الأدب والمروءة

صالح بن جناح

كِتابٌ قَد حَوي دُرَرًّا ... بِعَينِ الحُسنِ ملحُوظة لِهَذا قلت تنِبيهًا حقوق الطبع محفوظة لدار الصحابة للتراث بطنطا للنَّشْرِ - والتَحقِيقِ - والتَوزيع المُرَسَلات: طنطا ش المديرية - أمام محطة بنزين التعاون ت: 331587 - ص. ب: 477 الطبعة الأولى 1412 هـ - 1992 م

[مقدمة التحقيق]

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له. وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (*). {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (**). {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (...). ¬

_ (*) سورة آل عمران: الآية 102. (**) سورة النساء: الآية 1. (...) سورة الأحزاب: الآية 70، 71.

بين يدى الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم بين يدى الكتاب الحمد لله الداعى إلى المروءات والآداب والمنعم بالخيرات، والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين سيدنا محمد الهادى الأمين عليه أْفضل الصلاة وأزكى السلام. أما بعد: فهذا كتاب صغير في الأدب والمروءة لأنهما جماع الأخلاق، ومنتهى الفضائل فالمروءة هى شاغل المسلم في جميع أوقاته، وللأدب والمروءة وجوه وآداب، لا يحصرها عدد ولا حساب وقلَّما اجتمعت شروطهما قط في إنسان، ولا اكتملت وجوههما في بشر فإن كان ففى الأنبياء أما غيرهم فعلى مراتب بقدر ما أحرز كل واحد منهم من خصالهما، وخير مثال لنا النبى -صلى الله عليه وسلم- الذى أدبه ربه فأحسن تأديبه وقد قال عنه رب العزة: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} ولهذا كله رأينا أن نسير مع مصنف هذا الكتاب لنتعرف على الأدب والمروءة لما لهما من ثمرات وفوائد لا حصر لها. ابتدأ مصنف هذا الكتاب بتعريف جامع للمروءة وعلاقتها بالأدب والعقل فقال: المروءة: اجتناب الرجل ما يشينه واجتنائه ما يزينه، ولا مروءة لمن لا أدب له، ولا أدب لمن لا عقل له فبينهم علاقة تلازم وارتباط بحيث إذا فُقِدَ أحدهم يلزم عنه بالضرورة فقد الآخر.

ثم تحدث عن ذى الوجهين، وقال: يجب على الإنسان أن يأخذ بما أظهر والله أعلم بقلبه وما أضمر. وفى كل موضوعات الكتاب لا يفوت المصنف أن يأتي بشعر يجمع فيه المراد لأن المصنف كما نعلم شاعر حكيم مفوه. وتحدث عن الصدود، وبين أنه من نواقض المروءة والأدب. وتناول بعد ذلك كثرة المال، وأظهر لنا حكمة بارعة في أن كثرة المال وقلته مرتبط ارتباطا تاما يكثرة الأولاد. وتكلم عن الأحمق، وعقد وجه شبه عجيبًا بينه وبين اللئيم فكلاهما لا يعرف عدوه من صديقه، ولا يعرف ما ينفعه مما يضره، وهو لا يقبل نصح أحد ولا موعظته. وتحدث بعد ذلك عن بيان أثر الهوى على الإنسان وفضل العقل، وبين أن العقل هو القابض لزمام الأمور، هو الميزة التى تكاد تكون الميزة الوحيدة التى فضل الله بها الإنسان على غيره، وأوضح أن الهوى ليس له أى أثر على الإنسان اللبيب العاقل. وتحدث بعد ذلك عن معرفة الإخوان ومعاملتهم، وبين أنك لن تعرف أخاك إلا إذا اختبرته وجربته وبلوته وعاملته بالدينار والدرهم. ثم تكلم عن العقل والأدب، وبعد أن وضَّح مكانة كل منهما شبّه العقل والأدب بالسيف والصيقل في شدة احتياج كل منهما للآخر، وشدة ارتباطه به، وأنه لا فائدة له بدونه فالسيف لا يؤدى غرضه بغير شحذ وجلاء كذلك العقل لا يؤدى غرضه بغير الأدب. وتحدث عن الحكمة، وبين قيمتها وأثرها على الشعراء والخطباء والبلغاء وغيرهم، وبين أنها تزيد الأدب قوة.

وتعرض بعد ذلك لذم الكذب، وأوضح أنه من نواقض المروءة والأدب، وأنه يعدم الإنسان الحياء، وأنه إذا أتى بالصدق فالأجدر ألا يصدق منه. وتناول بعد ذلك الجهل، وبين أنَّه من نواقض المروءة والأدب، وحذر منه لأنه ليس من مقال الحكماء والعلماء، ثم وضَّح أن العلم والحلم لا يتمان إلَّا بالأدب. وتحدث بعد ذلك عن النهي عن القبيح، وهو من نواقض الأدب والمروءة، وبيَّن أن الذي لا يقبل النصح وينتهى يكون هذا الفعل منه. أقبح من عمل القبيح. ثم تكلم بعد ذلك عن القدر وأحواله وتصاريفه، ومثل لنا بالفضائل وذكر أن الله عَزَّ وَجَلَّ يعطى كل إنسان منها بقدر فلا يجمع الفضل في يد أحد النَّاس، ولا يحرم أحد منه كل الحرمان، ولكنه وزع الفضل بعدالته. وانتقل إلى الحديث عن أخلاق الأتقياء والأشقياء، ووصف لنا أخلاق كل منهما. وتعرض بعد ذلك لطبيعة بني آدم في عزته وتكبره وتفرعنه ما لم يصبه أدنى أذى فإذا أصابه شيء وجدته يتراجع عن كل ذلك. تحدث بعد ذلك عن الغنى والقنوع، وبيَّن أن الغنى غنى النفس والقلب فيجب أن يكون الإنسان قنوعًا بما في يده. وتناول بالحديث مجالسة أهل الأهواء وجدالهم. وأظهر لنا أنها من عيوب الأدب والمروءة، والله عَزَّ وَجَلَّ قد أوحى إلى نبيه موسى عليه السلام ألا يجادل أهل الأهواء لأنه يورد إلى

النار، والصالحون كانوا يتناهون عن مجالسة أهل الأهواء ومجادلتهم إلا باتباع للكتب المنزلة والسنن المرسلة الصادقة. وتحدث بعد ذلك عن النميمة وأثرها، وحذر منها وذكر أنها تفسد على الإنسان كل شيء هو قادم إليه، وأنها من نواقض الأدب والمروءة. وتكلم بعد ذلك عن كثرة الكلام، وبيَّن لنا أنها من نواقض الأدب والمروءة، وأنها ليس من شيم أهل الأدب والمروءة. ثم تحدث بعد ذلك عن النفس وآدابها، وأظهر لنا صفات نبيلة في تأديب النفس. ثم ختم حديثه بالحديث عن الحسد والحاسد، وأوضح أنَّه خصم لا يركن إليه، ويجب الحذر منه، وأنه من نواقض الأدب والمروءة.

