وفاطمةُ تستُره، فقال: "مَنْ هَذِهِ؟ " فقلتُ: أنا أُمّ هانىء. [9/ 648] وروينا في صحيحيهما، عن أبي ذرّ رضي الله عنه، واسمه جُندب، وقيل بُرَيْرٌ بضمّ الباء تصغير برّ، قال: خرجتُ ليلةً من الليالي فإذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يمشي وحدَه، فجعلتُ أمشي في ظلّ القمر، فالتفتَ فرآني فقال: "مَنْ هَذَا؟ " فقلت: أبو ذرّ. [10/ 649] وروينا في صحيح مسلم، عن أبي قتادة الحارث بن رِبعي رضي الله عنه في حديث الميضأة المشتمل على معجزات كثيرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى جمل من فنون العلوم، قال فيه أبو قتادة: فرفع النبيّ صلى الله عليه وسلم ¬

[646] البخاري (6250)، ومسلم (2155)، وأبو داود (5187)، والترمذي (2712)، والنسائي (328)، في "اليوم والليلة". [647] البخاري (280)، ومسلم (336) و (72). [648] البخاري (6443)، ومسلم (94) و 2/ 688. [649] مسلم (681)، وقال ابن علان: رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه.

220 ـ باب في مسائل تتفرع على السلام

رأسه فقال: "مَنْ هَذَا؟ " قلت: أبو قتادة. قلت: ونظائر هذا كثيرة، وسببه الحاجة، وعدم إرادة الافتخار. ويقرب من هذا: [11/ 650] ما رويناه في صحيح مسلم عن أبي هريرة، واسمه عبد الرحمن بن صخر على الأصحّ، قال: قلتُ: يا رسول الله! ادعُ الله أن يهديَ أُمّ أبي هريرة ... وذكر الحديثَ إلى أن قال فرجعتُ فقلت: يا رسول الله! قد استجاب الله دعوتك وهدى أُمّ أبي هريرة. 220 ـ بابُ في مسائل تتفرّعُ على السَّلام مسألة: قال أبو سعد المتولّي: التحيّة عند الخروج من الحمّام بأن يُقال له: طابَ حمّامُك، لا أصل لها؛ ولكن روي أن عليّ رضي الله عنه قال لرجل خرج من الحمّام: طَهَرْتَ فلا نَجِسْتَ. قلت: هذا المحلّ لم يصحُّ فيه شيء، ولو قال إنسان لصاحبه على سبيل المودة والمؤالفة واستجلاب الودّ: أدام الله لك النعيم ونحو ذلك من الدعاء فلا بأس به. مسألة: إذا ابتدأ المارُّ الممرور عليه فقال: صبَّحكَ الله بالخير، أو بالسعادة، أو قوّاك الله، ولا أوحشَ الله منك، أو غير ذلك من الألفاظ التي يستعملها الناسُ في العادة، لم يستحقّ جوابًا؛ لكن لو دعا له قباله ذلك كان حسنًا، إلا أنْ يَتْرُكَ جوابَه بالكلية زجرًا في تخلّفه وإهماله السلام، وتأديبًا له ولغيره في الاعتناء بالابتداء بالسلام. [فصل]: إذا أراد تقبيل يد غيره، إن كان ذلك لزهده وصلاحه أو ¬

[650] مسلم (2491).

علمه أو شرفه وصيانته أو نحو ذلك من الأمور الدينية لم يُكره بل يُستحبّ؛ وإن كان لغناه ودنياه وثروته وشوكته ووجاهته عند أهل الدنيا ونحو ذلك فهو مكروه شديد الكراهة. وقال المتولّي من أصحابنا: لا يجوز، فأشار إلى أنه حرام. [1/ 651] روينا في سنن أبي داود، عن زارع رضي الله عنه، وكان في وفد عبد القيس قال: فجعلْنا نتبادرُ من رواحلنا فنقبِّلُ يدَ النبيّ صلى الله عليه وسلم ورجلَه. قلتُ: زارع بزاي في أوّله وراء بعد الألف، على لفظ زَارع الحنطة وغيرها. [2/ 652] وروينا في سنن أبي داود أيضًا، عن ابن عمر رضي الله عنهما قصةً قال فيها: فدنونا ـ يعني من النبيّ صلى الله عليه وسلم ـ فقَبَّلنا يده. وأما تقبيل الرجُل خدَّ ولده الصغير، وأخيه، وقُبلة غير خدّه من أطرافه ونحوها على وجه الشفقة والرحمة واللطف ومحبة القرابة، فسُنّةٌ. والأحاديث فيه كثيرة صحيحة مشهورة وسواء الولد الذكر والأنثى. وكذلك قبلته ولد صديقه وغيره من صغار الأطفال على هذا الوجه. وأما التقبيلُ بالشهوة فحرام بالاتفاق. وسواء في ذلك الوالد وغيره، بل النظر إليه بالشهوة حرام بالاتفاق على القريب والأجنبي. [3/ 653] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي ¬

[651] أبو داود (5225)، وإسناده حسن، انظر مختصر سنن أبي داود؛ للحافظ المنذري 8/ 91. [652] أبو داود (5223) وأخرج القصة الترمذي وابن ماجه، وقد وقعت القصة في غزوة مؤتة .. وأبو داود أشار إليها ولم يذكرها، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 8/ 42: رواه أبو يعلى، وفيه يزيد بن أبي زياد، وهو ليِّن الحديث، وبقية رجاله رجال الصحيح. [653] البخاري (5997)، ومسلم (2319)، وأبو داود (5218)، والترمذي (1912).

الله عنه قال: قَبَّلَ النبيّ صلى الله عليه وسلم الحسنَ بن عليّ رضي الله عنهما وعنده الأقرعُ بن حابس التميمي. فقال الأقرعُ: إن ليس عشرةً من الولد ما قبّلتُ منهم أحدًا، فنظرَ إليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "مَنْ لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ". [4/ 654] وروينا في صحيحيهما، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم ناسٌ من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: تُقَبِّلُونَ صبيانَكم؟ فقالوا: نعم، قالوا: لكنَّا والله ما نُقَبِّلُ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوَ أمْلِكُ أنْ كانَ اللَّهُ تَعالى نَزَعَ مِنْكُمُ الرَّحْمَةَ؟ " هذا لفظ إحدى الروايات، وهو مروي بألفاظ. [5/ 655] وروينا في صحيح البخاري وغيره، عن أنس رضي الله عنه قال: أخذَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ابنَه إبراهيم فقَبّله وشمّه. [6/ 656] وروينا في سنن أبي داود، عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: دخلتُ مع أبي بكر رضي الله عنه أوّلَ ما قَدِمَ المدينةَ، فإذا عائشةُ ابنته رضي الله عنها مضطجعةٌ قد أصابَها حُمَّى، فأتاها أبو بكر فقال: كيف أنتِ يا بنيّة؟! وقبَّلَ خدَّها. [7/ 657] وروينا في كتب الترمذي والنسائي وابن ماجه، بالأسانيد الصحيحة، عن صفوان بن عَسَّال الصحابيّ رضي الله عنه، وعَسَّال بفتح العين وتشديد السين المهملتين، قال: قال يهوديّ لصاحبه: اذهب بنا إلى ¬

[654] البخاري (5998)، ومسلم (2317). [655] البخاري في كتاب الأدب (باب رحمة الولد وتقبيله ..) 10/ 426، تعليقًا، وروى مسلم (2316) تقبيلَ النبي صلى الله عليه وسلم لابنه إبراهيم، عن أنس رضي الله عنه. [656] أبو داود (5322)، وإسناده حسن، وقال ابن الأثير في جامع الأصول 1/ 416: وقد أخرجه البخاري ومسلم في جملة حديث. [657] الترمذي (2734)، والنسائي في الكبرى، وابن ماجه (3705) وهو حديث حسن.

هذا النبيّ، فأتيا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن تسعِ آياتٍ بيِّناتٍ، فذكرَ الحديثَ إلى قوله: فقبّلوا يدَه ورجلَه وقالا: نشهدُ أنك نبيٌّ. [8/ 658] وروينا في سنن أبي داود، بالإِسناد الصحيح المليح، عن إِياس بن دَغْفَل قال: رأيتُ أبا نضرة قَبّل خدّ الحسن بن عليّ رضي الله عنهما. قلت: أبو نَضْرَةَ بالنون والضاد المعجمة: اسمه المنذر بن مالك بن قطعة، تابعي ثقة. ودَغْفَل بدال مهملة مفتوحة ثم غير معجمة ساكنة ثم فاء مفتوحة ثم لام. وعن ابن عمر (¬1) رضي الله عنهما أنه كان يقبّل ابنه سالمًا ويقول: اعجبوا من شيخ يُقَبِّلُ شيخًا. وعن سهل بن عبد الله التستري السيد الجليل أحد أفراد زهّاد الأمة وعبّادها رضي الله عنه أنه كان يأتي أبا داود السجستاني ويقول: أخرج لي لسانكَ الذي تُحدِّثُ به حديثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأُقَبِّله فيقبِّلُه. وأفعالُ السلف في هذا الباب أكثر من أن تُحصر، والله أعلم. [فصل]: ولا بأس بتقبيل وجه الميت الصالح للتبرّك، ولا بأس بتقبيل الرجُل وجه صاحبه إذا قدم من سفر ونحوه. [9/ 659] روينا في صحيح البخاري، عن عائشة رضي الله عنها في ¬

[658] أبو داود (5221) قال ابن علاّن: ولعله ـ أي النووي ـ أراد بملاحته علوّ إسناده، إذ هو من رباعيات أبي داود .. ، ويحتمل أنه أراد به جودته وتوثيق رجاله. الفتوحات الربانية 5/ 387. [659] البخاري (4452) و (4453). (¬1) قال ابن علاّن: أخرجه ابن أبي خيثمة في تاريخه

الحديث الطويل في وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: دخلَ أبو بكر رضي الله عنه فكشفَ عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أكبَّ عليه فقَبّله، ثم بكى. [10/ 660] وروينا في كتاب الترمذي، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قدِمَ زيدُ بنُ حارثةَ المدينةَ ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، فأتاه فقرعَ البابَ، فقامَ إليه النبيّ صلى الله عليه وسلم يجرّ ثوبَه، فاعتنقه وقبَّله. قال الترمذي: حديث حسن. وأما المعانقةُ وتقبيلُ الوجه لغير الطفل ولغير القادم من سفر ونحوه فمكروهان، نصَّ على كراهتهما أبو محمد البغويّ وغيره من أصحابنا. ويدلّ على الكراهة: [11/ 661] ما رويناه في كتابي الترمذي وابن ماجه، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله! الرجل منّا يَلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال: "لا" قال: أفيلتزمه ويقبّله؟ قال: "لا" قال: فيأخذه بيده ويصافحُه؟ قال: "نَعَمْ" قال الترمذي: حديث حسن. قلت: وهذا الذي ذكرناه في التقبيل والمعانقة، وأنه لا بأس به عند القدوم من سفر ونحوه، ومكروه كراهة تنزيه في غيره، وهو في غير الأمرد الحسن الوجه؛ فأما الأمردُ الحسنُ فيحرم بكلّ حال تقبيله، سواء قدم مَن سفر أم لا. والظاهر أن معانقته كتقبيله، أو قريبة من تقبيله، ولا فرق في هذا بين أن يكون المقبِّل والمقبَّل رجلين صالحين أو فاسقين، أو أحجُهما صالحًا، فالجميعُ سواء. والمذهبُ الصحيح عندنا تحريم النظر إلى الأمرد ¬

[660] الترمذي (2733). [661] الترمذي (2729)، وابن ماجه (3702).

الحسن ولو كان بغير شهوة، وقد أمن الفتنة، فهو حرام كالمرأة لكونه في معناها (¬1). [فصل]: في المصافحة: اعلم أنها سنّة مجمعٌ عليها عند التلاقي. [12/ 662] روينا في صحيح البخاري، عن قتادة قال: قلتُ لأنس رضي الله عنه أكانتِ المصافحةُ في أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. [13/ 663] وروينا في صحيح البخاري ومسلم في حديث كعب بن مالك رضي الله عنه في قصة توبته قال: فقام إليّ طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يُهرول، حتى صافحني وهنّأني. [14/ 664] وروينا بالإِسناد الصحيح في سنن أبي داود، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيانِ فَيتَصافَحانِ إِلاَّ غُفرَ لَهُما قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا". [15/ 665] وروينا في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه، عن البراء رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم "ما مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيانِ إلاَّ غُفرَ لَهُما قَبْلَ أنْ يَتَفَرَّقا". [16/ 666] وروينا في كتابي الترمذي وابن ماجه، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رجلٌ: يا رسولَ الله! الرجلُ منّا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟، قال: "لا" قال: أفيلتزمه ويقبله؟ قال: "لا" قال: فيأخذ بيده ¬

[662] البخاري (6263)، والترمذي (2730). [663] البخاري (4418)، ومسلم (2769). [664] أبو داود (5213)، وإسناده صحيح. [665] أبو داود (5212)، والترمذي (2728)، وابن ماجه (2703) وهو حديث صحيح. [666] الترمذي (2729)، وابن ماجه (3702) وقد تقدم قريبًا برقم 11/ 661. (¬1) في هامش "أ" زيادة: و"وقد قررت هذا كله في أول كتاب النكاح من شرح المهذب"

ويصافحه؟ قال: "نَعَمْ" قال الترمذي: حديث حسن. وفي الباب أحاديث كثيرة. [17/ 667] وروينا في موطأ الإِمام مالك رحمه الله، عن عطاء بن عبد الله الخراسانيّ قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تَصَافَحُوا يَذْهَبِ الغِلُّ، وَتَهَادَوْا تَحابُّوا وَتَذْهَبِ الشَّحْناءُ" قلت: هذا حديث مرسل. واعلم أن هذه المصافحة مستحبّة عند كل لقاء، وأما ما اعتاده الناسُ من المصافحة بعد صلاتي الصبح والعصر، فلا أصلَ له في الشرع على هذا الوجه، ولكن لا بأس به، فإن أصل المصافحة سنّة، وكونهم حافَظوا عليها في بعض الأحوال، وفرّطوا فيها في كثير من الأحوال أو أكثرها، لا يخرج ذلك البعض عن كونه من المصافحة التي ورد الشرع بأصلها. وقد ذكر الشيخ الإِمام أبو محمد عبد السلام رحمه الله في كتابه "القواعد" أن البدع على خمسة أقسام: واجبة، ومحرّمة، ومكروهة، ومستحبّة، ومباحة. قال: ومن أمثلة البدع المباحة المصافحة عقب الصبح والعصر، والله أعلم. قلت: وينبغي أن يحترز من مصافحة الأمرد الحسن الوجه، فإن النظرَ إليه حرام كما قدَّمنا في الفصل الذي قبل هذا، وقد قال أصحابنا: كلّ مَن حَرُمَ النظرُ إليه حَرُمَ مسُّه، بل المسّ أشدّ، فإنه يحلّ النظر إلى الأجنبية إذا أراد أن يتزوّجها، وفي حال البيع والشراء والأخذ والعطاء ونحو ذلك، ولا يجوز مسُّها في شيء من ذلك، والله أعلم. [فصل]: ويُستحبّ مع المصافحة، البشاشة بالوجه، والدعاء بالمغفرة وغيرها. ¬

[667] الموطأ 2/ 908، وإسناده معضل، وقال ابن عبد البرّ: هذا يتصل من وجوه شتى حسان كلّها.

[18/ 668] روينا في صحيح مسلم، عن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: قال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أنْ تَلْقَى أخاكَ بِوَجْهِ طَلِيقٍ". [19/ 669] وروينا في كتاب ابن السني، عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ المُسْلِمَيْنِ إذَا الْتَقَيا فَتَصَافَحَا وَتَكَاشَرَا بِوُدٍّ وَنَصِيحَةٍ تَنَاثَرَتْ خَطاياهُما بَينَهُما" وفي رواية "إذَا الْتَقَى المُسْلِمانِ فَتَصَافَحَا وَحَمِدَا اللَّهَ تَعالى وَاسْتَغْفَرَا، غَفَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمَا". [20/ 670] وروينا فيه، عن أنس رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَا مِنْ عَبْدَيْنِ مُتَحابَّيْنِ في اللَّهِ يَسْتَقْبِلُ أحَدُهُما صَاحِبَهُ فَيُصَافِحَهُ فَيُصَلِّيانِ على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِلاَّ لَمْ يَتَفَرَّقَا حتَّى تُغْفَرَ ذُنُوبهُمَا ما تَقَدَّمَ منْها وَما تَأخَّرَ". [21/ 671] وروينا فيه، عن أنس أيضًا، قال: ما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدِ رجلٍ ففارقه حتى قال: "اللَّهُمَّ آتِنا في الدُّنيا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذَابَ النَّارِ". [فصل]: ويُكره حنْيُ الظهر في كل حال لكل أحد، ويدلّ عليه ما قدَّمنا في الفصلين المتقدمين من حديث أنس، وقوله: أينحني له؟ قال: "لا" وهو حديث حسن كما ذكرناه ولم يأت له معارض فلا مصيرَ إلى مخالفته، ولا يغترّ بكثرة مَن يفعله ممّن ينسب إلى علم أو صلاح وغيرهما من خصال الفضل، فإن الاقتداء إنما يكون برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {وَما ¬

[668] مسلم (2626)، ومعنى "طلِيْق" سهل مبسط. [669] ابن السني (192) و (194)، ورواه أبو داود (5211)، وقال الحافظ المنذري: في إسناده اضطراب. [670] ابن السني (193)، وإسناده ضعيف. [671] ابن السني (203)، وإسناده لا بأس به.

آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ، وَمَا نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7] وقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذينَ يُخالِفُونَ عَنْ أمْرِهِ أنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ} [النور:63]. وقد قدَّمنا في كتاب الجنائز (¬1)، عن الفضيل بن عياض رضي الله عنه ما معناه: اتّبعْ طُرُقَ الهدى، ولا يضرّك قلّة السالكين، وإياك وطرق الضلالة، ولا تغترّ بكثرة الهالكين، وبالله التوفيق. [فصل]: وأما إكرام الداخل بالقيام، فالذي نختاره أنه مستحبّ لمن كان فيه فضيلة ظاهرة من علم أو صلاح أو شرف أو ولاية مصحوبة بصيانة، أو له ولادة أو رحم مع سنّ ونحو ذلك، ويكون هذا القيام للبِرّ والإِكرام والاحترام لا للرياء والإِعظام، وعلى هذا الذي اخترناه استمرّ عمل السلف والخلف، وقد جمعت في ذلك جزءًا جمعت فيه الأحاديث والآثار وأقوال السلف وأفعالهم الدّالة على ما ذكرته، ذكرت فيه ما خالفها وأوضحت الجواب عنه، فمن أشكل عليه من ذلك شيء ورغب في مطالعة ذلك الجزء رجوت أن يزول إشكاله إن شاء الله تعالى، والله أعلم. [فصل]: يستحبّ استحبابًا متأكدًا زيارة الصالحين والإِخوان والجيران والأصدقاء والأقارب وإكرامهم وبرّهم وصلتهم، وضبط ذلك يختلف باختلاف أحواله ومراتبهم وفراغهم. وينبغي أن تكون زيارته لهم على وجه لا يكرهونه وفي وقت يرتضونه. والأحاديث والآثار في هذا كثيرة مشهورة، ومن أحسنها: [22/ 672] ما رويناه في صحيح مسلم، عن أبي هريرة ¬

[672] مسلم (2567)، وفيه بيان فضل الحب في الله. (¬1) انظر ص 271، باب رقم 121

221 ـ باب تشميت العاطس وحكم التثاؤب

رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: "أن رجلًا زارَ أخًا له في قرية أخرى، فأرصدَ الله تعالى على مَدْرَجته مَلَكًا، فلما أتى عليه قال: أين تُريد؟ قال: أُريدُ أخًا لي في هذه القرية، قال: هل لكَ عليه من نعمة ترُبُّها؟ قال: لا، غيرَ أني أحببتُه في الله تعالى، قال: فإني رسولُ الله إليك بأن الله تعالى قد أحبَّكَ كما أحببتَه فيه". قلت: مدرجتُه بفتح الميم والراء: طريقه. ومعنى تَرُبُّها: أي تحفظها وتراعيها وتربيها كما يُربِّي الرجلُ ولدَه. [23/ 673] وروينا في كتابي الترمذي وابن ماجه، عن أبي هريرة أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ عادَ مَرِيضًا، أوْ زَارَ أخًا لَهُ في اللَّهِ تَعالى، نادَاهُ مُنادٍ بأنْ طِبْتَ وَطابَ مَمْشاكَ، وَتَبَوَّأتَ مِنَ الجَنَّةِ مَنزِلًا". [فصل]: في استحباب طلب الإِنسان من صاحبه الصالح أن يزورَه، وأن يكثرَ من زيارته. [24/ 674] روينا في صحيح البخاري، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم لجبريل صلى الله عليه وسلم: "ما يَمْنَعُكَ أنْ تَزُورَنا أكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنا؟ فنزلتْ {وَما نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأمْرِ رَبِّكَ، لَهُ ما بَيْنَ أيْدِينا وَما خَلْفَنا} [مريم:64]. 221 ـ بابُ تَشْمِيتِ العَاطسِ وحُكم التَّثَاؤُب [1/ 675] روينا في صحيح البخاري، عن أبي هريرة رضي الله عنه، ¬

[673] الترمذي (2009)، وابن ماجه (1442)، وهو حديث حسن، وانظر الجامع الصغير 5/ 322. [674] البخاري (4731)، والترمذي (3157)، والمسند 1/ 231 و 234 و 357. [675] البخاري (6223)، وهو في مسلم (2941)، وأبو داود (5028)، والترمذي (2747) و (2748).

عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ اللَّهَ تَعالى يُحِبُّ العُطاسَ، وَيَكْرَهُ التَثاؤُبَ، فإذا عَطَسَ أحَدُكُمْ وَحَمِدَ اللَّهَ تَعالى كان حَقًّا على كُلّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أنْ يَقُولَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ. وأمَّا التَّثاؤُبُ فإنَّما هُوَ مِنَ الشَّيْطان، فإذا تَثَاءَبَ أحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ ما اسْتَطاعَ، فَإن أحدَكم إذا تَثاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطانُ" قلتُ: قال العلماء: معناه أن العطاسَ سببه محمود، وهو خفّة الجسم التي تكون لقلة الأخلاط وتخفيف الغذاء، وهو أمر مندوب إليه لأنه يُضعف الشهوة ويُسَهِّلُ الطاعة، والتثاؤب بضدّ ذلك، والله أعلم. [2/ 676] وروينا في صحيح البخاري، عن أبي هريرة أيضًا، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إذَا عَطَسَ أحَدُكُمْ فَلْيَقُل: الحَمْدُ لِلَّهِ، وَلْيَقُلْ لَهُ أخُوهُ أوْ صَاحبُهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فإذَا قالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَلْيَقُلْ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بالَكُمْ" قال العلماء: بالكم: أي شأنكم. [3/ 677] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أنس رضي الله عنه قال: عَطَسَ رجلان عند النبيّ صلى الله عليه وسلم، فشمّت أحدَهما ولم يشمّت الآخر، فقال الذي لم يشمّته: عَطَسَ فلان فشمّته، وعطستُ فلم تشمّتني، فقال: "هَذَا حَمِدَ اللَّهَ تَعالى، وَإنَّكَ لَمْ تَحْمَدِ اللَّهَ تَعالى". [4/ 678] وروينا في صحيح مسلم، عن أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذَا عَطَسَ أحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ تَعالى فَشَمِّتُوهُ، فإنْ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ فَلا تُشَمِّتُوهُ". [5/ 679] وروينا في صحيحيهما، عن البراء رضي الله عنه قال: أمَرَنا ¬

[676] البخاري (6224)، وأبو داود (5033)، والنسائي (232) في "اليوم والليلة". [677] البخاري (6225)، ومسلم (2991)، وأبو داود (5039)، والترمذي (2743)، والنسائي (222). [678] مسلم (2992). [679] البخاري (1239)، ومسلم (2066)، والترمذي (2800)، والنسائي 4/ 54.

رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع، ونهانا عن سبع: أمَرَنا بعيادة المريض، واتباع الجنازة، وتشميت العاطس، وإجابة الداعي، وردّ السلام، ونصر المظلوم، وإبرار القسم. [6/ 680] وروينا في صحيحيهما، عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "حَقُّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلامِ، وَعِيادَةُ المَرِيض، وَاتِّباعُ الجَنائِز، وإجابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ العاطِس" وفي رواية لمسلم "حَقُّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ سِتٌّ: إذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فأجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّه تَعالى فَشَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ". [فصل]: اتفق العلماء على أنه يُستحبّ للعاطس أن يقولَ عقب عطاسه: الحمد لله، فلو قال: الحمد لله ربّ العالمين كان أحسن، ولو قال: الحمد لله على كل حال كان أفضل. [7/ 681] روينا في سنن أبي داود وغيره، بإسناد صحيح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا عَطَسَ أحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ: الحَمْدُ لِلَّهِ على كُلّ حالٍ، وَلْيَقُلْ أخُوهُ أوْ صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ اللَّه، وَيَقُولُ هُوَ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ". [8/ 682] وروينا في كتاب الترمذي، عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أن رجلًا عَطَسَ إلى جنبه فقال: الحمدُ لله والسَّلام على رسول الله، فقال ¬

[680] البخاري (1240)، ومسلم (2162)، وأبو داود (5030)، والترمذي (2738)، والنسائي 4/ 53. [681] أبو داود (5033)، وقد تقدم برقم 2/ 676. [682] الترمذي (2735) وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث زياد بن الربيع. ورواه ابن ماجه (3803) عن عائشة، و (3804) عن أبي هريرة.

ابن عمر: وأنا أقول: الحمدُ لله والسلامُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس هكذا علّمنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، علّمنا أن نقول: "الحَمْدُ لِلَّهِ على كُلّ حالٍ". قلت: ويُستحبّ لكل مَن سمعه أن يقول لَه: يرحمك الله، أو يرحمكم الله، أو رحمكم الله، ويُستحبّ للعاطس بعد ذلك أن يقول: يهديكم الله ويُصلح بالكم، أو يغفر الله لنا ولكم (¬1). [9/ 683] وروينا في موطأ مالك، عنه، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أنه قال: إذا عَطَسَ أحدُكم فقيل له: يرحمُك الله، يقول: يرحمنا الله وإياكم، ويغفرُ الله لنا ولكم. وكل هذا سنّة ليس فيه شيء واجب، قال أصحابنا: والتشميتُ وهو قوله يرحمك الله سنّة على الكفاية لو قاله بعضُ الحاضرين أجزأ عنهم، ولكن الأفضل أن يقوله كلُّ واحد منهم؛ لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي قدّمناه "كانَ حَقًّا على كُلّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أنْ يَقُوْلَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ" هذا الذي ذكرناه من استحباب التشميت هو مذهبنا: واختلف أصحابُ مالك في وجوبه، فقال القاضي عبد الوهاب: هو سنّة، ويُجزىء تشميتُ واحد من الجماعة كمذهبنا، وقال ابن مُزَيْنٍ: يَلزم كلَّ واحد منهم، واختاره ابن العربي المالكي. [فصل]: إذا لم يحمد العاطس لا يُشَمَّتُ؛ للحديث المتقدم. وأقلُّ الحمد والتشميت وجوابِه أن يرفعَ صوتَه بحيث يُسمِعُ صاحبَه. [فصل]: إذا قال العاطسُ لفظًا آخرَ غير الحمد لله لم يستحقّ التشميت. ¬

[683] الموطأ 2/ 965، وهو موقوف صحيح. (¬1) "يغفر الله لنا ولكم": فيه استحباب تقديم الداعي نفسه إذا دعا، وفيه أنه يأتي بضمير الجمع وإن كان المخاطَبُ واحدًا

[10/ 684] روينا في سنن أبي داود والترمذي، عن سالم بن عبيد الأشجعي الصحابي رضي الله تعالى عنه قال: بينا نحنُ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عَطَسَ رجلٌ من القوم، فقال: السلام عليكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَعَلَيْكَ وَعَلى أُمِّكَ، ثم قال: إذَا عَطَسَ أحَدُكُمْ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ ـ فذكر بعض المحامد ـ وَلْيَقُلْ لَهُ مَنْ عِنْدَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وَلْيَرُدَّ ـ يعني عليهم ـ يَغْفِرُ اللَّهُ لَنا وَلَكُمْ". [فصل]: إذا عَطَسَ في صلاته يُستحبّ أن يقول: الحمد لله، ويُسمع نفسَه، هذا مذهبنا. ولأصحاب مالك ثلاثة أقوال: أحدُها هذا، واختاره ابن العربي. والثاني يحمد في نفسه، والثالث قاله سحنون: لا يحمَد جهرًا ولا في نفسه. [فصل]: السنّة إذا جاءَه العطاسُ أن يضعَ يدَه أو ثوبَه أو نحو ذلك على فمه وأن يخفضَ صوتَه. [11/ 685] روينا في سنن أبي داود والترمذي، عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا عطَس وضعَ يدَه أو ثوبَه على فِيه، وخفضّ أو غضّ بها صوتَه. ـ شكّ الراوي أيّ اللفظين قال ـ قال الترمذي: حديث صحيح. [12/ 686] وروينا في كتاب ابن السني، عن عبد الله بن الزبير رضي ¬

[684] أبو داود (5029)، والترمذي (2746)، والنسائي في "اليوم والليلة" (225)، والحاكم في المستدرك 3/ 267، وفي إسناده عنند الجميع رجل مبهم؛ لأن هلال بن يساف لم يدرك سالم بن عبيد. [685] أبو داود (5029)، والترمذي (2746)، وإسناده حسن. [686] ابن السني (268)، وفي إسناده علي بن عروة القرشي الدمشقي متروك. ولذا ذكر الشيخ الألباني أنه موضوع. انظر ضعيف الجامع الصغير 2/ 126.

الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَكْرَهُ رَفْعَ الصَّوْتِ بالتَّثاؤُبِ والعُطاسِ". [13/ 687] وروينا فيه، عن أُمّ سلمة رضي الله عنها قالت: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "التَّثاؤُبُ الرَّفِيعُ وَالعَطْسَةُ الشَّدِيدَةُ مِنَ الشَّيْطانِ". [فصل]: إذا تَكرّرَ العطاسُ من إنسان متتابعًا، فالسنّة أن يشمِّته لكل مرّة إلى أن يبلغ ثلاث مرّات. [14/ 688] روينا في صحيح مسلم وسنن أبي داود والترمذي، عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه؛ أنه سمعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم، وَعَطَسَ عندَه رجلٌ، فقال له: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، ثم عَطَسَ أخرى فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الرَّجُلُ مَزْكُومٌ" هذا لفظ رواية مسلم. وأما رواية أبي داود والترمذي فقالا: قال سلمة: عَطَسَ رجل عندَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا شاهدٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَرْحَمُكَ اللَّهُ" ثم عَطَسَ الثانية أو الثالثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَرْحَمُكَ اللَّهُ، هَذَا رَجُلٌ مَزْكُومٌ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. [15/ 689] وأما الذي رويناه في سنن أبي داود والترمذي، عن ¬

[687] ابن السني (264)، وإسناده ضعيف. [688] مسلم (2993)، وأبو داود (5037)، والترمذي (2744)، وابن ماجه (3714)، والنسائي (223)، ورجح الترمذي في روايته أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له في الثالثة. وعند مسلم والنسائي وابن ماجه في الثانية. [689] أبو داود (5036)، والترمذي (2745)، وقال: هذا حديث غريب، وإسناده مجهول. وقد تعقب الحافظُ ابن حجر الترمذيّ، فقال: إطلاقه عليه الضعف ليس بجيد، إذ لا يلزم من الغرابة الضعف. وَأَمَّا وصف الترمذي إسناده بكونه مجهولًا فلم يُرد جميع رجال الإِسناد، فإن معظمهم موثقون ... وقال ابن العربي: هذا الحديث، وإن كان فيه مجهول، لكن يستحب العمل به؛ لأنه دعاء بخير وصلة وتودّد للجليس فالأولى العمل به، والله أعلم. وقال ابن عبد البرّ: دلّ حديث عبيد بن رفاعة على أنه يشمّت ثلاثًا. ويُقال: أنت =

عبيد الله بن رفاعة الصحابيّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُشَمَّتُ العاطِسُ ثَلاثًا، فإنْ زَادَ فإنْ شِئْتَ فَشَمِّتْهُ وَإنْ شِئْتَ فَلا" فهو حديث ضعيف، قال فيه الترمذي: حديث غريب وإسناده مجهول. [16/ 690] وروينا في كتاب ابن السني، بإسناد فيه رجل لم أتحقق حاله، وباقي إسناده صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيُشَمِّتهُ جَلِيسُهُ، وَإِنْ زَاد على ثَلاثَة فَهُوَ مَزْكُومٌ، وَلا يُشَمَّتُ بَعْدَ ثَلاثٍ". واختلف العلماء فيه، فقال ابن العربي المالكي: قيل يقال له في الثانية: إنك مزكوم، وقيل يقال له في الثالثة، وقيل في الرابعة، والأصحّ أنه في الثالثة. قال: والمعنى فيه أنك لست ممّن يُشمَّت بعد هذا، لأن هذا الذي بك زكامٌ ومرض لا خفّة العطاس. فإن قيل: فإذا كان مرضًا فكان ينبغي أن يُدعى له ويُشمّت، لأنه أحقّ بالدعاء من غيره؟ فالجواب أنه يُستحبّ أن يُدعى له لكن غير دعاء العطاس المشروع، بل دعاء المسلم للمسلم بالعافية والسلامة ونحو ذلك، ولا يكون من باب التشميت. [فصل]: إذا عَطَسَ ولم يحمد الله تعالى فقد قدَّمنا أنه لا يُشمّت، وكذا لو حمد الله تعالى ولم يسمعه الإِنسان لا يشمّته، فإن كانوا جماعة فسمعه بعضُهم دون بعض فالمختار أنه يُشمّته من سمعه دون غيره. ¬

= مزكوم بعد ذلك، وهي زيادة يجب قبولها، فالعمل بها أولى. وذكر الحافظ ابن حجر للحديث شواهد مرسلة وموقوفة. انظر فتح الباري 10/ 605ـ606. [690] ابن السني (251) وفيه "ولا تشميتَ بعدَ ثلاث" وإسناده ضعيف، لوجود سليمان بن أبي داود الحرّاني، وهو ضعيف، وهو الرجل الذي لم يتحقق حاله الإِمام النووي رحمه الله تعالى.

وحكى ابن العربي خلافًا في تشميت الذين لم يسمعوا الحمد إذا سمعوا تشميتَ صاحبهم، فقيل يشمّته لأنه عرف عطاسه وحمده بتشميت غيره، وقيل لا، لأنه لم يسمعه. واعلم أنه إذا لم يحمد أصلًا يُستحبّ لمن عنده أن يذكِّره الحمد، هذا هو المختار. وقد روينا في معالم السنن للخطابي نحوه عن الإِمام الجليل إبراهيم النخعي، وهو باب النصيحة والأمر بالمعروف، والتعاون على البرّ والتقوى، وقال ابن العربي: لا يفعل هذا وزعم أنه جَهْلٌ من فاعله. وأخطأ في زعمه، بل الصواب استحبابه لما ذكرناه، وبالله التوفيق. [فصل]: فيما إذا عَطَسَ يهوديٌّ. [17/ 691] روينا في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما، بالأسانيد الصحيحة، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كان اليهودُ يتعاطسُونَ عندَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَرْجُون أن يقولَ لهم: يرحمُكُم اللَّهُ فيقولُ: "يَهديكُم اللَّهُ وَيُصْلِحُ بالَكُمْ": قال الترمذي: حديث حسن صحيح. [فصل]: روينا في مسند أبي يعلى الموصلي (¬1)، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَدَّثَ حَدِيثًا فَعَطَسَ عِنْدَهُ فَهُوَ حَقُّ" كل إسناده ثقات مُتقنون إلا بقية بن الوليد فمختلف فيه، وأكثرُ ¬

[691] أبو داود (5038)، والترمذي (2740)، وإسناده حسن. وقد رواه النسائي في "اليوم والليلة" برقم (232)، وأحمد في المسند (4/ 400)، والحاكم في المستدرك 3/ 268. (¬1) مسند أبي يَعلى الموصلي، وهو حديث ضعيف، وأخرجه الطبراني والدارقطني في الأفراد، والبيهقي وقال: إنه منكر، وقال غيره: إنه باطل ولو كان سنده كالشمس، وذكر الشيخ الألباني أنه موضوع. انظر ضعيف الجامع الصغير 5/ 191.

222 ـ باب المدح

الحفاظ والأئمة يحتجّون بروايته عن الشاميين، وقد روي هذا الحديث عن معاوية بن يحيى الشامي. [فصل]: إذا تثاءب فالسنّة أن يردّ ما استطاع للحديث الصحيح الذي قدّمناه. والسنّة أن يضع يده على فيه. [18/ 692] لما رويناه في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا تَثاءَبَ أحَدُكُمْ فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ على فَمِهِ، فإنَّ الشَّيْطانَ يَدْخُلُ". قلتُ: وسواء كان التثاؤب في الصلاة أو خارجها، يستحبّ وضعُ اليد على الفم، وإنما يكره للمصلّي وضعُ يده على فمه في الصلاة إذا لم تكن حاجة كالتثاؤب وشبهه، والله أعلم. 222 ـ بابُ المَدْحِ اعلم أنَّ مدح الإِنسان والثناءَ عليه بجميل صفاته قد يكون في وجه الممدوح، وقد يكون بغير حضوره، فأما الذي في غير حضورِه فلا منعَ منه إلا أن يُجازف المادحُ ويدخل في الكذب فيحرُم عليه بسبب الكذب لا لكونه مدحًا، ويُستحبُّ هذا المدح الذي لا كذبَ فيه إذا ترتب عليه مصلحةٌ ولم يجرّ إلى مفسدة بأن يبلغَ الممدوحَ فيفتتن به، أو غير ذلك. وأما المدحُ في وجه الممدوح فقد جاءت فيه أحاديث تقتضي إباحتَه أو استحبابه، وأحاديث تقتضي المنع منه. قال العلماء: وطريق الجمع بين الأحاديث أن يُقال: إن كان الممدوحُ عنده كمالُ إيمان وحسنُ يقين ورياضةُ نفس ومعرفةٌ تامة بحيث لا يفتتن ولا يغترّ بذلك ولا تلعبُ به نفسُه فليس ¬

[692] مسلم (2995)، وأبو داود (5026 و 5027).

بحرام ولا مكروه، وإن خيف عليه شيءٌ من هذه الأمور كُرِهَ مدحُه كراهةً شديدة. فمن أحاديث المنع: [1/ 693] ما رويناه في صحيح مسلم عن المقداد رضي الله عنه؛ أن رجلًا جعلَ يمدحُ عثمانَ رضي الله عنه، فعمدَ المقدادُ فجثا على ركبتيه، فجعلَ يحثو في وجهه الحصباءَ، فقال له عثمانُ: ما شأنُك؟ فقال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا رأيْتُم المَدَّاحِينَ فاحْثُوا في وُجُوهِهِمْ التُّرابَ". [2/ 694] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سمع النبيُّ صلى الله عليه وسلم رجلًا يُثني على رجل ويُطريه في المِدْحَةِ، فقال: "أَهْلَكْتُمْ أوْ قَطَعْتُمْ ظَهْرَ الرَّجُلِ". قلتُ: قوله يُطريه: بضم الياء وإسكان الطاء المهملة وكسر الراء وبعدها ياء مثناة تحت. والإِطراء: المبالغة في المدح ومجاوزة الحدّ، وقيل: هو المدح. [3/ 695] وروينا في صحيحيهما، عن أبي بكرة رضي الله عنه؛ أن رجلًا ذُكِرَ عندَ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فأثى عليه رجلٌ خيرًا، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ ـ يقوله مرارًا ـ إنْ كانَ أحَدُكُمْ مادِحًا لاَ مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ: أحْسِبُ كَذَا وكَذَا إنْ كانَ يَرَى أنَّهُ كَذَلِكَ وَحَسِيبُهُ اللَّهُ وَلا يُزَكِّي على اللَّهِ أحَدًا". ¬

[693] مسلم (3002) (69)، وأبو داود (4804)، والترمذي (2395)، ومعنى "جثا": جلس على ركبتيه. و"يحثو": من الحثو، وهو الحفن باليد. و"الحَصْبَاء" الحصى الصغار. [694] البخاري (2663)، ومسلم (3001). [695] البخاري (2662)، ومسلم (3000)، وأبو داود (4805).

وأما أحاديث الإِباحة فكثيرةٌ لا تنحصر، ولكن نُشير إلى أطراف منها: فمنها قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لأبي بكر رضي الله عنه "ما ظَنُّكَ باثْنَيْنِ اللَّهُ ثالِثُهُما؟ " (¬1) وفي الحديث الآخر "لَسْتَ مِنْهُم (¬2) " أي لستَ من الذين يُسبلون أُزرَهم خيلاء. وفي الحديث الآخر "يا أبا بَكْرٍ! لا تَبْكِ، إنَّ أمَنَّ النَّاسِ عَليَّ في صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لاتَّخَذْتُ أبا بَكْرٍ خَلِيلًا" (¬3) " وفي الحديث الآخر "أرْجُو أنْ تَكُونَ مِنْهُم" (¬4) " أي من الذين يُدْعون من جميع أبواب الجنة لدخولها. وفي الحديث الآخر "ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بالجَنَّةِ" (¬5) وفي الحديث الآخر "اثْبُتْ أُحُدُ فإنَّمَا عَلَيْكَ نَبيٌّ وَصِدّيقٌ وَشَهِيدَانِ " (¬6) ". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دَخَلْتُ الجَنَّةَ فَرأيْتُ قَصْرًا، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ قالُوا: لِعُمَرَ، فأرَدْتُ أنْ أدْخُلَهُ فَذَكَرْتُ غَيْرَتَكَ" (¬7) فقال عمر رضي الله عنه: بأبي وأمي يا رسول الله! أعليك أغار؟. وفي الحديث الآخر "ياعُمَرُ! ما لَقِيَكَ الشَّيْطانُ سَالِكًا فَجًّا إِلاَّ سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ" (¬8). وفي الحديث الآخر "افْتَحْ لِعُثْمانَ وَبَشِّرْهُ بالجَنَّةِ" (¬9). وفي الحديث الآخر قال لعليّ: "أنْتَ مِنِّي وأنا مِنْكَ" (¬10) وفي الحديث ¬

(¬1) البخاري (3653)، ومسلم (2381)، والترمذي (3095) (¬2) البخاري (3665)، ومسلم (2382)، والترمذي (3661) (¬3) البخاري (3656)، و (3657) (¬4) البخاري (3666)، ومسلم (1027) (86) (¬5) البخاري (3674)، ومسلم (2403)، والترمذي (3711) (¬6) البخاري (3699) (¬7) البخاري (3679)، ومسلم (2395) (¬8) البخاري (3683)، ومسلم (2396) (¬9) البخاري (3674)، ومسلم (2403) (¬10) البخاري تعليقًا 7/ 70

الآخر قال لعليّ: "أما تَرْضَى أنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى؟ " (¬1). وفي الحديث الآخر قال لبلال "سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ في الجَنَّةِ" (¬2). وفي الحديث الآخر قال لأُبيّ بن كعب "لِيَهْنَأْكَ العِلْمُ أبا المنْذِرِ" (¬3). وفي الحديث الآخر قال لعبد الله بن سَلاَم "أنْتَ على الإِسْلامِ حتَّى تَمُوتَ" (¬4). وفي الحديث الآخر قال للأنصاري "ضَحِكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، أوْ عَجِبَ مِنْ فِعَالِكُما" (¬5). وفي الحديث الآخر قال للأنصار "أنْتُمْ مِنْ أحَبّ النَّاس إِليَّ" (¬6). وفي الحديث الآخر قال لأشجّ عبد القيس: "إنَّ فيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُما اللَّهُ تَعالى وَرَسُولُهُ: الحِلْمَ وَالأناة" (¬7). وكلّ هذه الأحاديث التي أشرت إليها في الصحيح مشهورة، فلهذا لم أضفها، ونظائر ما ذكرناه من مدحه صلى الله عليه وسلم في الوجه كثيرة. وأما مدح الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء والأئمة الذين يُقتدى بهم رضي الله عنهم أجمعين فأكثر من أن تُحصر، والله أعلم. قال أبو حامد الغزالي في آخر كتاب الزكاة من الإِحياء: إذا تصدق ¬

(¬1) البخاري (3706)، ومسلم (2404) (¬2) البخاري (1149، ومسلم (2458) (¬3) مسلم (810)، وفيه: "ليهنكَ" وأبو داود (1460) (¬4) البخاري (3813)، ومسلم (2484) (¬5) البخاري (3798) و (4889)، ومسلم (2053) و (2054) (¬6) البخاري (3785)، ومسلم (2508) (¬7) مسلم (2593)

223 ـ باب مدح الإنسان نفسه وذكر محاسنه

إنسان بصدقة فينبغي للآخذ منه أن يَنظر، فإن كان الدافعُ ممّن يُحِبّ الشكر عليها ونشرها فينبغي للآخذ أن يخفيَها لأن قضاء حقه أن لا ينصره على الظلم وطلبه الشكر ظلم، وإن علم من حاله أنه لا يُحِبّ الشكر ولا يقصده فينبغي أن يشكرَه ويظهر صدقته. وقال سفيان الثوري رحمه الله: مَن عرف نفسه لم يضرّه مدح الناس. قال أبو حامد الغزالي بعد أن ذكر ما سبق في أول الباب: فدقائق هذه المعاني ينبغي أن يلحظها من يُراعي قلبَه، فإن أعمالَ الجوارح مع إهمال هذه الدقائق ضحكة للشيطان وشماتة له، لكثرة التعب وقلة النفع، ومثل هذا العلم هو الذي يقال فيه: إن تعلم مسألة منه أفضل مِنْ عبادة سنة، إذ بهذا العلم تحيا عبادة العمر، وبالجهال به تموت عبادة العمر، وبالجهل به تموت عبادة العمر كله وتتعطل، وبالله التوفيق. 223 ـ بابُ مدح الإِنسان نفسه وذكر محاسنه قال الله تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أنْفُسَكُمْ} [النجم:32] اعلم أن ذكرَ محاسن نفسه ضربان: مذموم، ومحبوب، فالمذمومُ أن يذكرَه للافتخار وإظهار الارتفاع والتميّز على الأقران وشبه ذلك؛ والمحبوبُ أن يكونَ فيه مصلحة دينية، وذلك بأن يكون آمرًا بمعروف أو ناهيًا عن منكر أو ناصحًا أو مشيرًا بمصلحة أو معلمًا أو مؤدبًا أو واعظًا أو مذكِّرًا أو مُصلحًا بين اثنين أو يَدفعُ عن نفسه شرًّا أو نحو ذلك، فيذكر محاسنَه ناويًا بذلك أن يكون هذا أقربَ إلى قَبول قوله واعتماد ما يذكُره، أو أن هذا الكلام الذي أقوله لا تجدونه عند غيري فاحتفظوا به أو نحو ذلك، وقد جاء في هذا لهذا المعنى ما لا يحصى من النصوص كقول النبيّ صلى الله عليه وسلم "أنا النَّبِي لا كَذِبْ" "أنا سَيِّدُ وَلَد آدَم" "أنا أوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأرْضُ":أنا أعْلَمُكُمْ باللَّهِ وأتْقاكُمْ" "إني أبِيتُ عنْدَ ربي" وأشباهه كثيرة، وقال يوسف صلى الله عليه وسلم: " {اجْعَلْني على خَزَائِنِ الأرْضِ

إني حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف:55] وقال شعيب صلى الله عليه وسلم: {سَتَجِدُنِي إنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [القصص:27]. [1/ 696] وقال عثمان رضي الله عنه حين حُصر ما رويناه في صحيح البخاري أنه قال: ألستم تعلمون أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ جَهّزَ جَيْشَ العُسْرَةِ فَلَهُ الجَنَّةُ؟ " فجهّزتهم، ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ حَفَرَ بِئرَ رُومَة فَلَهُ الجَنَّةُ" فحفرتها؟ فصدّقوه بما قاله. [2/ 697] وروينا في صحيحيهما، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال حين شكاه أهل الكوفة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقالوا: لا يُحسن يصلي، فقال سعد: والله إنّي لأول رجل من العرب رمى بسهم في سبيل الله تعالى، ولقد كنّا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر تمام الحديث. [3/ 698] وروينا في صحيح مسلم، عن عليّ رضي الله عنه قال: والذي فلق الحبَّة وبرأَ النسمةَ، إنه لعهدُ النبيّ صلى الله عليه وسلم إليّ "أنه لا يحبني إلا مؤمنٌ ولا يبغضني إلا منافق". قلتُ: بَرَأَ مهموز معناه خلق؛ والنسمة: النفس. ¬

[696] البخاري (2778)، ومعنى "من جهز جيش العسرة". التجهيز: تهيئة الأسباب، والمراد من العسرة وهي بالمهملتين ضد اليسرة: غزوة تبوك، سميت بذلك لأنها كانت في زمن شدّة الحرّ وجدب البلاد وإلى شقة بعيدة وعدد كثير، فجهز عثمان سبعمئة وخمسين بعيرًا وخمسين فرسًا، وقيل غير ذلك، وجاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم بألف دينار. ومعنى "من حفر بئرَ رُومة" هي بضم الراء وسكون الواو، لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة لم يكن بها ماء عذب غير بئر رومة، فقال: "مَن اشترى بئر رومة" أو قال "من حفرَها فله الجنة" فحفرها واشتراها بعشرين ألف درهم وسبَّلَها على المسلمين، ذكره الكرماني وغيره. [697] البخاري (3728)، ومسلم (2966)، والترمذي (2366) و (2367). [698] مسلم (78)، وفيه "إنه لعهدُ النبيِّ الأميِّ صلى الله عليه وسلم".

224 ـ باب في مسائل تتعلق بما تقدم

[4/ 699] وروينا في صحيحيهما، عن أبي وائل قال: خطبنا ابنُ مسعود رضي الله عنه فقال: والله لقد أخذتُ من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعًا وسبعين سورة، ولقد علمَ أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أني مِنْ أعلمهم بكتاب الله تعالى وما أنا بخيرهم، ولو أعلم أن أحدًا أعلمُ منّي لرحلتُ إليه. [5/ 700] وروينا في صحيح مسلم، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن البدنة إذا أزحفت، فقال: على الخبير سقطتَ ـ يعني نفسَه ـ وذكر تمام الحديث. ونظائر هذا كثيرة لا تنحصر، وكلُّها محمولة على ما ذكرنا، وبالله التوفيق. 224 ـ بابٌ في مسائل تتعلَّق بما تقدَّم [مسألة]: يُستحبّ إجابةُ مَن ناداك بلبّيك وسعديك أو لبّيك وحدها، ويُستحبّ أنْ يقول لمن ورد عليه مرحِّبًا، وأن يقول لمن أحسن إليه أو رأى منه فعلًا جميلًا: حفظك الله وجزاك الله خيرًا، وما أشبهه، ودلائل هذا من الحديث الصحيح كثيرة مشهورة. [مسألة]: ولا بأس بقوله للرجل الجليل في علمه أو صلاحه أو نحو ذلك: جعلني الله فداكَ، أو فِداكَ أبي وأُمي وما أشبهه، ودلائل هذا من الحديث الصحيح كثيرة مشهورة حذفتها اختصارًا. [مسألة]: إذا احتاجتْ المرأة إلى كلام غير المحارم في بيع أو شراء ¬

[699] البخاري (5002)، ومسلم (2462)، والنسائي 8/ 134. [700] مسلم (1325) وأبو داود (1763)، ومعنى "أَزْحَفَتْ": أعيتْ، ووقفت من الإِعياء والتعب.

أو غير ذلك من المواضع التي يجوز لها كلامه فيها فينبغي أن تفخِّمَ عبارتَها وتغلظها (¬1) ولا تليِّنها مخافةَ من طمعه فيها. قال الإِمام أبو الحسن الواحدي من أصحابنا في كتابه "البسيط": قال أصحابنا: المرأة مندوبة إذا خاطبتِ الأجانبَ إلى الغِلْظة في المقالة، لأن ذلك أبعد من الطمع في الريبة، وكذلك إذا خاطبتْ مَحرمًا عليها بالمصاهرة، ألا ترى أن الله تعالى أوصى أُمّهات المؤمنين وهنّ محرّمات على التأبيد بهذه الوصية، فقال تعالى: {يا نساءَ النَّبيّ لَسْتُنَّ كَأحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بالقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذي في قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32] قلتُ: هذا الذي ذكره الواحدي من تغليظ صوتها، كذا قاله أصحابنا. قال الشيخ إبراهيم المروزي من أصحابنا: طريقُها في تغليظه أن تأخذ ظهرَ كفّها بفيها وتُجيب كذلك، والله أعلم. وهذا الذي ذكره الواحديُّ من أن المحرّم بالمصاهرة كالأجنبي في هذا ضعيف وخلاف المشهور عند أصحابنا؛ لأنه كالمَحرم بالقرابة في جواز النظر والخلوة. وأما أُمَّهاتُ المؤمنين فإنهنّ أُمّهاتٌ في تحريم نكاحهنّ ووجوب احترامهنّ فقط، ولهذا يحلّ نكاح بناتهنّ، والله أعلم. ¬

(¬1) في "أ": "فينبغي لها أن تُفَخِّم كلامها وتغلظ عبارتها" وما أثبته من بقية النسخ

كتاب أذكار النكاح وما يتعلق به

كتاب أذكار النّكاح وما يتعلّق به 225 ـ باب ما يقوله من جاء يخطب امرأةً من أهلها لنفسه أو لغيره يُستحبّ أن يبدأ الخاطبُ بالحمد لله والثناء عليه والصَّلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: أشهدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُه جئتكم راغبًا في فتاتِكم فُلانة أو في كريمتِكم فُلانة بنت فلان أو نحو ذلك. [1/ 701] روينا في سنن أبي داود وابن ماجه وغيرهما، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كُلُّ كَلامٍ" وفي بعض الروايات "كُلُّ أمْرٍ لا يُبْدأُ فِيه بالحَمْد لِلَّهِ فَهُوَ أجْذَمُ" وروي "أقْطَعُ" وهما بمعنى. هذا حديث حسن. وأجذم بالجيم والذال المعجمة ومعناه: قليل البركة. [2/ 702] وروينا في سنن أبي داود والترمذي، عن أبي هريرة، عن ¬

[701] أبو داود (4840)، وابن ماجه (1894) والنسائي (494)، وأحمد في المسند 2/ 359، وهو حديث حسن، ورواية "أقطع" رواها البيهقي عن أبي هريرة والنسائي أيضًا. [702] أبو داود (4841)، والترمذي (1106)، وإسناده صحيح، ومعنى "ليس فيها تشهد": أي شهادة أنْ لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله. و"اليد الجذماء": المصابة بمرض الجذام، وهو مرض يحمر اللحم المُصاب به ويتساقط، والتشبيه في قلّة الانتفاع ونقصه.

226 ـ باب عرض الرجل بنته وغيرها ممن إليه تزويجها على أهل الفضل والخير ليتزوجوها

النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "كُلُّ خطْبَةٍ لَيْسَ فِيها تَشَهُّدٌ فَهِيَ كاليَدِ الجَذْماءِ" قال الترمذي: حديث حسن. 226 ـ باب عرض الرجل بنته وغيرها ممن إليه تزويجها على أهلِ الفضلِ والخير ليتزوجُوها [1/ 703] روينا في صحيح البخاري؛ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما تُوفي زَوْجُ بنته حفصة رضي الله عنهما قال: لقيتُ عثمان فعرضتُ عليه حفصةَ فقلتُ: إن شئتَ أنكحتُك حفصة بنتَ عمر، فقال: سأنظر في أمري، فلبثتُ ليالي ثم لقيني فقال: قد بدا لي أن لا أتزوّج يومي هذا، قال عمر: فلقيتُ أبا بكر الصديق رضي الله عنه فقلتُ: إن شئتَ أنكحْتُك حفصةَ بنتَ عمر، فصمتَ أبو بكر رضي الله عنه، وذكر تمام الحديث. 227 ـ بابُ ما يقولُه عند عَقْدِ النِّكَاح يُستحبُّ أن يخطبَ بين يدي العقد خطبةً تشتملُ على ما ذكرناهُ في الباب الذي قبلَ هذا وتكونُ أطولَ من تلك، وسواء خطبَ العاقدُ أو غيرُه. وأفضلُها: [1/ 704] ما روينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وغيرها، بالأسانيد الصحيحة، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة الحاجة: "الحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هادِيَ لَهُ، وأشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، وأشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ¬

[703] البخاري (5122)، والنسائي 6/ 83. [704] أبو داود (2118)، والترمذي (1105)، والنسائي 6/ 89، وابن ماجه (1892)، كما روى الحديث النسائي في "اليوم والليلة" (488)، والحاكم في المستدرك 2/ 182.