ترجمة المصنف

ترجمة المصنف صالح بن جناح اللخمي شاعر دمشقى، من الحكماء أدرك التابعين، تنسب إليه مقطوعات لطيفة، نذكر هنا منها: "ألا رب ذى عينين لا تنفعانه ... وهل تنفع العينان من قلبه أعمى" ومنها كان يقول: اعتبر ما لم تره من الدنيا بما رأيته، وما لم تسمعه بما قد سمعته، وما لم يصبك بما قد أصابك، وما بقي من عمرك بما قد مضى، وما لم يبل منك بما قد بلى. ومنها: تعلم فإنَّ العلمَ أزين بالفتى ... من الحلةِ الحسناء عند التكلمِ ولا خيرَ فيمن راحَ ليس بعالمٍ ... بصير بما يأتي ولا متعلم فهو شاعر كُوفى، رشيق القول في المواعظ والآداب، وشعره مطعم بالحكمة سلس الأسلوب جذل الألفاظ له رسالة في "الأدب والمروءة - ط" نشرها الشيخ طاهر الجزائرى في مجلة المقتبس وهي كتابنا هذا. مراجع الترجمة الأعلام لخير الدين الزركلى (3/ 190). تهذيب تاريخ دمشق الكبير لابن عساكر (6/ 369).

عملي في الكتاب

عملي في الكتاب 1 - قمت بعمل عناوين داخلية للكتاب حيث أنَّه قد خلا منها ووضعتها بين معكوفتين. 2 - أعددت فهرسًا عامًا للكتاب. 3 - قدمت للكتاب بمقدمة عن الكتاب ومؤلفه. 4 - علقت على ما استحق التعليق من كلماتٍ صعبة، أو معانٍ غامضة من خلال معاجم اللغة مثل لسان العرب لابن منظور، والمعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية. 5 - أصلحتُ بعض الأخطاء التى ربما يكون قد وقع فيها الناسخ.

وصف المخطوطة

وصف المخطوطة مخطوطة الرسالة: عثرنا بحمد الله وتوفيقه على مخطوطة هذا الكتاب المبارك في دار الكتب المصرية العامة وكانت معلوماته كالآتي: أدب: 1477 وتحتوى على عشرة ورقات. أدب تيمور: 413 وكل صفحة تحتوى على 36 سطر

تعريف المروءة

[بداية الكتاب] قال صالح بن جناح: اعلم أن العرب قد تجعل للشئ الواحد اسمًا، ويسمى بالشئ الواحد أشياء فإذا سنح لك ذكر شئ فاذكره بأحسن أسمائه فإن ذلك من المروءة وإنما المرء بمروءته. [تعريف المروءة] فالمروءة اجتناب الرجل ما يشينه (¬1) واجتنائه (¬2) ما يزينه وأنه لا مروءة لمن لا أدب له، ولا أدب لمن لا عقل له، ولا عقل لمن ظن أن في عقله ما يغنيه ويكفيه عن غيره وشتان ما بين عقل وافر معه خمسون عقلًا كلها وافر مثله وأوفر منه، وبين عقل وافر لا تاره (¬3) معه. وفى ذلك أقول شعرًا: واما (¬4) أدب الإنسان شئ كعقله ... ولا زينة إلا بحسن التأدب وقال: إن الأفئدة مزارع الألسن فمنها ما ينبت ما زُرع فيه من حسن ولا ينبت ما سمح، ومنها ما ينبت ما سمح ولا ينبت ما حَسُنَ، ومنها ما يُنبِتُ جميع ذلك ومنها مالا ينبت شيئًا، وإن من المنطق ما هو أشد من الحجر وأحد من الإِبر وأمرّ من الصبرة وأحر من الأسنة وأنكد ¬

_ (¬1) تشينه: من الشَّين وهو العيب والقبح. الوسيط (1/ 504). (¬2) اجتنائه: من اجتنى واجتنى الثمرة ونحوها جناها والعسل جمعه وماء المطر ورده فشربه. الوسيط (1/ 141)، والمعنى والله أعلم إقدامه وحصوله واقتنائه على ما يزينه. (¬3) تاره: هكذا بالأصل. (¬4) (واما): هكذا بالأصل والصواب [وما].

في ذى الوجهين

من رجل ولربما احتقرت كثيرًا منه على حرارته ومرارته ونكده مخافة ما هو احف (¬5) منه وأمر وأقطع وأنكد. وفى ذلك أقول شعرًا: لقد أسمع القول الذي كاد كلما ... يذكر فيه الدهر قلبى يصدع فأبدى لمن أبداه منى بشاشة ... كأنى مسرور بما منه أسمع وما ذاك من عجب به غير أننى ... أرى أن ترك الشر للشر أقصع (¬6) وقال في ذى الوجهين: من أظهر ما تحب أو تكره فإنما يقاس ما أضمر بما أظهر لأنك لا تقدر أن تعرف ما أَسر. وقال: ليس المثنى إذًا لغيب سوءه ... عندى بمنزلة المثنى المعلن من كان يظهر ما أحب فإنه ... عندى بمنزلة الأمين المحسن والله أعلم بالقلوب وإنما ... لك ما بدا لك منهم بالألسن ولقد يقال خلاف ذلك إنما ... لك ما بدا لك منهم بالأعين وقال في الصدود: أما بعد فقد احضرتنى من صدك ما آيسنى من ودك، ولم تزل تجرى في لحظك, ما يدخلنى في رفضك، ويدلنى على غل صدرك. وفى ذلك أقول شعرًا: تظل في قلبه البغضاء كامنة ... فالقلب يكتمها والعين تبديها والعين تعرف في عين محدثها ... من كان حزبها أو من يعاديها ¬

_ (¬5) (احف): هكذا كالأصل ولعل الصواب [أحر]. (¬6) أقصع: من قصع وقصع الرجل - قصعًا: شرب الماء جزعًا والدابة المجترة: ردَّت الطعام إلى فمها لتمضغه وفلانًا: قمعه وصغره وحقَّره. الوسيط (2/ 740)، والمعنى والله أعلم أقصع: أقمع.

في كثرة المال وقلته

عيناك قد دلتا عينى منك على ... أشياء لولاهما ما كنت اجتريها (¬7) إن الأمور التى تخشى عواقبها ... إن السلامة منها ترك ما فيها وقال في كثرة المال وقلته: لا تستكثر مال أحد ولا تستقله حتى تعلم ما عياله فإن من كثر ماله وعياله فهو مقل ومن قل ماله وعياله فهو مكثر. [قوله في الحمق] وقال في ذكر الأحمق ودخوله فيما لا يعنيه، وأكثرهم دخولًا فيما لا يدخل فيه وأرضاهم بما لا يكفيه عدوه أعلم بسره من صديقه وصديقه قد غص (¬8) منه بريقه ولا يؤمن نصحه ولا يتوهم من خدعه ولا يأمن إلا من يخونه ولا يتحفظ إلا ممن يحفظه ولا يكرم إلا من يهينه. أشبه شيئًا خلقًا باللئيم إن أحسنت إليه لم يشكر، وإن أسأت إليه لم يشعر لا ينفعك من وجه إلا ضرك من وجوه, وإن أقبل عليك لم ينزل (¬9) وإن أدبر عنك لم يضرك، وإن أفسد شيئًا لم يحسن أن يصلحه وإن أصلح شيئًا أفسده، إن أحببته فرأى منك حسنًا لم يحسن أن ينشره وهو مع ذلك بخطائه (¬10) أشد إعجابًا من العاقل بصوابه. ¬

_ (¬7) اجتريها: من اجترأ عليه: تشجع. الوسيط (1/ 114)، والمعنى والله أعلم أتشجع عليها. (¬8) غصَّ: غصَّ بالماء غصًّا وغصصًا وقف في حلقه فلم يكد يسيغه. الوسيط (2/ 654). (¬9) (ينزل): هكذا بالأصل ولعل الصواب [لم ينزلك]. (¬10) (بخطائه): هكذا بالأصل ولعل الصواب [بخطئه].

بيان أثر الهوى على الإنسان وفضل العقل

إن جلس إلى العلماء لم يزدد إلا جهلًا وإن جلس إلى الحكماء لم يزدد إلا طيشًا (¬11)، وإذا جعل نفسه المحدِّث لهم يكلفهم أن يكونوا المنصتين له. أعيى الناس إذا تكلم، وأبلدهم إذا تعلم وأصحبهم لمن يشينه وأرفضهم لمن يزينه وأشدهم في موضع اللين وألينهم في موضع الشدة وأجبنهم في موضع الشجاعة. إن افتقر عجب من الناس كيف يستغنون وإن استغنى عجب من الناس كيف يفتقرون, لا يفهم إن حدثته ولا يفقه إن أفهمته، ولا يقبل إن وعظته، ولا يذكر إن ذكرته. وفى ذلك أقول شعرًا: المرء يصدع (¬12) ثم يشفى داؤه ... والحمق داء ليس منه شقاء والحمق طبع لا يحول مركب ... ما إن لأحمق فاعلمن دواء [بيان أثر الهوى على الإنسان وفضل العقل] وقال في ذكر الهوى: إن من الناس إذا هوى عمى، ومنهم مَن إذا هوى أبصر مرة وعمِى أخرى، ومَن إذا هوى لم يكد يخفى عليه شئ وهو اللبيب العاقل الحليم الكامل الذى إن أعجبه أمر نظر إلى هواه وعقله ¬

_ (¬11) طيشًا: من طاش - طيشًا وطيشانًا: اضطرب وانحرف وطاش عقلُه: خفَّ وتشتت فجهل أو أخطأ. الوسيط (2/ 574). (¬12) يصدع: من الصُّدَاع: وهو وجع في الرأس تختلف أسبابه وأنواعه. الوسيط (1/ 510).

في الوجوه الشفافة

فإن اتفقا اتبعهما وإن اختلفا اتبع عقله وترك هواه وكان أمره معتدلًا لا يثبه (¬13) بعضه بعضًا وقليل ما هم. وفى ذلك أقول شعرًا: املك هواك إذا دعاك فربما ... قاد الحليم إلى الهلاك هواه الله يسعد مَن يشاء بفضله ... وإذا أراد شقاءه أشقاه [وقال في الوجوه الشفافة] وقال أيضًا في أناس تحسن وجوههم عند حاجاتهم وتغبّر وجوههم عند غنائهم شعرًا: أرى قومًا وجوههم حسان ... إذا كانت حوائجهم إلينا وإن كانت حوائجنا إليهم ... تغير حسن أوجههم علينا ومنهم من يسمح (*) ما لديه ... ويغضب حين يمنع ما لدينا فإن يك فعلهم قبيحًا ... وفعلى مثله فقد استوينا [الإعداد لكل أمر بعدته] وقال فيمن فعل أمرًا لا يحسن أن يحتال له: اعلم أن من قاتل بغير عدة أو خاصم بغير حجة أو صاع (¬14) بغير قوة فهو الذى صرع نفسه وخصم نفسه وقتل نفسه فإن ابتليت بقتال أحد أو مخاصمته أو مصارعته فأحسن الإِعداد له واعرف مع ذلك عدته وأبصر ¬

_ (¬13) يثبه: من وثب يثب وثبًا ووثبانًا ووثوبًا: طفر وقفز ويقال وثب إلى المكان العالى: بلغه. الوسيط (2/ 1011)، والمقصود أمره معتدل لا يخالف بعضه بعضًا. (*) كذا بالأصل ولعلها (يمنع). (¬14) (صاع): هكذا بالأصل والصواب صارع.

قال في العتاب

حجته واختبر قوته كما يختبر قوتك وحجتك وعدتك، فإن رأيت مقدمًا وإلا كان التأخر قبل التقدم خير من الندم بعد التقدم. وفى ذلك أقول شعرًا: إذا ما أردت الأمر فاعرفه كله ... وقسه قياس الثوب قبل التقدم لعلك تنجو سالمًا من ندامةٍ ... فلا خير في أمرٍ أتى بالتندم وإن من الناس مَن يرزق حجة أو عدة أو قوة فيكون عدته هى التى تقتله، وقوته التى تصرعه وحجته التى تخصمه، وذلك أنه ربما أذل (¬15) مقاتل قبل أن يعلم أهو أعدَّ أم الذى يقاتله وكذلك في الذى يخاصمه ويصارعه فإذا هو قتل أو صرع أو خصم فلم تنفعه جودة عدته، ولا قوة حجته حين أتى الأمر من غير جهته. وفى ذلك أقول شعرًا: إذا ما أتيت الأمر من غير وجهه ... يصعب حتى لا يرى منه وفقا فإن الذى يصاد بالفخ إن عتى ... على الفخ كان الفخ أعتى وأضيقا [قال في العتاب] وقال في الذى يعاتب الناس إلى برك، وإجلال أمرك وتعظيم قدرك بالمعاتبة، ولكن أدعتَهُم إلى ذلك ما يستوجبه منهم وانظر الأمر الذى أكرم به من هو أبعد منك وقرب به من أنت أقرب منه فالزمه فإنك إن تلزمه لم يحتج معه إلى معاتبة ولا استبطاء حق لأنك إن دعوتهم إلى تكرمتك بغير ما تستوجب التكرمة به فإنما دعوتهم الى إهانتك إما الكلام ¬

_ (¬15) (أذل): هكذا بالأصل والصواب (نازل).