{يا أيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها، وَبَثَّ مِنْهُما رِجَالًا كَثِيرًا وَنِساءً، واتَّقُوا اللَّهَ الذي تَساءَلُونَ بِهِ والأرْحامَ إنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]. {يا أيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وأَنْتُمْ مُسْلِمُون} [آل عمران: 102] {يا أيُّهَا الَّذين آمَنوا اتَّقُوا اللَّه وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أعْمالَكُمْ، ويَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ، وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:71] ". هذا لفظ إحدى روايات أبي داود. وفي رواية له أخرى (¬1) بعد قوله ورسوله "أرْسَلَهُ بالحَقّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ، مَنْ يُطِعِ اللَّه وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ، وَمَنْ يَعْصِهِما فإنَّهُ لا يَضُرُّ إِلاَّ نَفْسَهُ وَلا يَضُرُّ اللَّهَ شَيْئًا" قال الترمذي: حديث حسن. قال أصحابنا: ويُستحبُّ أن يقول مع هذا: أُزوِّجك على ما أمر الله به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وأقلّ هذه الخطبة: الحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلاةُ على رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أُوصِي بِتَقْوَى اللَّهِ، والله أعلم. واعلم أن هذه الخطبة سنّة، لو لم يأتِ بشيء منها صحَّ النكاح باتفاق العلماء. وحكي عن داود الظاهري رحمه الله أنه قال: لا يصحّ، ولكن العلماء المحققون: لا يعدّون خلافَ داود خلافًا معتبرًا، ولا ينخرقُ الإِجماعُ بمخالفته، والله أعلم. وأما الزوجُ فالمذهب المختار أنه لا يخطب بشيء، بل إذا قال له الوليّ: زوّجتك فلانة. يقول متصلًا به: قبلتُ تزويجها؛ وإن شاء قال: قبلتُ نكاحَها، فلو قال: الحمد لله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلتُ، صحَّ النكاحُ، ولم يضرّ هذا الكلام بين الإِيجاب والقبول؛ لأنه فصل يسير ¬

(¬1) أبو داود (2119) عن عبد الله بن مسعود

228 ـ باب ما يقال للزوج بعد عقد النكاح

له تعلق بالعقد. وقال بعض أصحابنا: يبطلُ به النكاح؛ وقال بعضهم: لا يبطلُ بل يُستحبّ أن يأتي به، والصوابُ ما قدّمناه أنه لا يأتي به ولو خالف فأتى به لا يَبطل النكاح، والله أعلم. 228 ـ بابُ ما يُقالُ للزوج بعدَ عقدِ النِّكاح السنّة أن يُقال له: باركَ الله لك، أو باركَ الله عليك، وجمعَ بينكما في خير. ويُستحبُّ أن يُقال لكلّ واحد من الزوجين: بارَك الله لكلّ واحدٍ منكما في صاحبه، وجمعَ بينكما في خير. [1/ 705] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أنس رضي الله عنه؛ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه حين أخبره أنه تزوّج: "بارَكَ اللَّهُ لَكَ". [2/ 706] وروينا في الصحيح أيضًا أنه صلى الله عليه وسلم قال لجابر رضي الله عنه حين أخبره أنه تزوّج: "بارَكَ اللَّهُ عَلَيْكَ". [3/ 707] وروينا بالأسانيد الصحيحة في سنن أبي داود والترمذي وابن ¬

[705] البخاري (5155)، ومسلم (1427)، والموطأ 2/ 545، وأبو داود (2109)، والترمذي (1094)، والنسائي 6/ 137. [706] البخاري (6387)، ومسلم (715)، وأبو داود (2048)، والترمذي (1086) و (1100)، والنسائي 6/ 69. [707] أبو داود (2130)، والترمذي (1091)، وابن ماجه (1905)، والنسائي (259) في "اليوم والليلة"، وابن السني (609) من طريق النسائي، قال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الشرح الكبير: روى الحديث أحمد والدارمي وأصحاب السنن وابن حبّان والحاكم، وصححه الحافظ أبو الفتح القشيري في "الاقتراح" على شرط مسلم. الفتوحات 6/ 79.

229 ـ باب ما يقول الزوج إذا دخلت عليه امرأته ليلة الزفاف

ماجه وغيرها، عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا رفأ الإِنسانُ، أي: إذا تزوّج قال: "بَارَكَ اللَّهُ لك، وبارَكَ عَلَيْكَ، وَجَمَعَ بَيْنَكُما في خَيْرٍ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. [فصل]: ويُكره أن يُقال له بالرَّفاء والبنين، وسيأتي دليلُ كراهته إن شاء الله تعالى في كتاب حفظ اللسان في آخر الكتاب. والرِّفاء بكسر الراء وبالمدّ: وهو الاجتماع. 229 ـ باب ما يقول الزوجُ إذا دخلت عليه امرأتُه ليلة الزِّفاف يُستحبّ أن يُسَمِّيَ اللَّهَ تعالى، ويأخذَ بناصيتهَا أولَ ما يَلقاها ويقول: بارَك اللَّهَ لكلِّ واحدٍ منَّا في صاحبه، ويقول معه: [1/ 708] ما رويناه بالأسانيد الصحيحة في سنن أبي داود وابن ماجه وابن السني وغيرها، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا تَزَوَّجَ أحَدُكُمُ امْرأةً أوِ اشْتَرَى خَادمًا فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِني أسألُكَ خَيْرَها وَخَيْرَ ما جَبَلْتَها عَلَيْهِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّها وَشَرِّ ما جَبَلْتَها (¬1) عَلَيْهِ. وَإِذَا اشْتَرَى بَعِيرًا فَلْيأْخُذْ بِذِرْوَةِ سِنَامِهِ وَلْيَقُلْ مِثْلَ ذلكَ" وفي رواية "ثُمَّ ليأْخُذْ بِناصِيَتِها وَلْيَدْعُ بالبَرَكَةِ في المَرأة والْخَادِمِ". ¬

[708] أبو داود (2160)، وابن ماجه (1918)، وابن السنيي (605) وروى الحديث النسائي، والحاكم في المستدرك 2/ 185، وقال: صحيح على ما ذكرنا من رواية الأئمة الثقات عن عمرو بن شعيب، ووافقه الذهبي. (¬1) " ما جبلتها عليه": أي خلقتها وطبعتها عليه

230 ـ باب ما يقال للرجل بعد دخول أهله عليه

230 ـ باب ما يُقالُ للرجل بعدَ دُخولِ أهلهِ عليه [1/ 709] روينا في صحيح البخاري وغيره عن أنس رضي الله عنه قال: بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب رضي الله عنها، فأولم بخبز ولحم .. وذكر الحديث في صفة الوليمة وكثرة مَن دُعي إليها. ثم قال: فخرجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فانطلق إلى حجرة عائشة فقال: "السَّلامُ عَلَيْكُمْ أهْلَ البَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ" فقالت: وعليك السلام ورحمة الله، كيف وجدتَ أهلك؟ بارك الله لك، فتقرَّى حُجَر نسائه كلّهنّ يقولُ لهنّ كما يقول لعائشة، ويقلن له كما قالت عائشة. 231 ـ بابُ ما يقولُه عندَ الجمَاع [1/ 710] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن عباس رضي الله عنهما، من طرق كثيرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لَوْ أنَّ أحَدَكُمْ إذَا أتى أهْلَهُ قالَ: بِسْمِ الله اللَّهُمَّ جَنِّبْنا الشَّيْطانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطانَ ما رَزَقْتَنا فَقُضِيَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ لَمْ يَضُرَّهُ" وفي رواية للبخاري "لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطانٌ أبَدًا". 232 ـ بابُ مُلاعبةِ الرجلِ امرأَتَه وممازحته لها ولطف عبارتِه معها [1/ 711] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن جابر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تَزَوَّجْتَ بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟ قلت: تَزوّجتُ ثيبًا، قال: هَلاَّ تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُلاعِبُها وَتُلاعِبُكَ". ¬

[709] البخاري (4793) وهو عند مسلم (1428)، والنسائي 6/ 79 في المجتبى، و (271) في "اليوم والليلة". ومعنى "تَقَرَّى": تتبّع الحجرات واحدة واحدة. [710] البخاري (5165)، ومسلم (1434)، وأبو داود (2161)، والترمذي (1092)، وابن ماجه (1919)، والنسائي (266)، وابن السني (613). [711] البخاري (6387)، ومسلم (715) (110).

233 ـ باب بيان أدب الزوج مع أصهاره في الكلام

[2/ 712] وروينا في كتاب الترمذي وسنن النسائي، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكمَلُ المُؤْمِنِينَ إِيمانًا أحْسَنُهُمْ خُلُقًا وألْطَفُهُمْ لأهْلِهِ". 233 ـ بابُ بيان أدبِ الزَّوِجِ مع أصهاره في الكلام اعلم أنه يستحبّ للزوج أن لا يخاطب أحدًا من أقارب زوجته بلفظ فيه ذكر جماع النساء، أو تقبيلهنّ، أو معانقتهنّ، أو غير ذلك من أنواع الاستمتاع بهنَّ، أو ما يتضمن ذلك أو يُستدلّ به عليه أو يفهم منه. [1/ 713] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عليٍّ رضي الله عنه قال: كنت رجلًا مَذَّاءً فاستحييتُ أن أسألَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته منّي، فأمرتُ المقدادَ فسألَه. 234 ـ بابُ ما يُقال عند الولادة وتألّم المرأة بذلك ينبغي أن يُكثر من دُعاء الكَرْب الذي قدَّمناه. [1/ 714] وروينا في كتاب ابن السني عن فاطمة رضي الله عنها؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دنا ولادها أمرَ أُمَّ سلمة وزينبَ بنتَ جحشٍ أن يأتيا ¬

[712] الترمذي (2615)، والنسائي في الكبرى، وهو مرسل لأن أبا قلابة لم يسمع من عائشة .. وله شواهد يعتضد بها عن أبي هريرة وأنس. [713] البخاري (269)، ومسلم (303)، والموطأ 1/ 40، وأبو داود (206) (209)، والترمذي (114)، والنسائي 1/ 96ـ97، ومعنى "مَذّاء": كثير المذي. [714] ابن السني (625)، وإسناده ضعيف جدًا، لوجود موسى بن محمد بن عطاء، وهو منكر الحديث، وفيه عيسى بن إبراهيم القرشي وهو منكر الحديث أيضًا، وفيه موسى بن أبي حبيب ذاهب الحديث.

235 ـ باب الأذان في أذن المولود

فيقرآ عندها آية الكرسي، و {إن ربَّكم اللَّهُ} [الأعراف:54] إلى آخر الآية، ويعوّذاها بالمعوّذتين. 235 ـ بابُ الأَذَان في أُذُنِ المولُود [1/ 715] روينا في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما، عن أبي رافع رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال؛ رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أذّن في أُذن الحسين بن عليّ حينَ ولدتهُ فاطمةُ بالصلاة ـ رضي الله عنهم ـ قال الترمذي: حديث حسن صحيح. قال جماعة من أصحابنا: يُستحبّ أن يؤذّن في أُذنه اليمنى ويُقيم الصلاة في أُذنه اليسرى. [2/ 716] وقد روينا في كتاب ابن السني، عن الحسين بن عليّ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فأذَّنَ في أُذُنِهِ اليُمْنَى، وأقامَ في أُذُنِهِ اليُسْرَى لَمْ تَضُرّهُ أُمُّ الصّبْيانِ". 236 ـ بابُ الدعاءِ عندَ تَحنيكِ الطفل [1/ 717] روينا بالإِسناد الصحيح في سنن أبي داود، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُؤتى بالصبيان فيدعو لهم ويحنّكُهم. وفي رواية: فيدعو لهم بالبركة. ¬

[715] أبو داود (5105)، والترمذي (1514)، وقال ابن علاّن: وكذا رواه البيهقي، والحاكم وقال: صحيح الإِسناد، الفتوحات الربانيّة 6/ 94. [716] ابن السني (628)، وإسناده ضعيف جدًا. و"أُمّ الصبيان": هي الريح التي تعرض للصبيان، فربما غشي عليهم، وقيل: هي التابعة من الجن. [717] أبو داود (5106)، وإسناده صحيح.

[2/ 718] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: حملتُ بعبد الله بن الزبير بمكة، فأتيتُ المدينةَ فنزلتُ قباءَ فولدتُ بقباءَ، ثم أتيتُ به النَّبي صلى الله عليه وسلم، فوضعَه في حِجره ثم دعا بتمرةٍ فمضغَها ثم تفلَ في فِيه، فكانَ أوّل شيء دخل جوفَه ريقُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حنَّكَه بالتمرة، ثم دعا له وباركَ عليه. [3/ 719] وروينا في صحيحهما، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: وُلد لي غلامٌ، فأتيتُ به النبيَّ صلى الله عليه وسلم فسمَّاه إبراهيم، وحنَّكه بتمرةٍ، ودعا له بالبركة، هذا لفظ البخاري ومسلم إلا قوله "ودعا له بالبركة" فإنه للبخاري خاصة. ¬

[718] البخاري (3909)، ومسلم (2146). [719] البخاري (6198)، ومسلم (2145).

كتاب الأسماء

كتاب الأسماء 237 ـ بابُ تَسْمِيةِ المَوْلُود السُّنّة أن يُسمَّى المولود في اليوم السابعِ من ولادته أو يوم الولادة. [1/ 720] فأما استحبابه يومَ السابع فلِمَا رَويناه في كتاب الترمذي، عن عمرو بن شُعيب، عن أبيه، عن جده؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمرَ بتسمية المولود يومَ سابعهِ، ووضعِ الأذى عنه، والعقّ. قال الترمذي: حديث حسن. [2/ 721] وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهما، بالأسانيد الصحيحة، عن سمرة بن جُندب رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كُلُّ غُلامٍ رَهِينٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سابِعِهِ، ويُحْلَقُ، وَيُسَمَّى" قال الترمذي: حديثٌ حسن صحيح. وأما يوم الولادة فلِما رويناه في الباب المتقدم من حديث أبي موسى. ¬

[720] الترمذي (2834)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وقد حسنه لحديث سمرة الآتي برقم 2/ 721 الذي يشهد له. و"العق": ذبح العقيقة. [721] أبو داود (2837) و (2838)، والترمذي (1552)، وابن ماجه (3165)، والنسائي 7/ 166، وإسناده صحيح.

238 ـ باب تسمية السقط

[3/ 722] وروينا في صحيح مسلم وغيره، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وُلِدَ لي اللَّيْلَةَ غُلامٌ فَسَمَّيْتُهُ باسْمِ أبي: إبْرَاهِيم صلى الله عليه وسلم". [4/ 723] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أنس قال: وُلد لأبي طلحةَ غلامٌ، فأتيتُ به النبيّ صلى الله عليه وسلم فحنَّكَه، وسمَّاه عبد الله. [5/ 724] وروينا في صحيحيهما، عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: أُتي بالمنذر بن أبي أُسَيْد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وُلد، فوضعه النبيُّ صلى الله عليه وسلم على فخذه وأبو أُسيد جالسٌ، فلَهِيَ النبيّ صلى الله عليه وسلم بشيء بين يديه، فأمر أبو أُسيد بابنه فاحْتُمِل من على فخذ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فأقلبُوه، فاستفاقَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال: "أيْنَ الصَّبِيُّ؟ " فقال أبو أُسيد: أقلبناه يا رسول الله. قال: "ما اسْمُهُ؟ " قال: فلان، "قال: لا، وَلَكِنِ اسْمُهُ المُنْذِرُ" فسمّاه يومئذ المنذر. قلت: قوله لهِي، بكسر الهاء وفتحها لغتان: الفتح لطيء، والكسر لباقي العرب، وهو الفصيح المشهور، ومعناه: انصرف عنه، وقيل اشتغل بغيره، وقيل نسيه، وقوله استفاق: أي ذكره، وقوله فأقلبوه: أي رَدّوه إلى منزلهم. 238 ـ بابُ تَسْمِيةِ السَّقْط (¬1) يُستحبّ تسميتُه، فإن لم يُعلم أذكرٌ هو أو أنثى، سُمِّي باسم يَصلحُ ¬

[722] مسلم (2315). [723] البخاري (1301)، ومسلم (2144)، وأبو داود (4951). [724] البخاري (6191)، ومسلم (2149). (¬1) " السقط": بتثليث سينه، الولد الذي لم يستكمل مدة حمله

239 ـ باب استحباب تحسين الاسم

للذكر والأُنثى كأسماء وهند وهُنيدة وخارجة وطلحة وعُميرة وزُرْعة ونحو ذلك. قال الإِمام البغوي: يُستحبّ تسميةُ السقط لحديث ورد فيه (¬1)، وكذا قاله غيره من أصحابه. قال أصحابنا: ولو مات المولود قبل تسميته استُحبّ تسميتُه. 239 ـ بابُ استحباب تَحسينِ الاسم [1/ 725] روينا في سنن أبي داود، بالإِسناد الجيد، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيامَةِ بأسْمائكُمْ وأسماءِ آبائِكُمْ فأحْسِنُوا أسْماءَكُمْ". 240 ـ بابُ بيانِ أحبِّ الأسماءِ إلى الله عزَّ وجلّ [1/ 726] روينا في صحيح مسلم، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أحَبَّ أسْمائكُمْ إلى الله عَزَّ وَجَلَّ عَبْدُ الله، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ". [2/ 727] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن جابر رضي الله عنه قال: وُلد لرجلٍ منّا غلامٌ فسمَّاه القاسم، فقلنا: لا نُكَنِّيك أبا القاسم ولا كرامة، فأخبرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: "سَمّ ابْنَكَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ". ¬

[725] أبو داود (4948)، وأخرجه ابن حبّان في صحيحه، ورجاله ثقات؛ إلا أن فيه انقطاعًا بين عبد الله بن أبي زكريا وأبي الدارداء انظر هامش جامع الأصول 1/ 357. [726] مسلم (2132)، وأبو داود (4949)، والترمذي (2835). [727] البخاري (6186)، ومسلم (2133)، وأبو داود (4966)، والترمذي (2845). (¬1) انظر الحديث رقم 3/ 751

241 ـ باب استحباب التهنئة وجواب المهنأ

[3/ 728] وروينا في سنن أبي داود والنسائي وغيرهما، عن أبي وُهيب الجشمي الصحابي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تَسَمَّوا بأسْماءِ الأنْبِياءِ، وَأحَبُّ الأسْماءِ إلى الله تَعالى عَبْدُ الله وَعَبْدُ الرَّحْمَن، وأصْدَقُها: حَارِثٌ وَهمَّامٌ، وأقْبَحُها: حَرْبٌ وَمُرَّةُ". 241 ـ بابُ استحباب التهنئة وجواب المُهَنَّأ يُستحبّ تهنئة المولود له، قال أصحابنا: ويُستحبّ أن يُهَنَّأ بما جاءَ عن الحسين رضي الله عنه أنه علَّم إنسانًا التهنئة فقال: قل: باركَ الله لكَ في الموهوب لك، وشكرتَ الواهبَ، وبلغَ أشدَّه ورُزقت برّه. ويُسْتَحَبُّ أن يردّ على المُهنىء فيقول: باركَ الله لك، وبارَك عليك، وجزاكَ الله خيرًا، ورزقك الله مثلَه، أو أجزلَ الله ثوابَك، ونحو هذا. 242 ـ بابُ النهي عن التسميةِ بالأسماءِ المَكْرُوهة [1/ 729] روينا في صحيح مسلم، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُسَمِّيَنَّ غُلامَكَ يَسَارًا، وَلا رَباحًا، وَلا نَجاحًا، وَلا أفْلَحَ، فإنَّكَ تَقُولُ أثَمَّ هُوَ؟ فَلا يَكُونُ، فَتَقُولُ: لا. إنَّمَا هُنَّ أَرْبَعٌ فَلا تَزِيدونَ عَليَّ". [2/ 730] وروينا في سنن أبي داود وغيره، من رواية جابر، وفيه أيضًا النهي عن تسميته بركة. ¬

[728] أبو داود (4950)، والنسائي 6/ 218ـ219. وفي سنده عقيل بن شبيب، وهو مجهول، وله شواهد. [729] مسلم (2137)، وأبو داود (4958)، والترمذي (2838). [730] أبو داود (4960) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وهو عند مسلم (2138).

243 ـ باب ذكر الإنسان من يتبعه من ولد أو غلام أو متعلم أو نحوهم باسم قبيح ليؤدبه ويزجره عن القبيح ويروض نفسه

[3/ 731] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ أخْنَعَ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ االأمْلاكِ" وفي رواية "أخنى" بدل "أخنع". وفي رواية لمسلم "أغْيَظُ رَجُلٍ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ القِيامَةِ وأخْبَثُهُ رَجُلٌ كَانَ يُسَمَّى مَلِكَ الأمْلاكِ، لا مَلِكَ إِلاَّ اللَّهُ" قال العلماء: معنى أخنع وأخنى: أوضع وأذلّ وأرذل. وجاء في الصحيح عن سفيان بن عيينة قال: ملك الأملاك مثل شاهان شاه. 243 ـ باب ذكر الإِنسان من يتبعُه من ولد أو غلام أو متعلمٍ أو نحوهم باسمٍ قبيحٍ ليؤدّبَه ويزجرَه عن القبيح ويروّضَ نفسَه [1/ 732] روينا في كتاب ابن السني، عن عبد الله بن بُسْرٍ المازني الصحابي رضي الله عنه، وهو بضمّ الباء الموحدة وإسكان السين المهملة. قال: بعثتني أُمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بِقِطْفٍ مِن عِنَب، فأكلتُ منه قبل أن أُبلغَه إياه، فلما جئتُ به أَخَذَ بأُذني وقال: "يا غُدَرُ". [2/ 733] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما في حديثه الطويل المشتمل على كرامة ظاهرة للصديق رضي الله عنه، ومعناه: أن الصديق رضي الله عنه ضيَّفَ جماعةً وأجلسَهم في منزله وانصرفَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأخَّرَ رجوعُه، فقال عند رجوعه: أعشّيتمُوهم؟ قالُوا: لا، فأقبل على ابنه عبد الرحمن فقال: يا غُنْثَرُ فَجَدَّعَ وَسَبَّ. ¬

[731] البخاري (6205)، ومسلم (2143)، وأبو داود (4961)، والترمذي (2839). [732] ابن السني (403)، وإسناده ضعيف. [733] البخاري (602)، ومسلم (2057)، وأبو داود (3270).

244 ـ باب نداء من لا يعرف اسمه

قلتُ: قوله: غنثر، بغين معجمة مضمومة، ثم نون ساكنة ثم تاء مثلثة مفتوحة ومضمومة ثم راء، ومعناه: يا لئيم، وقوله: فجدّعَ، وهو بالجيم والدال المهملة، ومعناه: دعا عليه بقطع الأنف ونحوه، والله أعلم. 244 ـ بابُ نداءِ مَنْ لا يُعرف اسمُه ينبغي أن يُنادى بعبارةٍ لا يتأذّى بها، ولا يكون فيها كذبٌ ولا مَلَقٌ (¬1) كقولك: يا أخي، يا فقيه، يا فقير، يا سيدي، يا هذا، يا صاحبَ الثوب الفلاني أو النعل الفلاني أو الفرس أو الجمل أو السيف أو الرمح، وما أشبه هذا على حسب حال المُنَادى والمُنَادِي. [1/ 734] وقد روينا في سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه، بإسناد حسن، عن بَشير بن معبد المعروف بابن الخَصَاصِيَة رضي الله عنه قال: بينما أنا أُماشي النبيَّ صلى الله عليه وسلم نظرَ فإذا رجلٌ يمشي بين القبور عليه نعلان فقال: "يا صَاحبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ! وَيْحَكَ أَلْقِ سِبْتِيَّتَيْكَ" وذكر تمام الحديث. قلتُ: النعالُ السِّبتِيةُ بكسر السين: التي لا شعرَ عليها. [2/ 735] وروينا في كتاب ابن السني، عن جاريةَ الأنصاري الصحابي رضي الله عنه، وهو بالجيم قال: كنتُ عندَ النبيّ صلى الله عليه وسلم وكان إذا لم يحفظ اسم الرجل قال: "يا بنَ عبد الله! ". ¬

[734] أبو داود (3230)، والنسائي 4/ 296، وابن ماجه (1568)، وقد تقدم برقم 2/ 436. [735] ابن السني (1ـ4)، وإسناده ضعيف. وانظر ضعيف الجامع الصغير 4/ 200. (¬1) " ولا ملق": الملق: هو الزيادة في التودد والدعاء والتضرّع فوق ما ينبغي

245 ـ باب نهي الولد والمتعلم والتلميذ أن ينادي أباه ومعلمه وشيخه باسمه

245 ـ باب نهي الولد والمتعلم والتلميذ أن يُنادي أباه ومعلّمه وشيخه باسمه [1/ 736] روينا في كتاب ابن السني، عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا معه غلام، فقال للغلام: مَنْ هَذَا؟ قال: أبي، قال: فَلا تَمْشِ أمامَهُ، ولا تَسْتَسِبَّ لَهُ، وَلا تَجْلِسْ قَبْلَهُ، وَلا تَدْعُهُ باسْمِهِ". قلت: معنى لا تَسْتَسِبَّ له: أي لا تفعل فعلًا يتعرّض فيه لأن يسبّك أبوك زجرًا لك وتأديبًا على فعلك القبيح. [2/ 737] وروينا فيه، عن السيد الجليل العبد الصالح المتفق على صلاحه عبيد الله بن زَحْر، بفتح الزاي وإسكان الحاء المهملة رضي الله عنه قال: يُقال من العقوق أن تُسَمِّي أباك باسمه، وأن تمشيَ أمامَه في طريق. 246 ـ بابُ استحباب تغيير الاسم إلى أحسنَ منه فيه حديثُ سهلِ به سعدٍ الساعدي المذكور في باب تسمية المولود في قصة المنذر بن أبي أُسَيْد. [1/ 738] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن زينبَ كان اسمُها برّةَ، فقيل: تزكَي نفسها، فسمَّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب. ¬

[736] ابن السني (397)، وإسناده ضعيف. وله شواهد بمعناه ذكرها الهيثمي في مجمع الزوائد 8/ 137. [737] ابن السني (398)، وعبيد الله بن زُحْر، الضمري مولاهم، الأفريقي، صدوق، يخطىء. التقريب 1/ 533. [738] البخاري (6192)، ومسلم (2141).

[2/ 739] وفي صحيح مسلم، عن زينبَ بنت أبي سلمة رضي الله عنها قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سموها زينب" قالت: ودخلت عليه زينب بنت جحش واسمها برة، فسمّاها زينبَ. [3/ 740] وفي صحيح مسلم أيضًا، عن ابن عباس قال: كانت جويريةُ اسمها برّة، فَحَوَّلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم اسمَها جويرية، وكان يكرهُ أن يُقال خَرَج من عند برّة. [4/ 741] وروينا في صحيح البخاري، عن سعيد بن المسيب بن حَزْن عن أبيه، أن أباه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما اسْمُكَ؟ " قال: حَزْن، فقال: "أنْتَ سَهْلٌ" قال: لا أُغيّر اسمًا سمّانيه أبي، قال ابنُ المسيب: فما زالت الحزونة فينا بعد. قلتُ: الحزونة: غلظ الوجه وشيء من القساوة. [5/ 742] وروينا في صحيح مسلم، عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم غيَّرَ اسم عاصية وقال: "أنت جميلة" وفي رواية لمسلم أيضًا: أن ابنةً لعمرَ كان يُقال لها عاصية، فسمَّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم جميلة. [6/ 743] وروينا في سنن أبي داود، بإسناد حسن، عن أُسامة بن أَخْدَريٍّ الصحابي رضي الله عنه ـ وأخدري بفتح الهمزة والدال المهملة وإسكان الخاء المعجمة بينهما ـ أن رجلًا يُقَال له أصرم كان في النفَر الذين ¬

[739] مسلم (2142). [740] مسلم (2140). [741] البخاري (6190). [742] مسلم (2139) (14) و (15)، وهو في سنن أبي داود (4952). [743] أبو داود (4954)، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم غيّر هذا الإسم لما فيه معنى الصرم، وهو القطيعة، وإسناد الحديث صحيح.

أتوْا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ما اسْمُكَ؟ " قال: أَصْرَم، قال: "بَلْ أنْتَ زُرْعَةُ". [7/ 744] وروينا في سنن أبي داود والنسائي وغيرهما، عن أبي شُرَيْح هانىء الحارثي الصحابي رضي الله عنه؛ أنه لما وَفَدَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه سمعهم يُكنّونه بأبي الحكم، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إنَّ اللَّهَ هُوَ الحَكَمُ وَإِلَيْهِ الحُكْمُ فَلِمَ تُكَنَّى أبا الحَكَمِ؟ " فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمتُ بينَهم، فرضي كِلا الفريقين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" مَا أحْسَنَ هَذَا، فَمَا لَكَ منَ الوَلَدِ؟ " قال: لي شُريح، ومُسلم، وعبدُ الله، قال: "فَمَنْ أَكْبَرُهُمْ؟ " قلت: شريحُ، قال: "فأنْتَ أبُو شُرَيْحٍ". قال أبو داود (¬1): وغيّر النبيّ صلى الله عليه وسلم اسمَ العاصي، وعزيز، وعَتْلَة (¬2)، وشيطان، والحكم، وغراب، وحباب، وشهاب، فسمّاه هاشمًا، وسمّى حَرْبًا سِلْمًا، وسمى المضطجع المنبعث، وأرضًا يُقال لها عَقِرَة (¬3) سمّاها خضرة، وشِعْبَ الضلالة سمّاه شِعْبَ الهُدى، وبنو الزِّينة سمَّاهم بني الرِّشْدَة، وسمَّى بني مُغوية بني رِشْدَة. قال أبو داود: تركتُ أسانيدها للاختصار. قلتُ: عَتْلة بفتح العين المهملة وسكون التاء المثناة فوق، قاله ابن ماكولا، قال: وقال عبد الغني: عَتَلة: يعني بفتح التاء أيضًا، قال: وسمَّاه النبيّ صلى الله عليه وسلم عُتْبة، وهو عتبة بن عبد السلمي. ¬

[744] أبو داود (4995)، والنسائي 8/ 226ـ227، وقال العراقي في أماليه على المستدرك: هذا حديث صحيح، أخرجه أبو داود والنسائي وابن حبّان والحاكم، الفتوحات الربانية 6/ 127. (¬1) سنن أبي داود 5/ 241ـ242 (¬2) "عَتْلة": عمود حديد تهدم به الحيطان، وقيل: حديدة كبيرة يُقلع بها الشجر والحجر (¬3) "عَقِرة" كأن النبي صلى الله عليه وسلم كره اسم العقر؛ لأن العاقر هي المرأة التي لا تحمل، وشجرة عاقر: لا تحمل

247 ـ باب جواز ترخيم الاسم إذا لم يتأذ بذلك صاحبه

247 ـ بابُ جَوازِ ترخيمِ الاسمِ إذَا لم يَتَأذّ بذلك صاحبُه [1/ 745] روينا في الصحيح، من طرق كثيرة؛ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رخَّمَ أسماء جماعة من الصحابة، فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة رضي الله عنه":يا أبا هِرّ". وقوله صلى الله عليه وسلم لعائشةَ رضي الله عنها: "يا عَائِشُ" (¬1) ولأنجشة رضي الله عنه: "ياأَنْجَشُ" (¬2). وفي كتاب ابن السني (¬3) أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لأُسامة "يا أُسَيْمُ" وللمقدتم "يا قُدَيْمُ". 248 ـ بابُ النهي عن الأَلقابِ التي يَكْرَهُها صاحبُها قال الله تعالى: {وَلا تَنَابَزُوا بالألْقابِ} [الحجرات: 11] واتفق العلماء على تحريم تلقيب الإِنسان بما يكره، سواء كان له صفة؛ كالأعمش، والأجلح، والأعمى، والأعرج، والأحول، والأبرص، والأشج، والأصفر، والأحدب، والأصمّ، والأزرق، والأفطس، والأشتر، والأثرم، والأقطع، والزمن، والمقعد، والأشلّ، أو كان صفة لأبيه أو لأمه أو غير ذلك مما يَكره. واتفقوا على جواز ذكره بذلك على جهة التعريف لمن لا يعرفه إلا بذلك. ودلائل ما ذكرته كثرة مشهورة حذفتها اختصارًا واستغناءً بشهرتها. ¬

[745] البخاري (6201) و (6202) باب مَن دعا صاحبه فنقص من اسمه حرفًا. (¬1) البخاري (3768)، ومسلم (2447)، وأبو داود (5232)، والترمذي (3876)، والنسائي 7/ 69 (¬2) البخاري (6209) و (6210) و (6211) (¬3) ابن السني (413) و (396)

249 ـ باب جواز واستحباب اللقب الذي يحبه صاحبه

249 ـ بابُ جَوازِ واستحباب اللقبِ الذي يُحبُّه صاحبُه فمن ذلك أبو بكر الصديق رضي الله عنه، اسمه عبد الله بن عثمان، لقبه عتيق، هذا هو الصحيح الذي عليه جماهير العلماء من المحدِّثين وأهل السِيَر والتواريخ وغيرهم. وقيل اسمه عتيق، حكاه الحافظ أبو القاسم بن عساكر في كتابه الأطراف، والصواب الأول، واتفق العلماء على أنه لقبُ خير. واختلفوا في سبب تسميته عتيقًا، فروينا عن عائشة رضي الله عنها من أوجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أبُو بَكْرٍ عَتِيقُ اللَّهِ منَ النَّارِ" (¬1) قال: فمن يومئذ سُمِّيَ عتيقًا. وقال مصعب بن الزبير وغيره من أهل النسب: سُمِّي عتيقًا لأنه لم يكن في نسبه شيء يُعاب به، وقيل غير ذلك، والله أعلم. [1/ 746] ومن ذلك أبو تراب لقبٌ لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وكُنيته أبو الحسن، ثبت في الصحيح، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجده نائمًا في المسجد وعليه التراب، فقال: "قُمْ أبا تُرَابٍ! قُمْ أَبَا تُرابٍ! " فلزمه هذا اللقب الحسن الجميل. [2/ 747] وروينا هذا في صحيحي البخاري ومسلم، عن سهل بن سعد، قال سهل: وكانت أحبّ أسماء عليّ إليه، وإن كان ليفرح أن يُدعى بها. هذا لفظ رواية البخاري. [3/ 748] ومن ذلك ذو اليدين واسمه الخِرْباق ـ بكسر الخاء المعجمة ¬

[746] البخاري (6204). [747] البخاري (3703)، ومسلم (2409). [748] البخاري (482) و (714)، في قصة السهو الواقع في تسليمه صلى الله عليه وسلم من ركعتين من صلاته. (¬1) الترمذي (3679) وقال: هذا حديث غريب

250 ـ باب جواز الكنى واستحباب مخاطبة أهل الفضل بها

وبالباء الموحدة وآخره قاف ـ كان في يديه طول، ثبت في الصحيح؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعوه "ذا اليدين" واسمه الخِرْباق، رواه البخاري بهذا اللفظ في أوائل كتاب البرّ والصلة. 250 ـ بابُ جوازِ الكِنى واستحباب مخاطبةِ أَهْلِ الفَضْل بها هذا الباب أشهر من أن نذكر فيه شيئًا منقولًا، فإن دلائله يشترك فيها الخواصّ والعوامّ، والأدب أن يُخاطب أهل الفضل ومن قاربهم بالكنية، وكذلك إنْ كتبَ إليه رسالة، وكذا إن رَوى عنه روايةً، فيُقال: حدّثنا الشيخ أو الإِمام أبو فلان، فلان بن فلان وما أشبهه؛ والأدبُ أن لا يذكرَ الرجلُ كنيتَه في كتابه ولا في غيره، إلا أن لا يُعرف إلا بكنيته، أو كانت الكنية أشهرَ من اسمه. قال النحاس: إذا كانت الكنية أشهر، يُكنى على نظيره ويُسمَّى لمن فوقه، ثم يلحق بـ: المعروف أبا فلان أو بأبي فلان. 251 ـ بابُ كُنيةِ الرجل بِأَكبرِ أولادِه كُنِّي نبيّنا محمّدٌ صلى الله عليه وسلم أبا القاسم بابنه القاسم، وكان أكبرَ بنيه. وفي الباب حديث أبي شريح (¬1) الذي قدَّمناه في باب استحباب تغيير الاسم إلى أحسن منه. 252 ـ بابُ كُنية الرجلِ الذي له أولادٌ بغيرِ أولادِه هذا الباب واسعٌ لايُحصى مَن يتّصفُ به، ولا بأس بذلك. ¬

(¬1) انظر الحديث برقم 7/ 744

253 ـ باب كنية من لم يولد له، وكنية الصغير

253 ـ بابُ كُنيةِ مَنْ لم يُولَد له، وكُنية الصغيرِ [1/ 749] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم أحسنَ الناس خلقًا، وكان لي أخ يُقال له أبو عمير ـ قال الراوي: أحسبه قال فَطِيمٌ ـ وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا جاءَه يقول: "يا أبا عُمَيْرٍ! ما فَعَلَ النُغَيْرُ" نُغَرٌ كانَ يلعبُ به. [2/ 750] وروينا بالأسانيد الصحيحية في سنن أبي داود وغيره، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: يا رسول الله! كلُّ صواحبي لهنّ كُنى، قال: "فاكْتَنِي بابْنِكَ عَبْدِ الله" قال الراوي: يعني عبد الله بن الزبير، وهو ابن أختها أسماء بنت أبي بكر، وكانت عائشةُ تُكَنَّى أُمّ عبد الله. قلت: فهذا هو الصحيح المعروف. [3/ 751] وأما ما رويناه في كتاب ابن السني، عن عائشة رضي الله عنها قالت: أسقطتُ من النبيّ صلى الله عليه وسلم سَقْطًا فسمّاه عبد الله، وكنّاني بأُمّ عبد الله. فهو حديث ضعيف. وقد كان من الصحابة جماعات لهم كنى قبل أن يُولد لهم، كأبي هريرة، وأنس، وأبي حمزة، وخلائق لا يُحصون من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، ولا كراهةَ في ذلك بل هو محبوبٌ بالشرط السابق. ¬

[749] البخاري (6203)، ومسلم (2150)، والنسائي (332) في "اليوم والليلة"، وفي الحديث: جواز المزح، وملاطفة الصبيان وتأنيسهم، وبيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من حُسن الخُلُق وكرم الشمائل والعطف والتواضع. [750] أبو داود (4970) وقال ابن علاّن: أخرجه ابن ماجه بنحوه، وابن السنيّ (418)، وإسناده صحيح. [751] ابن السني (419) وقال ابن علاّن: من رجال سنده داود بن المحبر، وهو كما في الكاشف: بصري واهٍ قال أحمد: لا شيء.

254 ـ باب النهي عن التكني بأبي القاسم

254 ـ بابُ النّهي عنِ التَّكَنِّي بأبي القَاسِم [1/ 752] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن جماعة من الصحابة منهم جابر وأبو هريرة رضي الله عنهما؛ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "سَمُّوا باسْمي وَلا تُكَنُّوا بِكُنْيَتِي" قلت: اختلف العلماء في التكنّي بأبي القاسم على ثلاثة مذاهب: فذهب الشافعي رحمه الله ومَنْ وافقه إلى أنه لا يَحِلُّ لأحد أن يَتَكَنَّى أبا القاسم، سواء كان اسمه محمدًا أو غيره، وممّن روى هذا من أصحابنا عن الشافعي الأئمةُ الحفّاظُ الثقات الأثبات الفقهاء المحدّثون: أبو بكر البيهقي، وأبو محمد البغوي في كتابه "التهذيب" في أول كتاب الكاح، وأبو القاسم بن عساكر في تاريخ دمشق. والمذهب الثاني: مذهب مالك رحمه الله أنه يجوز التكنّي بأبي القاسم لمن اسمه محمد ولغيره، ويجعل النهي خاصًا بحياة رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمذهب الثالث: لا يجوز لمن اسمه محمد ويجوز لغيره. قال الإِمام أبو القاسم الرافعي من أصحابنا: يُشبه أن يكون هذا الثالث أصحّ، لأن الناس لم يزالوا يكتنون به في جميع الأعصار من غير إنكار، وهذا الذي قاله صاحب هذا المذهب فيه مخالفة ظاهرة للحديث. وأما إطباق الناس على فعله مع أن في المتكنين به والمكنّين الأئمة الأعلام، وأهل الحلّ والعقد والذين يُقتدى بهم في مهمات الدين ففيه تقوية لمذهب مالك في جوازه مطلقًا، ويكونون قد فهموا من النهي الاختصاص بحياته صلى الله عليه وسلم كما هو مشهور من سبب النهي في تكنّي اليهود بأبي القاسم ¬

[752] البخاري (6187) و (6188)، ومسلم (2133) و (2134)، وأبو داود (4965)، والترمذي (2844).

255 ـ باب جواز تكنية الكافر والمبتدع والفاسق إذا كان لا يعرف إلا بها أو خيف من ذكره باسمه فتنة

ومناداتهم يا أبا القاسم للإِيذاء، وهذا المعنى قد زال، والله أعلم. 255 ـ باب جَوَاز تكنيةِ الكَافِر والمبتدع والفاسق إذا كان لا يُعرف إلا بها أو خِيفَ من ذِكْره باسمِه فتنة قال الله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أبي لَهَبٍ} واسمه عبد العزّى، قيل: ذكر بكنيته لأنه يُعرف بها، وقيل: كراهةً لاسمه حيثُ جُعل عبدًا للصنم. [1/ 753] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أُسَامةَ بن زيد رضي الله عنهما؛ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ركبَ على حمار ليعودَ سعدَ بن عبادة رضي الله عنه .. فذكر الحديث ومرور النبيّ صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن أَبيّ سلول المنافق، ثم قال: فسارَ النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى دخلَ على سعد بن عبادة، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "أيْ سَعْدُ! ألَمْ تَسْمَعْ إلى ما قالَ أبُو حُبابٍ ـ يُريد عبد الله بن أُبيّ ـ قالَ: كَذَا وكَذَا" وذكر الحديث. قلت: تكرَّر في الحديث تكنيةُ أبي طالبٍ واسمُه عبدُ مناف، وفي الصحيح "هَذَا قَبْرُ أبي رِغالٍ" (¬1) ونظائر هذا كثيرة، هذا كله إذًا وجد الشرط الذي ذكرناه في الترجمة، فإن لم يُوجد، لم يزد على الاسم؛ كما رويناه في صحيحيهما (¬2)؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب: "مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلى هِرَقْلَ" فسمَّاه باسمه ولم يكنِّه ولا لقبه بلقب ملك الروم وهو قيصر، ونظائرُ هذا كثيرة، وقد أمرنا بالإِغلاظ عليهم، فلا ينبغي أن نُكنيَهم ولا نرققَ لهم عبارة ولا نلين لهم قولًا ولا نظهر لهم ودًّا ولا مؤالفة. ¬

[753] البخاري (4566)، ومسلم (1798). (¬1) أبو داود (3088) وقال الحافظ ابن حجر: هذا حديث حسن غريب، أخرجه أبو داود وابن حبّان. الفتوحات الربانية 4/ 214 (¬2) البخاري (2940)، ومسلم (1773) عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما

256 ـ باب جواز تكنية الرجل بأبي فلانة وأبي فلان والمرأة بأم فلان وأم فلانة

256 ـ باب جواز تكنية الرجل بأبي فُلانة وأبي فُلان والمرأة بأُمّ فلان وأُمّ فُلانة اعلم أن هذا كلَّه لا حَجْرَ فيه، وقد تكنَّى جماعاتٌ من أفاضل سلف الأمة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم بأبي فلانة، فمنهم عثمان بن عفان رضي الله عنه له ثلاث كنى: أبو عمرو، وأبو عبد الله، وأبو ليلى، ومنهم أبو الدرداء وزوجته أُمّ الدرداء الكبرى صحابية اسمها خيرة، وزوجته الأخرى أُمّ الدرداء الصغرى اسمها هُجَيْمة، وكانت جليلة القدر فقيهة فاضلة موصوفة بالعقل الوافر والفضل الباهر وهي تابعية. ومنهم أبو ليلى والد عبد الرحمن بن أبي ليلى، وزوجته أُمّ ليلى، وأبو ليلى وزوجته صحابيان. ومنهم أبو أُمامة وجماعات من الصحابة. ومنهم أبو رَيْحانة، وأبو رَمْثة، وأبو رِيْمة، وأبو عَمْرة بشير بن عمرو، وأبو فاطمة الليثي، قيل اسمه عبد الله بن أنيس، وأبو مريم الأزدي، وأبو رُقَيَّة تميم الداري، وأبو كريمة المقدام بن معد يكرب، وهؤلاء كلُّهم صحابة. ومن التابعين: أبو عائشة مسروقُ الأجدع وخلائق لا يُحصون. قال السمعاني في "الأنساب": سُمِّي مسروقًا، لأنه سرقه إنسانٌ وهو صغير ثم وُجد. وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة تكنية النبيّ صلى الله عليه وسلم أبا هريرة بأبي هريرة.

كتاب الأذكار المتفرقة

كتاب الأذكار المتفرّقة اعلم أن هذا الكتاب أنثرُ فيه إن شاء الله تعالى أبوابًا متفرّقة من الأذكار والدعواتِ يعظم الانتفاعُ بها إن شاء الله تعالى، وليس لها ضابطٌ نلتزمُ ترتيبها بسببه، والله الموفّق. 257 ـ بابُ استحباب حمد الله تعالى والثناء عليه عندَ البِشارةِ بما يَسُرُّه اعلم أنه يُستحبّ لمن تجدّدتْ له نعمةٌ ظاهرة، أو اندفعتْ عنه نقمةٌ ظاهرة أن يسجد شكرًا لله تعالى، وأن يحمدَ الله تعالى أو يثني عليه بما هو أهله، والأحاديث والآثار في هذا كثيرة مشهورة. [1/ 754] روينا في صحيح البخاري، عن عمرو بن ميمون في مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حديث الشورى الطويل؛ أن عمر رضيَ الله عنه أرسلَ ابنه عبد الله إلى عائشة رضي الله عنها يستأذنُها أن يُدفن مع صاحبيه، فلما أقبلَ عبدُ الله قال عمر: ما لديك؟ قال: الذي تُحبُّ يا أميرَ المؤمنين، أذِنَتْ، قال: الحمدُ لله ما كان شيءٌ أهمَّ إليّ من ذلك. ¬

[754] البخاري (3700).

258 ـ باب ما يقول إذا سمع صياح الديك ونهيق الحمار ونباح الكلب

258 ـ بابُ ما يقولُ إذا سمع صِياحَ الدِّيكِ ونهيقَ الحِمار ونُباحَ الكَلْبِ [1/ 755] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرةَ رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إذَا سَمِعْتُمْ نُهَاقَ الحَمِيرِ فَتَعَوَّذُوا بالله مِنَ الشَّيْطانِ، فإنَّهَا رأتْ شَيْطانًا؛ وَإذا سَمِعْتُمْ صِياحَ الدّيَكَةِ فاسْأَلُوا الله مِنْ فَضْلِهِ فإنَّها رأتْ مَلَكًا". [2/ 756] وروينا في سنن أبي داود، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذَا سَمِعْتُمْ نُباحَ الكِلابِ وَنَهِيقَ الحَمِيرِ باللَّيْلِ فَتَعَوَّذُوا باللَّهِ، فإنَّهُنَّ يَرَيْنَ ما لا تَرَوْنَ". 259 ـ بابُ ما يَقولُ إذا رأى الحريق [1/ 757] روينا في كتاب ابن السني، عن عمرو بن شُعيب، عن أبيه عن جدّه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا رأيْتُمُ الحَرِيقَ فَكَبِّرُوا، فَإِنَّ التَّكْبِيرَ يُطْفئُهُ". ويُستحبّ أن يدعوَ مع ذلك بدعاء الكرْب وغيره مما قدَّمناه في كتاب الأذكار للأمور العارضات وعند العاهات والآفات. ¬

[755] البخاري (2303)، ومسلم (2729)، وأبو داود (5102)، والترمذي (3455). [756] أبو داود (5103)، وهو في المسند 3/ 306 و 355، وقال ابن علاّن: ورواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. [757] ابن السني (295)، وإسنناده ضعيف، وانظر ضعيف الجامع الصغير 1/ 183.

260 ـ باب ما يقوله عند القيام من المجلس

260 ـ بابُ ما يقولُه عندَ القِيام مِنَ المجلسِ [1/ 758] روينا في كتاب الترمذي وغيره، عن أبي هُريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لغَطُهُ فَقالَ قَبْلَ أنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذلكَ: سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ، أشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ أسْتَغْفِرُكَ وأتُوبُ إِلَيْكَ، إِلاَّ غُفِرَ لَهُ ما كَانَ في مَجْلِسِهِ ذلكَ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. [2/ 759] وروينا في سنن أبي داود وغيره، عن أبي برزةَ رضي الله عنه ـ واسمه نضلة ـ قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول بأخَرَةٍ إذا أراد أن يقوم من المجلس: سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ، أشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ، أسْتَغْفِرُكَ وأتُوبُ إِلَيْكَ، فقال رجل: يا رسول الله! إنك لتقول قولًا ما كنتَ تقولُه فيما مضى، قال: ذلكَ كَفَّارَةٌ لِمَا يَكُونُ في المَجْلِسِ" ورواه الحاكم في المستدرك من رواية عائشة رضي الله عنها وقال: صحيح الإِسناد. قلت: قوله بأَخَرة، وهو بهمزة مقصورة مفتوحة وبفتح الخاء، ومعناه: في آخر الأمر. [3/ 760] وروينا في حلية الأولياء، عن عليّ رضي الله عنه قال: مَن أحبّ أن يكتالَ بالمكيال الأوفى فليقلْ في آخر مجلسه أو حين يقول: ¬

[758] الترمذي (3429) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، لا نعرفه من حديث سُهَيْل إلا من هذا الوجه. ورواه النسائي (397) في "اليوم والليلة"، والحاكم في المستدرك 4/ 241، وابن السني (449) من طريق النسائي، وأبو داود (4858). [759] أبو داود (4859)، والنسائي (426)، والحاكم 1/ 537 عن أبي برزة الأسلمي، وهو حديث صحيح. وأما حديث عائشة رضي الله عنها فرواه النسائي 3/ 71ـ72. [760] حلية الأولياء موقوفًا، وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مَن سرّه أن يكتال بالمكيال الأوفى فليقل في آخر مجلسه: ... " فأورده مرفوعًا ومرسلًا. الفتوحات الربانية 6/ 170.

261 ـ باب دعاء الجالس في جمع لنفسه ومن معه

سبحانَ ربِّك ربّ العزّة عمّا يَصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمدُ لله رب العالمين. 261 ـ بابُ دُعاءِ الجَالسِ في جمعٍ لنفسِه ومَنْ مَعَه [1/ 761] روينا في كتاب الترمذي، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قلَّما كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقومُ من مجلس حتى يدعوَ بهؤلاء الدعوات لأصحابه: "اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنا مِنْ خَشْيَتِكَ ما يَحُولُ بَيْنَنا وبَيْنَ مَعاصِيكَ، وَمِنْ طاعَتِكَ ما تُبَلِّغُنا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ اليَقين ما تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنا مَصَائبَ الدُّنْيا؛ اللَّهُمَّ مَتِّعْنا بأسْماعنا وأبْصَارِنا وَقُوَّتِنا ما أحْيَيْتَنا، واجْعَلْهُ الوَارِثَ منَّا، وَاجْعَلْ ثأْرنا على مَنْ ظَلَمَنا، وانْصُرْنا على مَنْ عادَانا وَلا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنا في دِينِنا، وَلا تَجْعَلِ الدُّنْيا أكْبَرَ هَمِّنا وَلا مَبْلَغَ عِلْمِنا، وَلا تُسَلِّط عَلَيْنا مَنْ لا يَرْحمُنا" قال الترمذي: حديث حسن. 262 ـ بابُ كَراهةِ القِيَام مِن المجلسِ قبلَ أنْ يذكرَ الله تعالى [1/ 762] روينا بالإِسناد الصحيح في سنن أبي داود وغيره، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلسٍ لا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعالى فِيهِ إِلاَّ قامُوا عَنْ مثْلِ جِيفَةِ حِمارٍ وكانَ لَهُمْ حَسْرَةً". ¬

[761] الترمذي (3430)، وقال: حديث صحيح غريب. وهو في أبي داود (1516)، ورواه الحاكم 1/ 528 وصححه، ووافقه الذهبي. ورواه النسائي (401) في "اليوم والليلة"، وابن السني (448) من طريق النسائي. [762] أبو داود (4855)، والنسائي (408)، وأحمد في المسند 2/ 389 و 515 و 527، والمستدرك 1/ 492، وإسناده حسن.

263 ـ باب الذكر في الطريق

[3/ 763] وروينا فيه، عن أبي هريرة أيضًا، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قَعَدَ مَقْعَدًا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ تَعالى فِيهِ كانَتْ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ تِرَةٌ، وَمَنِ اضْطَجَعَ مَضْجَعًا لا يَذْكُرُ اللَّهَ تَعالى فيهِ كانَتْ عَلَيْهِ مِنَ الله تِرَةٌ" قلت: تِرَة بكسر التاء وتخفيف الراء، ومعناه: نقص، وقيل تبعة؛ ويجوز أن يكون حسرة كما في الرواية الأخرى. [3/ 764] وروينا في كتاب الترمذي، عن أبي هريرة أيضًا، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "ما جَلَس قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ تَعالى فِيهِ ولَمْ يُصَلُّوا على نَبِيِّهمْ فِيهِ إِلاَّ كانَ عَلَيْهِمْ تِرَةٌ، فإنْ شاءَ عَذبهُمْ، وَإنْ شاءَ غَفَرَ لَهُم" قال الترمذي: حديث حسن. 263 ـ بابُ الذِّكْرِ في الطَّرِيْق [1/ 765] روينا في كتاب ابن السني، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "ما مِنْ قَوْمٍ جَلَسُوا مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ إِلاَّ كانَتْ عَلَيْهِمْ تِرَةٌ، ومَا سَلَكَ رَجُلٌ طَرِيقًا لمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيه إِلاَّ كانَتْ عَلَيْهِ تِرةٌ". [2/ 766] وروينا في كتاب ابن السني ودلائل النبوّة للبيهقي، عن أبي أُمامةَ الباهلي رضي الله عنه قال: أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم جبريلُ صلى الله عليه وسلم وهو بتبوك ¬

[763] أبو داود (4856)، والنسائي (404) في "اليوم والليلة"، وابن السني (752) مختصرًا من طريق المصنف، وهو حديث حسن. [764] الترمذي (3377)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، ورواه أيضًا أحمد 2/ 446 و 453 و 481 و 484 و 495، والحاكم 1/ 496. [765] ابن السني (178)، وإسناده ضعيف، وتشهد له أحاديث الباب رقم 260. [766] ابن السني (179)، وإسناده ضعيف، وأخرجه ابن الأثير في أسد الغابة من حديث أنس. انظر الفتوحات 6/ 177.

264 ـ باب ما يقول إذا غضب

فقال: "يا مُحَمَّدُ! اشْهَدْ جَنازَةَ مُعاوِيَةَ بْنِ مُعاوِيَةَ المُزَنِيّ، فخرجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ونزلَ جبريلُ عليه السلام في سبعين ألفًا من الملائكة، فوضعَ جناحَه الأيمن على الجبال فتواضعتْ ووضع جناحَه الأيسر على الأرضين فتواضعت، حتى نظرَ إلى مكة والمدينة، فصلَّى عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وجبريلُ والملائكةُ عليهم السلام؛ فلما فرغ قال: يا جبْرِيل! بِمَ بَلَغَ مُعاوِيَةُ هَذِهِ المَنْزِلَةَ؟ قال: بِقِرَاءَتِه: قُلْ هُوَ الله أحَدٌ قائمًا وَرَاكبًا ومَاشيًا". 264 ـ بابُ ما يقولُ إذا غَضِبَ قال الله تعالى: {وَالكاظمينَ الغَيْظَ} [آل عمران:134] الآية، وقال تعالى: {وإمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فاسْتَعِذْ باللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العليمُ} [فصلت:36]. [1/ 767] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليسَ الشديدُ بالصّرعَةِ، إنما الشديدُ الذي يملكُ نفسَهُ عند الغضب". [2/ 768] وروينا في صحيح مسلم، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فيكُمْ؟ قلنا: الذي لا تصرعُه الرجالُ، قال: لَيْسَ بذلكَ، وَلَكِنَّهُ الَّذي يَمْلكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَب" قلت: الصُّرَعة بضم الصاد وفتح الراء، وأصله الذي يَصرعُ الناسَ كثيرًا كالهُمزة واللُّمزة الذي يَهمزهم كثيرًا. ¬

[767] البخاري (6114)، ومسلم (2609)، والموطأ 2/ 906، والنسائي (394) في "اليوم والليلة". [768] مسلم (2608) وهو عند أبي داود (4779).