حقوق الأخوة

يحرجك وإما بفعال يقدحك، وإن دعاهم إلى ذلك فضلك أجابوا إما بثناء يرفعك أو بجزاء ينفعك. [حقوق الأخوة] وقال في معرفة الإخوان: إنك لن تعرف أخاك حق المعرفة، ولن تخبره حق المخبرة، ولن تجربه حق التجربة وإن كنتما في دارٍ واحدة حتى تسافر معه أو تعامله بالدينار والدرهم أو تقع شدة أو تحتاج اليه. في مهمة فإذا بلوته (¬16) في هذه الأشياء فرضيته فانظر فإن كان أكبر منك فاتخذه أبًا وإن كان أصغر منك فاتخذه ابنًا، وإن كان مثلك فاتخذه أخًا، كن به أوثق منك بنفسك في بعض المواطن. وقال: كن مع الكريم على حذر إن أهنته، ومن اللئيم إن أكرمته، ومن العاقل إن أحوجته، ومن الأحمق إن مازحته، ومن الفاجر إن عاشرته، ولا تدل على من لا يحتمله إدلالك، ولا تقبل على مَن لا يحب إقبالك وكن حذرًا كأنك غَرٌّ (¬17)، وكن ذاكرًا كأنك ناس، والزم الصمت إلى ما يكرمك التكلم فما أكثر من يندم إذا نطق، وأقل من يندم إذا لم ينطق وإذا أمليت فعند ذلك جودة منطقك، وقلة زللك وسعة عفوك وقلة حيلتك ومنفعة قوتك وحسن تخلصك. ¬

_ (¬16) بلوته: من بَلَاهُ - بلوًا، وبَلاءً: اختبره وفى التنزيل العزيز: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} الوسيط (1/ 71). (¬17) غَرٌّ الرجلُ: كان ذا غفلةٍ وقلة فطنة. الوسيط (2/ 648).

في مضيف الطعام

واعلم أن بعض القول أغمض من بعض، وبعضه أبين من بعض، وبعضه أحسن من بعض، وبعضه ألين من بعض، وإن كان واحدًا فإن الكلمة اللينة لتلين من القلوب ما هو أحشر من الحديد، وإن الكلمة الخشنة لتخشن من القلوب ما هو ألين من الحرير، وإن أعظم الناس بلاء وأدومهم عناء وأطولهم شقاء من ابتلى بلسان مطلق وفؤاد مطلق فهو لا يحسن أن ينطق ولا يقدر أن يسكت. واعلم أن ليس تحسن أن تجيب من لا يسألك ولا تسأل من يجيبك. وفى ذلك أقول شعرًا: رب مال سينعم الناس فيه ... وهو عن ربه قليل الغناء كان شقا به وينصب حيًا ... ثم أمسى لمعشر عرباء (¬18) مالهم عنده جزاء إذا ما ... أنعموا فيه غرسوا الثناء رب مال يكون غمًا وذمًا ... وعناء بعد في الفقراء وقال في مضيف الطعام: إذا كنت ممن يؤكل طعامه وتحضر مائدته ويؤكل معه فليكن الذى يتولى صنعة طعامك من ألب (¬19) الناس في عمله وأنظفهم في يديه ولا تدع إعلامه إن أحسن ولا إنذاره إن أساء فإنّ بعتبك عليه خير من تعنت الناس عليك. ¬

_ (¬18) (عرباء): هكذا بالأصل والصواب غرباء. (¬19) ألب: الألبُ: نشاط الساقى ورجل ألوب سريع إخراج الدّلوِ. لسان العرب (1/ 106). والمعنى المقصود هنا والله أعلم الذى يتولى صنعة طعامك من أمهر الناس وأسرعهم في عمله.

في صفة العدو والصديق

واعلم أن لكل شئ غاية، وأن غاية الاستنقاء (¬20) النظيف في الاستجا (¬21) والإِكثار من الماء حتى يستوى البدان (¬22) والريح والمنظر فإنه لا طيب أطيب من الماء ولو أنه المسك وما أشبه من الأشياء وإنما يستدل على نظافة الرجل بنقاء أثوابه، وإنما يكون العذر في الحمقى من النساء والرجال وبه يستدل على بلادتهم. وفى ذلك أقول شعرًا: ولا خير قبل الماء في الطيب كله ... وما الطيب إلا الماء قبل التطيب وما ألطف الأحرار في كل مطعم ... وما ألطف الأحرار في كل مشرب وقال في صفة العدو والصديق: احرص أن لا يراك صديقك إلا أنصف ما يكون ولا يراك عدوك إلا أحض ما يكون فأما الصديق فإن كان الذى أعجبه منك خُلقك أو خَلقك ولهما كان يحبك فكلما ازددت حسنًا كان حبه لك أكثر ورغبته فيك أوفر وأكثرك عمده (¬23) وأكثرك في صدره وأدوم له على عهدك، وأما العدو فليس شئ أعجب إليه من دمامتك وحساستك فاحترس منه ¬

_ (¬20) الاستنقاء: من نقى الشئ نقاوةً ونقاءً: نَظُفَ فهو نَقِىٌّ والنقِىُّ: الخالص. الوسيط (2/ 950). (¬21) (الاستجا): هكذا بالأصل ولعلها [الاستجمار] والله تعالى أعلم. (¬22) البدان: من بَدَنَ وبَدَنَ الرجلُ يَبْدُنُ بُدْنًا وبَدانَةً فهو بادن إذا ضخم ورجلٌ بادن وامرِأة مُبدّنةُ وهما المينان. لسان العرب (1/ 232) ط دار المعارف. (¬23) عَمَّده: عَمَّدَ الخيمه: نصبها بالعماد - والقومُ فلانًا: جعلوه عَمِيدًا عليهم، أو عُمدة لهم. الوسيط (2/ 262). والمعنى المقصود هنا هو أكثر من الاعتماد عليك.

في العقل والأدب

وأظهر الجميل فليس شئ أعجب إليه من التمكن منك فانظر أن لا يكن شئ أعجب إليك من التحض (¬24) منه. وقال في العقل والأدب: اعلم أن العقل أمير، وأن الأدب وزير، فإن لم يكن وزير ضعف الأمير وإن لم يكن أمير بطل الوزير. وإنما مثل العقل والأدب، كمثل الصيقل (¬25) والسيف فإن الصَّيْقَل إذا أعطى السيف أخذه فصقله فعاد جمالًا ومالًا وعضدًا ليعتمد عليه، ويلتجَأ إليه. فالصيَّقل الأدب والسيف العقل. فإذا وجد الأدب عقلًا نفعه ووفقه وقواه وسدده كما يصنع الصيقل بالسيف وإذا لم تجد عقلًا لم تعمل شيئًا لأنه لا يصلح إلا ما وجد وإن من السيوف ما يصقل ويسقا ويحد ثم يباع بأدنى الثمن ومنها ما يباع بزينة درًا وزبرجدًا وذلك على نحو الحديد وجودته أو ردائته وكذلك، الرجلان يتأدبان بأدب واحد ثم يكون أحدهما أنفد من الآخر أضعافًا مضاعفة وإنما ذلك على قدر العقل وقوته في الأصل. وفى ذلك أقول شعرًا: وقد يصلح التأدب (¬26) من كان عاقلًا ... وإن لم يكن عقلٌ فلن ينفعَ الأدبُ ¬

_ (¬24) (التحض): هكذا بالأصل ولعل الصواب التخفى. (¬25) الصَّيْقلُ: شحَّاذ السيوف وجلّاؤها والجمع صياقل وصياقلة [لسان العرب (3/ 2473)] ط دار المعارف. (¬26) (التأدب): هكذا بالأصل ولعل الصواب [التأديب] حتى يستقيم الوزن والله أعلم.