[3/ 769] وروينا في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه، عن معاذ بن أنس الجهني الصحابي رضي الله عنه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ قادِرٌ على أنْ يُنَفِّذَهُ دَعاهُ اللَّهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى على رُؤوس الخَلائِقِ يَوْمَ القِيامَةِ حتَّى يُخَيِّرَهُ مِنَ الحُورِ ما شاءَ" قال الترمذي: حديث حسن. [4/ 770] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن سليمان بن صُرَد الصحابي رضي الله عنه قال: كنتُ جالسًا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم ورجلان يَسْتَبَّان، وأحدُهما قد احمرّ وجهُه وانتفختْ أوداجُه، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ ما يَجدُ، لَوْ قالَ: أعُوذُ بالله مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجيمِ، ذَهَبَ مِنْهُ ما يَجِدُ" فقالوا له: إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: تَعَوَّذْ بالله منَ الشَّيْطانِ الرَّجِيم، فقال: وهل بي من جنون؟ [5/ 771] ورويناه في كتابي أبي داود والترمذي بمعناه، من رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال الترمذي: هذا مرسل. يعني أن عبد الرحمن لم يُدْرك معاذًا. [6/ 772] وروينا في كتاب ابن السني، عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلَ عليّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأنا غَضْبى، فأخذَ بطرفِ المِفصل من أنفي ¬

[769] أبو داود (4777)، والترمذي (2022)، وابن ماجه (4186)، ورواه الإِمام أحمد والطبراني وأبو نعيم في الحلية 8/ 47 و 55، وغيرهم، وهو حديث حسن بشواهده. انظر جامع الأصول 8/ 443. [770] البخاري (6115)، ومسلم (2610)، وأبو داود (478)، والنسائي (393) في "اليوم والليلة". [771] أبو داود (4780)، والترمذي (3448)، والنسائي (389)، وهو مرسل، لكن يشهد له حديث سليمان بن صرد السابق. [772] ابن السني (457) ولفظه "يا عويش قولي: اللَّهمّ ربّ محمد اغفر لي، وأذهب غيظ قلبي وأجرني من مضلاّت الفتن"، وإسناده حسن.

265 ـ باب استحباب إعلام الرجل من يحبه أنه يحبه، وما يقوله له إذا أعلمه

فعركه ثم قال: "يا عُوَيْشُ قُولي: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ذَنْبِي وأذْهِبْ غَيْظَ قَلْبِي، وأجِرْني مِنَ الشَّيْطانِ". [7/ 773] وروينا في سنن أبي داود، عن عطيةَ بن عروةَ السعديّ الصحابي رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الغَضَبَ مِنَ الشَّيْطانِ، وَإِنَّ الشَّيْطانَ خُلِقَ مِنَ النَّارِ، وإنَّمَا تُطْفأُ النَّارُ بالمَاءِ، فإذَا غَضِبَ أحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأ". 265 ـ بابُ استحباب إعلامِ الرَّجُلِ من يُحبُّه أنَّه يحبُّه، وما يقولُه له إذا أعلمَه [1/ 774] روينا في سنن أبي داود والترمذي، عن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا أحَبَّ الرَّجُلُ أخاهُ فَلْيُخْبِرُهُ أنَّهُ يُحِبُّهُ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. [2/ 775] وروينا في سنن أبي داود، عن أنس رضي الله عنه؛ أن رجلًا كان عندَ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فمرّ رجلٌ فقال: يا رسول الله! إني لأحبُّ هذا، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: "أعْلَمْتَهُ؟ " قال: لا، قال: "أعْلِمْهُ" فلحقه فقال: إني أُحبك في الله، قال: أحبَّك الذي أحببتني له. [3/ 776] وروينا في سنن أبي داود والنسائي، عن معاذ بن جبل ¬

[773] أبو داود (4784)، وهو في المسند 4/ 226، وإسناده ضعيف، وانظر ضعيف الجامع الصغير 2/ 61. [774] أبو داود (5124)، والترمذي (2393)، والنسائي (206)، وإسناده صحيح. [775] أبو داود (5125)، وإسناده حسن، وهو عند النسائي (182)، وابن السني (197) بسند صحيح. [776] أبو داود (1522)، والنسائي 3/ 53، وإسناده صحيح، وفي رواية النسائي: قال معاذ: وأنا أُحِبُّكَ.

266 ـ باب ما يقول إذا رأى مبتلى بمرض أو غيره

رضيَ الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وقال: "يا مُعاذُ! وَاللَّهِ إني لأُحِبُّكَ، أُوصِيكَ يا مُعاذُ! لا تَدَعَنَّ في دُبُرِ كُلّ صَلاةٍ أنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أعِنِّي على ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبادَتِكَ". [4/ 777] وروينا في كتاب الترمذي، عن يزيدَ بن نعامة الضبيّ قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا آخَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَلْيَسْأَلْهُ عَنِ اسْمِهِ وَاسْمِ أبيه وَممّنْ هُوَ، فإنَّه أوْصَلُ لِلْمَوَدَّةِ". قال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، قال: ولا نعلم ليزيدَ بن نعامة سماعًا من النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: ويُروى عن ابن عمر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نحو هذا، ولا يصحّ إسناده. قلتُ: وقد اخْتُلف في صحبة (¬1) يزيدَ بن نعامة فقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: لا صحبةَ له، قال: وحكى البخاري أن له صحبة، قال: وغَلِطَ. 266 ـ بابُ ما يقولُ إذا رَأى مُبتلى بمرضٍ أو غيرِه [1/ 778] روينا في كتاب الترمذي، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ رأى مُبْتَلىً فَقالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي عافاني مِمَّا ابْتلاكَ بِهِ وَفَضَّلَنِي على كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا، لَمْ يُصِبْهُ ذلكَ البَلاءُ" قال الترمذي: حديث حسن. ¬

[777] الترمذي (2394) وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ولا نعرف ليزيد بن نعامة سماعًا من النبي صلى الله عليه وسلم، ويُروى عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا ولا يصحّ إسناده. [778] الترمذي (3428)، وقال: حديث حسن غريب من هذا الوجه. وانظر صحيح الجامع الصغير 5/ 292 فقد حسّنه. (¬1) قال الحافظ ابن حجر: يزيد بن نعامة: قال البخاري وابن حِبَّان: له صحبة، وقال أبو حاتم الرازي: لا صحبة له وحديثه مرسل. وقال البغوي: لا نعرف له سماعًا من النبي صلى الله عليه وسلم، ونقل الترمذي في العلل عن البخاري؛ أن حديثه مرسل. الإِصابة 3/ 663

267 ـ باب استحباب حمد الله تعالى للمسؤول عن حاله أو حال محبوبه مع جوابه إذا كان في جوابه إخبار بطيب حاله

[2/ 779] وروينا في كتاب الترمذي، عن عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه؛ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ رأى صَاحِبَ بَلاءٍ فَقالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي عافانِي مِمَّا ابْتَلاكَ بِهِ وَفَضَّلَنِي على كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفضِيلًا إِلاَّ عُوفِيَ مِنْ ذلكَ البَلاءِ كائِنًا ما كانَ ما عاش" ضعَّفَ الترمذي إسنادَه. قلتُ: قال العلماءُ من أصحابنا وغيرهم: ينبغي أن يقوَ هذا الذكرَ سِرًّا بحيثُ يُسمعُ نفسَه ولا يُسمعُه المبتلى لئلا يتألَّمَ قلبُه بذلك، إلا أن تكون بليّتُه معصيةً فلا بأس أن يُسمعَه ذلك إن لم يخفْ من ذلك مفسدة، والله أعلم. 267 ـ بابُ استحباب حمدِ الله تعالى للمسؤول عن حاله أو حال محبُوبه مع جوابه إذا كان في جوابه إخبارٌ بطيبِ حالِه [1/ 780] روينا في صحيح البخاري، عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أن عليًّا رضيَ الله عنه خرجَ من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعهِ الذي تُوفي فيه، فقال الناسُ: يا أبا حسنٍ! كيف أصبحَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: "أصْبَحَ بِحَمْدِ الله تَعالى بارئًا". 268 ـ بابُ ما يقولُ إذا دخلَ السُّوقَ [1/ 781] روينا في كتاب الترمذي وغيره، عن عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه؛ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ دَخَلَ السُّوقَ فقالَ: لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ ¬

[779] الترمذي (3427)، وقال هذا حديث غريب، وانظر ضعيف الجامع الصغير 5/ 198. [780] البخاري (4447). [781] الترمذي (3425) و (3424)، وابن ماجه (2235)، والحاكم في المستدرك 1/ 539، وهو حديث حسن بشواهده وطرقه، وانظر صحيح الجامع الصغير 5/ 288.

269 ـ باب استحباب قول الإنسان لمن تزوج تزوجا مستحبا، أو اشترى أو فعل فعلا يستحسنه الشرع: أصبت أو أحسنت ونحوه

وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، يُحْيِي ويُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الخَيْرُ وَهُوَ على كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ: كَتبَ اللَّهُ لَهُ ألْفَ ألْفِ حَسَنَةٍ، وَمَحَا عَنْهُ ألْفَ ألْفِ سَيِّئْةٍ، وَرَفَعَ لَهُ ألْفَ ألْفِ دَرَجَة" رواه الحاكم أبو عبد الله في المستدرك على الصحيحين من طرق كثيرة، وزاد فيه في بعض طرقه "وَبَنى لَهُ بَيْتًا في الجَنَّةِ" وفيه من الزيادة: قال الراوي: فقدمتُ خراسان، فأتيتُ قُتَيبةَ بن مسلم فقلتُ: أتيتكَ بهدية فحدّثته بالحديث، فكان قتيبةُ بن مُسلم يركبُ في موكبه حتى يأتيَ السوقَ فيقولُها ثم ينصرف. ورواه الحاكم أيضًا من رواية ابن عمر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال الحاكم: وفي الباب عن جابر وأبي هريرة وبُريدة الأسلمي وأنس، قال: وأقربُها من شرائط هذا الكتاب حديث بُريدة (¬1) بغير هذا اللفظ، فرواه بإسناده عن بُريدة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل السوق قال: "باسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ إنِّي أسألُكَ خَيْرَ هَذِهِ السّوقِ وَخَيْرَ ما فِيها، وأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّها وَشَرّ ما فِيهَا؛ اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ أنْ أُصِيبَ فِيها يَمِينًا فاجِرَةً، أوْ صَفْقَةً خاسِرَةً". 269 ـ بابُ استحباب قولِ الإِنسانِ لمن تزوَّجَ تزوّجًا مُستحبًا، أو اشترى أو فعل فِعْلًا يَستحسنُه الشرعُ: أصبتَ أو أحسنتَ ونحوه [1/ 782] روينا في صحيح مسلم، عن جابر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تَزَوَّجْتَ يا جابِرُ؟! قلت: نَعم، قال: بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟ قلتُ: ثيّبًا يا رسول الله! قال: فهَلاّ جارِيَةً تُلاعِبُها وَتُلاعِبُكَ؟ " أو قال: "تُضَاحِكُهَا ¬

[782] مسلم (1466) (56). (¬1) انظر حديث بريدة في المستدرك 1/ 539، وقد تعقب الذهبي الحاكم فقال: أبو عمر لا يُعرف، والمدائني متروك

270 ـ باب ما يقول إذا نظر في المرآة

وتُضَاحِكُكَ". قلت: إن عبد الله ـ يعني أباه ـ تُوفي وتركَ تسعَ بناتٍ أو سبعًا، وإني كرهتُ أن أجيئهنّ بمثلهنّ، فأحببتُ أنْ أجيءَ بامرأةٍ تقومُ عليهنّ وتُصْلِحُهنّ، قال: "أصَبْتَ" وذكر الحديث. 270 ـ بابُ ما يقولُ إذا نظرَ في المِرْآة [1/ 783] روينا في كتاب ابن السني، عن عليّ رضي الله عنه؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا نظر في المرآة قال: "الحَمْد لِلَّهِ، اللَّهُمَّ كما حَسَّنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي". ورويناه فيه، من رواية ابن عباس بزيادة. [2/ 784] ورويناه فيه، من رواية أنس قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا نظرَ وجهَه في المرآةِ قال: "الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي سَوَّى خَلْقي فَعَدَّلَهُ، وَكَرَّمَ صُورَةَ وَجْهِي فَحَسَّنَها، وَجَعَلَني مِنَ المُسْلِمينَ". 271 ـ بابُ ما يَقولُ عندَ الحِجَامَة [1/ 785] روينا في كتاب ابن السني، عن عليّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَرأ آيَة الكُرْسِيِّ عِنْدَ الحِجامَةِ كانَتْ مَنْفَعَةَ حِجامَتِهِ". ¬

[783] ابن السني (162)، وإسناده ضعيف. [784] ابن السني (164)، وإسناده ضعيف. وانظر هذا الحديث والذي قبله، وتخريجهما، في الكَلِم الطيب ص 118 وإرواء الغليل رقم 73. [785] ابن السني (166) وفي تفسير ابن كثير 1/ 307 "كانت له منفعة حجامتين" وضعَّفه.

272 ـ باب ما يقول إذا طنت أذنه

272 ـ بابُ ما يَقولُ إذا طَنَّتْ أُذُنه [1/ 786] روينا في كتاب ابن السني، عن أبي رافع رضي الله عنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا طَنَّتْ أُذُنُ أحَدِكُمْ فَلْيَذْكُرْنِي وَليُصَلّ عَليَّ ولْيَقُلْ: ذَكَرَ اللَّهُ بِخَيْرٍ مَنْ ذَكَرَنِي". 273 ـ بابُ ما يقولُه إذا خَدِرَتْ رِجْلُه [1/ 787] روينا في كتاب ابن السني عن الهيثم بن حنش قال: كنَّا عندَ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فخدِرَتْ رجلُه، فقال له رجل: اذكر أحبَّ الناس إليك، فقال: يا محمّدُ صلى الله عليه وسلم، فكأنما نُشِطَ من عِقَال. [2/ 788] وروينا فيه، عن مُجاهد قال: خَدِرَتْ رِجلُ رجلٍ عند ابن عباس، فقال ابنُ عباس رضي الله عنهما: اذكر أحبَّ الناس إليك، فقال: محمّدٌ صلى الله عليه وسلم فذهبَ خَدَرُه. وروينا فيه (¬1)، عن إبراهيم بن المنذر الحزامي أحدِ شيوخ البخاري الذين روى عنهم في صحيحه قال: أهلُ المدينة يَعجبون من حُسن بيت أبي العتاهية: وتَخْدَرُ في بعضِ الأحايينِ رِجْلُهُ ... فإنْ لم يَقلْ يا عُتْب لم يذهبِ الخَدَرْ ¬

[786] ابن السني (165)، وإسناده ضعيف جدًا. قال السخاوي في القول البديع: رواه الطبراني، وابن عدي، وابن السني في "اليوم والليلة"، والخرائطي في المكارم، وأبو موسى المديني، وابن بشكوال، وسنده ضعيف .. الفتوحات الربانية 6/ 198. [787] ابن السني (169)، وإسناده ضعيف. انظر هامش الكَلِمْ الطيب ص 120. [788] ابن السني (168)، وهو حديث موضوع، فيه غيّاث بن إبراهيم، قال ابن معين: كذاب خبيث. هامش الكَلِمْ الطيب ص 120. (¬1) ابن السني ص 72ـ73، وإسناده ضعيف

274 ـ باب جواز دعاء الإنسان على من ظلم المسلمين أو ظلمه وحده

274 ـ بابُ جَواز دُعاء الإِنسان على مَنْ ظَلَمَ المسلمين أو ظلَمه وحدَه اعلم أن هذا الباب واسعٌ جدًا، وقد تظاهرَ على جوازه نصوصُ الكتاب والسنّة، وأفعالُ سلف الأمة وخلفها، وقد أخبرَ الله سبحانه وتعالى في مواضع كثيرة معلومة من القرآن عن الأنبياء صلواتُ الله وسلامُه عليهم بدعائهم على الكفّار. [1/ 789] روينا في صحيح البخاري ومسلم، عن عليّ رضي الله عنه: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب: "مَلأَ اللَّه قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نارًا كما شَغَلُونا عَنِ الصَّلاةِ الوُسْطَى". [2/ 790] وروينا في الصحيحين، من طرق: أنه صلى الله عليه وسلم دعا على الذين قَتلوا القرَّاءَ رضي الله عنهم، وأدامَ الدعاءَ عليهم شهرًا يقولُ: "اللَّهُمَّ الْعَنْ رِعْلًا وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ". [3/ 791] وروينا في صحيحيهما، عن ابن مسعود رضي الله عنه في حديثه الطويل، في قصة أبي جهلٍ وأصحابه من قريش حين وَضَعُوا سَلاَ الجزور على ظهر النبيّ صلى الله عليه وسلم، فدعا عليهم وكان إذا دعا، دعا ثلاثًا ثم قال: "اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ" ثلاثَ مرّاتٍ، ثم قال: "اللَّهُمَّ عليكَ بأبي جَهْلٍ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبيعَةَ" وذكر تمام السبعة، وتمام الحديث. [4/ 792] وروينا في صحيحيهما، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ ¬

[789] البخاري (2931)، ومسلم (627). [790] البخاري (4090)، ومسلم (675). [791] البخاري (240)، ومسلم (1794). [792] البخاري (4560)، ومسلم (675).

رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو: "اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطأتَكَ على مُضَرَ؛ اللَّهُمَّ اجْعَلْها عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنيِّ يُوسُفَ". [5/ 793] وروينا في صحيح مسلم، عن سلمةَ بن الأكوع رضي الله عنه: أن رجلًا أكل بشماله عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "كُلْ بِيَمِينِكَ" قال: لا أستطيع، قال: "لا اسْتَطَعْتَ" ما منَعه إلا الكبرُ، قال: فما رفعَها إلى فِيْه. قلتُ: هذا الرجل هو بُسر ـ بضم الباء وبالسين المهملة ـ ابن راعي العير الأشجعي، صحابي، ففيه جواز الدعاء على مَن خالف الحكم الشرعي. [6/ 794] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم عن جابر بن سمرة قال: شكا أهلُ الكوفة سعدَ بن أبي وقاص رضي الله عنه إلى عمر رضي الله عنه، فعزلَه واستعملَ عليهم .. وذكرَ الحديثَ إلى أن قال: أرسل معه عمر رجالًا أو رجلًا إلى الكوفة يسألُ عنه، فلم يدعْ مسجدًا إلا سألَ عنه ويُثنون معروفًا، حتى دخل مسجدًا لبني عَبْسٍ، فقامَ رجلٌ منهم يُقال له أُسامة بن قتادة، يُكَنَّى أبا سعدة فقال: أما إذا نشدتنا فإن سعدًا لا يسيرُ بالسريّة، ولا يَقسِمُ بالسويّة، ولا يَعدِلُ في القضية. قال سعد: أما والله لأدعونّ بثلاث: اللهمّ إن كان عبدُك هذا كاذبًا قام رياءً وسمعةً فأطلْ عمرَه، وأطلْ فقرَه، وعرّضْه للفتن. فكانَ بعد ذلك يقول: شيخ مفتون أصابتني دعوة سعد. قال عبد الملك بن عُمير الراوي، عن جابر بن سمرة: فأنا رأيتُه بعدُ قد سقطَ حاجباه على عينيه من الكِبَر، وإنه ليتعرّضُ للجواري في الطرق فيغمزُهنّ. ¬

[793] مسلم (2021). [794] البخاري (755)، ومسلم (453).

275 ـ باب التبري من أهل البدع والمعاصي

[7/ 795] وروينا في صحيحيهما، عن عروة بن الزبير؛ أن سعيدَ بن زيد رضي الله عنهما خاصمْتُه أروى بنتُ أوْس ـ وقيل: أُويس ـ إلى مروان بن الحكم، وادّعتْ أنه أخذ شيئًا من أرضها، فقال سعيد رضي الله عنه: أنا كنتُ آخذ من أرضها شيئًا بعد الذي سمعتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما سمعتَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ أخَذَ شبْرًا مِنَ الأرْضِ ظُلْمًا طُوِّقَهُ إلى سَبْعِ أرَضِينَ" قال مروان: لا أسألُك بيِّنةً بعد هذا، فقال سعيد: اللهمّ إن كانت كاذبة فأعم بصرها واقتلْها في أرضها، قال: فما ماتتْ حتى ذهبَ بصرُها، وبينما هي تمشي في أرضها إذ وقعتْ في حفرة فماتت. 275 ـ بابُ التبرّي مِنْ أَهلِ البدعِ والمَعاصي [1/ 796] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي بُردة بن أبي موسى قال: وجع أبو موسى رضي الله عنه وجعًا، فغُشي عليه ورأسُه في حِجر امرأة من أهله، فصاحت امرأةٌ من أهله فلم يستطعْ أن يردَّ شيئًا، فلما أفاق قال: أنا بريءٌ ممّن برىء منه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فإن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم برىءَ من الصَّالقةِ والحَالقةِ والشَّاقةِ. قلت: الصَّالقةُ: الصائحة بصوت شديد؛ والحالقةُ: التي تحلق رأسَها عند المصيبة؛ والشَّاقةُ: التي تشقُّ ثيابَها عند المصيبة. [2/ 797] وروينا في صحيح مسلم، عن يحيى بن يَعمر قال: قلتُ ¬

[795] البخاري (2452)، ومسلم (1610)، ومعنى "طُوِّقه" من التطويق، وهو أن يُجعل له مثل الطوق في العنق. [796] البخاري (1296)، ومسلم (924). [797] مسلم (8)، وتتمة الحديث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في وصف مجيء =

276 ـ باب ما يقوله إذا شرع في إزالة منكر

لابن عمر رضي الله عنهما: أبا عبد الرحمن! إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرؤون القرآن ويزعمون أن لا قَدَر، وأنّ الأمرَ أُنُفٌ، فقال: إذا لقيت أولئك فأخبرهم أنّي بريءٌ منهم وأنهم بُرآءُ مني. قلت: أُنُف بضمّ الهمزة والنون: أي مُستأنف لم يتقدّم به علم ولا قدر، وكذب أهل الضلالة، بل سبق علم الله تعالى بجميع المخلوقات. 276 ـ بابُ ما يقولُه إذا شرعَ في إزالةِ مُنكر [1/ 798] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: دخل النبيّ صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح، وحول الكعبة ثلاثمئةٍ وستون نُصُبًا، فجعلَ يطعنُها بعود كان في يده، ويقول: "جاءَ الحَقُّ، وَزَهَقَ الباطلُ، إنّ الباطِلَ كانَ زَهُوقًا جاءَ الحَقُّ وَما يُبْدِىءُ الباطِلُ وما يُعِيدُ". 277 ـ بابُ ما يَقولُ مَنْ كانَ في لسانِه فُحْشٌ [1/ 799] روينا في كتابي ابن ماجه وابن السني، عن حُذيفةَ رضي الله عنه قال: شكوتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذَرْبَ لساني، فقال: "أيْنَ أنْتَ مِنَ الاسْتِغْفارِ؟ إني لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كُلَّ يَوْمٍ مِئَةَ مَرَّةِ". ¬

= جبريل عليه السلام في صورة رجل وسؤاله النبي صلى الله عليه وسلم عن الإِسلام والإِيمان والإِحسان والساعة. [798] البخاري (4287)، ومسلم (1781)، والترمذي (3137). [799] ابن ماجه (3817)، والنسائي (450)، وابن السني (364) من طريق النسائي. وفي الزوائد: في إسناده أبو المغيرة البجليّ، مضطرب الحديث عن حذيفة، قاله الذهبي في الكاشف.

278 ـ باب ما يقوله إذا عثرت دابته

قلتُ: الذَرْب بفتح الذال المعجمة والراء، قال أبو زيد وغيره من أهل اللغة: هو فُحش اللسان. 278 ـ بابُ ما يَقولُه إذا عَثَرَتْ دَابّتُه [1/ 800] روينا في سنن أبي داود، عن أبي المليح التابعي المشهور عن رجل قال: كنتُ رديفَ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فعثرت دابّته فقلتُ: تَعِسَ الشيطان، فقال: "لا تَقُلْ تَعِسَ الشَّيْطانُ، فإنَّكَ إذَا قُلْتَ ذلكَ تَعاظَمَ حتَّى يَكُونَ مِثْلَ البَيْتِ، وَيَقُولُ: بِقُوَّتِي، وَلَكِنْ قُلْ: باسْمِ اللَّهِ، فإنَّكَ إذَا قُلْتَ ذلك تَصَاغَرَ حتى يَكُونَ مِثْلَ الذُّبابِ" قلتُ: هكذا رواه أبو داود عن أبي المليح عن رجل هو رَديف النبيّ صلى الله عليه وسلم. [2/ 801] ورويناه في كتاب ابن السني، عن أبي المليح عن أبيه، وأبوه صحابي اسمه أُسامة على الصحيح المشهور، وقيل فيه أقوال أُخَر. وكِلا الروايتين صحيحة متصلة، فإن الرجل المجهول في رواية أبي داود صحابي، والصحابة رضي الله عنهم كلُّهم عدولٌ لا تضرُّ الجَهَالةُ بأعيانهم. وأما قوله تَعَس، فقيل معناه: هلك، وقيل سقط، وقيل عثر، وقيل لزمه الشرّ، وهو بكسر العين وفتحها، والفتح أشهر، ولم يذكر الجوهري في صِحاحه غيره. ¬

[800] و [801] أبو داود (4982)، وإسناده صحيح، وإبهام اسم الصحابي لا يضرّ، لأن الصحابة كلهم عدول. وابن السني (510)، قال ابن علاّن: رواه أحمد عن أبي تميمة عمّن كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم، كما رواه النسائي عن أبي المليح، عن أبي الحاكم، وكان العزو إليه أولى منه إلى ابن السني، وأخرجه الحاكم في المستدرك. الفتوحات الربانية 6/ 220.

279 ـ باب بيان أنه يستحب لكبير البلد إذا مات الوالي أن يخطب الناس يسكنهم ويعظهم ويأمرهم بالصبر والثبات على ما كاننوا عليه

279 ـ بابُ بيانِ أنه يُستحبُّ لكبير البلد إذا مات الوالي أن يخطب الناس يُسكِّنهم ويعظُهم ويأمُرهم بالصبرِ والثباتِ على ما كاننُوا عليه [1/ 802] روينا في الحديث المشهور في خطبة أبي بكر الصديق رضي الله عنه يوم وفاة النبيّ صلى الله عليه وسلم وقوله رضي الله عنه: مَنْ كان يعبدُ محمّدًا، فإنَّ محمّدًا قد ماتَ، ومَنْ كانَ يعبدُ الله، فإنَّ اللَّه حيٌّ لا يموت. [2/ 803] وروينا في الصحيحين، عن جرير بن عبد الله أنه يوم ماتَ المغيرةُ بن شعبة وكان أميرًا على البصرة والكوفة، قام جريرٌ فحمِد الله تعالى وأثنى عليه وقال: عليك باتقاء الله وحدَه لا شريكَ له، والوقارَ والسكينةَ حتى يأتيَكم أميرٌ فإنما يأتيكم الآن. 280 ـ بابُ دُعاءِ الإِنسانِ لمن صَنَعَ معروفًا إليه أو إلى النَّاسِ كلِّهم أو بعضِهم، والثناءِ عليه وتحريضه على ذلك [1/ 804] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: أتى النبيُّ صلى الله عليه وسلم الخلاءَ، فوضعتُ له وَضوءًا، فلما خرج قال: "مَنْ وَضَعَ هَذَا؟ " فأُخبر، قال: "اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ" زاد البخاري "فَقِّهْهُ في الدِّينِ". ¬

[802] البخاري (3668). [803] البخاري (58)، ومسلم (56). [804] البخاري (3756)، ولفظه "اللهمّ علِّمه الكتاب"، ومسلم (2477)، ولفظه "اللهمّ فقِّهه"، وفي جامع الأصول 9/ 63. قال الحميدي: وحكى أبو مسعود قال: "اللَّهمّ فقهه في الدين وعلِّمه التأويل" قال: ولم أجده في الكتابين. أي: بهذا اللفظ، وهو في المسند 1/ 264 و 314 و328 و 335.

[2/ 805] وروينا في صحيح مسلم، عن أبي قتادة رضي الله عنه في حديثه الطويل العظيم المشتمل على معجزاتٍ متعدّداتٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فبينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يسيرُ حتى ابهارّ الليل وأنا إلى جنبه، فنَعَس رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فمالَ عن راحلته فأتيتُه فدعَّمتُه من غير أن أُوقظَه حتى اعتدل على راحلته، ثم سارَ حتى تهوَّر الليلُ مال عن راحلته، فدعَّمتُه من غير أن أوقظَة حتى اعتدل على راحلته، ثم سارَ حتى إذا كان من آخر السَّحَر مالَ ميلة هي أشدّ من الميلتين الأُولَيَيْن حتى كاد ينجفلُ، فأتيتُه فدعَّمته، فرفعَ رأسَه فقال: "مَنْ هَذَا؟ " قلتُ: أبو قتادة، قال: "مَتَى كان هَذَا مَسِيركَ مِنِّي؟ " قلتُ: ما زال هذا مسيري منذ الليلة، قال: "حَفِظَكَ الله بِما حَفِظْتَ بِهِ نَبِيّهُ" وذكر الحديث. قلت: ابهارَّ بوصل الهمزة وإسكان الباء الموحدة وتشديد الراء ومعناه: انتصف؛ وقوله تهوّرَ: أي ذهب معظمه؛ وانجفل بالجيم: سقط؛ ودعَّمته: أسندته. [3/ 806] وروينا في كتاب الترمذي، عن أُسامةَ بن زيد رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ صُنِعَ إِلَيْه مَعْرُوفٌ فَقالَ لِفاعِلِهِ: جَزَاك اللَّهُ خَيْرًا، فَقَدْ أبْلَغَ في الثَّناء" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. [4/ 807] وروينا في سنن النسائي وابن ماجه وكتاب ابن السني، عن عبد الله بن أبي ربيعة الصحابي رضي الله عنه قال: استقرضَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ¬

[805] مسلم (681). [806] الترمذي (2036) قال ابن علّان: وكذا رواه النسائي وابن حبّان .. وللحديث شواهد من حديث عائشة وأبي هريرة وغيرهما. الفتوحات 6/ 225. [807] النسائي 7/ 314، وابن ماجه (2424)، وابن السني (278) وإسناده حسن.

281 ـ باب استحباب مكافأة المهدي بالدعاء للمهدى له إذا دعا له عند الهدية

منِّيَ أربعين ألفًا، فجاءَه مال فدفعَه إليَّ وقال: "بارَكَ اللَّهُ لَكَ في أهْلِكَ ومَالِكَ، إنَّمَا جَزَاءُ السَّلَفِ الحَمْدُ والأداءُ". [5/ 808] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن جرير بن عبد الله البَجَليّ رضي الله عنه قال: كان في الجاهلية بيتٌ لخثعمَ يُقال له الكعبة اليمانية، ويُقال له ذو الخَلَصة، فقال لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "هَلْ أنْتَ مُرِيحِي مِنْ ذِي الخَلَصَةِ؟ " فنفرتُ إليه في مئة وخمسين فارسًا من أحمسَ فكسَّرْنَا وقتلنَا مَن وجدنا عنده، فأتيناه فأخبرناه، فدعا لنا ولأحمس. وفي رواية: فبرَّك رسُول الله صلى الله عليه وسلم على خيلِ أحمسَ ورجالها خمسَ مرّات. [6/ 809] وروينا في صحيح البخاري، عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أتى زمزمَ وهم يَسقون ويَعملون فيها، فقال: "اعْمَلُوا فإنَّكُمْ على عَمَلٍ صَالِحٍ". 281 ـ بابُ استحبابِ مُكافأةِ المُهْدي بالدعاءِ للمُهْدَى له إذا دَعا له عندَ الهدية [1/ 810] روينا في كتاب ابن السني، عن عائشة رضي الله عنها قالتْ: أَهديتُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاةٌ قال: "اقْسِمِيها" فكانت عائشةُ إذا رجعتِ الخادمُ تقولُ: ما قالُوا؟ تقولُ الخادمُ: قالوا: باركَ الله فيكم، فتقول عائشة: وفيهم بارك الله، نردُّ عليهم مثلَ ما قالوا، ويَبقى أجرُنا لنا. ¬

[808] البخاري (4356)، ومسلم (2476). [809] البخاري (1635). [810] ابن السني (279)، عن أبي عبد الرحمن النسائي، وهو عند النسائي (303) في "اليوم والليلة"، وإسناده جيد.

282 ـ باب استحباب اعتذار من أهديت إليه هدية فردها لمعنى شرعي بأن يكون قاضيا أو واليا أو كان فيها شبهة أو كان له عذر غير ذلك

282 ـ بابُ اسْتحبابِ اعتذارِ مَن أُهديتْ إليه هديّةٌ فردَّها لمعنى شرعي بأن يكون قاضيًا أو واليًا أو كان فيها شُبهة أو كان له عذرٌ غير ذلك [1/ 811] روينا في صحيح مسلم، عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أن الصَّعْبَ بن جَثَّامةَ رضي الله عنه أهدى إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم حمارَ وحْشٍ وهو مُحْرِمٌ، فردَّه عليه وقال: "لَوْلا أنّا مُحْرِمُونَ لَقَبِلْنا مِنْكَ" قلت: جَثّامة بفتح الجيم وتشديد الثاء المثلثة. 283 ـ بابُ ما يقولُ لمن أزالَ عنه أذىً [1/ 812] روينا في كتاب ابن السني، عن سعيد بن المسيب، عن أبي أيَوبَ الأنصاري رضي الله عنه؛ أنه تناول من لحيةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أذىً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَسَحَ اللَّهُ عَنْكَ يا أبا أَيوبَ! ما تَكْرَهُ" وفي رواية عن سعد؛ أنَّ أبا أيوب أخذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَكُنْ بِكَ السُّوءُ يا أبا أَيُّوبَ، لا يَكُنْ بِكَ السُّوءُ". [2/ 813] وروينا فيه، عن عبد الله بن بكر الباهلي قال: أخذَ عمرُ رضي الله عنه من لحية رجلٍ أو رأسه شيئًا، فقال الرجلُ: صرفَ الله عنك ¬

[811] مسلم (1193) وهو في البخاري (1825)، والموطأ 1/ 353، والترمذي (849)، والنسائي 5/ 183ـ185، وابن ماجه (309). [812] ابن السني (282) و (283)، وإسناده ضعيف في الروايتين. وانظر هامش "الكَلِم الطيب" ص 122. [813] ابن السني (284) وفي إسناده انقطاع، لأن عبد الله بن بكر الباهلي توفي سنة 280 هـ، انظر التقريب 1/ 404.

284 ـ باب ما يقول إذا رأى الباكورة من الثمر

السوء، فقال عمر رضي الله عنه: صُرفَ عنّا السوءُ منذ أسلمنا، ولكن إذا أُخذ عنك شيء فقل: أخذتْ يداك خيرًا. 284 ـ بابُ ما يقولُ إذا رَأى البَاكُورة مِن الثمر [1/ 814] روينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كانَ النَّاسُ إذا رأوْا أوّل الثمر جاؤوا به إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أخذَه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللَّهُمَّ بارِكْ لَنا في ثَمَرِنا، وبَارِكْ لَنا في مَدِينَتِنا، وبَارِكْ لَنا في صَاعِنا، وبَارِكْ لَنا في مُدّنا، ثم يدعُو أصغرَ وليدٍ له فيُعطيه ذلك الثمرَ" وفي رواية لمسلم أيضًا "بَرَكَةً مع بركة، ثُم يعطيه أصغر من يَحضُره من الولدان" وفي رواية الترمذي "أصغرَ وليدٍ يراهُ" وفي رواية لابن السني، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، إذا أُتي بباكورةٍ وضعَها على عينيه ثم على شفتيه وقال: "اللَّهُمَّ كمَا أريْتَنا أوّلَهُ فأرِنا آخِرَهُ" ثم يُعطيه مَنْ يكونُ عندَه من الصبيان. 285 ـ بابُ استحبابِ الاقتصَادِ في الموعظة والعلم اعلم أنه يُستحبّ لمن وعظَ جماعةً أو ألقى عليهم عِلْمًا أن يقتصدَ في ذلك ولا يُطوِّل تطويلًا يُمِلُّهم، لئلا يَضجروا وتذهبَ حلاوتُه وجلالتُه من قلوبهم، ولئلا يَكْرَهُوا العلمَ وسماعَ الخير فيقعُوا في المحذور. [1/ 815] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن شقيق بن سلمة ¬

[814] مسلم (1373)، و (473) و (474)، والترمذي (3450)، والنسائي (302) في "اليوم والليلة"، وابن السني (281). [815] البخاري (70)، ومسلم (2821) (83) والرجل هو يزيد بن معاوية النخعي. ومعنى "يتخوّلنا": يتعاهدنا.

286 ـ باب فضل الدلالة على الخير والحث عليها

قال: كان ابنُ مسعودٍ يُذكِّرنا في كل خميس، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن! لوددتُ أنك ذكّرتَنا كل يوم، فقال: أما إنه يمنعني من ذلك أنّي أكره أنْ أُمِلَّكم، وإني أتخوَّلكم بالموعظة كما كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يتخوّلنا بها مخافةَ السآمة علينا. [2/ 816] وروينا في صحيح مسلم، عن عمّار بن ياسر رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن طُولَ صَلاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ، فأطِيلوا الصَّلاةَ واقْصِرُوا الخُطْبَةَ". قلتُ: مئنّة، بميم مفتوحة ثم همزة مكسورة ثم نون مشددة: أي علامة دالّة على فقهه. وروينا عن ابن شهابٍ الزهريّ رحمه الله قال: إذا طالَ المَجلسُ كانَ للشيطان فيه نصيب. 286 ـ بابُ فَضْل الدِّلاَلةِ على الخير والحَثِّ عليها قال الله تعالى: {وَتَعاونُوا على البِرّ والتَّقْوَى} [المائدة:2]. [1/ 817] وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن دَعا إلى هُدىً كانَ لهُ مِنَ الأجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذلكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعا إلى ضَلالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثامِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذلكَ مِنْ آثامِهِمْ شَيْئًا". [2/ 818] وروينا في صحيح مسلم أيضًا، عن أبي مسعود الأنصاري ¬

[816] مسلم (869)، وهو في سنن أبي داود (1106). [817] مسلم (2674). [818] مسلم (1893).

287 ـ باب حث من سئل علما لا يعلمه ويعلم أن غيره يعرفه على أن يدل عليه

البدريّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ دَلَّ على خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أجْرِ فاعِلِهِ". [3/ 819] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه؛ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال لعليّ رضي الله عنه: "فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ". وروينا في الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: "واللَّهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أخِيهِ" (¬1) والأحاديث في هذا الباب كثيرة في الصحيح مشهورة. 287 ـ بابُ حثِّ مَنْ سُئلَ علمًا لا يعلمُه ويعلمُ أنَّ غيرَه يعرفُه على أن يَدُلَّ عليه فيه الأحاديث الصحيحة المتقدمةُ في الباب قبلَه، وفيه حديث "الدين النصيحة" (¬2) وهذا من النصيحة. [1/ 820] روينا في صحيح مسلم، عن شُريحِ بن هانىءٍ قال: أتيتُ عائشةَ رضي الله عنها أسألُها عن المسح على الخفّين، فقالتْ: عليكَ ¬

[819] البخاري (3701)، ومسلم (2406)، و"حُمْر النَّعَم" النَّعَم: الإِبل، والحمراء منها أنفس أموال العرب. [820] مسلم (286)، قال النووي في "شرح مسلم" في الحديث من الأدب ما قاله العلماء: أنه يُستحب للمحددِّث والمفتي إذا طُلب منه ما يعلمه عند من هو أجلّ منه أن يرشده إليه، وإن لم يعرفه قال: سَلْ عنه فلانًا. (¬1) مسلم (2699)، وهو جزء من حديث طويل أوله: "مَن نَفَّسَ عن مؤمن كربةً من كرب الدنيا، نفّس اللَّهُ عنه كربةً من كرب يوم القيامة ... " (¬2) الترمذي (1927) عن أبي هريرة رضي الله عنه، ورواه مسلم (55) عن تميم الداريّ رضي الله عنه

288 ـ باب ما يقول من دعي إلى حكم الله تعالى

بعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه فاسألْه، فإنه كان يُسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألناه. وذكر الحديث. [2/ 821] وروينا في صحيح مسلم، الحديث الطويل في قصة سعد بن هشام بن عامر لما أرادَ أن يسأل عن وترِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فأتى ابنَ عباس يسألُه عن ذلك، فقال ابن عباس: ألا أدلُّكَ على أعلمِ أهلِ الأرض بوتر رسول الله عليه وسلم؟ قال: مَن؟ قال: عائشة فأْتِها فاسألها. وذكر الحديث. [3/ 822] وروينا في صحيح البخاري، عن عمران بن حِطَّانَ، قال: سألتُ عائشةَ رضي الله عنها عن الحرير فقالتْ: ائتِ ابنَ عباسٍ فاسألْه، فسألتُه، فقال: سلِ ابنَ عمر، فسألتُ ابنَ عمر، فقال: أخبرني أبو حفص: يعني عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّمَا يَلْبَسُ الحَرِيرَ في الدُّنْيا مَنْ لا خَلاقَ لَهُ في الآخِرَةِ". قلتُ: لا خلاق: أي لا نصيبَ. والأحاديث الصحيحة بنحو هذا كثيرة مشهورة. 288 ـ بابُ ما يَقولُ مَن دُعي إلى حُكْمِ اللَّهِ تعالى ينبغي لمن قال له غيرُه: بيني وبينَك كتاب الله أو سنّة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، أو أقوال علماء المسلمين، أو نحو ذلك، أو قال: اذهبْ معي إلى حاكم المسلمين، أو المفتي لفصلِ الخصومةِ التي بيننا، وما أشبَه ذلك، أن يقولَ: سمعنا وأطعنا، أو سمعًا وطاعةً، أو نعم وكرامة، أو شبه ذلك، قال الله تعالى: {إِنَّمَا كانَ قَوْلَ المُؤْمِنينَ إذَا دُعُوا إلى الله وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ ¬

[821] مسلم (746). [822] البخاري (5835)، والنسائي 8/ 201.

289 ـ باب الإعراض عن الجاهلين

بَيْنَهُمْ أنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وأطَعْنا وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} [النور:51]. [فصل]: ينبغي لمن خاصمَه غيرُه أو نازعَه في أمر فقال له: اتّقِ اللَّهَ تعالى، أو خَفِ اللَّهَ تعالى، أو راقبِ اللَّهَ، أو اعلم أنَّ الله تعالى مطّلعٌ عليك، أو اعلم أنَّ ما تقوله يُكتب عليك وتُحاسبُ عليه، أو قال له: قال الله تعالى: {يَوْمَ تَجدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا} [آل عمران: 30] أو {اتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إلى الله} [البقرة:281] أو نحو ذلك من الآيات، وما أشبه ذلك من الألفاظ؛ أن يتأدَّبَ ويقول: سمعًا وطاعةً، أو أسأل الله التوفيقَ لذلك، أو أسألُ الله الكريمَ لطفه، ثم يتلطَّفُ في مخاطبة مَن قال له ذلك، وليحذرْ كلَّ الحذرِ من تساهلهِ عند ذلك في عبارته، فإن كثيرًا من الناس يتكلمون عند ذلك بما لا يَليق، وربما تكلَّم بعضُهم بما يكون كفرًا، وكذلك ينبغي إذا قال له صاحبه: هذا الذي فعلتَه خلاف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو نحو ذلك، أن لا يقول: لا ألتزمُ الحديثَ، أو لا أعملُ بالحديث، أو نحو ذلك من العبارات المستبشعة؛ وإن كان الحديثُ متروكَ الظاهر لتخصيص أو تأويلٍ أو نحو ذلك، بل يقول عند ذلك: هذا الحديثُ مخصوصٌ أو متأوّلٌ أو متروكُ الظاهر بالإِجماع، وشبه ذلك. 289 ـ بابُ الإِعراض عن الجاهلين قال الله سبحانه وتعالى: {خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بالعُرْفِ وَأعْرضْ عَنِ الجاهلينَ} [الأعراف:199] وقال تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أعْرَضُوا عَنْهُ وقالُوا لَنا أعْمالُنا وَلَكُمْ أعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الجاهِلِين} [القصص:55] وقال تعالى: {فأعْرِضْ عَمَّنْ تَوَلى عَنْ ذِكْرِنا} [النجم:29] وقال تعالى: {فاصْفَحِ الصَّفْحَ الجَمِيلَ} [الحجر:85].

[1/ 823] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لما كان يومُ حُنين آثرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ناسًا من أشرافِ العربِ في القسمة، فقال رجلٌ: والله إن هذه قسمةٌ ما عُدلَ فيها، وما أُريدَ فيها وجهُ الله، فقلت: والله لأخبرنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيتُه فأخبرتُه بما قال، فتغيَّرَ وجهُه حتى كان كالصرف، ثم قال: فَمَنْ يَعْدِلُ إذَا لَمْ يَعْدِلِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، ثم قال: يَرْحَمُ الله مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بأكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ" قلت: الصرف بكسر الصاد المهملة وإسكان الراء، وهو صبغ أحمر. [2/ 824] وروينا في صحيح البخاري، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قَدِمَ عُيينة بنُ حصن بن حذيفة، فنزل على ابن أخيه الحرّ بن قيس، وكانَ من النفرِ الذين يُدنيهم عمرُ رضي الله عنه، وكان القرّاءُ أصحابُ مجلسِ عمرَ رضي الله عنه ومشاورته كُهُولًا كانوا أو شبّانًا، فقال عيينة لابن أخيه: يا بن أخي، لك وجهٌ عندَ هذا الأمير فاستأذنْ لي عليه، فاستأذنَ فأذنَ له عمر، فلما دخلَ قال: هِيْ يا بن الخطاب، فو الله ما تُعطينا الجزل ولا تحكمُ فينا بالعدل، فغضبَ عمرُ رضي الله عنه حتى همّ أن يُوقع به، فقال له الحرّ: يا أميرَ المؤمنين! إن الله تعالى قال لنبيّه صلى الله عليه وسلم: " {خُذِ العَفْوَ وأمُرْ بالعُرْفِ وأعْرِضْ عَنِ الجاهِلِينَ} [الأعراف:199] وإن هذا من الجاهلين، والله ما جاوزَها عمرُ حين تلاها عليه، وكان وقَّافًا عند كتاب الله تعالى. ¬

[823] البخاري (4336)، ومسلم (1062)، وفي الحديث: مزيد صفحه صلى الله عليه وسلم، وإعراضه عن جهل الجاهلين، وعدم انتصاره لحقّ نفسه. [824] البخاري (4642). و"هي": بكسر الهاء وسكون الياء، كلمة تهديد، وقيل: هي ضمير وثمَّ محذوف أي: هي داهية. وفي نسخة هيه بهاء السكت في آخره، وفي أخرى إيه، وهما بمعنى: زدني.

290 ـ باب وعظ الإنسان من هو أجل منه

290 ـ بابُ وَعظِ الإِنسانِ مَنْ هُو أجلّ منه فيه حديثُ ابن عباس في قصة عمر رضي الله عنه في الباب قبلَه. اعلم أن هذا البابَ مما تتأكدُ العنايةُ به، فيجبُ على الإِنسان النصيحةُ والوعظُ والأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر لكل صغير وكبير إذا لم يغلبْ على ظنه ترتُّبُ مفسدةٍ على وعظه، قال الله تعالى: {ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ، وَجادِلْهُمْ بالَّتِي هِيَ أحْسَنُ} [النحل:125] وأما الأحاديثُ بنحو ما ذكرنا فأكثرُ من أن تُحصر. وأما ما يفعله كثيرٌ من الناس من إهمال ذلك في حقّ كبار المراتب وتوهمهم أنَّ ذلك حياء، فخطأٌ صريحٌ وجهلٌ قبيحٌ، فإن ذلك ليس بحياء، وإنما هو خَوَرٌ ومهانةٌ وضعفٌ وعجزٌ، فإن الحياءَ خيرٌ كلُّه، والحياءُ لا يأتي إلا بخير، وهذا يأتي بشرٌ، فليس بحياء، وإنما الحياءُ عند العلماء الربانيين والأئمة المحققين: خُلُق يبعثُ على ترك القبيح، ويمنعُ من التقصير في حقّ ذي الحقّ، وهذا معنى ما رويناه عن الجُنيد رضي الله عنه في رسالة القشيري قال: الحياءُ رؤيةُ الآلاء، ورؤيةُ التقصير، فيتولد بينهما حالة تُسمَّى حياء. وقد أوضحتُ هذا مبسوطًا في أوّل شرح صحيح مسلم، ولله الحمد، والله أعلم. 291 ـ بابُ الأمر بالوفاءِ بالعهدِ والوَعْدِ قال الله تعالى: {وَأوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا عاهَدْتُم} [النحل:91] وقال تعالى: {يا أيُّها الَّذينَ أمَنُوا أوْفُوا بالعُقُودِ} [المائدة:1] وقال تعالى: {وأوْفُوا بالعَهْدِ إنَّ العَهْدَ كانَ مَسْؤُولًا} [الإسراء:34]. والآيات في ذلك كثيرة، ومن أشدّها قوله تعالى: {يا أيُّها الَّذينَ أمَنوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ} [الصف:3].

292 ـ باب استحباب دعاء الإنسان لمن عرض عليه ماله أو غيره

[1/ 825] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرةَ رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "آيَةُ المُنافِقِ ثَلاثٌ: إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خانَ" زاد في رواية "وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أنَّهُ مُسْلِمٌ" والأحاديث بهذا المعنى كثيرة، وفيما ذكرناه كفاية. وقد أجمعَ العلماءُ على أن مَن وعد إنسانًا شيئًا ليس بمنهيّ عنه فينبغي أن يفي بوعده، وهل ذلك واجبٌ أو مستحبّ؟ فيه خلاف بينهم؛ ذهب الشافعيُّ وأبو حنيفة والجمهورُ إلى أنه مستحبّ، فلو تركه فاته الفضل وارتكب المكروه كراهة تنزيه شديدة، ولكن لا يأثم؛ وذهبَ جماعةٌ إلى أنه واجب، قال الإِمامُ أبو بكر بن العربي المالكي: أجلُّ مَن ذهبَ إلى هذا المذهب عمرُ بن عبد العزيز، قال: وذهبتِ المالكية مذهبًا ثالثًا أنه إن ارتبط الوعدُ بسبب كقوله: تزوّج ولك كذا، أو احلف أنك لا تشتمني ولك كذا، أو نحو ذلك، وجب الوفاء، وإن كان وعدًا مُطلقًا لم يجب. واستدلّ مَن لم يوجبه بأنه في معنى الهبة، والهبة لا تلزم إلا بالقبض عند الجمهور، وعند المالكية: تلزم قبل القبض. 292 ـ بابُ استحباب دُعاء الإِنسان لمن عَرَضَ عليه مالَه أو غيرَه [1/ 826] روينا في صحيح البخاري وغيره، عن أنس رضي الله عنه قال: لما قدموا المدينة نزل عبدُ الرحمن بن عوف على سعد بن الربيع فقال: أُقاسمك مالي وأنزل لك عن إحدى امرأتيّ، قال: بارك الله لك في أهلك ومالك. ¬

[825] البخاري (33)، ومسلم (59)، والترمذي (2633)، والنسائي 8/ 117. [826] البخاري (3781)، ومسلم (1427)، وأبو داود (2109)، والترمذي (1094) و (1934)، والنسائي 6/ 119ـ120.

293 ـ باب ما يقوله المسلم للذمي إذا فعل به معروفا

293 ـ بابُ ما يقولُه المسلمُ للذميّ إذا فعلَ به مَعْرُوفًا اعلم أنه لا يجوز أن يُدعى له بالمغفرة وما أشبهها مما لا يُقال للكفار، لكن يجوزُ أن يُدعى بالهداية وصحةِ البدن والعافية وشبهِ ذلك. [1/ 827] روينا في كتاب ابن السني، عن أنس رضي الله عنه قال: استسقى النبيُّ صلى الله عليه وسلم فسقاه يهوديٌّ، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم: "جَمَّلَكَ اللَّهُ" فما رأى الشيب حتى ماتَ. 294 ـ بابُ ما يقولُه إذا رَأى مِن نفسِه أو ولده أو مالِه أو غير ذلكَ شيئًا فأعجبَهُ وخاف أن يصيبه بعينه وأنْ يتضرّرَ بذلك [1/ 828] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هُريرة رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "العَيْنُ حَقٌّ". [2/ 829] وروينا في صحيحيهما، عن أُمّ سلمة رضي الله عنها: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جاريةً في وجهها سفعة فقال: "اسْتَرْقُوا لَهَا، فإنَّ بِهَا النَّظْرَةَ". قلتُ: السَّفعة بفتح السين المهملة وإسكان الفاء: هي تغيّر وصفرة. وأما النظرة فهي العين، يُقال صبيّ منظور: أي أصابته العين. [3/ 830] وروينا في صحيح مسلم، عن ابن عباس رضي الله ¬

[827] ابن السني (290)، وفي إسناده سلمة بن وردان، وهو ضعيف، انظر الكامل في الضعفاء 3/ 1180. [828] البخاري (5944)، ومسلم (2187)، والنسائي 8/ 148. [829] البخاري (5739)، ومسلم (2197). [830] مسلم (2188)، والترمذي (2063).

عنهما؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "العَيْنُ حَقٌ، وَلَوْ كانَ شَيْءٌ سابَقَ القَدَرَ سَبَقَتْهُ العَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسلْتم فاغْسِلُوا". قلتُ: قال العلماء: الاستغسال أن يُقال للعائن، وهو الصائب بعينه الناظر بها بالاستحسان: اغسلْ داخلَ إِزارك مما يلي الجلد بماء، ثم يُصبّ على العين، وهو المنظور إليه. وثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يُؤمر العائن أن يَتوضأ ثم يغتسل منه المعين. رواه أبو داود (¬1) بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم. [4/ 831] وروينا في كتاب الترمذي والنسائي وابن ماجه، عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يتعوّذُ من الجانّ وعين الإِنسان حتى نزلت المعوّذتان، فلما نزلتا أخذَ بهما وتركَ ما سواهما. قال الترمذي: حديث حسن. [5/ 832] وروينا في صحيح البخاري حديث ابن عباس؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يُعوِّذ الحسن والحسين: "أُعِيذُكُما بِكَلِماتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلّ شَيْطانٍ وَهامَّةٍ وَمنْ كُلّ عَيْنٍ لاَمَّةٍ، ويقول: إن أباكما كانَ يعوّذ بهما إسماعيلَ وإسحاقَ". [6/ 833] وروينا في كتاب ابن السني، عن سعيد بن حكيم رضي الله ¬

[831] الترمذي (2059)، والنسائي في الكبرى، وابن ماجه (3511). [832] البخاري (3371)، وقد تقدم برقم 1/ 342. [833] ابن السني (207)، وسعيد بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري البصري، أخو بهز صدوق من السادسة، أي ممّن عاصر صغار التابعين، ولم يثبت له لقاء بأحد من الصحابة، فالحديث معضل. الفتوحات الربانية 6/ 268. (¬1) أبو داود (3880)، و"المَعِين": المصاب بعين غيره

عنه قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا خافَ أن يُصيبَ شيئًا بعينه قال: "اللَّهُمَّ بارِكْ فِيهِ وَلا تَضُرّهُ". [7/ 834] وروينا فيه، عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ رأى شَيْئًا فَأعْجَبَهُ فَقالَ: ما شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ، لَمْ يَضُرَّهُ". [8/ 835] وروينا فيه، عن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا رأى أحَدُكُمْ ما يُعْجِبُهُ في نَفْسِهِ أوْ مَالِهِ فَلْيُبَرّكْ عَلَيْهِ، فإنَّ العَيْنَ حَقُّ". [9/ 836] وروينا فيه، عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا رأى أحدُكم من نفسِه ومالِه وأعْجَبَهُ ما يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ بالبَرَكَةِ". وذكر الإِمامُ أبو محمد القاضي حسين من أصحابنا رحمهم الله في كتابه التعليق في المذهب قال: نظرَ بعضُ الأنبياء ـ صلواتُ الله وسلامُه عليهم أجمعين ـ إلى قومه يومًا فاستكثَرهم وأعجبُوه، فماتَ منهم في ساعة سبعون ألفًا، فأوحى الله سبحانه وتعالى إليه: أنَّكَ عِنْتَهُمْ، وَلَوْ أنَّكَ إذْ عِنْتَهُمْ حَصَّنْتَهُمْ لَمْ يَهْلِكُوا، قال: وَبأيّ شَيْءٍ أُحَصّنُهُمْ؟ فأوحى الله تعالى إليه: تقولُ: حَصَّنْتُكُمْ بالحَيِّ القَيُّومِ الَّذي لا يَمُوتُ أبَدًا، وَدَفَعْتُ عَنْكُمُ ¬

[834] ابن السني (206) وفي سنده أبو بكر الهذلي، وهو ضعيف جدًا، ورواه البزار عنه أيضًا. انظر مجمع الزوائد 5/ 109. [835] ابن السني (204)، ورواه أحمد والحاكم في المستدرك، ويشهد له حديث عامر بن ربيعة التالي. [836] ابن السني (250)، وهو عند النسائي (211) في "اليوم والليلة"، قال ابن علاّن: ورواه النسائي بلفظ "إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو أخيه شيئًا يعجبه فلْيَدْعُ بالبركة، فإن العين حق"، ورواه ابن ماجه والحاكم في المستدرك. الفتوحات الربانية 6/ 268. وانظر صحيح الجامع الصغير 1/ 212.