في المراء

وقال في المراء: إذا اجتمع أهل لوع فتذاكروا على لوعهم ذلك فلم يكن أحتل كل واحد منهم أن ينفع ما استمع وينتفع بما سمع. واعلم أن تذاكرهم ذلك من أول المرا (¬27) يصدع، العلم ويرهن الود ويورث الجمود وينشئ الشحناء ويعل القلب. وفى ذلك أقول شعرًا: تجنب صديق السوء واحترم حاله ... فإن لم تجد عنه مَحيصًا فَدَاره وأحبب صديق الخير واحذر مراءه ... تنل منه صفو الود مالم تُجاره وقال في الحكمة: أما ما سمع من كثير الحكماء فإن أول شئ يخطر على الأفئدة إذا خطر وهو أصغر من الخردلة، وأرق من الشعرة، وأوهن من البعوضة ثم تحركه الألسنة وتنبذه الأفئدة كما يحاك البرد، وكما يمد النهر فتعود أكثر من الكثير، وأوثق من الحديد، وأثمن من الجوهرة، وأحسن من الذهب وأنفع من كلهما (¬28) لأنه يزيد في المنطق ويذكى الذهن ويعين على الإبلاغ ويتحمل به العامل ويتقلب فيه كيف شاء ويختار منه ما يشاء فينتفع به اللطيف وينبل به الثخيف ويتزيد به الكثيف ويتأيد به الضعيف ويزداد به الأدب قوة في منطقه وبلاغة في كتبه فيكون في حفظه منفعة ¬

_ (¬27) المرا: من المراء وما راه مِراءً ومُما راةً: ناظره وجادله. الوسيط (2/ 866)]. (¬28) (كلهما): هكذا بالأصل ولعل الصواب (كلهم).

في الكلام وإخراجه

للخطباء في خطبهم وللبلغاء في بلاغتهم وكتبهم وللكرماء في بشاشتهم وللشعراء في قصائدهم فإذا كنت ممن يؤلف حكمة أو يضع رسالة أو يذكر في مهمة فلا ... (¬29) قلبك ولا تكره ذهنك فإن (¬30) إذا أُكره حل ووقف ولكن إن كنت في شئ من ذلك فاستعن التفرغ (¬31) منه على التفرغ عليه، والتأخر عنه على التقدم فيه فإن الذهن يحم كما يحم (¬32) البئر ويصفو كما يصفو الماء. وقال في الكلام وإخراجه: اعلم مثل الكلام كمثل الحجارة فمنها ما هو هوامز (¬33) من الذهب والفضة ومنها مالا يعطا في الصخرة العظيمة مائة درهمًا. وفى ذلك أقول شعرًا: وما الحجر الكبير أعز فيما ... ظفرت به من الحجر الصغير وكم أبصرت من حجر خفيف ... صغير بيع بالثمن الكثير ¬

_ (¬29) بياض بالأصل: ولعله (تتعب). (¬30) (فإن): هكذا بالأصل والصواب [فإنه]. (¬31) (التفرغ): هكذا بالأصل ولعل الصواب [بالتفرغ]. (¬32) يحم: حَمَّ الماء ونحوه: سَخَّنه. الوسيط (1/ 199). (¬33) (هوامز): هكذا بالأصل ولعل الصواب [أميز].

في طلاقة الوجه وحسن الخلق

وقال في طلاقة الوجه وحسن الخلق: كن أسهل ما يكون وجهًا، وأظهر ما يكون بشرًا وأقصر ما يكون يدًا وأحسن ما يكون خلقًا، وألين ما يكون كنفًا (¬34) وأوسع ما يكون أخلاقًا فإن الأيام والأشياء عُقب (¬35) ودول فإن أنكرت منها شيئًا يومًا ما كأن أنكرت منها شيئًا خفيفًا على أهل الشماتة وعلى أهل الصفا (¬36) .......... واحذر أن تُحزن مَن يُحبك وتُفرح من يحسدك فلم أر في مصائب الدهر أوحش من تغير النعمة وإذ أنت لم تنكر منها شيئًا ودامت لك كما تُريد فما من الدنيا شئ مثل بدعة ورفق إلا وهو أهنى مما مثل تعب ونصب فأما من كفى وعوفى. ¬

_ (¬34) كنفا: من كنف الكيال كنفًا: جعل يديه على رأس المكيال يمسك بهما الكيل وكنف عن الشئ: عدل وكنف القوم: حبسوا أموالهم من شدةٍ وتضييق عليهم. الوسيط (2/ 801). والمقصود كن ألين ما تكون في التضييق عليهم. (¬35) عقب: العُقبُ: آخر كل شئٍ وخاتمته. الوسيط (2/ 613). (¬36) الصفا: صَفا- صفوًا وصَفاءً: خلص من الكَدرِ ويقال صفا الماء: راق والجو خال من الغيم والكدر. الوسيط (1/ 517). والمقصود أهل الصفاء.

ذم الكذب

وفى ذلك أقول شعرًا: ما تم شئ من الدنيا علمت به ... إلا استحق عليه النقص والغير ولا تغير من قوم نعيمهم ... إلا تكدر منه الوره (¬37) والصدر فعاد غمًا ولن تلقى أمرًا أبدًا ... أقبح من تلك أيام يفتقر [ذم الكذب] وقال في الكذب: كذبت ومن يكذب فإن حراه (¬38) ... إذا ما أتى بالصدق أن لا يصدقا وقال فيه أيضًا: إذا رأيت المرء حلوا لسانه ... كذوبًا فأيقن أن لا حياء له ولا خير في الإنسان إن لم يكن له ... حياء ولا في كل من لا وفاء له وقال في الإخوان: ليس من كان الرخاء صديقًا ... وعدو الصديق بعد الرخاء عدة في إخائه لصديق ... إنما ذاك عدة الأعداء لو وجدنا أخًا متينًا أمينًا ... لاتخذناه أخاء (¬39) للشقاء ¬

_ (¬37) الوره: شحم الصدر [الوسيط (2/ 1028)]. (¬38) حراه: حرابه - حرًا: أى كان جديرًا به [الوسيط (1/ 169)]. (¬39) كذا بالأصل والصواب (أخًا).

كيفية اختيار الصديق الصدوق

[كيفية اختيار الصديق الصدوق] أما الرفقاء في السفر والجلساء في الحضر والخلطاء في النقم والشركاء في العدم فاحفظ مصاحبتهم وواظب على إخائهم، وفى ذلك أقول شعرًا: وكنت إذا صحبت رجال قومٍ ... صحبتهم وشيمتى الوفاء فأحسن حين يحسن محسنوهم ... وأجتنب الإساءة إن أساءوا وأبصر ما بعينهم بعين ... عليها من عيونهم غطاء ارتد (¬40) رضاهم أبدًا وآتى ... مشيئتهم وأترك ما أشاءُ لا تبدأن (*) أحدًا بصغيرة مما يكره ولا بكبيرة ولا بقليل مما يسخط ولا بكثير فإن ابتدأك أحد بشئ من ذلك فقدرت على الانتصار منه فعفوت أو انتصرت فما أحسن جميع ذلك إلا أن العفو أكرم والانتصار أعز وكلاهما حظ. وفى ذلك أقول شعرًا: فما ذات باب تحمده فيما علمـ ... ـت عليه مطرق الصواب وأى الناس ألأم من سفيه ... يقول ولا يخاف (**) من الجواب وقال في الجهل: إياك والجهل فإنما تجهل على ثلاثة رجل أنت أعز منه، ورجل هو أعز منك، ورجل أنت وهو في العز سواء. ¬

_ (¬40) (ارتد): هكذا بالأصل والصواب [أريد]. (*) بالأصل (تبد) والصواب ما أثبتناه. (**) بالأصل (يخافين) والصواب ما أثبتناه.

في رؤية الرجل وخبره

فأما جهلك على من أَنْتَ أعز منه فلوم، وأما جهلك على من هو أعز منك فحيف، وأما جهلك على من هو مثلك فهراش (¬41) مثل هراش الكلبين ولن يفترقا إلا مفضوحين أو مجروحين وليس هذا من مقال الحكماء والعلماء والحليم أرزن والجهول أنقص. وفي ذلك أقول شعرًا: ما تم علم ولا حلم بلا أدب ... ولا تجاهل في يوم حليمان ولا التجاهل إلَّا ثوب ذى دنس ... وليس يلبسه إلا سفيهان وقال في رؤية الرَّجل وخبره إن من الناس من يعجبك حين تراه وتزداد عند الخبرة إعجابًا، ومنهم من تبغضه حين تراه وعند الخبرة أكثر بغضًا، ومنهم من يعجبك خبره ولا يعجبك منظره، ومنهم من يعجبك منظره ولا يعجبك خبره، وفى ذلك أقول شعرًا: ترى من الرجال الغبن (¬42) فضلًا ... وفيما أضمر الغبن الغبين ولون الماء مشتبه وليست ... تخبر عن مذاقته العيون فلا تعجل بظن قبل خبر ... فعند الخبر تنصرم الظنون ¬

_ (¬41) فهراش: هَرشَ الدهر هرشًا: اشتد وفلان ساء خلقه وهارش الكلب الكلب. ونحوه قاتله. الوسيط (2/ 981). والمقصود سوء خلق. (¬42) الغبن: النقص والضعف. الوسيط (2/ 644).

في النهى عن القبيح

وقال أَيضًا: وناصى (¬43) الرجال بها امتحان ... وما فيها لمعتبر بيان ولكن فعلهم ينبئك عنهم ... به تجب الكرامة والهوان وما الإنسان إلَّا أصغراه (¬44) ... سوى صور تصور للبيان وقال أَيضًا: لم أزل أبغض كل امرئ ... وجهه أحسن من خبره فهو كالغصن يرى ناضرًا ... ناعمًا يعجب من زهره ثم يبدو بعده ثمره ... فيكون السم في ثمره وقال في النهى عن القبيح: أذا رأيت من أحد أمرًا فنهيته عنه فلم يحمدك ولم يذمم نفسه على مكانه أو يُحدث حديثًا نعلم أنَّه قد انتفع بمقالتك، فإن ذلك عيب آخر قد بدا لك منه، لعله أقبح من الذي نهيته عنه. وفي ذلك أقول شعرًا: ولا نهيت غويًا (¬45) من غوايته ... إلا استزاد كأنى كنت أغويه ولا نصحت له إلَّا تبين لى ... منه الجفاء كأنى كنت أغويه ¬

_ (¬43) ناصى: ناصٌ غريمه: استقصى عليه وناقشه وناصى فلانًا مناصاة ونصاء: قبض كل منهما بناصية الآخر ويقال فلان يناصى فلانًا: ينازعه ويباريه. الوسيط (2/ 926 - 927) والمقصود هنا والله أعلم: نازع وبارى الرجال بها. (¬44) (اصفراه): هكذا بالأصل. (¬45) غويًّا: غوى- غيًّا وغواية: أمعن في الضلال. فهو غاوٍ وغوى وغيان. الوسيط (2/ 667).

في المؤاخاة

وقال في المؤاخاة: لا تواخ أحدًا إلَّا على اختبار منك (¬46) له، وارتضاء منك به واتفاق منه لك فإذا اتفق أمركما كذلك. فأعلم أن كلا كما يُحسن ويُسئ ويصيب ويخطئ ويحفظ ويضيع فوطِّن نفسك على الشكر إذا حفظ وعلى الصبر إذا أضاع وعلى المكافأة إذا أحسن وعلى الاحتمال والمعاتبة إذا أساء، فإن معاتبة الصديق إذا أساء أحب إلى الحليم من القطيعة في معاشرة من تواخيه. وفى ذلك أقول شعرًا: وإذا عتبت على امرئ أحببته ... فتوق صابر عَتَبه (¬47) وشبابه وألن جناحك ما استلان لوده ... وأجب أخاك إذا دعا لجوابه واحرص أن يُعرفك موقعك من كل أحدٍ حتَّى من أبيك وأمك فإن من السخافة أن يكون لأخيك فيما يحب ويكون لك فيما يكره، وما أقبح أن يكون له فيما يكره ويكون لك فيما يحب. واعلم أن من تنفعك صداقته ولا تضرك عداوته [هو] الكريم الذى إن أحسنت إليه كافأك، وإن أسأت إليه عاتبك، وأما من يضرك عداوته ولا تنفعك صحبته فهو الجاهل السفيه اللئيم. وفي ذلك أقول شعرًا: من النَّاس من إن يرض لا ينتفع به ... ولكن متى سخط فما شين من فرر ضعيف على الأعداء لكن قلبه ... أشد إذا لاقى الصديق من الحجر ¬

_ (¬46) بالأصل (منه) ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬47) عتبه: من عتب وعتب عليه عتبًا وعتابًا: لأمه وخاطبه مخاطبة الإذلال طالبًا حسن مراجعته ومذكرًا إياه كما كرهه منه. الوسيط (2/ 581).

في المداراة

وقال في مقلب الشعر: إنما الدنيا سراج ... ضوؤه ضوء مغار بينما غصنك غصن ... ناعم فيه اخضرار إذ رماه الدهر يو ... مًا فيه اصفرار (¬48) وكذاك الليل يأتى ... ثم يمحوه النهار وقال في المداراة (¬49): إذا هبطت بلدًا أهلها على غير ما تعرف وأنت على غير ما يعرفون فالزم كثيرًا من المداراة فما أكثر من دارى ولم يسلم فكيف من لم يكن منه مداراة. وفي ذلك أقول شعرًا: ياذا الذي أصبح لا والدًا ... له على الأرض ولا والِدَهْ قد مات من قبلهما آدم ... فأي نفس بعده خالدهْ إن جئت أرضًا أهلها كلهم ... عور فغمض عينك الواحدهْ وقال: لا تقاتلن أحدًا تجد من قتالة البَدُّ (¬50) فإنما الحمقان (¬51) لمن غلب ولا غالب إلَّا الله وإن آخر الدواء الكى فلا تجعله أولًا. ¬

_ (¬48) اصفرار: من اصْفَرَّ: صار أصفر اللون - والزَّرعُ: يبس ورقه وآن حصاده. الوسيط (1/ 516). (¬49) المداراة: من داراه: لاطفه ولاينه ورفق به واتقاه. الوسيط (1/ 282). والمقصود الملاينة والملاطفة. (¬50) البَدُّ: التعب. الوسيط (1/ 43). (¬51) (الحمقان): هكذا بالأصل ولعل الصواب [الحمق].