295 ـ باب ما يقول إذا رأى ما يحب وما يكره

السُّوءَ بِلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ العَلِيّ العَظيمِ. قال المعلّق عن القاضي حسين: وكان عادة القاضي رحمه الله إذا نظرَ إلى أصحابه فأعجبَه سَمْتُهم وحسنُ حالهم، حصَّنهم بهذا المذكور، والله أعلم. 295 ـ بابُ ما يقول إذا رأى ما يُحِبّ وما يَكره [1/ 837] روينا في كتاب ابن ماجه وابن السني، بإسناد جيد، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يُحِبّ قال: "الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحاتُ" وإذا ما يكره قال: "الحَمْدُ لِلَّهِ على كلّ حالٍ" قال الحاكم أبو عبد الله: هذا حديث صحيح الإِسناد. 296 ـ بابُ ما يقولُ إذا نظَرَ إلى السَّماء يُستحبّ أن يقول: {رَبَّنا ما خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذَابَ النَّار} [آل عمران:191] إلى آخر الآيات، لحديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما المخرّج في صحيحيهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك، وقد سبقَ بيانُه (¬1)، والله أعلم. 297 ـ بابُ ما يَقول إذا تطيَّرَ بشيء [1/ 838] روينا في صحيح مسلم، عن معاوية بن الحكم السلميّ ¬

[837] ابن ماجه (3803)، وفي الزوائد: إسناده صحيح، ورجاله ثقات. وابن السني (380)، والحاكم 1/ 499 وقال: هذا حديث صحيح الإِسناد ولم يخرِّجاه، كما أورده الذهبي في تلخيصه. [838] مسلم (537) وفيه "ذاك شيء .. " قال العلماء: معناه أن الطيرة شيء تجدونه في نفوسكم ضرورة، ولا عتب عليكم في ذلك. لكن لا تمتنعوا بسببه من التصرّف في أموركم. (¬1) تقدم الحديث برقم 1/ 52

298 ـ باب ما يقول عند دخول الحمام

الصحابي رضي الله عنه قال: قلت: يارسول الله! منَّا رجال يتطيرون، قال: "ذلكَ شَيْءٌ يَجِدُونَه في صُدُورِهِمْ، فَلا يَصُدَّنّهُمْ". [2/ 839] وروينا في كتاب ابن السني وغيره، عن عروة (¬1) بن عامر الجهنيّ رضي الله عنه قال سُئل النبيّ صلى الله عليه وسلم عن الطِّيَرة فقال: "أصْدَقُها الفأَلُ، وَلا يَرُدُّ مُسْلِمًا، وَإِذَا رأيتُمْ مِنَ الطِّيَرَةِ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ فَقولُوا: اللَّهُم لا يأتِي بالحَسَناتِ إِلاَّ أَنْتَ، وَلا يَذْهَبُ بالسَّيِّئاتِ إِلاَّ أنْتَ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ باللهِ". 298 ـ بابُ ما يَقولُ عندَ دُخول الحمَّام قيل: يستحبّ أن يُسمِّيَ الله تعالى، وأنْ يسألَه الجنّةَ، ويستعيذَه من النار. [1/ 840] روينا في كتاب ابن السني، بإسناد ضعيف، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نِعْمَ البَيْتُ الحَمَّامُ يَدْخُلُهُ المُسْلِمُ، إذَا دَخَلَهُ سألَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ الجَنَّةَ وَاسْتَعاذَهُ مِنَ النَّارِ". 299 ـ بابُ ما يَقولُ إذا اشترى غُلامًا أو جَاريةً أو دابّةً، وما يقولُه إذا قَضى دَيْنًا يُستحبّ في الأوّل أن يأخذَ بناصيته ويقول: اللَّهُمَّ إني أسألُكَ خَيْرَهُ وَخَيْرَ مَا جُبِلَ عَلَيْهِ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ ما جُبِلَ عَلَيْهِ. ¬

[839] ابن السني (294)، وإسناده ضعيف. [840] ابن السني (316)، وفي سنده يحيى بن عبيد الله بن موهب القرشي، وهو ضعيف. انظر الكامل في الضعفاء 7/ 2659، وتهذيب التهذيب 11/ 252. (¬1) في ابن السني ونسخ الأذكار "عقبة" والتصحيح من الفتوحات الربانية 6/ 275

300 ـ باب ما يقول من لا يثبت على الخيل ويدعى له به

وقد سبق في كتاب أذكار النكاح الحديث الوارد في نحو ذلك في سنن أبي داود وغيره، ويقول في قضاء الدَّين "بارَكَ اللَّهُ لَكَ في أهْلِكَ وَمالِكَ" و"جَزَاكَ خَيْرًا" (¬1). 300 ـ بابُ ما يقولُ مَن لا يَثبتُ على الخَيْلِ ويُدعى لهُ به [1/ 841] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن جرير بن عبد الله البجليّ رضي الله عنه قال: شكوتُ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم أني لا أثبتُ على الخيل، فضربَ بيده في صدري وقال: "اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هادِيًا مَهْدِيًّا". 301 ـ بابُ نهيِ العالم وغيرِه أن يُحدِّثَ الناسَ بما لا يَفهمونه، أو يُخافُ عليهم من تحريف معناه وحملِهِ على خلاف المراد منه قال الله تعالى: {وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم:4]. [1/ 842] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ رضي الله عنه حين طوَّل الصلاة بالجماعة: "أفتَّانٌ أنْتَ يا مُعاذُ؟! ". ¬

[841] البخاري (3036)، ومسلم (2475) (135). [842] البخاري (705)، ومسلم (465)، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. (¬1) تقدم هذا في حديثين برقم 3/ 806 و 4/ 807

302 ـ باب استنصات العالم والواعظ حاضري مجلسه ليتوفروا على استماعه

[2/ 843] وروينا في صحيح البخاري، عن عليّ رضي الله عنه قال: حدّثوا الناسَ بما يَعرفون، أتحِبُّون أن يُكذَّب اللَّهُ ورسولُه صلى الله عليه وسلم؟ 302 ـ بابُ استنصات العالم والواعظِ حاضري مجلسِه ليتوَفَّروا على استماعِه [1/ 844] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال لي النبيّ صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: "اسْتَنْصِتِ الناسَ، ثم قال: لا تَرْجِعُوا بَعْدي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضٍ". 303 ـ بابُ ما يقولُه الرجلُ المُقتدى به إذا فعل شيئًا في ظاهره مخالفةٌ للصوابِ مع أنه صَوَابٌ اعلم أنه يُستحبُّ للعالم والمعلّم والقاضي والمفتي والشيخ المربّي وغيرهم ممّن يقتدى به ويؤخذ عنه: أن يجتنب الأفعالَ والأقوالَ والتصرّفات التي ظاهرها خلاف الصواب وإن كان محقًّا فيها، لأنه إذا فعلَ ذلك ترتَّبَ عليه مفاسد من جملتها: توهم كثير ممّن يعلم ذلك منه أن هذا جائز على ظاهره بكل حال، وأن يبقى ذلك شرعًا وأمرًا معمولًا به أبدًا، ومنها وقوع الناس فيه بالتنقص، واعتقادهم نقصه وإطلاق ألسنتهم بذلك؛ ومنها أن الناس يُسيئون الظنّ به فينفرون عنه، ويُنَفِّرون غيرهم عن أخذ العلم عنه وتَسقط رواياته وشهادته، ويبطلُ العمل بفتواه، ويذهبُ ركون النفوس إلى ما يقولُه من العلوم، وهذه مفاسد ظاهرة؛ فينبغي له اجتناب أفرادها، فكيف ¬

[843] البخاري (127)، والمراد بقوله "يعرفون" أي: يفهمون. [844] البخاري (4405)، ومسلم (65)، ومعنى "استنصِت الناسَ": مُرْهم بالإِنصات ليسمعوا مني. و"كفارًا" أي: كالكفار في استحلال بعضكم دماء بعض.

304 ـ باب ما يقوله التابع للمتبوع إذا فعل ذلك أو نحوه

بمجموعها؟ فإن احتاج إلى شيء من ذلك وكان محقًّا في نفس الأمر لم يظهره، فإن أظهرَه أو ظهرَ أو رأى المصلحةَ في إظهاره ليعلم جوازه وحكمُ الشرع فيه، فينبغي أن يقولَ: هذا الذي فعلتُه ليس بحرام، أو إنما فعلتُه لتعلموا أنه ليس بحرام إذا كان على هذا الوجه الذي فعلتُه، وهو كذا وكذا، ودليلُه كذا وكذا. [1/ 845] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن سهل بن سعدٍ الساعديّ رضي الله عنه قال: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قامَ على المِنبر، فكبَّر على الأرض، ثم عادَ إلى المنبر حتى فرغَ من صلاتِه، ثم أقبلَ على الناس فقال: "أيُّها النَّاسُ! إنَّمَا صَنَعْتُ هَذَا لِتَأتَمُّوا بِي وَلِتَعَلَّمُوا صَلاتي" والأحاديثُ في هذا الباب كثيرةٌ كحديث "إنَّهَا صَفِيَّةُ" (¬1). وفي البخاري (¬2): أن عليًّا شربَ قائمًا وقال: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فعلَ كما رأيتموني فعلتُ. والأحاديثُ والآثارُ في هذا المعنى في الصحيح مشهورة. 304 ـ بابُ ما يقولُه التابعُ للمتبوعِ إذا فعلَ ذلك أو نحوه اعلم أنه يُستحبّ للتابع إذا رأى من شيخه وغيره ممّن يُقتدى به شيئًا في ظاهره مخالفة للمعروف أن يسأله عنه بنيّة الاسترشاد، فإن كان قد فعلَه ناسيًا تداركَه، وإن كان فعلَه عامِدًا وهو صحيحٌ في نفس الأمر، بَيّنه له: ¬

[845] البخاري (917)، ومسلم (544). (¬1) البخاري (2038)، ومسلم (2175)، وأبو داود (2470) (¬2) البخاري (5615)، وأبو داود (3718)، والنسائي 1/ 84 ـ 85. وفيه دليل على جواز الأكل والشرب قائمًا

305 ـ باب الحث على المشاورة

[1/ 846] فقد روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أُسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: دفعَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من عَرَفَةَ حتى إذا كان بالشِّعب نزلَ، فَبالَ ثم توضأ، فقلتُ: الصلاةَ يا رسول الله؟! فقال: "الصَّلاةُ أمامَكَ" قلتُ: إنما قال أُسامة ذلك، لأنه ظنّ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم نسي صلاة المغرب، وكان قد دخل وقتها قربَ خروجه. [2/ 847] وروينا في صحيحيهما، قولَ سعد بن أبي وقاص: يا رسولَ الله! ما لك عن فلان؟ والله إني لأراه مؤمنًا. [3/ 848] وفي صحيح مسلم، عن بريدة؛ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى الصلواتِ يومَ الفتح بوُضوء واحد، فقال عمر: لقد صنعتَ اليومَ شيئًا لم تكنْ تصنعه، فقال: "عَمْدًا صَنَعْتُهُ يا عُمَرُ! " ونظائر هذا كثيرة في الصحيح مشهورة. 305 ـ بابُ الحَثّ على المُشَاورة قال الله تعالى: {وَشاوِرْهُمْ في الأمْرِ} [آل عمران: 159] والأحاديثُ الصحيحةُ في ذلك كثيرةٌ مشهورة. وتُغني هذه الآية الكريمة عن كلّ شيء، فإنه إذا أمرَ الله سبحانه وتعالى في كتابه نصًّا جليًّا، نبّه نبيّه صلى الله عليه وسلم بالمشاورة مع أنه أكمل الخلق، فما الظن بغيره؟. واعلم أنه يُستحبّ لمن همّ بأمر أن يُشاور فيه مَن يَثقُ بدينه وخبرته ¬

[846] البخاري (139)، ومسلم (1280)، وفيه دليل على مشروعية الوضوء للدوام على الطهارة، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يصل بذلك الوضوء شيئًا. فتح الباري 1/ 240. [847] البخاري (1478)، ومسلم (150) (237). [848] مسلم (277).

306 ـ باب الحث على طيب الكلام

وحذقه ونصيحته ووَرَعه وشفقته. ويُستحبّ أن يُشاور جماعة بالصفة المذكورة ويستكثر منهم، ويعرّفهم مقصودَه من ذلك الأمر، ويُبيِّن لهم ما فيه من مصلحة ومفسدة إن علم شيئًا من ذلك، ويتأكّدُ الأمرُ بالمشاورة في حقّ ولاة الأمور العامة كالسلطان والقاضي ونحوهما، والأحاديث الصحيحة في مشاورة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصحابَه ورجوعِه إلى أقوالهم كثيرة مشهورة، ثم فائدة المشاورة القَول من المستشار إذا كان بالصفة المذكورة، ولم تظهر المفسدة فيما أشار به، وعلى المستشار بذل الوسع في النصيحة وإعمال الفكر في ذلك. [1/ 849] فقد روينا في صحيح مسلم، عن تميم الداريّ رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الدّينُ النَّصِيحَةُ، قالوا: لمن يا رسول الله؟! قال: لِلَّهِ وكِتابِهِ وَرَسُولِهِ وأئمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعامَّتِهِمْ". [2/ 850] وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المُسْتَشارُ مُؤْتَمَنٌ". 306 ـ بابُ الحَثِّ على طِيْبِ الكَلاَم قال الله تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلمُؤْمِنِينَ} [الحجر:88]. [1/ 851] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عديّ بن حاتم ¬

[849] مسلم (55)، وأبو داود (4944)، والنسائي 7/ 156. [850] أبو داود (5128)، والترمذي (2823) و (2824)، والنسائي وابن ماجه (3745) و (3746)، وهو حديث حسن. [851] البخاري (6023)، ومسلم (1016).

307 ـ باب استحباب بيان الكلام وإيضاحه للمخاطب

رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ". [2/ 852] وروينا في صحيحيهما، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ تَعْدِلُ بَيْنَ الاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وتُعِينُ الرَّجُلَ في دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْها أوْ تَرْفَعُ لَهُ عَليْها مَتاعَهُ صَدَقَةٌ، قال: وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَبِكُلّ خُطْوَةٍ تَمشِيها إلى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، وتُميطُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ". قلتُ: السُّلاَمَى بضم السين وتخفيف اللام: أحدُ مفاصل أعضاء الإِنسان، وجمعه: سلاميات بضم السين وفتح الميم وتخفيف الياء، وتقدم ضبطها في أوائل الكتاب. [3/ 853] وروينا في صحيح مسلم عن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: قال لي النبيّ صلى الله عليه وسلم: "لا تَحْقِرَنَّ مِنَ المَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ". 307 ـ بابُ استحباب بيان الكلام وإيضاحه للمخاطب [1/ 854] روينا في سنن أبي داود، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كلامًا فصلًا يفهمه كلُّ مَن يسمعُه. [2/ 855] وروينا في صحيح البخاري، عن أنس رضي الله عنه، عن ¬

[852] البخاري (2989)، ومسلم (1009). [853] مسلم (2626)، ومعنى "طلْق": سهل منبسط. [854] أبو داود (4839)، وإسناده حسن، ومعنى "فصلًا": مفصولًا بعضه من بعض لبيانه ووضوحه مع اختصاره. [855] البخاري (94) وقد تقدم برقم 3/ 609.

308 ـ باب المزاح

النبيّ صلى الله عليه وسلم، أنه كان إذا تكلَّم بكلمة أعادها ثلاثًا حتى تُفهم عنه، وإذا أتى على قوم فسلَّم عليهم، سلَّم عليهم ثلاثًا. 308 ـ بابُ المزاح [1/ 856] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أنس رضي الله عنه، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يقولُ لأخيه الصغير: "يا أبا عُمَيْرٍ ما فَعَلَ النُّغَيْرُ". [2/ 857] وروينا في كتابي أبي داود والترمذي، عن أنس أيضًا؛ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال له: "يا ذَا الأُذُنَيْنِ" قال الترمذي: حديث صحيح. [3/ 858] وروينا في كتابيهما أيضًا؛ أن رجلًا أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ الله! احملني، فقال: "إني حامِلُكَ على وَلَدِ النَّاقَةِ" فقال: يا رسولَ الله! وما أصنعُ بولد الناقة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَهَلْ تَلدُ الإِبلَ إِلاَّ النُّوقُ؟ " قال الترمذي: حديث حسن صحيح. [4/ 859] وروينا في كتاب الترمذي، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالوا: يا رسولَ الله! إنك تداعبنا. قال: "إني لا أقُولُ إِلاَّ حَقًّا" قال الترمذي: حديث حسن. [5/ 860] وروينا في كتاب الترمذي، عن ابن عباس رضي الله ¬

[856] البخاري (6129)، ومسلم (2150). و"النغير": تصغير النُّغَر، وهو طائر صغير كالعصفور. [857] أبو داود (5002)، والترمذي (1993)، وإسناده صحيح. [858] أبو داود (4998)، والترمذي (1992)، وقال: حديث حسن صحيح غريب. [859] الترمذي (1991)، وإسناده حسن. [860] الترمذي (1996) وقال: حديث غريب، ورمز السيوطي في الجامع الصغير بتضعيفه. وانظر ضعيف الجامع الصغير 6/ 77.

309 ـ باب الشفاعة

عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تُمَارِ أخاكَ وَلا تُمازِحْهُ وَلا تَعِدْهُ مَوْعِدًا فَتُخْلِفَهُ". قال العلماء: المزاحُ المنهيُّ عنه، هو الذي فيه إفراط ويُداوم عليه، فإنه يُورث الضحك وقسوةَ القلب، ويُشغل عن ذكر الله تعالى والفكر في مهمات الدين، ويؤولُ في كثير من الأوقات إلى الإِيذاء، ويُورث الأحقاد، ويُسقطُ المهابةَ والوقارَ. فأما ما سَلِمَ من هذه الأمور فهو المباحُ الذي كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يفعله، فإنه صلى الله عليه وسلم إنما كان يفعله في نادر من الأحوال لمصلحة وتطييب نفس المخاطب ومؤانسته، وهذا لا منعَ قطعًا، بل هو سنّةٌ مستحبةٌ إذا كان بهذه الصفة، فاعتمدْ ما نقلناه عن العلماء وحقَّقناه في هذه الأحاديث وبيان أحكامها، فإنه مما يَعظمُ الاحتياجُ إليه، وبالله التوفيق. 309 ـ بابُ الشَّفاعَة اعلم أنه تُستحبّ الشفاعة إلى ولاة الأمر وغيرهم من أصحاب الحقوق والمستوفين لها ما لم تكن شفاعةً في حدٍّ أو شفاعةً في أمر لا يجوز تركهُ؛ كالشفاعة إلى ناظرٍ على طفل أو مجنون أو وقف، أو نحو ذلك في ترك بعض الحقوق التي في ولايته، فهذه كلُّها شفاعة محرّمة تحرم على الشافع، ويحرم على المشفوع إليه قبولها، ويحرم على غيرهما السعي فيها إذا علمها؛ ودلائلُ جميع ما ذكرته ظاهرة في الكتاب والسنّة وأقوال علماء الأمة، قال الله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها، وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها، وكانَ اللَّهُ على كُلّ شَيْءٍ مُقِيتًا} [النساء:85] المقيت: المقتدر والمقدّر، هذا قول أهل اللغة، وهو محكيٌّ عن ابن عباس وآخرين من المفسرين. وقال آخرون منهم المقيت: الحفيظ، وقيل المقيت: الذي عليه قوت كل دابة ورزقها. وقال الكلبي:

المقيت المجازي بالحسنة والسيئة، وقيل المقيت الشهيد، وهو راجع إلى معنى الحفيظ. وأما الكِفْل فهو الحظ والنصيب، وأما الشفاعة المذكورة في الآية: فالجمهور على أنها هذه الشفاعة المعروفة، وهي شفاعة الناس بعضهم في بعض؛ وقيل الشفاعة الحسنة أن يشفع إيمانه بأنه يقاتل الكفار، والله أعلم. [1/ 861] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه فقال: "اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللَّه على لسانِ نَبِيِّهِ ما أحَبَّ" وفي رواية "ما شاءَ" وفي رواية أبي داود "اشْفَعُوا إِليَّ لِتُؤْجَرُوا، وَلْيَقْضِ اللَّهُ على لِسانِ نَبِيِّهِ ما شاءَ" وهذه الرواية توضّح معنى رواية الصحيحين. [2/ 862] وروينا في صحيح البخاري، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قصة بريرة وزوجها، قال: قال لها النبيّ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ رَاجعتِيهِ؟ قالت: يا رسول الله تأمرني؟ قال: إنما أشْفَعُ، قالتْ: لا حاجةَ لي فيه". [3/ 863] وروينا في صحيح البخاري، عن ابن عباس، قال: لما قَدِمَ عيينةُ بن حصن بن حذيفة بن بدر نزلَ على ابن أخيه الحرّ بن قيس، وكانَ من النفر الذين يُدنيهم عمرُ رضي الله عنه، فقال عيينة: يا بن أخي! لك وجهٌ عند هذا الأمير فاستأذنْ لي عليه، فاستأذنَ له عمرَ، فلما دخل قال: هي يا بن الخطاب! فو الله ما تُعطينا الجزلَ ولا تحكمُ بيننا بالعدل، ¬

[861] البخاري (6028)، ومسلم (2627)، وأبو داود (5131)، والترمذي (2674)، والنسائي 5/ 78. [862] البخاري (5283). [863] البخاري (4642)، وقد تقدم برقم 2/ 824.

310 ـ باب استحباب التبشير والتهنئة

فغضبَ عمر حتى همّ أن يُوقع به، فقال الحرّ: يا أميرَ المؤمنين! إن الله عزّ وجلّ قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بالعُرْفِ، وأعْرِضْ عَنِ الجاهِلين} [الأعراف: 199] وإن هذا من الجاهلين، فو الله ما جاوزها عمرُ حين تلاها عليه، وكان وقَّافًا عند كتاب الله تعالى. 310 ـ بابُ استحباب التَّبْشيرِ والتَّهنئةِ قال الله تعالى: {فَنادَتْهُ المَلائِكَةُ وهُو قائِمٌ يُصلّي في المِحْرابِ أنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى} [آل عمران:39] وقال تعالى: {ولمَّا جاءتْ رُسُلُنا إبرَاهِيمَ بالبُشْرَى} [العنكبوت:31] وقال تعالى: {وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إبْرَاهِيمَ بالبُشْرَى} [هود:69] وقال تعالى: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلام حَلِيمٍ} [الصَّافات:101] وقال تعالى: {قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات:28] وقال تعالى: {قالُوا لا تَوْجَلْ إنَّا نُبشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} [الحجر:53] وقال تعالى: {وَامْرأتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بإسْحَقَ وَمنْ وَرَاءِ إسْحَقَ يَعْقُوبَ} [هود:71] وقال تعالى: {إِذ قَالَتِ المَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ} الآية [آل عمران:45]، وقال تعالى: {ذلكَ الَّذي يُبَشِّرُ اللَّهُ عبادَهُ الَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالحات} [الشورى:23] وقال تعالى: {فَبَشِّرْ عِبادِ، الَّذينَ يَسْتَمِعونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعونَ أحْسَنَهُ} [الزمر:17ـ18] وقال تعالى: {وَأبْشِرُوا بالجَنَّةِ الَّتي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصّلت:30] وقال تعالى: {يَوْمَ تَرى المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وبأيمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ اليَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنْهَارُ} [الحديد:12] وقال تعالى: {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَننَاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ} [التوبة:21]. وأما الأحاديث الواردة في البشارة فكثيرة جدًا في الصحيح مشهورة،

311 ـ باب جواز التعجب بلفظ التسبيح والتهليل ونحوهما

فمنها حديث تبشير خديجة رضي الله عنها ببيت في الجنة من قصب لا نصبَ فيه ولا صخب (¬1). ومنها حديث كعب بن مالك رضي الله عنه المخرّج في الصحيحين (¬2) في قصة توبته قال: سمعت صوت صارخ يقولُ بأعلى صوته: يا كعبَ بن مالك أبشر، فذهبَ الناسُ يبشروننا، وانطلقتُ أتأمّم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يتلقاني الناسُ فوجًا فوجًا يهنئوني بالتوبة، ويقولون: ليهنئك توبةُ الله تعالى عليك حتى دخلتُ المسجدَ، فإذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حولَه الناس، فقام طلحةُ بن عبيد الله يُهرول حتى صافحني وهنّأني، وكان كعبٌ لا ينساها لطلحة؛ قال كعبُ: فلما سلَّمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يُبْرقُ وجهُه من السرور: "أبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدتْكَ أُمُّكَ". 311 ـ بابُ جَواز التعجّب بلفظ التَّسبيحِ والتَّهليلِ ونحوهما [1/ 864] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لقيه وهو جُنُب، فانسلَّ فذهبَ فاغتسلَ، فتفقَّده النبيّ صلى الله عليه وسلم، فلما جاء قال: "أيْنَ كُنْتَ يا أبا هُرَيْرَةَ؟! " قال: يا رسول الله! لقيتني وأنا جُنُب فكرهتُ أن أُجالسَك حتى أغتسل، فقال: "سُبْحانَ اللَّه! إنَّ المُؤْمِنَ لا يَنْجُسُ". [2/ 865] وروينا في صحيحيهما عن عائشة رضي الله عنها: أن امرأة سألتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن غسلها من الحيض، فأمرَها كيف تغتسلُ قال: "خُذِي ¬

[864] البخاري (283)، ومسلم (371)، وأبو داود (231)، والترمذي (121)، والنسائي 1/ 145ـ146. ومعنى "فانسلّ": أي أسرع ماشيًا. ومعنى التعجب في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "سبحان الله! ": أي: كيف يخفى مثل هذا الظاهر عليك؟!. [865] البخاري (314)، ومسلم (332). (¬1) البخاري (3816)، ومسلم (2433) (¬2) البخاري (4418)، ومسلم (2769)

فِرْصَةً مِنْ مِسْكٍ فَتَطَهَّري بِهَا، قالت: كيف أتطهرُ بها؟ قال: تَطَهرِي بِهَا، قالت: كَيْفَ؟ قال: سبْحانَ اللَّهِ! تَطَهَّرِي، فاجتذبتُها إليّ فقلتُ: تتبعي أثرَ الدم". قلتُ: هذا لفظ إحدى روايات البخاري، وباقيها روايات مسلم بمعناه، والفِرصة بكسر الفاء وبالصاد المهملة: القطعة. والمسك بكسر الميم: وهو الطيب المعروف، وقيل الميم مفتوحة، والمراد الجلد، وقيل أقوال كثيرة: والمختار أنها تأخذ قليلًا من مسك فتجعله في قطنة أو صوفة أو خرقة أو نحوها فتجعله في الفرج لتُطيِّبَ المحلّ وتزيلَ الرائحةَ الكريهة؛ وقيل: إن المطلوب منه إسراع علوق الولد، وهو ضعيف، والله أعلم. [3/ 866] وروينا في صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه: أن أُختَ الرُّبَيِّع أُمّ حارثة جرحت إنسانًا، فاختصموا إلى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: "القِصَاصَ القِصَاصَ". فقالت أُمّ الربيع. يا رسول الله! أتقتصّ من فلانة والله لا يُقتصُّ منها؟ فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "سُبْحانَ اللَّهِ يا أُمَّ الرَبيعِ! القِصَاصُ كتابُ الله" قلتُ: أصل الحديث في الصحيحين، ولكن هذا المذكور لفظ مسلم وهو غرضنا هنا، والرُبَيِّع بضم الراء وفتح الباء الموحدة وكسر الياء المشددة. [4/ 867] وروينا في صحيح مسلم، عن عِمرانَ بن الحُصين رضي الله عنهما في حديثه الطويل: في قصة المرأة التي أُسرت، فانفلتتْ وركبتْ ناقةَ النبيّ صلى الله عليه وسلم، ونذرتْ إن نجّاها الله تعالى لتنحرنّها، فجاءت فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "سُبْحانَ الله! بِئْسَ ما جَزَتْها". ¬

[866] مسلم (1675)، و"القِصاصَ القِصَاص": أي أدّوا القصاصَ وسلموه إلى مستحقه. والحديث في البخاري (4500). [867] مسلم (1641).

312 ـ باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

[5/ 868] وروينا في صحيح مسلم، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، في حديث الاستئذان أنه قال لعمر رضي الله عنه ... الحديث، وفي آخره: يا ابْنَ الخَطابِ! لا تَكُونَنَّ عَذَابًا على أصْحابِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، قال: سبحانَ الله! إنما سمعتُ شيئًا فأحببتُ أن أثَّبَّتَ. [6/ 869] وروينا في الصحيحين في حديث عبد الله بن سلام الطويل لما قيل: إنك من أهل الجنة، قال: سبحان الله! ما ينبغي لأحد أن يقول ما لم يعلم، وذكر الحديث. 312 ـ بابُ الأمرِ بالمعروف والنَّهي عن المنكرِ هذا الباب أهمُّ الأبواب، أو من أهمِّها لكثرة النصوص الواردة فيه، لعظم موقعه وشدّة الاهتمام به، وكثرة تساهل أكثر الناس فيه، ولا يمكن استقصاء ما فيه هنا لكن لا نخلّ بشيء من أصوله، وقد صنَّفَ العلماء فيه متفرّقات، وقد جمعتُ قطعةً منه في أوائل شرح صحيح مسلم، ونبّهت فيه على مهمات لا يُستغنى عن معرفتها، قال الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الخَيْرِ؛ ويأْمرونَ بالمَعْروفِ وَيَنْهَوْنَ عَن المنكَر وأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104] وقال تعالى: {خُذِ العَفْوَ وأْمُرْ بالعُرْفِ} [الأعراف:199] وقال تعالى: {وَالمُؤْمِنُونَ والمُؤْمناتُ بَعْضُهُمْ أوْلِياءُ بَعْضٍ، يأْمُرُونَ بالمَعْرُوفِ وَيَنْهُونَ عَنِ المُنْكَرِ} [التوبة:71] وقال تعالى: {كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} [المائدة:79] والآيات بمعنى ما ذكرته مشهورة. ¬

[868] مسلم (2154). والقائل لعمرَ هو أُبيّ بن كعب لا أبا موسى، رضي الله عنهم جميعًا. [869] البخاري (3813)، ومسلم (2474).

[1/ 870] وروينا في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ رأى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فإنْ لَم يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذلكَ أضْعَفُ الإِيمَانِ". [2/ 871] وروينا في كتاب الترمذي، عن حذيفة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بالمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ تَعالى أن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقابًا مِنْهُ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلا يُسْتَجَابَ لَكُمْ" قال الترمذي: حديث حسن. [3/ 872] وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، بأسانيد صحيحة عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: يا أيّها الناس، إنكم تقرؤون هذه الآية: {يا أيُّها الَّذينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة:105] وإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنَّ النَّاسَ إذَا رأوا الظَّالِمَ فَلَمْ يأخُذُوا على يَدَيْهِ أوْشَكَ أنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقابٍ مِنْهُ". [4/ 873] وروينا في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما، عن أبي سعيد، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "أفْضَلُ الجهادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عنْدَ سُلْطَانٍ جائرٍ"، قال الترمذي: حديث حسن. ¬

[870] مسلم (49)، وأبو داود (1140) و (4340)، وابن ماجه (4013)، والنسائي 8/ 111. [871] الترمذي (2169) وهو حديث حسن بشواهده. انظر جامع الأصول 1/ 332. [872] أبو داود (4338)، والترمذي (2169) و (3059)، وابن ماجه (4005). والسنائي؟؟ في الكبرى. ومعنى "لم يأخذوا على يديه" أي لم يمنعوه باليد أو باللسان أو بالقلب حسن الاستطاعة. [873] أبو داود (4344)، والترمذي (2175)، وابن ماجه (4011). وهو حديث حسن بشواهده.

قلت: والأحاديثُ في الباب أشهر من أن تُذكر، وهذه الآية الكريمة مما يَغترّ بها كثير من الجاهلين ويحملونها على غير وجهها، بل الصواب في معناها: أنكم إذا فعلتم ما أُمرتم به فلا يَضرّكم ضَلالةُ مَن ضلّ. ومن جملة ما أمروا به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والآية قريبة المعنى من قوله تعالى: {ما على الرَّسُولِ إِلاَّ البَلاغُ} [العنكبوت:18]. واعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له شروط وصفات معروفة ليس هذا موضع بسطها، وأحسنُ مظانّها إحياء علوم الدين، وقد أوضحتُ مهماتها في شرح مسلم، وبالله التوفيق.

كتاب حفظ اللسان

كتاب حفظ اللّسان 313 ـ بابُ حفظ اللسان قال الله تعالى: {وما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] وقال الله تعالى: {إنَّ رَبَّكَ لَبالمِرْصَادِ} [الفجر:14]. وقد ذكرت ما يَسَّرَهُ الله سبحانه وتعالى من الأذكار المستحبة ونحوها فيما سبقَ، وأردتُ أن أضمَّ إليها ما يُكره أو يَحرم من الألفاظ ليكونَ الكتابُ جامعًا لأحكام الألفاظ، ومُبيِّنًا أقسامَها، فأذكرُ من ذلك مقاصدَ يحتاج إلى معرفتها كلُّ متدين، وأكثرُ ما أذكره معروف، فلهذا أترك الأدلة في أكثره، وبالله التوفيق. [فصل]: اعلم أنه لكلّ مكلّف أن يحفظَ لسانَه عن جميع الكلام إلا كلامًا تظهرُ المصلحة فيه، ومتى استوى الكلامُ وتركُه في المصلحة، فالسنّة الإِمساك عنه، لأنه قد ينجرّ الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، بل هذا كثير أو غالب في العادة، والسلامة لا يعدلُها شيء. [1/ 874] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا ¬

[874] البخاري (6475)، ومسلم (47)، وأبو داود (5154).

أوْ لِيَصْمُتْ". قلت: فهذا الحديث المتفق على صحته نصّ صريح في أنه لا ينبغي أن يتكلم إلا إذا كان الكلام خيرًا، وهو الذي ظهرت له مصلحته، ومتى شكّ في ظهور المصلحة فلا يتكلم. وقد قال الإِمام الشافعي رحمه الله: إذا أراد الكلام فعليه أن يفكر قبل كلامه، فإن ظهرت المصلحة تكلَّم، وإن شكَّ لم يتكلم حتى تظهر. [2/ 875] وروينا في صحيحيهما عن أبي موسى الأشعري قال: قلتُ يا رسولُ الله، أيُّ المسلمين أفضلُ؟ قال: "مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسانِهِ وَيَدِهِ". [3/ 876] وروينا في صحيح البخاري، عن سهل بن سعد رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ يَضْمَنْ لي ما بينَ لَحْيَيْهِ وَما بينَ رِجْلَيْهِ، أضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ". [4/ 877] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة، أنه سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنَّ العَبْدَ يَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيها يَزِلُّ بِهَا إِلَى النَّارِ أبْعَد مِمَّا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ" وفي رواية البخاري: "أبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ المَشْرِقِ" من غير ذكر المغرب، ومعنى يتبين: يتفكر في أنها خير أم لا. [5/ 878] وروينا في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ تَعالى ما يُلْقِي لَهَا بالًا يَرْفَعُ ¬

[875] البخاري (11)، ومسلم (42). [876] البخاري (6474)، والترمذي (2410)، و"ما بين لحييه": اللسان. و"ما بين رجليه": الفَرْج. [877] البخاري (6477)، ومسلم (2988)، والموطأ 2/ 985، والترمذي (2315). [878] البخاري (6478)، ويفيد الحديث مع الحديث السابق: الوعد برفع الدرجات في الجنة على التكلّم بالخير، والوعيد بالهوي في النار على التكلّم بالشرّ.

اللَّهُ تَعالى بها دَرَجاتٍ، وَإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ سَخْطِ اللَّهِ تَعالى لا يُلْقِي لَها بالًا يَهْوِي بِها في جَهَنَّمَ" قلت: كذا في أصول البخاري "يَرْفَعُ اللَّهُ بِها دَرَجاتٍ" وهو صحيح: أي درجاته، أو يكون تقديره: يرفعه، ويُلقي بالقاف. [6/ 879] وروينا في موطأ الإِمام مالك وكتابي الترمذي وابن ماجه، عن بلال بن الحارث المزني رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ تَعالى ما كَانَ يَظُن أنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ؛ يَكْتُبُ اللَّهُ تَعالى لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إلى يَوْمِ يَلْقاهُ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ تَعالى ما كانَ يَظُنُّ أنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ؛ يَكْتُبُ اللَّهُ تَعالى بِها سَخَطَهُ إلى يَوْمِ يَلْقَاهُ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. [7/ 880] وروينا في كتاب الترمذي والنسائي وابن ماجه، عن سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! حدّثني بأمر أعتصم به، قال: "قُلْ رَبِّيَ اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقِمْ" قلت: يا رسول الله! ما أخوف ما يخاف عليّ؟ فأخذ بلسان نفسه ثم قال: "هَذَا". قال الترمذي: حديث حسن صحيح. [8/ 881] وروينا في كتاب الترمذي، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُكْثِرُوا الكَلاَمَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ، فإنَّ كَثْرَةَ الكَلامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعالى قَسْوَةٌ للْقَلْبِ، وَإنَّ أبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ تَعالى القَلْبُ القَاسِي". ¬

[879] الموطأ 2/ 985، والترمذي (2320)، وابن ماجه (3970). [880] الترمذي (2412)، والنسائي في الكبرى، وابن ماجه (3972). [881] الترمذي (2413)، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم بن عبد الله بن حاطب.

[9/ 882] وروينا فيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ وَقاهُ الله تَعالى شَرَّ ما بَيْنَ لَحْيَيْهِ، وَشَرَّ ما بَيْنَ رِجْلَيْهِ دَخَلَ الجَنَّةَ" قال الترمذي: حديث حسن. [10/ 883] وروينا فيه، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قلتُ يا رسولَ الله، ما النجاة؟ قال: "أمْسِكْ عَلَيْكَ لِسانَكَ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابْكِ على خَطِيئَتِكَ" قال الترمذي: حديث حسن. [11/ 884] وروينا فيه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إذَا أصْبَحَ ابْنُ آدَم فإنَّ الأعْضَاءَ كُلَّها تُكَفِّرُ اللِّسَانَ فَتَقُولُ: اتقِ اللَّهَ فِينا فإنما نَحْنُ مِنْكَ، فإنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنا، وَإنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنا". [12/ 885] وروينا في كتاب الترمذي وابن ماجه، عن أُمِّ حبيبة رضي الله عنها، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ كَلامِ ابْنِ آدَمَ عَلَيْهِ لا لَهُ، إِلاَّ أمْرًا بِمَعْرُوفٍ، وَنَهْيًا عَنْ مُنْكَرٍ، أوْ ذِكْرًا لله تَعالى". [13/ 886] وروينا في كتاب الترمذي، عن معاذ رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! أخبرني بعمل يُدخلني الجنة ويُباعدني من النار، قال: ¬

[882] الترمذي (2410)، وتقدم برقم 3/ 876. [883] الترمذي (2408) وقال: هذا حديث صحيح حسن. [884] الترمذي (2409)، وهو حديث حسن بشواهده، وقد رواه ابن خزيمة، والبيهقي في شعب الإِيمان: الفتوحات 6/ 355. [885] الترمذي (2414)، وابن ماجه (3974)، وقال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن يزيد بن خُنَيْس. وقال المنذري: رواته ثقات وفي محمد بن يزيد كلام قريب لا يقدح، وهو شيخ صالح. الفتوحات 6/ 356. [886] الترمذي (2619). ويفيد: بيان خطر اللسان، وأنه إذا لم يُحفظ من المعاصي والشرور كان سببًا في هلاك الأعضاء كلها، وفي كبِّ صاحبه على وجهه في النار.

لَقَدْ سألْتَ عَنْ عَظِيمٍ وإنَّهُ لَيَسِيرٌ على مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ: تَعْبُدُ اللَّهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاةَ، وتُؤْتِي الزَّكاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ البَيْتَ، ثم قال: ألا أدُلُّكَ على أبْوَابِ الخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِىءُ الخَطِيئَةَ كما يُطْفىءُ المَاءُ النارَ، وَصَلاةُ الرَّجُلِ في جَوْفِ اللَّيْلِ، ثم تلا {تَتَجافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجعِ} حتى بلغ {يَعْمَلُونَ} ثم قال: ألا أُخْبِرُكَ برأسِ الأمْرِ وَعمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنامِهِ؟ قلت: بلى يا رسول الله! قال: رأسُ الأمْرِ الإِسْلامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الجِهادُ، ثم قال: ألا أُخْبِرُكَ بِمَلاكِ ذلكَ كُلِّهُ؟ قلت: بلى يا رسول الله! فأخذ بلسانه ثم قال: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا، قلت: يا رسول الله! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وُجُوهِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ ألْسِنَتِهِمْ؟ " قال الترمذي: حديث حسن صحيح. قلت: الذِّروة بكسر الذال المعجمة وضمّها: وهي أعلاه. [14/ 887] وروينا في كتاب الترمذي وابن ماجه، عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "منْ حُسْنِ إسْلامِ المَرْءِ تَرْكُهُ ما لا يَعْنِيهِ" حديث حسن. [15/ 888] وروينا في كتاب الترمذي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ صَمَتَ نَجا" إسناده ضعيف، وإنما ذكرته لأُبيِّنه لكونه مشهورًا، والأحاديث الصحيحة بنحو ما ذكرته كثيرة، وفيما ¬

[887] الترمذي (2318)، وابن ماجه (3976)، والموطأ 2/ 903. وقال الزرقاني في شرح الموطأ: والحديث حسن بل صحيح، أخرجه أحمد وأبو يعلى والترمذي من حديث الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة. [888] الترمذي (2503) وقال: هذا حديث غريب. وذكر له ابن علان شواهد بمعناه يرتقي بها من الضعف، منها ما جاء من حديث معاذ عند الطبراني مرفوعًا "إنك لن تزالَ سالمًا ما سكتَّ، فإذا تكلمت كان لك أو عليكَ". الفتوحات الربانية 6/ 369.

أشرت به كفاية لمن وفّق، وسيأتي إن شاء الله في باب الغيبة جُمَل من ذلك، وبالله التوفيق. وأما الآثار عن السلف وغيرهم في هذا الباب فكثيرة، ولا حاجة إليها مع ما سبق، لكن ننبّه على عيونٍ (¬1) منها: بلغنا أن قسَّ بن ساعدة وأكثم بن صيفي اجتمعا، فقال أحدهما لصاحبه: كم وجدت في ابن آدم من العيوب؟ فقال: هي أكثر من أنن تُحصى، والذي أحصيتُه ثمانيةُ آلاف عيب، ووجدتُ خصلةً إن استعملتها سترتَ العيوبَ كلَّها، قال: ما هي؟ قال: حفظ اللسان. وروينا عن أبي عليّ الفُضَيْل بن عياض رضي الله عنه قال: مَنْ عَدّ كلامَه من عمله قلّ كلامُه فيما لا يعنيه. وقال الإِمامُ الشافعيُّ رحمه الله لصاحبه الرَّبِيع: يا ربيعُ! لا تتكلم فيما لا يعنيك، فإنك إذا تكلَّمتَ بالكلمة ملكتكَ ولم تملكها. وروينا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ما من شيء أحقُّ بالسجن من اللسان. وقال غيرُه: مَثَلُ اللسان مَثَلُ السَّبُع إن لم تُوثقه عَدَا عليك. وروينا عن الأستاذ أبي القاسم القُشيري رحمه الله في رسالته المشهورة قال: الصمتُ سلامةٌ وهو الأصل، والسكوتُ في وقته صفةُ الرجال؛ كما أن النطق في موضعه أشرفُ الخصال، قال: سمعت أبا عليّ الدقاق رضي الله عنه يقول: مَنْ سكتَ عن الحقّ فهو شيطانٌ أخرس. قال: فأما إيثار أصحاب المجاهدة السموتَ فلِمَا علموا ما في الكلام من ¬

(¬1) كذا في الأصول، وفي النسخ المطبوعة "على عيوب" وهو تصحيف ظاهر

314 ـ باب تحريم الغيبة والنميمة

الآفات، ثم ما فيه من حظّ النفس وإظهار صفاتِ المدح، والميل إلى أن يتميزَ بين أشكاله بحسن النطق وغير هذا من الآفات، وذلك نعتُ أرباب الرياضة، وهو أحدُ أركانهم في حكم المنازلة وتهذيب الخلق، ومما أنشدوه في هذا الباب: احفظْ لسانَك أيُّها الإِنسانُ ... لا يلدغنَّك إنه ثُعبانُ كم في المقابرِ من قتيلِ لسانِه ... قد كانَ هابَ (¬1) لقاءَه الشجعانُ وقال الرِّيَاشِيُّ رحمه الله: لعمرُك إنَّ في ذنبي لَشُغْلًا ... لِنَفْسِي عن ذنوب بني أُمَيَّة على ربِّي حِسَابُهمُ إليه ... تَنَاهَى عِلمُ ذلكَ لا إِليَّهْ وليسَ بضائري ما قَدْ أتوْهُ ... إذا ما اللَّه أصلحَ ما لديَّهْ 314 ـ بابُ تحريم الغِيبَةِ والنَّمِيمَة اعلم أن هاتين الخصلتين من أقبح القبائح وأكثرها انتشارًا في الناس، حتى ما يسلمُ منهما إلا القليل من الناس، فلعموم الحاجة إلى التحذير منهما بدأتُ بهما. فأما الغيبة: فهي ذكرُك الإِنسانَ بما فيه مما يكره، سواء كان في بدنه أو دينه أو دنياه، أو نفسه أو خَلقه أو خُلقه، أو ماله أو ولده أو والده، أو زوجه أو خادمه أو مملوكه، أو عمامته أو ثوبه، أو مشيته وحركته وبشاشته، وخلاعته وعبوسه وطلاقته، أو غير ذلك مما يتعلق به، سواء ذكرته بلفظك أو كتابك، أو رمزتَ أو أشرتَ إليه بعينك أو يدك أو رأسك أو نحو ذلك. أما البدن فكقولك: أعمى أعرج أعمش أقرع، قصير طويل أسود أصفر. وأما ¬

(¬1) كذا في الأصول والفتوحات الربانية، وفي النسخ المطبوعة "كانتْ تهابُ لقاءَه الشجعان"

الدِّيْنُ فكقولك: فاسق سارق خائن، ظالم متهاون بالصلاة، متساهل في النجاسات، ليس بارًّا بوالده، لا يضعُ الزكاة مواضعَها، لا يجتنبُ الغيبة. وأما الدنيا: فقليلُ الأدب، يتهاونُ بالناس، لا يرى لأحد عليه حقًا، كثيرُ الكلام، كثيرُ الأكل أو النوم، ينامُ في غير وقته، يجلسُ في غير موضعه، وأما المتعلِّق بوالده فكقوله: أبوه فاسق، أو هندي أو نبطي أو زنجي، إسكاف بزاز نخاس نجار حداد حائك. وأما الخُلُق فكقوله: سيء الخلق، متكبّر مُرَاء، عجول جبَّار، عاجز ضعيفُ القلب، مُتهوِّر عبوس، خليع، ونحوه. وأما الثوب: فواسع الكمّ، طويل الذيل، وَسِخُ الثوب وننحو ذلك، ويُقاس الباقي بما ذكرناه. وضابطُه: ذكرُه بما يكره. وقد نقل الإِمام أبو حامد الغزالي إجماع المسلمين على أن الغيبة: ذكرُك غيرَك بما يكرَهُ، وسيأتي الحديث الصحيح المصرِّح بذلك. وأما النميمة: فهي نقلُ كلام الناس بعضِهم إلى بعضٍ على جهةِ الإِفساد. هذا بيانهما. وأما حكمهما، فهما محرّمتان بإجماع المسلمين، وقد تظاهرَ على تحريمهما الدلائلُ الصريحةُ من الكتاب والسنّة وإجماع الأمة، قال الله تعالى: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [الحجرات:12] وقال تعالى: {وَيْلٌ لِكُلّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة:1] وقال تعالى: {هَمَّازٍ مَشّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم:11] (¬1). [1/ 889] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن حذيفة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ نَمَّامٌ". ¬

[889] البخاري (6055)، ومسلم (105)، وأبو داود (4771)، والترمذي (2027). (¬1) همَّاز: غيّاب، أو مغتاب للناس

[2/ 890] وروينا في صحيحيهما، عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مرّ بقبرين فقال: "إنَّهُما يُعَذَّبانِ ومَا يُعَذَّبانِ في كَبير" قال: وفي رواية البخاري: "بلى إنَّه كَبيرٌ، أمَّا أحَدُهُما فَكانَ يَمْشِي بالنَّمِيمَةِ، وأما الآخَرُ فَكانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ". قلتُ: قال العلماء: معنى وما يُعذّبان في كبير: أي في كبير في زعمهما أو كبير تركه عليهما. [3/ 891] وروينا في صحيح مسلم وسنن أبي داود والترمذي والنسائي، عن أبي هُريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتَدْرُونَ ما الغِيْبَةُ؟ " قالوا: اللَّهُ ورسولُه أعلمُ، قال: "ذِكْرُكَ أخاكَ بِمَا يَكْرَهُ" قيل: أفرأيتَ إنْ كانَ في أخي ما أقولُ؟ قال: "إنْ كانَ فِيهِ ما تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ما تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. [4/ 892] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي بكرة رضي الله عنه؛ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم النحر بِمنىً في حجة الوداع: "إنَّ دِماءَكُمْ وَأمْوَالكُمْ وأعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، في بَلَدِكُمْ هَذَا في شَهْرِكُمْ هَذَا، ألا هَلْ بَلَّغْتُ؟ ". [5/ 893] وروينا في سنن أبي داود والترمذي، عن عائشة رضي الله ¬

[890] البخاري (216)، ومسلم (292)، و"لا يستتر من بوله": أي لا يستتر عن أعين الناس، أو لا يتوقى عن بوله، وفي رواية "لايستبرىء من بوله" أي لا يطلب البراءة منه. [891] مسلم (2589)، وأبو داود (4874)، والترمذي (1935)، والنسائي في السنن الكبرى. ومعنى "بَهَتَّهُ": افتريتَ عليه الكذب. [892] البخاري (105)، ومسلم (1679). [893] أبو داود (4875)، والترمذي (2504) و (2505) وقال: حديث حسن صحيح.

عنها قالتْ: قلتُ للنبيّ صلى الله عليه وسلم: حسبُك من صفيّة كذا وكذا ـ قال بعضُ الرواة: تعني قصيرة ـ فقال: "لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ البَحْرِ لَمَزَجَتْهُ" قالت: وحكيتُ له إنسانًا فقال: "ما أُحِبُّ أني حَكَيْتُ إنسانًا وأنَّ لي كَذَا وكَذَا" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. قلتُ: مزجته: أي خالطته مخالطة يتغيرُ بها طعمُه أو ريحُه لشدّة نتنها وقبحها، وهذا الحديث من أعظم الزواجر عن الغيبة أو أعظمها، وما أعلم شيئًا من الأحاديث يبلغُ في الذمّ لها هذا المبلغ {وَمَا يَنْطقُ عَنِ الهَوَى إنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3] نسألُ اللَّه الكريم لطفه والعافية من كل مكروه. [6/ 894] وروينا في سنن أبي داود، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أظْفارٌ مِنْ نُحاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هؤُلاءِ يا جِبْرِيلُ؟ قال: هَؤُلاءِ الَّذينَ يأكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ في أعْرَاضِهِمْ". [7/ 895] وروينا فيه، عن سعيد بن زيد رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ مِن أرْبَى الرّبا الاسْتِطالَةَ في عِرْضِ المُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقّ". [8/ 896] وروينا في كتاب الترمذي، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ لا يَخونُهُ وَلا يَكْذِبُهُ وَلا يَخْذُلُهُ، كُلّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ حَرَامٌ عرْضُهُ ومَالُهُ وَدَمُهُ، التَّقْوَى ها هنا، بِحسْبِ امْرِىءٍ مِنَ الشرّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلمَ" قال الترمذي: حديث حسن. ¬

[894] أبو داود (4878) و"يخمشون وجوههم" يجرحونها. وإسناده صحيح. [895] أبو داود (4876)، وهو في المسند 1/ 190، وإسناده صحيح. [896] الترمذي (1928)، وإسناده حسن.