في الإعسار والإيسار

وفى ذلك أقول شعرًا: وكم رأينا من أخي غِبطة ... أصبح مسرورًا وأمسى حزينًا وكم فتى يركب طاحونةً (¬52) ... للحرب قد أصبح فيها طحينًا وقال في الإعسار والإيسار (¬53): كم من صديق لنا أيام دولتنا ... وكان يمدحنا قد صار يهجونا إني لأعجب ممن كان يصحبنا ... ما كان أكثرهم إلَّا يراؤنا لم يدر حتَّى انقضت عنا إمارتنا ... من كان ينصحنا أو كان يغوينا (¬54) من كان ينصفنا ما كان يصحبنا ... إلَّا ليخدعنا عما بأيدينا وقال في الصلة والتفضل: لا يكن من وصلك أحق بصلتك منك بصلته، ولا من يفضل عليك أولى (¬55) بالتفضل منك عليه. فإنما أنت وهو كرجلين ابتدرا أكرومَة (¬56) فقصر أحدهما وبلغ الآخر، فأما القاصر قصر عن حط نفسه وأما البالغ فبلغ بجميل أمره وعظيم قدره. ¬

_ (¬52) طاحونة: الطاحونة: الطاحونة: آلة الطحن والجمع طواحين. الوسيط (2/ 552). (¬53) وردت كالأصل [الإبصار] ولعل الصواب ما أثبتناه. (¬54) يغوينا: من غوى - غيًّا وغواية: أمعن في الضلال واستغواه بالأماني الكاذبة: طلب غيَّه وأضله. الوسيط (2/ 667). والمقصود والله أعلم يضلنا. (¬55) (أولا): هكذا بالأصل والصوالب ما أثبتناه. (¬56) أكرومة: الأكرُومة: الفعلة الكريمة. الوسيط (2/ 784).

أحوال القدر

[أحوال القدر] وقال في القدر: إذا كان الرجل لبيبًا: فاعلم أنَّه كامل ولكن لن يقدمه ذلك إلى ما كان يطالب، ولن يؤخره عما كان يحاذر إلَّا بقدر يلحق به ما طلب ويسبق به ما يحذر، وإن من الناس من يؤتى منطقًا وعقلًا ولن يؤتى مالًا، ومنهم من يؤتي مالًا ولا يؤتى غيره فيحتاج ماله إلى عقل ذى العقل ومنطقه، ويحتاج ذو العقل إلى مال ذوي المال ور ... (¬57) وينهض هذا بهذا وهذا بهذا فليس لأنهما إذا فأُحْوِج الملك إلى السوقة (¬58) وأحوجت السوقة إلى الملك. وقال في الفضائل: لا تقل فلان أغنى منى وأنا أحرم (¬59) منه فإنه لو جُمع العقلُ والشدةُ، والشجاعةُ والمال وأشباه ذلك لقوم، وبقى قوم لا شيء لهم لهلكوا. ولكن الله عز وجل قال: فأوتى بعضهم عقلًا، وبعضهم قوة، وبعضهم مالًا مع أشياء مما يكون فيه صلاحهم وبه معايشهم، ثم أحوج بعضهم إلى بعض فلا عاشوا (¬60) وإنما مثل الرجل ورزقه، ومثل عقله وأدبه مروءته كمثل الرامي ورميته فلابد للرامي من سهم، ولابد لسهمه ¬

_ (¬57) بياض بالأصل. (¬58) السوقة: الرعيَّة وأوساط الناس وتطلق على الواحد وغيره فيقال هو سوقة وهم سُوقَة (ج) سُوَقٌ. الوسيط (1/ 465). (¬59) أحرم منه: أشد حرمانًا منه. (¬60) (فلا عاشوا): هكذا بالأصل ولعل الصواب [فعاشوا].

أخلاق الأتقياء والأشقياء

من قوس، ولابد لقوسه من وتر ولابد لجميع ذلك من قدر يبلغ ما رشق (¬61) ونَصِب (¬62) به ما يبلغ ويجوز به ما أصاب وإلا فلا شيء. فالرامى الرجل والرمية الرزق ولا يجتمع بينهما عقل ولا عز ولا شيء من ذلك إلَّا بقدرة. وفي ذلك أقول شعرًا: ما القوس إلَّا عصا في كفِّ صاحبها ... يرعى بها الضأن أو يرعى بها البقرا أو عود بانٍ (¬63) وإن كانت منفعة (¬64) ... حتَّى يضم إليها السهم والوترا وإن جمعت لها هذي فهي عصي ... حتي يساعد من يرمي بها القدرا [أخلاق الأتقياء والأشقياء] وقال: إن حسن السَّمْتِ وطول الصَّمْتِ ومشى القصدِ من أخلاق الأتقياء، وإن سوء السَّمْتِ وترك الصمتِ ومشى الخُيلاء من أخلاق الأشقياء. فإذا أمسيت فوق الأرض فاذكر من تحتها وكيف كانوا فوقها وكيف حلوا بطنها وكيف كانوا ممسًا. ¬

_ (¬61) رشق: رما ورشقه - رشقًا: رماه. الوسيط (1/ 347). (¬62) نصِب: نصبًا: أعيا وتعب وجدَّ واجتهد. الوسيط (3/ 924). والمقصود والله أعلم ما اجتهد وتعب في رميه. (¬63) بان: البان: ضربٌ من الشجر سبط القوام، لين ورقه كورق الصفصاف. الوسيط (1/ 77). (¬64) (منفعه): هكذا بالأصل ولعل الصواب [منافعه].

طبيعة بني آدم

[طبيعة بني آدم] واعلم أن ابن آدم أعزُّ من الأسد، وأشد من العمد ما لم يصبه أدنى شوكة، وأدنى مرض، وأدنى مصيبة. فإذا أصابه شيء من ذلك وجدته أهون من الذرة، وأمهن من البعوضة، فلا تغررك تجبره وتكبره وتفَرْعُنه واستطالته. وفي ذلك أقول شعرًا: ولا تمش فوق الأرض إلَّا تواضعًا ... فكم تحتها قوم هم منك أرفع فإن كنت في عزٍّ وحرز ومنعة ... فكم طاح من قوم هم منك أمنع وقال في الغَنَاء والقنوع: إن الغناء في القلب فمن غنيت نفسه وقلبه غنيت يداه، ومن افتقر قلبه لم ينفعه غناء. وفي ذلك أقول شعرًا: إذا كان المرء لم ينفع بشيء فإنه ... وإن كان ذا مال من الفقر موقر إذا كان فضل الله يغنيك عنهم ... فأنت بفضل الله أغنى وأيسر [خير الاستشارة] وقال في الرأى والمشاورة: إذا استشير نفر أنت أحدهم فكن آخر من يشير فإنه أسلم لك من الصدق، وأبعد لك من الخطأ، وأمكن لك من الفكر وأقرب لك من الجزم. ومن الرجال إذا أحلامهم [ندابوا] (¬65) ... من يستشار إذا استشير فيطرق ¬

_ (¬65) ما بين المعكوفتين: سقط أثبتناه حتي يستقيم الوزن والمعني.