315 ـ باب بيان مهمات تتعلق بحد الغيبة

قلتُ: ما أعظم نفع هذا الحديث وأكثر فوائده، وبالله التوفيق. 315 ـ بابُ بيانِ مُهِمَّاتٍ تتعلّقُ بحدِّ الغِيبَة قد ذكرنا في الباب السابق أن الغيبة: ذكرك الإِسان بما يكره، سواء ذكرته بلفظك أو في كتابك، أو رمزتَ أو أشرتَ إليه بعينك أو يدك أو رأسك. وضابطُه: كلّ ما أفهمت به غيرك نقصان مسلم فهو غيبة محرّمة، ومن ذلك المحاكاة بأن يمشي متعارجًا أو مُطَأْطِئًا أو على غير ذلك من الهيئات، مريدًا حكاية هيئة من يَتَنَقَّصُهُ بذلك، فكلُّ ذلك حرام بلا خلاف، ومن ذلك إذا ذَكرَ مُصنفُ كتاب شخصًا بعينه في كتابه قائلًا: قال فلان كذا مريدًا تنقيصه (¬1) والشناعةَ عليه، فهو حرام، فإن أرادَ بيانَ غلطه لئلا يُقلَّدَ أو بيانَ ضعفه في العلم لئلا يُغترّ به ويُقبل قوله، فهذا ليس غيبة، بل نصيحة واجبة يُثاب عليها إذا أراد ذلك، وكذا إذا قال المصنف أو غيره: قال قوم أو جماعة كذا، وهذا غلط أو خطأ أو جَهالة وغفلة، ونحو ذلك فليس غيبة، إنما الغيبة ذكر الإِنسان بعينه أو جماعة معينين. ومن الغيبة المحرّمة قولك: فعل كذا بعضُ الناس أو بعض الفقهاء، أو بعضُ من يَدّعي العلم، أو بعضُ المفتين، أو بعض مَن يُنسب إلى الصلاح أو يَدّعي الزهدَ، أو بعض مَن مرّ بنا اليوم، أو بعضَ مَن رأيناه، أو نحو ذلك إذا كان المخاطب يفهمه بعينه؛ لحصول التفهيم. ومن ذلك غيبة المتفقهين والمتعبدين، فإنهم يعرضون بالغيبة تعريضًا يفهم به كما يفهم بالصريح، فيُقال لأحدهم: كيف حال فلان؟ فيقول: الله يُصلحنا، الله يغفر لنا، الله يُصلحه، نسأل الله العافية، نحمدُ الله الذي ¬

(¬1) كذا في "أ" وفي بقية النسخ "تنقُّصه"

لم يبتلنا بالدخول على الظلمة، نعوذ بالله من الشرّ، الله يُعافينا من قلّة الحياء، الله يتوبُ علينا وما أشبه ذلك مما يُفهم منه تنقُّصه، فكل ذلك غيبة محرّمة، وكذلك إذا قال: فلان يُبتلى بما ابتلينا به كلُّنا، أو ماله حيلة في هذا، كلُّنا نفعلُه، وهذه أمثلة وإلا فضابط الغيبة: تفهيمك المخاطب نقص إنسان كما سبق، وكلُّ هذا معلوم من مقتضى الحديث الذي ذكرناه في الباب الذي قبل هذا عن صحيح مسلم وغيره في حدّ الغيبة، والله أعلم. [فصل]: اعلم أن الغيبة كما يحرم على المغتاب ذكرها، يحرم على السامع استماعها وإقرارها فيجب على من سمع إنسانًا يبتدىء بغيبة محرّمة أن ينهاه إن لم يَخَفْ ضررًا ظاهرًا، فإن خافه وجب عليه الإِنكارُ بقلبه ومفارقةُ ذلك المجلس إن تمكن من مفارقته، فإن قدر على الإِنكار بلسانه أو على قطع الغيبة بكلام آخر لزمه ذلك، فإن لم يفعل عصى، فإن قال بلسانه أسكتْ وهو يشتهي بقلبه استمرارُه، فقال أبو حامد الغزالي: ذلك نفاقٌ لا يخرجُه عن الإِثم، ولا بدّ من كراهته بقلبه، ومتى اضطرّ إلى المقام في ذلك المجلس الذي فيه الغيبة وعجز عن الإِنكار أو أنكر فلم يُقبل منه ولم يُمكنه المفارقة بطريق حرم عليه الاستماع والإِصغاء للغيبة، بل طريقه أن يذكرَ الله تعالى بلسانه وقلبه، أو بقلبه، أو يفكر في أمر آخر ليشتغل عن استماعها، ولا يضرّه بعد ذلك السماع من غير استماع وإصغاء في هذه الحالة المذكورة، فإن تمكن بعد ذلك من المفارقة وهم مستمرّون في الغيبة ونحوها وجب عليه المفارقة، قال الله تعالى: {وَإِذَا رأيْتَ الَّذينَ يَخُوضُونَ في آياتِنا فأعْرِضْ عَنْهُمْ حتَّى يخوضُوا في حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام:68]. وروينا عن إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه؛ أنه دُعي إلى وليمة،

316 ـ باب بيان ما يدفع به الغيبة عن نفسه

فحضرَ، فذكروا رجلًا لم يأتهم، فقالوا: إنه ثقيل، فقال إبراهيم: أنا فعلتُ هذا بنفسي حيثُ حضرتُ موضعًا يُغتاب فيه الناس، فخرج ولم يأكلْ ثلاثة أيام. ومما أنشدوه في هذا: وَسَمْعَكَ صُنْ عن سماعِ القبيحِ ... كصَوْنِ اللسانِ عن النُّطْقِ بِهْ فإنَّكَ عندَ سماعِ القبيحِ ... شريكٌ لقائِلِه فانتبِهْ 316 ـ بابُ بَيانِ ما يَدْفَعُ به الغيبةَ عن نفسِه اعلم أن هذا الباب له أدلةٌ كثيرةٌ في الكتاب والسنّة، ولكني أقتصرُ منه على الإِشارة إلى أحرف، فمن كان موفَّقًا انزجرَ بها، ومن لم يكن كذلك فلا ينزجر بمجلدات. وعمدة الباب أن يعرضَ على نفسه ما ذكرناه من النصوص في تحريم الغيبة، ثم يفكر في قول الله تعالى: {ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] وقوله تعالى: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور:15] وما ذكرناه من الحديث الصحيح "إنَّ الرَّجُل لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّه تعالى ما يُلْقِي لَها بالًا يَهْوِي بِهَا في جَهَنَّمَ" (¬1) وغير ذلك مما قدّمناه في باب حفظ اللسان وباب الغيبة، ويضمّ إلى ذلك قولهم: الله معي، الله شاهدي، الله ناظر إليّ. وعن الحسن البصري رحمه الله أن رجلًا قال له: إنك تغتابني، فقال: ما بلغَ قدرُك عندي أن أحكِّمَكَ في حسناتي. وروينا عن ابن المبارك رحمه الله قال: لو كنتُ مُغتابًا أحدًا لاغتبتُ والديّ لأنهما أحقُّ بحسناتي. ¬

(¬1) البخاري (6478) وقد تقدم برقم 5/ 878

317 ـ باب بيان ما يباح من الغيبة

317 ـ بابُ بَيانِ ما يُبَاحُ مِن الغِيبَة اعلم أنَّ الغيبةَ وإن كانت محرّمة فإنها تُباح في أحوال للمصلحة، والمُجوِّزُ لهَا غرض صحيح شرعي لا يمكن الوصولُ إليه إلا بها، وهو أحد ستة أسباب: الأوّل: التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلَّم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممّن له ولاية أو له قدرة على إنصافه من ظالمه فيذكرُ أن فلانًا ظلمني وفعل بي كذا وأخذ لي كذا، ونحو ذلك. الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر وردّ العاصي إلى الصواب، فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر: فلان يعملُ كذا فازجرْه عنه ونحو ذلك، ويكون مقصوده التوسل إلى إزالة المنكر، فإن لم يقصد ذلك كان حرامًا. الثالث: الاستفتاء، بأن يقولَ للمفتي: ظلمني أبي أو أخي أو فلان بكذا، فهل له ذلك أم لا؟ وما طريقي في الخلاص منه وتحصيل حقّي ودفع الظلم عني ونحو ذلك؟. وكذلك قوله: زوجتي تفعلُ معي كذا، أو زوجي يفعلُ كذا ونحو ذلك، فهذا جائز للحاجة، ولكن الأحوط أن يقول: ما تقولُ في رجل كان من أمره كذا، أو في زوج أو زوجة تفعلُ كذا، ونحو ذلك، فإنه يحصل به الغرض من غير تعيين، ومع ذلك التعيين جائز لحديث هند الذي سنذكره إن شاء الله تعالى وقولُها: يا رسول الله! إن أبا سفيانَ رجلٌ شحيح .. الحديث. ولم ينهها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. الرابع: تحذير المسلمين من الشرّ ونصيحتهم، وذلك من وجوه: منها جرح المجروحين من الرواة للحديث والشهود، وذلك جائز بإجماع المسلمين، بل واجب للحاجة. ومننها ما استشارك إنسان في مصاهرته أو

مشاركته أو إيداعه أو الإِيداع عنده أو معاملته بغير ذلك وجب عليك أن تذكر له ما تعلمه منه على جهة النصيحة، فإن حصل الغرض بمجرّد قولك لا تصلحُ لك معاملتُه أو مصاهرُته أو لا تفعلْ هذا أو نحو ذلك لم تجز الزيادةُ بذكر المساوىء، وإن لم يحصل الغرض إلا بالتصريح بعينه فاذكره بصريحه. ومنها إذا رأيتَ مَن يشتري عبدًا معروفًا بالسرقة أو الزنا أو الشرب أو غيرها، فعليك أن تبيّن ذلك للمشتري إن لم يكن عالمًا به، ولا يختصّ بذلك، بل كل من علم بالسلعة المبيعة عيبًا وجب عليه بيانه للمشتري إذا لم يعلمه. ومنها إذا رأيت متفقهًا يتردَّدُ إلى مبتدعٍ أو فاسقٍ يأخذ عنه العلم خِفْتَ أن يتضرَّرَ المتفقّه بذلك، فعليك نصيحته ببيان حاله، ويُشترط أن يقصدَ النصيحةَ، وهذا مما يُغلَطُ فيه، وقد يَحملُ المُتكلمَ بذلك الحسدُ، أو يُلَبِّسُ الشيطانُ عليه ذلك، ويُخيَّلُ إليه أنه نصيحةٌ وشفقةٌ، فليتفطَّنْ لذلك. ومنها أن لا يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها، إما بأن لا يكون صالحًا لها، وإما بأن يكون فاسقًا أو مغفلًا ونحو ذلك، فيجب ذكر ذلك لمن له عليه ولاية عامة ليزيلَه ويُولِّي من يَصلحُ، أو يعلم ذلك منه لتعامله بمقتضة حاله ولا يغترّ به، وأن يسعى في أن يحثَّه على الاستقامة أو يستبدل به. الخامس: أن يكون مُجاهرًا بفسقه أو بدعته كالمجاهر بشرب الخمر، أو مصادرة الناس وأخذ المُكس، وجباية الأموال ظلمًا، وتولّي الأمور الباطلة، فيجوز ذكره بما يُجاهر به ويحرم ذكره بغيره من العيوب إلا أن يكون لجوازه سبب آخر مما ذكرناه. السادس: التعريف، فإذا كان الإِنسان معروفًا بلقب كالأعمش والأعرج والأصمّ والأعمى والأحول والأفطس وغيرهم، جاز تعريفه بذلك بنيّة التعريف، ويحرمُ إطلاقُه على جهة النقص، ولو أمكن التعريف بغيره

كان أولى. فهذه ستة أسباب ذكرها العلماء مما تُباح بها الغيبة على ما ذكرناه. وممّن نصّ عليها هكذا الإِمام أبو حامد الغزالي في الإِحياء وآخرون من العلماء، ودلائلُها ظاهرة من الأحاديث الصحيحة المشهورة، وأكثرُ هذه الأسباب مجمع على جواز الغيبة بها. [1/ 897] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عائشة رضي الله عنها؛ أن رجلًا استأذنَ على النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: "ائْذَنُوا لَهُ بِئْسَ أخُو العَشيرَةِ" احتجّ به البخاري على جواز غيبة أهل الفساد وأهل الرِّيَبِ. [2/ 898] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قسمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قسمةً، فقال رجلٌ من الأنصار: والله ما أرادَ محمدٌ بهذا وجهَ الله تعالى، فأتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأخبرتُه، فتغيَّرَ وجهُه وقال: "رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى لَقَدْ أُوذِيَ بأكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ" وفي بعض رواياته: قال ابن مسعود: فقلتُ لا أرفعُ إليه بعد هذا حديثًا. قلتُ: احتجّ به البخاري في إخبار الرجل أخاه بما يُقال فيه. [3/ 899] وروينا في صحيح البخاري، عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَا أظُنُّ فُلانًا وَفُلانًا يَعْرِفانِ مِنْ دِينِنا شَيْئًا". قال الليث بن سعد ـ أحد الرواة ـ: كانا رجلين من المنافقين. [4/ 900] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن زيد بن أرقمَ ¬

[897] البخاري (6054)، ومسلم (3591) و"العشيرة": أي بئس وهو منهم. [898] البخاري (4336)، ومسلم (1602) وقد تقدم برقم 1/ 823. [899] البخاري (6068). [900] البخاري (4900)، ومسلم (2772).

318 ـ باب أمر من سمع غيبة شيخه أو صاحبه أو غيرهما

رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فأصابَ الناسَ فيه شدةٌ، فقال عبدُ الله بن أُبيّ: لا تُنفقوا على مَن عند رسول الله حتى يَنْفَضُّوا من حوله، وقال: لئن رجعنَا إلى المدينة ليُخْرِجَنَّ الأعزُّ منها الأذلَّ، فأتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأخبرتُه بذلك، فأرسلَ إلى عبد الله بن أُبيّ. وذكر الحديث، وأنزل الله تعالى تصديقه: {إذَا جَاءَكَ المُنافِقونَ} [المنافقون:1]. وفي الصحيح حديث هند (¬1) امرأة أبي سفيان وقولها للنبي صلى الله عليه وسلم: "إن أبا سفيان رجل شحيح" إلى آخره. وحديث فاطمة بنت قيس (¬2) وقول النبيّ صلى الله عليه وسلم لها: "أما معاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ، وأمَّا أبُو جَهْمٍ فَلا يَضَع العَصَا عَنْ عاتِقِهِ". 318 ـ بابُ أمرِ منْ سَمعَ غيبةَ شيخِهِ أو صاحبهِ أو غيرِهما اعلم أنه ينبغي لمن سمع غِيبةَ مسلم أن يردّها ويزجرَ قائلَها، فإن لم ينزجرْ بالكلام زجرَه بيده، فإن لم يستطع باليدِ ولا باللسان، فارقَ ذلكَ المجلس، فإن سمعَ غِيبَةَ شيخه أو غيره ممّن له عليه حقّ، أو كانَ من أهل الفضل والصَّلاح، كان الاعتناءُ بما ذكرناه أكثر. [1/ 901] روينا في كتاب الترمذي، عن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أخِيهِ رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ القِيامَةِ" قال الترمذي: حديث حسن. ¬

[901] الترمذي (1932) وإسناده صحيح. (¬1) البخاري (5359)، ومسلم (1714) عن عائشة رضي الله عنها (¬2) مسلم (1480) و"فصعلوك": فقير. قال ابن علاّن: وقد أخرجه ـ أي حديث فاطمة بنت قيس ـ مسلم وأصحاب السنن الأربعة وكما في "التيسير" لابن الديبع، وأصله في البخاري في مسكن العدّة دون باقي الحديث

[2/ 902] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، في حديث عِتبان بكسر العين على المشهور، وحُكِي بضمِّها رضي الله عنه في حديثه الطويل المشهور قال: قام النبيّ صلى الله عليه وسلم يُصلِّي، فقالوا: أين مالك بن الدُّخْشُم؟ فقال رجل: ذلك منافق لا يُحِبّ اللَّهَ ورسولَه، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "لا تَقُلْ ذلكَ، ألا تَرَاهُ قَدْ قالَ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، يُرِيدُ بِذلكَ وَجْهَ اللَّهِ؟ ". [3/ 903] وروينا في صحيح مسلم، عن الحسن البصري رحمه الله: أن عائذ بن عمرو وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلَ على عُبيد الله بن زياد فقال: أي بنيّ إني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ شَرَّ الرِّعَاء الحُطَمَةُ، فإيَّاكَ أنْ تَكُونَ مِنْهُمُ، فقال له: اجلسْ، فإنما أنتَ من نُخالة أصحابِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فقال: وهل كانتْ لهم نخالةٌ؟ إنما كانت النُّخَالةُ بعدَهم وفي غيرِهم. [4/ 904] وروينا في صحيحيهما، عن كعب بن مالك رضي الله عنه في حديثه الطويل في قصة توبته قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو جالسٌ في القوم بتبوك "ما فَعَلَ كَعْبُ بْنُ مالِكٍ؟ " فقال رجلٌ من بني سَلمة: يا رسول الله! حبسَه بُرداهُ والنظرُ في عِطْفَيْه، فقال له مُعاذُ بن جبل رضي الله عنه: بئسَ ما قلتَ، والله يا رسولَ الله! ما علمنا عليه إلا خيرًا، فسكتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: سَلِمة بكسر اللام؛ وعِطْفاه: جانباه، وهو إشارة إلى إعجابه بنفسه. ¬

[902] البخاري (425)، ومسلم (33). [903] مسلم (1830) وهو في المسند 5/ 64. "والحُطَمة": هو العنيف برعاية الإِبل. [904] البخاري (4418)، ومسلم (2769).

319 ـ باب الغيبة بالقلب

[5/ 905] ورويناه في سنن أبي داود، عن جابر بن عبد الله وأبي طلحة رضي الله عنهم قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما مِن امْرىءٍ يَخْذُلُ امْرَأَ مُسْلِمًا في مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضَهِ إِلاَّ خَذَلَهُ اللَّهُ في مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، ومَا مِنْ امْرىِءٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا في مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، وَيُنْتَهَك فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إلا نَصَرَهُ اللَّهُ في مَوْطِنٍ يُحِب نُصْرَتَهُ". [6/ 906] وروينا فيه، عن معاذ بن أنس، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ حَمَى مُؤْمِنًا مِنْ مُنافِقٍ ـ أُراه قال ـ بَعَثَ اللَّهُ تَعالى مَلَكًا يَحْمِي لَحْمَهُ يَوْمَ القِيامَةِ مِنْ نارِ جَهَنَّمَ، وَمَننْ رَمَى مُسْلِمًا بِشَيْءٍ يُريدُ شَيْنَهُ حَبَسَهُ اللَّهُ على جِسْرِ جَهَنَّمَ حتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ". 319 ـ بابُ الغِيْبَةِ بالقَلْبِ اعلم أن سوء الظنّ حرام مثل القول: فكما يحرم أن تحدّث غيرك بمساوىء إنسان، يحرم أن تحدّث نفسك بذلك وتسيء الظنّ به، قال الله تعالى: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ} [الحجرات:12]. [1/ 907] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي ¬

[905] أبو داود (4484)، وقال ابن علاّن وكذا أخرجه أحمد والضياء في المختارة. ومعنى "يخذل": أي يترك نصره وإعانته من غير عذر. [906] أبو داود (4883)، ورواه ابن أبي الدنيا كما قال المنذري في "الترغيب والترهيب" وأشار إلى مقال في سعد بن معاذ ـ أحد رجال السند ـ انظر الفتوحات الربانية 7/ 20، وضعيف الجامع الصغير 5/ 193. وإسناده ضعيف. [907] البخاري (6064)، ومسلم_2563). ومعنى "فإن الظن أكذب الحديث" أي أكثر كذبًا من باقي الكلام.

الله عنه؛ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فإنَّ الظَّنَّ أكْذِبُ الحَدِيثِ". والأحاديثُ بمعنى ما ذكرته كثيرة، والمراد بذلك عقدُ القلب (¬1) وحكمُهُ على غيرك بالسوء، فأما الخواطر وحديث النفس إذا لم يستقرَّ ويستمرّ عليه صاحبُه فمعفوٌ عنه باتفاق العلماء، لأنه لا اختيارَ له في وقوعه، ولا طريقَ له إلى الانفكاك عنه، وهذا هو المراد بما ثبتَ في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي ما حَدَّثَتْ بِهِ أنْفُسَها ما لَمْ تَتَكَلَّم بِهِ أوْ تَعْمَلْ" (¬2) قال العلماء: المراد به الخواطر التي لا تستقرّ. قالوا: وسواءٌ كان ذلك الخاطِرُ غِيبة أو كفرًا أو غيرَه؛ فمن خطرَ له الكفرُ مجرّد خَطَرٍ من غير تعمّدٍ لتحصيله، ثم صَرفه في الحال فليس بكافر ولا شيء عليه. وقد قدّمنا في باب الوسوسة في الحديث الصحيح أنهم قالوا: يا رسولَ الله! يجدُ أحدُنا ما يتعاظمُ أن يتكلَّمَ به، قال: "ذلكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ" (¬3) " وغير ذلك مما ذكرناه هناك وما هو في معناه. وسببُ العفو ما ذكرناه من تعذّرٍ اجتنابه، وإنما الممكن اجتناب الاستمرار عليه فلهذا كان الاستمرار وعقد القلب حرامًا. ومهما هرضَ لك هذا الخاطرُ بالغيبة وغيرها من المعاصي وجبَ عليك دفعُه بالإِعراض عنه وذكر التأويلات الصارفة له عن ظاهره. ¬

(¬1) "عقدُ القلب": تحقيق الظن وتصديقه، بأن تركن إليه النفس، ويميل إليه القلب، لا ما يهجس في النفس ولا يستقر (¬2) البخاري (5269)، ومسلم (127) (202) (¬3) مسلم (132) ولفظه: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنّا نجدُ في أنفسنا ما يتعاظَمُ أحدُنا أن يتكلَّم به. قال: "وقدْ وجدتُموه؟ " قالوا: نعم قال: "ذاك صريحُ الإيمان"

قال الإِمام أبو حامد الغزالي في الإِحياء (¬1): إذا وقع في قلبك ظنّ السوء فهو من وسوسة الشيطان يلقيه إليك، فينبغي أن تُكذِّبه فإنه أفسقُ الفسّاق، وقد قال الله تعالى: {إنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإ فَتَبَيَّنُوا أنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا على ما فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:6] فلا يجوز تصديق إبليس، فإن كان هنناك قرينة تدل على فساد واحتمل خلافه، لم تجز إساءة الظنّ؛ ومن علامة إساءة الظنّ أن يتغيَّر قلبُك معه عمّا كان عليه، فتنفرُ منه وتستثقله وتفتر عن مراعاته وإكرامه والاغتمام بسيّئته، فإنَّ الشيطانَ قد يقرِّبُ إلى القلب بأدنى خيالٍ مساوىءَ الناس، ويُلقي إليه أن هذا من فطنتك وذكائك وسرعة تنبّهك، وإن المؤمن ينظر بنور الله تعالى، وإنما هو على التحقيق ناطقٌ بغرور الشيطان وظلمته، وإن أخبرَكَ عدلٌ بذلك فلا تُصدِّقه ولا تُكذِّبه لئلا تُسيءَ الظنّ بأحدهما؛ ومهما خطرَ لك سوءٌ في مسلمٍ فزِدْ في مراعاته وإكرامه، فإن ذلك يُغيظُ الشيطانَ ويدفعُه عنك فلا يُلقي إليك مثلَه خِيفةً من اشتغالك بالدعاء له، ومهما عرفتَ هفوةَ مسلم بحجّةٍ لا شكّ فيها فانصحْه في السرّ ولا يخدعنَّك الشيطانُ فيدعوك إلى اغتيابِه، وإذا وعظتَهُ فلا تعِظْه وأنت مسرورٌ باطّلاعِك على نقصِه فينظرُ إليك بعين التعظيم وتنظرُ إليه بالاستصغار، ولكن اقصدْ تخليصَه من الإِثم وأنت حزينٌ كما تحزنُ على نفسك إذا دخلَك نقصٌ، وينبغي أن يكون تركُه لذلك النقص بغير وعظك أحبّ إليك من تركه بوعظك. هذا كلام الغزالي. قلت: قد ذكرنا أنه يجبُ عليه إذا عرضَ له خاطرٌ بسوء الظن أن يقطعَه، وهذا إذا لم تدعُ إلى الفكر في ذلك مصلحةٌ شرعية، فإذا دعتْ جازَ الفكرُ في نقيصته والتنقيب عنها كما في جرح الشهود والرواة وغير ذلك مما ذكرناه في باب ما يُباح من الغيبة. ¬

(¬1) إحياء علوم الدين 3/ 147ـ148 باختصار وتصرّف يسير

320 ـ باب كفارة الغيبة والتوبة منها

320 ـ بابُ كَفَّارةِ الغيْبةِ والتَّوْبَةِ منها اعلم أن كلّ من ارتكب معصيةً لزمه المبادرةُ إلى التوبة منها، والتوبةُ من حقوق الله تعالى يُشترط فيها ثلاثة أشياء: أن يُقلع عن المعصية في الحال، وأن يندمَ على فعلها، وأن يَعزِمَ ألاّ يعود إليها. والتوبةُ من حقوق الآدميين يُشترط فيها هذه الثلاثة، ورابع: وهو ردّ الظلامة إلى صاحبها، أو طلب عفوه عنها والإِبراء منها؛ فيجبُ على المغتاب التوبة بهذه الأمور الأربعة، لأن الغيبة حقّ آدمي، ولا بدّ من استحلاله مَن اغتابَه، وهل يكفيه أن يقول: قد اغتبتُك فاجعلني في حلّ، أم لا بُدَّ أن يبيّنَ ما اغتابه به؟ فيه وجهان لأصحاب الشافعي رحمهم الله: أحدهما يُشترط بيانُه، فإن أبرأه من غير بيانه لم يصحّ؛ كما لو أبرأه عن مال مجهول. والثاني لا يُشترط، لأن هذا مما يُتسامحُ فيه فلا يُشترط علمه بخلاف المال. والأوّل أظهرُ، لأن الإِنسانَ قد يسمحُ بالعفو عن غيبة دونَ غِيبة؛ فإن كان صاحبُ الغيبةِ ميّتًا أو غائبًا فقد تعذّرَ تحصيلُ البراءة منها؛ لكن قال العلماء: ينبغي أن يُكثرَ الاستغفار له والدعاء ويُكثر من الحسنات. واعلم أنه يُستحبّ لصاحب الغِيبة أن يبرئه منها ولا يجبُ عليه ذلك لأنه تبرّعٌ وإسقاطُ حقّ، فكان إلى خِيرته، ولكن يُستحبّ له استحبابًا متأكدًا الإِبراء، ليخلِّصَ أخاه المسلم من وبال هذه المعصية، ويفوزَ هو بعظيم ثواب الله تعالى في العفو ومحبة الله سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: {وَالكاظِمِينَ الغَيْظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهِ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134] وطريقهُ في تطبيب نفسه بالعفو أن يذكِّرَ نفسَه أن هذا الأمر قد وقعَ، ولا سبيلَ إلى رفعه فلا ينبغي أن أُفوِّتَ ثوابَه وخلاصَ أخي المسلم، وقد قال الله تعالى: {وَلمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِن ذلكَ لَمِنْ عَزْمِ

الأمُورِ} [الشورى:43] وقال تعالى: {خُذِ العَفْوَ} [الأعراف:199]. والآيات بنحو ما ذكرنا كثيرة. وفي الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "وَاللَّهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كَانَ العَبْدُ في عَوْنِ أخيهِ" (¬1). وقد قال الشافعي رحمه الله: من اسْتُرضي فلم يرضَ فهو شيطان. وقد أنشد المتقدّمونَ (¬2): قيلَ لي قد أساءَ إليك فلانٌ ... ومُقام الفَتَى على الذُّلِّ عَارُ قلتُ قدْ جاءَنَا وأحْدَثَ عُذْرًا ... دِيةُ الذنبِ عِندنَا الاعْتذَارُ فهذا الذي ذكرناهُ من الحثَ على الإِبراء عن الغيبة هو الصواب. وأما ما جاء عن سعيد بن المسيب أنه قال: لا أُحَلِّلُ مَن ظلمني، وعن ابن سيرين: لم أُحرّمها عليه فأُحلِّلُهَا له، لأن الله تعالى حرّم الغيبةَ عليه، وما كنتُ لأُحَلِّلَ ما حرّمه الله تعالى أبدًا. فهو ضعيفٌ أو غلطٌ، فإن المُبرىءَ لا يحلِّلُ محرّمًا، وإنما يُسقط حقًا ثبتَ له، وقد تظاهرت نصوصُ الكتاب والسنّة على استحباب العفو وإسقاط الحقوق المختصّة بالمسقِط. أو يُحمل كلامُ ابن سيرين على أني لا أُبيح غيبتي أبدًا، وهذا صحيح، فإن الإِنسانَ لو قال: أبحتُ عرضي لمن اغتابني لم يَصرْ مباحًا، بل يَحرمُ على كل أحد غِيبتُه كما يَحرم غيبة غيره. وأما الحديث: "أيَعْجِزُ أحَدُكُمْ أنْ يَكُونَ كأبي ضَمْضَمٍ، كانَ إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قالَ إِنِّي تَصَدَّقْتُ بِعِرْضِي على النَّاسِ" (¬3) فمعناه: لا أطلبُ ¬

(¬1) مسلم (2699)، وهو جزء من حديث طويل؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه وأوله "مَنْ نَفَّسَ عن مؤمنٍ كُرْبةً من كُرَب الدنيا" (¬2) في هامش "أ": "وفي نسخة: وقد أنشدَ المتقدمون في هذا المعنى" (¬3) أبو داود (4886) عن قتادة، و (4887) عن عبد الرحمن بن عجلان؛ فالروايتان مرسلتان، وضعيفتان

321 ـ باب في النميمة

مَظلمتي ممّن ظلمني لا في الدنيا ولا في الآخرة، وهذا يَنفعُ في إسقاط مَظلمة كانت موجودة قبل الإِبراء. فأما يحدثُ بعدَه فلا بدّ من إبراء جديد بعدَها، وبالله التوفيق. 321 ـ بابٌ في النميمة قد ذكرنا تحريمها ودلائلَها وما جاء في الوعيد عليها وذكرنَا بيانَ حقيقتها ولكنه مختصرٌ، ونزيدُ الآن في شرحه. قال الإِمام أبو حامد الغزالي رحمه الله: النميمةُ إنما تُطلق في الغالب على مَن يَنمُّ قولَ الغير إلى المقول فيه، كقوله: فلان يقولُ فيك كذا، وليست النميمةُ مخصوصةً بذلك، بل حدّها كشف ما يكره كشفُه، سواء كرهه المنقول عنه، أو المنقول إليه، أو ثالث، وسواء كان الكشفُ بالقول أو الكتابة أو الرمز أو الإِيماء أو نحوها، وسواء كان المنقولُ من الأقوال أو الأعمال، وسواء كان عيبًا أو غيره، فَحَقِيْقَةُ النميمة إفشاءُ السرّ وهتكُ الستر عمّا يُكره كشفُه، وينبغي للإِنسان أن يسكتَ عن كلِّ ما رآهُ من أحوال الناس إلا ما في حكايته فائدةٌ لمسلم أو دفعُ معصية، وإذا رآهُ يُخفي مالَ نفسه فذكره فهو نميمة. قال: وكلُّ مَنْ حُمِلت إليه نميمة وقيل له: قال فيك فلان كذا، لزمه ستة أمور: الأول: أن لا يصدقه، لأن النَّمامَ فاسقٌ وهو مردود الخبر. الثاني: أن ينهاه عن ذلك وينصحه ويقبّح فعله. الثالث: أن يبغضَه في الله تعالى فإنه بغيض عند الله تعالى، والبغضُ في الله تعالى واجب. الرابع: أن لا يظنّ بالمنقول عنه السوء لقول الله تعالى: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظنّ} [الحجرات:12].

322 ـ باب النهي عن نقل الحديث إلى ولاة الأمور إذا لم تدع إليه ضرورة لخوف مفسدة ونحوها

الخامس: أن لا يحملَك ما حُكي لك على التجسس والبحث عن تحقيق ذلك، قال الله تعالى: {ولا تَجَسَّسُوا} [الحجرات:12]. السادس: أن لا يرضى لنفسه ما نهى النمّامَ عنه فلا يحكي نميمته. وقد جاء أن رجلًا ذَكَرَ لعمرَ بن عبد العزيز رضي الله عنه رجلًا بشيء، فقال عمر: إن شئتَ نظرنَا في أمرك، فإن كنتَ كاذبًا فأنتَ من أهل هذه الآية: {إنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبإ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:6] وإن كنتَ صادقًا فأنتَ من أهل هذه الآية: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بنَمِيمٍ} [القلم:11] وإن شئتَ عفونا عنك، قال: العفو يا أميرَ المؤمنين! لا أعودُ إليه أبدًا. ورفع إنسانٌ رُقعةً إلى الصاحب بن عبّاد يحثُّه فيها على أخذ مال يتيم، وكان مالًا كثيرًا، فكتبَ على ظهرها: النميمةُ قبيحةٌ وإن كانت صحيحةً، والميّتُ رحمه الله، واليتيمُ جبرَه الله، والمالُ ثَمَّرَهُ الله، والساعي لعنه الله. 322 ـ بابُ النهي عن نَقْلِ الحَديثِ إلى وُلاةِ الأُمور إذا لم تَدْعُ إليه ضرورةٌ لخوفِ مَفْسدةٍ ونحوِهَا [1/ 908] روينا في كتابي أبي داود والترمذي، عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا يُبَلِّغْني أحَدٌ منْ أصْحابِي عَنْ أحَدٍ شَيْئًا، فإني أُحِبُّ أنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ وأنا سَلِيمُ الصَّدْرِ". ¬

[908] أبو داود (4860)، والترمذي (3893)، وإسناده ضعيف. ولذلك قال الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجه. وانظر ضعيف الجامع الصغير 6/ 86.

323 ـ باب النهي عن الطعن في الأنساب الثابتة في ظاهر الشرع

323 ـ بابُ النَّهي عن الطعن في الأَنْسَابِ الثَّابتةِ في ظاهِر الشَّرْعِ قال الله تعالى: {وَلاَ تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا} [الإِسراء:36]. [1/ 909] وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ "اثْنَتانِ في النَّاسِ هُمَا بِهمْ كُفْرٌ: الطَّعْنُ في النَّسَبِ، وَالنِّياحَةُ على المَيِّت". 324 ـ بابُ النّهي عن الافْتِخَار قال الله تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أنْفُسَكُمْ هُوَ أعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم:32]. [1/ 910] وروينا في صحيح مسلم وسنن أبي داود وغيرهما، عن عياض بن حِمار الصحابي رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ تَعالى أوْحَى إليَّ أنْ تَوَاضَعُوا حتَّى لا يَبْغيَ أحَدٌ على أحَدٍ، وَلا يَفْخَرَ أحَدٌ على أحَدٍ". 325 ـ بابُ النهي عن إظهار الشماتة بالمسلم [1/ 911] روينا في كتاب الترمذي، عن واثلةَ بن الأسقع رضي الله ¬

[909] مسلم (67). [910] مسلم (2865) (64)، وأبو داود (4895)، وابن ماجه (1214). ومعنى "لا يبغي": لا يظلم. [911] الترمذي (2508) عن مكحول، عن واثلة بن الأسقع، وقال: حديث حسن غريب، والترمذي (2507) عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن معاذ بن جبل قال: قال =

326 ـ باب تحريم احتقار المسلمين والسخرية منهم

عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُظْهِرِ الشَّماتَةَ لأخِيكَ فَيَرْحَمُهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيكَ" قال الترمذي: حديث حسن. 326 ـ بابُ تَحريمِ احْتِقار المسلمينَ والسُّخْرِيةِ منهم قال الله تعالى: {الَّذِينَ يلْمِزُونَ المُطَّوِّعِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ في الصَّدَقَاتِ وَالَّذينَ لا يَجدُونَ إلا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ} [التوبة:79] وقال تعالى: {يا أيُّها الَّذين آمَنُوا لا يَسخَرُ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسَى أنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أنْفُسَكُمْ وَلا تَابَزُوا بالألْقابِ} الآية [الحجرات:11]، وقال تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة:1]. وأما الأحاديث الصحيحةُ في هذا الباب فأكثرُ من أن تُحصر، وإجماعُ الأمة منعقدٌ على تحريم ذلك، والله أعلم. [1/ 912] وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَحاسَدُوا، وَلا تَناجَشُوا، وَلا تَباغَضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلا يَبْغِ بَعْضُكُمْ على بَعْضٍ وكُونُوا عِبادَ اللَّهِ إخْوانًا، المُسلِمُ أخُو المُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ وَلا يَخْذُلُهُ وَلا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنا ـ ويشيرِ إلى صدره ثلاثَ مرات ـ بِحَسْبِ امْرىءٍ مِنَ الشَّرّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِمَ، كُلُّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ ومَالُهُ وَعِرْضُهُ". ¬

= رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عيَّرَ أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله" وقال: حديث حسن غريب. قال الحافظ ابن حجر: هكذا وصف ـ يعني الترمذي ـ كلاٍّ منهما بالحسن والغرابة، فأما الغرابة فلتفرّد بعض رواة كلٍّ منهما عن شيخه، فهي غرابة نسبية، وأما الحسن فلاعتضاد كلٍّ منهما بالآخر. انظر مشكاة المصابيح 3/ 1785. [912] مسلم (2564). ومعنى "بحسب امرىء من الشر": أي كافيه من الشر احتقار أخيه المسلم.

327 ـ باب غلظ تحريم شهادة الزور

قلتُ: ما أعظم نفع هذا الحديث وأكثر فوائده لمن تدبره. [2/ 913] وروينا في صحيح مسلم، عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَدْخُل الجَنَّةَ مَنْ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، فقال رجلٌ: إن الرجلَ يُحبّ أن يكون ثوبُه حسنًا ونعلُه حسنةً، قال: إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ، الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ". قلتُ: بَطر الحقّ بفتح الباء والطاء المهملة وهو دفعه وإبطاله، وغمطٌ بفتح الغين المعجمة وإسكان الميم وآخره طاء مهملة، ويروى غمص بالصاد المهملة ومعناهما واحد وهو الاحتقار. 327 ـ بابُ غِلَظِ تحريمِ شَهادةِ الزُّور قال الله تعالى: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج:30] وقال تعالى: {وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤادَ كُلُّ أُولَئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا} [الإِسراء:36]. [1/ 914] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي بكرة نُفيع بن الحارث رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أُنَبِّئُكُمْ بأكْبَرِ الكَبائرِ؟ ـ ثلاثًا ـ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: الإِشْرَاكُ باللَّهِ، وَعُقُوقُ الوالِدَيْنِ، وكان متكئًا فجلسَ فقال: ألا وَقَوْلُ الزُّور وَشَهادَةُ الزُّورِ" فما زال يُكرّرها حتى قلنا: ليته سكت. قلت: والأحاديثُ في هذا الباب كثيرة، وفيما ذكرته كفاية، والإِجماع منعقد عليه. ¬

[913] مسلم (91)، وأبو داود (4091)، والترمذي (1999). [914] البخاري (2654)، ومسلم (87).

328 ـ باب النهي عن المن بالعطية ونحوها

328 ـ بابُ النهي عن المَنِّ بالعَطِيَّةِ ونحوِها قال الله تعالى: {يا أيُّهَا الذينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بالمَنِّ وَالأذَى} [البقرة:264] قال المفسرون: أي لا تُبطلوا ثوابَها. [1/ 915]ـ وروينا في صحيح مسلم، عن أبي ذرّ رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلا يُزَكِّيهمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"، قال: فقرأها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثلاثَ مَرَّاتٍ، قال أبو ذرّ: خابُوا وخَسِروا مَن هم يا رسولَ الله؟! قال: "المُسْبِلُ، وَالمَنَّانُ، وَالمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بالْحَلِفِ الكاذِبِ". 329 ـ بابُ النَّهي عن اللَّعْن [1/ 916] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ثابت بن الضحَّاك رضي الله عنه، وكان من أصحاب الشجرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَعْنُ المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ". [2/ 917] وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أنْ يَكُونَ لَعَّانًا". [3/ 918] وروينا في صحيح مسلم أيضًا، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعاءَ وَلا شُهَدَاءَ يَوْمَ القِيامَةِ". ¬

[915] مسلم (106) وفي رواية لمسلم "المسبلُ إزارَه" أي المسبل إزاره وثوبه أسفل من الكعبين للخيلاء. [916] البخاري (6044)، ومسلم (110). [917] مسلم (2597). [918] مسلم (2598)، وفيه: أن مَن يعتاد لعن الناس في الدنيا فاسق، لا تُقبل شهادته ولا شفاعته يوم القيامة.

[4/ 919] وروينا في سنن أبي داود والترمذي، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَلاعَنُوا بِلَعْنَةِ اللَّهِ وَلا بِغَضَبِهِ وَلا بالنَّارِ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. [5/ 920] وروينا في كتاب الترمذي، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ المُؤْمِنُ بالطَّعَّانِ وَلا اللَّعّان وَلا الفاحِشِ وَلا البَذيء" قال الترمذي: حديث حسن. [6/ 921] وروينا في سنن أبي داود، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ العَبْد إذَا لَعَنَ شَيْئًا صَعِدَتِ اللَّعْنَةُ إلى السَّماءِ فَتُغْلَقُ أبْوَابُ السَّماءِ دُونَهَا، ثمَّ تَهْبِطُ إلى الأرْضِ فَتُغْلَقُ أبْوَابُها دُونَها، ثُمَّ تأخُذُ يَمِينًا وَشِمالًا، فإذَا لَمْ تَجِدْ مَساغًا رَجَعَتْ إلى الَّذي لُعِنَ، فإن كان أهْلًا لِذَلِكَ وَإِلاَّ رَجَعَتْ إلى قائِلِها". [7/ 922] وروينا في كتابي أبي داود والترمذي، عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ لَعَنَ شَيْئًا لَيْسَ بأهْلٍ رَجَعَتِ اللَّعْنَة عَلَيْهِ". [8/ 923] وروينا في صحيح مسلم، عن عمران بن الحصين رضي ¬

[919] أبو داود (4906)، والترمذي (1977)، وهو من رواية الحسن البصري عن سمرة، والحسن لم يسمع من سمرة، ومع ذلك فالحديث حسن بشواهده. [920] الترمذي (1978) وقال ابن علاّن: هو حديث صحيح أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد، وابن حبّان والحاكم كلّهم عن ابن مسعود. [921] أبو داود (4905)، وهو حديث حسن بشواهده، انظر صحيح الجامع الصغير 1/ 78، ومعنى "مَسَاغًا" مدخلًا وطريقًا. [922] أبو داود (4908)، والترمذي (1979)، وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب. لا نعلم أحدًا أسنده غير بشر، وبشر هذا هو الزهراني، ثقة، احتجّ به البخاري ومسلم. [923] مسلم (2595).

الله عنهما قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فَضَجِرَتْ فلعنتها، فسمعَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: "خُذُوا ما عَلَيْها وَدَعُوها فإنَّها مَلْعُونَةٌ" قال عمران: فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يَعرض لها أحد. قلت: اختلف العلماء في إسلام حصين والد عمران وصحبته، والصحيح إسلامه وصحبته، فلهذا قلت رضي الله عنهما. [9/ 924] وروينا في صحيح مسلم أيضًا، عن أبي برزة رضي الله عنه قال: بينما جاريةٌ على ناقةٍ عليها بعضُ متاع القوم، إذ بصرتْ بالنبيّ صلى الله عليه وسلم وتضايقَ بهم الجبلُ فقالت: حَلْ اللَّهمّ العنها، فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لا تُصَاحِبُنا ناقَةٌ عَلَيْها لَعْنَةٌ" وفي رواية: "لا تُصَاحِبُنا رَاحِلَةٌ عَلَيْها لَعْنَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى". قلت: حَلْ بفتح الحاء المهملة وإسكان اللام، وهي كلمة تزجر بها الإِبل. [فصل]: في جواز لعن أصحاب المعاصي غير المعينين والمعروفين؛ ثبت في الأحاديث الصحيحة المشهورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لَعَنَ اللَّهُ الوَاصِلَةَ وَالمُسْتَوْصِلَةَ" (¬1) الحديث، وأنه قال: "لَعَنَ اللَّهُ آكِلَ الرّبا" (¬2) الحديث، وأنه قال: "لَعَنَ اللَّهُ المُصَوِّرِينَ" (¬3) وأنه قال: "لَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ مَنارَ الأرْضِ" (¬4) وأنه قال "لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ البَيْضَةَ (¬5) وأنه قال: "لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ" (¬6) وأنه ¬

[924] مسلم (2596). (¬1) البخاري (5131)، ومسلم (2125) (¬2) مسلم (1597) (¬3) البخاري (2238) و (2086) (¬4) مسلم (1978)، والنسائي 7/ 232 (¬5) مسلم (1978)، والنسائي 7/ 232 (¬6) مسلم (1978)، والنسائي 7/ 232

قال "مَنْ أحْدَثَ فِينا حَدَثًا أوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أجمَعِينَ" (¬1) وأنه قال: "اللَّهُمَّ الْعَنْ رِعْلًا وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ عَصَتِ الله وَرَسُولَهُ" (¬2) وهذه ثلاث قبائل من العرب، وأنه قال: "لَعَنَ اللَّهُ اليَهُودَ حُرّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فجمَلُوها فَباعُوها" (¬3) وأنه قال: "لَعَنَ اللَّهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيائِهِمْ مَسَاجِدَ" (¬4) وأنه "لعن المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال" (¬5). وجميع هذه الألفاظ في صحيحي البخاري ومسلم بعضها فيهما وبعضها في أحدهما، وإنما أشرتُ إليها ولم أذكر طرقها للاختصار. [10/ 925] وروينا في صحيح مسلم، عن جابر: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى حِمارًا قد وُسِمَ في وجهه فقال: "لَعَنَ اللَّهُ الَّذي وَسَمَهُ". [11/ 926] وفي الصحيحين، أن ابن عمر رضي الله عنهما مرَّ بفتيان من قُريش قد نَصبوا طيرًا وهم يرمونه، فقال ابن عمر: لعن الله من فعلَ هذا، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لَعَنَ اللَّهُ مَنِ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا". [فصل]: اعلم أن لعن المسلم المصون حرامٌ بإجماع المسلمين، ويجوزُ لعنُ أصحاب الأوصاف المذمومة كقولك: لعن الله الظالمين، لعن الله الكافرين، لعن الله اليهود والنصارى، ولعن الله الفاسقين، لعن الله ¬

[925] مسلم (2116). [926] البخاري (5515)، ومسلم (1958). (¬1) البخاري (6783)، ومسلم (1687) (¬2) البخاري (4090)، ومسلم (675)، وتقدم برقم 2/ 790 (¬3) البخاري (2223)، ومسلم (1582)، و"جَمَلوها": أذابوها (¬4) البخاري (435)، ومسلم (530) (¬5) البخاري (5886) عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما

المصوّرين، ونحو ذلك مما تقدَّم في الفصل السابق. وأما لعن الإِنسان بعينه ممّن اتَّصَفَ بشيءٍ من المعاصي؛ كيهودي أو نصراني أو ظالم أو زانٍ أو مصوّرٍ أو سارقٍ أو آكلِ ربا، فظواهر الأحاديث أنه ليس بحرام. وأشارَ الغزالي إلى تحريمه إلا في حقّ مَن عَلِمْنَا أنه مات على الكفر كأبي لهب وأبي جهل وفرعونَ وهامانَ وأشباههم، قال: لأن اللعن هو الإِبعاد عن رحمة الله تعالى، وما ندري ما يُتم به لهذا الفاسق أو الكافر. قال: وأما الذين لعنَهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بأعيانهم فيجوزُ أنه صلى الله عليه وسلم عَلِمَ موتَهم على الكفر. قال: ويقربُ من اللعن الدعاء على الإِنسان بالشرّ حتى الدعاء على الظالم؛ كقول الإِنسان: لا أصحَّ الله جسمَه، ولا سلَّمه الله، وما جرى مجراه، وكلُّ ذلك مذمومٌ، وكذلك لعنُ جميع الحيوانات والجماد فكلُّه مذموم. [فصل]: حكى أبو جعفرُ النحاس عن بعض العلماء أنه قال: إذا لعن الإِنسانُ ما لا يستحقّ اللعن، فليبادرْ بقوله: إلاّ أن يكون لا يستحقّ. [فصل]: ويجوزُ للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر وكلّ مؤدِّب أن يقولَ من يخاطبه في ذلك الأمر: ويلك، أو يا ضعيفَ الحال! أو يا قليلَ النظر لنفسه! أو يا ظالمَ نفسه! وما أشبه ذلك بحيث لا يتجاوز إلى الكذب، ولا يكون فيه لفظُ قذفٍ، صريحًا كان أو كنايةً أو تعريضًا، ولو كان صادقًا في ذلك، وإنما يجوزُ ما قدَّمناه ويكون الغرضُ منه التأديب والزجر، وليكونَ الكلامُ أوقعَ في النفس. [12/ 927] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أنس رضي الله ¬

[927] البخاري (1689)، ومسلم (1322). وفيها "اركبْها ويلَكَ" في الثانية أو الثالثة. ويفيد الحديث: تكرير الفَتوى، والندب إلى المبادرة إلى امتثال الأمر، وزجر مَنْ لم يُبادر إلى ذلك وتوبيخه.

عنه؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يسوقُ بدنةً، فقال: "ارْكَبْها"، فقال: إنها بدنة، قال: "ارْكَبْها"، قال: إنها بدنة، قال في الثالثة: ارْكَبْها وَيْلَك". [13/ 928] وروينا في صحيحيهما، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يَقسم قَسْمًا أتاه ذو الخويصرة، رجلٌ من بني تميم، فقال: يا رسول الله! اعدل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أعْدِلْ". [14/ 929] وروينا في صحيح مسلم، عن عديّ بن حاتم رضي الله عنه: أن رجلًا خطبَ عندَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مَنْ يُطع الله ورسولَه فقد رشدَ، ومَنْ يعصهِمَا فقد غوى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بِئْسَ الخَطِيبُ أنْتَ، قُلْ: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ". [15/ 930] وروينا في صحيح مسلم، أيضًا، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن عبدًا لحاطب رضي الله عنه جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو حاطبًا فقال: يا رسولَ الله! ليدخلنّ حاطبٌ النَّارَ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كَذَبْتَ لا يَدْخُلُها، فإنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَالحُدَيْبِيَةَ". [16/ 931] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، قولَ أبي بكر الصديق رضي الله عنه لابنه عبد الرحمن حين لم يجده عشَّى أضيافه: يا غنثر، وقد تقدم بيان هذا الحديث في كتاب الأسماء. [17/ 932] وروينا في صحيحيهما: أن جابرًا صلَّى في ثوب واحد ¬

[928] البخاري (6163)، ومسلم (1064). [929] مسلم (870). [930] مسلم (2195). [931] البخاري (602)، ومسلم (2057). [932] البخاري (352)، ومسلم (766).

330 ـ باب النهي عن انتهار الفقراء والضعفاء واليتيم والسائل ونحوهم، وإلانة القول لهم والتواضع معهم

وثيابه موضوعة عنده، فقيل له: فعلتَ هذا؟ فقال: فعلته ليراني الجهّالُ مثلكُم، وفي رواية: ليراني أحمق مثلك. 330 ـ بابُ النَّهي عن انتهارِ الفُقَراءِ والضُّعَفاءِ واليتيم والسَّائلِ ونحوهم، وإلانةُ القوْل لهم والتواضعُ معهم قال الله تعالى: {فأمَّا اليَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ، وأمَّا السَّائلَ فَلا تَنْهَرْ} [الضحى: 9ـ10] وقال تعالى: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} إلى قوله تعالى: {فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام:52] وقال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ يُريدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} [الكهف: 28] وقال تعالى: {وَاخْفِضْ جَناحَكَ للِمُؤْمِنِينَ} [الحجر:88]. [1/ 933] وروينا في صحيح مسلم، عن عائذ بن عمرو بالذال المعجمة الصحابي رضي الله عنه؛ أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر، فقالوا: ما أخذتْ سيوفُ الله من عنق عدوّ الله مأخذها، فقال أبو بكر رضي الله عنه: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدِهم، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: "يا أبا بَكْرٍ! لَعَلَّكَ أغْضَبْتَهُمْ؟ لَئِنْ كُنْتَ أغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أغْضَبْتَ رَبَّكَ" فأتاهم فقال: يا إخوتاه! أغضبتُكم؟ فقالوا: لا. قلت: قوله مأخذَها، بفتح الخاء: أي لم تستوفِ حقها من عنقه لسوء فعاله. ¬

[933] مسلم (2504).

331 ـ باب في ألفاظ يكره استعمالها

331 ـ بابٌ في ألفاظٍ يُكرهُ استعمالُها [1/ 934] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن سهل بن حُنيف، وعن عائشة رضي الله عنهما، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَقُولَنَّ أحَدُكُمْ خَبُثَتْ نَفْسِي، وَلَكِنْ لِيَقُلْ لَقِسَتْ نَفْسِي". [2/ 935] وروينا في سنن أبي داود، بإسناد صحيح، عن عائشة رضي الله عنها، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَقُولَنَّ أحَدُكُمْ جاشَتْ نَفْسِي، وَلَكِنْ لِيَقُلْ لَقِسَتْ نَفْسِي" قال العلماء: معنى لَقِسَتْ وجاشت: غثت؛ قالوا: وإنما كُرِه خبثت للفظ الخبث والخبث. قال الإِمام أبو سليمان الخطابي: لقست وخبثت معناهما واحد، وإنما كُره خبث للفظ الخبث وبشاعة الاسم منه، وعلَّمهم الأدب في استعمال الحسن منه وهجران القبيح، وجاشت بالجيم والشين المعجمة، ولقست بفتح اللام وكسر القاف. [فصل]: [3/ 936] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يَقُولُونَ الكَرْمَ، إنَّمَا الكَرْمُ قَلْبُ المؤْمِنِ" وفي رواية لمسلم "لا تُسَمُّوا العِنَب الكَرْمَ، فإنَّ الكَرْمَ المُسْلِمُ" وفي رواية "فإنَّ الكَرْمَ قَلْب المُؤْمِنِ". [4/ 937] وروينا في صحيح مسلم، عن وائلَ بن حِجر رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا تَقُولُوا الكَرْمَ، وَلَكِنْ قُولُوا العِنَبَ والحَبَلَةَ". ¬

[934] البخاري (6179)، ومسلم (2251). [935] أبو داود (4979)، وإسناده صحيح. [936] البخاري (6183)، ومسلم (2246) و (2247). [937] مسلم (2248).

قلت: الحَبَلة بفتح الحاء والباء، ويُقال أيضًا بإسكان الباء قاله الجوهري وغيرُه، والمراد من هذا الحديث النهي عن تسمية العنب كرمًا، وكانت الجاهليةُ تسمّيه كرمًا، وبعضُ الناس اليوم تُسمّيه كذلك، ونهى النبيّ صلى الله عليه وسلم عن هذه التسمية، قال الإِمام الخطابي وغيره من العلماء: أشفق النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يدعوهم حسنُ اسمها إلى شربِ الخمر المتخذة من ثمرها فسلبَها هذا الاسم، والله أعلم. [فصل]: [5/ 938] روينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا قالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أهْلَكُهُمْ". قلت: روي أهلكُهم برفع الكاف وفتحها، والمشهور الرفع، ويُؤيِّده أنه جاء في رواية رويناها في حلية الأولياء في ترجمة سفيان الثوري "فَهُوَ مِنْ أهْلَكِهمْ" قال الإِمام الحافظ أبو عبد الله الحميدي في الجمع بين الصحيحين في الرواية الأولى، قال بعض الرواة: لا أدري هو بالنصب أم بالرفع؟ قال الحميدي: والأشهر الرفع: أي أشدُّهم هلاكًا، قال: وذلك إذا قال على سبيل الإزراء عليهم والاحتقار لهم وتفضيل نفسه عليهم، لأنه لا يدري سرّ الله تعالى في خلقه، هكذا كان بعضُ علمائنا يقولُ، هذا كلام الحميدي. وقال الخطابي: معناه: لا يزالُ يعيبُ الناسَ ويذكرُ مساويهم ويقول: فسدَ النَّاسُ وهلكوا ونحو ذلك، فإذا فعل ذلك فهو أهلكُهم: أي أسوأ حالًا فيما يَلحقُه من الإِثم في عيبهم والوقيعة فيهم، وربما أدّاه ذلك إلى العجب بنفسه ورؤيته أن له فضلًا عليهم، وأنه خير منهم فيهلك، هذا كلام الخطابي فيما رويناه عنه في كتابه "معالم السنن". ¬

[938] مسلم (2623)، ومسند الإِمام أحمد 2/ 342.

[6/ 939] وروينا في سنن أبي داود رضي الله عنه قال: حدّثنا القعنبي، عن مالك، عن سهل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة فذكر هذا الحديث، ثم قال: قال مالكٌ: إذا قال ذلك تحزنًا لما يرى في الناس قال: يعني من أمر دينهم فلا أرى به بأسًا، وإذا قال ذلك عجبًا بنفسه وتصاغرًا للناس فهو المكروه الذي يُنهى عنه. قلتُ: فهذا تفسير بإسناد في نهاية من الصحة وهو أحسن ما قيل في معناه وأوجز، ولا سيما إذا كان عن الإِمام مالك رضي الله عنه. [فصل]: [7/ 940] روينا في سنن أبي داود، بالإِسناد الصحيح، عن حذيفةَ رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا تَقُولُوا ما شاءَ اللَّهُ وَشاءَ فُلانٌ، وَلَكِنْ قولُوا ما شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ ما شَاءَ فُلانٌ". قال الخطابي وغيره: هذا إرشادٌ إلى الأدب، وذلك أن الواو للجمع والتشريك، وثم للعطف مع الترتيب والتراخي، فأرشدَهم صلى الله عليه وسلم إلى تقديم مشيئة الله تعالى على مشيئة مَن سواه. وجاء عن إبراهيم النخعي أنه كان يكرهُ أن يقول الرجل: أعوذ بالله وبك؛ ويجوز أن يقول: أعوذ بالله ثم بك؛ قالوا: ويقول: لولا الله ثم فلان لفعلت كذا، ولا تقل: لولا الله وفلان. [فصل]: ويُكره أن يقول: مُطرنا بنوْءِ كذا، فإن قاله معتقدًا أن الكوكب هو الفاعل هو كفر، وإن قاله معتقدًا أن الله تعالى هو الفاعل وأن ¬

[939] أبو داود (4983). وهو في الموطأ 2/ 984. [940] أبو داود (4980)، وإسناده صحيح، وعزاه في صحيح الجامع الصغير 6/ 171 إلى مسند الإِمام أحمد، وأبي داود، والنسائي، كلهم عن حذيفة.

النوْءَ المذكور علامة لنزول المطر لم يكفر، ولكنه ارتكب مكروهًا لتلفظه بهذا اللفظ الذي كانت الجاهلية تستعملُه، مع أنه مشتركٌ بين إرادة الكفر وغيره، وقد قدَّمنا الحديث الصحيح المتعلق بهذا الفصل في باب ما يقول عند نزول المطر. [فصل]: يحرمُ أن يقولَ إن فعلتُ كذا فأنا يهوديّ أو نصراني، أو بريءٌ من الإسلام ونحو ذلك، فإن قاله وأرادَ حقيقة تعليق خروجه عن الإِسلام بذلك صارَ كافرًا في الحال وجرتْ عليه أحكامُ المرتدّين، وإن لم يُردْ ذلك لم يكفرْ، لكن ارتكبَ محرّمًا، فيجبُ عليه التوبة، وهي أن يُقلعَ في الحال عن معصيته ويندمَ على ما فعل ويَعْزِمَ على أن لا يعودَ إليه أبدًا ويستغفر الله تعالى ويقول: لا إله إلاَّ الله محمدٌ رسولُ الله. [فصل]: يحرم عليه تحريمًا مغلّظًا أن يقولَ لمسلم: يا كافر! [8/ 941] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا قالَ الرَّجُلُ لأخِيهِ: يا كافِرٌ! فَقَدْ باءَ بِها أحَدُهُما، فإن كانَ كما قال وَإِلاَّ رَجَعَتْ عَلَيْهِ". [9/ 942] وروينا في صحيحيهما، عن أبي ذرّ رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ دَعا رَجُلًا بالكُفْرِ أوْ قَالَ عَدُوُّ اللَّه ـ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ـ إلاَّ حارَ عَلَيْهِ" وهذا لفظ رواية مسلم، ولفظ البخاري بمعناه، ومعنى حارَ: رجع. [فصل]: لو دعا مسلم على مسلم فقال: اللَّهمّ اسلبه الإِيمانَ عصى بذلك، وهل يكفر الداعي بمجرد هذا الدعاء؟ فيه وجهان لأصحابنا حكاهما ¬

[941] البخاري (6103)، ومسلم (60). [942] البخاري (6045)، ومسلم (61).

القاضي حسين من أئمة أصحابنا في الفتاوى أصحُّهما لا يكفر، وقد يُحتجّ لهذا بقول الله تعالى إخبارًا عن موسى صلى الله عليه وسلم: {رَبَّنا اطْمِسْ على أمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ على قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا} الآية [يونس: 88]، وفي هذا الاستدلال نظر، وإن قلنا إنَّ شرعَ من قبلنَا شرعٌ لنا. [فصل]: لو أكرهَ الكفّار مسلمًا على كلمة الكفر فقالها وقلبه مطمئنّ بالإِيمان لم يكفر بنصّ القرآن (¬1) وإجماع المسلمين، وهل الأفضل أن يتكلَّم بها ليصونَ نفسَهُ من القتل؟ فيه خمسةُ أوجه لأصحابنا، الصحيحُ أن الأفضلَ أن يصبرَ للقتل ولا يتكلّم بالكفر، ودلائلُه من الأحاديث الصحيحة وفعل الصحابة رضي الله عنهم مشهورة، والثاني الأفضلُ أن يتكلَّمَ ليصونَ نفسَه من القتل. والثالث إن كان في بقائه مصلحةٌ للمسلمين بأن كان يرجو النكايةَ في العدوّ أو القيام بأحكام الشرع، فالأفضلُ أن يتكلَّم بها، وإن لم يكن كذلك فالصبرُ على القتل أفضل. والرابع إن كان من العلماء ونحوهم ممّن يُقتدى بهم فالأفضلُ الصبر لئلا يغترّ به العوامّ. والخامسُ أنه يجبُ عليه التكلّم لقول الله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بأيْدِيكُمْ إلى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195] وهذا الوجه ضعيف جدًا. [فصل]: لو أكره المسلمُ كافرًا على الإِسلام فنطقَ بالشهادتين، فإن كان الكافرُ حربيًا صحّ إسلامه، لأنه إكراه بحقّ؛ وإن كان ذميًّا لم يصِرْ مسلمًا لأنّا التزمنا الكفّ عنه، فإكراهُه بغير حق، وفيه قولٌ ضعيفٌ أنه يصيرُ مسلمًا لأنه أمره بالحقّ. [فصل]: إذا نطقَ الكافرُ بالشهادتين بغير إكراه، فإن كان على سبيل الحكاية بأن قال: سمعتُ زيدًا يقول: لا إِله إِلاَّ الله محمدٌ رسولُ الله. لم ¬

(¬1) قال تعالى: {إِلاّ مَن أُكره وقلبه مطمئن بالإِيمان} [النحل:106]

يُحكم بإسلامه، وإن نطقَ بهما بعد استدعاء مسلم بأن قال له مسلمٍ: قل لا إِله إلاَّ الله محمدٌ رسولُ الله، فقالهما، صارَ مسلمًا؛ وإن قالهما ابتداءً لا حكايةً ولا باستدعاء، فالمذهبُ الصحيحُ المشهورُ الذي عليه جمهور أصحابنا أنه يصيرُ مسلمًا، وقيل لا يصيرُ لاحتمال الحكاية. [فصل]: ينبغي أن لا يُقال للقائم بأمر المسلمين خليفة الله، بل يُقال الخليفة، وخليفةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأميرُ المؤمنين. روينا في شرح السنّة للإِمام أبي محمد البغوي رضي الله عنه قال رحمه الله: لا بأسَ أن يُسمَّى القائم بأمر المسلمين أمير المؤمنين والخليفة، وإن كان مخالفًا لسيرة أئمة العدل لقيامه بأمر المؤمنين وسمع المؤمنين له. قال: ويُسمَّى خليفة لأنه خلفَ الماضي قبلَه وقام مقامه. قال: ولا يُسمى أحدٌ خليفة الله تعالى بعد آدم وداود عليهما الصلاة والسلام. قال الله تعالى: {إني جاعِلٌ في الأرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:30] وقال تعالى: {يا دَاوُدَ إنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفةً في الأرْضِ} [ص:26] وعن ابن أبي مُليكة أن رجلًا قال لأبي بكر الصديق رضي الله عنه: يا خليفة الله! فقال: أنا خليفة محمد صلى الله عليه وسلم، وأنا راضٍ بذلك. وقال رجلٌ لعمرَ بن الخطاب رضي الله عنه: يا خليفة الله! فقال: ويلَك لقد تناولتَ تناولًا بعيدًا، إن أُمّي سمّتني عمر، فلو دعوتني بهذا الاسم قبلتُ، ثم كَبِرتُ فكُنِّيتُ أبا حفص، فلو دعوتني به قبلتُ، ثم وليتموني أمورَكم فسمَّيتُوني أمَير المؤمنين، فلو دعوتني بذاك كفاك. وذكر الإِمام أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي البصري الفقيه الشافعي في كتابه "الأحكام السلطانية" أن الإِمامَ سُمِّيَ خليفةً؛ لأنه خلفَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في أُمته، قال: فيجوز أن يُقال الخليفة على الإِطلاق، ويجوز خليفة رسول الله.

قال: واختلفوا في جواز قولنا خليفة الله، فجوّزه بعضُهم لقيامه بحقوقه في خلقه، ولقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ في الأرْضِ} [فاطر:39] وامتنع جمهورُ العلماء من ذلك ونسبُوا قائلَه إلى الفجور، هذا كلام الماوردي. قلتُ: وأوّلُ مَن سُمِّي أميرَ المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لا خلاف في ذلك بين أهل العلم. وأما ما توهمه بعضُ الجهلة في مسيلمة فخطأٌ صريح وجهلٌ قبيح مخالف لإِجماع العلماء، وكُتبهم متظاهرة على نقل الاتفاق على أن أوّل مَن سُمِّي أميرَ المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقد ذكر الإِمام الحافظ أبو عمر بن عبد البرّ في كتابه "الاستيعاب" في أسماء الصحابة رضي الله عنهم بيان تسمية عمر أمير المؤمنين أوّلًا، وبيان سبب ذلك، وأنه كان يُقال في أبي بكر رضي الله عنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. [فصل]: يحرمُ تحريمًا غليظًا أن يقولَ للسلطان وغيره من الخلق شاهان شاه، لأن معناه ملك الملوك، ولا يُوصف بذلك غير الله سبحانه وتعالى. [10/ 943] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هُريرة رضي الله عنه عن النبيّ قال: "إنَّ أخْنَعَ اسْمٍ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى رَجُلٌ يُسَمَّى مَلِكَ الأمْلاكِ" وقد قدّمنا بيان هذا في كتاب الأسماء، وأن سفيانَ بن عيينة قال: ملك الأملاك مثل شاهان شاه. ¬

[943] البخاري (6205)، ومسلم (2143)، ومعنى "أخنع": أوضع وأذل. وتقدم الحديث برقم 3/ 731.

[فصل]: في لفظ السيد. اعلم أن السيد يُطلق على الذي يفوق قومَه ويرتفعُ قدرُه عليهم، ويُطلق على الزعيم والفاضل، ويُطلق على الحليم الذي لا يستفزّه غضبُه، ويُطلق على الكريم وعلى المالك وعلى الزوج، وقد جاءت أحاديثُ كثيرةٌ بإطلاق سيد على أهل الفضل. [11/ 944] فمن ذلك ما رويناه في صحيح البخاري، عن أبي بكرةَ رضي الله عنه؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم صَعِدَ بالحسن بن عليّ رضي الله عنهما المنبرَ فقال: "إنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ الله تعالى أنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ". [12/ 945] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال للأنصار لما أقبل سعد بن معاذ رضي الله عنه: "قُومُوا إلى سَيِّدِكُمْ" أو "خَيْرِكُمْ" كذا في بعض الروايات "سيّدكم أو خيرِكم" وفي بعضها "سيّدكم" بغير شك. [13/ 946] وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن سعدَ بن عبادة رضي الله عنه قال: يا رسولَ الله! أرأيتَ الرجلَ يجدُ مع امرأته رجلًا أيقتله؟ الحديث، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انْظُرُوا إلى ما يَقُولُ سَيِّدُكُمْ". وأما ما وردَ في النهي: [14/ 947] فما رويناه بالإِسناد الصحيح في سنن أبي دَاود، عن بريدة ¬

[944] البخاري (3746)، وأبو داود (4662)، والنسائي (251)، وأوله: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسنُ إلى جنبه يظرُ إلى الناسِ مرةً وإليه مرةً ويقول: "ابني هذا سيد ... "الخ. [945] البخاري (4121)، ومسلم (1768). [946] مسلم (1498) ولفظه: "اسمعوا إلى ما يقول سيِّدُكم"، قال ابن علاّن: وأخرجه مالك في الموطأ، وأبو داود. [947] أبو داود (4977)، وقال المنذري في "الترغيب والترهيب 3/ 579": وكذا رواه النسائي =

رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَقُولُوا لِلمُنافِقِ سَيِّدٌ، فإنَّه إنْ يَكُ سَيِّدًا فَقَدْ أسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ". قلت: والجمع بين هذه الأحاديث أنه لا بأس بإطلاق فلان سيد، ويا سيدي، وشبه ذلك إذا كان المسوَّد فاضلًا خيّرًا، إما بعلم، وإما بصلاح، وإما بغير ذلك؛ وإن كان فاسقًا، أو متهمًا في دينه، أو نحو ذلك كُره له أن يقال سيّد. وقد روينا عن الإِمام أبي سليمان الخطابي في معالم السنن في الجمع بينهما نحو ذلك. [فصل]: يُكره أن يقول المملوك لمالكه: ربي، بل يقول، سيدي، وإن شاء قال: مولاي. ويُكره للمالك أن يقول: عبدي وأمتي، ولكن يقول: فتايَ وفتاتي أو غلامي. [15/ 948] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَقُلْ أحَدُكُمْ أطْعِمْ رَبَّكَ، وَضّىءْ رَبَّكَ، اسْقِ رَبَّكَ، وَلْيَقُلْ: سَيِّدِيِ وَمَوْلايَ؛ وَلا يَقُلْ أحَدُكُمْ عبْدِي أمَتِي، وَلْيَقُلْ: فَتايَ وَفَتاتِي وَغُلامي" وفي رواية لمسلم: "وَلا يَقُلْ أحَدُكُمْ رَبِّي وَلْيَقُلْ سَيِدي وَمَوْلايَ" وفي رواية له: "لا يَقُولَنَّ أحَدُكُمْ عَبْدِي وَأمَتِي، فَكُلُّكُمْ عَبِيدٌ، وَلا يَقُلِ العَبْدُ رَبي وَلْيَقُلْ سَيِّدِي" وفي رواية له: "لا يَقُولَنَّ أحَدُكُمْ عَبْدِي وَأمَتي، كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللَّهِ، وكُلُّ نِسائِكُمْ إماءُ اللَّهِ، وَلَكِنْ لِيَقُلْ غُلامي وَجارِيَتِي وَفَتايَ وَفَتاتِي". قلتُ: قال العلماء: لا يُطلق الربُّ بالألف واللام إلاّ على الله تعالى ¬

= ـ أي في الكبرى ـ بإسناد صحيح، ورواه الحاكم والبيهقي عن بريدة بلفظ "إذا قال الرجل للمنافق: يا سيد! فقد أغضب ربّه" وقال: صحيح الإسناد. [948] البخاري (2552)، ومسلم (2249)، وأبو داود (4975)، و (4976).

خاصة، فأما مع الإضافة فيقال: ربّ المال، وربّ الدار، وغير ذلك. ومنه قول النبيّ صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح في ضالّة الإِبل "دَعْها حتَّى يَلْقاها رَبُّها" (¬1) والحديث الصحيح "حتَّى يُهِمَّ ربَّ المَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ" (¬2) وقول عمر رضي الله عنه في الصحيح (¬3): ربّ الصُّرَيْمة والغُنَيْمة، ونظائره في الحديث كثيرة مشهورة. وأما استعمال حملة الشرع ذلك فأمر مشهور معروف. قال العلماء: وإنما كره للمملوك أن يقول لمالكه: ربي، لأن في لفظه مشاركة لله تعالى في الربوبية. وأما حديث "حتى يلقاها ربُّها" و"ربّ الصريمة" وما في معناهما، فإنما استعمل لأنها غير مكلفة، فهي كالدار والمال، ولا شك أنه لا كراهة في قول ربّ الدار وربّ المال. وأما قول يوسف صلى الله عليه وسلم: {اذكرني عند ربك} [يوسف:42] فعنه جوابان: أحدهما أنه خاطبه بما يعرفه، وجاز هذا الاستعمال للضرورة، كما قال موسى صلى الله عليه وسلم للسامري: {وَانْظُرْ إلى إلهك} [طه:97] أي الذي اتخذته إلهًا. والجواب الثاني أن هذا شرعُ مَنْ قَبْلنَا، وشرعُ من قبلنا لا يكون شرعًا لنا إذا ورد شرعُنا بخلافه، وهذا لا خلاف فيه. وإنما اختلف أصحاب الأصول في شرع من قبلنا إذا لم يردْ شرعُنا بموافقته ولا مخالفته، هل يكون شرعًا لنا أم لا؟. [فصل]: قال الإمام أبو جعفر النحاس في كتابه "صناعة الكتاب": أما المولى فلا نعلم اختلافًا بين العلماء أنه لا ينبغي لأحد أن يقول لأحد من المخلوقين: مولاي. قلت: وقد تقدم في الفصل السابق جواز إطلاق مولاي، ولا مخالفة بينه وبين هذا، فإن النحاس تكلَّم في المولى بالألف ¬

(¬1) البخاري (91)، ومسلم (1722) (¬2) البخاري (1412)، ومسلم (1011) (61) (¬3) البخاري (3059) ولفظه من كلام عمر رضي الله عنه "وأدخل ربَّ الصُّريمة ... "

واللام، وكذا قال النحاس: يقال سيد لغير الفاسق، ولا يقال السيد بالألف واللام لغير الله تعالى؛ والأظهر أنه لا بأس بقوله المولى والسيد بالألف واللام بشرطه السابق. [فصل]: في النهي عن سبّ الريح. وقد تقدم الحديثان في النهي عن سبّها وبيانهما في باب ما يقول إذا هاجت الريح (¬1). [فصل]: يُكره سبّ الحمى. [16/ 949] روينا في صحيح مسلم، عن جابر رضي الله عنه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم دخلَ على أُمّ السائب أو أُمّ المسيب فقال: "ما لَكِ يا أُمّ السَّائِبِ! ـ أو يا أُمّ المسيِّب ـ تُزَفْزِفِينَ؟ " قالت: الحمّى لا باركَ الله فيها، فقال: "لا تَسُبِّي الحُمَّى، فإنَّها تُذْهِبُ خَطايا بني آدَمَ كَمَا يُذْهِبُ الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ". قلتُ: تزفزفين: أي تتحركين حركة سريعة، ومعناه: ترتعد، وهو بضم التاء وبالزاي المكرّرة، وروي أيضًا بالراء المكرّرة، والزاي أشهر؛ وممّن حكاهما ابن الأثير؛ وحكى صاحب المطالع الزاي، وحُكي الراء مع القاف؛ والمشهور أنه بالفاء سواء بالزاي أو بالراء. [فصل]: في النهي عن سبّ الديك. [17/ 950] روينا في سنن أبي داود بإسناد صحيح، عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَسُبُّوا الدّيكَ، فإنَّهُ يُوقِظُ لِلصَّلاةِ". ¬

[949] مسلم (4575). [950] أبو داود (5101)، وانظر صحيح الجامع الصغير 6/ 151. (¬1) تقدم الباب المذكور برقم 136 ص 297

[فصل]: في النهي عن الدعاء بدعوى الجاهلية وذمّ استعمال ألفاظهم. [18/ 951] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن مسعود رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الخُدُودَ وَشَقَّ الجُيُوبَ وَدعا بِدَعْوى الجَاهِليَّةِ" وفي رواية "أوْ شَقَّ أوْ دعا" بأو. [فصل]: ويُكره أن يُسمَّى المحرَّمُ صفرًا، لأن ذلك من عادة الجاهلية. [فصل]: يحرمُ أن يُدعى بالمغفرة ونحوها لمن مات كافرًا، قال الله تعالى: {ما كانَ لِلنَّبيّ والَّذينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولي قُرْبَى مِنْ بَعْد ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أنَّهُمْ أصْحابُ الجَحِيمِ} [التوبة:113] وقد جاء الحديث بمعناه، والمسلمون مجمعون عليه. [فصل]: يحرم سبّ المسلم من غير سبب شرعي يجوّز ذلك. [19/ 952] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سِبابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ". ورويناه في صحيح مسلم، وكتابي أبي داود والترمذي، عن أبي هريرة رضي الله عنه. وصحّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المُسْتَبَّانِ ما قالا، فَعَلى البادِىءِ مِنْهُما ما لَمْ يَعْتَدِ المَظْلُومُ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. [فصل]: ومن الألفاظ المذمومة المستعملة في العادة قوله لمن يخاصمه، يا حمار! يا تيس! يا كلب! ونحو ذلك؛ فهذا قبيح لوجهين: ¬

[951] البخاري (1297)، ومسلم (103). [952] البخاري (7076)، ومسلم (64)، عن ابن مسعود رضي الله عنه. ومسلم (2587)، وأبو داود (4894)، والترمذي (1982)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

أحدهما أنه كذب، والآخر أنه إيذاء؛ وهذا بخلاف قوله: يا ظالم! ونحوه، فإن ذلك يُسامح به لضرورة المخاصمة، مع أنه يصدق غالبًا، فقلّ إنسانٌ إلا وهو ظالم لنفسه ولغيرها. [فصل]: قال النحاس: كرهَ بعضُ العلماء أن يُقال: ما كان معي خَلْقٌ إلاّ اللَّه. قلت: سبب الكراهة بشاعةُ اللفظ من حيث أن الأصل في الاستثناء أن يكون متصلًا وهو هنا مُحال، وإنما المراد هنا الاستثناء المنقطع، تقديرُه ولكن كان الله معي، مأخوذ من قوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ} وَيَنْبغي أن يُقال بدلَ هذا: ما كان معي أحدٌ إلاَّ الله سبحانه وتعالى، قال: وكره أن يُقال: اجلس على اسم الله، وليقلْ اجلس باسم الله. [فصل]: حكى النحّاسُ عن بعض السلف أنه يُكره أن يقولَ الصائمُ: وحقِّ هذا الخاتم الذي على فمي، واحتجّ له بأنه إنما يُختم على أفواه الكفار، وفي هذا الاحتجاج نظر، وإنما حجته أنه حلفٌ بغير الله سبحانه وتعالى، وسيأتي النهي عن ذلك إن شاء الله تعالى قريبًا، فهذا مكروهٌ لما ذكرنا، ولما فيه من إظهار صومه لغير حاجة، والله أعلم. [فصل]: [20/ 953] روينا في سنن أبي داود، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة، أو غيره، عن عمران بن الحصين رضي الله عنهما قال: كنّا نقول في الجاهلية: أنعم الله بك عينًا، وأنعم صباحًا، فلما كان الإِسلام نُهينا عن ذلك. قال عبد الرزاق: قال معمر: يُكره أن يقول الرجل: أنعم الله بك عينًا، ولا بأس أن يقول: أنعم الله عينَك. ¬

[953] أبو داود (5227) وقال المنذري: هذا الحديث منقطع. قتادة لم يسمع من عمران بن حصين. وعلى هذا فالحديث ضعيف سواء كان الراوي قتادة أو غيره.

قلتُ: هكذا رواه أبو داود عن قتادة أو غيره، ومثل هذا الحديث قال أهل العلم: لا يُحكم له بالصحة، لأن قتادة ثقة وغيرُه مجهول، وهو محتمل أن يكون عن المجهول فلا يثبتُ به حكم شرعي، ولكن الاحتياط للإِنسان اجتناب هذا اللفظ لاحتمال صحته، ولأن بعض العلماء يحتجّ بالمجهول، والله أعلم. [فصل]: في النهي أن يتناجى الرجلان إذا كان معهما ثالث وحده. [21/ 954] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا كُنْتُمْ ثَلاثَة فَلا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الآخَرِ حتَّى تَخْتَلِطُوا بالنَّاسِ مِنْ أجْلِ أنَّ ذلكَ يُحْزنُهُ". [22/ 955] وروينا في صحيحيهما، عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إِذَا كانُوا ثَلاَثَةً فَلا يَتَنَاجَى اثْنانِ دُونَ الثَّالِثِ" ورويناه في سنن أبي داود، وزاد ـ قال أبو صالح الراوي ـ عن ابن عمر: قلتُ لابن عمر: فأربعة؟ قال: لا يضرّك. [فصل]: في نهي المرأة أن تخبرَ زوجَها أو غيرَه بحسنِ بدنِ امرأةٍ أخرى إذا لم تدعُ إليه حاجة شرعية من رغبة في زواجها ونحو ذلك. [23/ 956] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تُباشِرِ المرأةُ المَرأةَ فَتَصِفُها لزَوْجِها كأنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا". ¬

[954] البخاري (6290)، ومسلم (2184)، وأبو داود (4851)، والترمذي (2827). [955] البخاري (6288)، ومسلم (2183)، والموطأ 2/ 988 و 989، وأبو داود (4852). [956] البخاري (5240)، وأبو داود (2150)، والترمذي (2793). ولم أجده في صحيح مسلم.

[فصل]: يُكره أن يُقال للمتزوّج: بالرِّفاءِ والبنينَ، وإنما يُقال له: باركَ الله لك وباركَ عليك، كما ذكرناه في كتاب النكاح. [فصل]: روى النَّحاسُ عن أبي بكر محمد بن يحيى ـ وكان أحدَ الفقهاء الأدباء ـ أنه قال: يُكره أن يُقال لأحدٍ عند الغضب: اذكر الله تعالى؛ خوفًا من أن يحملَه الغضبُ على الكفر، قال: وكذا لا يُقال له: صلّ على النبيّ صلى الله عليه وسلم، خوفًا من هذا. [فصل]: من أقبح الألفاظ المذمومة، ما يَعتادُه كثيرون من الناس إذا أرادَ أن يَحلِفَ على شيءٍ فيتورّع عن قوله: والله، كراهيةَ الحنث أو إجلالًا لله تعالى وتصوّنًا عن الحلف، ثم يقول: الله يعلم ما كان كذا، أو لقد كان كذا ونحوه، وهذه العبارةُ فيها خطرٌ، فإن كان صاحبُها متيقنًا أن الأمر كما قال فلا بأس بها، وإن كان تشكَّكَ في ذلك فهو من أقبح القبائح لأنه تعرّضَ للكذب على الله تعالى، فإنه أخبرَ أن الله تعالى يعلمُ شيئًا لا يتيقنُ كيف هو. وفيه دقيقة أخرى أقبحُ من هذا، وهو أنه تعرّض لوصف الله تعالى بأنه يعلمُ الأمرَ على خلاف ما هو، وذلك لو تحقَّقَ كان كافرًا، فينبغي للإِسان اجتنابُ هذه العبارة. [فصل]: ويُكره أن يقولَ في الدّعاء: اللَّهم اغفر لي إن شئت، أو إن أردتَ، بل يجزمُ بالمسألة. [24/ 957] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَقُولَنَّ أحَدُكُمْ: اللَّهُمّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْتَ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمِ المَسألةَ فإنَّهُ لا مُكْرِهَ لَهُ". وفي ¬

[957] البخاري (6339)، ومسلم (2679)، والموطأ 1/ 213، وأبو داود (1483)، والترمذي (3492)، والنسائي (582) و (583) في "اليوم والليلة".

رواية لمسلم "ولَكنْ ليَعْزِمْ وَلْيُعظِمِ الرَّغْبَةَ، فإنَّ الله لا يَتَعاظَمُهُ شَيْءٌ أعْطاهُ". [25/ 958] وروينا في صحيحيهما، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذَا دَعا أحَدُكُمْ فَلْيَعْزِمِ المسألةَ وَلا يَقُولَنَّ اللَّهمَّ إنْ شِئْتَ فأعْطِني فإنَّه لا مُسْتَكْرِهَ لَهُ". [فصل]: ويُكره الحلفُ بغير أسماء الله تعالى وصفاته، سواءٌ في ذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم، والكعبة، والملائكة، والأمانة، والحياة، والروح، وغير ذلك. ومن أشدِّها كراهة: الحلف بالأمانة. [26/ 959] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ اللَّهَ يَنْهاكُمْ أنْ تَحْلِفُوا بأبائِكُمْ، فَمَنْ كانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بالله أوْ لِيَصمُت" وفي رواية في الصحيح "فَمَنْ كانَ حالِفًا فَلا يَحْلِفْ إِلاّ باللَّهِ أوْ لِيَسْكُتْ". وروينا في النهي عن الحلف بالأمانة تشديدًا كثيرًا، فمن ذلك: [27/ 960] ما رويناه في سنن أبي داود، بإسناد صحيح، عن بُريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَلَفَ بالأمانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا". [فصل]: يُكره إكثارُ الحلف في البيع ونحوه وإن كان صادقًا. ¬

[958] البخاري (6338)، ومسلم (3678)، والنسائي (584) في "اليوم والليلة". [959] البخاري (6646)، ومسلم (1646)، وأبو داود (3250)، والترمذي (1534)، والنسائي 7/ 4ـ5. [960] أبو داود (3253)، وهو في المسند 5/ 352، قال المنذري: وإسناده صحيح. وقال السخاوي بعد تخريجه بجملته: هذا حديث حسن رواه أبو يعلى في مسنده، والحاكم في مستدركه، وقال: إنه صحيح الإِسناد، وأورده الضياء في المختارة. الفتوحات الربانية 7/ 114.

[28/ 961] روينا في صحيح مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إيَّاكُمْ وكَثْرَةَ الحَلِفِ في البَيْعِ فإنَّهُ يُنْفِقُ ثُمَّ يَمْحَقُ". [فصل]: يُكره أن يُقال قوسُ قزح لهذه التي في السماء. [29/ 962] روينا في حلية الأولياء لأبي نعيم، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: " لا تَقُولُوا قَوْسَ قُزَحَ، فإنَّ قُزَحَ شَيْطانٌ، وَلَكِنْ قُولُوا قَوْسَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فهُوَ أمانٌ لأهْلِ الأرْضِ" قلت: قُزح بضم القاف وفتح الزاي، قال الجوهري وغيره: هي غير مصروفة وتقولُه العوامّ قدح بالدال وهو تصحيف. [فصل]: يُكره للإِنسان إذا ابتُلي بمعصيةٍ أو نحوها أن يخبرَ غيرَه بذلك، بل ينبغي أن يتوب إلى الله تعالى فيقلعَ عنها في الحال ويندمَ على ما فعل ويعزم أن لا يعود إلى مثلها أبدًا؛ فهذه الثلاثة هي أركان التوبة لا تصحّ إلا باجتماعها، فإن أخبرَ بمعصيته شيخَه أو شبهَه ممّن يرجو بإخباره أن يعلِّمه مخرجًا من معصيته، أو ليعلِّمَه ما يَسلمُ به من الوقوع في مثلها، أو يعرِّفَه السببَ الذي أوقعه فيها، أو يدعوَ له أو نحوَ ذلك فلا بأسَ به، بل هو حسنٌ، وإنما يُكره إذا انتفتْ هذه المصلحةُ. [30/ 963] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي ¬

[961] مسلم (1607)، والنسائي 7/ 246. [962] حلية الأولياء 2/ 309، وقال الحافظ السخاوي بعد تخريجه: حديث ضعيف؛ لضعف رواية زكريا يعني ابن حكيم الحبطي، ذكره العقيلي في ترجمته من كتاب الضعفاء، ولفظ حديثه "فإن قزح هو الشيطان" .. الفتوحات الربانية 7/ 115. [963] البخاري (6069)، ومسلم (2990)، ومعنى "معافىً أي: معفوٌّ عن ذنْبِه، و"المجاهر": هو الذي جاهر بمعصيته وأظهرها.

الله عنه، قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كُلُّ أُمّتِي معافىً إلا المُجاهِرينَ، وإنَّ مِنَ المُجاهَرَةِ أنْ يَعْمَلَ الرَّجُل باللَّيْلِ عَمَلًا ثمَّ يُصْبحُ وَقَدْ سَتَرَهُ تَعالى عَلَيْهِ، فَيَقُولُ: يا فُلانُ! عَمِلْتُ البارِحَةَ كَذَا وكَذَا، وَقَدْ باتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَلَيْهِ". [فصل]: يَحرمُ على المكلّف أن يحدِّث عبدَ الإِنسان أو زوجته أو ابنه أو غلامَه ونحوَهم بما يُفسدهم به عليه، إذا لم يكنْ ما يُحدِّثهم به أمرًا بمعروف أو نهيًا عن منكر. قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنوا على البِرّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا على الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ} [المائدة:2] وقال تعالى: {ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18]. [31/ 964] وروينا في كتابي أبي داود والنسائي، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ خَبَّبَ زَوْجَةَ امْرِىءٍ أوْ مَمْلُوكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا". قلتُ: خبَّبَ بخاء معجمة ثم باء موحدة مكرّرة ومعناه: أفسده وخدعه. [فصل]: ينبغي أن يُقال في المال المخرج في طاعة الله تعالى: أنفقتُ وشبهُه، فيقال: أنفقتُ في حجتي ألفًا، وأنفقتُ في غزوتي ألفين، وكذا أنفقتُ في ضيافة ضيفاني، وفي خِتان أولادي، وفي نكاحي، وشبه ذلك: ولا يقولُ ما يقوله كثيرون من العوامّ: غَرِمْتُ في ضيافتي، وخسرتُ ¬

[964] أبو داود (2175)، و (5170)، والنسائي في الكبرى، كما رواه ابن حبّان في صحيحه، ولفظه "مَنْ خبَّبَ عبدًا على أهله، ومن أفسدَ امرأة على زوجها؛ فليس منّا". ورواه الطبراني في الصغير والأوسط من حديث ابن عمرو، ورواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط من حديث ابن عباس، ورواة أبي يعلى كلهم ثقات. الفتوحات الربانية 7/ 118.

في حجتي، وضيّعت في سفري. وحاصلهُ أن أنفقتَ وشبهه يكونُ في الطاعات. وخسرتُ وغرِمتُ وضيّعت ونحوها يكونُ في المعاصي والمكروهات، ولا تُستعمل في الطاعات. [فصل: مما يُنهى عنه ما يقولُه كثيرون من الناس في الصلاة إذا قال الإِمام (إيَّاكَ نَعْبُدُ وإيّاكَ نَسْتَعينُ) فيقول المأموم: إياك نعبد وإياك نستعين، فهذا مما ينبغي تركه والتحذير منه، فقد قال صاحب "البيان" من أصحابنا: إنَّ هذا يُبطل الصلاة إلا أن يقصد به التلاوة، وهذا الذي قاله وإن كان فيه نظرٌ، والظاهرُ أنه لا يُوَافق عليه، فينبغي أن يُجتنبَ، فإنه وإن لم يُبطلِ الصلاةَ فهو مكروهٌ في هذا الموضع، والله أعلم. [فصل]: مما يتأكد النهيُ عنه والتحذيرُ منه ما يقولُه العوامّ وأشباهُهم في هذه المكوس التي تُؤخذُ مما يبيع أو يشتري ونحوهما، فإنهم يقولون: هذا حقّ السلطان، أو عليك حقّ السلطان ونحو ذلك من العبارات المشتملة على تسميته حقًا أو لازمًا ونحو ذلك، وهذا من أشدّ المنكرات وأشنع المستحدثات، حتى قال بعضُ العلماء: من سمَّى هذا حقًا فهو كافرٌ خارجٌ عن ملّة الإِسلام، والصحيحُ أنه لا يكفرُ إلا إذا اعتقده حقًا مع علمه بأنه ظلم؛ فالصوابُ أن يُقال فيه المكسُ أو ضريبةُ السلطان أو نحو ذلك من العبارات، وبالله التوفيق. [فصل]: يكره أن يسألُ بوجه الله تعالى غير الجنة. [32/ 965] روينا في سنن أبي داود، عن جابر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يُسألُ بِوَجْهِ اللَّهِ إلاَّ الجَنَّةُ". ¬

[965] أبو داود (1671)، وإسناده ضعيف، لوجود سليمان بن معاذ التميمي، قال المنذري: هو سليمان بن قرم؛ تكلم فيه غير واحد. وقال السخاوي بعد تخريجه: حديث غريب.

[فصل]: يُكره منعُ من سألَ بالله تعالى وتشفَّع به. [33/ 966] روينا في سنن أبي داود والنسائي، بأسانيد الصحيحين، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ اسْتَعاذَ باللَّهِ فأعِيذُوهُ، وَمَنْ سألَ باللَّهِ تَعالى فأعْطُوهُ، وَمَنْ دَعاكُمْ فأجِيبُوهُ، وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فإنْ لَمْ تَجِدُوا ما تُكافِئُونَهُ فادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أنَّكُمْ قَدْ كافأْتُمُوهُ". [فصل]؛ الأشهرُ أنه يُكره أن يُقال: أطالَ الله بقاءَك. قال أبو جعفر النحّاس في كتابة "صناعة الكتاب": كَرِهَ بعضُ العلماء قولهم: أطالَ الله بقاءك، ورخَّصَ فيه بعضُهم. قال إسماعيل بن إسحاق: أوَّلُ مَن كتب أطالَ الله بقاءَك الزنادقة. وروي عن حماد بن سلمة رضي الله عنه أن مكاتبة المسلمين كانت من فلان إلى فلان، أما بعد: سلامٌ عليك، فإني أحمدُ الله الذي لا إِله إِلاَّ هو، وأسألُه أن يصلِّيَ على محمد وعلى آل محمد. ثم أحدثتِ الزنادقةُ هذه المكاتبات التي أوّلُها: أطالَ اللَّه بقاءَك. [فصل]: المذهبُ الصحيحُ المختار أنه لا يُكره قول الإِنسان لغيره: فِداكَ أبي وأُمي، أو جعلني الله فداك، وقد تظاهرتْ على جواز ذلك الأحاديثُ المشهورة التي في الصحيحين وغيرهما، وسواءٌ كانَ الأبوان مسلمين أو كافرين، وكَرِهَ ذلك بعضُ العلماء إذا كانا مسلمين. قال النحاس: وكرهَ مالكُ بن أنس: جعلني الله فداك، وأجازَه بعضُهم. قال القاضي عياض: ذهبَ جمهورُ العلماء إلى جواز ذلك، سواءٌ كان المفديُّ ¬

[966] أبو داود (1672)، والننسائي 5/ 82. وقال السخاوي: حديث حسن، أخرجه أحمد في مسنده وأبو داود في الأدب والزكاة من سننه والنسائي في الزكاة، والسّراج وعبد بن حميد في مسنديهما، والبيهقي، والضياء في المختارة، وابن حبان والحاكم في صحيحيهما. الفتوحات الربانية 7/ 119.

به مسلمًا أو كافرًا. قلت: وقد جاء من الأحاديث الصحيحة في جواز ذلك ما لا يُحصى، وقد نبَّهتُ على جمل منها في شرح صحيح مسلم. [فصل]: ومما يُذمّ من الألفاظ: المِراء والجِدال والخُصومة. قال الإِمام أبو حامد الغزالي: المراء: طعنُك في كلام الغير لإِظهار خَلل فيه، لغير غرض سوى تحقير قائله وإظهار مزيَّتِك عليه؛ قال: وأما الجدالُ فعبارةٌ عن أمر يتعلّقُ بإظهار المذاهب وتقريرها. قال: وأما الخصومةُ فلِجَاجٌ في الكلام ليستوفيَ به مقصودَه من مال أو غيره، وتارة يكون ابتداءً وتارة يكون اعتراضًا؛ والمِراء لا يكون إلا اعتراضًا. هذا كلام الغزالي. واعلم أن الجدال قد يكون بحقّ، وقد يكون بباطل، قال الله تعالى: {وَلا تُجادِلُوا أهْلَ الكِتابِ إِلاَّ بالَّتِي هِيَ أحْسَنُ} [العنكبوت:41] وقال تعالى: {وَجادِلْهُمْ بالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125] وقال تعالى: {ما يُجادِلُ في آياتِ اللَّهِ إلاَّ الَّذِينَ كَفَروا} [غافر:4] فإن كان الجدالُ للوقوفِ على الحقّ وتقريرِه كان محمودًا، وإن كان في مدافعة الحقّ أو كان جدالًا بغير علم كان مذمومًا، وعلى هذا التفصيل تنزيلُ النصوص الواردة في إباحته وذمّه، والمجادلة والجدال بمعنى، وقد أوضحتُ ذلك مبسوطًا في تهذيب الأسماء واللغات. قال بعضُهم: ما رأيتُ شيئًا أذهبَ للدين ولا أقصَ للمروءة ولا أضيعَ للذة ولا أشغلَ للقلب من الخصومة. فإن قلتَ: لا بُدَّ للإِنسان من الخصومة لاستبقاء حقوقه. فالجوابُ ما أجابَ به الإِمامُ الغزالي أن الذمَّ المتأكّدَ إنما هو لمن خاصمَ بالباطل أو غير علمٍ كوكيل القاضي، فإنه يتوكَّلُ في الخصومة قبل أن يعرفَ أن الحقّ في أيّ جانب هو فيخاصمُ بغير علم. ويدخلُ في الذمّ أيضًا مَن يطلبُ حَقَّه لكنه لا يقتصرُ على قدرِ

الحاجة، بل يظهرُ اللددَ والكذبَ للإِيذاء والتسليط على خصمه، وكذلك من خَلَطَ بالخصومة، كلماتٍ تُؤذي، وليس له إليها حاجة في تحصيل حقه، وكذلك مَن يحملُه على الخصومة محضُ العِناد لقهر الخصم وكسره، فهذا هو المذموم، وأما المظلومُ الذي ينصرُ حجَّتَه بطريق الشرع من غير لَدَدٍ وإسرافٍ وزيادةِ لجاجٍ على الحاجة من غير قصدِ عنادٍ ولا إيذاء، ففعلُه هذا ليس حرامًا، ولكن الأولى تركُه ما وجد إليه سبيلًا، لأنَّ ضبطَ اللسان في الخصومة على حدّ الاعتدال متعذّر، والخصومةُ تُوغرُ الصدورَ وتهيجُ الغضبَ، وإذا هاجَ الغضبُ حصلَ الحقدُ بينهما حتى يفرح كل واحد بمساءةِ الآخر، ويحزنُ بمسرّته ويُطلق اللسانَ في عرضه، فمن خاصمَ فقد تعرّضَ لهذه الآفات، وأقلُّ ما فيه اشتغالُ القلب حتى أنه يكون في صلاته وخاطره معلقٌ بالمحاجّة والخصومة فلا يَبقى حالُه على الاستقامة؛ والخصومةُ مبدأ الشرّ، وكذا الجِدال والمِراء. فينبغي أن لا يفتحَ عليه بابَ الخصومة إلا لضرورة لا بُدَّ منها، وعند ذلك يُحفظُ لسانَه وقلبَه عن آفات الخصومة. [34/ 967] روينا في كتاب الترمذي، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "كَفَى بِكَ إثْمًا أنْ لا تَزَالَ مُخَاصِمًا". وجاء عن عليّ رضي الله عنه قال: إن للخصوماتِ قُحَمًا (¬1). قلتُ: القُحَم بضم القاف وفتح الحاء المهملة: هي المهالك. [فصل]: يُكره التقعيرُ في الكلام بالتشدّق وتكلّف السجع والفَصاحة ¬

[967] الترمذي (1995) وقال: إنه حديث غريب؛ أي ضعيف. (¬1) قال ابن علاّن: وجاء في كتاب الأُم للشافعي، عن علي أنه وكّل في خصومة وهو حاضر، وكان يقول: إن للخصومة قحمًا. الفتوحات 7/ 127

والتصنّع بالمقدمات التي يَعتادُها المتفاصحون وزخارف القول، فكلُّ ذلك من التكلُّف المذموم، وكذلك تكلّف السجع، وكذلك التحريّ في دقائق الإِعراب ووحشي اللغة في حال مخاطبة العوامّ؛ بل ينبغي أن يقصدَ في مخاطبته لفظًا يفهمُه صاحبُه فهمًا جليًّا ولا يستثقلُه. [35/ 968] روينا في كتابي أبي داود والترمذي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ البَلِيغَ مِنَ الرّجالِ الَّذي يَتَخَلَّل بِلِسانِهِ كما تَتَخَلَّلُ البَقَرَةُ" قال الترمذي: حديث حسن. [36/ 969] وروينا في صحيح مسلم، عن ابن مسعود رضي الله عنه؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ" قالها ثلاثًا. قال العلماء: يعني بالمتنطعين: المبالغين في الأمور. [37/ 970] وروينا في كتاب الترمذي عن جابر رضي الله عنه؛ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ مِنْ أحَبِّكُمْ إليَّ وأقْرَبِكُمْ مِنّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ أحاسِنُكُمْ أخْلاقًا، وَإنَّ أبْغَضَكُمْ إليَّ وأبْعَدَكُمْ مِنِّي يَوْمَ القِيامَةِ الثَّرْثارُونَ وَالمُتَشَدّقُونَ وَالمُتَفَيْقِهُونَ، قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدّقون، فما المتفيقهون؟ قال: المُتَكَبِّرُون" قال الترمذي: هذا حديث حسن. قال: والثرثار: هو الكثير الكلام؛ والمتشدّقُ: مَن يتطاولُ على الناس في الكلام ويبذو عليهم. ¬

[968] أبو داود (5005)، والترمذي (2857)، وهو في المسند 2/ 165 و 187. وإسناده حسن. [969] مسلم (2670)، ورواه أحمد وأبو داود كلهم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه. [970] الترمذي (2019)، وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، وفي الباب عن أبي هريرة.

واعلم أنه لا يدخلُ في الذمّ تحسين ألفاظ الخطب والمواعظ إذا لم يكن فيها إفراط وإغراب لأن المقصودَ منها تهييج القلوب إلى طاعة الله عزّ وجلّ، ولحسن اللفظ في هذا أثر ظاهر. [فصل]: ويُكره لمن صلى العشاء الآخرة أن يتحدَّثَ بالحديث المباح في غير هذا الوقت وأعني بالمُباح الذي استوى فعله وتركه. فأما الحديث المحرّم في غير هذا الوقت أو المكروه فهو في هذا الوقت أشدّ تحريمًا وكراهة. وأما الحديثُ في الخير كمذاكرة العلم وحكايات الصالحين ومكارم الأخلاق والحديث مع الضيف فلا كراهةَ فيه، بل هو مستحبّ، وقد تظاهرت الأحاديثُ الصحيحةُ به، وكذلك الحديثُ للغدر والأمور العارضة لا بأس به، وقد اشتهرت الأحاديثُ بكل ما ذكرتُه، وأنا أُشيرُ إلى بعضها مختصرًا، وأرمزُ إلى كثير منها. [38/ 971] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي بَرزةَ رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكرهُ النومَ قبل العِشاء والحديثَ بعدَها. وأما الأحاديث بالترخيص في الكلام للأمور التي قدّمتُها فكثيرةٌ. [39/ 972] فمن ذلك حديث ابن عمر في الصحيحين: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم صلَّى العشاءَ في آخر حياته، فلما سلَّم قال: "أرأيْتُكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فإنَّ على رأسِ مِئَةِ سَنَةٍ لا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ على ظَهْرِ الأرْضِ اليَوْمَ أحَدٌ". [40/ 973] ومنها حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، في ¬

[971] البخاري (568)، ومسلم (647)، وأبو داود (398)، والترمذي (168). [972] البخاري (564)، ومسلم (2537)، وأبو داود (4348)، والترمذي (2252). [973] البخاري (567)، ومسلم (641)، ومعنى "ابهارّ الليل": انتصف، وبُهرة كل شيء: وسطه.

صحيحيهما؛ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أعتم بالصلاة حتى ابهارّ الليلُ، ثم خرجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فصلَّى بهم، فلما قضَى صلاته قال لمن حضره: "على رِسْلِكُمْ أُعَلِّمْكُمْ، وأبْشِرُوا أنَّ مِنْ نِعْمَةِ اللَّه عَلَيْكُمْ أنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ أحَدٌ يُصَلِّي هَذِهِ السَّاعَةَ غَيْرَكُمْ" أو قال: "ما صَلَّى أحَدٌ هَذِهِ السَّاعَةَ غَيْرَكُمْ". [41/ 974] ومنها حديث أنس في صحيح البخاري؛ أنهم انتظروا النبيَّ صلى الله عليه وسلم فجاءَهم قريبًا من شطر الليل، فصلَّى بهم: يعني العشاء قال: ثم خطبَنا فقال: " ألا إنَّ النَّاسَ قَدْ صَلُّوْا ثُمَّ رَقَدُوا، وَإنَّكُمْ لَنْ تَزَالُوا في صَلاةٍ ما انْتَظَرْتُمُ الصَّلاةَ". ومنها حديث ابن عباس (¬1) رضي الله عنهما، في مبيته في بيت خالته ميمونة قوله: إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى العشاءَ، ثم دخلَ فحدّثَ أهلَه، وقوله: "نَامَ الغُلَيْم؟ ". ومنها حديث عبد الرحمن (¬2) بن أبي بكر رضي الله عنهما في قصة أضيافه واحتباسه عنهم حتى صلّى العشاء، ثم جاء وكلَّمهم، وكلَّم امرأتَه وابنه وتكرّر كلامُهم، وهذان الحديثان في الصحيحين، ونظائرُ هذا كثيرة لا تنحصرُ، وفيما ذكرناه أبلغُ كفاية، ولله الحمد. [فصل]: يُكره أن تُسمَّى العشاء الآخرة العتمة، للأحاديث الصحيحة المشهورة في ذلك ويُكره أيضًا أن تُسمَّى المغرب عشاء. [42/ 975] روينا في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مُغَفّل المزني ¬

[974] البخاري (572). وهو في مسلم (640)، وعند النسائي 1/ 268. [975] البخاري (563). (¬1) البخاري (17)، ومسلم (763) (¬2) البخاري (602)، ومسلم (2057). وتقدم برقم 2/ 733

رضي الله عنه ـ وهو بالغين المعجمة ـ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَغْلِبَنَّكُمُ الأَعْرَابُ على اسمِ صَلاتِكُمُ المَغْرِبِ" قال: وتقول الأعرابُ: هي العشاء. وأما الأحاديث الواردة بتسمية عَتَمَةً كحديث: "لو يَعْلَمُونَ ما في الصُّبْحِ وَالعَتَمَةِ لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا" (¬1) فالجواب عنها من وجهين: أحدهما أنها وقعتْ بيانًا لكون النهي ليس للتحريم بل للتنزيه. والثاني أنه خُوطبَ بها مَن يخافُ أنه يلتبس عليه المراد لو سمَّاها عشاءً. وأما تسمية الصبح غداةً فلا كراهة فيه على المذهب الصحيح، وقد كثرتِ الأحاديثُ الصحيحةُ في استعمال غداة، وذكر جماعة من أصحابنا كراهة ذلك، وليس بشيء، ولا بأسَ بتسمية المغرب والعشاء عشاءين، ولا بأس بقول العشاء الآخرة. وما نُقل عن الأصمعي أنه قال: لا يُقال العشاء الآخرة فغلط ظاهر، فقد ثبتَ في صحيح مسلم (¬2)؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "أيُّمَا امْرأةٍ أصَابَتْ بَخُورًا فَلا تَشْهَدْ مَعَنا العِشاءَ الآخِرَةَ". وثبت في ذلك كلامُ خلائقَ لا يُحصون من الصحابة في الصحيحين وغيرهما، وقد أوضحتُ ذلك كلَّه بشواهده في تهذيب الأسماء واللغات، وبالله التوفيق. [فصل]: ومما يُنهى عنه إفشاءُ السرّ، والأحاديثُ فيه كثيرة، وهو حرامٌ إذا كان فيه ضررٌ أو إيذاء. [43/ 976] روينا في سنن أبي داود والترمذي، عن جابر رضي الله ¬

[976] أبو داود (4868)، والترمذي (1960) قال ابن علاّن: وكذا رواه أحمد والضياء كلهم من حديث جابر، ورواه أبو يعلى في مسنده من حديث أنس: وعلى هذا فالحديث حسن لغيره. ومعنى الحديث: إذا حدَّث أحدٌ عندك حديثًا ثم غاب عنك صار حديثهُ أمانةً عنك، ولا يجوز إضاعتها. (¬1) البخاري (653)، ومسلم (437) و (1914)، والموطأ 1/ 131، والنسائي 1/ 269 (¬2) مسلم (444)، وأبو داود (4175)، والنسائي 8/ 154

عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ بالحَدِيثِ ثُمَّ الْتَفَتَ فَهِيَ أمانَةٌ" قال الترمذي: حديث حسن. [فصل]: يُكره أن يُسألَ الرجلُ: فيم ضربَ امرأتَه؟ من غير حاجة. قد روينا في أوّل هذا الكتاب في حفظ اللسان والأحاديث الصحيحة في السكوت عمّا لا تظهر فيه المصلحة، وذكرنا الحديث الصحيح "منْ حُسْنِ إسْلامِ المَرْءِ تَرْكُهُ ما لا يَعْنِيه" (¬1). [44/ 977] وروينا في سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا يُسألُ الرَّجُلُ: فيمَ ضَرَبَ امْرأتَهُ". [فصل]: أما الشعر فقد روينا في مسند أبي يعلى الموصلي (¬2)، بإسناد حسن، عن عائشة رضي الله عنهما، قالت: سُئل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الشعر فقال: "هُوَ كلامٌ حَسَنُهُ حَسَنٌ، وَقَبِيحُهُ قَبِيحٌ" قال العلماء: معناه: أنَّ الشعرَ كالنثر، لكن التجرّدَ له والاقتصارَ عليه مذمومٌ. وقد ثبتَت الأحاديثُ الصحيحةُ بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع الشعرَ، وأمرَ حسان بن ثابت بهجاء الكفّار. وثبتَ أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ مِنَ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً" (¬3)، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: ¬

[977] أبو داود (2147)، والنسائي في الكبرى، وقال ابن علاّن: وكذا رواه الإِمام أحمد كما في "تسديد القوس". والحديث صحيح كما قاله ابن حجر في "تنبيه الأخيار" الفتوحات الربانية 7/ 140. (¬1) الموطأ 2/ 903، وهو حديث صحيح، رواه الترمذي (2318)، وابن ماجه (3976) (¬2) مسند أبي يعلى الموصلي، وهو حديث حسن بشواهده. انظر فتح الباري 10/ 540 (¬3) البخاري (6145)، وأبو داود (5010)، ولفظه فيهما "إن من الشعر حكمة"

"لأنْ يَمْتَلىءَ جَوْفُ أحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ منْ أنْ يَمْتَلِىءَ شِعْرًا" (¬1) وكل ذلك على حسب ما ذكرناه. [فصل]: ومما يُنهى عنه الفحشُ، وبذاءةُ اللسان؛ والأحاديثُ الصحيحة فيه كثيرة معروفة. ومعناه: التعبيرُ عن الأمور المستقبحة بعبارة صريحة، وإن كانتْ صحيحةً والمتكلّمُ بها صادق، ويقعُ ذلك كثيرًا في ألفاظ الوقاع ونحوها. وينبغي أن يستعملَ في ذلك الكنايات ويعبّر عنها بعبارة جميلة يُفهم بها الغرضُ، وبهذا جاءَ القرآن العزيز والسن الصحيحة المكرّمة، قال الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصّيامِ الرَّفَثُ إلى نِسائِكُمْ} [البقرة:187] وقال تعالى: {وَكَيْفَ تَأخُذُونَهُ وَقَدْ أفْضَى بَعْضُكُمْ إلى بَعْضٍ} [النساء:21] وقال تعالى: {وَإنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237] والآيات والأحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة. قال العلماء: فينبغي أن يستعملَ في هذا وما أشبهَه من العبارات التي يُستحيى من ذكرها بصريح اسمها الكنايات المفهمة، فيُكنّي عن جماع المرأة بالإِفضاءِ والدخولِ والمعاشرةِ والوِقاع ونحوها، ولا يُصرّح بالنّيل والجماع ونحوهما، وكذلك يُكنّي عن البول والتغوّط بقضاء الحاجة والذهاب إلى الخلاء، ولا يصرّحُ بالخِرَاءة والبول ونحوهما، وكذلك ذكرُ العيوب كالبرص والبَخَر والصُّنان وغيرها، يعبّر عنها بعبارات جميلة يُفهم منها الغرض، ويُلحق بما ذكرناه من الأمثلة ما سواه. واعلم أن هذا كلَّه إذا لم تدعُ حاجةٌ إلى التصريح بصريح اسمه، فإن دعتْ حاجةٌ لغرض البيان والتعليم وخِيفَ أن المخاطَب لا يفهم المجاز، أو ¬

(¬1) البخاري (6155)، ومسلم (2257)، وأبو داود (5009)، والترمذي (2855)، عن أبي هريرة رضي الله عنه

يفهمُ غيرَ المراد صرّح حينئذ باسمه الصريح ليحصلَ الإِفهامُ في هذا أولى من مراعاة مجرّد الأدب، وبالله التوفيق. [45/ 978] روينا في كتاب الترمذي، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ المُؤْمِنُ بالطَّعَّانِ وَلا اللَّعَّانِ وَلا الفاحِشِ وَلا البَذِيء" قال الترمذي: حديث حسن. [46/ 979] وروينا في كتابي الترمذي وابن ماجه، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما كان الفُحْشُ في شَيْءٍ إلاَّ شانَهُ، وَما كانَ الحَياءُ في شَيْءٍ إلاَّ زَانَهُ" قال الترمذي: حديث حسن. [فصل]: يحرمُ انتهارُ الوالد والوالدة وشبههما تحريمًا غليظًا، قال الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أنْ لاَ تَعْبُدُوا إِلاَّ إيَّاهُ وبالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا إمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الكِبَرَ أحَدُهُما أوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَريمًا. وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كما رَبَّيَاني صَغِيرًا} الآية [الإِسراء:23ـ 25]. [47/ 980] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "مِنَ الكَبائرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ، قالوا: يا رسول الله، وهل يشتُم الرجلُ والديه؟ قال: نَعَمْ، يَسُبّ أبَا الرَّجُلِ فَيسبُّ أباهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ". ¬

[978] الترمذي (1978)، وقد تقدم برقم 5/ 920. [979] الترمذي (1975)، وابن ماجه (4185)، قال ابن علاّن: وكذا رواه الإِمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد. [980] البخاري (5973)، ومسلم (90)، وأبو داود (5141)، والترمذي (1903).

332 ـ باب النهي عن الكذب وبيان أقسامه

[48/ 981] وروينا في سنن أبي داود والترمذي، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان تحتي امرأةٌ وكنتُ أُحبها، وكان عمرُ يكرهُها، فقال لي: طلّقْها، فأبيتُ، فأتى عمرُ رضي الله عنه النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكرَ ذلك له، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "طَلِّقْها" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. 332 ـ بابُ النهي عن الكَذبِ وبيان أقسامهِ قد تظاهرتْ نصوصُ الكتاب والسنّة على تحريم الكذب في الجملة، وهو من قبائح الذنوب وفواحش العيوب. وإجماعُ الأمة منعقدٌ على تحريمه مع النصوص المتظاهرة، فلا ضرورة إلى نقل أفرادها، وإنما المهمّ بيان ما يُستثنى منه والتنبيه على دقائقه، ويكفي في التنفير منه الحديث المتفق على صحته: [1/ 982] وهو ما رويناه في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آيَةُ المُنافِقِ ثَلاثٌ: إذا حَدّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أخْلَفَ، وَإِذَا ائتُمن خَانَ". [2/ 983] وروينا في صحيحيهما عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كانَ مُنافِقًا خالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ نِفاقٍ حتَّى يَدَعَها: إِذَا ائتُمِن خانَ، وَإذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خاصَمَ فَجَرَ" وفي ¬

[981] أبو داود (1538)، والترمذي (1189)، وقال المنذري: ورواه ابن ماجه، وابن حبّان في صحيحه، والحاكم بتقديم وتأخير وقال: صحيح الإِسناد. [982] البخاري (33)، ومسلم (59)، والترمذي (2633)، والنسائي 8/ 117. [983] البخاري (34)، ومسلم (58)، وأبو داود (4688)، والترمذي (2634)، والنسائي 8/ 116.

رواية مسلم "إذا وعدَ أخلفَ" بدل "وإذا ائتُمِن خان". وأما المستثنى منه: [3/ 984] فقد روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أُمّ كلثوم رضي الله عنها؛ أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لَيْسَ الكَذَّابُ الَّذي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمي خَيْرًا أوْ يَقُولُ خَيْرًا" هذا القدر في صحيحيهما. وزاد مسلم في رواية له: قالت أُمّ كلثوم: ولم أسمعه يُرخِّصُ في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث ـ يعني: الحرب، والإِصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته والمرأة زوجها. فهذا حديث صريح في إباحة بعض الكذب للمصلحة، وقد ضبط العلماءُ ما يُباح منه. وأحسننُ ما رأيتُه في ضبطه، ما ذكرَه الإِمامُ أبو حامد الغزالي فقال: الكلامُ وسيلةٌ إلى المقاصد، فكلُّ مقصودٍ محمودٍ يُمكن التوصلُ إليه بالصدق والكذب جميعًا، فالكذبُ فيه حرامٌ لعدم الحاجة إليه، وإن أمكنَ التوصل إليه بالكذب ولم يمكن بالصدق فالكذبُ فيه مباحٌ إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحًا، وواجبٌ إن كان المقصود واجبًا، فإذا اختفى مسلم من ظالم وسأل عنه: وجبَ الكذبُ بإخفائه، وكذا لو كان عندَه أو عندَ غيره وديعة وسأل عنها ظالمٌ يُريدُ أخذَها وجبَ عليه الكذب بإخفائها، حتى لو أخبرَه بوديعةٍ عندَه فأخذَها الظالمُ قهرًا، وجبَ ضمانُها على المُودع المُخبر، ولو استحلفَه عليها، لزمَه أن يَحلفَ ويورِّي في يمينه، فإن حلفَ ولم يورّ، حنثَ على الأصحّ، وقيل لا يحنثُ، وكذلك لو كان مقصودُ حَرْبٍ أو إصلاحِ ذاتِ البين أو استمالة قلب المجني عليه في العفو عن الجناية لا ¬

[984] البخاري (2692)، ومسلم (2605)، وأبو داود (4921)، والترمذي (1939).