مجالسة أهل الأهواء وجدالهم

حتَّى يجول بكل وادٍ قلبه ... فيرى ويعرف ما يقول وينطق فبذاك يطلق كل أمرٍ موثق ... وبذاك يوثق كل أمر مطلق إن الحليم إذا تفكر لم يكد ... يخفى عليه من الأمور الأوفق [مجالسة أهل الأهواء وجدالهم] وقال في عز مجالسة أهل الأهواء والبدع ومحادثتهم أما أهل الأهواء فإني لم [أر] (¬66) أحدًا ازداد فيها إلا ازداد فيها عمًى لأن أمر الله أعز من أن يلحقه العقول، ولم أر اثنين تكلما فيها إلَّا رأيت لكل واحد منهما حجة لا يقدر صاحبه على دفعها إلَّا بالشبهة والمغالطة وأما النصيحة فلا. ومن غالط في هذا أو مثله فإنما يغلط وعليه يخلط وإياها يخدع أو أراد أن يخادع ربه والله أعزّ من أن يُخدع لقد نبئت أن الله تبارك وتعالى في قلبك شيئًا يوردك إلى النار فهذا أمر نهي عنه موسي عليه الصلاة والسلام وقد أعطي التوراة فيها هدى الله وقد كلم الله موسى تكليمًا فكيف بغيره من أهل الأهواء ولم يزل الصالحون يتناهون عن الهواء والمرا فيه والجدل به ولم [أر] (¬67) قياسًا قط تم ولا كلامًا صح إلَّا وفيه كلام بعد كثير. والسنة أن لا يتكلم في شيء من الأهواء بالهوى وبغير الإمتاع (¬68) للكتب المنزلة والسنن للرسل الصادقة. ¬

_ (¬66) ما بين المعكوفتين سقط أثبتناه. (¬67) ما بين المعكوفتين سقط أثبتناه. (¬68) (الامتاع): هكذا بالأصل ولعل الصواب [الاتباع].

النميمة وأثرها

وفى ذلك أقول شعرًا: إذا أعطى الإنسان شيئًا من الجدل ... فلم يعطه إلا لكى يمنع العمل وما هذه الأهواء إلا مصائب ... يخص بها أهل التعمى والعلل [النميمة وأثرها] وقال في النميمة: إياك والنميمة، فإنها لا تترك مودة إلا أفسدتها, ولا عداوة إلا جددتها، ولا جماعة إلا بددتها، ولا نارا إلا وقدتها ثم لابد من عرف بها أو نسبت إليه (¬69) أن يتحفظ من مجالسته، ولا يؤتي بناحيته وأن يزهد في مناقشته، وأن يرغب عن مواصلته. وفى ذلك أقول شعرًا: تمشَّيْتَ فِينَا بالنميم وإنَّما ... يُفرقُ (¬70) بين الأصفياءِ النَّمائمُ فلا زِلتَ مَنْسُوبًا إلى كل آفةٍ ... ولا زَال مَنْسُوبًا إليك اللوائمُ وفى مثله أقول: كالسيل في الليل لا يدرى به أحد ... من أين جاء ولا من أين يأتيه فالويل للعبد منه كيف يقصيه (¬71) ... والويل للود منه كيف يتليه ¬

_ (¬69) (إليها): هكذا بالأصل والصواب ما أثبتناه. (¬70) (تعرف): هكذا بالأصل والصواب ما أثبتناه. (¬71) (يُقْصِه): هكذا بالأصل والصواب [يقصيه] وهو مأ أثبتناه. ويقصيه: من أقصى الشئ: أبعده وبلغ أقصاه يقال لا تقصيه الإبل: لا تبلغ أقصاه. الوسيط (2/ 741).

من نواقض المروءة كثرة الكلام

[من نواقض المروءة كثرة الكلام] وقال: إذا قيل لك أى شئ أطول؟ فقل: الكلام وإذا قيل لك أى شئ أقصر؟ فقل: الكلام. لأن الكلمة الواحدة قد تكون جوابًا لألف كلمة، وقد يكون جوابها ألف كلمة وأكثر، ولن تدرك الكلام حتى تدره ولن تدره حتى تحذره وفى القول خطأ كثر وبعضه صواب وإن الصمت منه لأصوب. فاترك منه مالا ينفع بأخذه، وخذ منه مالا تقدر على تركه، واسجن لسانك كما يسجن عدوه واحذره يحذر عائلته. [في النفس وآدابها] وقال في تأديب النفس: إذا أبصرت بعض ما تكره من غيرك فاسرع الرجعة قبل أن يبصره منك من يستره وأحمد الله تعالى الذى أحسن إليك وبَصَّرك عيوب نفسك ونبَّهك للرجوع من غيِّك وإذا أخبرك بعيبك صديق قبل أن يخبرك به عدو فأحسن شكره واعرف حقه فإن خبر العدو سيب وخبر الصديق تأديب. وفى ذلك أقول شعرًا: ولن يهلك الإنسان إلا إذا أتي ... من الأمر مالم يرضه نصحاؤه وقال في الحاسد: اعلم أنك لن تلقى من الخبر درجة ولن تبلغ منه مرتبة ولن تنزل منه منزلًا إلا وجدت فيه من يحسدك، وإنما الحاسد خصم فلا تجعله

حكمًا فإنه إن حكم لم يحكم إلا عليك، وإن قصد لم يقصد إلا إليك، وإن دفع لم يدفع إلا حقك. وفى ذلك أقول شعرًا: ولو كنت مثل القدح قائلًا ... ألا ما لهذا القدح ليس بقائم ولو كنت مثل النصل قابلًا (¬72) ... ألا ما لهذا النصل ليس بصارم تم كتاب أدب صالح بن جناح بفضل منشئ الْروح ومجرى الرياح الملك الوهاب الفتاح في سلخ (¬73) ذى الحجة على يد العبد الفقير أضعف الأنام راجيًا من ربه حسن الختام بجاه سيدنا ومولانا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم السلام كلما ناح الحمام وعلى آله وصحبه وأهل بيته وذريته وأمته أجمعين. والحمد لله رب العالمين آمين ¬

_ (¬72) (قابلا): هكذا بالأصل ولعل الصواب [قائلًا]. (¬73) سلخ: سلخ الشهر: مضى. الوسيط (1/ 442).

§1/1