يحصل إلا بكذب، فالكذبُ ليس بحرام، وهذا إذا لم يحصل الغرضُ إلا بالكذب، والاحتياطُ في هذا كلّه أن يورّي؛ ومعنى التورية أن يقصدَ بعبارته مقصودًا صحيحًا ليس هو كاذبًا بالنسبة إليه، وإن كان كاذبًا في ظاهر اللفظ، ولو لم يقصد هذا بل أطلق عبارةَ الكذب فليس بحرام في هذا الموضع. قال أبو حامد الغزالي: وكذلك كل ما ارتبط به غرضٌ مقصودٌ صحيح له أو لغيره، فالذي له مثلُ أن يأخذَه ظالمٌ ويسألَه عن ماله ليأخذَه فله أن ينكرَه، أو يسألَه السلطانُ عن فاحشةٍ بينَه وبينَ الله تعالى ارتكبَها فله أن ينكرَها ويقول ما زنيتُ، أو ما شربتُ مثلًا. وقد اشتهرتِ الأحاديث بتلقين الذين أقرّوا بالحدود الرجوع عن الإِقرار. وأما غرضُ غيره، فمثل أن يُسأَلَ عن سرّ أخيه فينكرَهُ ونحو ذلك، وينبغي أن يُقابِلَ بين مَفسدةِ الكذب والمفسدةِ المترتبة على الصدق؛ فإن كانت المفسدةُ في الصدق أشدّ ضررًا فله الكذبُ، وإن كان عكسُه، أو شكّ، حَرُمَ عليه الكذبُ؛ ومتى جازَ الكذبُ فإن كان المبيحُ غرضًا يتعلّقُ بنفسه فيستحبّ أن لا يكذبَ، ومتى كان متعلقًا بغيره لم تجز المسامحةُ بحقّ غيره؛ والحزمُ تركه في كل موضعٍ أُبيحَ إلا إذا كان واجبًا. واعلم أن مذهبَ أهل السنّة أن الكذبَ هو الإِخبار عن الشيء، بخلاف ما هو، سواء تعمدتَ ذلك أم جهلته، لكن لا يأثمُ في الجهل وإنما يأثمُ في العمد، ودليلُ أصحابنا تقييد النبيّ صلى الله عليه وسلم "مَنْ كَذَبَ عَليَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوأ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ" (¬1). ¬

(¬1) البخاري (1291)، عن المغيرة بن شعبة، ومسلم (3) في المقدمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وهو من الأحاديث المتواترة. انظر "نظم المتناثر من الحديث المتواتر"؛ للكتاني ص 20

333 ـ باب الحث على التثبت فيما يحكيه الإنسان والنهي عن التحديث بكل ما سمع إذا لم يظن صحته

333 ـ بابُ الحثِّ على التثّبت فيما يحكيهِ الإِنسانُ والنهي عن التحديث بكلِّ ما سمعَ إذا لم يظنّ صحته قال الله تعالى: {وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤادَ كُلُّ أُولَئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤولًا} [الإِسراء:36] وقال تعالى: {ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] وقال تعالى: {إنَّ رَبَّكَ لَبالمِرْصَادِ} [الفجر:14]. [1/ 985] وروينا في صحيح مسلم، عن حفص بن عاصم التابعي الجليل عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "كَفَى بالمَرْءِ كَذِبًا أنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ ما سَمِعَ" ورواه مسلم من طريقين: أحدهما هكذا. والثاني عن حفص بن عاصم، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مرسلًا لم يذكر أبا هريرة، فتُقدَّمُ روايةُ مَن أثبت أبا هريرة، فإن الزيادة من الثقة مقبولة، وهذا هو المذهب الصحيحُ المختارُ الذي عليه أهلُ الفقه والأصول والمحقّقون من المحدّثين، أن الحديث إذا روي من طريقين أحدهما مرسلٌ والآخر متصلٌ، قدّم المتصل وحكم بصحة الحديث، وجاز الاحتجاج به في كل شيء من الأحكام وغيرها. والله أعلم. [2/ 986] وروينا في صحيح مسلم، عن عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه قال: بحسبِ المرءِ من الكذبِ أن يحدّثِ بكلّ ما سمعَ. وروينا في صحيح مسلم، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مثله. والآثارُ في هذا الباب كثيرة. ¬

[985] مسلم (5) في المقدمة، وأبو داود (4992). [986] مسلم (5) في المقدمة. ومعنى "بحسْب": يكفيه ذلك من الشرّ فإنه قد استكثر منه.

334 ـ باب التعريض والتورية

[3/ 987] وروينا في سنن أبي داود، بإسناد صحيح، عن أبي مسعود، أو حذيفة بن اليمان، قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا". قال الإِمام أبو سليمان الخطابي فيما رويناه عنه في معالم السنن: أصلُ هذا الحديث أن الرجلَ إذا أرادَ الظعن في حاجة والسير إلى بلد ركب مطية وسار حتى يبلغ حاجته، فشبّهَ النبيّ صلى الله عليه وسلم ما يقدِّمُ الرجلُ أمامَ كلامه ويتوصل به إلى حاجته من قولهم: (زعموا) بالمطيّة، وإنما يُقال: (زعموا) في حديث لا سند له ولا ثبت، إنما هو شيء يُحكى على سبيل البلاغ، فذمّ النبيّ صلى الله عليه وسلم من الحديث ما هذا سبيلُه، وأمر بالتوثق فيما يحكيه والتثبت فيه، فلا يَرويه حتى يكون معزوًّا إلى ثبت، هذا كلامُ الخطابي، والله أعلم. 334 ـ بابُ التعريض والتورية اعلم أن هذا الباب من أهمّ الأبواب، فإنه مما يكثرُ استعمالُه وتعمُّ به البلوى، فينبغي لنا أن نعتني بتحقيقه، وينبغي للواقف عليه أن يتأملَه ويعملَ به، وقد قدَّمنا في الكذب من التحريم الغليظ، وما في إطلاق اللسان من الخطر، وهذا البابُ طريقٌ إلى السلامة من ذلك. واعلم أن التوريةَ والتعريضَ معناهما: أن تُطلقَ لفظًا هو ظاهرٌ في معنى وتريدُ به معنىً آخر يتناوله ذلك اللفظ، لكنه خلافُ ظاهره، وهذا ضربٌ من التغرير والخداع. قال العلماء: فإن دعتِ إلى ذلك مصلحةٌ شرعيةٌ راجحةٌ على خداعِ المخااطب أو حاجة لا مندوحةَ عنها إلا بالكذب فلا بأس بالتعريض، وإن ¬

[987] أبو داود (4972)، قال ابن علاّن: ورواه الإِمام أحمد وأبو داود عن حذيفة؛ أي من غير شك. وفي سنده: أبو قلابة: عبد الله بن زيد الجَرْمي البصري، وهو لم يسمع من حذيفة وأبي مسعود، فالحديث مرسل.

لم يكن شيءٌ من ذلك فهو مكروهٌ وليس بحرام، إلا أن يُتوصَل به إلى أخذ باطل أو دفع حقّ، فيصيرُ حينئذ حرامًا، هذا ضابطُ الباب. فأما الآثار الواردةُ فيه، فقد جاء من الآثار ما يُبيحه وما لا يُبيحه، وهي محمولةٌ على هذا التفصيل الذي ذكرناه. فمما جاء في المنع: [1/ 988] ما رويناه في سنن أبي داود، بإسناد فيه ضعفٌ لكن لم يُضَعِّفه أبو داود، فيقتضي أن يكون حسنًا عده كما سبق بيانه، عن سفيان بن أسد ـ بفتح الهمزة ـ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كَبُرَتْ خِيانَةً أنْ تُحَدِّثَ أخاكَ حَدِيثًا هُوَ لَكَ بِهِ مُصَدِّقٌ وأنْتَ بِهِ كاذِبٌ". وروينا عن ابن سيرين رحمه الله أنه قال: الكلامُ أوسعُ من أن يكذب ظريفٌ. مثال التعريض المباح ما قاله النخعي رحمه الله: إذا بلغ الرجلَ عنك شيءٌ قلتَه فقل: الله يعلم ما قلتُ من ذلك من شيء، فيتوهم السامعُ النفيَ ومقصودُك الله يعلم الذي قلتُه. وقال النخعيُّ أيضًا: لا تقلْ لابنك: أشتري لك سكرًا، بل قل: أرأيتَ لو اشتريت لك سكرًا؟ وكان النخعي إذا طلبه رجلٌ قال للجارية: قولي له اطلبه في المسجد. وقال غيره: خرج أبي في وقت قبل هذا. وكان الشعبي يخطّ دائرة ويقول للجارية: ضعي أصبعك فيها وقولي: ليس هو هاهنا. ومثل هذا قول الناس في العادة لمن دعاهُ لطعام أنا على نيّة؛ موهمًا أنه صائم ومقصودُه على نيّة ترك الأكل؛ ومثلُه: أبصرتَ فلانًا؟ فيقول ما رأيتُه: أي ما ضربتُ رئته. ونظائرُ هذا كثيرة. ولو حلف على شيء من هذا وورَّى في يمينه لم يحنثْ، ¬

[988] أبو داود (4971)، وإسناده ضعيف لوجود ضبارة بن مالك الحضرمي، ومجهولان، وسكوت أبي داود عن تضعيفه لا يجعله حسنًا.

335 ـ باب ما يقوله ويفعله من تكلم بكلام قبيح

سواء حلفَ بالله تعالى أو حلفَ بالطلاق أو بغيره، فلا يقعُ عليه الطلاق ولا غيره، وهذا إذا لم يحلّفه القاضي في دعوى؛ فإن حلَّفَه القاضي في دعوى فالاعتبار بنيّة القاضي إذا حلَّفه بالله تعالى، فإن حلّفه بالطلاق بالاعتبار بنيّة الحالف، لأنه لا يجوز للقاضي تحليفه بالطلاق فهو كغيره من الناس، والله أعلم. قال الغزالي: ومن الكذب المحرّم الذي يُوجب الفسقَ ما جرتْ به العادةُ في المبالغة كقوله: قلتُ لك مِئة مرّة، وطلبتُك مِئةَ مرّة ونحوه بأنه لا يُراد به تفهيم المرات بل تفهيم المبالغة، فإن لم يكن طلبَه إلا مرّة واحدة كان كاذبًا، وإن طلبه مرّات لا يُعتاد مثلُها في الكثرة لم يأثم، وإن لم يبلغْ مئة مرّة وبينهما درجات يتعرّضُ المبالغُ للكذب فيها. قلت: ودليل جواز المبالغة وأنه لا يُعدّ كذبًا: [2/ 989] ما رويناه في الصحيحين، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "أمَّا أبُو الجَهْمِ فَلا يَضَعُ العَصَا عَنْ عاتِقِهِ، وأمَّا مُعاويَةُ فَلا مالَ لَهُ" ومعلوم أنه كان له ثوب يلبسه. وأنه كان يضعُ العصا في وقت النوم وغيره، وبالله التوفيق. 335 ـ بابُ ما يقولُه ويفعلُه مَنْ تكلَّمَ بكلامٍ قبيح قال الله تعالى: {وَإمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ باللَّهِ} [فصّلت:36] وقال تعالى: {إِنَّ الَّذينَ اتَّقَوْا إذَا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فإذَا هُمْ مُبْصِرونَ} [الأعراف: 201] وقال تعالى: {وَالَّذِينَ إذَا فَعَلُوا فاحِشَةً أوْ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ ¬

[989] البخاري (5321)، ومسلم (1480)، وقد تقدم في باب ما يباح من الغيبة رقم 317 ص 529.

336 ـ باب في ألفاظ حكي عن جماعة من العلماء كراهتها وليست مكروهة

وَلَمْ يُصِرُّوا على ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ. أُولَئِكَ جَزَاؤُهم مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيها وَنعْمَ أجْرُ العامِلِينَ} [آل عمران: 135ـ136]. [1/ 990] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ حَلَفَ فَقالَ في حَلِفِهِ باللاَّتِ والعُزَّى فَلْيَقُلْ: لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَمَنْ قالَ لِصَاحِبِهِ: تَعالَ أُقامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ". واعلم أن مَن تكلم بحرام أو فعله وجب عليه المبادرة إلى التوبة، ولها ثلاثة أركان: أن يقلع في الحال عن المعصية، وأن يندمَ على ما فعل، وأن يعزمَ أن لا يعود إليها أبدًا، فإن تعلَّق بالمعصية حق آدمي وجب عليه مع الثلاثة رابع، وهو ردّ الظلامة إلى صاحبها أو تحصيل البراءة منها، وقد تقدم بيان هذا، وإذا تابَ مِنْ ذنبٍ فينبغي أن يتوبَ من جميع الذنوب؛ فلو اقتصرَ على التوبة من ذنب صحَّت توبتُه منه؛ وإذا تابَ من ذنب توبةً صحيحةً كما ذكرنا ثم عاد إليه في وقت أثم بالثاني ووجب عليه التوبة منه، ولم تبطلْ توبتُه من الأوّل؛ هذا مذهبُ أهل السنّة خلافًا للمعتزلة في المسألتين، وبالله التوفيق. 336 ـ بابٌ في ألفاظٍ حُكي عن جماعةٍ من العلماء كراهتُها وليستْ مكروهةً اعلم أن هذا البابَ مما تدعو الحاجةُ إليه لئلا يغترّ بقولٍ باطلٍ ويعوّل عليه. ¬

[990] البخاري (4860)، ومسلم (1647)، ويُفيد الحديث: أـ حرمة الحلف بالأصنام، فإن مَن حلف بها معظِّمًا لها كان كافرًا ويجب عليه تجديد إيمانه. ب ـ حرمة الدعوة إلى القمار، وأن كفارة ذلك التوبة منها، والإِسراع إلى التصدّق بما تيسر له.

واعلم أن أحكامَ الشرع الخمسة، وهي: الإِيجابُ، والندبُ، والتحريمُ، والكراهةُ، والإِباحة، لا يثبتُ شيء منها إلا بدليل، وأدلة الشرع معروفة، فما لا دليلَ عليه لا يُلتفتُ إليه ولا يحتاج إلى جواب، لأنه ليس بحجة ولا يُشتغل بجوابه؛ ومع هذا فقد تبرعَ العلماءُ في مثل هذا بذكر دليلٍ على إبطاله، ومقصودي بهذه المقدمة أنّ ما ذكرتُ أن قائلًا كرهَه ثم قلت: ليس مكروهًا، أو هذا باطلٌ أو نحو ذلك، فلا حاجةً إلى دليل على إبطاله وإن ذكرتُه كنتُ متبرّعًا به، وإنما عقدتُ هذا الباب لأُبيِّن الخطأَ فيه من الصواب لئلا يُغترّ بجلالة مَن يُضاف إليه هذا القول الباطل. واعلم أني لا أُسمّي القائلين بكراهة هذه الألفاظ لئلا تسقطَ جلالتُهم ويُساء الظنّ بهم، وليس الغرض القدح فيهم، وإنما المطلوب التحذير من أقوال باطلة نُقلت عنهم، سواء أصحّتْ عنهم أم لم تصحّ، فإن صحَّتْ لم تقدحْ في جلالتهم كما عرف، وقد أُضيف بعضُها لغرض صحيح بأن يكونَ ما قاله محتملًا فينظر غيري فيه، فلعلّ نظره يُخالف نظري فيعتضدُ نظرُه بقول هذا الإِمام السابق إلى هذا الحكم، وبالله التوفيق. فمن ذلك ما حكاهُ الإِمامُ أبو جعفر النحاس في كتابه "شرح أسماء الله تعالى سبحانه" عن بعض العلماء أنه كره أن يُقال: تصدّق الله عليكَ، قال: لأن المتصدّقَ يرجو الثواب. قلتُ: هذا الحكم خطأ صريح وجهلٌ قبيح، والاستدلال أشدُّ فسادًا. وقد ثبت في صحيح مسلم (¬1) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في قصر الصلاة: "صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ". [فصل]: ومن ذلك ما حكاهُ النحَّاسُ أيضًا عن هذا القائل المتقدّم أنه ¬

(¬1) مسلم (686)، وأبو داود (1199)، والترمذي (3037)، والنسائي 3/ 116

كره أن يُقال: اللَّهمّ أعتقني من النار، قال: لأنه لا يعتق إلا مَن يطلب الثواب. قلتُ: وهذه الدعوى والاستدلال من أقبح الخطأ وأرذل الجهالة بأحكام الشرع، ولو ذهبتُ أتتبعُ الأحاديثَ الصحيحة المصرّحة بإعتاق الله تعالى مَن شاء من خلقه لطال الكتاب طولًا مُمِلاًّ، وذلك كحديث "مَنْ أعْتَقَ رَقَبَةً أعْتَقَ اللَّهُ تَعالى بِكُلِّ عُضْو مِنْها عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ" (¬1) وحديث "ما مِنْ يَوْمٍ أكْثَرُ أنْ يُعْتِقَ اللَّهُ تَعالى فِيهِ عَبْدًا مِنَ النّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَة" (¬2). [فصل]: ومن ذلك قولُ بعضهم: يُكره أن يقولَ افعلْ كذا على اسم الله، لأن اسمَه سبحانه على كلِّ شيءٍ. قال القاضي عياض وغيرُه: هذا القول غلط، فقد ثبتت الأحاديث الصحيحة: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه في الأضحية: "اذْبَحُوا على اسْمِ الله" (¬3) أي قائلين باسم الله. [فصل]: ومن ذلك ما رواه النحاسُ عن أبي بكر محمد بن يحيى قال: وكان من الفقهاء الأدباء العلماء، قال: لا تقلْ: جمعَ الله بيننا في مستقرُ رحمته، فرحمةُ الله أوسعُ من أن يكون لها قرار؛ قال: لا تقلْ: ارحمنا برحمتك. قلت: لا نعلمُ لما قاله في اللفظين حجة، ولا دليلَ له فيما ذكره، فإنن مرادَ القائل بمستقرّ الرحمة: الجنة، ومعناه: جمعَ بيننا في الجنة التي هي دار القرار ودار المقامة ومحل الاستقرار، وإنما يدخلها الداخلون برحمة الله تعالى، ثم من دخلَها استقرّ فيها أبدًا، وأمِنَ الحوادث والأكدار، وإنما حصل له ذلك برحمة الله تعالى، فكأنه يقول: اجمع بيننا في مستقرّ نناله برحمتك. ¬

(¬1) البخاري (6715)، ومسلم (1509) (22) (¬2) مسلم (1348)، والنسائي 5/ 251ـ252، عن عائشة رضي الله عنها، وفيه: دلالة ظاهرة في فضل يوم عَرَفَة (¬3) مسلم (1960) عن جندب بن سفيان، ولفظه "مَن ذبحَ قبل الصلاة فليذبح شاةً مكانَها، ومَن لم يكنْ ذبحَ فليذبحْ على اسم الله"

[فصل]: ومن ذلك ما حكاهُ النحَّاسُ عن هذا المذكور، قال: لا تقل: توكّلتُ على ربي الربّ الكريم، وقل: توكلت على ربي الكريم. قلتُ: لا أصلَ لما قال. [فصل]: روى النحّاسُ عن أبي بكر المتقدم قال: لا يقلْ: اللهمَّ أجِرْنا من النار ولا يقل: اللهمْ ارزقنا شفاعةَ النبيّ صلى الله عليه وسلم فإما يُشفعُ لمن استوجبَ النار. قلتُ: هذا خطأ فاحش وجَهالة بيّنة، ولولا خوفُ الاغترار بهذا الغلط وكونه قد ذكرَ في كتب مصنفة لما تجاسرتُ على حكايته، فكم من حديث في الصحيح جاء في ترغيب المؤمنين الكاملين بوعدهم شفاعة النبيّ صلى الله عليه وسلم، لقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قالَ مِثْلَ ما يَقُولُ المُؤَذِّنُ حَلَّتْ لَهُ شَفاعَتي" (¬1) وغير ذلك. ولقد أحسن الإِمام الحافظُ الفقيه أبو الفضل عِياض رحمه الله في قوله: قد عُرف بالنقل المستفيض سؤالُ السلف الصالح رضي الله عنهم شفاعةَ نبيِّنا صلى الله عليه وسلم ورغبتهم فيها قال: وعلى هذا لا يُلتفت إلى كراهة مَن كَرِهَ ذلك لكونها لا تكونُ إلا للمذنبين، لأنه ثبتَ في الأحاديث في صحيح مسلم (¬2) وغيره إثبات الشفاعة لأقوام في دخولهم الجنة بغير حساب، ولقوم في زيادة درجاتهم في الجنة؛ قال: ثمّ كل عاقل معترف بالتقصير، محتاجٌ ¬

(¬1) مسلم (385) عن عبد الله بن عمرو بن العاص، وأوله: "إذا سمعتم المؤذّن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلّوا عليّ ... " (¬2) البخاري (6472)، ومسلم (220)، والترمذي (2448)، وفيه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لعُكَّاشةَ بن مِحْصَن أن يجعله من السبعين ألفًا الذين يدخلون بلا عذاب ولا حساب. ومسلم (196) وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا أول الناس يشفع في الجنة". وانظر ما اختصّ الله به نبيّه محمدًا من الشفاعة العظمى وغيرها من الشفاعات في كتاب "الفصول في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم" للحافظ ابن كثير ـ الطبعة الرابعة ص 285 ـ تحقيق د. محمد العيد الخطراوي ومحيي الدين مستو

إلى العفو، مشفقٌ من كونه من الهالكين؛ ويلزمُ هذا القائل أَنْ لا يدعوَ بالمغفرة والرحمة، لأنهما لأصحاب الذنوب، وكلُّ هذا خلافُ ما عُرف من دعاء السلف والخلف. [فصل]: ومن ذلك ما حُكي عن جماعة من العلماء أنهم كرهوا أن يُسمَّى الطوافُ بالبيت شوطًا أو دورًا، قالوا: بل يُقال للمرّة الواحدة طوفة، وللمرتين طوفتان، وللثلاث طوفات، وللسبع طواف. قلتُ: وهذا الذي قالوه لا نعلمُ له أصلًا، ولعلَّهم كرهوه لكونه من ألفاظ الجاهلية، والصوابُ المختار أنه لا كراهةَ فيه. [2/ 991] فقد روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أمرهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يرملوا ثلاثةَ أشواط ولم يمنعْه أن يأمرَهم أن يرملوا الأشواطَ كلَّها إلا الإِبقاء عليهم. [فصل]: ومن ذلك: صُمنا رمضانَ، وجاء رمضانُ، وما أشبه ذلك إذا أُريد به الشهر. واختلف في كراهته؛ فقال جماعة من المتقدمين: يُكره أن يُقال رمضان من غير إضافة إلى الشهر، رُوي ذلك عن الحسن البصري ومجاهد. قال البيهقي: الطريق إليهما ضعيف؛ ومذهبُ أصحابنا أنه يُكره أن يُقال: جاء رمضانُ، ودخل رمضانُ، وحضر رمضانُ، وما أشبه ذلك مما لا قرينة تدلّ على أن المرادَ الشهرُ، ولا يُكره إذا ذُكر معه قرينة تدلّ على الشهر، كقوله: صمتُ رمضانَ، وقمتُ رمضانَ، ويجبُ صومُ رمضان،، وحضرَ رمضانُ الشهر المبارك، وشبه ذلك، هكذا قاله أصحابنا ونقله الإِمامان: أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي في كتابه "الحاوي" وأبو نصر ¬

[991] البخاري (1602)، ومسلم (1266)، وأبو داود (1886)، والترمذي (863)، والنسائي 5/ 230.

الصباغ في كتابه "الشامل" عن أصحابنا، وكذا نقله غيرُهما من أصحابنا عن الأصحاب مطلقًا، واحتجُّوا بحديث: [3/ 992] رويناه في سنن البيهقي، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَقُولُوا رَمَضَانُ، فإنَّ رَمَضَانَ اسْمٌ مِنْ أسْماءِ اللَّهِ تَعالى، وَلَكِنْ قُولُوا: شَهْرُ رَمَضَانَ" وهذا الحديث ضعيف ضعَّفه البيهقيُّ والضعف عليه ظاهر، ولم يذكرْ أحدٌ رمضانَ في أسماء الله تعالى مع كثرة مَنْ صنَّف فيها. والصوابُ والله أعلم، ما ذهب إليه الإِمام أبو عبد الله البخاري في صحيحه وغير واحد من العلماء المحقِّقين أنه لا كراهةَ مطلقًا كيفما قال، لأن الكراهةَ لا تثبتُ إلا بالشرع، ولم يثبتْ في كراهته شيء، بل ثبتَ في الأحاديث جواز ذلك، والأحاديث فيه من الصحيحين وغيرهما أكثر من أن تُحصر. ولو تفرَّغتُ لجمع ذلك رجوتُ أن يبلغ أحاديثه مئين، لكن الغرضَ يحصل بحديث واحد، ويكفي من ذلك كله: [4/ 993] ما رويناه في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أبْوَابُ الجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتِ الشَّياطِينُ" وفي بعض روايات الصحيحين في هذا الحديث "إذَا دَخَلَ رَمَضَانُ" وفي رواية لمسلم "إذَا كانَ رَمَضَان" وفي الصحيح "لا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ" (¬1) وفي الصحيح "بُنِيَ الإِسْلامُ ¬

[992] البيهقي 4/ 201، وقال ابن علّان: قال القرطبي في شرح "أسماء الله الحسنى" رواه ابن عدي من حديث أبي معشر نجيح عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة .. وأبو معشر هذا من ضعفه أكثر ممّن وثقه .. الفتوحات الربانية 7/ 185. [993] البخاري (1898)، ومسلم (1079). (¬1) البخاري (8)، ومسلم (16)

على خَمْسٍ" (¬1) منها صوم رمضان، وأشباهُ هذا كثيرةٌ معروفة. [فصل]: ومن ذلك ما نُقل عن بعض المتقدمين أنه يُكره أن يقولَ: سورة البقرة، وسورة الدخان، والعنكبوت، والروم، والأحزاب، وشبه ذلك؛ قالوا: وإنما يُقال السورة التي يُذكر فيها البقرة، والسورة التي يُذكر فيها النساء وشبه ذلك. قلتُ: وهذا خطأ مخالف للسنّة، فقد ثبت في الأحاديث استعمال ذلك فيما لا يُحصى من المواضع كقوله صلى الله عليه وسلم: "الآيَتانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ مَنْ قَرأهُما في لَيْلَةٍ كَفَتَاه" (¬2) وهذا الحديث في الصحيحين وأشباهُه كثيرة لا تنحصر. [فصل]: ومن ذلك ما جاء عن مُطرف رحمه الله أنه كره أن يقول: إن الله تعالى يقول في كتابه؛ قال: وإنما يُقال: إن الله تعالى قال: كأنه كره ذلك لكونه لفظًا مضارعًا، ومقتضاهُ الحالُ أو الاستقبالُ، وقول الله تعالى هو كلامُه، وهو قديم. قلتُ: وهذا ليس بمقبول، وقد ثبتَ في الأحاديث الصحيحة استعمالُ ذلك من جهات كثيرة، وقد نبَّهتُ على ذلك في شرح صحيح مسلم، وفي كتاب آداب القرّاء، قال الله تعالى: {والله يقول الحقّ} [الأحزاب:4]. وفي صحيح مسلم (¬3)، عن أبي ذرّ قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أمْثالِهَا} [الأنعام:160]. وفي ¬

(¬1) البخاري (1914)، ومسلم (1174)، ولفظه "لا يتقَدَّمَنَّ أحدُكم رمضان بصومِ يومٍ أو يومين" (¬2) البخاري (5040)، ومسلم (807)، ومعنى "كفتاه": دفعتا عنه الشرَّ والمكروه (¬3) مسلم (2687). ولفظه "مَن جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزيد" وفي رواية "أو أزيد" ومعناه: أن التضعيف بعشرة أمثالها لا بدّ منها بفضل الله ورحمته ووعده الذي لا يُخلف. والزيادة بعدُ بكثرة التضعيف إلى سبعمئة ضعف وإلى أضعاف كثيرة، يحصل لبعض الناس دون بعض على حسب مشيئته سبحانه وتعالى

صحيح البخاري (¬1) في تفسير {لَنْ تَنالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا} [آل عمران: 92] قال أبو طلحة: يا رسول الله، إن الله تعالى يقول: {لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّون}. ¬

(¬1) البخاري (4554)

كتاب جامع الدعوات

كتاب جامع الدّعوات 337 ـ باب دعوات مهمة مستحبّة في جميع الأوقات اعلم أن غرضنا بهذا الكتاب ذكر دعواتٍ مهمّة مستحبّة في جميع الأوقات غير مختصّة بوقت أو حال مخصوص .. واعلم أن هذا البابَ واسعٌ جدًا لا يمكن استقصاؤهُ ولا الإِحاطة بمعشاره، لكني أُشيرُ إلى أهمّ المهمّ من عيونه. فأوّلُ ذلك الدعواتُ المذكوراتُ في القرآن التي أخبرَ الله سبحانه وتعالى بها عن الأنبياء صلواتُ الله وسلامُه عليهم وعن الأخيار وهي كثيرة معروفةٌ؛ ومن ذلك ما صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه فعلَه أو علَّمه غيرَه؛ وهذا القسم كثير جدًا تقدّم جملٌ منه في الأبواب السابقة، وأنا أذكرُ منه هنا جُملًا صحيحةً تُضمّ إلى أدعية القرآن وما سبق، وبالله التوفيق. [1/ 994] روينا بالأسانيد الصحيحة في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ¬

[994] أبو داود (1479)، والترمذي (3244) و (3369)، وقال: هذا حديث حسن صحيح وابن ماجه (3828)، والنسائي في الكبرى. وقال السخاوي بعد تخريجه من طرق: هذا حديث حسن أخرجه أحمد في مسنده، وأبو داود الطيالسي، والبخاري في الأدب المفرد، ورواه الدارقطني في الأفراد من طريق أخرى ... الفتوحات الربانية 7/ 191.

قال: "الدُّعاءُ هُوَ العبادَة" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. [2/ 995] وروينا في سنن أبي داود، بإسناد جيد، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَستحبّ الجوامعَ من الدعاء ويدعُ ما سوى ذلك. [3/ 996] وروينا في كتاب الترمذي وابن ماجه، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لَيْسَ شَيْءٌ أكْرَمَ على اللَّهِ تَعالى مِنَ الدُّعاءِ". [4/ 997] وروينا في كتاب الترمذي، عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَرَّهُ أنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ تَعالى لَهُ عنْدَ الشَّدَائِدِ وَالكُرَبِ فَلْيُكْثِرِ الدُّعاءَ في الرَّخاءِ". [5/ 998] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أنس رضي الله عنه، قال: كان أكثرُ دعاءِ النبيّ صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ آتنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وفي ¬

[995] أبو داود (1482)، وقال السخاوي: هذا حديث حسن أخرجه أحمد وأبو داود. الفتوحات 7/ 192. [996] الترمذي (3367)، وقال: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث عمران القطّان. وابن ماجه (3829). وخلاصة حكم الحافظ السخاوي عليه أنه حسن غريب؛ لشواهده، ولتفرّد عمران القطّان به. وذكر ممّن رواه البيهقي والعقيلي. وهو عند أحمد، والبخاري في الأدب المفرد، والحاكم وابن حبّان في صحيحيهما. [997] الترمذي (3379)، وقال أبو عيسى: هذا حديث غريب. ففي إسناده عبيد الله بن واقد، وهو ضعيف، وسعيد بن عطية الليثي: لم يوثقه غير ابن حبّان، وشهر بن حوشب فيه مقال. لكن للحديث شواهد يرتقي بها إلى مرتبة الحسن، فقد رواه الطبراني من حديث معاوية بن صالح، عن معاوية بن صالح، عن أبي عمرو الألهاني، عن أبي هريرة مرفوعًا. ورواه الحاكم في المستدرك بهذا السند 1/ 544، وصححه ووافقه الذهبي. [998] البخاري (6389)، ومسلم (2690)، وأبو داود (1519).

الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ". زاد مسلم في روايته قال: وكان أنس إذا أرادَ أن يدعوَ بدعوة دعا بها، فإذا أرادَ أن يدعوَ بدعاء دعا بها فيه. [6/ 999] وروينا في صحيح مسلم، عن ابن مسعود رضي الله عنه؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللَّهُمَّ إني أسألُكَ الهُدَى والتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى". [7/ 1000] وروينا في صحيح مسلم، عن طارق بن أشيم الأشجعي الصحابي رضي الله عنه قال: كان الرجل إذا أسلم علَّمه النبيُّ صلى الله عليه وسلم الصلاة، ثم أمرَه أن يدعوَ بهذه الكلمات "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي وَارْحَمْنِي وَاهْدِني وَعافِني وَارْزُقْني" وفي رواية أُخرى لمسلم عن طارق: أنه سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل فقال: يا رسول الله! كيف أقول حين أسألُ ربِّي؟ قال: "قُلِ اللَّهُمَّ اغْفرْ لي وَارْحَمْني وَعافني وَارْزُقْني؛ فإنَّ هَؤُلاءِ تَجْمَعُ لَكَ دُنْياكَ وآخِرَتَكَ". [8/ 1001] وروينا فيه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ يا مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنا على طاعَتِكَ". [9/ 1002] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِنْ جَهْدِ البَلاءِ، وَدَرَكِ ¬

[999] مسلم (2721)، والترمذي (3484). [1000] مسلم (2697) (34) و (36). [1001] مسلم (2654) ولفظه فيه "اللَّهمّ مُصرفَ القلوب ثبّت قلوبنا على طاعتك". [1002] البخاري (6616)، ومسلم (2707)، والنسائي 8/ 269ـ270. و"جهد البلاء": المشقة، وقيل: قلة المال وكثرة العيال. و"درك الشقاء": الإِدراك واللحاق بالشدة والعسر، ويطلق على الهلاك.

الشَّقاءِ، وَسُوءِ القَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأعْدَاءِ" وفي رواية عن سفيان أنه قال: في الحديث ثلاث، وزدتُ أنا واحدة، لا أدري أيّتهنّ .. وفي رواية قال سفيان: أشكّ أني زدتُ واحدة منها. [10/ 1003] وروينا في صحيحيهما، عن أنس رضي الله عنه، قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِك مِنَ العَجْزِ وَالكَسَلِ وَالجُبْنِ وَالهَرَمِ وَالبُخْلِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وأعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحيَا وَالمَماتِ" وفي رواية "وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرّجالِ". قلت: ضَلَع الدين: شدّته وثقلُ حمله. والمحيا والممات: الحياة والموت. [11/ 1004] وروينا في صحيحيهما، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم؛ أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ علّمني دُعاءً أدعُو به في صَلاتي، قال: "قُلِ اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أنْتَ فاغْفِرْ لي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْني إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ". قلتُ: روي كثيرًا بالمثلة، وكبيرًا بالموحدة، وقد قدّمنا بيانه في أذكار الصلاة، فيستحبّ أن يقول الداعي كثيرًا كبيرًا، يجمع بينهما، وهذا الدعاء وإن كان ورد في الصلاة فهو حسن نفيس صحيح فيُستحبّ في كل موطن، وقد جاء في رواية "وفي بيتي". [12/ 1005] وروينا في صحيحيهما، عن أبي موسى الأشعري رضي ¬

[1003] البخاري (6367)، ومسلم (2706)، وأبو داود (1540)، والترمذي (3481)، والنسائي 8/ 257ـ258. ومعنى "ضَلَع الدَّيْن": ثقل الدَّيْن وشدّته. [1004] البخاري (834)، ومسلم (2705)، والترمذي (3521)، والنسائي 3/ 53. [1005] البخاري (6398)، ومسلم (2719).

الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو بهذا الدعاء: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي خَطِيئَتي وَجَهْلي وَإسْرَافِي في أمْرِي، ومَا أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي؛ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي جَدّي وَهَزْلي وَخَطَئي وَعَمْدي وَكُلُّ ذلكَ عِنْدِي؛ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ ومَا أخَّرْتُ وَمَا أسْرَرْتُ وَما أعْلَنْتُ وَما أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنّي، أنْتَ المُقَدِّمُ وأنْتَ المُؤَخِّرُ وأنْتَ على كلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ". [13/ 1006] وروينا في صحيح مسلم، عن عائشة رضي الله عنها؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: "اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ ما عَمِلْتُ وَمِنْ شَرّ مَا لَمْ أعْمَلْ". [14/ 1007] وروينا في صحيح مسلم، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عافيتك وَفَجْأةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سُخْطِكَ". [15/ 1008] وروينا في صحيح مسلم، عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، كان يقول: "اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ وَالكَسَلِ وَالجُبْنِ وَالبُخْلِ وَالهَمِّ وَعَذَابِ القَبْرِ، اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاها، وَزَكِّها أنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاها، أنْتَ وَلِيُّها وَمَوْلاها، اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ، وَمنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لا يُسْتَجَابُ لَهَا". [16/ 1009] وروينا في صحيح مسلم، عن عليّ رضي الله عنه قال: ¬

[1006] مسلم (2716)، وأبو داود (1550)، والنسائي 3/ 56. [1007] مسلم (2739)، وأبو داود (1545). [1008] مسلم (2732)، والترمذي (3567)، والنسائي 8/ 260. ومعنى "زكّها": طهرها. [1009] مسلم (2725) وتتمة الرواية الأولى "واذكر بالهدى هدايتك الطريق. والسدادِ سَدَادَ السهم".

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قُلِ اللَّهُمَّ اهْدِني وَسَدّدْنِي" وفي رواية: "اللَّهُمَّ إني أسألُكَ الهُدَى وَالسَّدادَ". [17/ 1010] وروينا في صحيح مسلم، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: جاء أعرابيٌّ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ الله! علِّمني كلامًا أقوله، قال: "قُلْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، اللَّهُ أكْبَرُ كَبِيرًا، وَالحَمْدُ لِلَّه كَثِيرًا، سُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ العالَمِينَ، لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ العَزِيزِ الحَكيمِ، قال: فهؤلاء لربي فما لي؟ قال: قُلِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي وَارْحَمْني وَاهْدني وَارْزُقْنِي وَعافني" شكَّ الراوي في "وعافني". [18/ 1011] وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللَّهُمَّ أصْلِحْ لي دِيني الَّذي هُوَ عِصْمَةُ أمْرِي، وَأصْلِحْ لي دُنْيايَ الَّتِي فيها مَعاشِي، وأصْلِحْ لي آخِرَتِي الَّتي فيها مَعادي، وَاجْعَلِ الحَياةَ زيادَةً لي في كُلّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ المَوْتَ راحَةً لي مِنْ كُلّ شَرٍّ". [19/ 1012] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللَّهُمَّ لَكَ أسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أنَبْتُ، وَبِكَ خاصَمْتُ؛ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوْذُ بِعِزَّتِكَ لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ أنْ تُضِلَّني، أنْتَ الحَيُّ الَّذي لاَ يَموتُ وَالجِنُّ والإِنْسُ يَمُوتُونَ". [20/ 1013] وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، ¬

[1010] مسلم (2696). [1011] مسلم (2720). [1012] البخاري (7383)، ومسلم (2717). [1013] أبو داود (1493)، والترمذي (3471)، وابن ماجه (2857)، وأحمد في المسند =

عن بُريدةَ رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يقول: اللَّهمّ إني أسألك بأني أشهدُ أنك أنتَ الله لا إِلهَ إِلاّ أنتَ الأحدُ الصمدُ الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد. فقال: "لَقَدْ سألْتَ اللَّهَ تَعالى بالاسْمِ الَّذي إذَا سُئِلَ بِهِ أعْطَى، وَإِذَا دُعِيَ أجابَ" وفي رواية "لَقَدْ سألْتَ اللَّهَ باسْمهِ الأعْظَمِ" قال الترمذي: حديث حسن. [21/ 1014] وروينا في سنن أبي داود والنسائي، عن أنس رضي الله عنه؛ أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا ورجل يُصلّي ثم دعا: اللَّهمّ إني أسألك بأنَّ لكَ الحمدُ لا إِله إِلاَّ أنتَ المنّانُ بديعُ السَّماواتِ والأرض، يا ذا الجلال والإِكرام يا حيُّ يا قيّوم. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "لَقَدْ دَعا اللَّهَ تَعالى باسْمهِ العَظيمِ الَّذي إذَا دُعيَ بهِ أجابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أعْطَى". [22/ 1015] وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، بالأسانيد الصحيحة، عن عائشة رضي الله عنها؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كانَ يدعو بهؤلاء الكلماتِ: "اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ، وَمنْ شَرّ الغِنَى وَالفَقْرِ" هذا لفظ أبي داود، قال الترمذي: حديث حسن صحيح. ¬

= 5/ 360 والحاكم في المستدرك 1/ 504 وصححه، وأقرّه الذهبي، والنسائي في الكبرى. وقال ابن علاّن: ورواه أحمد وابن حبّان في صحيحه، والحاكم في مستدركه، وابن أبي شيبة في مصنفه. قال الحافظ أبو الحسن علي بن المفضل المقدسي: إسناده لا مطعن فيه؛ ولا أعلم أنه روي في هذا الباب حديث أجود إسنادًا منه. وقال السخاوي بعد تخريجه: حديث حسن. الفتوحات الربانية 7/ 211. [1014] أبو داود (1495)، والترمذي (3538)، وابن ماجه (3858)، والنسائي 3/ 52، وهو في المسند 3/ 120. والحاكم في المستدرك 1/ 503 ـ 504 وصحّحه، ووافقه الذهبي. وقال السخاوي: حديث حسن. [1015] أبو داود (880)، والترمذي (3489)، والنسائي 8/ 278، وابن ماجه (3838)، وقال السخاوي بعد تخريجه: وفي هذا الدعاء ما لفظه حديث صحيح رواه البخاري ومسلم .. الفتوحات 7/ 214.

[23/ 1016] وروينا في كتاب الترمذي، عن زياد بن عِلاَقَة، عن عَمِّه، وهو قُطْبَةُ بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: "اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الأخْلاقِ وَالأعْمالِ، وَالأهْوَاءِ" قال الترمذي: حديث حسن. [24/ 1017] وروينا في سنن أبي داود والترمذي والنسائي، عن شَكَل بن حُميد رضي الله عنه ـ وهو بفتح الشين المعجمة والكاف ـ قال: قلتُ: يا رسولَ الله! علَّمني دعاء، قال: "قُلِ اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ سَمْعِي وَمنْ شَرّ بَصَرِي، وَمِنْ شَرّ لِساني، وَمِنْ شَرّ قَلْبي وَمنْ شَرّ مَنِيِّي" قال الترمذي: حديث حسن. [25/ 1018] وروينا في كتابي أبي داود والنسائي، بإسنادين صحيحين، عن أنس رضي الله عنه؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنَ البَرَصِ وَالجُنُونِ وَالجُذَامِ، وَسَيِّءِ الأسْقامِ". [26/ 1019] وروينا فيهما، عن أبي اليَسَر الصحابي رضي الله عنه ـ وهو بفتح الياء المثناة تحت والسين المهملة أنن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو ¬

[1016] الترمذي (3585)، قال ابن علاّن: قال في السلاح: ورواه الحاكم وابن حبّان في صحيحيهما وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. وقال السخاوي بعد تخريجه: هذا حديث حسن. الفتوحات 7/ 215. [1017] أبو داود (1551)، والترمذي (3487)، والنسائي 8/ 259 ـ260، ورواه الحاكم 1/ 533 وصححه، ووافقه الذهبي. و"منيّي" يريد المنيّ، وهو النطفة. [1018] أبو داود (1554)، والنسائي 8/ 271. قال ابن علاّن: ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه. [1019] أبو داود (1552)، والنسائي 1/ 282 ـ283. قال ابن علاّن: ورواه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح الإِسناد. ومعنى "يتخبطني": يصرعني ويلعب بي. و"مدبرًا": منهزمًا في الجهاد، مولّيًا دُبُره. و"لديغًا": أي ملدوغًا من أفعى أو عقرب.

"اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنَ الهَدْمِ، وأعُوذُ بِكَ مِنَ التَّرَدِّي، وأعُوذُ بِكَ مِنَ الغَرَقِ وَالحَرَقِ وَالهَرَمِ، وَأعُوذُ بِكَ أن يَتَخَبَّطَنِي الشَّيْطانُ عِنْدَ المَوْتِ؛ وأعُوذُ بِكَ أنْ أمُوتَ فِي سَبِيلِكَ مُدْبِرًا، وأعُوذُ بِكَ أن أمُوتَ لَديغًا" هذا لفظ أبي داود، وفي رواية له "وَالغَمّ". [27/ 1020] وروينا فيهما؛ بالإِسناد الصحيح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللَّهُمَّ إني أعوذُ بِكَ منَ الجوع فَإنَّهُ بئْسَ الضَّجِيعُ، وَأعُوذُ بِكَر مِنَ الخِيانَةِ فإنَّها بِئْسَتِ البطانَةُ". [28/ 1021] وروينا في كتاب الترمذي، عن عليّ رضي الله عنه؛ أن مُكاتبًا جاءه فقال: إني عجزتُ عن كتابتي فأعنِّي، قال: ألا أُعلّمُك كلماتٍ عَلمنيهنّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لو كانَ عَليكَ مثلُ جبل صِيْرٍ دَيْنًا أدَّاهُ عنك؟ قُلِ: "اللَّهُمَّ اكْفني بِحَلالِكَ عَنْ حَرامِكَ، وَأغْنِني بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ" قال الترمذي: حديث حسن. [29/ 1022] وروينا فيه، عن عمران بن الحصين رضي الله عنهما؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم علَّمَ أباه حصينًا كلمتين يدعو بهما: "اللَّهُمَّ ألْهِمْنِي رُشْدِي، وَأعِذْنِي مِنْ شَرّ نَفْسِي" قال الترمذي: حديث حسن. [30/ 1023] وروينا فيهما، بإسناد ضعيف، عن أبي هريرة رضي الله ¬

[1020] أبو داود (1547)، والنسائي 8/ 263، وإسناده حسن. [1021] الترمذي (3558)، وهو حديث حسن، وتقدم برقم 1/ 330. و"المكاتب": هو العبد الذي يشتري نفسه من مولاه بمالٍ معين في ذمّته ليؤدّيه إليه من كسبه. و"صير": جبل لطيء، وجبل على الساحل أيضًا بين عُمَان وسِيراف. [1022] الترمذي (3479)، وقال الترمذي: هذا حديث غريب، وقد روي هذا الحديث عن عمران بن حصين من غير هذا الوجه. وحسَّنه الحافظ ابن حجر. [1023] أبو داود (1546)، والنسائي 8/ 264. قال الحافظ المنذري: وفي إسناده: بقية بن الوليد، ودُوَيد بن نافع، وفيهما مقال. ولذا قال النووي رحمه الله تعالى: بإسنادٍ ضعيف.

عنه؛ أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يقولُ: "اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بكَ منَ الشِّقاقِ وَالنِّفاقِ وَسُوءِ الأخْلاقِ". [31/ 1024] وروينا في كتاب الترمذي، عن شهر بن حوشب، قال: قلتُ لأُمّ سلمة رضي الله عنها: يا أُمّ المؤمنين! ما أكثرَ دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان عندكِ؟ قالت: كان أكثرُ دعائه: "يا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّت قَلْبي على دِينكَ" قال الترمذي: حديث حسن. [32/ 1025] وروينا في كتاب الترمذي، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللَّهُمَّ عافني في جَسَدِي، وَعافني في بَصَرِي، وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنِّي، لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ الحَلِيمُ الكَرِيمُ، سُبْحانَ اللَّه رَبّ العَرْشِ العَظِيمِ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ العالَمِينَ". [33/ 1026] وروينا فيه، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كانَ مِنْ دُعاءِ دَاوُدَ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ إني أسألُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَالعَمَلَ الَّذي يُبَلِّغُنِي حُبَّكَ؛ اللَّهُمَّ اجْعَلْ حُبَّكَ أحَبَّ إِليَّ مِنْ نَفْسِي وَأهْلِي وَمنَ المَاءِ البارِدِ" قال الترمذي: حديث حسن. [34/ 1027] وروينا فيه، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ¬

[1024] الترمذي (3517)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن وفي الباب: عن عائشة، والنواس بن سمعان، وأنس، وجابر، وعبد الله بن عمرو، ونعيم بن هَمَّار. وهو في المستدرك 1/ 526 من حديث أنس وصححه، ووافقه الذهبي. [1025] الترمذي (3476)، وقال: هذا حديث حسن غريب. سمعتُ محمدًا ـ يعني البخاري ـ يقول: حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة بن الزبير شيئًا. وفي إسناده عبد الله بن ربيعة بن يزيد الدمشقي، وهو مجهول، كما في التقريب 2/ 433، ورواه الحاكم في المستدرك 1/ 433 وصححه، وتعقبه الذهبي بأن عبد الله هذا قال أحمد عنه: أحاديثه موضوعة. [1026] الترمذي (3485)، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب. [1027] الترمذي (3500)، وقد تقدم برقم 9/ 314.

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إذْ دَعا رَبَّهُ وَهُوَ في بَطْنِ الحُوتِ: لا إِلهَ إِلاَّ أنْتَ سُبْحانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الظالِمِينَ، فإنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِها رَجُلٌ مُسْلِمٌ في شَيْءٍ قَطُّ إِلاَّ اسْتَجابَ لَهُ" قال الحاكم أبو عبد الله: هذا صحيح الإِسناد. [35/ 1028] وروينا فيه وفي كتاب ابن ماجه، عن أنس رضي الله عنه؛ أن رجلًا جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسولَ الله! أيّ الدعاء أفضل؟ قال: "سَلْ رَبَّكَ العافِيَةَ وَالمُعافاةَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ. ثم أتاه في اليوم الثاني فقال: يا رسولَ الله! أيّ الدعاء أفضل؟ فقال له مثل ذلك. ثم أتاه في اليوم الثالث فقال له مثل ذلك، قال: فإذَا أُعْطِيتَ العافِيَةَ في الدُّنْيا وأُعْطِيتَها في الآخرة فَقَدْ أفْلَحْت" قال الترمذي: حديث حسن. [36/ 1029] وروينا في كتاب الترمذي، عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! علّمني شيئًا أسأله الله تعالى، قال: "سَلُوا اللهَ العافِيَةَ" فمكثت أيامًا ثم جئت فقلت: يا رسول الله! علَّمني شيئًا أسأله الله تعالى، فقال: "يا عَبَّاسُ، يا عَمَّ رَسُول اللَّهِ، سَلُوا اللَّهَ العافِيَةَ في الدُّنْيا والآخِرَة" قال الترمذي: هذا حديث صحيح. [37/ 1030] وروينا فيه، عن أبي أمامة رضي الله عنه، قال: دعا ¬

[1028] الترمذي (3507)، وابن ماجه (3848)، وفي سنده: سلمة بن وردان الليثي أبو يعلى، وهو ضعيف ولذلك قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، إنما نعرفه من حديث سلمة بن وردان. ويتقوى بشاهد عند الترمذي برقم (3509). [1029] الترمذي (3509)، وإسناده ضعيف؛ لوجود يزيد بن أبي زياد الهاشمي. وله شاهد عند الترمذي (3507)، وابن ماجه (3848)، فيرتقي بذلك إلى الحسن. [1030] الترمذي (3516)، وفي إسناده الليث بن أبي سُليم بن زنيم، وهو صدوق، اختلط أخيرًا، ولم يتميز حديثه فتُرك. تقريب التهذيب 2/ 138. ولذلك قال الترمذي عقبه: هذا حديث حسن غريب.

رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بدعاء كثير لم نحفظ منه شيئًا، قلت: يا رسول الله! دعوتَ بدعاءٍ كثيرٍ لم نحفظ منه شيئًا، فقال: "أَلاَ أدُلُّكُمْ ما يَجْمَعُ ذلكَ كُلَّهُ؟ تَقُولُ: اللَّهُمَّ إني أسألُكَ مِنْ خَيْرٍ ما سألَكَ منْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما اسْتَعاذَكَ مِنْهُ نَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، وأنْتَ المُسْتَعانُ وَعَلَيْكَ البَلاغُ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ باللَّهِ" قال الترمذي: حديث حسن. [38/ 1031] وروينا فيه، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألِظُّوا بِياذَا الجَلالِ وَالإِكْرامِ". ورويناه في كتاب النسائي، من رواية ربيعة بن عامر الصحابي رضي الله عنه، قال الحاكم: حديث صحيح الإِسناد. قلتُ: ألِظُّوا بكسر اللام وتشديد الظاء المعجمة، ومعناه: الزموا هذه الدعوة وأكثروا منها. [39/ 1032] وروينا في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول: "رَبّ أعِنِّي وَلا تُعِنْ عَليَّ، وَانْصُرْنِي وَلا تَنْصُرْ عَلَيَّ، وَامْكُرْ لي وَلا تَمْكُرْ عَليَّ، وَيَسِّرْ هُدَايَ وَانْصُرْنِي على مَنْ بَغَى عَليَّ. رَبّ اجْعَلْنِي لَكَ شاكِرًا، لَكَ ذَاكِرًا، لَكَ رَاهِبًا، لَكَ مِطْوَاعًا، إِلَيْكَ مُجِيبًا أوْ مُنيبًا، تَقَبَّلْ تَوْبَتِي، وَاغْسِلْ حَوْبَتي، وَأجِبْ دَعْوَتي، وَثَبِّتْ حُجَّتِي، وَاهْدِ قَلْبِي، وَسَدّدْ لِساني، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ ¬

[1031] الترمذي (3522)، عن أنس رضي الله عنه، والنسائي في الكبرى، والحاكم في المستدرك 1/ 498 ـ 499 من حديث ربيعة بن عامر، وقد صححه الحاكم ووافقه الذهبي. [1032] أبو داود (1510)، والترمذي (3546)، وابن ماجه (3830)، وهو في مسند الإِمام أحمد 3/ 310، ورواه النسائي (607) في "اليوم والليلة"، وابن حبّان في صحيحه (2414)، والحاكم في المستدرك 1/ 519ـ 520 وصححه، ووافقه الذهبي.

قَلْبِي" وفي رواية الترمذي "أوَّاهًا مُنِيبًا" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. قلتُ: السخيمة بفتح السين المهملة وكسر الخاء المعجمة، وهي الحقد وجمعها سخائم، هذا معنى السخيمة هنا. وفي حديث آخر "مَنْ سَلَّ سَخِيمَتَهُ في طَرِيقِ المُسْلِمِينَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ" (¬1) والمراد بها الغائط. [40/ 1033] وروينا في مسند الإِمام أحمد بن حنبل رحمه الله وسنن ابن ماجه، عن عائشة رضي الله عنها؛ أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لها: "قُولي اللَّهُمَّ إني أسألُكَ مِنَ الخَيْرِ كُلِّهِ عاجِلِهِ وآجِلِهِ، ما عَلِمْتُ مِنْهُ وَما لَمْ أعْلَمُ، وأعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرّ كُلِّهِ عاجله وآجِلهِ، ما عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أعْلَمْ، وأسألُكَ الجَنَّةَ وَمَا قَرّبَ إِلَيْها مِنْ قَوْلٍ أوْ عَمَلٍ، وأعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْها مِنْ قَوْلٍ أوْ عَمَلٍ، وأسألُكَ خَيْرَ ما سألَكَ بِهِ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ ما اسْتَعاذَكَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، وأسألُكَ ما قَضَيْتَ لي مِنْ أمْرٍ أنْ تَجْعَلَ عاقِبَتَهُ رَشَدًا" قال الحاكم أبو عبد الله: هذا حديث صحيح الإِسناد. [41/ 1034] ووجدت في المستدرك للحاكم، عن ابن مسعود رضي ¬

[1033] المسند 6/ 137، وابن ماجه (3846)، وقال ابن علاّن: ورواه ابن حبّان والحاكم في صحيحيهما، وهو حديث حسن. [1034] المستدرك 1/ 525، وإسناده ضعيف، انظر ضعيف الجامع الصغير 1/ 359، والأحاديث الضعيفة (2908). (¬1) قال ابن علاّن: ذكره ابن الأثير ـ أي في النهاية ـ ولم يذكر مخرجه. وهو في الترغيب والترهيب 1/ 83 بلفظ: "مَن غسل سخيمته على طريق من طرق المسلمين؛ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين". وقال الحافظ المنذري: رواه الطبراني في الأوسط، والبيهقي وغيرهما، وإسناده ضعيف

338 ـ باب في آداب الدعاء

الله عنه قال: كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ إنَّا نَسألُكَ مُوجِباتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَالسَّلامَةَ مِنْ كُلّ إثْمٍ، وَالغَنِيمَةَ مِنْ كُلّ بِرٍّ، وَالفَوْزَ بالجَنَّةَ وَالنَّجاةَ (بعونِك) منَ النَّارِ" قال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم. [42/ 1035] وفيه، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "وَاذُنُوباهُ وَاذُنُوباهُ! مرّتين أو ثلااثًا، فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "قُلِ اللَّهُمَّ مَغْفِرَتُكَ أوْسَعُ مِنْ ذُنُوبي، وَرَحْمَتُكَ أرْجَى عِنْدِي مِنْ عَمَلي، فقالها، ثم قال: عُدْ، فعاد، ثم قال: عُدْ، فعاد، فقال: قُمْ فَقَدْ غُفِرَ لَكَ". [43/ 1036] وفيه، عن أبي أمامة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ لِلَّهِ تَعالى مَلَكًا مُوَكَّلًا بِمَنْ يَقُولُ يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، فَمَنْ قالها ثلاثًا قالَ لَهُ المَلَكُ: إنَّ أرْحَمَ الرَّاحِمينَ قَدْ أقْبَلَ عَلَيْكَ فَسَلْ". 338 ـ بابٌ في آدابِ الدعاء اعلم أن المذهب المختار الذي عليه الفقهاء والمحدّثون وجماهير العلماء من الطوائف كلها من السلف والخلف: أن الدعاء مستحبّ، قال الله تعالى: {وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] وقال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] والآيات في ذلك كثيرة مشهورة. ¬

[1035] المستدرك 1/ 543، وقال: حديث رواته عن آخرهم مدنيون ممّن لا يُعرف واحد منهم بجرح. ووافقه الذهبي على ذلك. ومعنى "مغفرتك أوسع من ذنوبي" أي إن ذنوبي وإن عظمت فمغفرتك أعظم منها. وما أحسن قول الإِمام الشافعي: تعاظمني ذنبي فلما قرنتُه ... بعفوكَ ربي كانَ عفوكَ أعظما [1036] المستدرك للحاكم، وإسناده ضعيف. انظر ضعيف الجامع الصغير 2/ 183.

وأما الأحاديث الصحيحة فهي أشهر من أن تُشهر، وأظهر من أن تُذكر، وقد ذكرنا قريبًا في الدعوات ما به أبلغ كفاية، وبالله التوفيق. وروينا في رسالة الإِمام أبي القاسم القشيريّ رضي الله عنه قال: اختلفَ الناسُ في أن الأفضل الدعاء أم السكوت والرضا؟ فمنهم من قال: الدعاء عبادة للحديث السابق "الدُّعاءُ هُوَ العِبادَة" (¬1) ولأنَّ الدعاءَ إظهارُ الافتقار إلى الله تعالى. وقالت طائفة: السكوت والخمودُ تحت جريان الحكم أتمّ، والرضا بما سبق به القدر أولى. وقال قوم: يكون صاحبُ دعاءٍ بلسانه ورضا بقلبه ليأتيَ بالأمرين جميعًا. قال القشيري: والأولى أن يُقال: الأوقات مختلفة؛ ففي بعض الأحوال الدعاء أفضل من السكوت وهو الأدب، وفي بعض الأحوال السكوت أفضل من الدعاء وهو الأدب، وإنما يُعرف ذلك بالوقت؛ فإذا وجدَ في قلبه إشارةً إلى الدعاء، فالدعاءُ أولى به؛ وإذا وجد إشارةً إلى السكوت فالسكوتُ أتمّ. قال: ويصحّ أن يُقال ما كان للمسلمين فيه نصيب، أو لله سبحانه وتعالى فيه حقّ، فالدعاء أولى لكونه عبادة، وإن كان لنفسك فيه حظّ فالسكوت أتمّ. قال: ومن شرائط الدعاء أن يكون مطعمُه حلالًا. وكان يحيى بن معاذ الرازي رضي الله عنه يقول: كيف أدعوك وأنا عاصٍ؟ وكيف لا أدعوك وأنت كريم؟. ومن آدابه: حضور القلب، وسيأتي دليله إن شاء الله تعالى. وقال بعضُهم: المراد بالدعاء إظهارُ الفاقة، وإلا فالله سبحانه وتعالى يفعلُ ما يشاء. وقال الإِمام أبو حامد الغزالي في الإِحياء: آدابُ الدعاء عشرة: ¬

(¬1) أبو داود (1479)، والترمذي (3244)، وقد تقدم برقم 1/ 994

الأول: أن يترصَّدَ الأزمان الشريفة؛ كيوم عَرَفَة وشهر رمضان ويوم الجمعة والثلث الأخير من الليل ووقت الأسحار. الثاني: أن يغتنمَ الأحوالَ الشريفة؛ كحالة السجود، والتقاء الجيوش، ونزول الغيث، وإقامة الصلاة وبعدَها. قلتُ: وحالة رقّة القلب. الثالث: استقبالُ القبلة ورفعُ اليدين ويمسحُ بهما وجهه في آخره. الرابع: خفضُ الصوت بين المخافتة والجهر. الخامس؛ أن لا يتكلَّف السجعَ وقد فسَّر به الاعتداء في الدعاء، والأولى أن يقتصر على الدعوات المأثورة، فما كل أحد يُحسن الدعاءَ فيخاف عليه الاعتداء. وقال بعضهم: ادعُ بلسان الذلّة والافتقار، لا بلسان الفصاحة والانطلاق، ويُقال: إن العلماء والأبدال لا يزيدون في الدعاء على سبع كلمات ويشهد له ما ذكره الله سبحانه وتعالى في آخر سورة البقرة {رَبَّنا لا تُؤَاخِذْنا} إلى آخرها [البقرة: 286] لم يخبر سبحانه في موضع عن أدعية عباده بأكثر من ذلك. قلتُ: ومثلهُ قول الله سبحانه وتعالى في سورة إبراهيم صلى الله عليه وسلم: {وَإِذْ قالَ إِبْرَاهِيمُ: رَبِّ اجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنًا} إلى آخره [إبراهيم:35]. قلتُ: والمختار الذي عليه جماهير العلماء أنه لا حجرَ في ذلك، ولا تُكرهُ الزيادةُ على السبع، بل يُستحبّ الإِكثارُ من الدعاء مطلقًا. السادس: التضرّعُ والخشوعُ والرهبة، قال الله تعالى: {إنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ في الخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنا رَغَبًا وَرَهَبًا وكانُوا لَنا خاشِعِينَ} [الأنبياء:90] وقال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف:55]. السابع: أن يجزمَ بالطلب ويُوقن بالإِجابة ويصدقَ رجاءه فيها، ودلائلُه كثيرةٌ مشهورة. قال سفيان بن عُيينة رحمه الله: لا يمنعنّ أحدَكم

339 ـ باب دعاء الإنسان وتوسله بصالح عمله إلى الله تعالى

من الدعاء ما يعلمُه من نفسه، فإن الله تعالى أجاب شرّ المخلوقين إبليس إذ {قال أنْظِرْنِي إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. قالَ إِنَّكَ منَ المُنْظَرِينَ} [الأعراف: 14ـ 15]. الثامن: أن يُلحّ في الدعاء ويكرّره ثلاثًا ولا يستبطىء الإِجابة. التاسع: أن يفتتح الدعاء بذكر الله تعالى. قلتُ: وبالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الحمد لله تعالى والثناء عليه، ويختمه بذلك كله أيضًا. العاشر: وهو أهمّها والأصل في الإِجابة، وهو التوبةُ وردُّ المظالم والإِقبال على الله تعالى. [فصل]: قال الغزالي: فإن قيل: فما فائدة الدعاء مع أن القضاءَ لا مَرَدَّ له؟ فاعلم أن من جملة القضاء ردّ البلاء بالدعاء، فالدعاءُ سببٌ لردّ البلاء ووجود الرحمة، كما أن الترسَ سبب لدفع السلاح، والماءُ سببٌ لخروج النبات من الأرض؛ فكما أن الترسَ يدفع السهمَ فيتدافعان، فكذلك الدعاءُ والبلاء، وليس من شرط الاعتراف بالقضاء أن لا يحملَ السلاح، وقد قال الله تعالى: {وَلْيَأخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأسْلِحَتَهُمْ} [النساء:102] فقدَّرَ الله تعالى الأمرَ وقدَّرَ سبَبه. وفيه من الفوائد ما ذكرناه، وهو حضور القلب والافتقار، وهما نهاية العبادة والمعرفة، والله أعلم. 339 ـ بابُ دعاءِ الإِنسان وتوسّله بصالحِ عملهِ إلى الله تعالى [1/ 1037] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، حديث أصحاب ¬

[1037] البخاري (3465)، ومسلم (2743)، وأبو داود (3387). وفي الحديث: استحباب الدعاء وقت الكرب وغيره، والتوسل إلى الله بصالح العمل، والحضّ على برّ الوالدين والأمانة، والعفاف عن المحرمات.

الغار، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "انْطَلَقَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كان قَبْلَكُمْ حتَّى آوَاهُمُ المَبيتُ إلى غارٍ فَدَخَلُوهُ، فانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الغارَ، فَقالُوا: إنَّهُ لا يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إلاَّ أنْ تَدْعُوا اللَّهَ تَعالى بصَالحِ أعْمالِكُمْ. قالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: اللَّهُمَّ إنَّهُ كانَ لي أَبوانِ شَيْخانِ كَبِيرَانِ، وكُنْتُ لا أُغْبِقُ قَبْلَهُما أهْلًا وَلا مالًا". وذكر تمام الحديث الطويل فيهم، وأن كلَّ واحد منهم قال في صالح عمله: "اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ قَدْ فَعَلْتُ ذلكَ ابْتِغاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا ما نَحْنُ فِيهِ" فانفرج في دعوة كلِّ واحدٍ شيءٌ منها وانفرجتْ كلُّها عقب دعوة الثالث "فخرجوا يمشون" قلتُ: أُغبق بضم الهمزة وكسر الباء: أي أسقي. وقد قال القاضي حسين من أصحابنا وغيره في صلاة الاستسقاء كلامًا معناه: أنه يُستحبّ لمن وقعَ في شدّة أن يدعوَ بصالح عمله، واستدلوا بهذا الحديث، وقد يُقال في هذا شيء: لأن فيه نوعًا من ترك الافتقار المطلق إلى الله تعالى، ومطلوبُ الدعاء الافتقار، ولكن ذكرَ النبيّ صلى الله عليه وسلم هذا الحديث ثناءً عليهم، فهو دليلٌ على تصويبه صلى الله عليه وسلم، وبالله التوفيق. [فصل]: ومن أحسن ما جاءَ عن السلف في الدعاء؛ ما حُكي عن الأوزاعيّ رحمه الله تعالى قال: خرج الناسُ يستسقون، فقام فيهم بلالُ بن سعد، فحمدَ الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: يا معشر مَن حضر! ألستم مقرِّين بالإِساءة؟ قالوا: بلى، فقال: اللَّهمّ إنّا سمعناك تقول: {ما عَلى المحْسِنِين مِنْ سَبيلٍ} [التوبة:91] وقد أقررنا بالإِساءة، فهل تكون مغفرتك إلا لمثلنا؟ اللَّهمّ اغفرْ لنا وارحمنا واسقنا، فرفع يديه ورفعوا أيديهم فسُقوا. وفي معنى هذا أشدوا: أنا المُذْنبُ الخَطَّاءُ والعفوُ واسعٌ ... ولو لم يكنْ ذنبٌ لما وقعَ العَفْوُ

340 ـ باب رفع اليدين في الدعاء ثم مسح الوجه بهما

340 ـ بابُ رَفعِ اليدين في الدعاءِ ثم مَسْحِ الوَجْهِ بهما [1/ 1038] روينا في كتاب الترمذي، عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطَّهما حتى يمسحَ بهما وجهَه. [2/ 1039] وروينا في سنن أبي داود عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نحوه، وفي إسناد كل واحد ضعفٌ. وأما قول الحافظ عبد الحق رحمه الله تعالى: إن الترمذي قال في الحديث الأوّل: إنه حديث صحيح، فليس في النسخ المعتمدة من الترمذي أنه صحيح، بل قال: حديث غريب. 341 ـ بابُ استحبابِ تَكريرِ الدُّعاء [1/ 1040] روينا في سنن أبي داود، عن ابن مسعود رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يُعجبُه أن يدعوَ ثلاثًا، ويستغفرَ ثلاثًا. 342 ـ بابُ الحثّ على حُضور القلب في الدُّعاء اعلم أن مقصود الدعاء هو حضور القلب كما سبق بيانه، والدلائل ¬

[1038] و [1039] الترمذي (283)، وأبو داود (1485)، وابن ماجه (3866)، عن ابن عباس، و (1492)، عن السائب بن يزيد. وإسناد كلٍّ منها فيه ضعف، وقد حسن الحافظ ابن حجر الحديث في "بلوغ المرام" بقوله: وله ـ أي لحديث الترمذي ـ شواهد، منها عند أبي داود من حديث ابن عباس وغيره، ومجموعها يقضي بأنه حديث حسن. [1040] أبو داود (1524)، والنسائي (457)، في "اليوم والليلة"، وابن السني (370) من طريق النسائي. قال ابن علاّن: وكذا رواه الإِمام أحمد، وأخرج مسلم عن ابن مسعود أيضًا: وكان إذا دعا، دعا ثلاثًا، وإذا سأَلَ سألَ ثلاثًا.

343 ـ باب فضل الدعاء بظهر الغيب

عليه أكثر من أن تُحصر، والعلم به أوضح من أن يذكر، لكن نتبرّك بذكر حديث فيه. [1/ 1041] روينا في كتاب الترمذي، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ادْعُوا اللَّهَ وَأنْتُمْ مُوقِنُونَ بالإِجابَةِ، وَاعْلَمُوا أنَّ اللَّه تَعالى لا يَسْتَجِيبُ دُعاءَ مِنْ قَلْبٍ غافِلٍ لاهٍ" إسنادُه فيه ضعف. 343 ـ بابُ فضلِ الدعاء بظهر الغيب قال الله تعالى: {والَّذِينَ جاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُون: رَبَّنا اغْفِرْ لَنَا ولإِخْوانِنا الَّذين سَبَقُونا بالإِيمَانِ} [الحشر:10] وقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِك وللمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِناتِ} [محمد:19] وقال تعالى إخبارًا عن إبراهيم صلى الله عليه وسلم: {رَبَّنا اغْفِرْ لي وَلِوَالِدَيَّ ولِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الحِسابُ} [إبراهيم:41] وقال تعالى: إخبارًا عن نوح صلى الله عليه وسلم: {رَبّ اغْفِرْ لي ولِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَللْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِناتِ} [نوح:28]. [1/ 1042] وروينا في صحيح مسلم، عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه؛ أنه سمعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلمٍ يَدْعُو لأخِيهِ بِظَهْرِ الغَيْبِ إِلاَّ قَالَ المَلَكُ: وَلَكَ بِمِثْلٍ" وفي رواية أخرى في صحيح مسلم عن أبي الدرداء أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "دَعْوَةُ المَرْءِ المُسْلِمِ لأخِيهِ بِظَهْرِ بالغَيْبِ مُسْتَجابَةٌ، عِنْدَ رأسهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّما دَعا لأخِيهِ بِخَيْرٍ، قالَ المَلَكُ المُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلِهِ" (¬1). ¬

[1041] الترمذي (3474)، وقال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. ورواه الحاكم، وله شاهد في المسند عن عبد الله بن عمرو بن العاص 2/ 177. [1042] مسلم (2732) و (2733)، وأبو داود (1534). (¬1) كذا بالأصل، وفي صحيح مسلم "يمثلٍ"، وفي هامش "أ": "وفي بعض النسخ: بمثل ذلك".

344 ـ باب استحباب الدعاء لمن أحسن إليه، وصفة دعائه

[2/ 1043] وروينا في كتابي أبي داود والترمذي، عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أسْرَعُ الدُّعاءِ إجابَةً دَعْوَةُ غائِبٍ لِغائبٍ" ضعّفه الترمذي. 344 ـ بابُ استحباب الدعاءِ لمن أَحْسَنَ إليه، وصفة دُعائِه هذا الباب فيه أشياء كثيرة تقدمت في مواضعها. ومن أحسنها: [1/ 1044] ما روينا في الترمذي، عن أُسامة بن زيد رضي الله تعالى عنهما، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَن صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقالَ لِفاعِلِهِ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا، فَقَدْ أبْلَغَ في الثَّناءِ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. وقد قدّمنا قريبًا في كتاب حفظ اللسان في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: "وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكافِئُوهُ، فإنْ لَمْ تَجدُوا ما تُكافِئُونَهُ فادْعُوا لَهُ حتَّى تَرَوْا أنَّكُمْ قَدْ كافأْتُمُوهُ". 345 ـ باب استحباب طلب الدعاءِ من أهل الفضلِ وإن كان الطالبُ أفضل من المطلوبِ منه، والدعاء في المواضعِ الشريفة اعلم أن الأحاديث في هذا الباب أكثرُ من أن تُحصر، وهو مجمعٌ عليه، ومن أدلّ ما يستدلّ به: ¬

[1043] أبو داود (1535) وأوله "إن أسرع الدعاء إجابة .. "، والترمذي (1981) ويوله "ما دعوة أسرع إجابة .. "، ورواه البخاري في الأدب المفرد باللفظ الذي أورده النووي، وإسناده ضعيف. [1044] الترمذي (2036) وإسناده صحيح. وقد تقدم برقم 3/ 806.

346 ـ باب نهي المكلف عن دعائه على نفسه وولده وخادمه وماله ونحوها

[1/ 1045] ما روينا في كتابي أبي داود والترمذي، عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: استأذنتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم في العمرة، فأذنَ وقال: "لا تَنْسَنا يا أُخَيَّ مِنْ دُعائِكَ" فقال كلمة ما يسرُّني أن لي بها الدنيا. وفي رواية قال: "أشْرِكَنا يا أُخَيُّ في دُعائِكَ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وقد ذكرناه في أذكار المسافر. 346 ـ بابُ نهي المكلّفِ عن دعائه على نفسه وولده وخادمه وماله ونحوها [1/ 1046] روينا في سنن أبي داود، بإسناد صحيح، عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَدْعُوا على أنْفُسِكُمْ، وَلا تَدْعُوا على أوْلادِكُمْ، وَلا تَدْعُوا على خَدَمِكمْ، ولا تَدْعُوا على أمْوَالِكُمْ، لا تُوافِقُوا مِنَ اللَّهِ ساعَةً نِيْلَ فيها عَطاءٌ فَيُسْتَجابَ مِنْكُمْ". قلتُ: نيل بكسر النون وإسكان الياء، ومعناه: ساعة إجابة يَنالُ الطالبُ فيها ويُعطى مطلوبَه. وروى مسلم هذا الحديث في آخر صحيحه وقال فيه: "لا تَدْعُوا على أنْفُسِكُمْ وَلا تَدْعُوا على أوْلادِكُمْ، وَلا تَدْعُوا على أمْوَالِكُمْ، لا تُوافِقُوا مِنَ اللَّهِ تَعَالى ساعَةً يُسألُ فيها عَطاءٌ فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ". 347 ـ بابُ الدليل على أنَّ دعاء المسلم يُجاب بمطلوبه أو غيره وأنه لا يستعجلُ الإِجابة قال الله تعالى: {وَإِذَا سألَكَ عِبادِي عَنِّي فإني قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ¬

[1045] أبو داود (1498)، والترمذي (3557). وقد تقدم برقم 1/ 530. [1046] أبو داود (1532)، ورواه مسلم (3006).

الدَّاعِ إذَا دَعانِ} [البقرة:186] وقال تعالى: {ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60]. [1/ 1047] وروينا في كتاب الترمذي، عن عُبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما على وَجْهِ الأرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ تَعالى بِدَعْوَةٍ إلاَّ آتاهُ اللَّهُ إيَّاها، أوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَها ما لَمْ يَدْعُ بإثْمٍ أوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ" فقال رجل من القوم: إذا نكثر، قال: "الله أكْثَرُ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح. ورواه الحاكم أبو عبد الله في المستدرك على الصحيحين من رواية أبي سعيد الخدري، وزاد فيه "أوْ يَدَّخِرَ لَهُ مِنَ الأجْرِ مِثْلَها". [2/ 1048] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "يُسْتَجَابُ لأحَدِكُمْ ما لَمْ يَعْجَلْ فَيَقُولَ: قَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لي". ¬

[1047] الترمذي (3568)، والحاكم 1/ 493. وصححه، ووافقه الذهبي. [1048] البخاري (6340)، ومسلم (2735)، وأبو داود (1484)، والترمذي (3602) و (3603).

كتاب الاستغفار

كتاب الاستغفار 348 ـ باب الاستغفار اعلم أن هذا الكتاب من أهمّ الأبواب التي يعتنى بها ويحافظ على العمل به. وقصدت بتأخيره التفاؤلَ بأن يختم الله الكريم لنا به، نسأله ذلك وسائر وجوه الخير لي ولأحبائي وسائر المسلمين آمين. قال الله تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بالعَشِيّ وَالإِبْكارِ} [غافر: 55] وقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَللْمُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ} [محمد:19] وقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إنَّ اللهَ كانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء:106] وقال تعالى: {لِلَّذينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهارُ خالِدِينَ فِيها وأزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ، وَاللَّهُ بَصِيرٌ بالعِبادِ، الَّذينَ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذَابَ النَّارِ، الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالقانِتِينَ وَالمُنْفِقِينَ وَالمُسْتَغْفِرِينَ بالأسحَارِ} [آل عمران:15ـ17] وقال تعالى: {وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33] وقال تعالى: {وَالَّذينَ إذَا فَعَلُوا فاحِشَةً أوْ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ، وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ؟ وَلَمْ يُصِرُّوا على ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135] وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أوْ يَظْلِمْ

نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 110] وقال تعالى: {وأنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمّ تُوبُوا إِلَيْهِ ..} الآية [هود:3]، وقال تعالى إخبارًا عن نوح صلى الله عليه وسلم: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كانَ غَفَّارًا} [نوح: 10] وقال تعالى حكاية عن هود صلى الله عليه وسلم: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ ..} الآية [هود:52]، والآيات في الاستغفار كثيرة معروفة، ويحصل التنبيه ببعض ما ذكراه. وأما الأحاديث الواردة في الاستغفار فلا يمكن استقصاؤها، لكني أُشير إلى أطراف من ذلك. [1/ 1049] روينا في صحيح مسلم، عن الأغرّ المزنيّ الصحابيّ رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّهُ لَيُغانُ على قَلْبِي، وإني لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ في اليَوْمِ مِئَة مَرَّةٍ". [2/ 1050] وروينا في صحيح البخاري، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "والله إنّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وأتُوبُ إلَيهِ فِي اليَوْمِ أكثَرَ مِن سَبْعِينَ مَرَّة". [3/ 1051] وروينا في صحيح البخاري أيضًا، عن شداد بن أوس رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "سَيِّدُ الاسْتغْفارِ أنْ يقُولَ العَبْدُ: اللَّهُمَّ أنْتَ رَبّي لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ خَلَقْتَنِي وأنا عَبْدُكَ، وأنا على عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ ما ¬

[1049] مسلم (2702)، وأبو داود (1515). ومعنى "ليغان" من الغين، وهو الغيم، قال ابن الأثير: أراد ما يغشاه من السهو الذي لا يخلو منه البشر؛ لأن قلبه صلى الله عليه وسلم كان مشغولًا بالله تعالى، فإن عرض له وقتًا ما عارضٌ بشري يُشغله من أمور الأمة والملّة ومصالحهما، عدَّ ذلك ذنبًا وتقصيرًا فيفرغ إلى الاستغفار. [1050] البخاري (6307)، والترمذي (3255). [1051] البخاري (6306)، والترمذي (3390)، والنسائي 8/ 279.

اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ مَا صَنَعْتُ، أبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عليَّ وأبُوءُ بِذَنْبي، فاغْفِرْ لي فإنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أنْتَ؛ مَنْ قَالَهَا بالنَّهارِ مُوقِنًا بِها فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ موقِن بها فَمَاتَ قَبْلَ أنْ يُصْبحَ فَهُوَ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ". قلت: أبوء بضم الباء وبعد الواو همزة ممدودة، ومعناه: أقرّ وأعترف. [4/ 1052] وروينا في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه، عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، قال: كنّا نعدُّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مِئَةَ مرّة: "ربّ اغْفِرْ لي وَتُبْ عَلَيَّ إنَّكَ أنْتَ التَّوَّابُ الرَّحيمُ" قال الترمذي: حديث صحيح. [5/ 1053] وروينا في سنن أبي داود وابن ماجه، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لَزِمَ الاسْتِغْفارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا وَمِنْ كُلّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ". [6/ 1054] وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ تَعالى فَيَغفِرُ لَهُمْ". ¬

[1052] أبو داود (1516)، والترمذي (3430)، وابن ماجه (3814)، وابن السني (458) في "اليوم والليلة". قال ابن علاّن: ورواه النسائي والحاكم في المستدرك وقال: صحيح الإِسناد. [1053] أبو داود (1518)، وابن ماجه (3819)، ورواه النسائي (456) في "اليوم والليلة" والإِمام أحمد في المسند 1/ 248، والحاكم في المستدرك 4/ 262 وإسناده ضعيف لوجود الحكم بن مصعب، وهو ضعيف. [1054] مسلم (2749).

[7/ 1055] وروينا في سنن أبي داود، عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانن يُعجبه أن يدعوَ ثلاثًا، ويستغفرَ ثلاثًا. وقد تقدم هذا الحديث قريبًا في جامع الدعوات. [8/ 1056] وروينا في كتابي أبي داود والترمذي، عن مولى لأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ وَإنْ عادَ في اليَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً" قال الترمذي: ليس إسناده بالقويّ. [9/ 1057] وروينا في كتاب الترمذي، عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قالَ اللَّهُ تَعالى: يا بْنَ آدَمَ! إَّنكَ ما دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ ما كانَ منْكَ وَلا أُبالي، يا بْنَ آدَمَ! لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، يابْنَ آدَمَ! لَوْ أتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأرْضِ خَطايَا ثُمَّ أتَيْتَنِي لا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِها مَغْفِرَةً" قال الترمذي: حديث حسن. قلت: عنان السماء بفتح العين: وهو السحاب، واحدتها عنانة؛ وقيل العنان: ما عنّ لك منها، أي ما اعترضَ وظهر لك إذا رفعت رأسك. وأما قراب الأرض فروي بضم القاف وكسرها، والضم هو المشهور، ومعناه: ما يُقارب ملأها، وممّن حكى كسرها صاحب المطالع. [10/ 1058] وروينا في سنن ابن ماجه، بإسناد جيد عن عبد الله بن ¬

[1055] أبو داود (1524) وقد تقدم برقم 1/ 1040. [1056] الترمذي (3554)، وأبو داود (1514)؛ من حديث أبي نُصَيْرةَ، عن مولى لأبي بكر الصدّيق، عن أبي بكر رضي الله عنه. وإسناده ضعيف؛ لجهالة مولى أبي بكر. ولذلك ضعّفه الترمذي، فقال: هذا حديث غريب. [1057] الترمذي (3534)، والدارمي (2791). وقال السخاوي في تخريج الأربعين النووية بعد تخريجه: هذا حديث حسن. [1058] ابن ماجه (3818)، والنسائي (455) في "اليوم والليلة"، وقال في الزوائد: إسناده =

بُسْرٍ ـ بضم الباء وبالسين المهملة ـ رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ في صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفارًا كَثِيرًا". [11/ 1059] وروينا في سنن أبي داود والترمذي، عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قالَ: أسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الحَيَّ القَيُّومَ وأتُوبُ إِليْهِ، غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ وَإنْ كَانَ قَدْ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ" قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم. قلتُ: وهذا الباب واسع جدًا، واختصاره أقرب إلى ضبطه، فنقتصر على هذا القدر منه. [فصل]: ومما يتعلَّق بالاستغفار ما جاء عن الرَّبيع بن خُثَيْم رضي الله تعالى عنه قال: لا يقلْ أحدُكم: أستغفر الله وأتوب إليه فيكون ذنبًا وكذبًا إن لم يفعل، بل يقولُ: اللَّهمّ اغفر لي وتُبْ عليّ، وهذا الذي قاله من قوله: اللَّهمّ اغفر لي وتب عليّ حسن. وأما كراهيته أستغفرُ الله وتسميته كذبًا فلا نُوافق عليه، لأن معنى أستغفرُ الله أطلبُ مغفرتَه، وليس في هذا كذب، ويكفي في ردّه حديث ابن مسعود المذكور قبله. وعن الفُضيل رضي الله تعالى عنه: استغفارٌ بلا إقلاع توبةُ الكذّابين، ويُقاربه ما جاءَ عن رابعة العدوية رضي الله تعالى عنها قالت: استغفارُنا يحتاجُ إلى استغفار كثير. وعن بعضِ الأعراب أنه تعلَّقَ بأستار الكعبة وهو يقول: اللَّهمّ إن ¬

= صحيح، رجاله ثقات. قال ابن علاّن: ورواه النسائي في "اليوم والليلة"، والطبراني، والبيهقي. [1059] أبو داود (1517)، والترمذي (3572)، والحاكم في المستدرك 1/ 511، وقال الحافظ المنذري إسناده جيد متصل. الفتوحات الربانية 7/ 288.

349 ـ باب النهي عن صمت يوم إلى الليل

استغفاري مع إصراري لؤم، وإن تركي الاستغفارَ مع علمي بسَعَة عفوك لعجز، فكم تَتَحَبَّبُ إليّ بالنعم مع غِناكَ عني، وأَتَبَغَّضُ إليك بالمعاصي مع فقري إليك، يا مَن إذا وَعدَ وَفَّى، وإذا توعَّدَ تجاوز وعفا، أدخلْ عظيمَ جُرمي في عظيم عفوكَ يا أرحم الراحمين. 349 ـ بابُ النّهي عن صَمْتِ يَوْمٍ إلى الليل [1/ 1060] روينا في سنن أبي داود، بإسناد حسن، عن عليّ رضي الله عنه، قال: حفظتُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يُتْمَ (¬1) بَعْدَ احْتِلام، وَلا صُماتَ يَوْمٍ إلى اللَّيْلِ". وروينا في معالم السنن للإِمام أبي سليمان الخطابي رضي الله عنه قال في تفسير هذا الحديث: كان أهل الجاهلية من نُسْكهم الصُّماتُ، وكان أحدُهم يعتكفُ اليومَ والليلة فيصمتُ ولا ينطق، فنُهوا: يعني في الإِسلام عن ذلك، وأُمروا بالذكر والحديث بالخير. [2/ 1061] وروينا في صحيح البخاري، عن قيس بن أبي حازم رحمه الله قال: دخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه على امرأة من أحْمَسَ يُقال لها زينب فرآها لا تتكلم، فقال: ما لها لا تتكلم؟ فقالوا: حَجَّتْ مُصْمِتَةً، فقال لها: تكلمي فإن هذا لا يَحِلّ، هذا من عمل الجاهلية، فتكلَّمتْ. ¬

[1060] أبو داود (2873)، وإسناده ضعيف، لكن له شواهد يقوى بها. [1061] البخاري (3834)، و"مصمتة": ساكتة لا تتكلم. (¬1) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: • جاء في في التعليق الممجد للكنوي: «لا يُتْم: بسكون التاء. يعني أنه إذا احتلم لم تجر عليه أحكام صغار الأيتام» • وفي (عون المعبود): قال ابن رَسْلَانَ: «أَيْ إِذَا بَلَغَ الْيَتِيمُ أَوِ الْيَتِيمَةُ زَمَنَ الْبُلُوغِ الَّذِي يَحْتَلِمُ [فيه] غَالِبُ النَّاسِ زَالَ عَنْهُمَا اسْمُ الْيَتِيمِ حَقِيقَةً وَجَرَى عَلَيْهِمَا حُكْمُ الْبَالِغِينَ سَوَاءً احْتَلَمَا أَوْ لَمْ يَحْتَلِمَا وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَيْهِمَا مَجَازًا بَعْدَ الْبُلُوغِ كَمَا كَانُوا يُسَمُّونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ كَبِيرٌ يَتِيمُ أَبِي طَالِبٍ لِأَنَّهُ رَبَّاهُ»

الأحاديث التي عليها مدار الاسلام

الأحاديث التي عليها مدار الاسلام [فصل]: في آخر ما قصدتُه من هذا الكتاب، وقد رأيتُ أن أضمَّ إليه أحاديث تتمُّ محاسنُ الكتاب بها إن شاء الله تعالى، وهي الأحاديث التي عليها مدارُ الإِسلام (¬1)، وقد اختلفَ العلماءُ فيها اختلافًا منتشرًا، وقد اجتمعَ مِن تداخل أقوالهم مع ما ضممتُه إليها ثلاثون حديثًا. 1062 - الحديث الأول: حديثُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إنَّمَا الأعْمالُ بالنِّيَّاتِ" وقد سبق بيانَه في أول هذا الكتاب. ¬

[1062] البخاري (1)، ومسلم (1907) وقد تقدم. (¬1) "الأحاديث التي عليها مدار الإِسلام": المَدار: اسم مكان من الدوران، وهي لغة الحركة في السكك، واصطلاحًا: ترتب الشيء على الشيء الذي له صلاحية العلية وجودًا أو عدمًا، أو معًا، والأول يُسمى الدائر، والثاني المدار. وقد أطلق مؤلفو كتب المصادر الحديثية ـ من العلماء الكبار في علم الرواية والدراية ـ على عدد من الأحاديث النبوية: أنها أحاديث كلية جامعة؛ لأنها عليها مدار الإِسلام، أو نصفه، أو ثلثه. وقد جمع الإِمام الحافظ أبو عمرو بن الصلاح أقوال العلماء في تحديد أعيان عدد هذه الأحاديث فبلغت ستة وعشرين حديثًا، وقد أملاها في مجلس سمّاه: الأحاديث الكلية. وضم إليها النووي رحمه الله أربعة أحاديث فأصبحت ثلاثين وختم بها كتابه "الأذكار"، ثم زاد عليها في كتابه "الأربعين حديثًا النووية" اثني عشر حديثًا، فوصلت إلى اثنين وأربعين. انظر الفتوحات الربانية 7/ 295 ومقدمة كتاب "الوافي في شرح الأربعين النووية" تأليف محي الدين مستو ود. مصطفى البغا الطبعة الرابعة 1406 هـ ـ دار ابن كثير

1063 - الحديث الثاني: عن عائشة رضي الله عنها قالت: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أحْدَثَ في أمْرِنَا هَذَا ما لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ" رويناه في صحيحي البخاري ومسلم. 1064 - الثالث: عن النعمان بن بشير رضيَ الله عنهما قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ وَإنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُما مُشْتَبِهاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهاتِ اسْتَبرأ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ في الشُّبُهاتِ وَقَعَ في الحَرَامِ، كالرَّاعي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أنْ يَرْتَعَ فِيهِ، ألاَ وإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمىً، ألاَ وَإنَّ حِمَى اللَّهِ تَعالى مَحَارِمُهُ، ألا وَإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ ألاَ وَهِيَ القَلْبُ" رويناه في صحيحيهما. 1065 - الرابع: عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: حدّثنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: "إنَّ أحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذلكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ المَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بأرْبَعِ كَلِماتٍ: بِكَتْب رِزْقِهِ وَأجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٍّ أَوْ سَعِيدٍ، فَوَ الَّذي لا إِلهَ غَيْرُهُ إنَّ أحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ حتَّى ما يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَها إلاَّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهل النَّارِ فيدْخُلُها، وَإنَّ أحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ النَّارِ حَتَّى ما يَكُونُ بَيْنَهُ ¬

[1063] البخاري (2697)، ومسلم (1718) (18)، وأبو داود (4606)، وابن ماجه (14) في المقدمة. [1064] البخاري (52)، ومسلم (1599)، وأبو داود (3329) و (3330)، والترمذي (1205)، والنسائي 7/ 241. ومعنى "بيّن": ظاهر. و"مشتبهات": مشكلات؛ لما فيها من شبه الحلال والحرام، فتشبه مرة هذا ومرة هذا. [1065] البخاري (3208)، ومسلم (2643)، ومعنى "يجمع": يُقدَّر ويمكث.

وبَيْنَها إِلاَّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهلِ الجَنَّةِ فَيَدْخُلُها" رويناه في صحيحيهما. 1066 - الخامس: عن الحسن بن عليّ رضي الله عنهما، قال: حَفِظتُ من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: "دَعْ ما يَرِيبُكَ إلى ما لا يَرِيبُكَ" رويناه في الترمذي والننسائي، قال الترمذي: حديث صحيح. قوله يَريبك بفتح الياء وضمّها لغتان، والفتح أشهر. 1067 - السادس: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مِنْ حُسْنِ إسْلامِ المَرْءِ تَرْكُهُ ما لا يَعْنِيهِ" رويناه في كتاب الترمذي وابن ماجه، وهو حسن. 1068 - السابع: عن أنس رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحبُّ لِنَفْسِهِ" رويناه في صحيحيهما. 1069 - الثامن: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ تَعالى طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا، وَإنَّ اللَّهَ تَعالى أمَرَ المُؤْمِنِينَ بِمَا أمَرَ بِهِ المُرْسَلِينَ، فَقالَ تَعالى: {يا أيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون:51] وَقالَ تعالى: {يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة:172] ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أشْعث أغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّماءِ: يا رَبّ يا رَبّ، ¬

[1066] الترمذي (2520)، والنسائي 8/ 327 - 328، ورواه أحمد في المسند 6/ 153، وإسناده صحيح. ومعنى "يريبك": الريب: الشك والتُّهمة، أي دع ما يوقعك في التهمة والشك، وتجاوزه إلى ما لا يوقعك فيهما. [1067] الترمذي (2318)، وابن ماجه (3976)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، والترمذي (2319)، ومالك في الموطا 2/ 903، عن علي بن الحسين مرسلًا. [1068] البخاري (13)، ومسلم (45)، والنسائي 8/ 115، والترمذي (2517)، وابن ماجه. [1069] مسلم (1015). في المقدمة. ومعنى "لا يؤمن" أي الإيمان الكامل الحقيقي.

وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِي بالحَرَامِ، فأنّى يُسْتَجابُ لِذَلِكَ؟ " رويناه في صحيح مسلم. 1070 - التاسع: حديث "لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ" رويناه في الموطأ مرسلًا، وفي سنن الدارقطنيّ وغيره من طرق متصلًا، وهو حسن. 1071 - العاشر: عن تميم الداري رضي الله عنه: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "الدّين النَّصِيحَةُ، قلنا: لم؟ قال: لِلَّهِ، وَلِكِتابِهِ، وَلِرسُولهِ، ولأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعامَّتِهِم" رويناه في مسلم. 1072 - الحادي عشر: عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنه سمعَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: "ما نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فاجْتَنِبُوهُ، وَما أمَرْتُكُمْ بِهِ فافْعَلُوا مِنْهُ ما اسْتَطَعْتُمْ فإنَّما أهْلَكَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسائِلِهِمْ وَاخْتِلافهُمْ على أنْبِيائِهِمْ" رويناه في صحيحيهما. 1073 - الثاني عشر: عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! دلّني على عمل إذا عملتُه أحبّني ¬

[1070] الموطأ 2/ 745 في الأقضية، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، مرسلًا. وابن ماجه (2340) و (2341) من حديث عبادة بن الصامت، وابن عباس. والدارقطني من حديث أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة. وقال أبو عمرو بن الصلاح: هذا الحديث أسنده الدارقطني من وجوه، ومجموعها يقوّي الحديث ويحسِّنه، وقد تقبله جماهير أهل العلم واحتجوا به. [1071] مسلم (55)، والترمذي (1927) عن أبي هريرة رضي الله عنه. [1072] البخاري (7288)، ومسلم (1337) والترمذي (2681)، والنسائي 5/ 110. [1073] ابن ماجه (4102)، وقال في الزوائد: في إسناده خالد بن عمرو، وهو ضعيف متفق على ضعفه، واتهم بالوضع. لكن للحديث شواهد رواها الطبراني في الكبير، وأبو نعيم في "الحلية" 7/ 136، والحاكم في المستدرك 4/ 313، وابن حبّان في "روضة العقلاء"، والبيهقي في شعب الإيمان.

الله وأحبّني الناس؟ فقال: "ازْهَدْ في الدُّنْيا يُحِبَّكَ اللَّهُ، وَازْهَدْ فِيما عِنْدَ النَّاس يُحِبَّكَ النَّاسُ" حديث حسن رويناه في كتاب ابن ماجه. 1074 - الثالث عشر: عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَحِلُّ دَمُ امْرِىءٍ مُسْلمٍ يَشْهَدُ أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وأنِّي رَسولُ الله إِلاَّ بإحْدَى ثَلاثٍ: الثَّيِّبِ الزَّانِي، وَالنَّفْسِ بالنَّفْسِ، وَالتَّارِكِ لِدِينِهِ المُفَارِقِ للجَمَاعَةِ" رويناه في صحيحيهما. 1075 - الرابع عشر: عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَشْهَدُوا أنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكاة، فإذَا فَعَلُوا ذلكَ عَصَمُوا مِنِّي دِماءَهُمْ وَأمْوَالَهمْ إِلاَّ بِحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحِسابُهُمْ على الله تعالى" رويناه في صحيحيهما. 1076 - الخامس عشر: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "بُنِيَ الإِسْلامُ على خَمْسٍ: شَهادَةِ أن لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإقامِ الصَّلاةِ، وَإيتاءِ الزَّكاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ" رويناه في صحيحيهما. 1077 - السادس عشر: عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أن رسول ¬

[1074] البخاري (6878)، ومسلم (1676)، وأبو داود (4352)، والترمذي (1402)، والنسائي 7/ 90 - 91. [1075] البخاري (25)، ومسلم (22). [1076] البخاري (8)، ومسلم (16)، والترمذي (2736)، والنسائي 8/ 107. [1077] رواه البيهقي بهذا اللفظ، وهو عند أبي داود (3619)، والترمذي (1343)، والنسائي 8/ 248. وبعضه في البخاري (4552)، ومسلم (1711).

الله صلى الله عليه وسلم قال: "لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لادَّعَى رجالٌ أمْوَالَ قَوْمٍ وَدِمَاءَهُمْ، لَكِنِ البَيِّنَةُ على المُدَّعِي وَاليَمِينُ على مَنْ أنْكَرَ" هو حسن بهذا اللفظ، وبعضه في الصحيحين. 1078 - السابع عشر: عن وَابِصَةَ بن معبد رضي الله عنه؛ أنه أتى رسولَ الله صلى الله صلى الله عليه وسلم فقال: "جِئْتَ تَسألُ عَنِ البِرّ وَالإِثْمِ؟ قال: نعم، فقال: اسْتَفْتِ قَلْبَكَ: البِرُّ ما اطْمأنَّت إِلَيْهِ النَّفْس وَاطْمأنَّ إِلَيْهِ القَلْبُ، وَالإِثْمُ ما حاكَ في النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ في الصَّدْرِ، وَإنْ أفْتاكَ النَّاسُ وَأفْتَوْكَ" حديث حسن رويناه في مسندَيْ أحمد والدارمي وغيرهما. وفي صحيح مسلم، عن النواس بن سمعانَ رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "البرّ: حُسْنُ الخُلُقِ، وَالإِثْمُ ما حاكَ في نَفْسِكَ وَكَرِهْتَ أنْ يَطّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ". 1079 - الثامن عشر: عن شَدَّادِ بن أوسٍ رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ اللَّهَ تَعالى كَتَبَ الإِحْسانَ على كُلَ شَيْءٍ، فإذَا قَتَلْتُمْ فأحْسِنُوا القِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فأحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ" رويناه في مسلم، والقِتلة بكسر أولها. 1080 - التاسع عشر: عن أبي هريرةَ رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أوْ لِيَصْمُتْ، ¬

[1078] المسند 4/ 228، والدارمي 2/ 246 عن وابصة رضي الله عنه، ومسلم (2553) عن النواس بن سمعان رضي الله عنه. ومعنى "ما حاك في النفس": ما تردد واختلج في النفس، وجعل فيها اضطراباً وقلقاً وحيرة وكراهية، فلم تنشرح أو تطمئن إليه. [1079] مسلم (1955)، وأبو داود (2815)، والترمذي (1409) والنسائي 7/ 227. [1080] البخاري (6018)، ومسلم (47)، وأبو داود (5154).

ومَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جارَهُ، وَمَنْ كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ" رويناه في صحيحيهما. 1081 - العشرون: عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رجلًا قالَ للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني قال: "لا تَغْضَبْ" فردّد مِرارًا، قال: "لا تَغْضَبْ" رويناه في البخاري. 1082 - الحادي والعشرون: عن أبي ثعلبة الخُشنيِّ رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلا تُضَيِّعُوها، وَحَدَّ حُدُودًا فَلا تَعْتَدُوها، وَحَرَّمَ أشْياءَ فَلا تَنْتَهِكُوها، وَسَكَتَ عَنْ أشْياءَ رَحْمَةً لَكُمْ غَيْرَ نِسْيانٍ فَلا تَبْحَثُوا عَنْها" رويناه في سنن الدارقطني بإسناد حسن. 1083 - الثاني والعشرون: عن معاذٍ رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! أخبرني بعمل يُدخلُني الجنةَ ويُباعدني من النار؟ قال: "لَقَدْ سألْتَ عَنْ عَظِيمٍ، وَإنَّهُ لَيَسِيرٌ على مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ؛ تَعْبُدُ اللَّهَ لا تُشْركُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكّاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ البَيْتَ، ثم قال: ألا أَدُلُّكَ على أبْوَابِ الخَيْرِ؟ " الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِىءُ ¬

[1081] البخاري (6116)، والترمذي (2021)، والموطأ مرسلاً 2/ 906 عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف .. [1082] سنن الدارقطني 4/ 84، وأبو نعيم في الحلية 9/ 17. وهو عند الدارقطني من رواية مكحول عن أبي ثعلبة الخشني، وفي سنده انقطاع بين مكحول وأبي ثعلبة لأن مكحولاً لم يسمع من أبي ثعلبة، وذهب ابن معين إلى أنه سمع، ومع ذلك فللحديث شواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن. ولذلك اعتمد النووي -رحمه الله تعالى- تحسينه، وسبقه إلى ذلك السمعاني في أماليه، ووافقه عليه الحافظ العراقي، والحافظ ابن حجر، بل صححه ابن الصلاح .. الفتوحات الربانية 7/ 365. [1083] الترمذي (2619)، وابن ماجه (3973). وهو في المسند، والبيهقي. وانظر صحيح الجامع الصغير 5/ 29 - 30.

الخَطِيئَةَ كما يُطْفىءُ المَاءُ النَّارَ، وَصَلاةُ الرَّجُلِ في جَوْفِ اللَّيْلِ، ثم تلا {تَتَجافَى جُنُوبُهُمْ عَن المَضَاجِع} حتى بلغ {يَعْمَلُونَ} [السجدة:16ـ17] ثم قال: ألا أُخْبِرُكَ بِرأْس الأمْرِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سنَامِهِ؟ قلتُ: بَلَى يا رسولَ اللَّهِ! قالَ: رأسُ الأمر الإِسلامُ، وعمودهُ الصلاةُ، وذِرْوَةُ سَنامِهِ الجِهادُ، ثم قال: ألا أُخْبِرُكَ بِمِلاكِ ذلكَ كُلِّهِ؟ قلت: بلى يا رسول الله! فأخذ بلسانه، ثم قال: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا، فقلتُ: يا نبيّ الله! وإنّا لمؤاخَذُونَ بما نتكلم به؟ فقال: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وُجُوهِهِمْ، أوْ على مَناخِرهِم إلاَّ حَصَائِدُ ألْسِنَتِهِمْ؟ " رويناه في الترمذي وقال: حسن صحيح. وذِروة السنام: أعلاه، وهي بكسر الذال وضمّها. وملاك الأمر بكسر الميم: أي مقصوده. 1084 - الثالث والعشرون: عن أبي ذرّ ومعاذ رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُما كُنْتَ، وأتْبعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَة تَمْحُها، وخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ" رويناه في الترمذي وقال: حسن، وفي بعض نسخه المعتمدة: حسن صحيح. 1085 - الرابع والعشرون: عن العِرباضِ بن ساريةَ رضي الله عنه، قال: وَعَظَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم موعظةً وَجِلت منها القلوب، وذرفتْ منها العيون، فقلنا: يا رسولَ الله! كأنها موعظةُ مُودّع فأوصنا، قال: "أُوصِيكُمْ ¬

[1084] الترمذي (1988)، قال ابن علّان، ويؤيد تحسين الترمذي أنه ورد لهذا الحديث طرق متعددة عند أحمد والبزار والطبراني والحاكم وابن عبد البر، وغيرهم، يفيد مجموعها حسنه. الفتوحات الربانية 7/ 373. وانظر صحيح الجامع الصغير 1/ 86. [1085] أبو داود (4607)، والترمذي (2678)، وهو في المسند 4/ 126، 127، وابن ماجه في المقدمة (42). وانظر صحيح الجامع الصغير 2/ 346.

بِتَقْوَى اللَّهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإنْ تأمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ، وَإنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلافًا كَثِيرًا، فَعَليْكُم بسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدينَ المَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْها بالنَّواجِذِ، وَإيَّاكُمْ وَمُحْدَثاتِ الأُمُورِ، فإنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ" رويناه في سنن أبي داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح. 1086 - الخامس والعشرون: عن أبي مسعود البدريّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ مِمَّا أدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلامِ النُّبُوَّةِ الأُولى: إذَا لَمْ تَسْتَحِ فاصْنَعْ مَا شِئْتَ" رويناه في البخاري. 1087 - السادس والعشرون: عن جابر رضي الله عنه: أن رجلًا سألَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيتَ إذا صَلَّيْتُ المكتوبات، وصمتُ رمضانَ، وأحللتُ الحلالَ، وحرّمتُ الحرامَ، ولم أزدْ على ذلك شيئًا؛ أدخلُ الجنة؟ قال: "نَعَمْ" رويناه في مسلم. 1088 - السابع والعشرون: عن سفيانَ بن عبد الله رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! قل لي في الإِسلام قولًا لا أسألُ عنه أحدًا غيرك، قال: "قُلْ آمَنْتُ باللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ" رويناه في مسلم. قال العلماءُ: هذا الحديث من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، وهو مطابق لقول الله تعالى: {إنَّ الَّذينَ قالُوا: رَبُّنا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا ¬

[1086] البخاري (5769)، وأبو داود (4796). ومعناه: إذا لم يكن حياؤك يمنعك من القبيح صنعت ما شئت. [1087] مسلم (15)، ومعنى "أرأيت": أخبرني وأفتِني. ويفيد الحديث: أن التزام الفرائض وفعل الواجبات، وترك المحرمات: أساس النجاة عند الله تعالى، والفوز بجنته. [1088] مسلم (38)، والترمذي (2412) ولفظه "قل: ربي الله ثم استقم .. " وابن ماجه (3972).

هُمْ يَحْزَنُونَ} [فصّلت:30] قال جمهور العلماء: معنى الآية والحديث: آمنوا والتزموا طاعةَ الله. 1089 - الثامن والعشرون: حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سؤال جبريل النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن الإِيمان والإِسلام والإِحسان والساعة، وهو مشهور في صحيح مسلم وغيره. 1090 - التاسع والعشرون: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كنتُ خَلْفَ النبيّ صلى الله عليه وسلم يومًا فقال: "يا غُلامُ! إني أُعَلِّمُكَ كَلِماتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجاهَكَ، إذَا سَألْتَ فاسألِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فاسْتَعِنْ باللَّهِ؛ وَاعْلَمْ أنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ على أنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَإِنِ اجْتَمَعُوا على أنْ يَضُرُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُوكَ إِلا بِشَيءٍ قد كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأقْلامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ" رويناه في الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح؛ وفي رواية غير الترمذي زيادة "احْفَظِ اللَّهَ تَجدْهُ أمامَكَ، تَعَرَّفْ إلى الله في الرَّخاءِ يَعْرِفْكَ في الشِّدَّةِ، وَاعْلَمْ أنَّ ما أخْطأكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَمَا أصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ" وفي آخره "وَاعْلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وأنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ، وأنَّ مَعَ العُسْرِ يُسرًا" هذا حديث عظيم الموقع. 1091 - الثلاثون: وبه اختتامها واختتام الكتاب، فنذكره بإسناد ¬

[1089] مسلم (8)، والترمذي (4695)، والنسائي 8/ 97. [1090] الترمذي (2516)، وهو في المسند 1/ 307، واللفظ المذكور عن غير الترمذي رواه عبدُ بن حميد في مسنده كما ذكر ابن رجب الحنبلي وغيره. وانظر صحيح الجامع الصغير 6/ 300. [1091] مسلم (2577)، والترمذي (2497). انظر شرح هذا الحديث القدسي العظيم في كتابنا الوافي، وفي كتاب "المقاصد السنية في الأحاديث الإِلهية، وهو بتحقيقنا، بالاشتراك مع الدكتور محمد العيد الخطراوي.

مستظرف، ونسأله الله الكريم خاتمة الخير، أخبرنا شيخنا الحافظ أبو البقاء خالد بن يوسف النابلسيّ ثم الدمشقي رحمه الله تعالى، قال: أخبرنا أبو طالب عبد الله وأبو منصور يُونس وأبو القاسم حسين بن هبة الله بن مصري وأبو يَعلى حمزة وأبو الطاهر إسماعيل، قالوا: أخبرنا الحافظ أبو القاسم عليّ بن الحسين ـ هو ابن عساكر ـ قال: أخبرنا الشريفُ أبو القاسم عليّ بن إبراهيم بن العباس الحسيني خطيب دمشق، قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن علي بن يحيى بن سلوان، قال: أخبرنا أبو القاسم الفضل بن جعفر، قال: أخبرنا أبو بكر عبد الرحمن بن القاسم بن الفرج الهاشميّ قال: أخبرنا أبو مسهر قال: أخبرنا سعيدُ بن عبد العزيز عن ربيعةَ بن يزيدَ عن أبي إدريسَ الخولاني، عن أبي ذرّ رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن جبريلَ صلى الله عليه وسلم، عن الله تبارك وتعالى أنه قال: "يا عِبادي! إني حَرَّمْتُ الظُّلْمَ على نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلا تَظَّالَمُوا؛ يا عِبادي! إِنَّكُمُ الَّذينَ تُخْطِئُونَ باللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وأنا الَّذي أغْفِرُ الذُّنُوبَ وَلا أُبالي، فاسْتَغْفِرُوني أغْفِرْ لَكُمْ؛ يا عبادي! كُلُّكُمْ جائعٌ إلاَّ مَنْ أطْعَمْتُهُ فاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ؛ يا عبادي! كُلُّكُمْ عارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ فاسْتَكْسُونِي أكْسِكُمْ؛ يا عِبادي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وآخِرَكُمْ وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كانُوا على أفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُمْ لَمْ يَنْقُصْ ذلكَ منْ مُلْكِي شَيْئًا؛ يا عِبادي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وآخِرَكُمْ وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كانُوا على أتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُمْ لَمْ يَزِدْ ذلكَ في مُلْكي شَيْئًا؛ يا عِبادِي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وآخِرَكُمْ وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كانُوا في صَعيدٍ وَاحدٍ فَسألُونِي فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسانٍ مِنْهُمْ ما سألَ لَمْ يَنْقُصْ ذلكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا إِلاَّ كما يَنْقُصُ البَحْرُ أنْ يُغْمَسَ المِخْيَطُ فِيه غَمْسةً وَاحدَةً؛ يا عِبادي! إنَّما هِيَ أعْمالُكُمْ أحْفَظُها عَلَيْكُمْ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَزَّوَجَلَّ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ".

قال أبو مسهر: قال سعيدُ بن عبد العزيز: كان أبو إدريس إذا حدّثَ بهذا الحديث جثا على ركبتيه. هذا حديث صحيح، رويناه في صحيح مسلم وغيره، ورجال إسناده مني إلى أبي ذرّ رضي الله عنه كلُّهم دمشقيون، ودخل أبو ذرّ رضي الله عنه دمشق، فاجتمع في هذا الحديث جمل من الفوائد: منها صحة إسناده وَمَتنه، وعلوّه وتسلسله بالدمشقيين رضي الله عنهم وبارك فيهم، ومنها ما اشتمل عليه من البيان لقواعد عظيمة في أصول الدين وفروعه والآداب ولطائف القلوب وغيرها، ولله الحمد. روينا عن الإِمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى ورضي عنه قال: ليس لأهل الشام حديث أشرف من هذا الحديث.

خاتمة

خاتمة هذا آخرُ ما قصدتُه من هذا الكتاب، وقد مَنّ الله الكريمُ فيه بما هو أهلٌ له من الفوائد النفيسة والدقائق اللطيفة من أنواع العلوم ومهماتها، ومُستجادَاتِ الحقائق ومَطلُوبَاتِها. ومن تفسير آياتٍ من القرآن العزيز وبيانِ المراد بها، والأحاديث الصحيحة وإيضاح مقاصدها، وبيان نُكَتٍ من علوم الأسانيد ودقائقِ الفقه ومعاملاتِ القلوب وغيرها، والله المحمودُ على ذلك وغيره من نعمه التي لا تُحصى، وله المِنّة أن هداني لذلك، ووفّقني لجمعه ويَسَّرَه عليّ، وأعانني عليه وَمَنّ علي بإتمامه؛ فله الحمدُ والامتنانُ والفضلُ والطَّوْلُ والشكرانُ. وأنا راجٍ من فضل الله تعالى دعوة أخٍ صالح أنتفعُ بها تقرّبني إلى الله الكريم، وانتفاع مسلمٍ راغب في الخير ببعض ما فيه أكون مساعدًا له على العمل بمرضاة ربّنا. وأستودعُ الله الكريمَ اللطيفَ الرحيمَ منّي ومن والديّ، وجميعِ أحبابنا وإخواننا ومَنْ أحسنَ إلينا وسائرِ المسلمين: أديانَنا وأماناتِنا وخواتِيمَ أعمالنا، وجميعَ ما أنعمَ اللَّهُ تَعالى به علينا، وأسألُه سبحانه لنا أجمعين سلوكَ سبيل الرشاد والعِصْمة من أحوال أهل الزَّيْغ والعِناد، والدَّوامَ على ذلك وغيره من الخير في ازدياد، وأتضرّعُ إليه سبحانه أن يرزقنا التوفيقَ في الأقوال والأفعال للصواب، والجريَ على آثار ذوي البصائر والألباب، إنه

الكريم الواسعُ الوهَّاب، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلتُ وإليه متاب،، حسبنا الله ونِعمَ الوكيل، ولا حولَ ولا قوّة إلا بالله العزيز الحكيم. والحمدُ لله ربّ العالمين أوّلًا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا، وصلواتُه وسلامُه الأطيبان الأتمّان الأكملان على سيدنا محمد خير خلقه أجمعين، كلما ذكره الذاكرون، وغَفَل عن ذكره الغافلون، وعلى سائر النبيّينَ وآل كل وسائر الصالحين. قاله جامعه أبو زكريا محيي الدين عفا الله عنه: فرغتُ من جمعه في المحرّم سنة سبع وستين وستمائة، سوى أحرف ألحقتُها بعد ذلك (¬1)، وأجزتُ روايَته لجميع المسلمين (¬2). ... * * ¬

(¬1) كذا في النسخ المخطوطة، وقد أكد هذا التاريخ الحافظ السخاوي في كتاب "الاهتمام بترجمة الإمام النووي شيخ الإسلام". (¬2) في "أ": كتبه العبد الفقير إلى الله تعالى محمد بن أحمد بن عبد الرحيم، لطف الله به، وعفا عنه، وافق الفراغ منه في صبيحة يوم الاثنين ثاني عشر ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وسبعمائة، بالقاهرة المحروسة، ولله الحمد والفضل والمنّة، وهو حسبنا ونِعمَ الوكيل، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين صلاة دائمة إلى يوم الدين.

§1/1